طلوع سعد السعود، المجلد 1

اشارة

‏سرشناسه : مزاری، آغا
Mazari, Abu Ismail bin Awdah
‏عنوان و نام پدیدآور : طلوع سعد السعود فی اخبار و هران و الجزائر و اسبانیا و فرنسا الی اواخر القرن التاسع عشر = للاغابن عودة المزاری/ تحقیق و دراسة یحیی بو عزیز
‏مشخصات نشر : بیروت: دارالغرب الاسلامی ، ۱۹۹۰م. = ۱۳۶۹.
‏مشخصات ظاهری : ج‌۲
‏وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
‏یادداشت : ص. ع. به‌فرانسه:Tulu' Sa'd - a's - su'u'd(chronique d'oran, D'ran,D'Alger, d'Espagne de france Jusque'a la fin du xix eme siecle.
‏یادداشت : کتابنامه
‏موضوع : الجزایر -- تاریخ
‏موضوع : وهران -- تاریخ
‏موضوع : فرانسه -- تاریخ
‏موضوع : اسپانیا-- تاریخ
‏شناسه افزوده : بوغزیز، یحیی ، مصحح ، Bu Aziz, Yuhya
‏رده بندی کنگره : DT۲۸۵/م‌۴ط۸
‏شماره کتابشناسی ملی : م‌۸۱-۳۰۳۳۱

الجزء الأول‌

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

کلمة شکر و تقدیر

إن کتاب طلوع سعد السعود الذی نقدمه الیوم للقراء، عبارة عن موسوعة کبیرة تاریخیة، و ثقافیة و جغرافیة، و اجتماعیة، لعدد من بلدان العالم القدیم علی مستوی قاراته الأربعة: إفریقیا، و أوروبا، و آسیا، و أوقیانیا.
فقد توسّع مؤلفه الآغا إسماعیل بن عودة المزاری فی التأریخ لمدینة وهران، و الجزائر، و الغرب الوهرانی، و إسبانیا، و فرانسا، و الأتراک العثمانیین، من غابر العصور إلی عهده عام 1890 م. فأرخ لسیر أجیال من العلماء، و الأولیاء، و الأمراء، و السلاطین، و الملوک، و الخلفاء. و أسهب فی الحدیث عن النظام الإداری للأتراک فی بلادهم، و فی الجزائر، و بلدان المغرب، و عن قبائل المخزن فی الغرب الوهرانی، مع تتبع أصولها، و فروعها، و أدوارها السیاسیة و العسکریة خلال عهد الأتراک، و قبلهم، و بعدهم إلی عهده هو. و سلک طریق و أسلوب ابن خلدون فی وضع شجرات الأنساب لها.
کما أسهب فی التأریخ لأجناس أوروبا، و سکان إسبانیا، و فرنسا، و أقالیم الأرض الجغرافیة، و الجزر، و الأودیة، و الأنهار، و الخلجان، و المدن، و الموانی‌ء، و فی التأریخ لملوک اسبانیا الکاثولیکیة الحدیثة، و ملوک فرنسا من غابر الأزمان إلی نهایة القرن التاسع عشر.
و توسع فی الحدیث عن أصل جنس الأتراک فی آسیا. و نزوحهم إلی آسیا الصغری و تکوینهم لدولتهم، و استعرض ملوکهم و سلاطینهم جمیعا إلی عهده أواخر القرن 19 م. کما توسع فی التأریخ لبایلیک الغرب الوهرانی، و بایاته،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 2
و صراعهم ضد الوجود الإسبانی فی وهران و المرسی الکبیر، و استعرض الحکام الأتراک فی الجزائر. و تفرغ بعد ذلک لاستعراض مقاومة الأمیر عبد القادر بتوسع، و قدم لنا قراءة جدیدة لها سوف تسمح بأعادة النظر فی فهم و تفسیر الکثیر من أحداثها. خاصة مواقف قبائل المخزن من الأمیر عبد القادر، و مواقفه هو منها.
و أوجز فی التاریخ للأندلس الإسلامیة، و أورد قوائم للخلفاء الأمویین فی الشرق، و الأندلس، و الخلفاء الفاطمیین، و سلاطین المرابطین، و الموحدین، و الزیانیین، و المرینیین، و السعدیین، فی الجزائر، و المغرب الأقصی، و تتبع غارات الإسبان و الفرنسیین، علی الجزائر و تونس، فی العصر الحدیث، و تحدث عن الحروب الصلیبیة خلال حدیثه عن ملوک فرنسا.
و خلال کل هذا، تحدث المؤلف علی قضایا کثیرة، تاریخیة، و فکریة و أدبیة، و ثقافیة، و اعتمد علی مصادر کثیرة نثریة، و شعریة، مخطوطة، و مطبوعة.
مما أضفی علی المخطوط القیمة العلمیة المطلوبة. و هذا بغض النظر علی أسلوب السجع الممل الذی اتبعه، و رکاکة اللغة فی بعض الأحیان.
و إخراج هذا المخطوط إلی حیز الساحة الثقافیة بعد مضی قرن کامل علی تألیفه، یدخل فی إطار إحیاء التراث الفکری بمفهومه الواسع للبلدان المغاربیة أساسا، و الإسلامیة بصفة عامة.
و هذا ما تقوم به مؤسسة: دار الغرب الإسلامی بقیادة رئیسها الفاضل السید الحبیب اللمسی، الحریص علی أن یکون المثل و النموذج لعملیة الإحیاء هذه، التی بدأها منذ عدة سنوات، و أخرج إلی الساحة الثقافیة تراثا حضاریا هاما و متنوعا: فی العلوم، و الآداب، و التاریخ، و السیر، و اللغة، و الدین، و غیرها، و زوّد المکتبات العربیة و العالمیة بنصیب وافر، من أمهات الکتب، و نفائس المخطوطات، و قدم للأجیال الصاعدة جهود الأجداد الضخم الذی شارکوا به فی خدمة العلم، و الفکر، و الثقافة العربیة الإسلامیة، و الإنسانیة العالمیة.
و ما إقدام هذه الدار، و رئیسها الفاضل، علی طبع هذا المخطوط، و نشره، إلا دلیل آخر علی مدی الجهد الذی یبذله فی هذا المیدان.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 3
هذا و قد أدخلنا تحویرا جزئیا علی اسم المخطوط فی ظهر الغلاف الخارجی فقط، لیکون أکثر دلالة علی محتواه، و هو «طلوع سعد السعود، أو تاریخ و هران، و الجزائر، و إسبانیا، و فرنسا، من غابر الأزمان إلی نهایة القرن 19 م».
فإلی الأخ الفاضل السید الحبیب اللمسی، و إلی داره العامرة: دار الغرب الإسلامی، نقدم کل التحیة، و الشکر، و التقدیر، و السلام.
و اللّه الموفق
و هران- حی جمال الجمعة 25 رمضان 1410 ه.
20 أبریل 1990 م.
د. یحیی بو عزیز (جامعة وهران)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 5
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

تقدیم و توضیح‌

إن مخطوط طلوع سعد السعود فی تاریخ و هران و مخزنها الأسود. الذی نقدمه الیوم للقراء. قد استنفد منا عملا شاقا و طویلا، بسبب کبر حجمه، و تعقد إجراءات الحصول علی إذن لتصویره. و الوقت الطویل الذی استغرق فی نقله بالید، و ضربه علی الآلة الکاتبة، و مراجعته، و التعلیق علیه.
فقد استغرق الحصول علی إذن لتصویره من طرف وزارة الثقافة و السیاحة، أکثر من ستة شهور، و کان السبب فی ذلک المسؤول عن متحف زبانا بوهران الذی تلکأ و راوغ فی تنفیذ أمر الوزارة لأمور لا نعلمها، سامحه اللّه.
و استغرق نسخه بالید قرابة عام کامل، بسبب ضخامة حجمه، و صعوبة ضربه علی الآلة الکاتبة مباشرة. و بذل الأخ الطالب صدیقی سلیمان القنادسی.
جهودا مشکورة فی نسخه. و تحمل ذلک و تطوع رغم انشغاله بمتابعة دروسه.
لتحضیر شهادة اللیسانس فی التاریخ، و لو لا جهوده هذه، لتأخر إعداد المخطوط للطبع سنوات أخری. أو تعذر إطلاقا.
و تطلبت قراءته و تصحیحه، و التعلیق علیه، و تبویبه أوقاتا طویلة. و استغرق ضربه علی الآلة الراقنة قرابة عام کامل کذلک مع إعادة قراءته و تصحیحه و ترتیبه، و فهرسته، کل ذلک وسط الأشغال و الاهتمامات الیومیة التربویة و غیرها. و هنا لا بد من التنبیه علی عدة أمور:
أولا: توحد بالمخطوط أخطاء کثیرة جدا. و لا تخلو منها أیة صفحة فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 6
اللغة و قواعد اللغة، و الرسم، و الإنشاء، و الصیاغة، فاکتفینا بالإشارة و التنبیه علی البعض منها و ترکنا الباقی علی حالها، لأن الإشارة إلیها کلها. سیؤدی إلی تضخیم حجم المخطوط. ثم إنها لا تؤدی إلی عدم فهم المعلومات و الحوادث.
ثانیا: إن التعلیقات و الهوامش التی وضعناها للمقاصد الثلاثة الأولی، أثبتت أن المواصلة علی ذلک النهج سیؤدی إلی مضاعفة حجم المخطوط مرة أو أکثر، و لذلک خففنا منها کثیرا فی المقصدین الباقیین و الطویلین: الرابع، و الخامس. و اکتفینا فقط بالضروری منها.
ثالثا: أورد المؤلف قوائم کثیرة و طویلة لأسماء الأعلام الأجنبیة الرومانیة، و الیونانیة، و الإسبانیة، و الفرنسیة، و غیرها، فکتب البعض صحیحا، و حرف أخری، و لذلک حاولنا نحن تصحیح بعضها بکتابتها بالحروف اللاتینیة أمامها. أو فی الهامش. و ترکنا الباقی إلی حین التعرف علیها.
رابعا: لیس للمخطوط عناوین و لذلک وضعنا نحن له عناوین فرعیة مستقلة لیسهل التعرف علی موضوعاته، و العودة إلیها بدون مشقة، و صعوبة، و وضعنا أرقام الصفحات بین قوسین داخل النص.
خامسا: نظرا لطول المخطوط و کبر حجمه، فقد قسمناه إلی جزئین:
الجزء الأول: یشمل المقاصد الثلاثة الأولی. و القسم الأکبر من المقصد الرابع، و ینتهی عند نهایة الدولة الثامنة أو دولة الأتراک العثمانیین عام 1830 م، و یحوی 317 صفحة من المخطوط.
الجزء الثانی: یشمل القسم الأخیر من المقصد الرابع، و المقصد الخامس و الأخیر و یحتل باقی صفحات المخطوط إلی صفحة 582.
سادسا: بذلنا جهودا مکثفة للحصول علی سیرة المؤلف الآغا بن عودة المزاری. فلم نوفق، فقد راجعنا مجلة الجمعیة الجغرافیة و الأثریة لمدینة و هران.
و رجعنا إلی ما کتبه مارسیل بودان عن المخطوط، و لم نحصل علی شی‌ء، وزرنا أفراد عائلة المزاری فی سبدو، و مغنیة، و استجوبناهم فلم یفیدونا بشی‌ء و یجهلون أصلا هذا الرجل.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 7
و سألنا المسنین فی مدینة و هران، الذین لهم صلة بالعائلات المخزنیة فلم یفیدونا بشی‌ء.
و قد سجل المؤلف حیاته و سیرته فی مخطوطه، خلال تأریخه لرجال المخزن، بعد أن سجل سیرة والده الحاج محمد المزاری، و عمه مصطفی ابن إسماعیل. فی المقصد الخامس و الأخیر من مقاصد الکتاب من صفحة 538 إلی صفحة 545. و لکن هذه الصفحات بترت من المخطوط و یبدو أن ذلک تم عن عمد، و قصد. و لذلک بقیت حیاة هذا الرجل ثغرة. و لم نجد حالیا ما یملؤها. فأرجأنا ذلک إلی حین العثور علی معلومات جدیدة عنه، أو العثور علی الصفحات المبتورة من المخطوط. و قد قال فی صفحة 546 التی بقیت لم تبتر:
«ولی فی هذا الوقت ولدان بلامین أکبرهما إسماعیل، و الآخر الحسین».
و الشی‌ء المعروف عنه حالیا هو أنه ابن الحاج محمد المزاری الذی هو ابن أخ مصطفی بن إسماعیل، و کلاهما تولی وظیفة للأمیر عبد القادر، ثم للفرنسیین بعد أن انضما إلیهم فی حدود عام 1835 م. و من بعدهما تولی المؤلف ابن عودة المزاری وظیفة الآغا للفرنسیین، و لکن لا ندری متی تولی هذه الوظیفة، و متی ولد، و متی توفی کذلک، و المؤکد هو أنه توفی بعد عام 1897 م.
و قد یکون عاش إلی مطلع القرن الحالی و لا ندری أیضا أین توفی، و أین دفن، و لعلنا نکتشف فی یوم ما الأجوبة علی هذه الأسئلة و التساؤلات. فنضمها للطبعة التالیة إن شاء اللّه تعالی.
سابعا: وضعنا للمخطوط فهارس، للأعلام، و القبائل، و الجماعات، و الأماکن الجغرافیة، و أسماء الکتب. کل جزء بفهارسه الخاصة.
ثامنا: أضفنا إلی المخطوط فی الأخیر قائمة المراجع ذات الصلة بالموضوع، و منها المراجع التی اعتمد علیها المؤلف و أشار إلیها داخل النص.
تاسعا: إذا کان ما بد من شکر أحد فهو الناسخ للمخطوط الأخ الطالب و الأستاذ صدیقی سلیمان، و المسؤولون عن مدیریة التراث بوزارة الثقافة و علی رأسهم الأخ عبد اللّه بالسریانی، ثم الأخ الضابط الصدیق إیمخلاف رئیس القطاع العسکری بولایة النعامة و الأخ قاسمی الهاشمی بالإذاعة الجهویة بوهران اللذان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 8
ساعدانی فی ضرب المخطوط علی الآلة الراقنة، فإلیهم و إلی غیرهم شکری و تقدری.
عاشرا: و قد زودنا هذه الدراسة فی الأخیر بقوائم لأسماء أباطرة الرومان و البیزنطیین، و ملوک فرنسا، و إسبانیا، و حکام و هران الأوائل، و السلاطین العثمانیین، و حکام الجزائر فی العهد العثمانی، و بثلاثة خرائط لوهران؛ و المنطقة الوهرانیة التی شهدت أحداث الإسبان، و المرسی الکبیر.
حادی عشر: لقد أدخلنا تحویرا جزئیا علی عنوان المخطوط الأصلی لیکون أکثر دلالة علی محتواه، و ذلک علی ظهر الغلاف الخارجی فقط، و أصبح هکذا: «طلوع سعد السعود أو تاریخ و هران و الجزائر و إسبانیا و فرنسا». (من غابر العصور إلی نهایة القرن 219). أما فی الداخل فقد أبقینا علی العنوان الأصلی للأمانة التاریخیة.
و أرجو أن یجد الطلاب و الباحثون، و الأساتذة فی المعاهد و الجامعات، ضالتهم فی هذا المخطوط الذی لا شک أنه سیزودهم بمعلومات واسعة، عن تاریخ و هران، و الغرب الوهرانی و الجزائر، و إسبانیا و فرنسا، و عبر التاریخ خاصة خلال عهد الأتراک العثمانیین و عهد الاحتلال الفرنسی إلی عام 1890 م.
و اللّه الموفق:
وهران- حی الصدیقیة الخمیس 29 شعبان 1409 ه 06 أبریل 1989 م
د. یحیی بو عزیز
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 9

المخطوطات‌

اشارة

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 11
الصفحة الأولی من مخطوط: طلوع سعد السعود.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 12
الصفحة الثانیة من مخطوط: طلوع سعد السعود.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 13

تمهید فی التعریف بمخطوط طلوع سعد السعود فی أخبار وهران و مخزنها الأسود

للآغا بن عودة المزاری مؤلف هذا المخطوط هو أبو إسماعیل ابن عودة بن الحاج محمد المزری البحثاوی، کما جاء فی مطلع الصفحة الأولی منه التی تحمل رقم 2. و یعرف عن الناس فی الناحیة الغربیة بالآغا المزاری. و کان أبوه الحاج محمد المزاری، و عم أبیه مصطفی بن إسماعیل، قد تولیا منصب: و وظیفة «الآغا» عند الأمیر عبد القادر أولا، ثم عند الفرنسیین بعد أن انضما إلیهم فی حدود دیسمبر 1835 م الموافق لأواخر شعبان 1251 ه. کما جاء فی صفحات 431- 434 من المخطوط نفسه.
و یقع هذا المخطوط فی مجلد کبیر یحتوی علی 582 صفحة من مقاس 19* 25، و تتراوح أسطرها بین 18 و 30 سطرا، و کتب بخط مغربی واضح، و سهل القراءة علی طریقة المصحف الکریم المغربی، بحیث تنقط الفاء من أسفل و القاف من أعلی بنقطة واحدة.
لیس للمخطوط عنوان علی ظهره بالصفحة الأولی، و لکن ذکر داخل الصفحة الثالثة و فی آخرها. و قد بدئی بالصفحة الثانیة، بینما أبقیت الصفحة الأولی بیضاء، و لا توجد به صفحة رقم 505، و ذلک لخطأ فی الترقیم فقط، إذا انتقل المؤلف من رقم 504 إلی رقم 506 مباشرة. و لکن المخطوط تنقصه ثمانی صفحات من رقم 538 إلی رقم 545، إذ اقتلعت منه أربعة أوراق، و ذلک فی المقصد الأخیر منه. و من سوء الصدف أن الصفحات الناقصة هی التی تتصل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 14
بحیاة المؤلف نفسه، و موقفه من الأمیر و المقاومة الوطنیة. و یبدو لنا أن هذه الصفحات انتزعت عن قصد و لغرض معین کذلک، و کل صفحة من صفحات المخطوط یبدؤها المؤلف بالعبارة التالیة:
«اللهم صلّ علی الحبیب محمد و آله و صحبه و سلم». و ذلک علی یمین صفحة الیمین، و یسار صفحة الیسار.
و یوجد هذا المخطوط فی مکتبة متحف زبانا بمدینة و هران تحت رقم 466، و جلد بغلاف من الورق المقوی ذی اللون البنی المائل إلی الخضورة، و کتب علی ظهر حاشیته القاعدیة الجلدیة الحمراء بالحروف اللاتینیة، المزری.
تاریخ و هران. و لیس له نظیر علی ما نعرف، بحیث تتفرد به مکتبة هذا المتحف دون غیرها .
و یضم هذا المجلد بین دفتیه ثلاثین کرّاسا، کل منها یتألف من عشرة أوراق ما عدا:
کراس رقم 26 الذی یحتوی علی 12 ورقة من صفحة، 480 إلی 504.
و کراس رقم 27 الذی یحتوی علی 12 ورقة کذلک من صفحة 506 إلی 529.
و کراس رقم 28 الذی یحتوی فقط علی 8 ورقات من صفحة 530 إلی 553، و هو الکرّاس الذی تنقص به الصفحات التی تخص حیاة المؤلف و بعض أفراد أسرته.
و کراس رقم 30 الأخیر الذی یحتوی فقط علی 5 ورقات من 574 إلی 582.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 15

أقسام المخطوط و تاریخه‌

و یتألف هذه المخطوط من خمسة أقسام یحمل کل منها اسم المقصد:
- المقصد الأول: فیمن بنی و هران، و فیمن أمر ببنائها و أی تاریخ بنیت فیه.
و به 8 صفحات من 4 إلی 11.
المقصد الثانی: فی ذکر بعض أولیائها و التعریف بهم، و به 20 صفحة من 11 إلی 30.
- المقصد الثالث: فی ذکر بعض علمائها و التعریف بهم، و به 9 صفحات من 30 إلی 38.
- المقصد الرابع: فی ذکر الدول التی حکمتها و هی تسعة و به 486 صفحة من 38 إلی 523.
- المقصد الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد، و به 59 صفحة من 523 إلی 582. و تنقص به ثمانی صفحات من 538- 545.
و لیس لهذا المخطوط تاریخ محدد لتألیفه، و لکنه ألف فی نهایة عقد الثمانینات و مطلع التسعینات من القرن التاسع عشر، و ذلک استنادا إلی کلام المؤلف نفسه فیما أورده فی صفحتی 520 و 521 حول تواریخ حکام الجزائر و وهران. فقد قال عن الحاکم العام تیرمان بأنه «تولی یوم 16 نوفمبر 1881 م و ما یزال علیها حتی الآن سنة 1890 م». و قال عن سعدیة کارنو الذی یحکم و هران بأنه «تولی سنة التسلیم (و هی 1888) و هذا الرایس هو الموجود الآن فی عام التسعین و الثمانمائة و الألف الموافق للعام الثامن و الثلاثمائة و الألف».
و استنادا کذلک إلی التقریظ الذی وضعه للمخطوط فی صفحته الأخیرة السید عبد العالی شبکه و أثبت فی نهایته التاریخین 1897 م و 1314 ه و أذن له فی طبعه. و إلی التقریظ الذی وضعه له کذلک بعد التقرظ الأول، السید عبد الرحمن بن سلیمان المصری المالکی، و لکنه لم یضع له تاریخا علی أی حال.
لیس للمخطوط عناوین مستقلة، ما عدا فی المقاصد الثلاثة الأولی و جزء من المقصد الرابع صفحة 57 فإن له عناوین علی هوامش الصفحات توضع دائما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 16
تحت کلمة: قف، غیر أن المؤلف یبرز عناوینه داخل الصفحات بکتابتها بالخط الغلیظ، و یستعمل المداد الأحمر فی کتابة الکلمات الأولی أو الحروف الأولی للکلمات فی بدایة الجمل و الفقرات التی من المفروض أن تکون فی بدایة السطر، لأنه لا یتوقف اطلاقا قبل تمام السطر لیبدأ فی الآخر، کما هو متعارف حالیا، غیر أنه یستعمل النقط الغلیظة للفصل بین الجمل و الفقرات حتی و لو مع عدم تمام المعنی، و یستعمل المداد الأحمر کذلک لوضع سطور تحت الکلمات، و الحروف، و کل عناوین الکتاب من وضعنا نحن.
و یختلف عدد أسطر الصفحات، و شکل الخط، حسب الکیفیة التالیة:
- فالصفحات الأولی لغایة صفحة 120 تقریبا، عدد أسطرها بین 18 و 19 و خطها واسع.
- الصفحات من 120 إلی 298 عدد أسطرها بین 19 و 20. و خطها مضغوط نوعا ما.
- و الصفحات الباقیة من 299 إلی نهایة المخطوط عدد أسطرها بین 24 و 30 و کتابتها مضغوطة جدا و دقیقة.
أغلب الصفحات استعمل فیها المؤلف المداد الأحمر، و الباقی لم یستعمل فیها، و هناک بعض الأوراق یقطعها، و یستبدلها بغیرها و یلصقها الصاقا. و هذا واضح فی عدة مواطن من المخطوط. و بما أن المخطوط یتألف من 30 کرّاسا فإن المؤلف رقمها کلها فی بدایتها علی الیسار بالتتابع من 1 إلی 30 و ذلک بوضع الرقم فوق حرف الکاف هکذا: ک 2. و یعنی کراس 2.
و مما تجدر ملاحظته هنا أن کل عناوین الکتاب من وضعنا نحن و لم نحاول أن نشیر لکل أخطاء الکتاب اللغویة، و الرسم، لأنها کثیرة جدا. و تتطلب الإشارة إلیها زیادة لا أقل من ربع حجم الکتاب. کذلک تجنبنا التعقیب و التدخل کثیرا فی المعلومات لأن ذلک یتطلب زیادة حجم الکتاب بالنصف علی الأقل.
و قد کانت تجربة التعلیقات فی المقاصد: الأول، و الثانی، و الثالث، خیر دلیل علی هذا. إذ زادت علی حجم کل مقصد علی حدة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 17

محتویات المقاصد الخمسة

- المقصد الأول: یقع فی عشر صفحات، و موضوعه فیمن بنی و هران و أی وقت بنیت، و من أمر ببنائها، و من أشرف علی ذلک، و فی وصف الرحالة و المؤرخین لها. و قد ذکر المزری أنها بنیت فی القرن الثالث الهجری، و لکن هناک خلاف فی السنة. فالحافظ أبوراس له روایتان:
الأولی: فی کتابه، عجائب الأسفار، مفادها أن مغراوة هی التی بنتها بأمر من الخلیفة الأموی بالأندلس عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، و الذی أشرف علی بنائها هو خزر بن حفصی بن صولات بن وزمار ابن صقلاب، بن مغراو الزناتی المغراوی. و هذا یعنی أنها بنیت فی وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمن بن الحکم تولی الخلافة عام 206 ه، و توفی فی ربیع الآخر عام 288 ه، کما فی المختصر لأبی الفداء.
الثانیة: فی کتابیه: عجائب الأخبار، و الخبر المعرب، و تفید أن الذی بناها هو خزر بن حفص حقیقة، و لکن الذی أمر ببنائها هو الخلیفة الأموی بالأندلس أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، و ذلک اما سنة 290 أو 291 أو 292. و قد رجح الزیانی الذی نقل علیه، التاریخ الثالث و الأخیر لأن هذا الخلیفة تولی الخلافة عام 275 و توفی عام 300 ه کما فی مختصر أبی الفداء. و قد بناها قبل وفاته بعشر سنوات کما فی دلیل الحیران.
أما عبد الرحمن الجامعی فقد ذکر فی شرحه علی الحلفاویة أنها بنیت من طرف مغراوة و فی أیام أمرائها، و لکنه لم یحدد السنة و تجنب ذلک حتی لا یقع فی حرج أو خطأ. بینما أکد کل من محمد بن یوسف القیروانی، و أبی عبید اللّه البکری، و ابن خلکان، و الرشاطی، و الصفدی، کل فی تاریخه بأن الذین بنوها هم: محمد بن أبی عون، و محمد بن عبدوس، و محمد بن عبدون، و جماعة من البحارة الأندلسیین الذین کانوا ینتجعون مرسی و هران، مع نفزة و بنی مسقن، و هم بنو مسرغین من أزدیجة و کانوا أصحاب القرشی، و هو الخلیفة الأموی بالأندلس، و ذلک عام 290 ه.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 18
و قد استعرض أوصاف الرحالة و المؤرخین لها کالزیانی، و ابن خلکان، و أبی راس المعسکری، کل ذلک نقلا حرفیا عن دلیل الحیران لشیخه محمد ابن یوسف الزیانی فی ست صفحات کاملة.
- المقصد الثانی: فی ذکر بعض أولیائها بحسب الاستطاعة و التعرض بالذکر لمن هو منهم شریف، و قد اعتمد فیه علی دلیل الحیران حرفیا و مما قاله بالحرف الواحد: «اعلم أیدنی اللّه و إیاک بأنواره و نفعنی و إیاک بأسراره أن أولیاءها عددهم کثیر، و حصرهم عسیر و لکنی أذکر منهم المشاهیر کما ذکرهم شیخنا الزیانی فی الفصل الثالث من دلیل الحیران و أنیس السهران.
و قد استعرض المؤلف فی هذا المقصد سیر و مناقب، و حیاة عدد من أولیاء و هران عددهم حوالی 53 ولیا صالحا، و توسع فی ترجمة البعض مثل الشیخ محمد بن عمر الهواری، الذی خصه بثمانی صفحات و تلمیذه إبراهیم التازی الذی خصه بأربع صفحات و نصف الصفحة. أما الباقی فقد اختصر تراجمهم فی ما بین نصف الصفحة، و ثلثها و ربعها و سطر، و نصف السطر، بل أن عددا کبیرا منهم أوردهم بأسمائهم فقط، و ذلک لقلة المعلومات عنهم لدیه علی ما یبدو.
و من ضمن من ترجم لهم إلی جانب من ذکر: سیدی هیدور، و دادة أیوب، و محمد بن یبقی، و سیدی غانم، و عبد اللّه بن خطاب، و أحمد بن أبی جمعة الوهرانی، و بلخیر الجماعی، و سیدی الغریب، و سیدی البشیر بن یحیی، و بدر الدین، و سیدی السنوسی، و الخروطی، و محمد بن یعزی، و سیدی قتادة بالمختار، و عبد اللّه رحو التیجینی، و فرقان الفلیتی، و سیدی أحمد الفیلالی الضریر. کل ذلک فی 20 صفحة من المخطوط.
- المقصد الثالث: فی ذکر بعض علمائها من حیث بنیت للآن. اعتمد فیه کذلک علی دلیل الحیران للزیانی، و قال: «اعلم أیدنی اللّه و إیاک بنوره، و نفعنی و إیاک بسره، و وقانا من ضروره أن علماءها عددهم کثیر و حصرهم شدید عسیر، و لکنی أذکر منهم إن شاء اللّه تعالی المشاهیر کما ذکرهم شیخنا الحافظ المحقق سیدی و مولای، و سمط محیای العالم الربانی الشریف الحسن أبو عبد اللّه محمد ابن یوسف الزیانی فی الفصل الثالث من کتابه دلیل الحیران».
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 19
و قد ترجم لحوالی 63 عالما، توسع فی البعض منهم و اختصر فی الباقی کما فعل فی مقصد الأولیاء. و کرر فی هذا المقصد ذکر عدد من أولیاء وهران عدهم من العلماء کذلک، و هم: الشیخ الهواری، و إبراهیم التازی و سیدی یحیی البوعنانی، و سیدی محمد بن یبقی، و سیدی غانم، و أحمد بن أبی جمعة المغراوی.
و من العلماء الذین ترجم لهم کذلک: أبو إسحاق إبراهیم الوهرانی و أبو تمیم الواعظ، و أبو زید عبد الرحمن مقلاش، و أبو عبد اللّه محمد بن أبی جمعة الوهرانی المغراوی، و الکاتب المستغانمی محمد بن حسن، و السید أحمد ابن الخوجة، و مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی، و الشیخ الطاهر بن الشیخ المشرفی، و محمد بن عبد اللّه سقاط المشرفی، و الحاج عبد القادر بن مصطفی المشرفی، و الخوجة السید مسلم بن عبد القادر الذی کان کاتبا لدی البای الباهی حسن آخر بایات و هران. کل ذلک فی تسع صفحات.
- المقصد الرابع: و هو أطول مقاصد الکتاب یحتل خمسة أسداس المخطوط تقریبا. و یشغل 486 صفحة کاملة. و قد تحدث فیه المزاری علی الدول التی حکمت و هران و المغربین الأوسط و الأقصی علی سبیل الترتیب من یوم بنیت إلی زمن المؤلف و عددها تسعة کما فی دلیل الحیران دائما، و هی:
1- دولة الأمویین بالأندلس القائمین بأمور زناتة و عمالهم مغراوة و أولهم خزر، و ذلک فی 4 صفحات من 38 إلی 41.
2- و العبیدیون و هم الشیعة فی 15 صفحة من 41 إلی 56.
3- و المرابطون و هم الملثمون فی 12 صفحة من 57 إلی 68.
4- و الموحدون فی 23 صفحة من 68 إلی 91.
5- و الزیانیون و هم بنو عبد الواد فی 13 صفحة من 91 إلی 104.
6- و المرینیون بنو أحمامة ثم الزیانیون فی 33 صفحة من 104 إلی 137.
7- و الإسبانیون فی 39 صفحة من 137 إلی 176.
8- و الأتراک و هم الترک فی 141 صفحة من 176 إلی 317.
9- و الفرنسیین فی 208 صفحة من 317 إلی 523.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 20
و قد أکثر المؤلف فی هذا المقصد من الاستطرادات التی أخرجته تماما عن موضوعه الأصلی، و أغرقت تاریخ و هران فی محیط تاریخ العالم کله تقریبا و خاصة بلدان المغرب، و الأندلس، و فرنسا، و البلاد العثمانیة بالمشرق، و سنحاول أن نقدم فیما یلی موجزات و مختصرات، لما توسع فیه من تاریخ هذه الدول أو العهود التسعة، للتعریف بمحتویاتها، و التنبیه إلی ما هو مهم منها:
أولا: الدولة الأولی بنو أمیة و عمالهم مغراوة و أولهم خزر بن حفص الذی اختطها و بناها فی القرن الهجری الثالث، و کان جده الأعلی و زمار بن صقلاب ابن مغراو، قد أسلم علی أیدی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح، فأرسله ضمن وفد إلی المدینة لمقابلة الخلیفة الثالث لرسول اللّه، سیدنا عثمان بن عفان، فجدد إسلامه علی یدیه کذلک، و من ثم بقیت مغراوة موالیة لبنی أمیة، مثلما فعلت صنهاجة عند ما بقیت موالیة للعلویین العبیدیین بإفریقیا.
و قد أورد المؤلف تفاصیل عدة عن أحداث و هران و ولاتها المغراویین بعد خزر مثل ابنه محمد، و الخیر بن محمد، و تحدث عن إحراقها عام 297 ه و تجدیدها فی العام الموالی و عن حروب محمد بن خزر مع أزدیجة و عجیسة، و صلات ابنه الخیر بالمروانیین بالأندلس خاصة عبد الرحمن الناصر، و اتساع ملکه علی معظم المغربین الأوسط و الأقصی إلی السوس الأدنی، و الصحراء، و حروبه مع الشیعة، و غزوه لبسکرة و الزاب و المسیلة و تدویخه للمغرب الأوسط تدویخا کاملا إلی أن حصل خلاف له مع أبیه، شدید، فأرسل الخلیفة الناصر من الأندلس قاضی قرطبة الفقیه منذر بن سعید الولهاصی البلوطی لیصلح بینهما، و یبقی الأمر هکذا حتی سیطر الشیعة العبیدیون علی و هران. و قد استغرق ذلک أربع صفحات نقلها من دلیل الحیران.
ثانیا: دولة الشیعة الرافضة، و العبیدیون، و العلویون، و الفاطمیون، و قد شرح فیها أسباب تسمیتهم بهذه الأسماء و الألقاب و سیطرتهم علی و هران.
و انتقال الحکم فیها إلی بنی یفرن، و قیام یعلی بن محمد الیفرینی ببناء مدینة إیفکان عام 338 ه، فی ضواحی بنی راشد بسفح جبل أوسلاس، و نقله سکان و هران إلیها بعد أن خربها، و نقل مقر حکمه إلیها کذلک، ثم شرح بعد ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 21
کیف مال محمد بن الخیر بن خزر المغراوی إلی الشیعة، و التحق بالمعز لدین اللّه الفاطمی فی القیروان، و عاد مع جیش جوهر الصقلی إلی تیهرت و تم قتل الیفرینی غدرا، و خرب جوهر مدینة إیفکان و عاد محمد بن الخیر إلی حکم و هران، فبث فیها و فی غیرها الدعوة الشیعیة الفاطمیة العبیدیة، و قد استعرض أحداث الخزریین فی هذا العهد الثانی و أشار إلی بناء مدینة و جدة عام 384 ه من طرف زیری بن عطیة، و إلی فساد العلاقة بین زیری بن عطیة، و المنصور بن أبی عامر بالأندلس، و ختم هذا العهد و هذه الدولة بذکر أسماء حکام و هران خلال العهدین: المغراوی الخزری، و الشیعی الفاطمی، و ذکر أنهم ستة عشر حاکما، عشرة مغراویون، و اثنان من أزدیجة و عجیسة، و واحد شیعی، و واحد یفرینی، و اثنان صنهاجیان. و أورد کذلک أسماء ملوک الأمویین المروانیین بالأندلس، و عددهم ستة عشر ملکا و أسماء ملوک و خلفاء بنی أمیة بالمشرق و عددهم أربعة عشر، و أسماء ملوک الشیعة العبیدیین، و عددهم أربعة عشر ملکا، و ملوک الأدارسة بالمغرب الأقصی و عددهم ثلاثة عشر. و ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط و عددهم واحد و عشرون: أربعة بتلمسان، و أربعة برشقون و ثلاثة بجراوة، و ثلاثة بتاهرت، و سبعة بتنس. و قد استغرق الحدیث عن هذه الدولة 15 صفحة من المخطوط.
ثالثا: دولة المرابطین الملثمین، ابتداء من یوسف بن تاشفین مؤسس مدینة مراکش، و قد استعرض فیها أحداث هذه الدولة فی المغربین الأقصی، و الأوسط، و الفتوحات و التوسعات التی قامت بها، و بناء مدینة مراکش، و أحداث و هران و مشاکلها خلال ذلک، و ذکر أن ملوک صنهاجة الملثمین، الذین یبلغ عددهم اثنین و أربعین أمیرا ینتمون إلی ثلاثة فرق هی:
1- البولکانیة: نسبة إلی بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی، و عددهم خمسة و عشرون ملکا: عشرة بإفریقیا (تونس)، و عشرة ببجایة و واحد بالمغرب الأوسط، و أربعة بالأندلس.
2- المرابطون الملثمون اللمتونیون: و عددهم اثنا عشر.
3- الغانیة: أو بنو غانیة أولاد المرأة التی یقال لها غانیة و هی بنت عم یوسف ابن تاشفین. و عدد ملوکهم خمسة ما بین بجایة و تونس.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 22
و قد استغرق الحدیث علی هذا العهد 12 صفحة من المخطوط.
رابعا: دولة الموحدین، و قد تحدث فیها عن سبب تسمیتهم بالموحدین و عن المهدی بن تومرت داعیة هذه الدولة، و نسبه، و دعوته، و عن عبد المؤمن و نسبه، و أصله، و سیرته، و أولیات حیاته، و بدایة حکمه، و فتوحاته، و قیامه بمسح جغرافی لبلدان المغرب من برقة إلی واد نون بالسوس الأقصی، بالفراسخ، و الأمیال، طولا و عرضا، مع إسقاط الثلث بعد ذلک الذی یشغل الأودیة، و الجبال، و الغابات، و الشعاب، و السباخ، و الطرقات، و الخرابات، و ذلک من أجل تحدید الخراج بها. و تحدث عن قیام عبد المؤمن ببناء مدینة البطحاء بأرض هوارة، و مدینة الفتح بجبل الفتح فی الأندلس التی نقل إلیها عددا من سکان الحشم بإفریقیا للاستقرار بها.
و بعد ذلک استعرض تاریخ خلفائه من بعده، و أحداثهم و حروبهم أحیانا بإیجاز و أحیانا بالتفصیل، و ختم ذلک بإیراد إحصاء لعدد ملوک و أمراء هذه الدولة الموحدیة و عددهم 47 ملکا: منهم 14 بالمغرب الأقصی، و 29 بإفریقیا (تونس)، و 3 ببجایة، و واحدة بالمهدیة و طرابلس، و حدد الأقالیم و الأوطان التی وصل إلیها حکمهم، و خضعت لهم و استغرق ذلک 23 صفحة من المخطوط.
خامسا: الدولة الخامسة و هم الزیانیون و بنو زیان، و العبد لوادیون، و بنو عبد الواد، و قد تحدث فیها عن سبب تسمیتهم بذلک، و أصلهم و نسبهم، و کیفیة وصولهم إلی الحکم ابتداء من جابر بن یوسف بن یاغمراسن و استقلالهم بتلمسان و المغرب الأوسط، و استعرض أحداث أمراء هذه الدولة و تاریخ و هران و أحداثها خلالها، و أورد بعض الصراعات و الحروب التی کانت تحصل بین بنی زیان و بنی مرین حول السلطة و النفوذ علی کل أقالیم المغرب العربی، و تدخل بنی حفص فی الصراع کذلک، و ما انجز عن ذلک من التقلبات السیاسیة و التمردات، و الانقلابات. و قد استغرق ذلک 13 صفحة من المخطوط.
سادسا: دولة المرینیین و یقال لهم بنو أحمامة، و قد تحدث عن تسمیتهم، و نسبهم، و مواطنهم بالزاب، و فیقیق، و تافیلالت و ملویة، و عن کیفیة وصولهم إلی الحکم، و أول ملکهم بالمغرب الأقصی عبد الحق، و من جاء بعده من الأمراء
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 23
و الملوک، هذا وراء الآخر، مع اختصار أحداثهم إلی عهد أبی الحسن المرینی، و ابنه أبی عنان، و ما حصل بینهما من الأحداث و المشاکل.
و خلال هذا شرح أحداث و هران و تعاقب الحکم فیها بین بنی زیان و بنی مرین حوالی خمس مرات مثلما حصل لتلمسان و باقی المغرب الأوسط، نظرا لحدة الخلافات و الصراعات بین الفریقین، و قد استغرق ذلک 33 صفحة من المخطوط.
سابعا: «الدولة السابعة و هم الإسبانیون، و یقال لهم السبنیول سموا بذلک نسبة لمدینة إسبانیا بقطع الهمزة المکسورة و سکون السین المهملة، و فتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساکن، ثم نون موحدة من أعلی مکسورة ثم یاء مثناة من تحت بعدها ألف مقصورة». و قد تحدث فیها عن عاصمة إسبانیا ماتریج (مجریط)، و موقعها، و موقع إسبانیا و مساحتها، و الدول و الملوک الذین تعاقبوا علیها، و سکانها، و عددهم و أصولهم، و أقسام إسبانیا السیاسیة الثلاثة عشرة، الثمانیة الساحلیة و الخمسة الداخلیة، و أشهر مدنها، و جبالها، و أنهارها، و أنهار العالم کلها، و جباله، و موقع إسبانیا فی أوربا، و باقی القارات الخمس، و سکانها و دول العالم جمیعها، فی القارات الخمس. و قد توسع فی الحدیث عن أصل السکان الإسبان إلی أن وصل إلی عهد فیردینند، و إزابلا، الکاثولکیین فی القرن 15 م. و استعرض بعد ذلک أحداث الغزو الإسبانی لوهران و المرسی الکبیر، و ضواحیهما و أحوازهما بکثیر من التفصیل و شرح سعی الإسبان لترکیز وجودهم بهما، و فرض سیطرتهم علی المناطق المجاورة و مقاومة السکان لهم، و تحدث عن سکان هبرة، و أصلهم و فروعهم، و استعرض الغزوات الإسبانیة، و توسعاتهم خارج و هران علی طول سواحل الجزائر، و تونس، و طرابلس، و تتبع تاریخ ملوک الإسبان أمثال فردینند الأول، و فیلیب الأول و الثانی، و الثالث، و کارلوس الأول، و الثانی، و الثالث، و الرابع، و استطرد للحدیث عن قدوم الأتراک إلی مدینة الجزائر ابتداء من خیر الدین و عروج و سعیهم لتحریر و هران ابتداء من حسن بن خیر الدین إلی البای شعبان الزناقی، و اغتنم فرصة حدیثه عن محاولة السلطان العلوی إسماعیل تحریر و هران، فأورد أسماء ملوک بنی وطاس بفاس،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 24
و ملوک العلویین، و أشار إلی التحصینات الإسبانیة بوهران، و استغرق ذلک 39 صفحة من المخطوط.
ثامنا: «دولة الأتراک و هی الدولة الثامنة التی حکمت و هران و قد تحدث عن أصل الأتراک، و منبتهم، و بلادهم فی أقصی المعمورة و ما وراء النهر إلی الصین، و السد الذی بناه ذو القرنین، و عن انتشارهم فی الأرض، و إسلامهم، وجدهم الأول عثمان، و نسبه، إلی آدم علیه السلام، و أخذ بعد ذلک یستعرض تاریخ ملوک و سلاطین العثمانیین إلی عهد السلطان عبد الحمید الثانی الذی کان یحکم فی عهده أواخر القرن 19 م تم تطرق للحدیث عن وصول الأتراک إلی الجزائر، و أسباب ذلک و تاریخه، و استعرض حکامهم و أمراءهم بها، مع أحدائهم ابتداء من عروج و خیر الدین إلی الدای حسین باشا آخرهم بالجزائر.
و توقف عند أحداث استعادة الإسبان لوهران عام 1732 بعد أن حررها بوشلاغم قبل ذلک عام 1708 لمدة ربع قرن، و أرخ للأحداث التی تلت ذلک، و الغزوات الإسبانیة المتکررة علی الجزائر خلال عهد الدای محمد عثمان باشا فی أعوام 1775 و 1783، و 1784 م. أثناء حکم الملک الإسبانی کارلوس الثالث، و عاد بعد ذلک للحدیث عن فتح و هران، و تحریرها التحریر الثانی و النهائی علی أیدی البطل الشجاع البای محمد بن عثمان الکبیر، و حشد من طلبة العلم، و الفقهاء و العلماء، و حفاظ القرآن الکریم، و أورد حکایات و تفاصیل کثیرة حول الموضوع. ثم استطرد للحدیث و التاریخ عن باقی ملوک إسبانیا قبل أن یعود للتأریخ عن نظام الحکم الترکی بالجزائر الإداری و العسکری و أجهزة الحکم، و أقسام البایلیکات، و أجهزة الحکم، و الألقاب، و الرتب، و التخصصات، و تحدث عن عواصم بایلیک الغرب: مازونة مع بایاتها، و تلمسان مع بایاتها، ثم قلعة بنی راشد، و معسکر، و وهران و مستغانم أخیرا، و شرح أجهزة حکم البایات، و تنظیماتهم الإداریة و السیاسیة و العسکریة، و الاقتصادیة، و اختصاصات الموظفین، و رتبهم، و نظام الدنوش.
و بعد کل هذا شرع فی الحدیث و التأریخ بالتفصیل، لبایات بایلیک الغرب ابتداء من حسن بن خیر الدین إلی مصطفی بوشلاغم المسراتی و أبنائه، و البای
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 25
محمد بن عثمان الکبیر و ابنه عثمان إلی أن وصل إلی الباهی حسن آخر بایات و هران و بایلیک الغرب و قد خصص حیزا کبیرا للحدیث عن البایات المسراتیة، و أعمالهم و منشآتهم العمرانیة فی معسکر، و مستغانم، و وهران، و قلعة سیدی راشد، کما خصص حیزا کیرا للحدیث عن ثورة درقاوة، و التیجانی ضد بایات بایلیک الغرب، و ما حصل خلالهما من الأحداث و التطورات، و الحروب، و القلاقل و الاضطرابات و تحدث عن قبائل المخزن الخمسة ببایلیک الغرب و هی:
الدوائر، و الزمالة، و الغرابة، و البرجیة، و المکاحلیة، و لم ینس أن یتحدث عن مقتل الرئیس حمید و خلال مواجهته للمراکب الأمریکیة فی البحر، و عن الصلح الذی تم علی أثر ذلک بین الجزائر، و أمریکا، و غارات الإنکلیز علی الجزائر، إلی أن وصل إلی حملة الاحتلال الفرنسی علی الجزائر عام 1830 م، و قد استغرق ذلک 141 صفحة من المخطوط. و قد استقی کل معلوماته و نقلها عن دلیل الحیران.
تاسعا: «ثم ملک و هران الدولة التاسعة و هی الفرنسیس و یقال لهم أیضا الفرنج، فتسمیتهم بالفرنج قدیمة التأسیس ثم سمتهم العامة بعدها بالفرنسیس نسبة إلی بلدة افرانسا بقطع الهمزة، و هی قاعدتهم القدیمة، و ملک دارهم القویمة، و تقرأ بالجیم بدل السین أیضا لا حرجا کما قال ابن خلدون».
و قد تحدث عن نسب الفرنسیین، و مملکتهم، و موقعها، و حدودها و عاصمتهم، و موقع فرنسا من أوربا، و سکانها، و نسلهم، و دیانتهم، و عددهم و مساحة فرنسا، و أشهر مدنها، و موانیها، و خلجانها، و جبالها، و أودیتها و جزرها، و بواغیزها، و الشعوب، و الدول، التی توالت علیها من الإغریق إلی اللاتین، و الفرنجة، و الغالیین، و شرع بعد ذلک فی الحدیث و التأریخ لملوک فرنسا ابتداء من فرامون الذی تولی سنة عشرین من القرن الخامس المیلادی إلی نابلیون الثالث، و عددهم ثلاثة و سبعون ملکا فاستعرض أحداثهم أحیانا باختصار، و أحیانا بتوسع، سواء فی فرنسا أو خارجها، و ذلک زیادة علی رؤساء الجمهوریات الذین جاؤوا بعدهم و قد قسمهم إلی أربع طبقات:
1- المیروفینجیون، و عدد ملوکهم 22.
2- الکارلوفینجیون و عدد ملوکهم 13.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 26
3- الکبیسیان و ینقسمون إلی ستة فروع:
أ- الکابی و عددهم 14.
ب- رومیارد و فالوا و عددهم 7.
ج- دورلیان و عددهم واحد.
د- سیفوائد دیفیلوا و عددهم 5.
ه- بوربون، و عددهم 5.
و- أورلیان و عددهم 2.
4- النابولیونیون و عددهم 3.
و قد عدد المؤلف سلاطین فرنسا کما قلت واحدا وراء الآخر من فرامون أوائل القرن الخامس المیلادی إلی شارل العاشر الذی تم فی عهده احتلال الجزائر، و لویس فیلیب بعده الذی تمت فی عهده مقاومة الأمیر عبد القادر التی دامت سبعة عشر عاما کاملة، و من الأحداث التی تناولتها: الحروب الصلیبیة، و دور الأمراء الفرنسیین فیها، و غزو لویس التاسع لمصر، و قصة أسره فی المنصورة، و غزوة لتونس، و موته بها، و قد استغرق ذلک 124 صفحة من المخطوط.
ثم تفرغ للحدیث بالتفصیل کشاهد عیان، عن أحداث مقاومة الأمیر عبد القادر، و جهاده و أحداثه و حروبه الواسعة، و المکثفة، و استطرد للحدیث عن أعمال أبیه الحاج محمد المزری و دوره مع الأمیر عبد القادر أولا ثم مع الفرنسیین ثانیا، و عن دور عم أبیه مصطفی بن إسماعیل کذلک مع الأمیر أولا ثم الفرنسیین ثانیا مثل أبیه، و استعرض قصة تخلیهما عن الأمیر و التحاقهما بالجیش الفرنسی، و تعرض للحدیث بالتفصیل کذلک عن کیفیة احتلال فرنسا لوهران، و التفاف زعماء المخزن حول الشیخ محی الدین الغریسی الراشدی، و اتصالهم بسلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام، و عرضهم علیه أن یبایعوه سلطانا علی المغرب الأوسط کذلک مقابل إمداده لهم بالدعم المادی للمقاومة، و قبوله لذلک و إرساله ابن أخیه علی إلی تلمسان، ثم تراجعه، و قیامهم بالإلحاح علی محی الدین لمبایعة ابنه عبد القادر أمیرا للجهاد و المقاومة، و مما قاله عن هذه المبایعة بالغمز و اللمز: «و کان أول من مد یده فبایعه من هؤلاء
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 27
السادة السید الأعرج بن محمد بن فریحة من أولاد سیدی محمد بن یحیی ...
و لما عقدوا له البیعة ... قال بعض علماء و أولیاء اللّه بغریس سبحان اللّه هذه البیعة لا یستقیم لصاحبها حال، و لا یهنأ له قرار و منال، و لا شفقة له و رحمة فی الأعیان و غیرم من النساء و الرجال و إنما هو سفاک للدماء، و لیس من السادات الرحماء لکون أول من بایعه اسمه الأعرج، و المحل المبایع فیه اسمه الدردارة، فلا ریب أن أیامه و أحکامه و أحواله عرجاء و لا تستقیم و إنما تبقی مدردارة، و هلا کان اسم و محل غیر هذین من الأسماء التی یکون بها التعاون و لا تدل علی الریب و البین، قلت و کأنه أخذ فی فراسته من قضیة المبایعة للإمام سیدنا علی ابن أبی طالب ... لأن أول من بایعه سیدنا طلحة بن عبد اللّه أحد العشرة ...
و کانت یده قد شلت فی قضیة أحد فیما اشتهر فقال حبیب بن ذؤیب ... إنا للّه و إنا إلیه راجعون، و أول من بدأ بالمبایعة ید شلاء لا یتم هذا الأمر. و لما سمع الأمیر الراشدی المقاتلة (کذا) أسرها فی نفسه و أضمر الفتک بمن سیظفر به من علماء و أولیاء غریس، فکان بعد ذلک بینه و بینهم من العداوة الواضحة التغریس» (ص 402).
و بعد هذا استطرد المؤلف للحدیث عن المخزن، و إحداث الدوایر و الزمالة و استسلامهم للفرنسیین و إمضائهم معهم معاهدة من 12 بندا لتنظیم العلاقة بینهم. و قد تحدث بتوسع عن مقاومة الأمیر عبد القادر و معارکه کما قلنا، و ذکر أحداث أسری سیدی إبراهیم، و عین تیموشنت و بلعباس و تلمسان، و معارک المقطع و الهبرة، و آرزیو، و مستغانم و وهران، و مسرقین، و موقف سلطان المغرب الأقصی عبد الرحمن بن هشام منه، و محاربته له، و مقتل بلأحمر، و بعثة البوحمیدی إلی فاس، و أسره و قتله بالسم، و شرح بالتفصیل کذلک بعض خلفیات استسلام الأمیر عبد القادر و مما قاله فی هذا الصدد: «و لما رأی الأمیر قلة جیشه صعد لیلا لبنی یزناسن، و من الغد أخذ عیاله و صار بمن معه فی التردد هل یرجعون لناحیة الدولة أو یذهبون علی وجدة لناحیة توات. و قد سدت علیه الدولة طرق المجاز و هو لا علم له بذلک، ثم أسرع السیر بقصد أن یأخذ أسفل الجبل و یصعد علی وجدة و یذهب لصحراء المغرب إلی أن یصل إلی توات، و یستریح من جمیع المهالک، فبینما هو سائر إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة و کان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 28
فی تلک العسة رجلان أحدهما یقال له محمد بن خوجة الزمالی و الآخر یقال له أحمد بن حطاب الدایری، و هما من أهل السیاسة فی الفعلة و القولة، فاجتمعا به و عرفاه بأنفسهما و قالا له أیها الأمیر أین ترید الذهاب، فأخبرهما بالواقع، فقالا له نحن لا طاقة لنا علی إهلاکک و لا تسریحک للجواز بغیر ارتیاب، و لکن الرأی عندنا الذی ندلک علیه هو أن تسلم نفسک للدولة و تکتب لهم بأنک رجعت لهم برضاک و نحن نضمن لک إن شاء اللّه تعالی أن لا یقع لک شی‌ء و تریح نفسک من هذا التعب و نحن من تلامذتک فقد رأینا لأن لک مصلحة و تصیر من أهل الراحة لا من أهل الوصب. فقال، فوافقهما علی ذلک و کتب لهما کتابا للجنرال لمنسییر (لامورسییر) یطلب فیه من الدولة الأمن و الأمان، فأخذ محمد بن خوجة الزمالی تلک الرسالة و ذهب مسرعا لولد الرأی، و أبی هراوة (لامورسییر) «ص 508».
و قد ترجم المؤلف للأمیر بعد استسلامه و تتبع مراحل حیاته باختصار فی فرنسا، و دمشق الشام إلی أن توفی عام 1883 م، و أشاد به و بخصاله، و أعماله، و بعد ذلک ترجم لحیاة نابولیون الثالث، الحاکم الثالث و السبعون. من ملوک فرنسا، و أشار إلی أحداث ثورة أولاد سیدی الشیخ باختصار، و إلی زیارة نابولیون الثالث للجزائر عام 1860 و عام 1865، و أورد خطابه الذی ألقاه علی السکان الجزائریین.
و ختم هذا المقصد الرابع، و هذه الدولة التاسعة، باستعراض أسماء الحکام الفرنسیین الذین حکموا الجزائر إلی عهده و عددهم 27 حاکما، آخرهم ترمان الذی کان ما یزال یحکم تلک السنة عام 1890 و أسماء الضباط الذین حکموا و هران و عمالتها و عددهم 14 حاکما لغایة عام 1890 کذلک.
و ذکر أن مساحة عمالة و هران 972، 572، 11 هکتارا، منها:
- 972، 979، 2 ه تخضع للحکم المدنی.
- 800، 572، 8 ه تخضع للحکم العسکری.
و أن فرنسیی الجزائر ینقسمون إلی ثلاثة طوائف:
1- الخاصة: و هم العسکریون و یتوزعون علی سبعة أصناف أو طبقات:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 29
الکبلار: و المرسلوجی: و الفسیان:(L'officier) .
و القبطان:(Le capitaine) و الکماندات:(Le commandant) و الکولونیل:
( Le colonel )
. و الجنرال(Le General) .
2- العامة: و هم المدنیون، و عبر عنهم بطبقة العمومی، و یتوزعون إلی أربع طبقات:
المیر:(Le Maire) و الأدمنیستراتور:(L'administrateur) .
و السوبریفی:(Le sous -Prefet) و البریفی:(Le Prefet) .
3- الشرعی: و عددهم أربعة:
الجوج:(Le Juge) و وکیل الدولة:(Procureur D'etat) .
و البریزیدان:(Le President) و البّروکیرو جینیرال:(Procureur General) ) .
و قد استغرق هذا العهد التاسع أو هذه الدولة التاسعة 208 صفحة من المخطوط، و هو ما یمثل ثلثی المخطوط کله: و یبدو أنه أراد أن یتقرب من السلطات الفرنسیة بتوسعه فی عهدهم و فترتهم، و تاریخ بلادهم فرنسا، فأقحم نفسه فی موضوع لیس من تخصصه، و لا شک أن أحدا من المتخصصین هو الذی زوده بالمعلومات التی صاغها فی مخطوطه بأسلوبه هو، أو أسلوب من کتب المخطوط کله.
- المقصد الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد، و استغرق 60 صفحة من المخطوط رغم أنه عین المراد کما ذکر المؤلف نفسه. و قد استعرض فیه المؤلف فرق المخزن و العائلات المخزنیة بکثیر من التفصیل و أورد شجرات
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 30
النسب لها و لفروعها، و فرقها فی الغرب الوهرانی، و ذلک منذ عهد الأتراک حتی عهده هو أواخر القرن 19. و قد تتبع أصول هذه العائلات منذ القدم بالجزیرة العربیة، و خلال هجرة عرب بنی هلال إلی هذه البلاد المغربیة، و وضح ذات الأصل العربی من غیره، و تتبع تاریخ زعمائها من العهد الترکی إلی عهده هو.
و تأثر بابن خلدون فی وضع شجرات نسب فرق و قبائل المخزن.
و قد عرف المزری المخزن بقوله: «إن المخزن هو الناصر للدولة کیفما کانت، و حیثما وجدت و تملکت و باتت، و النسبة إلیه مخزنی، و مخازنی، مفرد المخازنیة فی تحقیق المبانی و سمی بذلک لأنه یخزن بصدره ما یولمه إلی وقت الظفر و حصول الانتقام فیفعله بصاحبه و به یلزمه، و قد یطلق المخزن مجازا علی دار الحاکم نفسها فی المستبن و منه قولهم إنی ذاهب إلی دار المخزن».
ثم ذکر أن مخزن و هران علی قسمین و هما: المخزن الشرقی و المخزن الغربی، فالشرقی هو نجع المکاحلیة، و أولاد سیدی عربی، و صبیح، و أولاد العباس، و غیرهم من أهل النواحی الشرقیة من واد مینا إلی واد الشلف.
و الغربی هو نجع الدوایر، و الزمالة، و الغرابة، و البرجیة، لا غیر. فالدوایر و البرجیة إخوة یتناوبون الخدمة بینهما و یتداولونها و أصل الریاسة فی الدوایر للبحایثیة، و خلال عهد الأتراک صارت تدور بین ثلاثة فرق و مجموعات هی:
البحایثیة، و الکراطة، و البناعدیة. و صارت فی عهد إیالة الدولة (الفرنسیس) للدوایریة ذات المحایثیة. و هی نوبة بین هذه الفرق الأربعة بالترتیب، و لو أن البحایثیة هی أکثر الفرق التی تتولی ریاسة المخزن.
و أصل الریاسة فی البرجیة نوبة بین فریقین فی إیالة الترک و هما: النقایبیة و البلاغة و الزیانیون، و فی عهد الأمیر (عبد القادر) انتقلت لغیرهما، ثم عادت لهما فی عهد الفرنسیس مدة قبل أن تتمخض للنقایبیة.
و ینتمی البحایثیة إلی أولاد المسعود من سوید، و ینحدرون من عرب بنی هلال: المحال، أو المطارف، علی خلاف فی ذلک بین المؤرخین. و کان جدهم المسعود صاحب الریاسة علی سوید خلال عهد بنی مرین و بنی زیان، و توارث أبناؤه الریاسة أبا عن جد خاصة فی عهد الأتراک العثمانیین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 31
و ینقسم البحثاویون أولاد البشیر البحثاوی إلی أربع طبقات:
الطبقة الأولی: أولاد إسماعیل البحثاوی، و عددهم سبعة أخوة هم: قدور الکبیر، و عثمان، و قدور الصغیر، و مصطفی، و عدة، و محمد، و الحاج بلحضری. و قدور الکبیر هو والد الحاج محمد المزری والد المؤلف بن عودة المزری.
الطبقة الثانیة: أولا عدة بلبشیر، و عددهم ستة أخوة ذکورهم: علی و منصور، و قدور، و أعمر، و الحاج محمد، و البرادعی الکبیر.
الطبقة الثالثة: أولاد یوسف بلبشیر، الذی تولی قیادة الدوایر علی عهد الأتراک، و خلف ولدین هما: عدة، و علی.
الطبقة الرابعة: أولاد الموفق بلبشیر البحثاوی.
أما الکراطة: فهم أولاد الشریف الکرطی، و اسمه عبد اللّه بن عبد الرزاق التلاوی القرطی من شرفاء الراشدیة بمدینة الکرط إحدی مدن غریس الغربی.
أما البناعدیة: فنسبة إلی جدهم بن عدة بن خدة المنحدر من ذریة الشیخ السنوسی، و أصلهم من أجواد واد الحمام، من أجواد الحشم.
و أما الدوایدیة: فأصلهم من هبرة، و کان أبوهم داوود وکیلا علی آغا عثمان بن إسماعیل البحثاوی بهبرة، و منهم الکولونیل بن داود.
و أما البرجیة: فإن الریاسة فیهم انحصرت فی النقایبیة، و البلاغة.
فالنقایبیة: ینحدر جدهم من قبیلة خلافة، و هم أبناء عم الأمیر عبد القادر یجتمعون معه فی الجد أحمد بن عبد القادر الشهیر بابن خدة، و سموا بالنقایبیة نسبة إلی محمد أبی نقاب.
و البلاغة: نسبة إلی جدهم أعمر البلغی الزیانی.
و فیما یخص الزمالة و الغرابة: فهم فریق صغیر، و أخوة متناصرون. و قد اختصت الزمالة بتولیة مناصب: الآغا، و القاید، علی القسمة، و العرش، و انحصرت الریاسة فی ثمانیة أعراش منها و هی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 32
1- المخالیف: نسبة إلی جدهم مخلوف، و أصلهم من بنی زروال.
2- القدادرة: نسبة إلی جدهم قدور بن علی بن الحبوشی، و هم أخوة للعلایمیة.
3- القرایدیة: و یقال لهم المعایزیة، نسبة إلی جدهم قرادة أو إلی أحمد أبی معزة بن الحبوشی والد قرادة، و هم أخوة للقدادرة و العلایمیة.
4- الوراردیة: نسبة إلی جدهم وارد الذی ینحدرون منه.
5- المخاترة: و یقال لهم الزوابیریة، نسبة لجدهم القریب المختار، و لجدهم البعید الزبیر، و یقال لهم أیضا أولاد یحیی بالزبیر.
6- الونازرة: نسبة إلی جدهم و نزار الذی جاء علی ما قیل من الساقیة الحمراء.
7- الیساسفة: نسبة إلی جدهم یوسف.
8- الشوایلیة: نسبة إلی جدهم أو جدتهم شایلة، و هم من الحشم بغریس.
و أما الغرابة: فإنهم عرش ملتقط کالزمالة و الدوایر. و یطلق لفظ العبید علی الدوار، و قد انقسم عرش الغرابة إلی عرشین: غربی، و شرقی، و انحصرت الریاسة فی عرش الغرابة فی ثمانیة فروع هی:
1- الوراردة: نسبة لجدهم موسی بن وارد.
2- العلایمیة: نسبة لجدهم أبی علام بلحبوش، من منطقة تافیلالت.
3- الخدایمیة: نسبة إلی جدهم أبی خادم.
4- الوناونیة: نسبة لجدهم و نان ابن العبد من أهل غریس.
5- السهایلیة: نسبة لجدهم سهلیة (أو محمد بن شاعة).
6- المحامید: نسبة لجدهم محمود بالحشم الشراقة، و أصلهم من حمیان.
7- الرفافسة: نسبة لجدهم الرفاس من أولاد عوف.
8- العوایلیة: و یقال لهم أولاد بن عوالی نسبة لجدهم بن عوالی، أو جدتهم عوالی، و هم من جبال عمور بشمال الصحراء.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 33

بعض الملاحظات حول محتوی المخطوط

ذلک هو ملخص شکل و محتوی مخطوط: طلوع سعد السعود فی أخبار و هران و مخزنها الأسود، لمؤلفه الآغا بن عودة المزاری، و من خلاله نخرج بالملاحظات و النتائج التالیة:
أولا: لیس هناک توازن بین مقاصده الخمسة التی هی أقسام له. فالأربعة مقاصد من ضمن الخمسة لا تحتل سوی سدس المخطوط، و بالضبط سبعة و تسعون صفحة، بینما المقصد الباقی یحتل خمسة أسداسه، و بالتفصیل:
المقصد الأول یحتل ثمانی صفحات، و الثانی عشرین، و الثالث تسعا، و الرابع أربعمائة و ستة و ثمانین صفحة (486) و الخامس تسعة و خمسین.
و مرد ذلک یعود إلی أن المؤلف اتبع و سلک أسلوب و طریقة الأقدمین فی التألیف، فحاول أن یتحدث عن کل شی‌ء، و أکثر من الحشو و الاستطرادات، بشکل کبیر و واسع، و أخرجه عن الموضوع الذی حدده لنفسه، و جعله یتیه فی موضوعات بعیدة عن موضوعه، خاصة فی المقصد الرابع الذی یمتد عبر فترة زمنیة طویلة علی مدی ثلاثة عشر قرنا و الذی جعله یترک تاریخ و هران جانبا، و یؤرخ لمعظم الدول الإسلامیة بالمغرب و الأندلس و البلاد العثمانیة بالمشرق، و لبلادی فرنسا و اسبانیا.
ثانیا: لیست کل المعلومات التی جاء بها المؤلف فی المخطوط صحیحه، خاصة عندما یؤرخ لبلدان أوربیة کفرنسا، و اسبانیا، و بلدان شرقیة کالدولة العثمانیة، أو عندما یتحدث عن المعلومات الجغرافیة، للقارات و بعض البلدان الأوربیة، فرغم سعة المعلومات التی سردها فی مخطوطه الضخم الذی یقع فی 582 صفحة، إلا أنه اعتمد علی السرد، و النقول الکثیرة من مصادر متعددة و متنوعة نثریة، و شعریة، لکل ما هب و دب، و نادرا ما یدلی برأیه أو یعارض رأی غیره.
ثالثا: لغة المخطوط سهلة، و بسیطة، و لکنها کثیرة الأخطاء و الأغلاط اللغویة، و فی قواعد النحو، و الصرف، و الرسم، و البلاغة، و یطغی علیها السجع الممل غیر البلاغی، و غیر السلیم من الأخطاء فی اللغة و القواعد، و الذی لا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 34
یهدف إلا إلی الملائمة فقط بین خواتم الجمل و الفقرات، و الکلمات، و لو علی حساب قواعد اللغة، و الرسم و البلاغة. و قد استعمل هذا السجع حتی فی اسمه فی صدر الصفحة الأولی من المخطوط حیث قال: «یقول العبد الضعیف الراجی عفو ربه و غفران سائر المساوی، أبو إسماعیل ابن عودة الساری بن الحاج محمد المزری البحثاوی، آمنه اللّه بمنه و کرمه، و لطفه، آمین، آمین، آمین، آمین».
و أشرنا إلی بعضها فقط بکلمة: کذا بین قوسین. و أهملنا الباقی لکثرته.
رابعا: اعتمد المؤلف علی مصادر عدیدة تفوق الخمسین، نثریة تاریخیة، و شعریة أدبیة، بعضها عامة، و أغلبها متخصصة، و لکنه لا یشیر إلی الصفحات، أو الفصول، أو الأبواب، ما عدا فی کتاب دلیل الحیران. و أکثر نقوله من کتب أبی رأس المعسکری، و من کتاب دلیل الحیران لشیخه محمد بن یوسف الزیانی، و اعتماده علی هذه المصادر تم علی ستة أشکال و طرق.
- الطریقة الأولی: یذکر فیها اسم المؤلف و اسم کتابه بالکامل مثل:
عبد الرحمن بن خلدون فی کتاب العبر.
یحیی بن خلدون فی بغیة الرواد فی ذکر الملوک من بنی عبد الواد.
ابن رشیق فی میزان العقل.
البکری فی المغرب فی ذکر بلاد إفریقیا و المغرب.
ابن أبی زرع فی روض القرطاس.
لسان الدین بن الخطیب فی رقم الحلل.
ابن رشیق فی میزان العقل.
ابن أبی دینار فی المؤنس فی أخبار إفریقیا و تونس.
التنسی فی نظم الدر العقیان فی شرف بنی زیان.
أبو الفوز السویدی فی سبائک الذهب.
أبو محمد صالح فی الأنیس المطرب بروض القرطاس.
ابن هشام فی التیجان.
الیفرینی فی نزهة الحادی.
ابن خلکان فی وفیات الأعیان و أنباء أبناء الزمان.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 35
محمد بن یوسف الزیانی فی دلیل الحیران و أنس السهران و فی أخبار مدینة و هران.
أبو إسحاق الشاطبی فی الجمان.
القسطلانی علی شرح البخاری.
ابن بطوطة فی تحفة النظار فی غرائب الأمصار و عجائب الأسفار.
أحمد بن عبد الرحمن البوشیخی الشقرانی فی القول الأوسط فی بعض من حل بالمغرب الأوسط.
أبو راس المعسکری:
أ- عجائب الأسفار.
ب- عجائب الأخبار.
ج- الخبر المعرب.
د- الشماریخ.
ه- الحلل السندسیة أو نفیسة الجمان.
و- روضة السلوان.
- الطریقة الثانیة: یذکر فیها اسم الکتاب فقط دون الإشارة إلی مؤلفه مثل: صحیح الحکایة المؤذنة للنصاری بالنکایة.
در الأعیان فی أخبار مدینة و هران.
بهجة الناظرین و آیة المستدلین.
أنیس الغریب و المسافر.
المجسیطی.
- الطریق الثالثة: یذکر فیها اسم المؤلف مضاف إلی تاریخه هکذا:
الغازی بن قیس فی تاریخه.
الیافعی فی تاریخه.
أبو فارس فی أرجوزته.
عبد الرزاق بن أحمادوش الجزائری فی تاریخه.
ابن سعید المغربی فی تاریخه.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 36
أبو الفداء الحموی فی مختصره.
عبد الرحمن الجامعی فی رجز الحلفاوی.
- الطریقة الرابعة: یذکر فیها اسم الکتاب مسبوقا بکلمة صاحب هکذا:
صاحب أثمد الأبصار.
صاحب القرطاس.
صاحب الجغرافیة.
صاحب الخمیس.
صاحب الخریدة.
- الطریقة الخامسة: یذکر فیها اسم المؤلف فقط مثل:
الرشاطی- الصفدی- القلصادی- ابن رزقون- ابن مطروح- ابن نحیل- الشیخ المشرفی- الشبراملسی.
- و هناک طریقة سادسة: لا یذکر فیها اسم المؤلف و لا کتابه و إنما یقول:
قال بعضهم، أو قال بعض مؤرخی النصاری. و هذا کله فی القسم الأول من المخطوط لغایة صفحة 176 تقریبا. أما بعد ذلک و لغایة نهایة التألیف فإنه أهمل کل هذه الطرق و الأشکال و أصبح یستعمل فقط الکلمات التالیة: قیل، یقال، قال، یحکی.
أما عندما یستشهد بالأشعار فإنه یذکر أصحابها دائما.
خامسا: و مع کل هذا فإن المخطوط یکتسی أهمیة کبیرة من کذا وجه:
أ- فی المخطوط تراجم و قوائم لعدد کبیر من الشخصیات العلمیة و الدینیة الصوفیة، اشتهرت بهم وهران سواء ممن أنجبتهم، أو عاشوا و توطنوا بها، حتی أصبحوا من أهلها، من القرن الثالث الهجری إلی زمن المؤلف فی نهایة القرن التاسع عشر المیلادی، و مطلع القرن الرابع عشر الهجری، و جمع هذا الحشد من تراجم العلماء و الأولیاء فی مخطوط واحد قلما توجد فی غیره ما عدا فی دلیل الحیران، و ذلک طبعا بالنسبة لوهران، و لیس لغیرها، و لو أن کل المعلومات نقلها عن شیخه الزیانی فی دلیل الحیران کما اعترف هو بذلک.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 37
ب- و فی المخطوط تفاصیل واسعة و مهمة عن مقاومة الأمیر عبد القادر من أولها إلی نهایتها، أوردها المؤلف کشاهد عیان لها تدخل فی إطار المذکرات و التقایید الشخصیة له، و هذه التفاصیل تتیح لنا قراءة جدیدة لجهاد الأمیر، و مواقفه السیاسیة، و معارکه العسکریة و سلوکه مع رفاقه، و مواقف رجال المخزن منه، و منهم: المزاری نفسه و أبوه الحاج محمد المزری، و عمه مصطفی بن إسماعیل، و الدوایر، و الزمالة، و الحشم، و العلماء، و التجار، و الیهود. و مواقف الفرنسیین منه و من العائلات المخزنیة و القاعدة الشعبیة.
إن هذا القسم سیقدم أشیاء جدیدة للمکتبة التاریخیة الجزائریة الحدیثة، و یعطی تفاصیل جدیدة، و تقیما جدیدا لکفاح و جهاد الأمیر عبد القادر. و هذا مما یعطی الأهمیة لهذا المخطوط، مع الملاحظة أنه لیس من اللازم أن تکون کل المعلومات التی یقدمها لنا المزاری صحیحة خاصة و أنه فی النهایة أصبح خصما للأمیر، و صدیقا للفرنسیین إن لم یکن عمیلا لهم.
ج- یکتسی المقصد الخامس و الأخیر أهمیة خاصة لأنه أرخ فیه لفرق و قبائل المخزن بالناحیة الغربیة من عهد الأتراک إلی زمانه و أورد تفاصیل واسعة عن أنسابها، و أصولها، و وظائفها، و سلطاتها، و نفوذها، و أدوارها سواء مع الأتراک، أو مع الأمیر عبد القادر، أو مع فرنسا، و قد تأثر فیه بأسلوب ابن خلدون فی وضع شجرات الأنساب.
إن هذا المقصد، بأحداثه و تفاصیله الواسعة، یمثل درة المخطوط و یسمح بالقیام بدراسات و استنتجات هامة للحیاة الاجتماعیة، و السیاسیة و الاقتصادیة، و العسکریة، و یکشف فی الوقت نفسه علی مدی سعة اطلاع المؤلف، و حسن استیعابه للأحداث و التطورات السیاسیة و الاجتماعیة لهذه البلاد خاصة بایلیک الغرب الوهرانی منه، هذا کله إن صح أن المخطوط من تألیفه هو.
د- کذلک یکتسی المخطوط أهمیة خاصة بالنسبة للقسم الذی أرخ فیه لبایلیک الغرب و بایاته منذ أن ظهر البایلیک فی مطلع القرن السادس عشر إلی سقوطه عام 1831 م، و للأحداث التی تخللت ذلک مثل دور رجال و قبائل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 38
المخزن، و سیاسة البایات، و ثورة درقاوة، و ثورة التیجانی، و أجهزة البایلیک، و تنظیماته الإداریة، و الاقتصادیة و مواقف السکان من الحکام.
و فوق هذا کله یعتبر هذا المخطوط موسوعة بحاله لأحداث کثیرة و متنوعة: تاریخیة، و جغرافیة، و اجتماعیة، و اقتصادیة، و سیاسیة و عسکریة، لیس فقط بالنسبة لوهران و الجزائر، و إنما لکل بلدان المغرب، و الأندلس، و المشرق العربی الإسلامی، و أوربا، و إفریقیا و آسیا، و أمریکا، و الجزر الأوقیانیة. و هذا بقطع النظر عن صحة المعلومات وجدتها، فهذا موضوع آخر متروک للباحثین و المحققین. و مرتبط کذلک بشخصیة المؤلف نفسه و مستوی ثقافته، و الفترة الزمنیة التی أنجزه فیها. کل هذه الأمور و الجوانب تتدخل فی ذلک.
ه- فی المخطوط مجموعة کبیرة من القطع و القصائد الشعریة الطویلة و القصیرة، الفصیحة و الملحونة. تتخله من أوله إلی آخره. أقصرها بیتان، و أطولها 118 بیتا. و یوردها المؤلف للاستشهاد علی حادث من الأحداث، أو تدعیم. رأی أو توضیح مقولة، أو تفنیدها، طبعا نقلا من غیره خاصة دلیل الحیران. و کتب أبی راس.

هل مخطوط طلوع سعد السعود من تألیف المزاری؟

هذا سؤال کبیر، و تساول، کان مطروحا منذ مطلع القرن الحالی و لربما کان مطروحا فی حیاة بن عودة المزاری نفسه أواخر القرن التاسع عشر. و هناک خلفیات، و حیثیات کثیرة فرضت إطلاق هذا السؤال، و ذلک التساول، یمکن بعد التعرف علیها و استعراضها، التوصل إلی جواب قد یکون صحیحا مائة فی المائة.
و سنوجز هذه الخلفیات و الحیثیات فی محورین اثنین:
المحور الأول: یتمثل فی الإشاعات التی نقلها لنا مارسیل بودان عام 1924، و لخصها فی الأمور التالیة:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 39
أولا: شاع فی أوساط المتعلمین الأهالی بمدینة و هران بأن کتاب طلوع سعد السعود فی الحقیقة، و الواقع، هو عمل سی محمد بن یوسف الزیانی الذی أرغم علی التنازل عنه مقابل «وظیفة قاضی» لأسباب خارجة هنا عن الموضوع، و استقبل من طرف عائلة المزاری، و خدم الأخیر کمعلم له.
ثانیا: و من رأی هؤلاء المتعلمین أن ابن عودة المزاری، رجل السیف و البارود (أی الحرب)، و لیس رجل القلم و السجادة، و لا یقدر بواسطة الدروس التی تلقاها عن شیخه محمد بن یوسف الزیانی، أن یؤلف کتابا تاریخیا، و لیس بإمکانه ذلک.
ثالثا: إن مخطوط طلوع سعد السعود، مقتبس، و منقول غالبا من مخطوط عن تاریخ و هران بعنوان: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة و هران.
و هذا المخطوط مؤلفه معروف بالتحدید و هو محمد بن یوسف الزیانی و لکنه لم یکن قد رؤی إطلاقا. و افترض البعض أن سی محمد بن یوسف الزیانی أعطی اسما جدیدا لمؤلفه التاریخی، و ذلک مما منح الحق للمزاری، و سمح له أن یقول بأنه هو المؤلف لمخطوط: طلوع سعد السعود.
و مما ذکره مارسیل بودان فی تقییمه لمخطوط طلوع سعد السعود قوله:
«مهما یکن مؤلف طلوع سعد السعود، فمما لا شک فیه أنه تابع لعائلة آغویة من الدوایر، أو کان یعیش فی وسطها لأنه استطاع أن یقدم لنا فیه معلومات مهمة حول أحداث تخص حکومة الدای حسین، ثم إن طلوع سعد السعود یقدم معلومات مفصلة جدیدة غیر معروفة، أو یکمل، أو یصحح، معلومات کانت معروفة من قبل.
«و علی العکس فی بعض الأحیان یسکت إطلاقا عن بعض الأحداث مثل قیام البای حسن بقتل صهره الخاص مصطفی تشورمی:Tcheurmi و أحیانا یشرح بکیفیة سیئة سکوته عن حدث کان بإمکانه أن یوضحه و یعدله، حتی فی بلاد الإسلام، حیث حوادث عائلته حصلت بکیفیة متواترة».
«و طریقة المؤلف فی التألیف واضحة، و سریعة السرد، عن طریق السجع.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 40
یتوسع أحیانا، و یفصل أحیانا، و یستعمل أحیانا ألفاظا و جملا لا معنی لها اطلاقا سوی کونها تتلاءم مع السجع» .
المحور الثانی: یتمثل فی المقارنة بین کتاب: دلیل الحیران للزیانی، و طلوع سعد السعود للمزاری فیما یخص: المخطط، و العناوین و الأقسام، و الترتیب، و المحتوی. و هذه المقارنة هی التی ستکشف لنا الحقیقة، و أکاد أجزم أنها ستقدم لنا الجواب الصحیح.

المقارنة بین دلیل الحیران و طلوع سعد السعود

فیما یلی هذه المقارنة مع العلم بأن کتاب دلیل الحیران الذی اعتمدناه فی هذه المقارنة، هی النسخة التی حققها و نشرها الشیخ المهدی البو عبدللی البطیوی، و لیس المخطوط نفسه. و هی نسخة مبتورة فی الوسط، و فی الأخیر، و لکنها مع ذلک صالحة للمقارنة کما سنری:
- قسم محمد بن یوسف الزیانی کتابه: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة و هران إلی أربعة فصول:
الأول: فی التعریف بوهران.
الثانی: فی ذکر من اختطها و أی وقت و لماذا سمیت بوهران.
الثالث: فی ذکر بعض علمائها و أولیائها و من جلب لها الماء إلی أن صارت مورد ضمآن.
الرابع: فی ذکر من ملکها من حین اختطت إلی هذا الزمان.
- و قسم بن عودة المزاری کتابه: طلوع سعد السعود فی أخبار و هران و مخزنها الأسود إلی خمسة مقاصد:
الأول: فی من بنی وهران و أی وقت بنیت فیه و وصفها بالتعریف.
.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 41
الثانی: فی ذکر بعض أولیائها بحسب الاستطاعة و التعرض بالذکر إلی من هو منهم شریف.
الثالث: فی ذکر بعض علمائها من حیث بنیت إلی الآن.
الرابع: فی ذکر دولها علی سبیل الترتیب من حیث بنیت إلی هذا الزمان، و ما أذکر من غیرهم فذلک رغبة لإتمام الفائدة.
الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد و التعرض إلی سیرته الجمیلة التی لا یکون فیها الانتقاد.
و یتضح من هذا التقسیم أن المزاری قلد شیخه الزیانی فی عناویه و نقلها عنه حرفیا و خالفه فقط فی إطلاقه علی الفصل اسم المقصد، ثم أن المزاری أدمج الفصلین: الأول و الثانی من دلیل الحیران، فی مقصد واحد بکتابه، و عکسهما فقدم الثانی و أخر الأول. و أهمل الفقرة التی خصها الزیانی لاستعراض الأقوال السبعة التی تخص تسمیة المدینة بوهران.
و علی العکس من ذلک قام المزاری بتقسیم الفصل الثالث من دلیل الحیران إلی مقصدین اثنین فی کتابه: واحد تحدث فیه عن أولیاء و هران، و الآخر عن علمائها. و نقل ذلک حرفیا عن الزیانی، و أهمل التفاصیل التی أوردها الزیانی عن رکن الدین ابن مجرز و هرانی.
أما الفصل الرابع: فقد اتبع فیه المزاری نفس التقسیم الذی وضعه الزیانی فی دلیل الحیران، و نقله عنه حرفیا. و قد قال الزیانی: «اعلم أنّ الذین ملکوا و هران من حین اختطت إلی هذا الزمن تسع دول و أما الأدارسة، و السلیمانیون فلم أذکرهم لأنهم لم یملکوا و هران».
ثم أخذ الزیانی یستعرض الدول التسعة علی الشکل التالی:
الدولة الأولی: مغراوة عمال الأمویین أمراء الأندلس و الکلام علیهم فی خمسة مواضیع:
الأول: فی التعریف بهم و ذکر نسبهم.
الثانی: فی بطونهم.
الثالث: فی ذکر علمائهم و أولیائهم.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 42
الرابع: فی ذکر سبب إسلامهم و صیرورتهم موالی لبنی أمیة.
الخامس: فی ذکر من ملک منهم و هران.
و قد نقل المزاری نفس عنوان الزیانی، و أغفل الموضوعات الأربعة الأولی و نقل حرفیا الموضوع الخامس بحذافیره.
الدولة الثانیة: العبیدیون، و هم الشیعة و یقال لهم الرافضة و الکلام علیهم فی خمسة مواضیع:
الأول: فی ذکر أنسابهم.
الثانیة: فی ذکر أصحاب الإمامة المعدین للمهدی منهم.
الثالث: فی سبب تسمیتهم بالشیعة.
الرابع: فی سبب مصیر الملک إلیهم.
الخامس: فی ذکر ملوکهم و من ملک منهم وهران.
و قد اختصر المزاری الموضوعات الأربعة الأولی فی نصف صفحة، و نقل الموضوع الخامس بحذافیره مع بعض التصرفات الطفیفة، تحت نفس العنوان من الزیانی.
الدولة الثالثة: المرابطون، و یقال لهم لمتونة و الملثمون و صنهاجة.
و الکلام علیهم فی خمسة مواضیع:
الأول: فی نسبهم.
الثانی: فی وقت مسیرهم للمغرب.
الثالث: فی ذکر قبائلهم و بطونهم.
الرابع: فی ذکر علمائهم.
الخامس: فی ذکر فرقهم، و من ملک منهم و هران.
و قد نقل المزاری نفس العنوان، و اختصر الموضوعات الأربعة الأولی فی نصف صفحة، و نقل الخامس علی ما یبدو بحذافره أو علی الأقل ما بقی منه.
لأن نسخة دلیل الحیران مبتورة هنا ابتداء من قوله: الفرقة الثانیة من صنهاجة لمتونة و هم الملثمون. کما ضاع منها موضوع: الدولة السادسة فی أولها و هم بنو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 43
مرین. فأما أن یکون المزاری قد انتزع هذه الأقسام من دلیل الحیران و أدخلها و أدمجها بعینها فی کتابه، و أما أن یکون قد نقلها من نسخة أخری کاملة.
و قد اختصر المزاری موضوع تسمیة المرابطین و أصل موطنهم و بلادهم فی أربع صفحات، و توسع فی الحدیث عن ملوکهم و أمرائهم علی عادته و بنفس الأسلوب و ختم حدیثه عنهم باستعراض الفرق الثلاثة التی انحدروا منها.
الدولة السابعة: الاسبانیون نسبة لاسبانیا، و الکلام علیهم فی ستة مواضیع:
الأول: فی ذکر نسبهم.
الثانی: فی بیان أرض الاسبانیین و حدودها.
الثالث: فی بیان مساحتها، و عدد سکانها الآن، و أقسام ولایاتها، و أشهر مدنها، و جبالها، و أودیتها.
الرابع: فی بیان محلها من أوروبا.
الخامس: فی بیان من ملک تلک العدوة سابقا.
و قد نقل المزاری هذه الموضوعات نقلا یکاد یکون حرفیا بنفس الترتیب مع إهمال ذلک التقسیم.
الدولة الثامنة: الترک و یقال لهم الأتراک و الکلام علیهم فی ستة مواضیع:
الأول: فی ذکر نسبهم و بطونهم و مسکنهم.
الثانی: فی سبب انتشارهم فی الأرض.
الثالث: فی سبب مجیئهم إلی الجزائر و أی وقت جاؤوا و کم مکثوا بالجزائر.
الرابع: فی ذکر ملوکهم فی الإسلام و من ملک منهم و هران.
الخامس: فی ذکر باشاتهم بالجزائر، و منهم من یجمعهم علی باشوات، و من ملک منهم و هران.
السادس: فی ذکر معنی البای و کیفیة تصرفه و عمله بالعوائد.
و قد نقل المزاری نفس عنوان الزیانی: و تحدث عن هذه الموضوعات الستة بنفس الترتیب دون الإشارة إلی ذلک التقسیم. و یکاد یکون النقل حرفیا.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 44
الدولة التاسعة: الفرنسیس، و یقال لهم الفرنج، و الکلام علیهم فی سبعة مواضیع. الأول. ا. ه. و قد توقف الزیانی عند هذا العنوان و بهذین الحرفین ألف و هاء، دلیلا علی انتهائه، و عدم اکماله للفصل الرابع کما وعد فی بدایته.
أما المزاری فبعد أن نقل هذا العنوان کما هو فی دلیل الحیران، أرخ لهذه الدولة حسب مخطط الزیانی بالتتابع و بالترتیب، دون أن یشیر إلی ذلک التقسیم کما هی عادته فی الأقسام الماضیة، و توسع فی هذه الدولة توسعا کبیرا استغرق (208) مائتین و ثمانی صفحات و هو ما یعادل أکثر من ثلث المخطوط. و حاول أن یؤرخ لتاریخ فرنسا، و أغرق نفسه فی مواضیع لیست فی متناوله. و ذلک رغبة منه علی ما یبدو فی التقرب من الإدارة الفرنسیة التی کان یعمل تحت إمرتها، و وفق أوامرها، و تعلیماتها.
إن هذه المقارنة تثبت بما لا یدع مجالا للشک، بأن مخطوط: طلوع سعد السعود، إما أن یکون للزیانی نفسه و نسبه المزاری لنفسه لظرف من الظروف التی حکی منها شیئا، مارسیل بودان، أو یکون المزاری نقله حرفیا من کتاب دلیل الحیران للزیانی، و تصرف فیه قلیلا بالحذف، و الاختصار، و التقدیم و التأخیر، و استغل مرکزه کآغا لیقنع شیخه الزیانی، أو یرغمه علی السکوت، و قبول الأمر الواقع، و لیس هناک تفسیرا آخر غیر هذین الافتراضین.
و للشیخ المهدی البو عبدلّی البطیوی الذی حقق و نشر مخطوط دلیل الحیران للزیانی، رأی آخر فیما یخص القسم الأخیر الذی عنون له المؤلف، و لم یکمله. فقد قال فی المقدمة التی وضعها للکتاب: إن التألیف الذی یحمل اسم «أقوال التأسیس عما وقع و سیقع من الفرنسیس». و نسب إلی أبی راس المعسکری، و وضع ضمن قائمة مؤلفاته، لیس له «لأن المتأمل فیه یدرک من أول و هلة أنه کتب بعد الاحتلال الفرنسی، و أبو راس کما نعلم توفی حوالی سنة 1237 أی قبل الاحتلال الفرنسی بسنوات».
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 45
و من رأی الشیخ المهدی البو عبدللی أن مؤلف هذا الکتاب هو الشیخ محمد بن یوسف الزیانی أو أحد سکان قریة البرج مقر أسرة المخفی.
و مما قاله: «و فی آخر الجزء الثانی عقد المؤلف عنوانا للعهد الفرنسی فقال: «الدولة التاسعة الفرنسیس و یقال لهم الفرنج و الکلام علیهم فی سبع مواضع». لکنه أنهی تألیفه عند هذا العنوان. و لا شک أنه لم یرد أن یتورط، فاختار طریقة أخری سجل فیها الأحداث الهامة فی العهد الأول من الاحتلال و حذر مواطنیه من عواقبها و أفرغ ذلک کله فی قالب التنبؤات التی کان أفراد الشعب خصوصا المتدین یؤمن بها، إذ لم تفارق عقیدة المهدی المنتظر «الذی یملأ الدنیا عدلا» الطبقات المؤمنة فی بلاد المغرب العربی، و مؤلفنا أمکنه أن یتخلص من الورطة فینسب تألیفه الذی هو عبارة عن صفحات للمؤرخ أبی راس المعسکری الناصری، کما أمکنه أن یسجل هذا التألیف أی عنوانه فی آخر رحلة أبی راس التی ذکر فیها تألیفه و قد تناقل هذا التألیف معظم المثقفین، و قد بلغ خبره للسلطات فبذلت جهودا للتحصیل علیه خصوصا فی الحرب العالمیة الأولی، فقد فتشوا المنازل و سجنوا کثیرا من الطلبة الذین کانوا یشکون أنهم یملکونه، کما أمکن لمؤلفه الحقیقی أن یحتفظ بسره حیث لم یعرف نسبته إلیه إلا أقلیة و اسم الکتاب: «أقوال التأسیس عما وقع و سیقع من الفرنسیس». و قال أیضا «و هذا التألیف تختلف کثیر من نسخه و إن کانت تتفق فی جوهر الموضوع الذی هو شبه مذکرات لرجل عاش فی الفترة الأولی من عهد الاحتلال الفرنسی و اطلع علی نوایا الاستعمار و أهدافه، فسجلها بعد ما أفرغها فی قالب التکهنات أو التنبؤات» ثم قال: «و هذه الرسالة هامة تحتاج إلی دراسة خاصة، فالذی نتحققه أن نسبتها للمؤرخ أبی راس مستحیلة فقد کتبت بعد الاحتلال الفرنسی بمدة طویلة و بعد إنهاء الأمیر عبد القادر المقاومة، و قد ذکره صاحب الرسالة و فی نفسه منه شی‌ء فخصه بسطور نسب فیها لأعوانه الظلم و الفوضی، و لا شک أن-
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 46
المؤلف الذی کان من سکان البرج و کان البرج مقر أسرة المخفی، حتی لا زالت تحمل اسمه الآن، الذین کانوا من أعوان الأتراک ثم انضموا إلی الفرنسیس و حاربوا الأمیر، فانتقم منهم الأمیر شرّ انتقام. فقد أوقد فیها النیران و سجن جل سکانها، فلربما بقی فی نفس القاضی البرجی شی‌ء».
و قال کذلک: «و أقل ما نستفیده من هذه الرسالة أو التألیف، بقطع النظر عن مقصد مؤلفه الحقیقی، هو الاطلاع علی صفحات من تاریخ الجزائر، تصور انطباعات شاهد عیان، اطلع علی أحداث أوائل الاحتلال، إذ المصادر العربیة المسجلة لذلک العهد قلیلة. و لنرجع إلی الحدیث عن النسخة الثانیة من: «قول التأسیس مما وقع و سیقع من الفرنسیس» و هی و إن کانت تتفق مع الأولی فی جوهرها. یظهر أن صاحبها اختصرها و زاد فیها و تأخرت کتابتها إلی أوائل الحرب العالمیة الأولی و اعترف صاحبها بأنه لا یرید أن یطلق العنان لتنبؤه إذ أمر بذلک» .
و قد ذکر الشیخ المهدی البو عبدللی بأن مؤلف دلیل الحیران الشیخ محمد ابن یوسف الزیانی البرجی، ینتمی إلی أسر علمیة بنواحی مدینة برج عیاش المشهور الآن ببرج ولد المخفی قرب معسکر. و أن جدّه أحمد بن یوسف الزیانی کان من العلماء المستشارین عند البای إبراهیم الملیانی (1170 ه). و قد تولی مؤلف دلیل الحیران القضاء بمدینة البرج سنة 1861 حسبما وجد ذلک فی وثیقة رسمیة کاتبه بها الحاکم العسکری الفرنسی للناحیة، ثم انتقل عام 1883 إلی مدینة تلیلات لیتولی نفس الوظیفة، قبل أن ینقل إلی مدینة سیق کذلک لنفس الوظیفة: قاضیا.
و کان ما یزال حیا فی مطلع القرنین: الرابع عشر الهجری، و العشرین میلادی. و ذکر الشیخ المهدی أنه اطلع علی کثیر من فتاواه و تعالیقه علی بعض الکتب، و علی مراسلاته لبعض علماء البلد، و منهم العالم علی بن عبد الرحمن الجزائری مفتی و هران الشهیر الذی کاتبه عام 1320 ه (1902- 1903 م).
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 47
و قد خلف بعد وفاته ابنا فقیها تولی إمامة مسجد بناه له صهره بمدینة سیق و بقی به حتی توفی، کما خلف بنتا ذات شهرة فی مدینة و هران و ولایتها، لأنها تمردت علی عادات البلاد، و صارت تخرج سافرة، و تمارس أعمال الفلاحة لأسرتها و تشارک زوجها فی أعماله و کان غنیا و یملک أراضی شاسعة. و یعمل موظفا لدی الإدارة الفرنسیة کذلک، لأن أسرته من أسر المخزن فی عهد الأتراک، و أقرها الفرنسیون علی ذلک فی عهدهم.
و بما أنها کانت ترکب الخیل و تشارک فی ألعاب الفروسیة، و تستقبل زوار زوجها و تشارک فی الحفلات التی کان یقیمها الولاة العامون بالجزائر لأعیان البلاد، فإن الناس کانوا یدعونها: «القایدة حلیمة». و عند ما حجت أصبحت تدعی: «الحاجة حلیمة»، و توفیت أوائل الحرب العالمیة الأولی.
إن النسخة التی حققها و نشرها الشیخ المهدی البو عبدلّی لدلیل الحیران، ناقصة و مبتورة فی الوسط، ینقصها جزء من الدولة الثانیة و هم المرابطون، و کل الدولة الرابعة و هم الموحدون، و کل الدولة الخامسة و هم بنو زیان.
و هذا القسم المبتور موجود کله فی مخطوط: طلوع سعد السعود.
و ینقصها فی الأخیر، الدولة التاسعة و یقال لهم الفرنج و الکلام علیهم فی ستة مواضیع. الأول. ا. ه.
و هذا القسم طویل جدا فی مخطوط طلوع سعد السعود. یقع فی مائتین و ثمانیة من الصفحات. ألا یکون المزاری أخذ هذه الأقسام الناقصة و المبتورة من مخطوط: دلیل الحیران لأستاذه الزیانی، و ضمها إلی مخطوطه بعنوانه الجدید، طلوع سعد السعود.
سؤال مطروح. و سیبقی کذلک مطروحا إلی أن یتم العثور علی النسخة الکاملة لدلیل الحیران، و علی بعض الوثائق التی تسمح بالمقارنة و الاستنتاج، و الخروج برأی صحیح و نهائی.
بقیت بعد هذا کلمة أخیرة حول المقصد الأخیر من کتاب طلوع سعد السعود الذی خصصه المزاری للتأریخ لمخزن و هران، و هذا المقصد لم یشر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 48
إلیه الزیانی و هو المقصد الوحید الذی لربما یکون من تألیف المزاری باعتباره من رجال المخزن. أو أحد أقاربه المثقفین من رجال المخزن کذلک، إذا لم یکن الزیانی نفسه، لأنه من بلد المزاری، و من العائلات العلمیة المشهورة بالمنطقة، له خبرة و داریة بتاریخ العائلات المخزنیة.
و هران- حی الصادقیة الأربعاء 6 شوال 1407 ه 3 جوان 1987 م
د. یحیی بو عزیز جامعة و هران
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 49
طلوع سعد السّعود «فی أخبار و هران و الجزائر و اسبانیا و فرنسا إلی أوأخر القرن التّاسع عشر» للآغابن عودة المزاری تحقیق و دراسة الدّکتور یحیی بو عزیز
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 51

[مقدمة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم اللهم صلّ علی الحبیب محمد و آله و صحبه و سلم و صلی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسلیما یقول العبد الضعیف الراجی عفو ربه و غفران سائر المساوی أبو إسماعیل بن عودة الساری بن الحاج محمد المزری البحثاوی. أمنه اللّه بمنه و کرمه و لطفه آمین، آمین، آمین، آمین.
الحمد للّه الذی فضل العلماء علی الجهلاء بتفضیل العلم علی الجهل، و صیرهم أمناء علی خلقه یقومون بحفظ شریعته فی کل الفرد و الحفل و جعل بالعلم تعرف الفرائض و السنن و سائر ما یکون به التکلیف و تعرف به الملل، و کذا الماضی و الآتی و سائر الدول، و الأنساب، و ما قل منها و جل لا سیما علم التاریخ الذی تکفّل بأخبار القرون و الأمم و دولها و من مضی منها أو حل أو هو آت فی المستقبل. فحقه الاعتناء به بتدوینه کی لا یضیع فیهمل، و الصلاة و السلام التامان علی سیدنا و مولانا محمد أشرف المخلوقات و منبع الکون و خاتم الأنبیاء و الرسل و علی آله و أصحابه و أزواجه و ذریاته و أمته و التابعین و من تبعهم بإحسان/ (ص 3) إلی یوم یتبین فیه المفضول من الفاضل و الشقی من السعید و الثانی من الأول، و بعد:
فإنی لما طالعت کتب التاریخ و اجتمعت عندی منه رقائع جلیلة.
تاقت نفسی إلی جمع تألیف جلیل فی أخبار و هران، و مخزنها القساور
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 52
(کذا) الذین بهم فاقت ما عداها من المدون (کذا) فهم أهل الخصائل الجمیلة.
فجمعته بحمد اللّه تعالی فی کتاب جلیل الفرائد و رتبته بإذن اللّه تعالی علی خمسة مقاصد:
- المقصد الأول: فیمن بنا (کذا) و هران و أی وقت بنیت فیه، و وصفها بالتعریف.
- المقصد الثانی: فی ذکر بعض أولیائها بحسب الاستطاعة و التعرض بالذکر إلی من هو منهم شریف.
- المقصد الثالث: فی ذکر بعض علمائها من حین بنیت للآن (کذا).
المقصد الرابع: فی ذکر دولها علی سبیل الترتیب من حین بنیت إلی هذا الزمان. و ما أذکره من غیرهم (کذا) فذالک (کذا) رغبة فی إتمام الفائدة بزیادة البیان.
- المقصد الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد. و التعرّض إلی سیرته الجمیلة التی لا یکون فیها الانتقاد.
و سمّیته:
طلوع سعد السعود فی أخبار و هران و مخزنها الأسود فأقول: بحسب ما رزقت من نصیب، و ما توفیقی إلّا باللّه علیه توکلت و إلیه أنیب.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 53

المقصد الأول فیمن بنی وهران‌

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 55
/ اعلم أیدنی اللّه و إیاک بنوره. و رزقنی و إیاک خیره و وقانی و إیاک من (ص 4) شروره. أنه لا خلاف فی أن و هران بنیت فی القرن الثالث من الهجرة النبویة علی صاحبها أفضل الصلاة و أزکی التسلیم. و إنما الخلاف فیمن بناها و العام الذی بنیت فیه و الخلیفة الذی بنیت بأمره بالتلزیم (کذا) .
فقال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار علی السینیة له، بنتها مغراوة بإذن أمراء الأندلس الأمویین و أن الذی بناها من مغراوة هو خزر بن حفص ابن صولات بن و زمار بن صقلاب بن مغراو بن یصلین بن مسروق بن زاکین ابن ورسیخ بن جانا ابن زنات. و کان صقلاب فی زمان النبی صلی اللّه علیه و سلم و أن الخلیفة الأموی الذی أمر ببنائها هو عبد الرحمان بن الحاکم (کذا) بن هشام بن عبد الرحمان الداخل الخلیفة بالأندلس ا ه. بعضه باللفظ و بعضه بالمعنی .
فیفهم من أنها بنیت فی وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمان بن الحاکم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 56
(کذا) تول سنة ست و مائتین و توفی فی ربیع الأخیر سنة ثمان و ثلاثین و مائتین کما فی المختصر لأبی الفداء صاحب حماة و هذا القول لا یوافق بوجه و لا حال.
و ذکر الحافظ أبو زید عبد الرحمن الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی أنها بنتها مغراوة فی أیامهم و أطلق . و قال الحفّاظ الخمسة و هم: محمد بن یوسف (ص 5) القیراونی و البکری/ و ابن خلکان، و الرشاطی، و الصفدی کل فی تاریخه أن الذی بناها محمد بن أبی عون، و محمد بن عبدون، و جماعة من الأندلسیین البحریین الذین ینتجعون مرسی و هران مع نفزة و بنی «مسقن» و هم بنو مسرقین من أزدیجة، و کانوا أصحاب القرشی و هو الخلیفة الأموی بالأندلس و ذلک سنة تسعین و مائتین.
و قال الحافظ أبو راس فی کتابیه: عجائب الأخبار، و الخبر المعرب، علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 57
السینیة أن الذی بناها هو خزر بن حفص المار، و أن الذی أمره ببنائها هو الخلیفة الأموی بالأندلس أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن الحاکم (کذا) ابن هشام بن عبد الرحمن الداخل و ذلک سنة تسعین و مائتین و قیل إحدی و تسعین و قیل اثنین و تسعین ا ه و الصحیح من هذه الأقوال التی ذکرها الحافظ فی کتابیه، الأول، لکون الخلیفة المذکور تولی سنة خمس و سبعین و مائتین و توفی فی ربیع الأول سنة ثلاثمائة کما فی مختصر أبی الفداء صاحب حماة. و قد بناها قبل وفاته بعشرة أعوام کما فی دلیل الحیران و أنیس السهران، فی أخبار مدینة وهران و إلی من بناها و وقت بنائها أشار الحافظ أبو راس فی سینیته التی تسمی بالحلل السندسیة و یقال لها إنها نفیسة الجمان بقوله:
/ بنتها مغراوة بإذن موالیهم‌الأمویین أمراء أندلس
(ص 5) ثالث قرن خزر منهم قد أسسهاو ملکهم فی غایة العز و الشمس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 58
و قال فی وصفها و التعریف لها الشریف الحسنی الربانی، شیخنا العلامة الحافظ السید محمد بن یوسف الزیانی، فی تاریخه: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة و هران- فی الفصل الأول منه ما نصه بطوله: اعلم أن و هران بفتح الواو، و کما لابن خلکان فی کتابه: وفیات الأعیان، و أنباء أبناء الزمان، و الحافظ أبی راس فی کتبه: عجائب الأخبار، و عجائب الأسفار، و الخبر المعرب، و روضة السلوان، لا بکسرها و غلط من کسرها. هی مدینة من مدن المغرب الأوسط بساحل البحر الرومی عظیمة، ذات مساحة و فخامة جسیمة، و بساتین و أشجار، و میاه عذبة و أطیار، و حبوب عدیدة، و فواکه و خضر جدیدة، و بروج مشیّدة و قصور معددة، من طبقتین فأعلا (کذا) ببناء التحکیم، و أرحیة ماء و نار و ریح و طحونات (کذا) و سور فخیم (کذا)، و فنادق و حمامات، و شوارع و ریاضات، و مدافع و أبراج، و منافذ، و سبل فجاج، و أتکیة، و غنی لکل محتاج، (ص 7) متبحرة فی العمران، و سارت بأخبارها لکل ناحیة الرکبان، معدودة/ من أمصار المغرب التی عن نفسها تدافع و لا تدافع، و من أحسن معاقله التی تطاع و لا تنازع، مقصودة للعلماء و التجار و سائر أرباب البضائع، لها صیت بالمغرب و المشرق و سائر الآفاق، و قد ذکرها صاحب الدرر المکنونة المازونیة فی نوازل الطلاق ، و جاءت لها الملوک من أقاصی الأقطار، و تزاحمت علیها لنیل الأوطار و رحل لسکانها الأخیار و الأشرار، و العبید و الأحرار، و المسلمون و الکفار، فکانت مفتخمة (کذا) علی غیرها من المدون (کذا). بمخزنها السادات الأسود، أهل العنایة و الشجاعة و العطاء الممدود و الحیاء، و الریاسة، و البسالة و السیاسة، مقصودة للعفات (کذا) و الوجود، و العساکر و الجیوش و الحشود. مؤسسة فی أسفل جبل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 59
هیدور الأشم ، الذی اختط الإسبانیون بقمته بالبناء الأحکم، برج مرجاج (کذا) الشامخ العتید، و قطب رحا حربها الشدید، الصعب المسلک البعید المدرک، الضیق الفجاج، المشرف علی المدینة و المرسی و الأبراج، الذی غص منه الجو فی الصعود، و عاد یلمس بیده الأفلاک بالقعود، ذهب فی السماء بفروعه و کلاکله، و ملأ الجو بقرونه و هیاکله، و نظّم النجوم فی مفرقه و استوی کالملک فی جلسته و ترقیة و مرتفقه، و ترفع بمروط (کذا) السحاب، فضرب بینه و بین الناس بحجاب، رعده/ صوت المدافع، و برقة شعلتها التی لیس لها مدافع، کأن (ص 8) الریاح آوت (کذا) إلی جوه بإذنه، و أصغا (کذا) لها ملاقیا إلی حیز السماء بأذنیه و أطل علی البحر بشماریخه و جعله یحاکی معانی تواریخه، و استدبر البر بظهره، و أناخ سائر الجبال بمنیعه و حجره، حتی صارت جبال قیزة، و بنی مخوخ، و تاسالة، تبایعه و له تنوخ، و تسمی باسم الرجل الذی کان به من غیر مناکث، و هل هو الرجل الزناتی، أو الإسبنیولی، أو الحمیانی؟ أقوال، أصحها الثالث و طال ما ارتفع للسماء جبل کهر، فانخفض له و بعلوه علیه أقر، تراه و أنت أسفله کأنه فی الجو قلامة، فی قنّة غمامة أو باز أو عقاب، علی ظهر سحاب، و قد قال فی وصفه بعض الفصحاء فی ملحون:
سلوا علیه مرجاج لیس أهیاناو امراقب البحر و أبراج تلمسان
شیخ الجبال عالی یا فطاناکل الجبال خرّت له سجدان
و لما دخلها ابن خمیس أحد العلماء الکبار، و الفقهاء السادات الأخیار، فی آخر القرن الرابع، وقعت منه کل موقع بعد ما دخل الجزائر فی الخبر الشائع، و کانت الجزائر إذ ذاک قریبة عهد بالبناء و التمدین، فقال: أعجبنی بالمغرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 60
مدینتان بثغرین: و هران خزر و جزایر بلکّین . و کیف لا تکون من ذخائر النفائش، و هی أول مدینة ملکها عبد المؤمن بن علی الکومی الموحّدی سنة تسع و ثلاثین من القرن السادس و لو رءا (کذا) بناءها صاحب تاریخ مصر (ص 9) و القاهرة،/ لعده من أعجوبات البناء التی ذکرها فی کتابه: حسن المحاضرة ،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 61
و لو رءاها الغزالی صاحب الرحلة، لما اعتنا (کذا) بوصف سبتة و طیلطلة ، و لو أخبر بها صاحب کتاب اللباب الواصف لضخامة بنیان البلدان لما قال: الدار داران: إیوان، و غمدان ، و لو رءا (کذا) الغزالی مسجدها الجامع الأعظم، و ما اشتمل علیه من السعة و الأساطین و اتقانه فی الهواء بالبناء الأحکم، و التراویق المرونقة، و الاحتکامات المحققة، و خاصته الدافقة بالماء، و صومعته التی علت لجو السماء، تروم منه النزول لها بالهیکلة، لما وصف الجامع الأعظم الذی بمدینة طیلطلة . و اجتمعت العجائب بالبرج الأحمر، فإنه یفوق حصون بنی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 62
الأحمر، و لو رءاه المطماطی سلیمان بن سابق لقال لا یقدر علی مثله لاحق و لا سابق و زادت له بالابتهاج و الرونقة مقلته التی صعدت للجو مشرقة. و لو رءا (کذا) یوسف بن قریون مؤرخ الیهود، برج الیهود، لما وصف قلاع أمصیا التی هی ملک بنی یهود .
و أین مرجاج المتقدم، و برج المرسی، و برج الحمارات، و الإصبایحیة، و مریة، و الحرسی (کذا) و القصبة، و المرستانات، و المدرسة، و برجا (کذا) رأس العین و المکنسة، و أبوابها التسعة المفترقة بحسب النواحی، و المدن، و القری، و الضواحی و لو وصفت لک مصانعها علی التمام، و ما تحت أراهیها (کذا) من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 63
الأبنیة العظام، لقلت یعجز عنه «سور دیب» المفتخیر ببناء الأهرام، و لعجز بالاشتهار، واصف قصر الجمّ و البدیع و الأجدار/ و سائر بنیانها المرصوص (ص 10) و میاهها العذبة المتدفقة التی تعلو للسماء ثم تنبسط علی الأرض و تتفرق علی الرخام الملون ثم تجتمع فی سیح تحت الأرض بالبناء المحکم فتذهب معه للبحر ففیه تنصب و تغوص. و لقد عظمت مساحتها فی النفل و الفرض. حتی صارت لا تحمی فی الطول و العرض فأحاط بها سورها الجدید ببرود شتی فصارت عظیمة العدّ، و التعدید و من أین یطیق عدّ ولبة العدس، أو غیره من الدخنة و العلس. و ما خرج عن سورها من البنیان، فلا یضبطه لسان، و قول الحافظ الشیخ عبد الرحمان الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی: هی مدینة صغیرة غیر ظاهر کما فی شروح الحافظ أبی راس لسینیته. و ما قیل فی مدحها من الکلام ما بین النظم و السجع و النشر فإنه مما لا یضبط بعصر فمن ذلک قول بعض علماء الراشدیة الأذکیاء، السادات الکرام الأصفیاء و هو العلامة الأجل و القدوة الأبجل، مؤلف کتاب: فتح و هران النقاد الراوی الخالی من سائر المساوی، أحد شرفاء غریس الشریف الحسنی السید مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی فی مدحها و مدح
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 64
أمیرها السید محمد بن عثمان، صاحب العدل و الرفق و الجهاد و الإنصاف و الإحسان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان فی قصیدته القافیة التی من بحر (ص 11) الطویل، فریدة القصائد و نفیحة الجواهر فی غایة التکمیل/ ذات الصدر فی و هران و العجوز، فی الأمیر الجلیل، المشتملة علی ثلاث و عشرین بیتا بالجملة و التفصیل:
عرانی أحبّتی سهاد مورق‌و من ذالیک السّهاد قلبی یخفق
ورقّ فؤادی من حلول ضبابةو عم دواخل المیزاج تعلّق
أتانی هو نجد و طیب نسمیهاو صرت کسیف البال إذ أتشوّق
و رمت انضماما نحوها بریاضهابها غرف و سلسبیل مدفّق
و أزهارها تفوح منها ریاحین‌و نور یلوح منه للعین رونق
و أشجارها ترنّ فیها بلابل‌بمختلف الأصوات تربی التعشّق
و أفنانها ملمّة لفواکه‌ألا کلّ غصن منها غض مورق
فما شئت من ذوق لذیذ و منظرتنعّم فیه العین ثم موفق
و أعظم شی‌ء فی اشتیاقی لکامل‌یلوذ بأنسه المعنّی المشوق
له فی معالی المجد أرفع همةو أوفر حظ و هو بالمدح ألیق
و إثبات ذهن فی العلوم بأسرهاو زان ارتفاع القدر منه تحقّق
بطلعته و هران ثمّ نعیمهاو طاب بها النّوی و بان التأنّق
انظر تمامها فی دلیل الحیران و أنیس السهران .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 65

المقصد الثانی فی ذکر بعض أولیائها

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 67
اعلم/ أیدنی اللّه و إیاک بأنواره، و نفعنی و إیاک بأسراره أن أولیاءها عددهم (ص 12) کثیر، و حصرهم عسیر و لا کنّی أذکر منهم المشاهیر، کما ذکرها (کذا) شیخنا الزیانی فی الفصل الثالث من دلیل الحیران و أنیس السهران فنقول: إن من أولیاء و هران: الولی المشهور، المتعبد بأسماء الشکور، القطب الواضح سیدی هیدور صاحب جبل و هران المشهور ، کثیر العظامة (کذا) و الجلالة، دفین بلاد أسلافه تاسّالة، و کان من أهل متم القرن الثالث و نسب له جبل و هران لتعبّده به و کان له وارث .
و منهم ذو النور الباهر، کثیر الأسرار و الجواهر، و الإحسان و العوارف (کذا) و الإکمال و المعارف، صاحب البرهان الساطع، سیدی دادّ أیوب المغراوی الذی کان من أهل القرن الرابع و هو بینها و بین المرسی الکبیر، بمکان علی البحر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 68
فی محلّ فیه متعبّدون و صالحون و حمامه مقصود للتبرک فیه نفع کبیر و معنی دادّ فی لغة زناتة هو الأب الکبیر. و لیس هو بهذا المحل مدفون و إنما المحل محل تعبّده فیما یعرفون.
و منهم الشریف الحسنی النقاد الراوی، المقطوع بولایته علی الإطلاق سیدی محمد بن عمر الهواری ثم المغراوی فهو قطب الأولیاء، و رایس الزّهاد الأتقیاء، صاحب الکرامة الظاهرة، و الأحوال الباهرة کان کثیر السیاحة و النجابة (ص 13) و النجاحة. أخذ بفاس عن العبدوسی و القبّاب،/ و ببجایة عن الشیخ أحمد ابن إدریس ، و الوغلیسی، کثیر الأتباع و الأصحاب و بمصر عن العراف
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 69
و غیره. و جاور بالحرمین الشریفین و سافر للقدس فجال بالشام لنیل خیره و مکث بدمشق بالجامع الأموی ما شاء اللّه. و کانت تأتیه الوحوش و عادیة السّباع فی سیاحته لقضاء أوطارها فتقضی لها بإذن اللّه، و مکث آخر عمره بوهران بلد أسلافه بالتحریر، مثابرا فیها علی العلم و العمل إلی أن انتفع به الخلق الکثیر. و لما قرب أجله کثر کلامه الذی یدل علی سعة عفو اللّه بالتبشیر. و ألف کتاب:
«السهو و التّنبیه، للفقراء أهل الفضل النبیه». و له تآلیف عدیدة فی طریق القوم النجایة، و کان کثیرا الثناء علی أهل بجایة. و قد نص علی شرفه صاحب کتاب:
جواهر الأسرار، فی معرفة آل النبی المختار و کذا الفاسی فی أثمد الأبصار، و کانت له کرامات عدیدة، و خوارق عادة مدیدة منها أن بعض طغاة الأعراب أخذ مال بعض أصحابه لما أراد اللّه به النکال فبعث إلیه الشیخ رسوله لیرد ذلک المال، فأخذ الظالم الرسول و قیّده و مقته، فبلغ الشیخ أمره فقام من مجلسه مغاضبا و قد اسودّ وجهه من شدة الغضب و دخل خلوته. قال تلمیذه التازی فسمعته جهارا، یقول مفرطح، مفرطح، یکرره مرارا، و فی الوقت قام الظالم یلعب فی عرس و الناس ینظرون إلیه تفرّسا/ فإذا برجل أبیض الثیاب نزعه من (ص 14) فوق فرسه و ضرب به الأرض فإذا هو مفرطح دخل رأسه فی جوفه من شدة ضربه منکّسا. فأطلقت أمه رسول الشیخ و خاطبت ولدها المیت خطاب البوم: یا ولدی حذّرتک دعوة الشیخ فأبیت فلا حیلة فیک الیوم.
و منها أن امرأة أسر ولدها فأتت إلیه فقال لها إیتینی بقصعة من ثرید و لحم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 70
فأتته بها فدفعها لسلوقیة کانت عنده ترضّع أولادها فلما فرغت قال لها اذهبی لموضع کذا من عدوة النصاری و ایتینی بابن هذه المرأة فذهبت و جازت البحر فوجدته فوجدته اشتری دوارة للنصرانیة التی ملکته فخطفتها من یده و صار یتبعها خوفا من النصرانیة إلی أن عرضت له ساقیة فقطعها و هی البحر ثم تبعها إلی أن دخلت به علی أمه فی وهران و هذا قلیل فی حق الأولیاء.
و منها أن السلطان أبا فارس عزوز بن السلطان أبی العباس أحمد الحفصی الملک العادل الذی قال فیه ابن عرفة إنه کعمر بن عبد العزیز بحسب الزمان قد زحف من تونس بجنود عظام لتلمسان لأمر له فیه حق فرغبه ملکها أحمد العاقل بواسطة الشیخ أبی علی الحسن أبرکان بن مخلوف المزیلی الراشدی دفین تلمسان فبعث خدیمه للشیخ الهواری فی کفّ أبی فارس فقال الهواری مالی و للملوک و لمّا اشتدت الرغبة و الإلحاح دعا علیه و قد نزل آخر رمضان من سنة سبع و ثلاثین (ص 15) و ثمانمائة بفج السدر حذو جبل و نسریس فمات/ فجأة ضحوة عید الفطر فانتظره الناس لصلاة العید حتی خشوا خروج وقتها فذهب ابنه للسرادق و الفساطیط فوجده میتا فجعله فی محفة و انقلب إلی تونس و أخفی أمره، إلی غیر ذلک من کراماته. و هو القائل لتلمیذه لا تخف من النار فإن صاحبی أدخله فی بطنی کی لا تراه النار. و لما سمع هذا القول بعده سیدی أحمد بن یوسف
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 71
ابن عبّاد بن مصباح الوامودی الراشدی قال إن البطن تلقی ما دخلها و تطرحه و أنا أدخل صاحبی فی قلبی کی لا تمسّه النار. ا ه. فانظر ما بینهما من البون فی المعنی. و توفی رحمه اللّه فی صبیحة یوم السبت ثانی عشر ربیع الثانی سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة فی وقت الملک أحمد العاقل بن أبی حمّ موسی ابن یوسف الزیانی و وقت القائم علیه و هو أخوه أبو یحیی زکریاء بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی و هذا القائم هو الذی اتخذ و هران دار ملکه و سکناه.
و قول الحافظ أبی راس فی عجائب الأسفار: أحمد العاقل الذی جعل و هران دار ملکه سبق قلم، و لما مات الشیخ الهواری دفن بوهران و ضریحه بها مشهور مقصود للتبرک و یؤیده قول العلامة أبی عبد اللّه محمد بن عبد المؤمن قاضی المالکیة بالجزائر یحرّض أمیر وقته حسن باشا رحمه اللّه علی غزو و هران فی قصیدته الهائیة/.
نادتک و هران فلبّ نداهاو انزل بها لا تقصدن سواها
و احلل بتلک الأباطح و الرّبی‌و استصرخنّ دفینها- الأوّاها
إلخ. و أراد به الشیخ الهواری نفعنا اللّه به، و لا تلتفت لمن یقول أنه مدفون بسیدی المسعود بتارقة، و بسیدی سعید بشافع، فإن ذلک من خرافات العامة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 73
و لم یدخل النصاری الإسبانیّون لوهران فی حیاته و إنما دخلوها بعد وفاته باثنین و سبعین عاما لأن دخولهم إیاها کان سنة أربعة أو خمسة عشر من القرن العاشر و سبب دخولهم لها و تملکهم بها دعاء الشیخ الهواری علیها و علی أهلها و ذلک أن أهل و هران بغوا علی ولده سیدی أحمد الهایج و قتلوه ظلما و عدوانا بالمحل المسمی به للآن (کذا) و هو الهایج و وادیه یقال له واد الهایج و ادّعوا أنه هایج علیهم بغیر حق و سمع بذلک الشیخ و سکت فحرّضته زوجته أم الولد علی أخذ ثأر ولده بالانتقام من أهل و هران فلم یلتفت لها فذهبت إلی دجاجة کانت عندها ذات فلا لیس صغار و أخذت فلّوسا منهم و الشیخ ینظر فجاءت الدجاجة و صارت تضاربها علی ولدها لتخلّصه منها و لها صیاح فقالت له یا هواری انظر لهذه الدجاجة کیف أخذتها الغیرة علی ولدها و کیف بک لم تأخذک الغیرة علی ولدک القتیل ظلما و عدوانا فعند ذلک غضب الشیخ/ و قال لأهل و هران لأی شی‌ء قتلتم (ص 17) ولدی فإنه قرت (کذا) عینی و ثمرة فؤادی و بضعة منی فقالوا له لأنه ارتکب ذنبا و ثبت علیه و قتلته الشریعة فقال لهم من حکم بقتله من ساداتها العلماء فقالوا له لا نحتاجوا (کذا) فی ذالک إلی حکم و إنما رأینا الشریعة قتلته فقتلناه فقال لهم أنتم قلتم بزعمکم أنّ الشریعة قتلت ولدی الهواری و أن الهواری لا یجوز ولده لعدم تحقیق دعواکم و إن کان قولکم بزعمکم فی الظاهر مقبول. ففی باطن الأمر الذی لا اطّلاع لکم علیه ولدی ناج و کلامه محمول. فأسلمها رحمه اللّه للنصاری لأنه سلطان مصرها، و متولی أمرها، و کان من الذین لو أقسموا علی اللّه لأبر قسمهم. و نص دعائه «روحی یا وهران الفاسقة، یا کثیرة الجور و البغی و الطارقة، یا ذات الأهل الباغیة السارقة إنی بعتک بالبیعة الموافقة، لنصاری مالقة و الجالقة، إلی یوم البعث و التالقة، مهمی (کذا) ترجعی فأنت الطالقة». فلما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 74
قال الشیخ ذلک قال له بعض تلامذته الحاضرین لدعوته: و أظنه الشیخ إبراهیم التازی «یا سیدی و الفرج لاحقة»، فقال الشیخ «و الفرج لا حقة». و حضر لدعوته علی و هران الشیخ سیدی أبی الحسن علی الأصفر التلمسانی و أنذر تلمیذه الشیخ إبراهیم التازی أهل و هران بقصیدة تاءیة (کذا) مع ما انضم لتلک الدعوة من (ص 18) دعوة الشیخ/ أبی العباس سیدی أحمد بن یوسف الراشدی أحد الأولیاء الکبار، و الأتقیاء الأخیار الأبرار، الهواری وطنا الوامودی أصلا نفعنا اللّه بالجمیع، آمین فإنه فی وقته ذهب مرة لوهران فعظمه أهلها أشدّ التعظیم فکتب قائدها للأمیر أبی عبد اللّه الزیانی، «آه رجل بأرض هوارة یخشی منه الملک فکتب الأمیر، إلی القائد ابعثه إلیّ أو اقتله لما أتی الشیخ أهله برأس الماء، بعث العامل لأمیر هوارة أحمد بن غانم فی الشیخ فأطلع الشیخ علی ذلک و ارتحل من وطنه و قال شوّشونا شوّشهم اللّه من البحر و البر فلم یک إلا قلیل حتی شوّش اللّه بنی زیان من البحر بالکفرة فأخذوا و هران و من البر الأتراک فأخذوا تلمسان فذهب الشیخ قاصدا بنی غدو فاعترضه محاربون من سوید فقبض علی ثلاثة أحجار من الصمّ و حکّهم فی یده فصاروا رمادا و قال لهم إن تعرضتم لنا یسحقکم اللّه مثل هذه الأحجار فأتوه تائبین مذعنین. و ذکر الشیخ صالح القلعی أنّ له حینئذ ابنت (کذا) اسمها عائشة. و توفی رحمه اللّه سنة، إحدی و ثلاثین علی ما للحافظین: طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص74
ی راس و الصباغ، و أربعة و عشرین علی ما للحافظ الغول فی وافیته، اللّامیّة، من القرن العاشر و قبره بملیانة من أعظم المزارات، و له کرامات لا تحصی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 75
منها أن شابا قال له أطعمنی مشماشا و ذلک فی زمان الشتاء و بإزائه شجرة فهزّها الشیخ فتساقط منها المشماش، فتاب الشابّ و حسن حاله/ و منها قضیته مع (ص 19) المحاربین المتقدمین (کذا) الذکر، و منها أن أمیر تلمسان أبا حمّ سجن الشیخ بتلمسان و فعل له دجاجة میتة علی الطعام و أخری مذکاة فقال هذه حلال و هذه حرام، و بعث الأمیر الذباح فدخل البیت الذی فیه الشیخ فلم یجد أحدا قال الشیخ و أنا أنظر إلیه فرجع و قال لم أجد أحدا فرده ثانیا و ثالثا و لم یجد أحدا ثم أتی الأمیر بنفسه فلم یر شیئا و أخذ اللّه بأبصارهم، و لما رجع الأمیر لقصره بعث للشیخ بالتسریح. فقال الشیخ للرسول لا أخرج حتی نخرجا (کذا) جمیعا. ثم بعد أیام قدم المسعودی حارکا علی أخیه فهرب أبو حمّ لوهران و ولی المسعودی فحینئذ خرج الشیخ بلا إذن لتوکّله علی مولاه. و منها أن خدیمه علی بن أحمد الکثیری کان أبوه خدیم الشیخ عبد الرحمن الغلامی و تفاخرا فأری الأب لابنه الکعبة تلعب بأستارها فذهب الولد للشیخ و أخبره فقال له اذهب قد أعطاک اللّه الدنیا و الآخرة فکثر ماله. و منها أن بعض أصحابه قالوا عن الشیخ الثعالبی أنه قال من رءا (کذا) من رآنی لا تأکله النار إلی ثلاثة فقال الشیخ و أنا إلی عشرة.
و منها أنه أخبر بإمارة الأمیر محمد علی تلمسان قبل أن یکون فکان کما قال.
و منها أن الشیخ علی الندرومی کان (کذا) له منزلة فی الولایة و تأتیه الناس فاعترض علی الشیخ فسلب. قال الشیخ یحیی بن علی المغراوی القاطن بمسراتة شاهدت الرجل تضحک منه العامّة. و منها/ ما حدّث به محمد (ص 20) ابن الهواری المسراتی أن الشیخ کان بکرشتل قبل أخذ النصاری و هران فإذا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 76
بعروج الترکی رسی سفینته بالقرب منه و کان مع عرّوج رجل مراکشی شجاع فقال لعروج سر بنا نتبرک بهذا الشیخ فقال عروج إن خرج علی ما فی ضمیری فذهبا و سلما علی الشیخ فقال لعروج أنت عزمت علی الغدر بأصحابک فقبّل رجل الشیخ فقال المراکشی قل لعروج یطلقنی فسرحه و دعا له و قال إن أصابک هول فی البحر فقل یا أحمد بن یوسف فأغیثک ، و منها أن شیخه زروق قال له لک ثلاثة أرباع الدنیا و شارکت الناس فی الرابع إلی غیر ذلک من کراماته و هو شریف حسنی نص علیه صاحب کتاب الاعتبار، و صاحب کتاب أثمد الأبصار .
و منهم الشریف الحسنی الذی علمه بمنزلة الرّازی، تلمیذ الهواری أبو إسحاق الشیخ إبراهیم بن علی بن مالک التازی. نصّ علی شرفه بالإجهار صاحب جواهر الأسرار، و صاحب أثمد الأبصار، و صاحب کتاب: الاعتبار. و له و لشیخه نسل مبارک. کان رضی اللّه عنه ریحان الدین و الأدب، و إکسیر اللجین و الذهب فقیها بارعا علّامة، جامعا، مع حسب و فضل، و سخاء و عدل، و نزاهة و أمانة و عفة و دیانة، فهو نبیل جلیل، ذو معارف و تحصیل، محدّث لغوی، بیانی، أصولی، نحوی، صوفی، سنی، بدیعی معانی، خاشی خاشع حجة لا یدافع، إمام العبّاد، و ملحق العوام، بالأفراد، و الأحفاد بالأجداد من أکابر الفقهاء (ص 21) و المحدثین، و جهابذة العلماء الراسخین الوارثین الموروثین،/ و کان جامعا بین العلم و العمل، و الزهد و الورع، و الفضل و الکمل (کذا). ذا تصانیف صحیحة، و قصائد ظریفة ملیحة، و خطب بدیعة. و منح صنیعة، عارفا بالأولیاء و أخبارهم،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 77
و أیام العرب و أشعارهم، و الأدب و الأدباء و نوادرهم، و البلغاء و مواردهم و مصادرهم، صاحب اللسان، حافظا للحدیث و فصوله، بصیرا فی الفقه و أصوله، له خط رایق، و حفظ فایق، لا یعادله فی فهمه و حفظه سابق و لا لاحق معروفا بجودة النظر و ثقوب (کذا) الفهم فی جمیع الحقائق، لا نظیر له فی التمکّن و المعارف و بلوغ الدرجات العلیا، و الهمة التی نیطت هامتها بالثّریّا لا یقوم بمعرفة کلامه فی التصرّف و معانی العرفان إلّا من تمکّنت معرفته، و ذاق من طعم الحبّ ما توفرت به مادته. و کان له تصرف فی الولایة و کرامات، و أمور باطنیة و خوارق عادات. فله کرامة عجیبة، و أحوال غریبة، و کلام موشح بالحکمة فی غایة الاقتباس، و قصائد جلیلة مشهورة عند الناس. و کان شدیدا علی الملحدین، لین الجانب علی المتقین و المرشدین. و صار یضرب به المثل، حتی إذا بالغ أحد فی وصف غیره قال کأنه التازی الأکمل. و إذا امتلأ غیظا، قال لو کنت فی منزلة إبراهیم التازی ما صبرت لهذا و لو لحظا. فهو ممّن أظهره اللّه/ لهدایة الخلق، (ص 22) و ألحقه برود المحبّة و المهابة عند الخاصّة و العامّة بالأسبق.
و کان أحسن الناس صوتا و تجویدا، حتی إنه إذا قرأ البخاری أیّام مجاورته لمکة انحاش (کذا) الناس إلیه و یسئلون (کذا) منه مزیدا. و انتشر صیته إلی مشارق الأرض و مغاربها، و مباعدها و مقاربها، حتی حدث عنه من یوثق به أنه وجد بمکة المشرفة تألیفا مشتملا علی قصائد تتعلق بطریق القوم من تألیف الشیخ المذکور، و مع ذلک أن بائعه عراقی مشهور و کان الوازعی یقول للطلبة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 78
هذا عالمکم و صالحکم فهو ذو العزّ الشامخ، لبس الخرقة، عن المزاغی، و الشیخ صالح الزواوی بسنده إلی أبی مدین شعیب شیخ المشایخ. و أخذ بمکة عن تقی الدین الفاسی الحدوسی، و بالمدینة عن أبی بکر القرشی، و بتونس عن الحافظ العبدوسی، و بلتمسان عن ابن مرزوق الحفید الساری، و بوهران عن الشیخ محمد الهواری، فتلمّذه و لازمه فنال برکاته و مقامه و قاومه، إلی أن کان فی غالب أمره فی طریقه یذهب، و علی قالبه فی جمیع أحواله یضرب .
قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار: لما حکی ما للتازی من المآثر الکبار، و أنی رأیت فی تألیف منسوب له أنه بعث من وهران إلی أهله بالمغرب مکتوبا بلفظ موجز موضوح (کذا) یقول فیه فقد ظهر فضل الشیخ علیّ و الحمد للّه أنّی أدرّس فی مختصر الشیخ خلیل و لا أحتاج لنظر شروح.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 79
قال القلصادی لقیت إبراهیم التازی خلیفة الهواری بوهران، و له اعتناء/ (ص 23) بکلام شیخه فی السرّ و الإعلان. ا ه. و قد أخذ عنه جماعة ففازوا بنیل خیرهم منهم التونسی، و الحافظ التّنسی و التالوتی و زروق ...
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 80
و السنوسی إلی غیر ذلک من غیرهم. و لما مات شیخه الهواری رضی اللّه عنهما قام بوهران مقامه، و تقلّد حسامه، و نصب رایة العلوم و شیّد بنیانها، و رفع قواعدها و دعّم أرکانها، فابتهج به المحل و الأوان، و حاز رئاسة الفضل بثغر و هران، فهو المطاع و لیس بذی سلطان، و النافذ الکلمة من غیر أعوان.
و هو الذی جلب الماء العظیم لوهران. قد جمعه لها من محاله بغایة الصیانة، فاخترعه بتدبیر عجیب و ابتدعه بتوفیق من اللّه و الإعانة. و قد کان أهل و هران قبل ذلک فی غایة الإهمال، بحیث تذهب المرأة بکرة لسقی الماء، فلا تروج لبیتها إلّا بعد الزوال لکون الماء بیض قلیلا قلیلا و علیه نوبة و زحام. و یقال إنه لما وصله للموضع المعروف برأس العین من و هران طلسم علیه فلا یعرف من أین مجیئه (کذا) باحتکام، و بدیع تدبیره لمائه، یدل علی عظیم فراسته و دهائه. و کان یقترض الدراهم الکثیرة من التجار بتحقیق المسالک. و یصرفها فی إصلاح هذا الماء فلا یدری من أین یوفی ذلک. و لما أتمّ بنیانه، و صوّب میزانه، و أرصد مکانه، و أفخم عرفانه، أخرج الأطمعة المختلفة الألوان، فشبع کل من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 81
کان بثغر و هران، و کان ذلک/ الیوم مشهودا و من المواسم و الأعیاد معدودا فقیل له (ص 24) من أین أخرجت هذا الطعام و ما صرفت علی الماء و أنت فقیر بالعیان، فلست من الملوک و لا من الأغنیاء الأعیان، فقال مساعدة الزمان و مساعفة الإخوان، فعل بهما کلّ ما کان. و کان جمعه له قبل موته بأمد فی الشایع. لأنه توفی رحمه اللّه فی تاسع شعبان سنة ست و ستین من القرن التاسع أیام السلطان مولانا أبی عبد اللّه المتوکل الزیانی رحمه اللّه و أسکنه دار التهانی، و دفن بالقصبة الخلانصة، کما دفن شیخه الهواری بالبلانصة، و بقی بضریحه خمسین عاما، و لما ملکها الإسبانیون فی المرة الأولی سکن بعضهم عند قبره فرءا (کذا) ما یکرهه التزاما.
فأخبره بطریقهم بتلک القضیة. و قد وافق قدوم أهل القلعة علیه بالضربیة، فأمرهم بأخذه فأخذوه بفرح و سرور، و دفنوه بمدینتهم فضریحه بها مزار مشهور، و علیه قبّة عجیبة، و له مناقب کثیرة غریبة، و لا زال علی محل ضریحه بوهران تحویط من الحجر مقصود للتبرک به عند الخمیل، و الأشهر، و فیه و فی شیخه الهواری قال الحافظ أبو راس فی سینیته:
فی رقتهم کان قطبها و عالمهامحمد ذی المقدار العادم الحجس
خلفه من بعد موته تلمیذه‌إبراهیم الذی کان یسموعن برجیس
و أتت لها لمّا حجّ أهل مشرقنابل أقصاذاک کأهل طوس مع قومس
جلب ماء إلیها فیه منفعةلذلک الثغر بأبدع مقتبس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 82
(ص 25)/ و منهم العلامة الشریف الذی أغنی عن التعریف به ما له من شهرة و خمرة، سیدی بختی بن عیاد دفین بلاد غمرة قد جمع اللّه له بین العمل و العلم، و جودة النظر و ثقوبة بالفهم (کذا)، و النجابة و ذکاء القریحة، و الدیانة و کثرة النصیحة، فانتفع به خلق کثیر، فهو من الأولیاء المشاهیر، و کان رضی اللّه عنه من أهل القرن التاسع فهو القطب الربانی، فی زمان الملک أحمد العاقل ابن الملک أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی. فاجتمع بالشیخ محمد الهواری و تلمّذه و أخذ عنه. فانتفع بعلوم دینیة و لدنیة منه. و نال برکاته فی القول الحفی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 83
فکان من المفتوح لهم فی کل شی‌ء. و کانت له صحبة جسیمة، و محبّة عظیمة، مع الولی الزاهد، القطب الغوث الماجد، شیخ الزّهّاد، و قدوة العباد، کثیر المعانی، و صاحب أسرار الأسماء و الحروف، أبی علی الحسن أبرکان ابن مخلوف المزیلی الراشدی دفین تلمسان و أحد ساداتها الأعیان لأخذهما معا عن من اشتهر عن وصف الواصف، الشیخ محمد بن أعمر الهواری، العلوم و أسرار المعارف فتلمّذه له و خدمه بالنیة و التصدیق، إلی أن نال منه سرا عظیما بالتحقیق. و کان سیدی بختی من الشرفاء الحسنیین أولاد أبی عنان الأخیار. نصّ علی ذلک صاحب جواهر الأسرار.
و منهم القطب الکامل، العامل الواصل، العالم الفاضل، قامع أهل الضلالة و اللصوص/ أبو عبد اللّه سیدی محمد بن یبقی دفین جبل أبی عروص. (ص 26) کان رحمه اللّه من أهل القرن التاسع و له جلالة و عظامة و سر نافع. و علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 84
ضریحه مشهد عظیم مزار، مقصود للتبرک به و قضاء المأرب (کذا) فی اللیل (کذا) و النهار.
و منهم العلامة الأکبر، و الکبریت الأحمر، من جمع اللّه له بین العلم و العمل، و نار وقته و سعد به المکان و المحل، الشریف الحسنی الذی سرّه و علمه کالماء الجاری، یجری، الشیخ غانم بن یوسف الملقب الترکی الغمری، دفین جبل ماخوخ من بلاد أولاد علی أحد بطون بنی عامر، فظهر فضله و کثر سرّه فهو للکسیر جابر. و کان من أهل القرن التاسع و مات بالعاشر و اجتمع بالشیخ أبی العباس أحمد بن یوسف الراشدی الملیانی ذی السرّ الناشر، نصّ علی شرفه أبو عبد اللّه محمد الفاسی فی کتابه- أثمد الأبصار- فهو من السادات الأولیاء العلماء الأبرار. و کان معاصرا للذی له فی العلم و الشرف و الولایة قدم رسوخ (کذا) سیدی معاش بن أحمد الکثیری، دفین ثنیة ماخوخ و اصل مسکن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 85
سیدی غانم ببنی وراغ فسمع به الأحلاف فرقة منهم بأنه عنده شاة من الضان مسمّنة منذ ثلاث سنین، فقدموا إلیه لطغیانهم و أمروه بذبحها لهم فسالهم غیرها فأبوا لما أراد اللّه بهم الانتقام المکین. فذبحها لهم و احتسب و بش فی وجوههم و انطرب، و لما فرغوا من الأکل و أرادوا الانصراف، أنشأ یقول: حاف حاف طاح الکاف علی الأحلاف، فلا ینجی منهم إلّا الأعمی و الزحاف، فذهبوا نحو کاف الوادی و ناموا فی ظلّه/ من شدة الحرّ فسقط علیهم ذلک الکاف و ماتوا و لم ینج (ص 27) منهم إلّا من کان أعمی أو زحافا کما قال.
ثم ارتحل و جاء عند أبیه بمستغانیم فسکن بغربها بحشم داروغ إلی أن توفی أبوه سیدی یوسف الشریف فدفنه بالمطمر من مدینة مستغانیم . و فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 86
التوسل بوالده، و سیدی عبد اللّه بن خطاب یقول الشیخ محمد بن حواء القدّاری ثم التجینی فی غوثیته التی من بحر الرجز:
و بدفین المطمر الأواه‌الإمام الأعظم عبد اللّه
و بالإمام الختما للشرف‌رفیقة بعد الممات یوسف
ثم انتقل و سکن و هران أمدا، ثم انتقل لغمرة غربی و هران و سکن بها إلی أن نسب لها. ثم انتقل منها و سکن بجبل ماخوخ إلی أن توفی به و دفن هناک و علی ضریحه قبّة و مشهد عظیم مقصود للتبرک به و له نسل کثیر أکثرهم بلهاء .
و منهم العلامة الکبیر الدرّاکة الشهیر، الفهامة الأثیر، کثیر المعارف و الأنوار، و الخوارق و الأسرار، أبو العباس سیدی أحمد بن أبی جمعة المغراوی النجار، مؤلف کتاب: «جواهر الاختصار و البیان، فیما یعرض بین المعلمین و آباء الصبیان». کانت له الید الطولا (کذا) فی کل شی‌ء، کثیر التقاریر. و کان من أولیاء اللّه الأکابیر (کذا). اجتمع بالشیخ غانم بن یوسف الغمری و أخذ عند فوائد جمّة، و مسائل مهمة. و توفی بالعشرة الثالثة من العاشر رحمه اللّه و نفعنا به و أمثاله. آمین .
(ص 28) و منهم الولی الأشهر، و الکبریت الأحمر، المنتشر الصیت/ المراصد فی العبادة للأوقات، أبو عبد اللّه سیدی محمد بن الخیر الجماعی دفین وادی تلیلات
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 87
و أصله من أولاد جماعة فرقة من العرب من بنی زروال، و کان من أهل القرن الثانی عشر فی صحیح الأقوال و یقال إنّ الدعاء عند قبره مستجاب کأبی مدین أحد الإمامین و الأقطاب. و له کرامات جلیلة، و خوارق عادات جمیلة خرج رحمه اللّه من وهران لما دخلها العدو فی المرّة الأولی و سکن برأس التافراوی ثم انتقل بزاویته إلی المحل الذی به ضریحه و سکنه إلی أن مات. و علی ضریحه قبة و له مشهد للزیارة. و یقال إن له نسل و کانت زاویته فی أمن من العدو و سائر الآفات.
و منهم الشیخ النجیب، الآخذ من العلم و السرّ بأوفر النصیب الطائع للإله (کذا) الرقیب المجیب، أبو عبد اللّه سیدی محمد أغریب کان من أهل العطا و النفع الوافر. و هو من الأقدمین فی المتواتر. و ضریحه بصفح (کذا) جبل هیدور، غربی و هران خارج سورها مشهور ولدی ضریحه مقبرة جلیلة، منتمیة إلیه فضیلة .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 88
و منهم سیدی البشیر بن یحیی من ذریة الشریف الحسنی القطب الأکمل (ص 29) مقر الجان علی الإطلاق. سیدی محمد بن یحیی المغراوی دفین وادی فروحة بالاتفاق، الذی نصّ علی شرفه أبو زید عبد الرحمان فی عقد الجمان النفیس، و شارحه الشیخ الجوزی المزیلی، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار. و کذا صاحب جواهر الأسرار، و أثمد الأبصار، و غیرهم من ذوی الأسرار. و کان سیدی البشیر و قبره مشهور و مقصود للزیارة. و علیه قبّة و عنده مقبرة منتمیة إلیه بالاشتهارة .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 89
و منهم العلامة سیدی بدر الدین و ضریحه بوهران مشهور. و کان من العلماء الأکابر فهو من أهل الثالث عشر و له مسجد بها فی المساجد مذکور .
و منهم سیدی السنوسی مقامه خارج سور و هران بطریق تلمسان .
و سیدی إبراهیم الخرّوطی الوهیبی مقامه خارج سور وهران بطریق کدیة الخیار یعان (کذا) .
و سیدی محمد بن أبی یعزی من ذریة سیدی أبی یعزی الغربی الهسکوری مقامه بمقبرة سیدی البشیر المارّ المبروری .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 90
و هؤلاء الثلاثة کلهم من أهل القرن الثالث عشر .
و الشریف سیدی قادة بن المختار مقامه بالمدینة الجدیدة و هو فی القرن الحادی عشر مشتهر غیر انّی فی حیرة من هذا المقام بالتعیین، لأنه إن کان المنسوب له جلس به فإن و هران بذلک الوقت مسکونة بالاسبانیین. ثم زالت حیرتی بکونه قدم مجاهدا و جلس به لیلا فجعل له المقام. و الحمد للّه علی زوال هذه الحیرة باتضاح المرام.
و منهم العلامة الکبیر، و القدوة الشهیر الجامع بین العلم و العمل الشیخ الربانی، أبو محمد عبد اللّه بن الطیب بن حواء القدّاری التجانی، شیخ الطریقة الدرقاویة کثیرة النوالی، بعد شیخه مولای العربی بن أحمد الدرقاوی البوبریحی الزروالی.
و السید فرقان الفیلیتی بالبیان.
(ص 30) و هما/ الذان (کذا) أمر البای حسن بقطع رأسیهما فقطعا فی شعبان سنة تسع و ثلاثین من القرن الثالث عشر بالتحیری و دفنا بضریح واحد بلحدین أحدهما قبلة و الآخر بحرا بمقبرة سیدی البشیر. و یحکی أن السبب فی قتلهما قاضی الحملة السید محمود ابن حواء التجینی و شی بهما عند الباقی لینال سعده، بأنهما یریدا (کذا) القیام علیه کما قام ابن الشریف علی من قبله من بایات الأتراک و هو البای مصطفی بن عبد اللّه العجمی فمن بعده. ثم نقلا معا من و هران
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 91
فی عام أربعة و ثمانین من الثالث عشر و دفنا بضواحی البطحا فی المشتهر .
و منهم الضریر السید أحمد الفلالی المختاری کان یقرأ القرآن بالسبع و لقراءته قد حرر. توفی سنة خمس أو ست و ستین من القرن الثالث عشر و دفن بقبة مقام سیدی عبد القادر الجیلالی بقرب مقبرة سیدی الغریب خارج سور و هران. و قبره مقصود للتبرک به نفعنا اللّه بالجمیع فی السرّ و الإعلان .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 93

المقصد الثالث فی ذکر بعض علمائها

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 95
اعلم أیدنی اللّه و إیاک بنوره. و نفعنی و إیاک بسره و وقانا من ضروره، أن علماءها عددهم کثیر. و حصرهم شدید عسیر. و لکنی أذکر منهم إن شاء تعالی المشاهیر، کما ذکرهم شیخنا الحافظ المحقق سیدی و مولای، و سمط محیای، العالم الربّانی، الشریف الحسنی أبو عبد اللّه محمد بن یوسف الزیانی/ فی (ص 31) الفصل الثالث من کتاب- دلیل الحیران فنقول:
إن من علماء وهران عالمها و محدثها أبو إسحاق إبراهیم الوهرانی أحد شیوخ ابن عبد اللّه النمری الأندلوسی (کذا) کان من أهل القرن الرابع .
و منهم أبو تمیم الواعظ نفعنا اللّه به .
و منهم أبو عبد اللّه محمد الوهرانی الملقب برکن الدین صاحب الرسالة المشهورة علی لسان بغلته للأمیر بمصر عز الدّین موسک المذکورة فی دلیل الحیران و عقد الأجیاد و غیرهما، دخل مصر فی حدود السبعین من القرن السادس و اشتهر بالعلم و الأدب، و حسن الفهم و النجب و حصل بها من العلوم لبابها. و کشف الحقائق حجابها.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 96
و منهم أبو زید عبد الرحمان مقلاش و هو الذی أصلح فی سهو الشیخ محمد الهواری أشیاء وزنا و إعرابا و أتی به إلی الشیخ و قال له یا سیدی إنی أصلحت سهوک فلم یقبل منه و قال له هذا السهو یقال له سهو مقلاش و أما سهوی فهو سهو الفقراء یبقی علی ما هو علیه إنما ینظر فیه إلی المعنی و من أین لمحمد الهواری بالعربیة و الوزن. و أنشد سبویه فی هذا المعنی أبیاتا فقال:
لسانی فصیح معرب فی کلامه‌فیا لیته من وقفة العرض یسلم
أراه فصیحا فی الحیاة و إنّماأخاف علیه فی القیام یلجّم
و ما ینفع الإعراب إن لم تکن تقی‌و ما ضرّ ذا تقوی لسان معجّم
و کان من أهل القرن التاسع .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 97
و منهم المشایخ الستة المتقدمون/ الذکر و هم: سیدی محمد الهواری، (ص 32) و تلمیذاه سیدی إبراهیم التازی، و سیدی بختی البوعنانی، و سیدی محمد بن یبقی، و هؤلاء الأربعة کانوا فی عصر واحد من أهل القرن التاسع. و سیدی غانم الغمری و تلمیذه سیدی أحمد بن أبی جمعة المغراوی، و کانا ممن أهل التاسع أیضا لکنهما ماتا بالعاشر کما مرّ .
و منهم الشیخ أبو عبد اللّه سیدی محمد بن أبی جمعة الوهرانی المغراوی شارح لامیة کعب بن زهیر التی اسمها: بانت سعاد. و له ید فی علم النجم و الحساب و کل علم لا سیما اللغة. و اسم الشرح المذکور: «تسهیل الصعب، علی لامیة کعب». قال شیخنا الزیانی و هو عندی فی الملکیة بخطّ مؤلفه رحمه اللّه تعالی و هو صنو السید أحمد ابن أبی جمعة المار و کلاهما من ذریة سیدی محمد الهواری ابنا ابنه توفی سنة عشر من القرن العاشر .
و منهم بالقرن الثالث عشر:
الشریف السید محمد بن حسن المعروف بالکاتب المستغانمی لکونه کان کاتبا لإنشاء البای المجاهد السید محمد بن عثمان، فاتح مدینة و هران. و قد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 98
وصفه الحافظ أبو راس فی رحلته المسمّة (کذا) بفتح الإلاه (کذا) و منته، فی التحدث بفضل ربی و نعمته، فی الباب الثالث منه بما نصّه: فانجرّ الکلام إلی أن قلت الأمر الفلانی کلا شی‌ء بفتح الهمزة، فقال لی لسان الدولة، و فارس الجولة الذی عظّم مکانه و رفعه. و أفرد له متلو العزّ و جمعه، و أوتره و شفّعه و قرّبه فی بساط الملک تقریبا فتح له باب السعادة و شرّحه و أعطاه لواء القلم الأعلی (ص 33) فوجب علی من دونه من أولی صنعته أن یتبعه./ و حسبک من ذمام لا یحتاج إلی شی‌ء معه، العالم الفقیه، الحبر النزیه، الأمثل الأفضل السید محمد بن حسن، من بیت علم و صیانة، و نزاهة و أمانة، و برکة و خیر و قری و میر، و منصب کریم، و حسب صمیم. و کان رحمه اللّه ذا ید فی النحو و اللغة و سائر العلوم و لا سیما الأدب. فینسل إلیه فیه من کل حدب، حتی أنه کان لهجته و ربیع حواسیه و مهجته. قل کلا شی‌ء بکسر الهمزة ألا تری أنک تقول جئت بلا زاد و حرف لا، لا عمل له. فقلت له أن الکاف لا تعیق عن العمل کهمزة الاستفهام و البای رحمه اللّه ینظر إلینا ثم ذهبت و فی قلبی من کلامه شی‌ء فعملت علی ذلک تألیفا فلما قرأه استحسنه و أراه للبای لأنه رحمه اللّه ممن طاب خیمه، و سلم من الحسد أدیمه. و سمیت هذا التألیف: «بغیة المرتاد فی کلا شی‌ء و جئت بلا زاد». و لما علمت أنه لم ترتضه ذهبت و ألّفت تألیفا آخرا و بعثته له فأعجبه و سمیته: «عمدة الزاد فی إعراب کلا شی‌ء، و جئت بلا زاد»- ثم انتقل رحمه اللّه من خطة الکتابة إلی خطة القضاء إلی أن مات بها.
و ابنه القاضی الشریف السید أحمد بن الخوجة المستغانمی .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 99
و أهل الراشدیة و هم: الشریف السید مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی مؤلّف:
«فتح و هران» . و الشریف السید الحاج محمد بن البشیر الحریزی الزیانی .
و الشریف السید أحمد بن یوسف الزیانی عم شیخنا و الشریف السید عبد اللّه ابن محمد بن عبد/ اللّه الجیلالی الفیقیقی . (ص 34)
و الشرفاء الثلاثة المشارف و هم: السید الطاهر بن الشیخ المشرفی صاحب التألیف العدیدة. و ابن أخیه السید محمد بن عبد اللّه سقاط بن مصطفی بن الشیخ المشرفی. و ابن عمهما السید الحاج عبد القادر بن مصطفی المشرفی الذی توفی بمصر سنة تسع و ستین و مائتین و ألف .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 101
و الشریف السید أحمد بن التهامی أحد أولاد سیدی أحمد بن علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 102
البو عمرانی و ابنه السید الحاج مصطفی بن التهامی خلیفة الأمیر السید الحاج عبد القادر الحسنی بالمعسکر .
و شیخ الجماعة السید محی الدین بن المصطفی بن المختار والد الأمیر الحسنی .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 104
و الشریف السید مصطفی بن الهاشمی. و صنواه: السید أحمد ابن الهاشمی قاضی المعسکر و السید الحبیب بن الهاشمی المراحیین .
و الشریف السید أحمد بن أعمر بن الخضیر المهاجی .
و الشریف السید عبد القادر بن بروکش الورغی المفتی بوهران و ابن عمّه السید الحبیب بن بروکش الورغی، فهؤلاء أهل المعسکر من الراشدیة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 105
و حافظ البخاری السید مصطفی بن جلول الخروبی، و صنوه السید محمد ابن جلول الخروبی. و الخوجة السید الحاج محمد بن الخروبی، و الشبیه بالحکیم الیونانی، القاضی السید محمد بن الجیلانی، الخروبی الذی قال فیه الخوجة السید مسلم بن عبد القادر الحمیدی فی أنیس الغریب و المسافر هذین البیتین:
و ندیم لأبی محمّد عثمان‌مصدّر فی کل شی‌ء فقیه
عفیف ذو نجابة مهاب‌ظریف ذو رئاسة وجیه
/ و هؤلاء أهل القلعة الراشدیة . (ص 35)
و السید الحاج محمد بن قجیل ...
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 106
و السید أحمد بن أفغول و هذان برجیان من الراشدیة أیضا؛ و السید محمد الصادق الحمیسی ابن علی المازونی ثم المغیلی و السید عبد اللّه بن حواء.
و السید فرقان و السید بدر الدین المتقدمین (کذا) الذکر. و السید محمود بن حواء التجینی. و السید الحاج مفتاح البخاری الحنفی شیخ الجماعة بوهران. و السید
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 107
أحمد بن هطال التلمسانی و أبو عبد اللّه السید محمد الغزلاوی و ماتا معا یوم فرطاسة فی ربیع الأول سنة تسعة عشر من القرن الثالث عشر فی قصة ابن الشریف الدرقاوی الحارک علی البای مصطفی بن عبد اللّه العجمی بای و هران .
و الشریف الوادفلی السید الحاج محمد بن البشیر أحد شرفاء الواد المبطوح و صهره السید الغوثی، و الخوجة السید مسلم ابن عبد القادر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 108
الحمیدی و هو الذی سأل الحافظ الشیخ أبا راس أن یجمع تألیفا فی الأمثلة السائرة فجمعه الشیخ و سمّاه: «کشف النقاب، و رفع الحجاب، علی أمثال سائرة و حکم باهرة، و مواعظ زاجرة». علی ترتیب حروف الهجاء للسان الدولة، و فارس الجولة. ألهم لها و بادر، السید مسلم بن عبد القادر». نص علیه الحافظ فی الباب الخامس من رحلته ، و السید علی ابن أبی سیف الدائری و السید سلیمان بن النزاری الدائری أیضا و هؤلاء الثلاثة من علماء المخزن و سکنوا بوهران. و فی السید سلیمان المذکور قال السید أحمد الکلاعی بن السید (ص 36) الحاج/ المکی الدحاوی فی قصیدته الملحونة التی منها:
کلا بلاد بدحّهافی وهران صبت سلیمان
و السید الحاج قارة الجزائری، و السید أحمد بن الطاهر الرزیوی، و السید محمد بن قرید، و السید عبد اللّه بن عمارة البو عمرانی، و هذان غریبان. إلی غیر ذلک مما لا أطیق حصره، و لا أحصی ذکره، و کلهم علماء أجلّة، و أیمة بدور أهلّة .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 109
و منهم بوقتنا الذی هو العام السابع من القرن الرابع عشر أستاذ الاخوان و الیاقوت البرهان، فائق البراعة، و جزیل الفصاحة و البراعة، مفتیها و خطیبها ذو الإنصاف و الإحسان أبو الحسن السید علی بن عبد الرحمان، الجزائری و جارا الوهرانی دارا، العبّاسی نجارا و لما حل بها أتحف جامعها الأعظم غایة الإتحاف و رونقه بالفرش المختلفة الألوان و الأنواع و أغناه حتی صار لا یسئل الإلحاف. و طهره من الأدناس و سائر المناکب، بعد أن وقع فی زوایا الإهمال و نسجت بجمیعه العناکب. فعاد بفضل اللّه مبتسما ضاحکا، و أضاء منه ما کان دیجورا حالکا، و علا بمنارته جهیر الصوت بالأذان، و نادی بقوله هلموا للطاعة و العبادة فی الأوقات الخمس و الجمعة و العیدین یا أهل الإیمان، فللّه درّه من ماهر و مربّی سنّی باهر.
و منهم شیخنا الفاضل الماجد، العالم الفاضل الزاهد، من هو بحفظ الأوقات للعبادة شدید المراصد، قدوة السالکین، و بقیة الأیمة الناسکین، المدرس المضیف/ الحافظ الضابط الموثّق المؤلف الشریف الحسنی الصمدانی (ص 37) الربّانی، العلّامة السید محمد بن یوسف الزیانی. فهو معدود فی أعیان علماء المخزن و إن کان من جملة علماء و هران و بها قد سکن .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 110
و نخبة الأشراف و قدوة السادات الظراف، و مقصد الذاهب و العانی یاقوتة الکمال و الجوهر القانی، الشریف الحسنی السید الحسنی ابن إبراهیم العلمی الوزّانی نفعنا اللّه به و بسلفه، و متّعنا به و بخلفه.
و إمام جامعها الأعظم الفقیه الوهرانی، الشریف الحسنی السید أحمد انکروف بن الملیانی النّکروفی.
و الفقیه المدرّس بالجامع الوهرانی، الشریف الحسنی السید الحبیب ابن البخاری الحریزی الزیانی .
و الفقیه الشریف ذو التدریس بالکفراوی إمام قبّة الشیخ الهواری السید محمد بن الجیلانی الشهیر بابن العالیة بن سیدی أحمد بن عربیة المعسکری المغراوی.
و الفقیه الوجیه الرحمانی، الشریف السید الحاج عبد الرحمن بن الطیب أحد أولاد سیدی أحمد بن علی البو عمرانی .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 111
و الفقیه الأجل الذی للتحقیق یحوی، السید الحاج بن آمنة بن عمر المریانی العبد الغوی.
و الفقیه النبیل الشریف البلاحی المشیشی الذی فی أموره للّه راجی السید أحمد بن محمد بن أحمد، و کذا ابن عمّه السید المولود ابن عبد الرحمان ابن أحمد البلاحی المهاجی.
و قدوة العبّاد، و بقیة الزهاد، الأبر الأکمل الفقیه الأجلّی، السید الحاج الطیب بن البشیر الشرفی الشریف الوادفلی .
فهؤلاء السادات الکرام الأفاضل، و العلماء/ الأجلة البواسل الذین بهم (ص 38) طاب الوقت و نار، و اطمأنت القلوب بهم و حلّت بها الأسرار.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 113

المقصد الرابع فی ذکر دولها

اشارة

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 115
اعلم أنار اللّه قلبی و قلبک بأنواره، و أیدنی و إیّاک بأسراره. و أمننی و إیاک بحوله و قوته من مکره و سرّه. و وقانی و إیاک من بأسه و ضرّه. أن دول و هران من حین اختطّت تسعة دول کما فی دلیل الحیران، و هم: دولة الأمویین بالأندلس القائمین بأمورهم زناتة. و العبیدیین و هم الشیعة، و المرابطین و هم الملثّمون، و الموحدین، و الزیانیین و هم بنو عبد الواد، و المرینیین و هم بنو احمامة، ثم الزیانیین، و الإسبانیین، و الأتراک، و هم الترک و الفرانسیس. فهؤلاء تسعة إجمالا.
و أما تفصیلا فکانت عمالهم یتداولونها بینهم إلّا الدول الثلاثة الأخرة (کذا) فعمالهم منهم.

الدولة الأولی مغراوة عمال بنی أمیة

و أول العمال مغراوة عمال بنی أمیة الذین هم الدولة الأولی، و أول من ملکها من مغراوة خزر بن حفص المختط لها فی القرن الثالث کما مرّ. و تولی إمارة مغراوة بوهران و غیرها بعد موت أبیه حفص بن صولات بن وزمار ابن صقلاب بن مغراو. و وزمار هو الذی أسلم علی أید سیدنا عبد اللّه بن سعد ابن أبی صرح، لما غزی (کذا) إفریقیة و بعثه لأمیر المؤمنین، و خلیفة رسول رب العالمین سیدنا عثمان بن عفان رضی اللّه عنه ثالث الخلفاء بالمدینة المنورة،/ (ص 39) علی صاحبها أفضل الصلاة و أزکی التسلیم فجدّد إسلامه علی یده و عقد له علی قومه و رجع لإفریقیة. و من ثم بقیت مغراوة موالی (کذا) لبنی أمیة کصنهاجة للعلویین العبیدیین بإفریقیة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 116
و أقام خزر مقام أبیه فی أمر زناتة و اعتزّ قومه علی المضریة بالقیروان و استفحل ملکهم و عظم سلطانهم علی البدو و زناتة بالمغرب الأوسط عند تقلص ظل الخلافة بعض الشی‌ء بالمغرب حیث عمت فتنة میسرة الحقیر و مدغرة و قوی اعتزاز خزر و قومه، و عتوّه و انتشر صیته و علت کلمته عند المروانیین بالأندلس و الأدارسة بالمغرب الأقصا (کذا) و السلیمانیین برشقون و تلمسان، و الشیعة بإفریقیة إلی أن هلک فی خلال ذلک. ا ه.
قال البکری فی تاریخه المغرب فی ذکر بلاد إفریقیة و المغرب:
«و فی سنة سبع و تسعین و مائتین زحف (کذا) قبائل کثیرة إلی و هران یطالبون أهلها بإسلام بنی مسقن إلیهم لدماء کانت بینهم فأبی أهل و هران من إسلامهم إلیهم فنصب (کذا) القبائل علیهم الحرب و حاصروهم و منعوهم من الماء فخرج عنهم بنو مسقن و هم من أزدیجة و یقال لهم بنو مسرقین لیلا هاربین و استجاروا بأزدیجة فأجاروهم و تغلّب الحارکون علی أهل و هران فخرج أهلها منها بأنفسهم و أسلموا ذخائرهم و أموالهم للحارکین و خربت و هران و أضرمت نارا و ذلک فی ذی الحجة من هذه السنة ثم عاد أهل و هران إلیها فی السنة بعدها و هی سنة ثمان و تسعین و مائتین بأمر أبی حمید داوس بن صولات و یقال له داوود عامل تاهرت.
(ص 40) و ابتدأوا بنیانها فی شعبان من هذه السنة فعادت أحسن مما/ کانت و ولی علیهم داوود بن صولات الدهیصی، محمدا بن أبی عون فلم تزل فی عمارة و کمال، و زیادة و حسن حال. ا ه.
و هو مخالف لما فی الحافظ أبی راس.
و لما هلک خزر بن صولات تولی بموضعه ابنه محمد بن خزر و سکن و هران و أجلب علی ضواحیها بکل ما أراد و شنّ الغارات فی المغرب الأوسط إلی إفریقیة و فی الأقطار إلی المصامدة و هابته الملوک و خشیت سطوته و أذعنت له
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 117
الناس و عاش کثیرا من السنین و جرب الأمور. فقد قال ابن خلدون فی تاریخه الکبیر فی الجزء السابع منه أنه نیف علی المائة سنة بکثیر و الذی یقتضیه استقراء کلامه من أوله إلی آخره أنه بلغ المائتی سنة أو قاربها فإنه قال فی أخباره أن إدریس بن عبد اللّه لما نهض إلی المغرب الأوسط سنة أربع و سبعین و مائة تلقاه محمد بن خزر هذا و ألقی إلیه المقادة و بایع له عن قومه و أمکنه من تلمسان بعد أن غلب علیها بنی یفرن أهلها و انتظم لإدریس بن إدریس الأمر و غلب علی جمیع أعمال أبیه و ملک تلمسان و قام بنو خزر هؤلاء بدعوته کما کانوا لأبیه إلی أن قال: ثم وفد علی المعتز بعد ذلک سنة خمسین و ثلاثمائة و هلک بالقیروان و قد نیّف علی المائة من السنین. ه.
لکن قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار فی الکلام علی مغراوة کلام ابن خلدون فیه تخلیط و تناقض ا ه. و فی سنة ست و ثلاثمائة حرک ازدیجة و عجیسة علی محمد بن خزر المغراوی و قاتلوه شدیدا، و حاصروه عتیدا، إلی أن أخذوا من یده و هران عنوة فبقیت فی ملکهم و تحت تصرفهم سبع سنین و هم عمال علی المروانیین ثم صاروا عمالا/ علی الشیعة. ثم قام علیهم محمد (ص 41) ابن خزر بجیوش لا تحصی و حاصرهم و أثخن فیهم إلی أن غلبهم علیها سنة ثلاثة عشر و ثلاثمائة و بقوا تحت حکمه. و لما غلبهم علیها و عادت لحکمه بعد حروب کثیرة کان الظفر له فیها علیهم، أخّر نفسه، و ولی علیها ابنه الخیر و بقی (کذا) ازدیجة و عجیسة تحت حکمه، و فی قبضة جبره و حلمه. فقام الخیر بضبط ملک و هران غایة الضبط و ظاهر المروانیین بالأندلس کعادة أسلافه و أمیر الأندلس و قتئذ عبد الرحمن الناصر و شن الغارات علی ضواحی و هران و المغرب الأوسط فملک بلاد الغرب کلها وسوس الأدنا (کذا) و تلمسان و الصحرا (کذا) و حارب الشیعة ملوک إفریقیة و تاهرت حروبا عظاما و غزی (کذا) بسکرة و المسیلة و الزّاب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 118
و دوّخ المغرب الأوسط تدویخا عظیما و والده محمد بن خزر لم یفارقه فی کل ذلک. و اتصلت یده بید موسی بن العافیة المکناسی فبثا معا دعوة المراوانیین امراء الأندلس بالمغربین و قطعا دعوة الشیعة بإفریقیة ثم فسد ما بینهما و تزاحفا للحرب فبعث لهما عبد الرحمان الناصر أمیر الأندلس قاضی قرطبة و هو الفقیه منذر ابن سعید الولهاصی ثم البلوطی فأصلح بینهما و لم یزل الملک فی یده إلی أن انتقل لولده محمد بن الخیر بعده.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 119

الدولة الثانیة الشیعة الفاطمیون‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة الثانیة و هم الشیعة و یقال لهم الرافضیة و العبیدیون و العلویون و الفاطمیون.
أما/ تسمیتهم بالشیعة و الرافضیة فلتمذهبهم بمذهب شیعة المشرق و الرافضیة (ص 42) من سبهم للشیخین أبی بکر و عمر رضی اللّه عنهما، و رفضهم للسنة و اتباعهم للبدعة و مدحهم لعلی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه و رضی عنه دون غیره.
و أما تسمیتهم بالعبیدیین فذلک نسبة لجدهم عبید اللّه المهدی الشیعی أول ملوکهم.
و أما تسمیتهم بالعلویین و الفاطمیین فذلک نسبة لجدهم علی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه و رضی عنه وجدتهم فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فهم حسینیون بضم الحاء المهملة و لا عبرة بالطعن فیهم.
و ذلک أن و هران غزاها فی سنة ثمانیة عشر داوس بن صولات و یقال له داوود بن صولات الدهیصی عامل تاهرت علی ید الدولة الشیعیة فحاصرها حصارا عظیما و حارب ملکها الخیر بن محمد بن خزر المغراوی و من معه من أزدیجة و عجیسة لکونهم صاروا یدا واحدة مع الخیر بن محمد بن خزر فأثخن فیهم کثیرا و أخذها من ید ملکها الخیر عنوة بعد حروب شاب لها رأس الغراب و ولی علیها من قبله محمدا ابن أبی عون الشیعی فهو أول عامل للشیعة بوهران و أول من ملکها من الشیعة داوس عامل عبید اللّه الشیعی فعمّت الرافضیة المغرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 120
الأوسط و انقطع حکم المروانیین منه بالکلیة و خرج حکم و هران من ید الدولة الأمویة و دخل فی ید الدولة الشیعیة.
فأقام محمد بن أبی عون الشیعی الملک بوهران و تصرّف فی المغرب الأوسط بما شاء و صار معه ازدیجة و عجیسة یدا واحدة و عنه أخذوا الرافضیة (ص 43) و اندرست/ السنّة و لما مر میسور الخصّی، سمی بذلک لکونه لا لحیة له، فی عام ثلاث و عشرین و ثلاثمائة بأمر القائم العبیدی حال ذهابه لمحاربة موسی ابن أبی العافیة المکناسی للمغرب لمظاهرته للمروانیین و إعراضه عن الشیعة متوجها بجیشه لفاس و لقیه محمد بن أبی عون الشیعی والی و هران فأقرّه علیها. و کذلک لما توجه مصالة بن حبوس الکتامی للمغرب فی عام إحدی و أربعین و ثلاثمائة بجیشه لتدویخ المغرب بأمر المعزّ العبیدی أقرّه علی و هران کما أقر کل عامل کان للشیعة علی محلّه و دوّخ المغرب غایة و أزال ما ظهر به من أمر المروانیین ملوک الأندلس و رجع بغنائم عظیمة.
ثم فی سنة ثمان و ثلاثین و ثلاثمائة اختط یعلا بن محمد بن صالح الیفرینی مدینته بایفکان أحد أراضی بنی راشد بصفح (کذا) جبل أوسلاس و هو بجوفها و استقر بها و ظاهر المروانیین بالأندلس و تجانب الشیعة بإفریقیة فولّاه عبد الرحمن الناصر الأموی ملک الأندلس علی المغرب الأوسط و عقد له علی حروب الشیعة الرافضیة. و کان مصالة بن حبوس الکتامی قد رجع من المغرب للمهدیة فخلا الجوّ لیعلا بن محمد بن صالح الیفرینی و زحف لوهران فحاصر بها محمدا بن أبی عون الشیعی و ازدیجة و عجیسة و طالت بینه و بینهم حروب عظام إلی أن فرّق جمعهم بجبل قیزة غربی و هران و ذلک فی یوم السبت منتصف جمادی الثانیة سنة ثلاث و أربعین و ثلاثمائة و دخل و هران عنوة و أضرمها نارا (ص 44) و خربها و لحق أکثر أزدیجة و عجیسة بالمغرب،/ و بعضهم بالأندلس لما أیّسوا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 121
(کذا) منها و ملکوا دار بنی صالح و هی قلعة النکور سنة ست من القرن الهامس فخربوها و بقوا بها إلی أن قطع ملکهم یوسف بن تاشفین اللمتونی. و من لحق منهم بالأندلس، صار من أعیان جند المنصور ابن أبی عامر المعافری حاجب المؤید هشام الأموی. و لما فتح یعلا مدینة و هران و خرّبها نقل أهلها إلی مدینته المعروفة فی ذی القعدة سنة ثلاث و أربعین و ثلاثمائة و بقیت خرابا مدة ثم تراجع الناس لها و بنیت. و ذکر الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار أن یعلا ابن محمد بن صالح لما خرّب و هران جدّد بناءها فی تلک السنة و انتقل إلیها بأهله و ولده من مدینته بأیفکان. قال البکری فی تاریخه و کان فی عمل و هران قریة أهلها موصوفون بعظم الأجساد، و شدة الأیاد (کذا) حتی أن الرجل الکامل فی الخلق المعهود من غیرهم یکون إلی دون منکب الرجل منهم و کان رجل منهم یحمل ستة أنفار و یخطوا بهم خطوات اثنین علی عتقیه و یتأبّط باثنین و علی ذراعیه اثنین. و أن رجلا منهم احتاج لعمل بیت یسکنه فاقتطع ألف کلخة و حملها علی ظهره و بنا بهم بیتا تاما معرسا. ه.
ثم أن محمدا بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی لما رأی (کذا) و هران دار ملکهم اتخذها بنو یفرن دار ملکهم أیضا و بثوا بها الدعوة المروانیة نزع إلی الشیعة و ظهر لهم و أدّی لهم الطاعة و وفد علی المعزّ العبیدی الشیعی/ بإفریقیة (ص 45) فألفاه جهز قائده جوهرا لغزو المغرب سنة سبع و أربعین و ثلاثمائة و خرج من القیروان فی جیش عرمرم فجاء معه مغربا و کان من مشاهیر بنی خزر و أشرفهم نفسا فکان عنده بمکانة عظیمة و سار جوهر إلی أن نزل بتاهرت فلقیه بها یعلا ابن محمد بن صالح الیفرنی فی جیش عظیم من قبائل زناتة علی مقربة من تاهرت بناحیة شلف فالتحم (کذا) الحرب بینهما و بذل جوهر الأموال لقواد کتامة و لما اشتد الحرب صممت عصابة من أنجاد قواد کتامة و أجنادها و قصدوا یعلا فقتلوه و اجتزوا رأسه و أتوا به إلی جوهر فأعطاهم الأموال الجلیلة بشارة علیه و بعث
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 122
برأسه إلی المعزّ فطیف به بالقیروان و هزم بنو یفرن و تفرق جمعهم. هکذا فی الأنیس المطرب، و فی ابن خلدون ما یخالفه.
و لما مات یعلا قام ابنه یدّو مقامه لکنه لم یملک و هران. ثم ذهب جوهر مغربا و مرّ بمدینة إیفکان التی بناها یعلا فخربها و لم تعمر للآن و ذهب معه محمد ابن الخیر و قد عقد له علی و هران فحضر معه جمیع و قائعه بالمغرب و لما رجع أقرّه علی و هران بعد أن قطع الدعوة المروانیة من المغرب بأجمعه و ردّها للشّیعة فخطب لهم علی جمیع منابر المغرب.
ثم حل محمد بن الخیر بوهران و أقام ملکها غایة و بثّ دعوة الشیعة بالمغرب بعد أن وقعت له معهم حروب عظام و لما تقلدها فی سنة سبع أو ثمان و أربعین (ص 46) و ثلاثمائة/ و هی السنة التی قتل فیها یعلا. و یقال إن محمدا بن الخیر هو الذی أغری جوهرا علی قتله. أدّی لهم الطاعة التامة و ظاهرهم غایة الظهور و رفض المروانیین بالأندلس رفضا کلیا. و فی سنة خمسین و ثلاثمائة توفی جده محمد ابن خزر بالقیروان بعد أن عمر کثیرا کما فی ابن خلدون. ثم فی سنة ستین و ثلاثمائة فسد ما بین محمد بن الخیر و الشیعة و تقلد طاعة المروانیین بالأندلس و حشّد جمیع زناتة المغرب الأوسط ما عدا تاهرت لبقائها بید الشیعة و أمدّه المروانی من قرطبة بما أراد من الجیش العرمرم و نهض من و هران یجرّ الأمم بحذافرها فبلغ ذلک زیری بن مناد الصنهاجی عامل الشیعة و جمع له الجموع التی لم یعهد الزمان بمثلها و لما اجتمعت بدار ملکه أشیر، عقد لابنه بلکین و أمره بحرب محمد بن الخیر فالتقی الجمعان بالبطحاء و وقعت الدائرة علی محمد بن الخیر بعد أن وقعت بینهما الحروب العظام و یقال أن زیری دسّ من یجرّ الهزیمة علی محمد بن الخیر. و لما رءا (کذا) ذلک مال بنفسه إلی ناحیة من عسکره و ذبح نفسه سنة ستین و ثلاثمائة و انهزم قومه سائر یومهم و بقیت عظامهم ماثلة بمحل القتل أعصرا و هلک من قومه سبعة عشر أمیرا فی تلک الواقعة سوی الأتباع کذا فی ابن خلدون، و قال غیره بضعة عشر من غیر تعیین،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 123
فأخذ بلکّین رؤسهم و انقلب بها إلی أبیه ظافرا بالغنیمة و بعث بها زیری إلی إفریقیة للمعزّ الشیعی/ فامتلأ سرورا و غمّ لها المنصور الأموی بقرطبة و بذلک (ص 47) علا قدر زیری علی سائر العمال.
ثم تولی الخیر بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر رئاسة قومه بموضع أبیه بوهران فملکها و اجتمع بأخیه یعلا بن محمد بن الخیر و قومهما و طلبوا الثأر.
و لما جاءهم جعفر بن علی عامل المسیلة للشیعة فارا من المعزّ الشیعی ألقوا إلیه حالهم و جعلوا بیده زمام أمرهم فقام بدعوة المروانی منتقضا علی الشیعی فزحف لهم زیری بن مناد الصنهاجی من آشیر و اقتتلوا قتالا شدیدا فکانت الدائرة علی زیری و أکبّ (کذا) به فرسه فأخذوه و قتلوه و اجتزوا رأسه و بعثوا به إلی الحاکم المروانی بقرطبة سنة ستین أو إحدی و ستین و ثلاثمائة فأخذ مغراوة ثأرهم و شفوا غلیلهم، و أبردوا (کذا) غلیلهم و تهدم بموت زیری البنیان لصنهاجة، و الدنیا تلک عادتها یوم بیوم و الدّهر قاض ما علیه لوم. و لما أخذ الخیر بن محمد بن الخیر بثأر أبیه من الصنهاجیین و تمهّد له الملک نهض بلکّین ابن زیری بن مناد الصنهاجی لقتاله آخذا بثأر أبیه زیری المذکور و ذلک سنة سبع و ستین و ثلاثمائة فجمع الجموع التی لا تحصی و لا تعد، و غزی (کذا) المغربین حتی انتهی إلی أقاصی المغرب الأقصا (کذا) و ملک فاسا و سجلماسة و أطرد (کذا) جمیع أولیاء المروانیین و تقبّض علی علی بن نور، و محمد و الخیر، ابنی محمد بن الخیر فقتلهم و فرّ من بقی من ملوک زناتة مثل یدّو بن یعلا الیفرینی و بنی عطیّة المغراویین و غیرهم و لاذوا بسبتة و بعثوا بالصریخ إلی المنصور بن أبی عامر المعافری فخرج من قرطبة للجزیرة الخضراء/ و أمدهم بعساکر جمّة ولّی علیها (ص 48) ابن حمدون و عقد له علی حرب بلکین و أمّده بمائة حمل من المال فأجاز (کذا) البحر و صیّر مصافّ القتال لظاهر سبتة. و کان بلکین بعساکره فی تیطاون فتحیّل و أطلّ علی عسکرهم فرءا (کذا) ما أدهشه و قال هذه أفعا أفغرت إلینا فاها (کذا) و کرّ راجعا فهدم البصرة و جاهد فی بر غوّاطة و سلبهم و بعث بذلک للقیروان و أقطع (کذا) الدولة الأمویة من المغرب کله. و لم تزل معه مغراوة فی تشرید إلی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 124
الصحرا و إذعان له إلی أن هلک سنة ثلاث و سبعین و ثلاثمائة بموضع یقال له و ازرکس بین سلجماسة و تلمسان بسمّ سقته له زوجته.
ثم تولی بوهران یعلا بن محمد بن الخیر الخزری المغراوی بموضع أخیه الخیر بن محمد و قام بأمر زناتة فضبط الملک و تکررت إجازته (کذا) مع ابن أخیه محمد بن الخیر بن محمد إلی المنصور بن أبی عامر المعافری بقرطبة لیمدهما بالجیش لأخذ الثأر فی الخیر بن محمد و أصحابه من أعدائهم الصنهاجیین فلم تحصل لهما فائدة و سلم یعلا بن محمد بن الخیر لابن أخیه محمد فی رئاسة قومه بوهران.
ثم تولی بوهران محمد بن الخیر بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی رئاسة قومه و ذلک فی أعوام الستین و ثلاثمائة ثم تولی بعده أمر زناتة بالمغرب الأوسط بدار ملکهم و هران محمد بن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد ابن خزر المغراوی فملک ما ملک أبوه و جده کافة و استولی علی کافة المغرب حتی أضاف لعمله المسیلة و الصحرا و المغرب و بوادی زناتة. و لم یبق لبنی أمیة (ص 49) معه سوی الخطبة خاصة و أطرد (کذا) الصنهاجیین من/ أکثر عملهم.
ثم فی سنة ثمان و ستین و ثلاثمائة تولی زیری بن عطیة بن عبد اللّه ابن محمد بن خزر الخزری المغراوی، فملک وهران و غیرها و ذلک بدعوة هشام المؤید الأموی و حاجبه المنصور بن أبی عامر المعافری بعد انقطاع أیام الأدارسة و بنی أبی العافیة المکناسی من المغرب الأقصا (کذا)، فملک المغربیین و غلب علی بوادیهما کله (کذا) و استوطن فاسا و صیره دار ملکه فی عام سبعة و سبعین و ثلاثمائة و أورثه لبنیه من بعده. المعروف الآن بباب القیسة و علا قدره و عظم سلطانه و ارتفع شأنه علی سائر العمال.
ثم قام علیه أبو البهار بن زیری بن مناد الصنهاجی بالمغرب الأوسط
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 125
مخالفا علی ابن أخیه منصور بن بلکین ظهیر الشیعة فنقض أمر الشیعة و مال للمروانیین و غلب علی تلمسان و وهران و مازونة و تمزغران (کذا) و مستغانیم، و البطحا، و تنس، و شلف، و شرشال، و وانسریس، و ملیانة، و کثیر من بلاد الزّاب، و خطب للمؤید و حاجبه و بعث لهما بالبیعة و الهدیة و ذلک سنة سبع و سبعین و ثلاثمائة فبعث له المنصور بالعهد علی ما بیده من البلاد و صارت و هران فی حکمه و دار ملکه و بقی نحو الشهرین و رفض دعوة الأمویین و مال للشیعة فبلغ المنصور أمره فبعث فورا لزیری بن عطیة المغراوی المذکور بالعهد علی بلاد أبی البهار و أمره بقتاله فسار له بجیوش کثیرة و فرّ أبو البهار هاربا بنفسه فلحق بابن أخیه و ترک المغرب لزیری الخزری فرجعت له و هران کأول مرة فاتسع عند ذلک سلطانه و امتدّ ملکه من سوس الأقصا إلی الزاب، و کتب بالفتح للمنصور و بعث له صحبة الکتاب بهدیة عظیمة من جملتها قطط الزبد ثم اللمط، و الزرفة و غیرهم، فسرّ المنصور بذلک کثیرا و کتب له بالجواز عنده فجاز فی سنة إحدی و ثمانین و ثلاثمائة فأوسع له المنصور و لأصحابه فی الجوائز/ و أعطاه مالا (ص 50) عظیما، و هدایا کثیرة و لقّبه بالوزارة فرجع لأهله کارها لذلک و مستقللا للعطایا و نهر من قال له یوما یا وزیر و قال له ما أنا إلّا أمیر و ابن أمیر، فو اللّه لو ألقی المنصور رجلا بالأندلس ما ترکه علی حاله یراه، تسمّع بالمعید خیر من أن تراه، ثم وضع یده علی رأسه و قال له یا هذا الراس الآن علمت أنک لی، و کان فی حال جوازه للأندلس وجد یدو بن یعلا الیفرینی فرصة للمغرب فزحف بجنوده لفاس و دخله فی ذی القعدة سنة اثنین و ثمانین و ثلاثمائة و لما سمع به زیری جدّ السیر له إلی أن وصله فقاتله کثیرا و اتصلت بینهما حروب عظیمة و صار کل من غلب منهما دخل فاسا إلی أن ظهر به زیری فی سنة ثلاث و ثمانین و ثلاثمائة فقتله و بعث برأسه للمنصور فلم یبق له بالمغرب منازع و هابته الملوک. و یدّو بن یعلا هو القائل للنصور لما استدعاه للقدوم عنده: حمر الوحش لا تقاد للبیطار.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 126
ثم فی رجب سنة ثلاث أو أربع و ثمانین و ثلاثمئاة بنا (کذا) زیری مدینة وجدة و حصّنها و شید قصبتها و انتقل إلیها بأهله و ذخائره و جعلها قاعدة ملکه لتوسطها بین المغربین. قال الحافظ أبو راس فی الخبر المعرب: إن وجدة هی الفاصل بین المغرب الأقصا و الأدنا. و قال فی فتح الرحمان: إن وجدة کانت فی القدیم بها مدینة عظیمة لها ثلاثمائة باب و بضع و ستون بابا. و سمّیت وجدة لأنها مسکن أهل الوجد، أو لوجود الصالحین فیها. قاله الغزالی. و بإزائها قبر یحیی بن یونس المدفون بغرب جبل الکواکب من أرض أنقاد یقال إنه من الحواریین الصدیقیین، عبد اللّه تعالی ثمانین سنة صیاما و قیاما و لم یأکل فیها شیئا و آمن بالنبی صلی اللّه علیه و سلم قبل مبعثه بخمسمائة عام یقال إن ماء وجدة یخرج من قرب ضریحه أو منه نفعنا اللّه و ذریتنا و قرابتنا و أحبابنا و کافة المؤمنین ببرکته.
ثم فسد ما بین زیری بن عطیة الخزری المغراوی و بین المنصور بن أبی عامر المعافری فی سنة ست و ثمانین و ثلاثمائة فبعث المنصور جیوشا کثیرة لنظر واضح لمحاربته و لقیه زیری بجیوشه و حصل المصافّ بوادی ردات بأحواز (ص 51) طنجة و اتصلت الحروب الکثیرة بینهما ثلاثة أشهر فکان الظفر فیها لزیری/ و هزم واضح بجیوشه و مات منه خلق کثیر و فرّ لطنجة فتحصّن بها و کتب للمنصور یستصرخه فأمده بجیوش الأندلس و قوادها و عقد علیها لابنه المظفر بن المنصور و أمره بحرب زیری فأجاز البحر و حلّ بطنجة فأهابه زیری و کتب لجیوشه فاجتمعت علیه من سجلماسة، و تلمسان، و وهران، و الزاب، و سائر بوادی زناتة، و نهض بهم للقاء المظفر فکان المصاف بوادی مینا من أحواز طنجة. و کان لزیری غلام یقال له سلام لا یحبه فألفی الغلام فی زیری الفرصة لما وجده مضطجعا ظنّا منه أنه نائم فتقدم له و ضربه بسکین کانت عنده للبّته یرید نحره و جرحه ثلاث جراحات، و ترکه کالمیت فی دمه و انطلق مسرعا للمظفر و أخبره فأمکنته الفرصة و شدّ علی زناتة و هم فی دهشة مما حلّ بأمیرهم من غلامه سلّام فهزمهم و احتوی علی المحلة بجمیع ما فیها و کثر السبی و القتل و غنم ما لا یحصی و لا یعدّ. و هرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 127
زیری لمضیق الحیة و هو موضع قرب مکناسة و اجتمع علیه فلّه و هم بالرجوع فجهّز له المظفر خمسة آلاف فارس لنظر واضح فأسری بهم لیلا و ضرب محلّة زیری غفلة و ذلک فی نصف رمضان سنة سبع و ثمانین و ثلاثمائة فأوقع بهم موقعا عظیما و أسر من أعیانهم نحو ألفی رجل فمنّ علیهم المظفر و صاروا من جملة جنوده. و فرّ زیری فی شرذمة من أصحابه و قرابته لفاس فأغلقت الأبواب فی وجهه فأخذ أهله و الدواب و الزاد و ذهب للصحرا (کذا) فنزل بسجلماسة ثم زاد لبلاد صنهاجة فألفی أهلها قد اختلفوا علی ملکهم بادیس بن منصور بن بلکین بعد وفاة/ منصور فبعث لقبائل زناتة فأتاه خلق کثیر فاغتنم الفرصة و زحف (ص 52) لصنهاجة فأوغل فیهم کثیرا و هزم جیوشهم و دخل تاهرت و جملة من الزاب و ملک المسیلة، و وانسریس، و شلف، و تنس، و مازونة، و البطحاء، و مستغانم، و تمزغران، و وهران، و تلمسان، و سائر المغرب الأوسط، و غیره، و أعاد (کذا) لوجدة و أقام الدعوة للمؤید و حاصر آشیر قاعدة صنهاجة و بقی یغادیها و یراوحها إلی أن مات من جراحاته المارة سنة إحدی و تسعین و ثلاثمائة .
ثم تولی بعده بوهران یعلا بن محمد بن الخیر مرة ثانیة و ضبط أمرها و خضعت له الرعیة و أدّت طاعته زناتة، و هابته الملوک فبقی إلی سنة عشرة و أربعمائة .
ثم بویع بموضعه ابن أخیه و هو محمد بن الخیر بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر مرة ثانیة و ضبط الملک أکثر من عمّه یعلا و أطاعته سائر زناتة المغرب الأوسط مدنه و بوادیه و امتدّ له فی الملک من سنة عشرة و أربعمائة إلی سنة ثلاثین و أربعمائة .
ثم قام بأمره من بعده فی و هران ابن عمه محمد بن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر مرة أخری و مهّد له الملک أکثر من الأولی و دخل فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 128
طاعته سائر المغرب الأوسط بوادیه و قراه و مدنه، و حصنه، و ضایق صنهاجة بالمشرق و أبناء عمه مغراوة و بنی یفرن بالمغرب و الصحراء، و صاروا معه تارة فی حرب و أخری فی سلم و اتصلت یده بید ابن أخیه بختی بن تمیم بن یعلا ابن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر ملک تلمسان فتمهّد لهما المغرب. و لا زالا کذلک فی الملک إلی أن هلکا معا و معهما وزیر بختی بن تمیم و هو أبو سعید (ص 53) الزناتی خلیفة الیفرنی فی حرب الأثبج/ و زغبه، الهلالیین بالزاب فی أعوام الخمسین و أربعمائة کما فی ابن خلدون و غیره.
ثم تولی بموضع محمد بن یعلا بوهران ابنه محمد الصغیر ابن محمد ابن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی. و بتلمسان العباس ابن بختی بن تمیم بن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی.
و استبدّ کلّ منهما بموضعه و ما یلیه و تحت حکمه، و ضبط الأمر بحکمه. و لا زالا کذلک إلی أن أزالهما یوسف بن تاشفین اللمتونی سنة ثلاث و سبعین و أربعمائة فانقطع ملک الدولتین بالمغرب و هما المروانیین و الشیعة بالکلیة.

قائمة حکام وهران‌

فتلخص من هذا أن الذین ملکوا و هران من عمّال الدولتین المذکورتین ستة عشر. فمن مغراوة عشرة و هم: خزر بن حفص، ثم ابنه محمد بن خزر، ثم ابنه الخیر بن محمد، ثم ابنه محمد بن الخیر، ثم ابنه الخیر بن محمد ابن الخیر، ثم ابنه یعلا بن محمد بن الخیر، ثم محمد بن الخیر بن محمد ابن الخیر بن محمد بن خزر، ثم محمد بن یعلا، ثم زیری بن عطیة، ثم محمد الصغیر بن محمد بن یعلا. و هؤلاء کلهم خزریون مغراویون. و من أزدیجة و عجیسة اثنان: و هما: أبو دیلم بن الخطاب الزدیجی من بنی مسرقین، و شجرة ابن عبد الکریم العجیسی. و من الشیعة واحد و هو محمد بن أبی عون. و من بنی یفرن واحد و هو یعلا بن محمد بن صالح الیفرنی. و من صنهاجة اثنان و هما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 129
بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی، و أخوه أبو البهار بن زیری بن مناد الصنهاجی.

قائمة الخلفاء الأمویین بالأندلس و المشرق‌

و اعلم أن جملة المروانیین بالأندلس ستة عشر ملکا و هم: عبد الرحمن الداخل، ثم ابنه هشام الراضی، ثم/ ابنه الحاکم، ثم ابنه عبد الرحمن، ثم ابنه (ص 54) محمد بن عبد الرحمن، ثم ابنه المنذر بن محمد، ثم أخوه عبد اللّه بن محمد، ثم عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد اللّه، ثم ابنه الحاکم بن عبد الرحمن الناصر، ثم ابنه هشام المؤید، ثم محمد المهدی بن هشام بن عبد الجبار، ثم المستعین سلیمان بن الحاکم بن سلیم بن عبد الرحمن الناصر، ثم عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار، ثم المستکفی محمد بن عبد الرحمن بن عبید اللّه ابن عبد الرحمن الناصر، ثم المستعین هشام بن محمد بن عبد المالک بن عبد الرحمن الناصر، ثم أمیّة الأموی و به انقطعت دولة بنی أمیة من الأندلس.
و جملتهم بالمشرق أربعة عشر ملکا و هم: معاویة بن أبی سفیان، ثم ابنه یزید بن معاویة، ثم ابنه معاویة بنی (کذا) یزید، ثم مروان ابن عبد الحاکم، ثم ابنه عبد المالک (کذا) بن مروان، ثم ابنه الولید ابن عبد المالک، ثم أخوه سلیمن (کذا) بن عبد المالک، ثم عمر بن عبد العزیز ابن مروان، ثم یزید بن عبد المالک بن مروان، ثم هشام بن عبد المالک، ثم الولید بن الیزید بن عبد المالک، ثم ابنه یزید بن الولید، ثم إبراهیم (کذا) ابن الولید، ثم مروان بن محمد بن مروان، و به انقرضت دولتهم بالمشرق. قال العلا (کذا) و لما انقضت مدة دولة بنی أمیة و قرب تمامها کنت نائما عند سلیمان ابن هشام فإذا به قد أیقظنی و قال لی کنت نائما فرأیت فی نومی کأنی فی جامع دمشق و کأن رجلا فی یده خنجر و علی رأسه تاج و هو رافع صوته بهذه الأبیات:
أبنی أمیة قد دنا تشتیتکم‌و ذهاب ملککم و أن لا یرجع
و ینال صفوته عدو ظالم‌للمحسنین إلیه ثمّت یفجع
/ (ص 55) بعد الممات فکل ذلک صالح‌یا ویحه من قبح ما قد یصنع
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 130
قال العلا فقلت لسلیمان و لعل ذلک لا یکون، فأطرق سلیمان ساعة و قال لی هیهات یا علا ما یأتی به الزمان قریب، فلم تتم الجمعة حتی دخل علیهم مروان الجعدی و انقرضت دولتهم فاتح ثلاث و ثلاثین و مائة انظر الجمان للشاطبی.

قائمة خلفاء الشیعة الفاطمیین‌

و جملة ملوک الشیعة و هم العبیدیون أربعة عشرة ملکا و هم: المهدی ثم القائم، ثم المنصور، ثم المعزّ، ثم العزیز، ثم الحاکم، ثم الظاهر ثم المستنصر، ثم المستعلا، ثم الآمر، ثم الحافظ، ثم الظافر، ثم الفائز، ثم العاضد و هو آخرهم. و به انقرضت دولتهم، و دأب الدنیا لم تعط إلّا استردّت و لم تحل إلّا تمرّرت و لم تصف إلا تکدرت بل صفوها لا یخلو من الکدر. و فی ذلک قال الشاعر من البسیط:
حسّنت ظنک بالأیام إذ حسنت‌و لم تخف سوء ما یأتی به القدر
و ساعدتک اللیالی فاغتررت بهاو عند صفو اللیالی یحدث الکدر
الحذر ینفع ما لم یغلب القدرفإن أتی قدر لم ینفع الحذر
لا بدّ من فرح یوما و من ترح‌و هکذا الدّهر فی تصریفه عبر
و لیس من قدر إلّا له سبب‌و لیس من سبب إلّا له قدر
رمت البقا أبدا و لا بقاء بهاو الموت حقّ فلا یبقی و لا یذر

قائمة ملوک الأدارسة بالمغرب الأقصی‌

و جملة ملوک الأدارسة بالمغرب الأقصا (کذا) ثلاثة عشر و هم: إدریس الأکبر ابن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه إدریس الأصغر، ثم ابنه محمد بن إدریس، ثم ابنه علی ابن محمد، ثم أخوه یحیی بن محمد، ثم ابنه یحیی بن یحیی، ثم علی بن عمر ابن إدریس الأصغر، ثم یحیی المقدام بن القاسم بن إدریس الأصغر، ثم یحیی ابن إدریس بن عمر بن إدریس الأصغر. و هو أعلا الأدارسة ملکا، ثم الحسن الحجام
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 131
ابن محمد بن القاسم بن إدریس الأصغر. ثم محمد کانون ابن القاسم بن إدریس الأصغر. ثم ابنه أبو یعیش أحمد بن محمد کانون، ثم أخوه الحسن بن محمد کانون.
و هو آخرهم، و به انقرضت دولتهم من المغرب بالکلیة.

قائمة ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط

و جملة ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط إحدی و عشرون: فبتلمسان أربعة و هم: محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل. ثم ابنه أحمد، ثم ابنه محمد، ثم ابنه القاسم. و برشقون أربعة أیضا و هم: عیسی بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه إبراهیم، ثم ابنه یحیی، ثم أخوه إدریس بن إبراهیم. و بجرارة ثلاثة و هم: إدریس بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه أبو العیش عیسی، ثم ابنه الحسن. و بتاهرت ثلاثة أیضا و هم: الحسن بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه حناش، ثم ابنه بطوش. و بتنس سبعة و هم:
إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه عیسی، ثم ابنه إبراهیم، ثم محمد بن إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه یحیی، ثم ابنه علی، ثم أخوه حمزة بن علی، و تغلّب العبیدیون علی السلیمانیین، لما تملّکوا المغرب الأوسط فأزالوا دولتهم و قطعوها و الملک للّه وحده.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 132

الدولة الثالثة المرابطون‌

(ص 57) ثم ملک و هران/ الدولة الثالثة و هم المرابطون:
و یقال لهم الملثمون و هم لمتونة فرقة من صنهاجة تلقّبوا بذلک لکونهم انقطعوا فی جزیرة ببحر النیل و ربطوا أنفسهم فیها للطاعة مع شیخهم عبد اللّه ابن یاسین إلی أن کثر عددهم فقاموا للملک إلی أن کان منهم ما کان. و من ثمّ صار هذا لقب لکل ناسک مبرور ملازم للطاعة لا یدخل فی شؤون المخزن سیّما بالمغرب الأوسط. و سمّوا بالملثمین إمّا لکونهم لا یترکوا (کذا) اللثام حتی أنه لا یعرف أحدهم إلا إذا کان ملثما و إلّا فلا، و إما لکون رجالهم غابت عن حیّهم و بقی به النساء فجاءتهم العرب لأخذهم فلبس النساء لباس الرجال و تلثمن لئلا یعرفن و رکبن النجائب و قاتلن العدو إلی أن دفعن (کذا) عن الحی ففعل ذلک الرجال و بقیت فیهم سنّة للآن فی بلادهم و هم الذین یقال لهم التوارق بقرب السّودان.
و أول من ملک منهم و هران المجاهد یوسف بن تاسفین اللمتونی و ذلک أنه استقر بالمغرب سنة ثلاث و خمسین و أربعمائة خلیفة «لابن عمه أبی بکر ابن عمر اللمتونی لما اختار الرجوع للصحراء و صار یدوّخ فیه و لما صعب علیه حرب المصامدة ذهب لمراکش و هی مفاوز و معناها بلغتهم «إمش مسرعا». فمر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 133
معناه: إمش، و کش، معناه: مسرعا. و بنا (کذا) قصبة صغیرة و مسجدا و أدار بذلک سورا و ذلک سنة أربع أو خمس و خمسین و أربعمائة و اتخذ الأجناد و القواد و البنود و الطبول و سائر/ آلة الملک تلک السّنة و توجه بذلک لفاس فدخله (ص 58) عنوة و خرّبه و هدم أسواره و ظفر بعامله بکّار بن إبراهیم فقتله و ارتحل إلی صفرو فدخله من یومه عنوة و قتل عماله أولاد المسعود و المغراوی و رجع لفاس لکونه لما فتحه أولا و جعل علیه عاملا لمتونیا قام علیه به تمیم بن معنصر المغراوی فدخله و قتل عامله و لما سمع بقدوم یوسف هرب من فاس و دخله یوسف ثانیا و هو الفتح الثانی فی یوم الخمیس ثانی جمادی الثانیة سنة اثنین و ستین و أربعمائة فأسرف فی قتل مغراوة إلی أن قتل منهم بالجامعین الأعظمین ما یزید علی ثلاثة آلاف، و هدم الأسوار التی فصل بها ابنا زیری بن عطیة و هما: الفتوح، و عجیسة، بین العدوتین و صیرهما (کذا) مدینة واحدة حمل أهلها علی تکثیر المساجد و أقام بها إلی صفر سنة ثلاث و ستین و أربعمائة فخرج لقصور بنی وطاط بملویة ففتحها و وجه إلی أمراء المغرب و أشیاخه بالقدوم لیتفقد أحوالهم و أحوال رعیته و غزی (کذا) مدینة رهونة من طنجة سنة خمس و ستین و أربعمائة فدخلها عنوة و فتح جبل علودان، و فتح غیاثة و بنی مکود، و زهینة، سنة سبع و ستین و أربعمائة و فتح طنجة فی سبعین و أربعمائة . ثم بعث قائده مزدلی لتلمسان فی عشرین ألفا ففتحها سنة اثنین و سبعین و أربعمائة و قتل ابن أمیرها معلا بن یعلا المغراوی و کتب اسمه علی السکة فی جهة و فی الأخری کتب: «و من یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه» سنة ثلاث و سبعین و أربعمائة / و فیها غزا (کذا) (ص 59)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 134
وجدة و بنی یزناسن و تلمسان فلقیه بها ملکها العباس بن بختی المغراوی بجیشه من بنی یفرن و مغراوة فقتله و أکثر جنده و فتحها عنوة و استعمل علیها محمدا ابن تعمر المسوفی و بنا (کذا) بها تلمسان الجدیدة بمحل محلّته و هی المسکونة الآن.
ثم تخط (کذا) منها لوهران تلک السنة ففتحها عنوة و نفا (کذا) عنها ملوکها بنی الخزر المغراویین و صیرها من جملة رعیته و قطع دعوة مغراوة و بنی یفرن من المغرب کله. و فی إخراجه لمغراوة من فاس، و وهران، قال الحافظ أبو راس فی سینیته ما نصّه:
ثم أزالهم یوسف أیضا فعی‌کما أزالهم قبل عن أرض فاس
ثم زاد إلی مازونة و تنس و وانسریس و شلف و زاد متمادیا بجیوشه إلی الجزائر فطوعها و أطاعه أهلها بنو مزغّنة و کان دخوله لها فی ربیع الأول سنة خمس و سبعین و أربعمائة و صیرها حدّا بینه و بین ملوک البلکانیة من صنهاجة للقرابة التی بینهم. فملک رحمه اللّه من الجزائر إلی السودان إلی البحر المحیط إلی جبل الذهب بهذه العدوة و کلها بسط فیها العدل و أبطل منها المکس (ص 60) و المغارم. ثم تخط إلی عدوة الأندلس سنة تسع و سبعین و أربعمائة / فهزم الکفرة و أوقع بهم فی قضیة الزلاقة المشهورة الموقع العظیم حتی أنه جمع فیها الرؤوس إلی أن صارت تلا یعنی ربوة و أذن علیها المؤذن ثم فرّقها علی المدن فأعطی لکل مدینة ألوفا عدیدة، و ازینت لتلک الواقعة بغداد، و الحرمان الشریفان، و مصر، و العراق، و الشام، و غیرهم من مدن المشرق و شاع خبرها إلی مدینة سرة قاعدة مدن الهند و بعث له الناصر العباسی علی ذلک خلعا کثیرة یقصر عنها الوصف، و جدد له العهد و قطع رحمه اللّه ثوار الأندلس مثل ابن عبّاد و غیره.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 135
و ملک بعدوة الأندلس من أفراغة قاصیة أرض الفرنج إلی إشبونة حدها من المغرب عند البحر المحیط و ذلک مسیرة شهر و ثلاثة أیام طولا، و العرض نحو العشرین یوما و بسط فیها أیضا العدل و أبطل المکس و بایعه بها ثلاثة عشر ملکا و خطب له علی ألف منبر و تسعمائة منبر و ساست ملکه زوجه زینب و ماتت سنة أربع و ستین و أربعمائة و کان رحمه اللّه زاهدا یلبس الصوف و یأکل خبز الشعیر بلبن الإبل و لحومها، و غالب أکل جنده الجیّد کالدرمک و الفالوج و نحوهما، و جدد السکة من واقعة الزلاقة فنقش فی دیناره فی جهة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، و تحته أمیر المؤمنین یوسف بن تاشفین، و فی الدائرة: و من یبتغ غیر الإسلام دینا إلی الخاسرین. و فی الصفحة الأخری الأمیر عبد اللّه أمیر المؤمنین العباسی و فی الدائرة تاریخ الضرب و موضع السکة. ولد رحمه اللّه سنة أربعمائة و توفی سنة خمسمائة عن مائة سنة بعد ما ملک أربعین سنة و دفن بمراکش و قبره بها من أعظم المزارات و علیه مشهد عظیم.
ثم ملک و هران بعده ابنه علی، تولی/ بموضع أبیه قیل سنة خمسمائة و قیل (ص 61) سنة واحد و خمسمائة و هو ابن ثلاث و عشرین سنة، فملک جمیع الغرب من بجایة لسوس الأقصا و للقبلة من سجلماسة لجبل الذهب فی السودان و الأندلس شرقا و غربا و خطب له علی ألفین و ثلاثمائة منبر و کان محبّا لأبی الولید بن رشد فولاه القضاء بقرطبة سنة تسع و خمسمائة و عزله منها سنة ثلاثة عشر و خمسمائة و جعل بدله أبا القاسم ابن حمیدین فشرع ابن رشد فی شرح العتیبة و سماه بالتحصیل و البیان. و فی أعوام العشرة الثانیة أمر بحرق کتاب الإحیاء للغزالی لما فیه من التشدید بإغراء أبی القاسم ابن حمدین و موافقة ابن رشد و القاضی عیاض. و فی أیامه ظهر أمر الشریف المهدی بن تومرت القائم بدولة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 136
الموحدین و ذلک سنة خمسة عشر و خمسمائة فقال له قاضی المریة بمراکش اجعل علی رجلیه کبلا، قبل أن یسمعک طبلا، فأبی إلی أن کان ما کان و بسببه دخل الدولة المرابطیة الهرم و کثر فیها الإرجاف و کمل بناء مدینة مراکش بإشارة ابن رشد علیه سنة اثنین و عشرین و خمسمائة فأنفق علی سورها سبعین ألف دینار و علی جامعها الأعظم و المنارة ستین ألفا دینار أخری. و أخذ البیعة لولده (ص 62) تاشفین سنة سبع و سبعین و أربعمائة / و توفی بمراکش سنة سبع و ثلاثین و خمسمائة. و هو ابن سبع و خمسین سنة بعد ما ملک سبعا و ثلاثین سنة. و کان فقیها عالما فاضلا خیر مالک و دولته عز للإسلام و سیرته حسنة و أحواله مستحسنة.
و فی وقته بنا (کذا) وزیره عبد الرحمن المعافری الحمام بجوف الجامع الأعظم من غرناطة و فرّش صحن جامع قرطبة و أصلح بناء مدینة طرطوشة.
ثم تولی ابنه تاشفین بموضعه فی ثامن رجب سنة سبع و ثلاثین و خمسمائة فی معظم فتنة الموحدین بمعاهدة أبیه إلیه فی حیاته فأطاعته العدوتان کأبیه وجده و اتصلت حروبه مع عبد المؤمن بن علی من أول أمره و صار یتبع عبد المؤمن بن علی حیث مرّ إلی أن توجه لتلمسان فأتبعه لها و دخلها تاشفین سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة و نزل عبد المؤمن بن علی بین الصخرتین بظاهرها مما یلی الجبل و نزل تاشفین الوطا مما یلی الصفصیف و زحف المرابطون للموحدین فنهاهم تاشفین فأبوا و تعلقوا بالجبل فانحدر لهم الموحدون و هزموهم شنیعا و فرّ تاشفین لوهران فی مواعدة صاحبه ابن میمون فی أسطوله بالبحر و نزل بظاهرها و ترک تلمسان تحت عامله محمد بن الشیّور فترک عبد المؤمن لمحاصرة تلمسان وزیره یحیی بن تومرت و لحق بوهران فی طلب تاشفین فنزل علیه و حاصره بها إلی أن مات. و اختلف فی وجه الموت علی أربعة أقوال و معناها واحد. فقال أبو محمد صالح فی الأنیس المطرب بروض
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 137
القرطاس: خرج تاشفین لیلا لیضرب فی محلة العدو فتکاثرت علیه الخیل و الرجال و کانت لیلة مظلمة ممطرة و هی لیلة تسع و عشرین من رمضان سنة/ تسع (ص 63) و ثلاثین و خمسمائة ففرّ أمامهم و کان بجبل عال منیف علی البحر فظن أن الأرض متصلة فأهوی بفرسه من شاهق بإزاء رباطة و هران فمات. و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار و سائر کتبه المؤلفة فی التاریخ: إنه لما طال علیه الحصار بوهران و علم أنه لا طاقة له ودّع خواصه و خرج لیلة عید الفطر سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة إلی جبل هیدور و هو جبل و هران علی فرس عتیق و حملها (کذا) علی شاهق فتردی به فی بعض الأخادید فمات و من الغد وجد.
و قوله رضی اللّه عنه فی عجائب الأسفار أن ذلک سنة إحدی و أربعین و خمسمائة سبق قلم.
و قال أبو الفدا صاحب حماة فی المختصر، فلما کان لیلة تسع و عشرین من رمضان سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة و هی لیلة یعظمها المغاربة سار تاشفین فی جملة یسیرة مختفیا لیزور مکانا علی البحر فیه متعبدون و صالحون بقصد التبرک فبلغ الخبر مقدم جیش عبد المؤمن و اسمه عمر بن یحیی الهنتانی فساروا و أحاط به فرکب تاشفین فرسه و حمل لیهرب فسقط من جرف عال فمات. و قال أبو إسحاق الشاطبی فی الجمان إن تاشفین لما هرب من تلمسان اتبعوه إلی أن نزل بمرسی و هران فحاصروه بها و دخلوا علیه فلجؤه (کذا) إلی جرف عال فرمی بنفسه و هو راکب علی فرسه من أعلا (کذا) الجرف فاندق عنقه و عنق فرسه فی تلک السنة. ا ه.
قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران و أنیس السهران، و الموضع الذی مات فیه یعرف إلی الآن بمکبّ/ الفرس قرب حمام سیدی دادّ أیوب ما بین و هران (ص 64) و المرسی (الکبیر) ثم أنه لما وجد من الغد میتا بأزاء البحر أخذ و صلب علی جذع و اجتزّ رأسه و حمل لتنملیل فعلق بها علی شجرة صفصاف عالیة و لما صلب بوهران استأصل القتل أصحابه و تفرقوا فهرب بعضهم للنهر المنحدر من رأس العین و هو نهر و هران و کان مشعرا و به غیظ ملتف بعضه ببعض فأضرم الموحدون
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 138
النار فی الوادی فمن بقی احترق و من خرج قتل و سار عبد المؤمن لوهران فتمکن منها بالسیف و قتل بها ما لا یحصی.

قائمة ملوک صنهاجة

اشارة

و اعلم أن ملوک صنهاجة علی ثلاثة فرق:

الفرقة الأولی البلکانیة:

و هم ملوک إفریقیة و بجایة و المغرب الأوسط و الأندلس أیام الطوائف و جملتهم خمسة و عشرون: فبإفریقیة عشرة: أولهم مناد الصنهاجی مقیم الدولة الفاسیة، ثم ابنه زیری مختط مدینة أشیر بصفح (کذا) جبل تیطری أواسط القرن الرابع ، ثم ابنه یوسف بلکین مختط مدینة الجزائر و ملیانة و المدیة أواسط القرن الرابع أیضا بأمر أبیه المذکور و کانت له أربعمائة حاضنة (کذا) فی قصره حتی إنه بشر فی یوم واحد بولادة سبعة عشر غلاما و هذا لم یسمع مثله. ثم ابنه منصور، ثم ابنه بادیس، و مات بدعاء الشیخ محرز ابن خلف علیه. ثم ابنه المعز الذی بلغ فی خسارة عرسه ستة عشر ألف ألف (ص 45) دینار و تراتیب بیته من العود الهندی بمسامیر الذهب و أنه عمل لجدّته/ لما ماتت تابوتا من العود الهندی مرصعا بالجواهر و صفائح الذهب و علّق علیه عشرین سبحة من نفیس الجوهر و ذبح علیها مائة بقرة و ألف شاة و نحر خمسین ناقة و فرق علی النساء عشرین ألف دینار. ثم ابنه تمیم الذی قال فیه أبو علی رشیق:
أصح و أعلا ما سمعناه فی الندامن الخبر المأثور منذ قدیم
أحادیث ترویها الشیول عن الحبامن البحر فی کفّ الأمیر تمیم
ثم ابنه یحیی، ثم ابنه علی، ثم ابنه الحسن و هو آخرهم بإفریقیة و به تمت دولتهم بها فهؤلاء عشرة.
و ببجایة عشرة: أولهم: حماد بن بلکین بن زیری بن مناد مختط مدینة قلعة بنی حمّاد بجبل عجیسة بإزاء بجایة الذی یقال له جبل المعاضید فی آخر القرن الرابع ثم الناصر بن علناس بن حماد، ثم ابنه المعز، ثم ابنه القاید، ثم ابنه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 139
محسن، ثم بلکین بن محمد بن حماد، ثم ابنه المنصور، ثم ابنه بادیس، ثم أخوه العزیز بن منصور، ثم ابنه یحیی. و به تمت دولتهم ببجایة فهؤلاء العشرة مع العشرة الأولی تلک عشرون.
و بالمغرب الأوسط واحد: و هو أبو البهار فذلک إحدی و عشرون.
و بالأندلس أربعة: أولهم صاحب غرناطة زاوی بن بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی کما فی الجمع و البیان فی تاریخ القیروان. ثم ابن أخیه حابوس ابن ماکس بن بلکین، ثم ابنه بادیس صاحب اللعب الذی یقال له السلام علیک یا بادیس، ثم ابن أخیه عبد اللّه بن بلکین بن حابوس و هو الذی أخذه مع أخیه/ (ص 66) تمیم، یوسف بن تاشفین و عبر بهما البحر لمراکش فهؤلاء خمسة و عشرون.

الفرقة الثانیة: المرابطون و یقال لهم الملثمون‌

، و هم لمتونة ملوک المغرب الأقصی و الأوسط و عدوة الأندلس و جملتهم فی الإسلام اثنا عشر ملکا. أربعة قبل تسمیتهم بالمرابطین، و ثمانیة بعد تسمیتهم بها، إلّا أن المراد بالمرابطین هم الخمسة التاشفنیون: یوسف بن تاشفین و من بعده لا غیر. أول الاثنا عشر:
تیلوتان بن تیکلان اللمتونی کان فی أیام عبد الرحمن الداخل ملک الصحراء بأسرها و أطاعه بها من ملوک السودان عشرون ملکا کلها تؤدی له الجزیة و کان یرکب فی مائة ألف نجیب و عمله مسیرة ثلاثة أشهر فی مثلها لکنه لم یملک الغرب و عاش نحو الثمانین سنة. ثم حفیده الأثیر بن فطین بن تیلوتان، ثم ابنه تمیم و مات قتیلا سنة ست من الرابع و بقی بعده صنهاجة همّلا من الأمیر نحو المائة و عشرین سنة و إنما أمرهم جمهوریا شوریا بینهم. ثم أبو عبد اللّه تارشنا ابن تفاوت اللمتونی، ثم یحیی بن إبراهیم القدالی و هو الذی حجّ و أخذ عن الشیخ أبی عمران الفاسی بالقیروان و سأل منه أن یصحبه من تلامذته من یعلمه و قومه الدیانة فأمرهم فأبوا فکتب له لتلمیذه محمد بن واقاق اللمطی بنفوسه لیبعث معه من یقوم بهم فی دینهم فبعث معه الشیخ عبد اللّه بن یاسین الجزولی سنة ثلاثین من الرابع و انقطع بهم/ بجزیرة ببحر النیل إلی أن کثر عددهم (ص 67)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 140
و تسمّوا بالمرابطین لملازمتهم لرابطة الشیخ عبد اللّه بن یاسین ببحر النیل. ثم یحیی بن عمر اللمتونی، ثم أخوه أبو بکر بن عمر و هو الذی ملک الصحراء و تخطا (کذا) للمغرب و جعل ابن عمه یوسف بن تاشفین بن إبراهیم بن ترقوت ابن وزنقطن بن منصور بن محالة بن أمیة بن و ثمار بن تلمیت اللمتونی الصنهاجی الحمیری خلیفة علیه. ثم استقل یوسف بالمغرب. ثم ابنه علی، ثم ابنه تاشفین، ثم ابنه إبراهیم، ثم عمه إسحاق بن علی بن یوسف بن تاشفین و هو آخر المرابطین و به انقطعت دولتهم لما قتله و ابن أخیه إبراهیم، عبد المؤمن ابن علی بمراکش. و لکل بدایة نهایة و اللّه یوتی ملکه من یشاء. و قد ألّف الحافظ الصیرافی رحمه اللّه فی المرابطین کتابا أسماه- الأنوار الجالیة (کذا) فی أخبار الدولة المرابطیة.

الفرقة الثالثة الغانیة:

أولاد المرأة التی یقال لها غانیة بنت عمّ یوسف ابن تاشفین و أبوهم مسوفی من صنهاجة یقال له علی بن یحیی المسوفی کان من الشجعان و بالمکانة العظیمة عند یوسف بن تاشفین فلذلک زوّجه من ابنت عمه غانیة فأتت معه بولدین و هما: یحیی، و محمد، اللذان ولّاهما علی بن یوسف بالأندلس أحدهما و هو یحیی علی غربی الأندلس و الآخر و هو محمد علی شرقها (ص 68) کمیورقة و یابسة/ و غیرهما. و جملة ملوکهم ما بین الأندلس و بجایة و قابس خمسة.
أولهم یحیی المعروف بابن غانیة بن علی بن یحیی المسوفی بالجهة الغربیة من الأندلس و هو الذی أعان شیخه القاضی بسبتة علی عبد المؤمن بن علی. ثم أخوه محمد بن علی بن یحیی علی شرقی الأندلس. ثم ابنه عبد اللّه علی ذلک، ثم أخوه علی بن محمد بن غانیة علی بجایة، ثم أخوه یحیی بن محمد بن غانیة علی قابس و هو الذی دوّخ المغرب الأوسط و إفریقیة و خرّب تاهرت فلم تعمر من وقته إلی أن جدد عمارتها الفرنسیس فی أعوام الخمسین من القرن الثالث عشر و تقبّض بمندیل المغراوی فصلبه بالجزائر و اشتدت و طأته علی الموحدین إلی أن توفی بشلف تحت ملیانة سنة ثلاث و ثلاثین و ستمائة بعد ما ملک خمسین عاما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 141
فاستراحوا عند ذلک بموته و طاب لهم القرار وصفا حالهم من الأکدار. فجملة ملوک فرق صنهاجة الثلاثة: اثنان و أربعون ملکا. خمسة و عشرون من الأولی.
و اثنا عشر فی الثانیة. و خمسة فی الثالثة. و الملک و الدوام للّه الواحد القهار لا إله غیره، و لا خیر إلّا خیره.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 142

الدولة الرابعة: الموحّدون‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة الرابعة و هم الموحدون سمّوا بذلک لأخذهم علم التوحید عن شیخهم الشریف المهدی بن تومرت فهو الذی سمّاهم بذلک تعریضا (ص 69) بالمرابطین لکون أهل المغرب کانوا علی مذهب الحنابلة فی الاعتقاد و بمعزل/ عن التأویل فهم کتسمیة لمتونة بالمرابطین لملازمتهم لرابطة شیخهم عبد اللّه ابن یاسین و انقطاعهم معه و أخذهم عنه فعبد اللّه بن یاسین شیخ المرابطین و المهدی بن تومرت شیخ الموحّدین.
و أول ملوک الموحدین شیخهم المهدی بن تومرت المذکور فهو ممن مهّد الملک لغیره و لم یملک و هران. قال الغازی بن قیس فی تاریخه:- و کان جدّه لأبیه دخل المغرب مع عقبة بن نافع الفهری الصحابی و استوطنه من حینئذ- و اختلف فی نسبه علی ستة أقوال: فقال ابن رشیق و ابن مطروح: هو مرغاتی نسبة لقبیلة یقال لها مرغاتة أحد بطون المصامدة. و قال غیرهما: هو نفیسی نسبة لقبیلة یقال لها نفیسة أحد (کذا) بطون المصامدة أیضا فهو أبو عبد اللّه محمد المهدی بن تومرت الملقب أمغار أیضا ابن عبد اللّه بن وجلید المرغاتی أو النفیسی المصمودی. و قال لسان الدولة ابن الخطیب السلمانی فی شرحه لرقم الحلل: هو من الآل من بنی العباس بن الحسن بن علی کرم اللّه وجهه. و هو غیر صحیح لأن الحسن السبط لا عقب له إلّا من الحسن المثنی و زید، و علی أنه من بنی العباس فهو کما فی الجمان، و الأنیس المطرب، محمد بن عبد اللّه ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفیان بن جابر بن یحیی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 143
ابن عطاء بن رباح بن یسار بن العباس بن الحسن بن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه. و قال الشیخ علی بن أبی زرع فی القرطاس هو من بنی محمد/ بن علی (ص 70) و هو غیر صحیح أیضا لأن محمد خلّف أبا هاشم فقط و لم یعقّب. و قال ابن نخیل و هو من أهل البیت من ذریة محمد بن سلیمان أخی إدریس بن عبد اللّه لأن عبد اللّه الکامل له من الأولاد إدریس و سلیمان و محمد النفس الزاکیة (کذا) و إبراهیم و یحیی، و موسی، هؤلاء باتفاق و عیسی علی خلاف فیه و جعل بعضهم بدل إبراهیم جعفر فقال فی رجزه:
خلّف ستة من الذکورعبد اللّه الکامل فی المشهور
فجعفر بجزیرة سوس‌و زرهون فیه مولای إدریس
و ثالثهم مولای سلیمان‌فقبره بثغور تلمسان
و الینبوع فیه مولای محمدو مولای موسی فی بلاد الهند
و مولای یحیی فی بلد السودان‌بجاههم نجّنا من نیران
فجعفر منه الجزولی محمّدابه دلیل الخیرات قد ابتدوا
من موسی کان الصالح الجیلانی‌و من محمد علیّ الثانی
و أبو عنان صاحب الغزالاغصنه من سلیمان لا زالا
و من إدریس کان إدریس الثانی‌قبرهما فی زرهون الأثنانی
مزاره فاس فیه ثم أمره‌و قیل بل ضعیف ذاک قبره
اجعلنا فی حماهم یا من مهدهم‌فی الأرض یا رب بجاه جدّهم
أعنی بذاک سیّد الإرسال‌محمد الموصوف بالکمال
و زوج بنته فاطمة البتول‌عنه الرضاء بالبکور و الأصول
/ و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار، و الخبر المعرب، و الصواب أنه (ص 71) من أهل البیت من بنی محمد النفس الزاکیة بشقیق إدریس ه. و الصحیح أن سلیمان بن عبد اللّه الکامل لم یأت المغرب لأنه مات بقصة فخ و إنما الذی أتی للمغرب و استقر بتلمسان و خلّف أولاده بها هو ابنه محمد بن سلیمان. ه.
ثم ملک و هران تلمیذه و خلیفته عبد المؤمن بن علی الکومی الزناتی و اختلف فی نسبه علی قولین: فقیل أصله من بنی عابد من قبیلة کومة أحد بطون ترارة أهل جبل تاجرا علی ثلاثة أمیال من مرسی هنین و یقال له أهنای. و قیل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 144
أصله من بنی عبس أحد قبائل قیس بن غیلان بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بالحجاز. و علیه فهو أبو محمد عبد المؤمن بن علی بن یعلا بن مروان ابن نصر بن علی بن عامر بن لمتی بن موسی بن عون اللّه بن یحیی بن و زجایع ابن صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن مادغس بن عبس بن قیس بن غیلان ابن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قاله فی الأنیس المطرب.
و الصحیح الأول، و کان أبوه طیانا فخاریا یعمل النافخ فبینما هو فی شأن طینه للنافخ إذ جاءته زوجته تبکی قائلة له إن ابنی نزل علیه جند نحل فذهب معها إلی أن رآه فی تلک الحالة فزم عنه النحل لذلک ثم انصرف و لم یؤذه فقال (ص 72) لعراف ما رأی فقال له أنت طیان من أین یبلغ ابنک الملک، و تطلّب من/ صغره، و لزم المساجد لدرس القرآن و العلم فقرأ علی ابن صاحب الصلاة بتلمسان، و الشیخ عبد السلام التونسی ضجیع الشیخ أبی مدین، ثم علی المهدی فکان من العلماء الجماهر و الفقهاء الأکابر و کذا أولاده من بعده. و تصدّا (کذا) لشرح المقامات الحریریة و کان فی الحزم و النجدة بالغایة و تعلم الحیل من شیخه المهدی فکان منها فی الغایة من جملتها أنه علّم الطائر یقول عند زریبته العز و التمکین للخلیفة عبد المؤمن أمیر المؤمنین و الشبل إذا رآه یبصبص و یسکن إلی أن صار أسدا. فبویع لذلک و قال فی ذلک أبو علی:
آنس الشبل ابتهاجا لذا الأسدو رأی شبه إلیه لمّا قصد
و دعا الطائر بالنصر لکم‌فقضی حقکم لما قد وفد
و أنطق الخالق مخلوقاته‌بالشهادة فکلهم قد شهد
بأنک القائم بالأمر له‌بعد ما طال علی الناس ذا الأمد
و کان شاعرا بالغا فمن جملة شعره ما یروی أنه خرج یوما و معه وزیره أبو جعفر بن عطیة للتنزّه ببعض بساتین مراکش فنظر علی طاقة دار عالیة علیها شبّاک من خشب، جاریة بارعة قد خرجت تنظره فأوقعت به حبّا.
فقال ارتجالا من البسیط:
قدت فؤادی من الشباک إذ نظرت فقال الوزیر:
خذوا بثأری أیا عاشق بالمقلی طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 145
فقال عبد المؤمن:
کأنما لحظها فی قلب عاشقها فقال الوزیر:
سیف المؤیّد عبد المؤمن بن علی / فاستحسنه و خلع علیه. ثم قتله بعد ذلک بغرناطة لنزغة ملوکیة. و کان رقیق (ص 73) الطبع و الحشاشة و تربی فی البادیة فاکتسب الرقة و کانت له جاریة مولّدة من ولادة العرب تسمی حسناء و کان لها عاشقا و بها مغرما مع ما کان یکابده من تطویل المملکة و إخماد الفتن فقال فیها لما خرج یوما إلی بعض غزواته و ودّعها منشدا:
ألا کیف صبری عنک یا غایة المناألا إن روحی بعدکم سوف تذهب
لقد أورثتنی یوم ودّعت حسنهاحرارة و جدی و الهوی یتلهّب
فقلبی حیران لفرط لهیبهاو فی الخدّ عین من دموعی تسکب
انظر أنیس الغریب و المسافر، للشیخ مسلم بن عبد القادر. و کان فی عصره الشیخ أبا یعزّی الغربی الهسکوری و قد شاهد منه کرامات عند الخلیفة عبد المؤمن بن علی فقال لأخیه ما هذا الذی یذکر عن أخیک فی مشارکته للّه فی علم الغیب فقال یا أمیر المؤمنین أنت أقدر علیه منی فبعث إلیه الأمیر فلقیه الرسول بالطریق قادما للأمیر فلما وصل سلم علیه ثم قال له یا أمیر المؤمنین فی نفسک شی‌ء مما قال لک فلان و فلان فی یوم کذا فی ساعة کذا فهل لا أخبرک أنّ تحت ذلک البساط ألف دینار عیونا قطعتها و قلت فی نفسک هل ترجع إلی بیت المال أم لا فقال له الخلیفة صدقت و قلت الآن فی نفسک أکتب له کتابا بکل ما یرید فأرح الکاتب و وفّر الکاغط. ثم قال حاجتی/ إلیک أن تمشی معی (ص 74) لتلک الکدیة و بها زرع و أحب أن تسقی ذلک الزرع من هذا الوادی فقال و من یطیق ذلک ثم حرک الشیخ شفتیه فأمر اللّه المطر حتی شربت الکدیة و جرت الأودیة فی الحین و قال له عرفنا بصدق الغیوب التی تذکر عنک فقال حماری یأکله السبع اللیلة فوجّه الخلیفة من جعله بین مربط خیله و بات علیه العبید هنالک فلما أصبح تفقده العبید فوجدوا الحمار عقیرا و السبع یأکل فیه حتی وقف علیه و ضربه بعصاه فخرّ الأسد میتا فقیل للخلیفة ذلک فقال لجلسائة اعتبروا بهذه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 146
القصة فقد ضربها لکم مثلا فکأنه یقول أنا رب الحمار قتله لی الأسد فسلطت علیه و قتلته و أنا عبد، و ربی اللّه و إن قتلتمونی غضب علیّ سیدی فیفعل مثل ذلک أو أشد و قد توفی رحمه اللّه و نفعنا به سنة اثنین و سبعین و خمسمائة عن مائة و ثلاثین سنة.
قال ابن رزقون کنت فی العلماء الذین جمعهم عبد المؤمن بن علی سنة خمسین من القرن السادس التی أمر فیها بحرق کتب الفروع و قام وزیره أبو جعفر بن عطیة و قال بلغ سیدنا أن قوما ترکوا الکتاب و السّنّة و صاروا یفتون بفروع لا أصل لها. فمن نظر فیها عاقبته و أنهم عندهم کتاب یقال له المدونة لا یرجعون إلّا إلیه و من العجب قولها بإعادة الصلاة فی الوقت مراده بذلک أن (ص 75) یحمل الناس علی مذهب ابن حزم الظاهری/ قال فحملتنی الغیرة و تکلمت بأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما صلی أعرابی أمامه قال له صلّ فإنک لم تصلّ کما فی البخاری فقال لا أحسن غیر هذا فعلّمه و لم یأمره بإعادة ما خرج وقته فقام عبد المؤمن و سکن الحال و لم أر منه بعد هذا إلّا الکراهة ه.
و هو الذی أمر بتکسیر الأرض بالمغرب فی سنة أربع و خمسین من السادس من برقة إلی واد نون بسوس الأقصا بالفراسخ و الأمیال طولا و عرضا فأسقط بعد التحقیق الثلث للجبال و الأودیة و الشّعاب و الغیّب و السّباخ و الطرقات و الخراب و قسّط علی الثلثین الباقیین الخراج و ألزم کلّ قبیلة بقسطها من الزرع و الورق و الذهب. ثم بنا (کذا) فی التی تلیها جبل الفتح و حصّنه و نقل من عرب إفریقیة للمغرب ألفا من کل قبیلة بأهلهم و هم الذین بالمغربین یقال لهم الحشم سمّوا بذلک لأنهم حشم عبد المؤمن بن علی أی أتباعه الخادمین له الممتزجین الأجناس. و بنا (کذا) مدینة البطحاء بأرض هوارة تلک السنة و دفن بها شیخه و بنا علی ضریحه قبّة و بإزائها جامعا و ترک بها عشرة من کلّ قبیلة من قبائل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 147
العرب و بعث خفیة لقبیلته و هو بمراکش فأتوه فی أربعین ألف فارس کلهم شبّان فی أثناء سنة سبع و خمسین من السادس فصیّرهم جندا له فی الدرجة الثانیة.
لأن الدرجة الأولی هی أهل تنملیل، و الثانیة کومة، و الثالثة الأتباع، و أدناهم منه بطانة یرکبون وراءه و یقفون علی رأسه و یمشون بین یدیه و قد تمهدت/ له العدوتان (ص 76) و بسط فیهما العدل حتی صارت المرأة تمشی وحدها حاملة معها ما تحبه من سوس الأقصا (کذا) إلی برقة فلا یتعرض لها أحد و لا یکلمها بسوء. و کذا حفیده المنصور فی أیامه مثله و قد ابتدأه المرض الذی مات منه فی سنة ثمان و خمسین و خمسمائة بمدینة سلا حال تجهیزه الجیوش للغزو فنزل برباط الفتح و قد اجتمع علیه من القبائل ما یزید علی ثلاثمائة ألف و من المطاوعة ثمانون ألف فارس و مائة فارس راجل و انتشرت محلته بسلا من موضع یقال له غیولة إلی موضع یقال له عین خمیس. فتوفی لیلة الثلاثاء وقت الفجر ثامن جمادی الثانیة تلک السنة عن ثلاث أو أربع و ستین سنة بعد ما ملک ثلاثا و ثلاثین سنة و خمسة أشهر و عشرین یوما فحمل لتنملیل و دفن بجانب قبر شیخه المهدی. و إلی کون الموحدین ملکوا و هران فی وسط السادس أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
موحدون أتوا من بعد ذا و علواستحوذوا علیها فی وسط السادس
ثم ملکها بعده ابنه یوسف بن عبد المؤمن بن علی الکومی. و کان عالما صالحا منزّها عن سفک الدماء و هو أول من جاز بنفسه من ملوک الموحدین لغزو الأندلس و قیل أبوه قبله ملک بالمغرب من سویقة مطکوک قاصیة إفریقیة إلی وراء نون بأقصا سوس إلی آخر بلاد القبلة و بالأندلس من تطلیت قاصیة شرقی الأندلس إلی آخر غربی الأندلس. و هو الذی بنا (کذا) قنطرة تانسیفت سنة ست/ (ص 77) و ستین منه و کذا القصبة و غیرها و أتی بالماء لإشبیلیة من قلعة جابر. کل ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 148
تلک السنة. و قام علیه مزدرع الغماری المفتاحی سنة تسع و خمسین من السادس و کتب فی سکته مزدرع الغریب، نصره اللّه قریب، فبعث له جیشا فقتلوه و أتوا له برأسه لمراکش. ثم قام علیه بغمارة یوسف بن منفقید سنة إحدی و ستین منه فتحرک له بجیشه فی سنة اثنین و ستین منه فقتله و حمل رأسه لمراکش. ثم قام علیه بقفصة بإفریقیة ابن زیری سنة أربع و سبعین فتحرک له من مراکش فی السنة التی بعدها و وصل لإفریقیة سنة ست و سبعین منه و ضایق ابن زیری ثم ظفر به و قتله و عاد لمراکش فدخلها فی السنة السابعة و سبعین منه و بنا (کذا) المعدن الذی ظهر ببلیان سنة ثمان و سبعین منه . ثم جهز الجیوش للجواز الثانی بالأندلس سنة تسع و سبعین منه و لما حل بسلا أخبر بتمهید إفریقیة ثم رحل لمکناسة ثم لفاس و خرج منه سنة ثمانین من السادس فحل بسبتة و أمر الناس بالجواز فجاز العرب أولا، ثم زناتة من غیر مغراوة، ثم المصامدة، ثم مغراوة، ثم صنهاجة، ثم أوروبة و سائر البربر، ثم الموحدون و الأغزاز و الرمات (کذا) ثم هو فی عبیده و دائرته. فنزل بمرسی جبل الفتح. ثم للجزیرة الخضراء، ثم لقلعة خولان، ثم لاوکس، ثم لشریش، ثم لبنریشة، ثم (ص 78) لإشبیلیة،/ ثم لواد بصر ثم لشنترین فنزل علیها و أدار بها الجیوش و ضایقها ثم انتقل لغربها لأمر أراده اللّه تعالی (کذا) فأنکر المسلمون ذلک و بعد العشاء أمر ابنه أبا إسحاق بالرحیل نهارا لأشبونة و یشن الغارات بجیش الأندلس خاصة فأساء الفهم و رحل لیلا فاتبعه الناس بلا علم من الأمیر و بقی فی شرذمة قلیلة فسمع العدوّ فصک محلته إلی خبائه فمزقوه و قاتلهم بسیفه إلی أن قتل منهم ستة فطعنوه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 149
طعنات نافذة و قتل من جواریه ثلاثة و حلّ بالأرض فاجتمعت علیه عبیده و باقی جیشه و تراجع المسلمون فدفعوا عنه العدو و هزموه و فتحوا البلد عنوة و قتل من العدو ما یزید علی العشرة آلاف و من المسلمین جماعة و لاح الأمن للأمیر فرکب و رحل و ضل الناس فاهتدوا بالطبول و ساروا لإشبیلیة. قال ابن مطروح القیسی فی تاریخه فاشتدّ بالأمیر ألمه و مات بالطریق قرب الجزیرة قاصدا مراکش یوم السبت ثانی عشر ربیع الثانی سنة ثمانین و خمسمائة عن نحو الست و خمسین سنة بعد ما ملک اثنین و عشرین سنة و شهرا و ستة أیام فحمل لتنملیل و دفن بجانب قبر أبیه، و قیل مات بمراکش. قال الیافعی فی تاریخه: و کان یحفظ أحد الصحیحین، و ذکر الحافظ اللواتی الشهیر بابن بطوطة الطبخی فی رحلته التی اسمها: تحفة النظار، و غرائب الأمصار، و عجائب الأسفار، أنه یحکی أن یوسف بن عبد المؤمن دخل دمشق فمرض بها شدیدا مطروحا بالأسواق و بعد برءه، (کذا) خرج لظاهر دمشق/ لیلتمس بستانا یحرسه فاستؤجر لحراسة بستان (ص 79) الملک نور الدین و أقام ستة أشهر و فی أوان الفاکهة جاء السلطان لبستانه و أمر أن یؤتی له برمان یأکله فأوتی به فوجده حامضا و تکرر ذلک فقال له الوکیل أنت فی حراسة منذ ستة أشهر و لا تعرف حلوه من حامضه فقال استأجرتنی علی الحراسة لا علی الأکل فأعلم الوکیل الملک بذلک فبعث له و کان الملک رأی فی المنام أنه یجتمع به و تحصل له منه فائدة فتفرّس أنه هو و قال له أنت یوسف قال نعم فقام له و عانقه و أجلسه بحانبه و احتمله لمجلسه و أضافه (کذا) بحلال مکتسب من کدّ یمینه لأنه من الصالحین کان ینسج الحصر و یقتات بثمنها فبقی عنده أیاما ثم خرج من دمشق فارّا من أوان البرد الشدید فأتی قریة من قراها و بها رجل من الضعفاء فعرضه للنزول ففعل و أتاه بمرقة و دجاجة مطبوخة و خبز شعیر فأکل و دعا له. و له جملة أولاد منهم بنت، آن بناء زوجها بها و عادتهم أن یجهّزها أبوها و معظم الجهاز أوانی النحاس به یتفاخرون و یتبایعون فقال له أعندک النحاس قال بلی إنی اشتریته کثیرا لتجهیز البنت فأمره أن یأتیه به فأتاه و قال له استعر من الجیران ما أمکنک ففعل و أحضره و أوقد علیه النار و أخرج صرة فیها الأکسیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 150
فطرح منه علیه فعاد ذهبا. و ترکه فی بیت مقفل. و کتب لنور الدین ملک دمشق یعلمه به و ینبّهه علی بناء مارستان للمرضی الغرباء و یوقف علیه الأوقاف و یبنی (ص 80) الزوایا بالطرق و یرضی أرباب النحاس و یعطی لصاحب البیت الکفایة./ و قال فی آخر الکتاب إن کان إبراهیم بن أدهم خرج عن ملک خراسان فأنا خرجت عن ملک المغرب و عن هذه الصنعة. و قبره بکرک نوح من بقاع العزیز ببیروت و علیه زاویة یطعم بها الوارد و الصادر و وقّف علیه صلاح الدین و قیل نور الدین الأوقاف.
و قال الیافعی فی تاریخه أن القضیة وقعت لابنه المنصور کما ستراه إن شاء اللّه تعالی (کذا).
ثم ملکها بعده ابنه یعقوب المنصور، و کان شهما شجاعا محبا للعلماء معظّما لهم مشارکا فی کثیر من الفنون. و أول ما فعله أخرج مائة ألف دینار ذهبا من بیت المال و فرقها علی الضعفاء، و کتب بتسریح المساجین ورد المظالم و إکرام العلماء و الصلحاء و رجوع الأحکام للقضاة و إجراء الإنفاق علی أهل الفضل و الصلحاء و العلماء و تفریق الأموال علی الأجناد و تشحیم الثغور بالخیل و الأبطال و غزی إفریقیة سنة اثنین و ثمانین من السادس فدوّخ و سبا إلی أن أذعنوا له و نقل عربها لمراکش و جاز جوازه الأول لغزو الأندلس سنة ثلاث و ثمانین منه فقتل و خرّب لأشبونة و انصرف للعدوة بسبی کثیر ما بین النساء و الصبیان.
ثم ارتحل للأندلس لغزوة الأراک المشهورة سنة إحدی و تسعین منه فأجاز العرب أولا ثم زناتة ثم المصامدة ثم غمارة ثم الموحدین ثم المطاوعة ثم الرماة ثم العبید ثم هو فی أثرهم و معه العلماء و الصلحاء و أهل النجدة و الزعامة. فحل بالخضراء و زاد (ص 81) إلی أن بقی بینه و بین الأرک مرحلتان/ قدّم علی جیشه أبا عبد اللّه بن صنادید و حصل المصافّ بالأرک فقسم جیشه علی نصفین: نصفه فی مقابلة العدو، و نصفه کمینا. و اشتدّ القتال و دارت نار الحرب فوقع النصر له و أثخن فی العدو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 151
قتلا و سبیا و انهزم الفنش و فتح الحصن عنوة تلک السنة و کان جملة القتلی ثلاثین ألفا و الأساری (کذا) خمسة آلاف. و جال بالقتل و السبی و التخریب إلی إشبیلیة فدخلها و بنا (کذا) جامعها الأعظم و منارته فکان بین غزوة الزلاقة و الأرک مائة و اثنا عشر سنة و فتح کثیرا من مدن الأندلس و حصنیه و بنا (کذا) مراکش و رباط الفتح و جامع حسان و منارته حال جوازه للأندلس ثم رجع لمراکش سنة أربع و تسعین منه و أخذ البیعة لابنه الناصر فبدأه مرض موته و لما اشتدّ به قال ندمت علی ثلاث مسائل و هی إدخالی عرب إفریقیة للمغرب و هم أهل فساد، و بنائی رباط الفتح و هو بعید لا یعمر، و إطلاقی أساری الأرک و لا بد لهم من طلب الثأر، و توفی رحمه اللّه بعد صلاة العشاء من لیلة الجمعة ثانی عشرین من ربیع الأول سنة خمس و تسعین و خمسمائة بقصبة مراکش و حمل لتنملیل فدفن بها و هو ابن أربعین سنة بعد ما ملک أربعة عشر سنة و إحدی عشر شهرا و أربعة أیام. قال أبو الفدا صاحب حماة و کان یتظاهر بمذهب الظاهریة و أعرض عن مذهب مالک. قال الیافعی فی تاریخه و یحکی أنه زهد فی الملک و ساح إلی أن مات بالشام لأنی سمعت ممن لا أشک فیه أن جمعا من شیوخ/ المغاربة تذاکروا (ص 82) رسالة القشیری و ما فیها من مشایخ المشارقة و مناقبهم فرأوا معارضته برسالة فیها مناقب شیوخ المغاربة ثم تذاکروا أن فی القشیریة من زهد فی الملک من المشارقة و هو ابن أدهم فلم یجدوا ذلک فی شیوخ المغرب و قالوا لا یتم إلّا بذکر ملک زهد فی الملک فجاء الشیخ الکبیر أبو إبراهیم إلی یعقوب المنصور فسرّ به و أعطاه جوهرا نفیسا فالتفت الشیخ أبو إبراهیم إلی شجرة هناک و نظرها فإذا هی حاملة جوهرا یدهش منه العقول فعلم السلطان ما أکرم اللّه به أولیاءه غنی صارت ملوک الدنیا بین أیدیهم کالخدم، و ملکهم حقیر کالعدم، فعندها أحقر یعقوب الملک و زهد فیه و صار من أکابر الأولیاء. قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار، و ما یقال أنه ساح فی الأرض و ترک الملک زهدا و وصل إلی الشام و قبره
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 152
به کما هو الشائع عند العوام لا أصل له. زاد الیفرینی فی نزعته أنه لم یسح و لا حمام له و أنه لم یزهد، و لیس بمولای و إنما ذلک کله خرافات ه.
ثم قال الحافظ أبو راس فی الخبر المعرب، کان ابن زهر الطبیب الماهر بمراکش عند یعقوب المنصور فتشوّق و أهله بإشبیلیة فسمعه یقول هذه الأبیات الثلاثة:
ولی واحد مثل فرخ القطات‌صغیر تخلّفت قلبی لدیه
و أفردتّ عنه فیا وحشتی‌لذاک الشخیص و ذاک الوجیه
تشوّقنی و تشوّقته‌فیبکی علیّ و أبکی علیه
(ص 83)/ قال فأرسل المنصور المهندسین لإشبیلیة و أمرهم أن یحیطوا علما ببیوت ابن زهر و حارته ثم یبنوا مثلها بمراکش فذهبوا و انقلبوا لمراکش و فعلوا ما رأوا فی أقرب مدة ثم أمر بنقل عیال ابن زهر و کل ما یتعلّق به بعد ما فرش المهندسون البیوت بمثل فرشه و وضعوا فیها آلة مثل آلته ثم جاء ابن زهر فرأی دارا أشبه بداره فتحیر و ظن أنه نام، و تلک أضغاث أحلام ثم رأی ولده الذی تشوق له یلعب فی البیت و رأی أهله جالسین فسرّ سرورا عظیما و هو القائل لما شاب رحمه اللّه تعالی (کذا):
کانت سلیمی تنادی یا أخیّ و قدصارت سلیمی تنادی الیوم یا أبانا
و هو مثل قول الأخطل فی المعنی حیث قال:
و إذا دعونک عمّهنّ فإنه‌نسب یزیدک عندهنّ خبالا
و إذا دعونک یا أخیّ فإنه‌أدنی و أقرب خلّة و وصالا
و لما أراد المنصور أن یحمل الناس علی مذهب ابن حزم الظاهری و سمع المواق ذلک جمع من کتب ابن حزم مسائل کثیرة انتقدت علیه و أراها للمنصور فلما قرأها قال أعوذ باللّه أن أحمل أمة محمد علی هذا و ثنا (کذا) علیه و لیس هو المواق شارح مختصر الشیخ خلیل لأن الشارح متأخر عن هذا بنحو ثلاثمائة سنة ه.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 153

قائمة ملوک الموحدین‌

و اعلم أن ملوک الموحدین ما بین المغرب و إفریقیة و بجایة و المهدیة مع طرابلس سبعة و أربعون ملکا:
فبالمغرب أربعة عشر ملکا: أولهم شیخهم المهدی بن تومرت، ثم عبد المؤمن بن علی الکومی العابدی، ثم ابنه یوسف العسری، ثم ابنه المجاهد یعقوب المنصور صاحب قصة الأرک، ثم ابنه محمد الناصر و هو صاحب/ غزوة العقاب التی حصد فیها شوکة المسلمین سنة تسع من السابع (ص 84) فکانت مشومة علی المسلمین عامة و علی أهل الأندلس خاصة و هو أنه غزاها فی جیش کالجراد المنتشر فأدرکه الإعجاب من ذلک و حل به الانتقام فکانت الدائرة علیه. ثم ابنه یوسف المستنصر و فی وقته سنة ثلاثة عشر من السابع ظهر أمر عبد الحق المرینی و بظهوره دخل دولتهم الهرم، ثم عمه عبد الواحد المخلوع بإجماع الدولة علی تولیته و خلع بعد تسعة أشهر و قتل خنقا و انتهبت أمواله و سبی حریمه و هتک ستره فهو أول من خلع و قتل من الموحدین و صار الموحدون کالأتراک لبنی العباس. ثم ابن أخیه عبد اللّه العادل بن یعقوب المنصور و قد بویع أولا بمرسیّة من الأندلس فی نصف صفر سنة إحدی و عشرین و ستمائة و بویع ثانیا بمراکش یوم الأحد ثانی عشرین شعبان تلک السنة و توقف عن بیعته بلنسیة و شاطبة و دانیة و الحفصیون عمال إفریقیة. و فی أیامه کانت الواقعة الشنیعة بین المسلمین و الفرنج علی طلیطلة بالأندلس انهزم فیها المسلمون هزیمة قبیحة و هی التی هدمت دعائم الإسلام بالأندلس فسأل منه الموحدون أن یخلع نفسه فأبی و قال لا أموت إلّا أمیرا فخلعوه ثم جعلوا عمامته فی عنقه و شنقوه بها و رأسه فی الخاصّة إلی أن مات یوم الثلاثاء حادی عشرین شوال سنة أربع و عشرین من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 154
السابع و نهب المصمودیون قصره و استباحوا حریمه، ثم یحیی بن محمد (ص 85) الناصر باتفاق الموحدین علی بیعته و خالفهم عرب/ الخلط و هسکورة و قام علیه بإشبیلیة إدریس المأمون بن یعقوب المنصور و ثارت علیه جماعة من أهل مراکش و انضم إلیهم العرب و وثبوا علیه بمراکش فهرب للجبل ثم زاد العرب المعقل بفج عبد اللّه من رباط تازة فغدروا به و قتلوه و کانت مدته بأسرها مزاحمة للمأمون و ولده الرشید. ثم إدریس المأمون بن یعقوب المنصور بإشبیلیة و کان فصیح اللسان فقیها حافظا للحدیث ضابطا للراویة عارفا بالقراءة حسن الصوت و التلاوة إماما فی اللغة و العربیة و الأدب و أیام العرب کاتبا مداوما علی البخاری و سنن أبی داوود عالما بأمور الدین و الدنیا شهما حازما شجاعا مهابا سفاکا للدماء لا یتقیها طرفة عین شاعرا، فمن شعره متمثلا:
تکاثرت الظبا علی خدّاش‌فلم یدر خدّاش ما یصید
و أطاعته العدوتان و خرج علیه المتوکل بن هود شرقی الأندلس و استولی علی الأندلس ففارقها المأمون و جاز لمراکش فاستقرّ بها و تتبع الخارجین علی من قبله من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم و هم أربعة آلاف و ستمائة و جزّ رؤوسهم و علّقها بمراکش و کان زمان الصیف فنتنت المدینة و تضرر الناس بالرائحة فرفعوا أمرهم إلیه فقال تلک رائحة طیبة للمحبّین و کریهة للمبغضین و أنشد یقول:
أهل الحرابة و الفساد من الوری‌یعزون فی التشبیه للذکّار
ففساده فیه الصلاح لغیره‌بالقطع و التعلیق بالأشجار
(ص 86)/ من رآهم ذکری إذا ما أبصروافوق الجذوع و فی ذروی الأسوار
و کذا القصاص حیاة أرباب النّهی‌و العدل مألوف بکل الجوار
لو عمّ حلم اللّه سائر خلقه‌ما کان أکثرهم من أهل النّار
و لکثرة سفکه للدماء سموه حجاج المغرب و أمر بإسقاط اسم مهدیهم من الخطبة و إزالته من السکة المربعة و قال لا مهدی إلّا عیسی و عمل فیه رسالة و کان خطیبا فأفصح بتکذیبه و ضلاله فیها. و ثار علیه أخوه بسبتة فسار إلیه و حاصره بها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 155
ثم لحقه الخبر بأن البعض من أولاد الناصر دخل مراکش فرجع إلیه من سبتة و مات بالطریق مفقوعا بوادی العبید. و فی أیامه سنة سبع و عشرین من السابع کان ابتداء أمر بنی عبد الوادی.
ثم ابنه عبد الواحد بن إدریس المأمون الملقب بالرشید و تقاتل مع یحیی و هو ابن أربعة عشر سنة فهزم یحیی بجیشه و استقر بملکه و هرب یحیی لرباط تازة فغدر به عرب المعقل و قتلوه و أتوا برأسه و بقی بملکه بمراکش إلی أن قتل غریقا فی سهریج (کذا) بستان له و کان حسن السیاسة و أعاد اسم مهدیهم فی السکة و الخطبة و قمع العرب لکنه لما استقر أمره تخلی للذّات فلم یخطب له بالمغرب الأوسط و إفریقیة.
ثم أخوه أبو الحسن علی المعتضد و یقال له السعید بن إدریس المأمون و کان بطلا (کذا) شجاعا مهابا له إقدام فی الحروب و النجدة فاق بها سلفه و هو الذی حرک/ علی یغمراسن بن زیان بتلمسان و حاصره بقلعة تمزریغت الغربیة ببنی (ص 87) و رنید قرب تلمسان و قبلة وجدة إلی أن قتله یغمراسن بها بالجبل و عمل له جنازة الملوک و دفنه بالعبّاد.
ثم أبو حفص عمر بن أبی إبراهیم إسحاق بن یوسف بن عبد المؤمن ابن علی، قال بعضهم، بویع له بمراکش یوم الأربعاء غرّة ربیع الأول سنة ست و أربعین من السابع قال ابن رشیق فی تاریخه المسمی بمیزان العقل، هذا و هم فإن السعید توفی یوم الثلاثاء منسلخ صفر و لا یمکن أن یصل الخبر بموته من تلمسان إلی مراکش فی لیلة واحدة و الصحیح أن بین موت السعید و بیعة أبی حفص المرتضی مهلة نحو العشرة أیام ه. و فی أبی الفدا أن بیعة المرتضی فی ربیع الأخیر و به ظهر الوهم الذی قال علیه ابن رشیق لما ردّ علی غیره فاستقام له الأمر من سلا لسوس الأقصا و غزا (کذا) فاسا سنة ثلاث و خمسین و ستمائة فانهزم و أخذ أبو یحیی المرینی محلته و دخل مرّاکش فی فلّه إلی سنة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 156
خمسة و خمسین و ستمائة حادی أو ثانی عشرین المحرم دخل علیه القائم أبو دابوس الموحدی مراکش فهرب المرتضی إلی أزمّور فقبض علیه عامله و بعثه لأبی دابوس فقتله بکتامة علی ثلاثة أیام من مراکش.
ثم أبو العلا الواثق أبو دابوس بن أبی حفص بن عبد المؤمن بن علی، و کان بطلا شجاعا داهیة مقداما فی الحروب دخل مراکش غدرا علی المرتضی و بایعه بها کافة الموحدین و غیرهم ثم وقعت بینه و بین المرینی أبی یوسف حروب (ص 88) قتل ببعضها/ و به انقطع ملک بنی عبد المؤمن و انقرضت دولة الموحدین من المغرب الأقصا و استقامت دولة المرینیین به و من المغرب الأوسط و استقامت دولة الزیانیین به.
و بإفریقیة تسعة و عشرون ملکا، أولهم أبو حفص عمر بن یحیی صاحب المهدی بن محمد بن واندین بن علیة بن أحمد بن والّال بن إدریس بن خالد ابن الیسع بن إلیاس بن عمر بن وافتن بن محمد بن لجبة بن کعب بن محمد ابن سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه. قاله الشیخ أحمد بن الشمّاع فی تاریخه و دولتهم تسمی بالحفصیة. ثم ابنه أبو محمد عبد الواحد ابن الشیخ أبی حفص صاحب المهدی. ثم أبو العلا بن عبد المؤمن بن علی، ثم عبد اللّه بن عبد الواحد الحفصی و اتسع ملکه إلی أن ملک إفریقیة و بجایة و سائر المغرب الأوسط و تلمسان و وهران و بلد الجرید و الزاب، و توفی ببونة سنة سبع و ستین من السابع . و قد أنشأ بتونس بنیانا شاهقا. ثم ابنه أبو عبد اللّه محمد بن أبی زکریاء و سعی عمه أبو إبراهیم فی خلعه و بایع لأخیه محمد اللحیانی الزاهد علی کره منه فجمع له أبو عبد اللّه محمد بن أبی زکریاء المخلوع أصحابه و شدّ علی عمّیه فقهرهما و قتلهما و استقل بملکه و تلقب بالمنتصر و فی أیامه سنة ثمان و ستین من السابع وصل الفرنسیس لإفریقیة بجموعه و أشرفت إفریقیة علی الذهاب لو لا أن اللّه منّ علیهم بموت أمیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 157
الفرنسیس الحارک و تفرقت الجموع. ثم ابنه یحیی بن محمد و تلقب/ بالواثق. ثم خلعه عمه أبو إسحاق إبراهیم و خطب لنفسه و تلقب بالمجاهد و ترک (ص 89) زیّ الحفصیین و تزیّ بزّی زناتة و اشتغل بالشرب و فرّق الملک علی أولاده و ذبح الواثق المخلوع و ولدیه الفضل و الطیب و سلم له ابن صغیر یقال له أبو عصیدة ثم قام علیه شخص من بجایة یقال له أحمد بن مرزوق بن أبی عمارة و ادعی أنه الفضل المذبوح ابن الواثق لشبهه به فقیل له الداعی و اجتمعت علیه أناس و قصد أبا إسحاق إبراهیم فهرب به لبجایة عند ابنه أبی فارس عبد العزیز بن إبراهیم و هو أمیر بها فترکه ابنه أبو فارس بها و ذب بإخوته و جمعه للداعی بتونس فانهزم جیشه بعد الالتقاء و قتل هو و إخوته ثلاثة و نجا الرّابع و هو أخوه الصغیر یحیی ابن إبراهیم و عمه أبو حفص عمر بن زکریاء، ثم أرسل الداعی لبجایة من قتل أبا إسحاق و أتی له برأسه و تحدّث الناس بالداعی. ثم اجتمعت العرب علی عمر بن أبی زکریاء بعد هروبه من المعرکة و قوی أمره و قصد الداعی ثانیا فأثخن فیه و استتر فی بعض دور التجار ثم أحضر و اعترف بنفسه و ضربت عنقه. و لما قتل أبو حفص الداعیّ استقرّ فی ملکه و تلقب بالمستنصر فسار ابن أخیه یحیی السالم من المعرکة لبجایة و ملکها و تلقب بالمنتخب و لما اشتدّ مرض المستنصر بایع لابنه الصغیر فأتته الفقهاء و قالوا له أنت صائر لعفو اللّه و تولیة مثل هذا لا یحلّ فأبطله.
ثم أبو عصیدة ولد الواثق المخلوع/ و تلقب بالمستنصر أیضا و کنّی بأبی (ص 90) عصیدة لعمل أمه فی نفاسها به العصیدة و إهدائها للجیران. و فی أیامه توفی صاحب بجایة المنتخب و ملک بجایة ابنه خالد. ثم أبو بکر عبد الرحمن بن أبی زکریاء عبد الواحد بن الشیخ أبی حفص. ثم خالد بن المنتخب صاحب بجایة بعد قتله لأبی بکر المذکور. ثم زکریاء اللحیانی جاء من مصر مع عساکر الناصر لطرابلس فبایعته العرب و زاد لتونس فخلع خالدا و حبسه و قتله قصاصا بأبی بکر بن عبد الرحمن و استقرّ بإفریقیة و هو أبو یحیی زکریاء بن أحمد ابن محمد الزاهد اللحیانی بن عبد الواحد بن أبی حفص. ثم أبو بکر بن یحیی المنتخب أخو خالد قتیل زکریاء اللحیانی فهرب منه اللحیانی لمصر و أقام
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 158
بالإسکندریة و ملک أبو بکر ما عدا المهدیة و طرابلس فقام علیه محمد بن اللحیانی بعد هروب أبیه لمصر و قتل معه فهزمه أبو بکر و استقل ابن اللحیانی بما بیده من المهدیة و طرابلس. ثم اجتمعت الناس علی طاعة محمد بن أبی بکر الحفصی صهر زکریاء اللحیانی و بایعوه لما ضعف أبو بکر و هرب باستیلاء العرب و لکون ابن أبی بکر کان نائبا علی اللحیانی فلذلک بویع له و کاتبوا اللحیانی علی القدوم فأبی. هذا مفاد ما فی تاریخ أبی الفداء.
و قال ابن أبی دینار فی المؤنس فی أخبار إفریقیة و تونس:
ثم أبو ضربة بن محمد اللحیانی، ثم ابنه أبو حفص و بقی إلی أن مات فملک أبو الحسن المرینی، ثم الفضل الحفصی، ثم إبراهیم، ثم خالد، ثم أبو العباس أحمد، ثم ابنه أبو فارس عبد العزیز الذی قال فیه ابن عرفة أنه فی (ص 91) العدالة مثل عمر بن عبد العزیز الأموی بحسب الزمان و مات/ بوانسریس بسبب دعاء الشیخ محمد الهواری علیه کما مرّ، ثم ابنه عبد اللّه المنتصر، ثم ابنه أبو عمر عثمان، ثم حفیده أبو زکریاء یحیی بن عبد اللّه محمد المسعود، ثم أبو عبد اللّه محمد بن أبی محمد الحسن ابن أبی عبد اللّه محمد المسعود، ثم أبو محمد الحسن بن محمد الحسن بن المسعود و به ختام بنی أبی حفص و من أتی بعده فهو اسم لا رسم. ثم أحمد ابن أبی محمد بن الحسن بن أبی عبد اللّه محمد بن أبی محمد الحسن ابن أبی عبد اللّه محمد المسعود، ثم محمد ابن الحسن و هو خاتمة بنی أبی حفص و بانقراضه انقرضت أیامهم.
و ببجایة ثلاثة: أولهم أبو فارس عبد العزیز بن إبراهیم، ثم یحیی المنتخب، ثم ابنه خالد. و بالمهدیة مع طرابلس واحد: و هو محمد بن اللحیانی فهؤلاء السبعة و الأربعون الموحدین.
قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار: و لا زالت إفریقیة بید الحفصیین واحدا بعد واحد إلی أن أخذها منهم الأتراک سنة إحدی و ثمانین و تسعمائة فمدّتهم بإفریقیة ثلاثمائة و ثمانون سنة إلّا ما تخلل ذلک من الداعی بن أبی عمارة و نحوه من الذین لا حکم له. و الملک للّه وحده یورثه من یشاء من عباده.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 159

الدولة الخامسة الزیانیون‌

ثم ملک و هران، الدولة الخامسة، و هم الزیانیون و یقال لهم بنو زیان و العبد الوادیون یوم و بنو عبد الوادی.
فتسمیتهم بالزیانیین نسبة لجدهم لأبیهم زیان بن ثابت بن محمد بن زیدان ابن یندوکس/ بن طاع اللّه بن علی بن یمل بن یزوجن بن القاسم بن محمد (ص 92) ابن عبد اللّه بن إدریس بن إدریس بن عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی ابن الحسن السبط بن علی بن أبی طالب کرّم اللّه وجهه. و تسمیتهم ببنی عبد الواد نسبة لجدهم لأمهم عبد الوادی ابن یادین بن محمد بن رزجیک ابن واسین کما فی ابن خلدون و غیره. قال صاحب بغیة الرواد: و عبد الواد أصله عابد الوادی رهبانیة عرف بها جدهم من ولد سجیع بن واسین بن یصلیتن ابن مسری بن زاکیا بن رسیح بن مادغس الأبتر بن قیس بن غیلان بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال التّنسی فی نظم الدرر و العقیان فی شرف بنی زیان، و القاسم جد أمیر المؤمنین المتوکل، اتفق النّسابون علی أنه من ولد عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب رضی اللّه عنه. و لکن اختلف فی طریق اتصاله به. فقیل إنه القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن إدریس بن إدریس بن عبد اللّه الکامل. قال صاحب بغیة الرواد: و هذا القول من أشهرهم. و قیل إنه القاسم بن محمد ابن أحمد بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، و هو الذی صحّحه صاحب ترجمان العبر حیث قال: إنه القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، و احتجّ علی ذلک بأن القاسم هو الذی کان بتلمسان فلمّا غلب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 160
علیه العبیدیون دخل لبنی عبد الوادی القاطنین بصحراء تلمسان فأصهر فیهم و عقب عقبا مبارکا فشا فیهم حتی زاد علیهم بخلاف أعقاب الأدارسة فإنهم کانوا (ص 93) یلتقون بغمارة الریف./ و خالفه فی ذلک بغیة الرواد بقوله إنه لما قتل المنصور بن أبی عامر المعافری الحسن بن أبی کانون آخر ملوک الأدارسة بالمغرب افترقت الأدارسة فی البلاد. فکان القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن إدریس ممّن توجه إلی الصحراء فانضاف إلی بنی عبد الوادی فأکرموا نزوله و عظموا قدره و حکّموه بینهم فتزوّج فیهم و أنسل نسلا کثیرا و اللّه أعلم بحقیقة الأمر. فبان لک بهذا أن القاسم من ولد عبد اللّه الکامل بلا خلاف و إنما الخلاف هل هو من ولد إدریس ابن عبد اللّه أو من ولد أخیه سلیمان بن عبد اللّه. و سلیمان هو الذی ملک المغرب الأوسط، و إدریس هو الذی ملک المغرب الأقصا (کذا) ه. قال الحافظ أبو راس فی تواریخه: و القول بأن سلیمان بن عبد اللّه الکامل هو الذی جاء للمغرب غیر صحیح و الصحیح أن الذی جاء له هو ابنه محمد بن سلیمان و هو الذی ملک المغرب الأوسط، و وهم التنسی فی قوله دخلها سلیمان و ملکه أهل تلمسان علیهم لأن سلیمان استشهد بوقعة فخ التی قتل فیها جعفر بن یحیی البرموکی (کذا) بأمر الرشید. الأشراف و قبورهم مشهورة بین التنعیم و مکة المشرّفة مع ضریح ابن عمر رضی اللّه عنهم. و من أولاد سیدی محمد هذا بنو العیش ملوک رشقون، و بنو إبراهیم ملوک أتنس. و إلی إبراهیم هذا ینسب السوق الذی هو غربی العروسی حیث مکب واد أسلی فی شلف. و منهم حمزة و أخوه علی ملوک الأبیرة بإزاء جرجرة جبل زواوة و بحمزة سمیت تلک الأراضی إلی الآن ه.
(ص 94) قال صاحب بغیة الرواد: فبنو القاسم هذا هم/ الذین حازوا الشرف و کرم الأبوة و فخر الملک القدیم و الحادث (کذا). و لا یسمح للطّعن فی هذا النسب الکریم لأنه من الشهرة بالآفاق و الفشو فی القبائل و الأجداد فی الغایة بحیث لا یحجبه بعد دار و لا یجحده عدو و لا بار، و فی المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالک بن أنس رضی اللّه عنه ثبوت النسب بمجرد الشهادة من غیر معرفة أحوالها. و حکی الباجی فی منتقاه و غیره من المتأخرین أن شهادة السماع طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص161
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 161
الفاشی المتواتر تفید العلم إجماعا. و قال ابن القاسم یقطع بالنسب و إن لم یعلم الأصل، و قال بعض قضاة المتکلمین خبر الواحد إذا اختفت به القرائن أفاد العلم. فإن روعی فی إثبات هذا النسب الشریف الشهادة، فلا شهادة أعدل من قبل الأصل المشتمل علی مشیب و شبان رؤساء و مرؤسین رجال و نساء من بنی عبد الوادی کرام القوم و عیانهم یعرفون أصلهم و یدینون بصحبة منتماهم الهاشمی. و إن اکتفی فیه بالسماع الفاشی فأمره فی المشارق و المغارب مشهور فی لسان الوالی و الصدوق و العدو شأنهم معترف به. و أخبرت بحضرة تلمسان دار أولهم و آخرهم عرفان الشمس المعروفة، فهو إذا أظهر من أن یخفی و أوضح من أن یجحد.
و هل یبقی علی الأذهان شی‌ءإذا احتاج النهار إلی دلیل
و قال ابن خلدون: کان یغمراسن بن زیان یرفع نسبه إلی إدریس ثم یقول إن کان هذا صحیحا نفعنا فی الآخرة و أما الدنیا فنلناها بأسیافنا ه.
و قد ألّف/ الحافظ التنسی فی شرفهم کتابا سماه: نظم الدرر و العقیان، فی (ص 95) شرف بنی زیان. و کذا الحافظ أبو راس کتابا سماه: العجالة. و ذکر شرفهم صاحب بغیة الرواد، و أثمد الأبصار، و جواهر الأسرار، و غیرهم من الأئمة.
و سبب مصیر الملک إلیهم أن بنی عبد المؤمن لما ضعف أمرهم بما بینهم من الفرقة تطاول بنو عبد الوادی إلی الاستیلاء علی قطر تلمسان لقربهم منها فجاسوا خلالها و أوجفوا علیها بالخیل و الرکاب و احتاز کل منهم جانبا من القطر و أمّن أهله علی خراج یؤدیه إلیه کل سنة، و أمرهم إلی کبیرهم جابر بن یوسف بن عم زیان والد یغمراسن بن زیان و کان و إلی تلمسان أبو سعید عثمان بن یعقوب المنصور لأخیه المأمون إدریس بن المنصور فاحتال علی جماعة من رؤسائهم بإغراء الحسن بن حیون فأخذهم و اعتقلهم بدار الریح من القصر القدیم و بعد مدة شفع فیهم إبراهیم بن إسماعیل بن غیلان اللمتونی فردّت شفاعته فأنف و جمع قومه و هجم علیهم و سرحهم و قتل الحسن بن حیّون و اعتقل الأمیر أبا سعید موضعهم و خلع طاعة المومنیة و تطاول لإحیاء اللمتونیة و سولت له نفسه أنه لا یتأتی له إلّا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 162
إذا قطع کبار عبد الوادی فبعث إلی جابر و کبراء قومه لحضور و لیمة فأتوه فخرج إلیهم فی ثمانیة من أصحابه و قد بلغهم الخبر فقبضوا علیه و أصحابه و أوثقوهم و دخلوا البلد بدعوة المأمون فجاء جابر دار الإمارة و ضبط أمرها و بعث إلی (ص 96) المأمون بالخطبة و السکة فقنع منه لقعود/ الشیخوخة به عن النهوض.
فأول من ملک منهم جابر بن یوسف و نزع الملک من بنی عبد المؤمن و استخلص تلمسان من ید عمّال إفریقیا فملک تلمسان و وهران و استولی علیهما و علی أحوازهما و علی کافة بنی راشد و بنی عبد الواد و حواضر ذلک القطر سوی ندرومة فزحف لحصارها فهلک هناک بسهم أصابه من داخلها من ید یوسف الغفاری التلمسانی. ثم ملکها ابنه الحسن بن جابر و خلع نفسه لما کبر سنّه لعمّه عثمان ثم ملکها عثمان بن یوسف و کان فظا غلیظا فأساء السیرة و ضیّع الملک فأخرج من تلمسان. ثم اتفق بنو عبد الوادی علی تقدیم أبی یعزّ زیدان بن زیان فاستولی علیها و أعمالها فنکث عنه بنو مطهر بمظاهرة بنی راشد فکانت بینه و بینهم حروب سجال قتل فی بعضها و بموته انقطعت دولة بنی عبد المؤمن من تلمسان و قطرها و علا صیت بنی زیان فهؤلاء الأربعة تولوا لا استقلالا. ثم ملک استقلالا أبو یحیی یغمراسن بن زیان و هو فی الحقیقة أول ملوکهم و الذین قبله کانت لهم المشیخة، و اسمه یحیی و لقبه یغمراسن و معناه بلغتهم کثیر المرق لقب بذلک لکثرة جوده، نصّ علیه الحافظ أبو راس فی کتاب الحاوی. و کان ابتداء ملکه یوم الأحد رابع عشرین ذی القعدة الحرام سنة سبع و عشرین من (ص 97) السابع / فی أیام الرشید عبد الواحد بن إدریس المأمون و نازعه بنو مظهر و بنو راشد فأظهره اللّه علیهم و بعث له الرشید المؤمنی هدیة عظیمة راجیا منه الخطبة و السکة فأبی و ظهرت العداوة بینهما و همّ الرشید بالنهوض له فعاجلته المنیة و هو أول من خلط البادیة زی الملوک و أظهر قبیلة لباس الشریعة و تعرض لهدیة أبی زکریاء الحفصی الهنتاتی التی بعثها من إفریقیة للسعید المؤمنی و أخذها فنظر للسعید فلم یظهر منه شی‌ء فاستقلّ بنفسه و جهّز الجیوش لتلمسان فنازلها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 163
سنة خمس و أربعین من السابع بجیوش فیها ثلاثون ألف رام من المشاة فضلا عن غیرهم و أحاط بها فکان الهرّ مع صغر جرمه تأتیه العشرون سهما فأکثر فخرج منها یغمراسن بجیشه و قد أفرج له لشدة بأسه و صعد لبنی ورنید و دخلها الحفصی و عرضها علی ولاته فأبوا خشیة من یغمراسن فاصطلح معه و رجع کل لموضعه و اتفقا معا علی عداوة بنی عبد المؤمن فسمع السعید بذلک فأقسم لا بد یملک مملکتهما معا و نهض من مراکش یجرّ الأمم العظیمة و البحور الزاخرات من الجیوش و ساعدته علی ذلک بنو مرین فانجاز یغمراسن لحصن تمزریدت الغربیة جنوب وجدة بجبل بنی ورنید و حاصره فیها السعید بعد أن نزل بوادی سلی و سأل منه الدخول فی طاعته فأبی فزحف له و تعلق بالجبل محرّضا علی الهجوم فتعرض له یغمراسن للقتال و نصره اللّه علیه فقتل السعید علی ید یوسف ابن خزرون و أوتی له برأسه فأدخله علی أمه لکونها أمرته بطاعته فأبی و أقسم لها أن یأتیها برأسه فأبر اللّه/ قسمه و قال فی ذلک الظفر الوزیر أبو علی الحسن صاحب (ص 98) سبتة القصیدة السینیة الطویلة التی مطلعها:
بشری بعاجل أوجب لنا العرساو أصفر الدهر عنه بعد ما عبسا
و استولی یغمراسن علی المحلة بما فیها فکان منه العقد الیتیم و غدار زمرّد و المصحف العثمانی الذی بخطّه رضی اللّه عنه. و کان یغمراسن دینا فاضلا محبا للأولیاء و العلماء فأتی بأبی إسحاق الشیخ إبراهیم بن یخلف بن عبد السلام التنسی و أخیه أبی الحسن علی بن یخلف بن عبد السلام من تنس لتلمسان إلی أن ماتا بها و قبرهما بالعبّاد. و وفد علیه خاتمة أهل الأدب أبو بکر محمد بن عبد اللّه بن داوود بن خطاب فأحسن إلیه و صیّره صاحب القلم الأعلا (کذا) و ارتحل لزیارة أبی الیمان القطب الشیخ واضح بن عاصم المکناسی بجبل و افرشان من وادی رهیو لنیل الفضل منه. قال الحافظ أبو راس فی الحاوی: و لما جاء یحیی الملقب یغمراسن لزیارة سیدی واضح المکناسی فکوشف له عن ذلک و سد باب المغارة بالحجر فوقف السلطان بباب الخلوة فاستأذن علی الشیخ فلم یأذن له فمکث حینا طویلا و کان یوما حارا فصار یتشفع إلیه بخدّامه و قرابته
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 164
و هو ممتنع فقال بعض وزارئه قد حصل المقصود فانصرف لعل اللّه ییسر رؤیته فی غیر هذا الوقت فقال یغمراسن و اللّه لا أنصرف حتی یرضی عنا فلما رأی منهم أنهم یئسوا من لقائه برز لهم و قال یا یغمراسن، أما تعلم وقوف ذی الحاجات (ص 99) ببابک و ما یجدونه من الانکسار و مدافعة الحرس لطول/ احتجابک عنهم و إنما جعلت لک ذلک للتیقظ من غفلتک فصار یغمراسن یتملّق بین یدیه و یتعذّر له و الشیخ فی کل ذلک منقبض عنه و قد ألقی اللّه فی قلب یغمراسن و جنده من هیبة الشیخ ما لا یوصف. ثم أنه خلا به و قال له أما کفاک ما ترتکب من الأعمال الخبیثة جمعت بین علجتین و هما أختان فتبّا للذّة تصیّر صاحبها إلی النار فقبّل عند ذلک السلطان أقدام الشیخ و قال أنا تائب لا أعود هذا. ثم التفت الشیخ لأخیه یحیی و قال له ءاتیهم بطعام فبعد ساعة قرب لهم طعاما جیّدا و لحما سمینا فرمی الشیخ ذلک و قال تطعم الزیار (کذا) خبز الشعیر و تطعم الأمیر ما أری، فقال یغمراسن إن لم یطب خاطرک لم نأکله فقال لا بل کولوا علی برکة اللّه. ثم قال لأخیه أنت معذور تحتاج لما بید یغمراسن لأنک لک ذریة بکلامه الزناتی فلما أکلوا انبسط الشیخ و قال من تولی عهدک فقال هذا و أشار لولده محمد فقال له الشیخ الرعیة لا تحتاج للفقیه الحاذق الکیس لأن الفقیه مجبول علی جمع المال یقول للدرهم درهمان فقال له السلطان و من تری فقال هذا و أشار لولده عثمان فسرّ یغمراسن ببقاء الملک فی عقبه فلما هم بالانصراف قال الشیخ لأحد ولدی یغمراسن ألم توصک أمک أن تأتیها بحجاب أکتبه لک فقال نسیت و قبّل یده فقال الشیخ یا سیدی عزّوز ناوله إیاه فناوله فحینئذ أوصی الشیخ یغمراسن بالرفق بالرعیة و قال له یغمراسن کل راع مسؤول عن رعیته. و سیدی واضح هذا هو (ص 100) الذی تسمی علیه جد سیدی أبی عبد اللّه محمد المغوفل/ بن محمد بن واضح بن عثمان بن محمد بن عیسی بن فکرون المغراوی سمّاه علیه والده لکونه تلمیذه و توفی سیدی واضح بن عثمان المغراوی سنة ست و خمسین و ثمانمائة کما فی ذیل الدیباج للشیخ أحمد بابا. و یغمراسن هو الذی بنا (کذا) الصومعتین بالجامعین الأعظمین من أقادیر، و تلمسان. و لم یکتب اسمه علیهما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 165
و قال علمهما عند ربی. قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار: و یقال أن الجامع الذی بتلمسان القدیمة بناه مولانا إدریس الأکبر و عمل له المنبر.
و بالقدیمة ضریح الشیخ داوود بن نصر أول من شرح البخاری توفی فی آخر القرن الرابع . و حروبه مع زناتة و العرب أمر لا یحصی و لا یصدر من أحد لشرف همته، فقد قال صاحب بغیة الرواد: له فی العرب و حدهم اثنان و سبعون غزوة و مثلها مع تجین (کذا) و مغراوة. و لما حل الأمیر أبو إسحاق الحفصی بتلمسان لطلب ملکه بتونس سنة ثمان و سبعین من السابع زوّج إحدی بناته المقصورات فی خیام الخلافة لولد یغمراسن عثمان ثم بعد تمهد الملک له بعث یغمراسن ابنه إبراهیم المکنی بأبی عامر لیأت (کذا) بها فلما رجع بها لقیه یغمراسن بملیانة للتنویه ببنت سلطان تونس و لما نزلوا برهیو مات سنة إحدی و ثمانین من السابع و حمل لتلمسان فدفن بها.
ثم ابنه أبو سعید عثمان باتفاق الملأ من بنی عبد الوادی فشمّر فی غزو الأعادی ذیله حتی أقام من کل ذی زیغ میله، فقتل ابن عبد القوی ملک تجین و انتزع لهم و انسریس و المدیة و أخذ مازونة و تنس و فرشک من ید مغراوة/ و هرب (ص 101) مالکهم راشد بن مندیل فی البحر، و قطع ملکهم. غیر أن الحافظ أبو راس قال فی عجائب الأسفار: قد رأیت راشدا بن مندیل مذکورا فی نحو السّبع من الثامن و زاد عثمان لبجایة فخربها و غزی (کذا) العرب فأجلاهم للصحراء و حرک علیه یوسف بن عبد الحق المرینی خمس مرات کان الحصار صادر منه فی الخامسة لتلمسان ثمان سنین و ثلاثة أشهر، و بنا (کذا) المنصورة و توفی أبو سعید فی الحصار. ثم ابنه أبو زیان محمد بن أبی سعید و نهض لحرب عدوه غیر أنه عاجلته المنیة فی أثناء الحصار لمرض اعتراه.
ثم أخوه أبو حمّ موسی بن عثمان و فی وقته حصل الفرج و زال الحصار
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 166
بسبب الولی أبی زید عبد الرحمن الهزمیری جاء من أغمات لیوسف بن یعقوب المرینی شفیعا فأبی فذهب الشیخ مغاضبا و قال یأتی سعاذا (؟) یقضی هذاء و انصرف للمغرب فدخل علیه سعادة غلام العلامة أبی علی الملیانی الذی قتله یوسف ابن یعقوب فألفاه (کذا) نائما و قد ألقی اللّه فی قلبه طلب الثأر فوجأه بسکین فی بطنه فبلغ الخبر الهزمیری و هو بفاس فقال له خدیمه نرجع لبلدنا فقال الشیخ و عبد الرحمن یموت فمات لأیام قلائل و دفن بفاس بروضة الأنوار. و أول ما بدأ به أبو حمّ هدم المنصورة و أصلح ما ثلم من تلمسان و بنی الأسوار و حفر الخنادیس و الأهریة و ملأها طعاما و إیداما و حطبا و فحما و ملحا و جمیع ما یحتاج إلیه بما لا حدّ له (ص 102) ثم استقبل بالتمهید و تتبع الحرکات بنفسه/ علی تجین و مغراوة و سائر المخالفین أیام الحصار و حرک علیه أبو سعید المرینی إلی أن بلغ وجدة ففرّ عنه أخوه یعیش لتلمسان فرجع و ثار علیه راشد بن راشد المغراوی بشلف فنهض له وفر راشد لزواوة و استعصم بها فنازله أبو حمّ بوادی تمهل و بنی به قصره المعروف به ففرّ راشد لبنی أبی سعید و انحاز للموحدین فبعث له جیشین عظیمین أحدهما لنظر مسعود بن أبی عامر الزیانی و الآخر لنظر موسی بن علی الغزّی فاستباحوا أبل قسنطینة و حصل التنافس بین الرؤساء کادت تبین الفتنة و عزل عامل ملیانة و بعث به لتلمسان فاستقبح ابنه أبو تاشفین سجن خاله و أمره بالمسیر للأمیر فغضّ بصره ففر للمدیة و ثار بها و تبعه الغوغاء فرجع أبو حمّ مغاضبا علی ابنه و صار یؤثر علیه مسعود بن أبی عامر بن عمه فأغرا (کذا) أبا تاشفین خواصّه بقتل المسعود و أبیه فقتلهما. و کان أبو حمّ محبا للعلماء و العلم و هو الذی بنی المدرسة المعروفة لابنی الإمام و أعطی بلاد تجین للحشم فصلا بینه و بینهم.
ثم ابنه أبو تاشفین، فاستولی علی البدو و الحضر، و استخدم ربیعة و مضر و تولّع بتبییض الدور، و بنی (کذا) القصور، و نهض لخاله محمد بن یوسف الثائر علی أبیه و الموجب لقتله فحاصره، بوانسریس إلی أن أخذه عنوة و قتله و عفا عن غیره، ثم زاد لبجایة فأخذ ریاحا أخذة رابیة و أمر قائده موسی بن علی ببناء مدینة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 167
علی وادی بجایة فبنیت فی أربعین یوما و سمّاها تمزریدت الشرقیة و أما الغربیة فهی التی/ بجبل بنی و رنید کما مرّ. و جهز عامله یحیی الجمی جیوشا لغزو (ص 103) تونس تحت نظر ابن أبی عمران الحفصی فلقیهم مالکها أبو یحیی بجیوشه فهزموه و استولوا علی حریمه و ذخائره و محلاته و أفلت جریحا لقسنطینة و زادوا فدخلوها و استراحوا بها أربعین یوما و أسلموها لابن أبی عمران فبعث له أبو سعید المرینی علی الإقلاع عن بجایة فأبی و همّ أبو سعید بقتاله فعاجلته منیته (کذا).
و کان له بالعلم و أهله احتفال عظیم فقد ورد علیه أبو موسی المشذالی فأکرمه و ولّاه التدریس بمدرسته الجدیدة و ورد علیه أبو العباس البجائی تاجرا و دخل المدرسة القدیمة فألفاهم یتکلمون بمجلس أبی زید بن الإمام فی قول ابن الحاجب فی الأصول فی حدّ العلم أنه صفة توجب تمییزا لا یحتمل التنقیض فقال یا سیدی هذا الحد غیر مانع لانتقاضه بالفصل و الخاصة فقال أبو زید من المتکلم فقال أحمد البجائی فقال یقع الجواب بعد الضیافة و أنزله و أکرمه و سأله عن مقدمه فقال تاجرا فعرّف به الأمیر فرفع عنه مغرمه و من معه قدره مائة دینار و زاده صلة مائة دینار ذهبا، و وقع بمجلسه السؤال عن ابن القاسم هل هو مقلدا أو مجتهد فقال أبو زید مقلد النظر بأصول مالک و قال المشذالی مجتهد مطلق الاجتهاد و احتجّ بمخالفته لمالک فی بعض المسائل و استظهر أبو زید نصّ ابن التلمسانی الذی مثل به للاجتهاد المخصوص/ بابن القاسم لمالک و المازنی (ص 104) للشافعی فقال المشذالی هذا مثال لا تلزم صحته. و حرک علیه أبو الحسن المرینی فنزل بتاسالة و أطال بها إلی أن ثار علیه أخوه بسجلماسة فرجع له إلی أن قتله و مهّد المغرب ثم رجع لتلمسان و حاصرها و بنی علیها مدینته التی هی الآن محراث و لم یزل أبو تاشفین و أولاده و وزیره فی المقاتلة معه إلی أن استشهدوا جمیعا فی یوم الأربعاء ثامن عشرین رمضان سنة سبع و ثلاثین من الثامن فدخلها المرینی و بموته جرّ الحادث، و الخطب الکارث، علی الدولة الزیانیة القفا، و کدر بنیها الحنسی ما کان صفا.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 168

الدولة السادسة: المرینیون‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة السادسة، و هم المرینیون، و یقال لهم بنوا حمامة.
أما تسمیتهم بالمرینیین فذلک نسبة لجدهم مرین بن أمیر الناس علی قول، و ابن ورتاجن علی الآخر، و أما تسمیتهم ببنی حمامة فذلک نسبة لجدهم حمامة ابن محمد بن ورزین. و اختلف فی نسبهم علی ثلاثة أقوال، فقال صاحب أثمد الأبصار و غیره إنهم أدارسة من ذریة یحیی بن إدریس، و قال صاحب القرطاس إنهم زناتة من ذریة ماخوخ الزناتی، و قال أیضا فی موضع آخر إنهم من نسل قیس بن غیلان بن مضر. و من زنات تفرقت قبائل زناتة فهم عرب صریحون و سبب تغیّر لسانهم عن العربیة إلی البربریة أن بر بن نزار کان له ولدان: قیس، (ص 105) و دهمان، ابنا/ غیلان. فدهمان ولده قلیل و هم أهل بیت من قیس یعرفون ببنی امامة. و قیس ولد أربعة رجال و جاریة و هم: سعید و عمر و حفصة أمهم مریم بنت أسد بن ربیعة بن نزار، و برّ و نماض أمهما بریع بنت محمد بن مجدل بن عمر ابن مضر المجدولی. و کان البربر یسکنون بالشام و یجاورون العرب فی الأسواق و المساکن و المراعی، و یشارکونهم فی المیاه و المساعی و یصاهرون بعضهم بعضا. و کانت البها بنت دهمان بن غیلان بن مضر من أجمل النساء و أکملهنّ ظرفا و طربا و حسنا فکثر طلابها للتّزویج من کل قبیلة فقال أبناء عمها قیس و هم:
عمر و سعید و برّ و حفصة لا یتزوج بنت عمنا غیرنا فخیّروها فاختارت برّا لکمال شرفه و صغره و تزوجته فحسده اخوته علیها و هموا بقتله. و کانت أمه بریع من دهات (کذا) النساء فبعثت إلی ولدها بر و زوجته البها و أمرتهما بالذهاب معها لقومها فوافقاها و ذهبوا فنزلوا عند أخواله و أعرس بها و امتنع من قومه فولدت له البها علوان و مادغس: فعلوان مات صغیرا و لم یعقّب، و مادغس لقّب بالأبتر فهو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 169
جدّ البتر و من ولده جمیع زناتة فبمکث برّ بالبربر تغیر لسانه و أورث فی ذریته فهذا هو السبب و قالت فی ذلک أخته ترثیه:
و شاطت ببرّ داره عن بلاده‌و اطرح برّ نفسه حیث یمّما
و أورث برّ لکنة أعجمیّةو ما کان برّ بالحجاز بأعجما
/ و قال أبو فارس فی أرجوزته نظم السلوک:
فجاورت زناتة البرابرافصیرت کلامهم کما ترا
و ما بدّل الدهر سوی أقوالهم‌و لم یبدّل منتهی أحوالهم
بل فعلهم أربی علی فعل العرب‌فی الحال و الآثار ثم فی الأدب
فانظر کلام العرب قد تبدّلاو حالهم عن حاله تحوّلا
لا یعرفون الیوم ما الکلام‌و ما لهم نطق و لا إفهام
و إن تمادت بهم الأحوال‌لم یبق فی الدهر لهم أقوال
کذاک کانت قبلهم مرین‌کلامهم کالدّرّ إذ یبین
فاتخذوا سواهم خلیلاو بدّلوا کلامهم تبدیلا
و أصل مواطنهم کاخوتهم بنی لومی و مدیونة، قبلة زاب إفریقیة ثم دخلوا المغرب سنة تسع و ستمائة فنزلوا من فقیق إلی تفلالت إلی ملویة. و کانت بین بنی لومی هؤلاء و بین بنی مانّوا حروب عظیمة هلک فیها ماخوخ الزناتی صاحب الخیمة المشهورة التی آثارها للآن ببلاد أولاد علی من بنی عامر فی أواخر المائة الخامسة و کان بنوا لومی یمدون بنی مرین بالجیوش و سبب مصیر الملک إلیهم أنهم کانوا ببلادهم المذکورة رائسهم (کذا) محمد بن ورزین. ثم قام ابنه حمامة مقامه ثم أخوه عسکر ثم ابنه المخضّب و لما سمعوا بعبد المؤمن بن علی الموحّدی غزی (کذا) و هران و استولی علی أموال لمتونة و بعث بها لتنملیل تعرّضوا له من الزّاب مغلغلین إلی وادی تلاغ فاستولوا/ علیها به ثم لحقهم (ص 107) الموحدون و معهم بنوا عبد الوادی فکان المصاف بفحص حسّون و انکشف المرینیون و قتل شیخهم المخضب و اکتسح العبد الوادیّون حللهم سنة أربعین من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 170
السادس فلحقوا بالصحراء و رکد ریحهم إلی سنة عشرة من السابع فی وقت المنتصر الموحدی و کان صبیّا صغیرا لا یعرف شیئا أتوا علی عادتهم للکیل فوجدوا الغرب لا حیاة فیه لمن تنادی فأقاموا بمکانهم و بعثوا لإخوانهم علی القدوم فأسرعوا علی الخیل و النجائب، یقطعون المهامة و السّباسب یریدون الدنو و البلاغ، إلی أن وصلوا لوادی تلاغ، فدخلوا المغرب بجیش کالجراد یقمع الحاضر و الباد، فظهر ما کان فی الغیب مجهولا لیقضی اللّه أمرا کان مفعولا. قال أبو فارس فی أرجوزته:
فی عام عشرة و ستمائةأتوا إلی الغرب من البریّة
جاؤوا من الصحراء و السباسب‌علی ظهور الخیل و النجایب
کمثل ما قد دّخل الّلمتونیّون‌من قبل ذا و هم لهم میمّمون
فهذا سبب مصیر الملک إلیهم. قال ابن خلدون: و هم قوم مرهوب جانبهم شدید بأسهم من أقوی القبائل و أنجدها و أفرسها کثیر جمعهم، مضاهون للعرب و الفرس و الیونان و الروم. و فیهم قال ابن الخطیب فی رقم الحلل:
و أورث اللّه بلاد الغرب‌للسّادات الغرّ الکرام النجب
أهل الخیول و الرماح و الهمم‌أقوی بنی الدنیا و أوفی بالذّمم
و أدرب الخلق برکض الخیل‌و خوض أحشاء الفلا و اللیل
(ص 108)/ قاموا و قد بان اختلال الطاعةبمذهب السّنّة و الجماعة
و لما دخلوا المغرب تفرقوا فیه و شنّوا الغارات فمن أذعن لهم سالموه و من أبی قتلوه. ففرت الناس منهم و بلغ خبرهم إلی أمیر الموحدین المستنصر فقال لقومه: ما ترون من هؤلاء فاتفق رأیهم علی محاربتهم فبعثوا لهم جیشا فیه عشرون ألفا تحت رئاسة أبی علی بن واندین فسمعت مرین فلقیتهم بأکمل حالة و جعلوا أموالهم و حریمهم بقلعتی: تازة وزا فلما تراء الجمعان کانت الدائرة لمرین علی الموحدین فقتلوهم ذریعا و هزموهم شنیعا و احتووا علی ما فی المحلة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 171
بأجمعه و دخل فلّ رباط تازة و فاسا منهزمین، و بالمشعلة مستترین و منحرمین.
و هی نبت یشبه الحلفا له أوراق طویلة عریضة تمسیها عامة المغرب بلحیة الشیخ و یقال لها بالشلحة الأثموج و أکثر نبتها قبلة تازة سیما بلاد مکناسة و قلوبهم بالحزن مشتعلة، فسمّی العام عام المشعلة و هو عام ثلاثة عشر و ستمائة .
و أول ملوکهم بالمغرب عبد الحق بن محیوا و کان فاضلا صالحا متبرکا به و هو الذی استخلص الملک من غیره لکنه لم یستول علی کرسی الخلافة بمراکش. ثم ابنه أبو سعید عثمان، ثم أخوه أبو معرّف محمد بن عبد الحق و بایعته کافة مرین و سار فیهم سیرة حمیدة و کان بطلا شجاعا، شهما مهابا مطاعا، کثیر الغارات لا یفتر عن القتال و المحاولات. و فیه قال صاحب الأرجوزة:
/ ثم ولّی من بعده محمدو کان فی أموره مسدّد
فکان لا یفتر عن قتال‌مواضبا للحرب و النّزال
کم عسکر له و کم حشودو من جمیع جمّة الجنود
و کم من جیش جاء من مراکش‌أفناه بالحروب و التناوش
نهاره و لیله طعان‌لکنه مؤیّد معان
و لم یزل فی قتال الموحدین إلی أن قتل بصخرة أبی بیاس من أحواز مدینة فاس، یوم الخمیس تاسع جمادی الثانیة سنة اثنین و أربعین من السابع تحاملا مع زعیم الروم. ثم أخوه أبو یحیی زکریاء بن عبد الحق و هو أول من عمل من ملوکهم مراسم الملک من بنود و طبول و غیرها. و أوّل ما ابتدأ به تقسیم البلاد علی قومه و إنزال کل قبیلة فی ناحیة و أمرهم بتکثیر الجیش و رکوب الرجال و ما غلبت علیه کل قبیلة فهو لها و توفی بفاس و دفن بإزاء قبر الفشتالی تبرّکا به.
ثم أخوه سلطان الجهاد أبو یوسف یعقوب بن عبد الحق المرینی و لقبه المنصور. و قد استوفی أبو فارس فی أرجوزته سیرته حیث قال:
سیرة یوسف بن عبد الحق‌قد حاز فیها قصبات السّبق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 172 سیرته أن یقرأ الکتاباو یذکر العلوم و الآدابا
یقوم للصلاة ثلث اللیل‌و ما له عن ورده بمیل
(ص 110) إلی آخر الأبیات السبعة و العشرین و شرع فی تمهید المغرب ففتح/ بلاده من أقصی سوس إلی وجدة و فتح مراکش و قطع ملک الموحدین و محا أثرهم و جاز للأندلس فدوّخها و ملک بها ما یزید علی خمسین قصرا ما بین مدن و حصن کمالقة و رندة و الخضراء، و طریف و مربات و أشبونة و ما بین ذلک من الحصن و القری و البروج و خطب له علی جمیع منابر الغرب فهو أول ملک حما (کذا) الإسلام من بنی مرین و نزل فی سنة ثمان و خمسین من السابع بتازة یستنشق ریح یغمراسن فبلغه الخبر بأن النصاری دخلوا مدینة سلا غدرا و وضعوا السیف فی رقاب أهلها فجدّ السیر لها یومه و لیلته إلی أن أدرک المسلمین و خلّصهم من العدوّ و أطرد العدو منها و بنا علیها (کذا) السّور و غزی (کذا) مراکش سنة ستین من السابع فحاصرها شدیدا و غلق أمیرها المرتضی علی نفسه ثم خرج منها و وقعت بینهما حروب عظیمة قتل فیها عبد اللّه ولد المرینی فارتحل عنها. و فی ذلک قال أبو فارس عبد العزیز فی أرجوزته:
فی عام ستّمائة و ستین‌سار المراکش سلطان مرین
فوقف المنصور بجلیزمبرزا بأحسن التبریز
و عاد فیها المرتضی محصوراذا أرق فی قصره مقصورا
و دارت الأعراب بالأسوارو اعتمدوا فیها علی الإحصار
(ص 111) و ضیّق علی أبی دابوس بمراکش شدیدا و لما أیقن بعدم النجدة/ استصرخ بیغمراسن فشن الغارات علی أطراف الغرب فرجع إلیه المرینی و وقع المصاف بوادی تلاغ الغربی و حصلت الحرب العظیمة بینهما من الضحی للظهر فرجعت الدائرة علی یغمراسن فهزم و قتل أکبر أولاده عمر. ثم غزا (کذا) تلمسان فی سنة تسع و ستین من السابع فلقیه یغمراسن بواد سلی قرب وجدة فوقع بینهما حرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 173
عظیم مات فیه من جیش یغمراسن خلق کثیر و لو لا ما حال الظلام بینهما لم تقم قائمة لبنی عبد الوادی و فرّ یغمراسن لتلمسان و أضرمت محلته نارا و تبعه یعقوب المرینی فمرّ بوجدة و جعل عالیها سافلها و سبا (کذا) أموالها و زاد لتلمسان فحاصرها شدیدا و أدار محلاته بها و جاءه بها محمد بن عبد القوی إعانة ثم سرحه لأهله و لم ترتحل عنها حتی وصل التجینی بلده خشیة علیه من یغمراسن ثم أقلع عنها و رجع للمغرب فقال بعض کتابه، الملزمین لخدمة بابه:
فإنک إذا الخیل جالت حبستهم‌قضاء من الرحمان ما منه عاصم
فذاک علی الیمنی یبید حمامتهاو هذا علی الیسری فأین المقاوم
و والدهم فی جاحم الحرب بینهم‌یبید حماة الجیش و السّقر قائم
فویحک یا یغمور هل لک حاجزأیقظان حقا أنت أم أنت نائم
أفی کل عام تترک ابناک للفنی‌و تسبی لک المغید الحسان المکارم
و جهّز جیشا قدره خمسة آلاف لنظر ولده أبی زیان سنة ثلاث/ و سبعین من (ص 112) السابع فغزی (کذا) الأندلس به و نزل بطریف و استراح ثلاثا و منه للحیرة فغنمها و بعث بالغنائم للجزیرة و والی السیر فی الأرض یفتح و یسبی إلی شریش و رجع بالغنائم للجزیرة و لحقه والده فی سنة أربع و سبعین من السابع ففتح فتوحا کثیرة و غنم غنائم عظیمة و جال بالقتل و السبی و التخریب و قتل زعیم النصاری دنونة و هزمت عساکره و أوتی له بالرؤوس فکانت نیفا و ثمانیة عشر ألفا علی ما لصاحب الأنیس، و تسعة آلاف علی ما لصاحب رقم الحلل، فجعلت تلا و أذّن علیها للصلاة و صلی المسلمون بالمعرکة الظهر و العصر و أوتی له برأس دنونة فبعثه لابن الأحمر فکوفره و مسّکه ابن الأحمر و بعثه للفنش (الفونسو) تقرّبا منه و تجنبا من أبی یوسف. قال ابن الخطیب فی رقم الحلل:
تسعة آلاف من الکفّاردعا بهم داع إلی البوار
و عدد الأساری سبعة آلاف و ثمانمائة و ثلاثون أسیرا و الکراع أربعة عشر ألفا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 174
و ستمائة و البقر مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا، و أما الغنم فضاقت بها الأرض و بیعت الشاة بدرهم و المرأة بدینار و نصف. و لما قسم الغنائم ارتحل و نزل قصر الصخرة فأتاه هرنادة ملک قشتالة لعقد الجزیة و قبّل ید السلطان فدعا بماء بمرأی بطارقته و غسلها من قبلته فکانت له فخرا و فی ذلک قال لسان الدین ابن الخطیب فی رقم الحلل:
(ص 113)
/ و اجتمع القوم بقصر الصخرةو شاهد النّاس جمیعا فخره
و حین حل بالخضراء بعث له أبو محمد بن أشقیلولة کتابا یهنّیه بالفتح مشتملا علی قصیدة عینیة فیها تسعة عشر بیتا مطلعها:
هبّت بنصرکم الریاح الأربع‌و جرت بسعدکم النجوم الطوالع
و اصطلح فی سنة أربع و سبعین من السابع مع شانجة طاغیة الروم فبعث له الطاغیة بثلاثة عشر حملا من کتب المسلمین التی أخذوها ما بین الکتاب العزیز و تفاسیره و کتب الحدیث و شراحاته و کتب الفروع و الأصول و اللغة و العربیة و الآداب و غیرها و أتاه العلامة الأدیب أبو فارس عبد العزیز المکناسی ناظم الأرجوزة التی یقال لها نظم السلوک بقصیدة بائیة مشتملة علی مائتین و ثلاثین بیتا یذکر فیها سیرته و جهاده و غزواته و جمیع أموره کلها مطلعها:
بحمد اللّه أفتح الخطاباو أبدأ فی النظام؟ و الکتابا
لعل اللّه یبلغنی أمالی‌و یفتح بالسّرور علیّ بابا
فأنشدها بین یدیه قارئه أبو زید عبد الرحمن الفاسی الغرابلی و حضور أشیاخ بنی مرین و العرب لقراءتها فاعطا (کذا) لقارئها مائتی دینار و للنّاظم ألف دینار و خلعا و مرکوبا و من أرادها بتمامها فعلیه بالأنیس، أو دلیل الحیران. و توفی ضحی یوم الثلاثاء ثانی عشرین من المحرم کما فی الأنیس، و صفر کما فی (ص 114) عجائب الأخبار، سنة خمس و ثمانین من السابع / بالجزیرة الخضراء بعد موت
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 175
یغمراسن بخمس سنین کما فی الخبر المعرب. و حمل إلی رباط الفتح من بلاد العدوة و دفن بمسجد شالة منها کما فی الأنیس و بموته انصدع الإسلام. قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار: و لو لا یغمراسن ألهاه بشن الغارات لا ستردّ کثیرا من الأندلس فکان له مانعا من الموانع.
ثم ابنه یوسف الناصر فصالح ابن الأحمر و جدد الصلح لابن الفنش (الفونسو) و أکثر من غزو الأندلس فأثخن فی النصاری ثم صرف عزمه لغزو تلمسان بسبب ابن عطوا فحاصرها و بها ملکها عثمان بن یغمراسن و دام حصاره علیها أعواما و شهرا و مات ملکها عثمان أیام الحصار و انتهت عساکر المرینی إلی إفریقیة و اشتدّ البلاء علی أهل تلمسان إلی أن قتله غلامه و هو نائم مع إحدی جواریه فافرجت عساکر مرین عنها و حمل إلی شالة برباط الفتح و دفن بها. و لما مات جلس ابنه أبو سالم علی الکرسی فغلبه ابن أخیه أبو ثابت و خلعه بإعانة أبی حمّ الزیانی.
ثم أبو ثابت عامر بن عبد اللّه فارتحل عن تلمسان و رجع للمغرب فدوخه کثیرا و جال فی نواحیه إلی أن توفی بقصبة طنجة فجلس علی کرسی الملک عمّه علی بن یوسف فخلع فورا و رضوا بسلیمان أخی (کذا) أبی ثابت. ثم أبو الربیع سلیمان بن عبد اللّه أخو أبی ثابت فجدّد الصلح مع آل زیان و توفی مریضا بتازة و دفن من لیلته بصحن جامع تازة و قد ترفّهت الناس فی أیامه/ باتخاذ الدّواب (ص 115) و الملابس الجیدة و تشیید الدور و ترویقها بالزّلیج و الرخام و النّقوش. ثم أبو سعید عثمان السعید بن یعقوب فمهّر الملک و دوّخ المغرب و أوقع بملویة و وجدة و بنی یزناسن کثیرا و حاصر تلمسان شدیدا و بها سلطانها أبو حمّ موسی بن عثمان ثم أفرج عنها و رجع للمغرب و غزی (کذا) الأندلس و طالت مدته فی التدویخ و وقع الخلل بینه و بین ولده عمر فاجتمع العسکر علی عمر و خاف السعید من العسکر فانتصر علیه ولده و هرب السعید لتازة و لحقه بها ولده و حصره إلی أن سلّم له الأمر بالأشهاد و بقی بتازة ثم سار ولده بالجیوش لفاس و حلّ به المرض الشدید فحاصره أبوه بها إلی أن سلّم له الأمر علی أموال عظیمة أعطاها له السعید مع سجلماسة و ترک الملک لأبیه فاستقلّ به إلی أن مات. و هؤلاء الملوک التسعة من بنی مرین لم یملک واحد منهم و هران.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 176
ثم ملکها أبو الحسن المرینی و هو علیّ بن عثمان السعید بن یعقوب ابن عبد الحق بن محیو بن أبی بکر بن حمامة بن محمد بن ورزین بن فلوس ابن کرماط بن مرین فدوّخ المغرب بأجمعه و حاصر تلمسان مدة حصرا شدیدا و بنی المنصورة غربی تلمسان مدة الحصار و فیها یقول ابن الخطیب السلمانی فی رقم الحلل:
ثم بنا المنصورة الشهیرةالبلدة الجامعة الکبیرة
(ص 116)/ و قیل بناها یوسف بن یعقوب کما مرّ وفتک بأهل تلمسان فتکا عظیما و قاتله مالکها أبو تاشفین إلی أن استشهد هو و أولاده و وزیره فدخلها عنوة و لما حلّ بها طلب الإعانة منهم بالأموال للجهاد فقال له أبو زید بن الإمام لا یصح لک حتی تکنس بیت المال و تصلی فیها رکعتین کما فعل عمر رضی اللّه عنه. و فتح ندرومة و وجدة و رجع للمغرب. ثم غزی (کذا) طریف بالأندلس فهزم هزیمة کبیرة حصدت فیها شوکة المسلمین. ثم غزی (کذا) و هران و المغرب الأوسط إلی أن وصل لإفریقیة بسبب أن السلطان أبا بکر الأصغر الحفصی لما توفی سنة سبع و أربعین من الثامن و کثر القتال بین بقیّة بنی حفص و بین ولدیه أبی العباس و أبی فارس و أضرمت إفریقیة نار الفتنة هرب حاجب السلطان محمد بن تافرکین للمغرب لسعایة بلغت به فلحق بأبی الحسن المرینی و صار یرغبه فی ملک تونس و یسهل علیه أمرها و یهوّنها علیه و کانت نفسه تحدثه لما فتح تلمسان بإفریقیة و یتربّص بالسلطان أبی بکر فقویت عزائمه علیها ثم أخبر بمهلک ولدی أبی بکر أبی العباس و أبی فارس فارتحل من مراکش و جدّ السّیر إلی تلمسان فوافته بها الحشود من کل جهة و ارتحل فی صفر سنة ثمان و أربعین من الثامن یجرّ الدنیا بما حملت فنزل بوهران و فتحها و أمر ببناء البرج الأحمر بها فبنی و جعل فی وسطه دائرة لا تراکین لها بناء محکما و اتقنه إلی أن کاد الجوّ یغصّ به و قلّما یوجد مثله فی السّعة و اتقان البناء فهو إیوان الحکم لکل من ملک (ص 117) و هران ثم بنا (کذا) ثانیا برج/ المرسی کلاهما تلک السنة فبینما هو بوهران إذ و فدت علیه بها أولاد حمزة، و الکعوب و سائر أمراء إفریقیة و بعث ابن مکی أمیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 177
قابس وفده بالطاعة و ابن جلول صاحب توزر و ابن عابد صاحب قفصة و صاحب الحامة و صاحب نفطة کلهم بایعوه بوهران رغبة و رهبة و أدّوا بیعة ابن ثابت صاحب طرابلس لبعد داره ثم قدم فی أثرهم یوسف بن منصور صاحب الزّاب و معه کبیر الذواودة یعقوب بن علی فأوسع الکل کرمه و جوائزه و عین القهارمة لإتمام البرجین المذکورین و العمالة و الولاة و فی ذلک قال الحافظ أبو راس فی سینیته:
ثامن قرن قدمها المرینی أبوحسن ثمت بیعة طرابلس
بنا بها الأحمر ففاق کل بناثم بنا الثانی حذو سفن المرس
ثم ارتحل یجرّ الأمم قاصدا إفریقیة فمرّ علی کل بلدة و مکان فی أمن و أمان إلی أن دخل تونس فی یوم مشهود یقلّ مثله بعده فی الوجود، و معه شیخ الموحدین بتونس أبو محمد بن تافرکین بجنود عظام فبایعه بها خمسون ملکا و وافق ذلک موت الحاجب لتعلقات العلم و جامع أشتات النثر و النظم و إمام المصنفین بحکم أقرانه الراشدة العلامة ابن هارون أحد شارحی ابن الحاجب و شیخ ابن عرفة و زوجته فی لیلة واحدة، فقدم السلطان لما حضر جنازتهما للصلاة علیهما أبا عبد اللّه السبطی صاحب الفتوی بالمجلس الذی أولاده مشهورون بأولاد السّبطی للآن بفاس. و لما حلّ بتونس اندفع إلیه الشعراء بها یهنونه بالفتح و کان سابقهم فی تلک النوبة أبو القاسم الرحوی من ناشئة أهل الأدب فرفع/ إلیه قصیدة بائیة محتویة علی ثمان و ستین بیتا مطلعها: (ص 118)
أجابک شرق إذ دعوت و مغرب‌فمکّة هشّت للقاء و یثرب
و نادتک مصر و العراق و شامه‌بدارا فصدع الدین عندک یشعب
و حیّتک أو کادت تحیّی منابرعلیها دعاة الحق باسمک تخطب
و انظر تمامها إن شئت فی ترجمان العبر أو دلیل الحیران.
ثم غزی (کذا) من تونس العرب بالقیروان بعد صلاة عید الأضحی فوافاهم فی الفرح بین بسیط تونس و بسیط القیروان المسمی بالثنیة فأجفلوا أمامه و قاتلوه منهزمین و هو فی اتباعهم إلی أن حلّ بالقیروان و رأوا أن لا ملجأ منه فاتفقوا علی الاستمایة (کذا) و دسّ إلیهم من عسکر السلطان بنوا عبد الواد و مغراوة و تجین
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 178
فغلبوا بنی مرین و واعدوهم بالمناجزة صبیحة یومهم لیتحیزوا إلیهم برایاتهم و صبحوا معسکر السلطان فرکب إلیهم التعبئة فاختلّ مصافه و تحیّز إلیهم الکثیر من جیشه فکانت الدائرة علیه و نکب نکبة عظیمة و نجا إلی القیروان فدخلها فی الفلّ من عساکره و تدافعت ساقات العرب فی إثره و تسابقوا إلی محلّته فنهبوها و دخلوا فساطیطه و استولوا علی ذخائره و الکثیر من حریمه و أحاطوا بالقیروان و دارت حللهم بها و تعاوت ذیابهم بأطراف البقاع و أجلب ناعق الفتنة من کل مکان و لم ینج إلّا فی أرذل حالة و ذهب لیلا إلی سوسة علی تعبئة فرکب منها فی الأسطل (کذا) إلی تونس و حل بها فشرع فی إصلاح ما ثلم منها.

عودة وهران لدولة بنی زیان‌

(ص 119) ثم/ رجع ملک و هران للدولة الخامسة و هی دولة بنی زیان فملکها بعد أن استولی علی تلمسان أبو سعید بن عبد الرحمن بن یحیی بن یغمراسن الزیانی فأحیا (کذا) الدولة الزیانیة بعد العفاء و أظهرها بعد طول الخفاء و هو سادس الملوک الزیانیة، و عاشر القاسمیة، بویع له فی ربیع الأول سنة تسع و أربعین من الثامن بأرض إفریقیة و جاء مغربا و معه تجین و مغراوة و بنوا عبد الواد و لما حلّ بشلف فارقته تجین و مغراوة بعد التحالف علی المناصرة عند الحاجة و تمادی بنوا عبد الوادی بسلطانهم لتلمسان. و کان أبو عنان المرینی أقام بها عثمان بن جرار أحد بنی طاع اللّه فبعث لهم ابن جرار أخاه فی جیش للمحاربة فکان مصاف القتال بسکّاک فقتل ابن جرار و أخذ ما معه إلّا الیسیر و جاء أبو سعید لتلمسان فسأل عاملها ابن جرّار الأمان فأمن و دخلها أبو سعید فی جمادی الثانیة تلک السنة ، فبرز فی سماء الخلافة و شارک أخاه أبا ثابت فی المملکة فکانت السکة و الخطبة لأبی سعید، و أمر الحرب و استتباع الجیوش لأبی ثابت، و اختار أخوهما الأکبر أبو یعقوب سکنی ندرومة منقطعا للعبادة، و ترکا أبا الحسن المرینی بالمشرق فمهدا البلاد و دوّخا العباد. فبینما هما کذلک إذ أتاهما الخبر أن أبا الحسن نزل بالجزائر و معه و زمار بن عریف السویدی الهلالی علی ما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 179
لابن خلدون، و المخزومی،/ علی ما للحفاظ الثلاثة: أبی راس المعسکری، (ص 120) و موسی بن عیسی المازونی المغیلی، و ابن الخطیب التلمسانی القرشی، و تجین و عرب تلک النواحی، و أنه رایم تلمسان فخرج أبو ثابت بجیش عظیم و بعث لعلی بن راشد المغراوی فالتقیا بالتاغیة و اتفقا علی أن أبا ثابت یلقی أبا الحسن، و علیا بن راشد یلقی الناصر، فکان مصاف القتال بتیغرین و حصلت الحروب الشدیدة التی یشیب لها رأس الولید انهزم فیها المغراوی و ثبت أبو ثابت إلی أن هزم أبا الحسن و قتل ولده الناصر و أعیانه، و لو لا ظلام اللیل (کذا) ما نجا أبو الحسن و دخل و زمار بن عریف بأبی الحسن للصحراء إلی أن وصل لسجلماسة و ذهب مغرّبا و رجع أبو ثابت بالظفر و الغنیمة.
ثم قتل مغراوة بعض بنی عبد الوادی غیلة فتوجه لهم أبو ثابت و هم بالجبل المطل علی تنس و هجم علیهم ففرّ علی بن راشد لتنس و اقتحمها علیه فذبح علیّ نفسه و به انقرض ملک بنی ثابت بن مندیل و استولی أبو ثابت علی برکش و المدیة و ملیانة و الجزائر و رجع لتلمسان و کتب له أبو عنان المرینی علی الإقلاع علیهم فأبی و سمع بموت علی بن راشد فأنف و تحرک لتلمسان و لقیه أبو سعد و أبو ثابت بجیش بلغ منه الإعجاب بأنقاد و نزلوا بسلی فکان مصاف القتال بوادی القصب و لما حمی الوطیس خدعت بنو عامر علی عادتهم الذمیمة و جرّت الهزیمة عل أبی سعید و کبّ به فرسه فأخذ و قتل یوم السبت حادی عشرین جمادی الأولی سنة ثلاث و خمسین و سبعمائة و استمرّ/ أبو ثابت لتلمسان فأقام بها یوما و لحق (ص 121) بالجزائر فاجتمع عنده جیش عظیم و رجع به مغربا لعدوه فکان مصاف القتال بوادی شلف فوقعت حروب یشیب لها الرضیع و نکص بنو مرین الأعقاب فحمل و زمار ابن عریف السویدی علی أبی ثابت فردّهم علی أعقابهم و حصلت الهزیمة ففرّ أبو ثابت و أبو حمّ موسی و الوزیر یحیی بن داوود مشرقین فی ثیاب التنکّر فأرصدهم صاحب بجایة و أخذهم حولها فقال لهم الآخذون من هو أبو ثابت منکم فتقدم أبو حمّ و قال أنا فأطلقوا غیری فورد علیهم من یعرف أبا ثابت و هو و زمار بن عریف السویدی فحملهم إلی أبی عنان المرینی فقال أبو عنان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 180
لأبی ثابت کیف رأیتم أبطال بنی مرین فقال أبو ثابت أعانکم السعد و أما الرجلة غلبناکم فیها فدفعه لبنی جرار فقتلوه قصاصا ثالث عشر رمضان تلک السنة و ذهب أبو حمّ لتونس فاستقرّ بها عند أبی إسحاق إبراهیم بن أبی یحیی زکریاء الحفصی فی نعمة شاملة إلی أن کان ما یأتی ذکره.

عودة وهران للدولة المرینیة

ثم رجع ملک و هران للدولة السادسة و هی المرینیة فملکها أبو عنان و ذلک أن أبا الحسن لما رجع للمغرب حصل الخلل بینه و بین ابنه أبی عنان علی الخلافة و غلبه ابنه علی ذلک إلی أن عهد له بها فرجع له ابنه و توفی سنة اثنین و خمسین من الثامن و دفن بسلا. و سبب موته أنه لما رجع من مقاتلة ابنه ابن عنان تمرّض. ففصد لإزالة الدم و اغتسل بالماء قصد الطهارة فتورّم و مات بعد أیام قلیلة و هو الذی شیّد بناء جامع سیدی أبی مدین، و بنا (کذا) جامع سیدی الحلوی. و لما مات تولّی أبو عنان فارس بن أبی الحسن بموضع أبیه و شرع فی تدویخ المغرب و تمهیده ثم غزی (کذا) تلمسان سنة أربع و خمسین من الثامن فحاصرها شدیدا إلی أن دخلها عنوة و أطرد (کذا) عنها سلطانها صاحب الحرب أبا ثابت للمشرق ثم قتله بعد الظفر به و ذبح سلطانها صاحب الأمر أبا سعید بإفتاء الفقهاء له بذلک و خرّب تلمسان فحرثها غلام أسود علی ثورین أسودین تلک السّنة. ثم تخطّا لوهران فملکها أیضا. و قد قال موسی بن صالح (ص 122)/ الکاهن المعروف عند الناس بموسی، و صالح المشهور بالکهانة، إن تلمسان تحرث فکان کما قال و کان هذا الکاهن یسکن ببرابرة غمرة و أرضهم من المشتل إلی الزّاب. قال ابن خلدون: «و اختلف الناس فی أمره فبعضهم یقول بکهانته و بعضهم یقول بولایته و لا صحة لخبره ه» و قول الحافظ أبی راس فی عجائب الأسفار: إن تلمسان حرثت سنة ستین من الثامن سبق قلم لأن أبا عنان کان میتا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 181
فی الستین و کانت تلمسان معمورة و هی حرثت فی حیاته وقت تخریبه لها. و کان أبو عنان عالما کبیرا یقرأ القرآن بالسبع . و قال الحافظ أبو راس فی الشماریخ:
أنه کان یقرأه (کذا) بالعشر، و أن أباه کان یقرأه (کذا) بالسبع و کان أدیبا کثیر الاعتناء بشعر ابن خمیس التلمسانی فهو علم الأعلام، و مستخدم السیف و الأقلام، و له بطش و بغض شدید فی الأمور حتی أنه حبس الإمام ابن مرزوق الخطیب لاتهامه فی تقصیره خطبة حفصة بنت سلطان تونس حتی قدم علیه شیوخ إفریقیة بالخراج فقالوا له سمعنا فی بلادنا أنک حبست عالما کبیرا فأمر بإطلاقه و قیل أطلق بعد موته و هو أول من اعتنا (کذا) بتعظیم المولد النبوی فی البلاد الغربیة فاقتدا (کذا) به أبو حمّ موسی بن یوسف الزیانی أحد الأعیاص و بنوا حفص بتونس لا سیما أبو فارس عبد العزیز الحفصی و توفی یوم الأربعاء رابع عشرین ذی الحجة الحرام سنة تسع و خمسین من الثامن و قد عاهد (کذا) بالملک لابنه أبی زیان فأبی أهل المجلس ذلک و عقدوا البیعة لأخیه السعید ابن أبی عنان و کان صغیرا ابن خمس سنین و جزموا علی الفتک بأبی زیان فأجبروه علی البیعة لأخیه فبایع له و تلفت مهجته. و استقل بالأمر الحسن بن عمر کافل الخلیفة السعید بن أبی عنان فصارت الخلافة للسعید و بقی تسعة أشعر ثم خلعه منها عمه أبو سالم إبراهیم بن أبی الحسن المرینی فی منتصف شعبان سنة ستین من الثامن .

عودة وهران للدولة الخامسة الزیانیة

ثم رجع ملک و هران للدولة الخامسة الزیانیة فملکها أبو حمّ موسی ابن یوسف الزیانی و ذلک أنه لما خلص من واقعة أبی عنان و ذهب لتونس/ فاستقر (ص 123) بها عند الملک الحفصی أبی إسحاق إبراهیم بن أبی یحیی زکریاء فی نعمة شاملة إلی أن جاءه من المغرب سقیر بن عامر الهلالی رئیس بنی عامر بقبیله
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 182
و معه مغراوة فجاؤوا مغرّبین به لجبل عیاض و منه للزاب و ریغة و وارقلا و جبل مزاب و واد زرقون و غزوا أولاد عریف ساروا إلیهم عشرة أیام بلیالیها (کذا) فصبحوهم بواد ملّال فاستباحوا مالهم و قتلوا کثیرا من رجالهم من جملتهم عثمان ابن و زمار بن عریف السویدی فهذه الواقعة هی باکورة السّعد. ثم جاءهم البشیر بموت أبی عنان فاستبشروا بنیل المراد. ثم بایعوه فی خامس محرم سنة ستین من الثامن و جاؤوا مغربین إلی أن وصلوا إلی مکرّة فسمع أهل وطن تلمسان فأتوه من کل حدب ینسلون (کذا) ثم زادوا لتلمسان و بها محمد بن أبی عنان فنزلها و حاصرها ثم دخل أقادیر بعد حروب فسأل منه بنوا مرین الأمان فأمّنوا و أسلموا البلد. و بایعوا أبا حمّ فدخلها بعد صلاة ظهر یوم الخمیس غرة ربیع الأول تلک السنة و لما جلس علی کرسی المملکة أنشأ یقول قصیدته المیمیة التی من الطویل الذاکر فیها أحواله من حین مجیئه من تونس إلی حال دخوله تلمسان مطلعها:
جرت أدمعی بین الرّسوم الطّواسم‌لما شطحتها من هبوب الرّواکم
وقفت بها مستفهما لخطابهاو أی خطاب للصعاب الصلادم
و انظر تمامها فی الدر و العقیان، أو بغیة الرواد، أو زهر البستان، أو دلیل الحیران، أو لباب اللباب، و کان أهم ما بدأ به الإحسان إلی أنصار الدولة ثم لوفود التهنئة ثم التفت إلی قبیله فاسترکب منهم فی یوم واحد ألفی فارس و ضبط ملکه و أسّسه و اجتمع بأبیه أبی یعقوب و ابنه أبی تاشفین فی عام الستین من الثامن فجهّز لأبیه جیشا دوّخ به المشرق و أخذ یحیی البطیوی بوانسریس أخذا وبیلا و فتح المدیة و ملیانة عنوة و أسر ما فیها من شیعة بنی مرین و اصطلح مع أبی سالم المرینی لما أفضت الخلافة إلیه فی عام الستین المار و جهز لابنه أبی تاشفین فی (ص 124) عام إحدی و ستین من الثامن/ جیشا لحرب أبی زیان بن أبی یحیی الراشدی ففرّ أبو زیان و استولی أبو تاشفین علی المال و الذراری، و لوزیره أبی محمد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 183
عبد اللّه بن مسلم جیشا لحرب محمد بن عثمان فهزمه الوزیر هزیمة بلیغة و جاءته البشارتان بالهزیمتین و فیها بایعته أهل البطحاء، و مستغانیم و مزغران و جهز جیشا بعثه مع وزیره موسی بن برغوث لفتح و هران فکانت الدائرة علی وزیره و هر جیشه و کبّ به فرسه فأخذ أسیرا و بعث به للمغرب و حرک علیه فیها أبو سالم المرینی بجنود کالجراد المنتشر فدخل تلمسان و خرج أبو حمّ و توجه للمغرب فدوّخه و بعد أربعین یوما فتح تلمسان من ید أبی سالم و دوّخ بنی وطاط کثیرا و مات فی تلک الواقعة سقیر بن عامر فحمله بجنازة الملوک و دفنه بالعبّاد و کان فی موته راحة له لأنه خادعه غفلة و أراد غدره لمیله لبنی مرین فأراحه اللّه منه و تلک عادة بنی عامر بکبیرهم و صغیرهم. ثم نهض للجبهة الشرقیة فدوّخها و فی سنة اثنین و ستین من الثامن فتح و هران عنوة علی ید أبی موسی عمران فارس الولادی و سلّم له أبو سالم المرینی الجزائر فاجتمعت له الجهة الشرقیة و جاءه محمد بن موسی الیزناسی طریدا فآواه و أحسن إلیه و للّه درّ القائل:
تطاول دائی فاستفزّ منامی‌و طال سهادی و استطال سقامی
و حرمت سبعا لیس للنفس بعدهامقام بطیب و جدّ حزامی
منامی و عقلی و الفؤادی و عبرتی‌و قلبی و لبّی و التذاذ طعامی
و اصطلح مع أبی سالم المرینی أمیر المغرب فردّ کلّ واحد الأساری لصاحبه و ذهب وزیره أبو محمد عبد اللّه بن مسلم للجهة الشرقیة فمهدها و مات والده أبو یعقوب بالجزائر فی شعبان تلک السنة فحمله و دفنه بباب أیلان و بنا (کذا) علیه المدرسة الیعقوبیة و نقله لجوار أخویه أبی سعید و أبی ثابت و لما کملت المدرسة نقل الثلاثة لها و جعل أطعمة و رتب أوقافا، و أتاه خالد بن عامر صحبة محمد بن عمر للاختلاس فبعث لهما ابنه أبا تاشفین و عمران بن موسی فهزمهما ببنی و رنید و رجع أبو تاشفین منصورا، و فی أربع و ستین من الثامن/ جهز جیشا کثیفا لوزیره و أمره بطرد أبی زیان الراشدی أو الفتک به و بخالد (ص 125) ابن عامر القاتل لأخیه شعیب بن عامر غدرا ففرّا و أطردا عن الوطن. و فی خمس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 184
و ستین منه جهز لوزیره جیشا لإطراد المنافقین فأزعجهم إلی المسیلة و مات و ولّی بموضعه أخاه عثمان بن مسلم فاجتمعت علیه الحشود فأرسل ابنه أبا تاشفین ثم لحقه فی جیشه و لما حل بالبطحاء نزل العدوّ بغلیزان و وقع الحرب بینهما یوما کاملا و أبو حمّ بمحلته ینظر ففرّ عنه الناس و لم یشعر إلی أن وجد نفسه منفردا بخاصته فارتحل لحضرته و تکالب علیه العدو و زاد معه إلی سیق کأنه جراد منتشر و اشتدّ القتال فی الثنیة فقطع رأس بعض أعیانهم فرجعوا منهزمین و ذهب لحضرته. و لقد انتکب ثلاث نکبات: واحدة بناحیة بجایة، و الأخری بتسکاله، و أخری بوانسریس، و الأمر للّه وحده. و فی سنة ست و ستین منه اجتمعت علیه العرب لأمر لم یرده اللّه فذهبوا خائبین و أذعنوا بالطاعة، و أتی سوید لبابه الکریم یتلمسون الرضی فأصفح (کذا) عنهم و عفا، و حضرت لیلة المیلاد النبوی علی صاحبه أفضل الصلاة و السلام فاحتفل لها کعادته و أنشد قصیدته الجیمیة المسمّة (کذا) بالمنفرجة المحتویة علی أربعین بیتا من بحر البسیط مطلعها بتمامها للفائدة فیها بالتوسل:
یا من یجیب دعا المضطر فی الدّیج‌و یکشف الکرب عند الضیق و الهرج
و لطف رحمته یأتی علی قنطإذا القنوط دعا یا أزمة الفرج
و من إذا حلّ خطب و اعتری توب‌أبدا (کذا) من اللطف ما لم یجر فی المهج
إنی دعوتک جنح اللیل یا املی‌دعاء مبتهل بالعفو مبتهج
یا کاشف الضر عن أیوب حین دعاقد مسّنی الضر فاکشف ضرّ کل شجّ
أنت المنجی لنوح فی سفینته‌و مخرج یونس من ضیقة اللّجج
یا من وقی یوسف الصّدیق کلّ أذی‌لما رموه بجبّ ضیّق حرج
أجاب یعقوب لمّا أن بکا و شکاو جاءه منه لطف لم یخله یج
و عاد بعد بصیرا حین هبّ له‌نسیم نشر القمیص الطّیب الأرج
(ص 126)/ نجّا من النّار إبراهیم حین رمی‌فیها و عادت سلاما دون ما وهج
یا من تکفّل موسی و هو منتبذبالیمّ فی جوف تابوت علی لجج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 185 یا من أعاد لللّام بعد ما یئست‌موسی و قرّبه فی المرسلین نج
یا من کفی المصطفی کید الذی کفرواإذ جاءهم بکتاب غیر ذی عوج
یا من وقاه الرّدا فی الغار إذ نسجت‌ببابه عنکبوت خیر منتسج
و کلّ ما حاولوا مکرا به انقلبوابالرعب ما بین مکبوت و مرتعج
من قد أتی رحمة للعالمین و قدأحیا القلوب بوحی واضح الحجج
من عطّر الکون طیبا عند مولده‌و أشرق الأفق من نور له بهج
من أنزلت فیه آیات مطهّرةأنوارها کمصباح لاح منبلج
یبلی الجدیدین أخلاقا وجدناهمامع الجدیدین فی نور و فی بهج
فی طیها کل علم ظلّ مندرجاو أی علم لدیها غیر مندرج
و کم له معجزات ما لها عددجلّت عن الحصر من فرد و مزدوج
عمّت شفاعته للخلق أجمعهم‌فبالوسیلة ترقی أرفع الدّرج
محمد خیر خلق اللّه قاطبةنور الهدی و إمام الرسل ذی السّرج
یا حادی العیس عرّج نحو أربعةباللّه عج بی علی ذاک المحلّ عج
للّه قوم إلی معناه قد وصلوابالعزم إذ وصلوا الروحة بالدّلج
ساروا فزاروا و فرط الذنب أقعدنی‌و قد مزجت بدمعی دمی ممتزج
فالجسم منتحل و الدمع منهمل‌و القلب مشتعل من حرّه الوهج
و قد تقلّدت ما لا نستطیع له‌من الخلافة أوهنت قوّی حجج
یا ربّ عبدک موسی قد دعاک عسی‌تنیله نفحة من نصرک الأرج
فکن نصیری فقد أصبحت مکتئبافالقلب من نکد الأوزار فی السیرج
قد ضقت ذرعا بزلتی و کثرتهافما اعتذاری إذ ذاک نبت بالحجج
فکم قطعت من الأیام فی لعب‌و فی ضلال و کم ضیعت من حجج
/ و فی البطالة لهوا قد مضی عمری‌آه لتضییعه فی اللهو و المرج
(ص 127) و کم عصیتک جهلا ثم تسترنی‌و باب فضلک عنی غیر مرتتج
منّی الإساءة و الإحسان منک بدامنّی الذنوب و کل العفو منک زج
کم جدت بالفضل و الإحسان منک و کم‌سترت بالفضل عن أفاعلی السمج
إنی سألتک بالسرّ الذی ارتفعت‌به السموات و الأراضی لم تمج
أصلح بفضلک ما قد کان من خلل‌و اجبر بحلمک ما قد بان من عوج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 186 و اجعل لنا مخرجا فی أثره فرجافکم تعامل بعد الضیق بالفرج
و صل صلاة علی المختار من مضرما لاحت الشّهب فی الأفق کالسرج
و تحرک لتدویخ المغرب بجمیع عساکره شرقا و غربا فنزل جبل دبدوجاس خلال دیاره ثم لثنیة تیزی، ثم فرط، ثم لثنیة بلزوز، و قریة تابرید، و غارت خیله لتازة ثم کرّ قافلا لتاوریرت فهدم أسوارها و خربها و عاد لحضرته العالیة فدخلها سنة سبع و ستین منه و صرف إلی کوّر قطره جمیع قواده فبعث إلی تجین راشد ابن أبی یحیی، و إلی منداس و نزمار، و إلی و انسریس إبراهیم بن محمد، و إلی شلف عطیة بن موسی، و إلی المدیة و ادفل بن عبّ، و إلی تدلس ابن راشد، و إلی وجدة موسی بن خالد. و حرک علیه فی سنة إحدی و سبعین من الثامن أبو فارس عبد العزیز أبی الحسن المرینی بجیوش عظیمة فأفرج له عن تلمسان و قصد نحو المشرق بجنوده فدخل لتلمسان أبو بکر بن غازی وزیر أبی فارس ثم دخلها أبو فارس المرینی فی أثره فی عاشوراء سنة اثنین و سبعین من الثامن و لما حل بقصر الإمارة ألفی مکتوبا بحائطه هذه الأبیات من شعر أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی و نصّها:
ساکناها لیالی آمنیناو أیاما تسرّ الناظرینا
(ص 128)/ بناها جدّنا الملک المعلّاو کنا نحن بعض الوارثینا
فلما أن جلانا الدّهر منهاترکناها لقوم آخرینا
فأمر عبد العزیز بتبدیلها فقالوا فی تغییرها:
سکنّاها لیالی خائفیناو أیاما تسوء الناظرینا
بناها جدّنا شیخ المعاصی‌و کنّا نحن شرّ الوارثینا
فلمّا أن جلانا السیف عنهاترکناها لقوم غالبینا
و نظیر هذا ما وقع للعلامة الشیخ أبی علی الحسن بن مسعود الیوسی رضی اللّه عنه فإنه لما رأی البیت التی (کذا) قیلت فی مدح مسیلمة الکذاب و هی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 187 علوت بالمجد یا ابن الأکرمین أباو أنت غیث الوری لا زلت رحمانا
أبدلها بقوله:
سفلت بالکفر یا ابن الأرذلین أباو أنت شرّ الوری لا زلت شیطانا
قال التنسی فی نظم الدر و العقیان: و ما قاله المولی أبو حمّ و قیل فیه من الشعر فکثیر. و أما حروبه و وقائعه فی العرب و زناتة و سوق عمال بنی مرین إلیه فی السلاسل و حرکته إلی بلادهم و تحرکه علیهم و ما کان بینه و بینهم من الوقائع، فأمر لا یحاط به. و قد تولی ذلک صاحب بغیة الرواد و صاحب زهر البستان ه.
و کان رحمه اللّه له اعتناء بالعلم و أهله فی الغایة. و فی وقته کان شریف العلماء و عالم الشرفاء أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن علی بن یحیی بن محمد بن القاسم ابن حمّو فکان له محبا و معظما و درّس التفسیر بالمدرسة الیعقوبیة و حضر الخلیفة أبو حمّ للختم و أطعم الناس فکان موسما عظیما. و قول الحافظ أبی راس فی عجائب الأسفار أن أبا عبد اللّه الشریف و ابنی الإمام أبا زید و أبا موسی وفدوا علی أبی حمّ موسی بن یوسف فإنه صحیح بالنسبة لشریف العلماء، و سبق قلم بالنسبة لابنی الإمام لأنهما کانا فی وقت أبی حم الأول فی الوفود، لا الثانی فکلامه فیه تلفیف رحمه اللّه و صنف رضی اللّه عنه کتابا أدبیا لولده خلیفة عهده أبی تاشفین سمّاه: نظم السلوک فی سیاسة الملوک، أتی فیه بالعجب العجاب و أودعه من رائق نظمه ما یزری بأولی الألباب. ثم حصلت السعایة الخبیثة بینه و بین ولده أبی تاشفین الخلیفة من بعده فعمد أبو تاشفین لأبیه أبی حمّ و خلعه من الملک و أسکنه بعض حجر القصر و وکّل به من لا یدعه یخرج ثم استلبه من الأموال و الذخائر و بعثه لقصبة و هران فاعتقله بها و اعتقل سائر إخوته بتلمسان ثم/ قتلهم (ص 129) سنة ثمان و ثمانین من الثامن و بعث لأبیه بوهران من یقتله فأغلق الباب فی وجوههم و صعد لجدران القصبة و استصرخ أهل البلد فأتوه من کل جهة و تدلّی لهم بعمامته و الرهط واقف بباب القصبة فسألوا الأمان و طلبوا النجاة و اجتمع أهل البلد علیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 188
و جدّدوا له البیعة و ارتحل من حینه لتلمسان فدخلها أوائل سنة تسع و ثمانین منه و أقام بملکه فسمع ابنه أبو تاشفین و هو بتیطری فجاءه مغلغلا قبل تمام الأمر فدخل علیه و أحیط به ففرّ للصومعة و استعصم فسأل عنه فأخبر به فأخرجه منها و أدرکه الندم و بکا (کذا) ثم عاد به للقصر و ربطه مع حجرة أعوذ باللّه من هذا العقوق فخلع أبوه نفسه و سلم له فی الملک و سأل منه التوجه للمشرق فی البحر بقصد الحج فجاء به لوهران و رکبه من مرساها مع نصاری القطلان مکبّلا للإسکندریة فلما وصل بجایة سأل من رایس السفینة إخراجه لها فأخرجه و لما حلّ بها جددت له البیعة و جاء متوجها لتلمسان مستجیشا کل من ببلدة الشرقیة من عرب و زناتة ثم ذهب مع الصحراء إلی ناحیة المغرب فنزل بوادی زا ثم جاء لتلمسان و فرّ أبو تاشفین أمامه لفاس خائفا عادیته لأمور وقعت منه فی إخوته فاستجاش بنی مرین فبعث معه السلطان أبو العباس أحمد المرینی زیان بن محمد الوطاسی بجیوش عظیمة و جاءوا لتلمسان فلقیهم أبو حمّ بجیشه بجبل بنی ورنید فاقتتلوا شدیدا و کبّ به فرسه فاستشهد رحمه اللّه بموضع یقال له الغیران من بنی ورنید غرة ذی الحجة الحرام سنة إحدی و تسعین و سبعمائة عن ثمان و ستین سنة بعد ما ملک إحدی و ثلاثین سنة. و هذا العجب الکبیر فی ملوک بنی زیان کل خلیفة اسمه أبی (کذا) حمّ یقتله ولده اسمه أبی (کذا) تاشفین علی الرئاسة. ثم ابنه أبو تاشفین عبد الرحمن بن أبی حم موسی بن یوسف الزیانی أحد الأعیاص فهو تاسع الزیانیین و ثالث عشر القاسمیین. فاستقرّ فی الملک و دوخ البربر و العربان و ملک من ملویة إلی جبل الزبان. و کان عین الجود و الکرم و معدن النزاهة و علو (ص 130) الهمم، فهو لیث النزال، و غیث النوال،/ فشمل الرعیة عدله و أمانه، و عمهم فضله و امتنانه و توفی علی سریر ملک سابع عشر ربیع الثانی و قیل رمضان سنة خمس و تسعین من الثامن .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 189

عودة وهران للدولة السادسة

ثم رجع ملک و هران للدولة السادسة المرینیة فملکها أبو العباس أحمد ابن أبی سالم إبراهیم بن أبی الحسن المرینی سلطان المغرب و ذلک أنه لما سمع بموت السلطان أبی تاشفین الزیانی خرج من فاس لتازة و بعث ابنه أبا فارس لتلمسان فاستولی علیها و أقام بها دعوة أبیه ثم زاد لوهران و ملیانة و ما وراءها من الجزائر و دلس إلی حدود بجایة فملکها تلک السنة و انقرضت دولة بنی عبد الواد من المغرب الأوسط أمدا و اللّه غالب علی أمره. و لا زال السلطان أبو العباس بتازة إلی أن اعتراه مرض کان فیه حتفه فتوفی فی المحرم سنة ست و تسعین من الثامن .
ثم استدعی المرینیون ابنه أبا فارس من تلمسان فلما جاءهم بایعوه بتازة و رجعوا به إلی فاس فاستقل بالملک و تمهد له المغرب و منه ذهب ما تعلّق بحفظی من ملوک المرینیین إلی أبی سعید ثم منه إلی محمد بن أبی ظریف بن أبی عنان ثم منه إلی آخر ملوکهم عبد الحق بن أبی سعید الذی خلعه السید محمد بن علی بن عمران الإدریسی الجوطی و تولی مکانه سنة خمس و سبعین من التاسع فلذلک لم أذکرهم و لکون و هران خرجت عن ملکهم بالکلیة بل لم یملکها إلّا من تقدّم ذکره منهم.

عودة وهران للدولة الخامسة

ثم رجع ملک و هران للدولة الخامسة الزیانیة فملکها أبو زیان محمد ابن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی و به انقطع ملک بنی مرین بالمغرب الأوسط فلم یملکه أحد منهم. و ذلک أن أبا تاشفین بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی لما توفی علی سریر الملک کما مرّ، تولی بموضعه ابنه أبو ثابت فبقی فی الملک أربعین یوما و دخل علیه عمّه أبو الحجاج فاغتاله. ثم تولی عمه أبو الحجاج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 190
المذکور یوسف بن أبی حم موسی بن یوسف الزیانی منسلخ جمادی الأولی سنة خمس و تسعین من الثامن فجنّد الجنود و عقد الألویة و البنود. فلم تسامحه (ص 131)/ الأیام فی ملکه بامتداد الأوان بل أوغرت علیه صدور بنی مرین ففوّقوا له سهم أخیه أبی زیان، فخلعه لعشرة أشهر مضت من أیامه، و ترکته مخاصما مع أحلامه، و ذهب لبنی عامر و استقرّ فی أمان فوجه له من جرّعه کأس الحمام و کما تدین تدان.
ثم تولی أبو زیان المار غرة ربیع الثانی سنة ست و تسعین من الثامن و تولّع بالعلم فلم تخل حضرته من مناظرة، و لا عمرت إلّا بمذاکرة و محاضرة، فلاحت للعلم فی أیامه شموس، و ارتاحت للاستغراق فیه نفوس بعد نفوس، و صنّف کتابا نحا فیه منحا التصوف سمّاه: کتاب الإشارة فی حکم العقل بین النفسین المطمئنة و الأمارة، و نسخ بیده نسخا من القرآن و نسخا من الشفا لأبی الفضل القاضی عیاض و نسخة من صحیح البخاری و حبّسها کلّها بخزانته التی بمقدّم الجامع الأعظم بتلمسان و أتته هدیة من ملک مصر أبی سعید برقوق فوجّه له هدیة جلیلة و معها قصیدة لامیة من نظمه عدد أبیاتها خمس و ستون بیتا مطلعها:
لمن الرکاب سیرهنّ خمیل‌فالصّبر إلیّ بعدهنّ جمیل
و انظر تمامها فی نظم الدرر و العقیان للتنسی، و لم یزل فی دار ملکه مطاعا مدید الاطناب، مهابا مرهوب الجناب، إلی سنة واحد من التاسع تحرک علیه لتلافته، أخوه أبو محمد عبد اللّه مستجیشا ببنی مرین و کثیرا من أهل الوطن ففرّ منه و انخلع من خلافته، و توجه للمشرق یلتمس معینا أو منجدا و یطلب ناصرا و مؤیدا، و الدهر یمنیه بالآمال المکذوب و یعده مواعد عرقوب. و هو فی العرب و البرابر یتقلب من فئة لفئة، و دام إلی سنة خمس و ثمانمائة سنة، فاغتاله محمد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 191
ابن مسعود الوعزانی بعد أن أظهر له الخدمة، و قتله فی بیته منتهکا منه أعظم الحرمة فعاجله اللّه بانتهاکها بأعظم النعمة و الشدّة، و کانت مدته خمس سنین بالعدة.
ثم أخوه أبو محمد عبد اللّه بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی فخافه أرباب دولته، و شرفت به بنوا مرین بعد أن کانوا من شیعته، فدبّر/ الجمیع فی (ص 132) خلعه أمرا أبرموه باللیل فلم یشعر إلی أن دهمته فی مملکته من مرین الرجال و الخیل فأسلمته أحبابه الذین رکن إلیهم، و کان یعوّل فی المهمات علیهم فاعتقل و أخرج فی هیئة توجب النحیس و الغولة (کذا) و عوض مکانه محمد بن خولة، و حمل من حینه للمغرب وحیدا، مستوحشا فقیدا. ثم أبو عبد اللّه محمد بن خولة ابن أبی حمّ بن یوسف البارع سنة أربعة من التاسع فکانت أیامه خیر أیام، و دولته خیر دولة و عزّ و إحکام فهو عقدهم الثمین و مغناهم التام المکین. و لما توفی فی ثالث عشر من التاس بإثبات کتب علی قبره هذه الثلاثة الأبیات (کذا):
یا زائرین لقبری فیقوایسکن فی القبر زائرا و مزورا
ترکنا ما قد کسبنا تراثاو سکنّا بعد القصور قبورا
یا إله الخلق فالطف بعبدعاد بعد الغنا إلیک فقیرا
ثم ابنه أبو زید عبد الرحمن بن محمد بن أبی حمّ موسی و هو ممّن لم تمد له الأزمان. و لا کان له علیها معوان، و لا ساعده علی ما تقلّده إخوان، فانقض علیه عمه السعید لیث العرین المفلت من أشراک بنی مرین، و هجم علیه فی قصر إمارته و خلعه لشهرین و أیام من ولایته، فصح فیه قول الشاعر من البسیط، المقتضی لکل معنی مرکب و بسیط:
لا تطمئن إلی حظّ حظیت به‌و لا تقل باغترار صحّ لی و ثبت
فما اللیالی و إن أعطت مقادتهاإلّا عدا المرء مهما استمکنت و ثبت
ثم عمه السعید بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی فوجد حضرة الملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 192
مملوءة معمّمة، من بدرات نقود متمّمة و سلع مرزّمة، و عتاق خیل مسوّمة، و جالت فیها ید الجود إلی أن صیرته للعدم بعد الوجود، و بقی فی أثوابه رافلا و عن عواقب أموره غافلا إذا بأهل فاس من کل معاند وجّهوا له غفلة أخاه عبد الواحد، بعد ما مکث خمسة أشهر و نصفا فأسرع به أخوه تلفا و خرج السعید (ص 133) للقائه. و کان ذلک سببا لشقائه و لما استقر فی بسیط/ واحد أدلج لیلا عبد الواحد بعد إبرامه الأمر مع الرؤساء و الرعیة فأدخلته البلد لیلا جماعة الرحویّة، و أقام لهم النذیرة علی الأسوار مشاعیل النیران علامة لمن هو بالمحلة علی الإقامة، و لما سمعوا أصحاب السعید انصرفوا عنه و بقی کالوحید و لم یتأمل فی السابق قول الشاعر القائل بتحذیره لکل عارف ماهر:
إنّ اللیالی لم تحسن إلی أحدإلّا أساءت إلیه بعد إحسان
ثم أخوه الهمام الماجد أبو مالک عبد الواحد بن أبی حمّ، موسی الشائع، سادس عشر رجب سنة أربعة عشر من القرن التاسع فنفق فی أیامه سوق الأدب، و جاء بنوه إلیه ینسلون من کل حدب، فینقلبون بخیر الحقائب ظافرین بجزیل الرغائب. و لما قصده من الأندلس محمد بن أبی طریق بن أبی عنان المرینی قال له وقت التسلیم و الاقتباس أنا فی حسب یغمراسن بن زیان حتی تعیننی علی فاس، فقال له وصلت و جهز له الجیوش و أعطاه الأموال و آلة الملک و أرسل معه العمال حتی استولی علی فاس و ملکه فی قصّته المشهورة، و دوّخ مملکة المغرب الأقصی، فکانت من مناقبه المأثورة، و استمرّ عبد الواحد فی الملک إلی سنة سبع و عشرین و ثمانمائة فخلعه ابن أخیه محمد بن أبی تاشفین المعروف بابن الحمرا علی ید أبی فارس الحفصی صاحب تونس فخرج من تلمسان متوجها للغرب. ثم ابن أخیه أبو عبد اللّه محمد بن أبی تاشفین بن أبی حمّ موسی بن یوسف فقابل الدّهر أیامه بالإسعاد، حتی صارت کالمواسم و الأعیاد. ثم فسد ما بینه و بین أبی فارس فأبدل سعیده بالناحس. و سببه أن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 193
عبد الواحد لما توجه للمغرب حاول الحرکة لتلمسان، فلم یتمّ له الأمر و لم یکن المعان، و وجه ابنه لتونس عند أبی فارس فأکرمه و کتب معه لأبیه بالقدوم فأرصده أبو عبد اللّه و أوتی به إلیه فقتله و نظر مکاتب التونسی فهذا سبب الأمر مع ما تقدم بینهما من الکلام. ثم توجه عبد الواحد لتونس و واعده الحفصی بالانتصار و هو ذاهب للجرید فاستعمل ابن أبی حامد/ وزیر عبد الواحد مکاتب علی ألسنة رؤساء (ص 134) الوطن یسئلونه القدوم نحوهم و ذهب بها لأبی فارس و قال له أنّ أهل بلدنا یحبوننا و إذا کانت رائحتک معنا و لو فارسا نلنا المراد و هذه مکاتبتهم فأراها له فقال له نحن متحرکون و إذا وصلنا لقسنطینة بعثنا معکم قائدها جاء الخیر فرجع الوزیر لعبد الواحد و أخبره فقال له هلکتنا فقال له أن الحفصی قد أفسد فی المرة الأولی أموالا و لم یدرک شیئا منها و إذا ذهب معنا صاحبه فإن ربح فذلک و إن خسر فیأتی لثأر ما ضاع له فبعث معهم العلج و أخذ أخذا شنیعا فتحرک أبو فارس مع عبد الواحد و حصر تلمسان شدیدا فخرج أبو عبد اللّه لجهة الغرب و دخلها عبد الواحد و رجع التونسی لبلده و بقی أبو عبد اللّه فی الجهة الغربیة ثم توجه للشرقیة فدخل برکش و تنس ثم توجّه لتلمسان فی جیش عظیم فدخلها و فرّ عبد الواحد صبیحة تلک اللیلة فطلع علیه النهار و نزل علی جواده و دخل شیشة بقرب باب کشوط بالمطمر فنظرته عجوز من أکابر عبد الوادی فدخلت علیه و جرّدته من ثیابه و صاحت بعبد الواد فدخلوا علیه و ذبحوه و جرّوه إلی حمام الطبول و رموه هنالک. و لما استقرّ أبو عبد اللّه بحضرة ملکه وجّه عماله للنواحی فطار الخبر لأبی فارس فحرک له من فوره و لما قرب تلمسان خرج أبو عبد اللّه و ذهب لبنی یزناسن فأقام أبو فارس بعض قواده الأعلاج بتلمسان و لحقه لبنی یزناسن و حاصره فزیّن له بعض أصحابه الرجوع لأبی فارس فرجع و أظهر له أبو فارس السرور و البشری و الترحب (کذا) ثم قبض علیه و علی أصحابه فکان آخر العهد بهم ثم رجع أبو فارس لتلمسان و أخذ مشرقا فقیل له من یقوم بها فقال ما لها إلّا أحمد العاقل فأخرج منها عامله و انصرف للشرق.
ثم الماجد الفاضل الحلیم الکامل النحریر الباسل، أبو العباس أحمد العاقل بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی فأظهر العدل فی الرعیّة، و سار فیما تملکه بالسیرة المحمودة المرضیّة و بانت شهامته و نجدته، و قوّته و شدّته، ثم عجز
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 194
عن النهوض و کلّ، و تلاشا (کذا) ماله و اضمحلّ و استولی المتغلبون علی (ص 135) الأوطان، و عثوا الثّری زناتة و العربان، و دامت/ دولته علی هذه الحالة اثنین و ثلاثین سنة حتی استوفت أیامه المکتوبة بأتمّ سنة. فقام علیه أخوه أبو یحیی زکریاء ابن أبی حمّ موسی بن یوسف سنة ثمان و ثلاثین من التاسع فبایعه موسی ابن حمزة و سلیمان بن موسی و عبد اللّه بن عثمان و توجه لتلمسان فلم یتم له المراد، و انعطف بوهران، فاستولی علیها و کانت بینه و بین أخیه أحمد العاقل حروب استمرت بیده إلی سنة اثنین و خمسین من التاسع فاقتحمها عمّال أخیه أحمد و دخلوها فهرب أبو یحیی فی البحر بما خفّ و نزل ببجایة ثم زاد لتونس إلی أن مات بها. و قام علیه أیضا حفید أخیه و هو أبو زیان محمد المستعین بن أبی ثابت بن أبی تاشفین بن أبی حم فی أواخر إحدی و أربعین من التاسع من تونس و توجه للمغرب و بایعه بوطن حمزة أولاد باللیل ثم ملیکش ثم ابن عمر موسی أهل أیلیلی، ثم الثعالیة و بعض حصین، ثم زاد للجزائر فحاصرها إلی أن أقرّ بعضها و أذعن البعض فدخلها أولا ابنه المتوکل سنة اثنین و أربعین منه ثم دخلها أبوه المستعین عشیة ذلک الیوم و ذهب ابنه المتوکل فمهّد متیجة و فتح المدیة و ملیانة و تنس و خطب له بجمیعها استقلالا و قصدته الناس حتی من تلمسان و عظم أمره علی أحمد العاقل حتی نسی أمر أخیه أبی یحیی ثم ثقلت و طأته علی أهل الجزائر و العرب فقاموا علیه فی ثلاث و أربعین منه و حاربوه فاستشهد مع جماعة من أصحابه و نجا ابنه المتوکل لکونه بتنس لأمر أراده اللّه.
و قام علیه أیضا ابن أخیه أحمد بن الناصر بن أبی حمّ موسی سنة خمسین من التاسع مع جماعة فلم ینجح له الأمر و أوتی به لأحمد العاقل فقتله و کان ذلک سبب بناء السور العظیم المدیر علی القصر الزائد لتلمسان حسنا. و حرک علیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 195
أبو فارس الحفصی من تونس بالبحر الزاخر من الجیوش و مات قبل أن یصله بوانسریس کما مرّ.
ثم نهض أبو عبد اللّه محمد المتوکل علی اللّه بن محمد المستعین بن أبی ثابت بن أبی تاشفین بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی سنة ست و ستین من التاسع من ملیانة ثائرا علیه و توجه للمغرب و النصر یلوح أمامه فاستولی/ علی بنی راشد ثم هوارة ثم مستغانیم و مزغران ثم فتح و هران ثم زاد لتلمسان (ص 136) فأقام علیها یومین و دخلها فی الثالث و هرب أحمد العاقل لسیدی أبی مدین فأوتی له به فمنّ علیه و صرفه للأندلس و استقلّ بالملک. ثم حرک علیه أحمد العاقل لما رجع لهذه العدوة فی جمع من الناس و حاصره بتلمسان فانتصر علیه المتوکل و عاجله بأمنیته سنة سبع و ستین من التاسع و دفنه بالعبّاد و نجا صاحبه محمد ابن غالیة بن عبد الرحمن بن أبی عثمان بن أبی تاشفین فبقی فی الغوغاء علیه محاصرا للبلد إلی أن قام علیه أهل البلد فقتلوا البعض من جمعه و فرّ الباقی و ذهب محمد بن غالیة لوجدة و استقرّ بها لقصد الضرر و صار یأتی مرة بعد أخری للضواحی إلی أن جاء به حتفه مرة مع الأوباش بجبل بنی ورنید فسمع به المتوکل و بعث له جندا و حصل مصاف القتال بالجبل المذکور و وقع القتال الذریع فتفرق الجمع و أوقع الجند فیهم فکان ابن غالیة من جملة الصرعی فقتل سنة ثمان و ستین من التاسع و جی‌ء برأسه للمتوکل فوضعه فی طست أصفر و دعا بمن یعرفه فمیزوه و عرفوا عینه ثم جی‌ء من الغد بجسده فدفن مع العاقل بالعبّاد. و نظم الحافظ التنسی فی هذه القضیة و مدح المتوکل و أولاده قصیدة طائیة مشتملة علی مائة بیت و أربعة أبیات عدد الکتب المنزلة انتخبها من بحر الطویل مطلعها:
أرقت لدمع من جفونی ینحطّکنثر نفیس الدّرّ أن خانه السّمط
و انظر تمامها فی الدر و العقیان للتنسی. و توفی یوم الأحد ثالث عشر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 196
ربیع الثانی سنة إحدی عشر من العاشر بعد ما ملک خمسا و أربعین سنة و اثنین و عشرین یوما.
ثم أخوه أبو حمّ و یقال له أبو قلموس عبد اللّه بن محمد فقام علیه (ص 137) الإسبانیون و أخذوا من یده و هران ثم الأتراک و أخذوا من یده الجزائر/ و غیرها فهو ممن لم یهن له فی الملک قرار، و لا استقرت فی المملکة عمارة و لا دار، آخر ملوک بنی زیان الذین یشار إلیهم بالملک جسما، و لمن تغلب علیهم رسما، و عجز عجزا کلیا عن الدفاع، و صار غیر نافذ الکلمة و لا مطاع.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 197

الدولة السابعة: الإسبان‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة السابعة، و هم الإسبانیون و یقال لهم السبنیول سموا بذلک نسبة لمدینة إسبانیا بقطع الهمزة المکسورة و سکون السّین المهملة و فتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساکن ثم نون موحّدة من أعلا مکسورة ثم یاء مثنات من تحت بعدها ألف مقصورة. و خالف أبو الفداء فی ضبط غیر الهمزة و السین المهملة فقال و إسبینیا بقطع الهمزة المکسورة من تحت و سکون السین المهملة و کسر الباء الموحدة من أسفل و بعدها یاء مثنات من تحت ساکنة و کسر النون الموحدة من فوق و فتح الیاء المثنات من تحت و فی آخرها ألف مقصورة و هی قاعدتهم القدیمة و دار ملکهم القویمة، و قد تلاشت و بقی الاسم لها کما فی عجائب الأسفار لأبی راس الحافظ، و بهجة الناظر للشیخ المشرفی شیخ الحافظ أبی راس. و أما الآن فقاعدة ملکهم مدینة مادرید باللام و هی مدینة الطاغیة و یقال لها مادرید بالدال. و کان یقال لها سابقا ما تریج بالتاء و الجیم و هی حذاء طلیطلة. و مسکنهم کما فی کتب الحافظ أبی راس و کتاب شیخه الشیخ المشرفی، بأرض الأندلس من قطلان و برشلونة من جهة الشرق إلی إسبونة فی جهة الغرب، و یجاورونهم (کذا) الدبرقیز و هم البرتغیر ببعض الغرب، و الفرانسیس من جهة الشرق، و جبل الطار داخل فی تخومهم إلّا أنه بید الإنکلیز. و قال صاحب الجغرافیا جاءت إسبانیا بین إفرانسا و البحر الأوسط و البرتقال و الأوقیانوسیا فتحدها إفرانسا فی شمالها الشرقی و یحدّها البحر الأوسط فی شرقها و جنوبها و یحدّها البرتقال فی غربها و یحدّها الأقیانوسیا فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 198
(ص 138) غربی شمالها و جنوبها، فهی جزیرة/ غیر کاملة لکونها لا تتصل بالبر إلّا بجبل البرینی الفاصل بینها و بین إفرانسا فهی فی أقصا جنوب أوروبا الغربی و لیس بینها و بین عدوة الغرب إلا بوغاز جبل طارق القلیل العرض. و مساحتها خمسمائة ألف کیل متر و هی خمسمائة ألف میل یزید أو ینقص شیئا لأن الکیل متر عند النصاری یشابه المیل عندنا تقریبا. و ملکهم منذ مدة مدیدة و هو یلقب بالملک الکثولیکی و معناه المتبع للبطرک و هو الباب و ابتداء ملکهم فی القرن الخامس من المیلاد المسیحی علی صاحبه و علی نبینا و کافة الأنبیاء الصلاة و السلام و کانوا علی عدة ملوک.
و اختلف فی أول من ملک أرض الاسبانیین و هی الأندلس للآن علی أربعة أقوال. فقال بعض مؤرخی النصاری أن أول من ملک أرض الإسبانیین هم الإبریّون نسبة إلی جدهم الابر مجهول الأصل، ثم الفنیسیان، قیل أنهم الفرس و ملوکها مدة ثم الیونانیون نسبة لجدّهم یونان بن یافث، ثم القرطاجیون، و بنوا بها مدینة یقال لها قرطاجنة، ثم الرومان و منهم الروم، ثم الفندال و هم أمة من الجهة الجوفیة من بر الافرنج خرجوا من بلدهم الکائنة بقرب بحر البلطیک و مرّوا ببلد الجرمانیة و هی بلد النامسة و بلد الغول و هی إفرانسا و توجهوا فی أوائل القرن الخامس المسیحی إلی اسبانیا و هی بلد الأندلس فاستقروا بها و تدینوا بدین المسیح عیسی بن مریم علیه السلام. غیر أنهم کانوا یعدون من الروافض المتبعین لشیخ یقال له أریوس، ثم الإفرنج، ثم القبریقوا ، ثم العرب فی آخر القرن الأول من الهجرة، ثم الإسبانیون استقلالا للآن بعد أن حاربوا المسلمین علیها نحو الثمانمائة سنة. و قال آخر منهم أن المملکة الإسبانیة کانت تحت حکم الرومان، فیما مضی من قدیم الزمان، و فی آخر القرن الأول من الهجرة فتحها الإسلام و بقیت ملوک النصاری مع الإسلام فی حروب متتابعة مدة ثمانمائة سنة إلی أن غلبت النصاری المسلمین علیها سنة سبع و تسعین و سبعمائة من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 199
الهجرة فبقیت فی ملک/ الإسبانیین للآن .. و کانت إسبانیا فی السابق من دول (ص 139) أوربا الکبار لکونها کانت لها أملاک کبیرة فی أمریکا الجنوبیة و قد تملکوا علیها سنة سبع و تسعین و سبعمائة من الهجرة بسبب ظهور ذی معرفة منهم من العلماء البحریین المنجمین یقال له کریستوف قلومب (کولومب) فکشف علی أمریکا التی لا معرفة لهم بها قبله فتملکوا علی أعظم جزء منها و علی عدة أجزاء بجوانبها و استمرت بأیدیهم إلی أن نزعت منهم سنة سبعة عشر و مائتین و ألف من الهجرة لاجتماع أهلها علی الحکومة الجمهوریة التی هم علیها للآن و خرجوا عن حکمهم فلم یبق لهم بأمریکا إلا جزیرة کوبا و لذا لا تعدّ مملکة إسبانیا من کبار دول أوربا الآن لانحطاطها عن مقامها الأول ه.
و قال ابن خلدون أول من سکن الأندلس بعد الطوفان الأوربیون نسبة لجدهم أوروب من ولد طوبال بن یافت و دخلوا فی طاعة الروم. ثم ملکها القوط نسبة لجدهم قوط من ولد ماغوغ بن یافت ثم لحق بهم القلنش من الروم الإغریقیین و باسم القلنش سمّیت الأندلس لما عرّبت. و قال ابن سعید المغربی و الحافظ أبو راس فی الشماریخ أول من عمّر الأندلس أندس بن یافث بن نوح و أخوه سبت بن یافت بن نوح بالعدوة المقابلة لها و إلیه تنسب مدینة سبتة فبقی أولاد أندس به ملوکا دهرا. ثم ملکها إشبیلان بن طیطش الرومی و به سمّیت إشبیلیة لما عرّبت. و طیطش هذا هو الذی فتک ببنی إسرائیل و جلاهم الجلوة العظیمة التی سلّط اللّه علیهم بها الذلّ حتی انقطع ملکهم انقطاعا کلیا للآن.
و نقل من آثار الهیکل المبارک بالقدس إلی طلیطلة حتی وجد ذلک موسی بن نصیر بها فبعثه إلی الولید بن عبد المالک الأموی بدمشق. ثم أنّ الأندلس تغلب علیهم الاغریق و هم الاغریقیون من الروم فبقوا دهرا ثم أخذها منهم القوط ملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 200
منهم بطلیطلة أحد قواعد الأندلس ستة و عشرون ملکا. و آخرهم لذریق الذی قتله طارق بن زیاد غلام موسی بن نصیر فی خلافة الولید بن عبد الملک سنة اثنین و تسعین من الهجرة و تزّوج امرأته، و من بقایا ذریة ملوکهم صارة بنت المنذر والدة اللغوی النحوی العلامة أبی عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المعروف (ص 140) بابن القوطیة/ بضم الواو المتوفی سنة سبع و ستین و ثلاثمائة بقرطبة و أصله من مرسیة مدینة بالأندلس. قال الشبراملسی و قوط هذا هو أبو السّودان و السّند و الهند. و قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران ثم أن إسبانیا لما تملکها الرومان انقسمت مملکتها علی خمسة أقسام. فقسم یقال له الأقاسط لتملّکهم علیه و قسم یقال له الألی، و قسم یقال له الأراق، و القسم القبلیّ یقال له النفار، و قسم یقال له القطلان، و جملة الأقسام الخمسة یقال لها إبیری. ثم قال لها ها إسبانیا ثم قیل لها إسبانیا بترک الهاء، و کانت تسمیتها بإسبانیا وقت اجتماعهم علی ملک واحد و ذلک سنة ثمان و ثمانین و ثمانمائة من الهجرة و قیل غیر ذلک. و سکّانها و قتئذ ستة عشر ملیونا و نصفا، و الملیون ألف ألف. و أرضهم جیّدة للغراسة لا للفلاحة، و ما یستنبت. و لذلک عظمت فاکهتها. و یوجد بها من الخیل المسومة و البغال المقوّمة، و الحمر الفارهة ما یرتضی. کما یوجد بها معادن الحدید و النحاس و الرصاص و الزواق إلّا أن الغالب علی أهلها الفقر لقلة الصناعة عندهم کما غلب علیهم القساوة و الفظاظة، و شدة البغض، و الحقد، و الضل، و العداوة، و کثرة سفک الدماء و الجهل. و تنقسم مملکتهم إلی ثلاثة عشر ولایة، منها ثمانیة ساحلیة بشاطی‌ء البحر و هی: غلیسیا و إستوریا و قسطیلیة القدیمة و الأقالیم البسکیة و کتسالونیا، و بلنسیة و مرسیة و أندلسیة مع غرناطة القدیمة و منها خمسة داخلیة و هی: أرغون و نافرا و لیونی و استرمارودة و قسطیلیة الجدیدة.
و أشهر مدنها مادرید التی هی الآن قاعدة ملکهم و قد استولی علیها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 201
الفرانسیس سنة ست و عشرین من القرن الثالث عشر ثم برشلونة و هی ذات مرسی کبیرة علی البحر الأوسط من أکبر مراسی إسبانیا و أخص مراسی البحر الأوسط. ثم بلنسیة ثم إشبیلیة ثم مالقة ثم سرقسطة ثم قادس و یقال لها قالس باللّام بدل الدال و هی علی البحر المحیط المغربی و لها مرسی عظیمة حصینة.
و قد استولی علیها الفرانسیس سنة أربعین من القرن الثانی عشر/ ثم غرناطة، (ص 141) و کانت قاعدة أحد ملوک الإسلام، ثم السهلة، و شاطبة، و شریش، و طلیطلة، و روندة، و طرطوشة، و قرطبة، و طریف، و میورقة، و منورقة، و یابسة ، و بطلیوس، و قطلان، و صقلیة، و هی سلسلة و غیرهم. و بها جبال کثیرة أکبرها جبل برینی ثم سیارنقادا، ثم سیاربونیل، ثم سیارکوادلوب، ثم جبال الأستوریة، ثم جبال طلیطلة.
و بها أودیة کثیرة أکبرها نهر إبرة، ثم دوروا، ثم ناغوا، ثم مینوا، ثم الواد الکبر، ثم کرادیانا.

أنهار الشمال الإفریقی و العالم‌

و أما هذه العدوة و غیرها فقال الحافظ أبو راس فی الشماریخ، و نهر المغرب الأقصی وادی الربیع و یمتنع عبوره أیام الأمطار فتنظره داخلا فی البحر المغربی نحو السبعین میلا عند أزمّور و منبعه من جبال درن. و ینبع منها نهر آخر ببلاد درعة إلی أن یغوص فی الرمال قبلة سوس الأقصی. و نهر ملویة منبعه من جبال قبلة تازة و یصبّ فی البحر الرومی عند غسّاسة. و نهر المغرب الأوسط شلف و هو لبنی واتیل و یقال لهم بنوا و اطیل منبعه من جبال راشد و هو جبل العمور و یدخل إلی التل من بلاد حصین ثم یمر إلی أن یصبّ فی البحر الرومی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 202
ما بین کلمیتوا و جبل عیاشة أحد بطون مغراوة. و نهر المغرب الأدنا مجردة یصب فی البحر الرومی عند بنزرت علی مرحلة من تونس. ثم قال صاحب بهجة الناظرین و آیة المستدلین، أن عدد أنهار الدنیا الکبار مائتان و سبعون نهرا. و عدد العیون الکبار مائتان و ثلاثون عینا و هی فی الأرض کالعرق فی البدن. و قال صاحب الخریدة أنّ بهذا الرّبع المسکون مائتی نهر کل نهر منها طوله خمسون فرسخا إلی ألف فرسخ. فمنها ما یجری من المشرق إلی المغرب و عکسه و منها ما یجری من الشمال إلی الجنوب و عکسه و کلها تنبع من الجبال و تصب فی البحر. فمن الأنهار العظیمة بالمشرق النیل، و الفرات، و الدجلة، و سیحون، و جیحون، و أن النیل المبارک لیس فی الدنیا أطول منه لأنه مسیرة شهرین فی الإسلام، و شهرین فی الکفر، و شهرین فی البریة، و أربعة أشهر فی الخراب، (ص 142)/ و مخرجه من جبل القمر خط الاستواء. و سمی بذلک لأن القمر لا یطلع علی ذلک الجبل أصلا لخروجه عن الخطّ، و میله عن نوره و ضوئه، فیخرج من بحر الظلمات من تحت جبل القمر و أنه ینبع من اثنتا عشرة عینا، و قیل مبدؤه من خلف خط الاستواء بإحدی عشر درجة. و ذهب بعضهم إلی أن مجراه من جبال الثلج و هی بجبل قاف. و أنه یخترق البحر الأخضر بقدرة اللّه تعالی و یمرّ علی معادن الذهب و الیاقوت فیسیر ما شاء اللّه إلی أن یأتی لبحیرة الزنج. قال حاکیه و لو لا دخوله فی البحر المالح و اختلاطه به لما کان یستطاع أن یشرب منه لشدة حلاوته و أنّ اللّه تعالی سخر للنیل کل نهر علی وجه الأرض فی المشرق و المغرب و ذلّله له فإذا أراد اللّه تعالی أن یجری نیل مصر أمر کل نهر أن یمده فإذا انتهی جریه إلی ما قدّره اللّه تعالی أمر کل نهر أن یجری إلی عنصره. و مصداق هذا أنک تری النیل مخالفا لکل نهر علی وجه الأرض لأنه یزید إذا نقصت و ینقص إذا زادت لأنها تمدّه بما بها و اللّه أعلم. قال صاحب الخریدة و قد حملت الشیاطین مقرس الأول و هو عبقام إلی هذا الجبل فرأی النیل کیف یخرج من البحر الأسود و من تحت جبل القصر فبنا (کذا) فی صفح (کذا) ذلک الجبل قصرا فیه خمس و ثمانون تمثالا من نحاس جعلها جامعة لما یخرج من هذا الماء من هذا الجبل بقدر مصاب فی أحکام مدیدة یجری الماء منه إلی تلک التماثیل فیخرج من حلوقها علی قیاس معلوم و أذرع قدرها ثمانیة عشر ذرعا فی کل ذراع
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 203
اثنان و ثلاثون أصبعا و الزائد یغیض إلی الرمال ثم یصب إلی أنهار فیصل لبطحتین و یخرج منهما للبطحة المجمعة فیشق جبالها المعترضة و یخرج نحو الشمال مغربا فیخرج منه نهر واحد و یفترق فی أرض النوبة فتصب منه فرقة إلی أقصی المغرب و الأخری إلی مصر منحدرا منها إلی أسوان ثم ینقسم فی صحاری البلاد علی أربعة فرق کل فرقة إلی ناحیة ثم یصب فی بحر الإسکندریة. و أن رجلا من ولد العیص بن إسحاق بن إبراهیم علیه السلام یسمی حاید لما دخل مصر و رأی عجائبها ءالا (کذا) علی نفسه أن لا یفارق النیل إلی منتهاه أو یموت فسار ثلاثین/ سنة فی العمران و مثلها فی الخراب حتی انتهی إلی بحر أخضر فرأی النیل یشقّه (ص 143) فرکب به دابة سخرها اللّه له وعدت زمانا فوقع فی أرض حدید جبالها و أشجارها حدیدا ثم أخری نحاسا جبالها و أشجارها کذلک، ثم علی ثالثة فضة جبالها و أشجارها فضّة، ثم رابعة ذهبا جبالها و أشجارها کذلک، ثم انتهی إلی سور متّسع من ذهب و فیه قبّة عالیة من ذهب لها أربعة أبواب: ثلاثة تغیض فی الأرض و هی سیحون، و حیحون، و الفرات، و الرابع یجری علی الأرض و هو النّیل و أنه أتاه ملک حسن الهیئة فسلم علیه و قال له هذه الجنة سیأتیک رزقک منها فلا تؤثر علیه شیئا من الدنیا فبینما هو فی ذلک إذ أتاه عنقود عنب له ثلاثة ألوان أحدها کاللؤلؤ، و الثانی کالزبرجد الأخضر، و الثالث کالیاقوت الأحمر، فقال له الملک یا حاید هذا من حصرم الجنة فأخذه و رجع فوجد شیخا تحت شجرة تفاح فحدّثه و أنّسه و قال له یا حاید خذا هذا التفاح و کله فقال إن معی طعاما أغنانی عن تفاحک فقال صدقت إنی أعلم به و بمن أتاک به و هو أخی و هذا من الجنة أیضا و لم یزل به الشیخ إلی أن أکل منه و حین عضّ علی التفاحة رأی الملک یعضّ علی أصبعه و یقول له أتعرف هذا هو الذی أخرج أباک من الجنة و لو قنعت بالعنقود لأکل منه أهل الدنیا و لم ینفذ و هو الآن مجهودک إلی مکانک فبکی حاید و ندم و سار حتی دخل مصر و صار یحدّث بما رأی فی سفره من العجائب. ه.

جبال العالم‌

و جملة جبال الأرض سبعمائة و تسعون جبلا و کلها طویلة عظیمة و ارتفع علیها جبل بالشام باثنا عشر میلا. و إلی عدد هذه الجبال و ارتفاعها و ارتفاع جبل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 204
الشام علیها أشار الشیخ: أبو زکریاء یحیی بن سعید السوسی، ثم السملالی، فی رجزه: خبر الزمان بقوله:
و عن مقاتل فلما دوّرت‌الأرض بالجبال حیث ثبتت
کانت علی الماء تمید دائرةإلی الیمین و الشمال سائره
فسلّط الریح علی الماء یضربه‌حتی أعاد زبده و لعبه
فأمر عزّ و جلّ رجعت‌جمیع موجه جبالا جمدت
(ص 144)/ عدّتها خاء کذا یقال‌قاف و ظاء بعدها مشال
إلی أن قال:
جبال الأرض کلها طول عظام‌و جبل بالشام من فوقها قام
زاد علیها یا أخی للأعلاو طوله عنها بییا میلا

موقع إسبانیا و الأقالیم الأرضیة

و محل إسبانیا من ممالیک أوربا هو الجزء الثامن عشر و ذلک أن الأقدمین من أهل الجغرافیة کالإدریسی قسموا معمور الأرض إلی سبعة أقسام و سموها أقالیم جمع إقلیم، کل إقلیم بکسر الهمزة کقندیل فیه سبعمائة فرسخ فی سبعمائة فرسخ من غیر أن یدخل ذلک جبل و لا واد. و البحر الأعظم محیط بذلک کله و یحیط به جبل قاف. نصّ علیه ابن الجوزی، و نقله عنه الشیخ إبراهیم الشبرخیتی فی شرحه المختصر الشیخ خلیل المالکی فی باب الجهاد منه لدی قوله کتأمین غیره إقلیما فجعلوا السند و الهند إقلیما واحدا، و الحجاز إقلیما، و مصر بشامه و غربه إقلیما واحدا، لاتحاد دینه و میقاته، و بابل إقلیما، و الروم إقلیما، و أضاف له بعضهم الشام و الترک و یاجوج و ماجوج إقلیما واحدا و الصین إقلیم، و أضاف له بعضهم ما ولاها من یاجوج و ماجوج. و أن المتأخرین منهم، و منهم النصاری، قسموه إلی خمسة أقسام أصلیة و هی: أوربا، و آسیا، و إفریقیا، و أمریکا؛ و جزائر أوقیانوسیا، فأما أوربا فجزؤها علی ثمانیة عشر مملکة، فمنها ثلاثة فی شمالها و هی جزائر الإنکلیز، و مملکة سوید، مع نرفیج، و مملکة دینرمک، و منها واحدة فی شرقها و هی الموسک. و منها ستة فی وسطها و هی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 205
افرانسا، و البلجیک، و هلاند، و الممالک المعاهدة و یقال لهم الألمان، و لتریش و هم النامسة، و سویس . و منها ثمانیة فی جنوبها و هی: إسبانیا، و برتقال، و طلیان، و مملکة القریق، و هم الیونان، و نصف مملکة الترک، و الرملی، و السّرب، و الجبل الأسود. و هذا القسم هو الصغیر بالنسبة للأربعة الباقیة. و أما إیسیّا فجزؤها علی تسعة ممالیک و هی: بلاد سبری، و نصف مملکة الترک أیضا، و بلاد/ التتار، و مملکة العجم، و أرض الصین، و أرض یافون، و بلاد (ص 145) الهند، و بلاد السند، و جزیر العرب. و أما إفریقیا فجزؤها علی ستة ممالیک و هی: مملکة مراکش، و بر الجزائر، و مملکة تونس، و مملکة طرابلس، و مملکة مصر، و بلاد الصحراء. و أما أمریکا فإنها شمالیة و جنوبیة فالشمالیة جزؤها إلی أربعة ممالیک و هی: أمریکا المسکوبیة و بیرثانیا الجدیدة، و بلاد اللیتانوزی، و بلاد المکسیک. و الجنوبیة جزؤها إلی ثلاثة ممالیک و هی: بلاد قلوسبیا، و بلاد بیر، و مملکة بریزیل. و أما جزائر أوقیانوسیا فإنها لا تضبط کغیرها لکثرة جزائرها، و فی کل من هذه الأقسام عدّة حصن، و قری، و مدن، و شعاب و أودیة ممتدین بین أوربا و إفریقیا و أمریکا. و البحر المحیط الأکبر و هو ممتد بین آسیا و أمریکا و البحر المحیط الهندی و هو ممتد بین إفریقیا و آسیا و أوقیانوسیا.

محیط الدائرة الأرضیة

و حاصله أن دور الأرض فی کتب الأوائل أربعة و عشرون و ألف میل و لما بلغ المأمون العباسی ذلک أراد تحقیقه أمر بنی موسی الذین ینسب إلیهم جبل بنی موسی المشهورین و هم محمد بن موسی ابن شاکر و أخواه أحمد و الحسین و کان لهم همم عالیة فی تحصیل العلوم القدیمة و کان الغالب علیهم الهندسة، و الحیل، و الموسیقی بتحریر ذلک فسألوا عن الأراضی المتساویة فأخبروا بصحراء سنجار و وطأة الکوفة فأرسل معهم المأمون جماعة یثق إلی أقوالهم فساروا إلی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 206
صحراء سنجار و حققوا ارتفاع القطب الشمالی و ضربوا هناک و تدا و ربطوا فیه حبلا طویلا و مشوا إلی الجهة الشمالیة علی الاستواء من غیر انحراف حسب الإمکان و بقی کلما فرغ حبل نصبوا فی الأرض و تدا آخر و ربطوا فیه حبلا آخر کفعلهم الأول حتی انتهوا کذلک إلی موضع قد زاد فیه ارتفاع القطب الشمالی المذکور درجة محققة و مسحوا ذلک القدر فکان ستة و ستین میلا و ثلثی میل ثم وقفوا عند موقفهم الأول و ربطوا فی الوتد حبلا و مشوا إلی جهة الجنوب من غیر (ص 146) انحراف و فعلوا ما شرحناه/ حتی انتهوا إلی موضع قد انحطّ فیه ارتفاع القطب الشمالی درجة و مسحوا ذلک القدر فکان ستة و ستین میلا و ثلثی میل ثم عادوا إلی المأمون و أخبروه بذلک فأراد المأمون تحقیق ذلک فی موضع آخر فسیّرهم إلی أرض الکوفة فساروا إلیها و فعلوا کما فعلوا فی أرض سنجار فوافق الحسابات و عادوا إلی المأمون فتحقق صحة ذلک و صحة ما نقل من کتب الأوائل لمطابقة ما اعتبره ثم ضربوا الأمیال المذکورة فی ثلاثمائة و ستین و هی درج الفلک فکان الحاصل أربعة و عشرین ألف میل و هو دور الأرض. قال أبو الفدا أقول کذا نقله ابن خلکان و نقل غیره من المؤرخین أن الذی وجد فی أیام المأمون لحصة الدرجة الستة و ستون میلا و ثلثا میل و هو غیر صحیح فإن ذلک هو حصة الدرجة علی رأی المتقدمین و أما فی أیام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة و خمسین میلا و قد تحقق ذلک فی علم الهیئة ه. ثم اقتدی النصاری بذلک فی جعلهم لمعرفة مساحة الأرض علامتین أحدهما (کذا) للتحقیق و هی سلسلة الحدید و الأخری للتقریب و هی البوصلة و الجبر.

أصل الإسبان‌

و أعلم أنه لا خلاف فی أن الإسبانیین من ولد یافث بن نوح علیه السلام.
و إنما الخلاف فی کونهم من ولد یافث لصلبه أو من ولد حفیده و هل هم إخوة الفرنج أو من الروم. فقال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار، و الإسبانیون هؤلاء من اللیطنیین و هم الکتیم و کانوا من أعظم ملوک العالم. و قال أیضا فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 207
الشماریخ و اللیطنیون من ولد لیطن بن یونان. و قال فی موضع آخر منه أن اللیطنّیین و هم الکتیم المعروفون بالروم من بنی یونان. و قال فی موضع آخر أیضا منه و المحققون ینسبون الروم جمیعا إلی یونان الإغریقیین، و اللیطنیین. و یونان معدود فی التوریة من ولد یافث لصلبه و اسمه فیها یاقمان. و عن البیهقی أن یونان ابن علجان بن یافث و لذا یقال لهم العلوج و أن الشعوب الثلاثة و هم الإغریقیون و اللیطنیون و العلوج من یونان، و اللیطنیون من ولد لیطن بن یونان کما مرّ و أن الإسکندری الرومی منهم ه. و فی الإصحاح العاشر من التوریة/ أن اللیطنیین (ص 147) و هم الکتّیم من ولد کتّیم بن یونان بن یافث بن نوح. قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران فأنت تری أنهم من ولد یافث بلا خلاف و إنما الخلاف فی وجه اتصالهم به علی ثلاثة أقوال و مرجعها إلی قولین و هما کون یونان ولد یافث لصلبه أو حفیده. و الصحیح أنه حفیده، لأن یافث له اثنا عشر ولدا علی الصحیح و هم:
کومر، و یاوان، و ماغوغ، و طوبال، و ماسخ و طیراش، و ماذای، و شئویل، و علجان، و أندس، و ست، و سوس، و أن الإسبانیین أخوة الفرنج و هم الفرنسیس، و الطلیان، و البرتقال، لاشتراکهم فی اللتانة و الکتولیکیة و هی اتباعهم للبطرک و هو الباب و ضربهم للناقوس و اعتکافهم علی الأصنام فی البیع.
و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار، لا شک أنهم فرقة من الروم لا من الفرنج بدلیل ما ذکره شهاب الدین الخفاجی علی الشفا من أن کتاب النبی صلی اللّه علیه و سلم الذی کتبه إلی هرقل عظیم الروم یقال له بالرومیة أراقلیوش یدعوه للإسلام هو الآن عند ملک طلیطلة. و قد أراه لابن الصائغ النحوی لما أوفده علیه سلطان مصر قلاوون، ثم قال أیضا و قد سمعت أنه عند النامسة المجاورین للموسک ه. و معلوم أن الإسبانیین هم الذین أخذوا منا طلیطلة. و فی الأنیس المطرب أن الناصر بن المنصور لما غزی (کذا) الأندلس بجیش یضیق عنه الفضاء و سمع الفنش (الفونسو) و ملوک النصاری بذلک و اهتزمت منه ملوک الروم جاءه منهم بیونة لإشبیلیة مستسلما خاضعا بهدیة عظیمة مقدما بین یدیه کتاب النبی صلی اللّه علیه و سلم الذی کتبه لهرقل عظیم الروم یستشفع به و یعلمه أن الملک عنده
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 208
موروث لأکابر عن أکابر و أن هذا الکتاب عندهم یتوارثونه محفوظا مطیبا فی حلة خضراء فی وسط صندوق من ذهب مملوء مسکا و طیبا تعظیما و إجلالا لحقه، فقضی له أمیر المؤمنین مآربه و ذلک سنة سبع و ستمائة ه . و الروم هم بنوا الأصفر و سمّوا بذلک إما لکون جدهم اسمه الأصفر أو لأنه کان أصفر اللون أو لأنه کان بخدیه خاصة صفورة، أقوال ثلاثة. و کان اجتماع الإسبانیین علی ملک واحد سنة ثمان و ثمانین و ثمانمائة من الهجرة .

قائمة ملوک الإسبان‌

و أول ملوکهم المجتمعة علیه تلک السنة فردنند و زوجته إیزابیلة مشترکین (ص 148) فی المملکة/ و بقی فی الملک خمسا و ثلاثین سنة و خلع. و لما استقر فی الملک غزی (کذا) غراطة فی رجب سنة خمس و تسعین من التاسع و بها سلطانها أبو عبد اللّه محمد حسن فنزل بمرجها و أفسد زرعها و رجع ثم جهز لها جیشا عظیما فی ثانی عشر جمادی الثانیة ست و تسعین منه فنزل بمرجها أیضا و حاصرها و ضیق علیها إلی أن أخذها صلحا علی سبعة و ستین شرطا وقعت بینه و بین أهلها منها: أن یکون التأمین بجملة الناس، و أن یکون بقاؤهم فی أماکنهم، و أن یقیموا (کذا) شریعتهم کما کانت، و أن لا یتعرضوا لها بتغییر و لا استثناء أمور، و أن تبقی المساجد علی حالها، و أن تبقی الأوقاف علی حالها، و أن تکون الحریة لجمیع المسلمین مؤبدة، و أن لا یدخل نصرانی دار مسلم، و أن لا یغصبوا أحدا، و أن لا یتولی علی المسلمین یهودی و لا نصرانی، و أن یطلقوا جمیع أساری غرناطة، و أن من هرب من أساری غیرها لها لا یرد لمالکه بل یأخذ ثمنه من عند السلطان، و أن من أراد الانتقال لا یمنع، و أن الذهاب یکون فی مدة معینة فی مراکب السلطان بلا کراء، و من زاول الأجل فیلزمه الکراء مع تعشیر ماله، و أن لا یؤخذ أحد بذنب غیره، و أنّ من أسلم من النصاری لا یلزم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 209
بالرجوع لذلک الدین، و أنّ من تنصّر من المسلمین یوقف حتی یظهر حاله، و أنه لا عقاب علی من قتل نصرانیا أیام الحرب، و أن لا یؤخذ منه ما سلبه منهم أیام العداوة، و أن لا یکلف المسلم بضیافة أجناد النصاری، و أنهم لا یزیدون فی المقام علی العتاد، و أن ترفع عن المسلمین جمیع المظالم، و أن ترفع عنهم جمیع المغارم، و أن لا یطلع النصرانی للسور، و أن لا یتطلع علی دور المسلمین، و أن لا یستطلع علی عوراتهم، و أن لا یدخل لمساجدهم، و أن یسیر المسلم فی بلاد النصاری آمنا من کل شی‌ء، و أن لا یجعل المسلم علامة کما یجعلها الیهودی، و أن لا یمنع المؤذن من الأذان، و أن لا یمنع المصلی من الصلاة، و أن لا یمنع الصائم من الصیام، و أن لا یمنع الحاج من الحج، و أن لا یمنعوا المسلمین من إقامة المواسم، و أن لا یتعرضوا لهم فی النکاح و غیره، و أنّ من ضحک من النصاری علی المسلمین یعاقب، و أن لا یحجروا علیهم فی مقابرهم، و أن یوافق علی کل شرط من الشروط صاحب رومة، و أن تکون موافقته بخط یده، و خاتمه معا، إلی غیر ذلک من بقیة الشروط. و دخل أهل البشرات فی ذلک و کان/ دخوله لها فی ربیع الأول سنة سبع و تسعین منه و ذهب سلطان (ص 149) غرناطة لفاس بأن خرج علی ملیلیة فاستقر به إلی أن مات و ذهب عمه أبو عبد اللّه محمد الزغلی صاحب إش (کذا) للمغرب الأوسط فخرج علی و هران و نزل بتلمسان و استقر بها إلی أن مات و کان خروجها فی آخر شوال تلک السنة و صفت الأندلس بأجمعها للنصاری و لا حول و لا قوة إلّا باللّه. فکان أول ما أخذوا لنا مدینة طلیطلة سنة ثمان و تسعین من الخامس أخذها اذفونش بن فراند بن هراند صلحا من ید الأمیر الظاهر من ولد إسماعیل بن عبد الرحمن ناصر الدولة الهواری. و آخر ما أخذوا لنا مدینة غرناطة سنة سبع و تسعین من التاسع و إنا للّه و إنّا إلیه راجعون. و إلی ذلک أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
طلیطلة هی باکورة فتحهم‌من الهواری رجعت لأذفنس
ءاخر ذلک غرناطة حلّ بهاما لقت شقرة من الویل و الرکس
من بعد عزّ بنی نصر و مواقهاطاغیة ینظرهم نظر الشوس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 211

غزو المرسی الکبیر و وهران‌

ثم جهز جیشا لوهران و غزاها فملک برج مرساها فی أول ربیع الثانی سنة إحدی عشر من العاشر قاله الحافظ أبو محمد عبد اللّه قاضی نهر بنی راشد.
و لما ملکوها استقروا بها إلی أن تقدموا لوهران فدخلوها فی آخر المحرم سنة أربع عشر من العاشر و هو العام الذی مات فیه صاحب المعیار، قاله التغریری، و الشیخ أحمد بابا، و المدیونی، و الیفرینی، و قال الحافظان: الصباغ، و أبو راس، و غیرهما کان ذلک فی صفر سنة خمسة عشر من العاشر، بمداخلة یهودی غدار للمسلمین و ذلک أن الیهود الذین بوهران تحت ذمة المسلمین أتی واحد منهم یقال له زاوی بن کبیسة المعروف بابن زهو بجیش النصاری للمدینة غفلة و أدخلهم لها سرا بالحیلة فقام الجیش لباب المدینة الموالی للمرسی ففتحه لیلا و أخذ العساسین و هما: عیسی بن غریب العریبی، و الغناس بن طاهر العبدلّاوی، و صار الجیش یدخل و یخرج و نکبوا المسلمین قتلا و سبیا و کان ذلک وقت أبی قلموس الزیانی./ و قد عجز عن دفاعهم عجزا کلیا و إلی ذلک أشار الحافظ (ص 150) أبو راس فی سینیته بقوله:
خامس عشر من عاشر أناخ بهاالإسبانیون أهل الشرک و الرجس
جحافل الکفر قد حموا جوانبهاو عن دفاعهم عجز أبو قلمس
و لما مکنوهم من المدینة شرطوا علیهم برج المرسی فأنزلوهم به وفاء بالعهد و إلیهم ینسب برج الیهودی الذی بهیدور و جعلوا لهم الصولة العظیمة التی لا توصف علی المسلمین فکانوا یخرجون لبنی عامر لقبض الضریبة کالملوک ثم تخیّل منهم النصاری بعد ثمانین سنة ما یکرهونه فأخبروا سلطانهم بذلک فأمرهم بطردهم مخافة أن یفعلوا بهم ما فعلوا بالمسلمین من الخدیعة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 212

غارات الإسبان علی أحواز وهران‌

و کان طاغیة النصاری بوهران اسمه دک، و لما استقل قدمه بها صار یشن الغارات علی المسلمین إلی أن دخل فی طاعته کرشتل، و بنو زیّان، و الونازرة، و قیزة، و غمرة، و حمیان، و شافع، و أولاد عبد اللّه، و أولاد علی، و غیرهم من بنی عامر و لم یخرج عن طاعتهم من المجاورین لهم بوهران إلّا مخیس و الرّفافة المستقرین بین البحر و جبل هیدور مع جبل قیزة. و صار الداخلون فی طاعته شیعته الذین ینصرونه و یعتمد علیهم فی جلب الأخبار و المسیر بهم فی الطرق فی اللیل و النهار. و اتخذ منهم الجواسیس الذین یقال لهم المغاطیس، فقویت شوکته، و اشتدت قوته و تعددت غزواته علی الأقربین و الأبعدین و الأنزلین و الأصعدین و خلا له الجوّ إلی أن صارت ملاتة و سیرات من جملة بلاده التی تحت یده و شداده، یتردد بها فی لیله و نهاره. و لا منازع له فیها باضطراره و اختیاره و تکرّرت غزواته علی هبرة و الحرب بینه و بینهم سجال، إلی أن تلاشوا و حل بهم الاضمحلال و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلی العظیم، و ما النصر إلا من عند اللّه العزیز الحکیم، و إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
و عاث دک ببطحتیها مجتلباعلی الإیمان فلم یبل بمفترس
و رجّ أرجاءها لما أحاط بهافأبدلت شمّ أعلامها بالفطس
(ص 151)/ و شحنت بخنزیرهم و صلبانهم‌مواضع الإیمان بها ذو توس
کم تولیت بها من آیة محکمةفبعد طهرها قد ملئت بالنجس
کأنها ما حوت شمسا و لا قمرالم یدر فی الناس و العالی من النّدس
خلا له الجوّ فامتدت یداه إلی‌إدراک ما لم تنل رجلاه مختلس
عمّرها بعدنا بخبث مالقةشناضیض کالیعافرة و التیس
و سار سیرته فینا من أعقبه‌و کلهم مقتف آرغون و إفرانس
فغزوا هبرة بموضع یقال له یعلوا من جبال سیرات و ذلک أن هبرة کانوا نازلین بیعلوا فغزاهم دک بها و تقاتلوا شدیدا قتل من الطلابة (کذا) ثلاثون و مقبرتهم بها تسمّی للآن بمقبرة الطلبة بالطریق لأنها اندرست و من هبرة تسعون شجاعا و انجرح أربعون. و من إسبنیول ثلاثمائة و انجرح ثلاثون و ترکوا ثقالهم و فرّوا هاربین و ارتکب هبرة ظهورهم إلی حجار الروم بالجانب البحری من وادی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 213
سیق فرجعوا عنهم. ثم غزوهم بسیدی الأخضر من بلاد حمیان فکان القتال بین الفریقین شدیدا و صبر لهم هبرة صبر الکرام انجلا الأمر فیه علی موت مائتی شجاع من هبرة و انجراح ثلاثین و موت ما یزید علی الستین من السبنیول و انجراح ما یزید علی السبعین. ثم غزوهم بیعلوا ثانیا و کان المصاف أسفل العقبة و نشبت نار الحرب بینهما وقت الضحی فلا تری إلا رجال هبرة کأنها أسود هائجة فی القتال یکرّون علیهم الکرّة الهلالیة مرة بعد أخری و حصلت الدائرة علی الإسبنیول و أعان هبرة رجال شداد من بنی شقران و مع السبنیول خیول أولاد علی، و حصلت الهزیمة فی الإسبانیین بسبب أولاد علی بعد ما مات من الإسبانیین عدد کثیر و من أولاد علی ما یزید علی الخمسین و رکبت هبرة و بنوا شقران أکتافهم إلی وادی سیق و غنم هبرة و بنوا شقران جمیع الأثقال و ذاع الخبر فی ذلک الیوم بفعل هبرة بالسبنیول. ثم غزوهم بعوینت الزیتون من بلد العبید، الشراقة خرج لهم من مزغران غفلة/ فأثخن فیهم کثیرا و مات منهم ما بین الرجال (ص 152) و النساء و الذراری ما یزید علی السبعمائة فضلا عمن انجرح، و أخذ لهم النصاری جمیع ما وجدوه عندهم من الدواب و غیرها و کان ذلک بإعانة أولاد حمدان من مجاهر فصار عدد هبرة یقل. ثم غزوهم بسیدی مبارک و ذلک أن هبرة کانت مفترقة فی النزول ما بین سیرات الشرقیة و الغربیة و الساحل و الجبال و لم یکن منهم إلا البعض من أولاد هدّاج بن هبرة بسیدی مبارک بن بخباخ فصکّهم السبنیول و معه جیشه من قیزة، و الونازرة، و غمرة، و شافع، و حمیان، و کرشتل، و بنی زیان، و أولاد عبد اللّه، و أولاد علی، و أحاط بهم إلی أن أسرهم عن آخرهم فبلغ الخبر لأخوتهم فأتوهم مسرعین و حصل القتال بینهم و بین العدو ففکوا جمیع الأساری من یده بعد أن مات من رجالهم فی ذلک الیوم ما لا یعدّ و ضعف بذلک حالهم و دخلهم التلاشی فذهب السبنیول بغنیمة الأموال و رجع هبرة بأساری أخوتهم من الصبیان و النساء و الرجال. ثم غزوهم بسیدی عبد المؤمن من مزغران و کان خندقا عظیما بالطرفا و غیره فکانت الدائرة لهبرة علیهم و منحهم اللّه النصر فقتلوهم مقتلا شنیعا و ظفروا بهم و بأموالهم بحیث ناب للواحد من هبرة من النّاضّ ما یزید علی الثلاثین ریالا کبیرا و فضلا عن غیره. ثم غزوهم به ثانیا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 214
من وهران بأن أتوهم مع الساحل و خرجوا لسیدی عبد الرحمن الصّماش و هبرة فی غفلة إلی أن کادوا یصلونهم و هم مفترقون فی النزول و لما بلغهم الخبر بغتة فزعوا لسیدی عبد المؤمن بن عبد الرحمن و أعلموه بذلک فقال لهم لا خوف علیکم هم غنیمة لکم. و کان هبرة بشرق وادی هبرة العدوّ بغربه و هو حاجز بینهم و لم یخرج السید من خلوته فبینما هم فی الرجاء و الخوف و إذا بوادی الحمام أتی حاملا حملة منکرة و کذلک وادی سیق و صار العدوّ بین الوادین فی الغرق فرکبت هبرة ظهورهم أخذا و قتلا و لم ینج منهم إلا القلیل و قد غرق أکثر الإسبانیین بالماء و أخذت هبرة دوابهم و أثقالهم و من ثم سمی سیدی عبد المؤمن بحمّال الویدان (ص 153) للآن. و وقائع هبرة مع الإسبانیین کثیرة و من أراد استفاءها فلیراجع الکتاب/ الذی اسمه: القول الیقین فی وقائع هبرة مع الإسبانیین للحافظ أبی العباس أحمد ابن محمد الشقرانی. و کان هبرة فی القتال مع الإسبانیین و سوید غیر عامرة و لذلک ضعف حالهم و تلاشا (کذا) أمرهم. و سبب مقاتلتهم مع سوید أن هبرة کانوا یتعرضون للمسلمین الفارین من الأندلس لهذه العدوة لما تغلب علیهم الإسبانیون بها و حیث ینزلون بمرسی رزیو یذهبون لهم هبرة فیأخذون ما بأیدهم حتی أنهم یشقون بطون المهاجرین ظنّا منهم أنهم یبتلعون الناض أو غیره، فسمع بذلک ولی اللّه الأکبر سیدی محمد أقدار التجینی الذی ضریحه بسدّار مینا المتوفی سنة خمس و ستین و ألف فامتلأ غیضا و حرّض أحمید العبد کبیر سوید و قیل حرض ابنه أحمد بن أحمد العبد علی غزو هبرة المنتهکین لحرمة المهاجرین فأتاه من السّرسو بجنود سوید و وافق ذلک ختم صحیح البخاری فی یوم الجمعة فزحف إلی هبرة و کافة بطونهم بتلک الجنود الکثیرة العدد و وقع المصاف بسدار العامری المسمی الآن بالغمری و وقعت بین الفریقین حروب عظام فانهزمت جموع هبرة و رکبت سوید أکتافهم فقتلوا منهم کیف شاؤا و کان جملة من قتل من هبرة مائتان و عشرون من الأبطال فمن ثم انکسرت شوکتهم و قلّ عددهم و اضمحلّ جمعهم و افترقوا فی الأعراش فلم یبق بمحلهم إلا دوار واحد یسمی بهبرة للآن مع تسلط الإسبانیین علیهم أیضا. و لما تراکمت علیهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 215
المحن من الإسبانیین و سوید صارت نساؤهم تجتمعن لیلا فی وسط الحلل و تقلن برفع الصوت تداولا کلام فصیحهم (کذا) و یسمون ذلک بالتبواش و من جملة کلام فصیحهم (کذا):
فینا بین النار یا رب و الناربین انصارت دک و انصارت قدّار
أنت المعین بالعزیز القهّاریا رب علینا دبّر
میتین و عشرین قعدت فی مشواردوار من الملاح ما عزّه دوّار
الموت من الإله و السّبّ قدّارلا بد الحی یفتکر
و هبرة هؤلاء هم علی الصحیح أولاد المقداد بن مهاجر بن سوید بن عمارة ابن مالک بن زغبة بن أبی ربیعة بن هلال بن صعصعة بن معاویة بن بکر ابن هوازین بن منصور بن عکرمة بن زید بن حفصة بن قیس ابن/ غیلان بن إلیاس (ص 154) ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهم عرب هلالیون مضریون من بطون زغبة کما فی الجزء السادس من ابن خلدون فی ترجمة مالک بن زغبة فی شجرته.
فهم سوید خلافا لابن الخطیب الحکیم التلمسانی القرشی القائل بإنهم ملتقطون. و بطونهم تسعة و هم الدّعامشة أولاد دعماش بن هبرة، و الهدادجة أولاد هداج بن هبرة، و الملایلة أولاد ملّال بن هبرة، و المکاثریة أولاد مکثر ابن هبرة، و الفطانسة و یقال لهم فطناسة أولاد فطناس بن هبرة، و الدعاعنة أولاد دعنان بن هبرة، و الصواوقة أولاد صواق بن هبرة، و العزایزة أولاد العزیز و یقال له عبد العزیز بن هبرة، و الدواودیة أولاد داوود بن هبرة و منهم السید محمد ابن داود ءاغة الدوایر و أخوه السید عبد القادر بن داوود ءاغة سعیدة و أبناؤهما فهم من أعیان المخزن وقتئذ بوهران. ثم غزا الإسبانیون بنی شقران برمال عین أبوس الشرقیة علی ید جبور بن حسنة من أولاد سیدی محمد بن حسنة بحیث صعد لهم مع وادی فرقوق و الحمام و وادی تخوارت إلی أن وصلهم فأثخن فیهم بالقتل و السبی إثخانا عظیما إلی أن أذعنوا له بالطاعة.
ثم فردینة فیلیب الأول تولی سنة ثلاث و عشرین و تسعمائة بعد خلع الذی قبله و بقی فی الحکم عشر سنین و خلع و لما تولی أقرّ دکّ بوهران علی حاله
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 216
و أمره بالغزو علی المسلمین الذین بهذه العدوة فاشتدت شوکته علیهم و أبلاهم بلاء عظیما و اقتدی به من أتی بعده من عمال النصاری بوهران مثل إفراسیسک و ابن یالبة و أجوان‌JUAN و غیرهم من الإسبانیین الذین لم یحضروا حفظی و قتئذ. فغزی سنة خمس و عشرین من العاشر قلعة بنی راشد لما سأل منه الإعانة علیها أبو قلموس و قصدها فی جیش عرمرم (کذا) ما بین جیشه و جیش أبی قلموس فنزل ببراقها و هو الجبل المطل علیها من ناحیة البحر و نصب به مدافعه و رمی الکور علی القلعة فخرج أهلها و معهم أمیرها إسحاق الإسکندر شقیق خیر الدین باشة الجزائر فسألوا الأمان فأمنوا و لما تمکن النصاری منهم قتلوهم عن آخرهم و الأمر للّه وحده. قال الحافظ أبو راس فی الحاوی و کان (ص 155) الشیخ/ سیدی محمد الشریف الزهار دفین الجزائر أحد تلامذة القطب سیدی أحمد بن یوسف الراشدی بالقلعة قبل مجی‌ء الإسکندر و الأتراک إلیها یدخل المسجد حافیا و یقول أنا أنجسه قبل أن ینجسه الکفّار فلم یکن إلا قلیل حتی قدم عروج و الإسکندر و الأتراک فذهبوا لتلمسان فبقی فیها عروج و رجع الإسکندر للقلعة فحصر بها و دخل النصاری للجامع الأعظم و نجّسوه کما قال. ثم کارلوص و هو شارل الأول تولی سنة ثلاث و ثلاثین من العاشر و بقی فی الملک أربعین سنة و استمرت و هران فی حکمه. فجهّز جیشا عظیما لغزو مزغران ففتحها عنوة فی أواسط الستین من القرن العاشر تحت رئاسة الطاغیة الفرطاس و لما سمع بذلک خیر الدین باشة الجزائر تألم کثیرا و جمع جیوشا من کل جهة و قصد مزغران فنزل علیها و قاتلها شدیدا و أمنحه اللّه النصر فأثخن فیهم قتلا و أسرا و سبیا إلی أن فتحها عنوة زوال یوم الجمعة خامس عشر ذی القعدة الحرام سنة خمس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 217
و ستین من العاشر و لما فرغ من القتال أمر بجمع الرؤوس فجعلت تلا إلی أن رءاها (کذا) نصاری مرجاجو بوهران. و فی هذا الفتح قال بعضهم من بحر الرّجز:
فتح خیر الدین مزغران‌مرتجیا لفتحه و هران
فی یهّ قعدة زوال الجمعةسنة هرّ قصخ فاستمعه
و هذه القصة عند الناس‌مشهورة بقصة الفرطاس

غارات الإسبان علی تلمسان و معسکر

و غزوا سابقا تلمسان سنة تسع و أربعین من العاشر فدخلوها عنوة و ربطوا دوابهم بجامعها الأعظم حتی خرجوا مختارین بعد إقامة نحو الثلاثة عشر یوما و یقال أن قراب الخالفی جد القراریب الذین منهم الحاج بالضیف آغة مستغانیم و محمد ولد علی الشریف بن یوسف التحلایتی وکیل محکمة سیق هو الذی أتی بهم فی الفترة الکائنة بین بنی عبد الوادی و الأتراک و قصته متواترة علی ألسنة الناس. و غزوها أیضا سنة خمسین و إحدی و خمسین من العاشر مع أمیرها أبی عبد اللّه محمد بن المسعودی حفید رضوان العلج فی أربعة عشر ألفا فدخلوها عنوة و مکثوا بها نحو الشهرین و خرجوا مختارین. قال الحافظ أبو راس فی الحاوی أن/ السید محمد الشریف الزهار المار الذکر قال للمرابط عبد اللّه الملقب (ص 156) إخلّال، النصاری یأخذون تلمسان فقال له کیف و أبو مدین فیها فقال یطوّق علی بطنه و نحو هذا الکلام فکان کما قال أخذوها الکفار و أسروا حرمها و أفسدوها و خربوها وقت قدوم أبی عبد اللّه بهم من وهران سنة خمسین و تسعمائة ه. و قد حرک لها أبو عبد اللّه بالنصاری علی أحمد أبی زیان مرارا. ففی الأولی أتاها سنة سبع و أربعین من العاشر و لم یحصل علی طایل، و فی الثانیة أتاها سنة ثمان و أربعین من العاشر و لما سمع به أخوه أحمد جهز لقتاله جیشا لنظر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 218
المزوار بن غانم کبیر بنی راشد فنزل أبو عبد اللّه بمحلته بمشرع الزواش ثم بواد سنان ثم بحمام سیدی العبدلی فلقیه المزوار بجیشه و حصر محلتهم فی خربة هناک و دارت بهم العرب فانهزم النصاری بعد ما مات منهم خلق کثیر و رجعوا لوهران. ثم سألهم فی الثالثة الحرکة فأبوا فذهب لمالکهم کارلوس بإسبانیا و سأله الإعانة فأمرهم بالخروج معه فخرج بالجیوش النصرانیة فی سنة خمسین من العاشر و ذهب لتلمسان فدخلها کما مرّ و تزوّج ببنات أکابرها و خرج أحمد منها ثم رجع له حارکا، و لما خرج أبو عبد اللّه لقتاله و رام الرجوع منعه أهل البلد من الدخول و قالوا له یا خذیم الروم اذهب عندهم فدخلها أحمد و فرّ هو إلی أن قتله العرب غدرا و بقی أحمد فی الملک إلی أن مات فتولی أخوه حسن و کان بینه و بین صالح باشة بالجزائر محبة عظیمة ثم بعد أربعة أعوام فسد ما بینهما و سأل الإعانة من النصاری و هرب لوهران فمات بها فی دار الملک بالوباء و تنصّر ولده بعده و الأمر للّه وحده.
و تکرر غزو النصاری لتلمسان بسبب اختلاف کلمة أمرائها حتی صار کل منهم یستعین علی الآخر بالنصاری. فمن ذلک أن المزوار منصور بن غانم الحشمی. کبیر بنی راشد سأل من النصاری فی سنة ثلاث و خمسین من العاشر الإعانة و غزی بهم تلمسان بعد أن أعطاهم ولده علیا رهنا و شرط معهم شروطا فخرجت محلتهم بجیش و هران و کرشتلة و نزلوا بغبال فأتتهم العرب بالخیول المسوّمة و الهدایا المقوّمة و رأی رجل أعرابی منهم اسمه برقون جیش الترک ذاهبا لتلمسان فطلب منهم الإغارة علیهم فأبوا فذهب وحده ثم اتبعوه و نشأ القتال (ص 157) فکانت الدائرة/ علی الأتراک و لم ینج إلّا القلیل و ذهب محلة النصاری بمن معها علی رابطة الزواش و خیمت به ستة عشر یوما و زادت لواد سنان و لما عبرته جاءها الخبر بأن الترک خرجوا من الجزائر فی الجیش العظیم لطلب الثأر فرجع النصاری و أخذوا علی عرب دملیون و هم أولاد عبد اللّه سمّوا بذلک لأنهم کانوا یطلبون منهم العدد الکثیر فیقول أحدهم للنصاری دملیون بمعنی أیها الروم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 219
أعطونا عشرة ملایین (کذا) أی عددا کثیرا فیه عشرة ألف ألف ثم لإغبال و وادی تلیلات و به جاء الرسول للمزوال منصور بن عالم من عند کبیر ترک تلمسان یسئله (کذا) أن یدع جیش الترک یذهب من تلمسان للجزائر و لا یتعرض له أحد و له ما شاء من المال فوافقه علی ذلک و رجع لأهله بجیشه و ذهبت المحلة النصرانیة لمستغانم فمرت بالشیخ الزناقی و وادی هبرة و فرنکة و حلت بمزغران فی ثالث عشرین جمادی الثانیة تلک السنة و خاب رأی کبیرها و فسد أمره و رجع لوهران ثم غزوا الرابطة و الکرط علی ید کبیر الجیوش العربیة و هو رابح بن صولة أحد أولاد علی بطن من بنی عامر و أولاده یقال لهم الصوالة و هم الآن دوّار فخرجوا من وهران و مرّوا بالکرمة و بتنازات فنزلوا بأبیارها ثم صعد بهم مع وادی التفراوی إلی جبل غدالة ببلد ماخوخ و مشی علی القطّارة إلی أن وصلوا لأزبوجة الکبیرة المطلة علی واد للحمام المنفردة وحدها فاستراحوا بها ثم صعد بهم مع شعاب تیفرورة إلی الرابطة بأعلاها فترک بها بعض الجیش و ذهب بالبعض للکرط ففعل بهاتین القریتین ما أراد اللّه فعله. و تکرّر غزوهم علی الکرط إلی أن استاصلوا (کذا) أهله فهرب من بقی به و هم سبب خرابه إلی أن عمر بظهور الإسلام للآن و لما کبر رابح بن صولة و عمی تقعّد عن الغزو فأغار الحشم علی أولاد علی فألفوه بالمراح فقتلوه. ثم غزوا فروحة بغریس أرض الشیخ سیدی محمد ابن یحیی مقری الجن فلقوا خیولا من أولاد عباد أحد بطون الحشم هنالک فاقتتلوا معهم إلی أن استشهد من أعیانهم العروسی أحد الأجواد بغریس قبلة کدیة عظیمة فأخذوا رأسه و فرسه و انقلبوا لوهران. و غزوا غریسا أیضا و تخطوا فیه إلی أسفل/ نسمط أرض لواتة بأراضی بنی راشد. ثم فی وسط الستین من (ص 158) العاشرة غزوا زاویة الشیخ أبی مهدی سیدی عیسی بن موسی التجینی ثم الزنداوی و هو نازل شرقی واد التاغیة فأتته قنبرة و هی القوبع و جلست أمامه و صارت تذری التراب علی رأسها و تصوّت شدیدا و کان الشیخ عارفا بزجر الطیر فأمر زاویته و أهله بالرحیل فورا فارتحلوا و عبروا النهر و دخلوا فی غیظة کبیرة یقال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 220
لها دار الهناء فلم یکن إلا یسیر و إذا بجند النصاری واقف فی حافة الواد الشرقیة و معهم بنی عامر و لما لم یروا أحدا رجعوا من غیر عبور للنّهر ثم أولاد سیدی العبدلی المرة بعد الأخری و لم ینتج لهم شی‌ء من ذلک. قال الحافظ أبو زید عبد الرحمان الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی و حدثنی المرابط أبو الحسن علی بن حسّون العبدلی إنهم کانوا لا یهنأ لهم نوم إلّا إذا جعلوا حارسا و مهمی (کذا) ینم أحدهم نجده یهذوا (کذا) بإغارة النصاری و یصرخ فی نومه من شدة خوفهم.

غارات الإسبان علی مدینة الجزائر

و قد غزوا الجزائر مرات. ففی الأولی غزوها قبل دخول الترک لها و تملکهم بها فملکوا برج مرساها الذی بوسط البحر فی الجزیرة حیث برج الفنار الآن و صار لهم جبایة حجیجة، و ضرائب علی أهل متیجة، و بقوا علی تلک الحالة إلی أن دخلها الأتراک فنشأ معهم السید حسن خیر الدین بن المدلیة أول باشة بالجزائر الحرب و أدامه معهم إلی أن فتح البرج عنوة سنة ست و أربعین من العاشر و جعل فی البحر طریقا تصل للبرج. و فی الثانیة غزوها سنة ثمان و أربعین من العاشرة .

حملة شارکان الکبری علی الجزائر عام 1541 م‌

و سبب قدوم البلادور لها أنه کان عمّر مرکبا من مراکبه و أوسقه بالمال و السعة و بعثه لوهران فأخذه رایس من رؤساء الجزائر یقال له کجک علی و دخل به للجزائر بعد ما وقع الحرب بینهما فوجد فیه رایسا (کذا) عظیما مع جملة الرؤساء و دخل فی شهرة عظیمة ثم أن کجک أحضر هذا الرایس إلی حسن آغة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 221
خلیفة خیر الدین باشا و قبّل یده و کشف عن رأسه و بقی داهشا من الهیبة فسأله حسن آغة عن أخبار بلاد النصاری فقال له الرایس أن سفینة ترکتها ترید القدوم إلی بجایة لکونها کانت عامرة/ بالسبنیول فعند ذلک أمر حسن آغة أن تجهز له (ص 159) أغربة فتجهزوا فی أسرع وقت و ساروا إلی طلبها بنواحی بجایة و کمنوا بموضع یقال له العش و المنقار و کان من جملة رؤساء الجزائر کجک علی المتقدم الذکر فطلعت لهم تلک السفینة ذاهبة لبجایة فقربوا منها و شرعوا فی قتالها و کانت مستعدة للقتال فی غایة الاستعداد فلم تزل مع أجفان المسلمین فی أخذ ورد إلی أن وقعت فیها النار فالتهبت فی أطراف السفینة و عجز الکفار عن إطفائها فألقوا أنفسهم فی الماء فالتقطهم المسلمون من البحر و أطفوا النار و رجع الرؤساء للجزائر و هم فارحون (کذا) بالسفینة و دخل الجزائر فی شهرة کبیرة و فرح به حسن آغة غایة الفرح و أمر بإنزال ما فیها من الغنیمة فأنزلوا الکفار و أحضروا بین یدیه و معهم رئیسهم و کانوا فی حال طلوعهم إلی دار الإمارة تصفق لهم النساء و الصبیان و أهل البلد لیتفرجوا فلما وصلوا بهم إلی حسن آغة أمر بهم إلی السجن المعد لذلک فلما سمع بهم صاحب إسبانیا تأسّف علیهم و کان أهل طاعته قد ضجوا إلیه بالشکایة مما یفعله بهم أهل الجزائر خصوصا أهل السواحل منهم بأن قالوا للطاغیة إما أن تکفینا أمر الجزائر و إلا نعطوا (کذا) الطاعة لصاحبها فشرع فی الحرکة للجزائر و أطلق النداء فی سائر أقطاره بذلک فانحاشت إلیه جیوشه أفواجا أفواجا و زخرت إلیه جیوشه و عساکره أمواجا أمواجا، فوصل خبر عمارته إلی حسن آغة خلیفة خیر الدین فصدّق بذلک و لم یکذّب ثم أخذ فی حرکة عرس ولده و عمل مفرجات عظیمات یقال إنه خرج من یده مال عظیم بسبب هذا العرس فی کل ناحیة یقال إن من جملة ما جعل فیه من المفرجات نصب صاریا فی باب الوادی و طلاه بالشحم بحیث صار لا یقدر أحد یصعد إلیه و جعل فی جاموره شقة نفیسة من الملف و معها صارة من الذهب و أباحما لمن صعد إلیهما فجاء فتی من الأتراک صغیر السن و بدأ فی الطلوع معه و لم یزل یتلاصق الصاری شیئا فشیئا حتی وصل إلیهما و نزل بهما فتعجب الناس مما شهدوا منه فلما تم هذا العرس و صار مثلا سائرا و نزاهة من نزاهة الدنیا أدار وجهه إلی تحصین المدینة/ و الاستعداد لمقابلة العدوّ فبنا (کذا) أسوار المدینة و أصلح ما (ص 160)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 222
انهدم منها و نصب علیها المدافع و علی سائر الأبراج و عین أربعمائة أسیر من الکفار لهذا البناء ثم أنه بعث إلی شیخ المدینة و أمره أن یرفع إلیه حساب الرجال فی کل حکومة من الجزائر ففعل ذلک شیخ المدینة و مع ذلک فأخبار العمارة تتوارد علیه فی کل وقت و کذا علی أهل الجزائر فأمر حسن آغا بقطع أشجار البساتین کلها خوفا من النصاری أن یستتروا بها حال القتال و أول ما بدأ بقطع بستانه فلم یترک فیه شجرة واحدة فبینما هو فی بعض الأیام جالس فی دار الإمارة إذ دخل علیه حارس البحر الذی یقال له صاحب الناظور و أخبره بأن عمارة النصاری قد أتت و هی عمارة کبیرة أخذت وجه الماء کله و سترته و شرعت فی عددها فلم أقدر و تشوّش نظری من ذلک لکثرتها فعند هذا عیّن حسن آغا حملة من الخیل فصعدوا إلی جبل أبی زریعة لیأتوه بتحقیق العمارة فرجعوا إلیه و کل واحد یقول لم أقدر علی إحصاء ما رأیت لأن العدد کثیر لا یصل إلیه الإدراک فعند ذلک أمر حسن آغا سیدی سعید الشریف و کان هو شیخ المدینة، أن یوجّه رجالا من أهل البلد إلی الأبراج و الأسوار برسم حراستها فی مقاتلة العدو منها فنهض شیخ المدینة المذکور و عیّن الرجال للأبراج و الأسوار و نصبوا رایات الإسلام علیها و وزّع حسن آغا رجاله علی أبواب المدینة بطوائف من العسکر فعیّن لباب عزون رجلا من أعیان العسکر یقال له الحاج مامی و کان مشهورا بالشجاعة فقام بما عین له، و أما حسن آغا فإنه أقام بحصن من حصون الجزائر تصل مدافعه إلی العدو برا و بحرا و معه جماعة من العسکر و طبوله تصعد أصواتها إلی الجو و ألویته المنصورة تخفّق علی رأسه و جعل علی باب الوادی أی حصنها مدفعا عظیما یدهش الإنسان عند صیحته و تزهق النفس من دفعته، و جعل من هذا الحصن إلی القصبة قائدا اسمه حسنا و معه طائفة من العسکر و عیّن لحراسة باب الوادی رجلا یقال له القائد یوسف و معه جماعة من العسکر و عیّن معه ثلاثة من (ص 161) القیاد أحدهم یقال له سافر و جعله فی برج من الأبراج/ و ثانیهم یقال له أصلان عیّنه لقاع السور و ثالثهم یقال له رضمان فإنه أقامه قریبا منه فی بعض النواحی ثم أقام کجک علی و حیدر و معهما قبطان السفن أخضر و جملة من رؤساء البحر بباب الجزیرة و جعل أهل الجزائر من العسکر و الأندلس و البلدیة دائرین بأسوار المدینة متسلحین بالمکاحل و السیوف و الرماح و النشاب کما جعل العرب رکابا و مشاتا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 223
بخارج البلد فی غایة من الحزم و الضبط فبینما الناس فی غایة الاستعداد للقتال سائلین من المولی جل جلاله أن یعینهم علی النزال، إذ بعمارة النصاری ظهرت لهم فی یوم الأربعاء آخر جمادی الثانیة بأن بقت له ثلاثة أیام سنة ثمان و أربعین و تسعمائة ، و رست وقت العصر من یوم الخمیس فی جون تمانتفوس ، الموالی للجزائر و لما رسّوا سقط لهم بعض الرایات فی البحر فتفاول (کذا) المسلمون لما رأوا ذلک و علموا أنهم منصورون (کذا) علیهم بإذن اللّه تعالی، و کان نزولهم للبر فی یوم الأحد قبل الزوال بشی‌ء قلیل و لما نزل سلطان إسبانیا دارت به عساکره. فیقال إن عدتهم تسعین ألفا و کان المسلمون أرادوا أن یمنعوهم من النزول إلی البر فرمت علیهم السفن بالمدافع من البحر فأوسعوا لهم فی المجال حتی تمکنوا من النزول و بات العدو لیلة الاثنین قرب البلد بموضع یقال له الحامة و کان زعیم من زعماء الترک یقال له الحاج باشا عزم أن یضرب العدوّ لیلا ففتحت له أبواب المدینة و أخذ الرایة فی یده و خرج فی جماعة وافرة من المسلمین و کان خروجه لما بقی الربع الآخر من اللیل (کذا) فلم یشعر العدو لشدّة الشتاء لکونهم وصلوا فی شهر اکتوبر فی أیام قاسم کون إلّا و المسلمون قد خالطوهم و رموا علیهم بالمکاحل دفعة واحدة و رشقوهم بالسهام بالسهام فحصلت بهم ضجة عظیمة فانتبه مالکهم مرعوبا من نومه و صاح برجاله و خواص و زرائه و قال هؤلاء الذین أخبرتمونی عنهم أنهم لا یقومون بحربنا انظروا ما عملوا فینا هذه اللیلة. ثم أن المسلمین رجعوا سالمین إلی البلد بعد ما قتلوا منهم خلقا کثیرا فلما کان یوم الإثنین تحرکت النصاری إلی المدینة و معهم الطاغیة حتی قرّبوا الأسوار و هم یزعقون فی انفرتهم و ألویتهم منصوبة علیهم فخیل لأهل الجزائر/ أنهم نمل أسود قد ملأ الفضاء و کان فیهم من الفرسان أربعة آلاف (ص 162) فارس فشرع فی قتالهم من الأسوار، بالمدافع و بنادق الرصاص و السهام و تقدم فی ذلک الیوم إلی القتال رجال من الأتراک فظهرت شجاعتهم العظیمة منهم الحاج باشا و الحاج مامی و الحاج بکیر و أخضر و غیرهم فقاتلوا قتالا شدیدا إلی اللیل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 224
(کذا) ثم رجع النصاری إلی رأس تفورة و نزلوا بأمحالهم و أخذت تلک الوعور کلها و شرعوا فی قتال المدینة و صبت علیهم مدافع المسلمین من کل جهة و خاب رجاؤهم من المدینة فصعدوا بألویة منشورة إلی الکدیة المعروفة بکدیة الصابون و صاروا یقاتلون المدینة منها فصار أهل الجزائر یرمون علیهم بالمدافع من کل ناحیة بأصوات الصواعق و ربما وصلوا الرمی علی أجفانهم التی فی البحر و لما کان یوم الثلاثاء أرسل اللّه تبارک و تعالی فی آخر اللیل (کذا) ریحا عاصفا فقطعت حبال أجفانهم و نشروا صواریهم خوفا من الهلاک و تزاید هذا الریح فتشوّش جنرالهم أندریة من ذلک و کذلک من معه فی الأجفان و ساقت هذه الریح التی أرسلها اللّه علیهم جملة من أجفانهم إلی البرّ فعطبت علی المطاحن و خرج منهم أساری المسلمین و مالت عرب الجزائر علی أهل تلک الأجفان و استاصلوهم قتلا إلی آخرهم و حین رأی الطاغیة ما حصل بأجفانه من الغرق و العطب انکسرت شوکته و ضعفت قوته و أخمدت ناره، و برد شراره و ظهرت علیه مخایل الذل فخرج أهل المدینة صبیحة یوم الثلاثاء لقتالهم باجتهاد و قوة و عزم شدید و علموا أن اللّه تعالی نصرهم علی الأعداء فخالطوهم و قاتلوهم فی تلک الأوعار فأتی وجوه العساکر إلی الطاغیة و قالوا له أیها الملک قم بنفسک إلی الحرب فإن المحلة أشرفت علی الأخذ فعند ذلک خرج الطاغیة و التفّت علیه عساکره و أخذوا فی القتال فتقهقر المسلمون عنهم نازلین رأس تفورة و جدّ الکفار فی قتالهم و تکالبوا علیهم فتقهقروا أیضا إلی ملعب الکورة (کذا) ثم إلی قنطرة الأفران فلما رأی النصاری ذلک منهم تراکمت جیوشهم علیهم کالبحر الزاخر و صاحوا علیهم من کل ناحیة و طالبوهم من کل دانیة فتقهقر المسلمون إلی ناحیة سیدی أبی التقی ثم صرخ المسلمون فی وجوه الکفار صرخة واحدة و حملوا علیهم و ضربوهم (ص 163) حتی بالحجارة و النشاب و کان ذلک الیوم یسیل فیه المطر کأفواه القرب،/ فتراجع المسلمون لحمایة بعضهم بعضا و حملوا علی الکفار من کل ناحیة فردوهم علی أعقابهم إلی المحلة و رجع المسلمون للمدینة و لما کان صباح یوم الأربعاء ظهر للکفار أنهم لا مطمع لهم بالجزائر و أن الغنیمة أن ینجوا بأنفسهم فقربت أجفانه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 225
إلی البر و نزل الجنرال أندریه منها حزین فوصل إلی الطاغیة فی محلته و أعطاه حق المبایعة و قال له أیها الملک ألم أحذّرک عن السفر إلی الجزائر فانظر عاقبة الأمر الذی حذرتک عنه الآن قم اطلب النجاة لنفسک فإن جلّ أجفاننا عطب علی السواحل فکیف یکون رجوع هذا المعسکر إلی بلادنا فها أنا أیها الملک أذهب إلی تمانتفوس و انتظرک فیها فبادر أنت و من معک من العسکر بالرحیل لترکب فی الأجفان الباقیة و تخلص إلی بلادک فعند ذلک رحل الطاغیة عن الجزائر و نزل علی واد الحراش و کان قد أجهدهم الجوع فأکلوا أربعمائة من الخیل و باتوا تلک اللیلة و المطر یتراکم علیهم و الأعراب و القبائل یضربوهم بالمکاحل و الأحجار و غیرها و یلتقطون فی السّعی. و لما کان یوم الخمیس نظر الطاغیة إلی الوادی فرآه فهالته رؤیته فاستشار رجاله کیف یتحیلون علی القطع إلی الناحیة فعقدوا صواری سفنهم المنعطبة علی الساحل و قطعوا علیهم فلما قطعوا إلی الناحیة الأخری هجمت علیهم فرسان العرب أیضا و صاحوا علیهم و حملوا نحوهم بعنان واحد و قتلوا منهم خلقا کثیرا و لم یزل الطاغیة ذاهبا و فراسان العرب تطاعنوهم (کذا) إلی أن وصلوا إلی تمانتفوس و أقام بها أیاما و الحرب لا ینقطع علیه من المسلمین إلی أن خمد هیجان البحر فرکب فیما بقی من الأجفان و سافر إلی بلاده و هو لا یصدق النجاة بنفسه و خلّف کثیرا من الأغربة و الأجفان الرقاق و کثیرا من الأجفان العظام و العشریات و الفرقطات و مدافع عظام و خلّف کثیرا من الرجال و النساء و الصبیان التی أتی بها لأنه لم یذهب واحد منهم و عددهم ألفان و ثلاثمائة و أما خیله لم یذهب منها واحد سوی الذی مات منها فی الحرب أو أکلوه و حاصل ما خلفه لأهل الجزائر مال لا یحصی.
و فی الثالثة غزوها سنة سبع و ستین من العاشر و لم تحصل لهم فائدة و رجعوا خائبین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 226

حملة الإسبان علی تونس‌

(ص 164)/ ثم غزوا تونس سنة سبع و ستین من العاشر فأخذوها عنوة من ید سلطانها أبی العباس أحمد بن حسن الحفصی و نبشوا ضریح سیدی محرز بن خلف البکری الصدیقی فألفوه مملوءا رملا و بقیت بأیدیهم إلی أن استخلصها منهم سلیمان باشا الترکی سنة إحدی و ثمانین من العاشر . و استولوا بطاعة المغرب الأقصا (کذا) علی حجر بادیس بالریف سنة أربع و ستین من العاشر و هی بأیدیهم للآن أعطاها لهم سلطان المغرب عبد اللّه الغالب السعدی لما تملّک المغرب تلک السنة و رأی مراکب الأتراک تتکرر بمرساها تخوّف منهم علی ملکه و اتفق مع الطاغیة علی قطع المدد و لما حلّوا بها نبشوا قبور أمواتها و أحرقوا عظامها بالنار و أهانوا من بها من المسلمین شدیدا. و فی ولایته سنة سبعین من العاشر غزی الباشا حسین بن خیر الدین و هران فهو أول من غزاها من الأتراک و ألحّ علیها حتی هدم حصن النصاری الأعلا (کذا) من برج المرسی و هربوا للأسفل فدخله المسلمون لیلة السبت خامس عشر رمضان تلک السنة ثم أقلع عنها. و نظم أبو زید عبد الرحمن بن محمد بن موسی التلمسانی فی ذلک قصائد انظرها فی البستان. و أهدی الشیخ أبو مهدی عیسی بن موسی العارف بزجر الطیر التجینی للباشا حسین حینئذ ثوبا جیدا. و إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
و قیّض اللّه الأتراک بمزغنةلحرب و هران دار الشرک و الألس
غزاها الباشا بن خیر الدین أولهم‌و برج مرساها قد رماه بالنّقس
و حسین هذا کما فی الحافظ أبی راس فی الخبر المعرب هو الذی غزی المغرب و بعث له ولی اللّه الشیخ أبو زید عبد الرحمن بن عبد اللّه الیعقوبی من أولاد یعقوب بن طلحة النقادی الذی تنسب له الزاویة التی بإزاء ندرومة ابنه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 227
عبد اللّه لیرجع عن الغزو و هو بملویة فأبی و تمادی علی غزوه فرجع خائبا، و هذا الیعقوبی هو الذی کلم الشیخ أبا مدین فی قبره علی عز التّرک فقال له أبو مدین ما کان باش نبدلهم إذا أرادت أن تکون فی موضعهم فذلک فقال لا. قال أبو العبّاس أحمد نزیل العبّاد و لما سمعت الکلام من الطاق الفوقی الذی عن یمین الداخل دنوت فجذبنی/ من خلفی شی‌ء فالتفت فلم أر شیئا ثم أردت الدنوّ (ص 165) ثانیا و ثالثا فمنعت من ذلک. انظر البستان. ثم فیلیب الثانی تولّی سنة ثلاثا و سبعین و تسعمائة و بقی فی الملک اثنین و أربعین سنة و وهران تحت حکمه. ثم فیلیب الثالث تولی سنة خمسة عشر و ألف و بقی فی الملک ثلاثا و ثلاثین سنة و دخلت مدینة العرایش بالمغرب الأقصا فی حکمه سنة تسعة عشر و ألف بإعطاء سلطان المغرب محمد الشیخ السعدی إیّاهم فبقیت تحت حکمهم إلی أن نزعها منهم مولای إسماعیل بن علی العلاوی سلطان المغرب سنة واحد و مائة و ألف بعد محاصرته لها ثلاثة أشهر بالحرب المتصل و لم یفتحها حتی جعل لها لغما هدّ به سورها و اقتحمها حینئذ و قتل منهم ألفین و أسّر نحو الإثنا عشر مائة و ذلک مبلغ عمارتها فلم یفلت منهم أحد و ألفی بها خزائن البارود و نحو المائة و ثمانین نفضا منها اثنان و عشرون نحاسا واحد یسمی الغصّاب فی طوله خمسة و ثلاثون قدما وزنة کورته خمسة و ثلاثون رطلا یحلّق علیه بقرب خزنته أربعة رجال و قد بقیت بأیدیهم اثنین و ثمانین سنة. ثم فیلیب الرابع تولی سنة ثمان و ثلاثین و ألف و بقی فی الملک أربعا و أربعین سنة. و فی ولایته غزی إبراهیم باشا الجزائر و هران فی وسط القرن الحادی عشر و نصب علیها المدافع و البونبة (کذا) من المائدة و هی سطح جبل هیدور المطل علی و هران فهو أول من فعل ذلک من الأتراک فامتنعت علیه و رجع مؤیسا (کذا) منها إلی مملکته بالجزائر و إلی ذلک أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 228 أتاها باشا إبراهیم وسط حادی‌من القرون من بعد الألف للوطس
قام بالمایدة حینا یزاولهاثم قفا درجه من فتحها ءایس
و یوجد فی بعض النسخ بدل هذا البیت:
قام بهیدور أیاما یزاولهاثم قفا درجة من عسرة الرطس
(ص 166)/ و من حینئذ وقع للإسبانیین الاعتناء بقلعة مرجاجو و دبّروا الحیلة فی إقامته فصعب علیهم الماء فأتاهم شیخ حمیان بقرب الماء لإقامته من عند قبیله. و لما أقلع إبراهیم باشا عن و هران مأیسا منها امتدت ید النصاری أیضا إلی الإسلام و صاروا معهم ما بین نفرة و استقامة و رأی الطاغیة شوکة نفسه بأتباعه قویت کتب للممدود و هو عدة ولد الصحراوی رایس (کذا) الحشم بقوله إن کانت أمک عربیة حرة حقیقة و تزعم أنک لا تخشی سطوتی، و لا تلتفت لشوکتی فانزل بعربک سیرات أو ملاته ذات الوطی تری ما یفعله بک ابن النصرانیة و کان الدّال علیه بذلک و نزار العبدلاوی جد الونازرة لکونه کان جنرالا علی العرب عند الإسبانیین فأنف الممدود من ذلک و ارتحل بجمیع الجشم الشراقة و الغرابة و أهل الوادی و من انخرط فی سلکهم و نزل بوطاء سیرات من سیق إلی الغمری و تفرّغ بسیرات الشرقیة و الغربیة و جعل عیونا و حراسا بینه و بین و هران من زبوج مولای إسماعیل إلی المقطع و استعدّ للحرب استعدادا قویا و وافقه علی ذلک هبرة و البرجیة و بنو شقران و لمّا سمع الطاغیة بنزوله بسیرات جمع جیشه من النصاری و العرب المتنصرة و هم کرشتل و حمیان و غمرة و بنو زیان و الونازرة و قیزة و شافع و أولاد عبد اللّه و أولاد سلیمان و أولاد علی و الحجز و غیرهم من بنی عامر و خرج من و هران لیلا و مشی علی طریق مسرقین إلی أولاد عبد اللّه ثم مشوا به إلی تاسّالة ثم إلی ماخوخ و مشوا به لمکرة و رجعوا به لأولاد سلیمان إلی أن وصل لخشاب النصاری فکمنوا به و سمی من ذلک الوقت بخشاب النصاری و منه طار الخبر للممدود ثم هبطوا بالطاغیة مع الوادی المبطوح و لما وصل لسیق ترکه الممدود إلی أن اشتغل بأخذ الأموال و قد ذهبت الناس بأنفسها (کذا) قصدا لاشتغاله بذلک و قد سدّ علیه طرق المجاز من کل جهة فقصده بجیوشه و صار یقتل و یسبی و استخلص منه جمیع ما أخذه و أثخن فیه بالقتل الذریع اثخانا عظیما فلم ینج منه إلا القلیل و حصلت الهزیمة فیهم و رکب الممدود بجیشه أکتافهم إلی و هران
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 229
فدخلها الطاغیة فی فله فی أرذل حالة و کتب له الممدود و هو بضواحی و هران و أرباضها کتابا یقول له فیه أخبرنی أیها الطاغیة لمن علو الکلمة الآن هل للعرب/ أو للنصاری کلا لئن لم تنته عن فعلک الذمیم و محاربتک للمسلمین و الغارات (ص 167) علیهم لأرجمنک شدیدا.
ثم کارلوص الثانی و هو شارل الثانی تولی سنة اثنین و ثمانین و ألف و بقی فی الملک خمسا و ثلاثین سنة فبقیت و هران تحت حکمه و فی أیامه تولی الغطریف الهمام، و الأسد الهصور الضرغام، معزّ الدین و أهل الإیمان الزناقی السید البای شعبان، أحد الأتراک الأنجاد، و أعیانهم الأمجاد، أیالة مازونة و غیرها من شرقی المغرب الوسط، فی حدود التسعین و ألف بلا شطط.

معرکة کدیة الأخیار و استشهاد الدای شعبان‌

فغزی رحمه اللّه و هران و طالت به معهم الحروب و اتصلت علیهم بدولته أعظم الکروب، و منعهم من الخروج، و ضیّق علیهم إلی أن صاروا فی أحوج المحوج، و لازموا بیوتهم و الحصون، و صاروا لا یفارقون الجواسیس و العیون، إلی الیوم الذی استشهد فیه حصل لهم فرج و تنویة و تنزیه. و من خبره أنه زحف لهم فی نحو أربعة آلاف فیهم نحو الثلاثة آلاف فارس و زحف النصاری مع مردة العرب و شیاطینهم من بنی عامر و قیزة و غمرة و کریشتل و غیرهم فی أزید من ثلاثة آلاف فیهم ألف خیل و الباقی راجلة. و فی غریب الأخبار للحافظ أبی راس أن النصاری زحفوا إلیه فی زهاء أربعة آلاف أکثرهم راحلة و هو فی أکثر من ألف کلهم خیل. قال الحافظ فی عجائب الأسفار فکان المصاف فی کدیة الخیار و صبر الفریقان ثم انقضت جموع النصاری و اختل مصافهم و قد ربط بعضهم نفسه بالأحبال و ربط الآخر نفسه بالأکبال فکانوا غنیمة للمسلمین. و فیئا للموحدین، فقتل فی تلک الهزیمة أکثر من إحدی عشر مائة و دامت علیهم الهزیمة إلی أن حلّ المسلمون بقبّة برج العین فاقتتلوا به قتالا شدیدا و هزمهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 230
المسلمون ثانیا و هو أمام جیشه المنصور کالأسد الهصور إلی باب و هران فجی‌ء عنده الوطیس و تسابقت للتقدم الفرسان. و فی تلک المعرکة قتل البای شعبان، رحمه برحمته الرحمان، و أمدّه رضوانه، و أسکنه بالفردوس میطانه. و ذلک سنة ثمانی و تسعین و ألف من هجرة من له کل العز و الشرف و الوصف، فلقد کان من أسد الإسلام، الناصر لأهله علی اللئام (کذا) حتی جری للغایة المحمودة (ص 168) فأدرکها و أزعج السواکن للأجر/ و حرکها و کل من عمل فی هذا السبیل مطیته رسمیا و رملا فله الأجر لأن اللّه لا یضیع أجر من أحسن عملا، و لا یخیّب لراجیه أملا. و لما قتل بقیت جثته بأیدیهم علی وجه التّراب فجزّوا رأسه و علّقوه بالباب.
و قد أخذ المسلمون الجثّة و ترکوا الرأس لما لم یقدروا علی الرجوع إلیه، فرأی بعض النصاری بالیل (کذا) النور یسطع علیه فأخبر بطریقهم و حینئذ بعثوه للمسلمین فجعلوه مع جسده فی الحین، و دفنوه خارج و هران، و قبره للآن یعرف بقبر سیدی شعبان. و کان علی ضریحه قبّة عالیة، و لما سکن بجواره بعض النصاری الآن و ملک تلک الأرض هدمها لما صارت بالیة. و قال الحافظ أبو زید عبد الرحمن الجامعی علی الحلفاوی فی قوله النایر، أنه حمل و دفن بالجزائر و اللّه أعلم بالمراد، و إلیه الرجعا (کذا) و المعاد. و یقال أن الذی قتله هو أحد المغطسین أبو نصابیة من النصاصیب الذین منهم کل ظالم و فاجر أحد بطون أولاد عبد اللّه من بطون بنی عامر. و قیل غیر ذلک و اللّه أعلم بحقیقة ذلک. و قال الجامعی أیضا و حدثنی بعض من حضر أنه تکسّر فی یده یوم الاستشهاد سیفان و أنه لبس أفخر ثیابه و تحلی بأشرف حلیته و رکب أجود مراکبه ملأ جیوبه دنانیر الذهب افتخارا علی العدوّ أن بقی بأیدیهم فوجدوه علی تلک الحالة ه. و موته سبب لغزو إسماعیل سلطان المغرب لوهران إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
ءاخره شعبان الزناقی حاصرهافامتنعت و شمشت أیما شمس
أوطی الفلیق الجرار لأراضیهم‌به هامت دمعهم من زکا و خس
دارت حروب عظام بینهم قد أتی‌ءاخر أمرها باستشهاده النفس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 231
و لما مات البای شعبان فرح النصاری و اشتدت شوکتهم علی الإسلام.
و رجعوا یغزونهم فی البیوت و الخیام، فغزوا ولیّ اللّه الأکبر، و قطبه الأشهر سیدی بلاحة المهاجی‌ء و أسروه هو و بناته الثلاثة، و خمسین رجلا من زاویته و رجعوا لوهران و بقی بها مع بناته سنة کاملة/ ثم فدی و فدی إحدی بناته أبو عزة بن حمیدة (ص 169) شیخ أولاد سلیمان و فدی الأخری الشحط والد دموش شیخ أولاد علی فزوجها له أبوها لما رامت تزویجه و لم ینتج منها شی‌ء لدعائه علیها و بقیت الثالثة بلا فداء فکثر بکاء أمها و أقلقته فخرج یوما لساحة بیته و توضّی (کذا) و دعا اللّه و إذا بها مقبلة فقال لها اخرجی لابنتک فسئلت فقالت إنی أمشط رأسی و إذا بطائر أبیض نقرنی و صدّ أمامی فتبعته إلی وطنی قاله الحافظ أبو راس فی الخبر المعرب.
و یقال أن سیدی بلاحة قال لمعلم ولده الزین قبل الواقعة بیوم إذا کان فی صبیحة غد خذ الزین و أمه و أصعد بهما رأس الجبل و اجلس هناک للغروب و دعنی و بناتی الثلاثة لیقضی اللّه أمرا کان مفعولا ففعل المعلم ما أمره به الشیخ فنجّاهم اللّه من العدو و عدّ ذلک من کراماته کإتیانه ببینة من الأسر. و ولده سیدی الزین هو الذی تنسّل منه جمیع أولاد سیدی بلاحة حیث کانوا.

حملة السلطان إسماعیل علی وهران‌

و لما سمع الشریف سلطان المغرب مولای إسماعیل بن علی العلاوی بقتل العرب المتنصرة للبای شعبان استغاظ غیظا شدیدا و جمع جیشا عظیما لا یکاد یسمع بمثله من أقاصی سوس إلی بنی یزناسن و جاء حارکا به علی وهران سنة اثنا عشر من الثانی عشر و قیل فی أربعة منه و قیل فی أوله فنزل بجبل هیدور و نظر إلیها و حطّ کلکله علیها. و وجد حولها القبیل المدیم لقتالها، نجع مخیس أخوة سوید فاستعان بهم أیضا علی نزالها، فقاتلها مدة و أطال ذلک و بان شرره و لم یجد لها محلا یلحقها منه ضرره. لمنعها ببرج مرجاجو، و النصاری بها هاجوا و ماجوا، فعندها صعد علی المائدة و نظرها نظر لیث العریسة، إذا دفع علی الفریسة و عاین أحکامها و منعها. و إتقانها و صنعها، فقال هذه أفعی تحت
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 232
حجر تضرّ و لا تضر، و ارتحل عنها مشرقا یروم المعط، إلی أن وصل لزبوجة الوسط، فقامت علیه الأعراب مع الأتراک إقامة الغضب، و رجع مفلولا إلی أن وصل فی فلّه إلی المغرب و إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
و بعد ألف و مائة فی نقط یبّ‌جهز إسماعیل لها أقاصی سوس
و أهل تامسنا إلی أهل ملویةو وجدة و معقل و بنی زنس
(ص 170)/ فحطّ کلکله علیها معتزماعلی النزال فلم یجد محلّ بوس
قام بهیدور أیاما یحتال لهاقد استعان بما حولها من مخیس
أعیته حیلتها حزما و منعتهاعقاب جوّ قد ارتقی من الحرس
فقال هذه أفعی تحت صخرتهاتضرّ لا الضرّ یأتی لها من أنس
قد حلقت بحرس غیر غافلةبل یسمعون حسیس الآتی کالحسس

قائمة الملوک الوطاسیین و السعدیین و العلویین‌

و اعلم أن العلویین الذین منهم مولای إسماعیل هذا أخذوا المغرب من ید الملوک السعدیة و هم من ید بنی وطاس و هم من ید الجوطی و هو من ید بنی مرین، و قد ذکرت المرینیین تفصیلا إلا ما ذهب عن حفظی منهم. و کون الجوطی خلع آخرهم و تولی بموضعه سنة کاملة. و خلعه بنوا وطاس فبقی المغرب بأیدیهم ثمانین سنة.
و أولهم أبو عبد اللّه محمد الشیخ ثم ابنه محمد الغالب، ثم أخوه المنصور، ثم آخرهم أبو حسّون. و تولی ملک المغرب السعدیة و أولهم الشریف عبد اللّه القائم، ثم ابنه أحمد الأعرج، ثم محمد الشیخ، ثم عبد اللّه الغالب، ثم أخوه المنصور أبو العباس أحمد الذهبی، ثم ابنه زیدان و حصل بینه و بین أخوته کالشیخ و غیره الخصام و رام کل واحد منهم الخلافة حسبما ذلک مبیّن فی نزهة الحادی، و المهرة الوردیة، و قام علیه أبو العباس أحمد بن أبی محلی المساوری. ثم ابنه أحمد بن زیدان، ثم أخوه عبد الملک بن زیدان، ثم أخوه الولید، ثم أخوه محمد الشیخ الأصغر، ثم ابنه أحمد العباس. ثم انتقل ملک المغرب لأهل الزاویة الدلائیة السوسیة و هم السید أبو بکر بن محمد، ثم ابنه السید محمد. و قام علیهم أبو الحسن علی بن محمد السوسی بسوس. و صنوه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 233
أبو حسّون، ثم قام عبد الکریم بن أبی بکر الشیبانی بمراکش. ثم انتقل ملک المغرب للعلویین. و أولهم الشیخ الشریف، ثم ابنه محمد، ثم أخوه رشید، ثم أخوه مولای إسماعیل، ثم ابنه أحمد الذهبی، ثم أخوه عبد المالک، ثم رجع الذهبی، ثم أخوه عبد اللّه، ثم أخوه علی و خلع و رجع عبد اللّه مرة ثانیة، ثم أخوه المستضی‌ء و رجع عبد اللّه ثالثة، ثم/ أخوه زین العابدین و خلع و رجع عبد اللّه رابعة (ص 171) و خامسة، ثم ابنه سیدی محمد بن عبد اللّه صاحب التئالیف (کذا) العدیدة، ثم ابنه الیزید، ثم أخوه مولای سلیمان، ثم مولای عبد الرحمن، ثم ابنه مولای محمد، ثم ابنه مولای الحسن و هو الموجود الآن. و أتیت بهذا لإتمام دول المغرب الأقصا (کذا).

منشآت الإسبان بوهران‌

و لما دام الملک للإسبانیین بوهران بنوا بها البناء المحکم الضخم فبنوا سورها و زادوا فی بناء البرج الأحمر و برج المرسی و بنوا مرجاج و برجی رأس العین و برج المرسی الثانی و برج الحمارات و البرج الجدید و برج الدهان و برج الویز و برج فراند و برج کارلوص. و ذکروا أن البرج الجدید أقامته امرأة نصرانیة بتسعین ألف ریال کبیرة من خالص مالها صدقة علیها لیتقبل اللّه منها عملها و إنما یتقبل اللّه من المتقین. و أما برج الیهودی فبناه یهودی فنسب إلیه و البرج الأحمر و برج المرسی بناهما أبو الحسن المرینی لکن النصاری زادوا فیهما فاتسعت دائرتهما و برج الإصبایحیة بناه الأتراک و القبة التی بالبرج الأحمر بناهما البای محمد الکبیر بن عصمان، فاتح و هران، و ما عدا ذلک مما فیه عظمة البنیان، فإنما بناه ملوک بنی زیان.
ثم غزوا العبید الشراقة حذو المقطع فی جیش ضخم خرجوا به من و هران و مرّوا علی قدیل ثم رزیو ثم الصنهاجی و یقال له الزناقی أیضا إلی أن وصلوا إلی المقطع و انحدروا للشراقة و کان الخبر تقدم لهم فاجتمع معهم الغرابة و هبرة و البرجیة و مجاهر فاختل المصاف علی النصاری و دارت الدائرة علیهم فکان أکثرهم غنیمة للمسلمین و رجع فلّهم لوهران و من ثم أتوا بحمیان من ملاتة لهذه الأرض التی عم بها الآن ترسا بینهم و بین هؤلاء الأعراش فکان حمیان تارة مذعنین و أخری ممتنعین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 235

التحریر الأول لوهران عام 1708 م‌

ثم فیلیب الخامس و ولده ألوی الرابع عشر و هو ببطن أمه و تولی سنة سبعة عشر و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة و عشرین سنة و بقیت و هران کسائر مملکة إسبانیا تحت حکمه و اشتدت شوکة النصاری علی المسلمین إلی أن تولی بوقته شریف النسب، و کثیر اللجین و الذهب، إمام جامع المجادة الأزهر، و بدر مطالع السعادة الأزهر أبو الفتوحات الربانیة القائم فی أیالة/ محروسة الجزائر (ص 172) بتصرفات الدولة العثمانیة، أبو عبد اللّه محمد خوجة بن علی دای الجزائری الدار، النکدلی المنشأ القرشی النجار المعروف ببکداش، المنصور باللّه علی النصاری الأوباش، قدس اللّه روحه و برد ضریحه، باشة بالجزائر، التی هی مأوی لکل قاطن و زائر، یوم الجمعة منسلخ ذی القعدة الحرام، سنة ثمانیة عشر من القرن الثانی عشر بلا انصرام، بعد عزل الباشة الذی قبله الشریف السید حسین خوجة، الصائر للأمور المحوجة، جهّز الجیوش لبای الجهة الغریبة المجتمعة الخالیة الفواتی الموافق لها فی سائر الأحوال المواتی أبی الشلاغم مصطفی بن یوسف المسراتی إعانة له لما هو فیه من الحصار لوهران فی جیشه المخصوص به من الترک و العربان لنظر صهره و ردیفه السالم من جمیع المحن، وزیره أوزن حسن فجاء بالجیوش برا و بحرا، و خیموا علی أرجائها سهلا و وعرا، فی جنة المأوی و رهبة من نار السعیر، و صارت الجنود البحریة تنزل بمرسی رزیو ثم تذهب لوهران، فرارا من المانع بالبحر من المراکب المشحونة بالعدیان (کذا) فحاصروا وهران و ضایقوها من کل وجه متفق و متخالف و اشتد القتال و کثر النزال بها مدة و الحرب مترادف، و شوهد للمسراتی فی حال الحروب أمور عجیبة، و حملات علی الأعداء غریبة، بانت فیهما شجاعته و کفایته و فراسته و عنایته و لا زالت جیوش الإسلام تحاربها و تنال منها الغنائم و المثوبة و الاجراء (کذا) و تراوحها و تصابحها و تعالجها بالقتال الذریع إلی أن فتحوها عنوة و قهرا، و ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 236
صبیحة یوم الجمعة سادس عشرین شوال سنة تسعة عشر من الثانی عشر بعد إقامة النصاری بها مائتی سنة و خمس سنین فی ما اشتهر، و إلی ذلک أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
لما أراد اللّه عود الإیمان بهاأقام بالجزایر مذهب الدّمس
محمدا بکداش أضحی باشتهاقد فاق الأکفاء فی الدّهاء و الرعس
جهز أجفنا بالأتراک مشحنةفی شرقها نزلوا فی برّها الیبس
مدافعا و عرادات أتانا بهاأضحی لذلک حزب الکفر منبئس
(ص 173)/ فی کل حین أوزن حسن یزاولهاوقائف مصطفی ذو البأس و الفرس
ففتحت عنوة فی تسع عاشرةمن بعد سکنی به والدین فی وکس
عاقبة الغدر للبوار قد قررت‌سنّة ربنا قد سنّها فی جرس
أضحت مراتع أمن للأنام و قدکانت لها طیبات الأنس فی دنس
قدمه بعد عشر استقل بهابغایة وجدت کالعدو للفرس
حکم الالآه (کذا) کما قد تری قدّره‌لو شاء ما ملکوها عشر النّفس
و قال الشیخ الحافظ أبو عبد اللّه سیدی محمد التغریری فی رجزه ما نصّه:
الحمد للّه الذی فتحاو هران عن أیدی الرجال الصلحا
و قهر القوم اللیام الفجرةو رفع الإسلام فوق الکفرة
فی مدة السلطان فخر الناس‌أحمد خاقان أبی العباس
من ملک البرین و البحرین‌و مصر و الشام بدون مین
و خادم الحرمین فی طول المدادام انتصاره علی جمع العدا
یا سائلا عمّا بوهران ظهرمن أخذها و فتحها کما انتشر
أخذها الکفار الثبات‌فیما رویناه عن الثقات
سنة أربع و عشرة مضت‌من بعد تسعمائة قد کملت
فمائتان مع خمسة سنین‌عدة مکثها بأیدی المشرکین
ثم بدا العز من الالآه (کذا)و جاءنا الفتح و نصر اللّه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 237 ففتحت سنة تسعة عشرو مائة من بعد ألف تعتبر
فی سادس العشرین من شوال‌صبیحة الجمعة خذ مقال
عن ید من قصد صیّر الجزایرجنة کل قاطن و زایر
محمد بکداش فخر الدولةو حسن صهره عالی الصولة
زاد الإلاه لهما فی النصرو الظفر و افتتاح أرض الکفر
لا زال من عادهما فی الانتقام‌بالقهر و النهب علی طول الدوام
ثم الصلاة عن محمد الأمین‌و ءاله و صحبه و التابعین
/ ما جاهد الإسلام فی الکفاربالقتل و الأسر و أخذ الثار
(ص 174) و قال الحافظ المحقق أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الحلفاوی التلمسانی فی رجزه:
إذا جمع الرأی بأمر حازم‌علی الجهاد لم یعقبه جازم
مجهزا جیشا حمی الدین فسادإذ ظهرت به بقاع من فساد
فنهضوا للّه حزما و أعدمعهم ألة حرب لا تعد
من نحو بارود و کم من مدفع‌و منجنیق ما له من مدفع
مؤمرا صهره أوزن حسناقرما رضی فسار سیرا حسنا
و الحازم العارف بای مصطفی‌و هو من الأقیال قایف مصطفی
ثمّت نادی بالجهاد فی الوری‌مقدّما ما کان عندهم وری
فسارع الناس له إذ طلبه‌لا سیما جماعة من طلبه
فنزلوا الأول من ربیع‌النبوی منسلخ الربیع
فی عسکر بیوته عد مقرو ترکوا الأثقال فیه فی مقر
و قصدوا حصونها بکل شق‌بزمان تاریخه یهدّ شق
فاجتمع الجیش بذلک الثغرجمعا کبنیان رسا أو ثغر
و نصبت من حولها مدافع‌للرّمی کل أسد مدافع
و مرعدات کورها فی الجوکنجم رمی من سماه یهو
تلمع من خلالها البوارق‌و وقعها أمضی من الصّواعق
فأجّجوا نار الحرب سرمداو تابعوها باعتناء طول المدا
فنشروا ما نظموا من عقدهاو نقضوا ما أبرموا من عقدها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 238 فکان باکورة ذاک الفتح‌برج العیون ضامنا للنّجح
عاشر یوم من جماد الأخرایوم الثلاثاء مساء قسرا
ثمّت حصنها الذی تقنعابالسّحب و اغتال الأسود و نعا
قلعة مرجاجو التی لو قلعت‌شوامخ الأطواد ما تقلّعت
و إذ دعاها اللّه للإسلام‌ألقت له القیاد باستسلام
(ص 175)/ فأصبحت ترمی العدا بالکورسابع عشرین من المذکور
و انحدروا البرج بن زهو و قدحلّ به من نار حرب قد و قد
ضنا به و ظنّهم مانعهم‌فکان من حیاتهم مانعهم
سقوا به مرارة و کم حلت‌عیشتهم به دهرا قد خلت
فأصبحوا خامس شعبان به‌کقتلی شعبان نصیح ربّه
من بعده لغم هدّ جل جرفه‌و حصرهم به ینقط حرفه
ثم أتی الجیش لوهران و لم‌یک مقاتل بها إلّا ألم
و بالجدید برجها الحام لهالم تغنّ ءالة بها حاملها
ففتحا یوم العروبة معافتحا أری فی الأندلس مطمعا
بسادس العشرین من شوال‌أکرم بذاک العید فی التوال
و افتتح الأحمر فی الغد و قدرأوا لظی موت شبیه انتقد
و ذی حصون عنهم لم تغن‌وعد ما سور بها لم یغن
و انقلبوا من بعد ذا للمرسی‌فأصبح الجیش علیها مرسی
و اشتدت الحرب علیها و احتموابالبحر و الطود الذی فیه رسوا
فلم یکن لهم من اللّه وزربل مکّن الإسلام منهم و نصر
ففتحت من بعد حرب و عناو رمی مرعدات علج ذی اعتنا
و لغم ببرجها قد شقّه‌و کان ذاک عام هدّوا شقّه
ثالث عاشر من المحرم‌لا جعل اللّه بها من محرم
و انکسرت شوکة من بالکفریلوذ أوله اعتنا بأمر
و مزّقوا تمزیق آلاء سباءو أصبحوا ما بین قتل و سبا
و أخرجوا بالذل للأسارفی عدد کفر صغار سار
و انقرضت دولة ذی الفسّاق‌و الحمد للّه الکریم الباق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 239 و انتصف الإسلام منهم و غدابین قتیل ذی حیاة أبدا
و ذی حیاة لا یزال للعداسهما بکل مرصد مسدّدا
/ للّه من قد صار منهم فی الثری‌و من أباح النفس منهم و الثری
و قد تعرض بعض الأدباء البلغاء لوصف المدینة و أبراجها و فتحها و من فتحها فی قصیدة عروبیة ملحونیة فی غایة الإتقان و من أرادها فلیطالعها فی شرح الجامعی لرجز الحلفاوی.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 240

الدولة الثامنة: الترک‌

اشارة

ثم ملک وهران الدولة الثامنة و هم الترک و یقال لهم الأتراک. و اختلف فی سبب تسمیتهم بذلک علی قولین: فقال بعضهم إنما سمّوا بذلک لأنه نسبة لجدهم ترک بن کومر بن یافث بن نوح علیه السلام. قال و فی قلبی منه شی‌ء، و قال ابن هشام فی التیجان: إن أمة من یاجوج و ماجوج آمنوا باللّه فترکهم ذو القرنین لما بنا (کذا) السدّ بأرمینیة فسموا لذلک بالترک. انظر القسطلانی فی السفر الآخر من شرحه للبخاری. و فی کتاب بدء الخلق عنه أیضا عن قاتدة أن یاجوج و ماجوج اثنان و عشرون قبیلة بنا ذو القرنین السد علی إحدی و عشرین و ترک واحدة منهم (کذا) فسمّوا بذلک الترک. و اعلم أنه لا خلاف فی أنهم من ذیة ترک و إلیه ینتهی نسبهم و إنما الخلاف فی کون ترک ولد لیافث من صلبه أو حفیده.
فقال صاحب الخمیس: لترک من ولد ترک بن یافث لصلبه من نوح علیه السلام فهم إخوة الخزر و الصقالبة و التاریس و المنسک و کار و الصین. و قال أبو الفوز السویدی فی سبائک الذهب، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار: الترک من ولد ترک بن کومر بن یافث بن نوح علیه السلام فهم إخوة الفرنج. و قال ابن سعید المغربی فی تاریخه: هو ترک بن عابر بن شئویل (کذا) بن یافث بن نوح علیه السلام، فإخوتهم فی یافث: یاجوج و ماجوج، و الفرنج، و الخزر، و الصقالبة، و التاریس، و الصین، و الکار، و المنسک، و غیرهم. و إلی ذلک أشار صاحب تحفة الطلاب بقوله:
أولاد نوح علیه السلام‌سام و یافث کذاک حام
عرب فارس و روم و یهودلا غیرهم مّن نسل سام المقصود
(ص 177)/ سودان هند نوبة زنج حبش‌قبط و بربر من حام انتقش
صقالبة ترک و أوس خزرج‌یاجوج من یافث زد و ماجوج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 241

نسل الأتراک و سلاطینهم‌

قال و فی القلب من کون الأوس و الخزرج من ولد یافث شی‌ء، و یقال للترک لیوث بنی آدم فی الحروب، و ملکهم یلقب بالخاقان من أول دولتهم إلی الآن. و هم أمة قدیمة عظیمة تضاهی أمة فارس و الروم و غیرهما. و ملکهم قدیم من عهد الملوک الکینیة و لهم بطون کثیرة. فمنهم الترکمان أی ترک الإیمان أسلم منهم فی شهر مائة ألف، و الخزر أسلموا علی ید حذیفة بن الیمانی صاحب سر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، و الزط بضم الزای، و التتار، و الغور، و هم الغزو و الفنجاق و هم الفخشاخ، و القرج علی قول و الجرکس، و العبلات و یضاف إلیهم اللات و الشرکس و الأزکش و الروس و البلغار و البرجان و الهیاطلة و هم الصغد و الصقالبة و الأکراد و رهیل و العثامنة ملوک سلامبول و هو اسطنبول. و ذکر السخاوی فی الضوء اللامع: أنهم من آل عثمان ابن عفان و استغربه الحافظ أبو راس و السیوطی، الصحیح أنهم من ولد عثمان الغازی من الترک و الصول إلی غیر ذلک.
و مسکنهم فی أقصا (کذا) المعمور و ماوراء النهر إلی الصین و السد الذی بناه ذو القرنین فهم ممتدون من بلخ إلی الصین و متوغلون فی المشرق و شمال القسطنطینیة و بحر نیطش حتی أن منهم أهل جرجان و خزرجان و دستان و قالی قالا و بردعة و غیرهم و من تخومهم بخاری و سمرقند. قال القسطلانی علی البخاری:
و هم أجناس مدن و حصون و قری و أهل جبال و براری. و لما فشا فیهم الإسلام صار إمامهم فی الاعتقاد أبو منصور الماتریدی کالأشعری عندنا و کلهم علی هدی من ربهم. و لم یکن اختلاف بین الأشعریة و الماتریدیة إلّا فی ثلاثة عشر مسئلة (کذا) لا تؤدی للتبدیع فضلا عن التکفیر، منها مسئلة (کذا) و لا یرضی لعباده الکفر هل لعموم الناس أو للخصوص، و مسئلة (کذا) التکوین التی أخلّ بها الشیخ السنوسی فی کتبه الخمسة غایة الإخلال و ما ینبغی له ذلک. و سبب انتشارهم فی الأرض/ أنّ جدّ سلاطینهم المنتمین له و هو عثمان خاقان بین (ص 178) أرطغول بن سلیمان شاه بن قبا ألب بن قزل بوعا بن یندر خان بن أبقوة تلوغ ابن باینسنقر خان بن باقی، أو ابن سوغا و جاق بن توقمتمون خان بن باسوف ابن کوکب ألب خان بن أرغون خان بن قراخان بن أیقوتلو خان بن توراق خان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 242
ابن قراخان بن بای سرب خان بن یلواج خان بن بای بک خان بن طغرل خان ابن أی طوغش خان بن کوج بک خان بن أرتوق خان بن قماری خان بن یکتمور خان بن طورج خان بن قمری خان بن قزل بوغا بن یماق خان بن باش بوغا خان ابن قای خان بن حمور میر خان بن یلی سرب خان بن قراجاد خان بن بالجق خان ابن قرماش خان بن قرة أو غلان خان بن سلیمان شاه خان بن قرة خول خان ابن قوزلوغان خان بن یلی تمورخان بن تورمش خان بن قوی خان بن جین ابن ماجین بن بولجاس بن ترک بن کومر بن یافث بن نوح علیه السلام بن لامک ابن متوشلخ بن أخنوح بن یرد بن مهلایل بن قینان بن أنوش بن شیث بن آدم علیه السلام. قاله فی السبایک کان جده ملکا ببلد ماهان قرب بلخ و لما غزاهم جنکز خان التتاری و خرب بلخ و أخرج منها سلطانها علای الدین خوارزم شاه خرج سلیمان شاه من ماهان بخمسین ألف بیت من الترک إلی أرض الروم و مرّ بحلب و عبر الفرات فغرق بفرسه فیه و أخرج و دفن أمام قلعة سیدنا جعفر بن أبی طالب رضی اللّه عنه و تفرق من معه و کانت أولاده (کذا) أربعة عاد منهما (کذا) اثنان للعجم و هما سنقرود و یقدار و توجه اثنان لبلاد الروم و هما أرطغول و کون دوغذک و قدما علی علای الدین السلجوقی سلطان قرمان و قونیة فأکرمهما و أذن لهما فی الإقامة فاجتمع علیهما طائفة من الغزاة و أذن لهما علای الدین المذکور فی الجهاد سنة ست و سبعین من السابع فاستقرّا ما بین قرة (کذا) حصار و بلجیک و صار (ص 179) الجهاد شأنهما إلی أن مات أرطغول سنة ثمانین/ و قیل تسع و ثمانین من السابع و خلّف أولادا أمجادا أنجادا أشدهم و أقواهم السلطان عثمان فلازم الجهاد کأبیه فلقب بالغازی إلی أن تولی علی بلاد الروم و انضاف علیه جند السلجوقی لما ضعف و دخل فی طاعته إلی أن تولی موضعه و بقی علی الجهاد إلی أن توفی سنة خمس أو ست و عشرین من الثامن فهذا سبب انتشارهم. و لما توفی السلطان عثمان الغازی الذی هو أول العثامنة تولی ابنه أورخان یوم موت أبیه و بقی فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 243
الملک خمسا و ثلاثین سنة و هو الذی فتح بروسیا و جعلها مقر سلطنته و فتح قلاعا و بلادا کثیرة حتی فاق والده فی الجهاد و عاش ثلاثا و ثمانین سنة. ثم ابنه مراد بک خان تولی یوم موت أبیه و هو سنة إحدی و ستین و سبعمائة و بقی فی الملک إحدی و ثلاثین سنة و افتتح بلادا کثیرة منها أدرنة و عاش خمسا و ستین سنة و هو أول من اتخذ الممالیک و سمّاهم ینکجری و معناه العسکر الجدید و ألبسهم اللباد المثنی إلی خلف و سماه برکا بضم الباء و سکون الراء آخره کاف و کانت له صولة عظیمة علی الکفار. ثم ابنه یلدرم با یزید خان و معنی یلدرم الصاعقة تولی یوم موت أبیه و هو سنة اثنین و تسعین و سبعمائة و بقی فی الملک ستة عشر سنة و قد استولی علی قلاع کثیرة للنصاری و بلادهم و أراضیهم. ثم ابنه محمد خان جلی تولی سنة ستة عشر و ثمانمائة و بقی فی الملک تسعة أعوام و بذل نفسه فی الغزو إلی أن فتح بلادا و قلاعا کثیرة و بنا (کذا) مدارس و عمایر. ثم مراد خان الثانی تولی سنة خمس و عشرین و ثمانمائة و بقی فی الملک إحدی و ثلاثین سنة و قد فتح فتوحات و مهد الممالک و أفام الشرع و الدین. ثم أبو الفتوحات محمد خان بن مراد تولی سنة ست و خمسین و ثمانمائة و بقی فی الملک إحدی و ثلاثین سنة و هو أعظم سلاطین آل عثمان و هو الذی فتح القسطنطینیة العظمی و جعلها دار ملکه. ثم با یزید خان الثانی تولی سنة ست و ثمانین و ثمانمائة و عاش اثنین و ستین سنة و افتتح قلاعا کثیرة و حصونا شهیرة. و أصابه مرض النقرس فاستولی علیه و هو أکثر مرض آل عثمان إلی أن مات سنة ثمانی عشرة و تسعمائة بعد ما ملک ثلاثا و ثلاثین سنة. ثم/ یاوز سلیم خان الأول تولی سنة (ص 180)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 244
ثمانی عشرة و تسعمائة و بقی فی الملک تسعة أعوام و لم تطل سلطنته لکثرة سفکه للدماء و هذه عادة اللّه فی السلاطین و الأمراء و الحکام إذا أکثروا سفک الدماء لا یطیل لهم مدة و هو الذی فتح مصر و أزال الدولة الجرکسیة و فتح حلب و الشام و غیرها من البلاد و جهّز الجیوش لخیر الدین بن المدلیة ففتح الجزائر ثم جهّز الجیوش لدرغوث ففتح طرابلس الغرب. ثم سلیمان شاه خان تولی سنة ست و عشرین و تسعمائة و ذلک یوم موت والده المذکور و بقی فی الملک تسعا و أربعین سنة و عاش أربعا و سبعین سنة و کان سعیدا ذا خیرات حسان و هو الذی فتح بغداد دار السلام و عراق العرب و جهز الجیوش لإخراج النصاری من إفریقیة و بجایة فأخرجوا و ألطف تاریخ وضع فیه تاریخ العراق. ثم سلیم خان الثانی تولی سنة أربع و سبعین و تسعمائة و بقی فی الملک تسعة أعوام و کان کریما رؤوفا بالرعیة حلیما عفوا عن الجرائم محبا للعلماء و الصلحاء محسنا للعلماء و المشایخ و الفقراء و فتح بلادا کثیرة منها جزیرة قبرس و غیرها من البلاد الکبار المشهورة.
ثم مراد خان الثالث تولی سنة اثنین و ثمانین و تسعمائة و بقی فی الملک عشرین سنة و کان مهابا هماما، و أسدا ضرغاما، و هزبرا مقداما. ثم محمد خان الثالث تولی یوم موت والده و هو سنة ثلاث و ألف و هو ابن خمسة عشر سنة و بقی فی الملک تسعة أعوام و کانت سلطنته خالیة من الأکدار و هو الذی فتح أکری التی تجیشت علیه النصاری فیها لقتاله بما یزید علی أربعمائة ألف مقاتل و منحه اللّه النصر علیهم فهزمهم إلی أن صار یقتل بعضهم بعضا من الزخام. ثم ابنه أحمد خان الأول تولی یوم موت والده و هو سنة اثنا عشر و ألف و بقی فی الملک أربعة عشر سنة قهر جمیع الأعداء و له مئاثر (کذا) حسان فی مکة و المدینة لم یسبقه أحد إلی مثلها من آل عثمان و هو الذی أرسل إلی الروضة المطهرة علی صاحبها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 245
أفضل الصلاة و أزکی التسلیم، الکوکب الدری الذی لا قیمة له و استولی علی بلاد متعددة قیل إلی حد بروسیا./ ثم مصطفی خان بن محمد خان تولی یوم موت (ص 181) أخیه و هو سنة ستة و عشرین و ألف و بقی فی الملک ثلاثة أشهر و خلع نفسه فی ربیع الأول سنة سبع و عشرین و ألف و کان من أهل الفضل و العبادة، و الصلاح و الإجادة، لا یلتفت إلی الدنیا و زهرتها، و لا یمیل إلی زینتها و نضرتها، متجنبا لها و عنها، و هاربا و مستوحشا منها و أجدره بقول الشاعر الأدیب الخریر الحاذق البارع الماهر:
لاحت له الدنیا ترید خداعه‌لاکنّه (کذا) بغرورها لم یخدع
و تزینت لتروقه بجمالهافأبی و طلّقها طلاق مودع
ثم عثمان خان تولی یوم خلع عمه مصطفی نفسه و هو سنة سبع و عشرین و ألف و بقی فی الملک خمسة أعوام و استولی علی بغداد و ما وراءه و غزی الفرنج و انتصر علیه ثم أراد السفر للحج فقام علیه العسکر و قتله بخامس رمضان سنة اثنین و ثلاثین من الحادی عشر و قال فیه بعض الشعراء:
قضی عثمان سلطان البرایابأسیاف العساکر و الجنود
و وافته المنایا فی السّرایامؤرخة کعثمان الشهید
ثم رجع للمملکة عمه مصطفی خان بن محمد خان المخلوع مرة ثانیة یوم موت ابن أخیه عثمان و بقی علی عادته من رفضه للدنیا کالمرة الأولی و عدم مبالاته بها إلی أن خلع نفسه ثانیا لشهرین من تولیته. ثم مراد خان الرابع تولی بموضع عمّه مصطفی یوم خلع نفسه و هو عام اثنین و ثلاثین من القرن الحادی عشر و بقی فی الملک سبعة عشر سنة و عاش ثمانا و عشرین سنة و کانت له مناقب کثیرة. ثم إبراهیم خان تولّی سنة تسع و أربعین و ألف و بقی فی الملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 246
ثمانیة أعوام و ثمانیة أشهر و عاش ثلاثا و أربعین سنة و هو الذی فتح جزیرة کرید سوی قلعة منها لم یفتحها لحصانتها. ثم محمد خان الرابع تولی سنة ثمانیة و خمسین و ألف و بقی فی الملک إحدی و أربعین سنة و خلعه الجنة سنة تسع و تسعین و ألف و توفی سنة أربع و مائة و ألف عن ثلاث و خمسین سنة و له فتوحات (ص 182) کثیرة. ثم سلیمان خان الثانی تولی یوم خلع أخیه/ محمد و هو سنة تسع و تسعین و ألف و بقی فی الملک ثلاثة أعوام و نصف و توفی سنة اثنین و مائة و ألف و هو ابن خمسین سنة و بمجرد جلوسه علی کرسی المملکة التفت لقتال النصاری فسألوا منه المهادنة أربعة أعوام فوافقهم علی ذلک لاقتضاء نظره الواسع فی مصالح المسلمین ذلک. ثم أحمد خان تولی سنة اثنین و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة أعوام و نصفا. ثم مصطفی خان الثانی تولی سنة ستة و مائة و ألف و بقی فی الملک تسعة أعوام. ثم أحمد خان الثالث تولی سنة خمسة و عشرین و مائة و ألف و بقی فی الملک ثمانیة و عشرین سنة و توفی سنة ثلاث و أربعین من الثانی عشر و هو ابن ستین سنة. و فی وقته فتحت و هران من الإسبانیین الفتح الأول و ذلک سنة تسعة عشر من الثانی عشر علی ید باشة الجزائر الشریف السید محمد بکداش و وزیره أوزن حسن و بای الإیالة الغربیة الجامع بین مازونة و تلمسان مصطفی أبی الشلاغم بن یوسف المسراتی کما مرّ و إلی ذلک أشار الحافظ أبو زید عبد الرحمن الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی بقوله:
و کان ذا فی دولة الإمام‌فخرا الملوک ضابط الإسلام
ملک مصر و العراق و الیمن‌و الشام و البرّین خیر مؤتمن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 247 أبی الفتوحات التی لم تحصرکادت تقضی ملک آل قیصر
أحمد خاقان الهمام المرتضی‌سیف الإله فی الأعادی منتضی
لا زال تحت رایة الإقبال‌و النصر و الفتح قریر البال
و راجع ما مرّ للتغریری فی رجزه فی فتح و هران فهو أول من ملک و هران من سلاطین آل عثمان. ثم محمود خان الأول تولی سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة أو خمسة و عشرین سنة توفی سنة سبع و ستین.
و مائة و ألف و هو ابن ستین سنة. ثم عثمان خان الثالث تولی سنة سبعة و ستین و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة أعوام. ثم مصطفی خان بن أحمد خان تولی سنة إحدی و سبعین و مائة و ألف ، و بقی فی الملک سبع سنین. ثم عبد الحمید الأول خان تولی سنة ثمانیة/ و سبعین و مائة و ألف و بقی فی الملک (ص 183) ستة عشر سنة کاملة. ثم سلیم خان الثالث بن مصطفی خان تولی سنة ثلاثة و مائتین و ألف و بقی فی الملک سنة واحدة و عاش ثلاثین سنة. ثم محمود خان الثانی تولی سنة ثلاث و عشرین و مائتین و ألف و بقی فی الملک اثنین و ثلاثین سنة و عاش خمسا و خمسین سنة و نصفا، و فی وقته انعقدت البیعة للحسنی السید الحاج عبد القادر ابن محی الدین المختاری المخلص علی المغرب الأوسط فی یوم الإثنین أو الأحد ثانی عشر رمضان سنة ثمان و أربعین من الثالث عشر بموضع یقال له الدردارة من أراضی الحشم بغریس التی هی محل موسم رجال غریس المعبر عنها بالوعدة و خرجت الجزایر عن الأتراک یوم الإثنین أو السبت
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 248
ثالث أو رابع عشر من المحرم فاتح سنة ستّ و أربعین من الثالث عشر و دخلت بید الفرانسیس. ثم عبد الحمید خان بن محمود خان بن عبد الحمید خان تولی سنة خمس و خمسین و مائتین و ألف و بقی فی الملک اثنین و عشرین سنة و نصف و عاش تسعا و ثلاثین سنة و کانت بینه و بین الموسکوا حروب کثیرة سجال فی سنة إحدی و سبعین من الثالث عشر و أعانه فیها الفرانسیس و ذلک شأن الملوک الضخام و ءال الأمر فیها إلی الصلح بین الفریقین انعقد بباریز ثم عبد العزیز خان تولی سنة سبع و سبعین و مائتین و ألف و بقی فی الملک خمسة عشر سنة و خمسة أشهر و عاش ثمانا و أربعین سنة، و فی وقته کان الإمام أبو الفوز السویدی مؤلف کتاب سبایک الذهب. ثم مراد خان الخامس تولی سنة ثلاث و تسعین و مائتین و ألف ثم خولع (کذا) لما خولط فی عقله سنة تولیته، و سببه أنه رأی عمه السلطان عبد العزیز قد فصد و قهره الدم و غلبه فمات فجأة (کذا) فاختلط بذلک فی عقله و سلّم فی الملک للسلطان عبد الحمید بعد ما ملک ثلاثة أو ثمانیة أشهر. و کان لعمّه عبد العزیز وقائع کثیرة و حروب جلیلة لکنه خدعته الوزراء فی ذلک و لو لا أن اللّه أیقظه لذلک لتلاشا الملک العثمانی و اضمحل (ص 184) بالکلیة فبادر/ للصلح بغایة الإعزام و انتقم من الوزراء غایة الانتقام. ثم عبد الحمید خان الثانی و هو الموجود الآن تولی سنة ثلاث و تسعین و مائتین و ألف قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران و مدحه العلامة الأفاندی أبو الهدی الصیادی فی کتابه: قلادة الجواهر فی ذکر الغوث الرفاعی و أتباعه الأکابر بقصیدة رائیة من بحر البسیط مشحونة بجوهر کل معنی وسیط، فقال:
طاب الزمان و طاب الوقت و العمربظلّ رکن لدیه الزهر تنحدر
رکن الخلیفة سلطان البریة من‌بباب علیاه لاذ البدو و الحضر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 249 عبد الحمید إمام الدین سیدناو من به أمة الإسلام تفتخر
رئیس جحفل حزب المسلمین أمیرالمؤمنین حماهم إن دامت غیر
مؤدّ حفّه المولی بواقیةمن العنایة یمضی وفقها القدر
کاللیث لکن له عقل مزیته‌عظیمة دونها الأسد تحتقر
أحیا مراسم حین جاء له‌کالمیت کان تولّی نهبه الضرر
فکفّ عنا ید الأعداء و شیّده‌کأنه لا انقضت أیامه الخضر
من آل عثمان قادات مآثرهم‌علی وجوه الیالی کلّها غرر
رشید رأی أمین الطبع معتصم‌باللّه مأمون خلق واثق بصر
کنز السیاسة ممدوح الریاسة مصباح‌الفراسة بحر و لم ینهمر
خلیفة المصطفی المختار من شرفت‌بمجد طینته بین الملا و مصر
إذا سال سحاب الفضل ملتفتالجبر کسر عدیم یخجل المطر
و إن أمال عنانا یوم معرکةتخاله قدرا فی الخصم ینتشر
رایاته بحروف النصر بردتهامنسوجه و علیها للرضی طرر
و طبله سالم من کل ناقصةما شأنه عن معالی أهله قصر
أخلاقه ذکرتنا الراشدین کمادلّت علی بعضها الآثار و السّیر
رشیق عزم رقیق الفکر قطعته‌لحسن حکمتها یستسلی الخطر
کأنّها سبغت بالفضل طینته‌و رأیه صاغه فی فکره عمر
لا زال مرتفع الأقدار مبتهجابعزّة و به الإسلام ینتصر
/ و سمی النصاری الآن ملکهم بالمیت لخروج جل الرعیة عن حکمه حتی (ص 185) لم یبق له إلا طرابلس الغرب و ما قارب الآستانة کما سموا ملک المغرب بالمریض المشرف علی الهلاک و الأمر للّه وحده. فهذا ما کان من الکلام علی ملوکهم و علیهم بالمشرق.

أسباب قدوم الأتراک إلی الجزائر

و أما الکلام علیهم ببر الجزائر الذی نحن بصدده فاعلم أنه اختلف فی سبب مجی‌ء الترک للتملک ببر الجزائر علی قولین: فقال العلامة الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن عسکر الشریف فی دوحة الناشر، و الحافظ الشیخ أحمد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 250
بابا فی الذیل، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار أنّ سبب ذلک هو تغلب النصاری علی السواحل و لما رأی العلامة أبو العباس أحمد بن القاضی الزواوی ذلک کتب لسلیم سلطان الترک بذلک و سأله النجدة و الإقدام فبعث للجزائر الباشا خیر الدین بن المدلیة و شقیقیه عروجا و الإسکندر إسحاق بالجیوش و لما قتل إسحاق بالقلعة و عروج ببنی یزناسن تخوّف خیر الدین من الشیخ أحمد ابن القاضی و قتله فمات شهیدا و ذلک أول سفکهم للدماء ظلما ببر الجزائر و القصة شهیرة فلا نأتی بها. و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار أن خیر الدین و شقیقیه لما شبّوا فی أکمل حالة الرجولیة و غایة الشجاعة و العجولیة اشتغلوا بالتجارة، و تدربوا بالذکاءة و السیاسة و الجسارة، ثم عملوا أجفنا للجهاد فی البحر فأذاقوا النصاری شرا، و قهروهم قهرا، حتی أن عروجا قطعت یده فی بعض الحروب بقرب بجایة، لکونها کانت عامرة بالنصاری و لهم بها للمسلمین نکایة فکان هؤلاء الثلاثة یأتون بالغنائم و یرسّون علی مدن الإسلام الساحلیة لبیع ما عندهم و یقضوا حوائجهم الخافیة و الجالیة، فرسی خیر الدین مرّة أسطوله بمرسی الجزائر و قضی مأریه (کذا) علی عادته بالمزایز، فسأله أهل الجزائر فی المبایعة و التملک علیهم، فأجابهم لذلک و مال إلیهم، ثم حصل بینهم و بینه کلام فغضب علیهم بالفعل و القول، و ذهب عنهم و لم یرجع لهم إلا بعد الحول، فرغبوه ثانیا فی المکث و المبایعة لإصلاح الدین، فقبل بشرط قتل المفسدین، فعینوا له جماعة منهم و سألهم التحقیق لإتمام کل خیر، و لم یزالوا فی التعیین بالنقص إلی انحصار الأمر فی ثلاثة لا غیر، فصلبهم علی السور، فهم أول من حکم فیه بالقتل المصطور، و اختلف فی وقت مجیئهم علی ستة أقوال: فقال:
بعض المؤرخین أنهم جاؤوا سنة تسع و تسعین من القرن التاسع و استولوا علی (ص 186) تلمسان استلاء تاما سنة إحدی/ و أربعین من العاشر و لا یخفاک ضعفه. و قال الحافظ أبو راس فی زهر الشماریخ، و ابن عسکر فی الدوحة، إنهم ملکوا الجزائر فی أول العاشر یعنی فی العام الأول منه . و قال الحافظ عبد الرزاق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 251
الجزائری أن ذاک فی خمسة عشر من العاشر و به قال العلامة السید الحاج أحمد بن عبد الرحمان الشقرانی فی تاریخه: القول الأوسط فی وقایع المغرب الأوسط. و قال بعضهم فی اثنین و عشرین من العاشر و قال الیفرینی فی نزهة الحادی أنهم ملکوا الجزائر فی ثلاث و عشرین من العاشر و به قال الحافظ أبو راس أیضا فی عجائب الأخبار، و أما الحافظ أبو زید عبد الرحمان الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی فإنه قال فی بضع و عشرین من العاشر فقد أجمل لأن البضع من الثلاثة إلی التسعة. و قال الحافظ أبو راس أیضا فی موضع آخر من الشماریخ أنهم ملکوها فی الخامس و العشرین من العاشر و به قال الخوجة السید مسلم بن عبد القادر الحمیری فی رجزه حیث قال:
فی عام که من القرن العاشرکان ابتداء الترک بالجزائر
و امتدّ ملکهم بها کافاوسین‌حتی إذا کمل الوعد کان البین

قائمة الحکام الأتراک بالجزائر

فأول بشاواتهم بالجزائر حسن خیر الدین بن المدلیة و سمی بذلک لکون أمه من مدینة یقال لها المدلیة و وجه ذلک أن السلطان محمد فاتح القسطنطینیة ابن السلطان مراد أحد ملوک بنی عثمان افتتح مدینة فی بعض جزر البحر یقال لها المدلیة و أنزل فیها حامیة من الترک فبعثوا له أن یأذن لهم فی تزویج بنات أهل الذمة من نصاری جزیرة المدلیة فأذن له فتزوج والد السید حسن خیر الدین بامرأة منهم فولدت له عروجا و هو الأکبر و خیر الدین و إسحاق. فخیر الدین هو سبب سعادة الترک و انتشار صیتهم بالمغرب فکان وجهه للصباحة و لسانه للفصاحة، و یده للسماحة، و عقله للرجاجة. و کان بالغایة القصوی فی الزهد و الورع و الإنابة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 252
و التقوی، و لم یقبل الملک حتی قیل له أنه واجب علیک. و کان یری النبی صلی اللّه علیه و سلم فی المنام کثیرا و کانت له مکاشفة کثیرة حتی أن البعض من الناس أراد اغتیاله بمداخلة غلام له فکوشف له عن ذلک و انتقم منه فی الحین. و حاصل الأمر أن المؤرخین لهم اضطراب کثیر فی بشاوات الجزائر ما بین مقلل و مکثر و مقدّم و مؤخر. فقال الحافظ عبد الرزاق بن محمد بن أحمادوش الجزائری فی تاریخه:
(ص 187) أولهم إسحاق تولی سنة خمسة عشر من العاشر،/ ثم أخوه عروج سنة ستة عشر و تسعمائة. ثم أخوهما خیر الدین سنة اثنین و عشرین و تسعمائة. و لا یخفاک ضعفه لکون الصحیح أولهم خیر الدین کما مر المتولی علی الصحیح سنة خمس و عشرین و تسعمائة المتوفی سنة ست و ستین من العاشر بعد ما ملک إحدی و أربعین سنة ثم حسن سنة إحدی و أربعین و تسعمائة. ثم حسن أیضا سنة اثنین و خمسین من العاشر. ثم صالح سنة تسع و خمسین منه. ثم محمد سنة ثلاث و ستین منه. ثم حسن بن خیر الدین سنة أربع و ستین منه. ثم أحمد بسطانجی سنة تسع و ستین منه ثم رمضان سنة أربعة و ثمانین منه. ثم حسن بن قبطان سنة خمس و ثمانین منه. ثم جعفر أیضا سنة تسع و ثمانین منه. ثم رمضان أیضا سنة تسعین منه. ثم حسن أیضا سنة تسعین منه. ثم مامی سنة ثلاث و تسعین منه. ثم محمد أیضا سنة ثلاث و تسعین منه، ثم أحمد سنة خمس و تسعین منه. ثم أخضر سنة سبع و تسعین منه. ثم شعبان سنة تسع و تسعین منه. ثم مصطفی سنة ثلاث و ألف. ثم أخضر أیضا سنة ثلاث منه. ثم مصطفی أیضا سنة سبع منه. ثم حسن أیضا سنة سبع منه. ثم سلیمان سنة تسع منه. ثم أخضر أیضا سنة ثلاث عشر منه. ثم مصطفی أیضا سنة خمسة عشر منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه.
ثم مصطفی أیضا سنة تسعة عشر منه. ثم حسن سنة اثنین و عشرین منه. ثم مصطفی سنة خمس و عشرین منه. ثم حسین سنة سبع و عشرین منه. ثم حسن سنة ثمان و عشرین منه. ثم حسن سنة ثلاثین منه، ثم حسین سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 253
مراد سنة اثنین و ثلاثین منه، ثم أسراف سنة أربع و ثلاثین منه. ثم حسن سنة ثلاث و خمسین منه. ثم حسن أیضا سنة ست و ثلاثین منه. ثم أسراف سنة سبع و ثلاثین منه. ثم یونس سنة تسع و ثلاثین منه. ثم حسن سنة إحدی و أربعین منه.
ثم یوسف سنة أربعة و أربعین منه ثم علی سنة خمسین منه. ثم محمد سنة اثنین و خمسین منه. ثم أحمد سنة أربع و خمسین منه. ثم محمد سنة إحدی و ستین منه.
ثم محمد سنة ثلاث/ و ستین من القرن الحادی عشر. ثم عبد اللّه بلکباش (ص 188) سنة خمس و ستین منه. ثم إبراهیم سنة ست و ستین منه. ثم أحمد سنة سبع و ستین منه. ثم إبراهیم سنة تسع و ستین منه. ثم خلیل بلکباش سنة سبعین منه.
ثم رمضان بلکباش سنة إحدی و سبعین منه. ثم إسماعیل سنة اثنین و سبعین منه.
ثم شعبان آغا سنة اثنین و سبعین منه. ثم علی آغا سنة ثلاث و سبعین منه. ثم موسی آغا سنة أربع و سبعین منه. ثم الحاج حسین موزمورط سنة أربع و تسعین منه. و فی نسخة ست و تسعین منه. ثم مصطفی باشا سنة مائة و ألف. ثم شعبان خوجة سنة واحد من القرن الثانی عشر. ثم عمر سنة اثنین منه. ثم مصطفی سنة ثلاث منه. ثم موسی سنة خمس منه. ثم أحمد أهجی سنة سبعة منه. ثم حسین شاوش قارة باغلی سنة عشرة منه. ثم علی سنة اثنا عشر منه. ثم مصطفی أهجی سنة ستة عشر منه. ثم حسین خوجة شریف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد خوجة بکداش سنة ثمانیة عشر منه. ثم کوسة سنة عشرین منه. ثم دالی إبراهیم سنة اثنین و عشرین منه. ثم أوزن علی شاوش سنة اثنین و عشرین منه و فی نسخة سنة أربع و عشرین منه. ثم محمد خزناجی أوزن علی سنة ثلاثین منه. ثم عبدی آغا الصبایحیة سنة ست و ثلاثین منه. ثم إبراهیم خزناجی عبدی سنة خمس و أربعین منه ثم إبراهیم خزناجی سنة ثمان و خمسین منه و هنا انتهی کلام عبد الرزاق. و قال صاحب الزهرة النیرة أولهم عروج تولی فی خمس و عشرین من العاشر. ثم أخوه خیر الدین سنة سبع و عشرین منه و لا یخفاک بطلانه مما مرّ. ثم حسن آغا سنة إحدی و أربعین منه. ثم حسن بن خیر الدین سنة اثنین و خمسین منه ثم حسن آغا أیضا سنة ثمان و خمسین منه. ثم حسن بن خیر الدین أیضا سنة تسع و خمسین منه. ثم صالح سنة تسع و خمسین منه و هو غیر صحیح و الصحیح أنه تولّی سنة ست و ستین منه و فتح بجایة من الإسبانیین عنوة یوم الأربعاء سابع
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 254
عشرین شوال سنة ثمان و ستین و تسعمائة کما أن الصحیح أن حسین بن خیر الدین تولی سنة سبعین من العاشر و غزی و هران فی سنته و غزی المغرب و رجع من ملویة خائبا کما مرّ. ثم محمد قرطالجی سنة ثلاث و ستین منه. ثم (ص 189) حسین بن خیر الدین أیضا سنة ثمان و ستین منه. ثم أحمد/ بسطانجی سنة تسع و ستین من العاشر. ثم حسن بن خیر الدین أیضا سنة أربع و سبعین منه و تقدم الصحیح ثم محمد بن صالح سنة أربع و سبعین منه و هو غیر صحیح و الصحیح أنه تولی سنة إحدی و سبعین من العاشر و غزی المغرب تلک السنة فدخل فاسا عنوة یوم الأحد ثانی صفر من سنته. ثم علی العلج الملقب الفرطاس سنة سبع و سبعین منه. ثم أحمد أعراب سنة تسع و سبعین منه. ثم رمضان سنة اثنین و ثمانین منه. ثم حسین قبطان علی سنة خمس و ثمانین منه. ثم جعفر سنة ثمان و ثمانین منه. ثم حسین قبطان علی أیضا سنة تسع و ثمانین منه. ثم یونس سنة تسعین منه. ثم رمضان سنة تسعین منه. ثم حسین بن خیر الدین سنة إحدی و تسعین منه ثم مامی سنة ثلاث و تسعین منه. ثم محرم سنة ثلاث و تسعین منه. ثم مامی سنة أربع و تسعین منه. ثم دالی أحمد سنة خمس و تسعین منه. ثم أخضر سنة سبع و تسعین منه. ثم الحاج شعبان سنة تسع و تسعین منه. ثم مصطفی سنة اثنین و ألف. ثم أخضر سنة ثلاث من القرن الحادی عشر، ثم مصطفی سنة ثلاث منه. ثم دالی حسن سنة سبع منه. ثم سلیمان سنة تسع منه. ثم أخضر سنة ثلاثة عشر منه. ثم مصطفی سنة خمسة عشر منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه. ثم مصطفی کوسة سنة تسعة عشر منه. ثم حسین سنة ثلاث و عشرین منه. ثم مصطفی خزناجی حسین سنة خمس و عشرین منه. ثم سلیمان سنة ست و عشرین منه. ثم حسین الشیخ سنة سبع و عشرین منه. ثم سلیمان سنة ثمان و عشرین منه. ثم مصطفی حفید کوسة سنة ثلاثین منه. ثم حسین سنة إحدی و ثلاثین منه ثم إبراهیم سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم حسین بن إلیاس بای سنة اثنین و ثلاثین
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 255
منه. ثم مراد سنة أربع و ثلاثین منه. ثم إبراهیم سنة أربع و ثلاثین منه. ثم حسین سنة أربع و ثلاثین منه. ثم أسراف سنة خمس و ثلاثین منه. ثم حسن خوجة سنة ثمان و ثلاثین منه. ثم یونس سنة تسع و ثلاثین منه. ثم حسین الشیخ/ سنة إحدی (ص 190) و أربعین من القرن الحادی عشر. ثم یوسف سنة أربع و أربعین منه. ثم علی سنة سبع و أربعین منه، ثم حسین الشیخ سنة خمسین منه. ثم یوسف قرطالجی سنة خمسین منه. ثم مراد سنة اثنین و خمسین منه. ثم محمد برسالی سنة اثنین و خمسین منه. ثم أحمد سنة أربع و خمسین منه. ثم عمر سنة أربع و خمسین منه. ثم مراد سنة ست و خمسین منه. ثم یوسف سنة سبع و خمسین منه. ثم علی أبو صبع سنة إحدی و ستین منه و کانت تولیته یوم الأربعاء بعد طلوع الشمس بنحو الساعتین سادس عشرین صفر ثم عزل و توفی سنة ثمان و ستین منه بعد مدة من عزله. ثم محمد سنة ثلاث و ستین منه. ثم محمد أبو شناق سنة خمس و ستین منه. ثم أحمد سنة خمس و ستین منه ثم إبراهیم سنة ست و ستین منه. ثم الحاج أحمد سنة ست و قیل سبع و ستین منه. ثم إبراهیم سنة سبع و قیل ثمان و ستین منه. ثم علی سنة تسع و ستین منه. ثم مصطفی سنة إحدی و سبعین منه.
ثم إسماعیل سنة اثنین و قیل ثلاث و سبعین منه. ثم خلیل سنة ثلاث و سبعین منه. ثم رمضان سنة أربع و سبعین منه. ثم إسماعیل سنة خمس و سبعین منه ثم رمضان سنة أربع و سبعین منه. ثم إسماعیل سنة خمس و سبعین منه. ثم الحاج علی آغا سنة ست و قیل سبع و سبعین منه. ثم محمد سنة تسع و سبعین منه. ثم التریکی سنة ثلاث و ثمانین منه. ثم بابا حساین سنة ثلاث و ثمانین منه. ثم حسین موزمورط سنة أربع و تسعین منه. ثم إبراهیم خوجة موزمورط سنة سبع و تسعین منه. ثم الحاج شعبان خوجة سنة مائة و ألف ثم عمر سنة واحد من القرن الثانی عشر. ثم موسی سنة ثلاث منه. ثم شعبان خوجة سنة خمس منه ثم الحاج أحمد سنة خمس و قیل ست منه ثم قارة علی سنة تسع منه. ثم حسن شاوش سنة عشر منه. ثم علی سنة إحدی عشر منه. ثم بابا الحاج مصطفی أهجی سنة اثنا عشر و قیل ثلاثة عشر منه. ثم حسین خوجة شریف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد بکداش خوجة سنة ثمانیة و قیل تسعة عشر منه. ثم دالی إبراهیم بای سنة اثنین و عشرین منه. و هنا انتهی/ کلام الزهرة النیّرة. ثم بابا علی (ص 191)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 256
سنة اثنین و عشرین من القرن الثانی عشر. ثم بابا محمد سنة ثلاثین منه. ثم بابا عبدی سنة ست و ثلاثین منه. ثم إبراهیم أفاندی سنة أربع و أربعین منه ثم إبراهیم خوجة سنة ثمان و خمسین منه ثم محمد سنة إحدی و ستین منه. ثم علی سنة ثمان و ستین منه. ثم محمد سنة تسع و سبعین منه. ثم حسین سنة ثلاث و قیل خمس من القرن الثالث عشر. ثم مصطفی سنة اثنا عشر منه ثم أحمد سنة عشرین منه. ثم علی سنة ثلاث و عشرین منه. ثم الحاج علی شریف سنة أربع و عشرین منه. ثم محمد سنة ثلاثین منه. ثم عمر آغا سنة ثلاثین منه. ثم الحاج محمد سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم علی سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم حسین سنة ثلاث و ثلاثین منه. و هو آخرهم و علیه قامت الدولة التاسعة کما یأتی.
و کان الباشالار یأتی علی ید الخلیفة الأعظم من إسطنبول من أولهم خیر الدین بن المدلیة إلی عبد اللّه بلکباش سنة خمس و ستین من القرن الحادی عشر کما مرّ فترک ذلک. و صار الباشالار تتفق علیه الأتراک و یقیمونه من الجزائر لا غیر.
و أول من أقیم من الجزائر عبد اللّه بلکباش . و لما فتح مصطفی أبو شلاغم ابن یوسف المسراتی و هران کما مرّ. انتقل لسکناها من المعسکر فسکنها بأهله و صیّرها دار ملکه فهو أول بایاتها الثمانیة الآتی ذکرهم إن شاء اللّه تعالی و استقر بها إلی أن جاءها العدو السبنیول مرّة ثانیة.

عودة وهران لحکم الدولة السابعة الإسبانیة

ثم رجع ملک و هران للدولة السابعة الإسبانیین (کذا) فملکها سلطانهم ألوی دابوربوا و ذلک أنه تولی سنة إحدی و أربعین و مائة و ألف و سلم فی الملک تلک السنة لابن عمّه فیلیب الخامس المار فبقی فی الملک المرة الثانیة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 257
اثنین و عشرین سنة. و فی السنة الثالثة من تولیته و هی سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف جهّز یعنی فیلیب لغزو و هران جیشا عظیما فدخلوها/ عنوة و ذلک بعد موت (ص 192) الباشا بکداش رحمه اللّه و فی حیاة البای مصطفی أبی الشلاغم. و لما جاءها العدوّ خرج لقتاله البای مصطفی أبو الشلاغم المسراتی فی جیش جلیل و نشب الحرب معه بمناوشة قلیلة قتل فیه النزر من جیشه و استشهد فیه علی بن مسعود المحمودی الحشمی و حصلت الهزیمة فی جیشه فلجأ البای إلی بنی عامر فخذلوه و لما رأی (کذا) ذلک أخذ أهله و أصحابه و أسلمها للعدوّ و ذهب لمستغانیم فصیرها دار ملکه و مکث بها بعد إقامة المسلمین بوهران أربعة و عشرین سنة فأخذها النصاری فی المرة الأولی بمالها و أهلها و أخذوها فی المرة الثانیة بأکثر ما فیها من الأموال و نجت الأنفس. و إلی وقت خروج المسلمین منها و کم بقوا بها و دخول النصاری لها أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
من بعد عشر و عشر ثم أربعةعادوا إلیها قرة أعین النعس
فملکوها بلا کبیر ملحمةلاکن فی الأولی بخدعة متحیس
فمرّتین ابتاعوها غیر غالیةکیف یباع ثغر و هران بالبخس
أتوها طورین انتقدوها عامرةوعد علیها إلیهم غیر منحبس
خلا لها الجوّ صرفا و اطمأنّوا بهاو قد تخلّت للکفر جلوة العرس
یا له من ثغر أضحی لها جزراللنائبات و الجدّ منه فی التعس
مدینة العلم و الإیمان حلّ بهاما حلّ بالحصن من الخبس و الخبس
من کل شارقة الإلمام بارقةمأتمها عاد للأعداء کالعرس
تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم‌غرّ عقائلها المحجوبة النفس
کانت حدائق للأحداق مونقةفصرخ النصر فی الأدواح بالدحس
محی محاسنها طاغ أتیح لهااکتحل السهر لها مکثر الجوس
ما سهی عن هضها حینا مذ حاربهاو لا مکثّر للتوانی و النّعس
صارت تدور لناطورا واعدئیناو کلّما وعدتنا فهو فی رکس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 258
و لا زال أبو الشلاغم رحمه اللّه بمستغانم منذ دخلها إلی أن مات بها فدفن (ص 193)/ بالمطمر منها و علی ضریحه قبّة.

عودة إلی تاریخ ملوک إسبانیا

ثم فردینة السادس تولی سنة ثلاث و ستین و مائة و ألف و بقی فی الملک ثلاثة عشر سنة. ثم کارلوص الثالث تولی سنة سست و سبعین و مائة و ألف و بقی فی الملک تسعا و عشرین سنة إلّا أن نصاری و هران من حین الفتح الأول انکسرت شوکتهم عن الغزو العظیم للمسلمین و عرفوا قدرهم لکن (کذا) رعبهم لم یذهب من قلوب المسلمین بعد ذلک الفتح فأحری بعد رجوعهم لها. قال الشیخ الحافظ المحقق أبو زید عبد الرحمن الجامعی التلمسانی فی شرحه لرجز الحلفاوی: کنت وفدت عقب الفتح بقلیل علی العالم العلامة الدارکة الفهامة، الدرایة النقاد، سراج التحقیق الوقاد، منهل العلوم الأصفی أبی عبد اللّه سیدی محمد المصطفی القلعی الرماصی، تجاوز اللّه عنا و عنه یوم الأخذ بالنّواصی فوجدته یسکن بأهله ببیوت الشعر قرب غابة فی رأس الجبل یأوی إلیهم لیلا و یظل نهاره فی دار یطالع کتبه و یقری (کذا) طلبته فسألته عن ذلک فقال لی کنّا علی هذه الحالة علی عهد النصاری خوفا منه لأننا کنا لا نأمن فی الدور من أن یصکّونا لیلا فخرجنا لبیوت الشعر لیسهل علینا الفرار إلی غابة الجبل فنمتنع منهم. فانظر إلی أین بلغ بالمسلمین خوف أولائک الطواغیت و لا یعرف حلاوة الإیمان إلّا من ذاق مرارة الخوف. ثم أن کارلوص المذکور جهّز جیشا عظیما فی خمسمائة مرکب لغزو الجزائر فغزوها سنة تسع و مائة و ألف فئ ولایة الباشا محمد فخرجوا و نزلو بإزاء الحراش فی البر و جعلوا ترسا من حطب و لوح و غیر ذلک و بنوا برجا فی لیلة واحدة یقال له الآن برج مولای حسن و وافق ذلک قدوم البای صالح من قسنطینة للجزائر لدفع لزمة الصوف و هی محمولة علی الإبل فقدم تلک الإبل أمامه و جعلها سورا بین المسلمین و الإسبانیین و اجتمعت إلیه القبائل و الأعراب مع جیش الجزائر فأوقدوا نار الحرب و اشتد القتال و حمی الوطیس طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص258
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 259
و بات النصاری لیلتهم فی موضعهم فلما کان قبیل صبیحة یوم الأحد رجعت الدائرة علیهم و هزمهم اللّه و کسرت لهم/ السفن و فشا فیهم القتل و الجراحات (ص 194) و أثخن فیهم المسلمون إثخانا عظیما إلی أن علا دمهم علی البحر و مات منهم ما لا یحصی عدده إلا اللّه تعالی و رجعوا مغلولین خائبین لم ینالوا خیرا و استشهد من المسلمین نحو أربعمائة جعلت لهم مقبرة بإزاء عین الربط و بقیت عظام النصاری ماثلة فی رمال الحراش أعصرا و قد حضر لهذه الواقعة المنصور باللّه أبو الفتوحات سیدی محمد بن عثمان بای الإیالة الغربیة و تلمسان ثانی بایات و هران، بعسکره فظهر من إقدامه و اعتنائه مقامات تعدّ من مفاخر دولته و ذکر أنه آخر الأیام. ثم غزوها أیضا سنة سبع و تسعین و مائة و ألف فهدموا بالبونبة أزید من مائتی دار و طلبوا الصلح فلم یجابوا و رجعوا خائبین. ثم غزوها أیضا السنة التی بعدها فزحف لهم المسلمون فی البحر و ردوهم علی أعقابهم فرجعوا بلا طائل. ثم جاؤها أیضا سنة تسع و تسعین من القرن المذکور طالبین الصلح فی الحال، باذلین القناطیر من الأموال، راضیین بدخولها للتجر لما أیّسوا من الظفر و قدموا فی ذلک علجة علی عادتهم فانبرم الصلح بینم و بین المسلمین کل ذلک أیام الباشا محمد دولاتلی مات رحمه اللّه سنة خمس من القرن الثالث عشر أیام السلطان سلیم ابن السلطان مصطفی العثمانی. و الحاصل أن الجزائر کانت قبل بنا بلکّین الصنهاجی لها اخصاصا و کان بنوا مزغنة و أکثر متیجة یؤدون الخراج للإسبانیین و لما بناها بلکّین الصنهاجی و حصنها بالأسوار و أنزل بها الجیوش قصرت النصاری عن عادتهم و رضوا بدل الخراج بالبیع و الشراء معهم و هم ببرج المرسی الذی بالبحر.
و لم یزل خیر الدین لما تولی یحاصره و یقاتله و یصالحه إلی أن فتحه عنوة سنة ثمان و أربعین و تسعمائة کما مرّ و أول غزو النصاری لها بعد استیلاء الأتراک علیها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 260
سنة خمس و عشرین و تسعمائة فی ثلاثمائة و عشرین جفنا فهزمهم اللّه بعد ما قتل منهم خلق کثیر یزید علی عشرة آلاف و غزوها مرة أخری أیام (ص 195) خیر الدین أیضا فهزمهم/ اللّه و أسر المسلمون نحو الثلاثة آلاف. ثم غزاها الطاغیة بنفسه و هو کرلوص شارل الأول لما استولی المسلمون علی بر المرسی بها و ذلک سنة ثمان و أربعین من العاشر فی زهاء سبعمائة سفینة فبعث اللّه علیهم ریحا کسّرت لهم أکثر مراکبهم و من خرج منهم للبّر قتل حتی أن الطاغیة رجع فی اثنا عشر مرکبا و کل هذا أیام خیر الدین رحمه اللّه و مرّ الکلام علی هذا مستوفیا غایة. و نظیر هذه الغزوة غزة قسطنطین بن هرقل ملک الروم لما أخذت الإسکندریة و استولی علیها المسلمون و علی کنیستها العظمی و قد کان المسلمون أخذوها قبل ذلک فی خلافة سیدنا عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه ثم رجع لها النصاری بعد أول خلافة سیدنا عثمان بن عفان رضی اللّه عنه فأخرجوا منها و حلف عمر بن العاصی (کذا) لیترکنها کبیت الزانیة تؤتی من کل جهة فلما سمع قسطنطین بهدم حصونها غزاها فی ألف مرکب فی الشتاء فغرّقتهم الریح کلهم إلّا مرکبه نجا لصقلیة فأدخلوه الحمام و وثبوا علیه فقتلوه جزاء له علی فعله و غزوه فی ذلک الفصل. ثم غزوها سنة سبع و ستین و تسعمائة و لم تحصل لهم فایدة و رجعوا خائبین. ثم غزوها الغزوات الثلاثة المارة و هی سنة تسع و ثمانین من القرن الثانی عشر ثم السنة التی بعدها ثم سنة تسع و تسعین منه و هی ذات الصلح و تقدم هذا کله مستوفیا .

التحریر الثانی و النهائی لوهران و المرسی الکبیر

ثم فردینة السابع تولی سنة خمس و مائتین و ألف و بقیت و هران تحت حکمه و فی وقته جهّز لها من قیّضه اللّه لفتحها و أرشده لسعادتها و نجحها الممتطی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 261
منصة الرضوان و المشید رایات الإیمان و الباسط مهد العدل و الأمان، البای السید محمد بن عثمان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان أتحفه اللّه برضاه، و جدد له اللطف و أمضاه سنة خمس و مائتین و ألف من هجرة من حاز للکمال و الشرف و الوصف، جیشا حصل له به النصر و السرور و الاطمئنان (کذا) فخرج به من المعسکر قاصدا بحول اللّه و قوته فتح و هران و قدم أمامه/ البارود فی عدّة صنادیق و جعله ذخرا ببرج (ص 196) شلابی الترکی بوادی سیق. ثم نزل بجیشه بوادی الحمام و رحل منه مرتجیا النصر له من المالک العلام. فنزل بسیق و هو کاللیث الضرغام و ارتحل بقصد قتال النصاری بغیر الملام. فنزل بوادی تلیلات و اشتاقت نفسه لدخول روضات الجنات ثم ارتحل من الغد و هو بفعله کالغانج فنزل بوطاء وادی الهایج، و اجتمعت عنده الأعراش بالتمکین و جاءه المخزن و النصر بلوح علیه من رب العالمین. و کان الوقت وقت الحصاد، و الذی فیه تجمع قوت سنتها سائر العباد، فتفاوضوا معه فی الأمر و تشاوروا، و تجاوبوا معه فی القول و تحاوروا، و قالوا له یا نعم الأمیر الرأی الذی لنا و لک فیه العزّ المنیف، أن تدع هذا القتال و تؤخره إلی وقت الخریف، لتذهب الناس لجمع عیشها، و تتفرغ لقتال العدو بجیشها، فأجابهم بقوله رأیکم فیه الحکمة و الصواب و لاکن (کذا) أنتم و نحن فی رأی الأولیاء و العلماء أولی الألباب فهم أدری بالأمور، و بإشارتهم یکون الفوز و السرور فبعثوا فورا للولی الشهیر، بسیدی محمد أبی دیة الضریر، و هو بزاویته بجبل تاسّالة، فأتوه به فی أکمل حالة لحالة کمّاله، فاجتمع هو و أعیانه به فشاوروه، و تردّد القول بینه و بینهم و حاوروه، فقا الولی لهم قولته الکاملة أنک لا تفتحها فی سنتک هذه و إنما تفتحها فی محرم السنة القابلة. فسّر البای و فرح و اطمأن قلبه و انشرح. و کان البای معتمدا علی کلام الولی الصوفی سیدی الأکحل ابن عبد اللّه الخلوفی و کان أبو دیة مأذونا له فی الکلام، و مشهورا بذلک عند الخاص و العام، حتی صار یقول من أبی دیة الخبّار، لم یبق من یعط الأخبار.
و عند موته باع الولایة لأبی عمامة، فقام مقامه فی التکلم بأحسن استقامة، و لما سمع البای کلام أبی دیة ارتحل من حینه و لأمّ عسکر رجع. و صار یراصد الوقت الذی له أنفع، و لما دخلت سنة ست من الثالث عشر بالإثبات قدم لفتحها فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 262
مائة فسطاط إلی أن نزل بوادی تلیلات. و بها جاءه ولیّ بهلول من غیر خلف من أولیاء اللّه المفتوح لهم حجاب الکشف و صار یدور فی المحلة و یقول یا أمیر (ص 197) المؤمنین/ إذا أردت أن تفتح و هران فجی‌ء لها (کذا) علی طریق جنین مسکین، و کان الجنین ببلاد أولاد علی قریبا إلیه، فلما سمع البای ذلک أحضره لدیه، و قال له أیها السید ماذا نقوله فی مقالک فقال له القول هو ذلک، و إلا فأیّس من فتحها بتحقیق الخبر، فساعده البای و رجع للمعسکر ثم خرج بمحلته المنصورة و نزل بحمام أبی الحنیفة ثم بالزفیزف و بعده بالقعدة، فنزل بجنین مسکین، و قلبه مطمئن بالفتح آمین، ثم تقدم لتلیلات، فجاءه الولی بها بالبشارات قائلا له إنک تفتحها بإذن اللّه. و یکون لک فیها العزّ و الجاه، ثم ارتحل و نزل بالضایة، قبلتها فی صحیح الروایة، ثم ارتحل و نزل علیها و حاصرها، و ضایقها شدیدا و قاهرها.
و کان القتال له علیها مترادفا، و الحصار لها من کل جهة متخالفا، و حضر لقتاله بها عدد من الطلبة یزید علی الخمسمائة، رائسهم (کذا) الشیخ محمد ابن المولود المخیسی المعدد لهم عدد الحیسی، و فیهم العلامة الأجل، المازونی صاحب الحاشیة علی الخرشی المسمّة بدرة الحواشی، فی حلّ ألفاظ الخراشی، و قد باشر هذا الأمیر حربها بنفسه، مدخرا ثواب ذلک لرمسه، و لم یکن رحمه اللّه و أدام وجوده، و خلّد ذکره و وفی معهوده، إلا فی محلته المعهودة له فی سائر الأیام و هی مائة فسطاط، و لم یمده محمد باشا بمدد یظهر منه فی هذا الأمر النشاط و قد توفی هذا الباشا أثناء الحصار و تولی بعده حسن باشا فی صحیح الأخبار، فأقرّ الأمور علی ما کان علیه و لم یزده حامیة إلا ما کان لدیه، حتی فتح اللّه هذا الفتح المبین، الذی أضاء به للإسلام الجبین، و تبسّم به فی الثغر وجه الدین بعد عبوسه و استبدل النعیم بعد ضنکه و بؤسه، لا کما وقع للسید مصطفی أبی الشلاغم ابن یوسف المسراتی فی فتحها الأول المزیل به لکربها، فإن الباشا محمد بکداش رحمه اللّه وجّه له من الجزائر الجیوش لحربها، و أمّر علیها من عرفت نجدته، و ظهرت فی المضایق شجاعته و شدته، ردیفه و وزیره و صهره و خبیره السید أوزن حسن رحم اللّه الجمیع برحمته التی لیس فیها ثبط و الأمیر (ص 198) مصطفی فهو/ علی محلته فقط. و تحرک لها الأمیر محمد فی العام الثالث عشر من ولایته، رایما النجح (کذا) و التوفیق من اللّه فی عمله و سعایته. و رأیت فی بعض
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 263
التقایید أنه من حین قصدها فی العام الخامس. لم یرجع عنها إلی أن أکمل له الأمر بالفتح و اندحض کل جالس. و قد أفرد ابنه الأمیر عثمان فی هذا القتال، بمحلة فکثر منها علی الأعداء النّزال و صار الحرب بین الأمیر و النصاری سجال.
و قد أثخن الطلبة فی النصاری إثخانا عظیما حل به علی النصاری التبدید و النکال. یقال فی صحیح الحکایة الموذنة للنصاری بالنکایة. أنّ من شدة قتال الطلبة للنصاری، تقدموا لهم من غیر توان و لا قصاری إلی أن سبق طالب لنصرانی و ارتمی علی ظهره، و لم یخش من بأسه و مکره، بل صیّره لنفسه مطیّة، و قال هذا إلیّ من اللّه عطیة. و کان الطالب لطیفا، و فی جسمه نحیفا، فذهب به ذلک النصرانی و هو علی ظهره فارا للمدینة، و ترک القتال و حلّت به الغبینة لم ینزل الطالب عن ظهره، و لا حاجة له فی نهبه و أمره، و إنما استخرج من جیبه سکینا صغیرا و صار یجرحه به تجریحا مترادفا کثیرا، و النصرانی لا یبالی بذلک و قصد به البلد، و لما رأی بعض الطلبة ذلک جری فی أثره بالقوة و الجد، إلی أن لحقه فضربه للعراقیب بالسکین فخر النصرانی صریعا و قرب أجله فی الحین، فقتله الثانی و اجتزّ رأسه و أتیا به معا لمحلتهما فی غایة الاقتباس، و کل ما فعلاه فهو لمرءات الناس.
و یحکی أن الطبجیة الذین بمرجاجوا حققوا النیشان بغیر اشتباه، و ضربوا بکورهم فسطاط الأمیر و هو بوسطه فکسروا رکیزته، و نجاه اللّه، فجاء أحد الطبجیة الذین بمحلة الأمیر إلی محل اختاره و هو فی غیظ کبیر، و جعل نیشانا صحیحا نحو المدفع الذی جاءت منه الکورة، و کوی مدفعه فذهبت منه بسرعة الکورة، إلی أن دخلت جوف المدفع الأول فعطّله و نال حالة مشکورة، قیل و لم یخدم ذلک المدفع المعطل للآن. و رحل البای من منزله و نزل بالمبرک غربی و هران، و لا زال رحمه اللّه یحرض النّاس علی قتالها، و یتقدم لفتحها و زوالها فعدل نصره اللّه عن طرق عواقبها، فلم یعتبرها و لم یعبأ بثواقبها، و لم یلتفت لقول المرجفین من أنها ذات بأس شدید، و جند کثیر/ عتید، و أنّ اعتناءه بها فهو (ص 199) من قبل اللعب و اللهو، لکونها أمنع بعقاب الجو، و أن عاقبة أمره معها عدم الظفر بها و قتل جنده بلا طائل، لا حصول قوة و نایل، بل نبذ ذلک کله وراء ظهره، و لم یعمل إلا برأیه و أمره و لم یستشر فی ذلک أحدا خوفا من تثبیطه و عدم شدته
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 264
و تنشیطه، لما فیه من رشده و نجحه سوی سیفه و رمحه، و دام حصاره لها بالقتل، الصادر منه و من جنوده، و شدة صواعقه و مدافعه و کوره و باروده، إلی أن فتحها فی أوائل المحرم سنة ست من القرن الثالث عشر بقتاله الذریع، و دخلها فی الیوم الخامس من رجب الفرد ضحی یوم الإثنین من سنته فی فصل الربیع. و قد أقام النصاری بها فی هذه المرة الثانیة التی صارت بعد الفتح کالسنة ثلاثا و ستین سنة، و فی الأولی خمسا و مائتی سنة، و لما دخلها فی ذلک الیوم المبارک، أناخ بها راحلته و لا له فیها معاند و لا مشارک.
و اختلف فی کیفیة فتحها علی ثلاثة أقوال: قال بعضهم أن الأمیر فتحها عنوة و دخلها بعد الزوال. و قال آخر أنها فتحت بشدّة الزلازل الحالة بها فی کل حین ففرّ منها النصاری دون علم من المسلمین و لما ذهب لها الطلبة لیلا للاختلاس و التجسیس. لم یجدوا أحدا عند أبوابها و لا بها حس و لا حسیس.
فتسوروا علیها من جهة رأس العین و دخلوها، فوجدوها خاویة علی عروشها ثم جالوها مفرقی أحدهم المنارة و رجع صوته بالأذان. و کان جهیر الصوت ذا تطریب و ألحان، فسمع المسلمون ذلک و تحققوا من الطلبة أنقامهم، فأتوها و الأمیر المؤید بالنصر أمامهم، فألفوا الطلبة مقبلین علی تلاوة القرآن، فدخلها الأمیر رحمه اللّه فی أمن و آمان.
و قال الحافظ أبو راس أن أمیر المؤمنین السید محمد بن عثمان بای الإیالة الغربیة و تلمسان، لما ضایق و هران أشد التضییق، سأل منه النصاری السلم و التوثیق، و راودوه علیه فأعطاهم الأمان، علی أمتعتهم و أنفسهم من غیر امتهان، (ص 200) فذهبوا منها و ترکوا کل ما فیها للأمیر فأخذه منهم بالقیمة بلا تجمیح،/ و قیل ترکوها خاویة و الأول منهما هو الصحیح.
قال الحافظ أبو راس فی السینیة:
حتی تدارکها اللّه برأفته‌من بعد ما مضی لها مدة العنس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 265 بتقلید المغرب الوسط لعمدتناأضاء شمسه بعد حالک القلس
ملک تقلدت الأملاک سیرته‌دنیا و أخری تراه محسن السیس
مؤید لو رمی نجما لأثبته‌و لود عاد بلا لبّ و ما احتبس
شهم شجاع بحزم الملک متّزرو مرتد النصر و فی الحلم ذو طخس
فملک آل مندیل تحت سلطانه‌قد کان مدّ من واجر إلی تنس
کذاک ملک تجین فی إیالته‌کذا الجدار القدیم المتقن الأسس
ملک لآل یغمور فیه نصرتهم‌کذاک ملک ابن یعلا الیفرینی الرئیس
لشعنب و مصاب مدّت طاعته‌علی مسافات شتّی من أبی الضّرس
فمهّد الکل برخص و عافیةقد آمنوا کلهم عواقب الفلس
محمد بن عثمان نجم سعدهم‌رصد من کلّف یصع و من سجس
مدة ست و سبع من إمارته‌حلّ بأهل و هران الویل فی التعس
عمّر کل مرصد کان مسلکهم‌بالخیل و الراجل مع حلق العسس
طلبة أثخنوا فیهم و عاثوا فلاتفسهم بقیس عبس و لا بیهس
أحیوا مراسم عفت من شیوخهم‌أحمدا و محمدا و ابن یونس
سنة خمس أتی لها بکلکه‌جند عظیم ما بین الشهم و الحوس
مدافعا و عرادات أحاط بهاکأنها بینهم کحلقة الجلس
یکاد یصدع الشامخات باروده‌رعد سحاب مدیم الصعق و الجرس
یفنی الفناء و لا تفنی له حروب‌کأنّه من صروف الدهر لم تیس
یشیب من حربه رأس الغراب و لایشیب رأس نهار دایم الغلس
یسودّ مبیض وجه لرجاه- و لایبیضّ مسوده من شدة الدمس
بنقع خیله و دخان باروده‌یوم حلیمة أو کرج لأرمنس
فحار بطریقهم من بأسه فرقاو قلبه مملوء بالرعب و الوجس
/ أخبارها قد طارت فی الأرض قاطبةلقتنا فی أمدوجات من ورا قابس
(ص 201) أوبة حجّنا فقلنا هنیئا لناوصلنا حجّ جمع بالجهاد النفس
وجدنا سوسة و المنستیر قد سمعامدینة اللخمی و جربة مع تونس
عدة أشهر الحرب یساجلهاطالع سعد له علیهم بالنحس
فطلبوا السلم من بعد مراودةفأعطوا الأمان علی الأمتع و النفس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 266 فکانت مدتهم فی هذه کمج‌جری بذا القلم قدما فی الطّرس
هم یخربون بیوتهم بأیدیهم‌فاعتبروا یا أولی الأبصار و النفس
بنوا النضیر فی المشر سبقوهم بذافکیف بالروم بفعل الیهود تس
نصاری و هران ترکوها عامرةفالحمد للّه آمنا من الهجس
بأبی عثمان و عثمان قد رجعاإلینا ما یسلّی عن أرض أندلس
رماهم اللّه بالملک أمیرنارمیة سهم أتتهم علی غیر قس
أقام أحوالا للأعدا منوّعةبالمکر و الکید و الأنفاض و الدسس
إلی أن قال:
فی خامس الفرد ضحی یوم اثنینه‌کان الدخول بعون الملک القدّس
سنة ستّ ثم الحمد لخالقناوصل أیضا علی المنقی من الرجس
و قال فی بقائهم بها فی الأولی کما مرّ:
ففتحت عنوة فی تسع عاشرةمن بعد سکنی؟؟؟ و الدین فی وکس
و لما اصطلح الأمیر محمد بن عثمان مع نصاری و هران، علی رفع القتال (ص 202)/ عنهم یخرجون منها فی أمان، صاروا یخربون بنیانها بالألغام. نکایة منهم للمسلمین بالاحتکام، کفعل بنی النضیر أحد فرق الیهود الذین بإزاء المدینة المنورة، لما عزموا علی الجلاء بالمشتهرة لما حاصرهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تسلیما، و شرفه و کرمه تشریفا و تکریما.
ثم أن و هران لما منّ اللّه تعالی بمنه و فضله علی المسلمین بفتحها من الإسبانیین بالبیان، علی ید الأمیر المؤید بنصر اللّه السید محمد بن عثمان، بای الأیالة الغربیة و تلمسان، طار خبرها للمشارق و المغارب و حصل السرور للمسلمین الأباعد و الأقارب، و استبشروا بالفوز و الربح و النجح و الحبور، «و قالوا الحمد للّه الذی أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شکور».

من اخترع البارود؟

قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران و اختلف فی أول من عمل البارود علی ثلاثة أقوال. فقیل اخترع ببر الصین فی الزمان القدیم و نقله المسلمون عنهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 267
لهذه الأماکن و قیل اخترعه الروم لما نزلوا بقرب تونس لأخذها فی سنة تسع و ستین و ستمائة و قیل أحدث فی نیف و ستین و سبعمائة أحدثه حکماء المسلمین و هو المشهور و ذلک أن حکیما کان یعالج صنعة الکیمیاء فعالج ذلک ففرقع له فأعجبه فاتخذه لآلة الحرب و هو قول الحافظ البنانی فی حاشیته علی الزرقانی فی باب الذکات و الحافظ أبی راس فی کتبه و الحافظ الرباصی علی العمل الفاسی. و أما المدافع و البنادق فأحدثهم النصاری بإسبانیا و إفرانسا سنة أربعین و سبعمائة.

تتمیم لملوک/ الإسبانیین‌

(ص 203) ثم ززاف الفرانسوی صنو سلطان الفرانسیس (کذا) نابلیون بونبارت (کذا) تولی سنة خمس و عشرین و مائتین و ألف و بقی فی الملک خمس سنین. ثم فردینة السابع تولی مرة ثانیة سنة ثلاثین و مائتین و ألف و بقی عشرین سنة. ثم إیزابلة الثانیة تولت سنة خمسین و مائتین و ألف و بقیت فی الملک خمسا و ثلاثین سنة. و فی سنة ست و سبعین و مائتین و ألف جهزت جیشا لغزو تیطاون بهذه العدوة من المغرب الأقصا (کذا) فحصل بینهم و بین المسلمین قتال ذریع ثم استولوا علیها و بقوا بها نحو ثلاثة أشهر ثم خرجوا منها مختارین علی أخذ مال معیّن من سلطان المغرب. ثم صار حکمهم للجماعة الجمهوریة الشوریة بینهم سنة خمس و ثمانین و مائتین و ألف و بقوا علی ذلک سنتین. ثم أمادی تولی سنة سبع و ثمانین و مائتین و ألف و بقی فی الملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 268
ثلاثة أعوام. ثم رجع حکمهم جمهوریا أیضا مرة ثانیة سنة تسعین و مائتین و ألف و بقوا علیه سنتین أیضا. ثم الفونص الثانی عشر و تسمّیه (کذا) المسلمون الفنش تولی سنة اثنین و تسعین و مائتین و ألف و بقی فی الملک عشرة أعوام و مات ملکا. ثم ابنه الفونص الثالث عشر تولی یوم موت أبیه و هو عام اثنین و ثلاثمائة و ألف و هو طفل صغیر فی کفالة أمه فهی المدیرة لحکمه و هو الموجود الآن فی الملک و اللّه یؤتی ملکه من یشاء و اللّه ذو الفضل العظیم.

قائمة أباطرة الرومان‌

(ص 204)/ و جملة ملوک الروم المشتهرین قبل الإسلام إلی أن ظهر الإسلام، ستة و خمسون ملکا. و أول من اشتهر منهم غانیوس ثم یولیوس ثم أغسطس و أصله بشینین معجمتین ثمّ عرب بسینین مهملتین و لقبه قیصر و معناه بلغتهم المبقور عنه لأن أمه ماتت بالطلق فأبقر علیه و أخرج فلقّب بقیصر و صار لقبا لملوک الروم و کان یفتخر به فیقول إنی لم أخرج من الفرنج کغیری ثم طیباربوس ثم غانیوس ثم قلوذونس ثم نارون ثم ساسیانوس ثم طیطوس و ملک سبعة أعوام و غزی الیهود و أسرهم و باعهم ثم ذو مطینوس ثم نارواس ثم طرایانوس و قیل غراطیانوس ثم إذریانوس و مات مجذوما ثم أنطونینوس الأول ثم مرقوس و قیل قوموذوس و شرکاؤه فی المملکة ثم قوموذوس و خنق نفسه فمات بغتة ثم فرطنجوس ثم سیوارس ثم أنطونینوس الثانی ثم الإسکندروس ثم مکسیمینوس ثم غورذ بانوس ثم دقیوس و یقال له دقیانوس ثم غالیوس ثم علینوس و لریانوس و قیل اسمه و لوسینوس ثم انفرد و لریانوس بالملک ثم قلوذیوس ثم أردفاس و قیل أورلیانوس و مات بصاعقة ثم قلرونوس ثم قاروس ثم دقیطیانوس و هو آخر عبّادة الأصنام من ملوک الروم ثم قسطنطین المظفر و مات تابعا لدین المسیح علیه السلام بعد ما ملک إحدی (ص 205) و ثلاثین سنة فی منتصف سنة ست و عشرین و ستمائة/ للإسکندر و لما مات انقسم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 269
ملکه بین أولاده الثلاثة، و کان الحاکم علیهم منهم قسطس ثم للیانوس و ارتدّ إلی عبادة الأصنام و قاتل سابور ذا الأکتاف و انتصر علیه ثم قتل فی أرض الفرس بسهم ثم یونیانوس و اصطلح مع سابور ذی الأکتاف ثم و النطیانوس ثم أنونبانوس ثم خرطیانوس ثم ثاودسیوس الکبیر ثم أرقاذبوس ملک بقسنطینة و شریکه أوثوربوس برومیة ثم ثاوذسیوس الصغیر و فی أیامه غزت فارس الروم و انتبه أصحاب الکهف من کهفهم ثم مرقیانوس ثم و الطیس ثم لاون الکبیر ثم لاون الصغیر ثم زبنون ثم اسطیثیانوس ثم یسطینینوس الأول ثم یسطینینوس الثانی ثم یسطینینوس الثالث ثم طبریوس الأول ثم طبریوس الثانی ثم ماریقوس الأول ثم ماریقوس الثانی ثم قوقاس ثم هرقل عظیم الروم و اسمه بالرومیة أراقلیوس و کانت الهجرة النبویة فی السنة الثانیة عشر من ملکه و هو الذی بعث له النبی صلی اللّه علیه و سلم مع صاحبه دحیة الکلبی رضی اللّه عنه کتابه یدعوه إلی الإسلام و أتیت بهذا استطرادا تتمیما للفائدة فی ملک الروم .

عودة وهران لحکم الدولة الثامنة الترکیة و الألقاب و الرتب الترکیة

ثم رجع ملک و هران للدولة الثامنة و هی دولة الترک فملک و هران منهم الأمیر المنصور/ الأسد الهصور، و ثانی بایات و هران الثمان، المجاهد فی سبیل اللّه السید محمد (ص 206) ابن عثمان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان، بعد فتحها من أهل التثلیث و الأوثان.
اعلم أن البای عند أتراک الجزائر لقب لمن ولّی أحد الإیالات الثلاث و هو:
تلمسان، و تیطری، و قسنطینة فقط. و الباشا لقب للذی یولّی البایات الثلاث و لذا یقال له باشا بای و بای البایات و دولاتلی قال الحافظ أبو عبد اللّه محمد الصغیر الیفرینی فی کتابه نزهة الحادی: و معنی البای بلغة الأتراک قاید القیاد و یختص به قاید الصبایحیة. و لما یعظمونه یقولون له البای لار. و قال الحافظ أبو راس فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 270
الخبر المعرب: و البای هو الذی یولیه الباشا ناحیة کبیرة فی عرفنا. و الحاصل أنّ أمراء الإسلام أعلاهم رتبة الخلیفة و قد انقطع هذا الاسم أوائل القرن العاشر.
ثم السلطان و هو الموجود الآن فی إسطنبول و المغرب الأقصا. ثم الوزیر و هو المتولی الحروب بإسطنبول. ثم الباشا و هو الذی یولیه السلطان قاعدة کبیرة کالجزائر و تونس و طرابلس و مصر و الشام و بغداد فی عرفنا الآن. ثم البای و هو عندنا من یولّیه باشا الجزائر جهة مخصوصة مثل قسنطینة، و المغرب الأوسط و غیر ذلک. و لار بمعنی جمیع و من ذلک یولضاش لار فیولضاش بمعنی الجندی و لار بمعنی الجمیع. و دأب العجم إضافة المضاف إلیه للمضاف عکس العرب لأن (ص 207) معنی هذه الکلمة بالعربیة جمیع یولضاش. و الانقشریة/. العسکر الجدید و ذلک أن السلطان مراد بن أورخان بن عثمان خان الخاقانی اتخذ ممالیک سنة إحدی و ستین و سبعمائة فسمّاهم بهذا الاسم فهو أول من سمی به و الرأی بمعنی الراءیس (کذا) و الأودباشیة لار الواحد أودباش و معناه رایس الدار علی عادتهم فی الإضافة فلفظ أود هی الدار و باش هی الرایس. و أعلا منه البلکباشیة.
فالبلک اسم الجماعة و الباش الرایس کما مرّ و معناه رایس الجماعة. و أعلا منه آغا. و مواطن البای ثلاثة:

بایلیکات الجزائر و أقسامها

أولهم بای تیطری و هو أکبر البایات اسما لأنه أول من ولته الدولة الترکیة بذلک المحل. و قاعدته المدیة. و ثانیهم بای الشرق یعنی الجهة الشرقیة و قاعدته قسنطینة. و ثالثهم بای الغرب یعنی الجهة الغربیة.

بایلیک الغرب الوهرانی و عواصمه و بایاته‌

و فی الحقیقة أنه هو الثانی فی المرتبة لکون الترک تولوا علی الجهة الغربیة و جعلوا فیها بای قبل الجهة الشرقیة. و قاعدته و هران. و هذا الثالث کان منوّعا علی نوعین أحدهما مازونة و أول بایاتها حسن بن خیر الدین باشا و سلم فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 271
وظیفة. ثم أبو خدیجة، ثم صواق و مات مسموما من سم سقته له زوجته. ثم السایح و بقی فی الملک إحدی عشر سنة و مات. ثم ساعد. و منه إلی محمد ابن عیسی تولی بمازونة عشرة بایات و ذهب عن حفظی ما تعلّق به منهم. ثم محمد بن عیسی و هو السادس عشر من بایاتها. ثم شعبان الزناقی الذی توفی بالجهاد فی و هران. و ثانیهما تلمسان و لم یبق بحفظی من بایاتها إلا عصمان، و یوسف/ المسرانی. ثم جمعا فی الثامن و تسعین و ألف لواحد و صارت القاعدة (ص 208) قلعة بنی راشد، ثم صارت المعسکر، ثم صارت وهران فی الفتح الأول، ثم صارت مستغانیم، ثم صارت المعسکر، ثم صارت و هران فی الفتح الثانی و استمر الحال علی ذلک إلی انقطاعهم.

طبیعة حکم البایات و موظفوهم و نوابهم‌

و لبایات هؤلاء القواعد الثلاث التصرف المطلق فی الرعیة العربیة بکل وجه من القتل و القطع و الضرب و السجن و العقوبة بالمال المسمّة (کذا) بالخطیّة إلی غیر ذلک دون متعرّض لهم فی شی‌ء، و لا یقدر البای علی قتل أحد من الأتراک إلّا بمشاورة الباشا بالجزائر و لما یؤذن له فی قتله و یقتله یقال فیه أنّ البای قد اشتراه من الباشا. و للبای خلیفتان من الترک أحدهما ینوب عنه فی الخروج للرعیة بالجهة الشرقیة خاصة لأخذ مال الدولة منها و یتصرف فیها بما شاء علی إرادة البای و فی القدوم إلی الجزائر عند الافتقار و یقال له خلیفة الشرق. و الآخر ینوب عنه فی قاعدته بالجلوس علی الکرسی إذا غاب البای فی الرعیة أو حالة الدنش و یقال له خلیفة الکرسی. و له کاتبان عربیان یکتبان له جمیع الأوامر و النواهی أحدهما کاتب السر و هو الکبیر و یقال له باش تافتار، و الآخر یکتب الرسایل و یسجلها إلی غیر ذلک و هو الصغیر. و له وزیران من العرب أحدهما کبیر و هو من أعیان الدوایر و یقال له قاید آغا و علی یده ما سوی المدن و الزمالة و الغرابة و مجاهر و فلیتة و رعیة خلیفة الشرق و الیعقوبیة فله دایرة کبیرة. و الآخر صغیر و هو/ من أعیان الزمالة و یقال له قاید کبیر و علی یده الزمالة (ص 209)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 272
و الغرابة و الیعقوبیة و مجاهر و حمیان فله دایرة صغیرة لکون آغا علی یده الدوایر و بنی عامر و جمیع الجهة الغربیة إلی وجدة ما عدا تلمسان و حوزها کما علی یده بنی و عزان و أولاده المیمون و أولاد بالغ و بنی مطهر و الجعافرة الغرابة و سایر الحشم و رزیو و بنی شقران و البرجیة جبلا و وطاء و زدامة و الحوارث و خلافة و فرندة و الکسانة و الأحرار فی بعض الأحیان و أولاد الشریف و أولاد الأکرد و أولاد خلیف و سایر سوید و أولاد عاید و أولاد عیاد و بنی أمدیان و سایر من بالجبال. و حاصله أنه یمتد حکمه إلی ثنیة الحد فله دایرة کبیرة بخلاف قاید الزمالة فله الخمسة الأعراش المذکورة. و لا آغا الدوایر مشورة فی رعیة خلیفة الشرق و هذا المنصب لا یتولاه من الناس إلّا من کان من أبناء البیوت الکبار المتأهلین له غایة التأهل. و من جملة الأعیان المعتمد علیهم فی سایر الأمور، و یشتری من البای بمبلغ وافر من المال و کان قبل أن یتولاه المزاری یبلغ عشرة آلاف فرنک بل ریال أو عشرة مایة شک من الراوی و لما تولاه المزاری أبلغه إلی عشرین ألفا أو عشرین مائة شک منه أیضا. و هاذان (کذا) الوزیران هما الذان (کذا) یقبال (کذا) دعاوی العرب و شکایاتها کل فیما یلیه ثم یعرضانها علی البای للتنفیذ و لهما مدخل عظیم فی ذلک فلا بد للبای من مشاورتهما کل فیما یلیه و تارة یجمعهما للمشورة. و له ثمانیة شواش أعوان أربعة من الترک و لباسهم مخالف للباس شواش الباشا فهم عند البای کسائر العسکر لکون خدمتهم لیست موظّفة من عند الباشا و إنما هی موظفة من عند البای خاصة فله أن یأخذ من شاء (ص 210) لقطع الرأس و نحوه. و یسمون شواشا ما داموا/ فی الخدمة لا غیر. و أربعة من العرب للتقدیم و التأخیر و ضبط أحوال البای و أموره و یقال لهم شواش بنی عرب و له سبعة طبول و غوایط و ناغرات وعدة سناجیق یحملهم معه حال رکوبه و له فسطاط کبیر جدا یقال له الوتاق یحمله اثنا عشر جملا فضلا عن البغال.
و المتولی أمور داره یقال له قاید الدار و أمور سلاقه یقال له قاید السلاق، و أمور سبسیه یقال له قاید السبسی، و أمور ظلیلته یقال له قاید الظلیلة و أمور کرسیه یقال له قاید الکرسی، و أمور طابعه یقال له قاید الطابع، و أمور جنانه و منزهه یقال له قاید الجنان، و أمور مکاحلیته یقال له قاید المکاحلیة، و أمور خزنته یقال له خزندار و خزناجی، و القاطع للرأس بأمره یقال له طزبیر إلی غیر ذلک.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 273

کیفیة حمل الدنوش إلی الجزائر

و للبای شرط فی الدخول للجزائر فی کل ثلاث سنین إن لم یکن به عذر من مرض و نحوه و إلّا بعث خلیفة الأول و هو خلیفة الشرق عوضا عنه و یسمی هذا الدخول بالدنوش و سببه فی کل ثلاث سنین الإعطاء لمال الدولة بید الخزناجی و الإعطاء للعواید الجاریة و فی یوم دخوله یقع المهرجان العظیم بالجزائر تخرج فیه أکثر الناس من البلاد لملاقاته و التفرج فی ذلک المهرجان و صفته: أن البای إذا قدم للجزائر لما یبقی بینه و بینها مسافة سیر الاربع سوایع (کذا) ینزل فی محل معزولة (کذا) یقال له حوش البای و منه یقدم للجزائر فیصل قبل الفجر لمحل یقال له عین الربط فینزل به إلی ارتفاع النهار و انفتاح الأبواب فیرکب أرباب الدولة من الخزناجیات و الأغوات و خوجة الخیل و الدیوان و غیرهم و یخرجون للقائه و معهم نوبة الباشا تضرب علیهم فإذا وصلوا لقربه رکب/ البای (ص 211) و من معه تحت الألویة و الرایات و تضرب نوبته و یتوجه نحوهم و لما یقرب منهم تسکت نوبته و تبقی نوبة الباشا تضرب ثم ینزل البای و من معه علی خیولهم و یمشی خطوات ثم ینزل الخزناجی و من معه و یسلم کل فریق علی صاحبه و یجلسون فی محل مرتفع هناک فتتسابق الخیل فی جریها أمامهم علیها فرسانها و یضرب البارود و یسمی هذا بالملعب و اللعب ثم یرکبون جمیعا و یقصدون الباشا و من حین الرکوب یشتغل البای بتفرقة الدراهم و رمیها علی رؤوس الناس الواقفین یمینا و شمالا إلی أن یصل لمقر الباشا فینزل و یدخل علی الباشا فیحییه بأحسن التحیة و یؤدی له الطاعة بالمبایعة و یجلس هنیئة معه ثم ینصرف للمحل المعد من طرف الدولة لنزول البای فینزل به ثم یباشر خدمته وکیله المقیم بالجزائر المسمی بوکیل البای و تلک الرتبة لا تعطی إلّا لمن کان هو أهل لها فتأتیه فی یومه الأول الأطعمة بما یتبعها ثم یشتغل فی الیوم الثانی بتوزیع العواید الجاریة فأول ما یبدأ به الباشا فإذا کان بای الشرق فإنه یدفع بعد مبلغ وافر من المال، البرانس، و الحیاک، و المصوغ، و إذا کان بای الغرب فإنه یعطی بعد وافر المال، العبید و الإیماء، و الحیاک، و ریش النعام، و بیضه، و الزرابی، القلعیة، ثم یعطی لأرباب الدولة و أصحاب المناصب حتی الشواش و غیرهم عوایدهم. و بعد دفع العواید اللازمة و غیرها تضیفه أرباب الدولة و أکابرها و یعطی فیها مالا ءاخر (کذا)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 274
لخدام المحل علی سبیل الإکرام زیادة علی ما یدفعه للخزنة و یمکث فی البلد (ص 212) ثمانیة أیام لا غیر و یرجع لمحل عمله و إذا خرج للرجوع لأهله فإنه لا یخرج/ معه من أرباب الدولة إلّا ءاغا لا غیر فیشیعه علی مسافة نحو الساعتین و الثلاث و یرجع عنه بعد أن یدفع له فی تشییعه قدرا جلیلا من المال إکراما له. ثم إن الباشا إذا أراد قتله یبعث له من یقتله بمحل القتل و کذلک إذا أراد قتله قبل لقائه فإنه یبعث له من یقتله فی الطریق قبل الوصول بحسب ما اقتضاه أمر الباشا من خنق و غیره.
و لا یتولی بای، أو خلیفته، أو قیادة المدینة، أو المرسی، أو فلیتة، إلّا من کان ترکیا أو قرغلیا.

أقسام بایلیک وهران الستة

اشارة

و لبای و هران فی دائرته تقسیم: فالقسم الأول المرس یکونون علی ید قاید المرسی و هو أعلا (کذا) رتبة من سائر القواد لکون وسق البحر علی یده مدخولا و مخروجا و علمه بمن یأتی من الأفاقیین و غیرهم و اطلاعه علی إتیان العدو للاختلاس. و القسم الثانی دائرة آغا الدوایر غربا و بحرا و شرقا و قبلة. و القسم الثالث دائرة قاید الزمالة و هی الأعراش الخمسة المارة. و القسم الرابع دایرة خلیفة الشرق و ذلک من مینا إلی انتهاء رعیته و هران شرقا و بحرا وطاء (کذا) و جبالا و مخزنه المکاحلیة و أولاد سیدی عریبی و من انخرط فی سلکهما من أهل الفضاء و غیرهم نائبة له کما أن ما عدا الدوایر و الزمالة و الغرابة و البرجیة نایبة للأکابر و هم رؤساء الدوایر و الزمالة و غیرهم من أعیان الدولة المخزنیة بوهران.
و القسم الخامس المدن کوهران و تلمسان و المعسکر و القلعة و مستغانیم و مازونة و أحوازهم و هؤلاء علی ید قاید البلد، و تحته شیخ عرفی یقال له شیخ البلد. و القسم السادس فلیتة و هم علی ید قاید فلیتة، و من یتولی قیادة فلیتة و تلمسان فإنه یسوغ له أن یتولی بایا إذا کانت له إعانة بالجزائر.

البای مصطفی بوشلاغم المسراتی‌

(ص 213) و أول بایات و هران مصطفی أبو الشلاغم/ ابن یوسف بن محمد ابن إسحاق المسراتی الذی جمع له فی تولیته بین الإیالة الشرقیة و الغربیة تولی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 275
بایا علی مازونة و تلمسان فهو أول من جمعت له الإیالة الغربیة بتمامها سنة ثمانیة و تسعین و ألف و نقل کرسی المملکة من مازونة و تلمسان معا للقلعة، ثم للمعسکر، و جعلها قاعدته لکونها وسطا بین مازونة و تلمسان. و لما غزی و هران و أمدّه الباشا السید محمد بکداش بالجیوش العدیدة لنظر وزیره أوزن حسن و فتحها عنوة صبیحة یوم الجمعة السادس و العشرین من شوال سنة تسعة عشر و مائة و ألف نقل کرسی المملکة من المعسکر لوهران فسکنها بأهله و جعلها قاعدة ملکه. و بنا (کذا) بها و قیل بمستغانیم قبّة جلیلة و روضة جمیلة، فی آخر (کذا) شعبان سنة ست و عشرین و مائة و ألف و حبّسها للدفن علی عقبه و عقب عقبه و کتب فیها اسمه و تاریخ بنائها و تحبیسها بما نصّه: حبّس هذه القبّة المبارکة و الروضة المرونقة أمیر المؤمنین، العاشق المحب فی سید المرسلین، البای مصطفی بن یوسف محی الدین رزقه اللّه کمال الیقین، و أفاض علیه من کرامة الصالحین، آمین یا رب العالمین علی عقبه و عقب عقبه بأن لا یدفن فیها غیرهم و من بدّل أو غیّر فاللّه حسبه و یتولی الانتقام منه و أتممت و کملت هذه القبّة علی ید المعلم أسطی أحمد أعراب الجزائری بتاریخ أواخر شهر اللّه شعبان عام ستة و عشرین/ و مائة و ألف ثم هاتین البیتین من الرجز:
یا داخل القبّة اللّه یرعاک‌أبشر بما ترجه من خیر مولاک
و کتب لهذه الأسطارأسطی أحمد صفه بالنجّار
و علی القول بأنه بناها بمستغانیم فهی التی بمدینة المطمر من مستغانیم و هی التی دفن بها لما مات. ثم بنا (کذا) الأقواس التی بالبلانصة من وهران و کتب علیها اسمه و تاریخ البناء بما نصّه: الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علی من لا نبی‌ء بعده، أمر ببناء هذه الأقواس المجاهد فی سبیل اللّه السید مصطفی ابن یوسف عام ثمانیة و ثلاثین و مائة و ألف و لما دخل و هران بقی بها إلی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 276
أن أخرجه الإسبانیون منها و دخلوها مرة ثانیة سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف فخرج منها و سکن مستغانیم و صیّرها قاعدة ملکه و بقی بها إلی أن توفی سنة ست و أربعین و مائة و ألف بعد ما ملک ستا و أربعین سنة فدفن بها و علی ضریحه قبّة مرونقة یجاوره بها قبر ءاغته الفارس الباسل الشجاع الکامل، البطل الصندید، الهمام العتید، الذی لا یطرق ساحة جاره الهم الملزومی، السید البشیر بن أحمد نجد المخزومی جد البحایثیة، أصحاب الأقوال الصادقة و العطاء الحایثیة. و لما حل أبو الشلاغم بمستغانیم و معه ءاغته البشیر المذکور بنا (کذا) کل واحد منهما بها برجا جلیلا فما بناه البای یقال له برج الترک الأبطال، و ما بناه ءاغته یقال له برج (ص 215) المحال. و توفی ءاغته المذکور، صاحب الاسم المشهور، ضحی یوم/ الاثنین رابع عشر من أول الربیعین سنة خمسین و مائة و ألف من هجرة حائز کمال الوصف. و لما مات رثاه العلامة الربّانی السید یوسف بن بغداد الزیانی، بهذه الأبیات:
هنیئا لک الجنان لا السّعیریا کافل الأرامل یا بشیر
لقد عشت سعیدا فی رغد عیش‌و فزت بالشهادة یا أمیر
ببلدة مستغانیم کان المثوی‌فنعم السکنی سکناک یا نحریر
و جاورت بالضریح خیر إمام‌و بالمطمر ضریحک مستنیر
فمن للأرامل و الیتامی‌و من إلی العلماء نصیر
لقد بکا (کذا) هذا القطر علیک‌و صار رونق القدر دثیر
و فی ضحی الإثنین فی نقط یدّمن أول الربیعین مسیر
سنة نشق کان الارتحال‌و حلّ بنا من الفراق تدمیر
ه، و لم یمت حتی أخّر نفسه عن الخدمة و صیر أکبر أولاده بن عودة بمحله بموافقة بای الوقت علی ذلک. و محمد بن إسحاق المسراتی جدّ أبی الشلاغم هو الذی بنا (کذا) قصبة القلعة التی یقال لها قصبة المسارتیة و یقال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 277
لها أیضا قصبة بنی یوسف . و کان للمسارتیة ریاسة و عزة کاملة بمسراتة و القلعة و انقطعت بموت محمد بن إسحاق جد أبی الشلاغم و لما مات محمد خلّف زوجة حاملا فأتت بولد ذکر وسمته یوسف ثم ماتت عنه و خلّفته فی کفالة أمها.
و کان بمسراتة ولی کبیر من أولیاء اللّه المشاهیر یقال له سیدی عابد/ ابن الزرقاء (ص 216) یتعبد بمغاراتها التی بوادیها و أصله من أولیاء غریس فاشتهی یوما دشیشا باللّحم فسمعت به جدة یوسف المسراتی فصنعت ذلک و أتته به لمحل تعبده و معها مکفولها حفیدها یوسف و لما أکل و رأت منه الإقبال علیها قالت له یا سیدی أدع اللّه لخدیمک هذا الیتیم من الأبوین فقال لها، هو خلیفة علی خلیفة إلی ما شاء اللّه، و إن تعدّ الحدود زالت عنه ضمانتی، و خرج من دعاوتی. و لما کبر یوسف قدم إلی الجزائر و انکتب جندیا و کان بنواحی قسنطینة رجل یقال له یونس قاطع للطریق لا ینجوا (کذا) منه أحد مشهور بالحرابة و قد نهب أموالا عظیمة و لما بلغ خبره للباشا بالجزائر و تکررت علیه الشکایة به جمع جنده و أرباب دولته و قال لهم یا قوم إن یونس القاطع للطریق کثر ضرره للمسلمین و تعطلت السبل بسببه ألم یأتکم عیب تدعونی أغزوه بجیشی و هو رجل واحد فقال له یوسف المسراتی أنا أکفک أمره یا سیدی فذهب له و قتله و اجتز رأسه و أتی به للباشا ففرح به کثیرا و أعزّه شدیدا و قال له اختر أی عمالة من هؤلاء (کذا) الثلاث أجعلک بها بایا فأبی و اختار أن یکون خلیفة ببلد قسنطینة فذهل لها و بقی بها مدة طویلة ثم جاء للناحیة الغربیة فسکن بمستغانیم ثم انتقل للقلعة بلد أسلافه و بقی بها خلیفة إلی أن مات و ترک ثمانیة أولاد ذکور و بنتا و هم مصطفی أبو الشلاغم، و یوسف، و مصطفی الأحمر، و مصطفی قاید، و محمد زرق العین، و محمد أبو طالب المجاجی، و محمد بن الزرقا، و عابد، و خروفة. فأول/ من تولی منهم بایا (ص 217) بالإیالة الغربیة مصطفی أبو الشلاغم بن یوسف بن محمد بن إسحاق المسراتی کما مرّ.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 278

البای یوسف المسراتی‌

ثم أخوه یوسف بن یوسف بن محمد بن إسحاق المسراتی تولی یوم موت أخیه مصطفی أبی الشلاغم و بقی فی الملک سنة واحدة و مات بتلمسان بالوباء سنة سبع و أربعین و مائة و ألف و دفن بها و کان ءاغته الصندید الکامل، الحائز للفضایل و الفواضل، من فی العطاء لا یعدّ و إنما یحث السید بن عودة بن البشیر ابن بحث.

البای مصطفی الأحمر المسراتی‌

اشارة

ثم أخوه مصطفی الأحمر المسراتی تولی سنة سبع و أربعین و مائة و ألف و سقی السمّ فمات بمستغانیم و دفن مع أخیه أبی الشلاغم. و کان ءاغته الجواد الذی فی العطاء لا یعرف العدد بل فیه یحث، الشجاع الوجیه منتشر الصیت و مسموع الکلمة بالجزائر دار الملک السید بن عودة بن البشیر بن بحث، و مات بمستغانیم و دفن مع أبیه بقبّة المسارتیة. و لما تولی السید ابن عودة المذکور مدحه العلامة السید عدة بن داوود العفیفی بهذه الأبیات التی مسکها دفور، فقال:
ترونقت بحسنها البهیج‌مستغانیم صارت فی التّبریج
لما حلّ السهم بها بن عودةءاغة من أقواله محمودة
کالأفعال فإنها مرضیّةو أنه نسبه بحثیّة
و ابتهجت عن جمیع المدون‌و جمیع القری مع الحصون
أکرم به من وزیر جلیل‌و ءاغة معظم جمیل
فاق بفضله جمیع الوزراو نال عزّا کاملا لیس یرا
أنخبه عن غیر المسراتی‌مصطفی الأحمر له المواتی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 279

البای محمد أبو طالب المجاجی المسراتی‌

ثم أخوه محمد أبو طالب المجاجی تولی بموضع أخیه مصطفی و بقی فی الملک تسعة أعوام و مات قتیلا من الدولة، و هو الذی ترک زیارة أولاد سیدی عابد ابن الزرقا و اشتغل بزیارة ولی اللّه أخی حمّ العیاشی المغراوی بعیاشة أحد بطون مغراوة بشلف فذهب وزاره بتسعة دنانیر ذهبا و سأل منه المملکة فقال له هی لک و تبقی فیها بعدد ما أعطیت و لو زدت فی العدد لزید لک فیه أیضا و لما سمع ولد سیدی عابد بذلک قال إن أبی صرّهم فی صرّة و إنی قطعتهم فی مرة، لم یملک بعد هذا إلا قاید صاحب المقبرة، و لینفعهم العیاشی لما ترکوا خدمة صاحب الدشاشی، و هذا سیدی عابد هو مدفون بمقبرة البراق و هو الجبل المطل علی القلعة. و کان ءاغته الطود الأعظم و الکنز المطلسم، ذو الأقوال و الأفعال المحمودة، البحثاوی السید ابن عودة، و قتله المجاجی المذکور بسبب أنه رءا (کذا) کلمته قد علت عند العرب و الأتراک، و خاف منه التولیة بموضعه أو توقیعه فی بعض الأشراک، فقتله غدرا، و لما لم یطلع أحد علی ذلک ذهب دمه هدرا، و فرّ أخوه إسماعیل بأخوته و أمه إلی الغرابة فاستقر عند أبی علام بن الحبوشی رایس الغرابة فی أمن و أمان، و عزّ و اطمئنان (کذا) ثم قال له أبو علام فی بعض الأیام یا إسماعیل قد اشتد الطلب علیکم و قد خشیت علی نفسی و علیکم من الوشاة أن یتملقوا/ بکلامهم عند البای فیمکر بالجمیع و الآن إنی أبعثکم عند (ص 219) دموش ولد لشحط العلیاوی رایس أولاد علی فتمکثون عنده فی الأمان علی نظری حتی ننظر فی عواقبکم بما قدره اللّه تعالی و لا یکون إلا خیرا فساعده إسماعیل علی ذلک و ارتحل بأمه و أخوته لأولاد علی و قد زوده أبو علام بکل ما یرید فنزل عند دموش و بقی هناک إلی أن تزوج دمّوش بأم إسماعیل فصاروا فی أمان مع نظر أبی علام ثم إن إسماعیل لما کبر و اشتهر بالشجاعة رکب فرسه و ذهب لأم عسکر لسوقها خفیة فقضی مئاربه (کذا) و لما رجع ألفی بالطریق أسدا فقتله ثم تعرّض به بعض المغاطیس بطریقه و هم ثلاثة فقتلهم و حین وصل لبیته تحدّث فی الدوار بما وقع له فمن الناس من صدق و منهم من ضحک و منهم من کذب فقال لهم مربیه و کان رجلا عارفا بالأمور من جملة أعیان أولاد علی لا تکذبوا ولدی فی قوله و لا تضحکوا علیه فإنه صادق فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 280
ذلک و تعرفون بسالته و شهامته و إن تمادیتم علی ذلک فإنی أعلم والده دموشا بذلک و یحل بکم الانتقام ثم أنه قال لإسماعیل ارکب فرسک و امش بی لذلک فرکب کل منهما فرسه و معهما أصحابهما و ذهبوا للمحل فألفوا الأسد و المغاطیس قتلی فسلخ مربیه الأسد و أخذ جلده به رأسه و اجتزّ رؤوس المغاطیس و حملهم علی أعمدة و ذهب بهم للمعسکر فأعطاهم للبای و هم عصمان صهر المسارتیة فقال له من فعل هذا فقال له إسماعیل ولد آغا البشیر ابن بحث و أخو آغا بن عودة ولد البشیر بن بحث فال عصمان نحبک تأتینی به لما الأثر لم ینقطع فالحمد للّه (ص 220) علی ذلک فأتاه به فجعله/ خلیفة علی آغا المخزن و هو الشریف الکرطی التّلاوی.

البای مصطفی قائد الذهب المسراتی‌

ثم أخوه مصطفی قائد الذهب لقّب بذلک کثرة جوده و إعطائه الذهب للناس و یقال له بای المحال تولی یوم موت أخیه المجاجی، و هو سنة خمس و خمسین و مائة و ألف و بقی فی الملک ستة أعوام ثم قام علیه صهره زوج أخته خروفة و هو الحاج عصمان بن إبراهیم ففرّ منه لوهران عند الإسبانیین. و سببه أن أخاه محمد زرق العین کان متزوجا بابنة دلّة الحشمی أحد أجواد الحشم و کان أکبر من قاید و خلیفة علیه فقال قاید لأخ زوجة أخیه زرق العین أقتله غدرا و لک ما تحب من المال و نولیک شیخا علی عرشک فذهب له صهره و قتله غدرا و أخبر قایدا بذلک ثم خشی من قاید و فرّ لعرشه فندم قاید علی قتل أخیه و لما اعتدت زوجة أخیه تزوجها فبقیت عنده مدة و لم یر منها إحسانا فقال لها ذات یوم أیتها الزوجة کیف لا تحسنی به و أنا قائد المسراتی فقالت له إن کنت قائدا کما یحکی عنک و تقوله أنت فطلقنی لأنک لا توافقنی و أنا لا أوافقک بعد قتلک لأخیک و لا شک أن اللّه ینتقم منک کما قتلته غدرا فطلقها ثم أنه نظر من المسارتیة و الرعیة ما یکرهه و انتشرت الأقاویل بأنه قتل أخاه لأجل زوجته مع قیام عصمان علیه ففرّ لوهران و بقی بها إلی أن لحقه المحال بنجوعهم فارین من عصمان لما صال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 281
علیهم فنزلوا بقرب و هران و أمّروه علیهم، و لما حصل الصلح بینهم و بین عصمان رجعوا لأماکنهم بین مینا و شلف/ و أتوا بقائد الذهب معهم فولوه علیهم و خرجوا (ص 221) عن حکم عصمان بموافقة باشا الجزائر علی ذلک ثم فر لتونس و سببه أنه سمع من الباشا ما یکرهه، ورءا (کذا) المحال قد اتفقوا علی تمکینه بید عصمان لیقتله و یبقوا تحت حکم عصمان لکون قایدا صار إذا میّزوا علیه فرحا یعطیهم الصلة الکثیرة ظنا منه أنهم یحبون ذلک کسائر عرب زغبة و غیرهم و هم ینکرون منه ذلک ظنا منهم أنه أراد أن یتحدثوا به مع أهلهم إلی أن قالوا له یوما أیها البای قد کثر غلطک معنا و سامحناک علی ذلک فلا تعد لفعلک و لا تظن فی نفسک أننا نتحدث بک و بعطائک عند المحلیات و نشکرک بینهنّ فإذا أردت ذلک فافعله مع بنی معین لا معنا فانظر کیف اختلف الظن من الجانبین و لما سمع ذلک فرّ لتونس و مکث بها إلی أن مات و بها ضریحه و لم أقف علی تاریخ وفاته.
یحکی أنه لما حل بتونس استقر عند امرأة کبیرة فصارت تطبخ له و تغسل ثیابه و هو یکرمها بما أحبّ إلی أن مرض ببیتها فشمرت علی ساق الجد فی دوائه و الإحسان إلیه إلی أن بری‌ء (کذا) فلم یجد ما یکافیها به إلا خاتم الملک فنزعها من أصبعه و أعطاها لها و قال لها بیعه لنفسک و عیشی فی ثمنه فأعطته للدلال فکل من أخذه لا یطیق علی شرائه لکونه خاتما ملوکیا و تحدث الناس بذلک إلی أن بلغ الخبر لملک تونس فأمرهم بإحضار الخاتم فأحضروه و لما نظره تیقن بأنه خاتم ملوکی فسألهم لمن هو فقال الدلّال أعطته لی العجوز الفلانیة فی المحل الفلانی لأبیعه لها فأحضرت لدیه و سألها عنه فقالت أعطاه لی رجل مغربی هو فی بیتی منذ کذا فأحضر قاید لدی الأمیر و کان یسمع بخبره و کان کاتب سرّه جاء مرة لمرسی و هران و رءاه (کذا) بها لما کان بوهران فلما رءاه (کذا) الکاتب تیقن به معرفة فقام له إجلالا و عانقه غایة رغبة و رهبة فقال له بای تونس من هذا فقال له فلانا فعند ذلک أجلسه البای عنده و قال له هذا مقامک إلی أن تموت أو یرد اللّه لک ملکک فحصلت بینهما مودة الارتباط و تزوج قاید هنالک بامرأة و أتی معها ببنت یقال أن من ذریة تلک البنت الوجیه السید علی ولد مصطفی ولد محی الدین الذی هو الآن المترجم بالمحکمة الشرعیة الفرانسویة بالمطلب الأول من وهران و هو من أعیان المخزن الآن و له کلمة نافذة فی جمیع الأمور و ذو عقل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 282
راجح و فهم ثاقب و لبابة و فطانة و ذکاءة (کذا) و أدب و سیاسة و معرفة و کیاسة و نصرة (ص 222) للمظلوم و القوی و الضعیف، و إعانة و نصیحة للوضیع و الشریف./ و فی حال مکث قاید بتونس اجتمع به رجل برجی من الأدباء فی إیابه من الحج فی وقت الصباح و هو بمحفل عظیم فقال له السلام علیک أیها الأمیر الخریر أنعم اللّه صباحک یا بای ابن ثلاثة عشر بایا ببلادنا فسرّه ذلک غایة و قال له مثلک یلیق للصحبة لکن هذه المقالة الأدبیة لیتنی کنت معها فی بلدی وصاله بشی‌ء فأبی الرجل من أخذه رأسا. و قاید هو الذی غزی من المعسکر حناشا شیخ المهایة فأخذه و سلب له فرسه المعروف عند الناس بعود حناش و کان فرسا طویلا مع الأرض یقال إنه کان یسابق ثلاث مشالی و یعلف برشالة من الشعیر. و قیل إن الذی أتی به هو البای إبراهیم الملیانی الآتی ذکره قریبا إن شاء اللّه تعالی.

فضل البایات المسراتیة

و اعلم أن المسارتیة هم فضلاء البایات بالمغرب و لهم نسل قلیل. فأما أبو الشلاغم و قاید فلم یخلفا إلا البنات. و أما محمد زرق العین و یوسف و محمد أبو طالب المجاجی و مصطفی الأحمر فلم یعقبوا شیئا. و أما عابد فخلّف ابنین و هما یوسف و محی الدین فمنها یوسف خلّف ابنه القاید محمدا و هو خلف محمدا و أبا زیان فمحمد خلّف محمدا و محمدا الموجودین الآن و منها محی الدین خلف ابنه الخوجة و هو خلّف یوسف و هو خلّف أبا زیان و هو خلّف عدة أولاد موجودین الآن. و أما محمد بن الزرقا فخلّف ابنین و هما ابن علی و علی فابن علی خلّف محمدا و هو خلف عدة وقارة و محمدا موجودین الآن و علی خلف مصطفی و هو خلّف ابنین عابدا و بن یوسف و ذریته بالقلعة الآن. و کان ءاغته الشریف الکرطی و هو عبد اللّه بن عبد الرزاق التلاوی.

البای الحاج عثمان‌

ثم الحاج عثمان و یقال له عصمان بن الحاج إبراهیم تولی أولا بتلمسان لما کانت القاعدة بها و قام علیه مع أهل تلمسان یوسف المسراتی المتقدم الذکر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 283
فخلعه و تولّی مکانه. و تولّی ثانیا علی جمیع الإیالة الغربیة فی أواسط محرم الحرام فاتح سنة ستین و مائة و ألف فمکر بأهل تلمسان و المحال مکرا کبارا (کذا) أفنی فیه کثیرهم. و سببه أنه لما کان بایا فی المرة الأولی بتلمسان تعصّب علیه أهلها و نقموا حکمه و صاروا یرسون ساحته فی الیل (کذا) بکل نجاسة و میتة و دم و غیرها/ فاغتاظ لذلک شدیدا و ترک حلق رأسه و لحیته إلی أن کبرا و هو فی (ص 223) تزاید الغضب ثم ذهب للجزائر و قد اشتد به العطش فی الطریق و لمّا مرّ بالمحال استسقاهم فأسقوه لبنا و فی حال شربه أهرقوا علیه الإناء و قهقهوا بذلک فأسرها فی نفسه و أسرع فی سیره للجزائر و لما دخلها اجتمع بالباشا بواسطة الأعیان فتعجب منه شدیدا و سأله عن حاله فأخبره بکل ما صار له مع أهل تلمسان ثم المحال فی طریقه فصبّره الباشا علی ذلک ثم أنه سأل من الباشا التولیة و یعطیه قدرا من المال فولّاه و أرسل معه الجیش فجاء به مغربا و أوقع بأهل تلمسان إیقاعا شدیدا. و مکر بهم مکرا عتیدا. ثم توجه إلی المحال و صال علیهم إلی أن أفناهم و أجلاهم لتلمسان ثم لوهران ثم رجعهم لمحلهم علی أن لا یرفعوا رؤوسهم و حلّ بهم ما هو مشهور علی الألسنة و مذکور فی کلام الفصحاء کابن سویکت و عدة ابن البشیر و غیرهما و یحکی أنه قتل من أعیانهم فی یوم واحد أربعین بطلا فضلا عن غیرهم. و یحکی أیضا أنه لما نزل بأرض المحال أتوه لینظروه و بأیدیهم حجلة فقال لهم ما عملت هذه الحجلة المسکینة حتی أتیتونی بها بأیدیکم ثم أطلقها فقالوا هذا البای یقال له مسکینة و لقبوه بذلک بینهم و لمّا رجعوا لأهلهم و اجتمعوا بمدیرهم و صاحب الرأی منهم قالوا له الواقع و أخبروه بأنهم لقبوه مسکینة فقال لهم کفوا عن قولکم هذا و أطیعوه فإن هذا البای هو مفنیکم و أن الحجلة تجعل لکم فجلة، فکان الأمر کذلک. و جاءه المسارتیة یوما لقتله فألفوه بالمحکمة فضربه أحدهم بکابوس بیده فنجاه اللّه من ذلک ثم أنه ظفر بهم فقتلهم و لم ینج منهم إلا اثنان و هما ابن الزرقا و عابد لصغرهما و لکون اللّه أراد بقاء النسل فیهما ففرّا لضریح سیدی محمد بن عودة بفلیتة و استجارا به فعفا عنهما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 284
و أمنهما. و لا زال بابا إلی أن توفی بالمعسکر و دفن بها بعد ما ملک تسعة أعوام.
و هو الذی بنا (کذا) الجامع الأعظم بداخل المعسکر سنة تولیته و نقش علی (ص 224) حجارة اسمه و تاریخ البناء و نصه: الحمد للّه حمدا لا نهایة/ لطوله، و صلی اللّه علی سیدنا محمد نبینا عبده و رسوله، أما بعد فقد أمر ببناء هذا المسجد المبارک المحمود المعظم القامع للعداء من جمع بین الشجاعة و النداء و طلع علی الناس بدر هداء صاحب لواء الحمد الأسماء و مالک أزمة المجد الإحماء حاج الحرمین الشریفین أمیر المؤمنین، المجاهد فی سبیل رب العالمین، صاحب الرتبة العالیة، و نخبة الملوک العثمانیة مولانا الحاج عثمان بای بن السید إبراهیم خلد اللّه ملکه ملکا عالیا، و هو علی الأمة والیا سامیا، و کان ذلک فی شهر شعبان عام ستین و مائة و ألف . ثم بنا (کذا) الدار و القبّة الملاحقة للجامع الأعظم بالمعسکر المعروفة عند الناس بقبة البای إبراهیم لکونه مدفونا بها، و إلّا فهی قبّة الشیخ عبد القادر الجیلانی نفعنا اللّه به التی هی الآن محکمة قاضی المعسکر و أمر بکتب اسمه و تاریخ بنائها فکتب بحجارة بما نصه: بسم اللّه الرحمن الرحیم و صلی اللّه علی سیدنا و مولانا محمد، أما بعد فقد أمر بناء هذه الدار المبارکة الأمیر الأجل العدل الشهیر الأکمل الرفیع الحظ المجاهد المرابط المقسط عدله فی الجوائز مدن النواحی الغربیة عبد اللّه أمیر المؤمنین مولانا الحاج عثمان ابن إبراهیم خلّد اللّه ملکه و نصره حسبما أمر أیّده اللّه بتشیید هذه القبة العظیمة حرمة للشیخ الجلیل سلطان الصالحین سیدی عبد القادر الجیلانی أدرکنا اللّه رضاه قصد بذلک وجه اللّه العظیم، و ثوابه الجسیم بتاریخ فاتح المحرم الحرام عام سبعة و ستین و مائة و ألف و أمر بتحریر العلامة السید محمد بن حوّاء و إخوانه، و بنی عمه التجاجنة من جمیع التکالیف المخزنیة و کتب لهم بذلک رسما نص ختامه: بأمر المعظم الجلیل المجاهد الکفیل أبی سعید السید الحاج (ص 225) عثمان بای الإیالة الغربیة و تلمسان فی أواسط جمادی الأولی عام سبعة/ و ستین و مائة و ألف . و کم له رحمه اللّه من غزوات لوهران و رباط علیها بقصد فتحها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 285
و لم یمنّ اللّه تعالی بفتحها علی یدیه بل دخّر فضل ذلک لمن هو محبوب لدیه.
و کانت وفاته سنة سبعین و مائة و ألف . و کان ءاغته الشجاع الجواد، الکنز المراد، عقد سمط الجواهر الشریف الکرطی التلاوی، و خلیفته کافل الأرامل الشهم البارع إسماعیل بن البشیر البحثاوی.

البای حسن‌

ثم حسن بای تولی سنة سبعین و مائة و ألف ثم هرب من ملکه لإسطنبول لما أهانه الباشا بالجزائر و خلیفته البحثاوی المسطور.

البای إبراهیم الملیانی‌

ثم أبو إسحاق إبراهیم بای الملیانی تولی عام السبعین و مائة و ألف و کان محبا للعلماء بمحبته للعلم و راغبا فی الصالحین لنیل الفضل و الکرم. و هو الذی بنا (کذا) برج العسکر بالمعسکر، و أمر بکتب اسمه و تاریخه علیه فکتب بما نصّه: بسم اللّه الرحمن الرحیم و صلی اللّه علی سیدنا و مولانا محمد و أله و صحبه و سلم، أما بعد أمر بتشیید هذا الفندق المبارک الظریف الجامع لعسکر الجزائر المنتصر سیدنا أمیر المؤمنین المجاهد فی سبیل رب العالمین، ناصر الدنیا و الدین لرب العالمین، مولانا إبراهیم بای الإیالة الغربیة و تلمسان خلّد اللّه ملکه و أعزّه و نصره آمین و کان الفراغ منه أول شهر اللّه العظیم رمضان عام ست و سبعین و مائة و ألف عرفنا اللّه خیره و کفانا ضیره و شره آمین یا رب العالمین و صانع هذا التاریخ محمد بن الحسین بن صرماشق. و توفی سنة خمس و ثمانین و مائة و ألف بعد ما ملک أربعة عشر سنة و دفن بالمعسکر بالقبة التی بناها البای الحاج عثمان للشیخ عبد القادر الجیلانی الملاصقة للجامع الأعضم کما مرّ.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 286
و کان ءاغته الفارس الأعظم و الطود الشامخ الأفخم، و الجواد الأکرم و الشجاع الأعزم. و البحر الطامی الألطم، الذی لا یدانیه شجاع و لا جواد له یساوی، السید إسماعیل بن البشیر البحثاوی، الذی تسمت به مدینة العرقوب بالمعسکر، (ص 226) لکونه أول من بنا (کذا) بها فی المشتهر/. و هذا ءاغة مدحه العالم العلامة الدراکة الفهّامة کثیر المعانی و مشارک الفنون، قاضی المعسکر السید محمد ولد مولای علی الشریف بن سحنون بأبیات من الرجز فقال:
تکاثر بالسّیل السلسبیل‌لک و کل الخیر یا إسماعیل
لقد نلت الحسنی مع الزیادةلما فیک للناس من إفاده
یا من وقاک اللّه من مساوی‌و أرقاک للعلا یا بحثاوی
یا من ترصّعت بکل خیریا من تجنّبت لکل ضیر
یا ءاغ یا بن ءاغ یا بن شیخ‌یا رایس الوقت بکل فیخ
تغافلت عنّا فی هذا الوقت‌فاجبر لکسری نجوت من مقت
قد قیل لی أنّ أمیر المؤمنین‌إبراهیم بای یرید یا أمین
تولیت غیری و أنت المفتاح‌و الاتکال علیک یا مصباح
و کیف قد أخشی و أنت عندی‌یا ملاذی و عدتی و رشدی
فلا تدع تمنیت الأمیرتکمل یا عمدتنا الشهیر
ثم أن إسماعیل المذکور لما تولی ءاغة جعل أخاه الطود العظیم، الکنز المطلسم الفخیم، الفارس الأمجد، السید عدة بن البشیر بن نجد، خلیفة علیه، و فوّض له الأمر فی سائر الأمور التی تلقی علیه و فی عدة المزبور، قال العلامة السید عبد الحلیم المستغانمی هذه الأبیات التی کالدّر المنشور:
لک العز قد تم بأسر یا عده‌فأنت بإذن اللّه تخلص من شدّه
و أنت الذی بک الحوائج قد تقضی‌و یحصل لنا کل فوز بلا شدّه
و نبلغ للأمانی طرا بأسرهافلیس لک شبه فی فعلک مذ عدّة
و کیف یخیب من تکون له حماو أنت المخزومی من جدّک و من جدّه
و جعل أخاه الموفق بن البشیر قایدا علی الدوایر و أخاه یوسف قایدا علی العبید و هم الزمالة و نظر بعین المودة فی أبی علام بن الحبوشی و دموش ولد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 287
الشحط و صیّر کلّا منهما رئیسا (کذا) علی قبیلة و لما توفی أخوه الموفق ترک ولده قادی فی حجره فزوجه بابنته هکذا قیل و اللّه أعلم.

البای الحاج خلیل‌

ثم/ الحاج خلیل بای تولی سنة خمس و ثمانین و مائة و ألف . و کان (ص 227) مبغضا للعلماء و الأولیاء و غیرهم من أهل النفع. و توفی بتلمسان سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف فدفن بقبة سیدی محمد السنوسی جیرة ضریحه. و سبب موته دعاء الشیوخ الثلاثة علیه بالهلاک و هم: سیدی المدانی بن عطاء اللّه العمرانی الغریسی شاعر الرسول صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه و الأولیاء رضی اللّه عنهم، و سیدی الحاج الموفق الکبیر بن سعید الشقرانی ثم البوشیخی، و سیدی أبو ترفاس محمد ابن محمد الساحلی شیخ الطلبة بالساحل. فالشیخ المدنی و رفیقه واعدهما خلیل بالقتل إذا رجع من سفره فاشتغل الأول بالاستصراخ بشیخ الشیوخ سیدی عبد القادر الجیلانی فی عروبیته الملحونیة یقول فی بعض أبیاتها:
البای خلیل لا ترده من ذی التغرابا یا الجیلانی بابا حلف فیّ و قال لی من السّور نالیک.
و اشتغل الثانی بالعبادة بأن تطهر لیلة طهارة کبری و انفرد وحده و شرع فی الصلاة بالقرآن العزیز و هو قائم علی رجل واحدة إلی أن ختمه فی رکعة واحدة و لما نام کل منهما أتا الهاتف لکل منهما و بشره بهلاک البای فی سفره و أنه لا یرجع لأهله. و لما استیقظ کل منهما بعث رسولا لصاحبه یبشره بهلاک البای فالتقی الرسولان برأس الماء و أخبر کل صاحبه فرجع الرسولان من هناک بعد التحویط علی محل الاجتماع. و أما الشیخ أبو ترفاس فإنه غزاه البای خلیل بمدشرة بالساحل و أخذ قیطنته و فرق طلبته و همّ بقتله لو لا أن اللّه عصمه منه فقال له أبو ترفاس نحن مساکین لا معرفة لنا بالملوک و لا دخول لنا فی شئونهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 288
و فضحتنا علانیة بلا سبب فضحک اللّه و عجّل بهلاکک لتستریح منک البلاد و العباد فرجع البای و لما وصل لحمام أبی غرارة بأرض دوی یحیی ابتلاه اللّه بعلّة یقال لها الشهدة و هی حیة عظیمة أصابته بین کتفیه و تعاظمت جدا و تخرقت کالشهدة و رکبها الدود فحملوه لتلمسان فی أرذل حالة و لما وصلها مات بالبیت التی بها دون علم أحد، و لما دخلوا علیه من الغد ألفوه میتا. و توفی أبو ترفاس بعده بقلیل فی فصل الشتاء لیلة الجمعة الحادی و العشرین من ذی الحجة الحرام (ص 228) سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف /. و فیها ضحوة یوم الخمیس عاشر رمضان توفی القطب العلامة الحافظ الشیخ عبد القادر المشرفی و رثاه تلمیذه الحافظ أبو راس بهذه الأبیات الرائیة (کذا) من الطویل:
لقد کان للإسلام کهفا و ملجأتراه فی أقل الشئون ببادر
له الباع فی کل العلوم بأسرهاسریع الجواب عنها لیس بضایر
فیا لو رأیته بدرسه جالساو حوله حلقة الأسود الهواصر
کأنّ قمر الأفق فی غیهب الدجامن بین کواکب النجوم الزواهر
فیتلوا فراید علیهم نفیسةبحسن بیان و اختتام عواطر
فتلقاها أنوار القلوب بدیهةکنقش فصوص للخواتم بواهر
یذلّل صعاب العلوم لهم کمایقرّب قاصیات عنهم نوافر
له خلق کمثل أحنف الذی‌غرائبه مسطورة فی الدفاتر
تعود بسط الکف فی بحور النّدالقد فاق هرما و معنی و عامر
أیا ثری الکرط کیف واریت سیّدامآثره مثل البحار الزواخر
لقد حلّ فیک العلم و الحلم و التّقی‌فحسبک رهنا من کریم العشائر
همام ثوی ضحی الخمیس لعاشرمن شهر رمضان الهدی و المغافر
من سنة اثنین و تسعین قیّدوامن بعد المائة و الألف أهل البصائر
و هی طویلة. و فی تسعین و مائة و ألف فی وقت البای خلیل حلّ بالناس قحط
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 289
عظیم و دام إلی نصف إحدی و تسعین فزال بإذن اللّه تعالی. و إلی هذا القحط أشار ولی اللّه سیدی الأکحل الخلوفی المعروف عند الناس بسیدی الأخضر ابن خلوف فی عروبیته الملحونیة التی صیّرها تاریخا بطریق الکشف بقوله:
و نصف عام من بعد تذهب الکشرا.
و کان ءاغته الهمام الفاضل الجواد الباسل، المتجنب لسائر رذائل الدعاوی، السید إسماعیل بن البشیر البحثاوی. و هؤلاء البایات التسع کلهم کانت لهم دار ملکهم المعسکر، و کلهم کان لهم اعتناء شدید بالجهاد و لم یفز منهم بالفتح الأول إلّا أبو الشلاغم المسراتی.

البای محمد بن عثمان الکبیر

ثم أبو عثمان الفقیه المجاهد السید محمد بن عثمان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان، الذی قیضه اللّه/ لفتح و هران، و أرشده إلی مهیع السعادة و الغفران، (ص 229) الممتطی منصة الرضوان، و مشید رایة الإسلام و الإیمان و الإحسان، و باسط مهد العدل و الأمان فی کلّ زمان، اتحفه اللّه برضاه، و جدد له اللطف و أمضاه، تولی سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف ، علی الصحیح، فکان رحمه اللّه من أهل البلاغة و اللسان الفصیح، بعد أن کان خلیفة علی خلیل رقی لمنصب البای بالعز و التفضیل، فهو ثانی ملوک العثمانیة، خلافا لما فی أنیس الغریب و المسافر من أنه هو أولهم و هی قولة واهیة، و به رفع ذکرهم، و انتهی إلیه خیرهم، فلقد دوّخ الأتراک و الأعراب، و هابته الأباعد و الأقارب و ذلت له الملوک و الجبابرة، و خشیته الفراعنة و الأکاسرة، و أطاعته الرعایا، و خصت به المزایا، و وفدت علیه الوفود و دارت به العساکر و الجنود فحاصر مدینة و هران، و ضیّق علیها من کل فج نزهة الزمان، و دام علیها إلی أن فتحها فی أوائل المحرم الحرام بلا وصب، و دخلها صبیحة و قبل ضحی یوم الإثنین الخامس من رجب سنة ست من القرن الثالث
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 290
عشر دون ثلب، کما مرّ ذلک مفصّلا، مختصرا لا مطولا. و فی وقته حصلت العافیة قلیلة الوجود، و تواخت (کذا) القبائل فی بعضها و اصطلحت علی الراحة و ترک الفساد و العنود (کذا) حسبما أشار إلی ذلک الشیخ الأکحل فی عروبیته بطریق الکشف بقوله:
تأت العافیا فی أزمان میم وحاهجّ و زید حرفین قول میم و دال
تضحا القبائل أخو جمیع مصطلحالخ (کذا)
و کان رجلا جسیما بالتجدیر، أسمر اللون لا بالطویل و لا بالقصیر، محبا للعلماء و الصلحاء، و النبلاء، و الأدباء و الشجعان و الفضلا، قریب الغضب سریع الرضا، شدید الحزم و الأوامر و الإمضا، کثیر الغزو علی أهل الصحراء، دائم الارتحال و الإسرا، ففتح بنی الأغواط، و الشلالتین، و عین ماض، و مزابا، و أبا الضروس، و نزل شرّاعة و همّ بفتح بنی یزناسن و أبی عروس، و بلغ مبلغا لم یبلغه أحد من ملوک الأتراک، و وصل المواضع التی صعبت علی غیره و سهل علیه فیها (ص 230) الإدراک. و أعظم فتوحاته فتح و هران/ التی صیّرها اللّه علی یده للمسلمین دار إیمان و أمان. و إلی ما تحت سلطاته أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
فملک آل مندیل تحت سلطانه‌قد کان مدّ من واجر إلی تنس
کذلک ملک تجین فی إیالته‌کذا الجدار القدیم المتقن الأسس
ملک لآل یغمور فیه نضرتهم‌کذاک ملک ابن یعلا الیفرینی الرئیس
لشعنب و مصاب مدت طاعته‌علی مسافات شتّی من أبی الضّرس
و قد مرّ هذا فی الکلام علی فتح و هران. و کان، رحمه اللّه، والده عثمان الکردی حاکما بملیانة ثم صار بایا بتیطری، فهو أول ملوک العصمانیة، ولد ولدان ذکران أحدهما البای محمد الکبیر هذا و أمه أم ولد اسمها زایدة أهداها له ملک المغرب لمحبة بینهما، و الآخر البای محمد الصغیر و یقال له الرقیق کما یأتی و أمه حرّة اسمها خدیجة بنت السید محمد بن عیسی اللمدانیة من مرابطین (کذا) المدیة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 291
ثم أن البای الذی نحن بصدد الکلام علیه لما فتح و هران و ارتحل إلیها بالسکنا (کذا) و صیرها دار ملکه الأسنا قصدته الشعراء من کل باب و تزاحمت فی الدخول علیه و معهم العلماء ما بین إیجاز و إطناب، فمن ذلک قصیدة العلامة الجامع، الدراکة المانع النّاثر الناظم اللّافظ، الشیخ أبی راس الحافظ:
خلیلی قد طاب الشراب المورّدلمّا أن صار الأمیر بالثغر یقصد
و أجفت رحال الوافدین أم عسکرو قد کان مأوی للوفود و مقصد
تجاذبته و هران لما افتتحهاو قد قالت جاءنی الملک محمّد
فهات أعقارا فی قمیص زجاجةکیاقوتة فی درّة تتوقّد
یصبّ علیه الماء مسبک فضةله حلق بیض تحلّ و تعقد
جلوسا علی ذری الحصون فما تری‌بوهران ناقوسا و لا الوثن یعبد
فهلّا أبصرت طربها بأذانناو قرائتنا أم کان طرفک أرمد
/ ألم ترها تهتز شرقا إلی النّداإذا قال فی الخمیس المؤذن أشهد
إذا قطعت بأندلس ید العدایدا بقیت و الحمد للّه لی ید
و ما زال طمع المسلمین فی رده‌لعلمک أن الدهر یدنی و یبعد
فها هی و هران العداء صفت لناو فی کل عورة لها لنا مرصد
کأن لم تکن بالأمس ترم صواعقهاعلینا بزمجر عتیلة صلد
تقنی من النار الجحیم بنفسهافیا عجبا لی کیف یجتمع الضّدّ
و کیف تدوم الخیزرات بفکرهم‌و تدمر و منها الفریدة روند
و قرطبة کانت محط رحالناشریس الشریسی و شقة ثم لوکد
بتذکارهم عمّت و جمّت همومناإلی أن نفی الأکدار قوم ممجّد
بفتحه و هران واسطة عقدهم‌بها طال ملکهم قدیما ممدّد
زهت بها مصر ثم نجد و شامناو یضربهم بها غریض و معبد
و أهل الحجاز قد تسامعوا فعله‌و لا شک للمصریین یعلو و یصعد
فکان بوسط الغرب دخر مضرّةو کم درّة علیاء بالیم توجد
و عم العفات نیل فیض عطائه‌و ذلک من إحسانه لیس یجحد
بها علا صیته الملوک بأسرهم‌فطاب له أصل و فرع و قعدد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 292
و منها قوله فیه أیضا:
فقد سد ثلما کان یخشی اتساعه‌و رقّع خرقا ما علیه مزید
و أصلح ما قد أفسدته صروفه‌و أذاب ما أثنی فخاب حسود
و قوم معوجا من الثغر فاستوی‌و بلّغه ما کان منه یرید
نفی عنه خبث الشرک و الرجز و الأذی‌و کم من رمیم عاد و هو جدید
و جلا کروبا عمّ فی الأفق وقعهاو همّ له وسط الفؤاد رکود
و أشرق أنوار الهدی بعد حجبهاأنار لها دان و ضاء بعید
و اطلع فی أفق السعادة أنجمالهنّ ترق فی العلا و صعود
و عمّ وفود العالمین بنیله‌بذکر له بین الأنام مشید
(ص 232)/ مواس لأهل العلم فی کل بلدةو إن لم یکن منهم إلیه ورود
جدیر بأن یدعی وحید زمانه‌و تفخر أبناء به و جدود
فکم رسم مجد قبله کان بالیاو کم من واه ضعیف عاد جدید
فجمع خصال الکمال منیفةفهو بها عن الملوک فرید
و منها قوله فیه أیضا من البسیط:
سلطان و هران ما خیّب قاصده‌زهت به و عالت (کذا) أقالیم الأمم
شدّ قواعدها بحزمه فعادت‌مکفولة به لم تیتم و لم تئم
یرثها بعده أولاده أبداکإرث آل شیبة مفتاح الحرم
فالدنیا ألبست البها بطلعته‌رشیدها الثانی جاءت به للعلم
عمّ بإحسانه بدوا و حاضرهاکل للیث للهضبات یروی و الأکم
فی قبّة من نوی قد شیدت عن حسب‌و جعفر بن یحیی بها من الخدم
و ابن أمامة و ابن سعد أتابعه‌و حاتم و أبو دلف مع هرم
تعودت کفه بسط الحسام فلوأراد قبضها لم تعطه بل تهم
سار مسیر زحل فی منازله‌و هبّ کالرّیح فی الأراضی و الأطم
شمس بدت فی أعلی الأفق ساطعةأضاءت الخلق من عرب و من عجم
ملوک أقطار الأرض هم کواکبهاشعاع أنواره و أراهم کالظلم
بشری فقد أنجاز الإقبال موعده‌بالکوکب السعد لم یفل و لم یرم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 293 ذو المفاخر أعیته مآثره‌من دون أدناها وقفوا علی العدم
و بالجملة فإن ما قیل فیه من المدح حال سکناه بالمعسکر و فتحه لوهران و بعد فتحه إیاها و سکناها کثیر، یقلّ حصره و تضیق به الدفاتیر (کذا). و قصة فتحه لوهران مشهورة، مقرّرة مسطورة، ألّف فیها العلماء کالحافظ النقاد، النور الوقاد، العلامة الماهر أبی راس محمد بن الناصر و الحافظ البارع، العلامة الجامع، السید مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی و غیرهما عدّة تآلیف، و صنف فیها ما بین النثر و النظم جملة تصانیف، و قد مرّ لنا بها طرف من ذکرها، حسبما نتجته/ القریحة من بنات فکرها. (ص 233)

منشآت البای محمد بن عثمان بوهران و معسکر و البرج‌

ثم أن هذا البای المراد، الحاصل نفعه لجمع العباد، أمر بالهام من اللّه تعالی فی الیوم الحادی و العشرین من فتحه إیاها بهدم الأبراج الموالیة للبروهی برج مرجاج و برج رأس العین الکبیر و الصغیر و برج الویز و برج فراند و برج کالوص (کذا) و أشباههم من الأبراج الموالیة للبر و من عادته رحمه اللّه أنه مهمی (کذا) أشار برأی إلّا کان فیه الخیر و السداد و غرضه بذلک رفع الضرر عن المسلمین. و حسما لمادة النصاری فإن البای أبو الشلاغم لما فتحها أولا ترک الأبراج بلا هدم و لما رجع لها النصاری کان أول ضرر حصل للمسلمین من تلک الأبراج فلذلک أمر رحمه اللّه بهدمها. و لما استقل قدمه رحمه اللّه بها جمع لسکناها الناس من کل فج و مکان، و أمرهم بتعمیرها لیتم فی الغایة الإیمان، فبعضهم بالإقطاع و بعضهم بالبیع بلا نزاع، إلی غیر ذلک من الوجوه الصادرة من أمیر المؤمنین، و ثمن المبیع عمّر به بیت مال المسلمین. و فی یوم دخوله لها بأهله و مخزنه بغایة نیله، قدم أمامه العلماء و الصلحاء و بیدهم صحیح البخاری تبرکا به و تیمنا بفضله، فحقق اللّه رجاءه، و نشر صیته و دمر أعداءه، و بنا (کذا) بالموضع الذی وقف به فرسه عند الباب للواقف مسجد الصلاة الخمس و الجمعة یعرف عند الناس للآن بجامع بالناصف لکونه کان به وکیلا، و بأموره قائما کفیلا. ثم بنا (کذا) فی السنة السابعة و المائتین و الألف قبّة البرج الأحمر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 294
فزدات له رونقة لصعودها للسماء مشرقة، و لما أکمل بناءها کتب علی صالة مرکز جلوسه بأمامه الأبیات التی أنشدها العالم الجلیل، المتضمن الجمیل، العدل الماجد، البارع الفارد، الکاتب الفاخر، الناظم الناثر، ذو المعانی و الإعراب، و الفنون و الآداب، و الکرم و الفضائل، و الأخلاق و الشمائل الجامع بین الحسب و النسب الأصیل و المعارف و التحصیل، الشریف الجمیل، الذی هو أنجب من کل من حثّوا فی طلب العلم و لحّوا، السید مصطفی بن عبد اللّه بن دحّو (کذا)، مؤلف فتح و هران و جامع الجواهر الحسان، و هی من البسیط:
یا غافلا عن أمور زانها ذهب‌و لونها لجین و تمرها رطب
و نورها مضی‌ء وجوها دائم‌و صوتها منشد بالحسن مرتقب
(ص 234)/ أقصد إیوان أمیر المؤمنین أبی‌عثمان تلفی الخیرات کلها کوعب
به تشارک من نوی لمقصده‌فهو منافع للوری فما أرهب
به اشتباک الزهر فی صفحتیه حکی‌فکیف بالعشائر المقیم صوحب
و حکی کیف الأهالی به یتفنون‌و کیف یسلکون بکلهم مذهب
فعند ذا خاطبونی و ابتسامی بدامنه جواب عن سنوی یظل المنحب
کیف انسباب الأمور اللواتی ارتبطت‌برضی من یسرّ قدرا و ینتصب
أهکذا عقال عصری قد التصقوابالذی نصر القدیر علاه رجب
أظهر به کیف الذی ترونقه‌محبة الصدیق عند الأهالی رکب
تجدهم باختلاف فی الدعاء إلی‌من واحد لواحد بالنّدا رتب
إلی کمال العطا من غیر مبتخل‌لأحد و لعطائه قد قرب
و بنا (کذا) المدرسة الجلیلة العظیمة بخنق النطاح التی بها ضریحه و تعرف للآن بالمدرسة . و بنا (کذا) أیضا الجامع الأعظم المعروف بها بجامع الباشا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 295
للآن و هو حسن باشا و کل ما صرف علیه هذا الأمیر فمن عند الباشا. یحکی أن الباشا حسن لما بشّر بفتح و هران سرّ سرورا کثیرا و لما رأته زوجته فاطمة و خالتها حلّ به الطرب العظیم قالتا له کان اللائق بک لإتمام سرورک أن تبنی بها جامعا عظیما یبقی ذکرک به مخلدا فی الألسنة فعند ذلک أمر البای ببنائه و بعث له بصندوقین مملوین (کذا) مالا واحدا بعد واحد لیصرف ذلک علی البناء صحبة أمین البنائین محمد الشرشالی بن بیرت. و لما شرع فی بنائه حفر أساسه فی بستان تحت البرج الأحمر، فألفی بالأساس قلّة معمرة ذهبا فصرفها فی البناء أیضا و جمع لمنارته حجرا ضخما أتی به السخارة من برج الصبایحیة فی أربعة أیام متوالیة و کلما صرفه البای علی الجامع مفصلا و مجملا فهو مذکور فی دفاتره و ضربنا عنه صفحا خشیة السئامة (کذا) و ابتدا (کذا) بنائه فی السابع من الثالث عشر بعد فراغه من القلة و أتمّ بنائه فی الثامن أو التاسع منه. و تاریخ ذلک مکتوب بالحجارة التی بها جملة الأشیاء المحبّسة. و بنا (کذا) رحمه اللّه الجامع الأعظم قلیل الوجود بالعین البیضا (کذا) من بلد المعسکر و أحاط به/ المدرسة. و تاریخ (ص 235) بنائه بمدرسته مکتوب بجانب محرابه و نسیته لطول العهد. کما بنا (کذا) جامع الکرط، و الجامع الأعظم بمدینة البرج، إلی غیر ذلک من شعائر الإسلام و التی عملها. و کتب علی بعض حوائط البرج الأحمر تاریخ فتحه لوهران و من فتحها و أی سلطان و باشا کان الفتح فی وقته مع تاریخ دخوله لها و نصّه:- الحمد للّه وحده فتحت و هران و أعادها اللّه للمسلمین و خرج الکفار منها أذلة صاغرین، فی سعادة المعظم السلطان الأفخم و الخاقان الأفخم، الخائف من مولاه الطائع الأواه، السید سلیم نصره اللّه، و دولة المعظم الأرفع و الهمام الأنفع، حسن باشا أیده اللّه علی ید محی الدین کثیر الغزو و الجهاد، و قامع أهل البغی، و الفساد، السید محمد بای بن عثمان بای وفقه اللّه، فی أوائل محرم الحرام سنة ست و مائتین و ألف، لتمام المرام، و دخلها بتاریخ یوم الإثنین الرابع من رجب الأشرف سنة ست و مائتین و ألف. ه- لکن فی کثیر النقل أنه دخلها فی خامس رجب و ربک أعلم بالصواب، و إلیه المرجع و المئاب. و کان محبا للطلبة و لذلک بنا (کذا) لهم المدرستین الأولی بالمعسکر و الثانیة بوهران.
یحکی أنه لما رفعت له الشکایة من أهل و هران بالطلبة و تکررت علیه أمر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 296
بإخراجهم من وهران لینظر فی ذلک فخرج الطلبة منها، و انصرفوا بکلهم عنها، و هو ینظر فیهم من محلّه و قلبه متحیر فی الأمر بکلّه، فلم یر من لحقهم ورء (کذا) النساء درجن علی الأسطاح و أعینهم شاخصات نحوهم أسفا علیهم و فی غم من أهل الصلاح، فجاءه ءاغته الأسد الضرغام، البطل الهمام الشهم الکامل، الجواد العاقل، الکمی الباسل، فارس القتال، و صندید النزال مبدد الأعداء، و فاصل الدعاوی، ءاغة السید قدور الکبیر بن إسماعیل البحثاوی و قال له یا سیدی لا یلیق بک و لا بنا طرد الطلبة الذین یدعون ربهم بالغداة و العشی، و یتلون کتابه العزیز بالإتلاء الحضی و إنما اللائق أن من فعل ذنبا یستحق به العقاب، عقب و من لا فلا بلا ارتیاب. و الذین اشتکوا لک بهم بأنهم أهل افتیات، علیهم بحفظ أنفسهم و أهلهم مما ادعوه علیهم بغیر إثبات، فقبل منه هذا الکلام، و فرح به کثیرا بالانتظام، و أمر بردهم لمحلهم فرجعوا، بعد أن (ص 236) خرجوا منه و فزعوا، و لما استقروا بمواضعهم، و اشتغلوا بمصانعهم، ذهب/ لهم علی فرسه بشواشه، متبخترا فی سیره و نواشه، و حین وصلهم لمحلهم، دفع لهم مالا کثیرا زیارة بقصد التبرک بهم، و قال لهم أیها الطلبة اشتغلوا بالقراءة و کفوا أنفسکم عن الإذایة فما فی المدینة من یحبکم إلا ثلاثة فی المحبة سواء، و هم:
أنا و ءاغة قدور بن إسماعیل البحثاوی و النساء. و فی ءاغة المذکور، الفارس المشهور، قال الحافظ العلامة، القدوة الفهامة إمام المحققین و حافظ الوقت علی الإطلاق بالتبیین الشیخ محمد أبو راس الناصری هذه الأبیات:
ألا إنّ أوصاف الکمال تجمعت‌بأسرها فی شهم جلیل تبرّعت
أموره و هو قدور الذی قد فاق‌غیره و رتبه إلی السما قد علت
سلیل إسماعیل سلیل بشیرهایلقّب ببحث تلقیبا له دنت
جمیع قواصیها و حاز کمالهاکما لسطوته الرقاب قد أخضعت
و نال علوا لا یناله غیره‌فما للبحثاوی من شبه یری- روت
فإنه حاتم و أخنق قیسهاهرم و مأمون رشید بلا عنت
فاق ابن مکدّم فی کل أموره‌و لو کان حاضرا سلّم له ثبت
و کیف و أنه من نسل صعصعةو هو من المخزومی أصلا له ثبت
و کانت رئاسة المخزن بین آغا هذا و محمد الزحاف ولد الشریف الکرطی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 297
التلاوی نوبة ابتدئت (کذا) من هاذین. توفی البای رحمه اللّه ببلاد صبیح حال إقباله من الجزائر علی الصحیح سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف بعد ما ملک عشرین سنة. و ما فی در الأعیان و أنیس الغریب و المسافر من أنه بقی ثمانیة عشر سنة سهو لما قد علمت أنه تولی سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف و توفی سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف و بینهما عشرون سنة صحیحة. و بالجملة أنه کان خلیفة علی خلیل سبعة أعوام و بایا مستقلا عشرین سنة فذلک سبعة و عشرون سنة خدمة للدولة العثمانیة المنصورة. و لما طار خبر موته لأهل الجزائر بعثوا لابنه عثمان خلیفته و هو أکبر أولاده بالمملکة فرکب فورا و حث السیر إلیهم حثیثا بعد ما بعث أباه لوهران و أوصی علی دفنه بالمدرسة التی بالموضع المسمی بخنق النطاح من وهران و حین وصل الجزائر ولّی بایا مکان أبیه تلک السنة. و کان للبای محمد ألقاب وکنی، فالألقاب: یقال له الکبیر و المجاهد/ و الأکحل (ص 237) و المنصور. و الکنا: یقال له أبو عثمان و أبو علی و أبو محمد و أبو أحمد و أبو الفتوحات و أبو النصر و أبو المواهب و أبو الربیع و أبو الفتح إلی غیر ذلک. قال الشیخ حسن خوجة فی درّ الأعیان، و الشیخ مسلم فی أنیس الغریب و المسافر.
و حدث بأول مملکته بالمعسکر مسغبة عظیمة هلک بها أناس کثیرة إلی أن أکلوا فیها المیتة و الدم و الخنزیر و لحم الآدمی و العیاذ باللّه من ذلک.
قلت و هو مخالف لما مر من أن ذلک حدث فی أیام خلیل و هو الصواب ثم حدث بأیامه الطاعون العظیم الذی لم یحدث فی هذا الأقلیم قبله قط إلی أن مات به جلّ الناس بدوا و حضرا و آل فیه الأمر إلی أن انتقل أهل الحضر و البای بأهله و مخزنه إلی البدو فی خیام الشعر ظاعنین ظعن الأعراب البادیة زمانا طویلا و قد جعل البای خیمة حمراء من الوبر و سکن بها ببلاد أولاد سلیمان أحد بطون بنی عامر و أدار بها الزمالة ثم أدار بهم الدوائر فسمی بذلک الزمالة و الدوائر لکونها زمالة البای و دوائره و سمی العام بعام الخیمة الحمرا. ثم حدثت الزلزلة العظیمة التی لم تحدث قبل ذلک و اشتدت بوهران أکثر من غیرها إلی أن سقط بها الدور و الأبراج علی أمم من النصاری فأهلکوا بذلک و دام ذلک إلی أن اتخذ النصاری
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 298
بیوتا من اللوح لسکناهم. قیل و تلک الززلة هی سبب فتحها کما مرّ. و هذا البای المنصور هو الذی جعل علی المخزن رایسین (کذا) أحدهما کبیرا و هو آغا الدوائر و الآخرة صغیرا و هو قائد الزمالة و إلّا فکانوا قبله تحت رایس (کذا) واحد و هو القائد ءاغة و کان من الدوایر لا غیر کما مر. و أول من تولی ذلک من الزمالة مصطفی بن قرادة فإذا تولی قدور بن إسماعیل الکبیر فإنه یتولی مصطفی بن قرادة و إذا تولی محمد الزحاف ولد الشریف الکرطی التلاوی فإنه یتولی قدور بن علی و هلمّ جرّا.

البای عثمان بن محمد

ثم ابنه عثمان بن محمد بن عثمان و هو ثالث بایات وهران، و أبوه ثانیهم، و أبو الشلاغم المسرای أولهم. کما مرّ. تولی سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف بعد موت أبیه بأیام قلائل و بقی فی الملک ثلاثة أعوام غیر شی‌ء. و لما تولی نقل الحکومة من البرج الأحمر إلی القصبة التی بأعلا البلانصة من ناحیة مرجاجو و اشتغل ببناء المعالم المرونقة، و الغرف المعددة المزوّقة، و القصور المشیدة، (ص 238) و الأساطین الکثیرة المعددة، و غرس/ الأشجار ذات الفواکه و الروائح الطیبة المختلفة، و جری المیاه فی القواریر الموتلفة و أعرض عن المملکة باللّبّ و أقبل بکله علی اللهو و الطرب، فانهمک فیه انهماک بعض ملوک العرب، فصار مجلسه لا یخلوا (کذا) من الأدباء الظرفاء، و السادات الأعیان و الشرفاء و لم یلتفت لما کلفه اللّه به من أمور الرعیة، بل جعل ذلک نسیا منسیا بالکلیة. و کان من جملة ندمائه حقا، و أظرفهم خلقا و خلقا، الفقیه اللبیب، الکعب الأریب، الآخذ من کل علم وافر نصیب الحائز للآداب بالکمال المرعی، السید محمد بن الجیلانی الخروبی- القلعی، الذی قال فیه الفقیه الحاذق، البارع السابق، الخریر الماهر السید مسلم بن عبد القادر، هاتین البیتین بمدحه فیهما بدون مین:
و ندیم لأبی محمد عثمان‌مصدّر فی کل شی‌ء فقیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 299 عفیف ذو نجابة مهاب‌ظریف ذو ریاسة وجیه
و قد تقدمتا. و اتخذ مجلسا للخلوة بأحکام، فصار لا یخرج منه للحکم إلّا بعد مرور أیام، و صرف أمر رعیته إلی من شاء من أرباب دولته، فانتفعوا نفعا کثیرا، و نالوا من الرعیة مالا غزیرا، و هو لا یلتفت إلیهم فی الذّکر و السّهو، لما شغف به من أمر اللعب و اللهو، حتی أنه جاءه یوما بعض قواده للمحاسبة علی ما بیدیه، فأطرده و قال له أن المحاسب هو اللّه و لا یکون الحساب إلا بین یدیه، ارجع إلی سبیلک و أمرک، فإنی لست بملتفت لما بیدک أو بید غیرک و دام علی ذلک إلی أن أداه حاله للعزل، و رجع أمره من السّمن إلی الهزل. و ذلک أنه بعث مع بعض التجار لتونس مالا لیشتری له بعض الجواری المغنیات، ذات الجمال و الغناء الفائقات فأتاه بجاریتین مغنیتین بارعتی الجمال و الغناء متصدرتین فیه لإنالة المنا، تذهبان عن القلب ما به من النصب و العنا، فتسلّا بهما لیالی و أیاما و لغیرهما تحاشا، إلی أن بلغ خبره للجزائر إلی الباشا، فغضب منه غضبا شدیدا، و نهب ماله و سمّر داره و کبّله قیدا حدیدا، و نقله إلی البلیدة، علی غیر الحالة المرضیة فنزلها بأهله و ولده و حشمه نزلته الکلیة.

ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوی‌

اشارة

و بقی بها إلی أن تولی بایا بقسنطینة/ و حاله لم یتشوش إلی أن قام علیه (ص 239) ثائرا رجل من درقاوة یقال له السید أحمد بن الأحرش، فتی مغربی مالکی مذهبا، درقاوی طریقة، درعی نسبا، جاء لتلک القبائل و ادعی أنه الإمام المهدی المنتظر، و کان صاحب شعوذة و خنقطرة و حیل و خبر، یبدل بها الأشیاء للشی‌ء الذی یرید فورا، کاستحالة البعر زبیبا و تقطیر السیف دما و الحجارة درهما و الروث تمرا، فرأت الناس منه العجائب، و أظهر لهم الأمور الغرائب، التی هی قلب العین، لا حقیقة لها دون مین فنصروه و عقدوا له البیعة حزبا حزبا، و جندوا معه و أمره کله کذبا، و اتبعوه فی المصادر، و امتثلوا له فی النواهی و الأوامر، فحرک بهم علی قسنطینة و حاصروها یوما کاملا، و کان البای عثمان خارجا عنها لبعض شئونه (کذا) فلما سمع أتاه عاجلا، فألفاه هزم و أصیب بالرصاص فی فخذه فتکسرت، لکن حاله لا زال مجتمعا غیر متشتت، فبات بداره و من الغد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 300
خرج لطلبه و هو بواد یقال له وادی الزهور فلحقه هناک و أثخن فیهم بالقتل و السبی و الأسر و الحرق أمّنه من شوکتهم الغرور، إلی أن توغل فی بلادهم و قد ترک وراءه معقلا صعبا و مضیقا و عرا و کان أمره منشورا. ففرّ القبائل للمعقل و أجروا فیه الماء و داروا بعسکره من کل جانب دحورا. و اشتدّ القتال و حمی الوطیس و کبر النهار، فهزم البای هزیمة شنیعة و ولّی الأدبار، فوجد المعقل علی غیر ما ترکه فحلّ به المکر بالقتل و الأسر و الکسر و السبی إلی أن کبّ به فرسه فی الطین ثم فرّ عنه و ترکه، فأخذ البای و قتل هنالک و فرح ابن الأحرش بذلک، و لم ینج من جیش البای إلا القلیل، و قد أدارت (کذا) بهم القبائل إدارة عظیمة صار العزیز بها کأنه الذلیل. قال صاحب در الأعیان، و کذا صاحب أنیس الغریب و المسافر، و حدث فی أیامه الطاعون الذی کان قد وقع و ذهب فمات به جلّ الناس و کثیر من العلماء، منهم بالراشدیة العلامة الإمام، و الفهامة الهمام، ذکی الفهم و الأحوال ذکاءة المسک و العنبر و القرنفل و زهر القرفة السید عبد القادر بن السنوسی بن دحّ ابن زرقة، و منهم صنوه الفقیه ذو الفهم الراشمی، الخریر السید الهاشمی، و منهم ابن عمهما الفقیه الأدیب الألمعی الذکی الأنجب الشبیه بالأوزعی مؤلف فتح و هران السید مصطفی بن عبد اللّه و غیرهم من الأعیان. و ظهر الجراد الکثیر کثیرا (ص 240) جسیما/ فأفسد الزرع و الثمار فسادا عظیما. و کان ءاغته بالدوائر الشجاع الطاوی، السید عثمان بن إسماعیل بن البشیر البحثاوی. و بالزمالة قائده قدور بن علی الثابت فی الجزء (کذا) و الکلی. ثم صار علی الدوائر ءاغة بن عودة بن خده أحد أجواد غریس من ذریة الممدود و تولیته علی المخزن من وضع الشی‌ء فی غیر محله و تطوّر الشخص علی غیر شکله. و سبب تولیته إنه کان شاوشا علی ءاغة قدور بن إسماعیل ثم تزوّج ءاغة بابنته میرة فصیّره خلیفة علیه و لما مات قدور و تولی أخوه عثمان أبقاه معه خلیفة إلی أن مات عثمان تولی ءاغة بموضعه و بقی ءاغة إلی أن مات بغارته انقاد فی وقت مصطفی بای فی تولیته الأولی.

البای مصطفی العجمی و ثورة درقاوة

ثم الحاج مصطفی بن عبد اللّه العجمی و هو رابع بایات و هران التی منها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 301
سبعة سرد، و واحد فرد، تولی سنة خمسة عشر و مائتین و ألف ، و کان رجلا عاقلا لکنه جبانا أدته جبانته للشقاوة حتی هاجت فی أیامه هیجانا عظیما عامة درقاوة. و قد أشار علیه بعض الأولیاء بقوله (کذا) سیأتی مصطفی عصی، هو فوق الکرسی و الناس تعصی. و فی السنة الثانیة من ولایته و هی سنة ستة عشر و مائتین و ألف غزی (کذا) أهل انقاد غزوته الذمیمة فهزموه الهزیمة العظیمة، مات فیها جملة من رؤساء مخزنه الأعیان منهم ءاغته بن عودة بن خدة و للجنان ذهبوا، و اشتدت الهزیمة حتی أسّروا و سلبوا، و هی أول واقعة وقعت بهذا الوجه فی المخزن، فدخله بها الرعب و الوهن بعد أن کان فی أحواله بالقلب هو المطمئن، و کثر طمع الرعیة فی شبه ذلک و قد مسّ المخزن بعض الجبن و الکسل من ذلک، لا سیما إذا کان الأمیر جبانا خوالا، فلم یزدهم ذلک إلا جبنا و کسالا (کذا) لأن الرعیة تابعة للراعی فی الصلاح و الفساد و أحوال المراعی، و الجیش إذا کان رایسه (کذا) أسدا فهو بذلک جدیر، و إن کان بعکس ذلک فهو بحسب الأمیر، قال الشاعر:
المرء فی میزانه أتباعه‌فاقدر إذا قدر النبیّ محمّد

أسباب ثورة درقاوة

اشارة

و سبب قیام درقاوة، أهل الحالة الدالة علی ذمّ و شقاوة، أنهم عامة ینتحلون العبادات، و یتلبسون علی الناس ببعض الخیالات.- یحسبهم الجاهل أغنیاء من التعفّف و هم فی أحوالهم فی غایة التلطف لإنالة مالهم به التوصّف، یجتمعون فی الأسواق و الطرق و الفنادق و مراح الدواویر و المقابر و المواسم و الزوایا حلقا حلقا و یذکرون لا إله إلا اللّه جهرا مناوبة/ ثم یذکرون الاسم المفرد بالأصوات (ص 241) المتجاوبة، ثم یقومون للشطح و الرقص بعد الأکل الکثیر، إلی أن یغمرهم العرق و التشریر، و یرکبون علی القصب و الکلخ و ما هو کالعهن المنفوش، و یعلقون القرون و قلائد الببوش، و یتسابقون علی تلک الحالة، و یعتقدون أنهم علی أکمل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 302
الحالة، و یلبسون الثیاب المرقعة، و یرومون المسائل الموقعة، و ربما أخذوا جدید الثیاب! فیقطعونها ثم یرقعونها بالاستعاب، و یظهرون الزهد فی الدنیا إظهارا کلیا، و یجلبون الناس للأخذ عنهم و الدخول فی طریقتهم تحلیا، و یذمون الدنیا و تابعها، و یعظمون طریقتهم و جامعها، و یطالعون کتب التصوّف فیأخذون منها الألفاظ الدالة علی ذمّ الدنیا و مدح الآخرة. و فی الحقیقة أنهم لیسوا من أبناء الدنیا و لا من أبناء الآخرة. و إن هم إلّا کالأنعام بل هم أظل سبیلا، و أقدم حالة و أکذب مقیلا، و یکرهون الأولیاء و العلماء و یقدحون فی أمواتهم سیما شیخ المشایخ الشیخ عبد القادر الجیلانی ذا السر الباهر، و ینفون عنه التصوّف بالکلیة و ینسبونه لأنفسهم بالإخفاء و الظاهر، و ینتسبون إلی رجل مغربی من بنی زروال بوادی أبی بریح من فرقة یقال لها درقاوة، یقال له الشیخ مولای محمد العربی بن أحمد و ینسبون له السرّ و النقاوة. أخذ عنه جملة من أشیاخهم و أصولهم و أفراخهم، منهم السید عبد القادر بن الشریف القائم بالغوغاء و العامة علی أهل الملک و التصریف، و هو من أولاد سیدی أبی الیل (کذا) المرابطین بقبیل الکسانة النقد، حی من أحیاء العرب البادیة المتوطن بواد العبد. و کان هذا القائم فی أول حاله عالما متفننا فی (ص 242) سائر العلوم، محققا لها بقیودها و المنطوق و المفهوم/ ورعا زاهدا، متعبدا راکعا ساجدا، صائما قائما، حنینا راحما، أستاذا یقری (کذا) القرآن و یعزّ أهله و یزیل بتعلمه لکل جاهل جهله، و الناس یشیرون إلیه بالصلاح. و النّسک و النجاح، فذهب للمغرب و أخذ عن مولای العربی تلمیذ مولای علی الجمل. فقدمه علی إعطاء الذکر لمن بهذا المحل، ثم رجع من المغرب و ترک ما کان علیه من التعلیم، و اشتغل فی زعمه بالتربیة و التکلیم، و لم یدر أنها انقطعت فی القرن التاسع باتفاق من الأئمة و لیس فی هذا مدافع، و لبس الخرقة المرقعة و علّق الببوش و رکب الکلخ و علّق القرون المرقّعة، و ابتدع أمورا یمجّها الطبع، و ینکرها الشرع، و اقتدی به فی ذلک الجلّ من الناس، و أخذ عنه کل من هو فی عقله فی غایة الإخساس، خصوصا أهل الصحراء فأذعنوا له إلی أن قهرهم قهرا، و زاغت به نفسه الأمارة بالسوء و باع آخرته بدنیاه، ثم أصبح بلا بهما معایا و یلاه، و صارت عامة درقاوة تجتمع إلیه، فیخرج بهم إلی الصحراء فیجتمعون علیه، و تتلقاه الأعراب بالفرح و السرور، حتی أخذت عنه جمیعها الورد و هو فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 303
سرور، و صارت کل شیعة تهدی إلیه الهدایا، و یأتون إلیه من کل فج بالعطایا، و یشتکون إلیه ضرر المخزن و ما هم فیه من أداء المغارم، و لم یعلموا أنهم سیرجعوا إلی انتهاک المحارم، فکان یعدهم بالفرج القریب المشکور، و یجمع تلک الزیارة و الهدایا فیذهب بها إلی شیخه المذکور و یدفعها إلیه و یقص علیه ما هم فیه خدّامه من إهانة المخزن إلیهم، فیقول له انصرهم و اللّه ینصرک علیهم، فحصل له بشیخه الطمع الکثیر مع ما نظره من اجتماع الغوغاء علیه بالأمیر العسیر، و هم الأحرار و غیرهم من أهل العناد، الذین یشبّهون بصغار الجراد فی الفساد، فدعا أهل الصحراء کالأحرار و غیرهم لمبایعته فأجابوه فورا لذلک و لکل ما یشتهی و أقام بالأحرار/ یأمر و ینهی. و فی هؤلاء درقاوة وقع السؤال و الجواب (ص 243) من العلماء أولی الألباب و نصّه:
أیا أهل تطوان فما الحکم عندکم‌فی أصحاب درقاو إلی الجمل ینسب
بنصّ یزیل المشکلات بأسرهاأیتبع مطلقا أم التّرک أصوب
و من أین ذاک الأخذ بالسند الجلب‌کما قرّروا للشاذلی الجاه یحسب
إذ ذّا المحدثات شاع فی الناس حکمهایا ذا الأمن بالأوطان بلدنا مغرب
و ما أحدثوا من جلد ذیب و نحوه‌فی لبسهم و الحبل و العود یرکب
إذا نصبوا للاقتداء فهل لناثواب صلاتنا أم الأمر أصعب
و هل غیبة تجری و ینصق عادل‌جوابکم نبغی من الحوض نشرب

جوابه‌

علیک سلام اللّه یا سائلیّ فخذنقولا من المعیار بالسوط یضرب
و ابن هلال شدّد جدا محرراو من یتّبع ذا الأمر إبلیس یصحب
و من یعتقد الرقص و الشطح بالیدعبادة ربّه فزندیق یحسب
و قد خالفوا سبل الرسول محمّدو من خالف سنّ النبیّ یعذّب
إمامتهم مع الشهادة باطلةلبدعتهم حقّا و صدقا مرکّب
فلا غیبة تجری فی سبعة طبّقوافی مثلهم الأخیار للعلم ینسب
فهذا هو المشهور عند جمیعهم‌فجنّب طریق اللّهو للحقّ تقرب
و أیقن بأن اللّه أنزل حکمه‌فی تنزیله القرآن شرعا مهذّب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 304

معرکة فرطاسة و نتائجها

قال فبینما الناس علی غفلة إذا بابن الشریف أصبح قائما بأقوالهم، معلنا (ص 244) بجهاد/ الترک و المخزت محللا لدمائهم و أموالهم فاجتمعت علیه الغوغاء من کل جانب و مکان للحرک، و هبط مع وادی مینا قاصدا نحو المخزن و أذن لأتباعه فی النهب لأموال أتباع الترک. و کان البای فی بعض حرکاته راجعا بعد فراغه منها إلی و هران. و لما سمع بالدرقاوی جمع له الجیوش و خرج للقائه فبلغه الخبر المحقق و هو نازل بالموضع المعروف بالبطحاء الآن، بأن ابن الشریف بمینا بقرب تاقدمت بجیشه حائطا، فصار البای صاعدا نحوه، و ابن الشریف له هابطا، إلی أن تلقیا بفرطاسة فی غایة الحزم و الشدة، و کان ذلک المحل ما بین مینا و واد العبد، فاشتدّ القتال بینهما علی الماء و صارت نار الحرب بینهما دائرة بالحتوف، و تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف و تراکم الأمر و حام الوطیس المعروف، فانهزم البای و قام مخزنه علی ساق واحد و رکب العدّو بظهره فی تزاید، و صار یقتل و یسبی و یأسر إلی قرب أم العساکر، و بقیت محلة البای بما فیها بید الدرقاوی المتجاسر، فأمسی البای بمخزنة فی نکد، و أصبح الدرقاوی بأتباعه فی رغد، فسبحان المعز المذل الإله بوحدانیة المنفرد، و دخل البای للمعسکر علی غیر الحالة المعهودة، و عساکره خلفه مطرودة، و مات من مخزنه خلق کثیر، و عدد حصره عسیر، من جملتهم کاتبا البای و هما: العلامة السید الحاج أحمد ابن هطال التلمسانی الراوی، و العلامة الأدیب أبو عبد اللّه السید محمد الغزلاوی إلی غیر ذلک من الأعیان، الذین انتقلوا إلی جنّة الرضوان. و فیها قال السید حسن خوجة فی در الأعیان هذه الأبیات:
فرطاسة یومها تری الجنود به‌ما بین قتلی و أسری غیر ناجینا
فالبای جاء بجیش لا نفاذ له‌به یرید لقاء العدو باغینا
فلم یحقّق له سعی و لا أمل‌بل جاء جنده صفر الکف باکینا
(ص 245)/ فالیوم لابن الشریف عزّ فیه علی‌بای الأعاجم لولا الدین لا دینا
و قال السید مسلم الحمیری:
فیوم فرطاسة یوم کبیرذلّ فیه العزیز عزّ الحقیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 305 لقد هیّا مصطفی جیشا کبیراترکا و مخزنا الملک الجدیر
فلم تک ساعة إلّا و انهزموامن جیش قلیل هیّأه الفقیر
قال: ثم خرج من المعسکر عشیة یومه و قیل عشیة الیوم الثانی، و کان یوم الأحد ثالث أو ثامن من ربیع الأول بالبیانی، سنة تسعة عشر و مائتین و ألف ، من هجرة من حاز الکمال و الشرف و الوصف. و رجع لوهران فدخلها فی فلّه، و هو فی و جل ببعضه و کله، فاجتمع علیه أعیان مخزنه و سهّلوا علیه الأمر و هوّنوا علیه المصیبة، و أزالوا عنه ما بنفسه من الوجل و الریبة و قالوا له لا تجزع من الدرقاوی و أعرابه، و جیوشه و أصحابه فنحن سیوفک الماضیة. و رماحک النافذة القاضیة، و شجعانک الداهیة و فرسانک الضاریة الدامیة، و الأمر کذلک و فوق ذلک، و لا یکون إلّا ما تراه من الدفع عنک بأنفسنا و أکثر من ذلک، فإن کان الأمر من اللّه فلا یلیق إلا التسلیم، و الرضی؟ بما قدره و قضاه الحکیم العلیم و إن کان غیر ذلک فلا تری إن شاء اللّه إلا ما یسرّنا و یسرّک بغیر خلف، ألم تعلم أننا فحول هذه الأوطان و أبطالها موروث ذلک عندنا خلفا عن سلف، و من یناقمنا یحلّ به الویل، و یصده النکل و الخبل. و قد صدق فینا قول الشاعر الماهر، الذی قوله ذائع عند البادی و الحاضر:
إذا قالت قریش فی أمر شیئافذاک القول مصداق المرام
/ فصدقوها فی المقال حقاو لا یکن تکذیب فی الکلام
(ص 246) و قول الآخر:
إذا قالت حذام فصدقوهافإنّ القول ما قالت حذام
و قول آخر:
و ننکر إن شئنا علی الناس قولهم‌و لا ینکرون القول حین نقول
و قد نصبنا أنفسنا للموت و التزمناها، بحیث من لم یمت منّا بالسیف مات بغیره فیتمناها فصدق فینا قول الشاعر:
و من لم یمت بالسیف مات بغیره‌تعدّدت الأسباب و الدّاء واحد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 306
و لا خیر فی خلف إذا لم یتبع السلف، و لا فی الرجل إذا لم یتبع أباه و لخصاله یقتف، و الورقة من الشجرة، و النار من الزناد و الحجارة. و قال فعند ذلک اتفق رأیهم علی تحصین البلاد بکل الأدوار، و إقامة آلة الحرب و ما یئول (کذا) إلیه الحصار، و أتقنوا أمرهم غایة، و استعدوا للعدو بدءا و نهایة. و لما استولی الدرقاوی علی المحلة و عزّ جانبه فی کل قریة و حلّة، و اتصف بالمزیة، کتب بالبشائر و التهانی لجمیع الرعیة، قائلا لهم بقوله الذی بان لهم فیه النصیحة و المعونة، أننا نزعنا عنکم ما کنتم فیه من الحقر و الذلة و المسکنة، و أداء المغارم و الجزیة الثقیلة، و المؤن الکثیرة الجلیلة، الذی جمیع ذلک هو حرام، علی من انتظم بالدخول فی سلک الإسلام، و قد قطعنا دابر الترک الظلام، و أتباعهم الشّرار اللئام. فالواجب علیکم مبایعتنا و الإذعان لنا و طاعتنا، فوافقه علی ذلک (ص 247) جمّ غفیر، و عدد کثیر/ فاجتمع عند ضحی یوم الجمعة، ثالث عشر ربیع الأول تلک السنة ذات القصعة، ما لا یحصی عده، و لا یستطاع دفعه ورده، من رعایا البای، من ذوی العقول الفاسدة الرأی، فمرّ بغریس الشرقی و الألویة علی رأسه فی غایة الخفقی، إذا به سمع امرأة تنادی علی أخری ترکیة، و کان ذلک اسمها فی المحکیة، فأنف من ذلک و أبدل اسمها فورا بعربیة، و قال ما عدونا إلّا الترک بأتباعهم و حشومهم و أشیاعهم. ثم دخل المعسکر فأطاعوه، ما بین طوع و إکراه بایعوه و ما داعوه فصیرها دار ملکه و سکناه، و جمع بها أهله و أولاده و جعلها مثواه.
و قد ألفی بها وقتئذ الفارس القائد أبا محمد بالحضری بن إسماعیل البحثاوی نسبا، الدایری (کذا) مرتبا، قد کان البای بعثه لها لبعض شئونه، و قضاء مطالبه و مؤنه، فتقبّض علیه کغیره من القواد و سجنه، و کبّله و مهنه. و هزم جیشه خلیفة البای مصطفی ببلاد مجاهر فی ربیع الثانی من تلک السنة هزیمة شنیعة، و قتلوا العسکر و نهبوا المحلة ذریعة. ثم خرج من المعسکر بجیوش کالجرذ أن تملأ الخراب و العمران، قاصدا بها فتح و هران. و لما حلّ بسیق بأرض الغرابة، فرّ منه أهلها بعضهم للجبال و بعضهم للغیب و الأماکن المتوعرة الشعابة، و من دخل منهم لغابة الجیرة التی هی طریقه أوقع بهم عظیما ما بین القتل و الأسر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 307
و السبی و حلّ بهم تطریقه، حتی عرف بالموضع الذی وقع به ذلک للآن بشعبة النواح، لکثرة نوح الناس بالبکاء علی أنفسهم و أهلهم و ما بهم من الفراح. و کان الولی أبا عمامة الغربی تلمیذ أبی دیة قبل الواقعة یقول و هو فی خلوته: مزینکم یا حواض السماء لو کان فیکم الماء لأن کل من فرّ لأحواض السماء و هو الجبل المطل علی طلقة العلوج و سیق نجا، و کل من/ ذهب لغیره حلّ به ما یرتجا (ص 248) (کذا)، و صارت جنوده المفسدة الذمیمة الوافرة العدد الجسیمة، ما تمرّ بموضع إلا ترکته وحشا، مهانا و وجهه و خشا، و کان قدومه لوهران فی الصیف فی أبّان الحصاد، فسارت إلیه و أطاعته جمیع العباد لا عربی و لا مخزنی، و لا شریف القدر و لا دنی، خشیة منه علی زرعهم و مالهم و ضرعهم، لکون الجنود مضنة الفساد، و الضلال و النکاد، لا سیما عادة الجنود السلطانیة المتوّجة بالتّیجان الشیطانیة، فلم ینفع ذلک من دخل فی طاعته، و لا من أتاه للخلاص ببضاعته، بل سلّط من شدة ظلمه أتباعه، علی من انتسب للمخزن فأکثر إیقاعه، فأخذوا ماله و نهبوه و سبوا أولاده، و ترکوا حیاری زوجه و أفراده، فحرقوا و نهبوا و قتلوا و أسروا و سبوا، و صار المستغیث بهم کالمستغیث فی الرمضاء بالنار، أو السفیه فی القفار. فکانوا أهلا بقول الشاعر، الحاذق الماهر:
فالمستغیث بالسفیه عند کربته‌کالمستغیث فی الرمضاء بالنار
و لم ینج من وقائعهم الرذیلة إلّا من نجاه اللّه منهم أو لجأ إلی بعض المواضیع الممتنعة عنهم. قال: ثم ارتحل و نزل ضواحی و هران بقربها فی المشتهر، و صبحها بجنوده کأنها الجراد المنتشر، طامعا فی دخولها و أخذ ذخائرها، و تزوج نساء أکابرها، کطمع جنوده بذلک لضعف أهلها فی زعمه عن دفع ذلک، مستحلّین ذلک لضعف مذاهب الأعراب ذات الفعل القبیح الخائضة مع کل ریح، و ما ذلک إلا لضعف عقولهم و قساوة قلوبهم، و شدة جهلهم و کثرة لعوبهم و زلّة أقدامهم و رؤوسهم، و اتباعهم هواهم و ما سوّلته لهم أنفسهم فی قیامهم و جلوسهم، و شدة حسن ظنهم بأمیرهم، و لا فرق بین کبیرهم و صغیرهم جازمین أن کلمته لا تردّ، و أن دعاءه مستجاب فی کل واحد، فاستعدّ/ للقائه (ص 249) أهل البلد، و تهیّوا (کذا) لقتاله بکل مرصد و خرجوا لمبارزته و مکافحته و منابزته، و محاربته و قتاله، و مناطحته و نزاله، فقاتلوا شدیدا مددا و هم مع ذلک أقل منه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 308
عددا و عددا، فکان من أمرهم الظهور علیه بحشوده، و حصل النصر لهم فهزموه مع کثرة جنوده و مکر اللّه بالقوم الظالمین الفاجرین، قال تعالی کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ ، و اشتد المخزن فی القتال مع قلّته، و انهزم العدو من حینه مع کثرته و جلّته، و صار ذلک الیوم هو باکورة سعدهم و نجحهم و علامة ظفرهم بالعدو و ربحهم و ظهور قوتهم و بأسهم، و مسرة بشارتهم و أنسهم، فما من یوم بعده حاربوه إلا کان لهم فیه النصر و الظفر، و المهابة و النصرة تجری علی القضاء و القدر، و لا زالت بینهم و بینه الحروب الشدیدة، و المکاید المدیدة العدیدة، و انسدّت السّبل البریّة بین و هران و الجزائر أیاما.
فبینما الناس کذلک و إذا بالسفن فی البحر تخفق فیها أعلاما مشحونة بعساکر الأتراک الشداد، تحت حکم بای آخر و هو محمد بن محمد بن عثمان علی حسب المراد. و کان ءاغته البطل الشجاع الفارس الباسل المطاع، کافل الأرامیل (کذا)، البحثاوی عثمان بن إسماعیل، ثم کثیر الشدة، بن عودة بن خدة، ثم الطّود الشّامخ، الإکلیل الباذح البحثاوی علی ولد عدة، المزیل لکل غمرة و شدة، ثم الفارس الجواد الباسل، الخریر الکامل الواصل، الضرغام الجمیل، البحثاوی قدور الصغیر بن إسماعیل. و من الزمالة مدیر الأمور الوهرانی السید محمد ولد قدور.

البای محمد بن عثمان المقلش و حروبه مع الدرقاوی‌

ثم محمد بن محمد بن عثمان، الملقب بالمقلش و هو خامس بایات و هران، الذین نار بهم الوقت و طاب الزمان، کان انتقل مع أخیه عثمان إلی مدینة البلیدة کما سبق البیان، و أقام بها إلی أن قام ابن الشریف الدرقاوی علی (ص 250) مصطفی بن عبد اللّه المارّ و حاصره بوهران/ و لما رءا (کذا) أهل الجزائر عجزه عن دفاع العدو و خانه، عزلوه و خلیفته حسن و ولّوه فی مکانه لریاسته و شجاعته بالمیامنیة، و سعادة الوطن بولایة العثمانیة. تولی سنة عشرین و مائتین و ألف و هو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 309
ابن ثمانیة عشر سنة علی ما قد قیل، و قیل غیر ذلک من الأقاویل و بقی فی الملک ثلاثة أعوام غیر کسر بالبیان. و لما أمره الباشا بالإتیان مع البرّ قال له أن ما بین الجزائر و وهران لا یسلکه حتی الذّبان، و کیف تأمرنی بالذهاب معه أیها الباشا، فالسالک معه لا شک أن أمره یتلاشا (کذا) فأرسله فی السفن فی البحر، و هو فی غایة الحزم و العزم و الصبر.
قال: و کان من خبره أنه لما قدم لوهران، وجد الدرقاوی محاصرا لها من کل جهة و مکان، و الناس فی ضیق شدید من طول الحصار، و انقطاع الأقوات البریة باستلاء العدو علی ضواحیها بالاشتهار، فکان طلوعه علی أهل البلد طلوع نجم سعید، یراصده رجل حکیم مفید، و قدومه علیهم صعدا، و ملاقاتهم إیاه فوزا و مجدا، یشمله قول الشاعر الحکیم الحاذق الماهر:
بشری فقد أنجز الإقبال ما وعداو کوکب المجد فی أفق السّما صعدا
و کان للبلد وقت ذلک خمسة أبواب ألفاها کلها مغلوقة، لا من یدخلها من أهل الضواحی و لا من یخرج منها من أهل البلد إلا بإذن و خلوقة، فأمر بفتحها و حاله فی عزم و شد و نادی المنادی من قبله أیها الناس من أراد الدخول و الخروج فلیدخل و لیخرج و لا حرج فی ذلک علی أحد، فتفسح الناس و انفرج المضیق و أمنت من حینه البراری و الطریق، و صار المسافر لا یحتاج إلی الرفیق، و هبت ریاح النصر و خفقت أعلامه و ضاق متسع العدو و أظلمت علیه لیاله (کذا) و أیامه، و سئم مکثه بالمحل الذی هو فیه و مقامه، و صار الحرب معه عند أهل البلد عیدا،/ و عدوهم بین أیدیهم صیدا متعددا و فریدا، و الدّرقاوی یعد جنوده (ص 251) کل یوم بفتح و هران، و هو مستحوذ علیه الشیطان، و یمنیهم بالأمانی الکاذبة، و یطمعهم بأقواله الجالبة، و یعدهم المواعید العرقوبیة، و یقاولهم بالأقاویل الکذوبیة، إلی أن جاءه شیخه من المغرب و حضر لمقاتلة و شدة الحرب، مع جیش تلمیذه فرءا (کذا) بالعیان، ما لا یقدر علیه بکلمة البهتان، و أزعجه قتال المخزن و ما فیه من الأعیان، بعد أن أمرهم بحمل الشواقیر و الفیسان و أنهم فی یومهم یدخلون و هران، و یصیرونها بالهدم و التخریب مغارات للفیران، فباء و شرذمته بغضب من اللّه، و لحقهم الضرر من المخزن ما لم یلحقهم من أحد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 310
بإذن اللّه، إلا أن الجاهل کل الجهل من یرید أن یحدث فی الوقت ما لم یحدثه اللّه، عالم الغیب و الشهادة و مقدر الشقاوة و السعادة، المعطی المانع، المعز المذل، الخافض الرافع. قال، و کان مع الدرقاوی من أعیان المخزن أبو القاسم ابن ونّان قائد الغرابة مطیعا له راکبا، فرءاه یوما و رجله ترتعد فی الرکاب ارتعادا شدیدا قد ارتعد لها جمیع جسده و المخزن علیه کالبا، و کان رجلا جسیما غلیظ القوائم طویل القامة بالطول الحایم، متسع الوجه مدوّره شدید البیاض کثیف اللحیة طویلها سریع الانقاض. فقرب منه و قال له ما هذا الخوف و الجزع، الذی اعتراک حتی حل بک الارتعاد و الفزع، و أنت فی هم و حیرة، و غم و سکرة، فقال له یا خالی أبا القاسم و اللّه لقد ذهب جمیع ما کان عندی من السر الذی جئت و أنا لمن أرذل الناس کالنایم، فقال له أن شیخک عما قریب یکون عندک، فتنتصر علی غیرک وحدک، فأجابه بأن الشی‌ء إذا ذهب لیس له رجوع، و لا یفید (ص 252) فیه الشیخ و لا غیره/ فی المسموع، فأیقن درقاوة من أنفسهم بالعجز و الخذلان، و أیسوا بحمد اللّه تعالی من فتح و هران. قال فی در الأعیان أولئک الطائفة حزب الشیطان ألا إن حزب الشیطان هم الخاسرون، و هؤلاء الدافعة هم حزب اللّه ألا إن حزب اللّه هم المفلحون الناصرون. قال فاتفق رأیهم علی الارتحال عنها برجف و خفق، لحصنها و شدة مخزنها و الذهاب عنها لغیرها من مدن الشرق، فأصبحوا ظاعنین و للعود لوهران لیسوا بطاعنین، و کان بالغرابة ولی من أولیاء اللّه الکاملین الواصلین الذین للسر حاملین، یقال له السید عبد القادر أبی عمامة، تلمیذ الضریر سیدی محمد أبی دیة کثیر الکرامة، و کان مأذونا له بالکلام فی أمور الکشف کشیخه الجلیل، و کان یسکن فی عبادته بغابة مولای إسماعیل. و لما تحرک الدرقاوی مشرقا، و أحواله باطلة و قلبه مخفقا، صار یقول هذا الولی بکلامه المشجع یا سیدی داوود، غیر هذه المرة و لا تعاود، یا سیدی مبارک، نوّض الجمل المبارک. و لما وصل الدرقاوی لمزارع سیق قرب سیدی داوود قامت علیه الغرابة مجتمعة للمیدان، و رایسهم (کذا) قایدهم أبو القاسم بن ونان یرومون منه أخذ الثار بما فعله بهم من قتل الرجال و النساء و الصبیان فتعرضوا له بالضرب و النهب، و القتل و السبی و العطب فنالوا منه بعض الإنالة و ابتدا (کذا) فی النقص بتلک الحالة. ثم لما وصل لسیدی مبارک قرب وادی هبرة، لقیته فرسان البرجیة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 311
مع ما انضم إلیهم من بنی شقران و صیروه غبرة، و قد تعرضوا له و هو سائر، و تکلم المدفع الرّبانی فیه من سیدی مبارک فی الدرقاوی الثائر، سمعه الغائب و شاهده الحاضر، فبصر اللّه البرجیة علی درقاوة، و هزموهم هزیمة شنیعة و أبدلوا سعادتهم بالشقاوة و أخذوا بظهورهم و أدبارهم/ و وضعوا البارود و السیف فی (ص 253) خیارهم و أشرارهم فکان یوما عظیما علی درقاوة، و غنم و قتل فیه من قتل و أسر من أسر و سبی من سبی و جرح، و حلت بهم الشقاوة و غنم منهم الحاضرون لهم من البرجیة و بنی شقران، غنائم کثیرة لیس لها حصران، لم یفتقر بعضهم بعدها قط و لا یری الخسران، فلله درّ فرسان البرجیة و من انضم إلیهم، حیث قاتلوهم و هزموهم و غنموهم و سلطوا علیهم، لقد أشفوا العلیل، و أبردوا الغلیل، و لم یقنعوا منهم بأخذ القلیل، بل ترکوهم حصیدا لکل لاقط من الکثیر و القلیل.
قال و فرّ الدرقاوی مفلولا فلة جلیلة فی شرذمة قلیلة، قاصدا لأهله و خاصته بالمعسکر فمنعه أهلها من الدخول، و تقبّضوا بأهله و أولاده و سائر الذین بها من درقاوة، و مکنوهم من القائد السید الحاج بالحضری بن إسماعیل البحثاوی فجعلهم فورا فی الکبول. و ذلک أن الدرقاوی کان سجنه کما مرّ مع سائر القواد، و ترکهم فی أرذل حالة علی رؤوس الأشهاد. و لمّا حلّ بالدرقاوی من البرجیة ما حل بسیدی مبارک، أخرج المعسکریون الحاج بالحضری من السجن بمن معه و حکّموه علیهم و مکنوه من أهل الدرقاوی و أولاده و سائر طائفته عند ذلک، و أعطوه السلاح فصار حکیما أمیرا، بعد أن کان مسجونا أسیرا، و فتک بدرقاوة ما بین القتل و الجرح و السّبی و الکبل، فتکا شدیدا، لا یکون له مثل، و المرء بما دان یدان، و الأیام متداولة بأحوالها من الخیر و الشر علی کل إنسان. قال تعالی:
وَ تِلْکَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ. و قال صلی اللّه علیه و سلم: «یوم لک و یوم علیک». و قالت العرب: یوم سمین و یوم هزیل. و قال الشاعر من بحر الطویل:
/ ثمانیة تجری علی المرء کلّهاو کل امرء لا بدّ یلقی الثمانیة
(ص 254) سرور و حزن و اجتماع و فرقةو یسر و عسر ثم سقم و عافیة
ثم أن الدرقاوی لما منع من الدخول للمعسکر فات علی وجهه مع جموع الأحرار و سلّم فی أهله و أولاده و أصحابه و فرّ. قال و لما أتی الخبر للبای بتشتیت درقاوة قام من ساعته، و جمع أرباب دولته و أمرهم بالخروج لطلب الدرقاوی،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 312
و فتح ما یتیسّر له من البلاد بالفتح الحاوی فقال له من معه من الوزراء و السادات و الکبراء، أمهل بالخروج المعلوم، و اکتب لأهل الضواحی من المخزن بالقدوم، و لا تعاقب أحدا بما فعل و لا تکن منک له لائمة لأنهم لم یروا ذلک فارطا فظنوا عند الرؤیة أن لا تقوم لنا قائمة، فأساء اللّه ظنّهم، و خالفهم الدرقاوی بما منّهم فقال لهم رأیکم هو عین الصواب، و هو الذی یقع به الکتاب و أمر کتابه بمکاتبة ما أشار به أعیان المخزن، و قلبه مسرور لیس بمتحزن، ثم بعث للمعسکریین رسله لیأتوه بنساء الدرقاوی و أهله و ذخائره، فبمجرد الوصول بعثوهم له صحبة القائد الحاج بالحضری و أعیانهم ببشائره، فقدموا بهم علی البای بوهران بإظهار السرائر، فأرکبهم فی الفلک و بعثهم إلی الجزائر و طارت إلی کل مکان صحف البشائر.

ظهور الدرقاوی من جدید

ثم خرج نحو المعسکر فنزل بلد البرجیة و معه أخوه أحمد المغیار، و أقام بها أیاما ینتظر من کل جهة ورود الأخبار، فبینما هو کذلک إذ جاءه الخبر الطائر، بأنّ الدرقاوی جمع جیشا جلیلا من الصحرا (کذا) بموافقة مجاهر و بنی عامر، و أن مجاهرا عزموا علی الغارة علیک و صمموا بالمجی‌ء إلیک، فتحیّر و ضاق به (ص 255) المتسع/ و اشتد به القلق و الجزع، و الاضطراب و الفزع، و خشی أن الخرق علی الراقع یتسع، و نادی لندیمه الأدیب و رفیقه الحبیب، و مؤنسه و صاحب سره، المطلع فی جمیع الأحوال علی سعده و نحسه و خیره و شره، شبیه الحکیم الیونانی، اللبیب الخروبی القلعی السید محمد بن الجیلانی فلمّا أن حضر مجلسه أخبره بما سمعه و اقتبسه، فقال له أیها الأمیر المالک، اجمع أعیان مخزنک و استشرهم فی ذلک، لأن الرأی هم أهله، و الحرب هم صدره و أصله، فأحضرهم و أخبرهم بالخبر و کرّر لهم ذلک و حرّر، فاختلف أمرهم فی الرأی بالجواب، فبعضهم قال بالرجوع لوهران و غلق الأبواب و أهل الجزائر یدفعون عن أوطانهم لعدم الطاقة عن دفع العدو و أقرانهم، و بعضهم قال غیر ذلک، إلی أن سمع البای رأی الجمیع بما هنالک. و کان الفارس الهمام، و الأسد الضرغام و البطل الشجاع، و الصندید المطاع، الذی للغیظ کظّام، النّافع لمن انضم إلیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 313
من الأنام کافل الیتامی و الرامل، و قامع الشجعان البواسل من أسعده اللّه و أسعد به البلاد، و أقامه لنفود مصالح العباد، القائد الأنجد، الفاضل الأمجد، الجواد الأسعد، المخزومی الأوکد سمط عقدة أبو مدین السید قدور الصغیر بن إسماعیل البحثاوی ءاغة، مکّن اللّه من الجنّة إن شاء اللّه وصله و بلاغه، حاضرا ساکتا، و عارفا بالرأی و صامتا، فلما رءا (کذا) الاختلاف و عدم ما یحصل به الإتلاف قال له یا سیدی الذی أشیر به علیک لا بدّ لنا من لقاء العدو لا محالة و لا تضرنا کثرته فإنهم حثالة الحثالة، بمنزلة الضباب أو النخالة، فلا یهوّلنک هذا الأمر، و لا تکن منه فی قلق و عسر، فما خرجنا إلّا لنلقوا مالا/ نحبّه، و عدونا إن شاء اللّه علی أم (ص 256) رأسه نکبّه، و الصبر مفتاح الفرج، و مزیل للجزع و الهرج و لا یدرک المجد إلا بالصبر و لا یحصل الظفر بالعدو إلّا بعد أکل الصّبر، لقول الشاعر، المفید بالوعظ الماهر:
لا تحسب المجد تمرا أنت ءاکله‌لن تبلغ المجد حتی تلعق الصّبرا
و الحکماء یقولون فاز بالّلذات الجسور، و بالصبر یتمیز الأمر من المأمور، و من یرید العسل، یصبر لجنی النحل، و من طلب المعالی سهر اللیالی. و أنت أیها الملک إنما بعثک أهل الجزائر لتفتح لهم الوطن، فلا تخیّب لهم فیک الظن و تمهّد لهم البلاد، و تدوخ لهم الأبطال الشداد، فلا تخیّب لهم رأیا أصابوه فیک، و لا تکسّر لهم قلبا یسرّ حین یوافیک فإنهم علی غیرک اختاروک، و أنت أولی بذلک لمّا اختاروک، و إیاک أن تکون کمن فی أول غزاته (کذا) انکسرت قناته و انفصمت أوثق عراته، حتی تکالبت علیه العدا، و طمعت فی أکله الرخام و الحدا، و أنّ هؤلاء الأعراب لا یخفی علینا حالهم و ما لدیهم کما لا یخفی حالنا علیهم، فلا رجوع لنا عن تدویخهم إلّا إذا متنا عن ءاخرنا، و یکون النصر لنا علیهم بانتصار ءامرنا (کذا) و قد جمع اللّه شملنا بعد ما فرّقه الدرقاوی، فصار المخزن کحاله المضاوی. و الرأی المتین الرجیح (کذا) أن تبعث من أعیان المخزن من یکشف لنا عن حال بنی عامر و ما هم علیه و یأتوک بالخبر الصحیح، کما تبعث لکبراء الحشم و البرجیة الجبلیة بغیر تراوی. یجتمعون بکلهم و یلقون الدرقاوی، و نحن نکونوا (کذا) فی مقابلة مجاهر بقوة و شدة و وحدة، و نحاربوا (کذا) بحول اللّه و قوته لکل واحد وحده، و یکون النصر لنا لا علینا بانتقاد، لأننا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 314
(ص 257) نریدوا (کذا) الصلاح و هم یریدون/ الفساد، فهم فرقة باغیة زاحفة فی هذا الأمر، فوقع الاتفاق علی هذا الأمر. قال فظهر أمر بنی عامر کذبا، و اجتمع الحشم و البرجیة کما أمرهم فورا و قربا، و لقوا الدرقاوی فهزموه بعد الحروب الکثیرة الصحاحی، و اطردوه عن سائر تلک النواحی، و قدم مجاهر إلی بلد البرجیة فأثخنوا فیها بالنهبیة و اشتغلوا بحوص الحب و نقله من المطامیر، و هم فی حالهم بغیر ناه و لا أوامیر (کذا). و لما سمع البای بما لدیهم أمر مخزنه بالرکوب إلیهم، فامتثلوا أمره و شنّوا الغارة علیهم، فلم یک (کذا) إلّا قلیل فی قتلهم، و إذا بالمخزن قطع نحو التسعین رأسا منهم و فرّ الباقون لمحلهم.
ثم رحل البای فی صبیحة الغد، و نزل بطرف البرجیة بینهم و بین مجاهر فی الحدّ، ثم رحل من الغد بقصد بلد مجاهر فلقوه بالضریویة و حاربوه ساعة، فهزمهم بعد ما مات من الفریقین کثیر و نجوا سراعة، و نزل بماسرة، و أقام بها أیاما، یدبر أمورهم جلوسا و قیاما، فبینما هو فی تلک الحالة، إذا بمجاهر اجتمعوا و جاؤه رجّالة و خیّالة، و غاروا علی محلته وقت الصباح غفلة و دارت جنودهم بالمحلة و جالت جولة فخرج المخزن إلیهم خروج الیقین، و تزاحفت الصفوف لبعضها بعضا و اشتدّ الطنین، فلم یکن غیر ساعة إلا و مجاهر ولوا الأدبار بحالة المنهزمین، و مات من الفریقین خلق کثیر، و عدد حصره عسیر، و کان من جملة من مات من المخزن القائد المشهور، الفارس الذی عند الناس مذکور، الصندید المکین، الزمالی السید عدة بن محی الدین. ثم ارتحل البای صبیحة غدا و نزل ببلاد مجاهر، أهل الضلالة و المناکر، و زاد فی الغد لوادی مینا و به نزل (ص 258) و راغ، فأتته به جموع مخزن الشرق بالمسیرة و من الرعایا/ جماعة بنی أوراغ، ثم ارتحل و صعد مع وادی مینا إلی أن نزل بالواد المالح و أقام بها أیاما و قلبه مطمئن فارح. فبینما هو هنالک بین الیقظة و النعاس، إذا بالدرقاوی بجمعه قصد المحلة علی غفلة من الناس، فنادی المنادی بأفصح الخطاب، علیکم بالرکاب إلی کاب، ففزع الناس لذلک و حکی کل لصاحبه بما هنالک و رکبوا خیولهم و خرجوا من المحلة ینظرون غیولهم و خرجت عساکر الأتراک کأنها اللیوث العوابس، فهم أسود بنی آدم بزماننا، و جالت الفوارس، و حصل الحرب خارج المحلة، و کثر العیاط بین الناس بغیر القلّة و تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 315
و العدوّ فی العدد ألوف الألوف. قال فلم یکن غیر ساعة و إذا بالدرقاوی بجیوشه قائم شارد، و للنجات (کذا) سائل و نائد و أظلم الجو الغبار، و تکادر الأمر و کبر النهار، و غضبت فرسان المخزن و صارت حائمة کأنها الطیور، تخوض بین أسراب الزرزور، فلا تری فی جیش الدرقاوی إلّا القتیل و المأسور، و المسلوب من الباس، و المقطوع الأعضاء و الراس، و زادوا فی الحملة إلی قرب قریة الولی الکبیر الغوث القطب الشهیر، ذی المناقب المعدودة، سیدی محمد بن عودة، فرجع المخزن بعد ذلک عنهم، و قلوبهم شائقة إلی الظفر بهم و الغنیمة منهم. ثم رحل البای فی صبیحة غد متوجها للقریة المذکورة ذات المسالک فی طلب الدرقاوی و نزل بموضع هناک، ثم زحف للقریة بجنود لا قبل لهم فی حالة القتال، و کان بالقریة أمم لا تحصی فلم تغن شیئا حالة النّزال، و دخلتها العساکر و جالوا فیها و جاسوا ما لها من الحلال، و أخذوا فی السبی و القتل و أخذ الأموال.
قال/ صاحب در الأعیان و إنی رأیت امرأة مقطوعا رأسها کسائر الرجال، و لم ینج (ص 259) إلّا من فرّ و لجأ لضریح سیدی محمد المشار إلیه بالإجلال، لکون البای أوصی باحترامه و عدم التعرض لمن لجأ إلیه بحال من الأحوال. ثم رکزت الأتراک سناجقها لدی الضریح، و شرعت فی القتل و النهب و السبی و الجریح، إلی أن فرغت من ذلک فی المأثور، فرجعت لزیارة الولی المذکور، قال و لقد أخبرنی من أثق به أنهم قدّموا قبل الزیارة صدقة تنیّف علی المائتی ریال دراهم، و بعد ذلک علی الزیارة حصل التداهم، قال و أما المخزن فإنهم لقوا جموع درقاوة خارجا من القریة و هم فی عددهم ألفیة، فقاتلوهم قتالا شدیدا إلی أن جرح الأکثر من الکبراء و الرؤساء فی القول الأشهر، و کان النصر لهم علی درقاوة کوقوع الدائرة علیهم، فهزموهم عظیما و اطرحهم من تلک الناحیة من غیر ملتفت إلیهم. و لما افترق الحرب أمر البای بجمع الرؤوس فجمعت، و بین یدیه وضعت. قال فی در الأعیان و لقد رأیت الجندی یأتی بالثلاثة و الأربعة رؤوس بالعیانة فیضعها بین یدی البای کما یضع البصل بالإهانة. و منهم من یأتی بالواحد و الاثنین، کل علی حسب ما رزق من القطع بدون مین، و لما جمعت الرؤوس بعثها البای لمدینة المعسکر مع بشائر الظفر و النصر.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 316

ظهور الدرقاوی مرة أخری‌

ثم ارتحل فی أثر ذلک و ألویة النصر تلوح علیه التزاما، قاصدا المعسکر إلی أن دخلها و مکث بها أیاما. ثم أتاه الخبر المتفانن، بأن خلیفة الدرقاوی بجموعه نزل بلد بنی مریانن، فذهب لطلبه و حصل بینه و بینه القتال الذریع، (ص 260) و الحرب المترادف الشّنیع، فکان/ ذلک الیوم من مشاهیر الأیام، سعد فیه الشجاع و خسر اللئام (کذا) قد أتی فیه للبای المنصور، بسلاح و لباس و فرس الخلیفة المذکور، و انجرح فیه من أعیان المخزن و کبرائه و أهل مشورة الملک و وزرائه، قطب رحاه، و شمس ضحاه، و أساس مبناه، و إتمام معناه و أکمل جوائزه، و أشد رکائزه، الفارس الباسل، الصندید الفاضل، الشجاع الرایق الکامل فی الخصال الفایق، ءاغته و کثیر جولته، و قائده، و سیف دولته، العری من جمیع المساوی ءاغة السید قدور الصغیر بن إسماعیل البحثاوی، فلم یزده جرحه إلّا تقدّما، و لعدوّه إلّا تعبّسا و لصدیقه إلّا تبسّما، فلقد صال علی العدو کالکاسد و فعله کالرایح، و مدحه صاحب درّ الأعیان، و صاحب أنیس الغریب و المسافر بأبیات. فما قاله صاحب درّ الأعیان ذهب عن حفظی. و ما فی الأنیس خذه، بإثبات:
جزی اللّه جلّ الناصر بالبواترقدور بن إسماعیل رایس الدوایر
لحزب الأتراک فی جمیع المعارک‌فإنّه لیث الحرب لیس بغادر
تراه إذا حام الوطیس مقدّمالقتل العدوّ الوارد ثم الصادر
و لا یولّی الأدبار و لو تراکمت‌علیه العدا و لا یخاف من ضایر
کمی شجاع شهم الحرب یوم الوغاو کم له من حزم علی العدا ظاهر
و کم له من کرّ و لیس له فرّو کم له من طعن و قطع الحناجر
و کم له من وصل علی العدا دایم‌و کم له من فخر علی کل فاخر
و کم له من دفع لکل مزاجف‌یردّه أعقابا مولی للأدابر
(ص 261)/ و فی بنی مزیانن زادت شجاعته‌فکرّ علی الأعدا بغیظ مواتر
و زاد اندفاعا لمّا رأی رأس العداخلیفة ابن الشریف بالقرب حایر
یحاول قبضه و هو فی شهامةفحلت به الجراح ذا العزّ الباهر
فلم یلتفت لها و زاد فی حمله‌إلی أن نجا العدو بین الحوافر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 317 و خلّ فرسه سلاحه لبسه‌فأتی به اللیث لبای الأکابر
و دمه مهطل و هو غیر جازع‌فغمّ له البای و صار کالحایر
فقال له الفهد علی رؤس الملاإننی لفی خیر من کلّ المضائر
فسرّ به البای و عزّ جنابه‌و أدناه منزلا فی کل الأوامر
فلا غرو أنّ اللّه زاده رفعةو خیرا و إحسانا و کل البشائر
فلا تلد اللیوث إلّا الضراغم‌و لا تلد الفهود سوی القساور
و لا تأتی الصقور إلّا بمثلهاو لا تلد البزات سوی الأصاعر
فبیت هذا اللیث الزعیم بقوةفإنّها أعلا من بیوت الأکابر
قال، ثم إنّ البای رحل من مکانه للعمائر، و نزل بلد أولاد سلیمان أحد بطون بنی عامر. و رحل من الغد و نزل بالمبطوح ربضا، ثم ارتحل و نزل بثنیة مأخوخ بلد أولاد علی أحد بطون بنی عامر أیضا. و قد اجتمع بنو عامر بجمعهم الغاوی، و جیشوا ببلد أولاد الزایر مع الدرقاوی، یرومون لقاء البای، و ما ذاک إلّا من تلف الرأی، و البای فی قلبه شی‌ء کبیر و غم عسیر، مما هم فیه القرغلان، المستقرون بتلمسان، حیث ضاق علیهم الحال، حتی عدموا القوت و المال، و طاش لهم اللّبّ و البال، بمنازلة العدو علیهم و لا یفارقهم بالغدوّ و الآصال، و رسلهم تتعاقب علی البای بأنهم فی النکال، و نزل بهم السخط و الوبال و لا لهم طاقة لما هم فیه علی القتال، و افترق التلمسانیون علی فرقتین: قرغلیة، و حضر، بغیر مین، و شعلت بینهما نار الحرب فی البلد، و طالت و اتصلت علی الوالد و الولد، و هم فی أشدّ عذاب و نکول، و لسان حالهم ینشد و یقول، ما هو فی الأنیس منقول، أبیاتا من المتقارب دالة علی الإضاعة و التعاطب:
/ إن لم تدرکونا عزما عاجلافاقطعوا لا ریب منّا الإیاس
(ص 262) فالزّاد جمیعه قد انقضاو مات کثیر من جملة النّاس
و الحرب تدور فی کل یوم‌و الجوع قد ضرّ بأکثر الناس
فلا صدیق و معین لناسوی اللّه جلّ علا ربّ الناس
و لا تحویل و فرار لنایقینا عن جانبکم یا أناس
ألا فادرکونا فورا عاجلامن قبل دخولنا إلی الأرماس
فالحرب علینا و لیس لناو نحن بها فی أشدّ نقاس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 318 و الجوع جری علینا و طغاو جاز بنا حدّا فوق القیاس
و ما هو فی درّ الأعیان مذکور، و محرر و مشهور:
ألّا فادرکونا و إلّا فلم‌تجدوا منّا بحیاة فتی
فقوتنا قد نفدت ضرراخزاینه مذ عدوّ أتی
و حرب عظیم یری أبداإلی أین تبدو لنا أو متی
قال و لما بلغه خبر بنی عامر و الدرقاوی، و أنه یقول لهم أنه هو طبیبهم من علة الترک و لها مداوی، أقام بموضعه أیاما إلی أن جمع آلات حربه و سادات حزبه، و اعتمد علی طعنه للعدو و ضربه، بباروده و مدافعه الشعالة، فرحل نحوهم و نزل تاسّالة، ثم رحل من الغد و فرسه ثائر، یرید واد الحد ببلد أولاد الزائر، و عیونه ذاهبة و راجعة بأخبار الدرقاوی الزعلوک، کما هو شأن أولی الحزم و العزم من الملوک، إلی أن تحقق بأن بالوادی المذکور الأعراب، یریدون لقاءه، بزیاداتهم أمامهم للانتخاب، و هی هوادج توضع علی بوازل الجمال، و بداخلها نساء یولولن بین صفوف الحرب حال القتال، تزعم العرب أن ذلک یشجع الجبان، و یزید فی زعامة الشجعان، و ذلک دأب العرب مع بعضها بعضا لا مع المخزن فی القتال أیضا، لأن عادة المخزن المعهودة، و القاعدة المحررة الموجودة أنّ الزعامة و الشجاعة لا تبطل علی الرجال مدة الزمان، و أنه بمجرد (ص 263) درایته للعدوّ و یصدمه کائنا ما کان، فوقف البای بعد/ الخبر ساعة یحرض عساکره و مخزنه، و یثنی علیهم و یشکرهم و ما همه ذلک و لا أوهنه، و یقول لهم لم یبق لنا إلّا هذا الیوم الکبیر الذی نحن متقدمون له، فعلیکم بالصبر و الثبات و لا یصیب الإنسان إلا ما کتب له. قال ثم زحف للعدو أیضا و انضمت الناس لبعضها بعضا، و انحاز کل حزب لحزبه، و تزایدت جیوشه لقتل من بعد عنه و من بقربه، و أشرف المخزن علی العدو من ثنیة هناک، فألفی مقدمة بنی عامر راجلة معسکرة مشبهة بعساکر الأتراک، بمثابة من شبه البطة بالطیر، و ساقطة اللبن بذات الضیر، و لما تراء الجمعان و انتهت الأمال، و بعدت الحیرة و قربت الموت و حضرت الأجال، أنشد المنشد بلسان الحال، هذه الأبیات، و قالها علی التوال:
أیا عسکر الأعراب غرکم جمعکم‌فسوف تروا ماذا بکم قد یصیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 319 فالموت ها هی أتت إلیکم بالعجل‌من قوم عادت منها الروس تطیر
فتبّا لکم أنتم و ذل علیکم‌برأی خسیس خاب رأی عسیر
و هذا یوم الفراق حان مجیئه (کذا)و البین غرابه نادی أنت کبیر
و لکن أمر اللّه لیس له ردّو حین القضا یأتی فیعمی البصیر
هذا قول صاحب الأنیس، و قال صاحب در الأعیان بالتأسیس:
أیا عسکر الأعراب تب جمیعکم‌و سوف تروا ماذا بکم سیصیر
فلا تعجلوا للموت ها هی دونکم‌غدات اللقا منها الرؤس تطیر
فتبّ أمرؤ أغرّ افتراؤه جمعکم‌و بیس فصوب الرأی منه عسیر
فیوم الفراق الآن حان مجیئه‌و نادی غراب البین یوم کبیر
و لکن أمر اللّه لا مردّ له‌فیعمی المرء فیه و هو بصیر
قال و لما تلاقی المخزن و الأعراب صال علیهم صولة جامدة، و مال علیهم میلة واحدة و حمل علیهم حملة قویة، و زاد علیهم فیها بقوّته الکلیة، و صار شعاره الموت الموت، أدرکوهم أدرکوهم قبل الفوت، فأول المخزن نال بعض الضرب و آخره لم یجد محلا للضرب، و ترادفت علی الأعراب الأمکار، و أظلم/ الجو (ص 264) بالغبار، و حل بهم العمی و کبر النهار، و دخلوا فی شبکة الهلاک، و لم یجدوا سبیلا إلی السلاک، فما لبثوا غیر ساعة من النهار، إلا و عسکرهم فرّ و ولّی الأدبار، و أخذ عسکر البای ظهورهم بالقتل و النهب و الأسر و الغصب، و لم ینج منهم إلّا من نجاه اللّه، و أطال له العمر و عافاه، و غرّتهم المواعد العرقوبیة، فتشتتوا (کذا) علی و لهاصة و غیرها، و فرّ الدرقاوی فی شرذمة قلیلة للیعقوبیة، و لم یطق علی حمل خیمته منه إلّا الشجاع، و مع ذلک قلبه و اجل مفزاع، و نزل البای فی الوادی المذکور و لاح علیه الفرح و السرور بتشتیت تلک الأمم، و شدة ثبات مخزنه الأفخم، و جمعت لدیه الرؤس المقطوعة فی ذلک الیوم من درقاوة و بنی عامر فکانت ستمائة و بعثها کلها للجزائر. قال و یحکی من حضر لذلک أن الجندی الواحد یتقبّض علی الخمسة و الستة رجال، و یأمرهم بقتل بعضهم بعضا إلی الآخر منهم فیقتله و یأتی برؤوسهم للبای المفضال و ربما قال الجندی لأسیره اصبر للموت أو ما مت قط و أحوالهم کثیرة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 320
و قصة ذلک الیوم مشهورة کبیرة، نسئل (کذا) اللّه السلامة و العافیة المطاعة، و الانقیاد بالأتباع إلی ما اتفق علیه أمر الجماعة.
ثم ارتحل البای فی صبیحة الغد متوجها لتلمسان، و هو فی فرح و سرور بمخزنه و به صار فی أمن و أمان، و جدّ السیر إلی أن نزل بساحتها المتغلیة، فأتاه قائدها مع کبراء القرغلیة، و قصوا علیه مکابدة الأهوال، و إساءة الحال، و غلب الرجال، و سطوة الأغوال، و الکل علی باله، و مطرق بمسمعه و حاله، فأجابهم بکلام السیاسة و خاطبهم بخطاب الریاسة، قائلا لا یضرکم الأمر العسیر، فإن اللّه تعالی قال فی کتابه العزیز، و هو علی جمعهم إذا یشاء قدیر، و أن اللّه تعالی هو الفاعل المختار، و کل شی‌ء یجری علی العبد فهو مقدّر علیه فی سابق علم اللّه و یبرز بالمقدار، و هذا أمر مقدّر لا محید عنه من عاص أو مطیع؛ و سیفرج اللّه تعالی بمنّه علی الجمیع، و أنشد لسان حاله، أبیات الشعراء التی تغنیهم عن مقاله:
إذا کان عون اللّه للمرء خادماتهیّأ له من کل صعب مراده
و إن لم یکن عون من اللّه للفتی‌فأکثر ما یجنی علیه اجتهاده
(ص 265)/ و قول الآخر:
إذا لم یعنک اللّه فیما تریده‌فلیس لمخلوق علیه سبیل
و إن هو لم یرشدک فی کل مسلک‌ضللت و لو أنّ السماک دلیل
و قول الآخر:
إذا أعانتک الأیام فارقد لهاو اشعل إذا شئت فی الماء نارا
و إذا خانتک الأیام فلا تتعب‌فتعبک فی الدنیا إلّا خسارا
و قول الآخر:
إذا أعطیت السعادة لم تبل‌و لو نظرت شزرا إلیک القبائل
لقتک علی أکتاف أبطالها القناو هابتک فی أغمادهن المناصل
و إن شدت الأعداء نحوک أسهمانص علی أعقابهن المحافل
ثم أنه أعطی الأمان لکبراء الحضر، و أرسل إلیهم لیأتوه و لا یخشوا من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 321
الضرر، فأتاه جماعة الحضریة، و أصلح بینهم و بین القرغلیة، و ألّف بینهما تألیف المودّة الدائمة، و الصحبة و المحبة اللازمة و أوصاهما أن یکونا إخوانا، و علی الطاعة و الدین أعوانا، و دخل البلد و أقام بها أیاما، و الناس فی فرح و بطاعته قیاما.
ثم ارتحل راجعا إلی وهران، و معه صهره قائد تلمسان، و هو أبو الحسن علی قارة باغلی متنقلا بأهله انتقال من لا یولی، و صار یجدّ السیر و أعلام النصر تخفق علی رأسه و تحیات البشری توضع علی رأسه رائما محل أنسه، إلی أن دخل وهران مبرورا، و سالما مأجورا و فارحا مسرورا، و لسان حاله ینشد شعرا مأثورا:
فتح الفتوح و ءاب أوبة ظافرباللّه کان رحیله و إیابه
یلقی العداة و لا یملّ لقاءهافکأنما أهواؤه أحبّاؤه
قال فدخل و هران و أقام بها نحو الشهر إلی أن استراح، و اطمینت (کذا) نفسه و ضحک و لعب و ارتاح، ثم صار مهمی (کذا) سمع بالدرقاوی بجموعه، إلّا قصده و فضّ جمعه و صیره فی قموعه، و شتت شمله و أجلاه، و من المحل أطرده و أخلاه فأذلّ الأعراب و دوخهم و مقتهم و وبّخهم، و أخلا بعض البلدان حتی من المسافر/ و أجلا (کذا) عنها أهلها کبنی عامر فإنهم ذهبوا و ترکوا بلادهم خاویة (ص 266) قفرا، و زهرهم غبرا، و للطیور و کرا، لا یلقی فیها سالکها أنسا و لا أنیسا و لا یجد بها حسا و لا حسیسا، إلّا البوم و الذئاب، تعوی فیها لیلا و نهارا. و هی خراب.
و أکثر ما یلبی بها فی کل حین نعق الغراب، و غراب البین ینادی فی کل حین بکثرة الذهاب، و افترقوا علی أماکن المغرب، ما بین فاس و غیره من المبعد و المقرّب. و لم یرجعوا إلّا فی تولیة أبی کابوس محمد بن عثمان. و به حصلت لهم الراحة و الأمان. و لما استراح البای و قلبه قد اطمأن، و فاز بالسعادة فلم یکن من أهل الوهن و الجبن، جمع جیشا عظیما و جندا عرمرما جسیما، و بادر به لغزو مجاهر، لأنهم فی السابق أخذوا محلة الخلیفة حسن و قتلوا رؤساءها و أعیانها المشاهر. فضلا عن غیرهم من الجیش و الأتراک، الذین یکون بهم الدفع و یقع الإدراک، و هی واقعة مشهورة، و قصة کبیرة مذکورة، محررة فی کتاب درء
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 322
الشقاوة، فی حروب الترک مع درقاوة، لأدیب عصره و فرید وقته و دره، الشبیه فی أدبه بالبارع أبی نواس، المؤلف العلامة الحافظ محمد أبی راس، فلا نأتی بها لطولها و شهرتها و تحقیقها فی رسوم جفرتها، و من أرادها فعلیه بالکتاب المذکور، للحافظ القدوة المزبور. فخرج لهم من وهران بالأمم الکثیرة، و الجیوش العدیدة الغزیرة و قد بلغ لهم الخبر، بأن البای غازیا علیهم لیقطع الدابر و الأثر، فبعثوا للدرقاوی علی المدد بأنواع الشدائد، فبعث لهم خلیفته الفارس بن المجاهد، و کان بطلا شجاعا شدید الرأی و القساوة، قلّ مثله فی طائفة درقاوة لکونه تربی فی المخزن و أخذ ببعض قوته، و صبره و شجاعته، و شدته، و زاد البای فی سیره إلی أن دخل بلدهم الذی هم فیه، و قد انحاز مجاهر بأسرهم لواد الرمال و اجتمعوا فیه، فطلبهم الباقی فیه و حملت عساکره علیهم حملة واحدة ففرّوا منها و لقیهم البحر و أثخن فیهم المخزن بالقتل إلی أن رجعت دماؤهم سائلة بعد أن کانت جامدة، و اشتد بهم القتل من ورائهم و أثخن فیهم إثخانا شدیدا لا طاقة لأحد علی إحصائه، (ص 267) و دام علیهم إلی أن وصل دم قتلاهم للبحر فعلا علیه/ و اختلط بمائه، و أفناهم إفناء عظیما أذعنوا به للطاعة و لا ملجأ لهم من أمامهم، فکان هذا الیوم من أنحس الأیام علیهم و من شرور أیامهم، فأفناهم و رجع سالما و مسرورا بجنوده سرورا دائما، و لمال عدوّه غانما.

ظهور بالحرش مع الدرقاوی فی غریس‌

ثم استقر بوهران أیاما قلائل، و قد جمع اللّه له الأحوال و الشمائل و جمع جیشا عظیما و خرج به لتدویخ المشرق فأتته الناس طائعة مذعنین له و لأوامره و نواهیه سامعة، و لا زال سائرا إلی أن نزل بأبی خرشفة أسفل ملیانة فأتاه هنالک الطائع و الداوی، فبینما هو کذلک إذا بالخبر بلغه بقدوم الدرقاوی، و أنه حلّ من غریس بأرض عین السدرة، و معه درقاوة بنجوعها و نسائها و أولادها و جمیع مالها ظاعنة معه بالقوة و القدرة، و قد جالوا غریسا و جاسوا خلاله فأفسدوا زرعه و احتطبوا جنّته و بساتنه، و غیروا مرونقه و مواطنه و هم کالجراد المنتشر، و لم یبق لهم إلا القلیل لدخول المعسکر، و جاءه أهل غریس بذلک الخبر، و ترددوا علیه المرّة بعد المرة بعد الأخری علی ما للراوی، محرضین له علی القدوم إلیهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 323
لیخلصهم بجیشه المنصور من الظالم الدرقاوی فرکب عند ذلک عجلا و سار حثیثا، و سأل من مولاه جل جلاله أن یکون له ناصرا و مغیثا، إلی أن وصل لذلک الموضع الذی به الدرقاوی علی التحقیق. و کان السید أحمد بن الأحرش قدم فی ذلک الیوم من المشرق علی درقاوة فحصل لهم به الفرح و السرور و علموا أنه هو المعین الرفیق. فقسّم البای جیشه ثلاثا بلا مین، و جعله قلبا و جناحین، فالجناح الأیمن جعل فیه باختراعه أعیان الزمالة و أتباعهم و الحشم بأحکام الأوامر، و أمرهم أن یکونوا فی مقابلة جیش بنی عامر، و الجناح الأیسر جعل فیه الخلیفة بجیشه و البرجیة الدارئین (کذا) للمساوی و أمرهم أن یکونوا فی مقابلة الدرقاوی، و القلب استقر فیه هو و أعیان الدوائر و أتباعهم و عساکر الأتراک و أصحاب المدافع، فکانوا فی مقابلة عامة العامة من غیر منازع، و لما تراء الجمعان و جاء الوطیس تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف و کان الدرقاوی فی ألوف الألوف، فاشتد القتال و حام الوطیس، و فقد المألوف و الأنیس، و کثر الصیاح/ (ص 268) و الحسّ و الحسیس، و أظلم الجو بالغبار، و عظمت فیه المصیبة و کبر النهار.
فبینما الناس فی تلک الشدائد، و إذا بالجناح الأیسر قام علی ساق واحد، و صبر رجال البرجیة صبر الکرام، و اشتدّ ضربهم بالبنادق و الحسام، و تذکروا صبر أسلافهم و ما کانوا علیه من ضرب الحسام، و قالوا: فی مثل هذا الیوم تظهر الشجاع من اللئام (کذا)، إلی أن ذاق أربعة من کبرائهم کأس الحمام، أحدهم الصندید مصطفی بن المخفی، والد الشجاع ءاغة قدور بالمخفی، و الثلاثة أبناء عمه الأماجد، و داموا علی ذلک إلی أن قام درقاوة علی ساق واحد، فانهزموا هزیمة کبیرة، تقشعوا فیها تقشع الغمام إذا طلعت فیه شمس منیرة، و رکب المخزن عند ذلک ظهورهم و غنمهم و نال دخورهم، و لا زال یقتل و یأسّر (کذا) و یسبی إلی وقت الظهر و درقاوة قلّوا، بعد ما کلت الناس من قتلهم وملوا، فبقیت نجوعهم علی حالها بید المخزن فأخذ أموالهم و سبا (کذا) نساءهم و أولادهم و قتل رجالهم، فاضمحلوا من ذلک الیوم و فشل ریحهم، و تلاشوا و بطل ریحهم و خاب سعیهم و نجیحهم. قال و لولا فرسان البرجیة و رجالهم الکرام فی تلک الواقعة لکانت الدائرة علی المخزن بالجمع و التمام، و لمّا رءا (کذا) الدوائر (کذا) صبر البرجیة و موت کبرائهم، و قد ذهبت الناس فارّة إلی ورائهم، تقدموا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 324
للقتال و قالوا للبای لا یحلّ لنا البقاء من ورائهم، إذ لا طاقة لنا بعد موت الإخوان، و لا صبر لنا علی مفارقة الأقران، و قاتلوا شدیدا، و طعنوا العدو طعنا عتیدا، فسبحان من یجعل الخذلان فی العدد الکثیر العرمرام و النصر بالأقل فهو المالک العلّام. فرجع البای بجیشه منصورا، و أعلامه تخفق عزا و سرورا، و دخل لوهران و جمعه موقر محترم، و أیامه مقبلة و شمله منتظم، و مکث بها أیاما یسیرة، فی راحة و نعمة کثیرة.

عودة الدرقاوی للظهور

ثم سمع بالدرقاوی قد جیّش جیوشا قویة، و أنه نازل بجدیویة فجمع عساکره المنصورة، و جیوشه المؤیدة المبرورة و خرج له من إیوانه بالبحور الزواخر، و بالرجال السادات الکرام الزواجر، الذین یقدمون الموت و یؤخرون (ص 269) الحیاة، و عند الشدة و الضیق/ یحصل بهم الفرج و الاتساع و تکون النجاة و أسرع لقتاله، طالبا لمحاربته و نزاله إلی أن وصل للموضع المسمی بأجدیویة، و قاتله و حاصره إلی أن أتی المخزن علی عامة درقاوة فی الأقاویل المرویة و قد أفنی مخزنه عامة درقاوة، و صیرهم للضّلالة و الشّقاوة، و خمدت شوکة باقیهم و فاز بالغنیمة لاقیهم قتل فی ذلک الیوم نحو ألف درقاوی، و بقیت المحلة بما فیها فی ید البای و مخزنه و غنم مال أهل المساوی و رجع لوهران فارحا بالغنیمة العظیمة، و قتله للعدو المقتلة الجسیمة فاستقرّ بها و استراح، و حصل له الانطراب و الانشراح، و بقی علی ذلک أیاما عدیدة، و لیالی مدیدة فی سرور و نخو، و لعب و لهو، فبینما هو فی إیوانه مع أرباب دولته جالس، و مستیقظ لأموره و لیس عنها غافل و لا ناعس، إذ جاءه الخبر بأن الدرقاوی بتافنة فی جیش جدید، کأنه البحر المدید و الجراد المنتشر، مغطیا السهل و الوعر، و هو الرجل المنفش المسمی بأحمد بن الأحرش، و معه أمة من الطلبة، سالکین معه اقتحام العقبة، لما شاهدوا عنده علوم الخنقطرة، و الشعوذة المنفطرة، ظنا منهم أن ذلک من الأسرار الإلهیة، و لم یعلموا أنها من الأمور السحریة الواهیة، فخرج له فورا بعساکره و مخزنه المبرور، الفائزین بالسعی المشکور، و أسرع فی سیره و أردف المراحل، سائلا من مولاه الإعانة فی المقاصد و السوائل، إلی أن بلغه بوادی تافنة، و أطلق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 325
علیه سرعة بجنوده الظاهدة و الکامنة و أثخن فیه بالقتل، و النهب و الأسر و النکل، إلی أن مات من الطلبة أمة، و ذهب الدرقاوی مفلولا فی أشدّ غمّة، مذمورا مدحوضا، مدحورا مفضوضا، و قد أتی المخزن علی جلّ محلته الجسیمة، فغنمها و رجع البای لوهران فارحا مسرورا بتلک الغنیمة فجلس بها أیاما للراحة طالبا من مولاه امتداد المساحة. قال فبینما هو جالس بإیوانه فی المنادمة مع أرباب دولته أهل الفخر و الاستقامة، و الأخذ من العدو الثأر و الجلب للسلامة، إذ بادره الخبر بأن الدرقاوی بجیوشه نازلا بالتّوتة من واد العبد، فخرج/ له عجلا (ص 270) فی جیشه بالأزواج و الفرد، و اجتمع به فی تلک الناحیة، و قاتله قتالا شدیدا فی تلک الضاحیة إلی أن بدّد شمله و مزّقه، و دمّره تدمیرا شدیدا و فرّقه، و قتل منه أمة کثیرة، و غنم له أموالا عظیمة فی عدّها عسیرة.

نهایة البای المقلش المحزنة

و لهذا البای مع درقاوة أیام أخری غیر مشهورة، و هی مبسوطة فی الکتب و علی الألسنة مذکورة، أعرضنا عن ذکرها صفحا، و طوینا لها کشحا. قال و لما دوّخ المغرب الأوسط بأسره و مهّده و أمّن سبله و ضواحیه و سدّده، و نشر فیه العدل و العافیة و أیّده، و قطع منه العدو و بدّده، عزله أهل الجزائر بالقوة و الشد، و أمروا بقتله بوهران فقتل شرّ قتلة بعد أن ذاق أنواعا من العذاب خارجة عن الحد، حتی کانوا یحمون سبائک الحدید، و یضعونها علی رأسه و هو فی العذاب الشدید. و سببه أنه سرّح المحلة للجزائر کما هی العادة القدیمة فیما حکی من الخبر، و لما عدم الدواب أمر بحمل الأثقال علی البقر، فبلغ خبره الباشا فأنف من فعله و أمر فورا بعزله و قتله، مع ما تقدم له من شکایة المخزن و مرة أحمد الترکی بالفعل القبیح، الذی لا ینبغی أن یذکر و لا یکون به التلویح فضلا عن التصریح. و کانت أیامه کلها حوادث، و لا حادثه أشد من الغلاء المفرط بوقته و فناء الناس و کثرة الفساد و العوابث. و الأمر للّه الواحد القهار العلیم، بالظواهر و الأسرار. و کان ءاغته بالدوائر الفارس النبیل الخارج عن القال و القیل، السید قدور بن إسماعیل، الصندید البحثاوی، و الحاج قدور بن الشریف الکرطی التلاوی، و بالزمالة السید محمد الوهرانی الحنین وعدة ولد محی الدین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 326

البای مصطفی العجمی و حروبه مع الدرقاوی‌

ثم مصطفی بن عبد اللّه العجمی تولی مرة ثانیة، بعد المرة الأولی الماضیة، فی آخر السنة الثانیة و العشرین و المائتین و الألف ، من هجرة من له العز و الفخر و الشرف و کمال الوصف، و بقی فی الملک تسعة أشهر. و ارتقی خزناجیا بالجزائر. و جاء بموضعه البای الفائز بالمزائر. و لما تولی قام و علیه ابن الشریف الدرقاوی، فقال یا عجبا منه کیف سلّط علیّ بالثوران الداوی، مهمی تولّیت إلّا علیّ یقوم، قد عرف اسمی و اعتقد أنی جبان و أنی لعکروم، فو اللّه لأذوقنّه (کذا) کأس الرّدا و لأجعلن شمله مبدّدا، و قد قام علیه الدرقاوی فی (ص 271) التولیة الثانیة/ مرتین، و کر علیه للمقاتلة کرتین. و لما سمع بالدرقاوی أنه قد جیّش الجیوش، و هو بالثعالبة من بلاد فلیتة، قال سأخرج له و رأیه الفشوش، فعند ذلک خرج فی جیشه العزیز، الذی هو کاللجین و العسجد الأبریز، و تلاقی معه بالثعالب، فکان الدرقاوی مغلوبا و البای هو الغالب و قدمه عالیة بالمغالب، فهزمه هزیمة شنیعة، و عادت جیوشه للبای من وقتها مطیعة، و رجع لوهران فی عزّ و سرور، بغنیمة و حبور، فاستراح بها و أقام، فبینما هو بها إذ جاءه الخبر فی بعض الأیام، أن الدرقاوی بجیوشه فی مدغوسة من بلد خلافة، فخرج له فورا بجیوشه من غیر جزع و لا مخافة، و جدّ السیر نحوه و کاده کیدا و ترک المسیر نحوه رویدا رویدا، إلی أن وصل للمحل المذکور، و حمل علیه حملة منکرة بجیشه المنصور، فلم یک (کذا) غیر ساعة إلا و الدرقاوی مهزوما و مخذولا مفلولا مذموما، و قتل المخزن من أتباعه کثیرا و أفنا (کذا) منهم جما (کذا) غفیرا، و غنم الأموال العظیمة فرجع البای لوهران مسرورا بتلک الغنیمة، فمکث بها أیاما کثیرة، و انقطع عنه خبر الدرقاوی مدة شهیرة.
ثم سمع بأن مجاهرا قد سعوا فی الفساد، و حملوا أنفسهم علی اتباع الدرقاوی و راموا العناد، فخرج لهم بجیشه الأفخم حارکا، و للمقام بوهران من ساعته تارکا، و نزل بوادی الخیر أحد أودیة شلف، فبینما هو به إذ جاء الخبر بأن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 327
الباشا ولّاه خزناجیا بالجزائر ففرح بعد ما تأسف و بمجرد وصول الخبر له ذهب للجزائر، و ترک من حینه و هران بمخزنها المنصور للبای الآخر. و هو الذی بنا (کذا) للعالم العلامة القدوة الدرّاکة الفهّامة، شیخ الراشدیة و غیرها علی الإطلاق و مجدد القرن الثالث عشر بالاتفاق، من هو بعین العنایة ملحوظ و مخلص من الضرائر، و الحاصر، الحافظ محمد أبو راس بن الناصر، المصریّة ذات العلو الأرفع، و بیت الکتب و المذاهب الأربع، فقال فیه الحافظ المذکور فی رحلته التی اسمها: «فتح الإلاه (کذا) و منّته، فی التحدّث بفضل ربی و نعمته»، و هذه المصریة بناها لنا الملک الأضفی، و الخلیل الأوفی، و المحب الأصفی، السید البای مصطفی، برّد اللّه ضریحه، و أسکنه من الجنان فسیحه، و أنی بعثت إلی ضریحه بالمدیّة مع بعض تلامذتنا بما نصه: علیک أتم السلام، أیها المولی الهمام، الذی عرف فضله الإسلام/ و خفقت بنصر عزّه الأعلام، و تنافت فی (ص 272) إنفاذ أمره السیوف و الأقلام، قسّمت زمانک ما بین حکم فصل، و إمضاء نصل، و إحراز خصل و عبادة قامت من الیقین علی أصل، السلام علیک یا مقرر الصدقات الجاریة، و کاسی الظهور العاریة، و قادح زناد العزائم الواریة، و مکتب الکتائب و السّرایا الساریة، السلام علیک یا حجّة الصّبر و التسلیم، و القلب السلیم، و سامع الحدیث و الذکر الحکیم، کرم اللّه تربتک و قدّسها و طیّب روحک و أنسها، فلقد کنت للمستجیر مجیرا، و للمظلوم ولیا و نصیرا، و لقد کنت فی المواکب بدرا، و للمواهب بحرا، و علی البلاد و العباد ظلا ظلیلا و سترا، بنا (کذا) اللّه لک بیتا فی الجنّة کما بنیت لنا بیت الکتب بلا أذی و لا منّة، نفّعک اللّه بصدق الیقین، و أعلا درجتک فی علّیین و حشرک مع الذین أنعم اللّه علیهم من النبیین و الصدیقین و الشهداء و الصالحین. ه. و کان ءاغته حبیبه بالغایة، و صدیقه فی البدایة و الأثناء و النهایة، واسع العطا و مفصل الدعاوی السید قدور الصغیر ابن إسماعیل البحثاوی. و من الزمالة السید محمد الوهرانی ولد قدور، الفقیه الباس المشکور. و کان لهذا البای ولدان بزماننا من أعیان الناس أحدهما کان کاتبا لدی نوّاب الدولة، و هو السید محمد، و الآخر السید مصطفی الصادق فی القولة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 328

البای محمد بن عثمان الرقیق و المسلوخ أبو کابوس و حروبه مع الدرقاوی‌

ثم البای محمد بن عثمان الشدید فی الأمر العابوس الملقّب بالرقیق، و المسلوخ، و المشتمل، و المکنّی بأبی کابوس، أما لقبه بالرقیق فلأنه کان رقیق الجسم، و أما لقبه بالمسلوخ فإنه لقب به بعد موته الحسم، لکون ءاغة الجزائر عمر سلخ رأسه و هو حی و أحشاه قطنا کما یأتی فی صحیح الروایات، و أما لقبه بالمشتمل فلأنه متشبها بالعرب فی الاشتمال بالکساء کالمخزن و لا یلبس لباس الأتراک فی غالب أحواله کغیره من البایات، و أما کنیته بأبی کابوس فلأنه کان یحمل الکابوس و هو البشطول و لا یفارقه أصلا سفرا و حضرا، و اشتهر بذلک لما قتل به السایح بن حضرا. و کان یقال له البای محمد الصغیر فرقا بینه و بین أخیه البای محمد المجاهد فاتح و هران، فإنه کان یقال له البای محمد الکبیر، تولی فی آخر السنة الثانیة و العشرین و المائتین و الألف ، و بقی فی الملک خمسة أعوام غیر شی‌ء بغیر الخلق. و لما تولی اشتغل بقطع الدرقاوی و فصم محالمه، (ص 273) و قطع آثاره و معالمه. و بغاته و مظالمه/ مدّة أیامه، و طلوع نجمه و أعلامه، حتی أنّ من حسد أحدا و وشی به عنده و ادعی علیه محبة الدرقاوی جورا ینتقم منه فورا، و إذا ظفر بدرقاوی انتقم منه مبادرة، بأی نوع شاء من أنواع الانتقام و لا یراعی مشاورة، و لا یقبل فیه شفاعة شفیع، و اخترع قتلا لم یصدر من البایات قبله و هو فعل شنیع و نوّع عذاب من یظفر به إلی أنواع، فمنهم من یأمر بدقّ أعضائه حیا بالمعاول فی السوق إلی أن یموت بانفضاع، و منهم من یقلع عینیه و یترکه أعمی، و منهم من یأمر بقطع أعضائه إلی أن یموت أو یجهز علیه و هو أظمی، و منهم من یأمر بذبحه، و منهم من یقطع رأسه بعد فضحه، و منهم من یقتله خنقا، و منهم من یبقره و منهم من یقتله شنقا، إلی غیر ذلک من الأنواع المختلفة المعاطب المؤتلفة و قد نجا الدرقاوی بنفسه، و فشل ریحه. و تراکمت علیه الهموم و الغموم و ضاق به فسیحه، و افترقت علیه أتباعه و تبرأت من عمله، و لم یبق من ینضمّ إلیه لما نالهم من العطب لأجله، فإذا جاء عند أحد فرّ منه و لم یصل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 329
لمصحبه! و خاصمه و شتمه و استخف بجاهه و منصبه ما عدا مرة واحدة جاء للیعقوبیة و استقرّ فاجتمعوا علیه یرومون وقعه، فقصده البای فورا و شتّت شمله و بدّد جمعه، فانتقل للأحرار فأطردوه، ثم ذهب لعین ماضی، و عنهم أبعدوه ثم قصد لبنی الأغواط فأبعدوه لمّا علموا مقصده عندهم، ثم انتقل لبنی یزناسن و هو فی مذلة و مسکنة فأقروه عندهم، و ترک ما سوّلت له نفسه، و دام ذلّه و بخسه، و لم یتحرک لشی‌ء لعدم طاقته، و فقد مساعده و شدة فاقته. و صار لفظ الدرقاوی یقال لکل عاص مخالف، فتبرأت الناس من ذلک و لم یبق بینهم إلا اللفظ متعارف.
یحکی أن قوما من درقاوة کانوا بالقلعة یأکلون فی الطعام الممتزج بالزبیب، فظفر بهم قائد القلعة فقتلهم علی تلک الحالة فألفیت أمریتهم مملوءة بالطعام و الزبیب، و أن رجلا أوتی به إلی قائد المعسکر علی أنه درقاوی، فقال للقائد و حق سیدی دح بن زرفة منذ عقلت لم أقل لا إله إلا اللّه علی ما قال الراوی، و غرضه النجاة/ لنفسه خشیة حلوله فورا برمسه، فضحک القائد و من حضر من (ص 274) قوله و ترکه بلا مهلکة و قال له لا تعد لهذه القولة الکفریة فقال له یا سیدی قد جعلها اللّه لی مسلکة.
ثم غزی هذا البای فی السنة الثانیة من تولیته الحشم الغرابة بغریس فقتل أجوادهم و کبراءهم و قوادهم، و فتک بهم کثیرا جسیما، و أوقع بهم موقعا عظیما، و سببه أن الحشم بدت من بعض أعیانهم أمور مخالفة للسیاسة و قد هرب الفاعل لذلک عند سیدی محی الدین بقصد الاحترام بالصناعة و الکیاسة، فبعث له البای من یأتی به فعصی و ساعده الحشم، و اتفقوا علی المعاندة التی کانت لهم هی عین السم، فاستغاظ البای بذلک، و اعتراه الغضب الشدید من ذلک، و أمر ءاغته رئیس الدوائر و قائده رایس الزمالة بالغزو علی سیدی محی الدین، فقالا له اصبر فإن اللّه مع الصابرین الحامدین.
ثم إن ءاغة السید قدور الصغیر بن إسماعیل انتخب مائة فارس مقاتل من مخزنه الصبار، و بعثهم رفقة الحاج بن داوود بن المختار، کما انتخب قائد الزمالة السید محمد ولد قدور خمسین فارسا مقاتلا بالتبیین و بعثهم فی رفقة الحاج المرسلی ولد محی الدّین، و لما وصل الجمیع لقیطنة سیدی محی الدین، و راموا أخذ الهاربین بالتمکین امتنعت الحشم من تسلیمهم للبعوث، و بدأتهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 330
بإرسال البنادق التی تصب کالفراش المبثوث فحصل الضرب من الجانبین، آل فیه الأمر إلی أن قتل الحاج بن داوود و جرح الحاج المرسلی بغیرمین، و ذهب الحشم بالمظلومین لغریس، و عولوا علی القتال الذی حلّ بهم به کل شی‌ء نحیس، و لما رجعت البعوث لوهران و سمع البای ما حلّ بقومه ازداد غضبه و منه استبان، و جمع جیشه من المخزن و الأتراک، و غزی أجواد غریس بطیّ و إدراک، و قاتلهم إلی أن أثخن فیهم بالقتل الشدید، و مکر بهم بالمکر العتید، فقتل من أعیانهم أربعة عشر فارسا کل منهم بقتل ذریع راکبا و جالسا، بحیث قتل عشرة فی دفعة واحدة، و اثنین منفردین فی القتل بعنایة جاهدة و لم یبق من هؤلاء الأربعة عشر إلا اثنان و هما قدور و عدة ولدا أبا نقاب، فکان منهما من القتال ما لا یحیط به جواب، و لا زالا فی جولان المیدان إلی أن قتلا معا بإرسال العنان، و قد مات الصحراوی و الحاج، فضلا عن غیر الأعیان من الضعیف و الوضیع و المحتاج، (ص 274) و لما قتل کبراءهم نزل عوّاجة و رهّب علیهم و رام صغراءهم/ فبعثوا له علی عتید، و جعل علیهم عقوبة بالمال خطیّة عظیمة، و أذعنوا للطاعة، الإذعان الذی لیس قیمة، و قصتهم مشهورة، و علی الألسنة و کلام الفصحاء مذکورة.

حملة البای علی عریب‌

ثم أنه لما تمهد له الملک غزی بأمر الباشا عریبا فصیّر رایسهم (کذا) ثریبا، و هم قبیل عظیم بادیة و لهم شوکة قویة، و هم رعیة ءاغة الجزائر وطنهم ما بین حمزة و الدهوص فی الحدّ بین بای قسنطینة و بای المدیة. و سبب ذلک أن شیخ عریب خالف برأیه ءاغة الجزائر لما أراد اللّه به أن یتلاشا فبلغ خبره، ءاغة فأعلم بذلک الباشا فلم یر الباشا من ینتقم منهم و یهتکهم هتکا، و یصیرهم هباء منثورا و یفتک بهم فتکا، و یرجّعهم کالأرض إذا دکت دکا دکا، إلّا بای الغرب لخبرة جنده بالطعن و الضرب فإن مخزنه أشداء علی العدو فی الحروب، و شدة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 331
بأسهم عند تلاقی الصفوف فلا یعرفون الحیرة و إنما دأبهم الموت و لیس من شیمهم الهروب، فالقاضی عندهم قریب و العاصی لهم طائع منیب، و الصّعب عندهم سهل و کل واحد منهم ظریف لبیب.

أعراش المخزن الوهرانی الخمسة

و المخزن مهمی قیل له فی دائرة وهران فهو خمسة أعراش جالیة:
الدوائر، و الزمالة، و الغرابة، و البرجیة، و المکاحلیة، فهم نجوع شداد فی الحرب، و لبعضهم بعضا متوالیة و کلمتهم تحت کلمة واحد بلا مخالیة غیر أن النجوع الأربعة هم مخزن البای، و الخامس و ما انضم إلیه هم مخزن الخلیفة سدید التدبیر و الرأی. و غیر هؤلاء کالحشم و بنی شقران و بنی عامر و مجاهر، فهم أعراب رعیة نائبة لیس لهم جرأة فی الحروب و ظفر الظافر، و إن کان عددهم کثیر، فالمخزن أهل جراءة (کذا) و رأی و تدبیر، فأمره الباشا بالغزو علی عریب، و کان ذلک لا یتعقل لعدم تصرف بای الغرب فی غیر رعیته بکل وجه بعید أو قریب، و بعد مکانهم عنه بالأحوال السویة، إذا حال بینه و بینهم بای المدیة، فنهض البای من ساعته و هو فی أحوال خرجت عن إرادته و کان ذام حزم و جزم و عزم و کیاسة، و وزراءه ذوی تدبیر و رأی و شجاعة و بسالة و سیاسة، فجمعهم و عرفهم بالخبر، فأشاروا علیه بأنه لا بدّ من فعل هذا الأمر، لأنها مزیة عظیمة أن بلغوا منها مناهم و فرحة شدیدة أن وصلوا لمنتهاهم، فاتفق رأیهم علی ذلک و تحققوا بأن الأمر هو ذلک، و تواصوا/ بعدم إفشاء هذا السر بل یجعل ذخرا، (ص 276) و خرج البای بجیشه من وهران بجر الأمم فتعمر به أرض و تخلا به أخرا، إلی أن وصل وادی دردر و ما به من خشفة، أمر برد أثقال المحلة و ضعیفها إلی أبی خرشفة، و رکب أول نهاره و سار فی الفیافی طول نهاره، لا یلقی إلا النعام و الغزلان و طائر الجو من الحداء و الغربان، و بات یسیر سیرا شدیدا، و مخزنه بالظفر طامعا و فارحا بالواقعة إلی أن طلع النهار و عیونه ما بین الذاهبة و الراجعة، إلی أن بلغ لحیهم و نجعهم، فأرسل علیهم مخزنه بجمعهم، و أوقع فیهم جیشه أسرا و قتلا و نهبا، و زادهم طعنا و ضربا و لا عرفت عریب من أین أقبلت تلک الجنود الداهیة علیهم و لا من هی لاختلاف ملابسها و أشکالها،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 332
و شجاعة فرسانها و قوة أحوالها، فأخذوهم أخذة رابیة، و صارت أموالهم لهم غنیمة مجابیة، ثم تحققوا بأنه بای الغرب، لما رأوا فی فرسانه من زیادة الطعن و الضرب، لا تکل لهم السواعد و لیس لهم فی الحرب إلّا الطعن و الضرب للقائم و القاعد، فکان من جملة ما سباه البای بحیشه نساء شیخ عریب و أولاده، و أقام ببلدهم یومه و السرور زاده.
ثم کر راجعا للمدیة فی طرب و ابتسام، فنزلها بعد مسیره ثلاثة أیام، و قد تعرضت له فی طریقه قبائل الطّمع، الذی یفضی بصاحبه إلی النجع، و هو سائر بین جبلین لأناس یقال لهم أولاد إعلان، و إذا بهم ابتدؤا الجیش بالضرب فی السر و الإعلان، فلما سمع البای ضرب البارود. و رأی جیوشه حشودا بعد الحشود، لا تفعل شیئا إلّا بأمره لیکون ذلک من فخره، سأل عن ذلک تبلیغا لمرادهم، فأخبروه بأنهم یریدون منه الزطاطة لمروره ببلادهم و کانت تلک عادة الأعراب، إذا لم یکونوا تحت القاهر الغلّاب، فقال علیکم بهم لا عنهم، و أیتونی بمن ظفرتم به منهم، فلم یک غیر ساعة إلّا و المخزن یجرّ فی رؤوسهم و یقتل لمسعودهم و منحوسهم، و أتوه بعدة رجال فأمر بقطع أیدیهم و قال لهم تلک الأجرة التی سألتمونیها، فانصرفوا و هو یزید بمزیدهم. و لما وصل إلی المدیة أقام بها أیاما للراحة و بعث السّبی و المال للجزائر صاحب الإحسان، فرفعت مکانته عند الباشا رفعة عظیمة و کرّ راجعا لوهران. قال فلما وصلها مکث بها سائلا من مولاه الإعانة و السلامة و العافیة، و هو فی فرح شدید بمخزنه سیما الأعیان السادات (ص 277) الأسود/ الضاریة، فصار لا یقدم ناره زناد، و إنما تأجّجها علی الدوام فی ازدیاد، بجنده العزیز، و مخزنه الأبریز. ثم أنه تحرک لأهل یبدر من أهل الساحل، لقطع ما سمعه من جموع الدرقاوی الذی ببنی یزناسن نازل، فغزی صهره الشیخ أبا ترفاس، لما سمع بالدرقاوی عنده علی غفلة من الناس، و لما سمع الدرقاوی بنهوض البای إلیه فرّ هاربا متذللا و أخلا الأرض بین یدیه و افترقت من حینها جموعه و جاءته عجلة قواطعه و قموعه فزاد البای للساحل و أخلا منه ما أخلا، و قتل ما قتل و أجلا ما أجلا، و خرّب قریة أبی ترفاس و احتطب أجنتها، و سلط علیها أذاها و منّتها، و لما فعل بقریة الشیخ أبی ترفاس أفعال الشرور و الإفلاس، قال له أیها البای لماذا فعلت بنا هذا و نحن من جملة ضعفاء الناس، فقال له
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 333
لأن صهرک درقاوی یأوی إلیک فأنت مثله و أحوالک ببدایة، فقال له إنی شیخ طلبة لا غیر و عایرتنی بالتدرقی و لست من أهله و خرّبت مکانی خرب اللّه ملکک عن قریب و ألبس لک التدرقی عبایة. و هذا أبو ترفاس ولد الشیخ أبی ترفاس الذی غزاه البای خلیل، فأهلکه اللّه لرجوعه لتلمسان فی السبیل ثم کر البای لأهله راجعا و هو فی هلاک غیر أبی ترفاس من درقاوة طامعا و لما وصل لوادی تافنة، حل به البلاء و انحط، و أصابه الثلج العظیم الذی لم یمطر مثله قط.
فمات به کثیر الخیل و تعیّب کثیر الجند و دخل البای اضطرارا تلمسان، و افترقت محلته افتراقا مختلفا هامت به فی البلدان، فمنهم من مات جواده و الآخر تمزّق خباؤه، و منهم من تلفت سرجه و الآخر انکسرت بندقته (کذا) و البعض تورّمت أعضاؤه، و انهدمت بسببه الدیار، و انکسرت منه الأشجار، فسبحان اللّه الواحد الأحد المالک القهار. و اشتهرت تلک الواقعة بحرکة الثلج، و عرف عند الناس بقصة عام الدّلج. و بقی البای بتلمسان إلی أن صفا الحال، و أمن علی نفسه فضلا عن جیشه من الضرر و النکال، رجع لوهران و استقامت له الأحوال و اقتدت به الناس فی الأفعال و الأقوال.

نهایة البای بوکابوس المحزنة

قال فبینما هو بإیوانه فی فرح و انبساط، و سرور و اغتباط، و إذا بالباشا بعث له بالحرکة لتونس التی کانت علیه منحوسة، و أصل هلاکه و صارت أموره منکوسة، فهی سیئته و خطیئته، و بها کان هلاکه و سخیطته، و عذابه/ و زوال (ص 278) الملک عنه، و إهانته و الانتقام منه. و سبب الحرکة أن الجزائریین وقعت بینهم و بین التونسیین مقاتلة و مشاجرة و مواقفة و محاصرة، و دامت زمانا طویلا سرا و جهرا، فتهیأ الجزائریون لهم بالحرکة برا و بحرا و بعث الباشا لبای الغرب أن یتهیأ للحرکة بالمحلة الجلیلة من أنجاد مخزنه ذوی الجلالة لاتصافهم فی کل موطن بالشجاعة و الحزم و البسالة و مآثرهم فی الحروب مشهورة، و عند الناس فی کل مکان مذکورة لیس لها خفاء بالشدة و الجلدة، و کان یضرب بمخزنه المثل فی کل بلدة، فالواحد منهم بمنزلة العشرة فاعلا فی الثبات و الشدة، و الشجاعة و الفراسة و المعرفة و الکیاسة و الأدب و الظرافة و الفطانة و اللطافة و التقدم لإزالة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 334
الجماجم عند الطیش و الوحشة، و الثبات للزحف و قمع العدوّ عند الذهول و الدهشة. فهم رجال الوفاء و الخجل، و هم السادات الذین لا یعتریهم الطمع و الوجل، بل شأنهم التقدم للنزال بین الصفوف، و الجولان فی الحرب بالبنادق و السیوف، و لهم معرفة بمکاید الحرب، و تخلقوا بأخلاق الطعن و الضرب، فلا یخشون من قتل یوم ترحف الراجفة و لا یفرون من موت حین تتبعها الرادفة، فإن ذهل غیرهم فهم ثابتون، و إن انهزم غیرهم فهم نابتون، فهم الذین صدق فی و صفهم قول الشاعر، الواصف لقومه و نفسه بالأمر الصائر:
إذا المرء لم یدنس من اللوم عرضه‌فکل رداء یرتدیه جمیل
و إن هو لم یحمل علی النفس ضیمهافلیس إلی حسن الثناء سبیل
تعایرنا أنّا قلیل عدیدنافقلت لها أن الکرام قلیل
و ما قلّ من کانت بقایاه مثلناقدم تسامی للعلا و کهیل
و ما ضرّنا أنّا قلیل و جارناعزیز و جار الأکثرین ذلیل
لنا جبل یحتلّه من یجوره‌منیع یؤدی الطرف و هو کلیل
و إنّا القوم لا نری القتل سبّةإذا ما رامته عامر و سلول
و ما مات منّا سید حتف أنفه‌و لا ضلّ منا حیث کان قتیل
تسیل علی حدّ الظبات نفوسناو لیس علی غیر الظبات تسیل
علونا علی غیر الظهور و إنّنالوقت إلی خبر البطون نزول
و نحن کماء المزن ما فی نصابناکهام و لا فینا من یعدّ بخیل
و ننکر إن شئنا علی الناس قولهم‌و لا ینکرون القول حین نقول
إذا مات منا سید قام سیدیدل بما یهوی الکمال یقول
و لا أخمدت نار لنا دون طارق‌و لا ذمّنا فی النازلین نزیل
و أیامنا مشهورة فی عدوّنالها غرر معلومة و حجول
و أسیافنا فی کل شرق و مغرب‌لها من قراع الدارعین فلول
معودة إذا تسلّ نصالهافتغمد حین یستباح قتیل
سلی إن جهلت النّاس عنا و عنهم‌و لیس سواء عالم و جهول
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 335

خروج البای من وهران فی طریقه إلی تونس و عصیانه‌

قال فامتثل البای لذلک و تزود زادا کثیرا، و جمع من مخزنه جیشا عرمرما غزیرا، و خرج من وهران یروم تونس وفقا لما أمر به و صاحب الغیب أعلم بما فی غیبه، و لما نزل وادی یلّل، الذی بان به فساده و الخبل، حدثته نفسه برفض الترک و الخروج عن طاعتهم فی سرّه و علاه، و الدخول فی سلک سلطان المغرب مولای سلیمان بن عبد اللّه فأصبح معلنا بقتل الأتراک یا للعجب، جازما بالدخول فی طاعة سلطان الغرب، فقتل کلّ من کان بقربه من الأتراک و لو أصهاره، و أمر بنی عامر بقتل محلة الترک التی عندهم فقتلوهم خدیعة بالتفرقة علی الخیام و لم ینج إلّا من نجّاه اللّه و اختاره، و تمادی علی ذلک و لا حصل له فی رأیه وهن، و لما سمع الباشا غضب و علی جیشه حزن، و دخل علی قارة باغلی صهره خلیفة الکرسی بمن معه من الأتراک لمازونة و سکن، و کر البای راجعا لوهران، بمشاورة أعیان مخزنه خدیعة منهم له حیث فعل ما لا یلیق، و غرضهم القبض علیه و صیرورته فی الکبل الوثیق، فبینما هم لوهران داخلون، و إذا بالسفن المشحونة بعسکر الأتراک فی البحر و هم بالمرسی نازلون أتوا لیتطلعوا علی حقیقة الأمر و ما سبب ذلک، کما جاء عمر آغا فی البر بمحلة عظیمة قاصدا لوهران علی ذلک، فدخل البای محله و قد سمع بذلک، فجزم بإلقاء النار/ فی خزنة البارود، لتصیر المدینة عالیها سافلها و لم ینج منحوس و لا (ص 280) مسعود، و أنه میت معهم ما فیها المحالة، فصعب ذلک علی المخزن و أهل البلد و اشتد بهم القلق و الوجالة، فصعد له المخزن للدخول علیه و معهم کبراء البلد للقبض علیه و نهیه علی فعله، فلم یدع أحدا یدخل علیه و زاد فی قوله و فعله، فصرخت الناس بالاستغاثة و هرب من یطیق الهروب و أیقنوا بالهلاک بغتة دون الحروب، فعند ذلک صعد له العلماء و بأیدیهم المصاحف و صحیحا البخاری و مسلم، و ناجوه من بعید و أروه ذلک و وعظوه بلیغا فأذن لهم فی الدخول و أمنهم و قال من شاء تأخر و من شاء تقدم، فدخلوا علیه و صبروه و وعظوه، و بقضاء اللّه لزموه و للموت لحّظوه، فثبت یقینه و زال ما به من الغضب، و علم أن ذلک حیلة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 336
من مخزنه فعلوها لنجاة أنفسهم من العطب، فاطمأن قلبه و رضی بالموت و زال عنه النصب، و أذن للعلماء فی قبضه فأبوا ذلک، و قالوا له هذا شأن المخزن لا شأننا فهم أولی بذلک، ثم أذن للمخزن و رؤوساء البلد فدخلوا علیه و کبّلوه و شددوا علیه و وحّلوه، حتی أن الوجیه ءاغة علی ولد عدة قال له لما اجتمع به بخروف قادما لوهران! أیها البای فعلت الذمیم مع مخزنک سابقا و أهلکت نفسک لاحقا فلست من آل عثمان، و قاله ثانیا لما شرعوا فی تکبیله، و توثیقه و تنکیله و أخبروا العساکر التی فی السفن و أدخلوهم المدینة، و کتبوا لعمر آغا بذلک، لیدخل کمن کان فی السفینة. و قد أتی عمر معه بالقفطان المعد للملوک و بایات لار، فألبسه بمازونة لخلیفة الکرسی علی قارة باغلی باشتهار، و ولّاه من حینه بایا للإیالة الغربیة، بدلا من صهره أبی کابوس ذی الأحوال الحربیة، فظهرت فیه دعوة الشیخ أبی ترفاس المارة فی الروایة عایرتنی بالتدرقی ألبسه اللّه لک عبایة.
ثم قدم عمر و علی قاصدین بجنودهما وهران، فدخلاها و ألفیاه مکبولا فی سجنه نادما علی فعله الذی حسنته له نفسه و شیاطین الإنس و الجان، و هو صابر لما ساقته له المقادیر، فحق فیه ما قاله الشاعر الماهر:
قالت أراک مع الأرذال تصحبهم‌و من یصاحبهم فی دهره یهن
لا یصحب المرء إلّا من یشاکله‌ما رأیت الظّبا و الأسد فی قرن
(ص 281)/ أجبتها مظهرا عذری و منشدهابیتا به تضرب الأمثال فی الزمن
یغمی علی المرء فی أیام محنته‌حتی یری حسنا ما لیس بالحسن

عمر آغا یقتل البای بوکابوس و ینصب البای علی قارة باغلی‌

و لما رآه عمر آغا ترکه علی تلک الحالة بالاعتماد، و خرج معه البای علی بجیوشهما یجوسان البلاد، و یتفقدان أحوال الرعیة و ما عملت و أخّرت و قدّمت، فوصلا لجبل ترارة و کانت بها دار ابن الأحرش الدرقاوی فأمرا بهدمها فتهدمت و صعدا مع الجبل إلی تاجرة ثم رجعا لتلمسان بعد خلوها و فرار أهلها عنها، ثم رحلا لناحیة الحشم و نزلا بالمعسکر بالخارج منها، و هناک أمر عمر آغا بقتل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 337
العثمانیة فقتلوا عن آخرهم و لم ینج إلّا من فر بنفس و عصمه اللّه من مکرهم.
قال ثم رجعا لوهران و دخلاها و بها قتل عمر ءاغة البای الرقیق بأشر القتل، و نکل به بأشد النکل، فسلخ رأسه و هو حیّ و فعل به فعلا شدیدا و ملّاه بعد السلخ بالقطن و بعثه للجزائر فعلّقوه علی عمود طویل و ترکوه به زمانا مدیدا، و قتل أولادهم و هم صغار و لم یتق فیهم رب العالمین، و قتل بعض خدامه و صار بهم ما صار بالبرامکة مع الملوک العباسیین. و قال فیه کل من السید حسن خوجة و السید مسلم بن عبد القادر أبیاتا، فأما التی قالها السید حسن ذهبت عن حفظی، و أما التی قالها السید مسلم خذها إثباتا:
ظننت برأیک أنه صلاح‌کلا و اللّه ذلک الفساد
من یستقل بالرأی لیس عاقل‌لا خیر فی رأی یعقبه الفساد
و فعلک ذا یؤدی إلی النکال‌و فیه حتف لمن غرّه الرقاد
/ غررت بنفسک و الآل کلاما لهم ذنب لا و لا المراد
(ص 282) حتی بقوا نساؤهم یهمن‌فی کل وطن و أتلفت الأولاد

أبو راس یرثی البای بوکابوس‌

قال و طلع فی أیامه نجم غیر معهود الطلوع قبل ذلک، من الشمال ذا ذنب طویل شعاعی و أدام أیاما ثم أفل و لم یر بعد ذلک. و لما مات هذا البای قال فیه الحافظ أبو راس ما ذکره فی رحلته التی اسمها: فتح الإلاه و منته، فی التحدث بفضل ربّی و نعمته، من المدح و الثناء الجزیل، و الترحم له بالترحم الجمیل، ما نصّه: و لمّا افتقرت مصریتنا بیت المذاهب الأربع للترفیع و أردت تجدید تبییضها و بعض ترمیمها و تقییضها، ذکرت ذلک للبای الأسعد الأقعد الأمجد، الأنجد الأوحد، عزیز النصر، و نخبة العصر، و ریحانة الدهر السادل علی الرعیة الأمن و الأمان، البای السید محمد بن عثمان، اتحفه اللّه بالرضی و الرضوان و ألحفه مطاریف التکریم و الحنان، فبعث لی مع ساقه مائة ریال بوجهها، قامت أوفی إقامة بترمیمها و تبییضها و ذلک قبل أن أحجّ عنه رحمه اللّه فوفّرنی أحسن و فارة، جعل اللّه ذلک القتل له کفارة، و لما أوبت من الحج سنة سبع و عشرین و مائتین
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 338
و ألف أعطانی مائة محبوب جعله اللّه یوم القیامة مقربا و محبوبا، أنّس اللّه غربته، و أزکی ذریته و تربته، و جعل ذلک الحج المبرور فی میزانه و راجح أوزانه، و تقبل اللّه دعاءنا فی تلک المشاهد، التی ینتفع بها الغائب و الشاهد، و ما أنفقنا من نفقة هنا کبیرة أو صغیرة، إلّا عوّضه اللّه عنده، حسنات کثیرة أثیرة. و لما قبر (ص 283) قمت و ذهبت إلی ضریحه و ترحمت و بکیت/، و قلت السلام علیک أیها الإمام، الثاوی فی دار السلام، کأنک لم تعرض الجنود، و لم تنتشر علی رأسک البنود، و لم تبسط العدل الممدود، و لم تعامل بفضلک الرکّع السجود، توسدت الثری و أطلت الکری، و شربت الکأس الذی یشربها الوری، و أصبحت ضارع الخد، کلیل الجد، سالکا سنن الأب و الجد، و لم تجد بعد انصرام الملک إلا صالح عملک، و لا صحبت لقبرک، إلّا رابح تجرک فنسأل اللّه أن یؤنس اغترابک، و یصلح فی الآخرة ما فی الدنیا أرابک، أعطاک اللّه الوسیلة و تمم مقاصدک الجمیلة، و منحک الزلفی الجزیلة، و لم أجد مکافآت لک إلّا التقرّب بدعاءی اللّه برحمتک، و تعفیر الوجنات فی تربتک، و الإشادة بعد الممات بمجدک و کرمک، منحک اللّه المغفرة الطیبة، و التحیات الطیبة، مد الدهر و أبادیه، و تراویحه و تغادیه، و أسکنک من الجنان بحبوحه، و أعطاک فیها فسوحه، آمین یا رب العالمین، و لا أرضی بواحدة حتی أقول ألف ألف آمین. و کان ءاغته الفارس المشهور، البطل الذی فی الموارد و المصادر مذکور أبو مدین قدور الصغیر ابن إسماعیل البحثاوی، أبلغه اللّه المراد و أنقذه من المساوی و من الزمالة المرسلی و السید محمد الوهرانی ولد قدور، السالکین النهج المسرور.

البای علی قارة باغلی‌

ثم البای علی، المعروف بقارة باغلی، نسبة إلی بلدة ببلاد الأتراک، یقال لها باغل بلا اشتراک. کان أتی إلی هذا الوطن بالمقامنة فی وقت البای محمد الکبیر بن عثمان ثانی ملوک العثامنة. و کان موصوفا بالعقل و الریاسة، و المعرفة (ص 284) و الکیاسة فزوّجه البای محمد الرّقیّق ابنته/ و أدناه منه و صیره یتعمل بالأعمال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 339
المخزنیة، و یتوظف بالرتب السیاسیة إلی أن ارتقی للمملکة بغیر الخلف، فتولی بایا بالإیالة الغربیة فی نصف السنة الثامنة و العشرین و الماتین (کذا) و الألف فهو سابع بایات و هران و استقر بحول اللّه تعالی علی الکرسی فی ذلک الإیوان.
فألفی بالمخزن تخلیطا کثیرا بسبب أمر البای محمد أبی کابوس الذی کان قبله اتّهم فیه الکثیر من الناس بتهمة الناکوس، و لشدة عقله و ریاسته و دینه و ما کان منه، و میثاقه غفر جمیع ذلک لمن اتّهم به و عفا عنه، و تلک التهمة و الخلاط اختص به الزمالة، دون غیرهم من المخزن فکانوا به حثالة الحثالة. و کان لا یقبل الوشاة و لا یصغی للموهن، فإذا وشی أحد بغیره عنده لا یقبل و لا یسمع منه ما یؤذی به أخاه المؤمن، و هو قلیل الخطیة للناس، فلا یخطی إلّا القلیل من الناس، لا سیما المخزن و أهل البلد و ذویه، عکس ما کان من قبله علیه. و انقطع فی أیامه ذکر الدرقاوی حتی صار لا یذکر إلّا علی وجه الحکایة کما قال الراوی.
قال و حدث فی وقته الجراد المنتشر غیر المعهود الذی أفسد الزروع و الثمار، و عمّ بالشرق و الغرب سائر النواحی و الأقطار، و لم یخل منه مکان، إلّا مدینة و هران، و کان من لطف اللّه تعالی الواقع بهذا البای جید السیرة سدید الرأی، الذی زاد للناس أمنا متسعا و هدّن روعة الوطن، و سکّن من الأمر ما تحرّک و أحری ما سکن، فأسعدت به البلاد. و اطمأنت به قلوب العباد، أنّ عمر آغا لما فعل بأبی کابوس ما مر أخذ فی نهب ما فی بیت المال من الأموال، و لما رءا (کذا) إبراهیم خزندار/ الکبیر ذلک علم أن البای الآتی لا بد أن یکون من عدم المال، (ص 285) مع الجیش و غیره فی ضرر و نکال، بادر إلی الخزنة و أخذ منها غفلة جملة من المال، و صعد به إلی أعلا (کذا) سطح المحکمة و جعله هنالک، و لم یطلع علی فعله إلّا الخالق المالک، و حین تولّی البای علی و استقر بالإیوان نظر لبیت المال فوجدها خاویة علی العروش، فتحیّر من ذلک و تألّم کثیرا و قال کیف أفعل مع هؤلاء الجیوش فدخل علیه إبراهیم خزندار فوجده مع نفسه فی هم و حزن، و تأسف صاعد و هابط و محن، فقال له یا سیدنا ما طرقک حتی صرت فی هذا التأسف، و الضرر الشدید و التقشف، و أنت البایلار بای و أنت الذی تزیل عن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 340
عیرک بفضل اللّه الأغیار، فقال یا إبراهیم و کیف لا أتأسف و بیت المال خاویة فما أصنع مع هؤلاء، الجیوش الضاویة فإن عمر ذهب فارحا أمینا بأخذه المال لنفسه و ترکنی أسیرا مع الجیش حزینا، فقال له إبراهیم یا سیدنا لا تجزع، و لا تتأسف و لا تفزع فأنفسنا لک وقایة، و مالنا لک حمایة، و مخزنک کثیر الجود و الشجاعة، و الزعامة و البراعة لا یدعوک تتألم بسبب ذهاب المال، فلا ریب أنهم یجمعون لک فورا ما یکون به التطریب للبال، و أنی قد دخرت لک شیئا من الذخائر و الأموال، لتستعین بها علی ما أنت فیه من الأحوال فقال له أحضرها و بادر، فأحضر ما کان تحت یدیه من الذخائر، ففرح البای و ظهر علیه السرور و استبشر و لاح علی جبینه النور، و لما سمع المخزن أتوه. بما فیه الکفایة و فوق الکفایة و قالوا له طب نفسا فأنفسنا و مالنا لک هی الوقایة، فشکر فعلهم الجمیل، و أثنا (کذا) علیهم (ص 286) الثناء الجزیل./، قال و فی ثامن جمادی الثانیة سنة تولیته غزی ترارة و معه عمر آغا کما مرّ فقتل منهم أربعة و ثلاثین رجلا من الشجعان، و سبا (کذا) تسعین امرأة بالبیان.
ثم غزی بنی مناد لما ظهر منهم الفساد، فأوقع بهم إیقاعا عظیما، و هتکهم هتکا جسیما، أفنا (کذا) منهم عددا من الأبطال و سبا (کذا) الأموال و النساء و الصبیان و أسّر الرجال. و مات بتلک الواقعة من أعیان مخزنه القائد الأنجد، الفاضل الأمجد الشهم الشجاع الجواد المطاع، الصندید الباسل، الحلیم الکامل، من هو للیتامی و الآرامل کافل. ذو الید الواسعة و المآثر الساطعة، رئیس الدوائر، محی الدین بالنواهی و الأوامر، صاحب المحاسن و المعارف، و جائز المعالی و العوارف جالب الإحسان، و دافع المساوی مفتخر النسب المخزومی البحثاوی، السید قدور الصغیر بن إسماعیل آغا، واصل اللّه روحه إلی الجنة و أحکم بلاغه، کما مات الطالب الأدیب الحاذق اللبیب، کامل الإحسان و الأجور، قائد الزمالة السید محمد الوهرانی ولد قدور رحمهما اللّه بمنّه و فضله و کرمه آمین و جعل فی الفردوس آخر دعواهما أن الحمد للّه رب العالمین. و هما رکائز المخزن فی الأمور النفّاعة، و عمدته رأیا و شجاعة. و قد قال السید مسلم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 341
خوجة فی ءاغة السید قدور الصغیر بن إسماعیل مرثیة یخر لها القائم علی رکبتیه جاثیة، و هی:
حلی السیاسة و طلی الریاسةقد اجتمعا و فیک غیرهما تتل
کریم عفیف توفی فیما تقوله‌و مهمی یضیق الأمر أنت له أهل
و ما من کریهة ألّا أنت مفتاحهاو ءالک جملة فحول و أبطل
و ثلم من سور مشیّد موضع‌و أسقطت ثلمة لم یوجد لها مثیل
/ لموتک قد بکا جمیع الأحبّةو قد عزّ صبرهم زمانا و لم یسل
(ص 287) لأن علی یدیک فتح الحوائج‌و من قطر ماء المزن جودک أهطل
یسعد من یلجأ لبابک یلجأو إن کان رادیا تهذّیه یکمل
و قال أیضا:
فحزنی علی المبلغ للمرادحلیم منیب و تبر وقّاد
مزیل الکروب منیل المطلوب‌و مفجی الهموم و مجلی النّکاد
و معطی العطایا جزیل النداو مهدی الهدایا و من هو الزّاد
و ذی النجدة العظمی حال الحروب‌ناصر المظلوم و طویل النّجاد
سریع الغضب قریب الرّضامغیث الملهوف کثیر الرماد
شجاع الهیجاء و ضرغامهاحسین التدابیر نعم النقّاد
قدور بن إسماعیل بن البشیرفإنه صار ضجیع اللّحاد
فأبکا الأرامل و الیتامی‌و أبکا الصلحا و أبکا الزهاد
و أبکی الشرفاء و العلماءو أبکا القرّاء و أهل الرشاد
و أبکا العساکر نعم الشّجاع‌و أبکا الشّجاع و أهل المعاد
و أبکا الجیوش و أبکا الأمیرو أبکا الوزرا و أبکا القیّاد
و أبکا السادات الکرام الرضاو أبکا الطّلحا و کلّ العباد
و أبکی النساء و أبکا الرجال‌و أبکی العبید و الصبیان زاد
فحق علیه البکا دائمابشقّ الجیوب و لطم الخداد
/ و خدش الوجوه و صوت عویل‌و ندب طویل بغیر نفاد
(ص 288) قد أبکی العیون هذا الباسل‌برجف القلوب و حرف الکباد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 342 فمن للأرامل من بعده‌و من للیاتامی فی جمع الأعیاد
و من للشعرا إذا وفدواو من للمدین مرتاح القصّاد
فإنّ النّدا علیه باکیاکذا الحرب قد بکا حال الطّراد
فمخزن و هران منه انغدرو وهران باکیة بالثّماد
تقول بصوتها حال البکاعلیک حزنی قد دام یا جواد
فبک احترامی و بک التوفیرو منک افتصاحی و منک السّهاد
فویل و ویل و ویل شدیدو ویل و ویل لبنی منّاد
هم الذین غیّبوک عنّی‌و صرت رهین تراب اللحاد
قد أبرد اللّه لک الضریحاو أسکنک فی فسیح الخلاد
و لا راحم اللّه قاتلک‌مأویه جهنّم بیس المهاد
و قال أیضا:
یحق لنا البکا علی أسد الوغاو ناصر مظلوم و قامع من طغا
و قاهر جبّار عنید و ماردو جامع أشتات و مفن لمن بغا
و دامغ أعداء طالت لهم أیدو باذل أموال و معط لمن صغا
و حائز أوصاف الکمال بأسرهامهذّب أخلاق و مصغ لمن لغا
و معطی العطایا دون منّ و لا أذی‌کافل أرامل أیتام بما ابتغا
(ص 289)/ و لکل عالم و صالح طالب‌محبّ له فی اللّه حبّه ما التغا
و ذلک سیّد الدّوائر قدورنجل إسماعیل البحثاوی منصبه آغا
فلا رحم الرحمان آل منادیهالمّا قتلوا المرحوم نال لما ابتغا
بشری لک بالجنان یا قدور الرضابشری لک بالغفران و الخیر أبلاغا
و راجع ما مرّ من واقعة بنی مریانن التی هی من أیام المقلش تستفد ما للخوجة فیه من الأبیات الدالة علی مدحه بالجمع و الثبات. حدثنی المسنّ الطّاعن فی السّن أبو العباس الحاج أحمد بن عتّ الغربی و کان أصله من عکرمة قال حدثنی والدی عبد الرحمان بن عتّ عن خصال ءاغة السید قدور بن إسماعیل المذکور، إنه قال أنی کنت من البیوت الکبار بعکرمة الشراقة و لنّا قاید یقال له المجاجی لیس من أهل السعی المشکور، و کان منافسا لی فوشا (کذا) بی کثیرا عند
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 343
خلیفة الشرق بأفعالنا و أقوالنا، فلم یفده ذلک لاطلاع آغا و الخلیفة علی أحوالنا، ثم وشی بی عند البای علی مرارا عدیدة فأثّر و شیه فی و خطنی البای خطایا عدیدة، ثم أن البای کان بمحلته بالنواحی الشرقیة، و معه حلیفته صاحب الأخلاق المرضیة و لما رجع للمعسکر قال قائدنا المجاجی و أنا علی فرسی و کان من عتاق الخیل، یا سیدنا أنت لست ببای و أنا لست بقائد و إنما البای و القائد هذا الرجل الذی تراه علی الفرس الأدهم کالیل (کذا) فأمر البای فورا بقتلی، لاکنه (کذا) لم یتم أجلی، فأحیل بینی و بین فرسی و أخرجونی للقتل فتکلم الخلیفة و آغا الشرق علی خلاصی فلم یفد ذلک بالرتل، فسمع آغا السید قدور ابن إسماعیل ذلک، و عاین ما هنالک، فتقدم و قال للبای لا یقتل لأنه مظلوم و المجاجی قائده مسلط علیه/ فی الأمر المعلوم، و أن قتلته بسبب هذا القائد (ص 290) البوطال بقیت الجهة الشرقیة فارغة من الرجال، فترک البای قتلی و حملنی مسجونا علی بغلة لوهران، و قد أخذ فرسی بالإعلان، و لما وصل لوهران أدخلنی السجن ثلاثة أشهر متتابعة، و مهمی یسل المساجین أخبره بأحوالی قولة قاطعة، إلی أن قلت له یا سیدی خلصنی من السجن أو اقتلنی و لا تدعنی فی السجن الدائم، فقال له آغا السید قدور المطلوب من سیادة البای أن تسرح هذا الرجل من حینه لأنک أطلت سجنه بسبب قول قائده الظالم. قال فسرحنی البای من وقتی، وجیت (کذا) لأهلی فی الفرح و السرور، و لما وصلت خیمتی جاءنی القائد المذکور و قال لی أنّ البای خطّک بمائة سلطانی لا ریال، و خلاصها علی یدی فلا بد من دفعها فورا فی الحال، فقلت للقائد أن البای لم یخطنی بشی‌ء من المال، و إن کان کما قلت فأین بطاقته حورا فقال لی لا تزد فی الکلام أدّ ما أمرتک به فورا، و إلّا یحلّ بک الانتقام، و تعود لسجنک علی الدوام فقلت له یفتح اللّه و سیحصل بعد العسر الیسر، ثم أنی بعثت لصهری المختار العکرمی علی فرسه بسرجه فبعثه لی و رکبت مع رفقائی لیلا و سرت إلی أن دخلت وهران مع الفجر، و لما نبیت الحکومة تقدمت للشکایة بالقصد فنادیت جهرا یا سلطان الحق السید إذا حرر عبده و مکّنه من التحریر هل یتعرض له أحد، فقال لی أعد ما قلت فکرّرت قولی ثانیا و ثالثا، فقال لی ما معنی کلامک فلا تکن ناکثا، فقلت له یا سیدی إنی خدیمک الفلانی الذی عزلت عنی فرسی بالمعسکر بسبب کلام القائد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 344
المجاجی، و أمرت بقتلی بلا نتاجی فخلصنی اللّه منه علی ید ءاغة سیدنا قدور ابن إسماعیل، و سجنتنی ثلاثة أشهر متوالیة و خلصنی اللّه منه علی ید سیدنا آغا (ص 291) المذکور الجمیل، و إنی لما ذهبت/ لأهلی جاءنی القائد المذکور، و قال لی أن البای خطک بمائة سلطانی و خلاصها علی یدی بالمحضور و أنی ترکته بخیمتی نازلا، و جیتک لیلا نازلا و قد أخذت فرسی و هذا طلبته علی صهری، أطال اللّه حیاتک و خلّد ملکک فانظر فی أمری، فاستغاظ البای کثیرا، و قال للخوجة انظر خطیته فی الدفتر جهیرا، فال الخوجة أنی لم أکتب شیئا و لا هو سجلا، و قال قائد الطابع أنی لم أمکنه من الطابع علی هذا الأمر أصلا، فتقدم ءاغة السید قدور ابن إسماعیل، و قال للبای قد اتضح ظلم القائد و جوره علی الرعیة بالجملة و التفصیل، و هذا القائد لا یلیق للتولیة و إنما شأنه العزل و بالمائة سلطانی تکون له الخطیة، لینتهی هو و غیره عن ظلم الرعیة، فأمر البای بعزله للقصاص، و خطه بالمائة المذکورة و عیّن له من مکاحلیته الخلّاص، ثم قال لی ءاغة المذکور، یا هذا الرجل مثلک لا یلیق له السکن بمخزن البای المنصور، فقال البای نعم قولک یا آغا هو المسطور، فرحلت من حینی و جیت (کذا) للحامول فسکنته بأهلی، بالزمالة و صرت وکیلا علی السید محمد بن الحفاف کثیر المجالة، ثم انتقلت و سکنت بأهل الخوجة الغرابة، ثم سکنت بدوار أهل العید فها أنا فیهم من غیر استرابة.
قال ولده الحاج أحمد و لا زال بأهل العید إلی أن مات فی أیام الأمیر السید الحاج عبد القادر بن محی الدین بالبیان، و دفن بمقبرة سیدی عبد القادر ابن زیان، و لا زلنا نحن أولاده بأهل العید للآن. و أنه کان کثیر الدعاء و الترحّم علی ءاغة المذکور، و کان یوصینا الإیصاء التام بالتعرف بذریته و قرابته لنیل الأمور، ثم قال الحاج المذکور قال لی والدی المزبور، و هذا الفعل کله فعله معنا آغا المار له لا لغیره، فو اللّه لم یأخذ منّی شیئا بل کل ذلک من فضله (ص 292) و خیره، و بعد أمد اجتمعت/ به و أردت مکافأته فقال لی یا هذا العاقل لا تعد لمثل هذا القول فإنه ضیر، و أنا ما فعلت ذلک معک إلّا ابتغاء لوجه اللّه و نصرة للمظلوم لا غیر، فقلت له زادک اللّه الفضل و المنة، و عوضک علی فعلک قصورا فی الجنّة. و لما مات ببنی مناد أعطاهم اللّه الشرور و الکساد، کنت أول من تقدم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 345
لحمله، و لم أزل ملازما لنعشه فی نقله، إلی أن أوصلناه لوهران، فرحمه اللّه الرحیم الرحمان و أثابه علی فعله ثوابا عظیما، و أعطاه أجرا جسیما. و إنما أتیت بهذه الحکایة دلیلا علی أن ءاغة المخزن له التصرف فی جمیع الرعایة.
ثم أنّ البای علیا خرج فی أیامه ابن الشریف الدرقاوی من بنی یزناسن و نزل بالأحرار، و راودهم علی القیام علی البای فی الاشتهار، فأنکرهم جلّهم، و لبّاه قلّهم، فسمع به البای المذکور، فامتلأ بالغیظ و طارت عنه الشرور و خرج حارکا إلیه بأحوال مستقیمة، فألفی محلة الطریق و هی محلّة الغرب بمینا فأخذها و صعد بها مع الوادی و معه عساکر عظیمة، و أمر جمیع نواحی القبلة بالظعون معه و التقدم أمامه. بأهالیهم و أموالهم و هو فی أثرهم مخفّقة علیه أعلامه. فامتثلوا أمره و أجابوا دعوته و حوره، و ذهبوا معه إلی أن نزلوا ببلاد الأحرار. فأفسد زرعهم و شتّت لهم الأقوار، و لم ینازعه أحد، و لم یکن له فی ذلک حد، و أنحلّ عقد الدرقاوی و انتثر و افترقت أتباعه، و ترکه من حینه منفردا وحیدا ذهبت عنه أشیاعه و جاءت شیوخ الأحرار بأجمعها لدی البای تلتمس منه الرضی، فأکرم نزولهم و أعظم مثواهم و زال عنه الغضب و جاءه الرضی و ذهب الدرقاوی إلی فقیق و أقام به أیاما و قد ضاق به فسیحه/ ثم رجع لبنی یزناسن و هو محله الأول فخمدت ناره (ص 293) و سکن ریحه.
ثم رجع البای لوهران مسرورا فی غایة المفاخر، و ذهبت محلة الطریق لموضعها و لما وصلت للجزائر، قاموا علی عمر باشا فقتلوه بالحمام، باتفاق الأعیان، و قالوا أنه لم تسعد علیه و به الأیام و البلدان، و لم یکن بوقته راحة و لا أمان. و قد مات بأیامه الرایس حمیدو المجاهد فی سبیل الرحمان و غلت الأسعار بوقته و ظهر الطاعون، و قام النصاری الإنجلیز علیهم بالجزائر و منع الماعون. و ذلک أن الإنقلیز جاؤ للجزائر و دخلوا مرسیها بسفنهم علی وجه الخدیعة من تعریة رؤوسهم مثل المبایعة بغایة الصنیعة، و بأیدیهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 346
سجل عظیم یرقانی، زعموا أنهم أتوا به من عند السلطان الأعظم صاحب الباب العالی أمیر المؤمنین محمود الخاقان و لما جازوا رمایة مدافع المسلمین، ابتدروا بإرسال صواعقهم إلی أن حرقوا سفن المسلمین، و کان ذلک وقت العصر و استمرّوا علی ذلک الحال بغایة التمکین، کأنّ مدافعهم فی الإرسال واحد إلی تمام عشر سوایع بعدّ الحاسبین الموقتین، فأبطلوا الضرب و ملوا لما لحقهم من المجاهدین. قال ثم اصطلحوا مع أهل الجزائر بإعلان، علی المنّ بأساری النصاری الذین بالجزائر و وهران، فأسلموهم کلهم باعتبار المقاصد، حتی أنه لم یبق بعمالة الجزائر نصرانی واحد. قال الذی تواترت به الأخبار تواتر المصدع، أنهم أرسلوا علی الجزائر أربعین ألف مدفع. و لما قتلوه أقاموا مکانه علیا باشا إقامة الأکابر، و أجلسوه علی کرسی مملکة الجزائر و لما استغل له (ص 294) ذلک/ و استقر بالملک قدمه، غیّر الصرف تغییرا کان به عدمه. فالریال دور (کذا) کان فیه خمسة عشر وقیّة، حطه إلی اثنا عشر وقیة، فقد انقص خمسه، و أضاع من حینه فلسه، و الریال الجزائری کان فیه ثمانیة أواق، فحطّه إلی ستة أواق، فأنقص منه ربعه، و غیّر من ساعته جمعه، و أحدث أمرا لم تحدثه قبله ملوک الجزائر فی الأوامر. فولّی خلیفة الشرق من الجزائر، کما ولّی قائد تلمسان و کان قبله لا یولی من الجزائر إلّا البای بالبرهان.

نهایة البای علی قارة باغلی‌

ثم عزل البای علیا من منصبه، و أزاله عن مقامه و مرتبه، و سبب العزل له و القتل، کما هو مقرر فی النقل، أن هذا الباشا المذکور فی البیان، لمّا تولی الملک نفی بعض الأتراک من أصحاب عمر باشا لوهران و بعث فی أثرهم للبای علی بقتلهم قتلة شرّة، و لما أحسّوا بذلک فروا لمحلة الشتاء التی بهبرة، فبلغ خبرهم للباشا فغاب لبّه و طاش و استغاظ شدیدا علی البای، و اتهمه بأنه هو الذی صدر منه لهم ذلک الرأی، و بقی فی غیظه و غضبه علی البای بلا ناکث، إلی أن ذهب البای مدنشا للجزائر کما هی العادة عندهم فی الدنوش بأنه یکون علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 347
رأس العام الثالث. و لما وصل للمشرع و هو موضع بأبی خرشفة بأسفل ملیانة، أرسل الباشا إلیه من دویه من عزله قبل الدخول ثم قتله عیانة، و دفن فی محل القتل بعد تکفینه فی الحصیر نکایة له و الملک و البقاء و الدوام للّه تعالی سبحانه السمیع البصیر.
و ولّی من حینه حسنا بایا لکثرة جفائه، و أمر بطبع داره و سجن أولاده و تثقیف نسائه. و تلک عادة الأتراک فی الأصل، فإنهم یقولون یوم للطبل و یوم للحبل، و ذهب حسن مدنشا بجمیع ما دنش به البای علیّ من الأموال الکثیرة، و الذخائر النفیسة الغزیرة، و الخیول المسوّمة، و الأمتعة/ المثمنة المقومة، و زاد متمادیا إلی أن دخل الجزائر، فتلقته الناس بالمبایعة و البشائر، فقضی بها أربه، و أکمل مطلبه و خرج منها قاصدا وهران، و أعلام النصر علی رأسه کأنها شقایق النعمان، و الجنود به دائرة، و الجیوش خلفه سائرة، تقف بوقوفه و تذهب بذهابه، و تمتثل لأمره و نهیه، و تخشی شدة عقابه، و لا زال سائرا إلی أن دخل مدینة وهران، و قال الحمد و الثناء للّه سبحانه الملک الدیان الغافر الرحیم الرحمان.
قال و کانت واقعة الإنقلیز بالجزائر و خروج ابن الشریف الدرقاوی و قضیة البای علی فی سنة واحدة، لیس بینهما طول و لا تفریق فی حصول الفائدة.
و کان ءاغته من الدوائر علیّ ولد عدة، و قدور بن إسماعیل، و الحاج قدور بالشریف، و من الزمالة السید محمد ولد قدور الوهرانی، و الحاج المرسلی ابن مخلوف، وعدة بن قدور بالتعریف.

البای حسن بن موسی الباهی‌

اشارة

ثم البای حسن بن موسی المعروف بأهج حسن، و هو ثامن بایات وهران و آخرهم فی القول الأحسن، تولی فی منتصف ذی الحجة الحرام بغیر الخلف، سنة اثنین و ثلاثین و مائتین و الألف و هو الیوم الذی مات فیه البای علیّ کما مر فی القول الجلی. و من خبره أنه کان فی أول أمره طبّاخا لأربعین جندیا من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 348
الأتراک، فی غایة ما یکون من التدریج و الاشتراک، ثم صار تبّاغا یبیع الدخان، و یتعاطی بیعه فی السر و الإعلان. قال فی در الأعیان فی أخبار وهران، و کان ذا عقل وافر و سیاسة، و رأی ناجح و رئاسة، و لما رءاه البای محمد الرقیق علی تلک الحالة شغف بحبّه، إلی أن أخذ بمجامع قلبه، و ظهر أنه لا یصلح لمصاهرته ألّا (ص 296) هو، و أنه هو الذی/ یوافقه فی الجد و الهزل، و الذکر و السهو، فقرّبه منه و أدناه و أولاه سرّه و معناه، و زوّجه من ابنته و صیره من جملته، و شوّر ابنته بدرة بما لا له قیمة مثل الدرة الیتیمة و الذهب و الحریر، و الدراهم و الدنانیر، و غیر ذلک من الشورة و الأمتعة فصار من حینه متسعا فی غایة السعة، و ولّاه قائدا بفلیتة، و انضبطت أموره فلیس لها تفلیتة. قال صاحب در الأعیان، و هو السید حسن خوجة کثیر المعانی و البیان، و کنت کاتبا لأموره الشاملة و لازمته فی الخدمة السنة الکاملة، فلم أسمع قط منه جناحا و لا کلمة فحش و لا منا و لا فخرا و لا تکبرا و لا مزاحا، و إنما یظهر منه من محاسن الأخلاق، و التعبّد ما یرضّی المالک الخلّاق.
قال و کان قلیل الغضب کثیر الرضی، یمسح برؤوس الیتامی و یعید المرضی کثیر الترحّم و التودّد للفقراء و المساکین، محبا للعلماء و الشرفاء و الأولیاء و الصالحین و المساکین، مواضبا علی الطهارة لا یترکها أصلا محافظا علی الصلوات فرضا و نفلا، مجالسا لأهل الفضل و العنایة، مجانبا لذوی السفاهة و الجنایة.
ثم ولاه خلیفة الشرق لکنه لم یبلغ فیها مناه، و لا توصّل إلی مرغوبه و منتهاه، بل وافق أمره فیها مخالفة صهره البای محمد الرقیق لأهل الجزائر، کما مرّ فعاقه العیوق عن تلک المراتب و المشاعر. ثم کان من أمر اللّه تعالی أنه بلغه إلی مکانة أرفع منها و أرقاه بایا و الأولی أعرضه عنها. و قد قحط الوری قبل ولایته (ص 297) فلم یمطروا، و دام علیهم ذلک إلی أن تضرروا، و لمّا ولّی علیهم أمطرهم/ اللّه تعالی بمنّه و فضله، و خفّ بعض غلاء الشعر الصادر بعدله. قال السید حسن خوجة الترکی فی الکتاب المذکور، و هو ذکر الأعیان المشهور، و لذلک قلت فیه هذه الأبیات، الدالة علی کماله بالثبات، و اللّه یقول الحق و هو یهدی السبیل و هو حسبی و نعم الوکیل، و هی من بحر الطویل:
أیا معشر الإسلام دام سرورکم‌بدولته من فی الناس دولته ترضا
أمیر أتانا بعد ما قحط الوری‌فأمطرنا رب العباد به أرضا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 349 تراها و قد أبدت من الغیث أبحرافمن هائم طولا و من هایم عرضا
کما حسنا کان اسمه حسنت به‌لیال و أیام و طبّت به مرضا
إذا ذکر البایات کان أعفّهم‌و أکثرهم جودا و أوضبهم فرضا
و إن ذکر الفرسان کان أکرّهم‌و أفرسهم خیلا و أرماهم غرضا
و إن ذکر الأبرار کان أبرّهم‌و أوسعهم صدرا و أکظمهم غیظا

سیاسة البای حسن و سلوکه‌

قال شیخنا العلّامة الربّانی، و القدوة الصمدانی، الشریف الحسنی ذو البیانی السید محمد بن یوسف الزیانی، فی کتابه: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة وهران، و لما استوسق له الملک و أذعنت له الرعیة، رفض ما کان علیه من الوصف السابق و کثر ظلمه و غضبه و غیظه و غصبه و عبثه بالرعیة، و حدث بوقته الوباء العظیم العسیر و تکرّر رجوعه بعد ذهابه إلی أن مات به الخلق الکثیر.

وفاة أبی راس الناصر بمعسکر

و مات بوقته مجدد القرن الثالث عشر ذو التآلیف العدیدة، و التصانیف الکثیرة المدیدة، الشریف الأمجد، العلامة/ الأفرد، الضابط الجامع الحافظ (ص 298) الدراکة المانع المحقق اللافظ، أبو راس محمد بن أحمد بن عبد القادر، ابن محمد بن أحمد بن الناصر بن علی بن عبد العظیم بن معروف بن عبد الجلیل الراشدی المعسکری الناصری الذی لیس له نظیر بالراشدة، و لا مثیل، یوم الأربعاء خامس عشر شعبان سنة ثمان و ثلاثین و مائتین و ألف ، من هجرة من له کمال العز و الشرف، و صلی علیه العلامة الأسد الهائج فرید وقته المعبر عنه بالراشدیة بالخرشی الکبیر السید أحمد الدایج، و دفن بعقبة بابا علی من المعسکر، فنسبت له تلک العقبة إلی أن بها اشتهر و علی ضریحه قبّة نفعنا اللّه به و أورثنا منه محبة و قربة. و فی تلک السنة رفع المطر عن العباد بعد ما فرغوا من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 350
الحراثة إلی أن بقی للصیف شهر واحد فی القول الذی لیس من أقوال الرثاثة، فأرسل اللّه مطره النافع للعباد، و أزال ما بهم من التخمین و الکساد، و نبت الحبّ و تمت الصابة و حصدوا، و بلغوا مناهم فشکروا اللّه علی ما أولاهم و حمدوا، فسمیت تلک السنة بصابة الشهر، و تعاطی اسمها فی البدو و الحضر. قال و اجترأ علی العلماء و الأولیاء و الشرفاء و الرعیة فبان منه الجور و الظلم و التعدی، و کثر منه الضلال و هتک المحارم و التردی، و طغا و تجبّر و تکبر و کثر منه الفساد و السفک بغیر موجب لدماء العباد، و لم یراقب فی ذلک خالقه و لم ینظر لیوم المعاد، فقتل فی سنة تسع و ثلاثین و مائتین و ألف ، قتلة ذمیمة، ولی اللّه الفقیه السید محمد ابن أحمد الصدمی من أولاد سیدی بن حلیمة، لمّا سعی به خاله أبو ذریع عنده (ص 299) بأنه یرید أن یقوم علیه بغتة بالعقبة، فبعث له ما أتاه به و علی رأسه ساجل من/ الحلفاء ظلیلة علی عمود نکایة له إلی أن وصل بتلک الحالة لوهران فعلّقه بها مع الخشبة. و فیها فی شهر شعبان أمر بقطع رأسی الفقیهین العالمین الجلیلین، الولیین الکاملین الجمیلین، السید بن عبد اللّه بن حواء التجینی الدرقاوی و السید فرقان الفلیتی بغیر الکلام و أکثر من الخظیة و هی العقوبة بالمال للرعیة، و لم یراقب فیها قط الأحوال المرعیّة، حتی صار یقول لعماله من اصطاد لنا حجلة فله جناحها، و ربحها و نجاحها، یرید بذلک أن من سعی عنده بأحد للعقوبة بالمال و الساعی من الخواص، فإنه یأخذ حظه من الخطیة و هو القدر الذی یأخذه من الأجرة لما یذهب للخلاص، و لشدة ظلمه أمر کاتبه أن یکتب لمن یرید أن یخطّیه علی الفوریة، إنما استوجبت هذه العقوبة لخدمتک الرّدیة. و أنه فی بعض الأیام نظر لضعف الرعیة و حصول الغنا للقواد و الأغات و العمّال، استعمل حیلة لیأخذ بها منهم ما شاءه من الأموال، فقال لهم و هم بمجلسه حجیتکم أیها السادات الکرام الدائرین بی فی هذا المقام، إنی هزلت من الیدین و الرجلین و سمنت من الأذنین و العینین، فتحیّر عمّاله فی فهم حجّایته، و أمعنوا النظر فی فکها کل بحسب عنایته إلی أن قال لهم ءاغة المعظم الوجیه النبیه المحترم من خاض البحور فی فهم المعانی إلی أن أظهرها لکل قاص منهم و الدانی، المعتصم فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 351
أموره کلها بالباری، الشجاع الأفضل السید الحاج محمد المزاری، أیها الأعیان إنّ باینا یرید بیدیه و رجلیه الرعیة لما رءا (کذا) ضعفهم ببصره، و یرید بأذنیه و عینیه أغواته و قیاده لما کثر مالهم فی نظره، فعلیکم بإعطاء الأموال لیلا یصیر کل واحد منکم فی أرذل الأحوال، و بادر لذلک فأعطاه من العدد ما أرضاه فی الصک، و قال له هذا الجواب حجایتک فإنی واحد من أذنیک و عینیک فقال له أنک الخبیر بالفک، ثم شرع کل واحد من الأعیان فی دفع ما قدر علیه، فسرّ بذلک البای و علا قدر المزاری لدیه، و قال لوزرائه و أهل مجلسه أن المزاری لفهیم، و أنه علی التحقیق لآغا جسیم، و عاتب البای یوما بعض أصدقائه علی کثرة الخطیة، التی ضعفت بها الرعیة، فقال له/ أن أهل الجزائر قد أکلونی (ص 300) بالکلیة، و لذلک ترانی قد أکلت للرعیة. ثم صار مهمی مات أحد من رعیته و هو ذو مال و فلوس، إلّا صیّر نفسه واحد من الورثة و یأخذ حظّه معهم علی عدد الرؤوس. و فی سنة أربعین من القرن الثالث عشر أمر ببناء الرّحبة لبیع الحبّ بمدینة المعسکر، و کتب علی رخامتها ما نصه: بسم اللّه الرحمن الرحیم، و الصلاة و السلام علی أفضل رسله محمد الکریم، و علی آله و أصحابه المرشدین للصراط المستقیم، أما بعد فقد أمر ببناء هذه الرحبة الماسوسی، صاحب الخیرات و الحسنات السید حسن بای بن موسی زاد اللّه تعالی خیراته، و عفا عنه سیئاته و لوالدیه آمین ثم کتب هذه الأبیات:
بناها حسبة للّه حسن بای‌بوجسصّة إیلدی بنیّا دای
صحفه خطر أیله أجنلف‌جهانک عافیته أولسون
أول تاریّ غدا أیکان‌جهانک أیلسون شادان
و هم أیلسون رحمت بوان‌و أجداد له ربّ غفران
صوره أحمد بن محمد سنة أربعین و مائتین و ألف، ثم أمر بجعل قبریة لضریح سیدی علی أبی الوفا، بعد ما بنا علیه القبة، و ذلک سنة ثلاثة و أربعین من الثالث عشر بالحسبة و کتب بأحد جانبیها ما نصه: الحمد للّه أمر بصنعة هذه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 352
القبریة و تزویقها المعظم سیدنا حسن بای العمالة التلمسانیة، و الثغور الوهرانیة، و قد أدّی جمیع ما أصرف علیها و أهداها للولی الصالح سیدی علی أبی الوفا و بتاریخ أواسط رمضان المبارک من عام ثلاثة و أربعین و مائتین و ألف و المتولی لحلیة تزویقها الطالب صالح بن سالم وصیف الشیخ سیدنا محمد بن أبی زیان القندوسی سامحه اللّه آمین. و بالآخر هذه الأبیات:
یا رجال الإلاه إنّی مریض‌و أن الدّوا لدیکم و الشفاء
أنتم البای و الإلاه کریم‌من أتاکم له المنا و الهناء
فکم أننی حماکم من سقیم‌و زال عنه سقمه و العماء
کم أغنتم علی الدوام مریض‌فی الفراش و قد کفاه النّداء
فانظروا بفضلکم فی علاجی‌و امنحونی جودکم ما أشاء
و أکثر من الربطة حتی أنه دفع له المزاری سبعة آلاف و خمسمائة ریال فی عام تولیته، و کتب له رسما لتبریته، و نصّه: الحمد للّه تذکرتنا بید القائد (ص 301) المزاری بن إسماعیل، آغا علی أنه دفع لنا سبعة/ آلاف ریال و خمسمائة ریاب بودهیا؟ من قبل الربطة یوم تولیته أواسط ربیع الأول الأنور من عام 1241 و کتب بأمر المعظم الأرفع السید حسن بای وفقه اللّه و بمقلوب الرسم خاتم البای المنقوش فیه ما نصه: الواثق بالرحمان، عبده حسان بای بن موسی 1232 .

ثورة أحمد التیجانی‌

اشارة

ثم قام علیه فی عام اثنین و أربعین و مائتین و ألف السید محمد الکبیر ابن القطب العلامة المعبر عنه بالقطب المکتوم السید أحمد بن سالم التیجینی بغیر الخلف، و جاءه حارکا فی ستمائة رجل من التیجانیة أهل عین ماضی،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 353
الزاویة المحفوفة بحفظ اللّه فی الزمان الآتی کالماضی و عدد کثیر من العرب الصحراویة التی لا تمتثل للمعروف و لا تنتهی عن المنکر، مع قوم الحشم إلی أن وصل للمعسکر و دخل منها حومة بابا علی ثم خرج منها و رجع لغریس فمات بعوّاجة مع أصحابه کلهم بلا تحریس، و من خبره أن البای حسن کان قد دخله التخمین بأن التجینی سیقوم علیه بالأصفی، کقیام ابن الشریف الدرقاوی علی البای مصطفی، لإقبال الناس علیه فی کل ناحیة و انتشار صیته فی کل ضاحیة، فرام کسر شوکته قبل تزایدها، و هدم قوته قبل تعاهدها فجمع له جیشا عظیما، و عددا کثیرا جسیما، و غزی به علیه بعین ماض، و حاصره بها شهرا کاملا یماض، إلی أن حصل الصلح بینهما علی ید کاتبه السید الحاج محمد ابن الخروبی القلعی علی أن یعطی التجیتی للبای لزمة سنویة فی المرعی، قدرها خمسمائة ریال منجّمة، و یعطیه ألفی ریال حالّة مقدّمة (کذا)، و کان ذلک عام إحدی و أربعین و مائتین و ألف ، فأخذ البای تلک الغرامة الحاضرة و ارتحل لوهران بالشضف، و قد انکسر فی قتال تلک الواقعة بلا تماری، عدة ولد عثمان البحثاوی خلیفة آغا الحاج محمد المزاری. ثم أنّ التجینی لمّا رأی ما حلّ به بغیر سبب ظهر له مقاتلة الترک و الغزو علی البای حسن فی محلّه للعطب و دسّ ذلک فی سویداء قلبه، و صار یحشد الجنود و یجمع الحشود لشی‌ء لم یکن من کتبه، و یکاتب من یظن به الإذعان للمهالک و من جملتهم الحشم فأخبرهم بمراده و وافقوه علی ذلک. و لما دخلت سنة اثنین و أربعین و مائتین و ألف ظهر للبای السفر للجهة الغربیة لإزالة الغلف، و یتفقد أحوالها فی السرّ و الإعلان، فذهب بجیوشه/ الکثیرة التی رأسها المخزن سیما أعیانهم قاصدا تلمسان. و لما نزل (ص 302) بالحنایة کأنه الأسد الحاقد جاءته ثلاثة مکاتب فی وقت واحد، أحدهما من عند الهواری الحشمی، صاحب الصدق للبای فی القول الجزمی، و ثانیها من عند قدور بن سفیر قائد المعسکر و ثالثتهما من عند مرة أحمد الترکی الذی نفاه الباشا حسین من الجزائر للمعسکر، و صیّره بها بمنزلة ناظر الأحباس، یخبرونه فیها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 354
باتفاق الحشم علی القیام مع التجینی و إظهار الأرجاس و لما قرأ البای تلک المکاتب، أعلم أعیان جیشه و مخزنه بما فیها من الأمر العاطب، و قال لقواده لا بد تأتونی بجیوشکم الباقیة و الجمع بیننا بوادی ماکرة، و ارتحل من الحنایة فنزل بیسّر و بعده بماکرة، و أقام بها أیاما و الجیوش تجتمع علیه إلی أن صار خمیسه فی غایة الخمیس، ثم رحل و نزل بالزفیزف ثم بعوّاجة من أرض غریس، فأتاه الحشم بأجمعهم للضیافة، و لم یعلموا ما سیحل بهم من المکافة، فضیفوه و بعد الأمل قالت له نفسه لا یستقیم لک الأمر و تحصل لک الرّاحة إلّا بقتل قواد الحشم الإثنا عشر، و هم محمد ولد عبد اللّه و ابن أخته الحبیب و محمد بن رکموط و محمد ابن نکروف و غیرهم فی صحیح الخبر، و کان الکبیر فی هؤلاء القواد سنّا و رأیا و تدبیرا و شجاعة محمد ولد عبد اللّه فالصادر منه هم له طاعة، فأمر البای بقبضهم فقبضوا، ما عدا القائد الحبیب فإنه لا زال علی فرسه و قد سمع ما لفظوا و صار واقفا من بعید ینتظر ما یحل بهم من الانتقام، فلما رآهم ذهبوا بهم لبشوضة و هی محل القتل ذهب فارا بعد طول القیام، ثم أنّ القواد الإحدی عشر لما عاینوا القتل و تحققوا به و هم فی الجزع و الدهش، نطق کبیرهم ملتفتا وراءه لناحیة البای و قال یا هذا الوتاق ظلمتنا من غشک سلط اللّه علیه الغش، فقال له محمد ابن زکموط یا مختل العقل حلفک لا ینفع، و صاحب الوتاق لا ینظر فیک و لا لکلامک یسمع، فالشّاه فیک علی القساوة، حیث کنت فی نجاة و من السعداء و صرت فی هلاک و من أهل الشقاوة و لما وصلوا لبشوضة و قد صارت جموعهم مفضوضة، قال ابن زکموط لظربیر، و هو المأمور بقطع الرأس، بأمر الأمیر، ناشدتک اللّه أن تبدأ بمحمد ولد عبد اللّه لتحصل به الراحة، لقلة رأیه الفاسد (ص 303) و عدم إصغائه/ لقولنا حیث کان من أهل السمع فصار أصمّا کما صار أبکما بعد أن کان فی الفصاحة، ثم اقطع رأس الباقین واحدا بعد واحد. ففعل ظربیر ما قاله ابن زکموط الماجد، قال و لما قتل البای فی ساعة واحدة إحدی عشر قائدا، و بعث برؤوسهم للمعسکر بعثا متواردا، أنکر علیه ذلک کافة الترک الذین کانوا بالمحلة و الغائبین، کما أنکر علیه ذلک أغواته الذین هم من الراکبین، و قالوا له ستری ما ینتج لک و لنا معک من الضرر العظیم، حیث لم تستشر أحدا، و استقلّیت برأیک الصمیم، و أظنک استشرت المازری و ابن وارد، فقالا نحن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 355
علی براءة من هذا الکلام الوارد، فإنه لم یستشرنا و نحن من جملتکم، و إنما ذلک رأیه هو أدری بأحواله منّا و منکم.
ثم أنه لما قتلهم و حاله استبشر، رحل من عوّاجه و هو فی نخوة و دخل المعسکر و کان فی قلبه و جل من القائد عبدی و أبی الأقدار لعلوّ کلمتهما عند العرب و الترک فی السرّ و الإجهار و میل أصحاب الجزائر لهما لما فیه الغایة، و ربما تتولد له منهما النکایة، و قد ضرب علی الحشم الخطیة الکبیرة، و العقوبة المالیة العسیرة، رأی أنه لا تکمل له الأیام، و لا تتم له الفائدة إلا بقتل هذین، الترکیین القیام، بعثهما لقبض تلک الخطیة، و مراده قتلهما لتکون لهما الرزیة و یتهنا من أمرهما و یستریح، و ینفرد فی مملکته من الملیح و القبیح، فذهبا لقبض تلک الخطیة، و لما وصلا للحشم قالوا لهما جئتانا لإتمام الرزیة، بالأمس قتلتم قوادنا، و الآن جئتما لأخذ مالنا و قد جرحتم أکبادنا، و غرضکم إتمام النکایة فستریا ما لکما فیه من النکایة، و بادروا لقبضهما، لأخذ الثأر فی نفلهما و فرضهما، ففرّ عبدی هاربا و أتبعه الحشم إلی أن دخل لخیمة سیدی الأعرج من أولاد سیدی محمد بن یحیی و جلس عند النساء للحرم فدخلوا علیه و أخرجوه منها جبرا علی السید المذکور بالاشتهار، و قطعوا رأسه کما قطعوا رأس أبا الأقدار، و قالوا هذا ثأر القواد، الذین ذهبوا لجنة الخلود فاذهبا لجهنم و بیس المهاد، و بعثوا بالرأسین للتجینی و قالوا له علی عبدی هذا رأس البای حسن، و علی أبی الأقدار هذا رأس خلیفته کثیر المحن فاستراح البای بفعله بالترکیین و الحشم، و لم یبال بما سیأتیه من الغم و الهم.

تآمر الحشم مع التیجانی ضدّ البای حسن‌

ثم أن الحشم حثوا علی التیجنی حثیث الاحتباک/ فی القدوم معهم لقتال (ص 304) الأتراک، و لما رجع البای لوهران و مکث بها مدة فی أمن و أمان، قام علیه التیجنی فی جیش عظیم یرید المجاجنة من أهل الصحراء، و الیعقوبیة و ستمائة رجل من التجاجنة، و وصل لغریس فی خریفة اثنین و أربعین و مائتین و ألف
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 356
فنزل بفروحة فی یوم الأحد بغیر الشک و الخلف، فبعث الهواری للبای بذلک، و أخبره بتحقیق ما هنالک، فلذلک جعله قائدا علی الحشم فی الروایة الفریدة، و قد أطاع الحشم للتجینی لما أحلّ بلادهم بجیوشه العدیدة، ثم کاتب التجینی بنی عامر و بنی شقران و البرجیة و الغرابة و الزمالة و الدوائر و سائر النواحی الشرقیة و الغربیة له بالإذعان، فأمّا البرجیة و الغرابة و الزمالة و الدوائر هؤلاء الأعراش الأربعة المتوالیة الذین هم مخزن البای فقد أبوا من الإذعان، و أما بنوا عامر و بنوا شقران و غیرهم فقد توقفوا، و صاروا ینتظرون الغالب یتبعونه و بذلک اتصفوا.

محمد التیجانی یهاجم مدینة معسکر

ثم رحل التجینی فی یوم الإثنین لمدینة المعسکر و هی علی سبعة أقسام، حومة العرقوب بسورها، و حومة سیدی علی محمد، و حومة عین البیضا، و حومة الباب الشرقی، و حومة بابا علی، و حومة سیدی محمد أبی جلال، و حومة المدینة الداخلة، و هو الوسطی بسورها ذی أدهام، و نزل علی الحومة الغربیة وسط النهار و هی حومة العرقوب، یرید الدخول إلیها و یظفر بالمطلوب، فتلقاه أهلها بأسرهم بالقتال، و صار الحرب بینه و بینهم فی السجال، و أعانهم بنوا شقران علی ذلک القتال، و قد مات من الفریقین خلق کثیر و قد بات فی تلک اللیلة (کذا) بأعلا الحومة البحریة و هی بابا علی فی تحریر، و فی یوم الثلاثاء بعث لهم لیدخلوا فی طاعته، فأبوا و بدءوه (کذا) بالحرب من غیر مراعته، فکان من أمرهم أنه قتل منهم خلقا کثیرا و دخل تلک الحومة فجاس خلالها و دمّرها تدمیرا، و لما رأوا ذلک قادوا له فرسا أشهب و دخلوا تحت حکمه بانتخاب و أتوه لیلتهم لمؤنته (کذا) جیشه من المأکول و المشروب و علف الدواب و اندرج فی ذلک أهل الحومة الشرقیة بلا محال، و هی حومة الباب الشرقی، کما اندرج فی ذلک أیضا حومة سیدی محمد أبی جلال.
(ص 305) ثم فی الغد و هو/ یوم الأربعاء ارتحل من موضعه و نزل بخصیبیة علی الحومة القبلیة، و هی سیدی علی محمد و عین البیضاء، و سألهم الإذعان أو یحلّ بهم ما حلّ بالحومة البحریة فقادوا له فرسا و دخلوا فی الطاعة، دفعا عن أنفسهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 357
و علموا أن ذلک من الخروج عن الجماعة. و فی یوم الخمیس تهیأ بجیشه لقتال الحومتین المحیط بهما السور و هما العرقوب و المدینة الداخلة، و کان فی السابق دخل أهل سیدی محمد أبی جلال، و أهل سیدی علی محمد، للمدینة الداخلة، ثم ظهر لهما فی الخروج فخرجا و شدت أبواب المدینتین و کل فی مخزنه.

البای حسن یذهب لمعسکر لمحاربة التیجانی‌

فبینما هو یحاول القتال مع هاتین الحومتین و إذا بالبای حسن بلغه الخبر فخرج من وهران بجیشه و مخزنه، و حث السیر فبات بالکرمة، و تلیلات، و سیق، و وادی الحمام، فنزل بمشرع حسین، و هو کالأسد الضرغام، سمی المشرع بذلک سرا و جهرا لکون حسین الترکی تعدی علی بعض العرب بالمنکر بذلک المشرع فقتل به و ذهب دمه هدرا. و کان من عادة البای لا یدخل للمعسکر إلّا مع عقبة الملّاحة، سمیت بذلک للنکبة الکثیرة الواقعة بها الدواب الملّاحة، فنکّب عن تلک الطریق و ذهب مع تیفرورة، و معناها ذات الخیر الکثیر فهی بالبربریة مشهورة و أخذ طریق سیدی علی بن أحمد الولی المشهور. و لما قرّبه طوی ألویته و ترک ضرب الطبول بتوابعها توقیرا للولی المذکور، و بعث لضریحه زیارة تدفع بید المقدم لیحصل له الفوز علی التجینی و الحشم و سأل من اللّه الإعانة علی عدوه فی الحفی مقدما فی دعائه، التوسل إلی اللّه تعالی بذلک الولی و لما جاوزه قال له لیث الضراغم، و من کثر للأعداء منه التقاصم، ءاغته المتقاعد النبیل المحترم السید مصطفی بن إسماعیل و سائر الأغوات الباقین، أیها البای لا تخش أحدا إلا ربّ العالمین فانشر سناجقک و نقطر طبولک کالعادة، حیث جاوزت الولیّ، فالنصر لک و لنا معک فی الزیادة، و العدو لا ریب یحل به النّکال لأنه ما معک إلّا لیوث الرجال.
قال و لما وصل البای لخروبة الصیادة المطلة علی غریس، هبط علی قریة الکرط، و مرّ علی سیدی علی القطنی کأنه أسد التغلیس، و لما بلغ الخبر بأن التجینی لا زال محاصرا للمعسکر، رجع نحوه/ متوجها له و هو بخصیبیة من غیر (ص 306)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 358
المفر، و لما طلّ علیه و رأی عنده الجراد المنتشر، و سمع به التجینی فتأخر عن المعسکر، و هبط دالجا ناحیة أولاد رحّو یروم المقاتلة و عنه یلحّ دخل البای الخوف و الجزع، و لحقه الرعب و الفزع و ظن أن الدّائرة کائنة علیه فثبّته أعیان مخزنه و واعده بأن النصر مقبل علیه، و قال ءاغته المتقاعد الشبیه بالجوطی الحاج عبد اللّه بن الشریف الکرطی أیها البای رأیک الذی استقلیت به حیث ترکت المشورة لکل أحد فی ابتداء الأمر، هو الذی وصلک و أوصلنا معک لهذا الأثر فضحک ءاغته المتولی وقت ذلک، و هو السید الحاج محمد المزاری البحثاوی من ذلک، و قال للبای یا من أنت فی ستر الحلیم الغفار، و حفظ العزیز القهار، لا یدخلک الجزع و لا تصغی للقول المعسار، ستری ما یصدر من مخزنک الأبرار، فإن لهم حق علیک فی المشورة، و أنت ترکت ذلک لجمیعنا إلی أن صارت الحضاجر هی القسورة، فأحسن ظنّک باللّه و لا تهن، و لا تجزع و لا تحزن، فعند حلول الکفاح فی المیدان یتبین لک الشجاع من الجبان، و من کان صغیرا فی السن یصیر کبیرا فی الضرب و الطعن و لیس الکلام بالأفواه وقت تقابل الصفوف، و إنما الکلام للبنادق و السیوف، و یظهر الکر من الفر فالشجاع یتقدم و الجبان یتأخر، و لا یخفی سیدنا طعن مخزنه للعدو إذا تراءا (کذا) الجمعان و غلت الجماجم و تأججت النیران سیما الأعیان الدارئین (کذا) عن سیدنا ما یلحقه من ألم الدعاوی، سیما ما ولده البشیر البحثاوی فهم فداؤک فی الهموم و الکروب، و وقایتک فی القتال و الحروب، فسرّ البای و جمیع الجیش بقوله، و علا شأن عمّه مصطفی و طلع رأسه إلی أن قال أهلا بقوله. و قد کان بن یحیی ابن محمد الغلالی ثم الشقرائی فیما الراوی قد رواه، کتب لآغا السید مصطفی ابن إسماعیل بطاقة یخبره فیها بقدوم التجینی لأم العساکر و مقاتلتهم إیاه، لکون هذا ابن یحیی کان خلیفة قائد المعسکر فی الوارد، و خلیفة القائد عند الأتراک یقال له ءاغة القائد، و بعث بطاقته مع ابنه فجاء بها لیلا لغنیمة الفی‌ء، و لما وصل المحلة قبضه أهلها و منعوه من الدخول لها و سلبوه من کل شی‌ء، و هو یقول جهرا یا قوم أوصلونی عند السید مصطفی بن إسماعیل، فإنی ولد ابن یحیی بن محمود (ص 307) الغلالی قاصدا للنبیل، و جئته بالمکاتب/ من عند أبی فلم یلتفتوا لقوله و صفا و لا زال ینادی إلی أن سمعه ءاغة مصطفا (کذا) فأمرهم بالإتیان به و مطلبه، و لما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 359
وصله سأله عن نفسه و نسبه، و عرّف بذلک دون شبیه و ناوله مکتوب أبیه، فأمرهم فورا بردّ ما أخذ له بأسره لما ظهرت العلامة، فردوه فورا و لم تضع له حتی الغلامة و ذهب ءاغة مصطفی بمکتوب خلیفة القائد للبای حسن، و عرّفه بالواقع و زال ما به من الوهن، و قال له أنّ ما تراه من الجراد فضباب علی رؤوس الحبال، و ستطلع علیه الشمس الحارّة فینصرف عن آخره و هو فی النکال، و أن العرب ستأکل بعضها بعضا و یقتل بعضها بعضا و النصر مآله إلیک، فانشر ألویتک و نقّر طبولک و اضرب غوائطک بناغراتها و لا حرج علیک، فنشرت السناجیق فی الحین و نقرت الطبول و الغوائط و الناغرات بصوتها الحنین، و التقی الجمعان بعوّاجة بلاد أولاد رحّو فکان ثمّ أعظم الوقوف، و نشأ الحرب بین الفریقین و تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف و حام الوطیس و ترادفت الردوف، و اشتبکت الناس ببعضها بعضا و هاج الرّیح العصوف.

المعرکة الفاصلة و مقتل التیجانی‌

قال فلم یکن غیر ساعة إلّا و الحشم و سائر الأعراب قامت علی ساق واحد، و بقی وحده فی تجاجنته و اطّلع علی رأیه الفاسد. و یقال أن البای فرق أموالا کثیرة علی أعیان الحشم و کافة العرب فأوقعوا الهزیمة، و فرّوا و ترکوه بجیشه الخاص به منفردا فی الحالة الذمیمة، فصار جیشه یذبّ عن نفسه عن نفسه و یسارع فی مشیه نحو بستان أولاد رحّو (کذا) و هو بستان عظیم من الهندیة لیتخلصوا به و یتفسحوا فحال بینهم و بینه جیش البای و أوقفوهم بموضع یقال له السّمّار، و أداروا بهم دور مقیاس بسواعد الأبکار، و اشتدّ القتال إلی أن قتل التیجینی بجمیع جیشه و لم یفلت منهم واحد، و مات خلیفة التجینی و هو السید إبراهیم بن یحیی من أولاد سیدی محمد بن یحیی ذی الفضل الماجد، و من جیش البای عدد کثیر بالأمکن منهم محمد ولد قدور البحثاوی و قائد غمرة و غیرهما و تکسّر ءاغته المزاری من ساقه الأیمن، و کان عدة بن قدور ءاغة الزمالة المتقاعد عن الخدمة فی نوبته وقتا، حلف أنه/ إذا ظفر بالتجینی لیضربنّه بسیفه (ص 308) حیا کان أو میتا، و لما ألفاه میّتا ضربه بسکینه للصّدر إزالة للکربة إلی أن هضمه من صدره تهضیما کبیرا بتلک الضربة، فعابته الأعیان علی ذلک کثیرا، و قالوا له
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 360
لو ضربته حیّا لنلت المراد، و لکنک فعلت بنا عسیرا. و لما تمّ القتال أمر البای بقطع الرؤوس رأس التیجنی و یده و رؤوس التجاجنة أهل الضرر فقطعت الرؤوس و بعث بها البای أمامه للمعسکر، و رحل و دخلها فارحا مسرورا، و مؤیدا مغتبطا منصورا، و بمخزنه العظیم نال عزا و شکورا، ثم رجع لوهران فی عزّه و إکرامه، و فضله و إنعامه، و ألویة النصر تخفی علی رأسه و هو فی أنیسه، و اشتد أمره و جرصه، و کتب لقائد ملیانة یخبره بما نصه: الحمد للّه و صلی اللّه علی سیدنا محمد و آله المکرم ولدنا علیّ قائد ملیانة وفقه اللّه آمین السلام علیکم غایة و رحمت (کذا) اللّه و البرکة و بعد فالذی نبشرکم به خیرا إن شاء اللّه تعالی هو أننا طحنا علی محلة الظالم ابن التجینی و أحزابه فقتلناه هو بنفسه و قتلنا خلیفته و قطعنا رأسیهما معا و قتلنا جمیع من کان معه بمحلته و لم یفلت أحد منهم ما یزید علی ألف رأس و سبینا جمیع ما عندهم من خیول وابل حتی الأخبیاء جمیعا و الحمد للّه علی هذه البشارة المبارکة لقد هنیت العباد من ظلمه و فساده وها نحن بشرناک و السلام بأمر المعظم السید حسن بای آمنه اللّه آمین.

حصول القحط و غلاء الأسعار

و فی فصل الربیع سنة اثنین و أربعین و مائتین و ألف باقتباس وقع غلاء عظیم و قحط فیه الناس إلی أن صار الباشا یفرق الرغیف بالمدن علی الناس، فسمی العام بعام خبز الباشا، و تواتر علی الألسنة للآن و فاشا. و کانت الأولیاء فی المستبن تقول آخر الترک من یسمی حسن، و منهم من یقول سیأتی البای حسن یأکل الرتعة و یزید الرسن، و معنی هذه الإشارة بالکمال أنه یأکل الرتعة و هی الرعیة و یزید الرسن و هو العمال، فکان الأمر کما قالت الأولیاء، نعم السادات الأصفیاء الکرام.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 361

سجن الشیخ محی الدین بوهران‌

و قتل هذا البای ولی اللّه سیدی الحاج محمد البو شیخی المقیم بقیزة، بإغراء عدة بن ونزار رایس الونازرة الزمالی له علیة فی الوجیزة، بحیث علّقه مع خشبة بوهران، و قال هذا جزاء من یرید الظهور و الإعلان. و منع شیخ الجماعة من الحج و هو السید الحاج محی الدین بن سیدی مصطفی بن المختار والد الأمیر السید الحاج عبد القادر، و أسکنه بوهران بمنزلة المثقف و لم یخلّ سبیله إلّا بعد/ أمد طویل متکاثر، و لما سامه بالسجن عفانا اللّه منه، قال فیه العلامة السید (ص 309) السنوسی ابن السید الحاج عبد القادر بن السنوسی الدحاوی قصیدة نونیة لتسلیته و إبعاد الهمّ عنه نصّها بتمامها:
عوّل علی الصبر لا تفزعک أشجان‌و لا ترعک بما فاجتک وهران
أما هی الدار لم تؤمن غوائلهابلی هی الدّار أغیار و أحزان
تخفی الدسائس لم تظهر لها حیل‌و لم تعاقداها و اللّه أیمان
شبّت علی الغدر لم تعطف علی أحدإلّا و من غدرها صد و هجران
ما أنت أول من دهت و لا آخرو لا بأوسط من خانته إخوان
انظر إلی یوسف الصدیق کم لبثت‌فی السّجن نفسه لم تزره خلّان
و انظر إلی ابن رسول اللّه ثم إلی‌هلمّ جرّا و ما لاقاه عثمان
تلک العوائد أجراها علی قدرمدبّر الأمر کیف شاء دیّان
لم یشتوک أمحی الدین عن زلةرأوا و لکن أشقی القوم شیطان
صبرا فلا غرو أن تنحلّ عقدة من‌من أجله قد عاد علیک سلطان
و یکظم الغیظ من خصم و من حکم‌و یکشف الغمّ أن صدّوا و أن خانوا
بل لا علیک و إن ساءت ظنونهم‌سیهزم الجمع أو یشتت دیوان
إن العواقب فی القرآن ثابتةللمتّقین و صدق القول قرآن
و أنت و اللّه لم تزل علی سنن‌یهدی إلی الحق لم یملک طغیان
تقری الضیوف و تسعی فی حوائجهم‌و تحمل الکل لا غشّ و لا ران
تبیت بین الدجا تتلوا المفصّل عن‌قلب و تصبح مثل البدر تزدان
تدرّس العلم مرة و ثانیةتلقّن الذّکر و الفؤاد یقظان
فاللّه أسأل أن أراک منطلقاو ما حوالیک حرّاس و أعوان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 362 و منه أرغب أن ألقاک معتدلاکالحال قبل و قد أمّتک رکبان
ثم الصلاة بمحمود الصلاة علی‌محمّد المصطفی ما تمّ إیمان

حملته علی الشیخ بلقندوز التیجانی و قتله‌

(ص 310) ثم جمع جیشا عظیما یقینا، و ذهب به لزاویة الشیخ بالقندوز/ القدّاری التجینی یمینا، و لیس عند هذا الشیخ الصریح سوی الطلبة لقراءة القرآن و رام قتله فی الصحیح و لما رءاه علی تلک الحالة التی بها خبره انصدع، قال مثل هذا لا یثور علینا و رجع.
ثم غزاه فی عام خمسة و أربعین و مائتین و ألف فی جیش عظیم لا یطیق له أحد علی الوصف، و لما وصله قال لمن بعثه یأتی به شهیرا، إذا امتنع من الإتیان معک و أراد الطلبة الحرب فارجع لی بذلک و کان عددهم کثیرا، و أوصی جیشه الأتراک أیضا رصدا، بأنه إذا ضرب البارود بالکابوس فعلیکم بنوایل الطلبة فاقتلوهم و لا تحاشوا أحدا. و کان من عادته إذا أراد المکر بأحد و الناکوس، یعض لحیته فصار یعضها و بیده الکابوس، و لما رءا (کذا) ذلک جهرا، ءاغته السید مصطفی بن إسماعیل البحثاوی أتاه فورا، و قال له ماذا ترید أن تفعله وحدک، و لم تنس بواقعة التجینی ما بقصدک، أردت أن یتکلم فیک البارود من جیشک الذی معک فعند ذلک تندم علی رأیک، فقال له و أی سبب، حتی یحل بنا هذا العطب، فقال له أن هؤلاء الطلبة کلهم من الجیش الذی معک بعضهم من البرجیة و الزمالة، و الدوائر بالقول المتراجع، و بعضهم من بنی عامر و الحشم و بین شقران و مجاهر و فلیتة إلی غیر ذلک من النواجع فمنهم من هنا ولده و قریبه، و منهم من هنا أخوه و حبیبه، و إذا رأوا ذلک القتل فیهم و أجهدهم لا جرم أنهم یقاتلونک علی قرابتهم و الحق عندهم و الرأی الذی فیه المصلحة اترک ما نویته و أبعث من یأتک (کذا) به لأنک جئت له لا لکلهم، حیث لم یهدک اللّه فی شأنه و اترک الطلبة یذهبون لأهلهم. قال فقال له رأیک صوابا، و أحسنت تدبیرا و جوابا، فترک ما أمر به بجده و أدخل کابوسه فی غمده، و بعث له السید قدور بن المخفی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 363
فذهب و لم یأت له بعد إعطائه الزیارة ثم بعث له من حلّ به المکر و الخسارة، و هو ابن دهما العامری الخالفی شریر الفعل بکل جواریحه حتی فیه، فدخل علیه بنوالته و لطم خدّه و أخذه بشدة و أسحبه علی الأرض إلی أن أوصله للبای و هو یسحب فیه، فأمر البای بوضع الکبل علیه لقلّه، و افترقت الطلبة من حینهم فذهب کل واحد لأهله. و کان بالقندوز یقول قبل وقوع الأمر به للطلبة، نعم السادات ما تقولون هل الأفضل الذبح أو الخنق بالغلبة، ثم قال الذبح یؤدی لاختلاط الدماء فالخنق أفضل، فمن أراد الذهاب فلیذهب و من أراد البقاء، فلیقعد حتی یشاهد القول الأکمل.
/ ثم ارتحل من موضعه و ذهب مشرقا، إلی أن نزل برهیو فقتله به خنقا مع (ص 311) داوود المزابی قولا محققا. و لما مات الشیخ بالقندوز دون علم أحد من الناس بغیر اشتباه، صار ولیّ اللّه السید الحاج محمد أبو قراب یقول أتی أمر اللّه یا عباد اللّه، فأرسل اللّه علی المحلة ریحا عاصفا بصعصعه، إلی أن تکسرت رکیزة و تاق البای و أزیل الوتاق من موضعه، و ضجت الدواب بالصهیل، و ماجت الناس و هم خائفون من التبدیل، ثم سکن ذلک بعد ساعة، فعلموا بموت السید فواروه فی رمسه باستطاعة. و کان أبو قراب من أولیاء اللّه الکاملین، و الرجال السادات الواصلین، و کان قرابه بیده علی الأبد و یمشی علی رجلیه مع المحلة حیث ذهبت، و لا تسبقه للمنهل و لو فی مشیها أسرعت و غصبت، بل هو الذی یسبقها فی سائر الأحوال، و یبقی فی الصدود من ورائها حتی یذهب ضعفاء الرجال، فلذلک اشتهر بهذه الکنیة، و امتاز بها فی المرثیة. و قد أمات اللّه ابن دهماء أشر موتة، و مقته أشر مقتة. و لما قتل بالقندوز صار الشیخ الکامل القطب الواصل، السالک المجذوب المقرب المحبوب، صاحب الملجأ و المناصی، السید مولای محمد الولهاصی یقول للعجب کل العجب بالتّوفیه، الترک یقتلون بالقندوز و مولای محمد یموت فیه، و بموته یحصل الفرج للإسلام، و یحل بالترک الانتقام ثم یراقب البحر، و یقول بالجهر بالمرکیش أرواح اتعیش، فی لحم البقر و الدشیش، و یکرر ذلک فی سائر الأوقات، إلی أن تم أجله و مات، و بموته انقطع الأتراک، و انفصم حبل الاعتراک. و من الأولیاء من کان یقول فی أیام الصمائم، ماذا یقع بأهل العمائم، و لم ینج ولیّ من البای حسن إلا السید محمد بن عبد اللّه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 364
المشتهر بابن سحنون و یقال له مولا عین الحوت، فإنه لم یتصرّف فیه بشی‌ء فی المثبوت و کان ساکنا بضواحی تلمسان، و الوشاة ساعون به لدی البای بوهران، فبعث له أناسا یأتوه به، و کل من یصله لا یخبره بشی‌ء من مطلبه، و یرجع للبای فیقول له قد أبی و بان منه العصیان، و لا یأتیک إلا إذا غزوته بجیشک فیحل به ما کان، ثم أن البای قال کیف أغزوا (کذا) رجلا واحدا بجیشی، و ربما یکون به إزالة ریشی، فبعث له الفارس الأمجد الشجاع الأوکد، الواثق بالباری، السید (ص 312) الحاج محمد المزاری/ و قال له اذهب للإتیان به مکبّلا و استعن بالباری، و کان المزاری وقت ذاک لم یکن آغا أصلا، فامتثل الأمر و قال لا قوة إلا باللّه و لا حولا، ما هذه المصیبة التی ابتلیت بها عن غیری و ما هذه الرزیة التی جاءتنی تجری، و لما وصله نزل عنده و نظره فی أحواله، و تدبّر فی أفعاله و أقواله، فألفاه بریئا و أنه من أولیاء اللّه المتعبدین بجحرهم، المعزّین للفقراء و المساکین و الضعفاء و غیرهم و للوافدین علیهم فی محبّة اللّه أهلا، و مرحبا بکم و سهلا، و أنه لیس من أهل الثوران، و لا خوف منه علی بای وهران، فبات عنده و نفسه تدبر فی کیفیة الخلاص من الأمر الذی ابتلی به المفضی للأخذ بالنّواص، و لما أصبح اللّه بخیر الصباح و ارتفع النهار و ضوؤه بان، أراد أن یقول له علی القدوم معه لوهران، فسبقه ذلک الولی بالقول مسرعة و قال له یا لمزاری أنک مأمور بأخذی معک لوهران مکبلا علی برذعة فخذ الکبل و افعل ما أمرت به لا خوف علیک، و کل من جاءنی قبلک لم یقل لی شیئا بما لدیک فقال لی یا سیدی لا أطیق علی حملک معی مقیّدا علی البرذعة و لکن ارکب فرسک مسرجا و اذهب معی و ننیل (کذا) إن شاء اللّه للمنفعة إلی أن نصلا (کذا) لوهران دون تشدید، و یفعل اللّه سبحانه فی ملک ما یرید. فقال له الولیّ لا تعص الأمر لأنه أمر أمیر المؤمنین. و طاعته واجبة علی الذین بقلوبهم مؤمنین، فقال له لا یلیق إلا ما نطقت به إلیک، و لا شی‌ء إن شاء علینا و لا علیک، فقال له الولی خذ القید من بیتی لنذهبا (کذا) راکبین علی السروج، و حیث نقربا (کذا) وهران نرکب البغلة المبردعة مکبّلا و لا فیها حروج، ثم أتاه بالقید، و أمر صاحبه أن یبرذع البغلة بغیر روید و یسرج فرس المزاری و فرسه، و یذهبون لوهران بلا نفسه ففعل الخدیم کل ما قاله الولی و رکبوا و أتوا وهران، و لما قربوا منها أقسم علی المزاری أن یکبله
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 365
و یرکب علی البغلة لیکون الاطمنان (کذا) ففعل المزاری ما رضی به السید الحلیم و دخلا وهران علی تلک الحالة التی مئالها (کذا) الفوز العمیم ثم ذهب به المزاری لبیته و بها بات، و من الغد ترکه بالبیت و ذهب عند البای وقت اجتماع الأغوات، و قال یا سیدنا أن الذی أمرتنی به جئتک به علی تلک الحالة، و أنه ببیتی و أرید منک الأمن علیه و لا تلتفت لقول القوالة، و أخبره بأمر السید من أوله إلی أخره و ما احتوی علیه من باطنه و ظاهره، فظهرت البشری علی وجه البای و قال ما ترید یا المزاری فقال/ له إذا أردت دیته أو الخطیة نؤدیها لک من مالی (ص 313) لما قلت لی و استعن بالباری، کما لا تنتقم منه بالسجن فإنه فی ضمانتی فی داری، فقال له علیه الأمان التام أن لا یخشی من شی‌ء و اللّه شاهد علیّ فی ذلک، غیر أنی أحب أن اختبره ببعض الأمور السیاسیة لیطمئن قلبی بذلک فأحضره المزاری لدیه، و لما مثل بین یدیه حصلت للبای منه هیبة و رهبة و محبّة و رغبة، و قال له یا هذا الرجل ما هذا یسمع عنک من اجتماع الناس فی کل وقت علیک، و وفودهم فی کل آن إلیک، فقال له إذا أخبروک بأنی جاعل خیمة للطلبة و ضیاف اللّه، و المخزن إذا جاء فذلک حق لیس به اشتباه، و إذا أخبروک بغیر هذا فذلک عنّا بعید، و نحن فی طاعة أمیر المؤمنین کما أمرنا الرسول و المولی الکریم المجید، فقال له البای إنی نخایل فیک بعض الأسرار، و أردت اختبارک بأمور تنشأ لک منها الأضرار، فإن کنت من ذوی الأسرار الربانیة خلصت منها بسرک، و إن کنت من الأحزاب الشیطانیة کانت آخرا لعمرک فقال له افعل ما ترید ینفذ، غیر أنی أقول لک قولا إن هلکتنی تهلک و إن أنقذتنی تنقذ و أن بعثتنی برا تبعث برا، و إن أرسلتنی بحرا ترسل بحرا، فبادر بالاختیار و انظر لما یکون لک له النجاة من الأسار، فألقاه أولا علی مخاطیف الحدید، فصار یلعب علیها و البای ینظر و یزید، ثم ألقاه ثانیا ببیت السباع، فبصبصت له و هی ذات إیطاع، و صار یرکبها واحدا بعد واحد و هم به فارحون و له صابرون، و البای بمن معه من أرباب دولته ینظرون، ثم ألقاه ثالثا فی الکوشة، فطفیت نارها کأن الماء بها فی العروشة، فاتّکأ فیها طولا و عرضا و الناس ینظرون له ثم لبعضهم بعضا و یتعجبون من أمر اللّه الواحد الباری، ثم أخرجه و بعثه لبیت المزاری، و قال له غدا نبعثک لبنی یزناسن مع البحر فی اطمأنان (کذا) و یلحقک أهلک فقال للمزاری اعلم أنی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 366
ضمنت لک من الآن الریاسة و الرفعة و السیاسة، و لأولادک من بعدک مؤّبدة و دائمة مسرمدة لا یقطعها منکم قاطع، و لا یزیلها قانع و لا طامع و لا یتصرف فیکم أحد (ص 314) بسوء فی السر و العلن، و أنتم/ علی الأبد فی أمن و أمان من ضرر المخزن ثم من الغد بعثه البای حسن لبنی یزناسن فی السفینة، و أمر أن یلحق به أهله فی أمن و أمان من کل خوف و غبینة، فکانت دعوته بالخیر علی المزاری هی سبب تولیته ءاغة فإنه فی تلک الأیام صار ءاغة و هی تولیته الأولی لذلک المنصب، و اطمأن قلبه و زال ما به من النصب. هذا ما حدثنی به الفقیه الأدیب، الحاذق اللبیب، الشریف العدل السید محمد بن الحبیب الغربی ثم البو عمرانی أحد أولاد سیدی عمارة أهل السر الربانی. و کذلک خلص من ضرره الشیخ الضریر، السید إبراهیم الخروطی الخریر، فإنه بعث له مکاحله محمد بن المختار الزمالی لیأت (کذا) به لأمر ظهر علیه غیر الموالی، و لما أتاه به نظر فی حاله و أصله، فألفاه من الذین لا یثورون علیه فسرّحه لأهله. و یقال أنه دعا بالشر علی محمد ابن المختار، و مقامه کما مرّ خارج سور وهران، من ناحیة الحمری لاشتهار. و فی أیامه سنة أربعة و أربعین و مائتین و ألف قتل العالم العلامة الحجة الفهامة السید محمد بن قرید الغربی شهیدا ببیته، بخنق النطاح بوهران فی المعترف، قتله بعض من تسلّط علی زوجتیه من اللصوص عمدا لا جهلا، و لما قام لیدافع قتل لیلا، و من الغد أخذت زوجتاه و ذهبتا للبای فأمر بتشکیرهما، و رمیهما فی البحر من غیر تحویرهما، فقیل للبای أن أحدهما حامل، فقال لیست تأتی بابن قرید فی القابل، فنفذ فیهما الأمر تنفیذا، و استحوذ بهما تحویذا، و أمر بحرق نوائل تلک الحومة، و صیّرها تنوح بها البومة، و حضر لدفن العلامة، و شاهد منه عجائب الکرامة، و نجا الظالمان إلی أن قبض أحدهما فی ولایة الأمیر ناصر الدین، السید الحاج عبد القادر بن محی الدین، و رفع به فبحث عن أمره بحثا مشددا.
و لما ثبت القتل علیه مکّنه من قرابة الشیخ ابن قرید فقتلوه قصاصا لا رحم اللّه قاتل الشیخ أبدا.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 367

الهجوم علی قبائل الأحرار و عقابهم‌

ثم غزی أدقافایت قریة من قری القبائل بالظهرا، من رعیة المغرب الأقصا و قصدهم جهرا، فلم یصلهم لبعدهم عن رعیته، بل وصل إلی عیون بنی مطهر و رجع بفوریته، و قد عتقهم اللّه تعالی من ظلمه و غصبه و سبیه و نهبه. و فی عام أربعة و أربعین من القرن الثالث عشر بالاشتهار، غزی من رعیته، قبیل الأحرار، و هم بأرض الیعقوبیة، رکب لهم بمحلته من بلاد بنی عامر فأخذهم الأخذة الکروبیة بحیث شفا فیهم لنفسه/ العلیل، و أبرد فیهم الغلیل و کتب بذلک (ص 315) لحسین باشة الجزائر، یخبره بما نصه بالبشائر: الحمد للّه وحده و صلی اللّه علی سیدنا و مولانا محمد و آله و صحبه و سلم أبقی اللّه سعادة من أنام الأنام فی مهد الأمان و أفاض علیهم سحائب العدل و الإحسان الفاضل الکامل المجاهد الحافل، سیف الدولة و لسانها و عین أولئک الأعیان بل هو إنسانها، مولانا السلطان المعظّم، الملک المفخم، ذو الأیادی الجسام، و الفتوحات العظام، ناصر الدنیا و الدین، قامع أعداء اللّه الکافرین الجاحدین مولانا الدولاتلی سیدنا حسین باشا، لا زالت الأعداء من خوفه بحول اللّه برا و بحرا تضمحل و تتلاشا، سلام علی سیادتکم یملّا البسیطة أرجا و طیبا، و یقوم علی منابر السنا بنشر محاسنکم خطیبا، و رحمت (کذا) اللّه تعالی و برکاته، تغشاکم ما دام الفلک و حرکاته، أما بعد أبعد اللّه عنا و عنکم ما تکرهون، و قرّب لنا و لکم ما تحبّون و تشتهون، فإننا غزونا علی قبیل الأحرار الغرابة بعد المراصدة و تخلّف العیون، لما هم علیه من عدم الغفلة و کثرة الظنون و قد رکبنا إلیهم فی المحلة المنصورة من بلاد بنی عامر و سرنا نحوهم سیرا عنیفا، نحثّ المطایا علّنا (کذا) نظفر بتالیدهم و الطریفا، فأصبحنا علیهم و هم فی غفلة فأحطنا بهم إحاطة الهالة بالقمر، و الخاتم بالخنصر فجمعنا مالهم جمعا، و حزناه وترا و شفعا، فشفا منهم العلیل، و برد الغلیل لکوننا طال ما رمنا أخذهم فلم یأمنوا و الآن قد ظفّرنا اللّه بهم فأخذناهم أخذة رابیة، بغزوة شافیة کافیة، و ذلک ببلاد الیعقوبیة و رجعنا نحن و العسکر بالسعیة، و المخزن بخیر و علی خیر فالحمد للّه علی الغنیمة و السلامة و الکل من فضل اللّه و برکاتکم أدام
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 368
اللّه لنا وجودکم و أفاض علینا برکاتکم وجودکم، و قد وقع ذلک یوم الخمیس الرابع من المحرم الحرام فاتح أشهر سنة أربع و أربعین و مائتین و ألف و یصلکم صحبة الحامل الطالب الذی أمرتمونا ببعثه لیرقی إنسانا مریضا جعل اللّه دواءه علی یده و کشف عن ضره کما کشفه عن أیوب عبده، و قد اخترناه لمعرفته بتلک الأمور و دیانته فإن البرکة تلازم لأهل الدین و التقی، فلذلک تقضی بهم الحوائج دعاء ورقی و المولی جلّ جلاله ییسر الأمور و إنه علی ذلک قدیر، و بالإجابة حقیق و جدیر، و ثم السلام التام فی البدء و الختام، و کتب عن إذن (ص 316) ابنکم المعظم السید حسین بای الإیالة/ الغربیة آمنه اللّه آمین.
و لا زال حسن بایا بوهران إلی أن دخلها الفرانسیس بالبیان سنة ست و أربعین و مائتین و ألف ، بالثبات فحملوه للمشرق و بقی به إلی أن مات.

رأی محمد بن یوسف الزیانی فی الأتراک‌

قال شیخنا الشریف الحسنی الصمدانی، و القدوة الربانی، العلامة السید محمد بن یوسف الزیانی، فی دلیل الحیران و أنیس السهران، فی أخبار مدینة وهران: و اعلم: أن الأتراک لما تمهد لهم الملک بالجزائر کثر ظلمهم و فسادهم، و عتوهم فی الخلق و عنادهم بحیث لا یلیق أن یذکر ما کانوا فیه من الظلم و المناکر، و تواتر ذلک علی الألسنة بغایة المتواتر فاشتغل العلماء فی ذکر ذلک فی نثرهم و نظمهم، و سألت الناس اللّه أن یزیل بهم ما حلّ من ظلمهم، فمن ذلک قول العلامة الأدیب الشاعر الدراکة اللبیب الماهر أبی عثمان سعید بن عبد اللّه المنداسی التلمسانی الحاذق النبیل، فی قصیدته النونیة التی هی من بحر الطویل:
بنا السدّ ذو القرنین للناس رحمةفیا لیته من شوکة الترک هنّنا
إلی آخرها. و منها قول العلامة الکاتب البارع الشاعر، فی رجزه السید مسلم بن عبد القادر:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 369 أدّبهم ربهم لما طغواعرّفهم بقدرهم لمّا بغوا
فاشتغلوا بالظلم لیس من عدل‌فاتّخذوا (کذا) أخذا و بیلا بالمهل
لمّا نسوا ما ذکروا به ختم‌علی قلوبهم اللّه و انتقم
إلی أن قال:
صنادید لولا الفساد فی الوری‌لقلنا قلّ مثلهم فوق الثّری
عتوا عتوا علی الخلق و جاروافکانوا أکثر العباد و باروا
فرفع الکلّ الأکفّ و دعوابما به أجاب اللّه و رجوا
أمهلهم لن بلغ الوقت الأجل‌أبدلهم بغیرهم تمّ العمل

أغوات البای حسن‌

و کان ءاغته من الدوائر بالنوبة الصنادید الثلاثة الذین لا یرون فی فللهم النّکاثة و هم الحاج عبد اللّه بالشریف الکرطی التلاوی، و مصطفی بن إسماعیل، و ابن أخیه الحاج محمد المزاری البحثاوی، و من الزمالة ثلاثة أیضا بلا زاید، و هم الحاج المرسلی بن محی الدین، وعدة بن قدور، و قدور بن وارد، بقوا علی ذلک/ إلی انقطاع الأتراک، فزال التداول و الاشتراک و الدوام للواحد القهار (ص 317) الملّاک.
انتهی الجزء الأول من طلوع سعد السعود و یلیه الجزء الثانی و مبدؤه الدولة التاسعة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 371

الفهارس العامة

اشارة

- فهرس الأعلام.
- فهرس القبائل و الجماعات.
- فهرس الأماکن الجغرافیة.
- فهرس الکتب.
- فهرس الخرائط.
- فهرس الموضوعات.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 373

فهرس الأعلام

- أ- أحمد بسطانجی: 252.
أحمد العاقل: 70، 71، 80، 193.
أحمد بن یوسف: 70، 76، 99.
أحمد بن إدریس: 68.
أحمد الهایج: 73.
أحمد بن غانم: 74.
أحمد الفیلالی: 91.
أحمد بن الخوجة: 98.
أحمد بن التهامی: 99، 101، 102.
أحمد بن علی: 99، 104.
أحمد بن أفغول: 106.
أحمد بن الهاشمی: 99، 104.
أحمد بن هطال: 106، 304.
أحمد بن الطاهر الرزیوی: 108.
أحمد العبد: 214.
أحمد بن أبی جمعة الوهرانی: 97.
أحمد الکلاعی: 108.
أحمد الشماع: 156.
أحمد بن مرزوق: 157.
أحمد بابا: 150، 196، 250.
أحمد بن الناصر: 156.
أحمد بن زیان: 216. طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص373
مد بن محمد الشقرانی: 214.
أحمد خان الثالث: 246.
أحمد إعراب الجزائری: 274.
أحمد بن الأحرش: 300، 324، 336.
أحمد الترکی: 324، 353.
أحمد التیجانی: 352.
أحمد زروق: 76، 79.
أحمد بن الشماع: 156.
إدریس بن عبد اللّه: 117، 130، 143.
إبراهیم بن الولید: 129.
إبراهیم بن أدهم: 151، 156.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 374
إبراهیم الوهرانی: 95.
إبراهیم باشا: 237، 228.
إبراهیم خزناجی: 252.
إبراهیم أفندی: 256.
إبراهیم الملیانی: 282.
إبراهیم بن یحیی: 362.
إبراهیم التازی: 69، 74، 78، 79، 97.
إبراهیم خزندار: 339.
بن آمنة: 111.
الأخطل: 152.
أبو إسحاق إبراهیم: 157، 285.
أبو إسحاق الشیخ: 163.
أبو إسحاق الشاطبی: 137.
أرطغل: 242.
إسحاق عروج: 252.
إسحاق الإسکندر: 216.
إسماعیل سلطان: 230.
إسماعیل بن علی العلوی: 227.
إسماعیل بن البشیر البحثاوی: 285، 342.
إسماعیل أو علام المدنی: 279.
الأشعری: 241.
أمیة الأموی: 129.
الإسکندر إسحاق: 249.
أندری دوریا: 224، 225.
أوزون حسن: 235، 252، 275.
أورخان: 242.
أوغسطس: 268.
إیزابیلا الکاثولیکیة: 267.
- ب- بادیس بن المنصور: 126، 138، 139.
بابا حسن: 255.
بابا محمد: 256.
بابا عبدی: 256.
بابا علی: 353.
بختی بن عیاد: 82، 97.
بدر الدین: 89، 106.
البشیر بن یحیی: 88.
البخاری: 196.
البشیر بن أحمد: 276.
بلقندوز القراری: 362.
بوقلموس (ن): 211، 216.
ابن بطوطة: 149.
بولکین: 122، 123، 128، 259.
البکری: 56، 117، 121.
أبو بکر الصدیق: 119.
أبو بکر بن عمر اللمتونی: 131، 140.
بکار بن إبراهیم: 132.
أبو بکر بن یحیی: 157.
أبو بکر الحسین: 176.
أبو بکر بن غازی: 186.
بلاحة المهاجی: 231.
أبو البهار بن زیری: 124، 128، 129.
بکیر الحاج: 223.
البیهقی: 207.
البای بوکابوس: 323، 336.
بن یبقی محمد: 82، 47.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 375
- ت- تاشفین: 136، 137، 140.
أبو تاشفین: 176، 188.
ابن تافراکین: 176.
ابن ترقاس: 336.
ترک بن کومر: 230.
التغریزی: 211.
تمیم بن معنصر: 132، 138، 139.
ابن تومرت: 135.
- ث- الثعالبی: 75.
أبو ثابت: 177، 178، 180، 189.
- ج- جابر بن یوسف: 162.
جبور بن حسنة: 215.
جعفر رایس: 254.
جعفر البرمکی: 160.
جعفر بن علی: 123.
أبو جعفر بن عطیة: 144، 146.
ابن جرار: 178.
ابن الجوزی: 204.
جنکیز خان: 242.
جوهر: 122.
ابن جلول: 177.
- ح- الحبیب البخاری: 110.
الحبیب بن بروکش: 104.
الحبیب بن الهاشمی: 104.
ابن حمدون: 123.
ابن حمید داوس: 117.
حماد بن بلکین: 138.
حذیفة بن الیمانی: 241.
الحسن ابرکان: 83.
حسن آغا: 220، 222.
حسن بن خیر الدین: 226، 252، 254، 270.
حسن خوجة: 255، 337، 348.
أبو الحسن المرینی: 231.
حسن بن قبطان: 252.
حسن بابی: 285.
حسن الترکی: 337.
حسن التیجانی: 353.
حسن بن موسی (مکی): 345.
حسین الشیخ: 255.
أبو حفص: 156.
حمد المعاشی: 279.
أبو حمد موسی: 175، 179، 196.
حفص بن حولات: 115.
الرایس حمیدو: 345.
ابن حزم الظاهری: 377.
- خ- خالد بن المنتخب: 157.
أبو خدیجة (بای): 271.
خروفة: 280.
خدیجة: 290.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 376
ابن الخطیب: 142، 176، 179.
ابن خلدون: 117، 179، 199.
ابن خلکان:، 56، 58، 206.
خزر بن حفص: 55، 57، 115.
ابن خمیس: 59.
خلیفة الهواری: 79.
خلیل بکداش: 253.
خوجة بکداش: 253.
الخیر بن محمد: 119، 123.
خیر الدین: 220، 252، 256.
- د- دالی إبراهیم: 253.
دادة أیوب: 67، 137.
بن داود بن المختار: 230.
داود المیزابی: 363.
داود بن حولات: 117.
أبو دبوس: 172.
الحاج داود بن المختار: 324.
أبو دیلم بن خطاب: 128.
دنونة: 173.
أبو دیة: 261، 310.
أبو دهما العامری: 363.
الدرقاوی بن الشریط: 306، 309، 310، 311، 312، 324، 325، 339، 347.
دموش: 279، 280، 286.
- ر- راشد بن مندیل: 165.
راشد بن یحیی: 186.
رابح بن حاولة: 218.
ابن رشد: 135.
ابن رشیق: 142.
الرشاطی: 56.
الرشید المؤمنی: 162.
الرشید عبد الواحد: 135.
أبو راس الناصر: 55، 57، 58، 63، 74، 78، 81، 88، 89، 108، 117، 121، 137، 147، 158، 175، 177، 179، 197، 199، 201، 226، 230، 231، 236، 250، 264.
- ز- زاوی بن بلکین: 139.
زاوی بن کبیسة: 211.
الزرقانی: 267.
ابن زرقون: 146.
زکریا اللحیانی: 157.
زیان بن ثابت: 158.
أبو زکریاء یحیی: 158.
أبو زیان بن سعید: 165.
أبو زیان الرشید: 183.
أبو زیان: 180، 189.
أبو زیان محمد: 194.
أبو زید الهزمیری: 166.
أبو زید ابن الإمام: 176.
الزهار محمد الشریف: 216.
ابن زهر الطبیب: 152.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 377
زیری بن عطیة: 125.
زیری بن مناد: 123، 124، 125، 127، 138.
- س- سارة بنت المنذر: 200.
أبو سالم إبراهیم: 175، 180.
السایح بن خضرا: 328.
السطی أبو عبد اللّه: 177.
سعید المنداسی: 368.
سعید المغربی: 199.
السعید بن أبی عنان: 180.
أبو سعید عبد الرحمن: 178، 179.
أبو سعید عثمان: 165.
السعید المؤمنی: 162.
سلیمان بن عبد الملک: 129.
سلیمان بن النزاری: 108.
سلیمان باشا الترکی: 226.
سلیمان شاه: 242، 244.
سلیمان الثانی: 246.
سلیم الأول: 244.
سلیم الثانی: 244.
سلیم الثالث: 247، 249.
سلیمان بن سابق: 62.
سلیمان أبو الربیع: 175.
سلیمان بن موسی: 194.
ابن السویکت: 283.
السملالی: 240.
سوید بن عمارة: 215.
السموأل: 324.
- ش- شارل الأول: 216.
شارل الثانی: 229.
شارلکان: 220.
شانجة: 174.
الشریف الوادفلی: 106، 111.
ابن الشریف الدرقاوی: 106، 303، 309، 326، 345.
الشحط والد دموش: 231.
شراعة: 92.
الشقرانی أحمد بن محمد: 214.
الشریف الکرطی: 280، 282، 283.
البای شعبان: 229، 230، 231، 252.
شعبان آغا: 253.
شعبان خوجة: 253.
أبو الشلاغم: 235، 258، 276، 282، 289.
الحاج شعبان: 254.
شهاب الدین الخفاجی: 207.
- ص- صالح الزواوی: 78.
صالح القلعی: 74.
الصباغ القلعی: 74.
الصفدی: 56.
صلاح الدین: 150.
صواف البای: 271.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 378
ابن الصغیر: 152.
- ط- الطاهر المشرفی: 99.
طارق بن زیاد: 200.
طیباربوس: 268.
الطیب المشرفی: 111.
- ع- عبد اللّه بن خطاب: 86.
عبد اللّه بن عمارة: 108.
عبد اللّه بن سعد: 115.
عبید اللّه المهدی: 119.
عبد اللّه بن یاسین: 131، 139، 140، 142.
عبد اللّه بن وجلید: 142.
عبد اللّه بن بلکین: 139.
أبو عبد اللّه محمد: 142، 156.
عبد اللّه بن عبد الواحد: 156.
عبد اللّه المستنصر: 158.
عبد اللّه الیعقوبی: 226، 227.
عبد اللّه الغالب: 226.
عبد اللّه بلکباش: 256.
عبد اللّه العباسی: 135.
عبد اللّه بن الشریف: 360.
عابد بن الزرقاء: 277، 279، 282.
بن عبد اللّه بن حواء: 294.
عبد الرحمن الحکم: 55، 56.
عبد المؤمن بن علی: 60، 136، 137، 138، 140، 144، 145، 146، 169.
عبد الرحمن الجامعی: 63، 174، 226، 230، 247.
عبد الرحمن الجوزی: 88.
عبد الرحمن بن الطیب: 110.
عبد الرحمن الناصر: 119، 129.
عبد الرحمن الداخل: 128، 129، 139.
عبد الرحمن بحشو: 342.
عبد الرحمن بن هشام: 129.
عبد الرحمن المعافری: 136.
عبد الحق: 189.
عبد الرحمان العماش: 214.
عبد القادر بن داود: 215.
عبد القادر (الأمیر): 247، 344.
عبد القادر بن السنوسی: 300.
عبد القادر الشریف: 302.
عبد القادر الجیلالی: 284، 285، 302.
عبد القادر المشرفی: 288.
عبد القادر بن مصطفی: 99.
عبد القادر الحسنی: 102.
عبد القادر بن بروکش: 104.
عبد الحق بن محیو: 171.
عبد المالک: 129.
ابن عبد الکریم العجیسی: 128.
عبد الرحمن مقلاش: 96.
عبد الحلیم المستغانمی: 286.
عبد الرزاق التلاوی: 282.
عبدی آغا: 253.
عبد الرزاق الجزائری: 250، 252.
عبد العزیز خان: 248.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 379
عبد الحمید خان الثانی: 248، 249.
عبد الحمید الأول: 247، 248.
عبد الواد: 193.
عبد الواحد: 192.
عبد المؤمن بن عبد الرحمن: 214.
العبدوسی: 68.
العباس بن بختی: 128، 133.
ابن عبد القوی: 165.
ابو عباس البجائی: 167.
عثمان الغازی: 241، 242، 245.
عبد السلام التونسی: 144.
عثمان بن إسماعیل: 300.
عثمان بن محمد: 298.
عثمان الکردی: 290.
عثمان بای: 284.
عثمان الثالث: 247.
عثمان بن یوسف: 162.
عثمان بن یعمراسن: 165، 175.
عثمان السعید: 175.
عثمان بن وزمار: 181.
عثمان بن مسلم: 184.
ابن العالیة: 110.
عثمان بن عفان: 115، 211، 260.
ابن عرفة: 70، 158.
عروج الترکی: 76، 249، 252.
أبو عصیدة: 157.
عقبة بن نافع: 141.
عدة بن محی الدین: 314، 324.
عدة بن المشیر: 283، 286.
عدة بن داود: 278.
عدة ولد الصحراوی: 228.
عدة ولد قدور: 359.
عدة بن ونزار: 361.
علی التدرومی: 75.
علی بن أحمد الکثیری: 75.
علی بن یوسف الدایری: 108، 175.
علی بن أبی طالب: 119، 238.
علی بن ثور: 123.
علی بن یحیی المسوفی: 140.
علی بن محمد: 140.
أبو علی الملیانی: 166.
علی بن راشد: 179.
أبو عزة بن حمیدة: 231.
علاء الدین: 242.
علی آغا: 253.
العلج علی: 254.
علی بو صبع: 255.
علی بن عبد الرحمن: 109.
علی بن أحمد: 357.
علی أبو الوفاء: 351.
البای علی: 346، 347.
علی بن مصطفی: 281.
عصمان بن إبراهیم: 280، 281.
أبو علام: 277، 286.
أبو عباس العاقل: 194.
عمر آغا: 256، 326.
عمر الزحاف: 198.
عمر بن یحیی الهنتاتی: 137.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 380
عمر بن عبد العزیز: 70، 129، 158، 216.
عمر بن الخطاب: 119، 176، 260.
عمر بن العاص: 260.
أبو العلاء: 156.
عمر بن أبی زکریاء: 157.
ابن أبی عمارة: 158.
أبو عنان: 178، 179.
بن عودة: 276، 278، 280.
عیسی بن مریم: 198.
عیسی بن غریب العربی: 211.
العزیز بن المنصور: 139.
عطیة بن موسی: 186.
- غ- غانیة: 140.
ابن غانیة: 196.
غانیوس و یولیوس: 268.
الشیخ غانم بن یوسف: 84، 85، 86.
الغزالی: 135.
الغازی بن قیس: 142.
- ف- فاطمة: 295.
فاطمة الزهراء: 119.
أبو فارس عزوز: 70، 157، 158، 168، 169، 174، 180، 186، 192.
أبو الفداء: 56، 57، 151، 197.
فرقان الفلیتی: 106، 350.
ألفونسو 12: 268.
ألفونسو 13: 268.
فیردیناند: 215.
فیردیناند 6: 258.
فیردیناند 7: 260، 267.
فیلیب: 215، 257.
فیلیب 2: 227.
فیلیب 3: 227.
فیلیب 4: 227.
فیلیب 5: 235، 256.
- ق- القاسم بن محمد: 159.
قارة باغلی: 338.
قارة الجزائری: 108.
القائم العبیدی: 120.
القباب: 68.
قدور الکبیر بن إسماعیل: 296، 298، 300، 324، 353، 344، 347.
قدور بن علی:، 298، 300.
قدور بن الشریف: 364.
قدور الصغیر: 324.
قدور بن سفیر: 353.
قدور بن المخفی: 362.
الفلجاوی: 79.
القائم أبو دیوس: 156.
قسطنطین بن هرقل: 260.
قلودینوس: 268.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 381
- ک- کارلوس: 216.
کارلوس: 229.
کارلوس‌III : 258.
کارلوس: 260.
کجّک علی: 220.
کوسه محمد: 253.
کعب بن زهیر: 97.
کریستوف کولومب: 199.
- ک- لذریق: 200.
لسان الدین ابن الخطیب: 174، 176.
الولید بن عبد الملک: 200.
الولید بن یزید: 125.
لویس: 235.
- م- المأمون العباسی: 162، 205.
مامی الحاج: 222، 223، 253.
محمد بن قرید: 366.
محمد بن المولود: 262.
محمد الصغیر الغبرینی: 269.
محمد بن عیسی: 270.
محمد الزناقی: 271.
محمد المزاری: 272، 351، 358، 359، 364، 365.
محمد المسراتی: 276، 277.
محمد أبو طالب: 277، 278، 279، 282.
محمد بن زرفة: 277.
محمد بن عودة: 284، 315.
محمد بن یوسف الزیانی: 368.
محمد بن علی الشریط: 286.
محمد الصغیر: 290، 295.
محمد بن الجیلالی القلعی: 298.
محمد بن عثمان: 308.
محمد ولد قدور: 308.
محمد الوهرانی: 95، 324، 338.
محمد المجاهد: 324.
محمد ابن عبد اللّه: 350.
محمد بن الخروبی: 353.
محمد الصادق: 324.
محمد بن یوسف القیروانی: 56.
محمد بن أبی عون: 56، 117، 120، 128.
محمد بن عبدون: 56.
محمد بن عثمان: 64، 181.
محمد بن عبد المؤمن: 81.
محمد بن الهواری: 75.
محمد بن عمر الهواری: 78، 83، 96، 158.
محمد الفاسی: 84.
محمد بن حواء: 86، 90، 106، 284.
محمد بن یحیی: 88.
محمد بن أبی یعزی: 89.
محمد بن خمیس: 97.
محمد بن عثمان الکبیر: 97، 231، 261،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 382
264، 269، 289، 290، 324، 338، 388.
محمد بن البشیر الحریزی: 99.
المشرفی الطاهر: 99.
محمد بن الخیر: 122.
بن محمد صالح: 120، 121.
محمد بن خزر: 122، 128.
محمد بن عبد الرحمن: 129.
محمد المهدی: 129.
محمد بن تنعمر المسوفی: 133.
محمد صالح: 136.
محمد بن واقاق: 139.
محمد بن علی: 141، 189.
محمد بن عبد اللّه: 141.
محمد بن سلیمان: 141.
محمد النفس الزکیة: 141.
محمد اللحیانی: 156.
محمد بن أبی بکر: 158.
محمد بن یوسف: 166.
محمد بن قرید: 108.
محمد الصادق الحمیسی: 106.
محمد بن أقوجیل: 106.
محمد بن الجیلالی: 104.
محمد بن جلول: 104.
ماخوخ الزناتی: 168.
محمد بن ورزیشی: 168.
أبو محمد بن تافراکیش: 177.
محمد أبی أبی ظریف: 189، 192.
محمد بن خولة: 191.
محمد بن أبی تاشفین: 192.
محمد المستعین: 196.
محمد بن غانیة: 196.
محمد بن موسی: 205.
محمد أقدار: 214.
محمد بن داود: 215.
محمد الشریف الزهار: 216.
محمد علی الشریف: 216.
محمد بن یحیی: 218.
محمد الشیخ السعدی: 227.
محمد خوجة: 235.
محمد خان: 243.
محمد بکداش: 246، 275.
محمد خان الأول: 227.
محمود الثانی: 247.
محمد بو شناق: 255.
محمد بن صالح: 254.
محمد الرابع: 246.
محرز بن خلف: 226.
محمد بن الحسین: 285.
محمد البوشیخی: 361.
محمد بن جلال: 356.
محمد بن یحیی: 355.
محمد بن کروف: 354.
محمد بن زکموط: 364.
محمد ولد عبد اللّه: 354.
محمد بن عبد اللّه سقاط: 99.
مصطفی بن التهامی: 102.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 383
محی الدین المختاری: 102، 295، 325، 340.
مراد بک خان: 243.
مراد الثانی: 243.
مراد الرابع: 245.
مراد الخامس: 248.
مروان بن محمد: 129.
ابن مرزوق الحفید: 78، 179.
مزدلی: 132.
المزوار بن غانم: 218.
المسعودی: 75.
أبو مدین شعیب: 78، 87، 144، 216، 227.
مسلم بن عبد القادر: 105، 106، 145، 251، 258، 304، 388.
مسعود الزیاتی: 166.
ابن مسعود: 191.
مصطفی بن إسماعیل: 357، 358، 362.
البای مصطفی: 99، 275.
مصطفی قاید: 277.
مصطفی زرق العین: 277، 280، 282.
مصطفی بن عودة: 278.
مصطفی الأحمر: 278، 279، 280، 282.
مصطفی الدحاوی: 99، 273، 308.
مصطفی بن قرادة: 298.
مصطفی بای: 300، 306، 324.
مصطفی بن عبد اللّه: 30، 324.
مصطفی بن الهاشمی: 104. طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص383
طفی بو الشلاغم: 246، 256، 257، 274، 277.
مصطفی الثانی: 246.
مصطفی خان: 247.
مصطفی باشا: 253.
مصطفی کوسة: 254.
أبو موسی المشدالی: 167.
موسی بن عیسی: 179.
موسی بن صالح: 179.
موسی بن برغوث: 181.
موسی بن خالد: 186.
موسی بن أحمد: 194.
موسی بن نصیر: 199.
موسی آغا: 253.
موسی بن أبی العافیة: 119، 120.
أبو منصور الماثوریدی: 241.
ابن مکی: 176.
ابن میمون: 136.
ابن مطروح: 141، 149.
موسی بن علی العربی: 166.
مفتاح البخاری: 106.
المعتز: 117.
معاشو بن أحمد: 85.
المعز العبیدی: 120، 121، 123، 138.
المنصور بن أبی عامر: 121، 123، 124.
منشد بن سعید: 119.
المنذر بن محمد: 129.
معاویة بن أبی سفیان: 129.
معاویة بن یزید: 129.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 384
منصور بن بلکین: 125.
مناد الصنهاجی: 138.
مندیل المغراوی: 140.
المعز بن الناصر: 138.
أبو مهدی الزنداوی: 218.
أبو مهدی عیسی: 226.
المهدی بن تومرت: 135، 140، 144، 147.
الحاج المرسلی: 325.
مولای علی الجمل: 300.
- ن- الناصر العبدوسی: 134.
الناصر عیاض: 135.
الناصر بن علناس: 138.
نابولیون بونابرت: 267.
نارون: 268.
نزار العبدلاوی: 228.
ابن النصرانیة: 228.
ابن نصابیة: 230.
- ه- ابن هارون: 177.
هشام المؤید: 121، 124، 129.
هشام الراضی: 128.
هشام بن عبد الملک: 129.
هیدور (الشیخ): 67.
هواری إسحاق: 77.
هواری أبو إسحاق: 76.
الهواری (الشیخ محمد بن عمر): 68، 73، 78، 83، 96.
- و- واضح بن عثمان: 126، 164.
وادفل بن عبو: 186.
وزمار بن عریف: 115، 178، 179.
الوازعی أبو إسحاق: 77.
بن ونان: 310.
- ی- أبو یحیی زکریاء: 81، 194.
یحیی بن تومرت: 136.
یحیی بن محمد: 140، 157.
یحیی بن إبراهیم: 157.
یحیی السائح: 157.
یحیی الحمی: 157.
یحیی بن داود: 179.
بن یبقی سیدی محمد: 82.
یزید بن معاویة: 129.
یعلی بن محمد: 121، 122، 123، 124.
یعقوب المنصور: 150.
یعقوب بن علی: 117.
أبو یعزی العربی: 89، 145.
یوسف بن تاشفین: 120، 121.
یوسف بن قریون: 62.
یوسف الشریف: 85.
یوسف بن تاشفین: 121، 128، 131، 135، 139، 140.
یوسف بن زیری: 132.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 385
یوسف بولکین: 138.
یوسف بن عبد المؤمن: 147، 149.
یوسف الغفاری: 162.
یوسف بن خزرون: 163.
یوسف المرینی: 165.
یوسف بن یعقوب: 166، 176.
یوسف الناصر: 175.
یوسف بن منصور: 177.
یوسف المسراتی: 171، 282.
یغمراسن الزیانی: 154، 162، 175.
الیفرینی: 152، 211.
یونان بن یافث: 198.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 386

فهرس القبائل و الجماعات‌

- أ- آل عثمان: 243، 336.
آل زیان: 175.
الأتراک: 115، 158، 195، 223، 226، 228، 231، 232، 289، 308، 348، 368.
الأثبج: 127.
أزدیجة: 128.
الأحرار: 272.
الأغزاز: 148.
الألبیریون: 198.
الإغریقیون: 207.
الإسبانیون: 217، 228، 246، 247، 257، 258، 266، 276، 280.
الأکراد: 241.
الأدارسة: 117، 130، 160.
الأمویون:، 115، 123، 128.
الإنجلیز: 197.
الأندلسیون: 198.
أوربة: 148.
الأوس و الخزرج: 241.
بنو أمیة: 124.
بنو إسرائیل: 199.
بنو الأحمر: 62.
أولاد حمدان: 212.
أولاد حمزة: 176.
أولاد بلیل: 194، 302.
أولاد عریف: 181.
أولاد سیدی أحمد: 110.
أولاد علی: 212، 229، 231.
أولاد عبد اللّه: 212، 229، 230.
أولاد عابد: 272.
أولاد عیاد: 272.
أولاد عربی: 274.
أولاد الأکرد: 272.
أولاد نصیف: 272.
أولاد بالغ: 272.
أولاد الشریف: 272.
أولاد المیمون: 272.
أولاد سلیمان: 229، 231، 297.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 387
أولاد سیدی محمد بن یحیی: 359.
أولاد رحو: 358، 359.
أولاد علان: 322.
أولاد بلبشیر: 111.
- ب- البرامکة: 337.
البربر: 148، 188.
البرجیة: 228، 232، 272، 273، 321، 356.
البلکانیة: 310، 311، 332، 362.
- ت- التاشفینیون: 139.
التتار: 241، 242.
الترک: 227، 235، 240، 251، 269، 304، 306، 354، 355، 363.
الترکمان: 241.
التوارق: 131.
توجین: 177، 178، 179، 284، 355.
- ث- الثعالبة: 194.
- ج- الجرکس: 241.
الجعافرة: 272.
- ح- الحشم: 146، 228، 354، 355، 356، 357، 362.
حصین: 194.
حمیان: 229، 232، 272.
بو حفص: 156، 176، 181.
بنو حمامة: 115.
- خ- بنو خزر: 117، 133، 221، 241.
خزریون: 128، 240.
- د- الدوایر و الزمالة: 108، 274، 321، 356، 359، 362.
- ذ- الذواودة: 177، 215.
- ر- الراشدیة: 63، 162، 165، 218.
الروس: 241.
الروح: 174، 198، 267.
- ز- بنو زیان: 74.
بنو زروال: 87، 302.
زواوة: 160، 166.
بنو زطاط: 132.
- س- السلاجقة: 242.
سوید: 74، 231.
السبنیول: 197.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 388
- ش- شافع: 212، 229.
بنو شقران: 229، 272، 311، 321، 356، 362.
- ص- الصقالبة: 240.
صنهاجة: 131، 138، 139، 140، 141، 148.
- ع- بنو عامر: 84، 179، 181، 190، 211، 212، 229، 272، 321، 324، 325، 362، 367.
بنو عطیة: 123.
بنو عبس: 144.
بنو العیش: 160.
بنو عبد المؤمن: 162.
بنو و عزان: 272.
عبد الواد و بنو عبد الواد: 115، 162، 169، 173، 177، 178، 179، 189.
عریب: 307، 321، 322.
العبیدیون: 272.
- غ- غمارة: 150.
غمرة: 212، 229.
بنی غدو: 74.
- ف- الفاطمیون: 119، 130.
الفرانسیس: 115، 140، 156، 200.
الفرنج: 134، 208، 240، 245، 268.
الفندال: 198.
الفینیسیون: 198.
فلیتة: 274، 283، 362.
- ق- القرطاجنیون: 198.
القطلان: 200.
القوط: 199.
قیزة: 212، 229.
قیس بن عیلان:، 244.
- ک- کتامة: 121، 156.
کریشتل: 229، 231.
کومیة: 147.
- ل- اللاتینیون: 206.
لمتونة: 139، 141.
بنی لومی: 168.
- م- الموحدون: 115، 136، 137، 140، 141، 147، 148، 150، 156، 166، 177، 231.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 389
المرابطون: 115، 136، 139، 140، 141، 239.
المروانیون: 117، 120، 122، 123، 128.
الملثمون: 115، 139.
المصامدة: 141، 148، 150.
بنو مرین و المرینیون: 156، 163، 174، 188، 189.
بنو مطهر: 162، 272.
بنو مزغنة: 134، 259.
بنو مناد:، 340، 342، 344.
بنو مریانن: 342.
بنو مسفن و مسرفین: 76، 117.
مغراوة: 55، 56، 110، 115، 123، 133، 148، 166، 177، 178، 179، 181، 201.
مضر: 166.
مدیونة: 168.
- ن- بنو النظیر: 266.
النفار: 200.
نفزة: 56.
- ه- الهلالیون: 128.
هبرة: 228، 232.
هوارة: 195.
- و- الونازرة: 228.
بنی واتیل: 201.
بنی وراغ: 85.
بنی وامانو: 169.
بنی مطاط: 181.
- ی- یاجوج و ماجوج: 240.
بنی یزناسن: 133، 175، 193، 345، 365.
بنی یفرن: 117، 121، 133.
یغمراسن: 192.
الیهود: 62.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 390

فهرس الأماکن الجغرافیة

- أ- الأغواط: 230.
أرزیو: 108، 232، 235.
أشبونة: 135، 150، 197.
أشیر: 138.
إشبیلیة: 147، 148، 149، 151، 199.
أزمور: 156، 201.
أرض الروح: 242.
أرقون: 200.
أرض النوبة: 203.
إسبانیا: 177، 204، 256، 219، 223، 267.
الإسکندریة: 158، 188، 260.
أسوان: 203.
آسیا: 204.
إستوریا: 200.
اسطنبول: 285.
أدرنة: 243.
إفریقیا: 115، 138، 146، 147، 148، 150، 156، 162، 175، 176.
إیفیکان:، 120، 121.
أقادیر: 164، 179.
أوروبا: 199، 204.
أمریکا: 199، 204.
أمریکا الجنوبیة: 199.
الإیالة الغربیة: 64، 265، 277، 336.
أوقیانیا: 204.
الأندلس: 56، 115، 117، 120، 121، 122، 125، 134، 135، 138، 139، 140، 148، 151.
- ب- بحر النیل: 139، 140.
بحر البلطیک: 199.
بابل: 204.
البحر المحیط: 135، 202.
باب الواد: 221، 222.
باب الجزیرة: 222.
باب عزون: 222.
بجایة: 135، 138، 139، 140، 153،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 391
156، 165، 184، 188، 194، 221، 250.
البحر المتوسط: 134، 201.
البحر الرومی: 201.
بخاری: 241.
برج الیهودی: 211.
برج المرسی: 62، 221، 226، 232.
برج مرجاج: 59، 293.
برج الحمارات: 62، 232.
برج رأس العین: 62، 229، 293.
برج الفنار: 221.
برج الترک: 276.
برج الأمحال: 276.
برج لویس: 293.
برج فیرناندو: 293.
برج کارلوس: 293.
برج الأحمر: 295، 298.
برقة: 146، 147.
برشک: 165، 193.
برشلونة: 197، 201.
بسکرة: 119.
البصرة: 123.
البطحاء: 21، 122.
بغداد: 134، 244، 245.
البرتغال:، 205.
بروسیا: 243.
بلاد العدوة: 175.
بلد النامسة (النمسا): 199.
بلنسیا: 200.
بلاد درعة: 201.
بلخ: 242.
البلیدة: 298، 308.
بلاد الترک: 338.
بلاد الیعقوبیة: 367.
بنزرت: 202.
- ت- تاهرت: 117، 121، 122، 140.
تادلس: 186.
تاغیة: 179.
تافنة: 324.
تاوریرت: 186.
تافیلالت: 169.
تازة: 189.
تاجرة: 138.
تازة: 170، 175.
تاکدمت: 304.
التبت: 184.
ترکیا: 279.
تمانتفوس: 225.
تلمسان: 70، 78، 117، 123، 124، 125، 132، 133، 136، 144، 156، 172، 173، 175، 176، 179، 180، 186، 192، 219، 271، 272، 281، 282، 283، 284، 285، 287، 323، 365.
تنس: 134، 160، 165، 179، 193، 194.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 392
توزر: 177.
تونس: 70، 78، 119، 156، 165، 176، 177، 178، 192، 202، 205، 226، 246، 261، 267، 270، 282، 323.
تیطری: 188، 269.
تینملل: 149.
- ث- ثنیة ماخوخ: 85.
ثنیة تیزی: 186.
ثنیة المد: 272.
ثنیة بلوزیر: 186.
- ج- جامع الباشا: 295.
جبل تاجرة: 143.
جبل هیدور: 59، 87، 137، 212، 227، 231.
جبل غمرة: 59.
جبل تیطری: 138.
جبل عجیسة: 138.
جبل مرجاجو: 59، 62.
جبل ماخوخ: 84.
جبل قیزة: 120، 212.
جبل الفتح: 146.
جبل البیرینی: 198.
جبل بنی ورنید: 163، 186، 196.
جبل طارق: 198.
جبل راشد: 201.
جبل خیاشة: 201.
جبل الثلج: 202.
جبل درن: 201.
جبل زیان: 188.
جبل المایرة: 282.
جبل سیراط: 212.
جبل تازة: 201، 336.
جدیویة: 324.
جزیرة کورسیکا: 119.
الجزیرة الخضراء: 148، 149، 174، 189.
جزیرة کوبا: 199.
جزیرة العرب: 205.
الجرید: 156.
الجیزة: 306.
جرجرة: 160.
جون تامانتفوست: 222، 223.
- ح- الحراش: 258.
حجر بادیس: 226.
الحجاز: 144.
حلب: 242، 244.
حماة: 56، 57.
الحامة: 223.
حمام بو عزارة: 288.
الحنایة: 353.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 393
- خ- خراسان: 150.
خصیبیة: 294.
خنق النطاح: 294.
- د- دانمارک: 204.
دللس: 189.
دمشق: 69، 129، 149، 150، 200.
- ر- رأس تافورة: 224.
رباط الفتح: 147.
رباط وهران: 137.
الراشدیة: 104.
رشقون: 117.
ریغة: 182.
رأس العین: 266.
- ز- الزاب: 119، 156، 177، 182.
زبوج مولای إسماعیل: 228.
زفیزف: 354.
- س- سبتة: 61، 123، 140، 163، 148، 199.
السرسو: 214.
سعیدة: 215.
السودان: 131، 200.
السند: 204.
السمار: 359.
السوس الأقصی: 135، 146، 147، 201.
سیدی البشیر: 90.
سیجیلماسة: 123، 124، 135، 167، 175، 174.
سیف: 184، 228، 306، 310.
سیراط: 134.
سویسرا: 205.
سد أرمینیا: 214.
سیدی لخضر: 212.
سیدی مبارک: 212، 310، 311.
سیدی داود: 310.
سلا: 147، 148.
- ش- شاطبة: 201.
الشاح: 69، 134، 151، 203، 204، 244.
شریس: 148، 201.
شلف: 134، 140، 166، 186، 201، 230، 277.
- ص- صقلیة: 201، 258.
الصین: 241، 266.
- ط- طرابلس: 153، 159، 177، 205، 244، 249، 270.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 394
طرطوشة: 136، 201.
طلیطلة: 199، 209.
طنجة: 132.
- ع- العراق: 134.
العباد: 195.
عوینت الزیتون: 212.
عین الربط: 273.
العرایش: 227.
عین ماضی: 290، 328.
العرقوب: 286.
- غ- غابة مولای إسماعیل: 310.
غالیسیا: 200.
الغزوات: 284.
غرناطة: 136، 139، 145، 200.
غریس: 63، 247، 277، 300، 306، 328، 354، 355، 357.
غمرة: 82، 86، 148.
غیلیزان: 184.
- ف- فاس: 68، 120، 123، 148، 166، 177، 189، 192، 209، 254.
فرطاسة: 303.
فروحة: 356.
فرنسا: 198، 205.
فلیتة: 356.
- ق- قابس: 140، 177.
قادس: 201.
قرطبة: 119، 121، 122، 123، 124، 135، 136.
قسنطینة: 166، 193، 258، 268، 270، 277.
قشتالة: 174.
قفصة: 148، 177.
قعر الصخرة: 174.
القدس: 65، 123.
القاهرة: 60.
القلعة: 138، 271، 274، 277، 279، 282، 298.
قلعة خولان: 148.
قلعة جابر: 147.
قصبة القلعة: 276.
قلعة مرجاجو: 228.
قصبة طانجة: 175.
قصبة وهران: 187.
قسنطینة: 166، 193، 258، 268، 270، 277.
القسطنطینیة: 241، 243، 251.
قرمان: 242.
قرطاجنة: 198.
قدیل: 232.
قونیة: 242.
القیطنة: 328.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 395
- ک- کاتالونیا: 200.
الکرط: 357.
کدیة الخیار: 229.
کدیة الصابون: 223.
کریشتل: 212.
مالقة: 201.
مازونة: 125، 134، 165، 229، 246، 270، 271، 274، 335، 336.
المدیة: 138، 165، 179، 181، 186، 194، 270، 336.
مدرید: 197، 200.
المدینة الجدیدة: 90.
مرسی وهران: 56، 281.
المرسی الکبیر: 67، 137.
المدینة المنورة: 78، 115، 266.
مراکش: 131، 135، 136، 139، 140، 147، 148، 149، 150، 156، 163، 176، 205.
مرسیة: 200.
مرجاجو: 298.
مدغوسة: 336.
مزاب: 290.
مزغران: 181، 212.
مرسی الجزائر: 249.
مسراته، 75.
مستغانم: 85، 98، 125، 181، 195، 257، 258، 271، 276، 277، 278.
المسیلة: 119، 124، 184.
مسرفین: 228.
مشرع حسین: 357.
مصر: 60، 67، 95، 99، 134، 157، 202، 204، 244، 270.
المحیط الغربی (الأطلسی): 201.
المطمر: 85.
معسکر: 102، 110، 256، 261، 271، 274، 280، 285، 286، 294، 304، 337، 349، 355، 356، 357، 358، 360.
المقطع: 228.
مقبرة سیدی الغریب: 91.
متیجة: 194.
المغرب: 78، 120، 121، 131، 132، 133، 135، 142، 143، 146، 147، 150، 169، 175، 176، 180، 192، 230، 251، 254، 302.
المغرب الأوسط: 117، 120، 122، 124، 131، 138، 139، 140، 156، 229، 247، 270، 336.
المغرب الأقصی: 117، 130، 139، 156، 227، 267، 270.
المشرق: 128، 180، 241، 368.
مکناسة: 148، 181.
مکرة: 181.
ملیانة: 74، 125، 138، 140، 166، 179، 181، 189، 194، 347، 360.
مملکة إسبانیا: 235.
ملیلیة: 209.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 396
مکة: 78.
مملکة المغرب الأقصی: 192.
مملکة غمارة: 196.
المنصورة: 165، 176، 262.
المهدیة: 153، 158.
میورقة: 140، 201.
مینورقة: 201.
- ن- ندرومة: 162، 176، 178، 226.
الناظور: 222.
النرویج: 204.
نفوسة: 139.
نهر برو: 202.
نهر ملویة: 201.
نهر النیل: 202.
نهر دجلة و الفرات: 202، 242.
نهر سیحون و جیحون: 202.
- ه- الهند: 134، 200، 204.
هنین: 143.
هولاندا: 205.
- و- و انشریس: 134، 158، 165، 182، 194.
وجدة: 133، 163، 175، 176، 186، 196، 272. طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص396
د مکرة: 354.
واد الحمام: 357.
والد الخیر: 336.
واد تافنة: 322.
واد یلل: 325.
الواد المالح: 314.
واد مینا: 304، 314.
واد العبد: 301، 304.
واد زهور: 300.
واد تلیلات: 261، 262.
واد الهایج: 73.
واد فروحة: 88.
الواد المبطوح: 106.
واد نون: 146.
واد رهیو: 163.
واد تلاغ: 169، 170.
واد الشلف: 179.
واد سلی: 163، 179.
واد ملال: 180.
واد زرقون: 182.
الواد الکبیر: 201.
واد هبرة: 214.
واد الحمام: 214، 215.
واد سیف: 214.
واد فرقوق: 215.
واد الحراش: 225.
واد تخمارت: 215.
ورفلة: 182.
وهران: 55، 60، 67، 69، 78، 86، 87، 89، 90، 91، 104، 108، 109،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 397
115، 120، 121، 123، 124، 125، 133، 135، 136، 142، 143، 156، 162، 168، 176، 177، 178، 189، 209، 211، 226، 227، 262، 264، 270، 271، 274، 280، 281، 383، 285، 295، 300، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 310، 312، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 342، 343، 345، 346، 347، 355، 357، 360، 367، 364، 366.
- ی- یابسة (جزیرة): 204.
یسر: 354.
الیونان: 205.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 398

فهرس الکتب‌

- أ- أثمد الأبصا: 69، 76، 88، 84، 88.
الأخبار الجالیة فی أخبار الدولة المرابطیة: 140.
أخبار إفریقیة و تونس: 158.
أنیس الغریب و المسافر: 105، 145، 289، 297، 296، 300.
الأنیس المطرب: 142: 137، 136، 144، 174.
- ت- تحفة الناظر: 149.
ترجمان البحر: 173.
- ج- جواهر الأسرار: 69، 76، 83، 88.
جواهر الاختصار و البیان: 86.
- ح- الحلل السندسیة: 57.
حسن المحاضرة: 60.
- خ- الخبر المعرب: 57، 58، 143، 152، 175، 241، 270.
الخریدة: 202.
- د- در الأعیان: 296، 297.
دلیل الحیران: 57، 58، 64، 67، 95، 115، 136، 137، 200، 206، 248، 266، 300، 304، 349، 368.
الدرر المکنونة: 58.
دوحة الناشر: 249.
- ر- روض السلون: 58.
رجز الحلفاوی: 56، 63، 221، 239، 246.
رقم الحلل: 142، 172، 176.
روض القرطاس: 143.
- ز- زهرة الشماریخ: 181، 199، 250.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 399
زهر البستان: 187.
- س- السهو و التنبیه: 69.
السینیة: 293، 256، 257.
سبائک الذهب: 248.
- ص- صحیح البخاری: 190.
- ع- عجائب الأخبار: 57، 58، 136، 137، 143، 151، 158، 250، 251.
عجائب الأسفار: 56، 58، 71، 88، 119، 165، 175، 180، 187، 192، 206، 229، 250.
العجالة: 161.
عقد الجمان النفیس: 88.
عقد الأجیاد: 95.
- غ- غرائب الأخبار: 229.
- ف- فتح وهران: 63، 99، 295، 300.
فتح الاله و منته: 338.
- ق- قلادة الجواهر: 248.
القول الأوسط: 251.
- ک- کتاب الحاوی: 162، 156.
کتاب الإشارة: 190.
کتاب الشفاء: 190.
کتاب اللباب: 61.
کشف النقاب: 111.
- ل- اللامیة: 74.
- م- المختصر: 56، 57.
مختصر الشیخ خلیل: 78.
المدونة: 146.
- ن- نظم الدر و العقیان: 161، 190.
نظم السلوک: 187.
- و- وفیات الأعیان: 58.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 400

فهرس الخرائط

- خریطة وهران و المرسی الکبیر و المنطقة الغربیة الوهرانیة 210
- خریطة الأنفاق الأرضیة لمدینة وهران خلال الاحتلال الإسبانی 234
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 401

فهرس الموضوعات‌

تقدیم و توضیح 5
تمهید فی التعریف بمخطوط طلوع سعد السعود 13
أقسام المخطوط و تاریخه 15
محتویات المقاصد الخمسة 17
بعض الملاحظات حول محتوی المخطوط 33
هل مخطوط طلوع سعد السعود من تألیف المزاری 38
طلوع سعد السعود فی أخبار وهران و مخزنها الأسود 49
المقصد الأول فیمن بنی وهران 53
المقصد الثانی فی ذکر بعض أولیائها 65
المقصد الثالث فی ذکر بعض علمائها 93
المقصد الرابع فی ذکر دولها 113
الدولة الأولی مغراوة 115
الدولة الثانیة الشیعة الفاطمیون 119
قائمة حکام وهران 128
قائمة الخلفاء الأمویین 129
قائمة خلفاء الشیعة الفاطمیین 130
قائمة ملوک الأدارسة بالغرب الأقصی 130
قائمة ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط 131
الدولة الثالثة المرابطون 132
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 402
قائمة ملوک صنهاجة 138
الفرقة الأولی البلکانیة 138
الفرقة الثانیة المرابطون 139
الفرقة الثالثة الغانیة (بنو غانیة) 140
الدولة الرابعة الموحدون 142
قائمة ملوک الموحدین 153
الدولة الخامسة الزیانیون 159
الدولة السادسة المرینیون 168
عودة وهران لدولة بنی زیان 178
عودة وهران للدولة المرینیة 180
عودة وهران للدولة الخامسة الزیانیة 181
عودة وهران للدولة السادسة 189
عودة وهران للدولة الخامسة 189
الدولة السابعة الأسبان 197
أنهار الشمال الإفریقی و العالم 201
جبال العالم 203
موقع إسبانیا و الأقالیم الأرضیة 204
محیط الدائرة الأرضیة 205
أصل الإسبان 206
قائمة ملوک الإسبان 208
غزو المرسی الکبیر و وهران 211
غارات الإسبان علی أحواز وهران 212
غارات الإسبان علی تلمسان و معسکر 217
غارات الإسبان علی مدینة الجزائر 220
حملة شارلکان الکبری علی مدینة الجزائر عام 1154 220
حملة الإسبان علی تونس عام 1535 226
معرکة کدیة الأخیار و استشهاد الدای شعبان 229
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 403
حملة السلطان إسماعیل علی وهران 231
قائمة الملوک الوطاسیین و السعدیین و العلویین 232
منشآت الإسبان بوهران 233
التحریر الأول لوهران عام 1718 235
الدولة الثامنة الترک 240
نسل الأتراک و سلاطینتهم 241
أسباب قدوم الأتراک إلی الجزائر 249
قائمة الحکام الأتراک بالجزائر 251
عودة وهران لحکم الدولة السابعة الإسبانیة 256
التحریر الثانی و النهائی لوهران و المرسی الکبیر 260
من اخترع البارود 266
تتمیم لملوک الإسبانیین 267
قائمة أباطرة الرومان 268
عودة وهران لحکم الدولة الثامنة الترکیة و الألقاب و الرتب الترکیة 269
بایلیکات الجزائر و أقسامها 270
بایلیک الغرب الوهرانی 270
طبیعة حکم البایات و موظفوهم و نوابهم 271
أقسام بایلیک وهران الستة 274
البای مصطفی بوشلاغم المسراتی 274
البای یوسف المسراتی 278
البای مصطفی الأحمر المسراتی 278
البای محمد أبو طالب المجاحی المسراتی 279
الباب مصطفی قائد الذهب المسراتی 280
فضل البایات المسراتیة 282
البای الحاج عثمان 282
البای حسن 285
البای إبراهیم الملیانی 285
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 404
البای الحاج خلیل 287
البای محمد بن عثمان الکبیر 289
منشآت البای محمد بن عثمان بوهران و معسکر و البرج 293
الباب عثمان بن محمد 298
ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوی 299
البای مصطفی العجمی و ثورة درقاوة 300
أسباب ثورة درقاوة 301
معرکة فرطائة و نتائجها 304
البای محمد بن عثمان المقلش و حروبه مع الدرقاوی 308
ظهور الدرقاوی من جدید و اختفاؤه 312
ظهور الدرقاوی مرة أخری و اختفاؤه 316
عودة الدرقاوی للظهور 324
نهایة البای المقلش المحزنة 325
البای مصطفی العجمی و حروبه مع الدرقاوی 326
البای محمد بن عثمان الرقیق و المسلوخ أبو کابوس و حروبه مع الدرقاوی 328
أعراش المخزن الوهرانی الخمسة 331
نهایة البای بوکابوس المحزنة 333
خروج البای من وهران فی طریقه إلی تونس و عصیانه 335
عمر آغا یقتل البای بوکابوس و ینصب البای علی قارة باغلبی 336
أبو راس یرثی البای بوکابوس 337
البای علی قارة باغلی 338
نهایة البای علی قارة باغلی 346
البای حسن بن موسی الباهی 347
سیاسة البای حسن و سلوکه 349
وفاة أبی راس الناصر بمعسکر 349
ثورة أحمد التیجانی 352
تآمر الحشم مع التیجانی ضد البای حسن 355
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 405
محمد التیجانی یهاجم مدینة معسکر 356
البای حسن یذهب لمعسکر لمحاربة التیجانی 357
المعرکة الفاصلة و مقتل التیجانی 359
حصول القحط و غلاء الأسعار 360
سجن الشیخ محیی الدین بوهران 361
حملته علی الشیخ بلقندوز التیجانی و قتله 362
الهجوم علی قبائل الأحرار و عقابهم 367
رأی محمد بن یوسف الزیانی فی الأتراک 368
أغوات البای حسن 369
الفهارس العامة 371
فهرس الأعلام 373 فهرس القبائل و الجماعات 386
فهرس الأماکن الجغرافیة 390
فهرس الکتب 398
فهرس الخرائط 400
فهرس الموضوعات 401

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.