صورة الأرض المجلد 1

اشارة

نام کتاب: صورة الارض
نویسنده: ابن حوقل، محمد بن حوقل
موضوع: جغرافیای عمومی
زبان: عربی
تعداد جلد: 2
ناشر: دار صادر
مکان چاپ: بیروت
سال چاپ: 1938 م
نوبت چاپ: دوم‌

[الجزء الاول]

مقدّمة القسم الأوّل‌

قد رأینا أن نضع مقدّمة کاملة فی القسم الثالث من طبعة کتاب ابن حوقل الحاضرة تحتوی أیضا علی فهرس الأسماء و علی بعض الإشارات اللغویّة فنکتفی هنا بما لا بدّ منه من التنبیهات، اعتمدنا فی هذه الطبعة علی نسخة واحدة و هی النسخة المرقومة 3346 بخزانة السرای العتیق فی استنبول و قد نسخت فی سنة 479 الهجریّة المقابلة لسنة 1086 المیلادیّة، و ما یوجد فیها من نصّ کتاب ابن حوقل هو یخالف نسختی خزانتی (لیدن) و (اوکسفورد) اللتین اعتمد الأستاذ (ده غویه‌de goeje ) علیهما فی الطبعة الأولی فی الجزء الثانی من (نشریّات جغرافیّی العرب‌bibliotheca geographorum arabicorum ) المطبوعة فی (لیدن) سنة 1873، کما استعمل (ده غویه) أیضا فی طبعته النسخة العربیّة المرقومة 2214 فی المکتبة الأهلیّة (باریس) و أطلق علیها فی طبعته اسم الموجز الباریسیّ (epitome parisiensis) و هو مختصر نصّ النسخة الاستنبولیّة المذکورة إلّا أنّه توجد فیها عدّة إضافات عن الفترة الواقعة بین سنة 534 ه. و سنة 580 ه. (1139 م.- 1184 م.)، فیکون إذا تحت تصرّفنا ثلاث نصوص متباینة هی (1) النصّ الموجود فی النسخة الاستنبولیّة التی اعتبرناها مصدرا لهذه الطبعة الثانیة و (2) النصّ الموجود فی الطبعة الأولی التی نشرها (ده غویه) و (3) النصّ المختصر المذکور آنفا، و سنذکر فی المقدّمة الکاملة بعض النسخ الأخری المحتویة علی النصّین الأوّل و الثالث مع مقارنة جمیع تلک النسخ و سرد ما بینها من الاتّفاق و الاختلاف، و أمّا النصّ الثانی فمعرفتنا به کافیة من طبعة ابن حوقل الأولی حیث یتیسّر للباحث مقارنة الاختلافات الصغری بها دون إعادة نقلها هنا،
صورة الأرض، المقدمة، ص: 2
و ممّا یدلّ علی عظم شأن النصّ الأوّل أنّه یوجد فیه بعض قطع غیر معلومة الی الآن من قلم ابن حوقل و هی تتعلّق خاصّة بوصف القسم الغربیّ من مملکة الإسلام کما ورد فی بلاد البجة و تأریخهم و فی تعداد أکثر من مائتی قبیلة من قبائل البربر و فی الوصف المطوّل فی أحوال صقلّیة و فی صفة الواحات إذا استثنینا عدّة إضافات قصیرة و أمّا القسم الشرقیّ فقد جاءت به فقرة غیر معلومة الی الآن فی وصف مدینة اصبهان، و یوجد بالعکس فی النصّ الثانی بعض الفقرات التی لا أثر لها فی النصّ الأوّل من أهمّها الخبر عن ابتداء أسفار المؤلّف فی مقدّمة الکتاب و الفقرات المختصّة ببعض الخلفاء الفاطمیّین و الخبر الوارد فی آخر صفة السند عن ملاقاة المؤلّف لأبی إسحاق الفارسیّ و محاورتهما فیما کانا قد رسماها من الصور، و قد أدخلنا الفقرات الزائدة المختصّة بالنصّ الثانی فی متن النصّ الأوّل بین قوسین مربّعین []، فإذا تحتوی هذه الطبعة الثانیة علی کلّ ما هو معلوم الآن من مادّة کتاب ابن حوقل فتصبح الطبعة الحاضرة متکافئة مع الطبعة الأولی التی نقدت منذ زمن طویل، و قد وضعنا بالهامش أرقام صفحات الطبعة الأولی و أضفنا أیضا بعض الفقرات المنسوبة الی ابن حوقل فی مؤلّفات أخری أورد فیها نصّ هو علی ما یظهر أکمل من النصّ الموجود فی النسخ المعروفة، و قد قابلنا عند الحاجة أحیانا نصّ الإصطخریّ کما فعله أیضا ناشر الطبعة الأولی، و أدرجنا کذلک فی هذه الطبعة ما یوجد من الإضافات فی النصّ الثالث المختصّ بالقرن السادس الهجریّ، و هی التی کان الأستاذ (ده غویه) قد أدرجها فی الحواشی التی بأسفل الصفحات من طبعته و ما یختصّ منها بالمائة صفحة الأولی فی الحواشی الباقیة التی جاءت بص. 432- 435 من الجزء الرابع لنشریّات جغرافیّی العرب (لیدن 1879)، إلّا أنّه یظهر الآن أنّ کثیرا من هذه الإضافات تتعلّق أصلا بالنصّ الأوّل الموجود فی النسخة الاستنبولیّة،
صورة الأرض، المقدمة، ص: 3
و أمّا باقی هذه الإضافات فینسب أکثرها الی زمان المختصر علی ما قرّره ناقله فی أکثر الأحوال تقریرا صریحا مع ضبط التواریخ، و لا یبقی إلّا فقرات قلیلة یرتاب فیما إذا کان من الممکن نسبتها الی النصّ الأوّل أو الثالث، و قد أدرجنا إضافات النصّ الثالث فی متننا بحروف صغری بین قوسین مربّعین [] أیضا، و فصّلنا الأبواب المحتوی کلّ واحد منها علی صفة إقلیم واحد فی عدد من القطع و هذا التفصیل غیر راجع الی متن الأصل الذی من أضعف خاصّیّاته ضبط علامات الوقف (،)، و قد رتّبت هذه القطع علی أساس محتویات النصّ المادّیّة و أیضا بمقابلة نصّ الاصطخریّ حتّی یمکننا بذلک الترتیب فهم العلاقات الموجودة بین نصوص تألیف ابن حوقل المختلفة و کذلک بین هذه النصوص و بین نصّ الاصطخریّ، و مع ذلک نرجو أن یسهّل ذلک التفصیل استعمال الطبعة الحاضرة، إنّه یوجد فی معظم نسخ الاصطخریّ و ابن حوقل من الصور التی لا بدّ منها فی إدراک معنی المتن کما لا بدّ من المتن فی إدراک الصور، و بناء علی ذلک أدخلنا فی هذه الطبعة کلّ الصور الموجودة فی النسخة الاستنبولیّة فی شکل رسوم تخطیطیّة و أدخلنا کذلک فی المتن بعد کلّ واحد من التنبیهات المشیرة الی صورة إقلیم فصلا یوضح فیه ما یوجد فی تلک الصورة من الأسماء و النصوص و کثیر من تلک الأسماء لا یوجد فی المتن نفسه، فأمکننا بهذه الطریقة إدراج تلک الأسماء فی فهرس الأسماء فی آخر الکتاب بالإشارة الی الصفحات التی فیها إیضاح الصورة، و لا توجد صور خصوصیّة للأندلس و لصقلّیة إذ کانت هذه الأقالیم داخلة أوّلا فی صفة بلاد المغرب، و قد ضبطنا الأسماء الموجودة فی الصور و کذلک الأسماء الواردة فی المتن علی قواعد متشابهة و هی أنّا اعتنینا فی کلّ موضع بضبط الهجاء و تصحیح الأخطاء الظاهرة، و قد أشرنا فی کلّ موضع فی الحواشی الی ضبط الأصل کما أظهرنا فیها أیضا الضبط الموجود فی الطبعة الأولی
صورة الأرض، المقدمة، ص: 4
إذا خالفناها، فأمّا ما یوجد فی النسخ السائرة من الروایات العدیدة التی قد طوّلت حواشی بعض الصفحات فی طبعتی الاصطخریّ و ابن حوقل المتقدّمتین تطویلا مفرطا فلم نورد منها إلّا ما استدعی إیراده سبب خاصّ، فلا تزال الاستفادة من اختلافات النسخ المشار الیها فی کلّ موضع من الطبعتین المتقدّمتین لازمة إلّا أنّنا رأینا تأخیر بیان سبب ضبطنا الی حین ترجمة المتن و شرحها، و المؤلّفات الأخری التی استشهدنا بها فی بعض الأحیان هی منقولة عن الطبعات المشهورة و سنورد جدولها فی المقدّمة الکاملة، و نقلنا آیات القرآن عن طبعة (فلوغل‌flugel ) الثانیة (لیبسیک 1906)، و الاصطلاحات و الاختصارات المستعملة فی الحواشی کما هو آت:
الأصل النسخة المرقومة 3346 فی خزانة السرای العتیق باستنبول، حط طبعة ابن حوقل الأولی فی الجزء الثانی من نشریّات جغرافیّی العرب، حل نسخة ابن حوقل التی فی خزانة الجامعة (لمیدن)، حو نسخة ابن حوقل التی فی خزانة (البدلیانةbodleiana ) (اوکسفورد)، حب النسخة الباریسیّة المحتویة علی النصّ الثالث المختصر من ابن حوقل، صط طبعة الاصطخریّ فی الجزء الأوّل من خزانة جغرافیّی العرب، قطعة قسم من الأقسام التی انقسم الیها کلّ باب، فقرة قسم من المتن هو أقصر من قطعة،
صورة الأرض، المقدمة، ص: 5

فهرس القسم الأوّل‌

المقدّمة ص. 2 صورة الأرض 5 دیار العرب 18 بحر فارس 42 المغرب 60 الاندلس 108 صقلّیه 118 مصر 132 الشأم 165 بحر الروم 190 الجزیرة 207 العراق 231
صورة الأرض، ج‌1، ص: 1

لابن حوقل النصیبیّ کتاب صورة الأرض

وصفة أشکالها و مقدارها فی الطول و العرض و أقالیم البلدان و محلّ الغامر منها و العمران من جمیع بلاد الإسلام بتفصیل مدنها و تقسیم ما تفرّد بالأعمال المجموعة الیها،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 2

[المقدمة]

بسم الله الرّحمن الرّحیم (1) الحمد للّه المحمود بنعمه المشکور علی آلائه و قسمه و صلّی اللّه علی خیر خلقه محمّد و أبرار عترته و سلّم، (2) أمّا بعد فإنّ أحقّ من رقی الی المکارم فحلّ منها فی الذروة و سما الی الرغائب فلذّ منها بالصفوة من قدّمته خلائقه و فضّلته سوابقه و أصبح و مناویه مخصوم و ثانیه معدوم و المستسلم الیه آمن و المتمسّک بحبله ساکن و اللاجئ الیه موفّق و المثنی علیه مصدّق فهو للعلم و أهله حلیف و بالأدب و المعتزی الیه خصیص شریف قد رسخت فیهما أعراقه و وشجت و انتسجت بهما همّه و أخلاقه ذاک أبو السریّ الحسن بن الفضل بن أبی السریّ الاصبهانیّ سلیل السراة و شهاب الکفاة و غیث العفاة زمام الفضائل و قطب الخصائل و الأحقّ بقول القائل
کم عارف بی لست أعرفه‌و مخبّر عنّی و لم یرنی
یأتیهم خبری و إن نزحت‌داری و بوعد عنهم وطنی
و الی الله أرغب فی إطالة مدّته و رفع درجته و سموّ منزلته إنّه مجیب قریب، (3) و قد عملت له کتابی هذا بصفة أشکال الأرض و مقدارها فی الطول و العرض و أقالیم البلدان و محلّ الغامر منها و العمران من جمیع بلاد الإسلام بتفصیل مدنها و تقسیم ما تفرّد بالأعمال المجموعة الیها، و لم أقصد الأقالیم السبعة التی علیها قسمة الأرض لأنّ الصورة الهندیّة التی بالقواذیان و إن کانت صحیحة فکثیرة التخلیط و قد جعلت لکلّ قطعة أفردتها تصویرا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 3
و شکلا یحکی موضع ذلک الإقلیم ثمّ ذکرت ما یحیط به من الأماکن و البقاع و ما فی أضعافها من المدن و الأصقاع و ما لها من القوانین و الارتفاع و ما فیها من الأنهار و البحار و ما یحتاج الی معرفته من جوامع ما یشتمل علیه ذلک الإقلیم من وجوه الأموال و الجبایات و الأعشار و الخراجات و المسافات فی الطرقات و ما فیه من المجالب و التجارات إذ ذلک علم یتفرّد به الملوک الساسة و أهل المروات و السادة من جمیع الطبقات، (4) [و کان ممّا حضّنی علی تألیفه و حثّنی علی تصنیفه و جذبنی الی رسمه أنّی لم أزل فی حال الصبوة شغفا بقراءة کتب المسالک متطلّعا الی کیفیّة البین بین الممالک فی السیر و الحقائق و تباینهم فی المذاهب و الطرائق و کمّیّة وقوع ذلک فی الهمم و الرسوم و المعارف و العلوم و الخصوص و العموم و ترعرعت فقرأت الکتب الجلیلة المعروفة و التوالیف الشریفة الموصوفة فلم أقرأ فی المسالک کتابا مقنعا و ما رأیت فیها رسما متبعا فدعانی ذلک الی تألیف هذا الکتاب و استنطاقی فیه وجوها من القول و الخطاب و أعاننی علیه تواصل السفر و انزعاجی عن وطنی مع ما سبق به القدر لاستیفاء الرزق و الأثر و الشهوة لبلوغ الوطر بجور السلطان و کلب الزمان و تواصل الشدائد علی أهل المشرق و العدوان و استئناس سلاطینه بالجور بعد العدل و الطغیان و کثرة الجوائح و النوائب و تعاقب الکلف و المصائب و اختلال النعم و قحط الدیم،] (5) [فبدأت سفری هذا من مدینة السلام یوم الخمیس لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدی و ثلثین و ثلثمائة و فیه خرج أبو محمّد الحسن بن عبد اللّه بن حمدان منهزما عنها الی دیار ربیعة من أیدی الأتراک و قد
صورة الأرض، ج‌1، ص: 4
عملوا علی القبض علیه بعد أن استتبّت له الأمور بها و اتّسعت به الأحوال فیها و شرفت به الأعمال و تناهی فی الصولة و لقّب بناصر الدولة و أنا من حداثة السنّ و غرّته و فی عنفوان الشباب و سکرته قویّ البضاعة ظاهر الاستطاعة،] (6) و قد ذکرت فی آخر کتابی هذا کیف تعاورتنی الأسفار و اقتطعتنی فی البرّ دون رکوب البحار الی أن سلکت وجه الأرض بأجمعه فی طولها و قطعت وتر الشمس علی ظهرها، و وصفت رجالات أهل البلدان و أعیان ملوکها من ذوی السلطان و أهل الإمکان و المقدّمین فی کلّ ناحیة و بلد بالإحسان الی ذکر النادرة بعد النادرة من محاسنهم و الفضیلة بعد الفضیلة من مکارسهم، (7) و لم أستقص ذلک کراهیة الإطالة المؤدّیة الی ملال قارئه و لأنّ الغرض فی کتابی هذا تصویر هذه الأقالیم التی لم یذکرها أحد علمته ممّن شاهدها، فأمّا ذکر مدنها و جبالها و أنهارها و بحارها و المسافات فیها و بعض ما أنا ذاکره فقد یوجد فی الأخبار متفرّقا و لا یتعذّر علی من أراد تقصّی شی‌ء من ذلک من سافرة أهل کلّ بلد و إن کانت المتعصّبة للبلدان و القبائل جاریة علی خلاف ما توخّیته [2 ظ] و شرعت فیه و رسمته من قصدها لحقائقها و إیرادها علی ما هی علیه من طرائقها،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 5

[صورة الأرض]

(1) و قد حرّرت ذکر المسافات و استوفیت صور المدن و سائر ما وجب ذکره و اتّخذت لجمیع الأرض التی یشتمل علیها البحر المحیط الذی لا یسلک صورة تضاهی صورة القواذیان من جهة و تخالفها فی مواضع، و أعربت عن مکان کلّ إقلیم ممّا ذکرته و اتّصال بعضه ببعض و مقداره کلّ ناحیة فی سعتها و صورتها من مقدار الطول و العرض و الاستدارة و التربیع و التثلیث و سائر ما یکون علیه أشکال تلک الصورة و العمل و موقع کلّ مدینة من مدینة تجاورها و موضعها من شمالها و جنوبها و کونها بالمرتبة من شرقها و غربها لیکتفی الناظر ببیان موقع کلّ إقلیم و موضعه و مکانه و ما توخّیته من ترتیبه و أشکاله و قصصته من أحواله و أخباره، و قد یقع له فیما کان یعتقده شکّ فی طول الأرض و کبرها و حالها فی تقارب عرضها و طولها و صغرها و لا یقارب هذا التألیف عنده کتاب الجیهانیّ و لا یوافق رسم ابن خرّداذبه و سبیل قارئه أرشده اللّه أن ینعم النظر فیما شکّ منه و یتأمّله تأمّل من حمل عنه بتحرّی الصدق فیه کثیر من غثاثة الناقلین و کذب المسافرین الذین لا یعلمون و لا قصدهم الحقّ فیما یبغون، و لیعلم أنّ الأسباب المحرّضة علی تألیفه المقتضیة لعمله اللذّة بالإصابة فی المقصد و المحبّة للظفر بإبانة کلّ بلد و الذکر الجمیل من أهل التحصیل فی کلّ مشهد، (2) و قد فصّلت بلاد الإسلام إقلیما إقلیما و صقعا صقعا و کورة کورة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 6
لکلّ عمل و بدأت بذکر دیار العرب فجعلتها إقلیما واحدا لأنّ الکعبة فیها و مکّة أمّ القری و هی واسطة هذه الأقالیم عندی، و أتبعت دیار العرب بعد أن رسمت فیها جمیع ما تشتمل علیه من الجبال و الرمال و الطرق و ما یجاورها من الأنهار المنصبّة الی بحر فارس ببحر فارس لأنّه یحتفّ بأکثر دیارها و شکّلت عطفه علیها و لأنّ بحر فارس یعطف من جزیرة مسقط مغرّبا الی مکّة و الی القلزم عن خمسین فرسخا من عمان و یدعی ذلک الموضع رأس الجمجمة، ثمّ ذکرت المغرب و رسمته فی وجهین و بدأت بشکل ما حاز منه أرض مصر الی المهدیّة و القیروان و ما فی براریّها من المدن و إن قلّت و أعقبتها بباقی صورته من القیروان و المهدیّة الی أرض طنجة و ازیلی و رسمت علی بحره مدنه الساحلیّة و شکّلت طرقه الی جمیع أنحائها و کیفیّتها مغرّبة و مشرّقة فی سائر جهاتها، ثمّ ذکرت مصر فی شکلین حسب ما جری رسم المغرب به و لطول العمل أعربت فیهما عن حال مدنها و مواقعها علی المیاه الجاریة فی أرضها و ما کان برسمها فی البعد عن المیاه و خططتّ جبالها و میاهها بخلجانها و شعبها و اتّصال بعضها ببعض و انفصالها الی البحر علی حیالها و ما یصبّ من ماء الفیّوم الی بحیرة أقنی و تنهمت، ثمّ صوّرت الشأم و أجناده و جباله و میاهه من أنهاره و بحره و ما علی ساحله من المدن و بحیرة طبریّة و بحیرة زغر و تیه بنی إسرائیل و موقعه من ظاهر الشأم، ثمّ بحر الروم و کیفیّته فی ذاته و شکله فی نفسه و ما علیه من الجانب الشرقیّ [2 ب] للروم من المدن و الأعمال المحاذیة لبلد المغرب و ذکرت ما بقلوریه للروم من المدن و الانکبرذه و الزنقة المعروفة ببلبونس و الخلیج الخارج من بحر الروم الی المجاز المحیط علی القسطنطینیّة و میاه بلد الروم و أکابر أنهاره و مدنه و کنت استوفیت صورة الاندلس فی أشکال المغرب فلم أعد شیئا منها و قد رسمت فی هذا البحر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 7
الجزائر المشهورة المسکونة و ما دعت الحاجة الی ذکره إذ کان مسکونا مشهورا، ثمّ ذکرت الجزیرة المشهورة المعروفة بدیار ربیعة و مضر و بکر و کیفیة دجلة و الفرات علیها و اشتمالهما علی حدودها الی ذکر جبالها و سائر طرقها و أحوالها، و أعقبتها بصورة العراق و میاهها و بطائحها و انصباب میاهها الی البحر و ما یفرّع و یفرغ الیها من أنهارها، و ذکرت خوزستان علی حدودها و أنهارها و ما اقتضته صورتها و حالها، و قفّیتها بصورة فارس علی تصویر جمیع أنهارها و بحیراتها و مواقع مدنها و صورة بحرها الی ما علیه من المدن الساحلیّة، و أتبعتها بصورة کرمان برّها و بحرها و سهلها و جبلها و سائر طرقها و سبلها، ثمّ صوّرت بلاد السند و مدنها و طرقها و سبلها و بحرها و ما علیه من مدنها و أثبتّ فیها نهر مهران و کیفیّة مصنّه عن الملّتان و ما یصاقبه من بلاد الهند و الإسلام، ثمّ تلوتها بصورة اذربیجان و شکّلت ما فیها من الجبال و الطرق و الأنهار العذبة کالرسّ و الکر الی أن رسمت بحیرة خلاط و بحیرة کبوذان و کلتاهما غیر متّصلتین بشی‌ء من البحار و أثبتّ فیها جبل القبق، ثمّ صوّرت الجبال و أعمالها و مواقع بلدانها علی ما هی به و ما انحذق منها بدخول بعض مفازة خراسان و فارس علی حدودها، و ذکرت الیها صورة الجیل و الدیلم و طبرستان و ما یلیها من بحر الخزر و بعض سبله إذ لم أحط علما بکلّیّته، و أتبعتها بصورة بحیرة طبرستان و جزیرتیها و مصبّ ما الیها من المیاه و ما یصاقبها من الجبال و کمّیّة ما للإسلام منها و حدود ما لغیره من أقطارها، و شکّلت المفازة التی بین فارس و خراسان و جمیع ما فیها من الطرق الی النواحی المجاورة لها و المضافة الی حدودها و ما یلیها من أعمال سجستان علی ما یجاورها من بلاد الغور و جبالها و مصبّ میاهها الی بحیرة زره ، و صورّت خراسان و ما فی ضمنها من طخیرستان و جبال البامیان و طوس و قوهستان بجمیع میاهها الجاریة و جبالها المشهورة و رمالها و طرقها المعروفة، ثمّ صوّرت نهر جیحون و ما وراءه من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 8
أعمال بخارا و سمرقند و اشروسنه و اسبیجاب و الشاش و خوارزم الی جمیع ما یشتمل علیه من المیاه و یحیط به من الطرق و المسالک، (3) [3 ظ] ما فی بطن هذه الورقة صورة جمیع الأرض، [3 ب و 4 ظ] إیضاح ما یوجد فی صورة الأرض من الأسماء و النصوص، قد کتب عند طرف الصورة الفوقانیّ الجنوب و تحت ذلک یمنة و یسرة صورة جمیع الأرض و مع الطرف الأسفل الشمال، ثمّ مع الطرف الأیمن المغرب و مع الطرف الأیسر المشرق، قد قسمت الأرض قسمین و هما برّ جنوبیّ و برّ شمالیّ، و رسم فی البرّ الجنوبیّ نهر النیل و کتب علی قسمه الجنوبیّ بلد التوبه دنقله و علوه ثمّ علی قسمه الشمالیّ الصعید الأعلی ثمّ نواحی مصر، و علی ساحل هذا البرّ عن یمین فوهة النیل بلد المغرب و فوق ذلک فی داخل البرّ أوّلا نواحی برقه و اعمالها، ثمّ متصاعدا الی الیمین نواحی سرت واجدابیه، نواحی طرابلس و اعمالها، نواحی افریقیه و اعمالها، ثمّ فی زاویة البرّ علی ساحل البحر المحیط بالأرض بلد طنجه و اعمالها، و بعد ذلک تابعا للساحل اودغست للمسلمین، غانه للکفار، کوغه للکفار، سامه للکفار، غریوا للکفار، کزم للکفار، و وراء هذه الأسماء الممالک التی علی البحر المحیط، ثمّ علی الساحل براری الجنوب ثمّ فی زاویة البرّ حیث یبتدئ بحر فارس اصل بحر فارس و علی ساحل هذا البحر بلد الزنج، مفازه بین الزنج و الحبشه، بلد الحبشه، و بین ذلک و النیل مفازة البجه و براریها، و فی الجانب المقابل من النیل الواحات و أعمالها، و یقرأ وراء ذلک فی البرّ بلد ولد جالوت، ثمّ نواحی سجلماسه و السوس الأقصی و اغمات، و انفصلت عن البرّ الشمالیّ قطعة فی یمین الصورة بخلیج یقرأ عنده خلیج قسطنطینیه، و یقرأ فی هذه القطعة بلد الروم مع أنّ أوّل کلمة بلد فی القطعة الأخری من البرّ، و علی ساحل القطعة الصغری فی وسط الخلیج القسطنطینیه و یلیها علی الساحل نواحی مجذونیه، ثمّ کسمیلی، بلبونس، بذرنت، جون البنادقین، اذرنت، قلوریه، نواحی الانکبرذه، نواحی افرنجه و جلیقیه و فی الزاویة بلد الاندلس، و فی الطرف التحتانیّ من البحر المحیط براریّ الشمال،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 9
و کلمة الشمال هذه کتبت عن یسرة الخلیج فی القطعة الأخری من البرّ الشمالیّ، و یقرأ فی هذه القطعة وراء کلمة الشمال نواحی یاجوج و ماجوج ثمّ متصاعدا الی الفوق الصقالبه و هو قسما فی القطعة الصغری من البرّ ثمّ وراء ذلک فی جهة الشرق البلغار و الروس، ثمّ علی الخلیج نواحی اطرابزنده، و من فوق النهر المجانب للبلغار و الروس بشجرت، البرطاس، الخزر، البجناکیه، البلغار مرّة ثانیة ثمّ بلد السریر ، و من فوق ذلک بلد ارمینیه الداخله و الخارجه و یسرة اذربیجان و الران، و عن یمین ارمینیه نهر دجله ثمّ الفرات و بینهما الجزیرة و بین الفرات و البحر یقرأ الشام، ثمّ عند مصبّ النهرین العراق و من فوق ذلک دیار العرب، ثمّ یقرأ عن یسار العراق علی البحر خوزستان ثمّ فارس، کرمان، السند و وراء ذلک الجبال، مفازه فارس، سجستان و وراء ذلک الدیلم، طبرستان، خوارزم، الغزیه، خراسان، و محانبا لخراسان نهر جیحون و وراءه ما وراء النهر و یقرأ بعد ذلک من بلد الصین، ثمّ من فوق ذلک الهند و فیه نهر مهران، ثمّ وراء ذلک الخرلخیّه، التبت و وراء ذلک علی البحر المحیط خرخیز، التغزغز، بلد الصین، (4) [4 ب] فهذه جمیع الارض عامرها و غامرها و هی مقسومة علی الممالک و عماد ممالک الأرض أربع فأعمرها و أکثرها خیرا و أحسنها استقامة فی السیاسة و تقویم العمارات و وفور الجبایات مملکة ایران شهر و قطبها إقلیم بابل و هی مملکة فارس، و کان حدّ هذه المملکة فی أیّام العجم معلوما فلمّا جاء الإسلام أخذت من کلّ مملکة بنصیب فأخذت من مملکة الروم الشأم و مصر و المغرب و الاندلس و أخذت من مملکة الصین ما وراء النهر و انضمّت الیها هذه الممالک العظیمة، و مملکة الروم یدخل فیها حدود الصقالبة و من جاورهم من الروس و السریر و اللان و الأرمن و من دان بالنصرانیّة، و مملکة الصین یدخل فیها سائر بلدان الأتراک و بعض التبّت و من دان بدین أهل الأوثان منهم، و مملکة الهند یدخل فیها السند و قشمیر و طرف من التبّت و من دان بدینهم، و لم أذکر بلدان السودان فی المغرب
صورة الأرض، ج‌1، ص: 10
و البجة و الزنج و من فی أعراضهم من الأمم لأنّ انتظام الممالک بالدیانات و الآداب و الحکم و تقویم العمارات بالسیاسة المستقیمة و هؤلاء مهملون فی هذه الخصال و لا حظّ لهم فی شی‌ء من ذلک فیستحقّوا به إفراد ممالکهم بما ذکرت به سائر الممالک، غیر أنّ بعض السودان المقاربین هذه الممالک المعروفة یرجعون الی دیانة و ریاضة و حکم و یقاربون أهل هذه الممالک کالنوبة و الحبشة فإنّهم نصاری یرتسمون مذاهب الروم و قد کانوا قبل الإسلام یتّصلون بمملکة الروم علی المجاورة لأنّ أرض النوبة مصاقبة أرض مصر و الحبشة علی بحر القلزم و بینهما و بین أرض مصر مفاوز معمورة فیها معادن الذهب و یتّصلون بمصر و الشأم من طریق بحر القلزم، فهذه الممالک المعروفة و لمّا زادت مملکة الإسلام بما اجتمع الیها من طرائف هذه الممالک المذکورة شرفت و عظمت، (5) و قسمة الأرض علی الجنوب و الشمال فإذا أخذت من المشرق من الخلیج الذی یأخذ من البحر المحیط بأرض الصین الی الخلیج الذی یأخذ من هذا البحر المحیط من أرض المغرب بین أرض الاندلس و طنجة فقد قسمت الأرض قسمین و خطّ هذه القسمة یأخذ من بحر الصین حتّی یقطع بلد الهند و وسط مملکة الإسلام حتّی یمتدّ علی أرض مصر الی المغرب، فما کان فی حدّ الشمال من هذین القسمین فأهله بیض و کلّما تباعدوا فی الشمال ازدادوا بیاضا و هی أقالیم باردة، و ما کان ممّا یلی الجنوب من هذین القسمین فأهله سود و کلّما ازدادوا تباعدا فی الجنوب ازدادوا سوادا و أعدل هذه الممالک فی الخطّ المستقیم و ما قاربه، (6) و سأذکر کلّ إقلیم من ذلک بما یعرف قربه و مکانه من الإقلیم الذی یضامّه و یصاقبه إن شاء الله، فأمّا مملکة الإسلام فإنّ شرقیّها أرض الهند و بحر فارس و غربیّها مملکة السودان السکّان علی البحر المحیط المتّصلین ببراریّ اودغست و صحاریها تجاه اولیل و شمالیّها بلاد الروم و ما یتّصل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 11
بها من الأرمن و اللّان و الران و السریر و الخزر و الروس و البلغار و الصقالبة و طائفة من الترک و من شمالها بعض مملکة الصین و ما اتّصل بها من بلاد الأتراک و جنوبیّها بحر فارس، و أمّا مملکة الروم فإنّ شرقیّها بلاد الإسلام و غربیّها و جنوبیّها البحر المحیط و شمالیّها حدود عمل الصین لأنّی ضممت ما بین الأتراک و بلد الروم من الصقالبة و سائر الأمم التی تلی الروم [5 ظ] الی بلد الروم، و أمّا مملکة الصین فإنّ شمالیّها و شرقیّها البحر المحیط و جنوبیّها مملکة الإسلام و الهند و غربیّها أیضا البحر المحیط لأنّ یاجوج و ماجوج و من الیهم الی البحر المحیط من هذه المملکة، و أمّا أرض الهند فإنّ شرقیّها بحر فارس و غربیّها و جنوبیّها بلاد خراسان و شمالیّها مملکة الصین، فهذه حدود هذه الممالک التی ذکرتها، (7) و أمّا البحار فأشهرها اثنان و أعظمها بحر فارس ثمّ بحر الروم و هما خلیجان متقابلان یأخذان من البحر المحیط و أفسحهما طولا و عرضا بحر فارس، و الذی یقتری بحر فارس من الأرض فمن حدّ الصین الی القلزم فإذا قطعت من القلزم الی الصین علی خطّ مستقیم کان مقداره نحو مائتی مرحلة، و کذلک إذا شئت أن تقطع من القلزم الی أقصی حجر بالمغرب علی خطّ مستقیم ألفیته مائة و ثمانین مرحلة، و إذا قطعت من القلزم الی أرض العراق فی البرّیّة علی خطّ مستقیم و شققت أرض السماوة ألفیته نحو شهر و من العراق الی نهر بلخ نحو شهرین و من نهر بلخ الی آخر بلاد الإسلام فی حدّ فرغانة نیّف و عشرون مرحلة و من هناک الی أن تقطع أرض الخرلخیّة کلّها و تدخل فی عمل التغزغز نیّف و ثلثون مرحلة و من هذا المکان الی البحر المحیط من آخر عمل الصین نحو شهرین، و أمّا من أراد قطع هذه المسافة من القلزم الی الصین فی البحر طالت المسافة علیه لکثرة المعاطف و التواء الطرق فی هذه البحور، و أمّا بحر الروم فإنّه یأخذ من البحر المحیط فی الخلیج الذی بین المغرب و الاندلس حتّی ینتهی الی الثغور التی کانت تعرف بالشأمیّة و مقداره فی المسافة نحو أربعة أشهر و هو أحسن استقامة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 12
و استواء من بحر فارس و ذلک أنّک إذا أخذت من فم هذا الخلیج أدّتک ریح واحدة الی أکثر هذا البحر، و بین القلزم الذی هو لسان بحر فارس و بین بحر الروم علی سمت الفرما ثلث مراحل و یزعم بعض المفسّرین فی قول اللّه تعالی بینهما برزخ لا یبغیان أنّه هذا الموضع و یزعم أهل التأویل غیر ذلک غیر أنّ بحر الروم یجاوز الفرما بنیّف و عشرین مرحلة و هو مفصّل فی مسافات المغرب بما یغنی عن إعادته، و من مصر الی أقصی المغرب نحو مائة و ثمنین مرحلة فکأنّ ما بین أقصی الأرض من المغرب الی أقصاها من المشرق نحو أربع مائة مرحلة، (8) و أمّا عرضها من أقصاها فی حدّ الشمال الی أقصاها فی حدّ الجنوب فإنّک تأخذ من ساحل البحر المحیط حتّی تنتهی الی أرض یاجوج و ماجوج ثمّ تمرّ علی ظهر أرض الصقالبة فتقطع أرض البلغار الداخلة و الصقالبة و تمضی فی بلد الروم الی الشأم و أرض مصر و النوبة ثمّ تمتدّ فی برّیّة بین بلاد السودان و بلاد الزنج حتّی تنتهی الی البحر المحیط فهذا خطّ ما بین جنوبیّ الأرض و شمالیّها، و أمّا الذی أعلمه من مسافة هذا الخطّ فإنّ من یاجوج الی بلغار و أرض الصقالبة فنحو أربعین مرحلة و من أرض الصقالبة فی بلد الروم الی الشأم نحو ستّین مرحلة و من أرض الشأم الی أرض مصر نحو ثلثین مرحلة و منها الی أقصی النوبة نحو ثمنین مرحلة حتّی تنتهی الی البرّیّة التی لا تسلک فذلک مائتا مرحلة و عشر مراحل کلّها عامرة مسکونة، و أمّا ما بین یاجوج و ماجوج و البحر المحیط فی الشمال و ما بین براریّ السودان و البحر المحیط [فی الجنوب] فقفر خراب ما بلغنی أنّ فیه عمارة و لا حیوانا و لا نباتا و لا یعلم مسافة هاتین البرّیّتین الی شطّ البحر کم هی و ذلک أنّ سلوکهما غیر ممکن لفرط البرد الذی یمنع من العمارة [5 ب] و الحیاة فی الشمال و فرط الحرّ المانع من العمارة و الحیاة فی الجنوب، و جمیع ما بین المغرب و الصین فمعمور کلّه و البحر المحیط محتفّ بالأرض کالطوق و مأخذ بحر فارس و بحر الروم من البحر المحیط،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 13
(9) فأمّا بحر الخزر فلیست له مادّة من شی‌ء من ذین البحرین بوجه و لا سبب و قد حکیت عن هذا البحر حکایات کثیرة عن کبار المؤلّفین و لقد قرأت فی غیر نسخة لجغرافیّا أنّه یستمدّ من بحر الروم عن بطلمیوس و أعوذ بالله أن یکون مثل بطلمیوس یذکر المحال أو یصف شیئا بخلاف ما هو به، و هذا البحر فی قرار من الأرض مادّته الماء العذب و الذی یفرع الیه و یفرّغ فیه فنهر آتل و هو أکبر موادّه و هو نهر الروس و نهر الکر و الرس و میاه الجیل و الدیلم و طبرستان و نواحی الغزّیّة و جمیعها میاه عذبة و إنّما تربتها فاسدة حمّائیّة فالماء یأجن و یأسن فیها لذلک، و هو بحر لو أخذ السائر علی ساحله من الخزر علی أرض اذربیجان الی الدیلم و طبرستان و جرجان و المفازة علی جبل سیاه کویه لرجع الی مکانه الذی سار منه بغیر أن یمنعه مانع من ماء مالح سوی الأنهار العذبة التی ذکرتها، فأمّا بحیرة خوارزم فکذلک أیضا لا تتّصل ببحر غیرها، و فی أراضی الزبح و بلدانهم خلجان و کذلک فی أعراض بلد الروم خلجان و بحار لا تذکر لقصورها عن هذه البحار و کثرتها، و قد أخذ من البحر المحیط خلیج یمرّ علی ظهر بلد الصقالبة و یقطع أرض الروم علی القسطنطینیّة حتّی یفرع فی بحر الروم ، (10) و أرض الروم حدّها من هذا البحر المحیط علی بلد الجلالقة و افرنجه و رومیه و اثیناس الی القسطنطینیّة ثمّ الی أرض الصقالبة و یشبه أن یکون نحو مائة و سبعین مرحلة و ذلک أنّ من حدّ الثغور فی الشمال الی أرض الصقالبة نحو شهرین و قد ثبت أنّ من أقصی الجنوب الی أقصی الشمال مائتی مرحلة و عشر مراحل، و الروم المحض من حدّ رومیة الی حدّ الصقالبة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 14
و ما ضممته الی بلد الروم من الافرنجه و الجلالقة و غیرهم فإنّ لسانهم مختلف غیر أنّ الدین و المملکة واحد کما أنّ لمملکة الإسلام ألسنة و البلد واحد، (11) و مملکة الصین علی ما یزعم [أبو إسحاق الفارسیّ و] أبو إسحاق إبراهیم بن البتکین حاجب صاحب خراسان أربعة أشهر فی ثلثة أشهر، فإذا أخذت من فم الخلیج حتّی تنتهی الی دار الإسلام بما وراء النهر فهو نحو ثلثة أشهر و إذا أخذت من حدّ المشرق حتّی تقطع الی حدّ المغرب فی أرض التبّت و تمتدّ فی أرض التغزغز و خرخیز و علی ظهر کیماک الی البحر فهو نحو أربعة أشهر، و لمملکة الصین ألسنة مختلفة و جمیع الأتراک من التغزغز و خرخیز و کیماک و الغزّیّة و الخرلخیّة فألسنتهم واحدة و بعضهم یفهم عن بعض، و لأرض الصین و التبّت لسان مخالف لهذه الألسنة کألسنة صنهاجة اودغست و أهل سرت و أهل قسطیلیه و غیرهم من البربر فإنّ لهم ألسنة خاصّیّة و لسان البربر یجمعهم و یفهم بعضهم عن بعض به، و مملکة الصین کلّها منسوبة الی صاحب الصین المقیم بخمدان کما مملکة الروم منسوبة الی الملک المقیم بالقسطنطینیّة و مملکة الهند منسوبة الی الملک المقیم بقنّوج کنسبة مملکة الإسلام الی الملک المقیم ببغداد، (12) و فی دیار الأتراک ملوک متمیّزون بممالکهم فأمّا الغزّیّة فإنّ حدود دیارهم ما بین الخزر و کیماک و أرض الخرلخیّة و بلغار و حدود دار الإسلام ما بین [6 ظ] جرجان الی باراب و اسبیجاب، و دیار الکیماکیّة و هم من وراء الخرلخیّة فی ناحیة الشمال فیما بین الغزّیّة و خرخیز و ظهر الصقالبة، فأمّا یاجوج فهم فی ناحیة الشمال إذا قطعت ما بین الصقالبة و الکیماکیّة و الله أعلم بمقادیرهم و بلادهم جبال شاهقة لا یتوقّلها الدوابّ و لا یرتقیها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 15
إلّا الرّجالة و لم ألق بهم أخبر من إبراهیم بن البتکین حاجب صاحب خراسان فأخبرنی أنّ تجاراتهم إنّما تصل الیهم علی ظهور الرجال و أصلاب المعز و أنّ تجّارهم من نواحی خوارزم ربّما أقاموا فی صعود جبل و نزوله الأسبوع و العشرة الأیّام، و أمّا خرخیز فإنّهم ما بین التغزغز و کیماک و البحر المحیط و أرض الخرلخیّة و الغزّیّة، و أمّا التغزغز فقبیل عظیم لهم دار واسعة ما بین التبّت و أرض الخرلخیّة و خرخیز و مملکة الصین، و الصین ما بین البحر المحیط و التغزغز و التبّت و الخلیج الفارسیّ، و أرض الصقالبة عریضة طویلة نحو شهرین فی مثلها، و بلغار مدینة صغیرة لیس لها أعمال کثیرة و کانت مشهورة لأنّها کانت فرضة لهذه الممالک فاکتسحها الروس و أتوا علی خزران و سمندر واتل فی سنة ثمان و خمسین و ثلثمائة و ساروا من فورهم الی بلد الروم و الاندلس و افترقوا فرقتین، و الروس قوم همج سکّان بناحیة بلغار فیما بینهم و بین الصقالبة علی نهر اتل، و قد انقطعت طائفة من الترک عن بلادهم فصاروا بین الخزر و الروم یقال لهم البجناکیّة و لیس موضعهم بدار لهم علی قدیم الأیّام و إنّما انتابوها فغلبوا علیها و هم شوکة الروسیّة و أحلافهم و هم الخارجون قدیما الی الاندلس ثمّ الی برذعه، و الخزر اسم لجنس من الناس و کان بلدهم صغیرا ذا جانبین یسمّی اتل أحد جانبیها باسم النهر و الجانب الآخر خزران و هذا النهر یجری من بلد الروس و لیس لهذا المصر کثیر رساتیق و لا سعة مملکة و هو بلد بین بحر الخزر و السریر و الروس و الغزّیّة، و التبّت بین أرض الصین و الهند و أرض الخرلخیّة و التغزغز و بحر فارس و بعضهم فی مملکة الهند و بعضهم فی مملکة الصین و لهم ملک قائم بنفسه یقال أنّ أصله من التبابعة و الله أعلم، (13) و أمّا جنوبیّ الأرض من بلاد السودان فإنّ بلدهم الذی فی أقصی المغرب علی البحر المحیط بلد ملتفّ لیس بینه و بین شئ من الممالک اتّصال غیر أنّ حدّا له ینتهی الی البحر المحیط و حدّا له ینتهی الی برّیّة بینه و بین أرض المغرب و حدّا له ینتهی الی برّیّة بینه و بین أرض مصر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 16
علی ظهر الواحات و حدّا له ینتهی الی البرّیّة التی ذکرت أنّها لا تنبت و لا عمارة فیها لشدّة الحرّ، و طول أرضهم ألف فرسخ فی نحوها عرضا غیر أنّها الی البحر لا الی ظهر الواحات أطول من عرضها، و أرض النوبة فلها حدّ الی أرض مصر من نواحی الصعید و حدّ الی هذه البرّیّة التی [بین أرض السودان و مصر و حدّ لها الی أرض البجة و براریّ بینها و بین القلزم و حدّ لها الی هذه البرّیّة التی] لا تسلک، و أرض البجة فدیار صغیرة العرض طویلة تمرّ فی الجنوب بین نهر النیل و بحر القلزم و هم فیما بین الحبشة و النوبة من حدود قوص الی البرّیّة التی لا تسلک و عدد رجالهم و ذکر حالهم و ملوکهم و اعتقاداتهم و ما تقلّبت بهم الحال علیه فی الإسلام کثیر طریف و لا أعرف لهم فی سیرة من السیر ذکرا و سآتی من أخبارهم بجمل یستحسنها من اعترضها عند الحاجة الیه، [و أمّا الحبشة فإنّها علی بحر القلزم و هو بحر فارس فینتهی حدّ لها الی بلاد الزنج و حدّ لها الی البرّیّة التی بین النوبة و بحر القلزم و حدّ لها الی البجة و البرّیّة التی لا تسلک،] و أرض الزنج أطول أراضی السودان و لا تتّصل بمملکة [6 ب] [غیر الحبشة]- و الحبشة ناحیة و مملکة عریضة لهم فی وقتنا هذا ملکة لهم علیهم نحو ثلثین سنة و أخبارها من ظرائف الأخبار- و هی تجاه الیمن و فارس و کرمان الی أن تحاذی بعض أرض الهند، و أرض الهند تجاه بلاد الزنج من جانب بحر فارس الشرقیّ و طولها من عمل مکران فی أرض المنصورة و السند هند و هم البدهه و سائر بلدان السند الی أن تنتهی الی قنوج و یجوزها الی أرض التبّب نحو أربعة أشهر و عرضها من بحر فارس علی أرض قنوج نحو ثلثة أشهر، (14) و مملکة الإسلام فی حیننا هذا و وقتنا فإنّ طولها من حدّ فرغانه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 17
حتّی یقطع خراسان و الجبال و العراق و دیار العرب الی سواحل الیمن فهو نحو خمسة أشهر و عرضها من بلد الروم حتّی یقطع الشأم و الجزیرة و العراق و فارس و کرمان الی أرض المنصورة علی شطّ بحر فارس نحو أربعة أشهر، و إنّما ترکت فی ذکر طول الإسلام حدّ المغرب الی الاندلس لأنّه کالکمّ فی الثوب و لیس فی شرقیّ المغرب و لا فی غربیّه إسلام لأنّک إذا جاوزت مصر فی أرض المغرب کان جنوبیّ المغرب بلاد السودان و شماله بحر الروم ثمّ أرض الروم، و لو صلح أن یجعل طول الإسلام من فرغانه الی أرض المغرب و الاندلس لکان مسیرة ثلثمائة مرحلة لأنّ من فرغانه الی وادی بلخ نیّفا و عشرین مرحلة و من وادی بلخ الی العراق نحو ستّین مرحلة و من العراق الی مصر نحو ثلثین مرحلة و قد ثبت فی مسافات المغرب أنّ من مصر الی أقاصی المغرب مائة و ثمانین مرحلة و من مصر الی أن تحاذی آخر أرض الاندلس بأعمال طنجة نصف هذه المسافة، و لمّا قصدت تفصیل بلاد الإسلام إقلیما إقلیما لیعرف موضع کلّ إقلیم من مکانه و ما یجاوره من سائر الأقالیم و لم تتّسع هذه الصورة التی جمعت سائر الأقالیم لما یستحقّه کلّ إقلیم فی صورته من مقدار الطول و العرض و الاستدارة و التربیع و التثلیث و ما یکون علیه أشکاله جعلت لکلّ إقلیم مکانا یعرب عن حاله [و ما یجاوره من سائر الأقالیم ثمّ أفردت لکلّ إقلیم منها صورة علی حدة بیّنت فیها شکل ذلک الإقلیم و ما یقع فی أضعافه من المدن و سائر ما یحتاج الی علمه] ممّا آتی علی ذکره فی موضعه إن شاء الله،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 18

[دیار العرب]

اشارة

(1) فابتدأت بدیار العرب لأنّ القبلة بها و مکّة فیها و هی أمّ القری و بلد العرب و أوطانهم التی لم یشرکهم فی سکناها غیرهم، (2) و الذی یحیط بها بحر فارس من عبّادان و هو مصبّ ماء دجلة فی البحر فیمتدّ علی البحرین حتّی ینتهی الی عمان ثمّ یعطف علی سواحل مهرة و حضر موت و عدن حتّی ینتهی علی سواحل الیمن الی جدّة ثمّ یمتدّ علی الجار و مدین حتّی ینتهی الی ایلة ثمّ قد انتهی حینئذ حدّ دیار العرب من هذا البحر و هذا المکان من البحر لسان و یعرف ببحر القلزم و القلزم مدینة علی طرفه و سیفه فإذا استمرّ علی تاران و جبیلان وصل الی القلزم و ینقطع حینئذ و هو شرقیّ دیار العرب و جنوبیّها و شی‌ء [من غربیّها، ثمّ یمتدّ علیها] من ایلة علی مدائن قوم لوط و البحیرة المیّتة التی تعرف ببحیرة زغر الی الشراة و البلقاء و هی من عمل فلسطین و اذرعات و حوران و البثنیّة و غوطة دمشق و نواحی بعلبکّ و هی من عمل دمشق و تدمر و سلمیة و هما من عمل حمص ثمّ الی الخناصرة و بالس و هما من عمل قنّسرین، و قد انتهی الحدّ الی الفرات ثمّ یمتدّ الفرات علی دیار [7 ظ] العرب حتّی ینتهی الی الرقّة و قرقیسیا و الرحبة و الدالیة و عانة و الحدیثة و هیت و الأنبار الی الکوفة و مستفرغ میاه الفرات الی البطائح، ثمّ تمتدّ دیار العرب علی نواحی الکوفة و الحیرة علی الخورنق و علی سواد الکوفة الی حدّ واسط فتصاقب ما جاور دجلة و قاربها عند واسط مقدار مرحلة ثمّ تستمدّ و تستمرّ علی سواد البصرة و بطائحها حتّی ینتهی الی عبّادان،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 19
(3) و هذا الذی یحیط بدیار العرب فما کان من عبّادان الی ایلة فإنّه بحر فارس و یشتمل علی نحو ثلثة أرباع دیار العرب و هو الحدّ الشرقیّ و الجنوبیّ و بعض الغربیّ و ما بقی من حدّ الغربیّ من ایلة الی بالس فمن الشأم و ما کان من بالس الی عبّادان فهو الحدّ الشمالیّ و من بالس الی أن تجاوز الانبار فمن حدّ الجزیرة و من الانبار الی عبّادان فمن حدّ العراق، و یتّصل بأرض العرب بناحیة ایلة برّیّة تعرف بتیه بنی إسرائیل و هی برّیّة و إن کانت متّصلة بدیار العرب فلیست من دیارهم و إنّما کانت برّیّة بین أرض العمالقة و الیونانیّة و أرض القبط، و لیس للعرب بها ماء و لا مرعی فلذلک لا تدخل فی دیارهم، (4) و قد سکن طوائف من العرب من ربیعة و مضر الجریرة حتّی صارت لهم بها دیار و مراع و لم أر أحدا عزا الجزیرة الی دیار العرب لأنّ نزولهم بها و هی دیار لفارس و الروم فی أضعاف قری معمورة و مدن لها أعمال عریضة فنزلوا علی خفارة فارس و الروم حتّی أنّ بعضهم تنصّر و دان بدین النصرانیّة مع الروم مثل تغلب من ربیعة بأرض الجزیرة و غسّان و بهراء و تنوخ من الیمن بأرض الشأم، (5) و دیار العرب هی الحجاز التی تشتمل علی مکّة و المدینة و الیمامة و مخالیفها و نجد الحجاز متّصل بأرض البحرین و بادیة العراق و بادیة الجزیرة و بادیة الشأم و الیمن المشتملة علی تهامة و نجد الیمن و عمان و مهرة و بلاد صنعاء و عدن و سائر مخالیف الیمن، فما کان من حدّ السّرین حتّی ینتهی علی ناحیة یلملم ثمّ علی ظهر الطائف ممتدّا علی نجد الیمن الی بحر فارس مشرقا فمن الیمن و یکون ذلک نحو الثلثین من دیار العرب، و ما کان من حدّ السّرین علی بحر فارس الی قرب مدین راجعا فی المشرق علی الحجر الی جبلی طی‌ء ممتدّا علی ظهر الیمامة الی بحر فارس فمن الحجاز، و ما کان من الیمامة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 21
الی قرب المدینة راجعا علی بادیة البصرة حتّی یمتدّ علی البحرین [الی البحر] فمن نجد، و ما کان من حدّ عبّادان الی الانبار مواجها لنجد و الحجاز علی دیار أسد و طیّ‌ء و تمیم و سائر قبائل مضر فمن بادیة العراق، و ما کان من حدّ الانبار الی بالس مواجها لبادیة الشأم علی أرض تیماء و برّیّة خساف الی قرب وادی القری و الحجر فمن بادیة الجزیرة، و ما کان من بالس الی أیلة مواجها للحجاز علی بحر فارس الی ناحیة مدین معارضا لأرض تبوک حتّی یتّصل بدیار طیّ‌ء فمن بادیة الشأم، علی أنّ من العلماء بتقسیم هذه الدیار من زعم أنّ المدینة من نجد لقربها منها و أنّ مکّة من تهامة الیمن لقربها منها، (6)

و ما فی بطن هذه الصفحة فهو صورة دیار العرب، [7 ب]

إیضاح ما یوجد من الأسماء و النصوص فی صورة دیار العرب، قد کتب فی زاویتی الصفحة العلیایین المغرب و الشمال، و رسم فی هذا القسم نهر النیل و تحت ذلک الرسم النصّ الآتی نواحی مصر و اعمالها و الصعید الاعلی و مساکن البجه و اعمال دنقله و علوه و هما مدینتان و علی النهر من المدن الفسطاط و الجیزة و بینهما الجزیره ثمّ اسوان، و بین النیل و بین ساحل البحر العلاقی، و یقرأ علی ساحل البحر فی أسفل أیسره بلد الزنج و نواحیه، مفازة بین الزنج و الحبشة، بلد الحبشة ثمّ بربره ثمّ قرب منتهی الساحل الفوقانیّ عیذاب ثمّ جزائر بنی حدان، ثمّ عند منتهی البحر القلزم، و فی البحر من الجزائر سنجله ، سواکن، باضع، زیلع، و علی ساحل البحر من الجانب المقابل یلی القلزم من المدن رایه ، ایله، عینونه، طبا، الجار، جده، السرین، حلی، الحمضه، عثر، الشرجه، الحرده، غلافقه ، المخا،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 22
عدن، ثمّ حضرموت ثمّ فی الزاویة بلاد عمان و فیها رأس الجمجمه و مدینة صحار، ثمّ تلی ذلک علی الساحل مدینة القطیف، و فی هذا القسم من البحر جزیرتا خارک و اوال، و فی وسط الصورة رسمت مدینة مکه تحیط بها کتلة جبال متلاصقة و فیها أیضا من أسفل مکة الطائف، و یقرأ عند هذه الجبال من الجانب الأیسر جبال تهامه، قعیقعان، دیار راحه ، و بین هذا الطرف من الجبال و البحر من المدن المعقد، زبید، المذیخره، الکدرا، المهجم، و یأخذ من عدن علی البحر طریق الی الجبال و علیه من المدن صنعا، صعده، نجران، بیشه، جرش، تباله، ثمّ یقرأ عند جانب الجبل مکتوبا علی شکل صلیبیّ نجد الحجاز، ثمّ رسم بین الجبل و حضرموت جبل شبام و فیه مدینة شبام، و یقرأ بین جبل شبام و عدن دیار همدان و خولان، و تتشعّب الجبال الوسطیّة عن أسفلها الی طرفین کتب بینهما نجد الحجاز و عند الطرف الأیسر جبال تهامه و عند الطرف الأیمن جبل الفرع و مدینة الفرع، و بین هذه البقاع و البحر بلد الیمامه و بلد البحرین و فیهما من المدن العقبر، الاحسا ، هجر، ثمّ یأخذ عن یمین القطیف علی البحر الی أعلی رمل الهبیر، و یقرأ عند طرف الجبل الذی بین مکّة و رمل الهبیر ابو قبیس، و عن یمین مکّة بینها و رمل الهبیر أیضا من المدن المدینه وفید، و الطریق المارّ علی هاتین المدینتین بعد اجتیازه رمل الهبیر یمرّ علی القادسیه و الکوفه الی بغداذ علی نهر دجله، و یأخذ من المدینة طریق الی وادی القری ثمّ تبوک ثمّ معان ثمّ سلمیه ثمّ الخناصره ثمّ بالس علی نهر الفرات، و بین تبوک و الفرات یقرأ السماوه، دیار فزاره، دیار کلب، بریه خساف، صفین و أثناء ذلک من المدن تیما و تدمر، و بین وادی القری و الفرات دیار ثمود و جبلی طی، و بینه و البحر دیار لخم و جذام و جهینه و بلی، و بین الفرات و دجلة یقرأ بلد الجزیره و دیار ربیعه ثمّ علی الفرات من المدن الرقه، الانبار و عند الخلیج الآخذ من الانبار الی دجله الصراه و یجری من بغداذ الی هذا الخلیج نهر عیسی، و علی دجلة بین بغداذ و البحر من المدن کلواذی، المدائن، واسط، الابله، و من الابلّة یأخذ نهر الابله الی البصره و ینصبّ تجاهها فی نهر معقل، و یقرأ بین البصرة و رمل الهبیر دیار بنی اسد ثمّ فی قرب الساحل لقبائل مضر،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 23
و فی أسفل الصورة علی البحر من المدن مهروبان، سینیز، توج، جنابه، نجیرم، سیراف و یقرأ وراء ذلک فی البرّ کلمة ناحیة التی أضیف الیها اسما خوزستان و فارس المکتوبان علیها فی شکل الصلیب، و فی زاویتی الصورة السفلایین المشرق و الجنوب، (7) [8 ظ] و کانت هذه الدیار عظیمة خطیرة الملوک ملکها الفراعنة و التبابعة و منهم من ملک أکثر أهل الأرض فی سالف الزمان کتبع الذی مدّن مدینتی صنعاء و سمرقند و کان یقیم بهذه حولا و بهذه آخر و من أهلها فرعون إبراهیم و هو سنان بن علوان و فرعون موسی مصعب بن الولید، و بعث فیها کثیر من الأنبیاء و کان من أکرمهم نبیّنا صلّی الله علیه و سلّم، و لم یک فیما سلف من الزمان و لا علی مرّ الدهور و الأیّام ممّن علت کلمته و اتّسعت مملکته و استفحلت جبایته کتبّع و ذی القرنین من ثبت الملک فیه و فی عقبه و جبیت الیه الأموال و تخرّق فی المروءة و الإفضال کمن ملکها من أهلها فی الإسلام مع أکثر الأرض من حیث لم یرم أکثرهم عن مواطنهم و لا برحوا عن أماکنهم یدعی لهم فی أطرافها و یدرّ علیهم الأموال من أخلافها، (8) فأمّا أموالها فی وقتنا هذا الواصلة الی سلاطینها و ملوکها و أربابها و أصحاب أطرافها فمن جلّتهم خلف أبی الجیش إسحاق بن إبراهیم بن زیاد بعد أهل البحرین و الذی تحت یده من الشرجة الی عدن طولا علی ساحل البحر و أرض تهامة الیمن و یکون مقدار ذلک اثنتی عشرة مرحلة و عرضه من الجبال الی ساحل الیمن من عمل غلافقة و یکون مقداره مسیرة أربع مراحل، و أکثر أمواله المقبوضة من العشور و هی ما ینیف علی خمس مائة ألف دینار عثریّ و من قبالات زبید عن جمیع ما یدخلها و یخرج عنها و تشتمل علیه من وجوه الأموال مائتا ألف دینار عثریّ، و أکثر ملوک الجبال فی وقتنا هذا یخطبون له علی منابرهم، و یصل الیه من جبایة عدن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 24
عن المراکب العشریّة ممّا لا یقع بمواقفة و ضمان و یعمل بالأمانات فربّما زادت المراکب و نقصت و المرتفع له فی السنة عن هذا المکان علی التقریب مائتا ألف دینار عثریّ و ربّما زادت الزیادة العظیمة و ربّما نقصت الیسیر، و یوجد العنبر بسواحل عدن و ما یلیها و له علی ذلک ضریبة تصل الیه، و له علی صاحب جزائر دهلک مواقفة من هدایا ترد علیه فیها العبید و العنبر و جلود النمور المرتفعة الی غیر ذلک، و له علی ملکة الحبشة هدایا و مبارّ فلا تنقطع هدایاها و مبارّها، [قال کاتب هذه الأحرف دخلت عدن سنة أربعین و خمس مائة و کان العمید بها بلال بن جریر و المشرف علیه خالی أحمد بن غیاث من قبل سلطانها محمّد بن سبا و کان ضمان عشر المراکب بحسب مائة ألف و أربعة عشر ألف دینار مرابطیّة و هذا أکثر ممّا ذکره مصنّف الکتاب بأضعاف،] و یتلوه فی المکنة و المقدرة ابن طرف صاحب عثر و یشتمل ملکه علی وجوه من الأموال و ضروب من الجبایات و یکون الواصل الیه کنصف ما یصل الی ولد أبی الجیش بن زیاد من المال، و یتلوه الجرامیّ صاحب حلی و هو دون ابن طرف فی المکنة و السلطان و الجبایة و هؤلاء الثلاثة ملوک تهامة الیمن و ابن طرف و الجرامیّ جمیعا فی طاعة ابن زیاد وقتنا هذا و یخطبون علی اسمه و قد خطب الجمیع لصاحب المغرب فی هذا الوقت ، و کان من أجلّ ملوک تهامة الیمن المعروفین بملوک الجبال أسعد بن أبی یعفر فأنّه ملکها سنین کثیرة و ملک صنعاء و خطب لآل زیاد و ضرب دراهمه باسمهم بغیر هدیّة أو مبرّة تصل منه الیهم و کانت أمواله دون أربع مائة ألف دینار تنصرف فی مروءته و الی أضیافه و قاصدیه و کان من سلالة التبابعة و کذلک فجمیع ما یجتبیه ولاة الیمن منصرف الی أضیافهم و قاصدیهم، و جمیع من بالجبال من ملوکها فجبایته دون هذه العدّة من المال
صورة الأرض، ج‌1، ص: 25
و مرافقهم بقدر کفایتهم لموّنهم، و أمّا الحسنیّ صاحب صعدة فله جبایة کثیرة و مستغلّات من المدابغ و ضرائب علی القوافل کثیرة تضاهی ارتفاع ابن طرف و نفقاته فی طرق المعروف [8 ب] من حیث أمر الله تعالی أن تصرف الصدقات و الأعشار و الخراجات و ربّما زادت جبایته و نقصت، و صاحب السّرین فالواصل الیه کفاء ما یقوم به و بأهله و لیست بحال تذکر و له علی المراکب الصاعدة و النازلة من الیمن رسم یأخذه من الرقیق و المتاع الوارد مع التجّار، (9) و أمّا البحرین و مدنها و هی هجر و الاحساء و القطیف و العقیر و بیشة و الخرج و اوال و هی جزیرة کان لأبی سعید الحسن بن بهرام و لولده سلیمن بها الضریبة العظیمة علی المراکب المجتازة بهم و الی وقتنا هذا هی لمخلّفیهما و نسلهما و یکون نسل أبی سعید لظهره بین مرة و رجل نحو الأربع مائة نسمة، و بها أموال و عشور و وجوه مرافق و قوانین و مراصد و ضروب مرسومة من الکلف الی ما یصل الیهم من بادیة البصرة و الکوفة و طریق مکّة بعد إقطاع ما بالبحرین من الضیاع بضروب ثمارها و مزارعها من الحنطة و الشعیر و النخل لأتباعهم المعروفین کانوا بالمؤمنین و مبلغها نحو ثلثین ألف دینار و ما عدا ذلک من المال و الأمر و النهی و الحلّ و العقد و ما کان یصل الیهم من طریق مکّة و مال عمان و ما وصل الیهم من الرملة و الشأم فمتساو فیه آراء ولد أبی سعید الباقین و مفاوضة أبی محمّد سنبر بن الحسن بن سنبر و کان أکمل القوم و أشدّهم ثمّ تمکّنّا من نفسه، فإذا همّوا بقسمة ما یصل الیهم من مال السنة کان ذلک لیوم معلوم مذ لم یزالوا فیعزل منه الخمس بسهم صاحب الزمان و الثلاثة الأخماس لولد أبی سعید علی قوانین وضعوها بینهم و کان الخمس الباقی للسنابرة مسلّما الی أبی محمّد لیفرّقه فی ولد أبیه و ولده و یکونون نحو عشرین رجلا، و کان ولد أبی طاهر فیهم یعظمون و یکرمون و کان أجلّهم سابور فلمّا قتله
صورة الأرض، ج‌1، ص: 26
أعمامه تشتّتت کلمتهم و تغیّرت أحوالهم، و کان لهم من الثلاثة الأخماس مال معلوم دون الجرایات علیهم من الغنائم بحسب منازلهم دون ما لهم من الضیاع و النعمة المختصّة بهم الی سنة ثمان و خمسین فإنّهم لمّا فتکوا بسابور استوحش بعضهم من بعض و انقبضوا عن الالتقاء بالجرعاء و غیرها، و کان من رسومهم رکوب مشایخهم و أولادهم فرادی فیجتمعون الی قبلة الاحساء بالمکان المعروف بالجرعاء و یلعب أحداثهم بالرماح علی خیولهم و ینصرفون أفذاذا بغایة التواضع و قد لبسوا البیاض لا غیر، و کان من رسومهم أن تقع شوراهم بالجرعاء فیمن یخرجونه لما فدحهم و أهمّهم فإن اتّفق رأیهم علی خروجهم بأجمعهم لم یتخلّفوا و نفذوا و ترکوا فی البلد أوثقهم و أشفّهم منزلة عندهم و لمّا أنفذوا قدیما أبا علیّ بن أبی المنصور الی عمان و تعذّر علیه فتحها ساروا بأجمعهم الیها فافتتحوها، و لمّا أنفذوا أبا علیّ بن أبی المنصور الی الشأم و عاد عنها ظنّت به خیانة فیما صار الیه من الغنائم فردّ الیها کسری بن أبی القسم و صخر بن أبی إسحاق فکان منهم مع أبی محمّد الحسن بن عبید اللّه بن طغج ما سیرد فی مواضعه من أخبارهم و بالله القوّة، (10) [ثمّ إنّ المطیع سلّ سخائمهم و سعی فی تألّف قلوبهم و جمع کلمتهم فی سنة ستّین علی ما بلغنی سنة إحدی و ستّین من مشافهة أبی الحسین علیّ بن أحمد الجزریّ صاحب أبی الحسین علیّ بن محمّد بن الغمر و رأیته بصقلّیة و کأنّه ورد المغرب لیقرأ الأخبار بها و أخبرنی بأشیاء کالسرّ عنده ثمّ خمش وجه الحدیث و قال و من بقی من العقدانیّة بالأحساء و غیرها هلکوا کلّهم،] و کان فی جملتهم رجال جلّة ذوو حلوم و عقول دون من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 27
صحبهم من الجفاة الاغتام الأغفال الطغام کبنی الغمر و أجلّهم کان المقیم بالجعفریّة من ظاهر البصرة و هو أبو الحسین علیّ بن محمّد بن الغمر و یتلوه أخوه المقیم بالکوفة أبو طریف عدیّ بن محمّد بن الغمر و أبو الحسن علیّ بن أحمد بن بشر الحارثیّ المتولّی رجالهم و أموالهم من سائمتهم [9 ظ] و کراعهم و کان المقیم فیهم الحدود علی من وجبت منهم و کان قد ناهز المائة سنة، و ثور بن ثور الکلابیّ صاحب جیشهم مسنّ أیضا کاف مع کبر سنّه و کان صاحب سرایاهم الی کلّ مکان و کان أکبر منه حالة و أتمّ درایة أبو الحسن علیّ بن عثمن الکلابیّ کان یزعم أنّ سنیه مائة و عشرون سنة و کان ممّن لقی أبا زکریا الطمامیّ و شاهد دعوتهم الأولی و ناموسهم القدیم فصیح اللسان حسن البیان جرئ الجنان و ترسّل لهم الی غیر مکان و ناب منابة قاضیهم ابن عرفة فی أسباب المراسلة الی بنی حمدان و غیرهم [فعقد علیه بیعتهم و أخذ علیهم العهود بموالاتهم] و قد انتشر حبلهم و قلّ حولهم و فلّ حدّهم [بما جروا الیه من قتل سابور بن سلیمان و أمورهم کالواقفة فیما بینهم] ، و سمعت غیر حاک فی سنی نیّف و خمسین یحکی عن أبی طریف عدیّ بن محمّد بن الغمر و القاضی ابن عرفة عن تقارب ألفاظهم فی القول أنّ سادتهم یتوزّعون من مال البصرة و الکوفة و ما یقبضونه من الحجّاج و یرد علیهم من مال عمان و الغنائم دون الخمس الخارج عنهم لصاحب الزمان ألف ألف دینار و ربّما زادت المائة و المائتی ألف دینار، (11) فأمّا ما ینتهی الیه علی من أحوال مدنها و ما یحتاج الی علمه من المشهور و المهمل من أخبارها فلا أعلم بأرض العرب نهرا و لا بحرا یحمل سفینة لأنّ البحیرة المیّتة التی تعرف بزغر و إن کانت مصاقبة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 28
للبادیة فلیست منها، و مجمع الماء الذی بأرض الیمن فی دیار سبأ إنّما کان موضع مسیل ماء فبنی علی وجهه سد فکان یجتمع فیه میاه کثیرة یستعملونها فی القری و المزارع حتّی کفروا النعمة بعد أن کان الله تعالی جعل لهم عمارات قری متّصلة الی الشأم فسلّط علی ذلک المکان آفة فصار لا یمسک الماء و هو قوله تعالی و جعلنا بینهم و بین القری التی بارکنا فیها الی قوله و مزّقناهم کلّ ممزّق فبطل ذلک الماء الی یومنا هذا، فأمّا الجداول و العیون و السواقی فکثیرة، (12) و أنا مبتدئ من دیار العرب بذکر مکّة و مکّة مدینة فیما بین شعاب الجبال و طولها من المعلاة الی المسفلة نحو میلین و هو من حدّ الجنوبیّ الی الشمالیّ و من أسفل جیاد الی ظهر قعیقعان نحو الثلثین من هذا و أبنیتها من حجارة و المسجد فی نحو وسطها و الکعبة فی وسط المسجد و باب الکعبة مرتفع من الأرض نحو قامة تجاه المشرق و هو مصراعان و أرض البیت مرتفعة عن الأرض مع الباب و یحاذیه قبّة زمزم و مقام ابراهیم صلّی الله علیه بقرب من زمزم بخطوات و بین یدی الکعبة ممّا یلی المغرب حصار مبنیّ مدوّر له بابان مع رکنی البیت إلّا أنّه لم یدخل فیه و یعرف بالحجر و الطواف یحیط به و بالبیت و أحد الرکنین الذی یحادّ الحجر یعرف بالعراقیّ و الرکن الآخر یعرف بالشأمیّ و الرکنان الآخران أحدهما عند الباب و الحجر الأسود فیه مرکّب علی نحو قامة إنسان و الرکن الآخر یعرف بالیمانیّ، و سقایة الحاجّ المعروفة بسقایة العبّاس علی ظهر زمزم و زمزم فیما بینها و بین البیت، و دار الندوة من المسجد الحرام فی غربیّه و کانت لعبد الله بن جدعان التیمیّ و کان یملأها بالفالوذج و له مناد ینادی علیها فی الموسم هلمّوا الی الفالوذ و هی أوّل دار أسّست بمکّة و فیه و فیها یقول الشاعر
[9 ب] له داع بمکّة مشمعلّ‌و آخر فوق دارته ینادی،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 29
(13) و من وقف علی الصفا رأی الحجر الأسود و السعی بین الصفا و المروة، و المروة حجر من حدّ قعیقعان و هو الجبل الذی عن غربیّ الکعبة و أبو قبیس أرفع و أعلی منه تجاهه من نحو المشرق و یقال أنّ حجارة البیت من قعیقعان، و منی علی طریق عرفات من مکّة و هی أیضا شعب طوله دون المیلین و عرضه دون رمیة السهم و بینه و بین مکّة ثلثة أمیال و بمنی أبنیة کثیرة کالقصور لأهل کلّ بلد من بلدان الإسلام، و مسجد الخیف فی أقلّ من وسطها ممّا یلی مکّة و جمرة العقبة فی آخر منی ممّا یلی مکّة و لیست العقبة التی تنسب الیها الجمرة من منی و الجمرة الأولی و الوسطی هما معا فوق مسجد الخیف الی ما یلی مکّة، و المزدلفة مبیت للحاجّ و مجمع صلاتی المغرب و العشاء الآخرة إذا صدر الحاجّ من عرفات بالمزدلفة و هو مکان بین بطن محسّر و المأزمین فأمّا بطن محسّر فهو واد بین عرفات و المزدلفة، و المأزمان شعب بین جبلین یفضی آخره الی بطن عرنة و هو واد بین المأزمین و بین عرفة، و عرفة ما بین وادی عرنة الی حائط بنی عامر الی ما أقبل علی الصخرات التی یکون بها موقف الإمام و الی طریق حضن و بحائط بنی عامر نخیل و کذلک فی غربیّ عرفة و عرنة بقرب المسجد الذی یجمع فیه الإمام بین صلاتی الظهر و العصر فی یوم عرفة و نخیل الحائط و العین تنسب الی عبد اللّه بن عامر بن کریز ، و لیس عرفات من الحرم و إنّما حدّ الحرم من المأزمین فإذا جزتهما الی العلمین فمن الحلّ و کذلک التنعیم الذی یعرف بمسجد عائشة لیس من الحرم و الحرم دونه نحو عشرة أمیال فی مسیرة یوم و علی الحرم کلّه منار مضروب متمیّز به عن غیره، (14) و لیس بمکّة ماء جار إلّا شی‌ء أجری الیها من عین قد کان عمل فیها بعض الولاة فاستتمّ فی أیّام المقتدر و یمتح الی مسیل قد جعل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 30
له الی باب بنی شیبة فی قناة قد عملت هناک و کانت أکثر میاههم من السماء الی مواجن و برک کانت بها عامرة فخربت باستیلاء المتولّین علی أموال أوقافها و استئثارهم بها و لیست لهم أبار یشرب منها و أطیبها زمزم و لا یمکن الإدمان علی شرب مائها، و لیس بجمیع مکّة شجر مثمر غیر شجر البادیة و إذا جزت الحرم فهناک عیون و أبار و حوائط کثیرة و أودیة ذات خضر و مزارع و نخیل و یقال أنّ بفخّ نخیلات یسیرة متفرّقة و هی من الحرم و لم أرها، و ثبیر جبل مشرف یری من منی و المزدلفة و کانت الجاهلیّة لا تدفع من المزدلفة إلّا بعد طلوع الشمس إذا أشرقت علی ثبیر، و بالمزدلفة المشعر الحرام و هو مصلّی الإمام یصلّی فیه المغرب و العشاء الآخرة و الصبح، و الحدیبیّة بعضها من الحلّ و بعضها من الحرم و هو مکان صدّ المشرکون فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عن المسجد الحرام من أبعد الحلّ الی البیت و لیس هو فی طول الحرم [10 ظ] و لا عرضه إلّا أنّها فی زاویة للحرم فلذلک صار بینها و بین المسجد أکثر من یوم، (15) فأمّا المدینة فهی أقلّ من نصف مکّة و هی فی حرّة سبخة الأرض و لها نخیل کثیرة و میاه نخیلهم و رزوعهم من الأبار یسقون بها العبید و علیها سور و المسجد فی نحو وسطها و قبر النّبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم من المسجد فی شرقیّه قریبا من القبلة قریبا من الجدار الشرقیّ فی بیت مرتفع بین سقفه و سقف المسجد فرجة و لا باب له و له زاویتان و المنبر الذی کان یخطب علیه النّبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قد غشی بمنبر آخر و الروضة أمام المنبر بینه و بین القبر و المصلّی الذی کان النّبیّ صلّی الله علیه و علی برزة عترته یصلّی فیه الأعیاد فی غربیّ المدینة داخل سورها و بقیع الغرقد خارج السور بباب البقیع فی شرقیّ المدینة، و قباء خارج المدینة علی نحو میلین الی ما یلی القبلة و هو مجمع بیوت الأنصار یشبه القریة، و أحد جبل فی شمالیّ المدینة و هو أقرب الجبال الیها علی نحو فرسخین منها، و بقربها مزارع فیها ضیاع لأهل المدینة و وادی العقیق فیما بینها و بین الفرع و الفرع
صورة الأرض، ج‌1، ص: 31
من المدینة علی أربعة أیّام فی جنوبیّها و بها مسجد جامع غیر أنّ أکثر هذه الضیاع خراب وقتنا هذا و کذلک حوالی المدینة ضیاع کثیرة قد خربت، و العقیق واد من المدینة فی قبلتها علی أربعة أمیال فی طریق مکّة و أعذب ماء فی الناحیة أبار العقیق، و روی عن النّبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم أنّ غبار المدینة أمان من الجذام و من أقام بها وجد فی ترابها و هوائها رائحة لیست فی الأرائیج طیبا خلقة فیها و جوهریّة لا تتغیّر و هی أنقی طینا من الطیب بسابور و ألذّ نسیما من نهر الأبلّة و لا تتغیّر المعجونات و الطیب بها ما أقاما، (16) و أمّا الیمامة فواد و المدینة به تسمّی الخضرمة دون مدینة الرسول صلّی الله علیه و سلّم و هی أکثر نخیلا و ثمرا من المدینة و من سائر الحجاز، و کانت قرارا لربیعة و مضر فلمّا نزل علیها بنو الأخیضر جلت العرب منها الی جزیرة مصر فسکنوا بین النیل و بحر القلزم و قرّت ربیعة و مضر هناک و صارت لهم و لتمیم کالدار التی لم یزالوا بها و ابتنوا بها غیر منبر کالمحدثة التی بظاهر اسوان و کالعلاقی و هو المنهل یجتاز به الحجیج الی عیذاب و هم أهل معدن الذهب و إقامتهم علیه فی أمور سآتی علی ذکرها فی أماکنها، و لیس بالحجاز بعد مکّة و المدینة أکبر من الیمامة و یلیها فی الکبر وادی القری و هی ذات نخیل أیضا ، و البحرین فی ناحیة نجد و أکبر أعمالها و مدنها هجر و هی أکثر تمورا و لیست من الحجاز و هی علی شطّ بحر فارس و مقام القرامطة بها و هی دارهم، و لهما قری کثیرة و قبائل من مضر ذوو عدّة و عدد اغتصبت لضعف السلطان من أربابها، (17) و الجار فرضة المدینة و هی علی ثلث مراحل منها علی شطّ البحر و هی أصغر من جدّة، و جدّة فرضة لأهل مکّة علی مرحلتین منها علی شطّ البحر و کانت عامرة کثیرة التجارات و الأموال و لم یکن بالحجاز بعد مکّة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 32
أکثر مالا [10 ب] و تجارة منها و کانت تجاراتهم تقوم بالفرس فلمّا أقام بها ابن جعفر الحسنیّ تشتّت أربابها و رزحت أحوالها، (18) و الطائف مدینة صغیرة نحو وادی القری کثیرة الشجر و الثمر و أکثر ثمارها الزیت و هی طیّبة الهواء و فواکه مکّة و بقولها منها و هی علی ظهر جبل غزوان و بغزوان دیار بنی سعد و سائر قبائل هذیل و لیس بالحجاز فیما علمته مکان هو أبرد من رأس هذا الجبل و لذاک اعتدل هواء الطائف و بلغنی أنّه ربّما جمد الماء فی ذروة هذا الجبل و لیس بالحجاز مکان یجمد فیه الماء سوی هذا الموضع، (19) و الحجر قریة صغیرة قلیلة السکّان و هی من وادی القری علی یوم بین جبال و بها کانت دیار ثمود الذی قال الله تعالی و تنحتون من الجبال بیوتا فرهین، و ذکر أبو إسحاق الفارسیّ أنّ بیوتها منقورة کبیوتنا فی أضعاف جبالها و تدعی تلک الجبال الأثالب و هی جبال فی العیان متّصلة حتّی إذا توسّطت کانت کلّ قطعة منها قائمة بذاتها یطوف بکلّ قطعة منها الطائف و دونها جبال رمال لا یکاد یرتقی الی ذراها إلّا بمشقّة شدیدة و بها بئر ثمود التی قال الله تعالی فی الناقة لها شرب و لکم شرب یوم معلوم، (20) و تبوک بین الحجر و بین أوّل الشأم علی أربع مراحل فی نحو نصف طریق الشأم و هی حصن و له عین ماء و نخیل و حائط ینسب الی النّبیّ صلّی الله علیه و سلّم، و یقال أنّ أصحاب الأیکة الذین بعث الله الیهم شعیبا کانوا بها و لم یکن شعیب منهم و إنّما کان من مدین، و مدین علی بحر القلزم محاذیة لتبوک علی نحو ستّ مراحل و مدین أکبر من تبوک و بها البئر التی استسقی منها موسی علیه السلام لسائمة شعیب و هی بئر مغطاة قد
صورة الأرض، ج‌1، ص: 33
عمل علیها بیت و ماء أهلها من عین تجری لهم و مدین اسم القبیلة التی کان منها شعیب و إنّما سمّیت القریة بهم ألا تری أنّ الله تعالی یقول و الی مدین أخاهم شعیبا ، (21) و الجحفة منزل عامر و بینها و بین البحر نحو میلین و هی من الکبر و دوام العمارة نحو مدینة فید و لیس بین مکّة و المدینة منزل یستقلّ بالعمارة و الأهل سائر السنة کهی [و لا بین المدینة و العراق مکان یستقلّ بالعمارة و الأهل جمیع السنة مثل فید،] و هی فی دیار طیّ‌ء و جبلا طیّ‌ء منها علی مسیرة یومین و بها نخیل و زروع قلیلة لطیّ‌ء و بها ماء تافه و یسکنها بادیة من طیّ‌ء ینتقلون عنها فی بعض السنة ینتجعون المراعی، و خیبر حصن ذو نخیل کثیرة و زرع، (22) و ینبع حصن به نخیل و ماء و زرع و بها وقوف لعلیّ بن أبی طالب علیه السلام یتولّاه أولاده، و بقرب ینبع جبل رضوی و هو جبل منیف ذو شعاب و أودیة و رأیته من ینبع کخضرة البقل، و زعم بعض أصحابنا أنّه طاف فی شعابه و فیها ماء کثیر و أشجار و هو الجبل الذی تزعم طائفة الکیسانیّة أنّ محمّد بن علیّ بن أبی طالب فیه حیّا مقیما، و منه یحمل حجارة المسنّ الی سائر الآفاق، و فیما بینه و بین دیار جهینة و سائر البحر دیار للحسنیّین یسکنونها ببیوت الشعر نحو سبع مائة بیت بادیة کالأعراب ینتجعون المراعی و المیاه بزیّ کزیّ الأعراب لا تمیّز بینهم فی خلق و لا خلق، و تتّصل دیارهم فیما یلی المشرق بوادی ودّان [11 ظ] و هو من الجحفة علی مرحلة و بینهم و بین الأبواء التی علی طریق الحاجّ فی غربیّها ستّة أمیال، و بها رئیس الجعفریّین من ولد جعفر بن أبی طالب
صورة الأرض، ج‌1، ص: 34
و له بالفرع و السابرة ضیاع کثیرة و عشیرة و أتباع و بینهم و بین ولد الحسن ابن علیّ بن أبی طالب علیهما السلام حروب و دماء حتّی لقد استولت طائفة من الیمن یعرفون ببنی حرب علی ضیاعهم و صاروا حربا لهم و ألبا علیهم و قد ضعفوا بخلافهم، و تیماء حصن أعمر من تبوک و هی فی شمال تبوک و لها نخیل و هی ممتار البادیة و بینها و بین أوّل الشأم ثلثة أیّام، (23) و لا أعلم فیما بین العراق و الشأم و الیمن مکانا إلّا و هو فی دیار طائفة من العرب ینتجعونه فی مراعیهم و میاههم إلّا أن یکون بین الیمامة و البحرین و بین عمان و من وراء عبد القیس برّیّة خالیة عن الأبآر و السکّان و المراعی قفرة لا تسلک و لا تسکن، فأمّا ما بین القادسیّة الی الشقوق فی الطول و العرض من قرب السماوة الی حدّ بادیة البصرة فسکّانها قبائل من بنی أسد، فإذا جزت الشقوق فأنت فی دیار طیّ‌ء الی أن تجاوز معدن النقرة فی الطول و فی العرض من وراء جبلی طیّ‌ء محاذیا لوادی القری الی أن تتّصل بحدود نجد من الیمامة و البحرین، ثمّ إذا جزت المعدن عن یسار المدینة فأنت فی بنی سلیم و إذا جزته عن یمین المدینة فأنت فی جهینة، و فیما بین المدینة و مکّة بکر بن وائل فی قبائل من مضر من الحسنیّین و الجعفریّین، و الغالب علی نواحی مکّة ممّا یلی المشرق بنو هلال و بنو سعد فی قبائل من هذیل و عن غربیّها مدلج و غیرها من قبائل مضر، و أمّا بادیة البصرة فهی أکثر هذه النواحی أحیاء و قبائل و أکثرها تمیم حتّی یتّصلوا بالبحرین و الیمامة ثمّ وراءهم عبد القیس، و أمّا بادیة الجزیرة فإنّ بها أحیاء من ربیعة و الیمن و أکثرهم کلب الیمن و فی قبیلة منهم یعرفون ببنی العلیص خرج صاحب الشام الذی فلّ جیوش مصر و أوقع بأهل الشأم حتّی قصده المکتفی الی الرقّة فأخذ له بالدالیة، و بادیة السماوة من دومة الجندل الی عین التمر و برّیّة خساف من بادیة الجزیرة، و برّیّة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 35
خساف فیما بین الرقّة و بالس عن یسار الذاهب الی الشأم، و صفّین أرض من هذه البادیة بقرب الفرات ما بین الرقّة و بالس و هو الموضع الذی کان به حرب علیّ علیه السلام و معویة و رأیت هذا الموضع فرأیت عجبا و ذلک أنّا کنّا سائرین من تحته فی الفرات و هو ربوة عظیمة فعددنا علیها ثمنیة قبور أو تسعة و من فوقها ربوة أعلی منها فعددنا علیها بضعة عشر قبرا ظاهرة بیّنة لمن یتأمّلها و لم تختلف جماعة کنت فیهم فی عدد قبور الموضعین ثمّ صعدنا المکان الذی عددنا فیه هذه القبور فلم نر فیه و لا لقبر واحد أثرا، و أخبرنی من یعرف بمعرفة تلک الناحیة أنّه رأی فیها بیت مال علیّ بن أبی طالب صلوات الله علیه للفی‌ء قائما بنفسه، و أمّا بادیة الشأم فإنّها دیار لفزارة و لخم و جذام و بلی و قبائل مختلطة [11 ب] من الیمن و ربیعة و مضر و أکثرها یمن، (24) و الرمل المعروف بالهبیر هو الرمل الذی أصله بالشقوق الی الأجفر عرضا و طوله من وراء جبلی طیّ‌ء الی أن یتّصل مشرقا بالبحر و یمضی من وراء جبلی طیّ‌ء الی أن یرد الجفار من أرض مصر ثمّ یسایر النیل و جبل المقطّم عن جانبی النیل الی بلد النوبة فیعبر من فوق الفیّوم النیل فیتّصل بالمغرب الی أرض نفزاوه و یمضی مغربا الی سجلماسه و أرض أودغست الی البحر المحیط مسیرة خمسة أشهر و منه عرق یضرب من القادسیة الی البحرین و یعبر البحر فیمّر علی مشارق خوزستان و فارس الی أن یرد الی سجستان و یعطف منه شی‌ء علی مفازة فارس و خراسان الی الطبسین و قوهستان و یمرّ مشرقا الی مرو آخذا علی جیحون فی برّیّة خوارزم الی خوارزم ثمّ یعبر جیحون و قد شقّه جیحون و قطع فیه الی قریة قراتکین و یأخذ فی بلاد الخرلخیّة و بعض التبّت الی بلد الصین و البحر المحیط فی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 36
جهة المشرق و هو علی ما وصفته و سقته من المحیط بالمشرق الی المحیط بالمغرب و ذاهب من نواحی اودغست و صحاریّها علی البحر المحیط علی بلاد غانه و کوغه و جمیع بلاد السودان الی البرّیّة التی لا تسلک و قد فرش الجنوب من الأرض أیضا و فیه جبال منه عظام لا تتوقّل و لا ترتقی و بعضه فی أرض سهلة ینتقل من مکان الی مکان [و بعضه لا تعرف له حرکة فهو لا یزول عن مکانه] و منه أصفر لیّن اللمس و أحمر قانئ و أزرق سماویّ و أسود حالک و أکحل مشبع کالنیل و أبیض کالثلج و بعضه یحکی الغبار نعمة و بعضه خشن جریش اللمس أحرش، [و قد عادت صفة الرمل من بعد أحوال مصر عند ذکر الجفار] ، (25) و أمّا تهامة فإنّها قطعة من الیمن جبال مشتبکة أوّلها مشرف علی بحر القلزم ممّا یلی غربیّها و شرقیّها بناحیة صعدة و جرش و نجران و شمالیّها حدود مکّة و جنوبیّها من صنعاء نحو عشر مراحل و قد صوّرت بعض جبال تهامة فی صورة دیار العرب، (26) و بلاد خولان تشتمل علی قری و مزارع و میاه معمورة بأهلها و هی مفترشة و بها أصناف من قبائل الیمن، و نجران و جرش مدینتان متقاربتان فی الکبر و بها نخیل و تشتملان علی أحیاء من الیمن کثیرة، و صعدة أکبر و أعمر منهما و بها یتّخذ ما کان یتّخذ بصنعاء من الأدم و یتّخذ بنجران و جرش و الطائف أدم کثیر غزیر و أکثره من صعدة و بها مجمع التجّار و الأموال و الحسنیّ المعروف بالرسّیّ بها مقیم، (27) و لیس بجمیع الیمن مدینة أکبر و لا أکثر مرافق و أهلا من صنعاء و هو بلد فی خطّ الاستواء و هو من اعتدال الهواء بحیث لا یتحوّل الإنسان عن مکان واحد شتاء و لا صیفا عمره و یتقارب بها ساعات اللیل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 37
و النهار لأنّ محور الشمس علیها معتدل و الجذام بها ظاهر لقلّة سطوة الشمس فیها و تافه تحلیلها عن جسومهم، و فیه کانت دیار ملوک الیمن فیما تقدّم و بها آثار بناء عظیم قد خرب فهو تلّ کبیر یعرف بغمدان و کان قصرا لملوک الیمن و لیس بالیمن بناء أرفع منه علی خرابه، (28) [12 ظ] و المذیخرة جبل کان فیه الجعفریّ و بلغنی أنّ أعلاه کان عشرین فرسخا فیها مزارع و میاه و فیه ینبت الورس و هو نبات أحمر فی معنی الزعفران یباع منوان بدینار فیصبغ به و هو منیع منیف لا یسلک و کأنّه من أسفله جبل بالمغرب یعرف بجبل نفوسة فی الحصانة و کثرة المیاه و الأشجار و طیب التربة و کثرة الثمار یسکنه الخوارج و هو دار هجرة لهم و مات به عبد الله بن وهب الراسبیّ و عبد الله بن إباض و لا یسلک إلّا من طریق واحد و کانت المذیخرة قدیما لأسعد بن أبی یعفر ثمّ غلب علیها محمّد بن الفضل الداعی لأهل المغرب، (29) و شبام جبل عظیم منیع أیضا فیه قری و مزارع و سکّان کثیر و فیه جامع و هو متمیّز من جبال الیمن و یرتفع منه العقیق و الجزع و الحجر المعروف بالجمست و یصیبها المطالبیّون بالناحیة غشیما کسائر الحجارة فإذا عملت ظهر جوهرها بالنار و العمل [و بلغنی أنّها تکون فی صحاری فیها حصی ملوّن تلقط من بینها]، (30) و عدن مدینة صغیرة و شهرتها لأنّها فرضة علی البحر ینزلها السائرون فی البحر و بالیمن مدن أکبر منها لیست کشهرتها، و بالیمن أیضا من الخوارج طائفة بقرب همدان و خولان و جمع بلدة و هی من أعمر بلاد بتلک النواحی مخالیف و مزارع و أغزرها میاها،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 38
(31) و حضر موت فی شرقیّ عدن بقرب البحر و رمالها کثیرة غزیرة تعرف بالأحقاف و هی مدینة صغیرة و لها ناحیة و أعمال عریضة و بها قبر هود النّبیّ صلّی الله علیه و بقربها برهوت و هو البئر التی لا یعلم أنّ إنسانا نزلها، و بلاد مهرة فقصبتها تسمّی الشحر و هی بلاد قفرة ألسنتهم مستعجمة جدّا لا بکاد یوقف علی کلامهم و لیس بها نخل و لا زرع و إنّما أموالهم الإبل و المعز و الإبل و الدوابّ تعلف السمک الصغار المعروف بالورق و هم و سائر حیوانهم لا یعرفون الخبز و لا یأکلونه و أکلهم السموک و الألبان و التمور و لهم نجب من الإبل تفضّل فی السیر و حسن الریاضة علی جمیع النجب و اللبان الذی یستعمل بالآفاق من هناک و دیارهم مفترشة به و بلادهم بواد نائیة و یقال أنّها من أعمال عمان و طول مهرة أربع مائة فرسخ، [قال کاتب هذه الأحرف إنّ المستولی علی هذه البلاد لمّا دخلتها فی سنة أربعین و خمس مائة و المتحکّم فیها أحمد بن منجویه و کان دار ملکه بمرباط و هی مدینة صغیرة علی شاطی‌ء البحر و علی مسیرة یوم و نصف منها مدینة ظفار و هی أیضا له،] (32) و عمان ناحیة ذات أقالیم مستقلّة بأهلها فسحة کثیرة النخل و الفواکه الجرومیّة من الموز و الرمّان و النبق و نحو ذلک و قصبتها صحار و هی علی البحر و بها من التجّار و التجارة ما لا یحصی کثرة و هی أعمر مدینة بعمان و أکثرها مالا و لا یکاد یعرف علی شطّ بحر فارس بجمیع الإسلام مدینة أکثر عمارة و مالا من صحار و لها مدن کثیرة و یقال أنّ حدود أعمالها ثلثمائة فرسخ، و کان الغالب علیها الشراة الی أن وقع بینهم و بین طائفة من بنی سامة بن لؤیّ و هم فی أکثر تلک النواحی فخرج منهم رجل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 39
یعرف بمحمّد بن القسم السامیّ الی المعتضد فاستنجده علیهم فبعث معه بابن ثور ففتح عمان للمعتضد و أقام بها الخطبة له و انحازت الشراة الی ناحیة لهم تعرف بنزوی الی یومنا هذا بها إمامهم و بیت مالهم و جماعتهم [12 ب] علی غدر فیهم شدید و غیلة ظاهرة بالجمیع، و عمان بلاد حارّة جرومیّة و بلغنی أنّ بمکان منها بعید من البحر ربّما وقع ثلج رقیق و لم أر من شاهد ذلک إلّا بالبلاغ، (33) و بأرض سبأ من الیمن طوائف من حمیر و کذلک بحضر موت، و دیار همدان و أشعر و کندة و خولان فبلاد مفترشة فی أعراض الیمن و فی أضعافها مخالیف و زرع و بها بواد و قری تشتمل علی بعض تهامة و بعض نجد، و نجد الیمن من شرقیّ تهامة و هی قلیلة الجبال مستویة البقاع و نجد الیمن غیر نجد الحجاز غیر أنّ جنوبیّ نجد الحجاز یتّصل بشمال نجد الیمن و بین البحرین و بین عمان برّیّة منیعة السلوک، و بالیمن قرود کثیرة و بلغنی أنّها تکثر حتّی لا تطاق إلّا بجمع عظیم فإذا اجتمعوا کان لهم کبیر یعظّمونه و یتبعونه کالیعسوب للنحل، و بها دابّة تدعی العدار بلغنی أنّها تطلب الإنسان فتقع علیه و إن أصابت منه تلک الدابّة جرحا تدوّ جوف الإنسان فانشقّ، و یحکی عن الغیلان بها من الأعجوبة ما لا أستحسن حکایته لأنّ المنکر لما لا یعلم أعذر من المقرّ بما یجهل، (34) و أمّا المسافات بدیار العرب فإنّ الذی یحیط بها من عبّادان الی البحرین نحو إحدی عشرة مرحلة و من البحرین الی عمان نحو شهر و من عمان الی أوائل مهرة نحو مائة فرسخ، و سمعت أبا القسم البصریّ یقول من عمان الی عدن ستّمائة فرسخ منها خمسون فرسخا الی المسقط عامرة و خمسون لا ساکن فیها الی أوّل بلد مهرة و هی الشحر و طولها أربع مائة فرسخ و العرض فی جمیع ذلک من خمسة فراسخ الی ثلثة فراسخ و کلّها رمل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 40
و من آخر الشحر الی عدن مائة فرسخ و من عدن الی جدّة شهر و من جدّة الی ساحل الجحفة نحو خمس مراحل و من ساحل الجحفة الی الجار ثلث مراحل و من الجار الی ایلة عشرون مرحلة [و من ایلة الی بالس نحو عشرین مرحلة و من بالس الی الکوفة نحو عشرین مرحلة] و من الکوفة الی البصرة اثنتا عشرة مرحلة و من البصرة الی عبّادان مرحلتان و هذا هو دائرها و ما یحیط بها، (35) فأمّا المسافات فی أضعافها فإنّ من الکوفة الی المدینة نحو عشرین مرحلة و من المدینة الی مکّة مسافة عشر مراحل فی طریق الجادّة و من الکوفة الی مکّة طریق أخصر من هذا الطریق بنحو ثلاث مراحل إذا انتهی الی معدن النقرة عدل عن المدینة حتّی یخرج علی معدن بنی سلیم ثمّ الی ذات عرق حتّی ینتهی الی مکّة، و أمّا طریق البصرة فإلی المدینة ثمانی عشرة مرحلة و یلتقی مع طریق الکوفة بقرب معدن النقرة، و أمّا طریق البحرین الی المدینة فنحو خمس عشرة مرحلة، و أمّا طریق الرقّة الی المدینة فنحو عشرین مرحلة علی جبلی طیّ‌ء و کذلک من دمشق الی المدینة و مثلها من فلسطین الی المدینة، و من مصر الی المدینة علی الساحل عشرون مرحلة و مجتمعهم مع أهل الشأم بایلة و فی ضمن المصریّین یحجّ المغاربة و ربّما تفرّدوا بأنفسهم إلّا أنّهم یتّفقون [13 ظ] فی مناخ واحد و ربّما تقدّموا فیکون بینهم أن ینزل أحدهم و یرحل الآخرون أو یتأخّرون علی هذا السبیل، و ایلة من ناحیة الشأم أوّل حدود البادیة، و لأهل مصر و فلسطین إذا جازوا مدین طریقان أحدهما الی المدینة علی بدا و شغب قریة بالبادیة کانوا بنو مروان أقطعوها الزهری و بها قبره حتّی ینتهی الی المدینة علی المروة و طریق یمضی علی ساحل البحر حتّی یخرج بالجحفة فیجتمع بها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 41
أهل العراق و دمشق و فلسطین و أهل مصر، و طریق الرقّة وقتنا هذا منقطع إلّا لقوم من العرب یحجّون فیه أفذاذا و یسلکونه عبادید و سائر الطرق مسلوکة فی وقتنا هذا غیره، (36) و من عدن الی مکّة نحو شهر و لهم طریقان أحدهما علی ساحل البحر و هو أبعد و هی جادّة تهامة و السائر علیها یأخذ علی صنعاء و صعدة و جرش و بیشة و تبالة حتّی ینتهی الی مکّة و طریق آخر علی البوادی غیر طریق تهامة یقال له الصدور فی سفح جبل نحو عشرین مرحلة و هو أقرب غیر أنّه علی أحیاء الیمن و مخالیفها یسلکه الخواصّ منهم، و أمّا أهل حضرموت و مهرة فأنّهم یقطعون عرض بلادهم حتّی یتّصلوا بالجادّة بین عدن و مکّة و المسافة منهم الی الاتّصال بهذه الجادّة اثنتان و عشرون مرحلة فیصیر جمیع طریقهم نیّفا و خمسین مرحلة، و طریق عمان یصعب سلوکه فی البرّیّة لکثرة القفار و قلّة السکّان و إنّما طریقهم فی البحر الی جدّة فإن سلکوا علی السواحل من مهرة و حضر موت الی عدن أو الی طریق عدن بعد علیهم و قلّ ما یسلکونه، و کذلک ما بین عمان و البحرین فطریق شاقّ یصعب سلوکه لتمانع العرب و تنازعهم فیما بینهم، و أمّا ما بین البحرین و عبّادان فغیر مسلوک کان الی هذه الغایة و قد سلک و هو قفر و الطریق منها علی البحر، و من البصرة الی البحرین علی الجادّة إحدی عشرة مرحلة و علی هذا الطریق أتی سلیمن بن الحسن متزوّدا الماء من البحرین الی البصرة و لا ماء فیه و هو علی الساحل نحو ثمانی عشرة مرحلة و فی قبائل العرب و میاههم و هو طریق عامر غیر أنّه مخوف، (37) فهذه جوامع المسافات التی یحتاج الی علمها فأمّا ما بین دیار العرب لقبائلها من المسافات فقلّما تقع الحاجة الیه لغیر أهل البادیة و الی معرفته،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 42

[بحر فارس]

اشارة

(1) و الذی یجب أن یذکر بعد دیار العرب بحر فارس لأنّه یشتمل علی أکثر حدودها و تتّصل دیار العرب به و بکثیر من بلدان الإسلام و تعتوره ثمّ أذکر جوامع ممّا یشتمل علیه هذا البحر، و أبتدئ بالقلزم و ساحله ممّا یلی المشرق فإنّه ینتهی الی ایلة ثمّ یطوف بحدود دیار العرب التی ذکرتها و أثبتّها قبل هذا من هنا الی عبّادان ثمّ یقطع عرض الدجلة و ینتهی علی الساحل الی مهروبان ثمّ الی جنّابه ثمّ یمرّ علی سیف فارس الی سیراف ثمّ یمتدّ الی سواحل هرموز من وراء کرمان الی الدیبل و سواحل الملّتان و هو [13 ب] ساحل السند و قد انتهی حدّ بلد الإسلام ثمّ ینتهی الی سواحل الهند ماضیا الی سواحل التبّت فیقطعها الی أرض الصین، و إذا أخذت من أرض القلزم من جانب البحر الغربیّ علی ساحله سرت فی مفاوز من حدود مصر حتّی تنتهی الی جزائر تعرف ببنی حدان و کان بها مراکب لمن أثر الحجّ تخطف بالحجّاج الی الجار و جدّة ثمّ تمتدّ فی مفاوز للبجة کان بها معدن الزمرّد و شی‌ء من معادن الذهب الی مدینة علی شطّ البحر یقال لها عیذاب و هی محاذیة للجار ثمّ یتّصل السیف الی سواکن و هی ثلث جزائر یسکنها تجّار الفرس و قوم من ربیعة و یدعی فیها لصاحب المغرب و هی محاذیة لجدّة و بین سواکن و عیذاب سنجلة جزیرة بین رأس جبل دوای و جبل ابن جرشم و هی لطیفة و بها مغاص لللؤلؤ و یقصد فی کلّ حین بالزاد و الرجال و بینها و بین جدّة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 43
یوم واحد و لیلة و المتسحّل منها یصل الی جزیرة باضع و بینهما مجراوان، ثمّ یخطف المستحل عنها الی دهلک أربعة مجار و من دهلک الی زیلع ستّة مجار، و باضع جزیرة ذات خیر و میر و ماشیة و هی محاذیة لحلی، و جزیرة دهلک محاذیة لعثر و جزیرة زیلع فکأنّها بین غلافقة و عدن و جزیرة نجه و بربرة محاذیة لأعمال عدن و من هذه الجزائر أکثر جلود الدباغ بعدن و الیمن من البقریّ و الملمّع و الأدم الثقیل، ثمّ یمتدّ البحر علی بحر الحبشة و یتّصل بظهر بلد النوبة حتّی ینتهی الی بلدان الزنج و هی من أوسع تلک الممالک فیمضی السیف محاذیا لجمیع بلدان الإسلام، و قد انتهت مسافة هذا البحر من شرقه و غربه و قد تعترض فیها جزائر و أقالیم تختلف لا یعلمها إلّا من سافر فی البحر الی أن یحاذی أرض الصین،

(2) و هذه صورة بحر فارس، [14 ظ]

إیضاح ما یوجد فی صورة بحر فارس من الأسماء و النصوص، یقرأ فی أعلی الصفحة صورة بحر فارس و فی الزاویتین العلیایین الجنوب و المشرق، و فی أعلی الصورة یعطف ساحل البحر یمینا و یسارا و کتب عند العطف الی الیمین فی البرّ البحر المحیط و فی داخل البرّ براری الجنوب الغامره ثمّ علی الساحل الداخلیّ من الجانب الأیمن مبتدئا من الأسفل بلد الحبشه، مفازة بین الزنج و الحبشه، بلد الزنج، و بعد ذلک الی الأسفل بربره، زیلع، سواکن، عیذاب ، جزائر بنی حدان و عند منتهی البحر القلزم، و بین سواکن و عیذاب فی البرّ جبل دوای و جبل بن جرشم، و یوازی هذا الساحل فی داخل البرّ نهر النیل و عند مبتدئه جبل القمر و علی ضفّة النیل فی أسفل الصورة دنقله و اسوان، و یقرأ بین النیل و الساحل البجه و بلد النوبه و فیه مدینة علوه ثمّ بین اسوان و عیذاب العلاقی، و عن یسار ذلک الصعید، و فی الجانب الآخر من النیل الواحات،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 44
و یبتدئ من عند القلزم ساحل دیار العرب و علیه من المدن رایه، ایله، عینونه، طبا، الجار، جد، السرین، حلی، الحمضه، عثر، الشرجه، الحرده، غلافقه ، المخا، عدن، عمان، و فی داخل هذه الدیار مدینة مکه، و بلد العرب و بلد الحجاز، و عن یسار عمان بلد البحرین ثمّ نهر دجله، و عند مبتدأ هذا النهر نواحی العراق، و بلی ذلک الی الأعلی قطعة من البرّ یقرأ فیها نواحی خوزستان ثمّ نواحی فارس ثمّ نواحی کرمان، و علی ساحل تلک القطعة من المدن مهروبان، سینیز، توج، جنابه، سهراف. حصن بن عماره، سوروا ثمّ هرموز عند منتهی خلیج من البحر، و القطعة التی تلیها یقرأ فیها نواحی المنصوره و الملتان و بلد اسند، و فیه نهر مهران، ثمّ بلد الهند و نواحی التبّت و عن یسار ذلک بلد الصین، و علی ساحل هذه القطعة الدیبل ، کنبایه، سندان، صیمور و فی بلد الصین علی البحر خمدان، و یقرأ علی ساحل البرّ عند عطفه الی الشمال البحر المحیط، و فی بحر فارس من الجزائر مبتدئا من أعلی الصورة سوباره، سربزه، سرندیب ثمّ قرب ساحله الأیمن، قنبلا ، و فی الخلیج بین دیار العرب و فارس لافت، خارک، اوال، و فی الخلیج بین دیار العرب و ساحل البجة دهلک، باضع، سنجله ، و فی أسفل الصورة فی الزاویتین یقرأ المغرب و الشمال، [14 ب] قد صوّرت هذا البحر و ذکرت حدوده و سأصف ما یحیط به و ما فی أضعافه مفصّلا لیقف علیه من قرأه، (3) فأمّا ما کان علیه من القلزم الی أن یحاذی بطن الیمن فإنّه یسمّی بحر القلزم و مقداره نحو ثلثین مرحلة طولا و عرضه أوسع ما یکون عبره ثلث لیال ثمّ لا یزال یضیق حتّی یری فی بعض جنباته الجانب الآخر حتّی ینتهی الی القلزم ثمّ یدور علی الجانب الاخر من بحر القلزم و هو و إن کان بحرا ذا أودیة ففیه جبال کثیرة قد علا الماء علیها و طرق السفن بها معروفة و لن یهتدی فیها إلّا بربّان یتخلّل بالسفینة فی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 46
أضعاف تلک الجبال بالنهار فأمّا باللیل فلا یسلک و الماء به علی غایة الصفاء فتری تلک الجبال فیه، و فی هذا البحر ما بین القلزم و ایلة مکان یعرف بتاران و هو أخبث ما فی هذا البحر من الأماکن و ذلک أنّه دوّارة ماء کالدردور فی سفح جبل إذا وقعت الریح علی ذروته انقطعت الریح قسمین فتنزل علی شعبتین فی هذا الجبل متقابلتین فتخرج الریح من کمّی هاتین الشعبتین المتقابلتین فتثیر البحر و تتبلّد کلّ سفینة فیه تقع فی تلک الدوّارة باختلاف الریحین و تتلف فلا یسلم المرکب بالواحدة إلّا ما شاء الله، و إذا کان الجنوب أدنأ مهبّ فلا سبیل الی سلوکه و مقدار هذه الصورة الصعبة و المکان القبیح نحو ستّة أمیال و هو الموضع الذی غرق فیه فرعون علی ما یذکره الرواة، و بقرب تاران موضع یعرف بجبیلان یهیج أیضا و تتلاطم أمواجه بالیسیر من الریح و هو موضع مخوف أیضا فلا یسلک بالصباء مغربا و بالدبور مشرقا، و إذا حاذی ایلة ففیه سمک کثیر کبیر مختلف الألوان و الأنواع، (4) فإذا قابل بطن الیمن یسمّی بحر عدن الی أن یحاذی عدن ثمّ یسمّی بحر الزنج الی أن یحاذی عمان عاطفا علی بحر فارس، و هو بحر یعرض حتّی یقال أنّ عبره الی بلد الزنج سبعمائة فرسخ و هو بحر مظلم أسود لا یری ممّا فیه شی‌ء و بقرب عدن معدن اللؤلؤ یخرج ما یقع منه الی عدن، فإذا جزت عمان الی أن تخرج من حدود الإسلام و تتجاوز الی قرب سرندیب فیسمّی بحر فارس و هو عریض البطن جدّا و فی عدوته بلدان الزنج، و فی هذا البحر هوارات کثیرة و معاطف صعبة و أجوان مختلفة و أشدّها ما بین جنّابه و البصرة فإنّه مکان یسمّی هور جنّابه و هو مکان مخوف لا یکاد تسلم منه سفینة فی هیجان البحر، و فیه مکان یعرف بالخشبات من عبّادان علی نحو ستّة أمیال علی جری ماء دجلة الی البحر و ربّما یرقّ الماء حتّی یخاف علی السفن الکبار أن تسلکه خشیة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 47
أن تجلس علی الأرض إلّا فی وقت المدّ و بهذا الموضع أربع خشبات منصوبة قد بنی علیها مرقب یسکنه ناظور یوقد باللیل لیهتدی به و یعلم به المدخل الی الدجلة و إذا ضلّت السفینة فیه خیف انکسارها لرقّة الماء، و تجاه جنّابه مکان یعرف بخارک [15 ظ] و به موضع اللؤلؤ یخرج منه الشی‌ء الیسیر إلّا أنّ النادر إذا وقع من هذا المکان فاق فی القیمة غیره و یقال أنّ الدرّة الیتیمة وقعت من هذا المعدن و بعمان و بسر ندیب فی هذا البحر معدنان لللؤلؤ و لا أعلم معدنا لللؤلؤ إلّا ببحر فارس، و لهذا البحر مدّ و جزر فی الیوم و اللیلة مرّتان من حدّ القلزم الی حدّ الصین حیث انتهی و لیس لبحر المغرب من جانب المغرب و لا لبحر الروم من الجانب الشرقیّ مدّ و لا جزر إلّا ما بالبحر المحیط فی شمال الاندلس فإنّه من ناحیة جبل العیون الی لب الی اکشنبه الی نواحی شلب و قصر بنی وردیسن الی المعدن و نواحی لشبونه و شنترین و شنتره فإنّ فیه مدّا و جزرا و زیادة تظهر و یرتفع الماء هناک فوق العشر الأذرع کارتفاعه بالبصرة ثمّ ینضب حتّی یرجع الی قدره الأوّل، و فی هذا البطن الذی نسبته خصوصا الی فارس جزائر منها لافت و أوال و خارک و غیرها من الجزائر المسکونة التی ذکرتها و عددتها أیضا فی غربیّ بحر القلزم فیها میاه عذبة و زروع و ماشیة و ضرع، و هذه جملة من صفة هذا البحر فی حدود الإسلام و سأصف ما علی سواحله صفة جامعة و أبتدئ بالقلزم منتهیا بالصفة لما علی جنباته الی غایته إن شاء الله، (5) فأمّا القلزم فمدینة علی شفیر البحر و نحره و منتهی هذا البحر الیها و هی فی عقم هذا البحر من آخر لسانه و لیس بها زرع و لا شجر و لا ماء و ماؤهم یحمل الیهم من أبآر بعیدة و میاه منها علی نأی و هی تامّة العمارة بها فرضة مصر و الشأم و منها تحمل حمولات الشأم و مصر الی الحجاز
صورة الأرض، ج‌1، ص: 48
و الیمن و سواحل هذا البحر و بینها و بین مصر مرحلتان، ثمّ تنتهی الی شطّ البحر فلا تکون بها قریة و لا مدینة سوی مواضع بها ناس مقیمون علی صید من هذا البحر و شی‌ء من النخیل یسیر حتّی تنتهی الی تاران و جبیلان و ما حاذی جبل الطور الی ایلة، و ایلة هذه مدینة صغیرة عامرة بها زرع یسیر و هی مدینة للیهود الذین حرّمت علیهم صیود السبت و جعل منهم القردة و الخنازیر علی ما یذکر أهل الروایة و بها فی أیدی یهودها عهد لرسول اللّه صلّی الله علیه و سلّم، ثمّ الی مدین و الجار و جدّة مواضع غیر مأهولة بالناس، و ما انتهی علی هذا البحر فی عطوف الیمن الی عمان و البحرین الی عبّادان فقد و صفته فی صفة دیار العرب، (6) و أمّا عبّادان فحصن صغیر عامر علی شطّ البحر و مجمع ماء دجلة و هو رباط کان فیه المحاربون للصفریّة و القطریّة و غیرهم من متلصّصة البحر و بها علی دوام الأیّام مرابطون، [قال کاتب هذه الأحرف اجتزت بعبّادان سنة ثمان و ثلاثین و خمس مائة و هی جزیرة فی وسط الدجلة و ماء الفرات عند مصبّهما فی البحر و اختلاط ماء البحر بهما و فیها رباط یسکنه جماعة الصوفیّة و الزهّاد و لیس بینهم المرأة البتّة و فی هذه الجزیرة مسجد من جانب الشرق و فیه ودائع و أمانات غیر مسلّمة الی أحد من الناس و قد قرّر الجماعة بتلک البقعة أنّ کلّ من أخذ من عبّادان شیئا علی سبیل الجنایة و السرقة فإنّ السفینة تغرق لا محالة بزعمهم حتّی أنّهم قد رسخوا فی قلوب الناس أنّ تراب عبّادان إن حمله أحد بغیر أمر أولئک الجماعة فإنّ تلک السفینة التی فیها من ذلک التراب تغرق و لیس کما زعموا، و بعبّادان بئر یزعم الشیعة أنّ الرجل إذا وقف علیها و أقسم علی الماء بکلّ اسم خلق الله فإنّ الماء لا یتحرّک فإذا أقسم علیه بعلیّ رضوان الله علیه فإنّ الماء یفور و یصعد الی شفیر البئر فمضیت الی تلک البئر و أقسمت علیها بما زعموا فو الله ما تحرّک ماؤها و لا تزعزع من موضعه ففکّرت و قلت هذه الجزیرة فی وسط الماء و هذا الماء فی الیوم و اللیلة یمدّ و یجزر مرّتین و مادّة هذه البئر من ذلک الماء و لا یبعد أن یتحرّک الماء فی البئر عند الزیادة و قد اتّفق فی تلک الساعة من لا یهتدی الی حقائق الأشیاء، أمّا المدّ و الجزر فإنّه من أعجب الأشیاء و ذلک أنّه یبتدئ بالمدّ عند طلوع القمر و لا یزال یتزاید الی أن یصیر القمر فی وسط السماء ثمّ یبتدئ بالجزر الی أن یحصل القمر فی أفق المغرب ثمّ یبتدئ بالمدّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 49
الی أن یصیر القمر فی درجة الرابع وتد الأرض و یبتدئ بالنقصان الی وقت طلوع القمر و یعود فی الزیادة و تختلف أوقاته باختلاف طلوع القمر و مغیبه و تبارک الله أحسن الخالقین، نعود الی نسخة الأصل،] ثمّ یقطع عرض الدجلة فیصیر علی ساحل هذا البحر الی مهروبان من حدّ فارس و یعترض فیه أماکن تمنع من السلوک إلّا فی الماء و ذلک أنّ میاه خوزستان تجتمع الی الدورق و حصن مهدیّ و الباسیان فتتّصل بماء البحر و مهروبان مدینة صغیرة عامرة و هی فرضة الرجان و ما والاها من أدانی فارس و بعض خوزستان ثمّ ینتهی [15 ب] البحر علی الساحل الی سینیز و هی مدینة أکبر من مهروبان و منها یقع هذا السینیزیّ الذی یحمل الی الآفاق ثمّ ینتهی البحر الی جنّابه و هی مدینة أکبر من مهروبان أیضا و هی فرضة لسائر فارس خصبة شدیدة الحرّ و علی نحر البحر بهذا السیف ما بین جنّابه و نجیرم قری و مزارع و مساکن متفرّقة شدیدة الحرّ، ثمّ ینتهی الی سیراف و هی الفرضة العظیمة لفارس و هی مدینة جلیلة و أبنیتها ساج و تتّصل أبنیتها الی جبل یطلّ علی البحر و لیس بها ماء یحمد و لا زرع و لا ضرع و هی من أغنی بلد بفارس ثمّ یتجاوزها علی الساحل فی مواضع منقطعة تعترض بها جبال و مفاوز الی أن ینتهی الی حصن ابن عمارة و هو حصن منیع علیّ علی نحر البحر و لیس بجمیع فارس حصن أمنع منه و یقال أنّ صاحبه هو الذی قال الله تعالی فیه و کان وراءهم ملک یأخذ کلّ سفینة غصبا، و ینتهی علی ساحل هذا البحر الی هرموز و هی فرضة لکرمان مدینة غنّاء کثیرة النخل حارّة جدّا، [و تعرف بالتیر و هی مساکن بین جبلین فی شعب ممتدّ وصلتها سنة تسع و ثلثین و خمس مائة و کان عمیدها إذ ذاک محمّد بن المرزبان من أهل شیراز الملقّب بصاحب السیف و القلم و لعمری إنّه کان مستحقّا لهذا اللقب إذ کانت له أریحیّة خازمیّة و مروءة خلقیّة و أهلها ذوو مروءة ظاهرة و ریاسة کاملة و کان بها عدّة من التجّر ذوی الیسار من جملتهم رجل یعرف بحسن بن العبّاس له مراکب تسافر الی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 50
أقصی بلاد الهند و الصین و مبلغ مضاربیه ... و کان له غلمان زنوج یضربون علی باب مسجده خمس نوب فنقل ذلک الی ملک کرمان و هو محمّد بن ارسلان شاه فقال لو ضرب خمسین نوبة لما اعترضت له رجل یتحصّل فی خزائنی من مراکبه فی کلّ سنة نحو من مائة ألف دینار و أنافسه فی الریح الهابّة، عدنا الی الصفة و الشرح،] ثمّ یسیر علیه آخذا شطّه الی الدیبل و هی مدینة عامرة و بها مجمع التجارة و هی فرضة لبلد السند و بلد السند فهو المنصورة و أراضی الزطّ و المعروفون بالبدهه متّصلین بالملّتان، ثمّ ینتهی الی ساحل بلدان الهند الی أن یتّصل بساحل التبّت و الی ساحل الصین ثمّ لا یسلک بعد ذلک، (7) و إذا أخذت من القلزم غربیّ هذا البحر فإنّه ینتهی الی برّیّة قفرة لا شی‌ء فیها إلّا ما قدّمت ذکره من الجزائر و البجة فی أعراض تلک البرّیّة و هم أصحاب أخبیة شعر و ألوانهم أشدّ سوادا من الحبشة فی زیّ العرب و لا قری لهم و لا مدن و لا زرع إلّا ما ینقل الیهم من مدن الحبشة و مصر و النوبة و ینتهی فی حدّهم ما بین الحبشة و أرض مصر و أرض النوبة معدن الزمرّد و الذهب و یأخذ هذا المعدن من قرب اسوان علی أرض مصر نحو عشر مراحل حتّی ینتهی علی البحر الی حصن یسمّی عیذاب و به مجمع لربیعة تجتمع الیه یعرف بالعلاقیّ فی رمال و أرض مستویة و فی بعضها جبال ما بینها و بین اسوان و أموال هذا المعدن تقع الی مصر و هو معدن تبر لا فضّة فیه و هو بأیدی ربیعة و هم أهله خاصّة، (8) و کانت البجة أمّة تعبد الأصنام بهذه الناحیة و ما استحسنوه الی سنة إحدی و ثلثین فإنّ عبد الله بن أبی سرح لمّا فتح مدینة اسوان و کانت مدینة أزلیّة قدیمة و کان عبر الیها من الحجاز قهر جمیع من کان بالصعید و بها من فراعنة البجة و غیرهم و أسلم أکثر البجة إسلام تکلیف
صورة الأرض، ج‌1، ص: 51
و ضبطوا بعض شرائط الإسلام و ظاهروا بالشهادتین و دانوا ببعض الفرائض و فیهم کرم و سماحة فی إطعام الطعام فسامحهم فی الأخذ علیهم و هم بادیة أغتام متوغّلون فی الجبال و الآجام فی عدد لا یحاط به فجرت أحکامهم علی سنن کانت لهم جاهلیّة الی بعض أحکام یستعملونها إسلامیّة و سآتی بما رأیته منهم معاینة و مشاهدة و نقلته مفاوهة و مشافهة، (9) حدّثنی أبو المنیع کثیر بن أحمد [16 ظ] الجعدیّ الاسوانیّ أنّ اسوان افتتحها عبد الله بن أبی سرح سنة إحدی و ثلثین و افتتح هیف و هی المدینة التی تجاه اسوان عن غربیّ النیل و قد تدعی قریة الشقاف و افتتح ابلاق و هی مدینة فی وسط ماء النیل علی حجر ثابتة فی وسط الماء منیعة کالجزیرة و بینها و بین اسوان ستّة أمیال و بحذائها علی النیل من جهة المشرق مسجد الردینیّ و قصر آلیه و تحت المسجد بیعة للنوبة و هو آخر حدّ الإسلام و أوّل حدّ النوبة، و لم یزل المسلمون مستظهرین علی جمیع من جاورهم هناک من النوبة و البجة الی سنة أربع و مائتین فإنّ البجة کانت تمتار من قفط و هی مدینة تحاجز قوص و کان للبجة رئیس یدخل الی قفط یعرف بمحا فیمتار البرّ و التمر علی مرّ أوقاته فیکرم و یعظم و کان لأهل قفط أیضا رئیس یعرف بإبراهیم القفطیّ فخرج حاجّا فی جماعة من أهله یرید عینونا و العبر الیها من ناحیة جزائر بنی حدان علی طریق طلفه فتطرّق بمحا البجاویّ و جماعته التی صحبته علی طریق الزیارة و کان بتلک الأرض فی غایة الخبرة فاجتمعت البجة الی محا رئیسهم فقالت لا بدّ من قتل هذا المسلم لمعرفته بدیارنا و مقارّنا و مظانّ میاهنا و لسنا نأمنه فدافعهم عن ذلک فغلبوه علی رأیه و اتّفقوا علی إتاهته فأتاهوه فمات عطشا و من کان معه و کان له ولد صغیر فرقّ له بعض البجة فسرّیه بالحیلة الی ناحیة اتفوا من الصعید فأوصله أهلها الی قفط فأخبرهم بحال أبیه فأسرّوا ذلک و لم یظهروه و أتی محا علی عادته لیمتار فی ثلثین رجلا من وجوه قومه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 52
فأنزلوهم فی بعض بیعهم و أتوا علیهم أجمعین، و اتّصل ذلک بالبجة فساروا الیهم و قد جلا بعض أهل قفط مغربین ففتحوها فی أحد شهور سنة أربع و مائتین و سبوا منها سبع مائة نسمة و قتلوا منها خلقا واسعا و کان بقفط حسنیّ له محلّ فقصد البجة فردّ علیه بعض السبی و انحدر أهل قفط الی مصر و السلطان ببعض شأنه مشغول فأقاموا یرفعون بمصر سبع سنین و کان بحوف مصر رجل یعرف بحکم النابغیّ من قیس عیلان ثمّ من بنی نصر بن معویة ذو یسار و خیر و جهاد فقصدوه و شکوا الیه فقال تجیئونی بکتاب القاضی و شیوخ البلد لأکفیکم ففعلوا ذلک فسار معهم فی سنة اثنتی عشرة و مائتین حتّی ورد الی قفط فی ألف رجل من قومه خمس مائة فارس و خمس مائة راجل و غزا البجة فأقام ببلدهم ثلث سنین یجوس دیارهم و یسبیهم و مناخه بالمکان المعروف یومنا هذا بماء حکم و هو عن مرحلة من عیذاب و علی أربع مراحل من العلاقیّ و استرجع السبی عن آخره و قفل معاودا الی اسوان فنزلها ثمّ انحدر فأقام بطود مدینة کانت قریبا من قوص و ملکها و مات بها بعد استجارة العلویّ العمریّ بحکم النابغیّ فستره و طالبه به السلطان فحلف أیمان البیعة أنّه لا یعرف له مکانا حانثا فخرج عن یمینه عن کلّ ما حنث فیه، ثمّ دارت الأیّام و أتی هذا العلویّ الی منزل حکم فسلبه بطود و قهره و شرّده عنه خلافا [16 ب] لما عامله به من الإحسان الیه و أخبارهما تطول، و عند فتح قفط [....] ما بنی سور اسوان و قوص فی سنة اثنتی عشرة و أعیدت الی ما کانت علیه قبل تخرّبها ، (10) ثمّ إنّ البجة افتتحت انبوا مدینة من الصعید کان بینها و بین
صورة الأرض، ج‌1، ص: 53
اسوان مرحلة سنة اثنتین و ثلثین و مائتین من المتوکّل و کان یلی اسوان و عینونا و الحوراء عبید بن جهم مولی المأمون و کانت انبوا مضافة الیه فرکب من عینونا و الحوراء فی جلاب فأرسی بأقاصی جزیرة مصر بمعسکره فأثخن فی البجة قتلا و سبیا و استردّ ما سباه البجة من انبوا و عاد الی اسوان و عبر الی عینونا، و کان فی بعض أصحابه من عاین التبر و آثار العمل فیه للروم بالجزیرة عند أوّل دخولهم مع عبید بن جهم مولی المأمون فنکصوا الی البلد من سنتهم و صادف ذلک دخول محمّد بن یوسف الحسنیّ الأخیضر الیمامة و انقشاع أهلها من جوره الی أرض مصر و المعدن فی آلاف کثیرة فغلبوا علی من کان بها من أهل الحجاز لسنتهم و فورهم و تکامل بالعلاقیّ قبائل ربیعة و مضر و هم جمیع أهل الیمامة فی سنة ثمان [و ثلثین] و مائتین و وقع بین رجل منهم و رجل من البجة شحناء فسبّ البجاویّ النّبیّ صلّی الله علیه فکتب بذلک الی المتوکّل فأنفذ رجلا من ولد أبی موسی الأشعریّ یعرف بمحمّد القمیّ و کان فی محبسه مطالبا بدم لا ولیّ له فأنجده بما طلبه من الرجال و السلاح و خیّره حین أطلقه فیما یحتاج الیه فاختار ألف رجل منهم خمس مائة فارس و خزانة بعشرة آلف دینار فقبضها بمصر و سار بها الی اسوان و أتی العلاقیّ فأخذ من ربیعة و مضر و الیمن ثلثة آلف رجل من کلّ بطن ألف رجل فلقی ملک البجة و کان إذ ذاک علی بابا و هو فی مائتی ألف معهم ثمنون ألف نجیب فلمّا التقی الجمعان و عاین ذلک المسلمون هالهم و عظم علیهم فقال لهم القمیّ ما لنا من محیص فقاتلوا عن دمائکم و أحسابکم فإنّکم حاصلون و همّ علی بابا بکبس المسلمین لوقته فحال بینه و بین ما أراد اللیل فرمی القمیّ حسک الحدید سورا علی عسکره و بقیّة هذا الحسک و هذه الخزانة باسوان الی الآن و أنشأ القمیّ کتبا فی طوامیر کتّان بالذهب و جعلها بخطّ جلیل علی الأسنّة و نادی عند طلوع الشمس هذه کتب أمیر المؤمنین الیکم معاشر البجة و هم صافّون فلمّا رأت البجة ذلک استطرفته و تحلّلت من المصافّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 54
و قصدته و کان القمیّ قد حمل البنود علی الفوالج و الطبول فلمّا التفّت البجة بالطوامیر ضربت الطبول الزنجیّة فاضطربت صفوفهم فحمل علیهم القمیّ و قد التفّت جمالهم و شردت فهلک بتلک الغرّة عامّتهم و وطئتهم الجمال فقتل و أسر و سبی و أخذ علی بابا أسیرا و کان قد قعد علی ربوة و حلف ألّا یزول أو تنقلع الربوة فلمّا أسره القمیّ عاد به و بما معه من الغنیمة الی اسوان فباع ذلک و کان مبلغه خمسین ألف أوقیة تبرا، و أنفذ الی یرکی ملک النوبة فأتاه طائعا فانحدر بالجمیع الی بغداذ فی سنة ثمان هذه المؤرّخة فأدخلهما الی السلطان فنودی علیهما فبلغ ملک البجة سبعة دنانیر و ملک النوبة تسعة فأجری لکلّ واحد منهما فی کلّ یوم مثل ثمنه و عاد الی [17 ظ] اسوان بعد مواقفتهما علی أداء الجزیة، و أتی العلاقیّ و کان خلّف علیها أشهب ربیعة من بنی عبید بن ثعلبة الحنفیّ و هو جدّ أبی عبد الله محمّد بن أحمد بن أبی یزید بن بشر صاحب المحدثة و هی المدینة التی لربیعة محادّة لاسوان و أبو عبد الله هذا ابن عمّ أبی بکر إسحاق بن بشر صاحب العلاقیّ و کان قد مسّ الناس بالجور فرفع علیه الی القمیّ فقبض علیه فلم یجد لدیه شیئا و کانت مروءة أشهب تستغرق عائده فحبسه طویلا ثمّ أطلقه و قد أحفظ أشهب فعل القمیّ به و کان فی جملة رجاله فعمل علی قتله و قیل للقمیّ ذلک فقال لأن یلقی الله بدمی أحبّ الیّ من أن ألقاه بدمه فقتله أشهب فی سنة خمس و أربعین و مائتین، (11) و زال مذ ذلک أمر السلطان بالعلاقیّ و هلک المتوکّل و ضبطت البجة أطرافها و الإسلام فی بعضها مریض، و بلدهم بین النیل و البحر و یصل الیهم التجّار بالصوف و القطن و الحیوان من الرقیق و الإبل فیکون غایة ما یقطعونه من بلدهم و یمکنهم التصرّف فیه نواحی قلعیب و هی مواضع ذوات میاه فی أودیة متّصلة بجبل یعرف بملاحیب و أکبر أودیته وادی برکه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 55
و بین قلعیب و برکه غیاض عادیّة ذوات أشجار و ربّما کان دائر الشجرة من أربعین ذراعا الی خمسین ذراعا و ستّین ذراعا و أفنیتها مراتع الأفیلة و الزرافات و السبع و الکرکدّن و النمر و الفهد الی سائر الوحوش سائمة راتعة فی غیلها و میاهها و غیاضها، و یتّصل بحدّ ملاحیب من شقّه الشرقیّ واد یعرف بصیغیوات کثیر الماء أیضا و الشجر و الخمر و الوحش و بنواحی برکه بطون کدیم و هی المعروفة بعجات من البجة و یتّصل بها ممّا یلی سواحل البحر الجاسة بطون کثیرة فی السهل و الجبل، و کأنّ هذا الجبل آخذ بأودیتة من نواحی البحر المالح الی دکن و هی أرض مزارع أحواف یجری الیها ماء النیل و یزرع علیها الذرة و الدخن أهل النوبة و من یحضر معهم من البجة و فی شقّ برکه قبائل کثیرة تعرف ببازین و باریه و هم أمم کثیرة قتالهم بالقسیّ و السهام المسمومة و الحراب بغیر درق، و من رسم باریه قلع ثنایاها و بحر آذانها و یسکنون فی جبال و أودیة و یقتنون البقر و الشاء و یزرعون، و الذی بین وادی برکه و جبلها المدعوّ ملاحیب راجعا الی الإسلام قلعیب و انبوریت و جبال دروریت و میاه متّصلة و بلدان عامرة لبیواتیکه من قبائل البجة تزید علی الإحصاء و لا یبلغ عددها لتوغّلهم فی أعماق الصحاری، و برکه تقارب جزیرة باضع و بینهما یوم و تکون نحو ثلث مراحل مملوءة ببطون قعصه و هی أجلّ بطون البجة الداخلة و أکثرها مالا و أعزّها، و من دون هؤلاء الماتین المتّصلون بدهرا و سیتراب و غرکای و دحنت الی الجبل المعروف بمسمار و تحاذی سواکن بطون تعرف برقابات و حندیبا و هم خفراء علی الحدربیّة و خفارتهم لعبدک و هم تحت یده، و عبدک خال ولد أبی بکر إسحاق بن بشر صاحب العلاقیّ، [17 ب] و بعض هؤلاء القوم فی خفارة کوک خال أبی القسم حسین بن علیّ بن بشر،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 56
و عبدک و کوک رئیسا الحدارب أجمع و فیهم رئیسان رئیس لأهل کلّ بیت ذمام و رئیس یسوسهم ، فأمّا بطون الحدارب فمنهم العریتیکه و السوتباروا و الحوتمه و العکنبیرا و النجریروا و الجنیتیکه، و الواخیکه و الحربیب بطن واحد و یتفخّذ لهؤلاء القوم کلّ بطن الی نحو مائة فخذ و لکلّ فخذ رئیس أو رئیسان و جمیعهم منتجعون لا حاضرة لهم و تکون بلادهم التی تمطر و تزرع و ینتجعونها بمواشیهم طولا نحو شهرین مسیرة و العرض من البحر الی النیل و مشاتیهم علی البحر المالح و السواحل و مصائفهم الأودیة التی فی وسط البلد ذوات میاه مراع تقوم بهم و خریفهم فیما قارب النیل مغرّبین عن بلادهم بدیار قلیلة الشجر کثیرة نبات الأرض و الغدران و طعامهم اللحم و اللبن خاصّة و ضعفاؤهم یأکلون الوحش کالغزال و النعام و الحمار و هم مسلمون بالاسم و میاسیرهم لا یرون أکل الصید و لا مخالطة آکله و لا استعمال آنیة من استجاز ذلک و استحلّه و لا یحلبون فیها و لا یشربون، و لغتهم لغة تعمّ البجة و جمیعها أعجمیّة و لبعضهم لغة یتفرّد بها، (12) و تتّصل بلادهم ببلاد النوبة و الحبشة و هم نصاری و تقرب ألوانهم من العرب بین السواد و البیاض و هم مفترقون مجتمعون الی أن یحاذوا عدن و ما کان من جلود النمور و الجلود البقریّة الملمّعة و أکثر جلود الیمن التی تدبغ للنعال فیقع من ناحیتهم الی عدن و عدوة الیمن، و الجمیع أهل سلم و لیست دارهم بدار حرب و علی شطّ البحر بنواحیهم منهل یقال له زیلع فرضة للعبور الی الحجاز و الیمن، ثمّ یتّصل ذلک بمفاوز النوبة و النوبة نصاری أیضا و بلدهم أوسع من الحبشة فی نواحیه و عمارتهم أکثر ممّا بالحبشة و یخترق نیل مصر فیما بین مدنهم و نواحیهم و قراهم عامرة خصبة کثیرة التمر و الزرع و الخضر ،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 57
(13) و من أعمر بلادهم نواحی علوه و هی ناحیة لها قری متّصلة و عمارات مشتبکة حتّی أنّ السائر لیجتاز فی المرحلة الواحدة بقری عدّة غیر منقطعة الحدود ذوات میاه متّصلة بسواق من النیل و کان ملکهم و أنا بالناحیة اسابیوس کرجوه بن جوتی و قد خلا له فی ملکه سبع عشرة سنة و توفّی فجلس ابن أخته اسطابنوس بن یرکی و هو مقیم فیهم الی وقتنا هذا و من سنّة جمیع السودان إذا هلک الملک أن یقعد ابن أخته دون کلّ قریب و حمیم من ولد و أهل، و طول بلده من ناحیة المقرّه الذی هو آخر ملک دنقله فی طاعة العلویّ الی بلد کرسی آخذا علی النیل و مسافة ذلک بالطول شهر واحد و عرضه من النیل الی تفلین و یکون ذلک ثمانی مراحل مشرّقة و فی خلال ذلک النهر المعروف بسنسابی و یفرع الی النیل و أصله من ناحیة الحبشة و النهر المعروف بالدجن یأتی من بلد الحبشة فینقطع فی أعمال دجن و مزارعها و دجن هذه قری متّصلة ذوات میاه و مشاجر و زرع و ضرع، و الی وسط هذا الوادی تفلین قری أیضا للبادیة منهم [18 ظ] ینتجعونها للمراعی حین المطر و لهم ملک مسلم یتکلّم بالعربیّة من قبل صاحب علوه و یختصّ أهل تفلین بالإبل و البقر و لا زرع لهم فیهم مسلمون کثیرون من غیر ناحیة علی دینهم یتجرون و یسافرون الی مکّة و غیرها، و یجاور تفلین بازین أمم مقیمة فی أخصاص کالقری لهم الماشیة من البقر و الزرع و ریاستهم بأیدی شیوخهم و لیس فیهم إلّا راجل و سلاحهم الحراب و المرّان و لا فارس فیهم و لیس لأحد علیهم طاعة و لا دین لهم و لا هم متّصلون بشریعة غیر الإقرار بالله وحده و التسلیم له و اسمه جلّ و عزّ عندهم أننه، و من تفلین الی وادی برکه ثلثة أیّام و قد تقدّم أنّ وادی برکه یجری من بلد الحبشة مجتازا علی بازین و آخذا الی ناحیة البجة و ینصبّ بین سواکن و باضع فی البحر المالح، و فی أعالی بلد علوه نهر یجری من المشرق یعرف باور و علیه مرنکه قبیل من النوبة فینصبّ فی النیل و من أعلاه عن یومین نهر اتمتی و علیه من النوبة المعروفین بکرسی أمّة کثیرة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 58
و یتّصلون ببلد الحبشة علی هذا النهر و هذه الأنهار کبار غزار تتّصل بنهر سوبه الی بلد المقرّه و هو بلد دنقله و یتّصل باسوان، و ذکر قوم أنّهم یجتازون فی أعالی هذا النهر أعنی النیل من أعالی بلد کرسی ببلد طبلی و هو منتهی ملک علوه علی النیل فلا یخالطونهم و لا یتاجرونهم عراة حاسرین و لا یعلم ما غذاؤهم و لا کیفیّة سیرتهم و أهل کرسی أصحاب زفال و هو الجلد الذی یتّزرون به عرضا و یستخرج طوله من تحت الأفخاذ فیغرز عند السرّة فیما انعقد من الزفال، و من غرب النیل نهر یجری من ناحیة المغرب کبیر غزیر الماء یعرف بالنیل الأبیض و علیه قوم من النوبة و بین النیل الأبیض و عمود النیل المتقدّم ذکره ببلد علوه جزیرة لا یعرف لها غایة بها جمیع الوحش و یسکنها النوبة و الکرسی و من لا یقدر لامتناع جانبه أن یحاط بمعرفته، و من غربیّ هذا النیل الأبیض أمّة یعرفون بالجبلیّین فی طاعة ملک دنقله هو ملک المقرّه و مریس و مریس فهی من حدّ اسوان الی آخر بلد المقرّه، و بین علوه و بین الأمّة المعروفة بالجبلیّین مفازة ذات رمال الی بلد امقل و هو ناحیة کبیرة ذات قری لا تحصی و أمم مختلفة و لغات کثیرة متباینة لا یحاط بها و لا تبلغ غایتهم یعرفون بالاحدیین و فیهم معادن الذهب الجیّد و التبر الخالص و الحدید متّصلین بالمغرب الی ما لا یعرف منتهاه زیّهم زیّ المغاربة أرباب جمال و خیل براذین غیر تامّة الخلق لقصرها و قرب لبودها و سلاحهم فیه درق کدرق المغاربة بیض و حراب و سیوفهم أیضا غیر تامّة و فیهم جند یلبسون السراویلات المفتّحة الطوال و نعالهم کنعال المغاربة و هم علی النصرانیّة و هم فی طاعة ملک علوه و بینهم و بین ملک علوه خمس مراحل ثلث منها مفازة، و ملوک النوبة اثنان ملک المقرّه و هو ملک دنقله و ملک علوه و ملک المقرّه تحت ملک علوه،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 59
(14) و أمّا [18 ب] بلد الحبشة فملکتهم مرأة مذ سنون کثیرة و هی القاتلة لملک الحبشة المعروف کان بالحضانی و هی مقیمة الی یومنا هذا مستولیة علی بلدها و ما جاورها من بلد الحضانی فی دبور بلد الحبشة و هو بلد عظیم لا غایة له و مفاوز و براریّ یتعذّر مسلکها، (15) ثمّ ینتهی ذلک الی أرض الزنج ممّا یحاذی عدن، و جمیع بلد المقرّه فی ید ملک دنقله و بید ملک علوه من معادن التبر الغزیر الکثیر ما لیس مثله فی نواحی غیرهم من المواضع المشهورة باستخراجه و لیس فیهم من یعرض له و لا یستخرجه خوفا من أن یشتهر فیغلب الإسلام علیه و هذه المعادن تمتدّ فی بلد الزنج علی البحر و فیما بعد منه الی أن تتجاوز حدود الإسلام و تحاذی بعض بلدان الهند، و قد ذکر قوم أنّ فی أطراف الزنج صرودا فیها زنج بیض و قد قدّمت أنّ بلدهم قلیل العمارة قشف تافه الزرع إلّا ما اتّصل منه بمستقرّ الملک،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 60

[المغرب]

اشارة

(1) و أمّا المغرب فبعضه ممتدّ علی بحر المغرب فی غربیّه و لهذا البحر جانبان شرقیّ و غربیّ و هما جمیعا عامران، (2) [و أمّا الغربیّ فمن مصر و برقة الی افریقیة و ناحیة تنس الی سبتة و طنجة فللعرب خاصّة و ازیلی و ما فی أضعاف هذا الإقلیم، و أمّا الشرقیّ فهو بلد الروم من حدود الثغور الشأمیّة الی القسطنطینیّة الی نواحی رومیة و قلوریة و الانکبردة و الافرنجة و جلیقیة ثمّ باقی ذلک الی آخره للعرب فی ید أصحاب الاندلس،] (3) [و قد صوّرت مدنه و ذکرت أعماله و ارتفاعها و ما فیها من التجارات و المجالب الی ما سوی ذلک ممّا لجزیرة الاندلس علی البحر و کنت جمعتها و بلد الروم ثمّ رأیت تفریقهما و وضع کلّ صورة منهما علی حدة من صاحبتها و سآتی بحدودها بعد، و الذی یسایر أرض الاندلس و یحاذیه من بلد الإسلام صقلّیّة و صقلّیّة تجاه اقلیبیة من أرض افریقیة ثمّ تمتدّ أرض الاندلس علی البحر،] (4) و قد بدأت بذکر حدّه المحیط به من قبوله و حدّه من مصر الإسکندریّة علی النیل و أرض الصعید حتّی یمضی علی ظهر الواحات الی برّیّة تنتهی الی أرض النوبة آخذا الی البحر المحیط و ممتدّا الی حقیقة الغرب بنواحی أرض غانه و أرض اودغست ثمّ یستمرّ عاطفا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 61
الی الشمال مارّا علی بلاد برغواطه و ماسه الی فوهة بحر الروم الذی یأخذ من البحر المحیط بین أرض طنجة و أرض الاندلس و راجعا حدّه من أرض طنجة علی البحر الی نواحی تنس و الی تونس و المهدیّة من أرض افریقیة مقبلا علی أرض اطرابلس و برقة الی الإسکندریّة، (5) [و ازیلی یحاذی أرض الاندلس المذکورة المحاذیة لبلد الروم و أرض صقلّیّة، ثمّ تمتدّ أرض الاندلس علی البحر فتواجه من أرض المغرب تونس و هکذا الی طبرقة الی جزائر بنی مزغنّان الی تنس الی و هران الی نکور الی سبتة ثمّ الی ازیلی،] (6) [ثمّ البحر المحیط الجنوب فیمرّ علی ماسة و مغارب سجلماسة و ظاهر السوس الأقصی و یمتدّ علی ظواهر اودغشت و غانة و کوغة و قبول سامة و غریوا فی بلد لا عدد لأهلها الی أن یصل الی البرّیّة التی لا تسلک الی الحین و یکون بین دبرته و بلاد الزنج براریّ عظیمة و رمال کانت فی سالف الزمان مسلوکة و فیها الطریق من مصر الی غانة فتواترت الریاح علی قوافلهم و مفردتهم فأهلکت غیر قافلة و أتت علی غیر مفردة و قصدهم أیضا العدوّ فأهلکهم غیر دفعة فانتقلوا عن ذلک الطریق و ترکوه الی سجلماسة، و کانت القوافل تجتاز بالمغرب الی سجلماسة و سکنها أهل العراق و تجّار البصرة و الکوفة و البغداذیّون الذین کانوا یقطعون ذلک الطریق فهم و أولادهم و تجاراتهم دائرة و مفردتهم دائمة و قوافلهم غیر منقطعة الی أرباح عظیمة و فوائد جسیمة و نعم سابغة قلّ ما یدانیها التجّار فی بلاد الإسلام سعة حال و لقد رأیت صکّا کتت بدین علی محمّد بن أبی سعدون باودغشت و شهد علیه العدول باثنین و أربعین ألف دینار،] (7) و أمّا الاندلس فهی جزیرة تتّصل بالبرّ الأصغر من جهة جلیقیه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 62
و افرنجه و هی فی جملة المغرب و یحیط بها الخلیج المذکور من مغربها و البحر المحیط من بعض شمالها و شرقها و حدّها من نحو بلد جلیقیه علی کورة شنترین الی لشبونه الی اکشنبه و الی نواحی جبل العیون و ما لدیه من النواحی الی جزیرة جبل طارق الی مالقه و الی المریّه ثمّ الی بلاد مرسیه و بلنسیه الی نواحی طرطوشه ثمّ یتّصل ببلاد الکفر ممّا یلی البحر بناحیة افرنجه و ممّا یلی المغرب ببلاد غلجشکش و هم جیل من الانکبرذه ثمّ الی بلاد بشکونس ثمّ بلاد الجلالقة حتّی ینتهی الی البحر، (8) و قد صوّرتها بذاتها و رسمت فیها مواقع میاهها و مجاریها و أمکنة مدنها و مواقعها من شرقها و غربها و جنوبها و شمالها فی جملة صورة المغرب، و ابتدأت منها بصورة ما بین مصر الی القیروان و المهدیّة و ما فی أضعاف ذلک و أتبعتها بباقی صورته من القیروان و المهدیّة الی طنجة ممّا یحتاج الی رسمه و ذکره و مثاله و الی الله الرغبة فی التوفیق لما جانس الحقّ و واقف الصدق و هو حسبی و نعم المعین،

(9) و هذه صورة المغرب، [19 ظ]

إیضاح ما یوجد فی القسم الأوّل من صورة المغرب من الأسماء و النصوص، قد رسم البحر فی وسط الصورة و یوجد علی ساحله الأسفل من المدن مبتدئا من الیسار سرت، اجدابیه، برقه، ثمّ جبل برقه ثمّ مدینة الاسکندریه، و یقرأ من وراء جبل برقة بین برقه و وادی مخیل ثلث مراحل و أسفل ذلک مراقیه و عن یسار الاسکندریّة مرحله، و یقابل سرت فی أسفل الصورة فی البرّ جزیرة ودان و عن یمین ذلک مقابلا لاجدابیة جزیرة اوجله، و یقرأ بین اجدابیة و برقة فی البرّ المحمدیه،؟؟؟، تاکست، و فی داخل البرّ الأسفل یوجد جدول یشتمل علی عدّة من الأسماء و هی من الیسار الی الیمین الراشده و غابه رکوط، قصور حسان، مغمداس، قبر العبادی، الیهودیه، منهوشای و منها الی زق زم، نخیل قحطبه، الفاروج، بنی ابلوا، وادی مسوش، الجرنویه، جراوه او تیم لیلین، وادی مخیل، قصر بنی تازولا ، کرم الجبار و بالقرب منه حمویه، جب
صورة الأرض، ج‌1، ص: 63
الربل، قصور الروم، مغائر الرقیم، العقبه و دونها رماده، قصر الابیض، حانوت بنی ابی ساره و هو حوانیت الرمل، خرائب القوم، سکه الحمار او قباب معان، جب العوسج، الکنائس، الطاحونه، الحنیّه، ذات الحمام، فم الغراب،؟؟؟ ، ترنوط، ذات الساحل، و رسم عن یمین الاسکندریة فوهة نهر النیل و علیه دون تشعّبه مدینة الفسطاط و تقابلها فی الجانب الآخر الجیزه و بینهما الجزیره، و یقرأ فی أعلی النیل و قاطعا له حدود مصر و اعمالها، و أعلی ذلک حدود الشأم، ثمّ حدود الثغور، ثمّ عن یسار ذلک نواحی اقلیمیه، و یلی ذلک عن یساره علی البحر انطالیه ، و من عند ذلک یأخذ خلیج من البحر الی أعلی الصورة و بقرب هذا الخلیج فی البرّ عن یمینه بحیرة نیقیه ثمّ بحیرة نقموذیه، و عن یمین هذه البحیرة عند طرف الصورة الأعلی یقرأ بلد الناطلیق ثمّ بلد هرقله ثمّ ارض الصرهوه ، و کتب موازیا للطرف الأعلی من الصورة کلّه صورة المغرب و بلد الروم، و فی البحر من الجزائر قبرص و اقریطش، و علی وسط الخلیج من الجانب الأیسر مدینة القسطنطینیه و یقرأ أسفلها علی الساحل نواحی مجذونیه، ثمّ أسفل ذلک فی لسان البرّ المدوّر الخارج فی البحر أرض بلبونس دورها الف میل و فیها امم للروم و بها نیف و سبعون حصنا و یضیق طرفها من جهة البرّ و یدعا بکسمیلی ای ستّة امیال، [19 ب] إیضاح ما یوجد فی القسم الثانی من صورة المغرب من الأسماء و النصوص، قد رسم علی ساحل البحر من أسفله من المدن مبتدئا عن الیمین اطرابلس، قابس، اسفاقس، المهدیه، سوسه، اقلیبیه، تونس، طبرقه، مرسی الخرز، بونه، مرسی الدجاج، جزائر بنی مزغنای ، تامدفوس، اشرشال ، برشک ، و مقابلا لا طرابلس فی أسفل الصورة فزان و یقرأ بینهما وادی الرمال او قصر ابن اسود و عن یمین ذلک المحتنی او حلیما، و رسم عن یسار ذلک جبل یقرأ عنده جبل نفوسه و سکانه الشراه و یتّصل بالجبل مدینتا شروس و جادوا، و یقرأ بین جبل نفوسه و مدینة قابس مبتدئا من الیسار وادی اجاس، بئر زناته او ازروار، تامدیت او تاجرجت ، ابار العباس او فاضلات، المنقوب و بینهما صبره، بئر الصفا و هی بئر الجمالین، و عن یسار قابس مبتدئا عن الیسار اللحمتین، حدوبس، فلانس، فندق ابن لقمن، عین الزیتونه،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 64
ثمّ یلی ذلک من الجانب الأیسر فی وسط البرّ مدینة القیروان و فی الساحة التی أسفل القیروان من المدن قلشانه، مجانه، قاصره، القصور، قفصه، الحمه، نفزاوه، سماطه، قسطیلیه، نفطه، تاملیل، مداله، و رسم عن یسار هذه المدن جبل اوراس و عن یساره من المدن بسکره، تهوذا، بادس، و یأخذ من القیروان طریق الی جبل اوراس علیه مدینتا سبیبه و باغای، و طریق آخر هو أقرب من الساحل یأخذ علی الاربس، تیفاش ، قصر الافریقی، تیجس، القسطنطینیه ، میله، مقره، ثمّ الی المسیله و هی علی نهر ینصبّ فی البحر عند اشرسال، و بین میله و هذا النهر مدینة سطیف، و بین تیفاش و باغای مدینتا ابه و قصر الزیت، و یأخذ من باغای طریق الی مقره علیه دار ملول و طبنه و طریق آخر الی طبنه علیه بلزمه و نقاوس، و علی الطریق الآخذ من تیجس الی مقره مدینة دکمه، و یأخذ من المسیله من جانب النهر المقابل طریق الی الیسار علیه ابن مامه و طریق آخر یمیل الی الأعلی علیه تامزکیدا، اشیر، سوق کران ، ملیانه، و بین سوق کران و النهر مدینة حائط حمزه علی الطریق الآخذ الی سطیف، و یقرأ موازیا للطرف الأسفل من الصورة [و هذه نواحی الس] ودان المختصّة بلادهم علی البحر المحیط و بین هذا النصّ و الطرف غریوا ، کزم، زغاوه، ثمّ بین جبل نفوسه و الطرف نواحی کوکو، و فی البحر رسم من الجزائر مالطه، قوسره، صقلیه، سردانیه، قرشقه، و فی قسمه الأعلی جنوه، و تخرج قطعة مدوّرة الشکل من البرّ الأعلی الی البحر یقرأ فی داخلها ارض قلوریه و علی ساحلها من المدن مبتدئا من الیمین قسانه، رسیانه، قطرونیه، سبرینه، استلوا، جراجیه، قسطرقوقه ، بوّه، ابن ذقتل، ریّو، منتیه، کسشه، مسنیان ثمّ مدینة لا اسم فیها و فوق هذه المدینة فی الجبل شلوری ثمّ عن یسار ذلک فی الجبال و علی الساحل ملف، نابل، غیطه، بیش، قرره ، و عن یمین أرض قلوریه رسم خلیج مثلّث الشکل یدخل فی البرّ و علی طرفیه مدیننا بذرنت و اذرنت، و یقرأ عند ساحل هذا الخلیج فی البرّ هذا جون البنادقین و فیه جزائر کثیرة مسکونة و أمم کالشاغرة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 65
و ألسنة مختلفة من افرنجیین و نمتین و صقالبه و برجان و غیر ذلک، و عن یسار هذا النصّ بینه و بین الجبال مضیق سکن، [20 ظ] إیضاح ما یوجد من الأسماء و النصوص فی القسم الثالث من صورة المغرب، یوجد علی ساحل البرّ الأسفل من المدن ابتداء عن الیمین تنس، وهران، واسلن، ارجکوک، ملیله، نکور، سبته، طنجه و بینهما مرسی موسی، ثمّ ازیلی، و من وراء ازیلی فی البرّ زلول، جرمانه، الحجر، تاوارت، البصره، الاقلام، و عن یسارها بحیرة ریغه ثمّ أسفل ذلک کرت، و عند رباط علی البحر مصبّ نهر و علی ذلک النهر تجاه رباط سله ثمّ ملیله، حجنه، دخله، فاس و تجاهها فاس مرّة ثانیة، و من وراء هذه المدن فی البرّ بنی سدال، الحبش، بنی رجیک، و عن یسار سله تخرج قطعة من البرّ الی البحر یقرأ فیها هذه زنقة فی البحر المحیط و هی حومة بلد برغواطه و دیارهم، و أسفل هذه الزنقة مصبّ نهر و بین هذا النهر و الساحل من المدن رباط ماسه و تامدلت ، و علی النهر اغمات و السوس، و من وراء النهر مقابل السوس اودغست، ثمّ فوق ذلک سجلماسه فی عطف نهر آخر، و یأخذ من فاس طریق الی تنس علی البحر و علیه من المدن نمالته، کرانطه و هما علی نهر فاس کرماطه، مزاوروا، تابریدا، صاع، جراوه، تنمسان، ترفانه، افکان و فی الجانب الآخر من نهرها افکان مرّة ثانیة ثمّ یلل ، شلف، غزه، تاجنا، و أسفل تنس علی طرف الصورة الخضرا و هی علی نهر یأتی من الأسفل و عند مبتدأ هذا النهر تاهرت، و أسفل ذلک فی البرّ سامه ثمّ أسفل ذلک عند طرف الصورة غانه، و کتب موازیا لهذا الطرف هذه نواحی ممالک ال و تمام هذا النصّ فی القسم الثانی من صورة المغرب کما مضی فی إیضاحه، و فی البحر شکّلت جزیرتا میرقه و جبل الفلال، و أمّا البرّ الأعلی فیقرأ فی قسمه الأیمن عند البحر بشکونس، افرنجه، رومیه، بلاد غلجشکش ، و عن یسار ذلک علی ساحل البحر الجزیره، بلنسیه، قرطاجنه، المریه، الجزیره و من وراء هذه المدن فی البرّ طرطوشه، مرسیه، کورة تدمیر، مدینة التراب، بجانه، مالقه، وادیاش، و جیان فی عطف نهر، و رسم وراء هذا النهر نهر آخر یقرأ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 66
عنده هذا نهر قرطبه و یأخذ علی اشبیلیه و یقع فی بحر الغرب محاذی لمرسی موسی من أرض طنجه و مدینة قرطبه من جانب النهر المقابل فی عطفه، و بین هذین النهرین من المدن ابتداء عن الیمین تطیله، سرقصه، وشقه، و شاطبه و لبیره علی النهر الأوّل ثمّ عن یسار ذلک استجه، تاکرنه ، قلّب، قلسانه، شریش، قرمونه، مراد، غرغیره، و بین آخر نهر قرطبه و البحر یقرأ اقلیم اخشنبه و فیه من المدن علی البحر لب، شلب، قصر بنی ورداسن و وراء ذلک فی البرّ لبله، جبل العیون، اخشنبه ثمّ اشبیلیه علی النهر، و فی أعلی الصورة نهر ثالث ینصبّ فی البحر و یقرأ عنده هذا الوادی علیه مدن للمسلمین و أعمال و رساتیق و یعرف بوادی تاجو و لجلیقیه علیه غیر مدینة و یشقّ أکثر جلیقیه الی ان یقع بین المعدن و لشبونه من أرض الاندلس فی البحر المحیط، و عند مصبّ هذا النهر مدینة المعدن، و بین هذا النهر و نهر قرطبه من المدن طلیطله، طلب ایره، مخاضه البلاط، مکناسه ، قصراش، ترجیله، مدلین، مارده، قنطرة السیف، بطلیوس، ثمّ أسفل ذلک ملقون ، قلعة رباح، کرکویه، و بین نهر تاجه و طرف الصورة علی البحر لشبونه و شنتره و وراء ذلک فی البرّ شنترین، بیزه ، جل مانیه، البش و فی القسم الأیمن من الصورة یونه ، سموره، لیون، [20 ب] فهذه صورة المغرب و مکان کلّ عمل و مدینة منها و موقعها من شمالها و جنوبها و شرقها و غربها حسب ما أدّت الاستطاعة الیه و وقفت بالمشاهدة و الخبر الصحیح بالمفاوهة علیه، (10) فأمّا برقة فمدینة وسطة لیست بالکبیرة الفخمة و لا بالصغیرة الزریّة و لها کور عامرة و غامرة و هی فی بقعة فسیحة تکون مسیرتها یوما و کسرا فی مثله و یحیط بالبقعة جبل من سائر جهاتها و أرضها حمراء خلوقیّة التربة و ثیاب أهلها أبدا محمّرة و یعرف أهلها بالفسطاط من بین أهل المغرب بحمرة ثیابهم و تغیّرهم و یطوف بها من کلّ جانب منها بادیة یسکنها الطوائف من البربر و هی برّیّة بحریّة جبلیّة، و وجوه أموالها جمّة و هی أوّل منبر ینزله القادم من مصر الی القیروان و بها من التجارة و کثرة الغرباء فی کلّ وقت ما لا ینقطع طلّابا لما فیها من التجارة و عابرین
صورة الأرض، ج‌1، ص: 67
علیها مغرّبین و مشرّقین و ذلک أنّها تنفرد فی التجارة بالقطران الذی لیس فی کثیر من النواحی کهو و الجلود المجلوبة للدباغ بمصر و التمور الواصلة الیها من جزیرة اوجله و لها أسواق حادّة حارّة من بیوع الصوف و الفلفل و العسل و الشمع و الزیت و ضروب المتاجر الصادرة من المشرق و الواردة من المغرب، و شرب أهلها من ماء المطر بمواجن یدّخر بها، و أسعارها بأکثر الأوقات فائضة بالرخص فی جمیع الأغذیة، (11) والیها مدینة اجدابیه علی صحصاح من حجر فی مستواة بناؤها بالطین و الآجرّ و بعضها بالحجارة و لها جامع نظیف و یطیف بها من أحیاء البربر خلق کثیر و لها زرع بالبخس و لیس بها و لا ببرقة ماء جار و بها نخیل حسب کفایتهم و بمقدار حاجتهم و والیها القائم بما علیها من وجوه الأموال و صدقات بربرها و خراج رزوعهم و تعشیر خضرهم و بساتینهم هو أمیرها و صاحب صلاتها و له من وراء ما یقبضه للسلطان لوازم علی القوافل الصادرة و الواردة من بلاد السودان و هی أیضا قریبة من البحر المغربیّ فترد علیها المراکب بالمتاع و الجهاز و تصدر عنها بضروب من التجارة و أکثر ما یخرج منها الأکسیة المقاربة و شقّة الصوف القریبة الأمر و شرب أهلها من ماء السماء، (12) و جزیرة اوجله منها علی أیّام بین غربها و جنوبها و هی ناحیة ذات نخیل عظیمة و غلّات من التمر جسیمة و یلیها وقتنا هذا رجل من ناحیة صاحب برقة و لم یکن ارتفاعها و مالها الداخل علی خزانة السلطان فی جملة مال برقة فلمّا ضمّت الی برقة غزر مالها و کثر و زادت الحال فی ذلک، و منها الی جزیرة ودّان طریق قصد فی الرمال و ودّان ناحیة [و مدینة فی جنوب مدینة سرت و کانت مضمومة الیها و هی جزیرة] لا تقصر فی رخص التمور و کثرتها و جودتها عن اوجله و إن کانت اوجله أوسع قسوبا و أفسح ناحیة فتمور ودّان الرطبة العذبة و أرطابهم أغزر و أکثر،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 68
(13) و سرت مدینة ذات سور صالح کالمنیع من طین و طابیة و بها قبائل من البربر و لهم مزارع فی نفس البرّ تقصد نواحیها إذا مطرت و تنتجع مراعیها و لها من وجوه الأموال و الغلّات و الصدقات فی سائمة الإبل و الغنم ما یزید علی حال اجدابیه و مالها فی وقتنا هذا و بها نخیل تجتنی أرطابها و لیس بها من القسب و التمر ما تذکر حاله لأنّ نخیلهم بقدر کفایتهم و لهم أعناب و فواکه و أسعارهم صالحة علی مرّ الأوقات، و المتّلی صدقاتهم و جبایاتهم و خراجاتهم و ما یجب علی القوافل المجتازة بهم صاحب صلاتهم [21 ظ] و الیه جمیع مجاری أمر البلد و النظر فیه و فیما ورد الیه و صدر فی استیفاء ضرائبه و لوازمه و اعتبار السجلّات و المناشیر بمواجب ما علی الأمتعة و تصفّحها خوف الحیلة الواقعة دون الأداء عنه بافریقیة و دخلها أوفر من دخل اجدابیه لما ذکرت، و هی عن غلوة سهم عن البحر فی مستواة من رمل و ترد المراکب أیضا علیها بالمتاع و تصدر عنها بشی‌ء منه کالشبّ السرتیّ فإنّه بها غزیر کثیر و بالصوف أیضا و لحوم المعز أغذی فیها من الضأن و أنفع و تقوم لحوم الضأن فیها مقام لحم المعز بغیرها لأنّها غیر ملائمة لأهلها و للسافرة المجتازین من أجل مراعیها و شرب أهلها من ماء المطر المختزن فی المواجل، و عدد البربر بها أوفر و أغزر و أکثر منه بما جاورها و للبربر حاضرة بنفس قصبة سرت و بینهم خلاف علی مرّ الأوقات و حروب ربّما ثارت فی بعض الأحایین قریبة و لا تدوم و عاملهم قائم بنفسه من تحت ید سلطانهم الأعظم ، (14) فأمّا اطرابلس فکانت قدیما من عمل افریقیة و سمعت من یذکر أنّ عمل افریقیة لمّا کانت اطرابلس مضافة الیها معروف معلوم و کان من صبره و هی منزل من اطرابلس علی یوم و به ضریبة علی القوافل وقتنا هذا و لم أعرفها قدیما و لا سمعت بها علی الخارج من اطرابلس الی القیروان
صورة الأرض، ج‌1، ص: 69
و علی القادم من القیروان الی اطرابلس غیر ما یقبضه المتولّی عمل اطرابلس من کلّ جمل و محمل و حمل و ذلک کالذی بلبده و هی أیضا قریة بینها و بین اطرابلس الی جهة المشرق مرحلتان من الضریبة علی الجمال و الأحمال و المحامل و البغال و الرقیق و الغنم و الحمیر الی ما عدا ذلک من الأسباب الواردة و أخذ الصدقات و الخراج و اللوازم من ناحیة قصری ابن کمو و ابن مظکود و البربر المقیمین هنالک من هوارة و غیرهم الیه، و هی مدینة بیضاء من الصخر الأبیض علی ساحل البحر خصبة حصینة کبیرة ذات ربض صالحة الأسواق و کان لها فی ربضها أسواق کبیرة فنقل السلطان بعضها الی داخل السور و هی ناحیة واسعة الکور کثیرة الضیاع و البادیة و ارتفاعها دون ارتفاع برقة فی وقتنا هذا و بها من الفواکه الطیّبة اللذیذة الجیّدة القلیلة الشبه بالمغرب و غیره کالخوخ الفرسک و الکمّثری اللذین لا شبه لهما بمکان و بها الجهاز الکثیر من الصوف المرتفع و طیقان الأکسیة الفاخرة الزرق و الکحل النفوسیّة و السود و البیض الثمینة الی مراکب تحطّ لیلا و نهارا و ترد بالتجارة علی مرّ الأوقات و الساعات صباحا و مساء من بلد الروم و أرض المغرب بضروب الأمتعة و المطاعم، و أهلها قوم مرموقون من بین من جاورهم بنظافة الأعراض و الثیاب و الأحوال متمیّزون بالتجمّل فی اللباس و حسن الصور و القصد فی المعاش الی مروآت ظاهرة و عشرة حسنة و رحمة مستفاضة و نیّات جمیلة الی مراء لا یفتر و عقول مستویة و صحّة نیّة و معاملة محمودة و مذهب فی طاعة السلطان سدید و رباطات کثیرة و محبّة للغریب أثیرة ذائعة و لهم فی الخیر مذهب من طریق العصبیّة لا یدانیهم أهل بلد إذا وردت المراکب میناهم عرضت لهم دائما الریح البحریّة فیشتدّ الموج لانکشافه و یصعب الإرساء فیبادر أهل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 70
البلد [21 ب] بقواربهم و مراسیهم و حبالهم متطوّعین فیقیّد المرکب و یرسی به فی أسرع وقت بغیر کلفة لأحد و لا غرامة حبّة و لا جزاء بمثقال، (15) و قابس مدینة منها علی ستّ مراحل الی جهة القیروان و جادّة الطریق ذات میاه جاریة و أشجار متهدّلة و فواکه رخیصة و بها من البربر الکثیر و لهم من الزروع و الضیاع ما لیس مثله لمن جاورهم الی زیتون و زیت و غلّات و علیها سور یحیط به خندق و لها أسواق فی ربضها و جهاز من الصوف کثیر و یعمل بها الحریر الکثیر الغزیر و بها جلود تدبغ بالقرظ و تعمّ أکثر المغرب فتأتی من طیب الرائحة و نعمة اللمس بمثل حال الأدیم الجرشیّ و بها صدقات و زکوات و ضرائب و جوال علی الیهود و سائمة کثیرة و لها عامل بنفسه و هی خصبة فی أکثر أوقاتها و أهلها قلیلو الدماثة غیر محظوظین من الجمال و النظافة و فیهم سلامة و فی بادیتهم شرّ شمرّ و دین قذر و ذلک أنّهم لا یخلون من الشرایة و القول بالوعد و الوعید مع الغیلة لبنی السبیل و الاعتراض علی أموالهم فی الکثیر و القلیل و الویل لمن نام بینهم و الحرب علی من جاورهم و استجار بهم مخالفین أکثر أیّامهم لسلطانهم مواربین فی الحقوق علیهم و لم تزل هذه العادة بهم الی أن سار منهم الکثیر الی قابس فأحرقوا ربضها و حاصروها و استباحوا أموال تجّارها و أهل الذمّة منها و أمکن الله تعالی منهم فأهلک جمیع من رصدها ثمّ سار علیهم زعیم صنهاجة فجعل عشرة منهم فی کساء ، (16) و مدینة سفاقس مدینة جلّ غلّاتها الزیتون و الزیت و بها منه ما لیس بغیرها مثله و کان سعره عندهم فیما سلف من الزمان بحال غیّرته الفتن فی وقتنا هذا ربّما بلغ من ستّین قفیزا بدینار الی مائة قفیز بدینار علی حسب السنة و ریعها و زیت مصر فی وقتنا هذا فمن ناحیتها یجلب لقلّته بالشأم، و هی ناحیة علی نحر البحر و لها مرسی میّت الماء و علیها سور من حجارة و أبواب حدید منیعة و فیها محارس مبنیّة للرباط بها و أسواقها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 71
عامرة و هی قلیلة الکروم و فاکهتها من قابس تسدّ حاجة أهلها و شرب أهلها من مواجل بها و مواجنها صالحة الطعوم حافظة لما استودعت، و لهم من صیود السمک ما یکثر و یعظم تصاد بحظائر قد زربت و عملت فی الماء فتؤخذ بأیسر سعی، و بناؤها بالحجارة و الجیر و بینها و بین المهدیّة مرحلتان و لها عامل علیها للسلطان بذاته، (17) و المهدیّة مدینة صغیرة استحدثها المهدیّ القائم بالمغرب و سمّاها بهذا الاسم و هی فی نحر البحر و تحوّل الیها [من رقّادة القیروان] فی سنة ثمان و ثلثمائة و هی من القیروان علی مرحلتین فرضة لما والاها من البلاد کثیرة التجارة حسنة السور و العمارة منیعة و لها سور من حجارة و له بابان لیس لهما فیما رأیته من الأرض شبیه و لا نظیر غیر البابین اللذین علی سور الرّافقة و علی مثالها عملا و مثل شکلهما اتّخذا کثیرة القصور نظیفة المنازل و الدور حسنة الحمّامات [22 ظ] و الخانات خصبة رفهة الفواکه و الغلّات طیّبة الداخل نزهة الخارج بهیّة المنظر أدرکتها سنة ستّ و ثلثین و ملوکها کماة و جیوشها حماة و تجّارها طراة و قد اختلّت أحوالها و التاثت أعمالها و انتقل عنها رجالها بانتقال ملوکها عنها و بعدهم منها و کان أوّل نحس أظلّها أبو یزید مخلد بن کیداد و خروجه بالمغرب علی أهلها و انثالت المناحس علیها الی الآن و قد بقی بها بعض رمق ، (18) [و انتقل عنها رجالها بانتقال المنصور علیه السلام عنها و بعده عنها و سکناه بالمنصوریّة من ظهر القیروان و ذلک لما دهمه من أبی یزید مخلد بن کیداد و قصده المخالفة علیه و اطّراد ما اطّرد له عند خروجه بالمغرب فی أحزاب الکفر و النفاق و الإباضیّة و النکاریّة المرّاق فإنّه صارت به الحال عند نجومه لما سبق به القدر و تقدّم به القضاء الی أن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 72
استولی علی المغرب بأجمعه و حاصر المهدیّة و ضیّق علی أهلها و موالینا علیهم السلام حتّی أذن الله تعالی ببواره و هو فی غایة الثقة بأنصاره و السرور باغتراره فخانه فجوره و أسلمه سروره و خرج الیه مولانا أمیر المؤمنین المنصور بالله صلّی الله علیه و سلّم فی فئة شعارها الإیمان و عادتها من الله الظفر و الإحسان و عدوّ الله فی عدد لا یحصی و أمّة أذن الله فیها بالفنی ..... یمرّ مرّا کرجع الطرف أبطؤوه فی قبض أنفسهم و النصر منتظم فزحزحهم عن مستقرّهم و صیاصیهم و بذل السیف فی نواصیهم و انهزم اللعین و قد عاین الموت و شارف الفوت یطلب من الأرض معاذا و فیها من سوء ما اقترفه لواذا فمنّاه أهل القیروان الغرور و أنزلوه کالمقهور و قد وصل الیهم فی مرحلة واحدة فمنّوه الأباطیل و زخرفوا له الأقاویل فأقام و وصل المنصور أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فنزل عن غربیّ القیروان فی منزل نزله بالسعادة و علت فیه طیر النصر و السلامة فتیمّن بنزوله و تبرّک بحلوله فأنجزه الله ما وعده و بلّغه ما أمّله فهزم أبا یزید عن مکانه و أمکن الله من حزبه و أعوانه فمنّ علی أهل القیروان بالعفو و الغفران و اتّبع أبا یزید فکان بینهما ما یطول شرحه و یتفاقم إنباؤه الی أن أخذه و رجع الی العسکر المنصور و المکان المذکور فاختطّ به أحسن بلد فی أسرع أمد و انتقل الیه و استوطنه و أقام به و استحسنه صلوات الله علیه یوم الثلثاء للیلة بقیت من شوّال سنة سبع و ثلثین و ثلثمائة،] (19) و أمّا سوسه فمدینة بین الجزیرة و المهدیّة طیّبة رفهة خصبة علی نحر البحر و لها سور حصین و ماؤها معین و بها مواجن قلیلة و أعمال صالحة نبیلة و فی أهلها دهقنة و الغالب علیهم السلامة و هی إحدی فرض البحر و لها أسواق حسنة و فنادق و حمّامات طیّبة و هی من القیروان علی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 73
مرحلة و کانت لها ضیاع جمّة و وجوه من الجبایة غزیرة و غلّات واسعة و رباطات کثیرة، و بین المهدیّة وسوسه رباط یسکنه أمّة من الناس علی مرّ الأیّام و الساعات یعرف بالمنستیر و یقصده أهل افریقیة لوقت من السنة فیقیمون به أیّاما معلومة و یحضر بفاخر الأطعمة و نفیس المآکل و یقیم جمعهم به مدّة ثمّ یتفرّقون الی أوطانهم و هو علی نحر البحر، و بینه و بین المهدیّة أیضا قصر رباط یعرف بشقانص دونه عندهم فی المنزلة و هو حصین منیع و به أیضا أمّة مقیمة علی صید السمک، [و هما قصران عظیمان علی حافة البحر للرباط و العبادة علیهما أوقاف کثیرة بافریقیّة و الصدقات تأتیهما من کلّ أرض،] (20) و الجزیرة إقلیم له مدینة تعرف بمنزل باشوا واسعة العمل خصبة أوسع من سوسه علی سلطانها دخلا و أکثر منها جبایة و أهلا و لها کورة تضاف الیها و غیر غلّة یعوّل التجّار علیها و بها فی غیر موضع وخم ظاهر الثقل فی میاهها و لا یدخلها غریب إلّا مرض و إذا دخلها السودان صلحوا به و صلحت نفوسهم و طابت بالخدمة قلوبهم و جمیع الفواکه بها و لباشوا هذه أسواق فی کلّ شهر تحضر لأیّام معروفة، (21) والیها مدینة تونس و هی قدیمة أزلیّة ذات میاه جاریة قلیلة و الانتفاع بها کثیر و العائدة الی أربابها صالحة و هی خصبة فی ذاتها متّسع بغلّاتها و یعمل بها غضار حسن الصباغ و خزف حسن کالعراقیّ المجلوب و کان اسمها فی قدیم الزمان ترشیش فلمّا أحدث فیها المسلمون البنیان و استحدثوا البساتین و الحیطان سمّیت تونس و هی مصاقبة لقرطاجنه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 74
المشهور أمرها بالطیب و کثرة الفواکه و حسنها و جودة الثمار و صحّة الهواء و اتّساع الغلّات و من غلّاتها القطن و یحمل الی القیروان فیظهر الانتفاع به و کذلک القنّب و الکرویاء و العصفر و العسل و السمن و الحبوب و الزیت و کثیر من الماشیة مختصّة بها، (22) و سطفوره إقلیم أیضا علی البحر جلیل له ثلث مدائن فأقربهنّ الی تونس انبلونه ثمّ متیجه [ثمّ بنزرت] و بنزرت مدینة علی البحر خصبة أصغر من سوسه فی ذاتها و عامل المعونة ینزل من أعمالها فی بنزرت فیها ثمار کثیرة، و أنهار سطفوره واسعة غزیرة و الارتفاع بها و الجدی علی السلطان قلیل [22 ب] و الحیتان بها و بتونس ما یزید علی الکثرة و لا یدانیه ما باطرابلس من الرخص و السعة [و لها واد عجیب یخرج فیه فی کلّ شهر نوع من السمک و إذا أهلّ الهلال لا تجد من ذلک النوع واحدة و یظهر غیره] و أهل هذا الإقلیم جلد و ناسه ذوو بأس فی البرّ و البحر صبر علی الشقاء و الکدّ مع قلّة الخور و الضجر و إن کان بلدهم فی هذا الوقت قد خلا و جلا، (23) و طبرقه قریة و هی عدوة لأهل الاندلس الیها ینتهون و منها الی الاندلس یرکبون [و هی قریة و بئة و بها عقارب قاتلة نحو عقارب عسکر مکرم فی وحاء القتل و سرعته] و مضاء المیتة و قربها، و من أراد طبرقه من تونس علی الجادّة اجتاز علی مدینة باجه و هی مدینة قدیمة أزلیّة کثیرة القمح و الشعیر و لها من الغلّات و الزروع ما لیس بجمیع المغرب کهو عندی کثرة و جودة و نقاء الی جوهر فی نفس حبوبها و هی صحیحة الهواء کثیرة الرخاء واسعة الفضاء غزیرة الدخل علی السلطان وافرة الأرباح علی تجّارها و المزارعین بها، و طبرقه المذکورة مع صغر مقدارها و تفه منزلتها فانّما اشتهرت لکثرة ورود المراکب بالاندلسیّین و التجّار علیها و نزولهم فیها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 75
و تعشیرهم کان فی سالف الزمان بها و هی تجاه أوائل الاندلس من المکان الذی هی به و تحاذی أیضا بعض بلاد افرنجه، (24) و علی الساحل منها بهذا النحر علی نحو مرحلة مرسی الخرز و فیه معدن المرجان و مرسی الخرز أیضا قریة غیر أنّها نبیلة لمکان المرجان و حضور من یحضرها من التجّار و لا أعرف فی شی‌ء من البحار له نظیرا فی الجودة و لا یوجد المرجان فی مکان غیر هذه القریة المدعوّة بمرسی الخرز [و مدینة تنس] و بمدینة سبتة المحاذیة من الاندلس لمدینة جبل طارق و هی المعروفة بالجزیرة [الخضراء] و الذی بها من المرجان قلیل الجوهر حقیر المقدار فی جنب ما یخرج من مرسی الخرز و لسلطان المغرب بها أمناء علی ما یخرج منه و ناظر یلی صلاتها و معاونها و ما یلزم ما یخرج من هذا المعدن و للتجّار بها أموال کثیرة من أقطار النواحی عند سماسرة وقوف لبیع المرجان و شراه، و یعمل بها فی أکثر الأوقات فی إثارة المرجان الخمسون قاربا و ما زاد علی ذلک ممّا فی القارب العشرون رجلا الی ما زاد و نقص و المرجان نبت ینبت کالشجر فی الماء ثمّ یستحجر فی نفس الماء بین جبلین عظیمین و العاملون فیها یکثرون الأکل و الشرب و الخلاعة و لهم بها مکاسب وافرة و ینتبذون نبیذ العسل فیشربونه من یومه و یسکرهم الإسکار العظیم و یعمل من الصداع ما لا یعمله نبیذ الذرة و غیره من الأشربة، و هی ناحیة قلیلة الزرع یجلب الیها ما یقوتها ممّا یجاورها من فاکهة و غیرها و فیها من صیود السمک ما لم أر ببلد مثله سمنا و ربّما منع جانبه من أکل ما یصاد بها و سیّما وقت الغلّات، (25) و مدینة بونه مدینة مقتدرة لیست بالکبیرة و لا بالصغیرة و مقدارها فی رقعتها کالاربس و هی علی نحر البحر و لها أسواق حسنة و تجارة مقصودة و أرباح متوسّطة و فیها خصب و رخص موصوف و فواکه و بساتین قریبة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 76
و أکثر فواکهها من بادیتها و القمح بها و الشعیر فی أکثر أوقاتها کما لا قدر له، و بها معادن حدید کثیرة و یحمل منه الی الأقطار الغزیر الکثیر [و یزرع بها الکتّان] و لها عامل قائم بنفسه و معه من البربر عسکر لا یزول کالرابطة و من تجارتها الغنم و الصوف و الماشیة من الدوابّ [23 ظ] و سائر الکراع و بها من العسل و الخیر و المیر ما تزید به علی ما داناها من البلاد المجاورة لها و أکثر سوائمهم البقر و لهم إقلیم واسع و بادیة و حوزة بها نتاج کثیر و قلّ من بها تفوته الخیل السائمة للنتاج، و بینها و بین جزائر بنی مزغنّای مراس فمنها جیجل مرسی و منه الی بجایه [مرسی] و منه الی مرسی بنی جنّاد و منه الی مرسی الدجّاج و هی مدینة علیها سور منیع علی نحر البحر و فی شفیره و لیس لها مرسی مأمون و بها من رخص الأسعار أیضا فی الفواکه و المآکل و المطاعم و القمح و الشعیر و الألبان و المواشی ما یغرق غیرهم ممّن یجاورهم و بها من الأشجار و الثمر و التین خاصّة العظیم الجسیم ما یحمل منه الی البلاد النائیة عنه، (26) و جزائر بنی مزغنای مدینة علیها سور علی سیف البحر أیضا و فیها أسواق کثیرة و لها عیون علی البحر طیّبة و شربهم منها و لها بادیة کبیرة و جبال فیها من البربر کثرة و أکثر أموالهم المواشی من البقر و الغنم سائمة فی الجبال و لهم من العسل ما یجهّز عنهم و السمن و التین ما یجهّز و یجلب الی القیروان و غیرها و لها جزیرة فی البحر علی رمیة سهم منها تحاذیها فإذا نزل بهم عدوّ لجؤوا الیها فکانوا فی منعة و أمن ممّن یحذرونه و یخافونه، و تامدفوس مرسی و مدینة خربت و فیها بقیّة قوم یسکنونها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 77
سکنی الصابین الی أوطانهم، واشرشال مدینة قدیمة أزلیّة قد خربت و فیها مرسّی و بها آثار قدیمة و أصنام من حجارة و مبان عظیمة، و منها الی برشک مدینة کان علیها سور فتهدّم و لها میاه جاریة و أبآر معین و بها فواکه حسنة غزیرة و سفرجل معنّق کالقرع الصغار و هو طریف و أعناب الغالب علی أهلها البربر و لها بادیة یشتارون العسل من الشجر و الأجباح لکثرة النحل بالبلد و أکثر أموالهم الماشیة و لهم من الزرع و الحنطة و الشعیر ما یزید علی حاجتهم، (27) و تنس مدینة علیها سور و لها أبواب عدّة و بعضها علی جبل قد أحاط به السور و بعضها فی سهل و هی من البحر علی نحو میلین علی واد کثیر الماء و شربهم منه و هی مدینة فوق الصغیرة و لیس علی البحر فیما قاربها علی شکلها بنواحیها فی الکبر و بها فواکه حسنة و هی من الخصب فی جمیع الوجوه الرفهة بأمر مستفاض و هی أکبر المدن التی یتعدّی الیها الاندلسیّون بمراکبهم و یقصدونها بمتاجرهم و ینهضون منها الی ما سواها و لسلطانها بها وجوه من الأموال کثیرة کالخراج و الجوالی و الصدقات و الأعشار و مراصد علی المتاجر الداخلة الیها و الخارجة و الصادرة و الواردة و لها بادیة من البربر کثیرة و قبائل فیها أموالهم جسیمة غزیرة و بها من الفواکه و السفرجل المعنّق ما لا أزال أحکیه لحسنه و نعمته و حلاوته و طیب رائحته، (28) و منها الی مدینة و هران مراس لا مدن لها مشهورة کمرسی عطا و لیس به أحد یسکنه و قصر الفلوس و إن کانت مدینة محدثة فلها سور و هی لطیفة جدّا و سورها من تراب طابیة و ماؤها من عین ماء جاریة بها و غلّاتهم من القمح و الشعیر و المواشی عندهم کثیرة، و لمدینة وهران مرسی فی غایة [23 ب] السلامة و الصون من کلّ ریح و ما أظنّ له مثلا فی جمیع
صورة الأرض، ج‌1، ص: 78
نواحی البربر سوی مرسی موسی فقد کنفته الجبال و له مدخل أمن و علیها سور و ماؤها من خارجها جار علیها فی واد علیه بساتین و أجنّة کثیرة فیها من جمیع الفواکه و فی حاضرتها دهقنة [و حذق و فیهم حمیّة مع الغریب و هی فرضة الاندلس الیها ترد السلاع و منها یحملون الغلال] و الغالب علی بادیتها البربر من یزداجه و هم فی وقتنا هذا فی ضمن یوسف بن زیری ابن مناد الصنهاجیّ خلیفة صاحب المغرب، (29) و من وهران الی واسلن مدینة خصبة لها سور عظیم حصین و ماؤها فیها و لها بساتین کثیرة و کنت أعرفها قدیما لحمید بن یزل و لها مرسی و هی خصبة کثیرة الأهل و أکثر أموالهم الماشیة و لهم منها الکثیر الغزیر، و منها الی ارجکوک مدینة أیضا لطیفة لها مرسی و بادیة و خصب وسعة فی الماشیة و الأموال السائمة و مرساها فی جزیرة لها فیها میاه و مواجن کثیرة للمراکب و أهلها و المحتاجین الیها فی سقی سوائمهم و هی جزیرة معمورة بالناس، و ارجکوک علی واد یعرف بتافنا و بینها و بین البحر نحو میلین، و کانت ملیله مدینة ذات سور منیع و حال وسیع و کان ماؤها یحیط بأکثر سورها من بئر فیها عین عظیمة و کانت أزلیّة فاکتسحها أبو الحسن جوهر الداخل مصر برجال المغاربة و قد تغلّب علیها بنو بطویه بطن من البربر و کان بها من الأجنّة ما یسدّ حاجتهم و من الزروع الکثیرة و الحبوب و الغلّات الجسیمة فزال أکثرها، و نکور مدینة مقتصدة فی وقتنا هذا و کانت قدیما أعظم ممّا هی و آثارها بیّنة و لها مرسی ترسی فیه المراکب فی بطن جزیرة تعرف بالمزمّة، (30) و منها الی مدینة سبتة و هی لطیفة علی نحر البحر و بها بساتین و أجنّة تقوم بأهلها و ماؤها من داخلها یستخرج من أبآر بها معین و من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 79
خارجها أیضا من الأبآر شی‌ء کثیر عذب و لها مرسی قریب الأمر و قد تقدّم أنّ بها معدنا للمرجان صالحا یعمل فیه قویربات لطاف و هی وقتنا هذا لبنی أمیّة و لم یکن لهم فی عدوة المغرب غیرها و لها من ظاهرها بربر یأخذ صدقاتهم و لوازمهم و خراجهم من کان بها والیا علیها و کذلک من کان بمرسی موسی فی ضمنهم [و کأنّی بها راجعة الی مولانا علیه السلام] ، و منها الی طنجة مدینة أزلیّة آثارها بیّنة و أبنیتها بالحجارة قائمة علی وجه البحر سکنها أهلها قدیما سنین فی صدر الإسلام ثمّ استحدثوا لهم مدینة عن مسیرة میل منها علی ظهر جبل و الذی أوجب استحداثها خوف آل إدریس علیها عند استحواذهم علی سبتة فی وقتهم و أکثر أموال أهلها من الزرع حنطة و شعیر و حبوب و ماؤها مجلوب الیها فی قنیّ من مکان بعید لا یعلم أصله و لا یعرف من أین مجیئه و إنّما یظنّون جهاته و هی خصبة صالحة الأسعار و لیس علیها سور، (31) و زلول مدینة لطیفة فی شرق ازیلی لها أسواق قریبة و کان علیها معوّل حسن بن کنون الحسنیّ الفاطمیّ و هو مستحدثها و شربهم کشرب أهل طنجة مجهول المبتدأ غیر معلوم الأصل، و أزیلی مدینة علیها سور متعلّقة علی رأس جرف خارج من البحر المحیط الی أرض المغرب [24 ظ] و هی لطیفة و سورها من حجارة و بعضها علی البحر المحیط و حظّهم من الزروع و الحنطة و الشعیر وافر و ماؤها من أبآر فیها معین لذیذ و فیها أسواق، و إذا أخذ منها الآخذ یرید الجنوب علی سیف البحر المحیط لقیه وادی سفدد و هو واد کبیر عظیم غزیر الماء یحمل المراکب عذب و منه شرب أهل تشمّس و هی مدینة لطیفة قدیمة أزلیّة أوّلیّة جاهلیّة و علیها سور من البناء الأوّل ترکب وادی تشمّس هذا المعروف بسفدد و بینها و بین البحر نحو میل و یمدّ سفدد شعبتان تقع فیه إحداهما من بلد دنهاجه من جبلی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 80
البصرة و الثانیة من بلد کتامة و کلتاهما ماء کثیر و فیه یحمل أهل البصرة تجاراتهم فی المراکب ثمّ یخرجون الی البحر المحیط و یعودون الی البحر الغربیّ فیسیرون منه حیث شاؤوا و بین مدینة تشمّس هذه و بین مدینة البصرة دون المرحلة علی الظهر، (32) [ثمّ نعطف علی البحر المحیط یسارا و علیه من المدن قریبة منه و بعیدة جرمانه و تاوارت و الحجر علی نحر البحر و دونها فی البرّ مشرقا الاقلام ثمّ البصرة ثمّ کرت،] و البصرة مدینة مقتصدة علیها سور لیس بالمنیع و لها میاه عن خارجها من عیون علیها بساتین یسیرة من شرقیّها و لها غلّات کثیرة من القطن المحمول الی افریقیة و غیرها و من غلّاتهم القمح و الشعیر و القطانی و سهمهم من ذلک وافر و هی خصبة کثیرة الخیر حسنة الأسواق و العمارة طیّبة الهواء صحیحة التربة و فیها قوم لهم خطر و میل الی السلامة و العلم و لهم محاسن فی خلقهم قد عمّت نساءهم و رجالهم و الغالب علیهم حسن القدود و الشطاط و اعتدال الخلق و جمال الأطراف و یشملهم الستر و السلامة و المعروف، و بین البصرة و المدینة المعروفة بالاقلام أقلّ من مرحلة و هی مدینة استحدثها یحیی بن إدریس و لها سور منعهم عند منابذتهم موسی بن أبی العافیة و لها میاه کثیرة و هی فی وسط شعراء و جبال شامخة عالیة و المدخل الیها من مکان واحد و فیها منبر و مسجد جامع لآل إدریس و الیها لجؤوا عند محاصرة موسی لهم عند مواقعتهم لبنی أمیّة آنفا و قد کان قبضها منذ قریب بنو أمیّة و قد عادت الیهم و هی خصبة حصینة و إنّما قبضها آل أمیّة منهم بالجوع و تواصل الحصار ، (33) و کرت أیضا مدینة لطیفة فی سفح جبل منیعة أیضا بغیر سور
صورة الأرض، ج‌1، ص: 81
و لها میاه کثیرة و أجنّة واسعة و مزارع عظیمة و غلّاتهم من القمح و الشعیر و القطن کثیرة و أهلها تجّار و الغالب علیهم البربر و جمیعهم و جمیع أهل هذا الصقع المذکور و هو إقلیم طنجة لآل إدریس تصل الیهم جبایته و یجتبون خراجه و من المدن المضافة الیهم و الداخلة فی قبضتهم بالمجاورة ماسیته و هی [مدینة] لها سور فی قبلة مدینة البصرة و هی علی واد عذب یجری الی وادی سبه و هو وادی فاس، و هی مدینة علیها سور یمنعها و لها غلّات کثیرة و رخص و خصب و لها بادیة من البربر و من غلّاتهم القطن و القمح و الشعیر و لهم میاه کثیرة و سقی یغزر عائدته علیهم، و الحجر مدینة عظیمة محدثة علی جبل عظیم شامخ لآل إدریس و هی حصن منیع فیه أملاکهم و هی من أعظم مدنهم عندهم منزلة و أکبرها خطرا [24 ب] و ماؤها فیها و لها بساتین فیها و لیس علیها طریق و لا الیها سبیل إلّا من جهة واحدة یسلکه الراجل بعد الراجل و هی خصبة رفهة کثیرة الخیر، (34) و بحیرة اریغ بحیرة أصلها من البحر المحیط صغیرة ترسی فیها المراکب الاندلسیّة التی تحمل غلّات الناحیة و فیها یرکب أهل البصرة و یشحنون من نواحیهم و ناحیة بلد بیاثه ، و منها عن مرحلة الی جهة الجنوب مصبّ وادی سبه و هو وادی فاس و من ورائه الی ناحیة برغواطه علی نحو برید وادی سله و الیه ینتهی سکنی المسلمین، (35) و بسله رباط یرابط فیه المسلمون و علیه المدینة الأزلیّة المعروفة بسله القدیمة و قد خربت و الناس یسکنون و یرابطون برباطات تحفّ بها و ربّما اجتمع فی هذا المکان من المرابطین مائة ألف إنسان یزیدون فی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 82
وقت و ینقصون لوقت و رباطهم علی برغواطه قبیل من قبائل البربر علی البحر المحیط متّصلین بهذه الجهة التی سقت عمارة بلد الإسلام الیها یغزون و یسبون، و ذلک أنّ رجلا کان یعرف بصالح بن عبد الله دخل العراق و درس شیئا من النجوم و صلحت منزلته فی علمها الی أن قوّم الکواکب و عمل التقاویم و الموالید و أصاب فی أکثر أحکامه و کان له خطّ حسن و فهم بأطراف من العلم و عاد فنزل بینهم و کان بربریّ الأصل مغربیّ المولد مضطلعا بلغة البربر یفهم غیر لسان من ألسنتهم فدعاهم الی الإیمان به و ذکر أنّه نبیّ و رسول مبعوث الیهم بلغتهم و احتجّ بقول الله تعالی و ما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه و أنّ محمّدا صلّی الله علیه نبیّ حقّ عربیّ اللسان مبعوث الی قومه و الی العرب خاصّة و أنّه صادق فیما أتی به من القرآن و الأحکام و إیّاه أراد الله عزّ و جلّ بقوله و صالح المؤمنین و الملئکة بعد ذلک ظهیر و وعدهم غیر کسوف فوجدوه و أنذرهم غیر شی‌ء فأدرکوه و أصابوه علی حکایته فأفسد عقولهم و بدّل معارفهم و افترض علیهم طاعته فی سنن ابتدعها و أحوال فرضها و اخترعها و أوجب علیهم صوم شعبان و إفطار شهر رمضان و عمل لهم کلاما رتّله بلغتهم و شرع فیه محابّه علی نحلتهم فهم یتدارسونه و یعظّمونه و یصلّون به و هلک فخلفه وصیّ کان له أقامه یکنی أبا العفیر فزاد فیما رسمه أشیاء ذکر أنّ له فیها الزیادة و النقصان و الحلّ و العقد فیما قدّمه صالح لهم من الأحوال فدعاهم الی النسک و ترک الدنیا و الإقبال علی التقلّل و الزهد و تناهی هو و خاصّته فی ذلک الی أن حفظ علیه صبره عن الغذاء خمسا من الدهر و سبعا و تسعا و هو فی جمیع ذلک یذکر أنّه یوحی الیه و أنّ الملائکة تأتیه بما یأمرهم به و ینهاهم
صورة الأرض، ج‌1، ص: 83
عنه، و کان صالح یحلّ لهم الطیّبات و یبیحهم اللذّات و یسوسهم فی المحظورات و فیهم الآن من یقرأ القرآن بغایة الاحترام و یحفظ منه السور و یتأوّل آیاته علی موافقته لکتابهم و قرآنهم، و کان أهل البصرة و مدینة فاس یغزونهم فی بعض الأوقات و یسالمونهم و یتاجرونهم و یجلبون الیهم التجارات [25 ظ] علی ما یرونه ولاتهم و فی برغواطه أمانة و بذل للطعام و تجنّب للکبائر من الحرام و المحظورات من الآثام و قد یصل الیهم أهل اغمات و السوس أیضا بالتجارة و کذلک قوم من أهل سجلماسه و بلدهم بلد مستقلّ بنفسه عن الحاجة الی ما فی غیره و فیهم جمال بارع و شدّة و بأس و صبر علی القلاء و المراس و کنت ألفیت محمّد بن الفتح المعروف بالشاکر للّه بسجلماسه یدعو الی غزوهم فی سنة أربعین و ثلثمائة و أظنّه هلک و لم یبلغ منهم محابّه لقلّة إجابة من کان یدعوه الی غزوهم من البربر و خوفهم من اطّراد حیلة لمحمّد بن الفتح الشاکر لله علیهم فی ذلک، (36) و هذه جملة أحوال المدن المشهورة و المراسی و القری المعروفة علی نحر بحر المغرب من حدّ برقة الی البحر المحیط ممّا انتهیت الیه و أدرکته بالعیان أو أخذته عمّن نشأ فیه، و لیس من حدّ برقة و أعماله الی نواحی افریقیة فیما یواجه البحر المغربیّ من البرّ غیر عشر مراحل فما فوقها بلد یذکر و لا یعرف إلّا ما ذکرته و الغالب علی ما واجه هذا البحر من أرض مصر الی نواحی عمل افریقیة البراریّ و المفاوز التی بین بلاد السودان و أرض المغرب و فی أطرافها سکّان من البربر و فی قلب البرّ أیضا میاه علیها قوم منهم، و أمّا ما حاذی أرض افریقیة الی آخر أعمال طنجة عن مرحلة الی عشر مراحل فزائد و ناقص فبلاد مسکونة و مدن متّصلة الرساتیق و المزارع و الضیاع و المیاه و الولاة و السلاطین و الملوک و الحکّام و الفقهاء و کلّ ذلک فی جملة صاحب المغرب و حوزته و قبضته أو فی ید خلیفته، و ما عداه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 84
و أوغل فی براریّ سجلماسه و اودغست و نواحی لمطه و تادمکه الی الجنوب و نواحی فزان ففیه میاه علیها قبائل من البربر المهملین الذین لا یعرفون الطعام و لا رأوا الحنطة و لا الشعیر و لا شیئا من الحبوب و الغالب علیهم الشقاء و الاتّشاح بالکساء و قوام حیاتهم باللبن و اللحم و سأذکر ذلک و أصفه بعد فراغی من ذکر المسافات علی استقصاء إن شاء اللّه، (37) ذکر الطریق من افریقیة الی تاهرت و فاس، فمن القیروان الی الجهنیین قریة مرحلة، و منها الی سبیبه مدینة أزلیّة کثیرة المیاه و الأجنّة و علیها سور من حجارة حصین و لها ربض فیه الأسواق و الخانات و شربهم من عین جاریة کثیرة تسقی بساتینهم و أجنّتهم و هی علی مرّ الأیّام کثیرة الفواکه رخیصة الأسعار و یغلب علی غلّاتهم الکمّون و الکرویاء و البقول و یزرع عندهم الکتّان و لهم ماشیة کثیرة مرحلة، و منها الی مرماجنه قریة مرحلة و هی لهوارة و فیها أسواق حسنة، و منها الی مجانه مدینة ذات سور من طابیة مرحلة و هی کثیرة الزعفران و الزرع و بها معادن حدید و فضّة و منها الحجارة المجلوبة للمطاحن بجمیع المغرب و لهم واد غزیر الماء یزرعون علیه و أسواق صالحة، و من مجانه [25 ب] الی تیجس طریق قصد علی مناهل و قری خمس مراحل و یفارق طریق باغای قبل أن یصل الی نهر ملاق، و منها الی مسکیانه قریة علیها سور قدیمة کثیرة المیاه و الزرع و لها سوق و ماؤها جار من عیون فیها من الحوت الکثیر الرخیص و سوقها ممتدّ کالبساط مرحلة و هی أکبر من مرماجنه و تجمعان أبدا لعامل واحد، و منها الی مدینة باغای و هی کبیرة علیها سور أزلیّ من حجارة و لها ربض علیه سور و الأسواق فیه و کانت الأسواق قدیما فی المدینة فنقلت و لها ماء جار من واد یأتیهم من القبلة و منه شربهم مع أبآر لهم عذبة و لهم من البساتین الکثیر مرحلة و هو بلد بربریّ البادیة و أکثر غلّاتهم الحنطة و الشعیر و عاملها علی صلاتها و معاونها و وجوه أموالها عامل بنفسه لا من تحت ید أحد و جبل اوراس منها علی أمیال و فیه المیاه الغزیرة و المراعی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 85
الکثیرة و العمارة الدائمة و کان أهله قوم سوء و طوله نحو اثنا عشر یوما و سکّانه مستطیلین علی من جاورهم من البربر و غیرهم فهلکوا و أتی الله بنیانهم من القواعد ، و لباغای طریق یأخذ الآخذ علی بلزمه الی نقاوس الی طبنه و یتّصل هذا الطریق بطریق مجانه الی تیجس فیمرّ علیه الی بونه و من أحبّ فیه من تیجس الی القسطنطینیّة الی میله الی سطیف الی المسیلة وصل الیها و من أراد من سطیف الی حائط حمزة الی اشیر بلد زیری کان أقصد له إن کان یرید المغرب، (38) و من باغای الی دوفانه قریة من جبل اوراس لها سکّان من اللهان و کان البلد لهم و لبنی عمّهم من اللهان مرحلة، و منها الی دار ملول و کانت مدینة قدیمة فرزحت أحوالها و صارت منزلا ینزله المجتازون و فیها مرصد قدیم علی جمیع ما یجتاز بها و ماؤها من عین بها مرحلة، و منها الی طبنه مدینة قدیمة و کانت عظیمة کبیرة البساتین و الزروع و القطن و الحنطة و الشعیر و لها سور من طابیة مرحلة و أهلها قبیلتان عرب و برقجانه و أکثر غلّاتهم السقی و یزرعون الکتّان و جمیع الحبوب فیها غزیرة کثیرة و کانت وافرة الماشیة من البقر و الغنم و سائر الکراع و النعم فحدث بینهم البغی و الحسد الی أن أهلک الله بعضهم ببعض و أتی علی نعمهم فصاروا بعد السعة و الدعة الی الضیق و الذلّة و الصغار و الشتات و القلّة مشرّدین فی البلاد مطرّحین فی کلّ جبل و واد و بقیّتهم صالحة، و من طبنه الی مقره منزل فیه أیضا مرصد مرحلة، و من مقره الی المسیلة مرحلة و هی مدینة محدثة استحدثها علیّ بن الاندلسیّ أحد خدم آل عبید الله و عبیدهم و علیها سور حصین من طوب و لها واد یقال له وادی سهر فیه ماء عظیم منبسط علی وجه الأرض و لیس بالعمیق و لهم علیه کروم و أجنّة کثیرة تزید علی کفایتهم و حاجتهم و لهم من السفرجل المعنّق ما یحمل الی القیروان
صورة الأرض، ج‌1، ص: 86
و أصله من تنس و من غلّاتهم القطن و الحنطة و الشعیر و تکثر عندهم المواشی من الدوابّ و الأنعام و البقر و علیها من البربر بنو برزال و بنو زنداج [26 ظ] و هوارة و مزاتة و علیهم صدقات و خراج غزیر، و منها الی جوزا منهل ینزله الناس لا ساکن به و فیه ماء من عیون عدبة مرحلة، و من جوزا الی هاز قریة کانت قدیمة عظیمة فخربت و هی فی وقتنا هذا مفازة فیها ماء عیون مسجونة مرحلة و هو بلد یغلب علیه الرمل، و منها الی جرتیل قریة کبیرة کثیرة الزرع و المیاه و شربهم من عیون بها مرحلة و سکّانها زناتة، و منها الی ابن ماما مدینة صغیرة ذات منبر علیها سور طوب و لها خندق و ماء فی واد عذب کثیر الماء یزرع علیه و علی المطر أیضا مرحلة، و منها الی اغیر قریة صغیرة یشقّها الطریق و یقطعها جانبین مرحلة، و منها الی تاهرت مرحلة، و تاهرت مدینتان کبیرتان إحداهما قدیمة أزلیّة و الأخری محدثة و القدیمة ذات سور و هی علی جبل لیس بالعالی و بها کثیر من الناس و فیها جامع و فی المحدثة أیضا جامع و لکلّ إمام و خطیب و التجّار و التجارة بالمحدثة أکثر و لهم میاه کثیرة تدخل علی أکثر دورهم و أشجار و بساتین و حمّامات و خانات و هی أحد معادن الدوابّ و الماشیة و الغنم [و البغال] و البراذین الفراهیة و یکثر عندهم العسل و السمن و ضروب الغلّات، (39) و من القیروان الی المسیلة طریق غیر هذا الطریق علی بلاد کتامة و الأربس و هو من القیروان الی جلولا مدینة علیها سور و فیها عین ماء جاریة و علیها بساتین کثیرة قد حفّت بها و نخیل غزیرة مرحلة خفیفة، و منها الی أجر قریة ماؤها من الأبآر و لهم زروع کثیرة من القمح و الشعیر مرحلة خفیفة، و منها الی طافجنه قریة لها فحص واسع، و لهم من الغلّات المتّصلة بنواحی الاربس من الحنطة و الشعیر أمر عظیم مرحلة خفیفة أیضا، و منها الی الاربس مدینة لها إقلیم واسع و غلّات جلّها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 87
الزعفران و لها سور حصین من حجر و فیها من داخلها عینان جاریتان إحداهما تسمّی عین رباح و الأخری عین زیاد و عین زیاد أطیب و علیها معوّلهم فی شربهم و ماؤها صحیح و بها معدن الحدید و هی ذات فواکه صالحة، و ابه مدینة عن غربیّ الاربس و منها علی اثنی عشر میلا و بها من الزعفران ما یضاهی ما بالأربس فی الکثرة و الجودة و أرضهما واحدة مختلطة و عملهما کعمل واحد و فی وسطها عین ماء جاریة منها شربهم و هی غزیرة و علیها سور من طابیة خصبة کثیرة الفواکه و الثمار و علیها جبل مطلّ، و من الاربس الی تامدیت مدینة لها سور و شربهم من عیون بها و أکثر غلّاتهم القمح و الشعیر مرحلتان بینهما قریة تعرف بمرماجنه، و من تامدیت الی تیفاش مرحلة و هی مدینة أیضا أزلیّة أوّلیّة قدیمة علیها سور قدیم بالحجر و الجیر و بها عین ماء جاریة و لهم من الأجنّة و البساتین ما یقوتهم و علیها شعراء کبیرة، و منها الی قصر الافریقیّ مدینة لا سور علیها و الغالب علی غلّاتها القمح و الشعیر و تحتها واد یجری [26 ب] ینتفع به من کان فی أعالی عملها و منه شربهم مرحلة، و منها الی ارکوا قریة لها أجنّة و عیون و میاه جاریة کثیرة و قمح و شعیر و غلّات صالحة و جمیع میاههم عذبة مرحلة، و منها الی تیجس مدینة لها سور و ربض قد استدار من قبلتها الی بحریّها و سوق صالح و ماء جار من عین تعرف بتبودا و فی وسط المدینه ماء کثیر من عین طیّبة مرحلة، و من تیجس الی نمزدوان قریة لها حاضرة و بادیة و لها بالبعد منها عیون و شربهم منها و هو بلد قمح و شعیر مرحلة، و منها الی مهریّین قریة فی فحص ماؤها من أبار و لها سوق و الغالب علیها البربر و هی لکتامة و مزاتة مرحلة، و منها الی تامسنت قریة و سوق لکتامة و مزاتة و لها أجنّة و ماء یجری و أبار معینة مرحلة، و منها الی دکمه قریة لها سوق و الغالب علیها کتامة و شربها من أبار و غلّاتهم من القمح و الشعیر وافرة مسیرة مرحلة، و منها الی اوسجیت مرحلة صورة الأرض ؛ ج‌1 ؛ ص87
صورة الأرض، ج‌1، ص: 88
و هی قریة فیها بعض حوانیت لبربر کتامة و لها میاه کثیرة یزرعون علیها، و منها الی المسیلة مرحلة خفیفة، و من المسیلة الی اشیر مرحلتان ینزل المارّ بینهما فی وادی المالح و هو واد یجری بماء مالح و یرحل منه الی اشیر و سأصفها فیما بعد، (40) و من المسیلة الی افریقیة طریق ثالث یأخذ من المسیلة الی مقره و منها الی طبنه [و من طبنه] الی بسکره مرحلتان و من بسکره الی تهوذا مرحلة و منها الی بادس مرحلة و من بادس الی تامدیت مرحلة و من تامدیت الی مداله مرحلتان و من مداله الی نفطه مرحلة و من نفطه الی قسطیلیه بعض مرحلة و منها الی قفصه و سیأتی ذکر هذا الطریق فیما بعد إن شاء الله، (41) ذکر الطریق من فاس الی المسیلة، فمن فاس علی سبه و هو نهر عظیم الماء کثیره و الیه مصبّ وادی فاس و جمیعا یقعان فی البحر بنواحی سله و علیه قری تتّصل إحداها بالأخری الی نمالته مرحلة و هی أیضا علی واد یقال له ایناون و لنمالته واد غیر ایناون یأتیها من القبلة و یعرف بوادی نمالته علیه کروم و بساتین کثیرة، و منها الی کرانطه و هی مدینة علی وادی ایناون و لها واد آخر یأتیها من القبلة علیه من الفواکه و الکروم و السقی الکثیر الغزیر، و من کرانطه یأخذ الطریق علی باب زناتة و هو واد و قری متّصلة ذوات أسقاء و بعض هذه القری متّصلة بمیاه ایناون و مخرج ذلک الی قلعة کرماطه و هو سوق و حصن علی ایناون و بها من الزرع و الضرع و السائمة الکثیر العظیم مرحلة، و من کرماطه علی فجّ الجبل المعروف بتازا الی مزاوروا و هی مدینة لطیفة کثیرة القمح و الشعیر مرحلة، و منها علی وادی مسون طریق الی تابریدا و هی مدینة لطیفة علی وادی ملویه مرحلة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 89
و وادی ملویه یقع الی وادی صاع و یصبّان جمیعا الی البحر ما بین جراوة أبی العیش و ملیله ، و منها الی صاع مدینة لطیفة علی واد [27 ظ] عظیم یدخل علی جمیع دورهم و یشقّ الصحراء الیهم مرحلة، و من صاع الی جراوة أبی العیش و بینها و بین البحر ستّة أمیال و کانت عامرة آهلة مرحلة، و منها الی ترفانه مدینة علیها سور و لها سوق و أنهار مطّردة و فواکه واسعة عظیمة و کروم جسیمة [مرحلة] ، و منها الی العلویّین قریة علی نهر یأتیها من القبلة و لها علیه فواکه عظیمة مرحلة ، و منها الی تنمسان مرحلة لطیفة و هی مدینة أزلیّة و لها أنهار جاریة و أرحیة علیها و فواکه و لها سور من آجرّ حصین منیع و زرعها سقی و غلّاتها عظیمة و مزارعها [کثیرة] ، و منها الی قریة تعرف أیضا بالعلویّین مرحلة و هی قریة عظیمة آهلة علی نهر و لها أجنّة و عیون، و منها الی تاتانلوت و هی قریة جلیلة کبیرة ذات أجنّة و أرحیة علی وادیها و فواکه مرحلة، و منها الی عیون سی قریة کبیرة لها عیون و أنهار تطّرد مرحلة، و منها الی وادی الصفاصف و هو الوادی النازل من افکان الی افکان مرحلة و افکان مدینة لها أرحیة و حمّامات و قصور و فواکه و کانت لیعلی بن یحمد ذات سور من تراب فی غایة الارتفاع و العرض و وادیها یشقّها بنصفین، و منها الی تاهرت بالعرض الی الشرق ثلث مراحل و لا فکان علی وادیها أعمال عریضة و أجنّة و مزارع، و منها الی المعسکر قریة عظیمة لها أنهار و أشجار و فواکه مرحلة، و من المعسکر الی جبل توجان الی عین الصفاصف قریة کبیرة لها عین و أنهار و أشجار و منها سقی یلل مرحلة، و منها الی یلل مدینة ذات أنهار و فواکه مرحلة،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 90
و من یلل الی شلف مدینة ذات سور و حصن و نهر و شجر و مزارع مرحلة، و منها الی غزه مدینة صالحة [مرحلة] و فیها سوق و حمّام و یصاقب أعمالها سوق إبراهیم و هی مدینة أیضا صغیرة فیها حمّام و سوق و هی علی نهر شلف، و من سوق إبراهیم الی تاجنه مدینة صغیرة فیها سوق و لها فواکه و تین عظیم کثیر بجهّز عنها مرحلة، و منها الی تنس مرحلة، و من تنس الی بنی واریفن مرحلة لطیفة بین جبال عظام شواهق سوامق و بنو واریفن قریة أزلیّة لها کروم و سوان کثیرة و هی علی نهر شلف، و منها الی الخضراء مدینة علی نهر و لها فواکه و سوان و بها السفرجل المعنّق الفراسیّ مرحلة و لها ناحیة خصبة و فیها سوق و جامع و حمّام، و منها الی ملیانه مدینة أزلیّة و لها أرحیة علی نهرها و سقی کثیر من وادیها و لها حظّ من نهر شلف مرحلة، و منها الی سوق کران و هو حصن أزلیّ له مزارع و سوان و هو علی نهر شلف أیضا مرحلة، و من سوق کران الی ریغه و هی قریة و لها سوق صالح و لها فواکه و أجنّة و أنهار تطّرد و مزارع مرحلة، و منها الی رطل مازوغه قریة لطیفة حسنة فیها ماء عذب مرحلة، و منها الی اشیر مدینة بحصن یسکنها آل زیری بن مناد و لها سور حصین و أسواق و عیون تطّرد و أجنّة و مزارع و إقلیم حسن القدر مرحلة، و من اشیر الی تامزکیدا و بها عین و لها أنهار عذبة مرحلة، و منها الی الوادی المالح مرحلة، و منها الی المسیلة مرحلة، [و قد أتیت بهذا الطریق مقلوبا لأنّی سلکته من المغرب الی افریقیّة،] (42) و فاس مدینة جلیلة یشقّها نهر و هی جانبان یلیهما أمیران مختلفان [27 ب] و بین أهل الجانبین الفتن الدائمة و القتل الذریع المتّصل و نهرها کبیر غزیر الماء علیه أرحیة کثیرة و هی مدینة خصبة مفروشة بالحجارة أحدثها إدریس بن إدریس فی کلّ یوم من أیّام الصیف یرسل فی أسواقها من نهرها الماء فیغسلها فتبرد الحجارة و جمیع ما بها من الفواکه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 91
و الغلّات و المطاعم و المشارب و التجارات و المرافق و الخانات فزائد علی سائر ما قرب منها و بعد فی أرض الهبط موقعه و ظاهر بکثرته حدّه و موضعه و مستفاض بوفوره مکانه و مرفقه، (43) و منها الی سجلماسه ثلث عشرة مرحلة و سجلماسه مدینة حسنة الموضع جلیلة الأهل فاخرة العمل علی نهر یزید فی الصیف کزیادة النیل فی وقت کون الشمس فی الجوزاء و السرطان و الأسد فیزرع بمائه حسب زروع مصر فی الفلاحة و ربّما زرعوا سنة عن بذر و حصدوا ما راع من زرعه و تواترت السنون بالمیاه فکلّما أغدقت تلک الأرض سنة فی عقب أخری حصدوه الی سبع سنین بسنبل لا یشبه سنبل الحنطة و لا الشعیر بحبّ صلب المکسر لذیذ المطعم و خلقه ما بین القمح و الشعیر و لها نخیل و بساتین حسنة و أجنّة و لهم رطب أخضر من السلق فی غایة الحلاوة و أهلها قوم سراة میاسیر یباینون أهل المغرب فی المنظر و المخبر مع علم و ستر و صیانة و جمال و استعمال للمروؤة و سماحة و رجاحة و أبنیتها کأبنیة الکوفة الی أبواب رفیعة علی قصورها مشیّدة عالیة، (44) و عن یسار طریق فاس الی سجلماسه إقلیم اغمات و هو رستاق عظیم فیه مدینة کثیرة الخیر و التجارة الی سجلماسه و غیرها، و من سجلماسه الی اغمات نحو ثمانی مراحل و مثلها الی فاس، و من ورائها الی ناحیة البحر المحیط السوس الأقصی و لیس بالمغرب کلّه بلد أجمع و لا ناحیة أوفر و أغزر و أکثر خیرا منها قد جمعت فنون المآکل کلّها ذات الصرود و الجروم فیها الأترجّ و الجوز و اللوز و النخل و قصب السکّر و السمسم و القنّب و سائر البقول التی لا تکاد تجتمع بغیرها و أهل السوس فرقتان مختلفتان مالکیون أهل سنّة و موسویّون شیعة یقطعون علی موسی بن جعفر من أصحاب علیّ بن ورصند و الغالب علی الجمیع الجفاء و الغلظة فی العشرة و قلّة رقّة الطبع و المالکیّون من فظاظ الحشویّة و بینهم القتال المتّصل و الدماء الدائمة و لهم بالبلد مسجد جامع تصلّی فیه الفرقتان [فرادی] عشره
صورة الأرض، ج‌1، ص: 92
صلوات إذا صلّت فرقة تلتها الأخری بعشرة أذانات و عشر إقامات و بالمالکیّین من جباسة الأخلاق و بحسب ما نالوا من رفاهة العیش نالوا من الجهل و الطیش، و من السوس الی سجلماسه اثنتا عشرة مرحلة، (45) و من سجلماسه الی اودغست شهران [علی سمت المغرب فتقع منحرقة محاذاة عن السوس الأقصی کأنّهما مع سجلماسه مثلّث طویل الساقین أقصر أضلاعه من السوس الی اودغست] ، و اودغست مدینة لطیفة أشبه بلاد الله بمکّة و بمدینة الجرزوان فی بلد الجوزجان من بلاد خراسان لأنّها بین جبلین ذات شعاب، و من اودغست الی غانه بضعة عشر یوما [بالمفردة] و من غانه الی کوغه نحو شهر و من کوغه الی سامه دون الشهر و من سامه الی کزم نحو شهر أیضا و من کزم الی کوکو شهر و من کوکو الی مرنده شهر و من مرنده الی زویله شهران و من زویله الی اجدابیه شهر و من زویله الی فزان خمس عشرة مرحلة و من فزان الی زغلوه شهران، [و علی سمت اودغست المتقدّم ذکرها فی نقطة المغرب اولیل و هو علی نحر البحر و آخر العمارة و اولیل معدن الملح ببلاد المغرب بینها و بین اودغست شهر] [28 ظ] و من اولیل الی سجلماسه راجعا الی الإسلام شهر و کسر ، و من سجلماسه الی لمطه معدن الدرق اللمطیّة عشرون یوما [و من اولیل الی لمطه معدن الدرق خمسة و عشرون میلا و دون لمطه من بلاد المغرب تامدلت
صورة الأرض، ج‌1، ص: 93
و علی جنوبها اودغست]، و من سجلماسه الی القیروان علی نفزاوه و نواحی قسطیلیه شهران، (46) و أکثر بربر المغرب الذین من سجلماسه الی السوس و اغمات و فاس الی نواحی تاهرت و الی تنس و المسیلة و بسکره و طبنه و باغای الی کربال و ازفون و نواحی بونه [الی مدینة قسطنطینیّة الهواء و کتامة و میله وسطیف] یضیفون المارّة و یطعمون الطعام و یتخلّق قوم منهم بخلق ذمیم من بذل أنفسهم لأضیافهم علی سبیل الإکرام و لا یحتشمون من ذلک و أکبرهم و أجملهم کأصغرهم فی بذله نفسه لضیفه حتّی یلحّ به ، [و قد جاهد علی ذلک أبو عبد الله الداعی لبعضهم الی أن بلغ بهم کلّ مبلغ فما ترکوه،] (47) و أمّا القسطنطینیّة التی لکتامة فمدینة قریبة الأمر تدانی میله و نقاوس فی حالهما، و مدینة نقاوس مدینة کبیرة علیها سور من حجارة قدیمة أزلیّة و لها میاه کثیرة و أجنّة عظیمة و بها جمیع الفواکه کاللوز و الجوز و الکروم و زرعهم غزیر کثیر، و مدینة بلزمه حصن لطیف فیه رجال جلد و له ماء جار و هو فی وسط فحص علیه سور تراب و زروعهم تسقی بمائهم و هو بلد محدث للعرب و فیه بقایاهم الی الآن و هو من الرخص و السعة و کثرة الکراع و الماشیة و العزّ و المنعة فی غایة حسنة، و ممّا ظاهر هذه الدیار الی نواحی البادیة علی طریق سجلماسه من افریقیة مدینة سماطه و هی من نفزاوه مدینة صالحة و تدانیها مدینة بشّری و هی أیضا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 94
ذات سور و مدینة نفطه أیضا مصاقبة لهذه الحدود و لها سور و نخیل واسعة، و قسطیلیه مدینة أیضا کبیرة علیها سور حصین و لها نخیل کثیرة و التمر و القسب بها کثیر و هی مغوثة افریقیة بتمورها و فیها الأترجّ الکثیر الحسن الطیّب الزکیّ و أکثر الفواکه بها علی حال معتدلة فی الطیبة و ماؤها غیر طیّب و لا مری‌ء یجری سواقیها فی خلال أجنّتها و نخلها أکثر منه بغیرها ممّا یجاورها و سعر الطعام بها فی سائر الأقوات غال لأنّه یجلب الیها و لا یزرع بها من الشعیر و لا القمح إلّا زرع تافه و هی من السعة و البیوع و الأشربة فی الأسواق و کثرة الوارد و الصادر علیها ملتمسین للمیر و التجارة بما لا یدانیها فیه مدینة ممّا قاربها و جهاز الصوف فی جمیع جهاته من الشقّة و الکسی و الحنبل الی سائر ما یعمل منه یحمل منها الی جمیع الأقطار، و مدینة الحمة مدینة غیر طیّبة الماء أیضا و لها شی‌ء من النخیل و بینها و بین مدینة قفصه القصور الثلاثة، و قفصه مدینة أیضا مستقلّة ذات سور و نهر یجری أطیب من ماء قسطیلیه و لها أجنّة و کروم و نخیل و هی تصاقب من جهة إقلیم قموده قاصره و مدینة مذکود و مدینة نفایض و مدینة کمونس الصابون و هی مدیّنات قریبة الأحوال و کانت قبل سنة ثلثین فی غایة الکمال فأتی علیها أبو یزید مخلد بن کیداد الإباضیّ، (48) و أمّا جبل نفوسه فجبل عال منیف یکون نحو ثلثة أیّام فی أقلّ من ذلک و فیه منبران لمدینتین تسمّی إحداهما شروس فی وسط الجبل و فیها میاه جاریة و کروم و أعناب طیّبة و تین غزیر و أکثر زروعهم الشعیر و أیّاه یأکلون و إذا خبز کان أطیب طعما من خبز الحنطة و لشعیرهم لذّة [28 ب] لیس لخبز من أخباز الأرض لأنّه ینفرد بلذّة لیست فی خبز
صورة الأرض، ج‌1، ص: 95
إلّا ما کان من سمیذ أو حوّاری قد تأنّق صانعه فیه، و بالجبل مدینة ثانیة تعرف بجادوا من ناحیة نفزاوه و فیها منبر و جامع، و الجبل بأجمعه دار هجرتهم علی قدیم الأیّام لهم و به معشر الإباضیّة و الوهبیّة ثووا بعد عبد الله بن إباض و عبد الله بن وهب الراسبیّ لأنّهما قدماه و ماتا به و لم یدخل أهل هذا الجبل فی عهد الإسلام الی سلطان و لا سکنه غیر الخوارج مذ أوّل الإسلام بل مذ عهد علیّ علیه السلام وقت انصرافهم عنه بمن سلم معهم من أهل نهروان و قد أقام من خلفهم علی منهاج سلفهم به و بما قاربه من مدن الخوارج و هی نفزاوه و لا وجه و بادس و بسکره یعتقدون آراءهم و یمشون علی سننهم و للسلطان علی أهل هذه المدن حکم و أمره فیهم نافذ و کذلک فیمن کان منهم، (49) و کورة تاهرت من افریقیة عند الجمیع و کانت فی القدیم مفردة العمل و الاسم فی الدواوین، [و مدینة سطیف کثیرة الخیر تقارب میلة و المسیلة و تصاقب القسطنطینیّة و بربرها بالصورة التی ذکرتها من بذل الطعام و الأولاد و کان أصل ما استباحهم به أبو عبد الله الداعی علی بذل أولادهم لأضیافهم، فإنّی سمعت أبا علیّ بن أبی سعید یقول أنّه لیبلغ بهم فرط المحبّة فی إکرام الضیف أن یؤمر الصبیّ الجلیل الأب و الأصل الخطیر فی نفسه بمضاجعة ضیفه لیقضی منه نهمته و ینال منه الحرام و ربّما وقعت شهوة أحد الباطل فی جلیل من فرسانهم و شجعانهم فلا یمتنع علیه منه مطلب من الباطل و یری ذلک کرما و فخرا و الإباء عنه عارا و نقصا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 96
و لیس نری بکتامة التی بسطیف و لا بغیرها شیئا من هذا الأمر و لا یجیزونه و لا یستحسنون ذکره، و کتامة التی بهذه الناحیة متشیّعون و بهم ظهر أبو عبد الله الداعی و أخذ المغرب،] و قد تغیّرت [تاهرت] عمّا کانت علیه و أهلها و جمیع من قاربها من البربر فی وقتنا هذا فقراء بتواتر الفتن علیهم [و دوام القحط و کثرة القتل و الموت و کذلک کتامة فی حالها] من جهة خلیفة أهل المغرب بالمغرب و هو بلکین یوسف بن زیری و قد استباح الجمیع، [فأمّا أهل قسطیلیة و قفصة و نفطة و الحامّة و سماطة و بشّری و أهل جبل نفوسة فشراة إمّا إباضیّة من أصحاب عبد الله بن إباض أو وهبیّة من أصحاب عبد الله بن وهب و تجاورهم من البربر زماتة و مزاتة قبیلتان عظیمتان الغالب علیهم الاعتزال من أصحاب واصل بن عطاء و کان أبو یزید مخلد بن کیداد الإباضیّ الخارج علی القائم محمّد بن عبید الله علیه السلام من أهل سماطة و من فراعنتهم قتل خلیلا صاحب دیوان المغرب و میسورا الخادم صاحب جیش المغرب و اتّسق له من الظلم و العدوان ما جعل الله بغیه نکالا علیه،] (50) و کانت القیروان أعظم مدینة بالمغرب و أکثرها تجرا و أموالا و أحسنها منازل و أسواقا و کان فیها دیوان جمیع المغرب و الیها تجبی أموالها و بها دار سلطانها و بظاهرها المکان المدعوّ رقّادة و هو مدینة کانت منازل لآل الأغلب، (51) و سمعت أبا الحسن بن أبی علیّ الداعی المعروف کان بحمدان قرمط و هو صاحب بیت مال أهل المغرب یقول فی سنة ستّ و ثلثین و ثلثمائة دخل المغرب من جمیع وجوه أمواله و سائر کوره و نواحیه و أصقاعه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 97
عن خراج و عشر و صدقات و مراع و جوال و مراصد و ما یؤخذ عمّا یرد من بلد الروم و الاندلس فیعشر علی سواحل البحر و ما یلزم الخارج من القیروان الی مصر و یلزم ما یرد منها من الورق و المقوّم بقیمة العین و العین المجتبی من هذه الوجوه فیکون من سبع مائة ألف دینار الی ثمان مائة ألف دینار قال و لو بسطت یده فیه لبلغ ضعفه و إن قصر عن ذلک فالقلیل، و سمعت هذه الحکایة بعینها و اللفظ بصیغته من زیادة الله أبی نصر بن عبد الله بن القدیم فی سنة ستّین یذکرها عن نفسه و کان صاحب الخراج بافریقیة و جمیع المغرب و کأنّهما تفاوضا القول و علما وجوه ذلک و ما یدخل فیه من ارتفاق أصحاب الأعمال و استئثارهم بما یزید علی القوانین فی أیدیهم و ما أبعد أن یکون ذلک کذلک لما تبیّنته فی ضمان برقة و حالها و کان جمیع المغرب فی أیّام آل عبید الله یعمل بالأمانة من غیر ضمان حتّی تقبّلت برقة و لیس بجمیع المغرب ضمان غیرها، (52) فأمّا ما یجهّز من المغرب الی المشرق فالمولّدات الحسان الروقة کالتی استولدهنّ بنو العبّاس و غیرهم و أکابر رجالهم و ولدن غیر سلطان عظیم کسلامة البربریّة أمّ أبی جعفر عبد الله بن محمّد بن علیّ بن عبد الله بن عبّاس و قراطیس أمّ أبی جعفر هرون الواثق بن المعتصم و قتول أمّ أبی منصور محمّد القاهر بن المعتضد و غیر من ذکرت [29 ظ] من ملوک المشرق و أمرائه و الغلمان الروقة الروم و العنبر و الحریر و الأکسیة الصوف الرفیعة و الدنیّة الی جباب الصوف و ما یعمل منه و الأنطاع و الحدید و الرصاص و الزیبق و الخدم المجلوبون من بلاد السودان و الخدم المجلوبون من أرض الصقالبة علی الاندلس، و لهم الخیل النفیسة من البراذین و البغال الفره و الإبل و الغنم و ما لدیهم من ماشیة البقر و جمیع الحیوان الرخیص، فأمّا أسعارهم علی تنائی مدنهم و دیارهم فعلی غایة الرخص
صورة الأرض، ج‌1، ص: 98
فی الأطعمة و الأغذیة و الأشربة و اللحمان و الأدهان و لهم من جیّد الفواکه و الثمور و الأرطاب و سائر الاغذیة [و عندهم من الجمال الکثیرة فی براریّهم و سکّان صحاریهم التی لا تدانیها فی الکثرة إبل العرب،] (53) هذا الی طاعتهم لمن ملکهم فثقّفهم و نفارهم عمّن أهملهم و أغفلهم و لیس فی بلدانهم من الفواحش الظاهرة و تعاطی الأمور المنکرة کالعیدان و الطنابیر و المعازف و النوائح و القیان و المخنّثین و الفسق الشنیع ما بکثیر من المواضع، و قد یعرض فی بعض نواحیهم من التهوّر الشدید و الجنون العتید و بذل السیف و بدار الطیش و یوجد عندهم فیمن رقّ أدبه و حسن عمله من هذا وجوه فاسدة و حجج فیمن یقول به و یستحسنه داحضة، و فیهم خاصّة بغیر هذه الصفة لم یزالوا تسمو هممهم و تتوق نفوسهم الی ورود المشرق بسعة أخطارهم و فاشی مروآتهم فیزدادون ظرفا و أدبا و محتدا و فروسیّة و عملا فی جمیع وجوه الفضل و سبل النبل، و کان ممّن قدم مصر بهذه الحال قدیما محمّد بن هواشا و کانت فیه آلة من آلات الخیر و کان تانئا فاکتنفه السلطان بمصر و استخدمه لبسالته و شجاعته و ریاسته فتقدّم فی کلّ حال من الجمیل و الخیر و کان یتخرّق فی نفقاته و یتّسع فی صدقاته و یتناهی فی معروفه و طلباته و کان إذا نصبت موائده فتحت أبوابه و رفعت ستوره و حجابه و بلغ الداخل علیه جمیع آماله بل أناف علی رجائه بإجماله و حسن فعاله، و الیه توهیب بن سعید و کان یتعاطی الزیادة علی ابن هواشا و غیره من منتحلی المحاسن و مکتسبی المکارم، و بنو مصعب و کانوا ثلثة نفر من بعد هؤلاء بزمان و أدرکت من شاهدهم فی غایة الکمال من أمور الدنیا و الآخرة و اختلّت أحوالهم بتغیّر الزمان و السلطان و انتقال الولایات بمصر فلم یفارقوا عاداتهم و لم یخلّوا برسم لمن کان برسمهم الی القیام بمن جاور أسبابهم و اتّصل بأتباعهم و قبروا مستورین
صورة الأرض، ج‌1، ص: 99
فی آخر نعمهم، و أبو الحسن البلزمیّ و کان أمیرا مع الماذرائیّین مجبورا علی الإمارة یذهب بنفسه عن أحوال الوزارة الی التواضع بذمّ الدنیا و قلّة الحفل بالمقبل منها و لحق الاخشیذ فأحسن الیه و بالغ فی إکرامه و زاد فی أرزاقه و جرایته و کان یقول أبو الحسن طریق المعروف و السبیل الی صلاح الخاصّة و العامّة و القاضی حقّه کالقاضی حقّ نفسه لأنّ اکتسابه المحامد به حال لا تجدها مع سواه و لا تراها مع غیره، (54) و یقارب القیروان سجلماسه فی صحّة الهواء [29 ب] و مجاورة البیداء مع تجارة غیر منقطعة منها الی بلد السودان و سائر البلدان و أرباح متوافرة و رفاق متقاطرة و سیادة فی الأفعال و حسن کمال فی الأخلاق و الأعمال یخرجون برسومهم عن دقّة أهل المغرب فی معاملاتهم و عاداتهم الی عمل بالظاهر کثیر و تقدّم فی أفعال الخیر شهیر و حنوّ بعض علی بعض من جهة المروءة و الفتوّة و إن کانت بینهم الحنات و الترات القدیمة تواضعوها عند الحاجة و اطّرحوها ریاسة و سماحة و کرم سجیّة تختصّهم و أدب نفوس وقف علیهم بکثرة أسفارهم و طول تغرّبهم عن دیارهم و تعزّبهم من أوطانهم، و دخلتها فی سنة أربعین فلم أر بالمغرب أکثر مشایخ فی حسن سمت و ممازجة للعلم و أهله الی سعة نفوس عالیة و هم سامقة سامیة، و سائر أرباب المدن دونهم فی الیسار وسعة الحال و نتقارب بالعصبیّة أوصافهم و تتشاکل أحوالهم و لقد رأیت باودغست صکّا فیه ذکر حقّ لبعضهم علی رجل من تجّار اودغست و هو من أهل سجلماسه باثنین و أربعین ألف دینار و ما رأیت و لا سمعت بالمشرق لهذه الحکایة شبها و لا نظیرا و لقد حکیتها بالعراق و فارس و خراسان فاستطرفت، و لم یزل المعتزّ أیّام ولایتها و هو أمیرها یجتبیها من قوافل خارجة الی بلد السودان و عشر و خراج و قوانین قدیمة [علی] ما یباع بها و یشتری من إبل و غنم و بقر الی ما یخرج عنها و یدخلها من نواحی افریقیة و فاس و الاندلس و السوس
صورة الأرض، ج‌1، ص: 100
و اغمات الی غیر ذلک ممّا علی دار الضرب و السکّة زهاء أربع مائة ألف دینار تختصّ بها و بعملها و قد ذکرت أنّ ارتفاع المغرب من أوّله الی آخره من ثمان مائة ألف دینار الی ما زاد علی ذلک بیسیر و ربّما نقص الکثیر و جبایة سجلماسه تختصّ بها و بعملها و تکون خمسة أیّام فی ثلثة، (55) و البربر السکّان بالمغرب فقبائل لا یلحق عددهم و لا یوقف علی آخرهم لکثرة بطونهم و تشعّب أفخاذهم و قبائلهم و توغّلهم فی البراریّ و تبدّدهم فی الصحاری و جمیعهم من ولد جالوت إلّا الیسیر منهم و فیهم ملوک و رؤساء و مقدّمون فی القبائل یطیعونهم فلا یعصونهم و یأمرونهم فلا یخالفونهم و المال فیهم من الماشیة کثیر غزیر و من المتعزّبین الموغلین فی البراریّ صنهاجة اودغست و سمعت أبا إسحاق ابراهیم بن عبد الله المعروف بفرغ شغله و هو صاحب الدین و الصکّ الذی قدّمت ذکره باودغست یقول سمعت تنبروتان بن اسفیشر یقول و کان ملک صنهاجة أجمع أنّه یلی أمرهم مذ عشرون سنة و أنّه لا یزال فی کلّ سنة یرد علیه قوم منهم زائرین له لم یعرفهم و لا سمع بهم و لا مقلهم قال و یکونون نحو ثلثمائة ألف بیت من بین نوّالة و خصّ و کان الملک فی أهل هذا الرجل لهذا القبیل مذ لم یزالوا، و حدّثنی أیضا أبو إسحاق إبراهیم بن عبد اللّه أنّ قبیلة من قبائل البربر قصدت ناحیة اودغست للإیقاع بآل تنبروتان فی جمع کثیف و عدّة قویّة و عدّة عظیمة تلتمس غرّة و تهتبل فرصة عن طوائل حدثت مع بعض صنهاجة و بلغ ذلک تنبروتان ملکهم هذا و أعید علیه ذکرهم و حالهم و مقصدهم فی طریقهم [30 ظ] دفعات فلم یعد جوابا فیه و دعا برعاة کانوا لأخته و کانت أیسر أهل قبیلتها و أکثرهم مالا من حیث لا یعلم أحد و قال لهم أنتم علی میاه فلانة و فلانة و بنو فلان یردون ناحیتکم لیلة کذا و کذا فإذا کان فی سحرة تلک اللیلة فاعتمدوا هیج الإبل التی هناک بأجمعها علی الشرف الفلانیّ و نفارها علی القوم و اکتموا علی ما أقوله عن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 101
أنفسکم لتنالوا به منّی خیرا إن شاء الله و أتی القوم فنزلوا و نفّر الرعاة الإبل فصوّبت علی المکان و الجیش الذی به فأتت علی جمیع من کان منهم مع إبلهم و سلاحهم دوسا لهم و وطئا علیهم حتّی استفاض جمیع من باودغست و من بعد عنها من أعدائهم أنّه لم یعرف لواحد منهم حلیة بوجه من الوجوه و لا أثر لشی‌ء ممّا کان معهم حتّی جعلوه شذر مذر و کان رعاتها هناک مائة و مع کلّ راع منهم مائة و خمسون جملا و أصبحوا الیه یهنّئونه و قد کفاهم الله شرّهم، (56) و ملک اودغست هذا یخالط ملک غانه و غانه أیسر من علی وجه الأرض من ملوکها بما لدیه من الأموال و المدّخرة من التبر المثار علی قدیم الأیّام للمتقدّمین من ملوکهم و له و یهادی صاحب کوغه و لیس کوغه بقریب من صاجب غانه فی الیسار و حسن الحال و یهادونه و حاجتهم الی ملوک اودغست ماسّة من أجل الملح الخارج الیهم من ناحیة الإسلام فإنّه لا قوام لهم إلّا به و ربّما بلغ الحمل الملح فی دواخل بلد السودان و أقاصیه ما بین مائتین الی ثلثمائة دینار، (57) و فیما بین اودغست و سجلماسه غیر قبیلة من قبائل البربر متعزّبون لم یروا قطّ حاضرة و لا عرفوا غیر البادیة العازبة فمن ذلک [شرطة و سمسطة و] بنو مسوفا قبیل عظیم من المقیمین بقلب البرّ علی میاه غیر طائلة لا یعرفون البرّ و لا الشعیر و لا الدقیق و فیهم من لم یسمع بهما إلّا بالمثل و أقواتهم الألبان و فی بعض الاوقات اللحم و فیهم من الجلد و القوّة [ما لیس لغیرهم و لهم ملک یملکهم و یدبّرهم تکبره صنهاجة و سائر أهل تلک الدیار لأنّهم یملکون تلک الطریق و فیهم] البسالة و الجرأة و الفروسیّة علی الإبل و الخفّة فی الجری و الشدّة و المعرفة بأوضاع البرّ و أشکاله و الهدایة فیه و الدلالة علی میاهه بالصفة و المذاکرة و لهم الحسّ الذی لا یدانیه فی الدلالة إلّا من قاربهم و سعی سعیهم، فإنّه یحکی عن أهل فرغانه و اشروسنه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 102
و اسبیجاب و خوارزم من الهدایة و الاستدلال فی الظلام و اللیل البهیم بغیر نجوم و النهار المنطبق بالقتام و الرکام و سقوط الثلج بحیث ینکر المرء من لدیه علی خطوات و لا یراه للضباب و هم فی ذلک یجرون و یسیرون و قد استوت فجاج الأرض و أوعارها و جبالها و أودیتها بما استولی علیها من الثلوج فصارت کالمستویة الأرجاء و هم غازون فیقول قائلهم أین نحن و علی أیّ أشجار نسیر و بأیّ واد و علی أیّ قتر من الجبل الفلانیّ أنتم فلا یخرم مجیبه فیما یجیبه به عن نفس الحقیقة و الموضع الذی سأله عنه و لقد قال أحدهم لمن سأله نحن علی الشجرة الفلانیّة من بلد کذا و کذا و ما رآه سائله بل أنت عن تلقائها فوجد الأمر علی قول المجیب، و رأیت من بعض هذا القبیل و قد أثیرت جمال أراد هذا الرجل بعضها و قد قعد علی طریقها و هی نافرة [30 ب] شاردة و کانت بأجمعها فحولا بزّلا فقبض علی کراعه و هو نافر و قد ساواها فی العدو فمنعه الحرکة الی أن ضرب به الأرض و نحره فکأنّه نحر عنزا أو قصد جدیا، و لهم خلق تامّ و حول و جلد عامّ فی نسائهم و فی رجالهم و لم یر لأحدهم و لا لصنهاجة مذ کانت من وجوههم غیر عیونهم و ذلک أنّهم یتلثّمون و هم أطفال و ینشؤون علی ذلک و یزعمون أنّ الفم سوءة تستحقّ الستر کالعورة لما یخرج منه إذ ما یخرج منه عندهم أنتن ممّا یخرج من العورة، و لهم لوازم علی المجتازین علیهم بالتجارة من کلّ جمل و حمل و من الراجعین بالتبر من بلد السودان و بذلک قوام بعض شؤونهم، (58) و من بأدانی سجلماسه و المغرب من البربر یأکلون البرّ و یعرفونه و الشعیر و یزرعونه و التمور و الطیّبات [و فی أعراضهم أصحاب البرانس المقیمون بین السوس و اغمات و فاس و لهم لوازم علی المجتازین من فاس الی سجلماسة یلزمونهم علی ما معهم من التجارة و یخفرونهم] ، و فی کثیر منهم
صورة الأرض، ج‌1، ص: 103
الشرایة [و التدیّن القویّ بها و التمسّک بها] و فی بعضهم الاعتزال و العلم و من بالسوس و نواحی درعه شیعة و فی أخبارهم أنّ بعض شراتهم رکب فی فئة من قومه فلقی نفرا من أصحاب واصل بن عطاء بنواحی زناتة فبدر الیهم و قال من أنتم و کان المسؤول لسنا جدلا فقال مشرکون نحبّ أن نسمع کلام الله و کان یجب علیهم لوازم فیما معهم من المتاع فقال السائل أریحوا و انزلوا علی هذا الماء لتسمعوا و تبلغوا مأمنکم کما أمر الله تعالی فأنزلوهم و أضافوهم و علفوهم و أکرموهم و بلّغوهم و لم یلزموهم شیئا [و أجازوهم الی متوسّط بلاد المغرب] ، و جمیعهم یبیحون البلاد للمراعی و الزرع و المیاه لورود الإبل و الماشیة ، و فی کثیر منهم ألوان حسنة و محاسن فائقة فی خلقهم و أبدان نقیّة حتّی یأخذوا فی جهة الجنوب فتستجیل ألوانهم و أبشارهم، و فیهم أصحاب [ماشیة و] خیل و بغال و نتاج یقتنون الرمک و یستنتجون البغال و غیرها و منهم من لا یقدر لعوز الماء علی غیر الإبل [و الیسیر من المعز] و لنأی الماء عنه، (59) و بین المغرب و البلدان التی قدّمت ذکرها و بلد السودان مفاوز و براریّ منقطعة قلیلة المیاه متعذّرة المراعی لا تسلک إلّا فی الشتاء و سالکها فی حینه متّصل السفر دائم الورود و الصدر، (60) و من بالسواحل من البربر بنواحی الهبط و أرض طنجة وازیلی و فاس و السوس و تامدلت ففی خفض من العیش و طیبة المآکل و خاصّة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 104
من بالهبط فی ضمن عبد الله بن إدریس بن إدریس بن عبید الله بن إدریس بن إدریس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب صلوات الله علیهم أجمعین و فی غایة من الخصب و رخص الأسعار و اللذیذ من الأغذیة الحسنة و کانب حالهم فیما تقدّم أزید من هذا الوقت صلاحا، و قد تغیّر بعض ما أدرکته فی سنی نیّف و ثلثین من حالهم، (61) [و فی وقتنا هذا فقد تدانت أحوالهم و صلحت أمورهم و عمر طریقهم و لم یزل أهل هذا النسب منظورا الیهم مرعیّة حقوقهم عند بنی أمیّة علی سالف الدهر و أدرکت عبد الرحمن أبا المطرّف بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاویة بن هشام بن عبد الملک بن مروان یحافظ علیهم مرّة و یسوقهم بالعصا مرّة لما کان تظاهر به أبو العیش من قبح السیرة و خبث المعاملة لبنی السبیل و کثر الغیلة، و ذلک أنّ عبد الرحمن هذا و أهله یملکون الاندلس و یحاذون هذه الناحیة و بینهم أصل الخلیج الخارج الی بلد الروم عن قرب مسافة ما بین العدوتین حتّی أنّهم لیری بعضهم ماشیة بعض و صور أشجارهم و زروعهم و یتبیّنون الأرض المفلوحة من أرض البور و عرض الماء فی ذلک یکون اثنی عشر میلا، و أمّا حکم أصحاب طنجة المذکورین عند المهدیّ و القائم و من تقدّم من ملوک المغرب فعلی سبیل الرعایة و الصیانة کانوا یفدون و یزورون و یکرمون و یبجّلون و یحملون و یوصلون و یصرفون علی ما یحبّون،] (62) و قد أعدت فی غیر موضع ما استکثرته من عدد أحیاء البربر و قبائلهم الذین تجمعهم أبوّة جالوت و کأنّی ببعض المتصفّحین لکتابی هذا یستثقل ذلک و لا ینزله منزلته، و قد أعدت بهذه الصفحة و ما یتلوها ذکر ما وقع الیّ من أسماء قبائل صنهاجة و بطونها و أفخاذها و عصبتهم، و هم انکیتو و بنی مارکسن و بنی کاردمیت و بنی سیغیت [31 ظ] و بنی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 105
صالح و بنی مسوفا و بنی وارت و بنی توتک و سرطه و سططه و ترجه و مداسه و بنی لموتونا و مغرسه و مومنه و فریّه و لمطه و ملوانه و انیکارت فهذه قبائل صنهاجة الخلّص، و أمّا بنی تانماک ملوک تادمکه و القبائل المنسوبة الیهم فیقال أنّ أصلهم سودان ابیضّت أبشارهم و ألوانهم لقربهم الی الشمال و بعدهم عن أرض کوکو و هم لأمّاتهم من ولد حام، و هندزه و مکیته و کلماته و انکریاغن و کرکه و ایللغموتن و کطوطاوه و سکره و بلغلاغه و اندیمن و هاکته و انمزیرن و ایمزواغن و کیلتموتی و کیلمکزن و کیلفروک و فداله و کلساندت وکیل دفر و بنی بزار و ایمکدرن و ایکوفان و انککلن و ایسطافن و ایفکرن، و یقول آخرون بل من صنهاجة أنفسهم و احتجّ ملحق بنی تانماک ببنوّة حام بقول الکندیّ أنّ البیضان إذا تناسلوا فی بلد السودان سبعة أبطن عادوا فی سحنتهم و بسوادهم و إذا توالد السودان فی بلد البیضان سبعة أبطن عادوا فی صورتهم و خلقهم من البیاض و النقاء و لیس بمثل هذه الدعوی یتکلّم علی الأنساب و یقرّ منکر بنی تانماک بأنّ بنی تماکیزت منهم، و مساطه آل یوسف بن زیری بن مناد خلیفة آل عبید الله أصحاب المغرب علی المغرب و بلکین یوسف بن زیری بن مناد هو صاحب المغرب یومنا هذا و ملکه مذ یوم شخوص أبی تمیم عنه، و من قبائل صنهاجة الخارجة [...........] و بنی عمر زیری و قبیلته یسّوه و ایفرین و ایمکیتن و ایتوتین و ایتروین و ایوازین و اسواله و بنی کسیله و بنی ورتاف و ایزقارن و تلکاته، و سیّد ملوک تادمکه فی وقتنا هذا فسهر بن الفاره و ایناو بن سبنزاک و هم الولاة و فیهم ریاسة و علم وفقه و سیاسة الی علم بالسیر و اضطلاع بالأثر و الخبر و هم بنو تانماک،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 106
(63) و من قبائل البربر الخارجة عن صلب زناتة بنو مغراوه و بنو و تاجن و بنو یلوما و بنو یزللن و بنو بزمرنتا و بنو زاوین و بنو امندرین و زواوه و مکلاته و بنو ملنتیس و بنو واریتن و نزارته و بنو سنوس و بنو یانکانس وای سراوسن و بنو یوکسّن و بنو یوجین و بنو یوجلین و بنو تیکرت و مریطاطه و بنو یغمریتن و بنو یلغیل و بنو یلاسیکشن یرید قوم الله و بنو نفوریت و منجصه و دانه و زواوه و نفزه و بنو واریفن و بنو یرنیان و بنو امزیور و بنو وارونیفن و بنو صندرین و بنو بطوی و بنو غرمیست و کرنتایه و فنزازه و بنو و ریاغن و بنو مطکوداسن و بنو مومناسن و بنو مستیزین و بنو غمرت و بنو یسوکین و بنو طارق و بنو مومان و بنو احوب و بنو مستنیتن و بنو ورتیزان و بنو غلیان و بنو و مانوا و بنو وریلیتس و بنو وفا و بنو یلیان و بنو لوه و رجمه و بنو ویسروکن و بنو تدرج و بنو وصین و بنو مصنان [31 ب] و بنو بولیت و بنو سبلین و بنو سیکرین و بنو غفاوسن و صدینه و بنو وکلادن و بنو وطوف و بنو غرزوات و بنو سغماز و بنو یرزال و بنو تزارت و بنو زوراغ و بنو شلکان و بنو یوراسن و یغمره ، و هؤلاء عصبة زناتة من لواتة و مزاتة و هم بنو خطاب ملوک مزاتة و هم من مزاتة أنفسهم، و بنو یکدلین و بنو یزدرن و بنو عکاره و رماته و نجاسه، و سیّد بنی خطاب الیوم أبو عبد الله مبارک بن عیسی بن خطاب بزویله مطاع فی أدانیه و أباعده و رهطه بنو مزلیکش و فیهم المملکة و هم آل خطاب علیة مزاته، و بلکاوه و اسیله و فطناسه و سمتیسه و کلله و بنو درف و بنو مندره و بنو دوسین و بونیسه الأشرار الأنکاد الأقذار و بنو اجرفزان و باجایه و بنو سدوین و بنو غیلین و بنو یرمزیان و بنو الهکم و زهاته و بنو
صورة الأرض، ج‌1، ص: 107
عبد الملک و بنو یفوکسن و نسیده و وردیغه و رزیفه و کرداسه و رهاوه و بنو ایکلان و ورزیغه و بنو سفتلن و بنو یطوفه و بنو الاسوار و بنو عاصم و بنو یزتاسن و بنو مکسن و بنو ویان و بنو زعرور و بنو اسماعیل و بلاجه و عنزوره و اکوده و مزوره و فرطبطه و مقرطه و بنو کملان، و من قبائل زناتة أیضا [....] ، و بنو یفرن قبیل یعلی بن یحمد و هم و ولدیه فی غایة البلاء مع یوسف بن زیری وقتنا هذا، و بنو واسین و مطاره و بنو واصل و بنو حمزة و بنو وابوط و مکناسه و بنو تیغرین و مسغونه و بنو یاکرین ، و ملوک زناتة بنو ورززمار و کان منهم محمّد بن الخیر بن محمّد بن خزر و عطیّة و مقاتل و لقمن و خزرون بن فلفل قاتل أبی عبد الله بن المعتزّ صاحب سجلماسه و کان أبو عبد الله بن المعتزّ قتل أخاه المنتصر و هم اثنا عشر رجلا فأمّا محمّد بن الخیر فإنّه قتل نفسه بیده إذ بایته یوسف بن زیری خوفا من أن یأسره و کان أجمل قومه و کان محمّد أبو عبد الله بن خزر و عطیّة فارسی زناتة و مقاتل أخوهما بالسوس حیّ، و بنو ستاته و بنو درکمون و بنو مسکن و بنو لنت و کورایه و سندراته و بنو زنداج و بنو ورسفیان و ورداجه و بنو دمر و بنو سنجاسن، (64) و لو قلت أنّی لم أصل الی علم کثیر من قبائلهم لقلت حقّا إذ البلاد التی تجمعهم و النواحی التی تحیط بهم مسیرة شهور فی شهور و العلماء بأنسابهم و أخبارهم و آثارهم هلکوا و کنت قد أخذت عن بعضهم رسوما أثبتّها و لم أرجع منها الی غیر ما قدّمته من ذکر قبائلهم،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 108

[الاندلس]

(1) فأمّا الاندلس فهی من نفائس جزائر البحر و من الجلالة فی القدر بما حوته و اشتملت علیه بحال سآتی بأکثرها و دخلتها فی أوّل سنة [32 ظ] سبع و ثلثین و ثلثمائة و القیّم بها أبو المطرّف عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن بن معویة بن هشام بن عبد الملک بن مروان، و طولها شهر فی عرض نیّف و عشرین یوما و فیها غامر و أکثرها عامر مأهول و یغلب علیها المیاه الجاریة و الشجر و الثمر و الأنهار العذبة و الرخص و السعة فی جمیع الأحوال الی نیل النعیم و التملّک الفاشی فی الخاصّة و العامّة فینال ذلک أهل مهنهم و أرباب صنائعهم لقلّة مؤنهم و صلاح بلادهم و یسار ملکهم بقلّة کلفه و لوازمه و سقوط شغله بشی‌ء یحذره و حال تخیفه إذ لا رقبة علیه لأحد من أهل جزیرته و لا خشیة له من عدوّ ینصب لمملکته مع عظم مرافقه و جبایاته و وفور خزائنه و أمواله و ممّا أدلّ بالقلیل منه علی کثیره و غزیره أنّ سکّة دار ضربه علی الدنانیر و الدراهم ضمانها فی کلّ سنة مائتا ألف دینار و یکون عن صرف سبعة عشر بدینار ثلثة آلف ألف و أربع مائة ألف درهم هذا الی صدقات البلد و جبایاته و خراجاته و أعشاره و ضماناته و مراصده و جوالیه و ما یقبض من الأموال الوافرة علی المراکب الواردة الیهم و الصادرة عنهم و الرسوم علی بیوع الأسواق، [و من أعجب أحوال هذه الجزیرة بقاؤها علی من هی فی یده مع صغر أحلام أهلها وضعة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 109
نفوسهم و نقص عقولهم و بعدهم من البأس و الشجاعة و الفروسیّة و البسالة و لقاء الرجال و مراس الأنجاد و الأبطال و علم موالینا علیهم السلام بمحلّها فی نفسها و مقدار جبایاتها و مواقع نعمها و لذّاتها،] (2) فأمّا مغرب هذه الجزیرة فمن مدخل خلیج المغرب المذکور و مصبّ مائه علی البحر المحیط من نواحی لبله و جبل العیون آخذا علی لب و شلب الی أن یتّصل بشنتره و النهر الآخذ من سموره مدینة الجلالقة الی موضع مصبّه من البحر المحیط، و شمالها فمن شنتره ذاهبا علی نواحی سموره و لیون و یونه من بلاد جلیقیه الی أقاصی بلد جلیقیه، و مشرقها فمن مشارق جلیقیه الی الخلیج المغربیّ علی نواحی سرقصه و ضواحی وشقه و طرطوشه و جمیع بلاد الافرنجه من جهة البرّ، و جنوبیّها الخلیج المذکور من بجانه الی تجاه جزیرة صقلیه علی بلاد بلنسیه و مرسیه و المریّه و مالقه و الجزیرة الی رکن البحر المحیط، (3) و أوّل أرضها المعمورة علی الخلیج الرومیّ فمن اشبیلیه ثمّ الجزیرة و یستمرّ علی المریّه الی افرنجه و یعود علی أرض جلیقیه الی شنتره الی احشنبه علی البحر المحیط، و أمّا حدّ شدونه و مرسیه و ما صاقبها من أرض بلنسیه الی طرطوشه و هی آخر المدن التی علی البحر المتّصل ببلد الافرنجه فهی ثغور تتّصل من جهة البرّ ببلاد غلجشکش و هی بلاد حرب للروم ثمّ تتّصل ببلد بشکونس و هم أیضا نصاری الجلالقة، فینتهی من الاندلس حدّان حدّ الی دار الکفر و حدّ الی البحر المحیط، و جمیع ما ذکرته من المدن علی البحر فمدن کبار عامرة مشحونة بالمرافق التی یفتخر بها أهل النواحی فی بلادهم و منابرهم، و لم تزل الاندلس فی أیدی بنی مروان الی هذه الغایة،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 110
(4) و من مشاهیر مدنها القدیمة جیان و طلیطله و وادی الحجارة و جمیع مدنها قدیمة أزلیّة لم یحدث بها فی الإسلام غیر مدینة بجانه [و هی المریّة] و هی علی حدود رستاق لبیرة و شنترین أیضا علی ظهر البحر المحیط [32 ب] محدثة، (5) و بالاندلس غیر طراز یرد الی مصر متاعه و ربّما حمل منه شی‌ء الی أقاصی خراسان و غیرها، و من مشهور جهازهم الرقیق من الجواری و الغلمان الروقة من سبی افرنجه و جلیقیه و الخدم الصقالبة و جمیع من علی وجه الأرض من الصقالبة الخصیان فمن جلب الاندلس لأنّهم عند قربهم منها یخصون و یفعل ذلک بهم تجّار الیهود و الصقالبة قبیل من ولد یافث و بلدهم مستطیل واسع و لغزاة خراسان من ناحیة البلغار بهم اتّصال فهم إذا سبوا الی هنالک ترکوا فحولة علی أحوالهم مقرورین علی صحّة أجسامهم [و ذلک أنّ بلد الصقالبة طویل فسیح] و الخلیج الآخذ من البحر المحیط بنواحی یاجوج و ماجوج یشقّ بلدهم و یستمرّ مغرّبا الی نواحی اطرابزنده ثمّ الی القسطنطینیّة و یقطع ناحیتهم بنصفین، [فنصف بلدهم بالطول یسبیه الخراسانیّون و یصلون و النصف الشمالیّ یسبیه الاندلسیّون من جهة جلیقیة و افرنجة و انکبردة و قلوریة و بهذه الدیار من سبیهم الکثیر باق علی حاله،] و سأذکر جمیع ما بها من المجالب فی جملة ما یرد من المغرب من التجارة و الجهاز، (6) و من معاظم کور الاندلس ریه و مدینتها ارجذونه و منها کان عمر بن حفصون الخارج علی بنی أمیّة و فحص البلوط متّصل بدیار ابن حفصون و ریه کورة واسعة خصبة، و اسفقه رستاق أیضا حسن و مدینته
صورة الأرض، ج‌1، ص: 111
غافق، و بالاندلس غیر ضیعة فیها الألوف من الناس لم تمدّن و هم علی دین النصرانیّة روم و ربّما عصوا فی بعض الأوقات و لجأ بعضهم الی حصن فطال جهادهم لأنّهم فی غایة العتوّ و التمرّد و إذا خلعوا ربقة الطاعة صعب ردّهم إلّا باستئصالهم و ذلک شی‌ء یصعب و یطول، و مارده و طلیطله من أعظم مدن الاندلس و أشدّها منعة، و ثغور الجلالقة مارده و نفزه و وادی الحجارة و طلیطله تلی مدینتی الجلالقة التی تعرف بسموره و لیون و لیون مسکن سلطانهم و عدّتهم بعد سموره و اوبیط من کبار مدنهم و هی بعیدة عن بلد الإسلام، و لیس فی أصناف الکفر الذین یلون الاندلس أکثر عددا من الافرنجه غیر أنّ الذی یلی المسلمین منهم ضعیفة شوکتهم قلیلة عدّتهم و عدّتهم و فیهم إذا ملکوا طاعة و حسن نصیحة و محاسن کثیرة، و الیهم یرغب أهل الاندلس عن الجلالقة بأولادهم و الجلالقة أحسن و أصدق محاسن و أقلّ طاعة و أشدّ بأسا و قوّة و بسالة و فیهم غدر و هم فی عرض طریق الافرنجه، (7) و أعظم مدینة بالاندلس قرطبه و لیس بجمیع المغرب لها شبیه و لا بالجزیرة و الشأم و مصر ما یدانیها فی کثرة أهل وسعة رقعة و فسحة أسواق و نظافة محالّ و عمارة مساجد و کثرة حمّامات و فنادق و یزعم قوم من سافرتها الواصلین الی مدینة السلام أنّها کأحد جانبی بغداذ و ذلک أنّ عبد الرحمن بن محمّد صاحبها ابتنی فی غربها مدینة و سمّاها بالزهراء فی سفح جبل حجر أملس یعرف بجبل بطلش و خطّ فیها الأسواق و ابتنی الحمّامات و الخانات و القصور و المتنزّهات و اجتلب الیها العامّة بالرغبة و أمر منادیه بالنداء فی جمیع أقطار الاندلس ألا من أراد أن یبتنی دارا أو أن [33 ظ] یتّخذ مسکنا بجوار السلطان فله من المعونة أربع مائة درهم فتسارع الناس الی العمارة و تکاثفت الأبنیة و تزایدت فیها الرغبة و کادت الأبنیة أن تتّصل بین قرطبه و الزهراء و نقل الیها بیت ماله و دیوانه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 112
و محبسه و خزائنه و ذخائره، [و قد نقل جمیع ذلک و أعید الی قرطبة تطیّرا منهم بها و تشأما بموت رجالهم فیها و نهب سائر ذخائرهم،] (8) و سمعت غیر محصّل ثقة ممّن یستبطن جبایات البلد و حاصل عبد الرحمن بن محمّد أنّ لدیه ممّا اتّجه له جمعه من الأموال الی سنة أربعین و ثلثمائة ما لم ینقص من عشرین ألف ألف دینار إلّا الیسیر القلیل دون ما فی خزائنه من المتاع و الحلی المصوغ و آلة المراکب و ما یتحمّل به الملوک من القنیة المصوغة، و لمّا توفّی عبد الرحمن بن محمّد سنة خمسین و ثلثمائة صار الأمر الی ابنه أبی العاصی الحکم بن عبد الرحمن فصادر رجال أبیه و قبض نعم خدمه و الوزراء الذین لم یزالوا فی صحبته فکان الحاصل منهم عشرین ألف ألف دینار یتواطأ فی علم ذلک أهل الخبرة بهم و یتساوون فی معرفة وجوهه و لم یکن لهذا المال فی وقته فی بلد الإسلام شبه إلّا ما کان فی ید الغضنفر أبی تغلب بن الحسن بن عبد الله بن حمدان فإنّه کان ممّا یتعامله خاصّتهم بالجزیرة و العراق و مقداره یزید علی ذلک حتّی قیل أنّه کان خمسین ألف ألف دینار و أدال الله منه فأخرجه عن یده و محقه و بدّده و کذلک عادة الله تعالی فی کلّ ما کسب من حرام و اجتمع بالبغی و الظلم و الآثام، و صورة ما بالاندلس من المال الذی قدّمت ذکره صورة ما للشقیّ بن الشقیّ و قد استحوذ علیه أبو عامر بن أبی عامر صاحب السکّة بالاندلس وقتنا هذا فهو یلذّ تفریقه و شقی به من جمعه و باء بإثمه من لم یحظ به، (9) و قرطبه و إن لم تک کأحد جانبی بغداذ فهی قریبة من ذلک و لاحقة به و هی مدینة ذات سور من حجارة و محالّ حسنة و رحاب فسیحة و فیها لم یزل ملک سلطانهم قدیما و مساکنه و قصره من داخل سورها المحیط بها و أکثر أبواب قصره فی داخل البلد من غیر جهة و لها بابان یشرعان فی نفس سور المدینة الی الطریق الآخذ علی الوادی من الرصافة، و الرصافة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 113
مساکن أعالی ربضها متّصلة مبانیها بربضها الأسفل و أبنیتها مشتبکة مستدیرة علی البلد من شرقه و شماله و غربه فأمّا الجنوب منه فهو الی وادیه و علیه الطریق المعروف بالرصیف و الأسواق و البیوع و الخانات و الحمّامات و مساکن العامّة بربضها، و مسجد جامعها جلیل عظیم فی نفس المدینة و الحبس منه قریب، و قرطبه هذه بائنة بذاتها عن مساکن أرباضها غیر ملاصقة لها و المدینة قریبة الحال و درت بسورها غیر یوم فی قدر ساعة و هی نفسها مستدیرة حصینة السور و سورها من حجر، و لم تکن الزهراء بذات سور تامّ و بها مسجد جامع حسن طیّب فی نفسه [دون جامع البلد فی المحلّ و القدر و الکبر] و لقرطبه سبعة أبواب حدید، و هی فخمة واسعة الحال بحسن الجدّة و کثرة المال و التصرّف فی وجوه التنعّم بجیّد الثیاب و الکسی من لیّن الکتّان و جیّد الخزّ و القزّ و المتعة بفاره المرکوب و المأکول و المشروب، (10) و لیس لجیوشهم حلاوة فی العین لسقوطهم عن أسباب الفروسیّة و قوانینها و إن شجعت أنفسهم [33 ب] و مرنوا بالقتال فإنّ أکثر حروبهم تتصرّف علی الکید و الحیلة و ما رأیت و لا رأی غیری بها إنسانا قطّ جری علی فرس فاره أو برذون هجین و رجلاه فی الرکابین و لا یستطیعون ذلک و لا بلغنی عن أحد منهم لخوفهم السقوط و بقاء الرجل فی الرکاب علی قولهم و هم یفرسون علی الأعراء من الخیل و ما أطبقت قطّ جریدة عبد الرحمن بن محمّد و لا من سبقه من آله و آبائه علی خمسة آلف فارس ممّن یقبض رزقه و یختم علیه دیوانه لأنّه مکفیّ المؤونة بأهل الثغور من أهل جزیرته ما ینوبه من کید العدوّ و من یجاوره من الروم و لا عدوّ علیه سواهم و قلّما یکترث بهم، و ربّما طرقه فی بعض الأحایین مراکب الروس و الترک البجناکیّة و قوم فی جملتهم من الصقالبة و البلغار فینکوا فی أعماله و ربّما انصرفوا خاسرین خائبین،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 114
(11) و بالاندلس الزیبق و الحدید و الرصاص و من الصوف قطع کأحسن ما یکون من الأرمنیّ المحفور الرفیع الثمن الی حسن ما یعمل بها من الأنماط و لهم من الصوف و الأصباغ فیه و فیما یعانون صبغه بدائع بحشائش [تختصّ] بالاندلس تصبغ بها اللبود المغربیّة المرتفعة الثمینة و الحریر و ما یؤثرونه من ألوان الخزّ و القزّ و یجلب منها الدیباج و لم یساوهم فی أعمال لبودهم أهل بلد علی وجه الأرض و ربّما عمل لسلطانهم لبود ثلاثینیّة یقوّم اللبد منها بالخمسین و الستّین دینارا غیر أنّه قد جعل عروضها خمسة و ستّة أشبار فهی من محاسن الفرش، و یعمل عندهم من الخزّ السکب و السفیق ما یزید ما استعمل منه للسلطان علی ما بالعراق و یکون منه المشمّع فیمنع المطر أن یصل الی لابسه، و أمّا أسعارهم فتضاهی النواحی الموصوفة بالرخص و کثرة الخیر و السعة و فواکههم مع طیبة فیها وسطة فکالمباحة التی لا ثمن لها، و یعمل فی أقطار بلدهم من الکتّان الدنیّ للکسوة و یجلب الی غیر مکان حتّی ربّما وصل الی مصر منها الکثیر فأمّا أردیتهم المعمولة ببجانه فتحمل الی مصر و مکّة و الیمن و غیرها و یستعمل عندهم للعامّة و للسلطان من الکتّان ثیاب لا یقصّر عن الدبیقیّ ما کان منها صفیقا و من السلس الدقیق ما یستحسنه من لبس الشرب و یضاهی رفیع الشطویّ الجیّد، و قلّ سوق بها یصیر الیه أهله إلّا علی الفاره من المرکوب [و لا یعرف فیهم المهنة و المشی إلّا أهل الصنائع و الأرذال] و تختصّ بالبغال الفره و بها یتفاخرون و یتکاثرون، و لهم منها نتاج لیس کمثله فی معادن البغال المذکورة و أصقاعها المشهورة من ارمینیه و الران و باب الأبواب و تفلیس و شروان لأنّها تبدن و تصنع و تنجب و یجلب الیهم منها شی‌ء حسن الشیة عظیم الخلق کثیر الثمن من جزیرة میرقه و هی جزیرة لعبد الرحمن بن محمّد فیها المسلمون منقطعة تلی ناحیة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 115
افرنجه واسعة الخیر کثیرة الثمار رخیصة الماشیة لکثرة المراعی غزیرة النتاج و المواشی معدومة الجوائح قلیلة الآفة و لیس بها عاهة و لا وحش یؤذیهم فی سائمتهم و رأیت منها غیر بغل بیع بخمس مائة دینار و الیها یرغب ملوکهم بمراکبهم و إیّاها یستوطئون و یؤثرون [34 ظ] فیما یرکبون فأمّا ما یبلغ منها المائة و المائتی دینار فأکثر من أن یحصی و لیس ذلک لأنّها أزید علی البغال الموصوفة بحسن السیر و سرعة المشی فقط بل جمعت مع ذلک عظم الخلق و حسن الشیة الی اختلاف الألوان الصافیة و الشعور الدهینة المشرقة و الصحّة علی مرّ الأیّام مع الصبر علی الکدّ و العسف، (12) ذکر المسافات بها، فمن قرطبه الی مراد مرحلة و من مراد الی غرغیره مرحلة و من غرغیره الی اشبیلیه یومان و هی مدینة کثیرة الخیر و الفواکه و الکروم و التین خاصّة و هی علی وادی قرطبه و من اشبیلیه الی لبله یومان و هی مدینة قدیمة أزلیّة کثیرة الخیر صالحة القدر علیها سور و منها الی جبل العیون یومان و هی أیضا قدیمة أزلیّة کثیرة الخیر و من جبل العیون الی لب ثلثة أیّام و هی مدینة قدیمة ذات سور و من لب الی اخشنبه مدینة مشهورة عظیمة غزیرة الخیر کثیرته أربعة أیّام و من اخشنبه الی مدینة شلب ستّة أیّام و من شلب الی قصر بنی ورداسن خمسة أیّام و هی أیضا مدینة حصینة و منها الی المعدن و هو فم النهر ثلثة أیّام و هی فی نفسها صالحة القدر و من فم النهر الی لشبونه یوم و من لشبونه الی شنتره یومان و من شنتره الی شنترین یومان و من شنترین الی بیزه أربعة أیّام و من بیزه الی جل مانیه [یومان و من جل مانیه] الی البش یوم و من البش الی بطلیوس یعبر النهر یوم و من بطلیوس الی قنطرة السیف أربعة أیّام و من قنطرة السیف الی مارده یوم و من مارده الی مدلّین یومان و من مدلین
صورة الأرض، ج‌1، ص: 116
الی ترجیله یومان و من ترجیله الی قصراش یومان و من قصراش الی مکناسه یومان و من مکناسه الی مخاضة البلاط یوم و من المخاضة الی طلبیره خمسة أیّام و من طلبیره الی طلیطله ثلثة أیّام، و من قرطبه الی بطلیوس علی الجادّة ستّ مراحل و من قرطبه الی بلنسیه اثنا عشرة مرحلة و من قرطبه الی المریّه فرضة بجانة سبعة أیّام و من المریّه الی مرسیه خمسة أیّام، (13) و جمیع هذه المدن المذکورة مشهورة بالغلّات و التجارات و الکروم و العمارات و الأسواق و البیوع و الحمّامات و الخانات و المساجد الحسنة یقام فیها جمیع الصلوات و لیس بجمیع الاندلس مسجد خراب و فیها مدن یزید بعضها علی بعض فی المحلّ و الجبایة و الارتفاع و الولاة و القضاة و المخلّفین علی رفع الأخبار و یقال لأحدهم مخلّف و لیس بها مدینة غیر معمورة ذات رستاق فسیح الی کورة فیها ضیاع عداد و أکرة وسعة و ماشیة و سائمة و عدّة و عتاد و کراع و زروعهم فإمّا بخوس حسنة الربع کثیرة الدخل أو أسقاء علی غایة الکمال و حسن الحال، (14) و من قرطبه الی کرکویه المدینة و فیها منبر و أسواق و حمّامات و فنادق أربعة أیّام و المنزل فی کلّ لیلة بقریة آهلة و من کرکویه الی قلعة رباح مدینة کبیرة ذات سور من حجارة و هی علی واد لها کبیر منه شرب أهلها و یزرعون علیه و بها أسواق و حمّامات و متاجر مرحلة و الطریق علی قری ذات عمارة و من قلعة رباح الی ملقون مدینة علی نهر لها سور من تراب [34 ب] و هی دون قلعة رباح فی الکبر و نهرها یعرف باسمها و منه شرب أهلها [مرحلة] و منها الی ابنش قریة فیها فندق و عین منها شربهم کثیرة الأهل مرحلة و من ابنش الی طلیطله مرحلة و هی مدینة کبیرة جلیلة مشهورة أکبر من بجانه ذات سور منیع و هی علی وادی تاجو و علیه قنطرة عظیمة طولها خمسون باعا و یصیر وادیها الی الوادی المنصبّ الی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 117
شنتره، و من طلیطله الی مغام قریة کبیرة و بها معدن الطفل الاندلسیّ مرحلة و من مغام الی الغرّاء مدینة کبیرة ذات أسواق و محالّ و یکون نحو وادیاش مرحلة، و منها الی وادی الحجارة مدینة کبیرة و ثغر مشهور الحال مسوّر بجحارة ذات أسواق و فنادق و حمّامات و حاکم و مخلّف و بها یسکن ولاة الثغور کأحمد بن یعلی و غالب و علیها أکثر جهاد جلیقیه، و منها الی شعراء القواریر و فیها منهل تنزله الرفاق مرحلة، و منها الی مدینة سالم مرحلة و منها غالب بن عبد الرحمن صاحب الجیش و لها سور عظیم و رستاق و إقلیم واسع و ناحیة کثیر الماشیة رفهة فی جمیع أسبابها فائضة الخیر واسعته و هی أکثر الاندلس حربا و غزوا، فهذه جملة من أخبار جزیرة الاندلس،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 118

[صقلیه]

(1) و یلحق بها فی حسن الحال ممّا هو بید أهل الإسلام صقلّیه و هی جزیرة [علی شکل مثلّث متساوی الساقین زاویته الحادّة من غربیّ الجزیرة] طولها سبعة أیّام فی أربعة أیّام [و هی فی شرقیّ الاندلس فی لجّ البحر و تحاذیها من بلاد الغرب بلاد افریقیة و باجة و طبرقه الی مرسی الخرز و غربیّها فی البحر جزیرة قرشقه و من جنوب صقلّیة جزیرة قوسره و علی ساحل البحر شرقیّها من البرّ الأعظم الذی علیه قسطنطینیّة مدینة ریو ثمّ نواحی قلوریه] ، و الغالب علیها الجبال و القلاع و الحصون و أکثر أرضها مسکونة مزروعة و لیس لها مدینة مشهورة معروفة غیر المدینة المعروفة ببلرم قصبة صقلیه و هی علی نحر البحر و هی خمس حارات متجاورة غیر متباینة ببعید مسافة و إن کانت حدودها ظاهرة بیّنة، (2) و منها المدینة الکبری المسمّاة بلرم و علیها سور عظیم من حجارة شامخ منیع یسکنها التجّار و فیها مسجد الجامع الأکبر و کان بیعة للروم قبیل فتحها و فیه هیکل عظیم و یقول بعض المنطقیّین أنّ حکیم یونان یعنی ارسطوطالس فی خشبة معلّق فی هذا الهیکل الذی قد اتّخذه المسلمون مسجدا و أنّ النصاری کانت تعظّم قبره و تستشفی به لما شاهدت یونان علیه من إکباره و إعظامه قال و السبب فی تعلیقه بین السماء و الأرض ما کان الناس یلاقونه عند الاستسقاء و الاستشفاء و الأمور المهمّة التی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 119
توجب الفزعة الی الله تعالی و التقرّب الیه فی حین الشدّة و خوف الهلکة و عند وطئ بعضهم لبعض و قد رأیت خشبة یوشک أن یکون هذا القبر فیها، (3) و تجاهها مدینة تعرف بالخالصة ذات سور من حجارة و لیس کسور بلرم یسکنها السلطان و أتباعه و فیها حمّامان و لا أسواق فیها و لا فنادق و فیها مسجد جامع صغیر مقتصد و بها جیش للسلطان و دار صناعة للبحر و الدیوان و لها أربعة أبواب من قبولها و دبورها و غربها و شرقیّها البحر و سور لا باب له، و حارة تعرف بحارة الصقالبة و هی أعمر من المدینتین اللتین ذکرتهما و أجلّ و مرسی البحر بها و بها عیون جاریة بینها و بین صقلّیة [35 ظ] و میاه کالحدّ بینهما، و حارة تعرف بحارة المسجد المعروف بابن سقلاب و هی کبیرة أیضا و لیس بها میاه جاریة و شرب أهلها من الأبآر و علی طرفها الوادی المعروف بوادی عبّاس و هو عظیم کبیر و مطاحنهم علیه کثیرة و بساتینهم و أجنّتهم غیر منتفعة به، و الحارة الجدیدة و هی کبیرة تقارب حارة المسجد و لیس بینهما فرق و لا فاصلة و لا علیهما و لا علی حارة الصقالبة سور، و أکثر الأسواق فیما بین مسجد ابن سقلاب و الحارة الجدیدة کسوق الزّیاتین بأجمعهم و الدّقاقین و الصیارفة و الصیادنة و الحدّادین و الصیاقلة و أسواق القمح و الطرازیّین و السمّاکین و الأبزاریّین و طائفة من القصّابین و باعة البقل و أصحاب الفاکهة و الریحانیّین و الجرّارین و الخبّازین و الجدّالین و طائفة من العطّارین و الجزّارین و الأساکفة و الدبّاغین و النجّارین و الغضائریّین و الخشّابین خارج المدینة و ببلرم طائفة من القصّابین و الجرّارین و الأساکفة و بها للقصّابین دون المائتی حانوت
صورة الأرض، ج‌1، ص: 120
لبیع اللحم و القلیل منهم فی المدینة برأس السماط و یجاورهم القطّانون و الحلّاجون و الحذّاؤون و بها غیر سوق صالح، و یدلّ علی قدرهم و عددهم صفة مسجد جامعهم ببلرم و ذلک أنّی حزرت المجتمع فیه إذا غصّ بأهله بلغ سبعة آلف رجل و نیّفا لأنّه لا یقوم فیه أکثر من ستّة و ثلثین صفّا للصلاة و کلّ صفّ منها لا یزید علی مائتی رجل، (4) و بصقلّیه من المساجد فی مدینة بلرم و المدینة المعروفة بالخالصة و الحارات المحیطة بها من وراء سوریهما عامرة أکثرها قائمة علی عروشها بحیطانها و أبوابها نیّف و ثلثمائة مسجد یتواطأ أهل الخبرة منهم فی علمها و یتساوون فی معرفتها و عددها و بظاهرها ممّا حفّ بها و لاصقها و بین أجنّتها و أبراجها و محالّ کانت متّصلة بالأقرب فالأقرب منها علی الوادی المعروف بوادی عبّاس و مجاورة للمکان المعروف بالمعسکر فی ضمن البلد متبدّدة فی فحص عبّاس و بعضها فی أثر بعض الی المنزل المعروف بالبیضاء قریة تشرف علی المدینة و بینهما نحو نصف فرسخ و قد خربت هلک أربابها بما دار علیهم من الفتن یعرف ذلک جمیعهم غیر مختلفین فی مقدارها و إنّها تزید علی مائتی مسجد، و لم أر لهذه العدّة من المساجد بمکان و لا بلد من البلدان الکبار التی تستولی علی ضعف مساحتها شبها و لا سمعت من یدّعیه إلّا ما یتذاکره أهل قرطبه من أنّ بها خمس مائة مسجد و لم أقف علی حقیقة ذلک من قرطبه و ذکرته فی موضعه علی شکّ منّی فیه و أنا محقّقه بصقلّیه لأنّی شاهدت أکثره، و لقد کنت واقفا ذات یوم بها فی جوار دار أبی محمّد عبد الواحد بن محمّد المعروف بالقفصیّ الفقیه الوثائقیّ فرأیت من مسجده فی مقدار رمیة سهم نحو عشرة مساجد یدرکها بصری و منها شی‌ء تجاه شی‌ء و بینهما عرض الطریق فقط، و سألت عن ذلک فأخبرت أنّ القوم لشدّة انتفاخ رؤوسهم کان یحبّ کلّ واحد منهم أن یکون له مسجد مقصور [35 ب] علیه لا یشرکه فیه غیر أهله و غاشیته و ربّما کانا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 121
أخوان منهم متلاصقة داراهما متصاقبة الحیطان و قد عمل کلّ واحد منهما مسجدا لنفسه لیکون جلوسه فیه وحده، و فی جملة هذه العشرة المساجد التی ذکرتها مسجد یصلّی فیه أبو محمّد ابن القفصیّ هذا و بینه و بین دار ولد له یتفقّه دون الأربعین خطوة و قد ابتنی ابنه مسجدا الی جانب داره و هو أحد حدودها الأوّل جدیدا مغلق الباب أبدا و یحضر أوقات الصلاة و هو جالس فی دهلیز داره المجاورة الملاصقة لمسجده فلا یصلّی فیه، و کأنّ رغبته کانت فی ابتنائه أن یقال مسجد الفقیه بن الفقیه و هو حدث له من نفسه محلّ عظیم و خطر جسیم و کأنّه لعظم خطره عنده أنّه یظنّ أبو أبیه أو أنّه بغیر أب لبأوه و صلفه و حسن رکبته و زیّه و فی هذه الأربعین خطوة التی ذکرت بین مسجده و مسجد أبیه مسجد آخر معلّق له إمام و فیه مکتب، (5) و بها رباطات کثیرة علی ساحل البحر مشحونة بالریاء و النفاق و البطّالین و الفسّاق متمرّدین شیوخ و أحداث أغثاث رثاث قد عملوا السجّادات منتصبین لأخذ الصدقات و قذف المحصنات نقم منزلة و بلایا شاملة و حتوف مصبوبة منصوبة و أکثرهم یقودون و منهم من لا یری ذلک لشدّة الریاء و السمعة و أکثرهم بالزور تطوّعا یشهدون مع جهل لا یفرّق فیه بین فرض الوضو و سنّته و یقصدهم من أعوزه المکان لبطالته و الموضع لعیارته فیؤونه و ربّما شارکوه بتافه من المأکول علی أحوال یقبح ذکرها و لیس هذا الکتاب ممّا یذکر فیه مثلها، و أحسب تأسیسها کان علی غیر التقوی حسب ما أسّست علیه المساجد المتقدّم ذکرها فهارت و باد أهلها بما جنوه من الفتن و العصیان و شقّ عصا السلطان و الله أعلم، (6) و کنت ذکرت أحوال الخالصة و أبوابها و ما فیها و لم أذکر بلرم و هی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 122
المدینة القدیمة و أشهر أبوابها باب البحر و سمّی بذلک لقربه من البحر و یلیه باب أحدثه أبو الحسین أحمد بن الحسن بن أبی الحسین لشکوی أهل هذه الناحیة بعد مخرجهم فعمله علی نشز مطلّ علی نهر و عین تدعی عین شفاء و بها یعرف هذا الباب وقتنا هذا و لمن قرب منه مرفق بهذه العین، ثمّ باب یعرف بشنتغاث و هو باب قدیم و الیه باب یعرف بباب روطه و روطه نهر کبیر یهبط من هذا الباب الیه و أصله تحت هذا الباب و فیه ماء صالح علیه أرحیة کثیرة متقاطرة، ثمّ باب الریاض و هو أیضا محدث استحدثه أبو الحسین أحمد بن الحسن و کان بجواره باب یعرف بابن قرهب فی موضع غیر حصین و کانت المدینة قوتلت علیه قدیما فدخل علی أهلها منه معرّة و ضرر جسیم فسدّه أبو الحسین و أزاله و بجواره باب الأنباء و هو أقدم أبوابها و الیه باب السودان تجاه الحدّادین ثمّ باب الحدید و منه المخرج الی حارة الیهود و الیه باب استحدثه أبو الحسین أیضا و لم یسمّ باسم و یخرج منه الی حارة أبی جمین و جمیعها تسعة أبواب، و هذه المدینة مستطیلة ذات سوق قد أخذ من شرقها الی غربها [36 ظ] یعرف بالسماط مفروش بالحجارة عامر من أوّله الی آخره بضروب التجارة و یطیف بها عیون کثیرة منصبّة من غربها الی شرقها و یکون مقدارها ما یدیر رحی و علی مائها غیر رحی تطحن فی غیر مکان و یجاور مصبّ ماء هذه العیون من حیث بدؤ مسیلها الی حیث مصبّها فی البحر أراض کثیرة تغلب علیها السباخ و آجام فیها قصب فارسیّ و بحائر و مقاث صالحة و فی خلال أراضیها بقاع قد غلب علیها البربیر و هو البردیّ المعمول منه الطوامیر و لا أعلم لما بمصر من هذا البربیر نظیرا علی وجه الأرض إلّا ما
صورة الأرض، ج‌1، ص: 123
بصقلّیه منه و أکثره یفتل حبالا لمراسی المراکب و أقلّه یعمل للسلطان منه طوامیر القراطیس و لن یزید علی قلّة کفایته، (7) و شرب أهل المدینة و هم المجاورون لسورها من نحو باب الریاض الی نحو عین شفاء من میاه هذه العیون و باقی أهلها و أهل الخالصة و جمیع أهل الحارات شربهم من أبآر دورهم خفیفا کان أو ثقیلا من الماء و یلذّ لهم علی کثرة المیاه العذبة الجاریة عندهم و ذلک لکثرة أکلهم البصل، و شرب أهل المعسکر فمن العین المعروفة بالغربال و ماؤها صالح و بالمعسکر عین تعرف [بعین التسع دون الغربال فی کثرة الماء و عین تعرف] بعین أبی سعید دونها و عین تعرف بعین أبی علیّ و کان من بعض ولاتهم فهی مضافة الیه و شرب الناحیة المعروفة بالغربیّة فمن العین المعروفة بعین الحدید و هناک معدن للسلطان من الحدید یصرف ما یستثار منه لحاجته فی مراکبه و قرسطیاته و کان هذا المعدن لبنی الأغلب یجدی علیهم الکثیر [و هو بقرب قریة تعرف ببلهرا و فیها عیون و أنهار تتفجّر منها و هی تمدّ وادی عبّاس و تقوّیه و هی کثیرة البساتین و الکروم] ، و یحیط بالبلد عیون غیر مشهورة و ینتفع بمیاهها کالقادوس فی ناحیة القبلة و بها الفوّارة الصغیرة و الفوّارة الکبیرة علی أنف الجبل من البلد و هی أغزر عیونهم ماء و تنصرف هذه المیاه الی أجنّتهم، و لقریة البیضاء عین حسنة تعرف بالبیضاء و تصاقب الغربال و الغربیّة و شرب الناحیة المعروفة ببرج البطّال من العین المعروفة بعین أبی مالک و أکثر میاه الدبور من أراضی المدینة لأجنّتهم فبالسوانی، و لهم أجنّة کثیرة الخیر و بساتین أعذاء بخوس لا تسقی کالشأم و أکثر میاه البلد و الحارات من الأبآر ثقیلة غیر مرئة و إنّما صرفهم الی شربها رغبة عن شرب الماء الجاری العذب قلّة مروآتهم و کثرة أکلهم للبصل و فساد حواسّهم بکثرة تغذّیهم بالنیّ منه و ما فیهم من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 124
لا یأکله کلّ یوم أو یؤکل فی داره صباح مساء من سائر طبقاتهم و هو الذی أفسد تخیّلهم و ضرّ أدمغتهم و حیّر حواسّهم و غیّر عقولهم و نقص أفهامهم و بلّد معارفهم و أفسد سحنة وجوههم و أحال أمزجتهم حتّی رأوا الأشیاء أو أکثرها علی خلاف ما هی به، (8) و ممّا یؤیّد قولی و یشهد ببرهانه ما حکاه یوسف بن إبراهیم الکاتب فی کتاب أخبار الأطبّاء عند نزوله بدمشق علی عیسی بن الحکم و هو المسیح المتطبّب قال ذاکرته بالبصل فلم یزل فی ذمّه و وصف معائبه و کان عیسی و سلمویه بن بیان یسلکان طریق الرهبان و لا یحمدان شیئا یزید [36 ب] فی الباءة و یقولان أنّ ذلک یتلف الأبدان و یذهب الأنفس فلم أستحسن الاحتجاج علیه بزیادة البصل فی الباءة فقلت قد رأیت منه فی سفری هذا منفعة فسأل عنها فقلت إنّی کنت أذوق الماء فی بعض المناهل فأجده کریها فآکل البصل و أعاود شربه فأجد حاله قد نقصت و کان عیسی قلیل الضحک فاستضحک من قولی ثمّ استرجع بجزع منه و قال یعزز علیّ أن یغلط مثلک هذا الغلط لأنّک صرت الی أسمج نکتة فی البصل فجعلتها منقبة یا هذا ألیس متی حدث بالدماغ فساد فسدت الحواسّ حتّی ینقص حسّ الشمّ و حسّ الذوق و السمع و البصر فقلت اجل فقال إنّ خاصّیّة البصل إحداث فساد فی الدماغ و إنّما قلّل حسّک لملوحة الماء و لکراهیته ما أحدثه البصل فی دماغک من الفساد، و هذه قضیّة عقلیّة فأمّا نتیجتها فلیس بالبلد عاقل و لا فاضل و لا عالم بالحقیقة بفنّ من فنون العلم و لا ذو مروءة و لا متدیّن و الغالب علیه الرعاع و أکثر أهله سقّاط أوضاع لا عقول لهم و لا دین کامل و أکثرهم برقجانه و موال یدّعون ولاء قوم افتتحوها و قد هلکوا، (9) و حدّثنی غیر إنسان منهم أنّ عثمن بن الخرّاز ولی قضاءهم و کان ورعا قد رکن الی قوم منهم فی العدالة و الشهادة و وقف آخرین عن قبولهم
صورة الأرض، ج‌1، ص: 125
فرفعت الیه امرأة اعتورتها مطالبة فی دار لها باطلة فسألها البیّنة و ادّعت ملک الید الی شهود و شهادات معها و أحضرتهم عنده فاستزادها شهودا و کان یسکن الی شهادة أبی إبراهیم إسحاق بن الماجلیّ المعلّم و کان له بأمرها علم و سألته إقامة الشهادة و هو ینکل عنها الی أن ضمنت له رشوة رباعیّات علی أدائها فشهد لها بذلک و اتّفق أنّ عثمن بادر بإمضاء تنفیذ الحکم بشهادة إسحاق و عمل علی التسجیل لها بذلک و طلب إسحاق ما ضمنته المرأة له فدفعته و أبت أن تعطیه ما ضمنته له ظنّا بحقّها و ثقة أنّ الشهادة قد قامت و أنّها لا تحتاج الی إسحاق و لا غیره و أحضر الحاکم إسحاق لیبدأ بشهادته علی نفسه بإنفاذ الحکم للمرأة بشهادته فقال أعزّ الله الحاکم هذه الشهادة أنا راجع عنها لأمور قد أشکلت علیّ منها و کان الحاکم قد حفظ علی إسحاق فی الشهادة ما لا یجوز معه الرجوع فاستراب قصّته و کشف عنها بالفحص الشدید فظهرت له القصّة علی وجهها فکان لا یقبل شهادته و لا شهادة غیره و خرّج جماعتهم و أسقط شهادتهم، و صارت أکثر أحکامه جاریة علی الصلح و شکّ فیهم فلم تثنه الیهم رغبة و لا رهبة الی أن هلک بینهم و حضرته المنیّة فقال لیس بجمیع البلد من یوصی الیه و دفع دیوانه الی رجل کان بها من الغرباء یعرف بالغضائریّ من أهل القیروان و کان یزکّیه و ظهرت هذه القصّة لأهل البلد فکانت إحدی وسائل ابن الماجلیّ فی إجلابهم و اختیارهم له و تصییره حاکما علیهم و خطیبا لهم رغبة من بعضهم فی مظاهرته علی ما یرجوه من الخیانة، و کان إسحاق علی قولهم خفیف الوزن شدید الجهل کثیر الإعجاب بتخلّفه غیر رکیز و لا مهیب و لا فی سمت القضاة و حسبک بمعلّم برقجانیّ [37 ظ] جعل قاضیا، (10) و حدّثنی رجل من المقیمین بها یعرف بأبی الحرث فحل بن فلاح اللهیصیّ ثمّ الکتامیّ و رأیته یخبر کثیرا من أخبار البلد أنّه کان و رجل سمّاه بین یدی إسحاق بن الماجلیّ بعد أن ولی الحکم بها یوما و هو فی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 126
محراب الجامع جالسا و بیده قضیّة لهما فی مهر و هو مقبل علی قراءتها فکلما مرّ له فصل [داوم] علی تقریظه لحسن ما تأتّی له من المعانی الجیّدة و الشروط البدیعة و استیفاء أسباب البلاغة و هما سکوت و هو مع کلّ فصل یفعل ذلک الی أن قام من المحراب و کان فیه متصدّرا کالقضاة فجلس بین أیدیهما و لم یزل یقرأه و یعید وصفه و یقول ما أراکما تسمعان هذه الحکومة التی ما حکم بمثلها و الله أحد علی وجه الأرض و أعاد قراءتها ثمّ رجع الی مکانه من المحراب، قال و کان ربّما مدّ یده الی الخصوم بالضرب، و أخبرنی جماعة منهم أنّ رجلا تقدّم الیه بخصم له فراجعه فی مناظرته و کان بین یدیه مقصّ کبیر فأخذه و أومأ به الی الرجل لیضربه فی وجهه فأقبل الرجل علی نعل إسحاق و کانت بین یدیه فتناولها فقال و لم مسست نعلی لتضربنی بها فقال لا و لکن خشیة أن تقصد بالمقصّ وجهی لأتّقی بها منک، و له أخبار کثیرة فی أنواع من الجنون و الخباط کان من مجانین المعلّمین و حمقاهم و کان من کبارهم و علیتهم، (11) و الغالب علی البلد المعلّمون و المکاتب به فی کلّ مکان و هم فیه علی طبقات مختلفة و منازل شتّی متباینة من الصراع و الخباط علی ما یفوق جنون معلّی کلّ بلد و حمقی کلّ ناحیة حتّی أنّهم المتکلّمون علی السلطان فی سیره و اختیاراته و الإطلاق بالقبائح من ألسنتهم بمعائبه و إضافة محاسنه الی قبائحه، و بالبلد منهم ما یقارب ثلثمائة معلّم و لم ینقص من ذلک إلّا القلیل و لیس کهذه العدّة بمکان من الأماکن و لا فی بلد من البلدان و إنّما توافرت عدّتهم مع قلّة منفعتهم لفرارهم من الغزو و رغبتهم عن الجهاد و ذلک أنّ بلدهم ثغر من ثغور الروم و ناحیة تحادّ العدوّ و الجهاد فیهم لم یزل قائما و النفیر دائما مذ فتحت صقلّیه و ولاتهم لا یفترونه و إذا نفروا لم یفتروا بالبلد أحدا إلّا من بذل الفدیة عن نفسه أو أقام العذر فی نخلّفه مع رابطة السلطان و کان قد سبق الرسم بإعفاء المعلّمین قدیما بینهم من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 127
النوائب و حملت علیهم المغارم ففزع الی التعلیم بلههم و حسّنه لدیهم جهلهم مع قلّة الانتفاع به و الجدوی منه فإنّ فیهم الکثیر تمرّ به السنة فلا یصیب من جمیع صبیانه و هم کثیر عشرة دنانیر فأیّ منزلة أقبح و صورة أخسّ و أوتح من رجل باع ما أوجب الله تعالی علیه من الجهاد و شرفه و الغزو و عزّه بأخسّ منزلة و أوضع حرفة و أسقط صنیعة علی أنّها فی أعیان البلاد مع تخریج أولاد السراة و أهل الإمکان عنصر الخذلان و مظانّ الحرمان و بالإجماع منهم و من کلّ إنسان أنّ المعلّم أحمق محکوم علیه بالنقص و الجهل و الخفّة و قلّة العقل، و من أعظم الرزیّة و أشدّ البلیّة و أقطع النازلة أنّ جمیع أهل صقلّیه لصغر أحلامهم و نقص [37 ب] درایتهم و بعد أفهامهم یعتقدون أنّ هذه الطائفة أعیانهم و لبابهم و فقهاؤهم و محصّلوهم و أرباب فتاویهم و عدولهم و بهم عندهم یقوم الحلال و الحرام و تعقد الأحکام و تنفذ الشهادات و هم الأدباء الخطباء، و لقد رأیت ولدا کان لإسحق ابن الماجلیّ المعلّم القاضی المتقدّم ذکره یخطبهم نحو حولین یجزم الأسماء مع الصلة و یجرّ الأفعال من أوّل خطبته الی آخرها، و خاطبت أدیبا کان من أهلها یسعی و یدّعی الدرایة بجمیع الأحوال و قد نصب هذا الخطیب ما لم یسمّ فاعله أو رفع منصوبا و أظنّه کان مفعولا به فقلت أما سمعت الخطیب و ما کان منه و ذکرته له و قد ذهب عنّی اللفظ فقال کأنّه و اللّه یا سیّدی کما تقول غیر أنّا نحن لا نأبه لمثل هذا، (12) و من کبائر المذکورین من المعلّمین بها فی السیر و العدالة و هو بالضدّ للغباء و الجهالة و أشدّهم تقدّما عندهم أبو عبد الله محمّد بن عیسی ابن مطر المعلّم فی مسجد الزهری بالسماط و قد سافر یشرّق و دخل المشرق و کتب الحدیث، و أبو الحسن علیّ بن بانة المعروف بابن ألف سوط و هو الیه فی العدالة و یراه قوم منهم فوقه فی العلم و الفقه و ظلف النفس و کلاهما غبیّ عم ناقص رزیّ المنظر و المخبر، و حدّثنی أبو عبد الله محمّد بن عیسی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 128
المعروف بالناشی القرویّ المتکلّم و کنّا معا بصقلّیه قال بینا أنا واقفا بالسماط بقرب مکتب ابن مطر أحادث إخوانا لی إذ وقف بهم ابن مطر فسلّموا علیه و سلّم علیّ فرددت علیه و أخذ فی صفتی و ما أعتقده بأقبح عبارة و أبشع لفظ و إشارة و قال فی خلال قوله لی یعزز علیّ بعدک عن الحقّ فقلت لعن اللّه أبعدنا عن الحقّ و أقلّنا علما به فالتاث لونه و تغیّر فقال له القوم قد أنصفک لأنّه إنّما لعن الأبعد من الحقّ و لم یقصد إلّا الأقلّ علما بالله فقال الست عراقیّ المذهب فقلت لا و ذلک أنّ أهل العراق یدّعون مرجئة و إنّما و سموا بذلک لترکهم القطع علی أهل الکبائر بالخلود و أخذت أصف المسألة بیننا و بینهم فقال ما أری قولکم إلّا قریبا من قولنا فقلت یا هذا إنّما أصف لک رأی أهل العراق المذموم عندی و أنا ضدّهم فقال و کیف فقلت نحن نقطع علی تخلید أهل الکبائر فی النار فقال ما ظننت یقول بهذا غیر أهل العراق و هو بجهله صباح مساء یکفّرهم فی کلّ مقعد و مشهد و یکفّر المعتزلة و لا یعلم اعتقادها بین الفرقتین التی هی أشهر أهل المذاهب و یطلق اللعن علیهما و هو لا یفرّق بین الوعیدیّ من المرجئ و هذه المنزلة أعلی منازل البله و رحم اللّه ناقلا فلقد ظلمه نقلة الأخبار بقطعهم علیه بالانفراد بالجهل، و کنت جالسا بصقلّیه یوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة اثنتین و ستّین علی دکّان المعروف بابن الانطاکیّ فی سماط بلرم و کان یوما مطیرا فی الساعة السادسة و علی القیام الی الجامع و ابن الانطاکیّ معا و الجامع منّا علی غلوة [38 ظ] إذ أقبل ابن ألف سوط من نحو الجامع و منزله بالقرب منه فقلنا الی أین فقال قد صلّی الناس و أنا أمضی أتقدّم لأشهد جنازة الخطیب و کان ابن الماجلیّ الخطیب الذی قدّمت ذکر تخلّفه توفّی لیلة الجمعة هذه و مضی یرید باب البحر و أطال ثمّ رجع و قد أئسنا من الصلاة فقلنا الی أین فقال بلغنی أنّهم ما صلّوا بعد فعدت لعلّی ألحق الصلاة و مضی فبقینا حیاری فی أمره نتعاود قلّة تحصیله و ما یدفع الناس الیه فی شهادة مثله إذ أقبل فقلنا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 129
هیه فقال قد صلّوا و أنا ماض لأصلّی فی المصلّی و هذا الرجل عندهم أثبت القوم عدالة و أشفّهم منزلة و هذه صورته، (13) و أکثرت عنه و عن ابن مطر و جماعتهم واصفا قلّة فطنهم و کلال أفهامهم و حدّة جهلهم و سرعة طیشهم و موت یقظتهم و براعة لؤمهم مع دوام غفلتهم و بشاعة تعاطیهم و کثرة معائبهم و سخف أغذیتهم المؤکّدة جهلهم و سوء تخلّیهم فی کتاب جعلته أبوابا عشرة بدأت منها بذکر ما یتفاخر به أهل الأمصار و القبائل و البلدان و ما یلحقهم من الفضائل و کیفیّة لحاقها بالکور و المدن و الرذائل المقصرة ببعضها عن الفخر و الطیب و الحسن و وسمته بکتاب صقلّیه و لم أترک لهم من فضیلة و رذیلة الی جمیع ما خصّوا به و منعوه و أعطوه و ما حرموه الی غلظ طباعهم و سوء أخلاقهم و ما انفردوا به من المطاعم المنتنة و الأعراض القذرة الدرنة و غلبة کثرة الجفاء و طول المراء و سمّیت جمیع معلّمیهم الی ما وصل الیّ من أخبارهم و محلّهم فی الرقاعة و خلعهم علی مرّ الأیّام للسلطان و الطاعة و حال الفرقة التی لیست کفرقة من فرق الإسلام و لا نحلة من النحل و لا فی بلد من البلدان و لا بدعة من البدع و لا مشاکلة لنحلة فی دین من الأدیان، و هم المشعمذون أکثر أهل حصونهم و بادیتهم و ضیاعهم رأیهم التزویج الی النصاری علی أنّ ما کان بینهم من ولد ذکر لحق بأبیه من المشعمذین و ما کانت من أنثی فنصرانیّة مع أمّها لا یصلّون و لا یتطهّرون و لا یزکّون و لا یحجّون و فیهم من یصوم شهر رمضان و یغتسلون إذا صاموا من الجنابة و هذه منقبة لا یشرکهم فیها أحد و فضیلة دون جمیع الخلق أحرزوا بها فی الجهل قصب السبق، و لقد أعددت کتابی هذا بذکرهم فیه و لکنّ نفوس أهل النبل و قلوب أهل الفضل متطلّعة الی علم الکلّ و لذکرها فی الخزائن منزلة لیست علی ما هی به فی الحقیقة، (14) و من أرثّ ما رأیته بها و أغثّه خمسة معلّمین فی مکتب واحد
صورة الأرض، ج‌1، ص: 130
یعلّمون فیه الصبیان شرکاء متشاکسون علی باب عین شفاء یرؤسهم شیخ یعرف بالملطاط جبس ضبس أشقر أزرق من أقدم الناس علی شهادة زور و ولدان له و رجل یعرف بابن الودانی و آخر یدعی بأخی رجاء علی مراتب فی شرکتهم، و خرجت من صقلّیه و قد مات ابن الودانی فلو شاهدهم أکثر الناس حزنا و أشدّهم إخباتا و سمتا عند وفاته [38 ب] و تفجّعهم له و حنینهم علیه و تساکرهم فی بکائهم عند عزائهم لقهقه و ضحک أو أبلس لجهلهم کالمرتبک، (15) و أمّا حال یسارهم فإنّهم مع قلّة مؤنهم و نزور نفقاتهم و کثرة غلّاتهم لیس فیهم رجل ملک بدرة عین و لا رآها قطّ إلّا عند سلطان إن کان ممّن یدخل الیه و محلّه محلّ من یؤذن له علیه، و بالأموال و الجبایات و الیسار یعتبر أحوال أهل المدن و الکور و الأقالیم و کذلک النبل و الفضل الی غیر ذلک مع أنّ مال جزیرة صقلّیه وقتنا هذا و هو أجلّ أوقاتها و أکثره و أغزره بأجمعه من سائر وجوهه و قوانینه خمسها و مستغلّاتها و مال اللطف و الجوالی المرسومة علی الجماجم و مال البحر و الهدیة الواجبة فی کلّ سنة علی أهل قلوریه و قبالة الصیود و جمیع المرافق و جهاتها و هذه جملة ارتفاعها ...... ، فأمّا غلّاتها و خصبها و ما هی علیه فی أسباب المآکل و المشارب فکالمواضع المشار الیها فی صدر الکتاب بالخصب و السعة قدیما و فیما مضی و دخلتها و قد استحالت جمیع أمورها من الخصب الی الجذب و خلق أربابها من أهل بادیتها فکأرباب الجزائر العجم الغتم الصمّ البکم و سکّانها الذین لم یصفهم الأسفار من وراء بهیمیّة غامرة لألبابهم و غفلة عن الحقوق و المواجب ظاهرة فی معاملاتهم و قول من الحقّ بعید و شنآن للغریب و الطارئ علیهم عظیم شدید لا یألفون و لا یؤلّفون آخذین لذلک عن حاضرتهم لأنّهم أیضا فی بغض التجّار و الغرباء المجهّزین بمنزلة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 131
لیست لجیل من أجیال العالم الجفاة و لا فی أهل الجبال الأجلاف الجساة مع قوام مصالحهم بالجلّابین و فقرهم و فاقتهم الی المسافرین لأنّها جزیرة لم تختصّ بوجه من فضائل البلدان غیر القمح و الصوف و الشعر و الخمر و صبابة من القند الی شی‌ء من ثیاب الکتّان و الحقّ فیها أحقّ أن یتّبع فإنّه لا نظیر لها جودة و رخصا و یباع مستعملها ممّا یقطع قطعین من الخمسین رباعیّا الی ستّین رباعیّا فیزید علی ما یشتری من أمثاله بمصر بالخمسین و الستّین دینارا کثیرا، و جمیع ما تقع الیه الضرورات و تدفع الحاجة الیه من سائر الطلبات بحلوب الی بلدهم و محمول الی جزیرتهم، و قد جمعت مع فساد عقول أهلها و أدیانهم فساد التربة و القمح و الحبوب و لا یحول الحول علیها عندهم إلّا و قد فسدت و ربّما ساست فی الأنادر قبل دخول المطامیر و الأهراء و لیس یشبه و سخهم فی دورهم وسخ أقذار الیهود و لا ظلمة منازلهم و سوادها سواد الأتاتین و الأفران و أجلّهم منزلة یسرح الدجاج علی مقعده و تذرق الطیور علی مصلّاه و مخدّته، (16) و هذه جمل من أوصاف المغرب و ما استقلّ به ممّا یضاف الیه و یقع فی جملته،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 132

[مصر]

(1) فأمّا مصر فلها حدّ یأخذ من بحر الروم من الإسکندریّة و یزعم قوم من برقة فی البرّیّة حتّی ینتهی الی ظهر الواحات و یمتدّ الی بلد النوبة [39 ظ] ثمّ یعطف علی حدود النوبة من حدّ اسوان علی أرض البجة فی قبلیّ اسوان حتّی ینتهی الی بحر القلزم ثمّ یمتدّ علی بحر القلزم [و یجاوز القلزم الی طور سینا و یعطف علی تیه بنی إسرائیل مارّا الی بحر الروم] فی الجفار خلف العریش و رفح و یرجع علی الساحل مارّا علی بحر الروم الی الإسکندریّة و یتّصل بالحدّ الذی قدّمت ذکره من نواحی برقة، (2) و ما فی بطن هذه الصفحة صورة مصر، [39 ب] إیضاح ما یوجد فی القسم الأوّل من صورة مصر من الأسماء و النصوص، قد صوّر بحر القلزم موازیا لطرف الصورة الفوقانیّ و علی هذا البحر من طرفه الأیسر مدینة القلزم، ثمّ کتب تحت خطّ الساحل هذه الدیار للبجه و نزلت علیهم أحیاء ربیعة و مضر و صاهر رؤسآء ربیعة أکابر البجة و خالطوهم فهی مشحونة بقبائل الجمیع و أعزّ القوم ربیعة و عن یمین هذا النّص مدینة العلاقی، ثمّ تحت الکتابة المذکورة و موازیا لسلسلة الجبل هذا جبل المقطّم و یمتدّ الی بلد الحبشه و یقطع بلد النوبه فی عمارات دنقله و علوه، و من أسفل الجبل مع خطّه بهذه الناحیة رمل أحمر و أبیض غزیر کثیر یتّصل برمل الجفار و یشقّه النیل فیتّصل من غربیّ النیل برمال نفزاوه و یمرّ بظاهر سجلماسه الی اودغست، ثمّ تحت ذلک نواحی اهریت و شرونه و بیاض و صول و البرنیل، و صوّر نهر النیل فی وسط الصفحة و کتب علی کلّ واحد من جانبیه الصعید تربط الکتابتان بکلمة بلد فمعناها بلد الصعید، و ذکر علی جانب النیل الأعلی من المدن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 133
ابتداء من الیمین اسوان، المحدثه، قوص، اخمیم، انصنا، اتفیح، اسکر، الحی، الحرس، حلوان، الفسطاط ثمّ شکلا مدینتین لا اسم فیهما، و علی جانب النیل المقابل قریه، اتفو ، اسنا، ارمنت، هو، البلینا، بوتیج ، اسیوط، منساره، الاشمونین، طحا، القیس، سمسطا، دلاص، اهناس، اطواب، الجیزه ، و بین الفسطاط و الجیزة فی النیل الجزیره و عند الجیزة مثلّثان مکتوب فیهما هذان الهرمان، و علی شاطئ خلیج النیل الذی یتشعّب بین منساره و الاشمونین راجعا الی النیل بین اهناس و اطواب من المدن طوفه، البهنسه، اللاهون ، بوصیر قوریدس، و یتشعّب من هذا الخلیج عند اللاهون شعبة علی جانبیها الفیوم، و کتب بین الفیوم و الهرمین هذه بحیرة اقنی و تنهمت و تمتدّ مسیرة یومین فی وسط جبال رمل أصفر و بها من الطیر فی الشتاء ما لیس بمکان ما یدانیه و لا یقاربه، ثمّ من أسفل النیل فی یمین الصورة ناحیة الواحات و تحت ذلک مساکن بنی هلال، و کتب تحت السلسلة الجبلیّة الموازیة لطرف الصورة التحتانیّ هذا جبل الواحات یمتدّ من بحیرة اقنی علی النیل الی أن یصل الی جبل القمر و جلّه عامر، [40 ظ] إیضاح ما یوجد فی القسم الثانی من صورة مصر من الأسماء و النصوص، یقرأ فی طرف الصورة الفوقانیّ هذه صورة مصر و ینطبق ذلک أیضا علی القسم الأوّل من الصورة، و کتب فی النصف الأعلی من الصورة الحوف و فی النصف الأسفل الریف، و یتشعّب النیل وسط طرف الصورة الأیمن شعبتین و بینهما مدینة شطنوف، و علی الجانب الأیمن من الذراع الآخذة الی الأعلی من المدن دجوه، ینها العسل، تفهنه، القنطره و کتب عند منتهاها خلیج سردوس یحفّ، و تأخذ من هذه الذراع شعبتان الی الأیسر تبدأ الأولی من عند تنوهه و الأخری من عند صهرجت و بین هاتین الشعبتین من المدن زفتا جواد، سند بسط، تطابه، و عن یسار صهرجت علی شعبتها اشیه و عند منتهی الشعبة الآخذة من اشیه الی الیسار کتب خلیج دقدوس، و عن یسار تنوهه علی شعبتها مدینة مخنان و تأخذ تجاه مخنان شعبة علیها أوّلا تطایه المتقدّم ذکرها ثمّ دمسیس من جانبیها ثمّ فی الجانب الأعلی تنا، ابو صیر، سمنود، اوش و فی الجانب الأسفل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 134
طلخا ، قجنجیمه، دمیره و أوّل اسم دمیره فی الجانب الآخر من ذراع تنوهه، و بین مخنان و دمیره فی الجانب الأعلی محلّة شرقیون و فی الجانب المقابل ملیج، زمزور، و علی ظهر الشعبة المحیطة بهاذین البلدین من الأسفل طوخ، محلّة روح، و تأخذ تجاه دمیره شعبة الی الیسار فتجتمع مع شعبة أخری تبدأ من عند دقهله علی العمود و کتب بین الشعبتین خلیج دقهله ، و بحذاء دقهله کتب من أسفل العمود نواحی البرمونات و عن یسار ذلک من المدن شارم ساح، شارم بارم، بوره، ثمّ تأخذ من العمود شعبتان إحداهما الی الأسفل الی نقیزه و کتب عند هذه الشعبة خلیج زعفران و الأخری کتب عندها اشتوم دمیاط و بینها و بین العمود دمیاط ثمّ علی البحر شطا، و عند شطا فی البحر جزیرة تنیس، و عن یمین الذراع الآخذة من شطنوف الی الأسفل من المدن ذات الساحل، ابو یحنس ، ترنوط تقابلها ترنوط مرّة ثانیة ثمّ بستامه ، طنوب ثمّ بعد عطف الذراع الی الیسار شابور، محلّة نقیده، دنشال، قرطسا، شبروا ابو مینا، قرنفیل، الکریون و هی من جانبی الذراع ثمّ قریة الصیر، الاسکندریه و هی من الجانبین و فوق الإسکندریّة علی ساحل البحر اجنا، و دون شطنوف عن یسار هذه الذراع الجریسیات و بعد الجریسیات تأخذ شعبة الی الیسار و علی جانبها الأعلی من المدن شبروالاو، منوف، تتا ، فیشه بنی سلیم، البنداریه، محلّة المحروم، صا، دیای، الصافیه، دمی جمول ، سندیون ، فوه، دسیو، نطویه الرمان، و علی الطریق من شطنوف الی صا من المدن سبک العبید، منوف العلیا، محلّة صرد، صخا، شبرلمته ، ثمّ من أسفل الشعبة الآخذة من عند شبروالاو طنتتا، قلیب العمال، ببیج ، و تلیها شعبة الی الأسفل ثمّ محلّة ببیح ، فرنوه، محلّة مسروق، محلّة ابی خراشه، فیشه، سندبیس، سنباذه، بلهیب، دیروط، محلّة الامیر، محلّة بوله، و کتب فی الجزیرة بین شعبتی صا و محلّة ببیج سنهور ، [لم أجد سبیلا الی إیراد صورة مصر فی صفحة واحدة فأثبتّها فی صفحتین
صورة الأرض، ج‌1، ص: 135
و الصورة الأولی صورة الصعید من اسوان الی الفسطاط و شطنوف عند انفصال النیل منها و الثانیة من انفصال النیل فی خلیجین أحدهما یأخذ من شرقیّ شطنوف الی تنّیس و أعمال دمیاط و الآخر عن غربیّ شطنوف آخذا الی رشید من ساحل الإسکندریّة،] (3) [40 ب] مصر اسم للإقلیم و قد ذکرت حدوده و هو قدیم جلیل عظیم جسیم العائدة فی سالف الزمان و إن قصر عن ذلک فی آنفه فلوجوه منها أنّه کان قدیما قعدد الملک یسکنه عظام الفراعنة و کبار الجبابرة کمصعب بن الولید فرعون موسی و الولید بن مصعب فرعون یوسف و من کان بین عصریهما من أکابر الفراعنة، و وجدتّ بخطّ أبی النمر الورّاق فی أخبار أبی الحسین الخصیبیّ قال حدّثنی أبو خازم القاضی قال قال لی أبو الحسن بن المدبّر لو عمرت مصر کلّها لوفت بأعمال الدنیا، و قال تحتاج مصر الی ثمنیة و عشرین ألف ألف فدّان و إنّما یعمر منها ألفا ألف فدّان، قال و قال له أنّه کان یتقلّد الدواوین بالعراق یرید دیوان المشرق و المغرب قال و لم أبت قطّ لیلة من اللیالی و علیّ عمل أو بقیّة منه و تقلّدت مصر فکنت ربّما بتّ و قد بقی علیّ شی‌ء من العمل فأستتمّه إذا أصبحت، قال و قال له أبو خازم القاضی جبا عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطّاب رضی الله عنه اثنی عشر ألف ألف دینار فصرفه عنها عثمن بعبد الله بن أبی سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف دینار فقال عثمن لعمرو أبا عبد الله علمت أنّ اللقحة درّت بعدک فقال نعم و لکنّها أجاعت أولادها، و قال أبو خازم إنّ هذا الذی جباها عمرو و عبد الله ابن أبی سرح إنّما کان من الجماجم خاصّة دون الخراج و غیره قال فاستثبتّه فی ذلک فقال هذا الصحیح عندنا، و بها الهرمان اللذان لیس علی وجه الأرض لهما نظیر فی ملک مسلم و لا کافر و لا عمل و لا یعمل کهما
صورة الأرض، ج‌1، ص: 136
و قرأ بعض بنی العبّاس علی أحدهما إنّی قد بنیتهما فمن کان یدّعی قوّة فی ملکه فلیهدمهما فالهدم أیسر من البناء فهمّ بذلک و أظنّه المأمون أو المعتصم فإذا خراج مصر لا یقوم به یومئذ و کان خراجها علی عهده بالإنصاف فی الجبایة و توخّی الرفق بالرعیّة و المعدلة إذا بلغ النیل سبع عشرة ذراعا و عشر أصابع أربعة آلف ألف دینار و مائتی ألف و سبعة و خمسین ألف دینار و المقبوض علی الفدّان دینارین بعین ایین فأعرض عن ذلک و لم یعد فیه شیئا، (4) و لمصر عادة و سنّة لم تزل مذ عهد فراعنتها فی استخراج خراجها و جبایة أموالها و اجتلاب قوانینها و ذلک أنّه لا یستتمّ استیفاء الخراج من أهلها إلّا عند تمام الماء و افتراشه علی سائر أرضها و تطبیقها و یقع إتمامه فی شهر توت، فإذا کان ذلک و ربّما کانت زیادة علی ذلک أطلق الماء فی جمیع نواحیها من ترعها ثمّ لا یزال یترجّح فی الزیادة و النقصان الی حین طلوع الفجر بالسماک و هو لثمان تخلو من شهر بابه فإذا انحسر الماء وقعت باکورة البذور بالأقراط و الکتّان و الحبوب و القرط الرطبة، و ببابه یتکامل ریّ الأرض عند ثمان تخلو منه و قد لا یستتمّ الماء فیه فیعجز بعض الأرض عن أن یرکبها الماء فیرزح الخراج عن الکمال، و بهاتور یبتدأ فی الحرث و یحصد الأرزّ و یکون الزرع البذریّ فی أکثر نواحیهم و ضیاعهم، و بکیهک یزرع فیه [41 ظ] من أوّله الی آخره الزروع المتأخّرة و لا یزرع بعده فی شی‌ء من أرض مصر غیر السمسم و المقاثی و العطب، و بطوبه یطالب الناس بافتتاح الخراج و محاسبة المتقبّلین علی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 137
الثمن من السجلّات من جمیع ما بأیدیهم من المحلول و المعقود، و بأمشیر یؤخذ الناس فیه بإتمام ربع الخراج من السجلّات، و ببرمهات یطلب الناس فیه بالربع الثانی و الثمن من الخراج و یزرع قصب السکّر و ما یشبهه، و ببرموده تقع المساحة علی أهل الأعمال و یطالب الناس بإغلاق نصف الخراج عن سجلّاتهم و یحصد بذریّ الزرع، و ببشنس تقرّر المساحة و یطالب الناس بما یضاف الی المساحة من أبواب وجوه المال کالصرف و الجهبذة و حقّ المراعی و القرط و الکتّان علی رسوم کلّ ناحیة و یستخرج فیه إتمام الربع ممّا تقرّرت علیه العقود و المساحة و یطلق الحصاد لجمیع الناس، و بونه یستخرج فیه بتمام نصف الخراج ممّا بقی و لم یوزن بعد المساحة، و بابیب یستتمّ فیه ثلثة أرباع الخراج و هو أصل زیادة ماء النیل و یکون ضعیفا و فیه یزرع الأرزّ بالفیّوم و یحصد فی هاتور وکیهک، و مسری یغلق فیه الخراج و فیه جمهور زیادة ماء النیل و فی ذین المشهّرین تتأخّر البقایا علی دقّ الکتّان لأنّه یسلّ فی توت و یدقّ فی بابه، و إذا أطلق ماء النیل شرب منه من یمشارق الفرما من ناحیة جرجیر و فاقوس من خلیج تنّیس و مغائضه و شرب من خلیج الإسکندریّة و ما یفیض منه [من] بناحیة النقیدیّة و ارسنیس و زرع علیه أهل الباطن و أهل البحیرة فی فجاج و أودیة فیکون ذلک لماصلة قبیل من زناتة و رمجانة و بنی بزال و قبائل البربر و استوفی منهم الخراج، و بین المکانین مسیرة شهر عمران فی محلول و معقود و لیس کهذه الحال تجری أحوال الخراجات بسائر أصقاع الأرض لأنّ النیل إنّما یأتیهم إذا حصلت الشمس فی الجوزاء و السرطان بإمطار بلد السودان فی بلد الجنوب علی مسافة شهور من أرض مصر و أکثر ما یصل أهل مصر بعضهم الی بعض عند زیادة النیل فی المراکب لأنّ الماء یحجب بإحاطته أکثر مدنها و ضیاعها و یستولی علیها فی جمیع أراضیها فطرقات بعضهم الی بعض فی الماء بالمراکب،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 138
(5) و للفسطاط طریق علی الظهر فی البرّ الی الإسکندریّة من جانب الصحراء و قد ذکرته فی صفة المغرب و مراحله علی ذات الساحل الی ترنوط، و لها طریق آخر إذا نضب الماء یأخذ بین المدائن و الضیاع و ینزل فی کرائم المدن و ذلک إذا أخذت من شطنوف الی سبک العبید فهو منزل فیه منبر لطیف و بینهما اثنا عشر سقسا و من سبک العبید الی مدینة منوف و هی کبیرة فیها حمّامات و أسواق و بها قوم تنّاء و فیهم یسار و وجوه من الناس منهم جابر المنوفیّ لا رضی الله عنه و لها إقلیم عظیم و عمل یلیه عامل جسیم و بینهما ستّة عشر سقسا، و من منوف الی محلّة صرد منبر فیه [حمّام] و فنادق [41 ب] و سوق صالح ستّه عشر سقسا، و من محلّة صرد الی صخا مدینة کبیرة ذات حمّامات و أسواق و عمل واسع و إقلیم جلیل له عامل بعسکر و جند و کثرة أصحاب و له غلّات و به الکتّان الکثیر و زیت الفجل الی قموح عظیمة ستّة عشر سقسا، و من صخا الی شبرلمنه مدینة کبیرة بها جامع و أسواق صالحة ستّة عشر سقسا، و من شبر لمنه الی مسیر مدینة لها جامع و أسواق کثیرة القمح و فنون الغلّات و بها عامل علیها للماء و قسمته ستّة عشر سقسا، و من مسیر الی سنهور مدینة ذات إقلیم کبیر و لها حمّامات و أسواق و عامل کبیر فی نفسه و کانت بها من النعم للکتّاب و الدهاقین فی ضروب الکتّان و القموح و قصب السکّر و غیر ذلک ما بلغنی أنّه قد تناقصت وقتنا هذا حالها فیما ذکرته و أذکره من سائر مدنها ستّة عشر سقسا، و من سنهور الی البجوم إقلیم مدینته باسمه عظیمة بها عامل علیها و عسکر [و جامع] و حمّامات و فنادق و أسواق واسعة ستّة عشر سقسا، و من البجوم الی نستراوه مدینة کانت حسنة و هی علی بحیرة البشمور و یحیط بها المیاه کثیرة الصیود من السموک و علیها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 139
قبالة کبیرة للسلطان و کان بها قوم میاسیر و یوصل الیها بالمعدّیات إذا زاد الماء و إذا نضب وصل الیها بالجسور عشرون سقسا، و من نستراوه الی البرلّس مدینة کثیرة الصید أیضا من هذه البحیرة و بها حمّامات و هی مدینة جمیلة الأمر عشر سقسات، و من البرلّس الی اجنا حصن علی شطّ البحر المالح فیه منبر و خلق کثیر و أسواق و رجال و صیّادون للصیر به حمّام عشر سقسات، و من اجنا الی رشید مدینة علی النیل قریبة من مصبّ فوّهته الی البحر و یعرف هذه الفوّهة و هی المدخل من البحر بالاشتوم ثلثون سقسا و کانت بها أسواق صالحة و حمّام و لها نخیل کثیرة و ارتفاع واسع و ضریبة علی ما یحمل من الإسکندریّة و یحمل الیها من متاع البحر الی سائر أسباب التجارة، و هذا الطریق الآخذ من شطنوف الی رشید ربّما امتنع سلوکه عند زیادة النیل لغلبة الماء و کثرته علی وجه الأرض فربّما أخذ بعض الطریق علی الظهر و بعضه فی المراکب و الماء و ربّما سلک من جهة البرّ علی ما قدّمت ذکره و وصفه فیما ابتدأت به فی صفة طریق المغرب من الفسطاط، (6) و قد ذکرت أنّ الماء الآخذ من شطنوف مغرّبا عن الماء الآخذ الی دمیاط و تنّیس یشرع الی ضیعة تعرف بالجریسیّات و هی مع شطنوف فی برّ واحد ذات منبر و بها سوق صالح و بینهما ستّة سقسات، و من الجریسیّات الی أبی یحنس قریة ینفصل من دونها الماء فی خلیجین آخرین أیضا عشر سقسات، فیجری أحدهما مغرّبا الی الإسکندریّة و یشرع علی ترنوط و هی جانبان متحاذیان علی الخلیج و بها منبر فی الجانب البحریّ منها و بیع کثیرة و فسیسون و رهبان و أسواق عامرة و حمّام و لها عامل بعسکر ذی عدّة و غلّات واسعة و بینهما عشر سقسات، [42 ظ] و یشرع
صورة الأرض، ج‌1، ص: 140
أیضا هذا الماء علی بستامه ضیعة عظیمة ذات منبر و أسواق کثیرة و بادیة تزید علی ألفی رجل و غلّاتهم واسعة و بینهما اثنا عشر سقسا، ثمّ یمضی الماء منها الی شابور مدینة کثیرة العبید و المقاتلة واسعة الغلّات فیها حمّام و عامل تحته خیل للحمایة ستّة عشر سقسا، و منها الی محلّة نقیده و هی ضیعة کبیرة عامرة بها منبر و عامل علیها و لها حمّام و ناحیة کبیرة و غلّات غزیرة و ضیاع برسمها و فی ضمنها [جلیلة ستّة عشر سقسا، و من محلّة نقیده الی دنشال بلد عامر فیه جامع و حمّام و کروم کثیرة و برسمه ضیاع جلیلة] و عمل مضاف الیها ستّة عشر سقسا، و من دنشال الی قرطسا و هو بلد کبیر فیه حمّام و منبر و برسمه ناحیة و ضیاع وافرة غزیرة فوق ما تقدّم ذکره ممّا بالمدن المضافة الیها الکور و الضیاع و بقرطسا کروم و فواکه غزیرة عظیمة و یجلب منها ستّة عشر سقسا، و من قرطسا الی شبرو ابو مینا ضیعة کبیرة بها جامع و خلق کثیر و بادیة و مزارع و غلّات واسعة اثنا عشر سقسا، و من شبرو ابو مینا الی قرنفیل ضیعة بها جامع و عمارة آهلة غنّاء اثنا عشر سقسا، و لها و برسمها ضیاع تعرف بالجابریّة تدخل فی صفقتها، و من قرنفیل الی برسیق ضیعة بها منبر و بیع و أسواق و لها کورة کبیرة اثنا عشر سقسا، و من برسیق الی الکریون مدینة کبیرة حسنة فیها جامع و حمّام و فنادق و کروم تجلب أعنابها الی الأماکن و برسمها کورة ذات ضیاع و هی جانبان علی خلیج الإسکندریّة و منها ترکب التجّار فی الصیف عند زیادة النیل الی مصر و لها عامل علیها و معه خیل و رجل ستّة عشر سقسا، و من الکریون الی قریة الصیر منهل فیه صیّادون للصیر ثمنیة سقسات، و من قریة الصیر الی الإسکندریة ثمنیة سقسات و هذه مسافات علی خلیج الإسکندریّة، (7) و أمّا الشعبة الخارجة تجاه ترنوط مشرّقة فتشرع الی شبروالاو
صورة الأرض، ج‌1، ص: 141
و هی ضیعة ذات ثلث حارات کبار کثیرة الأهل غزیرة السکّان بها حمّام و جامع و قاض و عامل و لها کورة جلیلة واسعة و من أبی یحنس الیها ستّة سقسات، و من شبروالاو الی منوف مدینة کبیرة عظیمة واسعة الغلّات و الخیرات و الکتّان و بها وال علیها و بها حاکم و حمّامات و جامع و أسواق کثیرة حسنة و کور عدّة برسمها واسعة ستّة عشر سقسا، و من منوف الی طنتتا ضیعة جلیلة حسنة عظیمة الأهل بها جامع و حمّام و لها ضیاع برسمها و عامل ذو عدّة و عتاد و فیها أسواق و جامع لطیف و لها موعد لسوق یقف بها فی کلّ جمعة أربعة عشر سقسا، و من طنتتا الی فیشة بنی سلیم ضیعة فیها حمّام و سوق و جامع و کورة مضافة الیها اثنا عشر سقسا، و من فیشة بنی سلیم الی البنداریّة ضیعة فیها جامع و أسواق و برسمها ضیاع و لها عامل و فیها حمّام طیّب عشرة سقسات، و من البنداریّة الی محلّة المحروم مدینة بها سلطان و شحنة لها و قاض [و خیل و رجل] و جامع و حمّام و أسواق [42 ب] عشرة سقسات، و من محلّة المحروم الی قلیب العمال و هی من الجانب الغربیّ عن الخلیج مدینة فیها جامع و حمّام و لها کورة ذات ضیاع و أسواق و بها حاکم و بها سلطان عشرة سقسات، و من قلیب العمال الی ببیج مدینة کبیرة فیها جامع و بیع کثیرة عامرة و دهاقین تجتبی جماجمهم و بها جامع و حاکم و سلطان و برسمها ضیاع کثیرة غزیرة عشرة سقسات، و بین ببیج و محلّة ببیج الخلیج الآخذ من بین شابور و محلّة نقیده و هما جانبان أیضا و ینفصل هذا الخلیج أیضا قطعتین فیشرع إحداهنّ الی فرنوه مغرّبة من ناحیة ببیج و محلّة ببیج و الأخری مشرّقة الی صا و صا هذه مدینة فیها جامع و بیع کثیرة و حاکم و سلطان و أسواق و حمّام و بها العین المعروفة بعین موسی علیه السلام و یقال أنّه سجن بها ستّة سقسات، و من صا الی دیّای ضیعة کبیرة فیها جامع و برسمها کورة ذات
صورة الأرض، ج‌1، ص: 142
ضیاع و عامل و حاکم و بیع و أحوالها متقاربة فی الزجاء عشرة سقسات، و من دیّای الی الصافیة ضیعة کبیرة کثیرة قصب السکّر و بها غیر معصرة للسکّر و بها جامع و بیع و حاکم و عامل و أسواق حسنة عشرة سقسات، و من الصافیة الی دمی جمول ضیعة کبیرة أیضا کثیرة قصب السکّر و المعاصر و عمل السکّر بها و القند و لها منبر و سوق و حاکم ستّة سقسات، و من دمی جمول الی سندیون ضیعة آهلة واسعة الغلّات و بها جامع و بیع و سوق و حاکم ثمنیة سقسات أو تزید قلیلا، و من سندیون الی بلهیب ستّة سقسات، و أمّا الشعبة الآخذة من ببیج و محلّة ببیج الی فرنوه فإنّ فرنوه منها علی نحر الماء و فی غربیّه و هی مدینة کثیرة البادیة و هی الغالبة علیها و بها جامع و سلطان و حاکم و بیع عداد و أسواق لا بأس بها و بینهما اثنا عشر سقسا، و من فرنوه الی محلّة مسروق مدینة لها کورة عظیمة فیها الموز الحسن الکثیر و الفواکه الواسعة و تجلب فواکهها الی الفسطاط و بها حمّام و جامع و بیع و حاکم و صاحب معونة خمسة عشر سقسا، و من محلّة مسروق الی محلّة أبی خراشة مدینة کثیرة الأسواق و بها جامع و حمّام و حاکم و صاحب معونة فی عسکر صالح و لها کورة ذات غلّات کثیرة ستّة سقسات و من محلّة أبی خراشة الی فیشة ضیعة فیها منبر و لها بادیة لا بأس بها اثنا عشر سقسا، و منها الی سندبیس ضیعة فسیحة کثیرة الدهاقین و البیع و الخنازیر صالحة الارتفاع خمسة عشر سقسا، و من سندبیس الی سنباذة ضیعة تشاکل سندبیس خمسة عشر سقسا، و منها الی بلهیب نحو عشرة سقسات، و یجتمع ببلهیب الخلیجان المتشعّبان من ببیج أحدهما آخذا علی فرنوه و الآخر علی صا قدّام بلهیب و هی مدینة کبیرة بها جامع [43 ظ] و هی علی ساحل الإسکندریّة فی الربیع و بها حاکم و صاحب
صورة الأرض، ج‌1، ص: 143
معونة و جامع و أسواق و لا حمّام بها و جمیع ما علی شطّی النیل من بلهیب الی رشید ضیاع لا منابر فیها و یطول ذکرهما، (8) و لمصر و أعمالها غیر کتاب مؤلّف مستوفی بصفات ضیاعها و جبایاتها و خواصّها و قد تغیّرت مذ وقت دخل المغاربة أرضها و رزحت من جمیع أسبابها و بقیت منها رسوم و بقایا دمن خالیة تشهد بما سلف فیها من الأمور الرفیعة العالیة، فلذلک حرّرت أوصافها و لم أستقص حالها، (9) و أمّا الشعبة الآخذة من شطنوف مشرّقة الی دمیاط و تنّیس فقد ذکرت بین أشکال مدنها مسافاتها و یستغنی بذلک عن إعادة لفظ فیه و تکریر قول منه و لو أمکن مثل ذلک فی جمیع هذه الخلجان لکان أجمل و أحسن و لمّا تعذّر و لم یمکن فیه إعادة ذکره بالکلّیّة اقتصرت علی المشهور المعروف حسب ما توخّیته من ذکر سواد کلّ بلد و ریف کلّ ناحیة و وصفها جملة غیر مفصّلة بعد تصویر مدنها و بقاعها و طرقها موصّلة و مفصّلة إذ کان ذلک القصد و البغیة، و لمّا کان العلم بکلّیّته بإزاء قوی أبناء البشر بکلّیّتهم فلن یبلغ الإنسان الواحد منه بجزئیّة إلّا قدر ما اقتضته سعادته، (10) فأمّا ما یحیط بجمیع مصر من الحدّ المشتمل علیها فقد تقدّم ذکره فی غیر مکان و من القلزم الی أن تعطف علی التیه بساحل البحر ستّ مراحل و من حدّ التیه الی أن تتّصل ببحر الروم نحو ثمانی مراحل و یمتدّ الحدّ علی البحر الی أوّل الحدّ الذی ذکرته نحو اثنتی عشرة مرحلة، (11) و من الرملة الی مدینة الفسطاط إحدی عشرة مرحلة فمن ذلک
صورة الأرض، ج‌1، ص: 144
أن تخرج من الرملة الی ابنی مدینة نصف مرحلة و منها الی یزدود مدینة أیضا قصدة تمام مرحلة و من یزدود الی غزّة مدینة حسنة کثیرة الخیر و لها ربض مرحلة و منها الی رفح مدینة صالحة و جامع حسن مرحلة، و من رفح الی العریش مدینة ذات جامعین مفترقة المبانی و الغالب علیها الرمل و هی قریبة من الساحل و لها فواکه و ثمار حسنة مرحلة، و ذکر عبد الله بن عبد الحکم الفقیه صاحب الکتب المؤلّفة أنّ الجفار بأجمعه کان أیّام مصعب بن الولید فرعون موسی فی غایة العمارة بالمیاه و القری و السکّان و أنّ قول الله تعالی و دمّرنا ما کان یصنع فرعون و قومه و ما کانوا یعرشون [عن هذه المواضع] و أنّ العمارة کانت متّصلة منه الی الیمن قال و لذلک سمّیت العریش عریشا، و من العریش [الی] الورّادة منزل قریب الحال مرحلة، و من الورّادة الی البقّارة قریة مرحلة، و من البقّارة الی الفرما مدینة صالحة علی نحر بحر الروم کثیرة النخیل و الرطب و السمک غیر طیّبة الماء یردها التجّار فی البرّ و البحر لیلا و نهارا [43 ب] من الفسطاط و الشأم لأنّها علی الطریق مرحلة و سابلتها غیر منقطعین، و من الفرما الی جرجیر مرحلة و هی مدینة، و من جرجیر الی فاقوس مدینة صالحة أیضا مرحلة و ربّما لم یمکن السائر الی جرجیر السیر من فاقوس فسار من الفرما الی الهامة الی بلبیس و بلبیس مدینة أیضا مرحلة، و منها الی الفسطاط مرحلة، (12) و طول أرض مصر من اسوان الی بحر الروم نحو عشرین مرحلة فمن ذلک أنّ من اسوان الی اتفوا أربعة أبرد و نصف و من اتفوا الی اسنی بریدان و من اسنی الی ارمنت بریدان و من ارمنت الی قوص برید
صورة الأرض، ج‌1، ص: 145
و نصف و من قوص الی البلینا أربعة أبرد و نصف و من البلینا الی اخمیم برید و نصف و من اخمیم الی قاو بریدان [و من قاو الی اسیوط برید و من اسیوط الی منسارة بریدان] و من منسارة الی الاشمونین بریدان و هی تجاه انصنی، و من الاشمونین الی طحا بریدان فی الحاجر، و من طحا الی مصر عشرة أبرد [ثمّ ترکب فی السفینة الی أیّ موضع و بلدة ترید فإنّ طرقاتهم فی الماء بالمراکب]، (13) و علی النیل مضیقان بین جبلین قد قطع کلّ واحد منهما لیستمرّ الماء فی طریقه أحدهما بین اسنی و ارمنت لصیق القریة المدعوّة قریة القسّ و قد خربت و المضیق الثانی یعرف بالحنس علی ثلثة أبرد من اسوان الی أسفل منها و بینه و بین اتفوا برید و نصف، و بالنیل موضعان یعرفان بالجنادل أحدهما فوق اسوان بثلثة أمیال فی حدّ الإسلام و هو جبل قطع أیضا لطریق الماء و ترک ما قطع منه علی غایة الوعورة فالماء یتسرّب فیه بین أحجار عظام لا تقدر المراکب أن تسیر فیه لوعورته و إذا جاءته حملت فی البرّ متاعها الی أن تلحق بمسیل الماء المستقیم و مقداره رمیتا سهم و بینه و بین آخر حدّ الإسلام ثلثة أمیال و کأنّه ترک ردءا لمن قصد بلد العدوّ أو ردءا لمن أراد مصر من ناحیة العدوّ، و الجنادل الثانی بالقرب من دنقله و یسمع صوت الماء و جریه فیها لیلا و نهارا علی أمیال کثیرة، (14) و من صفات مدنها و بقاعها أنّ مدینتها العظمی تسمّی الفسطاط و هی علی شمال النیل لأنّه یجری فی نحوها بین المشرق و الجنوب و هی مدینة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 146
حسنة ینقسم لدیها النیل قسمین فیعدی من الفسطاط الی عدوة أولی فیها أبنیة حسنة و مساکن جلیلة تعرف بالجزیرة و یعبر الیها بجسر فیه نحو ثلثین سفینة و یعبر من هذه الجزیرة علی جسر آخر الی القسم الثانی کالجسر الأوّل الی أبنیة جلیلة و مساکن علی الشطّ الثالث تعرف بالجیزة، و الفسطاط مدینة کبیرة نحو ثلث بغداذ و مقدارها نحو فرسخ علی غایة العمارة و الخصب و الطیبة و اللذّة ذات رحاب فی محالّها و أسواق عظام و متاجر فخام و ممالک جسام الی ظاهر أنیق و هواء رقیق و بساتین نضرة و متنزّهات علی مرّ الأیّام خضرة، و بالفسطاط قبائل و خطط للعرب تنسب الیها محالّهم کالکوفة و البصرة إلّا أنّها أقلّ من ذلک فی وقتنا هذا و قد باد أکثرها بظاهر المعافر و هی سبخة الأرض غیر نقیّة التربة، و الدار تکون بها طبقات سبعا و ستّا و خمس طبقات و ربّما سکن فی الدار المأئتان من الناس، و بالفسطاط دار [44 ظ] تعرف بدار عبد العزیز بن مروان و کان یسکنها و یصبّ فیها لمن فیها فی کلّ یوم عهدنا هذا أربع مائة راویة ماء و فیها خمسة مساجد و حمّامان و غیر فرن لخبز عجین أهلها، و معظم بنیانهم بالطوب و أکثر سفل دورهم غیر مسکون، و بها مسجدان لصلاة الجمعة بنی أحدهما عمرو بن العاص فی وسط الأسواق و الآخر بأعلی الموقف بناه أبو العبّاس أحمد بن طولون، و کان خارج مصر أبنیة بناها أحمد بن طولون مساحتها میل فی مثله یسکنها جنده تعرف بالقطائع کبناء بنی الأغلب خارج القیروان لرقّادة و قد خربا جمیعا فی وقتنا هذا و رقّادة أشدّ تماسکا و صلاحا، و قد استحدثت المغاربة بظاهر مصر مدینة سمّتها القاهرة استحدثها جوهر صاحب أهل المغرب عند دخوله الی مصر لجیشه و شمله و حاشیته و قد ضمّت من المحالّ و الأسواق و حوت من أسباب القنیة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 147
و الارتفاق بالحمّامات و الفنادق الی قصور مشیدة و نعم عتیدة و قد أحدق بها سور منیع رفیع یزید علی ثلثة أضعاف ما بنی بها و هی خالیة کأنّها ترکت محالّا للسائمة عند حصول خوف، و بها دیوان مصر و مسجد جامع حسن نظیف غزیر القوّام و المؤذّنین و قد ابتنت بعض نساء أهل المغرب جامعا آخر بالقرافة موضع بظاهر مصر کان مساکن لقبائل الیمن و من اختطّ بها هناک قدیما عند فتحها و هو من الجوامع الفسیحة الفضاء الرائعة البناء أنیق السقوف یهیّ المنظر، و بالجزیرة و الجیزة أیضا جامعان آخران دون جامع القرافة فی نبله و حسنه، (15) و بمصر نخیل کثیرة و بساتین و أجنّة صالحة و تمتدّ زروعهم بماء النیل من حدّ اسوان الی حدّ الإسکندریّة و الباطن و یقیم الماء فی أرضهم بالریف و الحوف منذ امتداد الحرّ الی الخریف و ینضب علی ما قدّمت ذکره فیزرع و لا یحتاج الی سقی و لا مطر من بعد ذلک، و أرض مصر لا تمطر و لا تثلج، و لیس بأرض مصر مدینة یجری فیها الماء من غیر حاجة الی زیادة النیل إلّا الفیّوم و الفیّوم اسم الإقلیم و بالفیّوم مدینة وسطة ذات جانبین تعرف بالفیّوم و یقال أنّ یوسف النّبیّ علیه السلام اتّخذ لهم مجری وزنه لیدوم لهم دخول الماء فیه و قوّمه بالحجارة المنضّدة و سمّاه اللاهون ، (16) و ماء النیل فلا یعلم أحد مبتدأه و ذلک أنّه یخرج من مفاوز وراء أرض الزنج لا تسلک حتّی ینتهی الی حدّ الزنج و یقطع فی مفاوز النوبة و عماراتهم فیجری لهم فی عمارات متّصلة الی أن یقع فی أرض مصر، [قال کاتب هذه الأحرف زعم مؤلّف الکتاب أنّ النیل لا یعلم أحد مبتدأه و أنّه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 148
یخرج من مفاوز وراء بلاد الزنخ و قد رأیت فی رسالة جغرافیا أنّ مبدأ النیل بطیحتان مدوّرتان یصبّ الی کلّ واحدة خمسة أنهار من جبل القمر و یخرج من هاتین البطیحتین من کلّ واحدة أربعة أنهار الی بطیحة مدوّرة فی الإقلیم الأوّل قطرها جزآن و مرکزها عند طول نج و العرض من الإقلیم الأوّل ب لآ ثمّ یخرج من هذه البطیحة نهر هو نیل مصر و یصبّ الیه نهر یجری من عین یخرج من خطّ الاستواء عند طول نط لآ و یأتی الی قرب من بلد النوبة فینقسم قسمین یصبّ أحدهما الی النیل عند طول نج لآ و العرض عند یو لآ فی الإقلیم الأوّل و الثانی مصبّه فی الإقلیم الثانی عند طول نج لآ و عرض یح لآ ثمّ یمتدّ و لا یزال ینعطف انعطافات کثیرة لیس هذا موضع شرحها حتّی یأتی الی اسوان ثمّ یمرّ الی مصر مماسّا لها عند طول ند لآ و العرض کط لآ ثمّ یتفرّق من مصر فی سبعة خلجان الی البحر الأوّل الی الإسکندریّة عند طول نا م و الآخر عند طول نج لآ و الثالث عند طول نج ل و الرابع عند طول نج م و الخامس عند نج نه و السادس عند طول ندک و السابع عند طول ند ل کما نصوّره فی الصفحة الأخری من هذه الورقة و الله الموفّق،] و هو نهر یکون عند امتداده أکبر من دجلة و الفرات إذا اجتمعا و ماؤه أشدّ عذوبة و حلاوة و بیاضا من سائر أنهار الإسلام [و هو متّصل بالبرّیّة التی لا تسلک لجنّها] ، و ذکره بطلمیوس فی کتاب جغرافیّا فلم یعز أصله الی مکان، و یکون فیه التماسیح و السقنقور و سمکة تعرف بالرعّادة لا یستطیع أحد أن یقبض علیها و هی حیّه حتّی ترتعش یده و تسقط منها فإذا ماتت فهی کسائر السمک، و التمساح دابّة [44 ب] من دوابّ الماء مستطیل الذنب و الرأس و رأسه نحو نصف طول ذنبه و له أنیاب لا تقبض بها علی دابّة ما کانت من سبع أو جمل إلّا مدّه فی الماء و له علی کلّ شی‌ء سلطان إلّا الجاموس فإنّه لا قوام له بالکبیر منها و یخرج من الماء فیمشی فی البرّ و یقیم فیه خارج الماء الیوم و اللیلة و نحو ذلک و لیس سلطانه فی البرّ کسلطانه فی الماء و قد یتضرّی بعضها فی البرّ علی الناس فیکون من جاوره معه فی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 149
إیضاح ما یوجد من الأسماء و النصوص فی صورة النیل المرسومة فی الورقة 13 ب من نسخة حب، قد رسم فی أعلی الصورة جبل القمر و من أسفله البطیحة الأولی و البطیحة الثانیة ثمّ تحت البطیحتین خط مستقیم افقیّ کتب عنده خطّ الاستواء، و فی الساحة تحت هذا الخطّ کتب الإقلیم الأوّل و فیه کلمتا بطیحة و خلیج، و یلی ذلک الی الأسفل خطّ ثان کتب علیه مدینة النوبه و فی الساحة تحت هذا الخطّ الإقلیم الثانی و فیه من الأسماء الجنادل و اسوان، و من أسفل ذلک خطّ ثالث کتب فی الساحة تحته الإقلیم الثالث و فیه من الأسماء مصر، جزیره، الجیزه، الاسکندریه، و فی أسفل الصورة فی الزاویة الیمنی البحر المالح،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 150
أذیّة حتّی یحتال فی قتله و له جلد لا یعمل فیه شی‌ء من السلاح إلّا تحت إبطیه و باطن فخذیه، و السقنقور صنف یتولّد منه و من السمک فلا یشاکل السمک لأنّ له یدین و رجلین و لا التمساح لأنّ ذنبه أجرد أملس غیر مضرّس و ذنب التمساح مسیّف مضرّس و یتعالج بشحم السقنقور للجماع و لا یکون بمکان إلّا فی النیل [من حدّ اسوان] أو بنهر مهران من أرض الهند و السند و کذلک التمساح، و کانت مدینة اسوان ثغرا علی النوبة قدیما إلّا أنّهم الیوم مهادنون، (17) و بصعید مصر من جنوب النیل معدن الزبرجد فی برّیة منقطعة عن العمارة و یکون من حدّ جزائر بنی حدان الی نواحی عیذاب و هی ناحیة للبجة و قوم من العرب من ربیعة و لیس بجمیع الأرض معدن للزمرّد غیره و فی شمال النیل جبل یمتدّ علیه الی الفسطاط یعرف بالمقطّم فیه و فی نواحیه حجر الخماهن و شی‌ء من البلّار و تحادّه ناحیة الزمرّد و یمتدّ هذا الجبل الی أقاصی بلد السودان و فیه بنواحی مصر قبر محمّد بن إدریس الشافعیّ الفقیه رحمه الله فی جملة المقابر التی فی سفحه لأهل مصر و یقال أنّه دفن بها من الأنبیاء یوسف و یعقوب و الأسباط و موسی و هرون و بها ولد عیسی علیه و علیهم السلم بکورة اهناس و لم تزل نخلة مریم [تعرف] باهناس الی آخر أیّام بنی أمیّة، (18) و من مشاهیر مدنها و عجیب آثارها الإسکندریّة و هی مدینة علی نحر بحر الروم رسومها بیّنة و آثار أهلها ظاهرة تنطق عن ملک و قدرة و تعرف عن تمکّن فی البلاد و سموّ و نصرة و تفصح عن عظة و عبرة کبیرة الحجارة جلیلة العمارة و بها من العمد العظام و أنواع الأحجار الرخام الذی لا تقلّ القطعة منه إلّا بألوف ناس قد علقت بین السماء و الأرض علی فوق المائة ذراع ممّا یکون الحجر منها فوق رؤوس أساطین دائر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 151
الاسطوان منها ما بین الخمس عشرة ذراعا الی عشرین ذراعا و الحجر فوقه [عشر أذرع] فی عشر أذرع فی سمک عشر أذرع بغرائب الألوان و بدائع الأصباغ،
فلو سئلت عن أهلها لرأیتهامخبّرة من حالهم بالعظائم،
و لها طرقات مفروشة بأنواع الرخام و الحجر الملوّن و فی بیعها عمد لصفاء صقاله و حسن ألوانه یبین کالزمرّد الأخضر و کالجزع الأصفر منه و الأحمر و جلّ أبنیتها بالعمد المسمّر و منه شی‌ء علی قضبان نحاس قد دبّر بأنواع أخلاط لئلّا یغیّره الزمان و تحت الأسطوانة منه الثلاثة سرطانات نحاس و أربعة و الاسطوانة فی الهواء علیها ضروب الصور المعروفة و المجهولة، [و فیها المنارة المشهورة المبنیّة بالحجارة المرکّبة المضبّبة بالرصاص] [45 ظ] و لیس بجمیع الأرض لمنارتها نظیر یدانیها أو یقاربها فی أشکالها و مبانیها و عجائبها و معانیها تشتمل علی آیة بیّنة و یستدلّ بها علی مملکة کانت قاهرة لملک عظیم ذی حال جسیم و سلطان عقیم، و هی المنارة المشهورة فی جمهور الأرض أخبارها التی جمیع العامّة و الخاصّة من أهل الدرایة مجمعون علی أنّ مؤسّسها اخترعها لرصد الفلک و أدرک ما أدرکه من علم الهیئة بها و فیها و جمیع ما أخبر به من حال الفلک فإنّما حصل له و لمن خلفه بانکشاف فضائها وسعة سمائها و قلّة أبخرة صحرائها لأنّ لکلّ ارض سرابا علی مقدارها و لیس لها سراب و سمکها کان یزید علی ثلثمائة ذراع فوقعت منه قبّة عظیمة کانت رأس المنارة لطول العهد لا کما یدّعی المحالیّون فی حماقات و رقاعات مصنّفة أنّها بنیت لمرآة کانت فیها یری سائر ما یدخل الی بحر الروم من درمون حمّال الی شلندی مستعدّ للقتال و یزعم قوم أنّ بانیها و بانی الهرمین ملک واحد و یروی آخرون غیر ذلک، (19) و من حدّ الفسطاط فی غربیّ النیل أبنیة عظام یکثر عددها مفترشة فی سائر الصعید یدعی الأهرام، و لیست کالهرمین اللذین تجاه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 152
الفسطاط و علی فرسخین منها ارتفاع کلّ واحد منهما أربع مائة ذراع و عرضه کارتفاعه مبنیّ بحجارة الکذّان التی سمک الحجر و طوله و عرضه من العشر الأذرع الی الثمان حسب ما دعت الحاجة الی وضعه فی زیادته و نقصه و أوجبته الهندسة عندهم لأنّهما کلّما ارتفعا فی البناء ضاقا حتّی یصیر أعلاهما من کلّ واحد مثل مبرک جمل و قد ملئت حیطانهما بالکتابة الیونانیّة ، و فی داخل کلّ واحد منهما طریق کان یسیر فیه الناس رجّالة الی أعلاه و فی ذین الهرمین مخترق فی باطن الأرض واضح من أحدهما الی الآخر و قد ذکر قوم أنّهما قبران و لیسا کذلک و إنّما حدا صاحبهما أن عملهما أنّه قضی بالطوفان و هلاک جمیع ما علی وجه الأرض إلّا ما حصّن فی مثلهما فخزن ذخائره و أمواله فیهما و أتی الطوفان ثمّ نضب فصار ما کان فیهما الی بیصر بن نوح و قد خزن فیهما بعض الملوک المتأخّرین أهراءه، (20) و من جلیل مدنها و فاخر خواصّها ما خصّت به تنّیس و دمیاط و هما جزیرتان بین الماء المالح و العذب أکثر السنة فی وجه النیل لا زرع فیهما و لا ضرع بهما و فیهما یتّخذ و یعمل رفیع الکتّان و ثیاب الشرب و الدبیقیّ و المصبّغات من الحلل التنّیسیّة التی لیس فی جمیع الأرض ما یدانیها فی القیمة و الحسن و النعمة و الترف و الرقّة و الدقّة و ربّما بلغت الحلّة من ثیابها مائین دنانیر إذا کان فیها ذهب، و قد یبلغ ما لا ذهب فیه منها مائة دینار و زائدا و ناقصا و جمیع ما یعمل بها من الکتّان فربّما بلغ مثقال غزل من غزولها دنانیر، و إن کانت شطا و دبقوا و دمیره و تونه و ما قاربهم بتلک الجزائر یعمل بها الرفیع من هذه الأجناس فلیس ذلک بمقارب للتنّیسیّ و الدمیاطیّ و الشطویّ ممّا کان الحمل علی عهدنا [45 ب] یبلغ من عشرین ألف دینار الی ثلثین ألف دینار لجهاز العراق
صورة الأرض، ج‌1، ص: 153
فانقطع بالمغاربة و خصّ بقطعه اللعین أبو الفرج بن کلّس وزیر العزیز فإنّه استأصل ذلک بالنوائب و الکلف و المغارم و السخر الدائمة للصنّاع حتّی لجعل جزیة علی جمیع الداخلین و الخارجین الی تنیس، و بمصر غیر طراز رفیع و سآتی علی ذکره، (21) و أمّا النیل فأکثر جریه الی الشمال و کذلک جری نهر الاردنّ و عرض العمارة علیه بجنبتیه من حدّ اسوان ما بین نصف مرحلة الی یوم الی أن ینتهی الی الفسطاط فتعرض العمارة علی وجه الأرض فیصیر عرضها من حدّ الإسکندریّة الی الحوف الذی یتّصل بعمارة القلزم نحو ثمنیة أیّام و أکثر و لم یکن فی أرض مصر سیّما ما جاور النیل قفار غیر معمورة بل کانت آهلة قبل فتح الإسلام فلم یبق بها دیّار و لا مخبر، (22) و أمّا الواحات فإنّها بلاد کانت معمورة بالمیاه و الأشجار و القری و الروم قبل فتحها و کان یسلک من ظهرها الی بلاد السودان بالمغرب علی الطریق الذی کان یؤخذ و یسلک قدیما من مصر الی غانه فانقطع و لا یخلو هذا الطریق من جزائر النخیل و آثار الناس و بها الی یومنا هذا ثمار کثیرة و غنم و جمال قد توحّشت فهی تتواری و للواحات من صعید مصر الیها فی حدّ النوبة نحو ثلثة أیّام فی مفازة حدّ و لم تزل سافرتهم و سافرة أهل مصر علی غیر طریق تتصرّف الی المغرب و بلد السودان فی براریّ و لم ینقطع ذلک الی حین أیّام دولة أبی العبّاس أحمد بن طولون و کان لهم طریق الی فزان و الی برقة فانقطع بما دار علی الرفاق فی غیر سنة بسافیة الریح للرمل علی الرفاق حتّی هلکت غیر رفقة فأمر أبو العبّاس بقطع الطریق و منع أن یخرج علیه أحد، (23) و بلد الواحات ناحیتان و یقال لهما الداخلة و الخارجة و بین الداخلة و الخارجة ثلث مراحل و أجلّهما الناحیة الداخلة و هی واسطة البلد و قرار آل عبدون ملوکها و أصحابها و فیها مساکنهم و أموالهم و عدّتهم و ذخائرهم و هما حارتان بینهما نصف برید و بکلّ حارة منهما قصر الی جانبه مساکن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 154
لحاشیة من ینزله و خاصّته و أصحابه و أضیافه و فیهما حرمهم، و تعرف إحدی الحارتین بالقلمون و الأخری بالقصر، و الناحیة الخارجة تعرف ببیریس و بیخیط و هما خمسة أصقاع و یشتمل کلّ صقع منها علی منابر تتقارب فی المنزلة و الحال، و لم تزل مذ أوّل ما فتحها المسلمون فی أیدی آل عبدون و مرجعهم الی حیّ من لواتة قبیل من البربر ملوک هذه الناحیة یرجعون الی مروءة فاشیة و مظاهرة بالحرّیّة و رغبة فی القاصدین و محبّة للمنتجعین علی جمیع ضروب القصد مکرمین للتجّار نازلین علی أحکامهم فی الأرباح و کان من أحرصهم علی هذه الوتیرة یتقبّل المحاسن و یحبّ حسن الأحدوثة و الشکر و یرغب فی جمیل الذکر أبو الحسن مکبّر بن عبد الصمد بن عبدون رحمه الله [46 ظ] بکبر نفسه وسعة قلبه و کثرة طوله و فاشی مروءته یزید علی من سلف له من أهله فی جمیع المقاصد الکریمة و یرکب منها الطرقات الصعبة الجسیمة و لمّا مضی قام مکانه و عمر موضعه عبدون ابن محمّد بن عبدون فی ضمن عبد له یعرف بمصبح بن میمون مغربیّ الأصل مولّد بالواحات و هو رجل ندب و شیخ شهم ، و نواحیهم کثیرة المیاه و الأشجار و الغیاض و العیون الجاریة العذبة متصرّفة فی نخیلهم و زروعهم و أجنّتهم و أکثر غلّاتهم بعد القمح و الشعیر الأرزّ ولدیهم من العنّاب الکثیر و الفوّة الواسعة الغزیرة ما یغدق به الی کثیر من النواحی، و هی کالناحیة المعتزلة فی مرکز دائرة من النیل و من أیّ نحو قصدت الواحات من أنحائها کان الوصول الیها من ثلاث مراحل الی أربع مراحل، و الناحیة الخارجة منها المعروفة ببیخیط و بیریس أقرب الی النیل و من قصدها من ناحیة النوبة و یبرین و أعمالهم اجتاز بعین النخلة بماء عدّ لا ساکن عنده و لا یجد الماء الی بیریس، و من اجتاز بها من أرض مصر و قصدها من اسنی و ارمنت تزوّد ماء النیل الی بیریس، و من قصدها من البلینا و اخمیم و اسیوط و الاشمون من أسافل الصعید کان وصوله الی بیخیط و تزوّد ماء
صورة الأرض، ج‌1، ص: 155
النیل، و من قصدها من اسوان و أعلی الصعید اجتاز بدنقل بماء عدّ فی أحساء تحفر بالید و علیه نخیل کثیرة بغیر ساکن و تزوّد الماء الی بیریس و مسیرة کلّ طریق ممّا ذکرته الیها ثلث مراحل، و أکثر هذه الطرق فی عقاب و أودیة و جمیع من قصدها من هذه الأربع نواحی یقطع الوادی المعروف بدوای و أحساء بنی فضالة، و من قصد الواح الداخلة و هی داره مملکة آل عبدون من ناحیة القیس و البهنسة کان وصوله الی بهنسة الواح إذ بها ناحیة تعرف بالبهنسة أیضا و بینها و بین الفرفرون مرحلة و الفرفرون قریة ذات قصور، و بین بهنسة مصر و القیس و بهنسة الواح أربع مراحل و هی فی جملة الواح الداخلة و تصیب الماء فی هذا الطریق بموضع یعرف بماء النخلة و فیه نخلة، و الغالب علی أهل الفرفرون القبط النصاری و بالفرفرون و البهنسة قصران لآل عبدون یلیهما مساکن کمساکن القلمون و لا حرم فیهما و لا ذخیرة بل هی عدّة لنزول أهلها بها عند نزههم و یلیهما مساکن الأکرة و بالبهنسة و ببیخیط و بیریس قری ظاهرة و باطنة و أمم علیهم لوازم للسلطان و جزیة و لا یمدّ آل عبدون و خدمهم أیدیهم فی شی‌ء من الجبایة سوی الخراج و الجزیة من النصاری و لیس بجمیع الواحات یهودیّ واحد فما فوقه و بالواحات من بنی هلال عدّة غزیرة و أمّة کثیرة و هی مصیفهم وقت الغلّة و میرتهم منها و لیس بجمیع الواحات حمّام و لا فندق یسکنه الطارئ و القادم الیها و إذا قدم التجّار و الزوّار علی آل عبدون أنزلوهم أین کانوا من قرارهم و لزمتهم الأنزال و درّت علیهم الضیافات الی حین رحیلهم و عندهم بجمیع نواحیهم المطاحن بالإبل و البقر و قّلما یمطرون و میاه عیونهم حارّة فهی تقوم لهم مقام الحمّامات و قد یقصد الواحات من ناحیة المغرب و من جزیرة [46 ب] فیها نخیل و سکّان من البربر تعرف بسنتریّة فیکون أوّل وصولهم منها الی ناحیة بهنستها، و بجمیع الواحات بیع قدیمة أزلیّة معمورة لأنّ البلد کان نصرانیّ الأصل قدیما و کان غزیر الدخل کثیر المال فشاب و شمط بجور السلطان
صورة الأرض، ج‌1، ص: 156
و قد استحدث المسلمون بهذه النواحی الخمس نحو خمسة عشر منبرا و لکلّ قریة من قری هذه الخمس نواحی مساجد معمورة بالصلوات الخمس، و جمیع من بها من القبط فی ولاء آل عبدون عتاقة و غلّات البلد فوق حاجتهم و به من القموح و التمور الجلیلة الکبار الحبّ و العنّاب و القطانی الی جمیع الفاکهة و البقول ما یزید علی حاجتهم و ینیف علی فاقتهم و إرادتهم و بین آل عبدون و النوبة هدنة بعد حروب جرت و غارات دامت و اتّصلت و هذه جملة من خبرها و أوصافها، (24) و أمّا البحیرة التی هی بأرض مصر و فی شمال الفرما و تتّصل ببحر الروم [تعرف ببحیرة تنّیس] فهی بحیرة إذا امتدّ النیل فی الصیف عذب ماؤها و إذا جزر فی الشتاء الی أوان الحرّ غلب ماء البحر علیها فملح ماؤها و غاص فیها ماء النیل و فیها مدن کالجزائر فیها یطیف ماء البحیرة بها و لا طریق الیها إلّا فی السفن من أجلّ جزائرها تنّیس و دمیاط و دمیره و دبقوا و شطا و تونه، و هی قلیلة العمق یسار فی أکثرها بالمرادی و تلتقی السفینتان تحکّ إحداهما الأخری هذه صاعدة و هذه نازلة بریح واحدة مملّأة شرعهما بالریح متساویة فی سرعة السیر، و بهذه البحیرة سمکة تعرف بالدلفین فی خلقة الزقّ الکبیر و تکثر فی میاء بحر الروم فی منحدر الماء العذب من البحر و ذکر قوم فی مؤلّفات حماقات رقاعاتهم أنّ لها خاصّیة مشهورة و ذلک أنّها لا تزال تدفع الغریق عند غرقه و هو یجود بنفسه و تغتّه بإرهاقه و دفعه مرّة وشیله و رفعه تارة الی أن تخرجه الی الساحل أو الماء الرقیق و الناس یکذبون لمّا کانت ذوات الأربع لا تنطق، و ذکر هذا المؤلّف فی بعض کتبه و غیره أنّ بالإسکندریّة سمکة تعرف بالعروس حسنة المنظر نقشة لذیذة الطعم إذا أکله الإنسان رأی فی منامه کأنّه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 157
یؤتی [إن لم یتناول علیها الشراب أو یکثر من أکل العسل] بل یری أنّ کثیرا من السودان یفعلون به و رأیتها و أکلتها أنا و جماعة من ذوی التحصیل فشهدوا بکذب هذه الحکایة، (25) و من حدّ هذه البحیرة الی حدّ فلسطین و الشأم أرض رمال کلّها متّصلة حسنة اللون تسمّی الجفار بها نخیل و منازل و میاه مفترشة الرمل غیر منفصلة و یتّصل هذا الرمل برمل نفزاوه من أرض المغرب و رمل سجلماسه و یأخذ الی أرض اودغست و ذلک أنّه یأخذ من الجفار مغرّبا عنها مع جبل المقطّم و یمتدّ علی ساحل النیل من شرقه و غربه و حیتانه و النیل یشقّه بنواح کثیرة فمنها باهریت و شرونه و بیاض وصول و البرنیل و اتفیح و اسکر و الحی الی نواحی بوصیر قوریدس واهناس و دلاص و سمسطا و القیس و طحا و الاشمونین فیأخذ علی أرض الفیّوم و بحیرة اقنی [47 ظ] و تنهمت و البحیرة فی وسطه و تحت جبال منه فیمضی علی بلد الشنوف و یستبطن طریق الباطن و یأخذ علی غربیّ عقبة برقة مارّا علی الطریق الأعلی و خلف طریق الجادّة و یقع شی‌ء منه الی ساحل بحر برقة [و ینقطع] و لا ینقطع ما علی الطریق الأعلی منه حتّی یرد قبلة اجدابیه و سرت فیکون فی وسطه و یأخذ عن الطریق مغرّبا الی صحاری جبل نفوسه و نفزاوه و یرتفع الی لمطه و رمال سجلماسه و یتّصل برمل اودغست المتّصل بالبحر المحیط، و یتّصل رمل الجفار من ناحیة القبلة فی نفس البرّ الی ایلة و رمال القلزم و یفترش بالساحل و طریق جادّة مصر و یمضی الی مدینة یثرب ممتدّا علی ما جاور أرض لخم و جذام و جهینة و بلیّ و ما دنا من أرض
صورة الأرض، ج‌1، ص: 158
تبوک و یجتاز بوادی القری مارّا بدیار ثمود مشرّقا الی جبلی طیّ‌ء و یتّصل برمل الهبیر و رمل الهبیر متّصل برمل البحرین و رمال بادیة البصرة و عمان الی أرض الشحر و مهرة و جمیع أرض الشحر و مهرة رمل من البحر الی الجبل [و یعبر البحر فیکون تجاه الشحر و مهرة من بلاد الزبح رمل کهیئة رمل الشحر] و یحاذی رأس الجمجمة من نواحی حصن ابن عمارة و أرض هرموز، فیمرّ شمالا الی أقاصی خراسان علی أعمال الطبسین و هراة و رمال مرو و سرخس و یشرّق بعضه الی أعمال السند و الدیبل [و سوبارة] و سندان و صیمور مارّا فی براریّ الهند الی التبّت و بلاد الصین فیشرع فی البحر المحیط، و جمیع الرمل الذی علی وجه الأرض متّصل متناسب لا أعرف فیه بلدا رمله ذو فصل إلّا القلیل، و کذلک جبال الأرض کلّها متناسبة متّصلة إلّا القلیل الیسیر منها، و یتّصل حدّ الجفار ببحر الروم و حدّ بالتیه و حدّ بأرض فلسطین من الشأم و حدّ ببحیرة تنّیس و ما اتّصل به من حوف مصر الی حدود القلزم، و بالجفار حیات شبریّة تثب من الرمل الی المحامل و الرکّاب علی الدوابّ فربّما لسبتهم و آذتهم، (26) و أمّا تیه بنی إسرائیل فیقال إنّ طوله نحو أربعین فرسخا و عرضه قریبا منه و هو أرض فیها رمال و بعضه جلد و به عیون و نخیل مفترشة قلیلة و یتّصل حدّ له بالجفار و حدّ له بجبل طور سیناء و ما اتّصل به و حدّ له بأراضی بیت المقدس و ما اتّصل بها من فلسطین و حدّ له ینتهی الی ظهر حوف مصر الی حدّ القلزم، (27) و مدینة الاشمونین و إن کانت صغیرة فهی عامرة ذات نخیل و زروع و یرتفع منها من الکتّان و ثیاب منه یجهّز کثیر الی مصر و غیرها، و تجاهها من شمال النیل مدینة بوصیر و بها قتل مروان بن محمّد الجعدیّ و یقال أنّ سحرة فرعون الذین حشرهم یوم موسی من بوصیر،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 159
(28) و مدینة اسوان کثیرة النخیل غزیرة الغلّات من التمور قلیلة الزروع و هی أکبر مدن الصعید، و البلینا و اخمیم مدینتان متقاربتان فی العمارة صغیرتان عامرتان بالنخل و الزرع و ذو النون المصریّ من أهل اخمیم و کان بغایة النسک و الورع، و لها جهاز من الکتّان المعمول شقّة و منادیل الی الحجاز و مصر، و بها بربا من أعظم البرابی و أطرفها و هو مخزن لذخائر القوم الذین قضوا من أهل مصر [47 ب] بالطوفان قبل وقته بقرانین و اختلفوا فی مائیّته فقال بعضهم یکون نارا فتحرق جمیع ما علی وجه الأرض و قال آخرون بل یکون ماء و عملوا هذه البرابی قبل الطوفان و منها بمصر و فی أرضها و صعیدها خاصّة ما لم أر علی وجه الأرض لشی‌ء من أبنیتها شبه رصانة فی الأحجار و إحکام فی الترکیب و هندسة فی الأرکان و علوّا فی السمک الی تصاویر تزید علی العجب من أنواع لم یر قطّ لها شبه فی نفس أحجارها قد بتّت فی صخرها و عمدها، (29) و بالفیّوم مدن کبار جلیلة و طرز مشهورة و کور عظام للسلطان و العامّة و فیها من الأمتعة للجلب ما یستغنی بشهرته عن إعادته کالیهنسة المعمول بها الستور و الاستبرقات و الشرع و الخیام و الأحلّة و الستائر و البسط و المضارب و الفساطیط العظام بالصوف و الکتّان بأصباغ لا تستحیل و ألوان تثبت فیها من صورة البقّة الی الفیل، و لم یزل لأصحاب الطرز من خدم السلطان بها الخلفاء و الأمناء و للتجّار من أقطار الأرض فی استعمال أغراضهم بها من الستور الطوال الثمینة التی طول الستر من ثلثین ذراعا الی ما زاد و نقص ممّا قیمة الزوج منها ثلثمائة دینار و ناقص و زائد، و طحا مدینة أیضا فیها غیر طراز و منها أبو جعفر الطحاویّ الفقیه العراقیّ صاحب کتاب اختلاف فقهاء الأمصار، و الفیّوم نفسها مدینة ذات جانبین علی وادی اللاهون طیّبة فی نفسها کثیرة الفواکه و الخیرات
صورة الأرض، ج‌1، ص: 160
غیر صحیحة الهواء و لا موافقة للطارئ علیها و لا للغریب النازل بها، و أکثر غلّاتها الأرزّ و إن کانت لا تعدم من أصناف الغلّات شیئا و بظاهرها آثار حسنة و الناحیة مسمّاة باسمها، و الفیّوم ناحیة کانت فی قدیم الأیّام و سالف الزمان علیها سور یشتمل علی جمیع أعمالها و یحیط بسائر مدنها و بقاعها و رأیت أکثره من جانب البرّیّة بیّنة أبراجه و قد غلب علی أکثرها الرمل فطمّ منها و منه و سقطت الحاجة الیه بالإسلام و دخول دولته علی أهله و هذا السور یعرف بحائط العجوز و لیس هو مختصّا بعمل الفیّوم دون أعمال النیل الی آخر عمل النوبة بل یحیط بالنیل من نواحی مصر علی جنبتی النیل جمیعا الی أعمال النوبة، (30) و الفرما مدینة علی شطّ بحیرة تنّیس و هی مدینة خصبة و قد مرّ شی‌ء من ذکرها و بها قبر جالینوس الیونانیّ، و من الفرما الی تنّیس فی البحیرة دون الثلاثة فراسخ و هی مدینة کثیرة الرطب جیّدته صالحة الفاکهة کثیرتها ، و بتنّیس تلّان عظیمان مبنیّان بالأموات منضدین بعضهم علی بعض و یسمّی هذان التلّان بوتوم و یشبه أن یکون ذلک من قبل أیّام موسی علیه السلام و بعثه لأنّ أهل مصر فی أیّام موسی کان فی شریعتهم الدفن ثمّ صارت للنصاری و دینهم أیضا الدفن ثمّ صارت للإسلام، و علیهم أکفان [48 ظ] من خشن الخیش و عظامهم و جماجمهم فیها صلابة الی یومنا هذا، (31) و بالفسطاط قریة تعرف بعین شمس عن شمال الفسطاط و منف فی جنوبیّ الفسطاط واحدة تجاه الأخری و یقال کانا مسکنین لفرعون و بها آثار عجیبة یتنزّه فیهما و علی رأس جبل المقطّم فی قلّته مکان یعرف بتنّور فرعون یسع خمس مائة کرّ حنطة و هذا من نوع الخرافة و یقال أنّ فرعون کان إذا خرج من أحد المتنزّهین أصعد فی المکان الآخر من یعادله لیعاین شخصه بالوهم و لا تفقد هیئته، و فی نیل مصر مواضع لا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 161
یضرّ فیها التمساح کعدوة بوصیر و الفسطاط، و لعین شمس الی ناحیة الفسطاط نبت یزرع کالقضبان یسمّی البلسم یتّخذ منه دهن البلسان لا یعرف بمکان من الأرض إلّا هناک و یؤکل لحاء هذه القضبان فیکون له طعم صالح و فیه حرارة و حروفة لذیذة، و شبروا ضیعة فی وقتنا هذا جلیلة فی محلّ مدینة یعمل فیها شراب العسل عند زیادة النیل فلا یخالط العسل و الماء ثالث من خلط و هذا الشراب مشهور فی جمیع الأرض لذّته و محلّ نشوته و خمر رائحته، و الی جانبها قریة تعرف بدمنهور و یعمل بها بعض ما یعمل بشبروا و جمیع مالها للسلطان، و فاقوس و جرجیر مدینتان من أرض الحوف و الحوف ما کان من النیل أسفل الفسطاط و ما کان من النیل جنوبیّه یعرف بالریف، و معظم رساتیق مصر و قراها فی الحوف و الریف، (32) و أهلها نصاری قبط و لهم البیع الکثیرة الغزیرة الواسعة و قد خرب منها الکثیر العظیم و فیهم قلّة شرّ إلّا مع عمّالهم و المتقبّلین لنواحیهم و کان فیهم أهل یسار و ذخائر و أموال واسعة و صدقات و معروف و أدرکت من الیسار فیهم و المعروف منهم علی المسلمین ما یطول شرحه و لم یک بشی‌ء من البلدان ما یقاربه أو یدانیه، و من أولاد القبط غیلان أبو مروان رئیس الغیلانیّة فرقة من الشیعة و آسیة بنت مزاحم و ماریة أمّ إبراهیم ابن نبیّنا علیه السلام و هاجر أمّ إسماعیل بن إبراهیم علیهما السلم، و ربّما ولدت المرأة [القبطیّة الولدین و الثلاثة و الأربعة فی بطن واحد بحمل واحد و لیس ذلک] بمکان و لا فی شی‌ء من البلدان و لا ذلک بالخصوص بل ربّما جری فی السنة دفعات و ذلک أنّ ماءهم علی قولهم أنیث یریدون ماء النیل و فیه خاصّیّة لذلک علی قولهم، و ممّا یقارب ذلک و لیس بالمنتشر العلم و لا فی جمیع الأقطار أنّ غنم ترکستان تلد الشاة فی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 162
السنة ستّة و سبعة رؤوس من الحملان و المعز کما تلد الکلبة و أکثر أهل ترکستان و بلاد خوارزم یذبحون ما زاد علی الاثنین من أولاد الغنم و ینتفعون بجلودها و ذلک أنّ جلودها حمر قانئة الصبغ یباع الجلد منها من ربع دینار الی دینارین و أکثر و أقلّ حسب صبغته و یکون فیها أیضا جلود سود فیبلغ الجلد لنقائه و حلوکته و حسنه الدنانیر الکثیرة و ربّما کان فیما ابیضّ من جلودها ما یعمل منه أغشیة للسروج فی غایة البیاض و له أیضا [48 ب] ثمن صالح و منها مقاربة یباع عشرة جلود بدرهم، و سألت عن علّة ذلک أبا إسحاق إبراهیم بن البتکین الحاجب فقال إنّ أغنامهم ترعی نهارا و تنفش لیلا فقواها زیادة و ما ترعاه صحیح ملائم لها و هذا کما یذکره الخراسانیّون أنّ هواءهم یغذو حیوانهم و یزید فی صحّتهم و ینقی أبشارهم و یدفع عنهم الأمراض و الأعلال صحّة میاههم و هذا ما لا یحتاجون معه الی دلیل غیر المشاهدة فإنّها تعرب عن صدقهم و یشهد لهم العیان بذلک، (33) و معادن الذهب فی حدود البجة و مستحقّ المکان من الإقلیم الثانی من قسمة الفلک و کذلک التبر فی جمیع الأرض فهو بالإقلیم الأوّل و الثانی إلّا ما بالجوزجان منه فإنّه شی‌ء تافه یسیر و لا أعرف العلّة فیه و یقال أنّ أرض عیذاب من البجة و هی من مدن الحبشة و أرض المعدن مبسوطة لا جبل فیها و هی رمال و رضراض و مجمع تجارات أهل المعدن بالعلاقیّ و لیس للبجة قری و لا خصب و هم بادیة یقتنون النجب و لیس فی النجب أسیر من نجبهم و رقیقهم و نجبهم و سائر ما بأرضهم یقع الی مصر فی جملة التجّار المصریّین أو ما قدم به بعضهم، (34) و بمصر بغال و حمیر لا یعرف فی شی‌ء من بلدان الإسلام و الکفر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 163
أسیر منها و لا أحسن و لا أثمن غیر أنّها مخطفة الخلق غیر عبلة الأبدان و لا رطبة الجسوم و قد تجلب الی بعض الأماکن فتتغیّر و تمتلئ أبدانها و هی الغایة فی سرعة السیر و حسن المشی و الوطأة، و لهم من وراء اسوان حمیر صغار فی مقدار الکباش الکبار ملمّعة الجلود یشبه تلمیعها جلود البقر و قد یکون منها الأصفر المدنّر و الأشهب المدنّر فتکون فی غایة الحسن و إذا أخرجت من مواضعها و بلادها لم تعش و لهم حمیر تعرف بالسفلاقیّة و کانت فرش الصعید و أرض مصر و البجة فقلّت زعموا أنّ أحد أبویها وحشیّ و الآخر أهلیّ فهی أسیر حمیرهم، (35) فأمّا ارتفاع مصر وقتنا هذا و ما صارت الیه جبایاتها و دخلها فسآتی به و قد ذکرت ذلک فیما سلف [و وقتنا هذا کأرزح الأوقات جبایة فإنّه علی غایة الصون من دخول المطامع علیه و حذف ما کان یرتفق به الجباة و المقاطعون] و قد جبیت سنة تسع و خمسین و ثلثمائة علی ید أبی الحسن جوهر صاحب أهل المغرب و هی السنة الثانیة من دخوله الیها ثلثة آلف ألف دینار و فوق أربع مائة ألف دینار، [و ذلک أنّهم کانوا فیما سلف من الزمان یؤدّون عن الفدّان ثلاثة دنانیر و نصفا و زائدا عن ذلک القلیل الی نقص یسیر فقبض منهم فی هذه السنة المذکورة عن الفدّان سبعة دنانیر و لذلک ما انعقد هذا المال بهذا الوفور،] و أمّا أخرجة مصر فقبالة تقع علی کلّ فدّان مقاطعة و یعطی الأکرة علی ذلک مناشیر و وثائق لکلّ ناحیة علی المساحة و الفدّان بشی‌ء معلوم و یؤدّون ذلک نحو ما علی ما قدّمت ذکره من الثمن أوّلا ثمّ إتمام الربع ثانیا ثمّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 164
مطالبة بالثمن الثالث و استیفاء من بعد تمام النصف من مال الخراج فی شهر برموده، و مطالباتهم بالنجوم [49 ظ] لیرتفقوا فی المعاملة بجمیل السیرة و لا یلحقهم عنف و لا ینالهم مضایقة و لا رهق من الأذیّة عن سائر ما یزرعونه و لیس هذه سنن إسلامیّة بل هی أوضاع توخّتها الفراعنة لیؤدّی الأکرة من الأرزّ فی الحنطة و الشعیر و من الحنطة و الشعیر فی القصب و الکتّان،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 165

[الشأم]

(1) و أمّا الشأم فإنّ غربیّها بحر الروم و شرقیّها البادیة من ایلة الی الفرات ثمّ من الفرات الی حدّ الروم و شمالیّها بلاد الروم و جنوبیّها مصر و تیه بنی إسرائیل و آخر حدودها ممّا یلی مصر رفح و ممّا یلی الروم الثغور المعروفة کانت قدیما بثغور الجزیرة و هی ملطیه و الحدث و مرعش و الهارونیّة و الکنیسة و عین زربة و المصّیصة و اذنه و طرسوس [هذا فی زمانه و أمّا فی زماننا هذا فإنّ شمالیّها الی طرف بحر طرابزون و الخزر بید المسلمین قد افتتح الکثیر منها فی تأریخ ثمانین و خمس مائة و الحمد لله ربّ العالمین،] و الذی یلی المشرقیّ و المغربیّ فالنواحی التی قدّمت ذکرها فی تصویر الشأم و فی إعادتها تطویل، (2) و هذه الصورة التی فی باطن هذه الصفحة صورة الشأم، [49 ب] إیضاح ما یوجد فی صورة الشأم من الأسماء و النصوص، قد کتب فی النصف الأیمن من الصورة موازیا لساحل بحر الروم الساحل و علیه من المدن ابتداء من الأعلی الفرما ، میماس، تبدا، عسقلان، الماحوز ، یافا، قیساریه، عکا، اسکندریه، صور، عذنون، صرفنده، صیدا، الجیه، الناعمه، بیروت، جونیه، الماحوز ، جبیل، بثرون، انفه، القلمون، اطرابلس، انطرطوس، مراقیه، بلنیاس، جبله، اللاذقیه ، فاسره، السویدیه، الصخره، الاسکندرونه ، بیاس، و فی أسفل الصورة ینصبّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 166
فی البحر ثلثة أنهار علیها من المدن کفربیا، المصیصه، عین زربه، اذنه، طرسوس، و رسمت فی البحر ثلث مدن و هی الکنیسه، ارسوف، نسدین ، و کتب فی البرّ عن یسار فیساریه و عکا و بینهما حیفه و القصور المضافة الی حیفه، و توازی الساحل سلسلة جبلیّة و کتب فی أعلی الساحة التی بینها و البحر نواحی مصر و مغرب الشام و بلد فلسطین و فی هذا القسم مدینتا الرمله و کفر سابا ، ثمّ یلیهما الی الأسفل اتّصالا للجبل بانیاس، اقذار، عرقه، حصن برزویه، بغراس، الهارونیه، الکنیسه، و بین حصن برزویه و الصخرة نهر و کتب فی أسفل هذا القسم شمال الشام، و کتب فی الجانب الأیسر من الجبل عند أعلاه جبل طور سینا و عن یسار ذلک تیه بنی اسرائیل، و عن یسار ذلک مدینة القلزم و بحر القلزم و من أسفل ذلک جنوب الشام، و کتب من طرفی هذا القسم الأعلی من الجبل آخر مخطوط فلسطین و فیه مدینتا بیت ابراهیم و بیت المقدس و من أسفلهما نابلس، ثمّ بحیرة طبریه و نهر الاردن الذی یفضی الی بحیرة زغر و علیها مدینة زغر، و کتب عند الجبل فیما یسامت بانیاس جبل لبنان و تقابله فی البرّ مدینة دمشق و بین دمشق و زغر من المدن البلقا، رقم، رواث، و کتب عند القسم الأوسط من الجبل جبل بهرا و هنا مدینة حمص و بین حمص و دمشق طریق علیه من المدن جوسیه، اللبوه، بعلبک، الزبدانی، و من أسفل حمص مدینة فامیه، ثمّ کتب عند القسم التالی من الجبل جبل السماق و قرب ذلک مدینة انطاکیه و یأخذ منها طریق الی حلب ثمّ الی بالس علی نهر الفرات، و علی الطریق من حلب الی حمص من المدن قنسرین، کفرطاب، شیزر، حماه، و بین شیزر و انطاکیه مدینتا معره النعمن و معره مصرین، و کتب علی خطّ مستطیل من بالس الی القلزم حدّ الشام و علیه من المدن الرصافه، الخناصره، تدمر، سلمیه، معان، و تحت الخطّ هذه صورة الشام و ذلک عنوان الصورة و عن یسار ذلک نواحی دیار العرب و البادیة، و علی نهر الفرات من جانبه الأیسر الرافقه، الرقه، الجسر، جربلص و کتب وراء ذلک مشرق الشام، و بین حلب و جربلص مدینه منبج ثمّ علی ضفّة الفرات من هذا الجانب سمیساط، ملطیه و عن یمینهما شمشاط، و یأخذ من شمشاط طریق الی الجبل و علیه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 168
دلوک ، رعبان ، مرعش، بوقا و أسفل بوقا مدینة الحدث، و اسم الجبل فی هذا القسم جبل اللکام ثمّ کتب فی أسفل الصورة نواحی بلد الروم، (3) [50 ظ] قد جمعت الثغور الی الشأم و بعض الثعور کانت تعرف بثغور الشأم و بعضها تعرف بثغور الجزیرة و کلّها من الشأم و ذلک أنّ کلّما کان وراء الفرات فمن الشأم و إنّما سمّی من ملطیه الی مرعش ثغور الجزیرة لأنّ أهل الجزیرة بها کانوا یرابطون و یغزون لا أنّها من الجزیرة و أعمالها، و کور الشأم فهی جند فلسطین و جند الأردنّ و جند دمشق و جند حمص و جند قنّسرین و العواصم و الثغور، و بین ثغور الشأم و ثغور الجزیرة جبل اللکام و هو الفاصل بینهما و جبل اللکام جبل داخل فی بلد الروم و متّصل بجمیع جبال بلاد الروم [و یقال أنّه ینتهی الی حدّ مائتی فرسخ] و یظهر فی الإسلام ما ظهر منه بین مرعش و الهارونیّة و عین زربة فیسمّی اللکام الی أن یجاوز اللاذقیّة ثمّ یسمّی جبل بهراء و تنوخ الی حمص ثمّ یسمّی جبل لبنان ثمّ یمتدّ علی الشأم حتّی ینتهی الی بحر القلزم من جهة و یتّصل بالمقطّم من أخری، (4) و هو جبل علی وجه الأرض أوّله بالمشرق من بلد الصین خارجا من البحر المحیط علی و خان من نواحی خمدان فیقطع بلاد التبّت [لا فی وسطها بل] علی مغاربها و مشارق بلاد الخرلخیّة الی أن یأتی من حدود الإسلام فرغانه فتمرّ منه قطعة الی الجنوب من فرغانه و قطعة الی الشمال و یمرّ صدر هذا الجبل علی فرغانه الی جبال البتم و علی جنوب اشروسنه فتکون جبال البتم منه و شرب سمرقند و میاهها منه ثمّ یأخذ الی سمرقند من جنوبها أیضا فیمرّ الی نسف علی شمال السغد الی کش و نسف و نواحی صورة الأرض ؛ ج‌1 ؛ ص168
صورة الأرض، ج‌1، ص: 169
زم فیقطعه نهر جیحون و یمضی فی وسطه بین شعبتین منه و کأنّه قطع لیستمرّ الماء فی وسطه و یجتاز علی البلاد التی هندس مضیّه الیها و یستمر الجبل الی الجوزجان و یأخذ علی الطالقان الی أعمال مرو الروذ الی طوس فیکون جمیع مدن طوس فیه و منه الی نیسابور و یکون نیسابور فی سفحه علی غربه و هو شرقها و یتّصل به جبال جرجان و طبرستان الی الریّ من شماله و هو آخذ من نیسابور الی الریّ عن یمین القاصد من خراسان الریّ فیکون الریّ فی سفحه و من غربیّه و یتّصل من هناک بجبال الجیل و الدیلم و بجبال اذربیجان و القبق و اللّان و بلد الروم و یتّصل من جنوبه بجبال اصبهان و شیراز الی أن یصل الی بحر فارس و لا یزال یسایر الطالب من الریّ العراق عن یمینه الی حلوان علی همذان و قرمیسین و حلوان أوّل حدود العراق و ینعطف هذا الجبل عن فرسخ من حلوان عن طریق العراق عادلا عن سمت المغرب الی الشمال فیمضی علی سهرورد و شهرزور الی أن یأتی الی دجلة بنواحی تکریت فیکون منه جبل بارمّا الذی عن شرقیّ دجلة و جبل الشقوق الذی عن غربیّها و یصعد من ناحیة بارمّا فیکون منه جبلا زینا و زامر اللذان [50 ب] فی شرقیّ حدیثة الموصل و یمرّ علی حیاله یسایر دجلة فمرّة یقرب و تارة یبعد الی الجبل المعروف من فیشابور بجبل ثمنین الی جبل الجودیّ مارّا الی آمد و ینشعب منه جبال الداسن و جبال ارمینیه الخارجة [المتّصلة] بجبال ارمینیه الداخلة التی اتّصلت بجبال اذربیجان و طبرستان و هی جبال تتّصل بجبل القبق من باب الأبواب فی شمال بحیرة الخزر الی بلاد یاجوج و ماجوج، و لا یزال هذا الجبل یستمرّ من أعمال آمد [و میّافارقین] و نواحی دجلة الی الفرات فیکون سمیساط فیه و یتّصل بحدود مرعش التی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 170
ما ابتدأت ذکره منها الی أن وصّلته الی بیت المقدس من جبل لبنان، ثمّ یمرّ علی یسار الذاهب من الرملة الی الفسطاط الی المقطّم و لا یزال الی آخر الصعید الأعلی و یتّصل بجبال النوبة من جنبتی النیل الی قلعیب من جانب النیل الشرقیّ و الی جبل القمر من جانب النیل الغربیّ و یقطع النیل شعبتین منه بنواحی الفیّوم و لیست بمضیق کالمضیقین اللذین ذکرتهما للنیل بأعلی الصعید تجاه بحیرة اقنی و تنهمت فیمضی الشعبة الغربیّة بین الباطن و ظاهر الشنوف الی جبل برقة و تکون عقبة برقة التی فی مغرب رمادة منه و لا یزال ماضیا فی وسط البرّ یراه من أخذ الطریق العالیة الی قبلة برقة و یمتدّ علی حاجز أعمال أجدابیه و سرت علی صدر جبل نفوسه فیصیر عند بلوغه الی نفزاوه جبال رمال سامقة شاهقة لا تتوقّل و لا تصعد إلّا بشدّة و یضرب عرق منه من جبل برقة فی باطن البرّ الی فزان و علی زویله راجعا الی القبلة، ثمّ لا یزال هذا الجبل یظهر فی مواضع مستحجرا و فی مواضع جبال رمل و دهس الی سجلماسه و یغوص فی تلک البراریّ علی ما ذکر سالکوها الی اودغست و البحر المحیط و أظنّه کقولهم و لم أشاهده بکلّیّته و شاهدت البعض منه کما یوجبه ما تواطأت علیه الأخبار من ثقات أهل الناحیة و رؤساء الأدلّاء بها و فیها و سائر ما وصلته من أخباره و قصصته من أنبائه و آثاره فبالمشاهدة منّی لذلک و المعاینة لأشکالها، (5) و أمّا جند فلسطین و هو أوّل أجناد الشأم ممّا یلی المغرب فإنّه تکون مسافته للراکب طول یومین من رفح الی حدّ اللجون و عرضه من یافا الی ریحا مسیرة یومین، و نواحی زغر و دیار قوم لوط و الشراة و الجبال فمضمومة الی هذا الجند و هی منها فی العمل الی ایلة، و دیار قوم لوط و البحیرة المیّتة و زغر الی بیسان و طبریّة یسمّی الغور لأنّها بین جبلین و سائر میاه بلاد الشأم یقع الیها و بعضها من الاردنّ و بعضها من فلسطین،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 171
و نفس فلسطین هو ما ذکرته و میاه فلسطین من الأمطار و الطلّ و أشجارها و زرعها أعذاء بخوس لا سقی فیها إلّا نابلس [51 ظ] فیها میاه جاریة، و فلسطین أزکی بلدان الشأم ریوعا و مدینتها العظمی الرملة و بیت المقدس تلیها فی الکبر و هی مدینة مرتفعة علی جبال یصعد الیها من کلّ مکان یقصدها القاصد من فلسطین و ببیت المقدس مسجد لیس فی الإسلام مسجد أکبر منه و له بناء فی قبلته مسقّف فی زاویة من غربیّ المسجد و یمتدّ هذا التسقیف علی نصف عرض المسجد و الباقی من المسجد خال لا بناء فیه إلّا موضع الصخرة فإنّ هناک حجرا مرتفعا کالدکّة عظیم کبیر غیر مستو و علی الصخرة قبّة عالیة مستدیرة الرأس قد غشّیت بالرصاص الغلیظ السمک و ارتفاع هذه الصخرة من الأرض التی تعرف بصخرة موسی تحت هذه القبّة الی صدر القائم و طولها و عرضها متقارب و علیها حصار حائط ملوّح و یکون نصف قامة و مساحة الحجر بضع عشرة ذراعا فی مثلها و ینزل الی باطن هذه الصخرة بمراق من باب یشبه السرداب الی بیت یکون طوله نحو خمس أذرع فی عشر لا بالمرتفع و لا بالمستدیر و لا بالمربّع و سمکه فوق القامة، و لیس ببیت المقدس ماء جار سوی عیون لا ینتفع الرزوع بها و علیها شجیرات و هی من أخصب بلاد فلسطین علی مرّ الأوقات، و فی سورها موضع یعرف بمحراب داؤود النّبیّ علیه السلم و هو بنیة مرتفعة ارتفاعها نحو خمسین ذراعا من حجارة و عرضها نحو ثلثین ذراعا بالحزر و بأعلاه بناء کالحجرة و هو المحراب الذی ذکره الله تعالی بقوله و هل أتاک نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب، و إذا وصلت الی بیت المقدس من الرملة فهو أوّل ما یلقاک و تراه من بیت المقدس و بمسجدها لعامّة الأنبیاء آثار و محاریب معروفة، و لبیت المقدس بناحیه الجنوب منه علی ستّة أمیال قریة تعرف ببیت لحم و بها مولد عیسی علیه السلم و یقال أنّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 172
فی بیعة منها بعض النخلة التی أکلت منها مریم و هی مرفوعة عندهم یصونونها، و من بیت لحم علی سمته أیضا فی الجنوب مدینة صغیرة کالقریة تعرف بمسجد إبراهیم علیه السلم و بمسجدها المجتمع فیه للجمعة قبر إبراهیم و إسحاق و یعقوب علیهم السلم صفّا و کلّ قبر من قبورهم تجاهه قبر امرأة صاحبه و هذه المدینة و الناحیة فی وهدة بین جبال کثیفة الأشجار، و أشجار هذه الجبال و أکثر جبال فلسطین زیتون و تین و جمّیز الی سائر الفواکه و الفواکه أقلّها و یری أهل مصر أنّها مضافة الیهم ، و نابلس مدینة السامریّة و یزعم أهل بیت المقدس أن لیس بمکان من الأرض سامریّ إلّا منها أصله و بالرملة منهم نحو خمس مائة مجزیّ ، و آخر مدن فلسطین ممّا یلی جفار مصر مدینة یقال لها غزّة و بها قبر أبی نضلة هاشم بن عبد مناف سیّد قریش أجمع و بها مولد محمّد بن إدریس الشافعیّ أبی عبد الله الفقیه النبیل رحمه الله [و قبره بالفسطاط] و منها أیسر عمر بن الخطّاب فی الجاهلیّة لأنّها کانت مستطرقا لأهل الحجاز و کان عمر بها مبرطسا، [51 ب] و بفلسطین نحو عشرین منبرا علی صغر موقعها و لا أحیط بأجمعها و هی من أخصب البلاد و الیها أشار الله تعالی اسمه بقوله فی البرکة سبحان الذی أسری بعبده لیلا من المسجد الحرام الی المسجد الأقصی الذی بارکنا حوله ، (6) و الذی أدرکت علیه عقود فلسطین و الأردنّ أیّام أبی المسک کافور رحمه الله و المتّلی لها من قبله فی سنی سبع و ثمان و تسع و ثلثین الی سنی ثمان و تسع و أربعین حینا محلولة و حینا معقودة أبو منصور أحمد بن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 173
العبّاس بن أحمد و أبو عبد الله بن مقاتل و أبو إسحاق إبراهیم بن إسحاق و قد عقدت علی خزرون حینا بخمس مائة ألف دینار، و کذلک جند دمشق فعقدت علی خزرون و علی أبی الحسن علیّ بن محمّد بن جانی و علی ابن مالک فکانت تکون فی ید کلّ واحد منهم سنین بخمس مائة ألف دینار، و کان کافور له فی تغطرسه منزلة لا یزید علیها و هو أن إذا عقد علی بعض عمّاله أو ألجأ علیه شیئا من أعماله طالبه قبل وجوب المال علیه بشی‌ء منه علی طریق القرض منه و کانوا بحسن نظره لهم أغنیاء أملیاء و یحتسب بذلک لهم ممّا تحت أیدیهم و یجب علیهم، و لم یعقد بمصر فی وقته علی أحد من أولیائه عقد تدبیر إلّا و ربح فیه مثله من حیث یعلمه و یتقرّره و یقول إذا لم یختصّ الأولیاء بالنعم صارت الی الأعداء عند الأخذ بالکظم فهم صنائعی و أولادی، (7) و الجبال و الشراة فناحیتان متمیّزتان أمّا الشراة فمدینتها اذرح و الجبال مدینتها رواث و هما بلدان فی غایة الخصب و السعة و عامّة سکّانهما العرب متغلّبون علیها، (8) و أمّا الأردنّ فمدینتها الکبری طبریّة و هی علی بحیرة غذبة الماء طولها اثنا عشر فرسخا فی عرض فرسخین أو ثلثة و بها عیون جاریة حارّة و مستنبطها علی نحو فرسخین من المدینة فإذا انتهی الماء الی المدینة علی ما دخله من الفتور بطول السیر إذا طرحت فیه الجلود تمعّطت لشدّة حرّه و لا یمکن استعماله إلّا بمزاج و یعمّ هذا الماء حمّاماتهم و حیاضهم، و الغور مع أوّل هذه البحیرة ثمّ یمتدّ علی بیسان حتّی ینتهی الی زغر و یرد البحیرة المیّتة و الغور ما بین جبلین غائر فی الأرض جدّا و به فاکهة و أب و نخیل و عیون و أنهار و لا یسقط به الثلوج و بعض الغور من حدّ الأردنّ الی أن یجاوز بیسان فإذا جاوزه کان من حدّ فلسطین و هذا البطن إذا امتدّ فیه السائر أدّاه الی ایلة، و کأنّ الغور من بین البلاد لحسنه و تبدّد
صورة الأرض، ج‌1، ص: 174
نخیله و طیبه ناحیة من نواحی العراق الحسنة الجلیلة، و مدینة صور من أحصن الحصون التی علی شطّ البحر عامرة خصبة و یقال إنّه أقدم بلد بالساحل و إنّ عامّة حکماء الیونانیّة منها، و بالأردنّ کان مسکن یعقوب النّبیّ علیه السلم و جبّ یوسف علی اثنی عشر میلا من طبریّة ممّا یلی [52 ظ] دمشق و جمیع میاه طبریّة فمن بحیرتها، (9) و أمّا جند دمشق فقصبتها دمشق و هی أجلّ مدینة بالشأم فی أرض مستویة قد دحیت بین جبال تحتفّ بها الی میاه کثیرة و أشجا و زروع قد أحاطت بها متّصلة و تعرف تلک البقعة بالغوطة عرضها مرحلة فی مرحلتین و لیس بالشأم مکان أنزه منها و مخرج مائها من تحت بیعة تعرف بالفیجة [مع ما یأتی الیه من عین بردی من جبل سنیر] و هو أوّل ما یخرج مقدار ارتفاع ذراع فی عرض باع ثمّ یجری فی شعب تتفجّر فیه العیون فیأخذ منه نهر عظیم أجراه یزید بن معویة یغوص الرجل فیه عمقا ثمّ ینبسط منه نهر المزة و نهر القناة و یظهر عند الخروج من الشعب بموضع یقال له النیرب و یقال أنّه المکان الذی عناه الله تعالی [بقوله] و آویناهما الی ربوة ذات قرار و معین ثمّ ینقل من هذا الماء عمود النهر المسمّی بردا و علیه قنطرة فی وسط مدینة دمشق لا یعبره الراکب غزر ماء و کثرة فیفضی الی قری الغوطة و یجری الماء فی عامّة دورهم و سککهم و حمّاماتهم، و بها مسجد لیس فی الإسلام أحسن منه و لا أقین بقعة فأمّا الجدار و القبّة التی فوق المحراب عند المقصورة فمن أبنیة الصابئین و کان مصلّاهم ثمّ صار فی أیدی الیونانیّین و کانوا یعظّمون فیه دینهم ثمّ صار للیهود و ملوک من عبدة الأصنام و الأوثان و قتل فی ذلک
صورة الأرض، ج‌1، ص: 175
الزمان یحیی بن زکریّاء علیهما السلم فنصب رأسه علی باب هذا المسجد المسمّی باب جیرون ثمّ تغلّبت علیه النصاری فصارت فی أیدیهم بیعة لهم یعظّمون فیها دینهم حتّی جاء الإسلام فصار المکان للمسلمین و اتّخذوه مسجدا و علی باب جیرون نصب رأس الحسین بن علیّ بالموضع الذی نصب فیه رأس یحیی بن زکریّاء علیهم أجمعین السلم، فلمّا کان فی أیّام الولید بن عبد الملک عمره فجعل أرضه رخاما مفروشا و جعل وجه جدرانه رخاما مجزّعا و أساطینه رخاما موشّی و معاقد رؤوس أساطینه ذهبا و محرابه مذهّب الجملة مرصّعا بالجواهر، و دور السقف کلّه ذهب مکتّب کما یطوّق ترابیع جدار المسجد و یقال إنّه أنفق فیه وحده خراج الشأم سنین، و سطحه رصاص فإذا أرادوا غسله بثقوا الماء الیه فدار علی رقعة المسجد بأجمعه حتّی إذا فجر منه انبسط عنه و عن جمیع الأرکان بالسویّة و کان خراج الشأم علی عهد بنی مروان ألف ألف دینار و فوق ثمان مائة ألف دینار، و من حدّ دمشق بعلبک و هی مدینة علی جبل و عامّة أبنیتها من حجارة و بها قصور من حجارة قد بنیت علی أساطین شاهقة و لیس بأرض الشأم أبنیة حجارة أعجب و لا أکبر منها، و هی مدینة کثیرة الخیر و الغلّات و الفواکه الجیّدة بیّنة الخصب و الرخص و هی قریبة من مدینة بیروت التی علی ساحل بحر الروم و هی فرضتها و ساحلها و بها یرابط أهل دمشق و سائر جندها و ینفرون الیهم عند [52 ب] استنفارهم و لیسوا کأهل دمشق فی جساء الأخلاق و غلظ الطباع و فیهم من إذا دعی الی الخیر أجاب و أصغی و إذا أیقظه الداعی أناب، و لنفس دمشق خاصّیّة بطالعها المحیل بطاعتها الی الخلاف و سمعت عبد الله بن محمّد القلم یقول فی برج الأسد
صورة الأرض، ج‌1، ص: 176
فساد باعوجاج فی درج منه مع شرفه و محلّه و قلّما کان به من بلد أو أوجب له من تربیع و مقابلة لتلک الدرج سبب بنحس و حکم فصفت طاعته و استقامت و ذکر أشیاء فی حکم سمرقند و اردبیل و مکّة و دمشق و صقلّیه و قال لا تصلح لسلاطینها و لا تستقیم لملوکها إلّا بالسیف و أکثر أهل هذه المدن فالغدر أثبت فی نفوسهم و الشرّ أشمل الأحوال علیهم، و ببیروت هذه کان مقام الأوزاعیّ و بها من النخیل و قصب السکّر و الغلّات المتوافرة و تجارات البحر علیها دارّة واردة و صادرة و هی مع حصنها حصینة منیعة السور جیّدة الأهل مع منعة فیهم من عدوّهم و صلاح فی عامّة أمورهم، (10) و أمّا جند حمص فإنّ مدینتها حمص و هی فی مستواة خصبة أیضا و کانت أیّام عمارتها صحیحة الهواء [من أصحّ بلدان الإسلام تربة] و کان فی أهلها خبال و یسار فدخلها الروم غیر دفعة فأحالوها و لیس بها عقارب و لا حیّات و إذا أدخلت الحیّة و العقرب الیها ماتت و لها میاه و أشجار و کانت کثیرة الزرع و الضرع و کانت أکثر زروع رساتیقها بخوسا أعذاء، و بها بیعة بعضها مسجد الجامع و شطرها للنصاری فیه هیکلهم و مذبحهم و بیعتهم من أعظم بیع الشأم، و دخلها الروم وقتنا هذا فأتوا علی سوادها و أخربوها، و جمیع طرق حمص من أسواقها و سککها مفروشة بالحجارة مبلّطة و قد زاد اختلالها بعد دخول الروم الیها و انصراف سلطانها عنها [ثمّ إنّ قوما استوطنوا ممّن سلم من الروم] و قد أتت البادیة علی ظاهرها و رساتیقها و ما أظنّ الروم ترکت بها رمقا لما بعد، و انطرطوس حصن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 177
علی البحر ثغر لأهل حمص فیه مصحف عثمن بن عفّان و علیه سور من حجارة یمنع أهلها من بادیة و قصدها من الروم استباحة و قد نجوا غیر مرّة من الروم لقلّة اکتراثهم بما فی البلد و رزوح حال أهله و لم یقف نقفور علیه لهذا من سبب، و شیزر و حماة مدینتان صغیرتان نزهتان کثیرتا المیاه و الشجر و الزرع و الفواکه و الخضر حصینتان فی ذاتهما لذاتهما، (11) و جند قنّسرین فمدینتها حلب و کانت عامرة غاصّة بأهلها کثیرة الخیرات علی مدرج طریق العراق الی الثغور و سائر الشأمات و افتتحها الروم [و کان الروم قد افتتحها فی تأریخ ثلثمائة و نیّف و سبعین] مع سور علیها حصین من حجارة لم یغن عنهم من العدوّ شیئا بسوء تدبیر سیف الدولة و ما کان به من العلّة فأخرب جامعها و سبی ذراریّ أهلها و أحرقها، و لها قلعة غیر طائلة و قد عمرت وقتنا هذا و لجأ الیها فی وقت فتح حلب قوم فنجوا ، و هلک بحلب [53 ظ] وقت فتحها من المتاع و الجهاز للغرباء و أهل البلد و سبی منها و قتل من أهل سوادها ما فی إعادته علی وجهه إرماض لمن سمعه و وهن علی الإسلام و أهله، و کان لها أسواق حسنة و حمّامات و فنادق کثیرة و محالّ و عراص فسیحة و مشایخ و أهل جلّة، [و هی الآن فی زماننا و هو تأریخ نیّف و سبعین و خمس مائة للهجرة أحسن ممّا کانت قدیما و أکثر عمارة مأهولة بالمشائخ و الرؤساء و أمّا قلعتها فهی حصینة منیعة فی غایة الإحکام لا یقدر علیها،] و هی الآن بخسّة أمیرها و دناءة نفسه مملوکة من جهتین إحداهنّ أنّها فی قبضة الروم مجزیّة یؤدّی کلّ إنسان عن داره و دکّانه جزیة و الثانیة أنّ أمیرها إذا وردها متاع من خسیس و نفیس اشتراه من جالبها و باعه هو لأهلها علی أقبح صورة و أخسّ جهة و ما یستثار بها من خلّ و صابون فهو یعمله و یبیعه و لیس بها مبیع و لا مشتری
صورة الأرض، ج‌1، ص: 178
إلّا و له فیه مدخل قبیح، و شرب أهلها من نهر بها یعرف بأبی الحسن فویق و فیه قلیل طفس و لم تزل أسعارها فی الأغذیة قدیما و جمیع المآکل و المشارب واسعة رخیصة [و علیهم الآن للروم فی کلّ سنة قانون یؤدّونه و ضریبة تستخرج من کلّ دار و ضیعة معلومة] و کأنّ الهدنة التی هم فیها مع الروم محلولة معقودة لأنّ الأمر فی حلّها و عقدها الی الروم و إن کانت أحوالها کالمتماسکة و الأمور التی تجری معهم کالراخیة فلیست فی جزء من عشرین جزء ممّا کانت علیه و فیه فی قدیم أوقاتها و سالف أیّامها، و قنّسرین مدینة تنسب الکورة الیها و هی من أضیق تلک النواحی بناء و إن کانت نزهة الظاهر مغوثة فی موضعها بما بها من الرخص و السعة فی الخیرات و المیاه [فاکتسحتها الروم فکأنّها لم تکن إلّا بقایا دمن فدیتها من دمن] ، و معرّة النعمن مدینة هی و ما حولها من القری أعذاء لیس بجمیع نواحیها ماء جار و لا عین و کذلک جمیع جند قنّسرین أعذاء و شربهم من ماء السماء و هی مدینة کثیرة الخیر و السعة فی التین و الفستق و ما شاکل ذلک من الکروم و الأزبّة، و بینها و بین جبلة المدینة التی کانت علی ساحل بحر الروم [....] و کان رؤساؤها بنی وزیر فافتتحها نقفور و سبی منها خمسة و ثلثین ألف مرأة و صبیّ و رجل بالغ بلقاء العدوّ و یمانع عن نفسه، و حصن برزویه و هو حصن حصین و حجر منیع وقف علیه الروم غیر وقت فاستحسنوه و لم یتعرّضوه ثمّ هادنوا أهله خوفا ممّا علق ببلاد
صورة الأرض، ج‌1، ص: 179
المسلمین من الخذلان و هلاک السلطان و قلّة الإیمان و إن بقیت الحالة علی ما نحن به فالأمر سهل و المخوف المتوقّع أعظم و أجلّ و کأنّ الناس وقتنا هذا فی شغل بأحزانهم عن ذکر سلطانهم و هلاک أدیانهم و خراب أوطانهم و فساد شأنهم عن برزویه و حصنه و قد ملکه الروم وقتنا هذا و کأنّنا بآمد و قد [قیل أسلمه أهله] ، و کانت جزیرة قبرس تحاذی جبلة فی وسط البحر الرومیّ و بینهما مجری یوم و لیلة و کانت للروم و المسلمین فاستخلصها الروم و استصفوها بأمور أکثر ضررها من المسلمین جری و عن تفریطهم حدث، و الخناصرة و هی حصن یحاذی قنّسرین الی ناحیة البادیة و علی شفیرها و سیفها کان یسکنه عمر بن عبد العزیز رضی الله عنه و کانت صالحة فی قدرها مغوثة للمجتازین علیها فی وقتنا لأنّ الطریق انقطع فی غیر وقت من بطن الشأم علی التجّار باعتراض السلطان علیهم و بما سرح الروم بالشأم فی غیر وقت فلجؤا الی طریق البادیة لبوار السلطان و استیلاء الأعراب علی الولاة و خفروا و ساروا بالأدلّاء و عن قریب [53 ب] یکفّ التجّار فقرهم و تنقطع سابلتهم و طرقهم، (12) و العواصم اسم الناحیة و لیس بمدینة تسمّی بذلک و قصبتها انطاکیة و کانت بعد دمشق أنزه بلاد الشأم و علیها الی هذه الغایة سور من صخر یحیط بها و بجبل مشرف علیها فیه لهم مزارع و مراع و أشجار و أرحیة و ما یستقلّ به أهلها من مرافقها و یقال أنّ دور السور للراکب یوم و لهم میاه تجری فی أسواقهم و دورهم و سککهم و مسجد جامعهم و کان لها ضیاع و قری
صورة الأرض، ج‌1، ص: 180
و نواح خصبة حسنة فاستولی علیها العدوّ و ملکها و قد کانت اختلّت قبیل افتتاحها فی أیدی المسلمین و هی الآن أشدّ اختلالا و رزوحا و فتحها الروم فی أوّل سنة تسع و خمسین فما اضطرب فیها من قطع شعرة للروم و لا توصّل فی نصرتها برأی صحیح و لا مشلوم و بجوارها من السلاطین و البوادی و القروم و الملوک من قد أشغله یومه عن غده و حرامه و حطامه عمّا أوجب الله تعالی و السیاسة و الریاسة علیه فهو یلاحظ ما فی أیدی تجّار بلده و یشتمل علیه ملک رعیّته لیوقع الحیلة علی أخذه و الشبکة علی صیده و الفخّ علی ما نصب له ثمّ لا یمتّع به فیسلب عمّا قریب ما احتقب من الحطام و جمع من الآثام ، [فاستولی علی أکثر نواحیها المسلمون منذ ملکها و ذلک فی السنة الثامنة و التسعین و أربعمائة للهحرة،] (13) و مدینة بالس مدینة علی شطّ الفرات من غربیّه صغیرة و هی أوّل مدن الشأم من العراق و کان الطریق الیها عامرا و منها الی مصر و غیرها سابل و کانت فرضة لأهل الشأم علی الفرات فعفت آثارها و درست قوافلها و تجّارها [بعد سیف الدولة] و هی مدینة علیها سور أزلیّ و لها بساتین فیما بینها و بین الفرات و أکثر غلّاتها القمح و الشعیر و یعمل بها من الصابون الکثیر الغزیر، [و من مشهور أخبارها أنّ المعروف بسیف الدولة علیّ بن حمدان عند انصرافه عن لقائه صاحب مصر و قد هلک جمیع جنده أنفذ الیها المعروف بأبی حصین القاضی فقبض من تجّار کانوا بها معتقلین عن السفر و لم یطلق لهم النفوذ مع خوف نالهم فأخرجهم عن أحمال بزّ و أطواف زیت الی ما عدا ذلک من متاجر الشأم فی دفعتین بینهما شهور قلائل و أیّام یسیرة ألف ألف دینار،] و بالقرب من بالس مدینة منبج و هی مدینة خصبة حصینة و کثیرة الأسواق الأزلیّة عظیمة الآثار الرومیّة و لها من ناطف الزبیب المعمول بالجوز و الفستق و السمسم ما لم أر له شبها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 181
إلّا ما ببخارا منه فإنّه یزید علیه فی الحلاوة و یجعل البخاریّون فیه الطیب علی العموم فهو لذیذ و بمنبج من الکروم الأعذاء علی وجه الأرض فی سائر ضیاعها ما یزید علی الکثرة و یحمل أزبّتهم الی حلب و غیرها و هی مدینة برّیّة و أرض ثریّة حمراء خلوقیّة الغالب علی مزارعها البخوس و علیها سور أزلیّ، و بقربها مدینة سنجة و هی مدینة صغیرة بقربها قنطرة حجارة تعرف بقنطرة سنجة لیس فی الإسلام قنطرة أعجب و لا أعظم منها و یضرب بها المثل فیقال من عجائب الدنیا کنیسة الرها و قنطرة سنجة ، و مدینة سمیساط علی نفس الفرات و تقارب المدینة المسمّاة جسر منبج و هما مدینتان صغیرتان حصینتان لهما سقی کبیر من میاه بهما و زروعهم بخوس و ماؤهما من الفرات، (14) و کانت مدینة ملطیه مدینة کبیرة من أجلّ الثغور و أشهرها و أکثرها سلاحا و أجلدها رجالا دون جبل اللکام الی ما یلی الجزیرة و تحتفّ بها أیضا جبال کثیرة بها مباح الجوز و اللوز و الکروم و الرمّان و سائر الثمار الشتویّة و الصیفیّة و هی مباحة لا مالک لها و هی من أقوی بلد للروم فی هذا الوقت [54 ظ] یسکنها الأرمن و فتحت فی سنة تسع عشرة و ثلثمائة فکانت أوّل مصیبة دخلت علی الإسلام من جهة الثغور ثمّ انثالت المصائب علی الناس فی ثغورهم و أنفسهم و أموالهم و أسعارهم و أبشارهم و سلاطینهم فنسیت ، و کانت المدینة المعروفة بحصن منصور صغیرة حصینة فیها منبر و لها رستاق و قری برسمها أعذاء فاستأثر القضاء بهلاکها علی أیدی بنی حمدان و الروم، و کانت الحدث و مرعش مدینتین صغیرتین افتتحهما الروم قبل هذا الحین و أعادهما سیف الدولة علیّ بن عبد الله
صورة الأرض، ج‌1، ص: 182
و عاد الروم فانتزعوهما ثانیا من المسلمین [و عاد المسلمون فتحوها و کان فتحها مسعود بن قلج ارسلان السلجوقیّ صاحب بلاد الروم سنة خمس و أربعین و خمسمائة و هی بید المسلمین الآن] و کان لهما زروع و أشجار و فواکه و کانتا ثغرین یرابط فیهما المسلمون و یجاهدون فیغنمون فساءت النیّات و فتحت الأعمال و ارتفعت البرکات و لجّ الملوک فی الاستئثار بالأموال و العامّة فی المعاصی علی الإضرار فهلک العباد و تلاشت البلاد و انقطع الجهاد و بذلک نطق وحیه تعالی إذ یقول و إذا أردنا أن نهلک قریة أمرنا مترفیها الآیة ، و کانت الهارونیّة من غربیّ جبل اللکام و فی بعض شعابه حصنا صغیرا بناه هرون الرشید و أدرکته فی غایة العمارة و أهله فی جهادهم فی نهایة الجلد و الشطارة یغزون فیغنمون و یتلصّصون علی بلد الروم فیسلمون و قد ملکه الروم، و کانت الإسکندرونة أیضا حصنا علی ساحل بحر الروم ذا نخیل و زروع کثیرة و غلّة و خصب فدخله العدوّ و ملکه فهوّله، و کذلک التینات حصن کان علی شطّ البحر فیه مقطع لخشب الصنوبر الذی کان ینقل الی الشأم و مصر و الثغور منه ما لا یحصی و کان فیه رجال قتّال أجلاد لهم علم بمضارّ بلد الروم و معرفة بمخائضهم و مهالکهم، و کانت الکنیسة أیضا حصنا فیه منبر ثغر فی معزل من ساحل البحر یقارب حصن المثقّب الذی کان استحدثه عمر بن عبد العزیز رضی الله عنه و عمره و کان فیه منبره و مصحفه بخطّه و سکّانه قوم سراة من ولد عبد شمس اعتزلوا الدنیا و رفضوا المکاسب و کان لهم ما یقوتهم من المباح فهلکا جمیعا، و کانت عین زربة بلدا یشبه مدن الغور به النخیل و الخصب و السعة فی الثمار و الزرع و هی المدینة التی کان وصیف الخادم همّ بالدخول منها الی بلد الروم فأدرکه المعتضد بها و کانت حسنة الداخل و الخارج نزهة من داخل سورها جلیلة فی جمیع أمورها،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 183
(15) و کانت المصیّصة مدینتین إحداهما تسمّی المصّیصة و الأخری کفربیا علی جانبی جیحان و بینهما قنطرة حجارة و کانتا حصینتین علی نشز من الأرض و شرف ینظر منها الجالس فی مسجد جامعها الی نحو البحر أربعة فراسخ کالبقعة کانت بین یدیه خضرة نضرة جلیلة الأهل نفیسة القدر کثیرة الأسواق حسنة الأحوال، و جیحان نهر یخرج من بلد الروم حتّی ینتهی الی المصّیصة ثمّ الی رستاق یعرف بالملوان فیقع فی بحر الروم و کانت علیه من القری و الضیاع الکثیرة الماشیة و الکراع ما لم یبق منهم نافخ نار، و کانت اذنه أیضا مدینة کأحد جانبی المصّیصة علی نهر سیحان فی غربیّ النهر و سیحان دون جیهان فی الکبر علیه قنطرة [54 ب] عجیبة البناء طویلة جدّا و یخرج هذا النهر من بلد الروم أیضا و کانت جلیلة الأهل حسنة المحلّ فی کلّ أصل و فصل و علی سمت طریق طرسوس، فأمّا مدینة طرسوس فکانت المدینة المشهورة المستغنی بشهرتها عن تحدیدها کبیرة استحدثها المأمون بن الرشید و مدّنها و جعل علیها سورین من حجارة و کانت تشتمل من الخیل و الرجال و العدّة و العتاد و الکراع و السلاح و العمارة و الخصب و الغلّات و الأموال و السعة فی جمیع الأحوال علی حال لم یتّصل بمثله ثغر من ثغور المسلمین لکافر و لا مسلم الی عزّ تامّ و نصر عامّ علی جمیع من ولیها من رجال الإسلام فما غزا فی برّ أو بحر إلّا و صحبه من الظفر و النصر و الغنائم بالقسر و القهر ما ینطق الأخبار بتصدیقه و الآثار بتحقیقه و کان بینها و بین حدّ الروم [جبال] منیعة متشعّبة من اللکام کالحاجز بین العملین، و رأیت غیر عاقل ممیّز و سیّد حصیف مبرّز یشار الیه بالدرایة و الفهم و الیقظة و العلم و الفطنة و السیاسة و الریاسة یذکر أنّه کان بها مائة ألف فارس و بعملها و ذلک عن قریب عهد من الأیّام [التی]
صورة الأرض، ج‌1، ص: 184
أدرکتها و شاهدتها و کان السبب فی ذلک أن لیس مدینة عظیمة من حدّ سجستان و کرمان و فارس و خوزستان و الریّ و اصبهان و جمیع الجبال و طبرستان و الجزیرة و اذربیجان و العراق و الحجاز و الیمن و الشأمات و مصر و المغرب إلّا و بها لأهلها دار و رباط ینزله غزاة تلک البلدة و یرابطون بها إذا وردوها و ترد علیها الجرایات و الصلات و تدرّ علیهم الأنزال و الحملان العظیمة الجسیمة الی ما کان السلاطین یتکلّفونه و أرباب النعم یعانونه و ینفذونه متطوّعین و یتحاضّون علیه متبرّعین و لم یکن فی ناحیة ذکرتها رئیس و لا نفیس إلّا و له علیها أوقاف من ضیاع ذوات أکرة و زرّاع و غلّات أو مسقّف من فنادق و دور و حمّامات و خانات هذا الی مشاطرة من الوصایا بالعین الکثیر و الورق و الکراع الغزیر فهلکت و هلکوا و ذهبت و ذهبوا و کأنّهم لم یقطنوها و عفوا و کأنّهم لم یسکنوها حتّی لصاروا کما قال جلّ ذکره هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم رکزا ، و کانت اولاس حصنا علی ساحل البحر فیه قوم متعبّدون حصینا و کانت فیهم خشونة فی ذات الله و کان فی آخر ما علی بحر الروم من العمارة فکانت ممّا بدأ به العدوّ، و بغراس حصن کان فیه منبر علی طریق الثغور و کانت فیه دار ضیافة لزبیدة و لم یکن للمسلمین بالشأم دار ضیافة غیرها، (16) و أمّا البحیرة المیّتة فهی من الغور فی صدر الشأم بقرب زغر و إنّما تسمّی المیّتة لأنّه لا شی‌ء فیها من الحیوان إلّا شی‌ء تقذف به یعرف بالحمریّة و أهل زغر بناحیة یلقحون کرومهم و کروم فلسطین کما تلقح النخل بالطلع الذکر و کما یلقح أهل المغرب تینهم بذکارهم، و زغر مدینة حارّة جرومیّة متّصلة بالبادیة صالحة الخیرات و بها من عمل النیل و التجارة به و فیه ما لا یقصر عمّا بکابل من صنّاعه و عمّاله غیر أنّه یقصر عن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 185
صباغ نیل کابل، و بزغر بسر یقال له الانقلاء و لیس بالعراق [55 ظ] و لا بمکان من الأرض أعذب منه و لا أحسن من منظره لونه کالزعفران فلم یغادر منه شیئا و یکون فی أربعة منه رطل، و دیار قوم لوط و هی الأرض المعروفة بالملعونة و لیس بها زرع و لا ضرع و لا حشیش [و لا نبات] و هی بقعة سوداء قد افترشتها حجارة متقاربة فی الکبر و یروی أنّها الحجارة المسوّمة التی رمی به قوم لوط و علی جمیع تلک الحجارة کالطابع من وجهیها و هی شی‌ء کقوالیب الجبن المستدیرة هیآتها و خلقها فلا یری فیها ما یخالف شیئا من أشکالها، و معان مدینة صغیرة علی شفیر البادیة أیضا سکّانها بنو أمیّة و فیهم لبنی السبیل مرفق و مغوثة، و حوران و البثنیة رستاقان عظیمان من جند دمشق مزارعها مباخس و یتّصل أعمالهما بحدود نهر بین الذی عند البلقاء و عمان الذی جاء فی الخبر أنّه نهر من رکیّ الحوض و أنّه ما بین بصری و عمان، (17) فأمّا المسافات بالشأم فإنّ طولها من حدّ ملطیه الی رفح و الطریق من ملطیه علی منبج و بینهما أربعة أیّام و من منبج الی حلب یومان و من حلب الی حمص خمسة أیّام و من حمص الی دمشق خمسة أیّام و من دمشق الی طبریّة أربعة أیّام و من طبریّة الی الرملة ثلثة أیّام و من الرملة الی رفح یومان فالجمیع خمسة و عشرون یوما، و عرضها فی بعض المواضع أکثر من بعض و ذلک أنّ أعرضها طرفاها و أحد طرفیها من الفرات من جسر منبج علی منبج ثمّ علی قورس فی حدّ قنّسرین ثمّ علی العواصم فی حدّ انطاکیه ثمّ یقطع جبل اللکام الی بیاس ثمّ الی التینات
صورة الأرض، ج‌1، ص: 186
ثمّ علی المثقب ثمّ علی المصّیصة و علی اذنه ثمّ علی طرسوس و ذلک نحو عشر مراحل، و إن سلکت من بالس الی حلب ثمّ الی انطاکیه ثمّ الی الاسکندرونة ثمّ الی بیاس حتّی تنتهی الی طرسوس فالمسافة أیضا نحو عشر مراحل غیر أنّ السمت المستقیم هو الطریق الأوّل، و أمّا الطرف الآخر فهو من حدّ فلسطین فیأخذ من البحر من حدّ یافا حتّی ینتهی الی الرملة ثمّ الی بیت المقدس ثمّ الی ریحا ثمّ الی زغر ثمّ الی جبال الشراة الی أن ینتهی الی معان و مقداره المذکور ستّ مراحل، فأمّا ما بین هذین الطریقین من الشأم فمختصر و لا یکاد یزید عرض موضع الاردنّ و دمشق و حمص علی أکثر من ثلاث مراحل لأنّ من دمشق الی بیروت علی بحر الروم مسیرة یومین غربا و الی أقصی الغوطة من دمشق حتّی یتّصل بالبادیة مشرقا یوم و من حمص الی انطرطوس التی علی بحر الروم مسیرة یومین غربا و من حمص الی سلمیّة علی البادیة مشرقا یوم، و من طبریّة الی صور التی علی البحر غربا مرحلة و منها الی أن یجاوز فیق علی دیار بنی فزارة مشرقا دون المرحلة ، و هذه مسافات طول الشأم و عرضه، (18) و المسافة فی أضعافه فالمبتدأ بفلسطین إذ هی أول أجناد الشأم ممّا یلی المغرب و قصبتها الرملة و منها الی یافا نصف مرحلة و من الرملة الی عسقلان مرحلة و منها الی غزّة [دون] مرحلة، و من الرملة الی بیت المقدس یوم و من بیت المقدس الی مسجد إبراهیم علیه السلم یوم و من بیت المقدس الی ریحا مرحلة و من بیت المقدس الی البلقاء مرحلتان، و من الرملة الی قیساریّة [55 ب] مرحلة و من الرملة الی نابلس مرحلة و من ریحا الی زغر مرحلتان و من زغر الی جبال الشراة مرحلة و من جبال الشراة الی آخر الشراة مرحلة، و قصبة الأردنّ طبریّة و منها الی صور یوم
صورة الأرض، ج‌1، ص: 187
و منها الی عقبة فیق مرحلة و منها الی بیسان مرحلتان خفیفتان و منها الی عکّا یوم، و الاردنّ أصغر أجناد الشأم و أقصرها مسافة و لم تزل فی ید أبی منصور أحمد بن العبّاس محلولة و معقودة سنین کثیرة بمائتی ألف دینار ، و أمّا جند دمشق فدمشق قصبتها و منها الی بعلبک یومان و منها الی بیروت [یومان و من بیروت] الی اطرابلس یومان و من بیروت الی صیداء یومان و من دمشق الی اذرعات أربعة أیّام و الی أقصی الغوطة یوم و الی حوران و البثنیة یومان، و جند قنّسرین فقنّسرین مدینتها غیر أنّ الإمارة و الأسواق و مجمع ناسها و العمارات انتقلت الی حلب و من حلب الی [بالس یومان و من حلب الی قنّسرین یوم و من حلب الی الاثارب یوم و من حلب الی] قورس یوم و من حلب الی منبج یومان و من حلب الی الخناصرة یومان، (19) و قد مرّ فی ذکر العواصم ما صارت الیه من ملک الروم لها ما یغنی عن إعادة فیها ، [و العواصم قصبتها انطاکیة و کان منها الی اذنة ثلاث مراحل و منها الی بغراس یوم و الی الاثارب یومان و الی حمص أربع مراحل و منها الی مرعش یومان و الی الحدث ثلاث مراحل،] و الثغور فلا قصبة لها و کلّ مدینة قائمة بنفسها و منبج مدینة قریبة من الثغور و منها الی الفرات مرحلة خفیفة، و من منبج الی قورس مرحلتان و منها الی ملطیه أربعة أیّام، [و من منبج الی سمیساط یومان و من منبج الی الحدث یومان، و من سمیساط الی شمشاط مرحلتان و من شمشاط الی حصن منصور یوم و من حصن منصور الی ملطیة یومان، و من حصن منصور الی زبطرة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 188
یوم و من حصن منصور الی الحدث یوم، و من ملطیة الی مرعش ثلاث مراحل کبار و من مرعش الی الحدث یوم، فهذه مسافات الثغور الجزریّة،] و کذا الثغور الشأمیّة ، [و أمّا الثغور الشأمیّة فمن الاسکندرونة الی بیاس مرحلة خفیفة و من بیاس الی المصّیصة مرحلتان و من المصّیصة الی عین زربة مرحلة و من المصّیصة الی اذنة مرحلة و من اذنة الی طرسوس مرحلة و من طرسوس الی اولاس علی بحر الروم یومان و من طرسوس الی الحوزات مرحلتان و من طرسوس الی بیاس علی بحر الروم فرسخان و من بیاس الی الکنیسة و الهارونیّة أقلّ من یوم و من الهارونیّة الی مرعش من ثغور الجزیرة مرحلة فهذه جملة مسافات الثغور،] (20) و قد انتهی القول فیما قصدت ذکره من الشأم بعد ذکر المغرب و مصر و الشأم فی أقالیم ممتدّة علی بحر الروم، و قد استوفیت أیضا ذکره و لا وجه لذکر ارتفاع ما خرج عن أیدی أهل الشأم و الباقی من الشأم فی أیدی المسلمین و حکمهم فیه نافذ و أمرهم فیه ماض فهو ما کان علی ساحل بحر الروم [من] حدّ اطرابلس و انفه الی نواحی یافا و عسقلان [لأنّ اللاذقیّة و ما نزل عنها و حاذاها تحت جزیتهم و مقاطعتهم] ، و ما عدا ذلک فللروم و قبضتهم و حوزتهم قد استولت علیهم أسیافهم و الحکم فیه الیهم، و قد أقام کثیر من أهلها فیما رضوا منهم فیه بالجزیة و أظنّهم بآخرة صائرین الی النصرانیّة أنفة من ذلّة الجزیة و رغبة مع حذق المؤونة فی العزّ و الراحة، فأمّا تقدیر ما بقی منها لم أذکره فمذ سنون کثیرة لم یقع لها قانون صحیح و لا استخراج علی طریقته و صحّته و ذلک أنّها مذ سنة أربعین بین قوم
صورة الأرض، ج‌1، ص: 189
یتطاول أحدهم علی الآخر و أکثرهم غرضه ما احتلبه فی یومه و حصّله لوقته لا یرغب فی عمارة و لا یلتفت الیها برؤیة و لا إشارة، و کان ارتفاعه قدیما بعد ما یخرج منه فی لوازم السلطان و أرزاق الجند و المتصرّفین من الکتّاب و العمّال [56 ظ] تسعة و ثلثین ألف ألف درهم و خمس مائة ألف درهم ، [و رأیت ارتفاع الشأم و ما فی ضمنها من الأعمال و الأجناد و التی أقف علیه من جماعة علیّ بن عیسی و محمّد بن سلیمان لسنة ستّ و تسعین و مائتین و سنة ستّ و ثلثمائة من جمیع وجوهها الی حقوق بیت المال و ما یلزم له من التوابع دون أرزاق العمّال تسعة و ثلاثون ألف ألف درهم]،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 190

[بحر الروم]

(1) و سأصل ذلک بذکر بحر الروم و تصویره إذ هو خلیج من البحر المحیط علیه أکثر هذه الدیار و قد أتیت به علی التقریب لا علی الحقیقة إذ بعضه أشبه شی‌ء بالدائرة المحدّدة، و مخرجه بین أرض الاندلس و أرض طنجة و سبتة و هذه الناحیة محاذیة من الاندلس لجزیرة جبل طارق و اشبیلیه و عرض هذا المخرج بهذا المکان المعروف باشبرتال و هو جبل عال و یمتدّ جنوبیّا الی سله و یحاذیه من العدوة الاندلسیّة جبل الأغر و یمتدّ الی لبله بناحیة الشمال من الاندلس فیکون نحو اثنی عشر میلا ثمّ لا یزال یتّسع و یعرض و یمتدّ علی سواحل المغرب و ممّا یلی شرقیّ هذا البحر حتّی ینتهی [الی] أقاصی أرض مصر ممتدّا علی أرضها الی الشأم متّصلا علیها الی الثغر الذی کان یعرف بطرسوس و یعطف الی بلدان الروم من جبال اقلیمیه الی انطالیه ثمّ یصیر الی خلیج القسطنطینیّة و یمضی علی سواحل اثیناس و سواحل قلوریه و الانکبرذة الی افرنجه و رومیه و یصیر البحر حینئذ جنوبیّا لأرض جلیقیه و یکون علی ساحله الافرنجة الی أن یتّصل بطرطوشه من بلاد الاندلس و یمتدّ علی النواحی [56 ب] التی تقدّم ذکرها فی صفة الاندلس و یجاوز المریة و أعمال الجزیرة و اشبیلیه و یمضی علی البحر المحیط الی شنترین و هی آخر بلاد الإسلام من ناحیة الاندلس و جانب بلد الروم، (2) و لو أنّ امرءا سار من سبتة و طنجة علی ساحل هذا البحر المغربیّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 191
مؤمّلا أن یعود الی ما یحاذیه من أرض الاندلس لدار علی جمیع بحر الروم من حیث لا یمنعه مانع إلّا نهر یلقی الیه أو یفرع فیه أو خلیج القسطنطینیّة فإنّه یفضی الیه من البحر المحیط أیضا و ذلک أنّه انفصل به من الأرض فاصلة حازت شطر بلد الصقالبة و بعض بلد الروم فسمّیت الأرض الصغیرة و الذی تحوز من البلاد معما ذکرته أرض قلوریه و جلیقیه و افرنجه و الاندلس فجعل ذلک جزیرة لیست مع الأرض الکبیرة و لا متّصلة بشی‌ء منها لأنّها قائمة بنفسها و لم یحتج الی أن یدلّه دلیل إن أمکنه ذلک، (3) [57 ظ] و ما فی بطن هذه الصفحة صورة بحر الروم و ما علیه من نواحیهم و شکله فی نفسه و إن کنت سقته علی ما أتیت به من الاستطالة فی صورة المغرب فهو من الاستدارة علی هذا الشکل، [57 ب] إیضاح ما یوجد فی صورة بحر الروم من الأسماء و النصوص، قد صوّر البحر فی وسط الصورة و یکون علی ساحله الأیسر من المدن طنجه، تنس، برشک، اشرشال ، تامدفوس ، دمیاط، ثمّ فی البحر تنیس، ثمّ علی الساحل الفرما، عسقلان، یافا، بیروت، اطرابلس، اللاذقیه ، ثمّ نهر ثمّ بیاس ثمّ نهر ثان علیه من المدن کفربیا و المصیصه، ثمّ نهر ثالث علیه عین زربه و اذنه ، ثمّ نهر رابع علیه طرسوس و عن یمین طرسوس الرمانه و عند طرف الصورة الأسفل ... اربه ، و عن یمین ذلک یأخذ من طرف الصورة الأسفل نهر کتب عند منتهاه نهر الزیت ثمّ عمود الفرات، و علی ضفّة هذا النهر فی الجانب الأسفل ملطیه، تل موزن ، هباب، و ینصبّ فیه عند تل موزن نهر ارسناس و علیه مدینة ارسناس، و عن یمین ملطیه یبتدئ نهر آخر و هو دجلة و علیها من المدن آمد، کافا ، التل، و فی الجانب الآخر من نهر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 192
ارسناس بینه و بین عمود الفرات من المدن الاردیس، قالیقلا، بدلیس، منازجرد، خلاط، و ینصبّ فی الفرات من الجانب الأعلی نهران أحدهما نهر قباقب و عند فوهته قباقب، و کتب فی الساحة بین نهر قباقب و الفرات و البحر بلد ولد الأصفر و فیه من المدن ذو الکلاع، کونیه، سمندوا، زبطره، و النهر الثانی المنصبّ فی الفرات نهر غیلقط و بینه و نهر قباقب من المدن کمخ، صارخه، الرنلین ، خرشنه ، و عند مبتدأ نهر قباقب تنس ، ثمّ عند مبتدأ نهر غیلقط أرض الصرهوه و بین نهر غیلقط و الفرات التی ، و رسم من أعلی ذلک نهر الس الذی ینصبّ فی البحر و عند مبتدئه مدینة الس، و یأخذ من هذا النهر نهر آخر الی الأعلی کتب عنده وادی اللقان و عن یمین هذا النهر مدینة صاغره و عند فوهته البلقلار ثمّ عن یمینها علی الساحل .. ا. سور ، و فی هذا القسم الأیمن من الصورة من البلاد رستاق خونص و بلد الطرقسیس و بلد الناطلیق و بلد هرقله، و یکون فی الجانب الأعلی من نهر الس ابتداء عن الیسار سطرابلین و سوسطه و من أعلی سطرابلین علی البحر افسوس و کتب عندها بلد أهل الکهف، ثمّ علی وادی اللقان قومنه و کتب عن یسارها بلد بن الشمشکی، و عند مصبّ وادی اللقان فی الخلیج بحیرة نقموذیه و من أسفل البحیرة نقموذیه و ماسیه ، و من أعلی سوسطه الی جهة خلیج القسطنطینیّة من المدن افخایطه، الابسیق، طموذیه ، خلقذونیه ، و عن یسار ذلک البلقلار، و نیقیه و فی قطعة من البرّ تدخل فی البحر انطالیه ، و علی وسط الخلیج من الجانب الأعلی القسطنطینیه و کتب عن یسارها مجذونیه، و فوق ذلک صورة بحر الروم و هو عنوان الصورة، و کتب فوق ذلک فی البرّ بهذه النواحی غیر أمّة بلغة و لسان غیر لسان من جاورها متصاقبین متجاورین علی اختلافهم و تضادّهم و بعضهم فی طاعة عظیم الروم و بعضهم بل جلّهم و أکثرهم فی غیر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 194
طاعته و إنّ جمیعهم یختلفونه و الدیانة بالنصرانیّة، و عن یسار ذلک یقرأ موازیا لخطّ الجبل هذا الجبل عظیم مدید یزعم حسدای بن اسحاق أنّه متّصل بجبال ارمینیه و یقطع بلد الروم فیصل فیه الی خزران و جبال ارمینیه و کان بهذه النواحی خبیرا لأنّه دخلها و لقی أکابر ملوکها و رجالها، و کتب فی الجانب الآخر من الجبل الانکبرذه، و عن یسار ذلک صوّر الاندلس و فیه من المدن قرطبه و اشبیلیه و المریه ثمّ المریه مرّة ثانیة فی البرّ و من أسفل ذلک بلاد غلجشکش ، بشکونس ، رومیه ، افرنجه، ثمّ من أسفل ذلک قسم من الأرض داخل فی البحر یقرأ فیه أرض قلوریه و علی ساحلها من المدن مسنیان ، کسشه ، منتیه ، ریو، ابن ذقتل ، بوه، قسطرقوقه ، جراجیه ، استلو ، سبرینه ، قطرونیه ، رسیانه ، قسانه ، ثمّ یلی ذلک الی الأسفل جون کتب عنده فی البرّ هذا جون البنادقین و فیه جزائر کثیرة مسکونة و أمم کالشاغرة و ألسنة مختلفة من افرنجیین و نمتین و صقالبه و برجان و غیر ذلک، و علی طرفی الجون مدینتا بذرنت و اذرنت، ثمّ من أسفل ذلک ناحیة أخری داخلة فی البحر یقرأ فیها هذه أرض بلبونس دورها ألف میل و فیها أمم من الروم و بها نیّف و سبعون حصنا عامرا و یضیق طرفاها حتّی یصیر ستّة أمیال و تدعا کسمیلی، [58 ظ] هذه صورة بحر الروم و ما اتّجه من رسم مشاهیر مدنه من مشرقه التی هی مختصّة ببنی الأصفر و کیفیّة الخلیج القاطع لبلد الروم علی نواحی اطرابزنده الی نفس القسطنطینیّة و اجتیازه بأرض مجذونیه الی أن یفرع فی بحر الروم مع إعادة ما اتّصل به من النواحی الی بلد الاندلس،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 195
(4) و سمعت أبا الحسین محمّد بن عبد الوهّاب التلّ موزنیّ و کان رجلا قد أناف علی مائة سنة ثابت العقل صالح الأدب یقول سیّرت من کمخ و هی مدینة للروم صالحة القدر عامرة علی برید الملک الی القسطنطینیّة مائة و ستّة و ثمنین بریدا فلمّا عدتّ من القسطنطینیّة حین خروجی عنها عدتّ علی انقره و هی مدینة کبیرة خراب الی ملطیه مائة و ثمنیة و عشرین بریدا، فکان من کمخ الی صارخه یومان و الی مدینة خرشنه یومان، و سیّرت علی مدن لا أعرف أسماءها عامرة الی صاغره و هی علی نهر آلس فعبرناه بمرکب و سرنا فی المرکب بالبحیرة ستّة فراسخ و سرنا یوما آخر علی الظهر الی مدینة تعرف بنقموذیه و رکبنا منها فی البحر یومین و صرنا الی مدینة تعرف بخلقذونیه فبتنا بها و سیّرنا فی السحر فرکبنا فی الخلیج و صبّحنا القسطنطینیّة و البرید عندهم فرسخ، قال و کنت أسمع أنّ للملک أربعة حبوس دون دار البلاط التی یحبس بها أسراء الملک فی رساتیق لهم، فأحدها یعرف بالطرقسیس و الآخر بالابسیق و الآخر بالبلقلار و الآخر بالنومره، قال و الطرقسیس و الابسیق أرفههما لأنّهما لا قیود فیهما و البلقلار و النومره ضیّقان و من حبس فی دار البلاط فبالنومره ابتداء حبسه ثمّ ینقل و هو حبس ضیّق مؤلم مظلم، قال و کانوا یسیرون بنا فی کلّ یوم من عشرین بریدا الی خمسة عشر بریدا فصرنا الی القسطنطینیّة فی نحو عشرة أیّام من کمخ، و الذی أعرفه أنا أنّ بین کمخ و ملطیه عشر مراحل و بین ملطیه و انقره عشرون مرحلة و منها الی القسطنطینیّة عشر مراحل فیصیر جمیع الطریق أربعین مرحلة، قال و ألفیتهم و إنّ الملک یتبعه فی المنزلة اللغثیط و هو الوزیر و الفرخ من بعده و للفرخ من المنزلة أنّه یلبس
صورة الأرض، ج‌1، ص: 196
خفّین أحدهما أحمر و الآخر أسود و لا یتزیّی غیره بهذا الزیّ بوجه و ذلک أنّ الحکم و القطع و الضرب و القود و الأدب من غیر مؤامرة للملک الیه ثمّ الدمستق من بعده ثمّ البطارقة و هم اثنا عشر رجلا [لا] ینقصون و لا یزیدون بوجه و إذا هلک أحدهم قام مقامه من یصلح له ثمّ الزراورة و هم کثرة لا یحصون کالقوّاد اللاحقین بالأمراء ثمّ الطرامخة و هم التنّاء و أرباب النعم من أهل القسطنطینیّة و منهم یکون الارتفاع الی الزرورة و البطرقة، و کلّ مولود یولد بالقسطنطینیّة للطرامخة فللملک علیه جرایة من وقت یولد الی آخر عمره یدرّج فی أسباب الزیادة و النقصان فی أعطیته [58 ب] و أرزاقه عند درج بلوغه و تکهّله و بقدر استحقاقه للزیادة عند تعلّقه بأسباب الریاسة من علم سیاسة أو صعلکة و تقدّم فی أسباب شجاعة أو ترسّم بالرأی و الفهم إلّا أن یترهّب فیستعفی من العطاء فیعفیه الملک منه، (5) و ممّا أعلمه أنا فی حین غزونا من میافارقین أنّا نزلنا علی حصن الهتاخ فکانت الیه مرحلة ستّة فراسخ و منه الی حصن ذی القرنین و هو حصن منیع مرحلة خفیفة و منه الی مدینة الأردیس و کانت إذ ذاک للمسلمین سبعة فراسخ و منها الی ضیعة القسّ ثلثة فراسخ و منها الی هباب مدینة خمسة فراسخ و من هباب الی قریة انکلیس ستّة فراسخ و من انکلیس الی الکلکس قریة ثلثة فراسخ و منها الی حصن زیاد أربعة فراسخ [و من حصن زیاد الی تلّ ارسناس ثلثة فراسخ] و عبرنا الفرات الی قریة تعرف بالحمّام أربعة فراسخ و منها الی ملطیه أربعة فراسخ و عبر القوم قباقب الی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 197
عرقا مدینة کانت عامرة أربعة فراسخ و منها الی ضیعة فی وادی الحجارة و وادی البقر و کان آخر عمل الإسلام ستّة فراسخ، و منها الی الرمّانة قریة و حصن ستّة فراسخ و من الرمّانة الی سمندوا عشرة فراسخ، و لم أترک الاستخبار فی خلال ذلک و قبله و بعده من صعالیک دیار ربیعة و من أسر ببلد الروم و خرج سارقا لجماعة من المسلمین و الروم لعلمه بالبلد و معرفته بمخائضه و ممّن فودی به عن ارتفاع بلد الروم و ما فیه من المرافق لملوکهم و اللوازم بقوانینهم الموضوعة قدیما لهم فی کلّ سنة فألفیت ذلک أقلّ من نصف جبایات المغرب بکثیر و ألفیت الهدایا و الضرائب علی النواحی تزید و تنقص علی قلّة محلّ المتّلین لها، و من أعظم جبایاتهم و أکثر وجوه أموالهم ضریبة بلد اطرابزنده و انطالیه المرسومة من أخذ ما یرد من بلد الإسلام لما یؤخذ من سواحل الشأم و مراکبهم و یغنم بالشلندیّات و المراکب الحربیّات و الشینیّات و ما یحصل من أثمان المسلمین و یقام من أثمان مراکبهم و الأمتعة التی فیها ضریبة الملک و یستأثر القیّم علی ذلک بما یزید علی مال الملک من أثمان الأمتعة و المراکب و المسلمین، (6) و أخبرنی غیر ثقة من العارفین العالمین حال بلد الروم ممّن أقام به مواطئ لحدیث عیسی بن حبیب النجّار أنّ ضریبة انطالیه علی صاحب المراکب بها المجعول الیه قصد بلد الإسلام سقطت و کانت قبل ذلک بسنین عند ما دار لهم الظفر بهم من بعد سنة عشرین و ثلثمائة ثلثة قناطیر ذهبا و تکون مع اللوازم التی تلحقها و الهدایا ثلثین ألف دینار و مائة أسیر فی کلّ سنة، ثمّ تأکّد خذلان الثغور و فشا نحسها و انهتک بالمعاصی و جور
صورة الأرض، ج‌1، ص: 198
السلطان أستار أربابها فصارت بالأمانة و تحرّی فیها متّلوها إقامة الناموس و الدیانة و الحرص علی الجهاد و النفاذ فی مقاومة المسلمین بالعناد و أنفذوا مراکبهم بالتجارة الی بلد الإسلام و رجالها یجوسونه [59 ظ] و یتفقّدونه و یستبطنون أخباره ثمّ یرجعون و قد علموا حاله الیهم بالخبرة فیتحکّمون فی مضارّه و یصلون بذلک الی دواخله و سهله و أوعاره بمرأی من سلاطین الإسلام و منظر و مساعدة من أکثرهم علی ما یحبّونه و تقویة للعدوّ بفاخر السلاح و نفیس المتاع و رغبة فی یسیر من الحطام یعود علیهم من تجارة یعملونها الی بلد الروم فتعود بخسیس من الأرباح و النار تحت ذلک تضرّم علیهم و البلاء یفتل فیما یأخذونه و الشؤم یبرم علیهم فیما یأتونه و متمثّلهم یجهر بقوله و یضحک من غفلتهم عن فعله حتّی لسمع من فصحائهم دائما متمثّلون
أری تحت الرماد و میض جمرو یوشک أن یکون له ضرام،
و کان ما یصل الیهم من العشور علی المتاع الواصل الی اطرابزنده الداخل الیها و الخارج عنها و یصل الی متّلی ذلک لقیامه بها من الهدایا المرسومة علی تجّارها ما سمعت الأکثر یقول أنّها مذ عرفت هذه الضرائب لم یبلغ من حین أخذ ملطیه و شمشاط و حصن زیاد عشرة قناطیر ذهبا ، و سبیلهم فیما یقیمونه من غزو المسلمین فی البحر بالمراکب الحربیّة و الشلندیّة و الشینیّة أن یأتوا الی کلّ ضیعة تقارب البحر فیأخذوا من کلّ دخان أی من کلّ بیت دینارین و یجمع ذلک و یدفع الی النافذین [فی البحر] اثنا عشر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 199
دینارا لکلّ إنسان و یأکل ممّا یلقاه فیما یغنمه و لا شی‌ء له فی الغنیمة من ثمن مسلم أو متاع یغنم و کلّ ذلک متوفّر علی الملک، قال فإذا قبض رجال البحر أرزاقهم أصلحوا ما أحبّوا استحداثه من مرکب و آلة له أو مرمّة لمرکب قدیم فی صناعتهم و ما یبقی من المال المجموع من تلک الجهة صرفه المتّلی للبحر حیث یراه بعد حمله معه الی بلد الإسلام و فراغه ممّا قصد له، و أمّا غزوهم فی البرّ فإنّ ملکهم نقفور أخذ من کلّ دخان یسکنه رئیس منهم یملک خدما و بقرا و غنما و أرضا و مزدرعا فی حال متوسّطة عشرة دنانیر عینا ذهبا و من فوق هذه الطبقة فی القوّة جعل علیه رجلا بسلاحه و دوابّه و قوّامه و مؤنه و نفقة له ثلثین دینارا و بهذا اتّجه لنقفور ما اتّجه فی المسلمین لا أنّه فرّق مالا من خزائنه أو تصرّف فی ملک نفسه أو لزمه درهم فما فوقه من حاصله بل ربح فی خلال جمعه هذه الأموال و عند صرفها فی النفقات أمرا ذکروه خرج به الی بلد الإسلام و عاد معه فاحتجنه و کانت جبایته لهذه الأموال علی هذه الجهة السبب فی مقت النصرانیّة له و بغضها لأیّامه و تسخّطها لبقائه و خوفهم من وقوع معاودة لما ضری علیه الی بلد الإسلام فجعلوا ذلک سببا لقتله و طریقا للحجّة علیه، (7) و أمّا حدّ بلد الروم فإنّ مشارق بلدانهم المضمومة الیهم و المضافة علی مرّ الأوقات الی متملّکیهم ما واجه من ناحیة الثغور الشأمیّة و الجزرّیة الی آخر حدود ارمینیه و شمالها من نواحی البجناکیّة و بشجرت و بعض بلاد الصقالبة و مغربها بعض البحر المحیط و ما [59 ب] حادّ جلیقیه و افرنجه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 200
من جزیرة الاندلس و بعض بحر المغرب و جنوبیّهم بقیّة بحر المغرب و بعض ساحل الشأم و مصر، (8) و المدن النفیسة قلیلة فی مملکتهم و بلادهم مع سعة رقعتها و اتّصال أیّامها و حالها و ذلک أنّ جلّها جبال و قلاع و حصون و مطامیر و قری فی الجبال منحوتة و تحت الأرض منقوبة، و قد استولی الخلیج الآخذ من القسطنطینیّة الی اطرابزنده علی أکثرها و لیس هناک مدینة مشهورة إلّا ما و صفته و حددته، و میاههم کثیرة غزیرة و لیس تمرّ علی وجه الأرض مرّا مستقیما و إنّما تتغلغل بین الجبال علی غیر قصد و لا استقامة سیر و قد صوّرت غیر نهر من أنهارهم فیما دون الخلیج الی نواحی الثغور و لیس جریها علی ما وصفته فی الصورة و شکّلته لکنّی تحرّیت أصل مخرجه الی حیث مصبّه فشکلته علی ذلک، و بلد الروم عند کثیر من خاصّة أهل الإسلام و مؤلّفی الکتب بخلاف ما هو علیه بالحقیقة من صغر المحلّ و تفه الخطر و نزور الدخل و ضعة الرجال و عزّة الأموال و خسیس الأعمال و الأحوال و هو عند من عنده و قبله أدنی میزة و معرفة و بحث عن حقائق الأمور و اهتمّ بمعارف أقطار الأرض و الممالک و سکّانها و الجبایات فیها لا یقارب أسباب المغرب و حدّه و لا یدانیه و لا یشاکله فی وجه من الوجوه لأنّی قد ذکرت من قبائل البربر المتبدّدین فی صحاری المغرب ما یستولی علی ضعف عدد من تحوزه نواحی الروم و ما عندهم من القوّة و الجلد و محلّهم فی البأس و الشدّة فإنّهم بحیث إذا دخل لهم جیش من المغرب الی بلد الروم أباده و أباره و أهلکه و أتی علیه و تتسرّب العدّة الیسیرة فی أقطاره فتنشفها حتّی أنّ لأهل المغرب علی أهل قلوریه فی کلّ سنة جزیة آلاف دنانیر کثیرة تقبض منهم، و کانت ضعفها فأسقط النصف عنهم عبید الله صاحب المغرب
صورة الأرض، ج‌1، ص: 201
لحرم اجتازت ببلد الروم علی القسطنطینیّة الی ناحیته و وصلوا الملک الذی کان فی أیّامهم شاکرین و کان خائفا علیهم من صاحب مصر غیر أنّ للإسلام فیما علیه نفوس أهله و قلوبهم شأنا فی انتشار الکلمة و فساد الحال و کثرة العناد و الخلاف و الاشتغال بطلبه بعضهم لبعض ما خلا به للروم سربهم فطالت أیدیهم الی ما کانت مغلولة عنه و أطماعهم محسومة منه، (9) و قد ذکرت هذا البحر و ما علیه من المدن و البقاع من حدّ طنجة و نواحیها الی أرض مصر و الی آخر الشأم من الثغور الی اولاس ممّا کان فی أیدی المسلمین و لهم و شکّلت ذلک الی أطراف بلد الروم و ما دون الخلیج و بعده من الأرض الصغیرة و أثبتّ فیه أکثر ما بعد الخلیج من أرض القسطنطینیّة و نواحی بلبونس و جون البنادقین و أرض قلوریه و الانکبرذه و افرنجه و رومیه و جلیقیه و ما یحادّ من نواحی الاندلس، (10) [60 ظ] و علی هذا البحر و فی بلد الروم جبال لا تحدّ لکثرتها و منها جبال اقلیمیه و اقلیمیه مدینة کانت للروم قدیما أتی علیها المسلمون و کان بعض أبواب طرسوس یدعی بباب اقلیمیه و ینسب الیها و هذه الجبال آخذة ببلد الروم یمینا و شمالا، و إذا جزت اقلیمیه و کانت بعیدة من شطّ البحر بنحو مرحلة نزلت المکان المعروف باللامس قریة علی شطّ البحر کان الفداء یقع فیها بین المسلمین و الروم فیکون الروم فی مراکبهم و المسلمون فی البرّ یفادون، و تتّصل هذه الناحیة بإقلیم اجیا معدن المیعة التی تجلب الی جمیع الأرض فی البرّ و البحر من هذا الرستاق و الناحیة و یمتدّ البحر الی انطالیه و بینهما أربعة أیّام فی البحر بطاروس جیّد و مثلها فی البرّ و انطالیه حصن منیع و رستاق عظیم مضاف الی حصن انطالیه و لیس للملک علیه دخان و لا کلفة من صغیر و لا کبیر و به مرتّبون للخرائط و البرید بالبغال و البراذین فی البرّ و مرتّبون فی البحر لنقل الحوائج و المتاع
صورة الأرض، ج‌1، ص: 202
المختصّ بالملک، و من اجیا المذکورة إذا أقلع فی البحر ملجّج الی مصر أربعة أیّام، و بین انطالیه و القسطنطینیّة ثمنیة أیّام فی البرّ علی البرید و فی البحر علی الطاروس خمسة عشر یوما و الأرض التی بینهما عامرة مأهولة مسکونة لا تنقطع سابلتها من نواحی انطالیه و رستاقها و هو رستاق کثیر الخیر و المیر الی خلیج القسطنطینیّة و علی الخلیج سلسلة ممتدّة لا تعبر عنها سفن البحر إلّا بإذن و علامة و علیها مرصد، و یقع هذا الخلیج فی بحر الروم من البحر المحیط علی ما قدّمت ذکره من نفس الشمال علی طرف البرّیّة التی لا تسلک بردا فیمضی بقتر من أقتار یاجوج و ماجوج ثمّ یخترق بلاد الصقالبة و یقطعها قطعتین و یتوسّط بلد الروم، (11) و من ورائه الی المغرب بلاد اثیناس و رومیه و کلاهما ذوات أعمال و رساتیق و بلدان و مدن مضافة الیها و برسمها و قری و مزارع و قصور و حصون و ملوک علی قدر صالح و رومیه و اثیناس مدینتان بهما مجمع النصاری و تقربان من البحر، فأمّا اثیناس فهی دار حکمة الیونانیّین و بها تحفظ علومهم و حکمهم، و رومیه رکن من أرکان ملک النصاری و بها کرسیّ النصاری ککرسیّ انطاکیه و کرسیّ الإسکندریّة و الکرسیّ الذی ببیت المقدس محدث لم یک فی أیّام الحواریّین و اتّخذوه بعدهم لتعظیم بیت المقدس، ثمّ تتّصل أرض قلوریه بأرض الانکبرذه و أوّل ذلک أرض شلوری ثمّ نواحی ملف و مدینة ملف أخصب بلدان الانکبرذه و أنظفها و أجلّها أحوالا و أکثرها یسارا و أموالا، و تتّصل أرض ملف بأرض نابل و هی مدینة صالحة الحال دون ملف فی أکثر أحوالها و أکثر أموال أهل نابل من الکتّان و ثیاب الکتّان و بها منه ثیاب لیس بسائر الارض مثلها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 203
و لا ما یشاکلها و لا یستطاع و لهم ثوب یعمل طوله مائة ذراع فی عشر أذرع و یباع الثوب منها بالدون فمن مائة و خمسین رباعیّ الثوب الی ما فوق ذلک بقلیل و أنقص بکثیر، و تتّصل أرض نابل بأرض غیطه ثمّ تتّصل دیارهم بالافرنجة علی ساحل البحر الی أن [تحاذی صقلّیّة و تجاوزها الی أن] تتّصل بطرطوشه من أرض الاندلس، (12) و فی هذا البحر جزائر صغار و کبار و جبال غامرة و عامرة للروم و المسلمین فأمّا المعمور بالإسلام و الناس فصقلّیه و هی أکبرها و أکثرها [60 ب] عدّة و أشدّها بأسا بمن حوته من ناقلة المغرب و هی ناحیة قریبة من الافرنجة و قد قدمّت کثیرا من ذکرها ، و کان للمسلمین فی هذا البحر غیر جزیرة جلیلة و ناحیة مشهورة نبیلة فاستولی العدوّ علیها کقبرس و اقریطش و کانتا جزیرتین کثیرتی الخیر و المیر و التجارة و الوارد منها و الصادر الیها رائج و کان أخذهما أحد الأسباب الزائدة فی أطماع الروم لأنّهما بما کان فیهما من الرجال و العدّة و العتاد کالنار لهیبها لا یفتر و أوارها لا یقصر ینکون فی بلد النصرانیّة صباح مساء نکایة بیّنة ظاهرة یوجبها لهم قربهم من مطالبهم و مجاورتهم للروم فی مساکنهم فصمدت النصرانیّة صمدهما و وکدت و کدهما الی أن فتحتا جمیعا و ملکتا، و کانت قبرس علی غیر ما کانت اقریطش علیه من مواقفة کانت بین أهلها فیها و ذلک أنّها لم تزل قسمین نصف للروم و نصف للمسلمین بها لهم أمیر و حاکم و أیدی المسلمین مبسوطة علی من جاورهم من النصاری و النصاری بهم شقّین، و جزیرة اقریطش حرّة مذ کانت و فتحت فی أیدی المسلمین و لم یکن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 204
للنصرانیّة فیها مدخل و لا مخرج و أهلها فی غایة الجهاد و فی حین الهدنة و المسالمة مصونة فی شرائط بینهم غزیرة مقرونة بالقهر و الاستظهار ، و میرقه جزیرة خطیرة لصاحب الاندلس و کذلک جبل الفلال مضاف الی ذلک العمل و لیس میرقه بالمدانیة لصقلّیه فی حال من الأحوال و إن کانت ذات خصب و رخص و سائمة و نتاج و خیر [فإنّها تقصر عن صقلّیة فی العدّة و العتاد و القوّة علی الجهاد و کثرة التجارة و وفور العمارة] ، و من الجزائر المشهورة غیر العامرة جزیرة مالطه و هی بین صقلّیه و اقریطش و بها الی هذه الغایة من الحمیر التی قد توحّشت و الغنم الکثیر الغزیر و بها من العسل أیضا ما یقصدها قوم بالزاد لاشتیاره و لصید الغنم و الحمیر فأمّا الغنم فتکسّد و الحمیر فیمکن الورود بها الی النواحی فتباع و تعتمل، و الذی سبّب هلاک الجزیرتین بعد قصد العدوّ لهما ما صار الیه أهلها من البغی و الحسد و النکد حسب ما خامر أهل الثغور من ذلک الی استباحة الفساد و الفسوق و الغدر و الغیلة و التضادّ و العناد فجعلوا عبرة للمعتبرین و موعظة للسامعین الناظرین و لن یصلح اللّه عمل المفسدین و لا یضیع أجر المحسنین ، و قد ذکرت أنّ من جبلة الی قبرس یومین و منها الی جانب بلد الروم مثله و بقبرس المصطکی الجیّد و المیعة الکثیرة و الحریر و الکتّان و بها من القمح و الشعیر و الحبوب و الخصب ما لا یوصف کثرة، و لجبل الفلال الذی بنواحی افرنجه بأیدی المجاهدین عمارة و حرث و میاه و أراض تقوت من لجأ الیهم فلمّا وقع الیه المسلمون عمّروه و صاروا فی وجوه الافرنجة و الوصول الیهم ممتنع لأنّهم یسکنون فی وجه الجبل فلا طریق الیهم و لا متسلّق علیهم إلّا من جهة هم منها آمنون و مقداره فی الطول نحو یومین،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 205
(13) و لیس فی البحار أعمر حاشیة من هذا البحر لأنّ العمارات من جنبتیه ممتدّة غیر منقطعة و لا ممتنعة و سائر البحار تعترض فی شطوطها المفاوز و المقاطع و قد ألحّ الروم فی هذا الوقت علی سواحل الشأم بالغارة و نواحی مصر فهم یختطفون مراکبهم من کلّ أوب و یأخذونها من کلّ جهة و لا غیاث و لا ناصر و من للمسلمین بناظر و الملک فیهم هامل شاغر و الملک جمّاع منّاع [و العالم یسرق و لا یشبع و] یفتی بالباطل علی ما یبلع و لا یخاف معادا و لا مرجعا و الفقیه ذئب أدرع فی کلّ بلیّة یشرع و بکلّ ریح یسری و یقلع و التاجر فاجر مسقع لا یعاف حراما و لا مطمعا و الدیار و الأعشار بید الأعداء متسلّمة و الأملاک مغتصّة مصطلمة و الأرض من أربابها الی الله تعالی متظلّمة، و هذه جمل صفة بحر الروم و جزائره و ما علیه ممّا یحتاج الی علمه،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 207

[الجزیرة]

اشارة

(1)

و هذه الصورة شکل الجزیرة، [61 ظ]

إیضاح ما یوجد فی صورة الجزیرة من الأسماء و النصوص، قد رسم فی نصف الصورة الأیمن من أعلاها الی أسفلها نهر الفرات و یوازیه عن الیسار نهر دجلة، و کتب عن یمین نهر الفرات فی الزاویة العلیا صورة الجزیرة و تحت ذلک الجنوب و فی الزاویة السفلی المغرب، و علی ضفّة الفرات من هذا الجانب من المدن الکوفه، بالس، سمیساط ، و من أسفل بالس فی البرّ منبج و حلب، و فی أعلی الصورة تخرج بعض الأنهار من الفرات الی الیسار و علی النهر الأوّل من أعلاه سورا ثمّ یلیه نهر الملک و علیه القصر ثمّ نهر صرصر و علیه صرصر ثمّ نهر عیسی و یخرج منه نهر الصراه، ثمّ رسمت فی الجانب الأیسر من الفرات من المدن الانبار، هیت، الدالیه، الرحیه، قرقیسیا، الخانوقه، الرافقه، الرقه، الجسر، جربلص ، و بین هیت و الدالیة فی النهر عانه ، و بین الخانوقة و الرافقه یصبّ نهر الخابور فی الفرات و علیه من المدن العبیدیه، تنینیر، الجحشیه، طلبان، سکیر العباس، عرابان، و من أعلی هذه المدن بحیرة کتب عندها المنخرق و عن یسارها ماکسین، و ینتهی عند عریان وادی الحیال و هو آت من جبل سنجار، و کتب من أعلی ذلک هذه دیار لقبائل من ربیعه و هی براریّ ینتجع مراعیها و تسلک علی السمت بالنجوم علی غیر طریق، و فوق ذلک حدّ العراق،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 208
و علی الجانب الأیمن من دجلة من المدن بغداذ و تکریت و بینهما نهر الاسحاقی، ثمّ الموصل، بلد، طنزی ، آمد، و علی الطریق من بلد الی الجسر من المدن برقعید، اذرمه، نصیبین، دارا، کفرتوثا، رأس عین، تل بنی سیار، حران، و من حران یأخذ طریق الی الأسفل الی سروج، و بین هذا الطریق و نهر دجلة رسم جبل تتّصل به مدینتا ماردین و الرها، و کتب فی هذا القسم من الصورة علی خطّ منعطف دیار مضر ثمّ قاطعا لدجلة دیار بکر، و عن یمین آمد مدینة حینی، و علی دجلة فی الجانب الأیسر من المدن بغداذ مرّة ثانیة ثمّ البردان، عکبرا، الجویث، العلث، الکرخ، سرّ من رأی، الدور، السن، الحدیثه، فیشابور، ثمنین، التل، و بحذاء آمد ارزن، و عن یسار ذلک میافارقین، و یقرأ عن یمین القسم الأعلی من الجبل الموازی لدجلة جبل بارما و فی طرفه الآخر فی الزاویة المشرق، و یصبّ فی دجلة عند السن الزاب الصغیر و من أسفله الزاب الکبیر و بینهما من المدن الراجه، جنبون، کفرعزی، و قد تطلّس أسماء مدینتین یجوز أن تکون إحداهما اربل، و من أسفل الزاب الکبیر بین دجلة و الجبل سوق الاحد و معلثایا و کتب هنا عند الطرف الآخر من الجبل هذا الجبل متّصل بجبال ارمینیه و جبل الثمنین و یتّصل بجبل اللکام و جمیع جبال بلد الروم، ثمّ یلی تحت ذلک نهر الزرم ثمّ نهر سربط ثمّ نهر ساتیدما و بین هذین النهرین نواحی ارمینیه و فی زاویة الصورة الشمال، (2) [61 ب] فأمّا الجزیرة التی بین دجلة و الفرات فتشتمل علی دیار ربیعة و مضر و مخرج الفرات من داخل بلد الروم علی ما شکّلته مجتازا من ملطیه علی یومین و یجری ببنها و بین المدینة المعروفة کانت بشمشاط للمسلمین و یمرّ علی سمیساط و نواحی جسر منبج و علی بالس الی الرقّة و قرقیسیا و الرحبة و هیت و الانبار و ینقطع الحدّ عن الفرات ممّا یلی الجزیرة بالانبار
صورة الأرض، ج‌1، ص: 209
[ثمّ یعود حدّ الجزیرة] فی سمت الشمال فیکون الی تکریت الحدّ العراق و تکریت علی دجلة و ینتهی الحدّ منها مصاعدا علی دجلة الی السنّ ممّا یلی الجزیرة و الی الحدیثة و الموصل و یصعد بصعود دجلة الی الجزیرة المعروفة بابن عمر ثمّ یتجاوزها الی آمد فیکون ما فی غربها من حدّ ارمینیه ثمّ یعود الحدّ مغرّبا علی البرّ الی سمیساط ثمّ ینثنی الی مخرج ماء الفرات فی حدّ الإسلام من حیث ابتدائه، و مخرج دجلة و إن کان من حدود بلد الروم فطویلا ما کان فی ید المسلمین و حیّز الإسلام من بعده بمراحل، و علی شرقیّ دجلة و غربیّ الفرات مدن و قری تنسب الی الجزیرة و هی خارجة عنها و نائیة منها و سأذکرها بما یدلّ علی حالها، (3) قد اتّفق العلماء بمسالک الأرض و بعض الحسّاب المشار الیهم بعلم الهیئة فیما تواضعوه من صفات الأرض أنّها مصوّرة بصورة طائر فالبصرة و مصر الجناحان و الشأم الرأس و الجزیرة الجؤجؤ و الیمن الذنب و هذه حکایة ما رأیتها قطّ مقرّرة و إذا کان الأمر کذلک ففارس و سجستان و کرمان و طبرستان و اذربیجان و خراسان لیست من الأرض و لا معدودة فی حسابها أم الأرض هو ما ذکروه دون غیرها و هذا قول یحتاج الی تقریر بفهم جامع و فکر صحیح لیقف علی حق ذلک من باطله و موقع الجزیرة قریب ممّا قالوه إن وجب أن یکون الشأم رأسا لهذا الطائر و أظنّ قائل ذلک عنی غیر ما أرادوه و قصد سوی ما نقلوه و متی أراد بذلک دیار العرب خاصّة فهذه صفتها، (4) و الجزیرة إقلیم جلیل بنفسه شریف کان بسکّانه و أهله رفه بخصبه کثیر الجبایات لسلطانه إذ کانت الأحوال و الأموال و الدخل علی سلطانه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 210
داخل من وجوهه و خارج من مظانّه و قد اختلّت و تغیّرت و انتقلت أملاکها و باد رجالها و أربابها و تنصّر أبطالها، و سمعت رئیسا من علماء البغداذیّین یذکرها فقال کانت معدن الأبطال و عنصر الرجال و ینبوع الخیل و العدّة و ینبوت الحیل و الشدّة، (5) فأمّا حدودها و مسافاتها فمن مخرج ماء الفرات فی حدّ ملطیه الی سمیساط یومان و من سمیساط الی جسر منبج أربعة أیّام و من الجسر الی بالس أربعة أیّام و [من بالس] الی الرقّة یومان و من الرقّة الی الانبار عشرون یوما و من الانبار الی تکریت یومان فی نفس البرّیّة و من تکریت الی الموصل خمسة أیّام و من الموصل الی آمد أربعة عشر یوما و من آمد الی سمیساط ثلثة أیّام و من سمیساط الی ملطیه ثلثة أیّام، و من الموصل الی بلد مرحلة و من بلد الی نصیبین خمس مراحل، و من الموصل الی سنجار ثلثة أیّام و من سنجار الی نصیبین خمسة أیّام و من نصیبین الی رأس العین ثلاث مراحل و من رأس العین الی الرقّة أربعة أیّام، و من رأس العین الی حرّان ثلثة أیّام [و من حرّان الی جسر منبج یومان، و من حرّان الی الرها یوم و من الرها الی سمیساط یوم، و من حرّان الی الرقّة ثلاثة أیّام]، و من الرقّة الی قرقیسیا أربعة أیّام و مدینة الخانوقة فی وسط الطریق و من الخانوقة الی عرابان أربع مراحل و من عرابان الی الحیال مرحلتان و منها الی سنجار نصف مرحلة و من سنجار الی ماکسین مرحلتان و من ماکسین الی المنخرق یوم و من المنخرق الی الفرات یوم، و المنخرق بحیرة [بین ماکسین و الفرات] استدارتها مساحة جریب أو أزید بقلیل [62 ظ] و فیها ماء أزرق عذب کالزجاج الملوّح لا یعرف قعرها و لا یعلم کمیّة مائها و ذلک أنّها اعتبرت لیعرف قرارها و مقدار مائها بمائین أذرع
صورة الأرض، ج‌1، ص: 211
حبال بمثقّلات فلم یوجد لها قرار و لا فی ید الخلف عن السلف منها أثر و لا خبر، و علی ظهر الخابور و بنواحی عرابان و بالبعد من الخابور عن مرحلة مدن کثیرة قد غلبت علیها البادیة فحکمهم دون أهلها فیها أمضی و أمرهم فی غلّاتهم و أموالهم أنفذ و أعلی کالعبیدیّة و تنینیر و الجحشیّة و طلبان و هذه مدن علیها أسوار لا تحصنها و قد لجأ الی الخفائر و الأذمّة أهلها فکلّمن ساقهم تبعوه و کلّمن خافوه أطاعوه فإذا ملک الفرات سلطان قادر أمنوا و إذا ضعف السلطان بنواحیهم هلکوا و غنموا، (6) و کان من أجلّ بقاع الجزیرة و أحسن مدنها و أکثرها فواکه و میاها و متنزّهات و خضرة و نضرة الی سعة غلّات من الحبوب و القمح و الشعیر و الکروم الرائعة الزائدة علی حدّ الرخص نصیبین و هی مدینة کبیرة فی مستواة من الأرض و مخرج مائها عن شعب جبل یعرف ببالوسا و هو أنزه مکان بها حتّی ینبسط فی بساتینها و مزارعها و یدخل الی کثیر من دورها و یغدق البرک التی فی قصورها، و کان لهم مع ذلک فیما بعد من المدینة ضیاع مباخس کبار جلیلة عظیمة غزیرة السائمة و الکراع دارّة الغلّات و النتاج معروفة الفرسان مشهورة الشجعان الی دیارات للنصاری و بیع و قلّایات تقصد للنزهة و تنتجع للفرحة و الفرج، (7) و لم تزل علی ما ذکرته مذ أوّل الإسلام معروفة بکثرة الثمار و رخص الأسعار تتضمّن بمائة ألف دینار الی سنة ثلثین و ثلثمائة فأکبّ علیها بنو حمدان بضروب الظلم و العدوان و دقائق الجور و الغشم و تجدید کلف لم یعرفوها و رسم نوائب ما عهدوها الی المطالبة ببیع الضیاع و المسقّف من العقار حتّی حمل ذلک بنی حبیب الی أن خرجوا بذراریّهم و عبیدهم و مواشیهم و خفّهم الذی یمکن بمثله النقلة و من ساعدهم من جیرانهم و شارکهم فیما قصدوا به من الغصب لعقارهم فی نحو عشرة آلف فارس علی فرس عتیق و سلاح شاکّ من درع و جوشن مذهّب و مغفر مدبّج و سیف یقلّ
صورة الأرض، ج‌1، ص: 212
شبهه و رمح خطیّ و آلة و عدّة لم تزل علی بلد الروم مطلّة یقمع بها شوکتهم و یسبی بها ذراریّهم و یخربون بالاستطالة حصونهم و یجوسون دیارهم یقدمهم نحو هذه العدّة من الجنائب العتاق و البغال الفره علیها الخدم و الخول و الموالی، فتنصّروا بأجمعهم و أوثقوا ملک الروم من أنفسهم بعد أن أحسن لهم النظر فی إنزالهم علی کرائم الضیاع و نفائس الحبی و المتاع و خیّرهم القری و المنازل و رفدهم بالنواحی الحسنة و المواشی العوامل فعادوا الی بلد الإسلام علی بصیرة بمضارّه و علم بأسباب فساده و خبرة بطرقه و معرفة بجلّه و دقّه و قلوبهم تضطرم حقدا و تفور کیدا و تلتهب ضبّا ، و قد کاتبوا من خلّفوه و راسلوا من عرفوه و لا طفوه بذکر ما بلغوه و نالوه و کان الأکثر قد قصد فی ضیاعه و حیل بینه و بین أملاکه و وظّف علیه ما لا یعرفه و ألزم من الکلف ما لم یجر بمثله علیه رسم فأطمعوهم فیما نالوه و عرّفوهم ما وصلوا الیه و ما جاؤوا فیه و له من قصد بلد الإسلام و اجتیاحه و اصطلام نواحیه و بقاعه و أنّ ملکهم أیّدهم و قوّاهم و أنعم علیهم و آواهم فلحق بهم کثیر من المتخلّفین عنهم و انتمی الیهم [62 ب] من لم یک منهم فشنّوا الغارات علی بلد الإسلام و افتتحوا حصن منصور و حصن زیاد و ساروا الی کفرتوثا و دارا فأتوا علیهما بالسبی و القتل و ألحقوا أسوارهما بالأرض و ضروا بذلک فصار لهم عادة و دیدنا یخرجون فی کلّ سنة عند أوان الغلّات الی أن أتوا علی ربض نصیبین نفسها و الغربیّ من ضیاعها و تعدّوا ذلک الی أن وصلوا الی جزیرة ابن عمر فأهلکوا نواحیها و سحقوا رأس العین و عملها و ساروا الی نواحی الرقّة و بالس و عادوا الی میافارقین و ارزن فأخووا قراها و ضیاعها و عضدوا أشجارها و زروعها الی أن جعلت کالخاویة علی عروشها، و تزایدت ثقة الملک بهم و الروم فی السکون الیهم الی أن جعلت لهم الأرزاق و رسمت لهم الأعطیة و صاروا خاصّة الملک و آراء العرب أثقف
صورة الأرض، ج‌1، ص: 213
من آراء الروم لما یقترن بهم من الجسارة و البسالة ففتحوا له المضائق و تقدّموه فی المسالک و أطمعوه علی مرّ الأیّام و تعاقب الأعوام [.....] و هلاک السلطان و فقر الخواصّ و العوامّ فی انطاکیه و المصّیصة و حلب و طرسوس فدار لهم علیها ما کان القضاء قد سبق به و المقدار قد نفذ فیه، و عمد الحسن بن عبد الله بن حمدان الی نصیبین و اکتسح أشجارها و بذل ثمارها و عوّر أنهارها و استصفاها عمّن کان دخل الی بلد الروم و اشتری من [بعض قوم و اغتصب] آخرین فملکها إلّا القلیل و جعل مکان الفواکه الغلّات بالحبوب و السمسم و القطن و الأرزّ فصار ارتفاعها أضعاف ما کانت علیه و زادت ریوعها و سلّمها الی من بقی من أهلها و لم یمکنهم النهوض عنها و آثروا فطرة الإسلام و محبّة المنشأ و حیث قضوا لیانات الأیّام و الشباب علی مقاسمة النصف من غلّاتها الی [أیّ] نوع کانت علی أن یقدّر الدخل و یقوّمه عینا إن شاء أو ورقا و یعطی الحرّاث ثمن ما وجب له بحقّ المقاسمة فیکون دون الخمسین و لم یزالوا علی ذلک معه و مع ولده الغضنفر الی أن لحقا بأسلافهما الدجّالین فما بکت علیهم السماء و الأرض و ما کانوا إذا منظرین ، و أهلها وقتنا هذا علی أقبح ما کانوا علیه و فیه من تقدیر من ولیهم علیهم کابن الراعی لا رحمه الله و من یشبهه یستغرق أکثر الغلّة و تقویم ما یبقی من سهم المزارع بثمن یراه المقدّر و حمل ما وقع بسهمه الی مخازنهم و أهرائهم و یرضح له منه بما یسمح به لبذره و یقدّر أنّه ممسک لرمقه و عیشه فی قوته،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 214
(8) و أعمال نصیبین أربعة أرباع و لکلّ ربع منها عامل و حضرت فی سنة ثمان و خمسین و قد رفع تقدیرها علی توسّط الی أبی تغلب الغضنفر بالموصل فکان حاصل دخلها من حنطة و أرزّ و شعیر و حبوب عشرة آلف کّر و أخرج تقویم أسعارها علی خمس مائة درهم الکرّ فکان المال عند التقدیر المذکور خمسة آلف ألف درهم، و رفع لها من الجماجم عن جوالیها و لوازمها مع الزیادات فیها فکانت خمسة آلف دینار، و رفع لها عن عشور أموال اللطف و هی ضرائب الشراب خمسة آلف دینار، و رفع القوانین المأخوذة من عراصها عن الغنم و البقر و البقول و الفواکه خمسة آلف دینار، و ما یقبض من الطواحین فی القصبة و الضیاع المقبوضة و المشتراة و غلّات العقار المسقّف من الخانات و الحمّامات و الحوانیت و الدور ستّه عشر ألف دینار، [63 ظ] و کانت أعمال دارا فی الربع الشمالیّ و طور عبدین أیضا و هو من أعظم رساتیقها، و رفع تقدیر رستاق ابنین و هو مجاور لطور عبدین و کان لسیف الدولة بألفی کرّ حبوبا فقوّمت بألف ألف درهم، و رفع عصیرها و أسقاؤها و جماجمها و عراصها و طواحینها بثلثین ألف دینار، و هذا علی أنّ البلد قد خرب و ناسه قد هلکوا لیوبق الله متّلی ذلک بما أملی له و أسّسه من ظلمه و جوره، (9) و بنصیبین عقارب قاتلة موصوفة مشهورة، و بالقرب منها جبل ماردین و من قرار الأرض الی ذروته نحو فرسخین و علیه قلعة [لحمدان ابن الحسن بن عبد الله بن حمدان] تعرف بالباز الأشهب لا یستطاع فتحها عنوة و بنواحیها حیّات موصوفة تفوق الحیّات فی سرعة القتل و مضاء المنیّة و بجبل ماردین جوهر للزجاج الجیّد و یحمل منه الی سائر بلدان الجزیرة و العراق و بلد الروم فیفضل علی ما سواه بجوهریّة فیه، (10) و أمّا الموصل فمدینة علی غربیّ دجلة صحیحة التربة و الهواء و شرب أهلها من مائها و فیها نهر یقطعها اتّخذه بنو أمیّة فی وسطها و بین
صورة الأرض، ج‌1، ص: 215
مائها و وجه الأرض نحو ستّین ذراعا و زائد و ناقص و لم یک بها کثیر شجر و لا بساتین إلّا التافه القلیل الیسیر فلمّا تملّک بنو حمدان و رجالهم غرسوا فیها الأشجار و کثرت الکروم و غزرت الفواکه و غرست النخیل و الخضر، و بها مسکن سلطان الجزیرة و دواوینها و مجتبی أموالها و ارتفاعها و لها أقالیم و رساتیق و مدن کثیرة مضافة الیها و ارتفاع و جبایات زادت علی ما کانت علیه فی سالف الزمان لأنّ اللعین لا رحمه اللّه أخذ ممّن کان فی جملته و خدمه أملاکهم و اشتری الکثیر منها بالقلیل التافه من أعشار أثمانها و استملک رباعها و احتوی علی خارجها و داخلها و استعمل فیهم من الحال ما أثره من سیرته فی بلد نصیبین فزاد قائمة و تناهی کثرة و إسرافا و ذلک أنّ للموصل أضعاف أعمال نصیبین فی فسحة الأعمال و کثرة الضیاع و عظم المحلّ و غزر السکّان و أهل الأسواق إذ کانت أسواقها واسعة و أحوالها فی الشرف و الفخم ظاهرة، و هی مدینة أبنیتها بالجصّ و الحجارة کبیرة غنّاء و أهلها عرب و لهم بها خطط و أکثرهم ناقلة الکوفة و البصرة و کانت من عظم الشأن بصورة أکابر البلدان و کان بها لکلّ جنس من الأسواق الاثنان و الأربعة و الثلاثة ممّا یکون فی السوق المائة حانوت و زائد و بها من الفنادق و المحالّ و الحمّامات و الرحاب و الساحات و العمارات ما دعت الیها سکّان البلاد النائیة فقطنوها و جذبتهم الیها برخصها و میرها و صلاح أسعارها فسکنوها، و هی فرضة لاذربیجان و ارمینیه و العراق و الشأم و لها بواد و أحیاء کثیرة تصیّف فی مصائفها و تشتو فی مشاتیها من أحیاء العرب و قبائل ربیعة و مضر و الیمن و أحیاء الأکراد کالهذبانیّة و الحمیدیّة و اللاریّة و کانت بها بیوت فاخرة و قوم أهل مروءة ظاهرة لهم من التنایة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 216
یسار و بأملاکهم و یسارهم علی الأیّام استطالة و اقتدار کبنی فهد و بنی عمران من وجوه الأزد و أشراف الیمن و بنی شخاج و بنی اود و بنی زبید و بنی الجارود و بنی أبی خداش [63 ب] و الصدامیّین و العمریّین و بنی هاشم و غیر ذلک فمزّقهم جور بنی حمدان و بدّدهم فی کلّ صقع و مکان بعد انتزاع أملاکهم و قبض ضیاعهم و إحواج أکثرهم الی قصد الأطراف و الشتات فی أعماق الأکناف بعد أن کانوا مقصودین و الی السؤال بعد أن لم یزالوا مسئولین فمن هالک فی نجف و مضطهد فی طرف و معرّض نفسه للحین و التلف، [أمّا فی زماننا هذا و هو سنة ستّین و خمس مائة فقد عمّرت عمارة لم تکن قطّ منذ أسّست حتّی أنّ العمارة قد استولت علیها و لم یبق بها موضع فامتدّت العمارة الی خارج السور و صار فی خارجها أسواق و حمّامات و فنادق و غیر ذلک من المراقق،] و فی ذکر تقدیر البلد ما یدلّ علی ما کان علیه من العتاد و العدد و وصف ارتفاعه ما یعرب عن حاله و أصقاعه و مکانه و أوضاعه و یغنی عن الإطالة فی وصف شرفه و شأنه و قوانینه الواصلة الی سلطانه و هی الدلیل علی أوصاف أهله و شأنهم فی ذات أنفسهم، و قد تقدّم القول بذلک و أنّ قوام الدنیا و أهلها بالأموال إذ محلّهم فی أنفسهم و کیفیّتهم فی عیشهم و سیاستهم فی مروءاتهم بمقدار ما یملکونه و به یمکنهم المروءة و الأفضال و التصرّف فی کلّ جهة و حال و هذه عبرة لجمیع العقلاء و مرآة لسائر الفهماء و إن خرج بالخصوص عن حدّ العموم فی هذه القضیّة قوم لم یحکم بهم و لا یلتفت الی سیرتهم و سیاستهم، (11) و للموصل نواح عریضة و رساتیق عظیمة و کور کثیرة غزیرة الأهل و القری و القصور و المواشی الی غیر ذلک من أسباب النتاج و السائمة من الأغنام و الکراع فمن ذلک رستاق نینوی و کانت به مدینة فی سالف الزمان تجاه الموصل من الجانب الشرقیّ من دجلة آثارها بیّنة و أحوالها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 217
ظاهرة و سورها مشاهد و کانت البلدة التی بعث الله تعالی الی أهلها یونس ابن متّی علیه السلم، و یحادّ هذا الرستاق علی جلالته و عظمه و قربه الی حوزته رستاق المرج و هو أیضا فسیح واسع کثیر الضیاع و الماشیة و الکراع و فیه مدینة تعرف بسوق الأحد و فیها أسواق و لها موعد لأوقات یحضر فیها السوق یجتمع فیه المتاع و سائر التجارة و الاکرة و الأکراد و کانت مدینة کثیرة الخیر خصبة تحادّ الجبل علی نهر یقرب منها یطرح ماؤها الی الزابی الکبیر، و یجاور هذا الرستاق أرض حزة و رساتیقها و هو إقلیم بینه و بین أعمال المرج الزابی الکبیر و فیه مدینة تعرف بکفر عزی یسکنها قوم من الشهارجة نصاری ذو یسار و هی مدینة قصدة فیها أسواق و ضیاع و بها خیر و رخص و منها یمتار الأعراب و ینزل فی نواحیها الأکراد، و قردی و بازبدی رستاقان عظیمان متجاوران فیهما الضیاع الجلیلة الخطیرة التی تکیل الضیعة دخلا فی کلّ سنة ألف کرّ حنطة و شعیر أو حبوب قطان و لها من مرافق الجوالی بالجماجم و أموال اللطف ما یقارب دخل غیرها من الضیاع، و رستاق باهدرا و هو أیضا عظیم جلیل الضیاع و الدخل و المرافق و العائدة، و رستاق الخابور و فیه مدن کثیرة و أعمال واسعة تجاور رستاق سنجار و نواحی الحیال و للجمیع من الدخل الکثیر عن سائر وجوه الغلّات و الفواکه الیابسة و الرطبة، و رستاق معلثایا و فیشابور و هما رستاقان خطیران معدودان فی نفائس الأعمال و محاسن الکور بکثرة الغلّات و الخیرات و التجارات، (12) و حضرت مدینة الموصل آخر دخلة دخلتها سنة ثمان و خمسین [64 ظ] فألفیت ارتقاعها من الحاصل دون قسمة المزارعین بنینوی و المرج و کورة حزة ستّة آلف کرّ حنطة و شعیرا قیمتها من الورق ثلثة آلف ألف درهم و من الحبوب و القطانی ثلثمائة کرّ قیمتها من العین عشرة آلف دینار
صورة الأرض، ج‌1، ص: 218
و من الورق [.....] عن وجوه أوجب اجتباؤها من جوال و ضمانات [و مرافق بیت المال] ردّت عینا عشرة آلف دینار دون ضیاع و سمت بضیاع الإخوة فی هذه النواحی [الثلاث] المتقدّم ذکرها و هی أملاک بأیدیهم و دخلها حاصل لهم استوفاه کتّابهم أربعة آلف کرّ حنطة و شعیرا قیمتها من الورق ألفا ألف درهم، قال الرافع و توابعها من مواجب بیت مال السلطان ألفا دینار قیمتها من الورق ثلثون ألف درهم، و ذکر أموال الناحیة المتقبّل عراصها و جزائرها و بساتینها و المستغلّات المختزلة من أصحابها و المشتراة و مال اللطف و الجوالی بألفی ألف درهم، و ذکر باعربایا و هی من نواحیها و رساتیقها و حدّها فقال من باعیناثا الی نهر سریا من دون اذرمه بفرسخ طولا و عرضها من نواحی سنجار الی أن تصاقب بازبدی و الحاصل دون الواصل بحقّ المقاسمة الی الأکرة و المزارعین ثمنیة آلف کرّ حنطة و شعیرا قیمتها من الورق دون زیادة الصنجة و حقّ الخزن أربعة آلف ألف درهم و فیها من الأحلاب و الجوالی، و عرصة برقعید ألفا دینار قیمتها من الورق ثلثون ألف درهم، و ذکر بازبدی فقال حدّها من الضیعة المعروفة بالمقبلة و الأحمدیّ و باعوسا و البیضاء الی حدود الجزیرة و دخلها من الحنطة و الشعیر الحاصل ألفا کرّ قیمتها من الورق [ألف ألف درهم و لها من وجوه الأموال المذکورة المشهورة ألفا دینار و قیمتها] ثلثون ألف درهم ، و باهدرا و هی من حدّ المغیثة الی الخابور و من معلثایا الی فیشابور و الحاصل دون الواصل الی المزارعین بحقّ المقاسمة من الحنطة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 219
و الشعیر ثلثة آلف کرّ قیمتها مائة ألف دینار، قال و بها من المال عن وجوه أسقائها و میاهها ثلثون ألف دینار، قال و قردی و هی الجزیرة المعروفة بابن عمر و جبل باسورین و نواحیه الی حدود باعیناثا الی طنزی و شاتان و الحاصل دون الواصل الی المزارعین من الحنطة و الشعیر ثلثة آلف کرّ قیمتها مائة ألف دینار و بها من المال من وجوه الطواحین و الجوالی و ما أشبه ذلک ثلثون ألف دینار، فالحاصل علی التقریب من جمیع أعمالها و جبایاتها عن قیمة عین جبی من الورق [ستّة عشر ألف ألف درهم و مائتا ألف و تسعون ألف درهم]، (13) و من أسافل الموصل مدینة تعرف بالحدیثة و بینهما تسع فراسخ کثیرة الصیود واسعة الخیر فی ضمن الموصل عملها و بالموصل تجتبی أموالها و لها عامل بذاته علی استیفاء أموالها فربّما عملت بالأمانة و ربّما کانت بضمان و قلّما ضمنت لأنّ أحوالها تزید و تنقص، (14) و کان بالموصل فی وسط دجلة مطاحن تعرف بالعروب یقلّ نظیرها فی کثیر من لأرص لأنّها قائمة فی وسط ماء شدید الجریة موثّقة بالسلاسل الحدید فی کلّ عربة منها أربعة أحجار و یطحن کلّ حجرین فی الیوم و اللیلة خمسین و قرا و هذه العروب من الخشب و الحدید و ربّما دخل فیها شی‌ء من الساج، و کانت ببلد المدینة التی عن سبعة فراسخ منها عروب کثیرة دارت إعمالا [64 ب] و جهازا الی العراق فلم یبق منها شؤم ابن حمدان و لا من أهلها باقیة، [و بمدینة الحدیثة منها عداد تعمل فی وسط دجلة و قد ملک بنو حمدان متاعها حسب ما ذکرته من حال الموصل و سائر دیار ربیعة و ارتفاعها نحو خمسین ألف دینار،] و کان بالفرات للرقّة [و قلعة جعبر] ما لا یدانی هذه العروب و لا ککثرتها، و بمدینة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 220
تفلیس فی نفس الکرّ منها شی‌ء به تقوم أقوات أهل تفلیس و هی دونها فی الفخم و العظم، و بتکریت و عکبرا و البردان منها شی‌ء باق، و لم تبق برکة بنی حمدان بالموصل إلّا ستّة أو سبعة منها و لیس ببغداذ شی‌ء منها، (15) و بلد المذکورة فکانت مدینة کثیرة الغلّات و الأموال و الجهاز و المشایخ المذکورین بالعراق فی حسن الیسار و سعة الأحوال الی أن وضع الملقّب بناصر الدولة علیهم یده و استفرغ فیهم جهده فلم یبق لهم باقیة و بدّدهم فی کلّ قتر و زاویة و لم یبق لهم ثاغیة و لا راغیة حتّی أکلتهم الشدائد و صبّت علیهم بشؤمه المصائب فهم کما قال بعض سکّان مکّة من خزاعة عند خروجهم منها
کأن لم یکن بین الحجون الی الصفاأنیس و لم یسمر بمکّة سامر
و کان لبلد فی ظاهرها بین غربها و شمالها مکان یعرف بالاوسل نزه کثیر الشجر و الثمر و الخضر و الفواکه و الکروم فقصدها اللعین المشؤوم بما قصد به الموصل فهو کالبور مع شرف حال هذا الاوسل و مکانه من الریع إذا زرع و فی أعالیه ساقیة تسقی شیئا من الأرض إذا زرعت بماء تافه ترب، (16) و مدینة سنجار علی تسعة فراسخ من بلد و هی فی وسط البرّیّة و فی سفح جبل خصب و لها أنهار جاریة و عیون مطّردة و أسقاء و مباخس و ضیاعها قریبة الحال و علیها سور من حجر یمنع عن أهلها عند تظافرهم و قد شابها من نسیم الزنیم و نالها من البلاء ما یشبه الزمان، و بها مع رخص أسعارها و کثرة خیرها و فواکهها الصیفیّة فواکه شتویّة ممّا یکون اختصاصه فی بلاد الصرود کالسماق و الجوز و اللوز و الزیتون و الأترجّ و السمسم و الرمّان الکبیر المحفّف حبّه الدائم الی العراق و النواحی جهازه و حمله، و بقرب سنجار بین شمالها و غربها الحیال و هو واد من أودیة دیار ربیعة فیه مشاجر و ضیاع و کروم و خصب و أبّ یسکنه قوم من العرب قاطنین فیه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 221
مخفرین من بنی قشیر و نمیر و عقیل و کلاب و لیس بالجزیرة مدینة ذات نخیل فی وقتنا هذا أکثر من سنجار إلّا أن یکون علی الفرات و نواحی هیت و الانبار، (17) و بین بلد و نصیبین برقعید و أذرمة فأمّا برقعید فمدینة کثیرة الزرع من الحنطة و الشعیر و یسکنها بنو حبیب قوم من تغلب و فیها مغوثة لبنی السبیل و فی أهلها بعض شرّ لأنّهم من سنخ بنی حمدان و شرب أهلها من الأبآر و لیس بها بستان و لا کرم، و منها الی مدینة اذرمة ستّة فراسخ و کانت مدینة صالحة کثیرة الغلّات و قد فتحها الروم لمّا خرجوا الی نصیبین و أتی المتنصّرة علیها و لم یبق بها إلّا نفر و صبابة لا تجد الی النقلة عنها وجها و لا تعرف سبیلا، و منها الی نصیبین تسعة فراسخ، و من نصیبین الی دارا مدینة أزلیّة کانت للروم طیّبة فی نفسها کثیرة الغلّات و الخیرات و الخصب فی جمیع وجوه الخصب من المآکل و المشارب و ما تحویه فکالمجان، و إن کانت هذه الحال [65 ظ] فی جمیع هذه الدیار عامّة و بها مشهورة فإنّ الذی أخرجها عمّا کانت علیه و نقلها من أحوالها الی ما هی به و مضافة الیه ما قدّمت ذکره، و کفرتوثا بین دارا و رأس العین مدینة سهلیّة و کان حظّها من کلّ خیر جزیلا و وصفها مذ کانت فحسن جمیل الی أن افتتحها الروم و کانت فی مستواة من الأرض و لها شجر و ثمر و مزدرع و ضیاع فی سنة افتتاحهم رأس العین ، [و فی زمان المؤلّف افتتحها الروم و الآن فهی للمسلمین و العاقبة للمتّقین]، (18) و کانت رأس العین مدینة ذات سور من حجارة نبیل و کان داخل السور لهم من المزارع و الطواحین و البساتین ما کان یقوتهم لولا ما منوا به من الجور الغالب و البلاء الفادح ممّن لا رحم الله منهم شعرة و لا ترک من نسلهم أحدا لیجعلهم آیة و عبرة، و کان یسکنها العرب و بها لهم خطط و فیهم ناقلة من الموصل أصلهم و فیها من العیون ما لیس ببلد من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 222
بلدان الإسلام و هی أکثر من ثلثمائة عین ماء جاریة کلّها صافیة یبین ما تحت میاهها فی قعورها علی أراضیها و فیها غیر عین لا یعرف لها قرار و غیر بئر علیها شبابیک الحدید و الخشب و یقال أنّها خسیف و قد جعل الشبّاک دون وجه الماء بذراع و نحوه لیحفظ ما یسقط فیها و یقال أنّهم اعتبروا غیر بئر بمائین أذرع حبال فلم یبلغوا قعرها و تجتمع هذه المیاه حتّی تصیر نهرا واحدا و یجری علی وجه الأرض فیعرف بالخابور و یقع الی نواحی قرقیسیا و کان علیه لأهل رأس العین نحو عشرین فرسخا قری و مزارع و کان لهم غیر رستاق و ناحیة کبیرة کثیرة الضیاع و الأشجار و الکروم علی هذه المیاه الجاریة المذکورة و کان لهم أیضا ضیاع مباخس و أعذاء فی ضیاعها و مزارعها فلم یبق بالقصبة لهم إلّا نویس فی نفسها علی ترقّب من الروم و العرب قد لجؤوا الی بعض قصورها و جعلوه حصنا یأوون الیه عند خوفهم، و نهر الخابور المذکور علیه مدائن کثیرة قد شکّلتها و وصفتها کمدینة عرابان و هی مدینة لطیفة کثیرة الأقطان و ثیاب القطن تحمل منها و تجهّز الی الشأم و غیرها و علیها سور صالح منیع و من ورائه منعة بمن فیه من الرجال و الیها سکیر العبّاس و هی أیضا مدینة لطیفة فیها غلّات و بها رجال و کذلک طلبان و الجحشیّة و تنینیر و العبیدیّة مدن تتقارب أوصافها و فیها ما له إقلیم کبیر و رستاق واسع و عمل صالح و دخل و أشجار و کروم و سفر جل موصوف، (19) و مدینة آمد علی جبل من غربیّ دجلة مطلّ علیها من نحو خمسین قامة و علیها سور أسود من حجارة الأرحیة و یسمّی ذلک السور میمونا لشدّة سواده [و ذلک أنّه من حجارة أرحیة الجزیرة] و لیس لحجارته فی جمیع الأرض نظیر و منها ما یساوی الحجر للطحن به بالعراق من خمسین دینارا الی أکثر و أقلّ و سور خلاط و جامعها و أکثر أبنیتها من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 223
هذه الحجارة و کذلک جامعها غیر أنّها أصغر منها و أقلّ سمکا فی عرض و طول، و بآمد مزدرع داخل سورها و میاه و طواحن علی عیون تنبع منها و کان لها ضیاع و رساتیق و قصور و مزارع برسمها هلکت [65 ب] بضعفهم و اقتدار العدوّ علیهم و قلّة المغیث و الناصر و لم یبق للمسلمین ثغر أجلّ و لا أمنع جانبا سوره منه و قلّما ینفع السور بغیر رجال و السلاح بغیر مقاتل و إن دام علیهم ما هم به خیف علیهم لأنّ سلاطینهم أکثر ما یظهر منهم الرغبة فیها إرادة التسمیة علی منابرها و الدعاء لهم بها دون ما یجب لأهل الثغور علی الملوک من تقویة بالمال و الکراع و الرجال و العدّة و العتاد و قلّما بقی ثغر بالمنی أو ینفعه التسمّی علی منابره بالألقاب و الکنی أو نکی فی عدوّه شی‌ء ممّا یظاهر به أهل زماننا و ملوکنا من ذلک لأنّهم بالجمع و المنع فی شغل عن صلاح الرعایا و تأمّل الرزایا و کأنّی به و قد قیل اسلمه أهله أو دخل تحت الجزیة من فیه، و الله من ورائه دافعا و مانعا ، [قال کاتب هذه الأحرف دخلتها سنة أربع و ثلثین و خمس مائة و لم یکن بها إلّا بقایا رمق و فیها من الصدور و الأجلّاء و الرؤساء و المشایخ و الفضلاء و أرباب العلم و الحکم و أصحاب الفقه و الأدب و ذوی الیسار و المروءة و الإفضال و الکرم و النوال و مؤاساة الغریب و القریب جماعة فلم یزل بها جور بنی نیسان و ظلمهم و کثرة الاضطهاد و الإجحاف و المصادرات و التضییق علیهم و مطالبتهم برسوم و مؤن وضعوها لم تک فیها قبل و تکلفهم ما لا یطاق فألجأهم ذلک الی التشتّت عن الأوطان و البعد عن الأهل و الإخوان فخربت بیوتهم و انمحت آثارهم فلم یبق بأسواقها حانوت معمور فضلا أن یقال مسکون و مع ذلک وسمهم بسمة ردیّة بحیث کان أحدهم إذا دخل بلدة و قصد ناحیة غیّر اسمه و أنکر بلده خوفا علی نفسه و صیانة لعرضه و دمه الی أن فرّج الله عمّن بقی بها و افتتحها الملک العالم العادل المؤیّد المظفّر المنصور نور الدین فخر الإسلام أبو عبد الله محمّد بن قرا ارسلان بن داود بن سکمان الارتقیّ خلّد الله دولته و ثبّت و طأته و ذلک
صورة الأرض، ج‌1، ص: 224
فی أوّل سنة تسع و سبعین و خمس مائة فأطلق لهم الأبواب و رفع المکوس و محی تلک الرسوم المذمومة و فعل فعل الأکارم الأجواد الطلّاعین فی الفضل ذروة الأنجاد مغتنما للذکر الجمیل و الأجر الجزیل و الآن قد دبّت الحیوة فی عروق أهلها الیها و إفاضة العدل من مالکها علیها إن شاء الله تعالی و هو الموفّق و المعین]، (20) [و میّافا قین مدینة جلیلة عظیمة الخطر علیها سور من حجارة و فصیل و خندق عمیق مصطکّة العمارة ضیّقة الأسواق و بها مسجد جامع لا بأس به و الفواکه و الأشجار و الأنهار محتفّة بها و فی هوائها و خامة ما، و ماردین حصن حصین منیع لا یرام و لا یقدر علیه مبنیّ علی قلّة جبل شاهق فی الهواء و هو مشرف علی تلک الجبال شرقا و غربا شمالا و جنوبا لا یدانیه قلّة جبل البتّة و فیه من الذخائر و العدّة و الأسلحة ما لا یمکن حصره و من تحته فی ناحیة الجنوب ربض عامر منغصّ بالسکّان ضیّق الأسواق و لیس بین أیدیهم حائل یمنعهم من النظر الی برّیّة رأس العین و الخابور و سنجار و میاههم من عیون مجرورة فی قنوات و قد استحدثوا الآن الصهاریج و البرک لیجمعوا ماء المطر حیث کثر الخلق و ازدادت العمارة و لهم الفواکه الکثیرة اللذیذة و الکروم الواسعة و الهواء الصحیح و الرخص، و تحتها فی الصحراء من جانب القبلة علی أربع فراسخ منها أو أقلّ موضع یعرف بسوق دنیسر کان قبل هذا قریة یجتمع الناس فی صحرائها کلّ یوم أحد للبیع و الشری فانعمرت الآن عمارة کثیرة و اتّخذ بها الخانات و الفنادق و الحمّامات و الأسواق و البیع و الشری یجلب الیها الجهاز من سائر البلدان قد استوطنها الناس من کلّ فجّ عمیق و کثر بها الارتفاع و الضمانات، و أمّا حصن کیفا فهی قلعة حصینة منیعة ذات شعب مدفونة بین الجبال سوی جانبها المشرف علی الدجلة من الجانب الغربیّ عن الدجلة و فیها شعاب و أودیة لا یقدر علیها و بین یدیها علی الدجلة قنطرة عالیة حسنة البناء استحدثها الأمیر فخر الدین قرا ارسلان بن داود فی عشر خمس مائة و تحتها ربض عامر فیه الأسواق و الحمّامات و الفنادق و المساکن الحسنة و بناؤهم بالحجر و الجصّ و لها رساتیق کثیرة و ضیاع عامرة و هی و خمة الهواء و بیّة لا سیّما فی الصیف]، (21) و جزیرة ابن عمر مدینة صغیرة لها أشجار و ثمار و میاه و مرافق و خصب و علیها سور و لمّا بلغها الروم لم یقفوا علیها و بینها و بین الموصل
صورة الأرض، ج‌1، ص: 225
ثلثون فرسخا و هی أیضا علی شفا جرف بین الخوف و الرجاء و بها تجارة دائمة لو ترکتها السلاطین و ربح و مضطرب لو لم یجر فیها حکم الشیاطین و الخوارج و هی فرضة لارمینیه و بلاد الروم و نواحی میافارقین و ارزن و تصل منها الی الموصل المراکب مشحونة بالتجارة کالعسل و السمن و المنّ و الجبن و الجوز و اللوز و البندق و الزبیب و التین الی غیر ذلک من الأنواع و هی أحسن تلک الناحیة عمارة و أرجاها سلامة لوفور أهلها و کثرة خصبها و لیست کارزن و میافارقین من خلوّ المنازل و عدم الأکرة و أهل الضیاع و قلّة الماشیة و الکراع، و الجزیرة متّصلة بجبل ثمنین و باسورین و فیشابور و جمیعها فی الجبل الذی منه جبل الجودیّ متّصل بآمد من جهة الثغور و أعالی البلد بأعمال مرعش و اللکام و بأسافلها، فلا یبعد من دجلة الی مدینة السنّ التی علی شرقیّ دجلة فی حدود جبل بارمّا و یتّصل بجبال شهرزور، و السنّ مدینة لطیفة بینها و بین تکریت بضعة عشر فرسخا علیها سور قد خرب أکثره و فی أهلها جور و شرّ و بینهم حنات و ضغائن و لیست ببعیدة الخراب، و بینها و بین مدینة البوازیج أربعة فراسخ و هی مدینة علی الزاب الصغیر من غربیّه یسکنها قوم خوارج الغالب علیهم إیواء اللصوص و فعل القبائح و شری السرقات و ما یأخذه بنو شیبان من قطع الطریق، والی مدینة السنّ مصبّ الزاب الأصغر فی دجلة عن غلوة منها و السنّ مضمومة الی عمل الجزیرة و لیس البوازیج منها و لا فی ضمنها لأنّها مذ کانت لمن غلب، (22) و دیار مضر فهی من هذه الجزیرة قائمة حدودها و کذلک دیار بکر و دیار ربیعة تعرف کلّ ناحیة من المجاورة لها بأوصافها و أقطارها و حدودها و مدنها، و أجلّ مدینة لدیار مضر الرقّة و هی و الرافقة مدینتان کالمتلاصقتین و کلّ واحدة بائنة من الأخری بأذرع کثیرة و فی کلّ واحدة منهما مسجد جامع [66 ظ] و هما علی شرقیّ الفرات و کان لهما عمارة و أعمال و رساتیق و کور فقلّ حظّهما من کلّ حال و ضعفت بما حمّلها سیف الدولة
صورة الأرض، ج‌1، ص: 226
تجاوز الله عنه من الکلف و النوائب و المغارم و مصادرة أهلها مرّة بعد أخری و کانت خصبة رخصة الأسعار حسنة الأسواق و فی أهلها و لاء لبنی أمیّة شدید، و فی غربیّ الفرات بین الرقّة و بالس أرض صفّین و بها قبر عمّار بن یاسر و أکثر أصحاب علیّ علیه السلم و صفّین أرض علی الفرات مطلّة من شرف عالی السمک [و یری من کان بالفرات منه عجبا و ذلک أنّه یری قبورا فی موضعین أحدهما أعلی من الآخر و یعدّ فی أحد الموضعین دون العشرة قبور و فی الآخر نحو عشرین قبرا و یصعد الی المکان فلا یری لذلک أثرا و لا یحسّ منه خبرا و إنّی لأستقبح أن أحکی هذه الحکایة و لکنّی بلغتنی فکذّبتها ثمّ رأیتها فلزمنی حکایتها تصدیقا لمن تقدّم بالحکایة الیّ و إن عرّضت نفسی للتهم] علی أنّ أکثر من قتل من أصحاب علیّ هناک معروفة قبورهم، [و خبّرنی من رأی هنالک بیتا ینسب أنّه کان بیت مال علیّ بن أبی طالب علیه السلام]، و حرّان مدینة تلی الرقّة فی الکبر و هی مدینة الصابئین و بها سدنتهم و لهم بها طربال کالطربال الذی بمدینة بلخ علیه مصلّی الصابئین یعظّمونه و ینسبونه الی إبراهیم و هی بین تلک المدن قلیلة الماء و الشجر و زروعها مباخس و کان لها غیر رستاق عظیم و کورة جلیلة فافتتح الروم أکثرها و أناخت بنو عقیل و بنو نمیر بعقوتها و ببقعتها فلم یبق بها باقیة و لا فی رساتیقها ثاغیة و لا راغیة و هی مدینة فی بقعة یحتفّ بها جبل مسیرة یومین فی مثلها و جمیعها مستواة، و مدینة الرها فی شمال هذه البقعة و کانت وسطة من المدن و الغالب علی أهلها النصاری و بها زیادة علی ثلثمائة بیعة و دیر ذی صوامع فیه رهبانهم و بها البیعة التی لیس للنصرانیّة أعظم و لا أبدع صنعة منها و لها میاه
صورة الأرض، ج‌1، ص: 227
و بساتین و زروع کثیرة نزهة و هی أصغر من کفرتوثا و کان بها مندیل لعیسی بن مریم فخرج نقفور فی بعض خرجاته و نزل بهم و حاصرهم و طالبهم به فسلّموه الیه علی هدنة واقفوه علی مدّتها، [و هذه البیعة قد خرب أکثرها و لم یبق منها إلّا الطاق الأعظم فی تأریخ ثمانین و خمس مائة] ، و جسر منبج و سمیساط مدینتان نزهتان ذواتا میاه و بساتین و مباخس و أشجار و هما عن غرب الفرات فی حال اختلال و رزوح حال، (23) و أمّا قرقیسیا فمدینة علی الخابور و لها بساتین و أشجار کثیرة و فواکه و هی فی نفسها نزهة و یجلب من فواکهها و فواکه الخابور الی العراق فی الشتاء و إن کان الاختلال قد شابها و بینها و بین مدینة الخانوقة یومان و هی مدینة لطیفة رزحة الحال وقتنا هذا [ابتناها ملک بن طوق صاحب الرحبة] ، و رحبة ملک بن طوق أکبر منها و هی کثیرة الشجر و المیاه فی شرقیّ الفرات و قد عراها الاختلال و هی ذات سور صالح و لها نخیل و ثمر و سقی کثیر من جمیع الغلّات، و هیت مدینة وسطة عن غربیّ الفرات و علیها حصن و هی أعمر المدن المتقدّم ذکرها و تحاذی تکریت فی الحدّ الغربیّ من العراق و تکریت فی شمال العراق و بهیت قبر عبد الله بن المبارک الزاهد العابد الأدیب، و الانبار بلد السفّاح و کانت داره التی یسکنها عامرة آهلة کثیرة النخل و الزروع الجیّدة و الثمار و الأسواق الحسنة علی شرقیّ الفرات فتغیّرت و خربت و منها أبو بکر بن مجاهد صاحب القراآت و من لم یساوه فی القراآت أحد و نجم منها غیر رئیس فی صناعة الکتابة و الفقه و العلم، (24) [66 ب] و بالجزیرة براریّ و مفاوز و سباخ بعیدة الأقطار تنتجع
صورة الأرض، ج‌1، ص: 228
لامتیار الملح و الأشنان و القلی و کان یسکنها قبائل من ربیعة و مضر أهل خیل و غنم و إبل قلیلة و أکثرهم متّصلون بالقری و بأهلها فهم بادیة حاضرة فدخل علیهم فی هذا الوقت من بطون قیس عیلان الکثیر من بنی قشیر و عقیل و بنی نمیر و بنی کلاب فأزاحوهم عن بعض دیارهم بل جلّها و ملکوا غیر بلد و إقلیم منها کحرّان و جسر منبج و الخابور و الخانوقة و عرابان و قرقیسیا و الرحبة فی أیدیهم یتحکّمون فی خفائرها و مرافقها، (25) و الزابیان نهران عظیمان کبیران إذا جمعا کانا کنصف دجلة و أکثر و هما من شرقیّها و مخرجهما من الجبال التی بین نواحی اذربیجان متسرّبة من أقتار ارمینیه و نواحی اذربیجان من جنوبیّها و بین ذین النهرین مراع کثیرة و بلاد کانت الضیاع بها ظاهرة و السکّان بها الی عن قریب علی حال صالحة وافرة فتکاثرت علیهم البوادی و اعتورتهم الفتن فصارت قفارا من السکّان یبابا بعد العمران و هی فی الشتاء متشاتی للأکراد الهذبانیّة و مصائف لبنی شیبان، (26) و مدینة تکریت علی غربیّ دجلة و أکثر أهلها نصاری مطلّة علی جبل عظیم شاهق و علی ظهر هذا الجبل منها الموضع المعروف بالقلعة و کانت حصنا ذا مساکن و محالّ یشملها [67 ظ] سور حصین و هی قدیمة أزلیّة و تجمع سائر فرق النصاری و بها من البیع و الأدیرة القدیمة التی تقارب عهد عیسی علیه السلم و أیّام الحواریّین لم تتغیّر أبنیتها و ثاقة و جلدا و من أعظم بیعة بها محلّا و أقدمها بیعة الخضراء، و أبنیتهم بالجصّ و الحجر و الآجرّ و الحصی ، و من أسفل تکریت یشقّ نهر الدجیل الآخذ من دجلة علی بعض مساکن تکریت و فی فنائها مارّا الی سواد سرّ من رأی فیعمره الی بغداذ، (27) و عانة مدینة صغیرة فی وسط الفرات یطوف بها خلیج من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 229
الفرات و بالفرات غیر مدینة کهی فی جزیرة قد أحاط بها الماء و قریة حسنة ذات شجر و مساکن و جامع و من ذلک القغنبی و العبدلیة و النهیة و تقارب أصاغر المدن فی الحال و تلتفّ مشاجرها بالنخیل و الکروم و الحدیثة و لها جامع و أسواق و تانئة و أهل لهم عدد و ألوس و هی دونها و لها جامع و سوق و الخزانة و تقارب ألوس فی الحال و هذه المدن و إن کانت فی الماء و قد أحاط بها فلها مزارع و قری و أکرة و قصور من جانبی الفرات یکثر خیرها و یبین علی أهلها نفعها و ریعها ، و الدالیة مدینة صغیرة بشطّ الفرات عن غربیّه و بها أخذ صاحب الخال الخارج بالشأم علی بنی العبّاس، (28) [67 ب] و جبل الجودیّ بقرب الجزیرة و فیه القریة المعروفة بثمنین التی یقال أنّ سفینة نوح علیه السلم استقرّت علیه لقوله تعالی و استوفت علی الجودیّ ، [و یتّصل هذا الجبل کما ذکرت بالثغور باللکام و یقال أنّ جمیع من کان مع نوح علیه السلم فی السفینة ثمانون رجلا فبنوا هذه القریة و لم یعقب منهم أحد فسمّیت باسم عددهم]، (29) و حصن مسلمة فإنّ مسلمة بن عبد الملک اتّخذه و کانت طائفة من بنی أمیّة تسکنه من تلقاء الفرات و فی حاجره و کان شرب أهله من السماء و أرضه مباخس، و تلّ بنی سیّار مدینة کانت صغیرة و کان أکثرها للعبّاس بن عمرو الغنویّ و قومه فخربت فی مدّة أدرکتها ثمّ عمرت و قد عادت الی الخراب حالها بعد أن تراجع الیها أهلها و هی علی مرحلة من رأس العین و اتّصل خراب تلّ بنی سیّار بخراب باجروان و کانت منزلا
صورة الأرض، ج‌1، ص: 230
خصبا نزها واسعا و کانت عن منکب طریق حرّان الی الرقّة، و سروج رستاق له مدینة خصبة تعرف بسروج عن شمال طریق حرّان الی جسر منبج حصینة ذات سور کثیرة الأعناب و الفواکه و الزبیب و یعمل من زبیبها لکثرته الربّ و یتّخذ منه الناطف و هی من حرّان علی یوم، (30) و هذه جمل أخبار الجزیرة و أوصافها و جمیعها قد تغیّرت آثارها و انتقلت أحوالها الی النقص و الاستحالة،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 231

[العراق]

(1) و أمّا العراق فإنّه فی الطول من حدّ تکریت الی عبّادان و عبّادان مدینة علی نحر بحر فارس و عرضه من القادسیّة علی الکوفة و بغداذ الی حلوان و عرضه بنواحی واسط من سواد واسط [68 ظ] الی قرب الطیب و بنواحی البصرة من البصرة الی حدود جبّی، و الذی یطیف بحدوده من تکریت فیما یلی المشرق حتّی یجوز بحدود سهرورد و شهرزور ثمّ یمرّ علی حدود حلوان و حدود السیروان و الصیمرة و حدود الطیب و السوس حتّی ینتهی الی حدود جبّی ثمّ الی البحر فیکون فی هذا الحدّ من تکریت الی البحر تقویس و یرجع علی حدّ المغرب من وراء البصرة فی البادیة علی سواد البصرة و بطائحها الی واسط ثمّ علی سواد الکوفة و بطائحها الی الکوفة ثمّ علی ظهر الفرات الی الانبار ثمّ من الانبار الی حدّ تکریت بین الدجلة و الفرات و فی هذا الحدّ من البحر علی الانبار الی تکریت تقویس أیضا، و هذا المحیط بحدود العراق و ستأتی أوصافه مفصّلة إن شاء الله، (2) و الصورة التی فی باطن هذه الصفحة صورة العراق، [68 ب] إیضاح ما یوجد فی صورة العراق من الأسماء و النصوص، قد صوّر فی أعلی الصورة بحر فارس و ینصبّ فیه نهر دجلة قاطعا لوسط الصورة، و یقرأ فی القسم الأعلی من الصورة من جانبی النهر صورة العراق، و فی الزاویتین الأعلایین جنوب العراق و مشرق العراق، و کتب من جانبی النهر علی شکل خطّین مقوّسین حدّ العراق و موازیا للخط الأیسر حدود خوزستان ثمّ حدود الجبل ثمّ حدود اذربیجان، و فی أسفل الصورة فی الزاویة الیمنی مغرب العراق،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 233
و قد رسم علی جانب النهر الأیمن ابتداء من البحر من المدن عبادان، الابله، الابله مرة ثانیة، واسط، نهر سابس ، ثمّ شکل مدینة لا اسم فیها ثمّ النعمانیه، المدائن، بغداذ، تکریت، الموصل، بلد، و یأخذ من الابله نهر الابله و حذاء نهایته مدینة البصره، و عن یمین البصرة شکّلت دائرة کتب حولها بطائح البصره و ما علیها من القری و الأعمال و یأخذ من تلک الدائرة نهر ینصبّ فی دجلة عند واسط و فی وسط هذا النهر دائرة ثانیة یقرأ حولها مرّة أخری بطائح البصره و ما علیها من القری و الأعمال و بین هذه الدائرة و ماء البصرة نهر یقرأ عنده نهر معقل، و عن یمین ذلک ناحیة متّصلة بخطّ الحدّ کتب فیها رایغة من بلاد الکوفه و البصره و من وراء الخطّ بهذه الزنقة رمل أصفر متّصل برمال البصره و البادیة و الهبیر، ثمّ یقع من أسفل ذلک علی الخطّ المقوّس من المدن القادسیه و عن یسارها الکوفه ثمّ الحیره، و یوازی نهر دجلة فی القسم الأسفل من الصورة نهر الفرات و یتشعّب فی عدّة شعب تأخذ اثنتان منها الی بغداذ و هما الصراه و نهر عیسی، ثمّ عن یمینهما نهر صرصر و علیه مدینة صرصر، ثمّ نهر الملک و علیه مدینة کوثا ربا، و بین هذا النهر و الشعبة التالیة الی الیمین من المدن سورا، القصر ، نهر الملک، بابل، و بین الشعتین الآخرتین مدینة الجامعان ، و تجتمع هاتان الشعبتان فی دائرة کتب حولها بطائح الکوفه و ما علیها من القری و الأعمال و یشار الی هذه الناحیة کلّها بکتابة سواد الکوفه علی شکل صلیبیّ، و علی سمت واسط یقطع نهر دجلة بکتابة سواد واسط و کتب واسط فی کلّ واحد من جانبیه علی شکل صلیبیّ، و علی جانب دجلة الأیسر رسم من المدن ابتداء من البحر سلیمانان، بیان، المفتح، واسط مرّة ثانیة، فم الصلح، جبل ، و عن یسارها دیر العاقول، ثمّ کلواذی، بغداذ مرّة ثانیة، البردان، عکبرا، العلث، الجویث ، الکرخ، سرّ من رأی، الدور ، السن، الحدیثه، و یصبّ فی دجلة عند فم الصلح نهر کتب عنده النهروان و علیه من المدن ابتداء من دجلة جرجرایا، اسکاف بنی جنید، النهروان و حذاءها النهروان مرّة ثانیة، صورة الأرض ؛ ج‌1 ؛ ص233
صورة الأرض، ج‌1، ص: 234
و یأخذ من النهروان طریق الی الیسار الی حلوان علیه من المدن الدسکره، جلولا، خانقین، قصر شیرین ، و ینصبّ عند کلواذی نهر آخر بینه و بین دجلة دقوقا و خولنجان، (3) [69 ظ] هذا الإقلیم أعظم أقالیم الأرض منزلة و أجلّها صفة و أغزرها جبایة و أکثرها دخلا و أجملها أهلا و أکثرها أموالا و أحسنها محاسن و أفخرها صنائع و أهله فأوفرهم عقولا و أوسعهم حلوما و أفسحهم فطنة فی سالف الزمان و الأمم الخالیة و بمثله تجری أمور أمّة الآخرة یقرّ بذلک لهم أهل الطاعة و الفضائل و لا یمتری فیه أهل الدرایة و الحصائل، و رأیت ببعض الخطوط القدیمة أنّه کان یجبی لقباذ السواد دون سائر أعماله و ما کان تحت یده و سلطانه مائة ألف ألف و خمسین ألف ألف مثقال و أنّ عمر ابن الخطّاب رضی الله عنه أمر بمساحته فکان طوله من العلث فی جری دجلة الی عبّادان مائة و خمسة و عشرین فرسخا و عرضه من عتبة حلوان الی العذیب ثمنین فرسخا عامرة مغلّة لا یقطعها بور و لا یلحق عمارتها غبّ و لا فتور فبلغت جربانه ستّة و ثلثین ألف ألف جریب فوضع علی کلّ جریب للحنطة أربعة دراهم و علی الشعیر درهمین و علی جریب النخل ثمنیة دراهم و علی جریب الکرم و الرطاب ستّة دراهم و ختم علی خمس مائة ألف إنسان للجزیة علی الطبقات و أنّه جبی السواد فبلغت الجبایة مائة ألف ألف و ثمنیة و عشرین ألف ألف درهم، و جباه عمر بن العزیز مائة ألف ألف و أربعة و عشرین ألف ألف درهم، و جباه الحجّاج بن یوسف ثمنیة عشر ألف ألف درهم و أسلف الأکرة ألفی ألف درهم و حمل ستّة عشر ألف ألف و منع أهل السواد من ذبح البقر فقال شاعرهم
شکونا الیه خراب السوادفحرّم فینا لحوم البقر،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 235
قال و اجتبی لکسری ابرویز خراج مملکته سنة ثمانی عشرة من ملکه أربعمائة ألف ألف مثقال و عشرین ألف [ألف] مثقال قال ثمّ بلغت الجبایة بعد ذلک ستّمائة ألف ألف مثقال، [و أمّا فی زماننا هذا و هو تأریخ سنة خمسین و خمسمائة فهو أکثر ممّا ذکره أضعافا مضاعفة لا أحیط بمقداره،] (4) فأمّا ذکر مسافاته فمن حدّ تکریت الی البحر ممّا یلی المشرق علی تقویسه فنحو شهر و من البحر راجعا فی حدّ المغرب علی تقویسه الی تکریت فمثل ذلک، و من بغداذ الی سرّ من رأی ثلث مراحل و من سرّ من رأی الی تکریت مرحلتان، و من بغداذ الی الکوفة أربع مراحل و من الکوفة الی القادسیّة مرحلتان و من بغداذ الی واسط ثمانی مراحل و من بغداذ الی حلوان ستّ مراحل و الی حدود الصیمرة و السیروان نحو ذلک، و من واسط الی البصرة ثمانی مراحل و من الکوفة الی واسط علی طریق البطائح ستّ مراحل و من البصرة الی البحر مرحلتان، و عرض العراق علی سمت بغداذ من حلوان الی القادسیّة إحدی عشرة مرحلة و عرضه علی قمّة سرّ من رأی من الدجلة الی حدّ شهرزور و الجبل نحو خمس مراحل و العامر منه أقلّ من مرحلة و العرض من واسط الی نواحی خوزستان نحو أربع مراحل و من البصرة الی جبّی [مدینة أبی علیّ الجبّائیّ] مرحلة، (5) فأمّا مدنها [69 ب] فإنّ البصرة مدینة عظیمة و لم تکن فی أیّام العجم و إنّما اختطّها المسلمون أیّام عمر بن الخطّاب رضی الله عنه و مصّرها عتبة بن غزوان فهی خطط و قبائل کلّها و یحیط بغربیّها البادیة مقوّسة و بشرقیّها میاه الأنهار مفترشة، و ذکر بعض المؤلفین من أصحاب الأخبار أنّ أنهار البصرة عدّت أیّام بلال بن أبی بردة فزادت علی مائة ألف نهر و عشرین ألف نهر تجری فی أکثرها الزواریق و کنت أنکر ما ذکره من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 236
هذا العدد فی أیّام بلال حتّی رأیت کثیرا من تلک البقاع فربّما رأیت فی مقدار رمیة سهم عددا من الأنهار صغارا تجری فی جمیعها السمیریّات و لکلّ نهر اسم ینسب به الی صاحبه الذی احتفره أو الی الناحیة التی یصبّ الیها و یفرع ماؤه فیها و أشباه ذلک من الأسامی فجوّزت أن یکون ذلک کذلک فی طول هذه المسافة و عرضها و لم أستکثره، و هی من بین سائر العراق مدینة عشریّة و لها نخیل متّصلة من عبداسی الی عبّادان نیّف و خمسین فرسخا متّصلة لا یکون الإنسان منها بمکان إلّا و هو فی نهر و نخیل أو یکون بحیث یراهما، و هی فی مستواة لا جبل فیها و لا یکون بحیث یقع البصر علی جبل بتّه، و بها آثار أمیر المؤمنین صلوات الله علیه و غیر موقف معروف مذ أیّام الجمل و قبر طلحة بن عبید الله فی نفس المدینة و خارج المربد فی البادیة قبر أنس بن مالک و الحسن البصریّ و ابن سیرین و المشاهیر من علماء البصرة و زهّادها الی یومنا هذا، و من مشاهیر أنهارها نهر الأبلّة و طوله أربعة فراسخ ما بین البصرة و الأبلّة و علی جانبی هذا النهر قصور و بساتین متّصلة کأنّها بستان واحد قد مدّت علی خیط و رصفت بالمجالس الحسنة و المناظر الأنیقة و الأبنیة الفاخرة و العروش العجیبة و الأشجار المثمرة و الفواکه اللذیذة و الریاحین الغضّة المرکّب منها مثل الحیوان و البرک الفسیحة المرصوفة و لا تخلو من المتنزّهین بغرائب الملاذّ و تحفّ المتظرّفین منحدرین و مصعدین ، و یتشعّب فوق البصرة و من تحتها أنهار کثیرة فمنها ما یقارب هذا النهر فی الکبر و لا یدانیه فی الجمال و حسن المنظر الأنیق، و کأنّ نخیلها غرست لیوم واحد، و هذه الأنهار الکبار کلّها متخرّقة بعضها الی بعض و کذلک عامّة أنهار البصرة حتّی إذا جاءهم
صورة الأرض، ج‌1، ص: 237
مدّ البحر تراجع الماء فی کلّ نهر حتّی یدخل نخیلهم و حیطانهم و جمیع أنهارهم من غیر تکلّف و إذا جزر الماء عنها و انحطّ خلت منه البساتین و النخیل و بقیت أکثر الأنهار خالیة فارغة، و یغلب علی میاههم الملوحة و أکثر ما یستسقون الماء لشربهم إذا جزر الماء من آخر حدّ نهر معقل لأنّه یعذب هناک فلا یضرّه ماء البحر و علی نهر معقل أیضا أبنیة شریفة و مساکن حسنة عالیة و قصور مشیّدة و بساتین و ضیاع واسعة غزیرة کبیرة عظیمة، و کان علی رکن الأبلّة فی دجلة بین یدی نهرها خور عظیم الخطر جسیم الضرر دائم الغرر و کانت أکثر [70 ظ] السفن تسلم من سائر الأماکن فی البحر حتّی ترده فیبتلعها و تغرق فیه بعد أن تدور علی وجه الماء أیّاما و کان یعرف بکرداب الأبلّة و خورها فاحتالت له بعض نساء بنی العبّاس بمراکب اشترتها فأکثرت منها و أوسقتها بالحجارة العظام و بلّعتها ذلک المکان فابتلعها و قد توافت علی مقدار فانسدّ المکان و زال الضرر فی وقتنا هذا عمّا کان علیه، و أکثر أبنیتها بالآجر و هی مدینة عظیمة جلیلة خصبة بما حوته عامرة وافرة الأهل حسنة النظم [حتّی أنّ من طرف نهر معقل إذا سار الإنسان علی خطّ مستقیم الی ناحیة القبلة یکون بین السور و بین طرف النهر نحو فرسخ أو أکثر، قال کاتب هذه الأحرف دخلتها سنة سبع و ثلثین و خمس مائة و قد خربت و لم یبق من آثارها إلّا الأقلّ و طمست محالها فلم یبق بها إلّا محالّ معلومة کالنحّاسین و قسامیل و هذیل و المربد و قبر طلحة و قد بقی فی محلّة بیوت معدودة و باقی بیوتها إمّا خراب و إمّا غیر مسکونة و جامعها باق فی وسط الخراب کأنّه سفینة فی وسط بحر لجّیّ و سورها القدیم قد خرب و بینه و بین ما قد بقی من العمارة مسافة بعیدة و کان القاضی عبد السلام الجیلیّ رحمه الله قد سوّر علی ما بقی سورا بینه و بین السور القدیم دون النصف فرسخ فی سنة ستّ عشرة و خمس مائة و سبب خرابها ظلم الولاة و الجور و أیضا فی کلّ سنة مرّة أو مرّتین تشنّ علیهم البادیة الغارات و أکثرهم خفاجة و ابتدأ خرابها منذ خرج بها البرقعیّ و ادّعی أنّه علویّ و تحصّن بنهر الخصیب و محاصرة أحمد الموفّق
صورة الأرض، ج‌1، ص: 238
ابن المتوکّل و سمعت جماعة من أهل البصرة یقولون کان بها فی زمن الرشید بن المهدیّ أربعة آلاف نهر یجبی له فی کلّ یوم من کلّ نهر مثقال ذهب و درهم نقرة و قوصرة تمر و سمعت الشیخ وهب بن العبّاس و کان من جملة الوعّاظ المعروفین بالبصرة یحکی عن والده العبّاس أنّه قال کان علی باب المحلّة التی یسکنها دکّان بقّال منفرد عن السوق و أنّ ذلک البقّال شکا الی العبّاس قلّة المعاش و ذکر أنّه کان یشتری من دکّانه فی کلّ سنة عشرة مکاکیّ خردل دون باقی الحوائج و فی سنتی هذه قد بقی من مکّوکی خردل بقیّة،] و للبصرة من استفاضة الذکر بالتجارة و المتاع و المجالب و الجهاز الی سائر أقطار الأرض ما یستغنی بشهرته عن إعادة ذکر فیه، و لها من المدن عبّادان و الأبلّة و المفتح و المذار فی مجاری میاه دجلة و هی مدن صغار متقاربة فی الکبر عامرة ، و الأبلّة أکبرها و أفسحها رقعة [و هی أحد حدود البصرة من جهة نهرها] و الأبلّة من بینها عامرة و بها أسواق صالحة [و لها حدّ آخر من عمود دجلة مکان یتشعّب منها النهر المعروف بنهر الابلّة] و ینتهی عمود دجلة الی البحر بعبّادان [بعد أن یضرب الیه نهر الابلّة]، و فی أضعاف قراها آجام کثیرة و بطائح الماء تسیر فیها السفن بالمرادی لقرب قعرها کأنّها کانت علی قدیم الأیّام أرضا مسکونة و یشبه أن یکون لمّا بنیت البصرة و شقّت أنهارها و کثرت و استغلق بعضها علی بعض فی مجاریها تراجعت المیاه و غلبت علی ما سفل من أرضها فصارت بطائح و آجاما، و للبصرة کتاب یعرف بکتاب البصرة ألّفه عمر بن شبّة قبل کتاب الکوفة و مکّة یغنی عن ذکر شی‌ء من أوصافها و هذه الکتب موجودة فی جمیع الأماکن، و أمّا ارتفاعها وقتنا هذا من وجوه أموالها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 239
کلّها و جبایاتها من أعشارها [و جماجمها] و مصالحها و ضمان البحر بلوازم المراکب فإنّه زاد و کثر و غلا و غزر و حضرته سنة ثمان و خمسین فکان ذلک فی ید أبی الفضل الشیرازیّ ستّة آلف ألف درهم، (6) و مدینة واسط علی جانبی دجلة و دجلة تشقّها بنصفین و النصفان متقابلان بینهما جسر سفن یعبر علیه من أراد من أحد الجانبین الآخر و فی کلّ جانب مسجد جامع و هی مدینة محدثة فی الإسلام استحدثها الحجّاج ابن یوسف و بها حضر الحجاز و هی مدینة تحیط بحدّها الغربیّ البادیة بعد مزارع یسیرة و هی خصبة کثیرة الشجر و النخل و الزرع و أصحّ هواء من البصرة و لیس لها بطائح و لها أرض واسعة و نواح فسیحة و عمارة متّصلة و بها قوام مدینة السلم إذا أسنتت نواحیها أو عیهت، و نواحی واسط عمل مفرد من أعمال العراق لعامل جلیل نبیه خطیر و حضرتها و قد جری ذکر عقدها علی أبی الفضل فی سنة ثمان و خمسین و کان ستّة آلف ألف درهم، (7) و مدینة الکوفة قریبة الأوصاف من البصرة و هواؤها أصحّ و ماؤها أعذب و هی علی الفرات و بناؤها کبناء البصرة و مصّرها سعد بن أبی وقّاص و هی خطط لقبائل العرب إلّا أنّها خراج بخلاف البصرة لأنّ ضیاع الکوفة قدیمة أزلیّة و ضیاع البصرة أحیاء موات فی الإسلام، و القادسیّة و الحیرة و الخورنق علی سیف البادیة ممّا یلی المغرب و یحیط بها ممّا یلی المشرق النخیل و الأنهار و الزروع و هی و الکوفة فی أقلّ من مرحلتین، و الحیرة مدینة قدیمة أزلیّة طیّبة التربة مفترشة البناء و قد خفّ أهلها بل لم یبق منهم إلّا القلیل بعمارة الکوفة و بینها و بین الکوفة نحو الفرسخ،
صورة الأرض، ج‌1، ص: 240
و بالکوفة قبر أمیر المؤمنین علیّ صلوات الله علیه و یقال أنّه بموضع یلی زاویة جامعها و أخفی من أجل بنی أمیّة خوفا علیه و فی هذا الموضع دکّان علّاف و یزعم أکثر ولده أنّ قبره بالمکان الذی ظهر فیه قبره علی فرسخین من الکوفة و قد شهّر أبو الهیجاء عبد الله بن حمدان هذا المکان و جعل علیه حصارا منیعا و ابتنی علی القبر قبّة عظیمة مرتفعة الأرکان من کلّ جانب لها أبواب و سترها بفاخر الستور و فرشها بثمین الحصر السامان و قد دفن فی هذا المکان [70 ب] المذکور جلّة أولاده و سادات آل أبی طالب من خارج هذه القبّة و جعلت الناحیة ممّا دون الحصار الکبیر تربا لآل أبی طالب، و الکوفة فی هذا الوقت و أعمالها و سوادها مضافة الی ضمان مدینة السلام و مرفوعة أعمالها الی دواوینها و حضرت ارتفاع السواد سنة ثمان و خمسین و قد ضمنه أیضا أبو الفضل و سائر طساسیج العراق دون زیادة الصنجة و حقّ بیت المال فکان ثلثین ألف ألف درهم، و القادسیّة مدینة علی شفیر البادیة صغیرة ذات نخیل و میاه و یزرع بها الرطاب الکثیرة و یتّخذ منه القتّ علفا لجمال الحاجّ و غیرها و لیس للعراق بعدها من ناحیة البادیة و جزیرة العرب ماء یجری و لا شجر، (8) و مدینة السلام محدثة فی الإسلام ابتناها أبو جعفر المنصور فی الجانب الغربیّ من دجلة و جعل حوالیها قطائع لحاشیته و موالیه و أتباعه کقطیعة الربیع و الحربیّة و غیرهما ثمّ عمرت و تزایدت فلمّا ملکها المهدیّ جعل معسکره فی الجانب الشرقیّ فسمّی عسکر المهدیّ و تزاید بالناس و البنیان و کثرت عمارتهم و انتقل اسم الخلافة الی الجانب الشرقیّ و دار من بیده حال من اسم المملکة و عمل الی أسفل هذا الجانب بالمخرّم و استحدث الدار التی فی أسفلها للسلطان و لیس بما وراءها بنیان للعامّة متّصل، و تتّصل قصور السلطان و بساتینها من بغداذ الی نهر بین فرسخین علی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 241
جدار واحد ثمّ یتّصل من نهر بین الی شطّ دجلة [و یتّصل البنیان بدار خلافتهم مرتفعا علی دجلة الی] الشمّاسیّة نحو خمسة أمیال و تحاذی من الجانب الغربیّ الحربیّة فیمتدّ نازلا علی دجلة البنیان الی آخر الکرخ، و یسمّی الجانب الشرقیّ منها جانب باب الطاق و جانب الرصافة و یسمّی عسکر المهدیّ لأنّه کان عسکر بحذاء مدینة أبی جعفر المنصور [و بنی هناک مسجد جامع حسن و الآن فقد خرب ذلک المکان و لم یبق معمور غیر الجامع و مقابر قریش و المحلّة المعروفة بقبر أبی حنیفة رضی الله عنه و انتقلت العمارة الی نهر معلّی و قد سوّر فی زماننا هذا و هو عشر الستّین و خمس مائة بسور حصین منیع و بین یدیه خندق عمیق محیط به یتخرّقه ماء الدجلة] و یسمّی الجانب الغربیّ جانب الکرخ، و بها مساجد للجمعة و صلاتها خاصّة فی أربعة مواضع منها فمنها [فی] الجانب الغربیّ الذی بمدینة أبی جعفر و بالرصافة جامع آخر لأهل باب الطاق و فی دار السلطان أیضا جامع یحضره الخاصّة و العامّة و مسجد براثا فی الجانب الغربیّ و استحدثه أمیر المؤمنین علیّ صوات الله علیه، و تتّصل عمارة الجانب الشرقیّ فی أسفل دار الخلافة بکلواذی و هی أیضا مدینة قصدة فیها مسجد جامع و لو عدّ فی جملة بغداذ لجاز لأنّ کثیرا من أهلها یصلّون فیه، و بین الجانبین فی وقتنا هذا جسر بقرب باب الطاق و کانا اثنین لعبر المجتازین و لمّا بان النقص علیهما عطّل أحدهما لبیان الاختلال، و هلک أکثر محالّها و ذلک أنّه کان من باب خراسان عمارة الی أن تبلغ الجسر و تمتدّ الی باب الیاسریّة من الجانب الغربیّ و عرضها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 242
فقد اختلّ أیضا من الجانبین جمیعا [نحو خمسة أمیال] و نقص و هلک منه الکثیر و أعمر بقعة بها الیوم الکرخ و جانبه لأنّ أهل الیاسریّة و معظم مساکن التجّار هناک، و ذکر بعض المؤلّفین أنّ الموفّق أمر بمساحتها فوجد الجانب الشرقیّ مائتی حبلا و خمسین حبلا و عرضه مائة حبل و خمسة أحبل و یکون ذلک ستّة و عشرین ألف جریبا و مائتین و خمسین جریبا و هذا حساب لا أعرفه، و وجد الجانب الغربیّ مائتین و خمسین حبلا و العرض سبعین حبلا سبعة عشر ألف و خمس مائة جریب الجمیع ثلثة و أربعون ألف جریب و سبع مائة و خمسون جریبا، و یکون بفدّان مصر حساب کلّ جریبین و نصف فدّان سبعة عشر ألف فدّان و خمس مائة فدّان و کانت هذه مساحة رقعتها، (9) فأمّا الأشجار و الأنهار التی فی الجانب الشرقیّ و دار الخلافة فإنّها من ماء النهروان و تامرّا و لیس یرفع الیها من دجلة إلّا شی‌ء یقصر عن العمارة، و أمّا الجانب الغربیّ فیشقّ الیه من الفرات نهر عیسی من قرب الانبار تحت قنطرة دممّا و تتحلّب من هذا النهر صبابات تجتمع فتصیر [71 ظ] نهرا یسمّی الصراة یفضی أیضا الی بغداذ [عند المحلّة المعروفة بباب البصرة] و علیه عمارات کثیرة للجانب الغربیّ و تنفجر منه أنهار کثیرة لعمارات الناحیة و یقع ما یبقی من ماء الصراة الصغیرة و الکبیرة فیما یجاور نهر عیسی من بغداذ فی نحو نصف المدینة و علیها کثیر من مساکنهم و دورهم و بساتینهم، فأمّا نهر عیسی فإنّ السفن تجری فیه من الفرات الی أن یقع فی دجلة و الصراة فیها حواجز و موانع من جری السفن بسکور و دوال فیها فتنتهی السفن فیها الی قنطرتها ثمّ یحوّل ما یکون فیها فیجاوز به ذلک الحاجز الی سفن غیرها، و بین بغداذ و الکوفة سواد مشتبک غیر
صورة الأرض، ج‌1، ص: 243
متمیّز تخترق الیه أنهار من الفرات فأولّها ممّا یلی بغداذ نهر صرصر علیه مدینة صرصر تجری فیه السفن و علیه جسر من مراکب یعبر علیه و مدینة صرصر عامرة بالنخیل و الزروع و سائر الثمار صغیرة من بغداذ علی ثلثة فراسخ، ثمّ ینتهی علی فرسخین الی نهر الملک و هو کبیر أیضا أضعاف نهر صرصر فی غزر مائه و علیه جسر من سفن یعبر علیه و نهر الملک مدینة أکبر من صرصر عامرة بأهلها و هی أکثر نخلا و زرعا و ثمرا و شجرا منها، ثمّ ینتهی الی قصر ابن هبیرة و لیس بین بغداذ و الکوفة مدینة أکبر منها و هی بقرب نهر الفرات الذی هو العمود [و یطلع] الیها هناک عن یمین و شمال أنهار مفترقة لیست بکبار إلّا أنّها تعمّهم لحاجتهم و تقوتهم و هی أعمر نواحی السواد، ثمّ ینتهی الی نهر سورا و هی مدینة [مقتصدة] و نهر کثیر الماء و لیس للفرات شعبة أکبر منه و ینتهی الی سائر سواد الکوفة و یقع الفاضل منه الی بطائح الکوفة و سورا هذه بین تلک النواحی أکثرها کروما و أشربة، و کربلا من غربیّ الفرات فیما یحاذی قصر ابن هبیرة و بها قبر الحسین بن علیّ صلوات الله علیهما و له مشهد عظیم و خطب فی أوقات من السنة بزیارته و قصده جسیم، (10) و مدینة سرّ من رأی فی وقتنا هذا مختلّة و أعمالها و ضیاعها مضمحلّة قد تجمّع أهل کلّ ناحیة منها الی مکان لهم به مسجد جامع و حاکم و ناظر فی أمورهم و صاحب معونة یصرفهم فی مصالحهم و کانت مدینة استحدثها أبو إسحاق المعتصم بن الرشید طولها سبعة فراسخ علی شرقیّ دجلة و کان شرب أهلها منها و لیس بنواحیها ماء یجری إلّا أنهار القاطول التی تنصبّ بالبعد منها الی سواد بغداذ و الذی یحیط بها فبرّیّة و عمارتها و میاهها و أشجارها فی الجانب الغربیّ بحذائها ممتدّة و المواضع التی ذکرتها مدادا هی مدن
صورة الأرض، ج‌1، ص: 244
قائمة بأنفسها کدور العربایی و الکرخ و دور الخرب و صینیّة سرّ من رأی نفسها فی وسطها و من أوّل ذلک الی آخره عند دور الخرب نحو مرحلة لا ینقطع بناؤها و لا تخفی آثارها [و هی إسلامیّة] و لمّا ابتدأ بناءها المعتصم استتمّه المتوکّل و هواؤها و ثمارها أصحّ من ثمار بغداذ و هوائها و لها نخیل و کروم و غلّات تحمل الی مدینة السلام [و هی الآن خراب أکثرها]، (11) و النهروان مدینة یشقّها نهر النهروان بنصفین فی وسطها و هی صغیرة عامرة من بغداذ علی أربعة فراسخ کثیرة الغلّات و الخیرات و النخیل و الکروم و السمسم خاصّة و نهرها یفضی الی سواد بغداذ أسفل من دار السلطان الی الإسکاف و غیرها من المدن و القری، فإذا جزت النهروان الی الدسکرة الی حدّ حلوان خفّت المیاه و النخیل و إن کانت من الدسکرة الی حدّ حلوان کالبادیة منقطعة العمارة منفردة المنازل و القری حتّی تفضی الی نهر تامرّا و حدود شهرزور و الی تکریت، (12) فأمّا المدائن فمدینة صغیرة جاهلیّة أزلیّة کسرویّة آثارها عظیمة و معالمها قائمة و قد نقل عامّة أبنیتها الی بغداذ و هی من بغداذ علی [71 ب] مرحلة و کانت مسکن الأکاسرة و بها ایوان کسری المشهور ذکره بحدیث سطیح و غیره الی یومنا هذا و هو إیوان معقود عظیم جسیم من آجرّ و جصّ و لیس للأکاسرة أثر و لا بنیة کهو، و ینعت هذا الإقلیم بأرض بابل و کانت مدینة النماردة و الفراعنة و قرار ملکهم و حومة نعمهم و هی الآن قریة صغیرة و هی أقدم أبنیة العراق عهدا استحدثها ملوک الکنعانیّین و سکنوها و من کان بعدهم و کانت دار مقامهم و بها آثار أبنیة تخبر أنّها کانت فی قدم الأیّام مصرا عظیما و یری آخرون أنّ الضحّاک أوّل من بناها
صورة الأرض، ج‌1، ص: 245
و سکنتها التبابعة و دخلها إبراهیم علیه السلم، [و تجاهها حلّة ابن مزید مدینة محدثة استحدثها منصور بن مزید الأسدیّ فی سنی التسعین و أربعمائة غربیّ الفرات منغصّة بالناس کثیرة الأسواق دائمة الشری و البیع و بها مسجد جامع حسن کبیر و جبایتها ربّما زادت علی ألف دینار،] و کوثی ربّا مدینة یزعم قوم أنّها کانت أکبر من بابل و یقال إنّ إبراهیم الخلیل علیه السلم بها طرح فی النار و کوثی بلدان و ناحیتان تعرف إحداهما بکوثی الطریق و الأخری بکوثا ربّا و بها تلال رماد عظیمة و یزعمون أنّها نار النمرود بن کنعان التی طرح فیها إبراهیم، و الجامعان منبر صغیر حوالیها رستاق عامر خصب جدّا یحادّ نواحی المدائن، و المدائن من شرقیّ دجلة و من بغداذ علی مرحلة و یقال إنّه کان فی أیّام الفرس قد عقد بها علی الدجلة جسر من آجرّ و لیس لذلک أثر فی هذا الزمان و قد حکیت هذه الحکایة عن تکریت و أنّه کان علی الدجلة بها عقد جسر من آجرّ یعبر علیه فی أیّام الهیاطلة و أدرکت أثرا من ذلک یشهد له فی سنی نیّف و عشرین و ثلثمائة، (13) فأمّا عکبرا و البردان و النعمانیّة و دیر العاقول و جبّل و جرجرایا و فمّ الصلح و نهر سابس و سائر ما ذکرته علی شطّ الدجلة من المدن فهی متقاربة فی الکبر و لیس بها مدینة کبیرة و هی مشتبکة العمارة و لکلّ مدینة من ذلک کورة، [و البوازیج شرقیّ تکریت و هی علی النهر الصغیر الذی أخذ من
صورة الأرض، ج‌1، ص: 246
بلاد الدربند و شهرزور و لها نهر یأخذ من الزاب من أعلاها مسیرة أربعة أمیال و یجئ الیها من قبلیّها و یقسم بمقاسم عملت من الآجرّ أفواه الأنهار نهر الی شرقیّها و نهر الی غربیّها یسقی بساتینها و أقطانها و نهر یسمّی السنّ یدخل تحت السور من قبلیّها و یشقّ فی وسطها و فی أسواقها و علیه مرابع بالآجرّ و ربّما دخل واحد دکّانه و استقی الماء من طاقه و یخرج منها النهر فیسقی البساتین و الأقطان الی شمالیّها و شرقها و هو ماء کثیر و فیها أیضا نهر صغیر یشقّ وسط البلد و یروح الی غربیّ البلد یسقی الأقطان و البساتین و فی بساتینها فاکهة ملیحة و أکثرها الرمّان و الرطب و أهلها لیّنو العریکة محبّون الغریب و یتعصّبون له و ربّما حمل من فاکهتها الی الموصل و ینادی علیه باسمها و ربّما أبیع فاکهة غیرها باسمها لشهرتها بالجیّد، و رؤساؤها قوم بنو یعرب من بجیلة من ولد جریر بن عبد الله البجلیّ و رؤساء نصفها الآخر قوم من بنی هود یقال لهم بنو هود بن قحطان و هؤلاء رؤساء الجانبین مختلفون فی المذهب فبنو یعرب شیعة و بنو هود سنّیّة و لکلّ منهم تبع عظیم و ربّما یجری بینهم شی‌ء من القتال علی ذلک إلّا أنّهم یزوّجون بعضهم من بعض و لا یزوّجون غریبا و لا یتزوّجون من غریب و کانوا قدیما من عسکر علیّ بن ابی طالب رضی الله عنه لمّا فتح تکریت أخذوها و سکنوها بعد مقتله بالکوفة و هی مبنیّة بالطوب الّتی هو اللبن و الجصّ مساکن مرتفعة جدّا أحسن من اربل،] و حلوان مدینة لیس بالعراق بعد البصرة و الکوفة و واسط أعمر منها و لا أکثر خصبا و جلّ ثمارها التین و هی بقرب الجبل و لیس للعراق مدینة تقرب من الجبل غیرها و ربّما سقط بها الثلج فأمّا أعلی جبلها فالثلج یسقط به دائما، و بالدسکرة نخیل و زروع کثیرة و بخارجها حصن من طین داخله فارغ و هو مزرعة و یقال أنّ ملکها کان یقیم به فی بعض فصول السنة فسمّیت دسکرة الملک لذلک، (14) و قد قدّمت القول بالتقویس الذی فی حدّ العراق من نحو تکریت الی [أن] یجاوز مشرقا عن دجلة الی قرب العلث بالطول علی
صورة الأرض، ج‌1، ص: 247
مثال القوس الی الدسکرة ثمّ یتصوّب علی مثال القوس الی حدّ عمل واسط من حدّ العراق الی حدّ الجبل فإنّه قلیل العمارة و فیه قری مفترشة و الغالب علیها الأکراد و الأعراب و هی مراع لهم، و کذلک من تکریت عن غربیّها الی أن تنتهی الی الانبار بین الدجلة و الفرات قلیل العمارة و إنّما العمارة منه ما یحاذی سرّ من رأی أمیال یسیرة و الباقی هی بادیة، (15) و لم أبالغ فی وصف العراق لإکثار الناس فیها و وصفهم المستفاض لها و اشتهار عامّة ما یذکر منها و هذه صفة جامعة لها و إذ قصدی فیها و فی غیرها إثبات هیآتها فی الصورة و موقع بعضها من بعض، و أمّا ارتفاعها فبمعزل من ارتفاع البصرة و واسط فی وقتنا هذا و قد قدّمت ذکر ذلک فی غیر موضع من قدیم و حدیث، [و حضرت عقد ضمانها من حدّ تکریت الی حدّ واسط بجمیع طساسیجها و أعمال الکوفة المضمومة الیها من جمیع وجوهها و أسبابها علی أبی الفضل الشیرازیّ فی سنة ثمان و خمسین و ثلثمائة و کان دون زیادة الصنجة و حقّ بیت المال ثلاثین ألف ألف درهم و قد تقدّم ارتفاع البصرة و واسط عند ذکرهما و أنّهما تضمّنا معا باثنی عشر ألف ألف درهم فی هذه السنة المذکورة،]

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.