موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، المجلد 6

اشارة

سرشناسه : عزاوي، عباس، م - 1888

Azzawi, Abbas

عنوان و نام پديدآور : تاريخ العراق بين احتلالين/ عباس العزاوي

مشخصات نشر : قم: مكتبه الحيدريه، 1425ق = 1383.

مشخصات ظاهري : 8 ج.مصور، نقشه، نمونه

شابك : 964-8163-30-830000 ريال :(دوره) ؛ 964-8163-31-6(ج. 1) ؛ 964-8163-32-4(ج. )2 ؛ 964-8163-32-2(ج. )3 ؛ 964-8163-34-0(ج. )4 ؛ 964-8163-35-9(ج. )5 ؛ 964-8163-36-7(ج. )6 ؛ 964-8163-37-5(ج. )7 ؛ 964-8163-38-3(ج. )8

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : افست از روي چاپ: مصلبعه بغداد، 1353ق = 738ق = 1258 = م 1338

يادداشت : عنوان روي جلد: تاريخ العراق بين الاحتلالين.

يادداشت : كتابنامه

مندرجات : ج. 1. حكومه المغول، 738 - 656ق = 1338 - 1258م .-- ج. 2. حكومه الجلايريه، 814 - 739ق = 1481 - 1338م .-- ج. 3. الحكومات التركمانيه، 941 - 814ق = 1534 - 1338م. .-- ج. 4. العهد العثماني الاول، 1048 - 941ق = 1638 - 1534م. .-- ج. 5. العهد العثماني الثاني، 1163 - 1049ق = 1750 - 1639م. .-- ج. 6. حكومه المماليك، 1247 - 1162ق = 1831 - 1749م .-- ج. 7. العهد العثماني الثالث، 1289 - 1247ق = 1872 - 1831م. .-- ج. 8. العهد الثماني الاخير، 1335 - 1289ق = 1917 - 1872م .-

عنوان روي جلد : تاريخ العراق بين الاحتلالين.

عنوان ديگر : تاريخ العراق بين الاحتلالين

موضوع : عراق - تاريخ

رده بندي كنگره : DS70/9 /ع 43ت 2 1383

رده بندي ديويي : 956/7

شماره كتابشناسي ملي : م 83-19225

الجزء السادس

استدرك المؤلف علي الجزء السادس، و وضع تعليقات ألحقها بالجزء السابع،

قال:

«المرء معرض للنقص و السهو أو لا تتيسر له الإحاطة و لا الاستيعاب للمباحث، لا سيما الحوادث التاريخية، و بالتعليق و الاستدراك يتلافي بعض النقص و يراعي إصلاح الخطأ. فيستدرك ما فات. و يصحّح الخطأ».

و

قد رأينا أن نضع فقرات هذه الاستدراكات و التعليقات في مواضعها من هذا الجزء. كما فعلنا في الأجزاء السابقة.

و قد ألحق المؤلف بهذا الجزء تعليقات و استدراكات علي الجزأين الرابع و الخامس سماها «الملحق الخامس» و قد رأينا أن نضمها إلي الجزأين المذكورين.

الدار العربية للموسوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 7

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده و علي آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين.

و بعد فهذه صفحة أخري تالية لما سبقها من بيان حياتنا الماضية و تطورها، كاشفة عما اتصل بنا من حوادث. و هدفنا أن نتطلع إلي وجوه الانتفاع و إلي ما طرق من مضايق حرجة و ما اتخذ من مخارج، أو ندرك الشؤون الاقتصادية و الاجتماعية في حالات الهدوء و الاضطراب …

و تخص تلك الحوادث أيام (المماليك) المعروفين ب (الكولات).

نري المطالب فيها أوسع و العلاقات أكمل و أتم. جاءتنا فيها الوثائق أكثر. و تبينت لنا الحالة أوضح لقرب العهد منا. و فيها من السياسة ضروب، و من الاتجاهات أنواع. و مثلها في الثقافة ما لا يقل شأنا.

و هكذا سائر الأحوال مما يدعو إلي الانتباه و المعرفة الحقة بالرغم مما يحوطها من الاتجاهات.

و حوادثها من سنة 1162 ه- 1749 م إلي سنة 1247 ه- 1831 م.

و تعد زمن نهضة و أملنا أن تكون هذه المباحث عند رغبة الأفاضل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 8

نظرة عامة

حكومة المماليك أثرت علي العراق سياسيا و ثقافيا. فبرزت أهميتها كبيرة بما شوهد من وقائع. فخلدت لها ذكرا، و أظهرت العراق مرة أخري، و إن كانت لم تتوافر لها الدوافع السياسية و البواعث الاجتماعية و الاقتصادية، من كل وجه.

و هذا العهد يهمّ كثيرا في إدراته، و في نفسيات أهليه، و ما اكتسب من العظمة في أوضاع جرت فيه، أو فرضت عليه من سياسة مشي عليها الحاكمون أو جموح من الأهلين، و هكذا ما كان من اتصالات بالخارج و علاقات اقتصادية و حربية … أو ما حصل من ثقافة.

استعان الوزير

حسن باشا و ابنه أحمد باشا (بالمماليك). فأكثروا منهم لتقوية سلطانهم و للقضاء علي (الينگچرية) و تحكمهاتهم بالولاة و بالدولة، فتمكنوا من هذه الادارة إلا أن السلطة حولت إليهم. ذاق المماليك حلاوة الحكم، و شعروا بالقدرة، فخلفوا أسيادهم في سلطانهم و لم يحصل من التبدل إلا أن يعلنوا ادارتهم. أرغموا الدولة أن تصادق علي الأمر الواقع. و تسلطوا علي الأهلين فأذعن العراق بالطاعة.

رغبوا في الحكم. و كان بأيديهم. فهم بين أن يتمشوا و الإدارة الأهلية فيجدوا أكبر مناصر، و بين أن يرعوا مطالب الدولة إلا أنهم كانوا في ريب منها. و في كلتا الحالتين لم يجدوا الأمر مكفولا، فليس لهم قدرة النضال، و ليس من الميسور أن تقبل الدولة الانقياد الظاهري أو أن تدع مجالا لأحد أن يتدخل في ادارتها. و الأهلون بالمرصاد.

قرروا بعد تلوّم أن يجروا علي خطة أحمد باشا في تسلطه و انقياده الظاهري للدولة دون معاكسة الأهلين، فصرفوا الهمة إلي ارضاء الناحيتين مع مراعاة الحيلولة دون اتفاقهما. أبدوا الطاعة للدولة. و في الوقت نفسه حاربوا الوالي المبعوث منها. و كان وضع الدولة آنئذ أن لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 9

تحرك ساكنا حذرا من تكرر واقعة (بكر صوباشي)، فتتدخل ايران مرة أخري. و كان لها من الأوضاع الحربية و الحالات الطارئة ما يشغل.

لم يستطع الوالي أن يقف في وجه المماليك، فاضطرت الدولة أن تذعن خشية توسع الخلاف، أو أن يفرط الأمر، فورد الفرمان و كان موقعا علي البياض، فجاء بنصب سليمان باشا وزيرا علي بغداد، و انتهت العقدة، فتكونت (حكومة المماليك). و قبلت بما يؤديه الوالي إلي الدولة، و انقادت اسميا بل راعت ما هو مرعي للولاة المنقادين رأسا.

و كانت موافقة

الدولة علي مضض و شعرت بالخطر، فحاولت بعدها محاولات عديدة للقضاء علي هذه الغائلة فكانت كلها فاشلة. يتخلل ذلك وقائع أخري غريبة، و أحوال شاذّة و آراء مهمة، و تدابير دقيقة. كلها تدل علي حنكة. و فيها أقصي ما يمكن الركون إليه من خطط سليمة، و آراء قويمة لا نجدها في غيرها.

دامت هذه الحكومة في جدال عنيف تارة، و في سياسة مصافاة و مداراة أخري و كانت في يقظة. لم تضيع الحكمة و لا حسن الادارة في وضعها و فيما تدعو إليه الحالة. و هكذا حتي شعرت بالقدرة. فاضطرت للمقارعة الحاسمة أو المجاهرة بالمخالفة للدولة فأرادت أن تجرب طالعها فحدث ما لم يخطر ببال، فانتهت بخذلان ذريع و انقراض تام.

و إرادة اللّه تعالي غالبة.

و لا ننكر أن هذه الحكومة قضت أيام راحة و طمأنينة أكثر من الادارات السابقة نوعا، و صرفت جهودا للنفع العام من احياء الحضارة و الثقافة و مراعاة وسائل العمارة، فنال القطر رفاها، و اكتسب انتظاما.

و أقل ما عملوا أنهم أزالوا نفوذ الينگچرية.

و الأهلون لم ينالوا نصيبا وافرا في الادارة. و لذا كانت آمالهم ضعيفة فلا قيمة للعلوم و الآداب، و إنما كانت علما لا ينفع، و ربما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 10

صارت مصيبة فكلما شعر القوم بقوة قضوا عليها. و لا شك أن حكمهم كان غريبا. رأوا مصافاة الدولة أكبر من مصافاة الشعب فمالوا إليها، و نال الشعب الإهمال. و كان ربحه في أن يري راحة، و لم يجد الازعاج الذي كان. و شاهد ثقافة غير نافعة.

سيطروا علي الادارة، و تسلطوا بيد من حديد، و كانت سيرتهم علي سيرة مواليهم حسن باشا و أحمد باشا.

و نري في هذا العهد

صفحات متجددة في السياسة و الادارة و الثقافة جربنا القلم في موضوعها الشائك بالرغم مما بذلنا من جهد. فالوثائق كثيرة و النزعات متضاربة. فحاولنا النفوذ إلي ما وراء الستار من دقائق سياسية مكتومة، و جردناها مما كان يخفيه العثمانيون و المماليك. و جل أملنا أن يشارك القاري ء الفاضل في النتائج و إلا فلكل رأيه.

و هذا العهد- علي قصر مدته- أمكن العمل فيه مع وجود المنغصات في حروب ايران، و في الطواعين، و في حروب الدولة. و كل أمر من هذه يكفي لتدمير دول و أمم، و مع هذا سار العراق بخطوات واسعة. لم يبال بالعقبات. و هذا شأنه دائما لا يقف عند حادث، و لا يهتم بما جري. و إنما يفكر دائما في المستقبل.

و لا شك أن هذا التاريخ أولي بالاهتمام. فلم تنقطع صلته، و لا تزال حوادثه المحفوظة تدور في مجالسنا، و العراق اظهر حبه لهذا العهد لما رأي بعده من غوائل.

المراجع التاريخية

اشارة

لا يخلو هذا العهد من غوامض بالرغم من تعدد المستندات التي حصلنا عليها و تكاثرها بحيث يتبادر لأول وهلة أن لم يبق خفاء. و حب التطلع يقوي الرغبة أكثر. و هذه الوثائق في الغالب صادرة من صنائع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 11

المماليك، أو من مؤرخي الدولة و كل منهم يستهدف سياسة خاصة يحاول فيها أن يخفي أمره أو لا يجهر بخطته بل يظهر غير المطلوب.

و التاريخ السياسي بين الكتمان و المداراة أو هو مسجّي بغشاء من المماشاة و سائر التواريخ بين المغالاة من ناقم، أو محب مداهن و جهودنا موجهة نحو ما تيسر من تثبيت الواقع و تجريده من الميول و النزعات، قدر المستطاع. و لم نراع رغبتنا في التوجيه

و لا شعورنا في تعيين الشؤون بل كنا بوضع رسام أو مصور بلا تزويق أو تشويه.

و يهمنا أن نبصّر بعلاقة الحكومة بالأهلين، و ما هي عليه من حالات كما أن هناك علاقات خارجية لا يصح أن تهمل، و ثقافة أو آثار حضارة لا ينبغي أن تغفل.

1- المراجع العراقية:

اشارة

هذه يصعب احصاؤها. و بينها نتف مفرقة، أو قصائد مفردة أو حوادث مبددة هنا و هناك. و يهمنا بيان ما كان أكثر فائدة. و غالب المؤرخين كانوا لجانب الحكومة. و أقل ما يقال فيهم التزلف.

و العربية من هذه:

1- كتب الأدب. من دواوين و مجاميع و أمثالها.

و في التاريخ الأدبي أوسعنا القول فيها. و لا تخلو مما يعين بعض الوقائع فنذكر ما يتعلق منها بالتاريخ السياسي، أو نستخلص مجمل التاريخ الثقافي.

2- الوثائق التاريخية.

و نتناول منها ما كانت فائدته أشمل مثل منهل الأولياء، و عمدة البيان، و غرائب الأثر للعمريين، و مطالع السعود لابن سند و سائر ما يعرض بحثه. و أما ما تأخر فإننا نتولي بحثه في حينه إلا أننا لا نغفل نصوصه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 12

2- و المراجع التركية:

اشارة

لا تختلف عن العربية كثيرا. و نراعي فيها ما روعي في تلك مثل تاريخ نشاطي و دوحة الوزراء و ما هناك من دواوين و مجاميع معاصرة.

فلا ندخل الآن في التفصيل. أما المراجع الأخري فإننا نرجي ء البحث فيها إلي حينه مثل مرآة الزوراء، و رسائل المنتفق و حروب الايرانيين و تاريخ الكولات في تكون حكومة المماليك في بغداد و انقراضهم و طبع سنة 1292 ه باستنبول باسم (ثابت) ابن المؤلف. كل هذه للأستاذ سليمان فائق والد صاحب الفخامة الأستاذ الجليل حكمت سليمان.

2-

المراجع التركية للدولة:

و هذه كثيرة. منها (التواريخ الرسمية)، و منها التواريخ الأخري لمؤلفين أصحاب رغبة.

التواريخ الرسمية:
1- تاريخ واصف:

تاريخ واصف المسمي ب (محاسن الآثار و حقائق الأخبار)، كتبه مؤلفه أحمد واصف بأمر من الدولة العثمانية أيام السلطان سليم الثالث و يحتوي علي الوقائع من سنة 1156 ه إلي سنة 1188 ه و فيه أن العثمانيين دونوا وقائعهم علي يد مؤرخيهم الرسميين إلي سنة 1156 ه بصورة متصلة و كادت تضيع الوقائع أو تنعدم من ذلك التاريخ إلي سنة 1182 ه فأحيل إليه أمر تحريرها و كان بوظيفة توقيعي.

ذيل به الأستاذ واصف علي تاريخ سليمان عزي و نقد بعض معاصريه و من قبله ممن تولوا تحرير الوقائع، فعابهم في الانشاء أو في اقتصارهم علي حوادث العزل و النصب و أنهم اهملوا أسباب الوقائع و مقتضيات الوقت مما تجب مراعاته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 13

و بيّن وقائع العراق و حوادث ايران بالاستناد إلي تقارير الوزير سليمان باشا الأول و نشر فرمان وزارته و أوضح فكرة الدولة آنئذ في إيداع الوزارة إليه، و ذكر طرفا من وقائع اليزيدية إلي آخر ما هنالك.

طبع كتابه لأول مرة في دار الطباعة العامرة باستنبول عام 1209 ه و 1210 ه في شعبان المعظم كما طبع ببولاق في جمادي الثانية من سنة 1246 ه في مجلدين علي ورق سميك في أربعمائة صفحة.

و علي تاريخ واصف ذيل للمؤلف نفسه من سنة 1196 ه إلي سنة 1200 ه و آخر من سنة 1203 ه إلي سنة 1209 ه لم يطبعا.

و توفي في رجب سنة 1221 ه 1806 م. و ترجم تاريخه إلي اللغة الفرنسية و طبع.

2- تاريخ أحمد لطفي:

هذا من الكتب التاريخية المعتبرة. تبتدي ء وقائعه من سنة 1241 ه و تمتد إلي ما بعد المماليك. و فيه بيان لمحارباتهم مع الدولة، و طريقة

القضاء عليهم. و حكاية الوقائع في بغداد عن مفتي بغداد الأسبق الحاج محمد أمين الزندي المتوفي يوم الخميس 13 صفر سنة 1285 ه. و لا يخلو الأستاذ سليمان فائق من مخالفة له. اتخذ تاريخ لطفي اصلا فعارضه في كثير مما بيّن. و توفي في سنة 1325 ه- 1907 م.

3- تاريخ عاصم:

في مجلدين. طبع في مطبعة الحوادث و هو لأحمد عاصم العينتابي بدأ تاريخه من أواخر سنة 1220 ه و يمتد إلي أواخر أيام السلطان سليم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 14

و المجلد الثاني منه يبتدي ء من واقعة خلع هذا السلطان و ينتهي بأوائل سلطنة السلطان محمود. ثم دوّن نحو اثنتي عشرة سنة لم تبيض فأودعت إلي خلفه (شاني زاده) و توفي في صفر سنة 1235 ه- 1819 م.

4- تاريخ شاني زاده:

هو محمد عطاء اللّه بن محمد صادق الشاني. يبتدي ء من بقية وقائع سنة 1223 ه و ينتهي بأواخر سنة 1236 ه. طبع عام 1284 ه خلف أحمد عاصم العينتابي. و توفي في سنة 1242 ه.

5- أس ظفر:

للمؤرخ أسعد المتوفي سنة 1264 ه. فصّل فيه الواقعة الخيرية في إلغاء الينگچرية و إزالة تكايا البكتاشية. و هو من المراجع الاصلية، توفي سنة 1264 ه- 1848 م.

6- تاريخ أحمد جودت:

في اثني عشر مجلدا جعله تكملة لتاريخه العام. و يبتدي ء من سنة 1188 ه و ينتهي بسنة 1242 ه و هو متمم لحوادث كلشن معارف متداخل بوقائع من سبقه. و الكتاب مفيد و مهم و من مصادره (دوحة الوزراء).

و كانت السياسة في أيامه تحولت فهو يكتب بعد انتهاء ذلك العصر و مؤثراته. طبع مرات.

و هذه التواريخ فيها من ضبط الوقائع ما لا يخفي. و بعضها جاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 15

موضحا للمراجع العربية، أو جاءت الوثائق العربية موضحة له. و فيها ما يكشف عن سياسة الدولة، أو ما ترمي إليه من فكرة.

التواريخ الأخري:

و أما المؤرخون الآخرون من غير الرسميين فلا تخلو تواريخهم من علاقة ببعض الوثائق، وصلة بالوقائع و منها تعرف وجهات النظر. كما أنها تكشف عن خبايا و حقائق لا يستهان بها. و المادة التاريخية لا تقتصر علي وقت بعينه. و إنما تظهر في حالات جديدة. و لا تنجلي بعض الحوادث في حينها. و إنما الزمن كفيل بذلك.

و أشهر هذه التواريخ:

1- گلشن معارف: من التواريخ العامة. مر في المجلد الخامس.

2- نتائج الوقوعات: جاء مكملا لگلشن معارف. يبتدي ء من سنة 1188 ه و ينتهي بسنة 1257 ه. و هو من تأليف السيد مصطفي باشا ناظر الدفتر الخاقاني المعروف بمنصوري زاده المتوفي سنة 1307 ه. و يعد من التواريخ المعتبرة طبع 1327 ه في مطبعة الحوادث باستنبول للمرة الثانية.

و التواريخ التركية لهذا العهد عديدة. ربما تعرضنا لها عند النقل منها. و الانكشاف التاريخي ظاهر من مطالعة هذه الآثار. و أما ما كان بعد هذا العصر فلا يخلو من نصوص جديدة. و الترك نشروا تواريخهم و لم يقصروا.

3- المراجع الايرانية:

و هذه كثيرة إلا أن الحوادث المتعلقة بهم لهذا العهد هي حوادث الدولة الزندية. و وقائع القجارية. و إننا في هذه الحالة رأينا وثائق معاصرة. و منها تواريخ الدولة الزندية، و تواريخ القجارية. و أشهرها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 16

1- مجمل التواريخ في تاريخ الزندية. تبدأ حوادثه من نادر شاه، و هو تأليف أبي الحسن بن محمد گلستانة. كان واليا في كرمانشاه.

و گلستانة ناحية في أصفهان. و هو من التواريخ المعاصرة المهمة. لم يذكر فيه تاريخ الطبع. و الكتاب فيه تعليقات مهمة، و فهارس عديدة.

طبع بعناية زائدة في طهران.

2- تحفه عالم و تتمتها، سياحة فارسية، لعبد اللطيف بن أبي

طالب الموسوي الشوشتري. فيها تعرض لوقائع سليمان باشا الكبير و يصف ما شاهد و يعين ملاحظاته المهمة طبعت في الهند في حيدر آباد سنة 1317 ه.

3- تاريخ گيتي گشا. لميرزا محمد صادق الموسوي الملقب ب (نامي) مع ذيلين آخرين. طبع بتصحيح و مقدمة الأستاذ المؤرخ الفاضل سعيد نفيسي. طبع في مطبعة إقبال سنة 1317 ش. ه. و تنتهي حوادثه مع الذيلين بسنة 1208 ه. و يبحث في الدولة الزندية و ما يتعلق بها.

عندي مخطوطة منه كتبت في 20 رجب سنة 1299 ه.

4- تاريخ ايران. تأليف عبد اللّه الرازي. طبع في طهران سنة 1317 ه. ش. و هو عام. و من مباحثه ما يتعلق بالعهد الذي نكتب فيه.

5- تاريخ مختصر ايران. تأليف پاول هرن. ترجمة الدكتور رضا شفق زاده إلي الفارسية و ينتهي بانتهاء الدولة الزندية طبع سنة 1314 ه.

ش.

6- تاريخ الزندية. تأليف عبد الكريم علي ضيا الشيرازي. طبع في ليدن سنة 1888 م و هو من التاريخ المعاصرة. و يهم كثيرا.

و في أيام القجارية المراجع كثيرة إلا أن ما يهمنا التعرض له قليل، محصور في بعض الوقائع. و هذه سببها أن كلتا الدولتين العثمانية و الايرانية أخلدت إلي الهدوء و الراحة. و ما ذلك إلا لانقطاع الأمل في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 17

التوسع من جهة و حذر أن يستغل الغربيون الأوضاع للقضاء علي كل منهما.

4- المراجع للاقطار العربية:

و هذه تتأثر للحادث. و تدون بعض الوقائع المهمة. و لم نجد فيها مرجعا عاما و قل أن نري ما يدعو إلي الأخذ. لا سيما أن الصحافة لم تتكون أو أنها تكونت بصورة ضعيفة و متأخرة و لم تتمكن بعد.

هذا، و الاستفادة من المؤلفات التاريخية من عربية و

تركية و إيرانية للتاريخ السياسي قليلة جدا. و هذا لا يمنع أن أذكر المراجع عند ما يعرض النقل في حينه. و أما الكتب المعاصرة فإنها كثيرة الغلط. و يتضح ذلك من مقابلة النصوص.

حوادث سنة 1162 ه- 1749 م

وزارة سليمان باشا

اشارة

توصل سليمان باشا إلي (الوزارة) من طريق الدعوة، فاستهوي المماليك و غيرهم فلم يترك وسيلة و لا قصر في تدبير.. فنجح و لكن ذلك لا يفيد إذا لم تعضده قوة كبيرة تسانده. و هذا ما ركن إليه فالدعوة تشيع أن الحق معه مقرونة بتلك القوة تقهر و تمهد الطريق. فاضطرت الدولة إلي الاذعان فنال مطلوبه. و لسان حاله يقول:

أنا تابع منقاد. و لكن لا أرجع دون نيل ما عزمت عليه و الحكومة لي، و الأهلون طوع ارادتي، و العشائر منقادة، و القوة ما ترون، و إلا فالعاقبة و خيمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 18

فلم تر الدولة بدّا من اجابة ما طلب فحملت الخرق و سوء الادارة علي الوالي السابق محمد باشا الصدر و أنهت الغائلة بإصدار فرمان الوزارة إليه في 29 شوال سنة 1162 ه- 1749 م.

و جهت إليه إيالة بغداد و هو موصوف بالشجاعة و القدرة علي الادارة. و كان يقال له (أبو ليلة) و (أبو سمرة) و (دواس الليل). كان صهر الوزير أحمد باشا و كتخداه. فلم يترك وسيلة، و لا أهمل أمرا حتي أدرك أمنيته. و هذا ما جعله من أفذاذ عصره، نالها بحق و كفاءة و لم يقو علي معارضته وزير بغداد السابق في حين أنه كان من الصدور. و الكل ينطق بالتسليم له.

قال الأستاذ سليمان فائق:

«عاش سليمان باشا في الخطة العراقية من حين كان مملوكا. ثم تولي منصب كتخدا فصار مرجع الخاص و العام و استمر أمدا طويلا، و أن الدولة لم تجربه التجربة اللائقة. لكنها طمعت في دراهمه فعهدت إليه بإيالة البصرة مختارة. و منحته رتبة الوزارة كان ذلك بأمل تبعيده عن بغداد. ثم انكشفت لها بواطن الأمر (أو

رأته استغل هذا الوضع) فوقعت في ارتباك و اهتمت له كأنها أصابتها غائلة أجنبية هددت سلامتها، فأعدت فيلقا عظيما و اختارت له قائدا عاما. تجاوز حدود إيالته. و سابق جيشه تأهبات الدولة فأحاط بقاعدة إيالة (بغداد) و أوقعها في خطر. و مع هذا قوبل عمله هذا بالتحسين فأنعم عليه بوزارة بغداد علي هذا العمل ضميمة إلي إيالة البصرة. و ما لنا إلا أن نتساءل ماذا نقول لرجال الدولة في ذلك الحين ممن رأي هذا الرأي و صوّبه لدرجة أنهم سببوا تأسيس (حكومة المماليك) فشغلوا الدولة بغائلتها مدة عصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 19

تقريبا؟؟ اذكروا موتاكم بالخير!» ه.

نراه لاحظ الأشخاص و لم ينظر إلي ضعف الدولة و أنها وجدت نفسها مضطرة للقبول فعلم لما كتبه محمد باشا. و كل الإدارة كانت عيونا له فكتب هو أيضا مبديا صدقه و إخلاصه، و أورد أدلة تدحض أقوال محمد باشا و تبري ء ساحته مما عزي إليه. و جاء مصطفي بك مصدقا لما نطق به. و هذا اختبر الحالة و شاهدها عيانا. و عرف أن لا فائدة في القراع، فإن عواقبه و خيمة؛ و الظاهر أن مهمته أفرغت في هذا القالب.

ربح سليمان باشا المعركة في الحلة و طوّق بغداد حتي جاء إلي الكاظمية، فوصل إلي (الشريعة البيضاء) و تبعد عن بغداد نحو ساعتين.

و من ثم كتب إلي الدولة بما جري و أبدي أنه صادق مخلص و ألح في الطلب و وعد بالقيام بما يطلب منه. و بهذا لم تر الدولة بدّا من الإذعان قسرا و توجيه الوضع توجيها ظاهريا.

و فرمان إيالته علي بغداد يتضمن:

«أنت والي البصرة سابقا سليمان باشا حدث بينك و بين و الي بغداد وزيري محمد باشا من البرودة و

الاغبرار ما لا داعي لوقوعه و زال حسن التفاهم بينكما فتدخل قرناء السوء، فوجدوا فرجة فخدشوا ذهنه فورد إليّ تحرير منه بذلك دعا لإصدار أوامري العلية … إلا أنني لم أر منك لحدّ الآن من الأطوار سوي اظهار العبودية و إبراز الصداقة فتجلت لي كما أن طبعي المبارك المقرون بالصفاء و الالهام الجلي حينما راجعته لم تظهر لي في مرآة حالك سوي الصدق و الاخلاص. لذا إن سريرتي أبدت من صميمها حسن الظن بك. و للاطلاع علي الحقيقة نوقشت المادة سرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 20

و علنا فاستطلع عن أحوالك من الواقفين و عن مزاجك و مشربك من العارفين الثقات و أهل الصدق عن كافة أوضاعك فأبدي الكل صدق كلامك و عرف اخلاصك مما أبدوه عنك … و فضلا عن هذا وافت قديما منك عدة تحارير كنت نظرتها و إن مفاهيمها انتقشت تماما في ذهني الصافي فأكدت خلوص هويتك و صدق عبوديتك فكانت مضامين تحريراتك مطابقة لما فاه به الثقات و كلها وافقت ما في أعماق قلبي.

و ما قيل عنك من الأقوال جزمت بأنها جميعها لا أصل لها و تيقنت بأنها خلاف الواقع. و ما توجه نحوك من غضب تحول إلي ألطاف و عنايات استوجبت حسن المكافأة. و من مكارمي التي لا حدّ لها لحسن مكافأتك أن أبقيت الوزارة و الطوغ و اللواء كما كانت و أنعمت عليك مجددا بإيالة بغداد و بذلك أصدرت خطّي الهمايوني المقرون بالمواهب و سيّر مع الآغا الميراخور لطرفك و وجهت إيالة روم إيلي لسلفك الوزير محمد باشا ايضا دفعا للمخاصمة و أرسلت في الحال المباشر إليها قبل ورودك. فبوصول خطّي الهمايوني المقرون بالشوكة عليك أن تنهض بكافة

أهل دائرتك و من معك من اللوندات و سواد جماعتك و تذهب إلي بغداد و تضبط المدينة و تحافظ عليها و أن تحمي أفرادها و سكانها فتعاشر الجميع بالحسني و تبادر لإجراء الأحكام المنيفة التي ترد إليك و أن تراعي شروط الصلح مع الدولة الايرانية و تعتني بها بزيادة فتؤيد حسن ظني فيك أكثر فتصرف جهدك لتنال دعائي الخيري و تعيد إليّ ميراخوري» انتهي.

أبقيت له وزارة البصرة، و وجهت إليه إيالة بغداد و جاء مصطفي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 21

بك الميراخور الثاني بالفرمان. وردت البشري مع التتار كما وصل جوقدار دار السعادة في اليوم نفسه. وردوا من الدجيل فدخل الوزير الخيمة و نزل الجيش في خيامه، و أن الوزير قرأ قوائم آغا دار السعادة مع مير اخور الدولة في ديوانه، فأظهر الأفراح.

و أما محمد باشا فإنه حينما سمع بحركة الوزير سليمان باشا من الحلة اتخذ في جانب الكرخ متاريس في الأزقة، و أمر أن تحاصر بغداد، و عيّن أو جقلية. فاتخذ وسائل الحصار. و حينئذ جاء أحد چوقدارية محمد باشا والي كركوك و هو أوشار أوغلي، و بعض الأشخاص إلي بغداد بالبشري علي حين غرة و بينوا أن سليمان باشا صار واليا، و أبدوا أن محمد باشا أرسلهم فأخبر الوالي بأن هؤلاء جاؤوا ليوقعوا فتنة و من ثم قتل أوشار أوغلي و خمسة أشخاص معه. و نبه الوزير بأن من ذكر اسم سليمان باشا قتل.

و في مساء ذلك اليوم في 18 شوال ورد عثمان آغا آل يوسف آغا بالقوائم إلي بغداد مرسلا من محمد باشا، و في اليوم التالي أرسل أحمد آغا بربرباشي سلحشور السلطان، مع تتار إلي الوزير محمد باشا، و أن

كاتب خزانة المرحوم أحمد باشا أرسل لاستقبال الميراخور الثاني مصطفي بك إلي الموصل، و في يوم الأحد جاء كل من مصطفي الدفتري و آغا الينگچرية، و بعض الأشخاص إلي الوزير سليمان باشا، و كذا علي آغا كتخدا الوزير و أبدوا أنه نصب علي آغا قائممقاما، و أن هؤلاء أرسلوا مع كتخدا محمد باشا السابق و هو عبد الرحمن بك إلي بغداد.

و في 21 منه يوم الاثنين بعد العصر تحرك الوزير سليمان باشا من المحل المذكور، و نزل حديقة المرحوم (أحمد باشا). و في يوم الثلاثاء أرسل عثمان الجنباز إلي البصرة بالبشري. و في 25 منه الجمعة أرسل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 22

كل من عبد اللّه آغا من أغوات الداخل، و عثمان آغا تفگچي باشي، فأركبوا السفن ليأتوا بحرم الوزير، فذهبوا إلي البصرة و أن أحمد أفندي عين متسلما، و عمر آغا المطرجي نصب آغا القرنة. و في غرة ذي الحجة الأربعاء توجه إلي بغداد الميراخور الثاني مصطفي بك. فوصل إلي الموصل، و ركب كلكا و سار نحو بغداد، فمضي لاستقباله أحمد آغا إلي الدجيل بأمر من الوزير. و في 6 منه يوم الاثنين دخل الوزير بغداد من باب الإمام الأعظم. و في 7 منه الثلاثاء ورد مصطفي بك المير اخور الثاني شريعة بلد، و شرف خيمة أحمد آغا. و في مساء ذلك النهار ورد مع نحو 20 من أتباعه من طريق البر مع أحمد آغا متوجها إلي بغداد. و في 9 منه ليلا وصل إلي ناحية الإمام الأعظم. و في اليوم التالي دخل بغداد باحتفال مهيب. و في 11 منه أظهر الأهلون أفراحهم بورود الوزير مدة أربعة أيام، لما نجاهم به اللّه تعالي

من الغوائل و قطع دابر النزاع.

و في 27 منه ورد الأمر بتفويض منصب مير اخور أول للمير اخور الثاني مصطفي بك.

حوادث سنة 1163 ه- 1750 م

حرم الوزير:

و في 3 المحرم سنة 1163 ه ورد الخبر بأنها تحركت من البصرة.

و في 16 ذي الحجة الخميس سار أحمد آغا من بغداد. و في 23 منه الخميس وصل إلي العمارة، و أن الحرم أيضا وردت شط العمارة و بقيت سبعة أيام. و في 25 منه السبت تحركوا منها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 23

محراب جامع العادلية الكبير- متحف الآثار في بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 24

و في 29 منه الأربعاء وردوا ناحية سلمان پاك (رض) و أن الوزير ذهب إلي هناك، و في غرة صفر الجمعة ساروا و يوم السبت نزلوا الميدان الجديد بخيامهم، و في المساء دخلوا بغداد.

حوادث البصرة

و كان الوزير سليمان باشا نهض من البصرة إلي أنحاء الحسكة.

و في هذه الأثناء كانت المنازعة مع محمد باشا و هذا الباشا كتب إلي قبودان باشا، و إلي منيخر أن يضبطوا البصرة، و بموجب أمر محمد باشا اتفق منيخر مع القبطان (القبودان) عند ما كان الوزير في الحسكة فأراد رئيس العرفاء علي آغا أن يعود بمبلغ أربعين ألف قرش من البصرة علوفة للوندات إلا أن القبودان ضبط هذه المبالغ، و في شهر رجب ذهب حسين آغا متسلما إلي البصرة فألقي منيخر القبض عليه و حبسه، فذهب الأغوات إلي منيخر، و أعطوه مقدارا من الدراهم فأطلق حسين آغا، فصار قائممقاما في البصرة، ثم توفي.

و في 4 شعبان جاء خبر الانتصار، فدخل الشيخ موص البصرة، فصار أحمد أفندي قائممقاما بأمر من الوزير. و في شهر رمضان سلط القبطان الأهلين علي دار الحكومة (السراي)، و علي بيوت الموظفين لينهبوا ما وجدوا، و صار الناس يهاجمون بالبنادق و الطبنجات من أول الليل إلي الصبح، و لا

تخلو الوضعية من المقاتلة فنهبت بيوت الكثيرين بالقوة، و أن أحمد أفندي اتفق مع أعيان البلدة فكانوا يحافظون السراي.

و في 2 ذي القعدة يوم الأربعاء أرسل محمد باشا فرمانا بتعيين القبطان متسلما علي البصرة، فوصل خبر ذلك، فتابعه بعض الأعيان، و بواسطة نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف هاجموا الكتخدا و هذا بمن معه من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 25

أتباع نحو 50 من أغوات رانجة، و 150 (بندقيا)، و براتليا، و مائة تابع من أغوات، و يبلغون نحو خمسمائة، اتخذوا متاريس، في 19 موقعا، و شرع في حرب الباشا المذكور، و عدا ذلك وضعوا مدفعا في نهر العشار لمحافظة حرم الوزير، و مدفعا آخر مع متاريس لمحافظة الكمرك من أطرافه و هكذا وضعوا المدافع في عدة أماكن، و حاصروا و من المحال التي كان يصل إليها مرمي المدفع (جامع إياس) و قطعوا العشار من محلة السيمر، و قطعوا الجسر، فكانت المحاصرة تسعة أيام بلياليها، فلم يظهر خبر عن الوزير سليمان باشا، فيئس العسكر، و في 10 ذي القعدة رفع الناس من المتاريس، و أن الاتباع بأجمعهم صاروا إلي السراي فتجمعوا فيه، و أن قبطان باشا نفي عمر آغا المطرجي و آخرين إلي القرنة، و طالب بعضهم بديون علي الوزير سليمان باشا، و أن الكتخدا السابق أحمد و المتسلم السابق عليّا و أحمد آغا موظف الكمرك حبسوا في السراي.

و في 29 ذي القعدة وصل إلي البصرة عثمان الجنباز فقالوا: إن كتبه مكذوبة و حاولوا قتله، و لكن ظهر له في الينگچرية بعض المصاحبين، فأبعد إلي القرنة.

ثم إن عثمان آغا تفنگچي باشي (رئيس البندقيين) ورد خبره أيضا مشعرا بأن ولاية بغداد عهدت إلي الوزير سليمان

باشا، فتحققوا ذلك، و من ثم أطلقوا من الحبس 39 شخصا من الأغوات الذين سجنوا.

و في 27 ذي الحجة ركبت حرم الوزير في سفينة و أرسلت إلي بغداد، و أن البصرة وجهت أيضا إلي الوزير، و أن أحمد آغا الداماد صار رئيس البوابين (في الولاية)، و أن چوقدار آغا دار السعادة علي آغا ورد في 15 صفر، و في 25 منه حبس في القلعة مصطفي الدفتري، و طويق زاده بكر آغا، و أن آغا الينگچرية أحمد آغا حبس في قلعة كركوك، و في 9 ربيع الأول عاد الميراخور الأول مصطفي بك إلي استنبول، و في 13

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 26

منه قتل مصطفي الدفتري، و في 7 ربيع الآخر فر من البصرة كل من شيخ درويش و السيد رمضان.

و في 22 منه عين حسين آغا متسلما للبصرة، و في 27 منه عزل الوزير علي آغا من الكتخدائية فحبس في القلعة الداخلية. و في 17 جمادي الأولي ورد محمد أفندي و يودة ماردين سابقا برخصة من الدولة فجاء بغداد فعين كتخدا للوزير، و في غرة رجب فوض لواء ببه (بابان) إلي سليم باشا، فوجهت إليه الإمارة، و حاربه سليمان باشا و عثمان باشا فكسر و فر إلي سنة.

و في 2 شعبان يوم الاثنين أرسل مع الشيخ درويش (من آل باش أعيان) و السيد رمضان جماعة السكبانجية، و عشرة من سردنكجدي مع بيرق (رعيل خيالة)، فذهبوا معهما إلي البصرة، و أن عثمان آغا المطرجي سابقا أرسل معهم أيضا.

و بهذا تمت الوزارة لسليمان باشا، و انقادت له الأمور، كما أراد، فظهر منتصرا.

أيام وزارته في بغداد

نظم الوزير الأمور مراعيا حسن الإدارة في كل أحواله، مما عزز سلطة الحكومة. كما

أنه نكل بأرباب الزيغ و الفساد. فصارت بغداد غبطة البلاد و تتمني أن تكون مثلها.

و الحق أنه موفق في إدارته. قام بخدمات كبيرة في تأسيس النظام.

و هو المؤسس لحكومة المماليك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 27

المماليك في بغداد:

حكم هؤلاء نحو المائة سنة و سلطة العراق بأيديهم. و كان الوزير حسن باشا نشأ في البلاط الملكي و أتقن الإدارة هناك فجعل له مؤسسات شبيهة بما تتألف منه العاصمة، و اتخذ لكل من هذه دوائر خاصة للتدريب بما هو أشبه بالمدارس، و عين لها تقاليد. كان يشتري غلمانا كثيرين يهتم بأمر تربيتهم و تدريبهم للخدمة و الانتفاع منهم لوظائف الحكومة. بل زاد علي ترتيب حكومته لعلمه بخطر الينگچرية فاختار هذا التدبير.

للقضاء علي سلطة اولئك. و لم يستعن بالأهلين.

إن حسن باشا راعي هذه الطريقة في بغداد و بذر البذرة الأولي.

درّب هؤلاء علي الخدمة فتدرجوا علي الرتب و المناصب، و ائتلفوا مع الأهلين و عاشوا معهم، فكانوا أعرف بهم.

ثم اقتفي أحمد باشا أثر والده و زاد فكان أمراء بغداد في الإدارة و الجيش منهم فسيطروا علي القطر. و من جهة أخري جلبوا الأهلين لجانبهم، فلم يستوفوا من الضرائب أكثر من المقرر، و لم يظلموا الرعايا فهم أشبه بأتابكة الموصل، فخلدوا ثقافة و آثارا مشهودة تثبيتا لمكانتهم.

أهمل الولاة التالون هذه الطريقة بل حاولوا القضاء علي رجالها لما شعروا به من خطر علي كيان الدولة.

و لما ولي بغداد هذا الوزير أحيا هذه الطريقة من جديد كما أن أخلافه مشوا علي نهجه و اقتدوا به إلي أن انقرضت حكومتهم عام 1247 ه.

نال سليمان باشا الحكومة بقوة هؤلاء المماليك الذين تأسسوا أيام أحمد باشا المؤسس الحقيقي و إن كانوا صنيع والده استكثر منهم

و وسع نطاقهم و قدر أن يستخدمهم لوظائفه و يستغني بهم عن الأهلين و عن الينگچرية و عن موظفي الدولة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 28

و جعلت لهم دوائر خاصة في كل منها نحو المائتين من الصبيان، و من اجتاز منهم درجة نقل إلي أخري، و بهذه الطريقة أعدوا للخدمة و صاروا تحت التمرين ثم كانوا يترفعون إلي أغوية الداخل.

و لكل معهد من هذه المعاهد أو مدرسة من تلك المدارس علي اختلاف درجاتها لالاوات (مربون) و معلمون و أساتذة. و هؤلاء يعلمون القراءة و الكتابة، و الرمي بالبنادق، و التعود علي الإصابة باتخاذ هدف.

و الممارسة علي ركوب الخيل، و علي استعمال الأسلحة و أضراب هذه الأمور مما تدعو الحاجة إليه في أشغالهم حتي أنهم يعلمونهم فن السباحة في مكان يتخذ أمام دوائرهم.

و هؤلاء كانوا يفوقون أبناء زمانهم لما يمرنون عليه فهم أشبه بالدارسين في مدارس اليوم، بل يفضلونهم. فكانت الحكومة تستخدمه لغرض التوظيف و الخدمة في مصالحها. و تلقنهم كل ما تحتاجه.

و كانوا متآلفين متضامنين تجمعهم رابطة هذه التربية أكثر مما نشاهده في غيرهم. نراهم رفقاء سلاح و أصدقاء مدرسة، تتزايد المفاداة بينهم و تتولد عصبية قوية متينة فأدي ذلك أن يتغلبوا و يستولوا علي كافة أمور الحكومة من حل و عقد … بل انحصرت وظائف الحكومة بهم فهم قوة علي غيرهم و عصبة شديدة علي مناوئيهم و المعادين لهم، و سلطة قاهرة علي الأهلين.

لم يهدأ الأهلون من ثورات عليهم. رأوا ما لم يكونوا رأوا. لأن شدة الوطأة دعت العراق أن يتذمر منهم كالترك إلا أن وجهات النظر مختلفة و أهم ما هنالك أن هؤلاء ليسوا من الأهلين.

تولي هؤلاء الواحد بعد الآخر فوجدوا مناصرة

من الباقين.

كانوا آبازة و گرجا و هم مماليك. و كانت الدولة في شغل شاغل فاستفاد هؤلاء من الوضع فتكونت منهم حكومة خير حارس للملك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 29

سيطرت عليه باسم الدولة، و لا يخلو الأمر من إصدار فرامين و تعيين قضاة و اشتراك في أفراح و ما ماثل. فهم ولاة بالاسم. يعاملون كغيرهم في و لكن لا يتيسر للدولة أن تعين غيرهم للخوف من احداث غائلة هم في غني عنها. اللهمّ إلا إذا اضطروا للتدخل أو شعروا بقوة، أو أحسوا بخطر داهمهم. و قضايا النصب و العزل و درجة التدخل بعينها ما سنراه من وقائع وزاراتهم في بغداد.

خان سنة و بابان:

ورد خان سنة مع سليمان باشا آل بابان في 24 شعبان سنة 1163 ه و معه نحو عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا من الجند، فهاجم كتخدا الوزير و عثمان بك و سليم بك آل بابان فانهزم آل بابان هؤلاء و ثبت الكتخدا، ففر من وجهه جيش ايران فغنم ما لديهم، و استولي علي نحو عشرين زنبركا، و أربعة مدافع. و في 15 ذي القعدة عاد إلي بغداد بالغنائم.

حوادث سنة 1164 ه- 1750 م

اضطراب في البصرة:

حاول الوزير سليمان باشا بأنواع الاستمالة أن يعيد إلي البصرة النظام فلم يفلح. و أبدي رعاية عامة لقبطان شط العرب مصطفي باشا الميرميران و كذا لمتسلم البصرة. داراه جهده و لان للأهلين فلم يجد ذلك نفعا. ففي أيام انشغال الجيش في أنحاء الكرد للقيام ببعض الأعمال انتهز القبطان الفرصة فأثار الأهلين و عصي فأشعل نيران الفتنة.

اتفق مع عربان المنتفق، فسلطهم علي البصرة، و تحصن هو في (المناوي)، و ساعده أهل الجزائر فنال بهؤلاء قوة، و حاول التسلط علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 30

البصرة، و قام بوسائل الحرب. أما المتسلم و الأهلون فقد كتبوا محضرا بما جري و أعلموا الوزير، و طلبوا أن يمدهم بجيش علي جناح السرعة لئلا يفرط الأمر من اليد.

و في هذه الأثناء عاد الجيش المرسل إلي الكرد. و كان أكمل مهمته بنجاح فأرسل الوزير كتخداه، و سيره إلي البصرة بعجل و في تاريخ نشاطي أن الكتخدا ورد بغداد في 15 ذي القعدة سنة 1163 ه، و في 20 منه أمره بالذهاب إلي البصرة فسار بعجل. و في 24 منه نصب إبراهيم باشا قبطانا. و حينما وصل الكتخدا العرجة فر الشيخ منيخر إلي البادية و كان جمع علي رأسه العربان و من

ثم أعاد المشيخة إلي الشيخ بندر، و شرع في محاربة القبطان السابق مصطفي باشا و حتي المتسلم حسين آغا و أهالي البصرة و قطع نهر العشار إلا أن المتسلم ضبط فم العشار و أن القبطان هدم البيوت و الاسواق و حرّق فيها و كاد يقضي عليها. و أن المتسلم حسين آغا أخبر الكتخدا بكل ما جري. و علي هذا مضي الكتخدا بسرعة فوصل إليها في 5 صفر سنة 1164 ه. و نصب خيامه في باب رباط. و كانت عشائر المنتفق سدت المنافذ و المعابر و منعت من الوصول إلي البصرة، و جمعت جموعا كثيرة للدفاع و التأهب للقتال.

و لما ورد الجيش علموا أن لا طاقة لهم به، و استولي الرعب عليهم فتشتتوا، و بعضهم مال إلي الأهوار و ركنوا إلي طلب الأمان و العفو.

و علي هذا نصب الكتخدا عليهم شيخا جديدا، و أعاد إليهم النظام القديم فاستقرت الحالة، فتوجه الجيش نحو البصرة، فحاصر (المناوي).

و كان القبطان قد تحصن به، ثم ان الكتخدا نصحه، و عذله ليدخل في الطاعة، فلم يجسر أن يعود. و في الوقت نفسه قطع بأن ليس له قدرة المقاومة، فاتخذ الليل جنة فهرب و ترك القلعة و من فيها. و منهم من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 31

ركب السفن من الاسطول و فروا إلي ثغر البحر.

أخبر الكتخدا بذلك فسارع للأمر و حاصر القلعة فاستولي عليها و علي من بقي فيها. فانتقم منهم. و في الثغر تعقبوا الفارين فتمكنوا من اللحاق بهم. أما القبطان فإنه هرب بزورق يقال له (كلبت) أو (جلبوت) و أخذ بعضا من رفاقه معه فذهب إلي بندر بوشهر و استولي الجيش علي جميع الاسطول و رجعوا فرست السفن

تجاه المناوي، و عوقب الثائرون بما يستحقونه فاستأصل الكتخدا بذور الفساد و أعاد النظام إلي نصابه و رتب الاسطول كما كان.

و من ثم كان من الضروري اختيار قبطان لائق للمهمة فوقع ذلك علي القبطان السابق إبراهيم باشا. و هو ميرميران أيضا و معروف بالكفاءة و الاخلاص أنهي له بذلك فوافقت الحكومة علي هذا الاختيار فأودعت إليه قيادة الاسطول، فقام بها خير قيام. و عاد الكتخدا في أوائل صفر (الظاهر أواخر صفر). و وصل إلي بغداد في 28 ربيع الأول.

عزل و نصب:

عزل أمير الخزانة عبد اللّه باشا و نصب مكانه سليمان بك آل يحيي.

و وجه الوزير لواء بابان إلي سليمان باشا، و لواء درنة إلي عبد اللّه باشا.

و عزل محمد الكتخدا و نصب مكانه أحمد الكتخدا السابق في 23 رجب.

البابان- سليم باشا و عثمان باشا:

إن حوادث ايران و تشوشها العظيم مما ألفت نظر الوزير فاغتنم الفرصة للوقيعة بالبابانيين. فإن متصرف بابان سليم باشا من أيام نادر شاه كان عاصيا و لا يزال يعد نفسه تابعا لايران أو أراد أن يكون بنجوة من السلطتين. دعاه الوزير للطاعة فأبي أن يرضخ بل اتفق مع عثمان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 32

باشا متصرف لواء كوي و حرير و صاروا يعيثون في أنحاء بغداد. مدوا أيديهم إلي زنگباد و أطرافها اتخذ الوزير ذلك وسيلة للوقيعة فجهز جيشه و تقدم للتنكيل بهم بنفسه. نصب خيامه في الميدان الجديد.

مضي الوالي إلي المرادية في 21 شعبان سنة 1164 ه و منها إلي الراشدية. و في 24 منه وصل إلي (دوخلة). و منها قطع منازل عديدة حتي وصل إلي قنطرة (دلي عباس) في 26 شعبان سنة 1164 ه. و من ثم كتب امرا إلي ألوية بابان و كوي و حرير و درنة و إربل و زنگة خاطب بها العلماء و الصلحاء و الأعيان و الأمراء و الرؤساء و شيوخ القري و سائر الأهلين يدعوهم فيها إلي الصواب، و أن مخالفة صاحب الأمر، و ركوب مركب الشر يؤدي إلي ما لا تحمد عقباه، فدعاهم إلي الطاعة و أن لا يشقوا عصا المسلمين. و حذرهم عاقبة أمرهم.

و كذا كتب إلي كل من سليم باشا و عثمان باشا. و كلها تتضمن التهديد و لزوم الإخلاد للطمأنينة و أن لا يكونوا

سبب إثارة الفتنة. كتب ذلك كله بقلم كاتب الديوان نشاطي.

ثم سار إلي نهر نارين. فمضي إلي قره تپه. و منها صار إلي (كوك دپه). فهرب الثوار من وجهه، و تمزق شملهم، فكتب الوزير إلي قائممقام بغداد بذلك موضحا أن هؤلاء هربوا إلي كوي ليحتموا بالجبال، فلم يسعهم الوقوف و الحرب في ولاية الوالي. و أن سليم باشا فر هاربا إلي قره چولان (قلعة چوالان) فتبعثروا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 33

وصل الجيش في 4 شهر رمضان إلي (قره تپه) و في الخامس منه وصل إلي (اينجه صو) القنطرة المعروفة ب (چمن). و منها مضوا إلي (كفري العتيقة) و هي (اسكي كفري). و في هذا المنزل وردت الاخبار باضطراب حالة الكرد و تشتت شملهم.

ثم سمع الجيش بتأهّب القوم، فاستعد للقاء، فنهض من كفري.

و كان يترقب وقوع المعركة في كل لحظة، فانتشر في الصحراء، و ذهب في طريقه حتي جاء إلي (طوز خورماتي) فنصب خيامه. و أما الأكراد فصاروا لا تحويهم البقاع و لا الجبال.

و في اليوم التالي عبر الجيش (چاي طاووق) و نزل قرب القرية.

و جاءت الأخبار بأن الكرد استولي عليهم الرعب فتفرقوا. و أن سليم باشا و عثمان باشا شاهدا الحالة فركنا إلي الهرب، فإن سليم باشا ذهب إلي جهة (بانة) و (سنة)، و عثمان باشا بعث بعائلته إلي كوي بأمل أن يتحصن بها، فلم ير الجيش لهم عينا و لا أثرا.

و من ثم أرسلت البشائر إلي بغداد. و أن عشائر الزنگنة مالوا إلي الجيش. و أن أمير درنة سليمان بك ذهب فارا مع سليم باشا. و الباقون سلموا أنفسهم إلي الجيش فطلبوا الأمان. و من بقي فر إلي بازيان. و أن متصرف بابان

سليمان باشا صار يتعقب أثر الفارين، و ذهب إلي مركز لوائه قلعة چولان فضبطها. و لم يدع لسليم باشا فرصة. و أن متصرف درنة عبد اللّه باشا ذهب إليها أيضا.

ثم إن الوزير بعد أن أتم ترتيباته و تمكن من السيطرة مال إلي كركوك فبقي فيها بضعة أيام في تعقّب فلول الهاربين و كتب إلي بغداد بالأخبار السارة، و أمر أن تعلن في جميع الانحاء، و في العشائر.

و أن سليم باشا لم يستطع البقاء فمال إلي ايران. و أن سليمان باشا ضبط لواء بابان فاستقر به. و أما عثمان باشا فإنه لم يستقر له قدم في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 34

كوي. و إنما صار إلي (أوه كرد) و هي قلعة حصينة بأمل أن يبقي فيها و يدافع عن نفسه. و لما علم الوزير بذلك أمر كتخداه أحمد باشا والي كركوك أن يذهب في أثره و يحاصره في قلعته.

و أما الوزير فإنه في 15 شهر رمضان نهض من كركوك إلي (كوك تپه) و منها إلي (آلتون كوپري) فعبر القنطرة. و في اليوم التالي ذهب إلي (بوستان)، و منه صار إلي (دربند) فحط ركابه.

ثم سار إلي إربل، و بعث أمرا خاطب به العلماء و الأعيان و سائر الأهلين طالبا منهم (قوج باشا) أخا عثمان باشا. و أضاف أنه يعطيه الأمان إذا سلّم إلا أنهم أبدوا المخالفة و في 16 شوال هاجمهم الجيش، و حاصرهم من جميع جوانبهم. و لم تمض إلا مدة نحو تسعة أيام حتي استولي علي المدينة، و قبض علي قوج باشا و أعوانه و علي عثمان باشا و إخوانه إبراهيم بك و سليمان بك و علي ابنه حسن بك في القلعة المذكورة في

عيد الأضحي فأمر الوزير بقتلهم، فكانوا ضحية العيد.

و علي كل حال علمنا أن الوزير تمكن من هؤلاء. و نصب سليمان باشا متصرفا للواء بابان. و هو ابن عم سليم باشا. فعاد الوزير إلي كركوك و منها إلي بغداد. و للشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة طويلة في هذه الوقائع. و اعتمدنا علي التقارير الرسمية و ما في أبياتها من تاريخ.

و لوالده الشيخ عبد اللّه السويدي أيضا قصيدة تحوي تاريخا.

و بذلك و استفادة من انحلال أمر ايران تمكن أن يسيطر الوزير علي ديار الكرد، فصارت تحت سلطة الحكومة. استغل الوضع فنجح. و يعدّ عمله هذا فتحا جديدا لأنحاء الكرد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 35

حوادث سنة 1165 ه- 1751 م

الهدايا و استردادها:

إن الهدايا التي أرسلتها الدولة و التي أرسلها نادر شاه سبق ذكرها.

و بقاء هذه في بغداد لا ضرورة له. فصدر الفرمان بلزوم إعادتها.

و لذا أحضرها الوزير سليمان باشا بمشاهدة جماعة من الأعيان و الأكابر.

فدونوها بدفتر خاص صدقوه و سلموها بيد الموكل بأخذها محمد آغا من سلحشورية الخاصة. و من بين الهدايا المهمة ما أرسله نادر شاه و هو عرش سلطنته و كان من عمل الهند قدمه إلي السلطان و لا يزال موجودا في متحف استنبول إلا أنه نسب إلي الشاه إسماعيل الصفوي غلطا.

أحوال ايران:

كانت أحوال ايران من تاريخ وفاة نادر شاه إلي هذه الأيام في اضطراب عظيم كثر فيها دعاة السلطنة. و حاول بعض رجالها أن يستغل الوضع، فاستعان بالدولة العثمانية إلا أن هذه لم تشأ التدخل. و من هؤلاء سفير نادر شاه مصطفي خان. و هذا ما أدي بولاة العراق أن يلتفتوا إلي أمر اغتنام الفرصة لتنظيم شؤونهم بالقضاء علي المتغلبة. و أن يتأهبوا لما يتوقع لتأمين السيطرة.

حوادث سنة 1166 ه- 1752 م

اليزيدية في سنجار:

استغل الوزير اشتغال بال ايران، فقضي علي بابان و جعلها خالصة له منقادة. و في هذه المرة رأي أن اليزيدية في سنجار اتخذوا الجبال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 36

معقلا لهم، فصاروا يقطعون السبل، و يمتنعون من دفع الضرائب.

اعجزوا ولاة بغداد. و ثاروا مرات، فلم تنقطع غوائلهم. لذا عزم الوزير علي دفع غائلتهم و استئصال شرتهم. سار عليهم من بغداد، فوصل إلي كركوك. و من ثم جاءه بعض رؤسائهم يطلبون الأمان فقبل هؤلاء فأسكنهم ماردين. و الباقون أصروا علي عنادهم. فنهض من كركوك إليهم، فاقتحم جميع المصاعب. و كانت النتيجة أن انتصر عليهم، و قتل أكثر رجالهم، و أسر نساءهم، و اتخذت منارات من رؤوسهم المقطوعة و قبل أمان من أذعن. و عاد إلي بغداد منتصرا. فجاءه الفرمان و الخلع السنية له و لمن معه من كرد و عرب.

نهض الوزير من بغداد يوم الخميس 22 جمادي الآخرة سنة 1166 ه و قضي علي هذه الغائلة في 20 شعبان. و كتب الكتب إلي دولته و إلي أمراء المنتفق و سائر العشائر في 21 من شعبان.

حوادث سنة 1167 ه- 1753 م

في شوال ورد الفرمان بإبقاء بغداد و البصرة بعهدة الوزير لما قام به من الأعمال الجليلة و ضبط أمور المملكة مما دعا إلي رضا السلطان.

فأعلن ذلك و احتفل به احتفالا باهرا و أذيع للقاصي و الداني.

حوادث سنة 1168 ه- 1754 م

في 28 صفر سنة 1168 ه توفي السلطان محمود فخلفه السلطان عثمان. فأقر الوزير في إيالة بغداد و البصرة بفرمان فأجري الاحتفال بذلك. و أرسل قاضي بغداد نسخا من الفرمان إلي الأنحاء العراقية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 37

حوادث سنة 1169 ه- 1755 م

قبيلة شمر:

كان بكر الحمام رئيس زوبع من قبائل شمر عاث في الأمن و تجاوز علي المارة حتي أنه انتهب بعض الإبل قرب (تربة السيدة زبيدة). و هي تعود لرجل يدعي (عبد للو) فلما سمع الوزير تعقب أثره بنفسه فأدركه في أنحاء الفرات فلم يسعه العبور و الهرب و لم يتمكن إلا أن يفر بنفسه و ترك أهليه. و لما وصل إليهم الجيش صار ينتهب أموالهم و كان عيال بكر الحمام قرب الوزير فاستغاثوا به فأغاثهم و استرجع الإبل و عاد.

و لما وصل بغداد أرسل بكر الحمام أهله إليه يلتمسون العفو له.

و بعد أيام وصل هو أيضا فطلب العفو فعفا عنه. و من ذيول هذه الحادثة وقائع الدليم و الجبور و غيرهما.

حوادث سنة 1170 ه- 1756 م

في أوائل الشتاء قضي الوزير ثلاثة أشهر في أنحاء الفلوجة بعياله للاستراحة و في السنة نفسها ورد الفرمان بإقراره في وزارته ببغداد و البصرة. و يتجدد الفرمان في غالب السنين.

حوادث سنة 1171 ه- 1757 م

مسجد عبد اللّه الكتخدا:

من المساجد القديمة. كتب علي بابه بعد البسملة آية «إنما يعمر مساجد اللّه … » ثم جاء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 38

«قد عمر هذا المسجد صاحب الخيرات عبد اللّه كتخدا والي بغداد سليمان باشا أيده اللّه بالنصر، و رحم اللّه من دعا له بالخير آمين في رجب سنة 1171 ه» اه.

عمره قبل وزارته. و التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة 1173 ه- 1759 م 1174 ه- 1760 م

قدم الوزير شكوي إلي الدولة بأن آغا الينگچرية السيد خليل آغا كان من أوائل وزارته يتحرك بأوضاع غير لائقة. فطلب عزله من بغداد و إنقاذ الناس مما أوقعه من اضطراب في الجيش.

حوادث سنة 1175 ه- 1761 م

وفاة الوزير:

إن هذا الوزير متصف بمكارم الاخلاق و محامد السجايا. و قد مرت بنا حوادثه.

و عمره نحو 66 سنة اعتراه المرض في أواسط سنة 1174 ه فلازمه نحو ستة أشهر و توفي في أوائل سنة 1175 ه.

هذا. و للمرحوم سليمان بك الشاوي بيان واف في مآثر هذا الوزير.

أما السنون الأخيرة من سنة 1172 ه إلي سنة 1174 ه فإنها مضت براحة و طمأنينة و لم يحدث ما يستحق الذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 39

حوادث سنة 1176 ه- 1762 م

وزارة علي باشا:

إن الوزير السابق نال الوزارة علي خلاف رغبة الدولة. و الحادث لا يزال وقعه في النفوس فولد الأمل في المماليك فصار يطمح رجالهم في نيلها.

فلما توفي الوزير سليمان باشا كان له سبع (كهيات) عمر، و عبد اللّه، و إسماعيل، و رستم، و محمود، و علي، و يقال لهم (أصحاب الداعية) فكل هؤلاء كانوا في بغداد إلا علي الكهية متسلم البصرة و ضابط حسكة.

كان يضمر كل واحد من هؤلاء أن يكون ولي الأمر فلم يقع الاختيار علي واحد منهم. حدثت بينهم المنافسة و بقيت بغداد بلا وال.

فأوقد أرباب الزيغ نيران الفتنة، و ابتدأ الخلاف، و استولي الخوف علي السكان فتدخل العلماء و الأعيان في الأمر و نصحوا القوم في تسكين الغائلة.

اجتمعوا و كتبوا محضرا بوفاة سليمان باشا و بينوا أن كهياته سبعة.

كل واحد منهم لائق أن يكون وزيرا و أمضي الجميع المحضر حتي أنهم ذكروا بصورة متأخرة متسلم البصرة و ضابط حسكة (علي الكهية) و التمسوا توجيه الوزارة لأحد هؤلاء إلا أن خبر انحلال الولاية وصل إلي الدولة قبل أن يصل المحضر. و لما كانت بغداد و البصرة مجاورتين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 40

لايران و أن المصلحة تقضي أن

توجه الإيالة إلي والي الرقة الوزير سعد الدين باشا بجامع القرب و العلاقة اللسانية فلم يستقر له الأمر.

و إنما كان ذلك ترشيحا، و في الأثناء ورد المحضر بوفاة الوزير سليمان باشا و ترشيح أحد السبعة من الكهيات.

و من هؤلاء علي الكهية شهد الصدر الأسبق محمد راغب باشا بأهليته و كفاءته و كمال وقوفه علي مجاري الأحوال فكانت هذه الشهادة عرّفت به و بصرت بحالته.. و أيضا وردت منه عريضة يلتمس فيها التوجيه إليه، و أن ينال الرعاية و اللطف.

و علي هذا وجهت إليه إيالة بغداد و البصرة برتبة الوزارة و أرسل إليه المنشور مع الطوغ و (اللواء) و كان ذلك في أول المحرم سنة 1176 ه.

ثم إنه بعد أن قدم ملتمسه تحرك من حسكة و جاء إلي محل قريب من الحلة. ورد (نهر الشاه) فمكث منتظرا الأمر. و لما وردت إليه البشري استقبلوه باحتفال مهيب. و بعد قراءة الفرمان توجه نحو بغداد فوصل إليها باحتفال من الوجوه و الأعيان و أرباب الديوان ففرح فريق و اغتم فريق آخر.

مدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة حين نال الوزارة و بأخري أرخ بها وزارته.

و توجيه هذه الوزارة اكتسب حالة الاعتياد، و صار طريقة متبعة. فلا أمل للدولة في أن توجه هذا المنصب إلي وزير من غير المماليك. و هنا أوضح سليمان بك الشاوي طريقة توصل هذا الوزير إلي منصبه عند بيان قتله. و التحامل ظاهر منه إلا أننا نجده قام من محل وظيفته و جاء إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 41

كتابة في جامع العادلية الكبير- متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 42

نهر الشاه بعدته و عديده. و في هذا تهديد و إرهاب.

قبيلة كعب:

إن

الوزير بعد أن جلس في منصبه جاءه رؤساء القبائل يهنئونه فنالوا كل إكرام منه و كان فيه نوع استبداد. و في أيام متسلميته البصرة كان أصناف الأهلين من غني و فقير و قاص و دان راضين عنه و شاكرين له إلا شيخ كعب سليمان العثمان. قام ببعض ما لا يليق و في أيام وزارته لم يجسر أن يأتيه خشية أن يبطش به. فاستولي عليه الخوف فلم يأت إلي بغداد. و لذا بدرت منه بعض البوادر مما دعا الوزير أن يدخله تحت الطاعة.

و علي هذا قام الوزير بما يلزم فسار من بغداد علي طريق الحلة بجيش جرار و عدد كاملة. فوصل الوردية ثم أخّر بعض الاثقال الزائدة في الحلة و منها جعل وجهته مجهولة و أشيع أن الجيش أغار علي بني لام فتوجه إلي شط دجلة قاصدا الكوت و من هناك عبر الشط. ثم إنه سير الجسر منحدرا معه. و بعد أن قطعوا ما بين العمارة و الكوت عبر أيضا و غرضه الايهام و أن لا يقطع بجهة في تعيين صوب عزيمته.

وصل إلي نهر كارون و حينئذ بدت نواياه و ظهرت سطوته و سمع الشيخ المذكور بخبر مجيئه. و حينئذ وجد نفسه أنه لا يطيق القتال فأرسل إلي الوالي طالبا العفو عما بدر، و أنه لن يخرج عن الطاعة.

أما الوزير فقد عفا عنه و أخذ هداياه. و في طريقه قام ببعض المهام و نظم الأمور. ثم عاد إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 43

الخزاعل:

ذكر سليمان بك الشاوي في قصيدة له أن الخزاعل تغلبوا عليه في حربه لهم مع أننا لم نجد إشارة في دوحة الوزراء إلي هذه الواقعة.

بابان:

إن سليمان باشا متصرف بابان ابن عم سليم باشا. كان في حد ذاته متدينا، شافعي المذهب يتجنب المنقصة و هو زاهد، ذو صلاح.

ولي إمارة بابان و كوي و حرير، و لواء إربل و مقاطعات كوپري و قره حسن و زنگباد و جسّان. فحكمها من سنة 1164 ه إلي سنة 1174 ه بلا مزاحم و لا معارض. فعصي أيام علي باشا و لم يفد معه نصح.

لم يبق للوزير أمل فيه فسار لمحاربته و حين سمع استعد للحرب و كانت قوة الوزير كبيرة نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من الخيالة و نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من المشاة و كان جيشه مجهزا بالمدافع و سائر العدد و العتاد. و تحرك سليمان باشا من (قلعة چولان) فعبر قنطرة نارين لمنازلة الوزير فأقام في (جبل حمرين) لمنع جيوش الوزير و بني سناكر في جانبي عقبة الجبل المسماة (صقال طوتان) و وضع فيه عسكرا كثيرا. و بذلك سد المرور و قطع الطريق.

و لما وصل جيش الوزير إلي دلي عباس (ناحية المنصورية) ألقي الرعب في جيش البابانيين فلم يستطيعوا البقاء بل رجعوا و من ثم عبروا جسر نارين و عادوا من حيث أتوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 44

ثم توجه الوزير نحوهم فتقهقروا. وصلوا إلي كفري فظنوا أنه المحل الواقي و هم في حالة اضطراب فلم يصبروا علي حربه فضاق عليهم المجال و حينئذ التقي الفريقان في محل يقال له (كوشك زنگي) أي قصر زنكي بين كفري و قرية الاثني عشر إماما. و

كل منهما رتب صفوفه للنضال فكانت النتيجة أن انتصر الوزير و فر عدوه. و أن سليمان باشا لم يتمكن من إنقاذ نفسه إلا بصعوبة فاستولت الحكومة علي خيامه و مدافعه و مهماته.

و حينئذ وجهت إيالة (بابان) إلي أخيه أحمد باشا فألبس خلعة الإمارة و أذن له أن يذهب إلي مقر إمارته و رجع الوزير منتصرا ظافرا.

ذكر الشيخ عبد الرحمن السويدي هذه الواقعة، و مدح الوزير علي باشا.

و في هذه الأحوال تراعي الحكومة الحيطة بجلب بعض أقارب الأمراء ليشوشوا الداخل و يقوموا بما يجب من مساعدة فتم الانتصار بأن يجعل النزاع مقصورا علي الأمير و أعوانه و يسلم الباقون.

قتلة محمد خليل:

في هذه السنة قتل محمد خليل كما جاء في المجموعة الخطية و هو آغا الينگچرية.

المدرسة العلية:

هذه المدرسة عمرها الوزير علي باشا. و ما جاء في التعليق علي تاريخ مساجد بغداد من الاشتباه فيها كان غير صواب. فإن تاريخ بنائها كان سنة 1176 ه. و هذه المدرسة صارت مدرسة صنائع ثم مجلس أمة.

و التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 45

حوادث سنة 1177 ه- 1763 م

قتلة علي باشا:

كان هذا الوزير سخي الطبع، سليم الاخلاق، مقبول الخصال، و هو لبيب عاقل شجاع و مدبر، كما أنه صاحب انصاف و عدل. في وزارته لم يظهر منه سوء معاملة، و كل الأهلون راضين عنه، يلهجون بذكره. إلا أن إرضاء جميع الناس من المحال لا سيما أرباب الاطماع.

سبق أن الكهيات كانوا ستة ما عداه. فلما توفي الوزير سليمان باشا صار يطمح كل واحد منهم في الحصول علي الوزارة دون غيره فلما توجهت إلي علي باشا يئسوا فأخفوا حقدهم عليه.

أما الوزير فلم يقصر في ارضائهم إلا أنهم صاروا يكتمون له العداء و يتخذون الوسائل للقضاء عليه حتي أنهم حاولوا اغتياله في (الدورة) إثر عودته من حرب كعب فلم يتمكنوا من تنفيذ خطتهم.

و في هذه المرة أطمعوا أهل الشغب و أغووا البسطاء و أعدوا أسباب الفتنة فملأوا القلعة الداخلية بأهل الفساد و وجهوا المدافع علي دار الحكومة و أوقدوا نار الحرب. ضيقوا علي الوزير فأخرجوه طوعا أو كرها. فاتخذ له خياما خارج البلد في جانب الكرخ و صار يراعي الوسائل للخديعة و يعوّل علي لطائف الحيل ليجري اللازم و أغري القاصدين قتله بالأموال و أمالهم نحو جانبه فأظهروا الندم و التمسوا أن يدخل البلد.

أما الوزير فقد عاد و دخل المدينة بعد بضعة أيام و قام بالإدارة مرة أخري إلا أنه كان ينبغي أن يكون متأنيا فعجل في القضاء علي

من قام بهذا الأمر من الينگچرية الواحد بعد الآخر. أما الكهيات فقد أحسوا بالخطر فأوقدوا نيران الفتنة من جديد و بادروا بالعصيان. اجتمعوا في محل و تعاهدوا فاختاروا عمر باشا وزيرا علي أن لا يتعرض لأموالهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 46

و ممتلكاتهم فتحالفوا جميعا علي هذا بأيمان مغلظة و أبدوا حينئذ أن الوالي يريد السوء بالأهلين فأغووا أعيان المملكة و أمالوهم لجهتهم، و في الحال أعلنوا النفير العام و ضجوا في المدينة فتجمعوا كأنهم في يوم المحشر و فتحوا باب المقارعة و طال الجدال و اتخذ كل واحد ما تيسر له عمله.

و في هذه المرة نصحهم الوزير و حاول اقناعهم من طريق المسالمة لإطفاء لهيب الفتنة فلم ينجع فيهم تدبير فاضطر أن يخرج من دار الحكومة مرة أخري بتبديل لباسه و أن يفر من أيدي الثوار فاختفي بدار قريبة فلم يحترم صاحبها الدخالة فأخبر أنه عنده فأخرجوه و حبسوه في القلعة و فيها قتل في أواسط سنة 1177 ه.

و كان من مماليك سلفه سليمان باشا. و مما اشتهر به أيضا الإقدام و الغيرة و طهارة المشرب، و الديانة، و أنه لم يكن خائفا كما نبزه أعداؤه.

فهو وزير عالي الهمة.

و كان سليمان بك الشاوي تحامل عليه و هذا لا يخلو من انتصار لعمر باشا و ذكر قتلته في كلام طويل. و أصل هذا التحامل التنافس علي الوزارة.

و في هذه المرة و بالرغم من الاختلاف لا يزال التساند بين المماليك قويا جدا لم يطرأ عليه خلل. فهم علي الخارج إلب و قوة. لذا لم تتمكن الدولة أن تستفيد من هذا الاضطراب. تحالفوا و اختاروا واحدا منهم فلم يؤثر عليهم غيرهم.

و إذا نظرنا إلي حالة العثمانيين

علمنا أن المسهلات متوفرة لبقاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 47

الوضع. فالدولة كانت في شغل من حروب روسية و المغلوبيات المتوالية الأخري فليس لها من الوقت ما تتمكن به أن تلتفت إلي داخليتها. لذا نري حوادث ايران مهملة بل إن وجودها مما دعا أن لا يقع تدخل.

وزارة عمر باشا

إن الكهيات السابقين اتفقوا علي الوقيعة بالوزير و بعد قتله اجتمع الأعيان فوافقوا علي ترشيح عمر باشا وزيرا علي بغداد و البصرة فكتبوا محضرا جاء فيه أن علي باشا له ميل إلي ايران. يراعيهم في أكثر الأمور. اتفق علي تسليم بغداد لهم. فلم نصبر علي اغماض العين المستلزم للخيانة العظمي كما أن عاقبة ذلك وخيمة. و لو أرسلنا خبرا إلي الدولة خشينا من فوات الفرصة و أن يحدث أمر أكبر بحيث لا يتيسر تدارك الخطر فلزم الإسراع فاضطررنا لاتخاذ الإجراءات الفعلية. و الآن رأينا عمر الكهية صادقا للدولة و أن كل عمل من أعماله موافق لإرادتها، و أن وزراء الخارج لا يستطيعون ضبط المملكة و حسن ادارتها، فتتمني أن تعهد إليه الوزارة.

أما رجال الدولة فكانوا يعلمون أن هذه النسبة محض اختلاق، لكن نظرا لمحضر الوجوه و ترشيحهم لعمر الكهية وجهت إليه وزارة بغداد و البصرة و جاءه الفرمان بذلك. فنال أقصي أمانيه و بادر في رؤية المصالح و الأمور.

و فرمانه يتضمن أن قطر العراق يستدعي العناية أكثر، فهو مهم جدا، فأودع إلي لياقتك و بعد نظرك، و تدبيرك القويم، و لا شك أن همتك تظهر في حراسة الثغور، و مراعاة الحدود، و الخدمات اللائقة كما هو المأمول. و هذا ما أجزم به و انتظره بفارغ الصبر. و أنا مترقب منك جليل الأعمال لاكتساب التوجهات الحسنة و مزيد

التلطفات. فأودعت إليك هذه الأمانة إيالة بغداد و البصرة، و المطلوب أن تضبط و تدار بالوجه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 48

المقبول، و تحفظ من أيدي الاغيار العابثة. فالتبصر و اليقظة هما شأنك، و الحكمة ديدنك …

أرسل هذا الفرمان مع الميراخور الأول للركاب الهمايوني. أوصاه بما يجب عمله، و حضّه علي السكينة و الرأفة و العدل.

و ممن مدحه حين ولي بغداد سليمان بك الشاوي بقصيدة جاء تاريخها:

«و قمت بالعدل و الإحسان يا عمر»

و مدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة كل شطر منها يتضمن تاريخا.

العيدروسي:

توفي الشيخ أبو الفتوحات بهاء الدين با علوي السيد عبد اللّه العيدروسي العدني ثم البغدادي القادري البدري السهروردي الشافعي الأشعري. في 17 رمضان سنة 1177 ه. فصّلت عن العيدروسي و طريقته في كتاب (التكايا و الطرق).

حوادث سنة 1178 ه- 1764 م

الخزاعل:

لم يعد يسمع شيخ الخزاعل حمود الحمد أوامر الحكومة فاقتضي تأديبه و لذا جهز عليه الوزير جيشا لجبا. أما هو فتأهب للمقابلة و جمع عشائره و عشائر أخري فتقابل الجمعان و دامت الحرب بينهما إلي أن تمكن الوزير منه بحيث وصل جيش الوزير إلي متاريس الخزاعل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 49

فحصلت المعركة و تمّ له النصر فاستولي علي خيامهم و اغتنم غنائم كثيرة ثم رجع إلي بغداد باحتفال باهر.

إن هذه الوقعة انتهت في سنة 1179 ه. يدل علي ذلك القصائد التي مدح بها الوزير عند عودته.. و منها قصيدتان لسليمان بك الشاوي.

و في هذه الوقعة يشير الشاوي إلي أن علي باشا تغلبت عليه الخزاعل في حربه قبل هذه الوقعة و كان رئيسهم حمود مع أننا لا نجد إشارة من المؤرخين إليها فلم يذكروا إلا الانتصار.

حوادث سنة 1182 ه- 1768 م

المنتفق:

بعد وقعة الخزاعل ذاع صيت الوزير و نفذت احكامه علي القاصي و الداني فدخلت العشائر في الطاعة.

و في هذه السنة تعرض شيخ المنتفق الشيخ عبد اللّه لبعض المقاطعات في البصرة و تسلط عليها و حدثت بينه و بين متسلم البصرة الحاج سليمان آغا نفرة فأرسل الوزير إليه عبد اللّه بك الشاوي ليعذله و ليؤلف بينه و بين المتسلم.

و لما وصل إليه تفاوض معه و جمع الطرفين في قصبة الزبير ليتداولا في مسائل الخلاف فأبدي الشيخ عبد اللّه الموافقة و قبل الصلح.

ثم عاد عبد اللّه بك الشاوي إلا أنه بعد عودته رجع الشيخ إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 50

حالته الأولي. و حينئذ استعد له الوزير، فنهض بنفسه فلما وصل إلي قريب من العرجة (العرجاء) و تبعد 16 ساعة عن البصرة إلي محل يقال له (أم الحنطة) علم

الشيخ بمجي ء الوزير فوجد أن لا قدرة له علي المقاومة فاضطر إلي ترك الديار.

و في هذه الواقعة مدح الشيخ حسين العشاري الوالي بقصيدة و بها ذم المنتفق.

حوادث سنة 1183 ه- 1769 م

قتلة عبد اللّه بك الشاوي:

أرسل الشاوي من جانب الوزير لإصلاح ذات البين و تسوية المشاكل بين متسلم البصرة و الشيخ عبد اللّه فقال صاحب الدوحة: إنه قام بما ينافي الصدق و السداد و خان في القضية و تحرك خلاف رضا الوزير. و الحال أنه لما شعر بقوته و هزم شيخ المنتفق أراد أن يقضي علي أكبر متنفّذ لديه و كانت لعبد اللّه بك مكانة في قلوب العشائر و الأهلين لا في زمنه بل في زمن أحمد باشا. و لذا بعد انهزام الشيخ قبض عليه في (أم الحنطة) و قتله و لعل المتسلم أغراه بقتله بقصد التشويش علي الوالي أو أنه لم يتحمله. و بقي هناك مدة للقيام ببعض المهام.

و في هذه الأثناء ورد بغداد خبر قتل عبد اللّه الشاوي فنهض أولاده الحاج سليمان و سلطان و غيرهما و جميع أفراد قبيلة العبيد اتفقوا معهم و اعتضدوا بهم و احتشدوا في الدجيل و كانوا قوة مهمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 51

تستخدمهم الحكومة لتأديب العشائر فشوشوا الوضع علي الوزير و قطعوا الطرق و أحدثوا اضطرابا قويا.

و لما سمع الوزير سارع للعودة إلي بغداد. و بالنظر لكثرة الجيش و أثقاله كان ينبغي أن يصل في مدة عشرين يوما فقصرها في سبعة أيام أو ثمانية. وصل بغداد بغتة و نزل في المنطقة من جانب الكرخ و ركبوا خيولهم جريدة ليلا بعد العشاء فأطلقوا الأعنة فوصلوا كالبرق الخاطف، إلي المحل المطلوب فوجدوا قبائلهم ففرقوهم شذر مذر و أخمدوا غائلتهم. و حينئذ وجد سليمان بك فرصة

للفرار فانهزم، و أما سلطان بك فألقي القبض عليه و جي ء به إلي الوزير فلم يسكن غضبه عليه إلا بضربه بيده في خنجره و قتله. ثم عاد الوزير إلي بغداد.

و هذا شأنهم حينما يشعرون بقوة فلا همّ لهم إلا قهر الأهلين لا سيما العناصر الفعالة، و كلما رأوا ضعفا مالوا للتفريق و استخدام البعض علي البعض.

جاء في ديوان العشاري أنه قتل في شهر رجب سنة 1183 ه و رثاه بقصيدة، و كان مدحه بأخري هنأه بوقعة المحمرة.

في سنة 1183 قتل محمود الكهية.

حوادث سنة 1184 ه- 1770 م حوادث سنة 1185 ه- 1771 م

و في هاتين السنتين لم يحدث ما يستحق الذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 52

في سنة 1185 حدث الطاعون (أبو خنجر) و امتد إلي السنة التي بعدها.

حوادث سنة 1186 ه- 1772 م

الطاعون:

حدث الطاعون فاستولي علي المملكة فلم ينج منه رجل و لا امرأة. فتك فيهم فتكا ذريعا فهدم معالم و قضي علي بيوت فعادت بغداد يبابا و نالها الخراب.

دام الطاعون من أوائل شعبان إلي أواخر المحرم لسنة 1187 ه.

دهش الناس من ألم هذه الوقعة و ذهلوا ففروا بلا اختيار و لا روية إلي جهات أخري.

و كان الوزير اتخذ الخيام فنزلها في مقابل قصبة الإمام الأعظم و بالقرب من المدينة فمال عنه الأعوان و الحشم و سائر الموظفين.

و للعشاري قصيدة يرثي بها أوضاع بغداد لما أصابها من هذا المرض الفتاك فبدل من أحوالها.

ثم انقطع المرض فتراجع الناس و عادوا إلي مواطنهم و اكتست المدينة حسنا بالسكان نوعا. و هذا الطاعون فل من عزم الوزير و شوش من إدارته.

و في تحفه عالم: «حدث سنة 1186 ه مرض الطاعون في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 53

العراق جاءه من استنبول و انتشر في أنحاء العراق. هلك فيه خلق لا يحصي عددهم إلا اللّه. و في مدينة بغداد مات في اليوم الأول بهذا المرض سبعون ألفا، و في اليوم الثاني و الثالث لم يحص عدد المصابين.

و أن العتبات العاليات كان فيها أفاضل العلماء. ذهبوا ضحية هذا المرض إلا نفرا معدودا فروا اتقاء منه و كان في أجلهم تأخير. و أن المؤرخ السيد محمد السيد زينا الذي هو من أدباء ذلك العصر نعت في تاريخه هذا المرض (بالطاعون العظيم).

سري إلي البصرة و بوشهر بحيث هلك القسم الأعظم من سكان البلاد المشهورة و القري

و البوادي …

حوادث سنة 1187 ه- 1773 م

الحالة بعد الطاعون:

بعد حادثة الطاعون رجع الأهلون كل إلي مكانه. و أن المدينة ظاهرا انتظمت أمورها لكنها لم تتكامل و بقيت في حالة تشوش. لأن الذين كان يعول عليهم في الإدارة و حسن النظام ماتوا و لم يبق من يقوم بشؤون الحكومة من أهل الكفاءة و ولي الأمور من لم يكن أهلا للقيام فانحلت أمور الديوان فاضطر إلي ترغيب الاكراد و العربان سكان البوادي. و لقلة خبرتهم بالإدارة تشوشت الأمور و انحلت.

أما العشائر العربية فكانت تنتظر وقوع أمثال هذه الأمور لإثارة الفتن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 54

بابان:

في حوادث سنة 1187 ه تغلب علي باشا علي سليمان باشا متصرف بابان و وجه لواء بابان إلي أخيه أحمد باشا، و وجهت ألوية كوي و حرير إلي تيمور باشا من آل عثمان باشا من أمراء كوي، و أن سليمان باشا استند إلي كريم خان الزندي فتحارب مرارا مع آزاد خان الأفشاري و انتصر عليه كما استولي علي سنة اعتمادا علي قوة كريم خان فوجه حكومتها إليه.

ثم إن علي باشا الوزير عزم في السنة التالية علي محاربة كعب فاستصحب معه أحمد باشا مع عسكره و أناب هذا أخاه محمود باشا في قلعة چولان و ترك أخاه الآخر مصطفي باشا في عسكر قليل.

أما سليمان باشا فإنه اغتنم الفرصة فجاء من سنة بعسكر كثير و طرد محمود باشا و أتباعه و ضبط لواء بابان. و لما عاد علي باشا من سفرة كعب سمع بالوقعة في منزل (نهر عمر). و بوصوله إلي بغداد رخص أحمد باشا منصوبا علي بابان و عين معه عسكرا جرارا و عند ذلك لم يقاومه سليمان باشا. و كان الموسم موسم شتاء و ثلج فأخذ سليمان باشا

جميع أرباب الحرف و الصنائع و أهل المقدرة و القوة و ساقهم قهرا معه و ذهب إلي (سنة) و أقام في حكومتها معولا علي كريم خان.

و بعد عام واحد توفي علي باشا و صار عمر باشا واليا. و كان هذا الوزير مغبرا من أحمد باشا و كانت له حقوق قديمة مع سليمان باشا. لذا عزل أحمد باشا و وجه لواء بابان إلي سليمان باشا و كذا كوي و حرير و إربل و كوپري و قره حسن و زنگباد و جسّان و بدرة و أرسل إليه خلعة إلي سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 55

أما أحمد باشا فإنه لم يعارض و انسحب هو و أتباعه إلي العمادية.

أسكن حاشيته هناك و ذهب هو إلي الموصل. بقي فيها مدة.

و توجه سليمان باشا إلي ديار الكرد و تمكن فيها، و أن عمر باشا لم ير من المصلحة إبقاء أحمد باشا في الموصل. بل جلبه إلي بغداد إلا أنه لم ينل منه توجها. و استولي سليمان باشا علي سنة و علي جميع ديار الكرد و إربل و المقاطعات الأخري بلا معارض و لا مزاحم. مضت علي ذلك مدة سنة. و كان قد عاقب بعض الأشخاص هناك و هو (فقيه إبراهيم). و هذا نزل ليلا علي دار (سليمان باشا) و قتله بخنجره انتقاما منه.

إيالة بابان توجه إلي محمد باشا:

وافي الخبر عمر باشا. و أن أحمد باشا كان في بغداد، أما أخوه محمد باشا فقد كان هناك و هو أكبر من أحمد باشا و أصغر سنا من سليمان باشا فوجهت إيالة بابان إليه بناء علي تعريف عمر آغا المطرجي له و تنويهه بذكره لحقوق قديمة كانت بينهما فأرسلت الخلعة إليه. و لعل التعريف كان مبنيا

علي أنه عازم علي الحرب فيما إذا لم توجه إليه فتتولد فتنة جديدة.

مضت مدة سنة فأراد الوزير عمر باشا السفر إلي الخزاعل فطلب محمد باشا للذهاب معه فجاءه بألفي جندي من خيار الجند فأدي واجب السفر و رسوم الخدمة و عند العودة إلي بغداد أقام بضعة أيام. و في هذه الأثناء رأي من عمر باشا بعض التكاليف الشاقة.. مما لم يكن يأمله فذهب إلي مقر حكومته علي أن لا يعود مرة أخري و أضمر أن لا يري هذا الوزير ثانية.

و يلاحظ أن أحمد باشا في خلال هذه المدة اضطرب كثيرا و لم ينل رعاية لدرجة أنه ضجر الحياة و رجح الموت علي البقاء علي هذه الحالة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 56

و لما علم محمد باشا بهذا أشفق علي أخيه، و كذا أراد تنفيذ نواياه فاتخذ المراسلة و العهد للترغيب فجلب أخاه إليه، ففرح أحمد باشا بذلك فاطلع عمر باشا علي الأمر و التفت حينئذ إليه و أمله بأنه سوف يوجه إليه ديار الكرد و عزم علي نصبه فلم يوافق. و لذا خرج و ذهب إلي أخيه و حين وصوله وجه إليه أخوه محمد باشا لواء كوي و قره طاغ.

و داموا سنين علي خير ألفة و وفاق.

ثم دخل بينهما أهل النفاق. فزال الاعتماد بل تمكن الخصام.

و بسبب ذلك حذر أحمد باشا فرحل من قره طاغ و ذهب بمن معه إلي جهة زنگباد فوجه إليه الوزير مقاطعات بدرة و جسان و مندلي و في هذه الأثناء حدث الطاعون، فأراد محمد باشا تنظيم بعض المصالح اللازمة، و توجه من قلعة چولان إلي كويسنجق. و نظرا لحادث الطاعون زال الربط و النظام و كل واحد ذهب لشأنه.

أما

أحمد باشا فقد استفاد من هذا نظرا لما علمه من قلة العدد و القوة في أنحاء كويسنجق، فاغتنم الفرصة فعزم علي استئصال محمد باشا، و أغار علي كويسنجق، و عند وصوله إلي قنطرة الذهب (آلتون كوپري) حدثت أمطار غزيرة فلم يتمكن من العبور. فلما سمع محمد باشا بالخبر أخذ ما لديه من الجند و تقدم نحوه فتقابل الطرفان. فكان أحمد باشا في الجانب الأيسر و محمد باشا في الجانب الأيمن. و في هذه المدة تناقص الماء و وصل المدد إلي محمد باشا من قبائل كويسنجق من خيالة و مشاة. فتلاحق ورودهم فصاروا يلتمسون معبرا.

رأي محمد باشا أن قوته تكاملت فعبر و تقدم، لكن العلماء و الصلحاء و السادات و الشيوخ توسطوا في البين رافعين المصاحف فأصلحوا بينهما، و أطفأوا نيران الحرب.

و في هذه المرة خصص محمد باشا إلي أحمد باشا كويسنجق و قره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 57

طاغ. أعطاهما له و ذهب هو إلي قلعة چولان و بقوا علي هذه الحالة سنة واحدة. ثم زال اعتماد محمد باشا علي أخيه أحمد باشا بسبب ما حدث من فتنة و شقاق حتي دعاه إليه من قره طاغ إلي قزلجه و حينما جاء حبسه. و لتأمين القبض علي أخيه الأصغر محمود باشا و هو بمثابة جزء غير منفك منه أغار علي قره طاغ إلا أن محمود باشا سمع بالأمر في حينه ففر هاربا إلي بغداد.

أكرم الوزير عمر باشا مثواه و أعطاه مقاطعة قزلرباط (السعدية) فسكن فيها. و لكن الوزير- بسبب الطاعون- لم يتمكن من الإدارة. و لذا ترك محمد باشا الطاعة و كان يعتذر ببعض الاعذار من تنفيذ أوامره.

و في الوقت نفسه كان يخابر كريم خان

الزندي و يبدي الانتماء إليه.

فعرف الوزير ذلك فأراد ضبط ديار الكرد و السيطرة عليها و إرهاب العشائر و تأمين انقيادها فعزل محمد باشا و كان أحمد باشا لا يزال محبوسا فنصب محمود باشا و جعله متصرفا علي بابان. فجهز الحاج سليمان آغا و عين برفقته باش آغا و هو أحمد آغا ابن محمد خليل مع مقدار خمسين بيرقا من اللوند و سباهية كركوك و لونداته و مقدارا من خاصته (أوجقلو).

إن هذا القائد توجه نحو المهمة المطلوبة و تلاحق معه محمود باشا أيضا أثناء الطريق و ألبسه خلعته و التحق بهم جيش كركوك فوصلوا ديار الكرد.

أما محمد باشا فلم يستطع المقاومة لعلمه أنه لا قدرة له فاختار الذهاب إلي ديار ايران. فتمكن قرب سنة و عرض الأمر علي كريم خان الزندي و استطلع رأيه. و أن القائد مع محمود باشا دخلا بلا ممانع قلعة جولان و تمكنوا بها و أنقذ أحمد باشا من السجن، و أن محمود باشا حين وصوله ترك الأمر لأخيه أحمد باشا بطوعه و فوض إليه المتصرفية و قام هو بخدمته و أن يكون معه فيما يختاره.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 58

ثم إن التجاء محمد باشا إلي ايران و احتماءه بكريم خان أدي إلي أن ينتظروا هناك مدة. أما كريم خان فإنه عاضد محمد باشا و طمع في الأمر بسبب الضعف و الفتور اللذين استوليا علي الأهلين من جراء الطاعون، و بما أصاب العراق من نقص في الجيوش فأقره في محله و جهز معه جيشا يبلغ نحو عشرة آلاف جندي بمعداتهم و كامل أسلحتهم و مدافعهم. فوافي الجيش الايراني تحت قيادة علي مراد خان متفقا مع محمد باشا فدخلوا حدود الكرد.

و حينئذ تفرق جيش الوزير شذر مذر لكن القائد سليمان آغا مع أحمد باشا تمكنوا من جمع ثلة معهم و خرجوا من قلعة چولان و تأهبوا للنضال في سفح جبل (سر سير) فلاذوا بكهف منه و قاوموا أشد المقاومة حتي أنهم بالرغم من قلتهم انتصروا علي عدوهم.

و في هذه المعركة استولي جيش الوزير علي (علي مراد خان).

قبض عليه أسيرا و كسر الايرانيين و قتل منهم نحو أربعمائة أو خمسمائة و بقوا في تعقبهم إلي ثلث الليل و نالوا غنائم كثيرة.

و حينئذ دعا الحاج سليمان آغا (علي مراد خان) إليه و لطفه و بقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلي عمر باشا في بغداد. وصل خبر انكسار الجيش الايراني إلي كريم خان فحار في أمره.

ثم تصدي لأخذ الثار و تحركت النخوة فيه. و أن عمر باشا حينما جي ء إليه بعلي مراد خان أكرمه و أبدي له من الاعزاز ما يستحق. و بقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلي كريم خان مكرما معززا و لكن كريم خان لم يسكن غضبه بل جهز أخاه صادق خان بجيش يناهز العشرين ألفا، و سير مع شقي خان نحو اثني عشر ألفا، و مع نظر علي خان ما يقارب الثمانية آلاف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 59

أما القائد الحاج سليمان آغا و أحمد باشا فقد صاروا في انتظار ما سيفعله كريم خان و تطلعوا إلي أخبار الايرانيين إلا أن ديار الكرد ليس في قدرتها الدوام علي إدارة الجيوش لأمد طويل و لا قدرة لها علي إعداد الأرزاق و لذا توجه الحاج سليمان آغا بعسكره إلي جهة كركوك.

ثم إن الجيوش التي عينها كريم خان توجه كل منها إلي جهة، فإن صادق

خان توجه نحو البصرة فحاصرها، و إن الفرق الأخري ذهبت إلي أنحاء الكرد فوردت إلي محل قريب من الحدود. و لما شاع أمر ذلك استولت الواهمة علي الأهلين و أصابهم الرعب علي البعد حتي أنها أثرت علي جيش الحاج سليمان آغا فتفرق أعوانه و لم يبق معه سوي الباش آغا (أحمد آغا ابن محمد خليل) و بضعة خيالة من أعوانه و أتباعه.

فتيقن أحمد باشا أن لا طريق لإمداده كما أن عمر باشا عزل أحمد باشا تنويما للعداء بينه و بين الإيرانيين و عين محمد باشا لولاية بابان و إربل و القنطرة (آلتون كوپري) و جاء محمود باشا و سائر أتباعه إلي كركوك فأقاموا هناك و جاء معهم تمر باشا متصرف كوي. و هذه التدابير لم تكن الدواء الناجع بل قوت عزم الإيرانيين و بعثت فيهم همة و نشاطا فطمعوا في الأمر. و لذا تحرك نظر علي خان من كرمانشاه و توجه إلي ديار الكرد فضبط درنة، و باجلان فوصل إلي قري (پير حياتي)، و (جبّاري)، و (قره حسن) و هذه مأوي العشائر الكردية و تسمي بأسماء قاطنيها فانتهبوا هذه المواطن و رجعوا.

و أما شقي خان فإنه زحف علي الكرد من جهة (سنة) و انتهب أيضا كل ما لقي من قري و نواح فتوقف هو و محمد باشا في موقع يقال له (دربندكي). و حينما وصل الخبر إلي كركوك تقدم أحمد باشا بقصد الانتقام منهم إلا أن الإيرانيين بعد أن عملوا ما عملوا رجعوا فلم يسعه اللحاق بهم و محاربتهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 60

واجهة في جامع الآصفية- متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 61

و في هذه نري عمر باشا حينما

علم بهجوم ايران من ثلاث جهات تيقن بالخطر و أنه لا يسعه الدفاع و لا امداد هذه المواطن الثلاثة و معاونتها فطلب المساعدة من دولته لتمده بما تستطيعه خشية أن يتفاقم الأمر. و نعلم من ناحية أخري أن الدولة ليس في وسعها الامداد و لكنها أفرغت المسألة في قالب آخر فلم تصدق الوزير في أقواله إلا أنها علمت الحقيقة من كتاب الباليوز (المقيم البريطاني في بغداد) و لذا أرسلت لهذا الغرض و هبي أفندي بوظيفة سفير إلي ايران.

ثم إن الإيرانيين حينما وصلوا إلي (دربندكي) مع محمد باشا مكثوا بضعة أيام ثم انسحبوا إلي الوراء أما القائد فإنه أقام في كركوك مع ثلة من الجند لمحافظة المدينة. و في هذه الأثناء شاع خبر عزل عمر باشا ممن جاؤوا من الموصل. و لذا تفرق عسكر القائد (الحاج سليمان آغا) و بقي وحيدا ليس معه إلا بعض أتباعه. خالفه تمر باشا متصرف كوي و حرير و تصدي للذهاب إلي مقره فلم يوافقه القائد في رأيه هذا و لم يأذن له بالذهاب إلا أنه لم يصغ لقوله و حاول الخروج فألقي القائد القبض عليه و عرض الأمر علي عمر باشا فعزل تمر باشا و وجه لواء كوي و حرير مع إربل إلي أحمد باشا ضميمة إلي القنطرة (آلتون كوپري) و أن أحمد باشا و محمود باشا توجها مع القائد و ضبطوا كويسنجق و لكن القائد لم يجد البقاء فيها موافقا. فعاد بعد أيام إلي كركوك.

و في هذه الأثناء عزل الوالي متصرف كركوك تيمور باشا و وجهت المتصرفية إلي سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي متصرف الموصل برتبة الوزارة فجاء و باشر إدارة الشؤون.

و كذا ورد و هبي أفندي و

ذهب إلي شيراز فالتقي بكريم خان الزندي و بلغ سفارته و من هناك توجه إلي استنبول و لم تظهر نتائج هذه المفاوضة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 62

و من ثم حاصر جيش كريم خان البصرة. أما الدولة فإنها في الظاهر أعانت عمر باشا و لكنها كانت تضمر له نوايا. فأرسلت والي ديار بكر أوزون عبد اللّه باشا و أتبعته بالحاج مصطفي الاسبيناقجي جاء عبد اللّه باشا و معه نحو الثلاثة آلاف جندي فوصل إلي كركوك. ثم بعد استراحة بضعة أيام رافقه القائد الحاج سليمان آغا إلي بغداد و نزل في ميدان السلق.

ثم جاء بعد أيام قلائل الحاج مصطفي و الميرميران كپكي عبدي باشا و معهما نحو ألفين و خمسمائة جندي. و نزلوا خارج الباب الأبيض ثم ورد والي كركوك سليمان باشا الجليلي و معه نحو ألف فكان جيشا معاونا و نزل خارج البلدة.

و يلاحظ أن هذه الحوادث ابتدأت من سنة 1187 ه، و انتهت بسنة 1188 ه.

في سنة 1188 قتل الكارجي و إسماعيل آغا و إسحاق آغا.

وفيات:

1- السيد عبد اللّه الفخري:

سنة 1188 ه توفي السيد عبد اللّه الفخري. و له (تاريخ نشاطي).

و كان كاتب الديوان من أيام الوزير أحمد باشا و هو أديب و شاعر بالعربية و التركية و عندي مجموعته الخطية فيها شعره العربي و ما قيل فيه و له رسالة في الهيئة عندي مخطوطتها و شرح بانت سعاد مخطوطة أيضا و رثاه الشيخ كاظم الأزري بقصيدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 63

حوادث سنة 1189 ه- 1775 م

محاصرة البصرة:

إن صادق خان أخا كريم خان الزندي توجه نحو البصرة لمحاصرتها و الاستيلاء عليها. و لما وصل إليها كان متسلمها سليمان آغا. و كان مقداما هماما. فلم يصبه تزلزل و لا بالي بالإيرانيين و إنما سكن روع الأهلين فحثهم علي الدفاع و راعي لوازم الحصار.

أما الإيرانيون فإنهم أحاطوا بها من كل صوب و شرعوا بالحرب فطالت المحاصرة. و أشكل الأمر بسبب الهجوم من جانبين فالوزير نظرا لقلة جيشه لم يستطع إرسال قسم إلي جهة أنه كان يبعث الأمل و يحرض علي الدوام في القتال و المصابرة و يخبر بأن الدولة أرسلت جيشا و أنه سيوافي عن قريب. وصل إلي المحل الفلاني و يقول: ثابروا علي الدفاع. إن بغداد بعثت كذا مقدارا من الجيش لمعاونتكم و إنه واصل لا محالة.

كل هذا تقوية للقلوب و بعث الأمل في حين أنه لم يرسل إليهم و لا وصل إليهم مدد.

ثم أرسل الوزير كتخداه عبد اللّه الكهية مع مقدار من الجيش فلم يتمكن أن يجتاز الخزاعل. وصل إلي جليحة لقتالها. فتغلبت عليه. فبقي الوزير في اضطراب و حيرة. و كذا الأهلون في بغداد كانوا في كدر و حزن.

و في تحفه عالم:

«إن والي بغداد اتخذ سلوكا رديئا نحو سكان العراق لا سيما زوار العتبات و ساكنيها من القزلباشية. كان يأخذ منهم الأموال الوافرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 64

بحجة أن هذه تعود إلي موتي الطاعون، فكان يصادر بعض أموالهم يداعي أنهم استولوا علي متروكات الموتي فوصل خبر ذلك إلي الشاه فتأثر. فعهد بأمر دفع هذا الظلم إلي (حيدر قلي خان) أمير زنگنة.

اختاره لهذا الغرض حيث إنه كان ممن عاش لدي الصفويين و كان من أمراء ايران المعروفين فهو مجرب كامل بسبب سفراته

و سياحاته العديدة في الاقطار، و كان عالما بالعلوم المتداولة. يجيد أكثر اللغات الغربية فضلا عن أنه كان مفوها، منطيقا. أرسله إلي بغداد فأخذ ينصح الباشا و يحذره العواقب. فكان جواب الباشا يتضمن مواعيد واهية فأذن للرسول بالانصراف.

و استمر في ظلمه و قسوته أكثر بحيث إنه قبض علي جماعة من سكان الكاظمية و عذبهم بالضرب بالعصي فأدي ذلك إلي وفاة واحد منهم.

و لما جاء هذا الخبر إلي الشاه لم يهدأ و لا قر له قرار فأرسل أخاه محمد صادق خان الزندي و أحد أبناء عمه نظر علي خان و كانت لهما اليد الطولي في قيادة الجيش و حسن إدارته ففوض إليهما أمر الاستيلاء علي البصرة. فوردا إلي شوشتر و منها ذهبا إليها.

و كان متسلمها إذ ذاك سليمان آغا و هو ذو شجاعة و رأي سديد.

قام بالواجب في حراسة المدينة و أظهر ثباتا، و أما جيش القزلباش فإنه أحاط بها و استمر الحصار أربعة عشر شهرا فوصل حال المدينة إلي حد أنهم من شدة القحط أكلوا لحوم الحيوانات التي لم يألف الناس أكلها كلحوم الكلاب و القطط و هلك خلق كثير … » اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 65

عاقبة الوزير:

في هذه الأثناء ورد الوزراء إلي بغداد متواليا و كل واحد معه بضعة آلاف فتجمع في بغداد نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف جندي و بهذا زال الاضطراب عن الوزير و ذهب البؤس عن الأهلين و قوي الأمل في استخلاص البصرة.

قضوا بضعة أيام للاستراحة ثم كلفهم الوزير بالذهاب إلي مواقع الحرب فلم يصغوا و اعتذر كل منهم بعذر و ماطلوا في الذهاب.

و بعد أيام أشاعوا عزله و أظهروا الفرمان. بينوا أن عمر باشا كانت معاملته

سيئة مع ايران و أنه حرك الساكن، فلو عزل سكنت الفتنة و لم يبق لها أثر. كتبوا إلي استنبول بهذه البيانات و كانت بعكس ما كان يكتبه الوزير عمر باشا فعلمت الدولة أن أقوال هؤلاء صحيحة و أن الخلاف بين الوزير و ايران هو منشأ توتر العلاقات. و علي هذا عزلته الدولة.

تواتر أن أعمال هذا الوزير كانت منفّرة. فلم يرض العشائر و لا الكرد و لا الداخل. و قتل عبد اللّه بك الشاوي إلا أن العاقبة صارت و خيمة عليه و حصلت البغضاء منه في كل الأنحاء، و كان المثير لحروب ايران، فلم يحسن السياسة فالدولة لم ترض عنه و لا عن المماليك.

و اعتقد أن ذلك كله كان بسبب موافقته لرغبة سليمان آغا متسلم البصرة.

أرادت الدولة أن تستفيد من هذا الوضع. و أن تتخلص من المماليك و هم أشد خطرا عليها من ايران فكانت مهمة الجيش القضاء علي هذه الغائلة و ترجيحها علي ايران. استغلت نفرة الأهلين من هذا الوزير و من أوضاع ايران. و أمراء الكرد فتخلصت بخير طريقة. فكان تفسير المماليك للوضع تبعيدا للمغزي السياسي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 66

صراف عمر باشا:

هو اليهودي ميخائيل. و لهذا أخ اسمه أبراهام فلما حدثت واقعة الوالي حبس الاثنان، و بقيا في الحبس حتي طلب بعض النساء من أهلهما إطلاق سراحهما..

توالي الوزراء:

و علي هذا وجهت الدولة إيالة بغداد و البصرة إلي أمين باشا الجليلي، و وجهت إيالة كركوك و الموصل إلي ابنه سليمان باشا. ثم إن أمين باشا توفي فعهدت بإيالة بغداد إلي أحد الوزراء المبعوثين إلي بغداد و هو مصطفي باشا. و أوضح في الفرمان الوارد أن عمر باشا إذا تمرد و عصي و لم يطع الأمر فليعامل بما يستحقه. و هذا أيضا يبين نوايا الدولة نحوه و أما الايعاز الشفهي أو التحرير السري فحدث عنه و لا حرج.

أما الوزير فإنه حينما سمع بالفرمان امتثل الأمر و سلم مقاليد الحكم إلي خلفه و عبر هو إلي جانب الكرخ و ضرب خيامه في المنطقة و تأهب لما يقتضي له من اللوازم السفرية إذ لم يكن يعلم بذلك ليتأهب.

ثم ولي مصطفي باشا الوزارة بموكب و أبهة و دخل بغداد بلا مزاحم و لا معارض و باشر أمور الإدارة إلا أن مبغضي عمر باشا استفادوا من توقفه فحملوا تأخره علي محمل آخر و أغروا الوزير مصطفي باشا بقتله. فأصدر أمره لجميع الجيوش أن يهجموا عليه ليلا.

و حينئذ أخلي عمر باشا و حاشيته المخيم و احتمي بنفسه و دافع إلي الصباح و أبدي من الجلادة ما لا يوصف. و لما انكشف الصباح ترك الحرب و توجه منهزما و لكن الجيش عقب أثره و ضيق عليه كثيرا فاضطر إلي المقاومة و الدفاع ثم أرخي العنان للنجاة. و سلك طريق الموصل من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 67

جهة الإمام موسي الكاظم (رض) و لما

غادر أرض المنطقة عثر به فرسه فسقط و انكسرت رقبته. و لم يعلم به أحد من أعوانه فتوفي. صادفه أحد اللوندات ممن عقبوا أثره فقطع رأسه و قدمه إلي الوزير مصطفي باشا.

و هذا أرسله إلي الدولة.

و هذا الوزير عاكسته الاقدار. و مع هذا كافح الاعداء بالرغم من أنه لم يصل إليه مدد. و إن أول وزارته عام 1177 ه و قتل غدرا في أوائل سنة 1190 ه و مدة وزارته بلغت 13 سنة.

و كانت أيام حكومته مطردة إلي أيام الطاعون. ثم تشوشت و نالها خلل. و كان إسماعيل آغا كتخداه. و أما كاتب الديوان فإنه إسماعيل المكي، و كان خطاطا معروفا. و هو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا. و توفي سنة 1228 ه. و كان من أساتذة الخط و له معارف جمة. و أصله من كركوك. و له إخوة.

إن عمر باشا في حد ذاته كان مفكرا، صائب التدبير. شجاعا مهيبا، و أديبا و قورا. رضيت عنه الدولة و كان مطيعا لها منقادا لاوامرها و نواهيها. مبديا لها الاخلاص، و لم يكن له دخل في قضية ايران، و أن الفرمان الذي صدر في حقه لم يكن قطعيا و إنما علق بحالة تمرده و عصيانه. و إنما فعل مصطفي باشا ما فعل بتسويل من ذوي الاغراض ثم ظهر للدولة إخلاصه إثر حدوث وقعته و حين وصول رأسه إلي الدولة أبدت تأسفا كثيرا. و من أجله غضبت علي مصطفي باشا.

و لا أعتقد أنه عمل مأثرة للدولة أو للأهلين. و إنما أراد أن ينفع المماليك فأضرّ بهم. عادي بين الأهلين و بينهم. و أن الدولة أرادت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 68

القضاء علي هؤلاء اغتناما

لهذه الفرصة و لكن رجالها لم يقووا علي الأمر و ليس فيهم من الكفاءة ما يسهل ذلك.

و جاء في تقرير الحاج علي باشا والي طربزون و سماه (تاريخ جديد) أو (يادگار تاريخ) كتب في 13 شوال سنة 1190 ه أن الدولة نشأت فيها أحوال ناجمة من قلة التدبير. فعددها. و قال: من أهمها وقائع بغداد، كانت في حالة توتر بينها و بين إيران. و أن اعتداء كريم خان الزندي كان صريحا إلا أنه قيل إن ذلك متولد من جراء ما اتخذه عمر باشا والي بغداد من أوضاع ضد رعايا ايران. فأيد مبغضو الوزير، و بينوا أنه لو عزل لما بقي ما يدعو للخلاف.

و من جهة أخري أن الدولة أرادت أن تتخذ ذلك وسيلة، فأرسلت إلي بغداد جملة وزراء منهم مصطفي باشا، و عبدي باشا، و عبد الجليل زاده، و أوزون عبد اللّه باشا، و مصطفي باشا، و مصطفي باشا خليل باشا چراغي. ذهب هؤلاء الوزراء إلي بغداد، و كانت مهمتهم حرب الإيرانيين و لكنهم اهتموا بأمر الوالي، فعزلوه، ثم قتلوه، و اختلفوا علي سلبه، صار كل واحد يميل إلي ناحية من الأهلين، فاضطربت الحالة، و لم يبق أمل في صيانة بغداد، و الاحتفاظ بها، أو أن الأهلين فسروا اختلافهم بذلك، فاحتقروا أمرهم.

و هل يصح أن يقال: أن عمر باشا كان مقصرا في علاقات ايران، و هل إن دعوي الإيرانيين صحيحة؟ ذلك ما لا يعقل، فهل جاء سفير من ايران؟ أو هل صدر هذا القول من مصطفي باشا نكاية بعمر باشا؟ ذلك ما لا يعلمه سوي الدولة إلا أن الواقع بخلافه، فإن عمر باشا عزل، و قتل، فهل كان ذلك سببا لانسحاب جيش كريم خان من

البصرة؟ و هل من اللائق قتل وزير مثل هذا؟.

أبدي ذلك صاحب التقرير. و الحال أن رغبة الدولة كانت مصروفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 69

إلي الاستيلاء علي بغداد، و انتزاعها من أيدي المماليك، و أن تكون تابعة لها رأسا. فاتخذت هذا التدبير وسيلة إلا أنها كما جاء في هذا التقرير كانت في أسوأ الأوضاع. أصابتها الضربة من الروس سنة 1182 ه و حدثت هذه الغائلة، و لا تدري ما ستجر إليه. و بغداد لم تكن في حالة تدعو للارتياح لما فيها من فتن لا تستطيع قمعها.

و قال: أري أن الدولة أضاعت التدبير، فأربكت هذه الفتن أمرها، و كل ما نعلمه أن كريم خان مد يد البغي، و لم يكن مضطرا لما قام به كما أعلن، أو كما أبدي أعداء عمر باشا فالدولة لم تتثبت، و تقف علي جلية الأمر لتكون علي يقين.

و أن الموما إليه بيّن لدولته في تقريره أن قضية بغداد لم تكن الوحيدة في بابها، بل هناك قضية القريم، و قضية مصر. فإذا لم تتخذ الدولة تدابير ناجعة، فإن هذه الممالك تضر بالدولة أكثر مما تنفع. لأن الغائلة تستدعي مصاريف بالغة، فإذا تجمعت جملة غوائل كانت المصيبة أعظم.

وخير تدبير للعراق أن يقضي علي غوائله، و أن يكون هناك جيش يستطيع محافظته، و أن يزول سوء التفاهم بين والي بغداد عبد اللّه باشا و بين حسن باشا. فإن رفع ذلك من أصعب المصاعب، إذ قتل الوالي السابق عمر باشا كان بتسويل من أعداء الدولة. و أن الأمراء من المماليك لا يخاطرون، فإنهم يرون أنفسهم عاجزين عن مقاومة العدو، فلا يستطيعون الاشتباك معه، و إلا دمروا قطعا أو أنهم لو تغلبوا علي عدوهم فلا

شك أنهم يجزمون بهلاكهم أيضا لأن أمراء الروم متأهبون إلي ضبط مناصبهم، فيكون ايراد المملكة خالصا لهم دون المماليك.

و هكذا الأهلون يذهبون هذا المذهب. و هذا ما كان يختلج في أذهان القوم بسبب واقعة عمر باشا، و أنه قتل بغير وجه حق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 70

و للوصول إلي حل صحيح يجب أن ترفع الوحشة من أذهان الأهلين، و يتوسل بالتدابير الناجعة و من أهمها أن يرسل جيش قوي فيزيل غائلة ايران، ثم ترفع النفرة بين الأمراء و بين الأهلين. و ما ولدته قتلة عمر باشا من سوء تأثير. و العراق في هذه الحالة بين غوائل التسلط من ايران، و بين عشائر العرب، و عشائر الكرد فأخطاره متوقعة، و يخشي من حدوثها في كل حين. فمن الضروري امداد بغداد بقوة و إلا فإن حسن باشا و عبد اللّه باشا لا يستقر بينهما الأمر. و لا تهدأ الحالات الأخري. هذا مع العلم بأن التضييق علي ايران من جهة بغداد من أشق الأمور و أكثرها صعوبة، و إنما المهم أن يكون ذلك من جهة أرزن الروم.

و الأمر لا يقتصر علي بغداد و حوادثها بل الضرورة تدعو إلي ترقب الأحوال الأخري، فيخشي من ظهور وقائع جديدة مما يدعو فيه الأمر إلي الالتفات، و يستدعي الأخذ به للحيطة و التدابير الضرورية فلا يغفل عنها. و لا شك أنه يرمز إلي لزوم مهادنة المماليك و ترك أمل القضاء عليهم … هذه خلاصة ما في التقرير.

الإمام إبراهيم:

أمر الوزير عمر باشا بتعمير ضريح الإمام إبراهيم و هو بقرب الحيدر خانة. و مدح حسين العشاري هذا الوزير بقصيدة يثني فيها علي هذا العمل المبرور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 71

مصطفي باشا:

ثم رخص مصطفي باشا بعد أن استقر في حكومته كلّا من أوزون عبد اللّه باشا و كپكي عبدي باشا و سليمان باشا الموصلي. أرجعهم مع عساكرهم بداعي أنه تصالح مع ايران و أنقذ البصرة و كتب لدولته.

و الحال أن ذلك كان خدعة من إيران. أما البصرة فكانت في حالة اضطراب و ضيق. و كذا لم يعتد بموظفي عمر باشا و أتباعه و لا ائتلف معهم. و كانت الحكومة كلها منهم فلم يرغب فيهم بالرغم مما كان يراه منهم من خدمة و ما يتقربون به من ألفة ظاهرية فكان ينتهز الفرصة للوقيعة بهم الواحد بعد الآخر و يبعدهم عنه. كل هذا ظهرت بوادره. و لم تحصل لهم طمأنينة منه. و هذا يفسر مخالفاتهم له.

و أول من ظهر عليه بالمخالفة عبد اللّه الكهية. خرج عن طاعته فالتحق به العثمانيون في بغداد و التفوا حوله. فروا من الوزير و احتشدوا فبدأ بالخصومة. و حاول مصطفي باشا أن يقضي علي أعوان الكتخدا و يفرق شملهم فلم يتمكن و بقي في ارتباك من أمره. فالحكومة تألبت عليه فلم يفلح في السيطرة علي الموقف.

سقوط البصرة

اشارة

إن الأهلين و المتسلم في البصرة كافحوا كفاح الأبطال و بذلوا من الحمية و الهمة ما لا يوصف فلم يبد منهم تهاون و لا قصّروا في أمر من وسائل الدفاع و أن مدة الحصار دامت 14 شهرا انقطعت خلالها السوابل برا و بحرا و نفدت الأرزاق داخل المدينة و لم تبق فيها أقوات حتي اضطر الأهلون إلي أكل اللحوم المحرمة لسد الرمق بسبب ما نالهم من ضنك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 72

العيش إلي أن وصلوا إلي درجة لا تطاق و لم يبق لهم صبر علي

مقاومة الجوع.

و في زمن عمر باشا استمدوا فلم يقطع أملهم و حرضهم علي الصبر و الدوام علي الحرب إلي أن يأتيهم المدد. فوعدهم بوعود مفرحة يقوي بها قلوبهم في رسائله التي كان يبعث بها ثم استغاثوا بمصطفي باشا و طلبوا المدد فلم يرد منه ما يسرّ الخواطر أو يشجع علي الدوام ثم إنه كتب إليهم بأنه لا يسعه أن يمدّهم لا سيما بعد أن رأي المماليك كلهم إلبا عليه و الفتنة في بغداد مشتعلة كما أن الإيرانيين أوهموه بالصلح أو أن المماليك اختلقوا ذلك ليرفع الجيش عنهم و لذا قال: أرضوا ايران بقسم من المال ليرفعوا الحصار عنكم و إلا فخذوا منهم عهدا بأن يحافظوا علي أموالكم و أعراضكم و سلموا إليهم المدينة.

و علي هذا شاور المتسلم سليمان آغا الأعيان بما ينبغي أن يتخذوه نظرا لما قطع به الوالي من آمالهم فلم يروا وسيلة غير التسليم. و لذا خابروا قائد ايران صادق خان أن يؤمنهم علي أعراضهم و أموالهم و يسلموا المدينة فوافق.

و في آخر أربعاء من صفر سنة 1190 ه دخل صادق خان بجيشه، و ألقي القبض علي المتسلم و الدفتري و صاحب الكمرك و سائر الوجوه و الأعيان فاستولي علي جميع أموالهم الظاهرة و الخفية و أرسلهم أسري إلي كريم خان الزندي في شيراز. ثم إنه أراد أن يأخذ الأموال الأخري من البصرة فتعدي و تجاوز بظلم و عسف و سلب الأهلين من أعيان و أداني فلم يذر أحدا إلا غرمه و انتهبه و صار أهل الثراء لا يستطيعون الحصول علي قوت يومهم و إنما كانوا يمدون يد الاستجداء إلي غيرهم و صاروا في فقر مدقع و حاجة شديدة.

ثم إن صادق خان ترك

من أمرائه محمد علي خان حاكما في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 73

البصرة و أبقي عنده نحو عشرة آلاف من الجند و عاد بالباقين و معه الغنائم و الأموال الوفيرة و رجع إلي شيراز.

و قال صاحب تحفه عالم عن حادثة سقوط البصرة إن العثمانيين توصلوا بالأمان و جعلوا واسطة هذا الأمر (السيد نعمة اللّه) و كان من المحصورين أرسلوه إلي صادق خان للمفاوضة معه في الصلح و كيفية تسليم المدينة فقام بما أودع إليه و ذهب إلي صادق خان فأخذ منه المواثيق أن لا يتعرض للنفوس و الأعراض. فبلغ هذا الأمر إلي سليمان آغا و سائر أمراء الجيش.

و في اليوم التالي دخل أفواج القزلباش إلي المدينة فتنفس الصعداء كل من كان في ضيق من القحط و أخذت تتلي الخطبة الاثنا عشرية و صار يكرر علي رؤوس المنابر و مآذن المساجد الأذان الجعفري و ضربت النقود بأسامي الأئمة الاثني عشر و أن السردار استحصل من الناس ذهبا كثيرا و أرسل سليمان آغا و جماعة من أعيان البصرة بمن فيهم من مسلمين و يهود و أرمن بمعية ابنه علي نقي خان إلي شيراز فكتب إليّ أخي كتابا يوصيني فيه بحسن المعاملة للأسري. و كنت آنئذ مقيما في شوشتر (تستر) فدعوت سليمان آغا مع بعض أخصائه إلي منزلي فقمت بالواجب و بما يدعو للتسلية. فوجدت سليمان آغا ذا رأي متين و عزم قوي.

ثم توجه بعد بضعة أيام إلي شيراز و لقي من الشاه كل اعزاز و احترام. و بعد وفاة الشاه عاد سليمان آغا ثم نال منصب وزارة بغداد.

و قال صاحب التحفة: إن أخي بعد حادثة البصرة قصد الذهاب إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 74

العتبات

إلا أن افواج القزلباش كانت محيطة بتلك الأنحاء و كان أمر بغداد مجهولا، و أن السردار امتنع من اعطاء الرخصة بالسفر. و كانت الإقامة بالنظر إليه صعبة. لأن أعمال القزلباش و أهل الأهواز كانت غير لائقة و مما لا يطاق تحملها و البقاء عليها. تلك الأعمال المنافية لرأيه و التي تأثر منها. و أعجب من ذلك أن العثمانيين يعزون هذه الحركات إليه و يعدونه منشأها. و من جملة ذلك أن السردار أمر بهدم مرقد الزبير (رض) و هو من العشرة المبشرة. و بقعته تبعد عن البصرة أربعة فراسخ فأسرع بالذهاب إلي السردار حينما علم بالأمر و بيّن له سوء هذه الفعلة و ما ينجم منها من العواقب الوخيمة بالنسبة إلي رعايا ايران و القزلباش و سعي جهده حتي ثني السردار عن عزمه، و في هذه الأثناء توفي كريم خان في شيراز (سنة 1193 ه) و دخل في فكر السردار طلب السلطنة لنفسه فترك البصرة و أسرع في الذهاب إلي شيراز و حينئذ لم ير (السيد نعمة اللّه) صلاحا في بقائه في البصرة، أو ذهابه إلي العتبات إذ إنه أحس بالنفرة التي ولدها عمل السردار و القزلباش بالنسبة إلي الروم فتوجه نحو بوشهر فأقام فيها.

و حكي ابن سند حادثة البصرة:

«سنة 1188 ه: فمن أعظم ما وقع فيها محاصرة الزندي للبصرة زحف إليها بزحوف و كان متسلمها … سليمان أحد من آل إليه أمر بغداد. فإنه صابر مصابرة الضرغام. و الوزير إذ ذاك عمر باشا. و لم يمد متسلم البصرة بمدد. فامتد الحصار … و أكل للسغب الهر و الكلب و استغيث و لا مغيث. فحضر ثامر بن سعدون، و ثويني بن عبد اللّه أول المحاصرة. فلما ضاق الخناق نجوا علي

النواجي إذ ملّا المصابرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 75

و سليمان الضرغام لا يهجع و لا ينام و عمر باشا يستمد من الدولة و لا يمد، و يستصرخ و لا يسمع صارخه فيغيثه أحد. لأن ملك العجم شكا عليه عند السلطان. و لما تحقق صدق الوزير أمده. مع أن الوزير عمر باشا قبل قدوم الامداد. لم يزل يكاتب متسلم البصرة و يعده جيوش النصرة.

و كان مع العساكر ثلاثة وزراء عبد اللّه باشا، و عبدي باشا و مصطفي. فابتسمت من بغداد ثغور المسرات. و أظهروا مع ما سلف عزل عمر. و ولي الوزارة مصطفي. فكتب إلي متسلم البصرة سليمان أن المدد لكم بعيد. فإما أن تصطلح مع العجم، و إما أن تسلم البلدة لهم.

فلما ورد علي سليمان ما أرسله مصطفي و قرأه علي أهل البصرة أيقنوا بالهلاك. فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الأمان للنفوس و الاعراض. فدخل البصرة و لم يبق مآثم و مظالم إلا ارتكب منها المتون و عمل من فنون الظلم ما لا تتصوره من غيره الظنون، و قبض علي سليمان و جماعة من الأعيان. فضاق من أهلها ساحة الصبر.

و هرب العلماء و من عز انخذل و أضحي كل مسجد دارس، و موضع العلم بلا معلم و دارس. و الأكابر ترسف بالأداهم، و الأعناق مطوقة بأطواق المغارم، و بدّل من الانبساط العصي و السياط، كم مخدرة تنادي وا ويلاه، و حرة تقول و اطول ليلاه.

و لامتداد يد بغيهم عليها كتب البليغ الأديب عبد اللّه بن محمد الكردي البيتوشي الخانخلي الآلاني كتابا إلي سليمان بن عبد اللّه بن شاوي الحميري العبيدي. لكونه إذ ذاك صدرا في العراق يستصرخه فيه لنصرة البصرة

و تخليصها قائلا: فكيف تترك- البصرة- تحت اضراس العسف، و توطأ بمناسم الذل و تسام الخسف، أفنسيتم ما لعلمائها من المناقب، و لكرمائها من الأيادي و المواهب … (و ذكر أبياتا في مدح الشاوي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 76

لكن لما وصلت المالكة سليمان و وقعت منه موقع السلسال من الغيمان رام النصرة فلم يكن له بها يدان.

و جاء في مقدمة (طريقة البصائر إلي حديقة السرائر في نظم الكبائر) للبيتوشي أنه قدم البصرة سنة 1189 ه و أنه لبث يسيرا بين أهليها فأقبل عليها صادق خان الزندي بعسكر جرار، و هجم بأمر من أخيه كريم خان والي شيراز … فحاصرها، و مضت عليها السنة في المحاصرة، و لم يأت امداد من بغداد، فكتب هذا الكتاب و هو نظم (تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي المتوفي سنة 974 ه نظمه مع زوائد و هو في هول المحاصرة. ثم عنّ له أن يشرحه و سماه بما ذكره أعلاه.

و سمي النظم (حديقة السرائر في نظم الكبائر)، و أتمّ الشرح سنة 1195 ه في الأحساء. و فيه أن الحصار وقع سنة 1189 ه و بهذه الواقعة أعاد الزنديون إلي الأذهان حوادث الصفويين و نادر شاه.

عزل مصطفي باشا:

كان خروج عبد اللّه الكهية علي مصطفي باشا و معه ثلة كبيرة و في هذه المدة كتب إلي استنبول يلتمس توجيه ولاية بغداد و البصرة إليه، و أن مصطفي باشا عجز عن مقاومته و القضاء عليه و لذا شكا الأمر إلي الدولة، و من الأولي أن لا يقدر علي حرب دولة مناوئة مثل ايران قوية الشكيمة، و حذرت الدولة أن يستولي الكهية علي بغداد قسرا. و صارت تخشي أن يشوش الحالة

أكثر، فعزلته و وجهت إيالة بغداد و البصرة إلي الوزير عبدي باشا آل سرخوش علي باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 77

ولاية عبدي باشا

خرج مصطفي باشا حين ورود فرمان العزل، و ولي عبدي باشا أمور الإدارة و أن مصطفي باشا وقف في ديار بكر. و في ذلك الحين ورد خبر أن البصرة استولي عليها الإيرانيون بسبب اهماله و تراخيه و أن مكاتيب الباليوز في بغداد الواردة إلي استنبول أيدت ذلك كما فهمت التفصيلات أيضا من معروضات مصطفي آغا الميراخور الثاني و كان أرسل بوظيفة رسمية. و الظاهر أنها بعثته للاطلاع علي حقائق الأمور.

فأبلغها أن يد المماليك لا تزال قوية، و أن مصطفي باشا لم يقدر علي التغلب عليهم و إنما غروه في أمر الصلح مع ايران بغرض رفع الجيش و تسليم البصرة. و من ثم قام عبد اللّه الكهية لعلمه أن نوايا الوزير مصروفة إلي تنفيذ رغبة الدولة في القضاء علي المماليك و إعادة سلطة الدولة إليها فأرادت أن تتكتم في الأمر فأصدرت أمرا بإعدامه مبدية غضب السلطان عليه و أعلنت أنه نال العقوبة التي استحقها من جراء الغدر بعمر باشا. فاتخذ ذلك وسيلة لتبديل الوضع الإداري.

كانت عهدت الدولة إلي مصطفي باشا بولاية بغداد في أوائل سنة 1190 ه و بلغت مدة حكومته ثمانية أشهر و علي رواية تسعة. و في هذا الوقت ورد خبر سقوط البصرة، و أن الوزراء الذين عينتهم الدولة بصحبة عمر باشا توجه عليهم اللوم من جراء أنهم لم يخبروا عن تفاقم الخطر.

وزارة عبد اللّه الكهية

و في الوقت نفسه تحقق للدولة أن وزراء الروم لا يستطيعون ضبط العراق و أن يد المماليك قوية فلا تريد أن تزيد في الطين بلة. فأظهرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 78

جامع الاحمية- الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 79

أنه لا تصلح إدارة العراق المضطرب إلا لعبد اللّه

الكهية لا سيما أنه ورد عرض منه إلي استنبول يلتمس فيه توجيه الولاية إليه، و عرّف به سليم أفندي فوجهت إليه بغداد و البصرة كما وجهت كركوك إلي حسن باشا أحد كهيات سليمان باشا و هو و يودة ماردين برتبة وزارة بتاريخ 1191 ه و سبق بيان ما أبداه أحد وزراء الدولة الحاج علي باشا من مطالعة في تقريره المسمي ب (تاريخ جديد). و بذلك زاد شأن المماليك و أمر السلطان بلزوم إخراج الإيرانيين من البصرة.

و لما وردت البشري بإيالة عبد اللّه باشا فتح الطريق لعبدي باشا، فخرج من بغداد. و نظرا لسجلات الحكومة أنه دامت إدارته 17 يوما و علي قول بلغت 40 يوما، أو 45. و علي كل كانت في نهاية سنة 1190 ه.

و من ثم اهتمت الدولة كثيرا بأمر البصرة و كتبت إلي أمراء بغداد و شهرزور تحثهم علي استعادتها و علي دفع غائلة الإيرانيين بموجب الكتب المؤرخة في 11 من شوال سنة 1190 ه و في 17 ذي القعدة سنة 1190 ه و ما بعدها. و كل هذه لم تجد نفعا.

حسن باشا و إيران:

إن حسن باشا تمكن من جلب متصرف كوي و حرير أحمد باشا و متصرف بابان محمد باشا و جعل بصحبتهم نحو ألفي جندي فجهز أحمد باشا جيشه من جهة زهاو متوجها نحو كرمانشاه، و محمد باشا من ناحية قلعة چولان نحو سنة، و أن يقوم بالمساعدة و ما تحتاج إليه الأسفار فسلم لكل منهما أربعين ألف دينار مع مائة كدك، و جعل بصحبة كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 80

منهما ثلة من عسكر الروم و عين بمعية محمد باشا سباهية كركوك فسار هؤلاء علي ايران.

أما أحمد باشا فقد نفر

من حسن باشا من جراء ما رأي من معاملات منه لم ترق له. و لذا لم يبال بما عهد إليه. فأقام في محل يقال له (دز كره) من أعمال زهاو لمحافظة حدود تلك الأنحاء. و لكن محمد باشا توجه نحو سنة (سنندج). فقام بما أودع إليه.

و كان كريم خان أرسل خسرو خان و معه اثنا عشر ألفا من الجند فتوجه إلي ديار الكرد. فوقف في الحدود في (كدوك سطرنجان) و يبعد نحو نصف ساعة عن الحدود. و حينئذ التقي الجمعان و حمي و طيس الحرب فطالت المعركة و اكتسبت شدة فدارت الدائرة علي خسرو خان فأخبر حسن باشا بذلك و بعث إليه برؤوس كثيرين منهم إلي كركوك كما وصلت الأنباء إلي بغداد. و لذا سيّر عبد اللّه باشا كتخداه إسماعيل آغا لمجرد سد باب الاعتراض مع مقدار من الجيش و عهد إليه بمحافظة دشخرو في مندلي.

و لما علم كريم خان بكسرة خسرو خان جهز مرة أخري جيشا قدره اثنا عشر ألفا بقيادة (كلب علي خان) فمشي علي ديار الكرد للوقيعة بمحمد باشا و كان مع هذا الجيش أحمد باشا فأحسّ محمد باشا بعجزه فانسحب إلي كوي و أقام لدي متصرفها تمر باشا فكتب حسن باشا يستمد من عبد اللّه باشا أن يرسل إليه إسماعيل الكهية الذي هو في دشخرو فاعتذر.

و حينئذ لم يجد عسكر ايران من يقاومه أو يقفه عند حده فتوغل و سحق القري و الرعايا و أسر ما لا يحصي إلا أن أحمد باشا لم يطق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 81

الصبر علي هذه الأعمال و أبدي لكلب علي خان خشونة و شدة فعصي عليه و استولي علي جميع الأسري فأرجعهم إلي

أوطانهم.

علمت الدولة ضعفا في عبد اللّه باشا و أن لا فائدة منه في استخلاص البصرة و تجاه توغلات ايران فندمت علي نصبه واليا. ظنت المماليك قوة كبيرة تستطيع صد ايران و غيرها من العشائر القوية فكان الواقع علي خلاف ذلك. و علي هذا لامت سليم أفندي الذي صار سببا في نصبه فأبدي أنه إذا عين فتح البصرة. و هنا لا ننسي أن فكرة القضاء علي المماليك تجددت لما شعرت الدولة بضعف فيهم و ليست البصرة وحدها كل الأمنية. و من جهة أن حسن باشا لم يسكت عن التنديد بالوالي من جراء عدم إرسال المدد إليه فكان يتطلب الولاية لنفسه. و من ثم تولد انشقاق و لذا قوي الأمل مرة أخري في القضاء علي المماليك.

حوادث أخري:

1- في سنة 1191 ه قتل سلطان آل محمد الخزعلي. و مات حمد الحمود الخزعلي أيضا.

سليم أفندي:

تعهد سليم أفندي بحل هذه العقدة. فلما وصل بعث أملا في استرداد البصرة. و لكن لم يلبث أن زال. وجدوه منهمكا بالشرب ميالا إلي الأهواء النفسية. فمن حين وروده اختبره (عجم محمد) خازن عبد اللّه باشا فساقه إلي الملاذ و انهمك في الشرب بحيث نسي أنه أودع إليه أمر آخر و هو القضاء علي المماليك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 82

كان عجم محمد هذا في الأصل من ايران. و في أيام سليمان باشا جاء إلي بغداد و توظف فاشتهر أمره. ثم صحا سليم أفندي من سكرته فوجد البصرة لا تزال بيد الاعداء و أن الدولة تنتظر منه العمل في استخلاصها. و حينئذ شاور بعض رجاله في بغداد لاتخاذ تدبير ناجع فقر الرأي علي ارسال محمد بك الشاوي إلي كريم خان الزندي للمفاوضة.

أما عجم محمد فطمح في نيل الوزارة و دخل في ذهنه حب الرئاسة خصوصا أنه بوظيفة خازن لدي عبد اللّه و بيده مقاليد الحلّ و العقد. و نسي الماضي البعيد. و لذا أكرم سليم أفندي إكراما عظيما فجعله راضيا عنه لحد النهاية فاضطر لمساعدته. حتي أنه أعطاه كيسا من مجوهرات.

أما عبد اللّه باشا فقد كان مصابا بالسل. و لذا لم يستطع مزاولة الشؤون. و كان الوالي الذي يتوفي أو يعزل اعتيد أن يعين كتخداه مكانه. و لم تجر العادة أن يعين الخازن واليا. و علي هذا و بناء علي التماس عجم محمد طلب سليم أفندي من عبد اللّه باشا عزل كتخداه إسماعيل الكهية و نصب عجم محمد مكانه ففعل.

حوادث سنة 1192 ه- 1778 م

وفاة الوزير عبد اللّه باشا:

كانت مدة حكم عبد اللّه باشا في بغداد سنتين. و لم يوفق لأمر مهم.

قال صاحب عنوان الشرف:

«عبد اللّه باشا كتخدا عمر باشا. و لما

قتل عمر باشا ولي بغداد مصطفي باشا الاسبيناقجي، فهرب عبد اللّه باشا باتباعه، و أقام خارج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 83

بغداد سنة 1189 ه إلي أن دخلت سنة 1190 ه فولي الوزارة و دخل بغداد، و أرسل العساكر فملكوا جسّان (جصّان) و بدرة انتزعوها من الإيرانيين و قبض أهل مندلي علي واليهم خالد باشا ابن سليمان باشا آل بابان و قتلوه و حملوا رأسه إلي بغداد. و في سنة 1191 ه عاد عسكر الروم إلي بلادهم. و في سنة 1192 ه توفي عبد اللّه باشا. و هو زوج عائشة خانم بنت أحمد باشا» اه.

و في المطالع ما ملخصه: إن عبد اللّه باشا كان سبب الاختلال في أيامه تقاعده عن نصرة البصرة و أنه ولي أموره (عجم محمد)، و لم يكن من أوصافه ما يحمد، و لا هو من بيوت الرئاسة، و لا من ذوي الإيالة و السياسة … ورد من العجم … و شاربه ما طر … و معه أختاه و أمه، ففاز قدحه … و ذلك لكونهن يرقصن عند اولئك الاكابر، و الذين هم في الحقيقة أراذل و أصاغر،.. (و بعد أن عدد أوصافه قال): و مع هذا تنقلت به الأحوال، حتي نال من المراتب ما نال، فإنه قبل عبد اللّه باشا صار عند عمر باشا دوادارا، ففتح له من الظلم أبوابه، و وشي إليه بوشايات بها إبليس شابه، و هرب أكثر التجار من أجله، منهم من هرب بنفسه، و منهم بأهله فكان أظلم من أفعي … حتي أنه لما قتل الوزير عمر، فرح الناس بخلاصهم من دواداره … و عاد علي عبد اللّه باشا شره، و أغرقه من مكره بحره، لتفويضه

الأمور إليه، و تأخيره بتقديمه صدوره، فإنه صيره خازندار، فطاف عليه بالبوار و دار، حتي أنه لما أرسل السلطان لعبد اللّه باشا خزائن جمّة، ليستعين بها علي فتح البصرة الذي هو من أعظم ما أهمه، دار ذلك الفاجر من خلفها و من بين يديها، احترفها لنفسه و احتوي عليها، و أبان لوزيره أنه صرفها في أموره، و لبلادة ذلك الوزير الذي ما يعرف قبيلا من دبير، صدّق ما أبانه له و تحققه … فإن عبد اللّه باشا أعيي من باقل، و من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 84

الحمق بحيث لا يعرف الصاعد من النازل … و أخلد عبد اللّه باشا من البلادة إلي قعر مهواها … أن السلطان … وجه من العسكر …

لاستخلاص البصرة … ففرقه خازنداره و هو لا يدري … و كتب ذلك الخازندار علي لسانه، إلي الدولة أن لا حاجة إلي العسكر … لكونه مواليا للعجم بباطنه.

و الحاصل أن عجم محمد تمكن من استهواء عبد اللّه باشا، و كذا تسلط علي سليم أفندي بما لا مزيد عليه حتي نال منصب كتخدا ليتوصل إلي الوزارة إذ هي سلمها … و في الحقيقة كان الوزير عجم محمد لا عبد اللّه باشا و لا غيره.

اضطراب الحالة:

و حين وفاة الوالي وقع الاختيار علي سليم أفندي ليكون قائممقاما نظرا إلي أنه من أكابر رجال الدولة، و أنه موظف مرسل من جانبها فاتفق الكل عليه. فكانت الوجهة مصروفة ظاهرا إلي أن يعهد إليه بهذا المنصب فيسد باب الفتنة فيطوي خبر المماليك. إلا أن الكتخدا السابق عجم محمد من جهة، و الكتخدا الأسبق إسماعيل الكهية من الجهة الأخري يطالبان بمنصب الوزارة فكل منهما يدعو لنفسه و يكوّن حزبا.

و

أن بغداد انقسمت إلي شقين. و بترغيب من سليم أفندي و حثه صار أهل الميدان و المهدية و القراغول و محلة محمد الفضل جميعهم، و أكثر العثمانيين و كذا الينگچرية برئاسة محمد آغا مالوا إلي محمد الكهية (عجم محمد) لعلمهم أن سليم أفندي موظف الدولة فتابعوا رغبته و نفروا من إسماعيل الكهية. و أن الذين التزموا جانبه أبدوا أن محمد الكهية ايراني الأصل، و أنه إذا نال غرضه رجع إلي أصله و حينئذ يخشي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 85

يسلم بغداد إلي ايران. لذا نفروا منه و وافقوا إسماعيل الكهية. و هكذا كان قولهم في آغا الينگچرية محمد آغا. بينوا أنه ايراني الأصل و لا يبعد أن يحن إلي قومه. و هذا هو الظاهر و في الحقيقة كانت الدعوة للمماليك و لذا ألصقوا بعجم محمد كل منقصة.

هذه وجهات نظر الأحزاب و الدولة آنئذ في غفلة و يظن أن رأيها لا يختلف عن رأي سليم أفندي المرسل من جانبها. و علي كل دخل عجم محمد القلعة و استولي عليها و تحصن فيها، و كذا إسماعيل الكهية استقر في داره و اتخذ كل منهما متاريس و مهد وسائل النضال فاشعلوا نيران الفتنة و شرعوا في القتال.

أما أهل الكرخ فإنهم لم يميلوا إلي جانب إلا أنهم أخيرا استمد بهم إسماعيل الكهية فظن عجم محمد أنهم مالوا إليه فوجه إليهم المدفع و ضربهم. و هذا ما سهل أن يكونوا في جهة إسماعيل ضرورة. فاشتعلت الفتنة أكثر و زاد لهيبها.

رأي سليم أفندي كل ذلك فصار يفكر في طريقة لحل هذا المشكل و حذر الاخطار التي تنجم و وخامة عاقبتها. لذا كان يري أن عبد اللّه باشا حينما تعرض

له بعض المصاعب يدعو سليمان بك الشاوي فيستعين برأيه و يتخذ له تدبيرا ناجعا يكشف به المعضلة. و في الحال بعث إليه فجاءه و تذاكر معه فأرسل إلي الطرفين و نصحهما فوقف النزاع و سكنت الفتنة.

و الحق أنه مضت بضعة أيام لم يقع فيها بين الفريقين تشوّش.

محمد بك الشاوي:

و بينا هم كذلك إذ ورد محمد بك الشاوي من شيراز. و كذا جاء معه سفير ايران حيدر خان ورد من جانب كريم خان الزندي و يحكي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 86

مجيئه كان للمفاوضة في أمر الصلح بين الحكومتين و أنه يحمل أمرا بخروج الجيش من البصرة إلا أن القضية مقرونة بشروط. و كان معنونا باسم الوالي عبد اللّه باشا و لكن لا يجسر أحد علي فتحه إلا بعد أن يتحقق الوزير. و لو كان هناك أساس للصلح فالآن لا صلاحية لأحد للمداولة فيه، و أن البصرة لا تزال بيد ايران. أرسل محمد بك الشاوي إلي كريم خان الزندي أيام عبد اللّه باشا. و جاء في مطالع السعود:

«اتفق أهل العقد و الحل، دفعا لما نزل من الخطب و حل، أن يطلبوا من كريم خان صلحه … فاختاروا لتسهيل هذا الصعب، و تحليل عقد هذا الخطب، محمد بن عبد اللّه بن شاوي الحميري، إذ هو لدهائه و عقله لهذا الأمر حري، فتوجه علي طرف سلهب، طاويا لكل هوجل و سبسب (و مدحه بأبيات و قال):

فلما فاوض ذلك الزندي. علم بسبره ما يخفي و يبدي، و وجد به الزندي ألمعيا، و خريتا في سباسب الآراء ذكيا، و ضاعف لذلك بره، و رآه في وجه عصره غره، و لكن لما عرض له في أسري البصرة، أبدي الاشمئزاز …

و قال: و لكن لكرامتك لدينا … نعدك بالاطلاق، إذا تم مع السلطان الاتفاق … فخرج بعد ما وادعه … فدخل بغداد و الفتنة مادة أعناقها … » اه.

عود الفتنة:

اشارة

تمكن سليمان الشاوي من تسكين الغائلة لمدة يومين أو ثلاثة.

و لما كان كل واحد من الزعيمين يأمل أن يكون وزيرا فلا تركد ما لم يقض علي واحد منهما. لذا تجدد الخصام و اشتد القتال. و كل احتفظ بمتاريسه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 87

حاول سليم أفندي مرة أخري تسكين هذا الاضطراب و طلب سليمان بك الشاوي أيضا لاستطلاع رأيه في طريقة للخلاص من هذه الورطة. فقر رأيه علي أن هذه الفتنة نشأت من جانب هذين الشخصين إسماعيل الكهية و محمد الكهية فينبغي أن لا يبقوا حتي يعين وال إلي بغداد و يجب أن يذهب الاثنان إلي حسن باشا والي كركوك و يقيما عنده إلي أن ينجلي هذا المبهم. فامتثل إسماعيل الأمر و كان في حدّ ذاته صاحب دين و تقوي و ثبات فتطلب راحة العباد و ترك مطلبه و كف عن دعوته فعبر إلي الكرخ و أن الحاج سليمان بك أركبه فرسا و أرسله إلي كركوك اطفاء لنار الفتنة.

أما محمد الكهية فلم يوافق علي هذا الحل و توقف. و أن أعوانه و حاشيته لم يفترقوا منه. لذا لا يزال متعندا. فلما شاهد الحاج سليمان منه هذا التصلب انكشفت حيلته له و قال مخاطبا الجماعات:

إذا كان الغرض من هذه الجماعة أن يجعل محمد الكهية واليا فهذا من العجم، و أن الدولة لا يسعها أن توجه بغداد إلي العجم.

فأجابه أهل الميدان: (بلسان عربي و في لهجة واحدة).

ليكن عجما. فإن الروم عينوا خمسة وزراء من العجم. و هذا

سادس.

فقال الحاج سليمان:

بل عينوا سبعة و هذا ثامن و مراده الإشارة إلي الآية الكريمة:

وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ.

هذا، و أن كلام الحاج سليمان موجه إلي العوام و هم كالأنعام بل هم أضل فلم يفهموا مغزي كلامه. فإنه حينما رأي تصلبهم و عنادهم حاذر أن يجبروه علي تدوين محضر أو أن يؤخذ منه ختم أو توقيع بذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 88

قسرا لذا عاد إلي الكرخ خوفا من حدوث شي ء من هذا القبيل. و بهذه المرة أشعل هو نار الحرب. فتابعه أهل الكرخ حتي أنهم جعلوا متاريسهم إلي قرب (المولاخانة) أي (جامع الآصفية). فشوّق هؤلاء و هيجهم علي محمد الكهية و ضيق علي خصمه تضييقا مرا.

و أن سليم أفندي كان مقيما في الدنكجية (شارع المأمون) في دار عمر باشا فنقل مكانه إلي دار عبد اللّه باشا قرب الميدان خوف المضايقة و في هذه المدة اشتد الأمر بمحمد الكهية و كاد يظهر الشاوي عليه و تبينت علائم النصر. فاضطر لمكاتبة أحمد باشا آغا (رئيس كتيبة) حسن باشا والي كركوك ثم فارقه لأمر ما. و جاء إلي عبد اللّه باشا بأمل أن يخمده.

فضرب خيامه في أنحاء بعقوبة و كانت بينه و بين محمد الكهية صحبة قديمة. فطلب معاونته فأمده و أرسل إليه مقدارا وافرا من اللوند. نصبوا خيامهم تجاه (الشيخ عمر) فأيدوا أهل الميدان.

و كذا الشاوي ألف بين النجادة و الموصليين في الكرخ فاستخدمهم لتقوية الجهات الضعيفة. جمعهم في خان جغاله (خان جغان) و قام بكافة مصاريفهم فكثرت جماعته فاستعمل كل جانب ما لديه من قوة فطالت الفتنة خمسة أشهر فاختلت الأمور و لم يسلم من ضررها غني و لا فقير فكم من مثر أصبح فقيرا و

كم من فقير صار غنيا و كم و كم … حتي بلغ الضجر غاية لا تطاق. فصاروا يتضرعون بالدعاء و يلجأون إلي اللّه تعالي لتخليصهم من هذا البلاء.

وزارة حسن باشا

كان النزاع علي الوزارة لا يزال قائما و كل من الكهيات طلبها لنفسه و كتب محضرا بالترشيح قدمه إلي دولته. و كذا والي كركوك حسن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 89

باشا رشح نفسه لوزارة بغداد. أما عجم محمد و إسماعيل الكتخدا فقد اخفقا في مسعاهما. فوجهت الوزارة إلي حسن باشا بولاية بغداد و البصرة في أواسط سنة 1192 ه فوصل إليه البشير و جاء الخبر إلي بغداد. و هنأه الشيخ حسين العشاري بقصيدة.

و حينئذ سكن الاضطراب و خرج الأهلون من خطر هذه الفتنة، و خرج اللوند إلي باش آغا ابن خليل و اختفي أرباب الزيغ و من جملتهم آغا الينگچرية و المطرجي. ذهبوا إلي دشخرو فارين و عاشوا في غربة.

لكن محمد الكهية (عجم محمد) لم يترك له المجال لينهزم فبقي و بعض أعوانه في القلعة محاصرا ينتظر الوالي الجديد بكفالة من أهل الميدان علي أن لا يفر إلي جانب آخر قبل أن يراه الوزير الجديد. و في الظاهر أنهم يحرسونه و يراقبون حركاته ليلا و نهارا.

أما الوزير الجديد فإنه مطلع علي أحوال المملكة بصير بها. و كان الواجب أن يأتي بأقرب وقت إلي بغداد و لكن الحروب بين أمراء الكرد و الحالة التي كانت عليها إيالته اقتضت أن يتأخر في كركوك بضعة أيام.

تفصيل حادثة الكرد:

بعد أن اضطر محمد باشا أن يترك (قلعة چولان) و يقيم في لواء كوي مع تمر باشا ضبط أحمد باشا لواء بابان و عاد جيش ايران إلي الوراء إلا أنه في موسم الربيع خرج محمد باشا من لواء كوي و ذهب إلي مكان قريب من لواء بابان مما هو تابع للواء كوي و نصب خيامه.

و لما وجهت إيالة بغداد و البصرة

إلي حسن باشا علم محمد باشا أن عسكر ايران انسحب و وجد في جيش أحمد باشا قلة و ضعفا، و رأي في نفسه قدرة إذ تابعه الكثير. فهاجم أحمد باشا و تقاتل معه لاعتقاده أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 90

حسن باشا يعضده لكن الوزير حاول منعه و اقناعه بكل وسيلة فلم يفلح.

و لذا لم يخالف الوزير رغبته و عيّن أن يكون تمر باشا و جيوشه معه و كذا رتب له ما في كركوك من اللوندات و الطوائف الأخري و كل ما استطاع من جند فعبر محمد باشا النهر الفاصل بين الطرفين بمن معه و مشي علي أحمد باشا.

و لما سمع أحمد باشا بالخبر تقدم هو أيضا بما لديه و كانت تقدر قوته بربع قوة محمد باشا. فتقابلوا في محل قريب من طاشليجة يقال له (جيشانة) فكانت النتيجة أن انتصر أحمد باشا و ألقي القبض علي كل من محمد باشا و تمر باشا (متصرف كوي) و علي كثيرين من الأعيان و المعتبرين فقتل حالا تمر باشا و أرسل محمد باشا مكبلا إلي قلعة سروچك (سروجق) و عرض الأمر علي حسن باشا و طلب العفو عما بدر منه و بسط معاذيره و التمس أن يشمله بانظاره. أما حسن باشا فإنه نظر إلي القضية بعين البصيرة فقبل معذرته و وجه لواء بابان إليه. ثم أضاف إليه لواء كوي و حرير و أرسل إليه الخلعة الفاخرة. فلم تبق غائلة هناك.

الوزير في طريقه إلي بغداد:

و حينئذ توجه إلي بغداد بمن معه إلا أن ابن خليل جمّع علي نهر ديالي قوة كبيرة و كانت له آمال فتأهب للنضال. أما الوزير فقد أمده الحاج سليمان بك بخيالة من العبيد و بنحو أربعمائة من

فرسان النجادة المسلحين بالبنادق و كذا بغيرهم. و علي هذا هبط من غرور ابن خليل و صار يخشي علي حياته فضلا عن المقاومة و الحرب. و حينئذ حفر الخنادق و تحصن هو و جيشه فيها و أرسل وجهاء عسكره للدخالة علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 91

الوزير و طلب الأمان منه. فالوزير نظرا لحلمه عفا عن زلته و نصبه أيضا باش آغا (رئيس كتيبة) و أرسل إليه خلعة فلبسها و تحرك نحو بغداد بعجل و هذا لم يكن حلما من الوزير و إنما أراد أن يقضي علي سلطة محمد الكهية (عجم محمد) و قوته فربح قسما من قضيته باستمالة بعض الأعداء إليه.

و في 17 ربيع الآخر دخل بغداد. و في اليوم التالي رتب الديوان و قري ء فرمانه و قام بشؤون الإدارة فأبدي الرأفة أكثر من اللازم و تجاوز بعفوه عن المفسدين. و لا شك أنه أظهر ذلك حذر أن يرتكب الغلط الذي ارتكبه في لواء بابان فاضطر قسرا لقبول معذرة أحمد باشا. و كذا تسامح في أمر محمد الكهية و أغمض عنه العين. و بهذه الصورة بقي محمد الكهية في القلعة خمسة أيام دون أن يتخذ في حقه أي قرار. لذا دعا محمد الكهية إليه أحمد آغا طيفور و هو كهية البوابين و قال له:

ماذا يبتغي الوزير مني؟ أراه تركني داخل القلعة لا قربني و لا أبعدني و بقيت مهملا فلم يلتفت إلي. و كيف يتسني له إدارة الوزارة دون أن يقربني؟! و قد قمت بأعمال جليلة … !!.

أما أحمد آغا فإنه نقل إلي الوزير كلامه. و في هذه المرة أيضا أغمض العين عنه و لم يبال به. و في خلال هذه المدة كانت

خيالة ابن خليل تأتي إليه كل يوم تنتظره خارج السور. و لما كان له أمل في الوزير لم يشأ أن يذهب إلا أنه لم تظهر نتائج من أقوال أحمد طيفور و بقي في يأس. و في الليلة السادسة نزل من السور فأخذه الخيالة و جاؤوا به إلي جيشهم. و حينما وصل جعلوه رئيسا و اعطوه لقب (باشا) و اتفق ابن خليل معه فعصي علي الوزير. و جمع هؤلاء أناسا كثيرين معهم و شرعوا في ارتكاب المنكرات و أضرموا نيران الفتنة فقطعت الطرق و زالت الراحة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 92

و بينا الوزير يحاول اطفاء فتنتهم و القضاء عليهم إذ انعزل عنهم سبعون بيرقا مع خالد آغا الكيكي و جاؤوا إلي بغداد فاستخدمهم الوالي و جعل خالد آغا (باش آغا) رئيس كتيبة له و كسا الذين جاؤوا معه من البلوگباشية (رئيس رعيل) خلعا تشويقا لهم و ترغيبا للباقين و عين خمسين بيرقا (رعيلا) من بيارقهم في الحلة و سيرهم إليها و أبقي العشرين بيرقا الأخري في بغداد مع رئيس الكتيبة (باش آغا) إلا أنه لم يأمن شر هؤلاء و لذا لم يبعثهم إلي الخارج للتنكيل بالعصاة. فأراد تسكين الاضطراب، أو التنكيل بالعصاة فطلب أن يأتيه أحمد باشا متصرف بابان بعساكره و سير محمد بك الشاوي لجذبه و اقناعه.

و في هذه الأثناء اشتد العصيان فلم يبق مجال لانتظار أحمد باشا.

و لذا بعث كتخداه عثمان الكهية و معه (دلي باشي) أي رئيس أدلاء و ثلة من عسكره كما أن الحاج سليمان الشاوي كتب إلي عشيرة العبيد ليكون خيالتها بمعيته. و لما علم الكتخدا أن خيالة العبيد تحركوا من مكانهم نهض هو أيضا ليلا إلا أن أكثر

أهل الميدان كانوا مع العصاة فأخبروهم أن عثمان الكهية خرج عليهم بشرذمة قليلة. و حينئذ عبر محمد الكهية و ابن خليل بكل ما عندهم فهاجموا عثمان فجأة ليحولوا دون أن يتصل به العبيد لا سيما أن دلي باشي قد خان فانحاز بمن معه إلي جهة الأعداء. و كذا تبعثر الباقون و لم يرجع عثمان الكهية إلا بعد أن أبلي البلاء الحسن مقبلا مدبرا في حين أنه لم يبق معه سوي خمسة عشر أو عشرين فارسا. فورد بغداد و لم تظهر عليه علائم الهزيمة.

إن مجيئه إلي بغداد بهذه الحالة أحدث تشوشا و كانت القلعة إلي ذلك الحين في يد أهل الميدان و تحت حراستهم. و لكن لم يبق عليهم اعتماد فأخرجوا و وضع غيرهم من اللوند مكانهم. و أن عثمان الكهية قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 93

حبط عمله. و نظرا لذلك كتب إلي محمد بك الشاوي في التعجيل بإحضار أحمد باشا. و عند وصوله إلي قلعة چولان بادر أحمد باشا إلي امتثال الأمر إلا أنه كان حبس أخاه محمد باشا في قلعة سروچك ففكر في الأمر. و لذا اقتضي أن يبقي بضعة أيام هناك لاتخاذ تدبير. و أن بعضهم زين له قتل أخيه إلا أنه لم يشأ ذلك و اكتفي بسمل عينيه و أخذ جميع عسكره و نهض من قلعة چولان و أسرع في المجي ء إلي بغداد.

و لما وصل إلي جبل (أزمر) عرض له مرض. و لما جاء إلي قره طاغ تغلب عليه فاضطر إلي التأخر فامتد مرضه نحو ستة أيام أو سبعة فتوفي.

وافي خبر ذلك إلي الوزير فوجهت ألوية بابان و كوي و حرير إلي بقية إخوته و أرشدهم محمود باشا و خلعت

عليه خلعة فاخرة و أرسلت مع منشور بوجه السرعة و كتب إليه أن يعجل بالمجي ء. أما الباشا فإنه بلا توان و حينما وصل إليه الخبر استصحب كافة الجيوش كما أن الوزير اصدر الأمر إلي عثمان الكهية و ما يقدر عليه من الجيش و إلي الحاج سليمان بك مع جميع ما لديه من الخيالة من العبيد أن يتجهزوا بالمدافع و الخمبرة و المهمات الأخري فعبروا من الدجيل إلي الجانب الشرقي ليتصلوا بمحمود باشا فالتقوا به في (أم تل) و لما تلاحقوا تلاقي حرس الوالي مع طليعة تقدر بنحو ألف من خيالة الأعداء في الخالص فسلوا السيوف و أوقعوا فيهم القتل و الضرب حتي أفنوا أكثرهم. و الباقون منهم كسروا شر كسرة و انسحبوا إلي جهة مندلي و من ثم لم تمهلهم الجيوش و إنما عقبتهم و مضت في أثرهم. و في مندلي في محل (سبع رحي) التقي الجيشان و وقع القتال فدمر الأعداء و ولوا الأدبار و أسر منهم أكثر من مائة.

هرب محمد الكهية (عجم محمد)، و أحمد آغا ابن محمد خليل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 94

علي ظهور الخيل طلبا للنجاة و تشتت شمل جموعهم. و في هذه الوقائع أبدت قبيلة العبيد ما لا يوصف من الشجاعة و ناصرها الكرد مناصرة تذكر.

عاقبة سليم أفندي:

جال عليه الدهر بنوبة جولة، و داس عليه بمناسمه فأذهب طوله و حوله، فلما خرج من بغداد و وصل ديار بكر بلغ السلطان ما فعل من الفساد، فأرسل من يأخذ ما عنده، و يوهن بالإسار زنده، و يجعله في قلعة هناك و يبشره بعدم الانفكاك و أمر السلطان مع ذلك بأخذ داره و ما فيها من لجينه و نضاره و أعطيت لشيخ

الإسلام لكونها دارا حسنة لم ير مثلها من الدور في دار السلطنة، و أرسل هو بعد حبسه و إشفاقه علي روحه و نفسه إلي الوزير حسن باشا سائلا شفاعته في درء هذه المحن و إلي أمير حمير ابن شاوي مع ما فعله من المساوي … ثم بعد أيام جاء الخبر بقتل سليم.

حوادث سنة 1193 ه- 1779 م

نجاة البصرة:

اشارة

مر أن صادق خان الزندي استولي علي البصرة و انتهب أموال الاغنياء و أضر بالآخرين و سحقهم، و أنه نصب علي محمد خان حاكما عليها و معه اثنا عشر ألفا من الجنود، ثم ذهب بباقي الجيش إلي شيراز.

أما علي محمد خان فإنه تمكن في البصرة مدة سنة جار في خلالها علي الأهلين و أرهقهم ذلا لدرجة لا تطاق فتذمروا منه كثيرا، و أراد أن يمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 95

نفوذه علي العشائر فكلف ثامرا شيخ المنتفق بالإذعان و الطاعة و أن يرضخ له إلا أن تكاليفه كانت شاقة فلم يمتثلها. و لذا أبقي محمد حسين خان السيستاني في البصرة مع ألفين من جنده لمحافظتها و عزم هو بنفسه للتنكيل بثامر. أخذ باقي الجيوش معه و تقدم إلي المنتفق بنحو عشرة آلاف إلا أن شيخ المنتفق حاول التجنب عن مقاتلته و طلب المصافاة معه بصورة معقولة لأجل أن يبتعد عنه. لكنه اضطره علي الحرب. فلم ير بدّا من منازلته بالرغم من قلة من معه.

و في الأثناء جاء إلي ثامر المدد من أطرافه و تصادموا فكانت القاضية علي جيوش إيران. نزلوا عليهم كأمثال الصواعق فلم يجدوا لأنفسهم مهربا و صار قسم منهم طعما للسيوف و القسم الآخر غرقوا في شط العرب. ألقوا بأنفسهم فيه. و لم تمض مدة حتي انجلت الحرب عن انتصار

العرب. و هلك في هذه الحرب علي محمد خان و أخواه و باد جيشهم سوي 35 خيالا و غنمت العشائر كافة مهماتهم و معداتهم.

و يحكي عن ثامر شيخ المنتفق نفسه أنه قال:

أقسم باللّه أنه حينما صال عليهم جيش العجم ذهلت العشائر و صار كل منها يفكر في نجاة أهله و أطفاله و تفرقوا مختلفين، و لم يبق معنا سوي ثمانين فارسا. و بهؤلاء هاجمناهم و وقفنا في وجوههم و كانت حملتنا عليهم صادقة، و لم تمض برهة من الزمن حتي رأينا القتلي مكدسة علي القتلي. و بعد أن أسفرت الحرب علمنا أن قتل مثل هذا المقدار لا يكاد يستطيعه جمع كجمعنا. فتحيرنا من عملنا، و بهرنا هذا الانتصار المهول. و لا شك أن نصرتنا هذه بتوفيق من اللّه تعالي و إلا فلا يقدر علي القيام بهذا أمثالنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 96

باب جامع الآصفية القديم- متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 97

و في مطالع السعود تفصيل. ذكر وقعة الفضلية و فيها انتصر العرب. و في وقعة أبي حلانة قتلوا القائد و غالب جيشه. و كان مع الإيرانيين عشيرة (الكثير) و شيخهم علوان و (كعب) و غيرهما فتم الانتصار الباهر للمنتفق و أثني علي شجاعتهم، و بين ما ربحوه من غنائم لا تحصي، فكانت من الوقائع الشهيرة و كانت أعظم سبب في خروج دولة إيران من البصرة. و في سنة 1192 ه تمكن حسين خان السيستاني في البصرة بالقوة القليلة التي كانت معه و حينما وصل الخبر إلي كريم خان أرسل أخاه صادق خان بجيش عظيم إلي البصرة. و بقيت بأيدي الإيرانيين نحو ثلاث سنوات إلي سنة 1193 ه، و في هذه السنة توفي كريم خان فانصرف أمل

صادق خان إلي طلب السلطنة، فتركها ذاهبا إلي (شيراز). و من ثم عادت البصرة إلي العراق أيام حسن باشا فعين لها نعمان أفندي متسلما.

سليمان آغا متسلم البصرة السابق:

كان كريم خان حبس سليمان آغا مدة ثم أطلق سراحه و أبقاه تحت المراقبة في شيراز فائتلف مع الإيرانيين حتي أنه بسبب علمه الجم نال رضا (زكي خان) و هو ابن عم كريم خان. و لما أخلي صادق خان البصرة وجّه زكي خان حاكميتها إلي سليمان آغا و أرسل معه مرافقا فوصل إلي الحويزة. و حينئذ عرف أن نعمان أفندي نصب متسلما فتوقف في الحويزة فراسل الأعيان و حينئذ رغبوا في دخوله البصرة إلا أن ثامرا شيخ المنتفق كان مغبرا منه فالتزم جانب نعمان و عارض في سليمان آغا كما أن حسن باشا والي بغداد اعتذره و بقي في محله منتظرا مجاري الحوادث.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 98

و في هذه الأثناء حصلت خصومة بين الخزاعل و المنتفق فمشي ثامر علي الخزاعل فقابلوه فانكسرت عشائر المنتفق و قتل منهم خلق عظيم حتي أن ثامرا قتل في تلك المعركة فخلفه ثويني في المشيخة. و هذا كانت بينه و بين سليمان آغا حقوق قديمة، و لذا أدخله البصرة و أقره في حكومتها فألقي القبض علي نعمان و حبسه و عند ما كان في الحويزة أرسل بواسطة الباليوز عرضا إلي الدولة طلب به البصرة و ذكر خدماته و بعد أن تغلب عليها و مضت بضعة أيام وجهت الدولة إليه البصرة برتبة الوزارة و إثر ورود المنشور طلب من الدولة مرة أخري أن توجه إليه إيالة بغداد ضميمة إلي إيالة البصرة.

محمد الكهية و ابن خليل:

مضي القول في مغلوبية محمد الكهية و ابن خليل حوالي مندلي في محل (سبع رحي) ثم إنهما استقرا في (ديار اللّر) أي (الفيلية) و أستندا إلي إسماعيل خان أميرهم فأقاما عنده. و أن زكي خان لم تطل

حكومته، و إنما قام الإيرانيون عليه و قتلوه.

فاختلت أمور إيران مدة ثم تولي حكومتها علي مراد خان (ابن أخي كريم خان).

و في هذه الأثناء ذهب محمد الكهية و ابن خليل إليه فأعانهما بأتباعه. و في أيام استقلاله أيضا ساعدهما أكثر. أما حسن باشا فقد حدث في زمن حكومته تهاون و ظهر المتنفذون فلم تنقطع الفتن فاستفاد المرقومان من هذه الحالة فتمكنا من جمع جيش كبير فوصلا به إلي أنحاء بعقوبة و ضبطا المقاطعات المجاورة و القري القريبة و أماكن كثيرة.

فأوقدوا نيران الفتنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 99

لم يتمكن حسن باشا من تجهيز قوة لأنه لم يكن معتمدا علي جيشه و لا في وسعه أن يخابر أمراء بابان فيأتي بمحمود باشا و لا يقدر أن يجهز بعض العشائر الموالية لأنّه يخشي أن يقضوا عليهم فيكون الأمر أشد وخامة و أكثر خطرا لا سيما أنهم كسروا قبيلة العبيد في جهة (الشيخ سكران) فجاؤوا بهم إلي قرب الأعظمية. و لم يكتفوا بذلك بل أثروا علي نفس بغداد فتفاقم ضررهم. و قطعوا الطرق، و منعوا سير القوافل، و عاثوا بالأمن فضاق الأمر بالأهلين و نالهم ضنك و شدة و مل الناس من الوزير و كرهوه. و كانوا يتربصون الفرصة للوقيعة به و إثارة الفتنة.

في 3 شوال حدث نزاع بين شخصين قرب الشيخ عمر السهروردي فلما سمع أهل الميدان اتخذوا ذلك وسيلة فأعلنوا أنهم لا يريدون حسن باشا و علت الأصوات بذلك فعمد حسن باشا إلي الروية و التبصر في القضية، و راعي الحيطة فجعل خازنه خالد آغا في القلعة الداخلية. و في اليوم التالي تجمع الأهلون فاتخذوا متاريس و حاولوا أن يهجموا علي السراي. فتحمل الوزير ذلك

إلي المغرب. و لما أدرك الليل خرج من السراي و دخل القلعة الداخلية. و في اليوم التالي خرج من الباب الحديد و ركب زورقا فعبر إلي جانب الكرخ و نزل قرب الحديثة فنصب خيمته.

و بعد أن مكث بضعة أيام ذهب إلي أنحاء ديار بكر. فأصابه مرض لازمه بضعة أيام فمات.

بلغت مدة وزارته 17 شهرا و 28 يوما. و غاية ما يقال فيه إنه اتخذ الوسائل الكثيرة و لم يقصر في تدبير إلا أنه خانته القوة و أعوزه التوفيق.

خاف من الجيش الذي هو تحت سلطته كحذره من عدوه. فهو بين نارين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 100

بغداد بلا وال:

و بعد أن خرج الوزير أجمع الرأي علي أن يكون إسماعيل الكهية (قائممقاما). و عرضوا الأمر علي الدولة في محضر ارسلوه. و كان (باش چوخة دار) في بغداد أرسلته الدولة بوظيفة خاصة. و هذا أرسل چوخة داره إلي استنبول و سلم إليه محضر الأهلين.

أما الدولة فقد وردها عرض من متسلم البصرة سليمان آغا يلتمس فيه توجيه بغداد إليه. و كذا وصل محضر أهل بغداد فوجهت حكومة بغداد إلي سليمان آغا بانضمام إيالة شهرزور فجاء البشير بذلك إلي بغداد في 15 شوال بواسطة الچوخة دار المذكور فولد في الأهلين فرحا و سرورا.

محافظة بغداد:

و أمرت الدولة سليمان باشا آل أمين باشا الجليلي والي الموصل أن يذهب إلي بغداد (محافظا) إلي أن يأتي الوزير فيدبر شؤونها و يقوم بحراستها و في هذه الأثناء وجه منصب (قائممقام بغداد) إلي عبد اللّه بك آل محمد أفندي من قبل وزير البصرة فتولّي المنصب و انفصل إسماعيل الكهية. و بقي متحيرا كثيرا. ثم إنه استصحب جماعة من أعوانه و ذهب لاستقبال الوزير، و تابعه لفيف من العثمانيين. أما سليمان باشا فإنه حينما ورد إليه عين (أبا حمزة مصطفي باشا قبطان شط العرب سابقا) وكيل المتسلم و أخرج نعمان أفندي المتسلم السابق من الحبس و جعله وكيل الكتخدا و رتب أمور الوزارة. ثم تحرك من البصرة و استصحب معه شيخ المنتفق ثوينيا و جاء إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 101

حوادث سنة 1194 ه- 1780 م

وزارة سليمان باشا:

إن الوزير وصل إلي العرجاء. و حينئذ وافي لاستقباله إسماعيل الكهية و من معه من العثمانيين فلطفهم و أكرمهم علي مراتبهم و التفت إليهم كثيرا إلا أنه أثر ذلك أمر بإلقاء القبض علي إسماعيل و معتمديه صاري محمد آغا، و صوفي اسماعيل آغا، و قره يوسف و نحو ستة آخرين فأعدم إسماعيل الكهية و حبس الباقين ثم أرسلهم محفوظين إلي البصرة و نصب سليمان آغا القره ماني متسلما علي البصرة و أكساه خلعتين.

و أخذ معه مهرداره أحمد آغا.

و بعدها وصل إلي كربلاء و حينئذ رخص الشيخ ثوينيا و أعاده مكرما. ثم زار مرقد الإمام الحسين و توجه إلي بغداد فلحق به سليمان الشاوي مع خيالة العبيد قرب الحلة فأكرمه و أعزه غاية الاعزاز لما أبداه من الاخلاص من أول الأمر إلي آخره فوصل إلي (المسعودي) و اتخذه منزلا فاستقبله سليمان باشا

ابن أمين باشا الجليلي محافظ بغداد و القائممقام و العلماء و الأشراف. أما وكيل الكتخدا نعمان أفندي فقد عبر دجلة بلا رخصة من الوزير و ذهب إلي بيته. لذا غضب عليه و عزله من ساعته و حبسه في داره و نصب عبد اللّه بك آل محمد وكيل كتخدا فأقام الوزير يومين رتب خلالها بعض الأمور اللازمة.

و جاء إلي بغداد من استنبول بعض الرجال في أواخر أيام حسن باشا مثل باش چوقدار. و كان الدفتري محمد بسيم أفندي انقضت مدته.

و آغا الينگچرية، و كذا سليمان باشا والي الموصل الذي لم يرق له كلامه. و أذن لهؤلاء كلهم أن يذهبوا إلي مواطنهم، و لكنه لم يشأ أن يدخل بغداد دون أن يقضي بعض الأعمال. و في اليوم الثالث توجه نحو بغداد فعبر هو و بعض حاشيته من ناحية المنطقة بزورق خاص و أما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 102

الجيش فعبر من الجسر بشوكة و مهابة. مر من وسط المدينة إلي باب الأعظمية ثم نصب خيامه في الباب الشرقي (قراكوقپو)، و ضرب الوزير سرادقاته هناك و بات ليلة فيها. و في اليوم التالي عزم علي التنكيل بالثائرين، فنهض نحو ديالي و كذا جاء المدد من محمود باشا متصرف لواء بابان و كوي و حرير نحو خمسمائة فارس تحت قيادة ولده الأكبر عثمان بك فانضم بمن معه إلي الجيش. و حينئذ عبر الجسر إلي الجانب الآخر من ديالي و قرر استئصال أهل البغي. و هؤلاء لم يبالوا بقوة الجيش فرتب كل فريق صفوفه و اشتعلت نيران الحرب بينهما. فتبين النصر في جانب الوزير علي عدوه. و في هذه المعركة قتل أحمد آغا ابن محمد خليل و غيره من

عمدة رجالهم. و فرت البقية الباقية مشتتة. أما محمد الكهية فقد انهزم إلي إيران مع بعض الخيالة ممن كانوا معه و تركوا اثقالهم و سائر أموالهم فصارت غنائم.

و في كل هذه الحرب لم يكن مع الوزير أكثر من أربعة آلاف فارس ضمنهم أهل دائرته و العثمانيون و العشائر التي تلاحقت و فرسان الأكراد في حين أن مناوئيه كانوا يبلغون العشرة آلاف محارب. و بعد هذا الانتصار أكرم الوزير من كان معه علي مراتبهم لما قاموا به من خدمات. و لما أبدوه من شجاعة شاكرا سعيهم و إخلاصهم لا سيما ما رآه من عثمان بك من الشجاعة فأنعم عليه برتبة باشا.

ثم إن الوزير بقي في تلك الأنحاء مدة شهر نظم في خلالها القري و النواحي و نسق مصالحها لما نالها من التخريب و ما أصابها من الدمار و التشوش و وجه أنظاره إلي الإصلاح. و كذا اهتم بأمر العشائر فأخاف بعضها و أنب الأخري و هكذا راعي مقتضيات السياسة و اتخذ الإدارة القويمة في تدبير الأمور فصار الكل منقادين له.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 103

العودة إلي بغداد:

عاد الوزير إلي بغداد في أوائل شهر رمضان بكمال الأبهة و سر به الأهلون رغبة في الراحة. و كانت البشري وردت إليه بتوجيه إيالة بغداد يوم الخميس 15 شوال سنة 1193 ه و خرج من البصرة في أول ربيع الأول و وصل المسعودي في أواخر جمادي الثانية و قضي نحو الشهر في قمع الغوائل.

و كان من أكابر وزراء المماليك و الساعين لتقوية نفوذهم و يسمي (سليمان باشا الكبير) و الحق أنه مقتدر عارف بسياسة المملكة وطد الإدارة، و اكتسب الفخر. أرضي بعض الأهلين و قضي علي كل من أحس

منه بقدرة و ماشي الدولة إلا أن الطاعة لها كانت اسمية.

مدحه الشيخ حسين العشاري بقصيدة مهنئا له بالوزارة، و أثني علي سليمان باشا الجليلي و علي سليمان الشاوي، و هي قصيدة مهمة في حوادث بغداد و الفتن التي اشتعلت فيها و يشاهد عدم الاتصال بين أبياتها.

حوادث سنة 1195 ه- 1781 م

الخزاعل:

إن أمور العراق لم تنتظم من أيام الطاعون فالولاة لم يستقر لهم حكم بسبب الاضطرابات و العشائر لم تذعن، و الداخل في هرج و مرج، فالوزير بعد أن قضي علي أعداء المماليك و انتصر نظم أمور الجيش و الإدارة فلم يترك تدبيرا ناجحا إلا فعله، و لذا تمكن من السيطرة.

أما العشائر فلم يذعنوا لشدة أو عنف. و إنما يفرون من وجه الحيف و القسوة، و يعيثون بالأمن. و طريق الملاطفة تجعلهم في غرور.

فلما جاء الوزير من البصرة و وصل إلي السماوة حضر إليه حمد الحمود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 104

شيخ الخزاعل و قدم له الهدايا. أما الوزير فقد أظهر حسن القبول و اللطف، و منحه مشيخة الخزاعل و أكرمه إكراما لائقا به. أما هو فلم يبال بل خرج من الطاعة و حينئذ عزله الوزير و نصب الشيخ محسنا و عزم علي التنكيل به فنهض من بغداد حتي ورد الحسكة و استقر الجيش في جانب الشامية علي ساحل الفرات تجاه الديوانية مقر ضباط الحكومة، و أن عشائر الخزاعل (الحمد) و (السلمان) اتحدوا و تبعتهم عشائر أخري.

فصاروا تحت قيادة حمد الحمود. و تحصنوا في قلاعهم و يسمونها (سيبايه). و هذه محاطة بالأهوار فلا يتيسر الوصول إليها فظهرت موانع أشكلت أمر التقرب منهم. فوجد الوزير خير تدبير أن يسد الفرات من ناحيتهم. فاشترك جميع الجيش حتي الوزير نفسه حمل التراب

و اشترك مع العمال تشويقا لهم في العمل نقلوا الأحطاب و قاموا بكل المقتضيات. و في مدة شهرين تمكنوا من سده سدا محكما سنة 1196 ه.. و كان يظن أنه لا يتم بأقل من سنة فرأي الخزاعل أن لا مجال لهم و سوف ينقطع عنهم ماء الشرب، و أن الأهوار سوف تنحسر مياهها و يبقون بلا ملجأ. فندم حمد الحمود علي ما بدر منه و أرسل النساء و الأطفال إلي الوالي يرجون العفو عنه فعفا الوزير و أعاد إليه المشيخة مرة أخري. و من ثم قضي الوزير بعض المهام ثم عاد.

و يلاحظ أن الوزير ربما قام بهذا الأمر إرضاء للمنتفق لما رأي من مساعدة فلم ينجح و تساهل.

في سنة 1195 قتل محمد آغا ابن محمد خليل، و جري سد شط الخزاعل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 105

حوادث سنة 1196 ه- 1782 م

بابان:

ساعد محمود باشا الوزير حينما ورد بغداد فأرسل ابنه عثمان باشا و أظهر له الطاعة، و قام ببعض الخدمات الأخري.

و هذه لم ترق للوزير بل اعتبرها أمورا ظاهرية. و حاول أن يتغاضي عما يتطلبه الولاة قبله عند ما يشعرون بقوة. و جل أمله أن يغزوه سنة 1195 ه و لكن رجح وقعة الخزاعل علي قضية بابان.

و بعد أن أتم أمر الخزاعل توجه نحو بابان، و كان قبل هذا أخرج الوزير حسن باشا من بغداد فوجهت الدولة إليه إيالة ديار بكر. و بعد أيام مرض و توفي. أما كتخداه عثمان الكهية فإنه نصب قائممقاما برضي البغداديين. و أن الوزير سليمان باشا في تلك الأثناء وجهت إليه بغداد و لذا لم يرغب أن يكون عثمان الكهية بعيدا عنه فشوقه أن يجي ء إليه فلما جاء وجه إليه مقاطعة مندلي فبقي

فيها مدة. و لكن إيرادها لم يكف لمصروفه فعرض الأمر علي الوزير. و لذا فوض إليه متسلمية كركوك.

فذهب إلي منصبه الجديد إلا أنه رغب في وظيفته الأولي كهية بغداد.

و لما لم ينلها صار ينتظر الفرصة لايقاع الفتنة. و أن محمود باشا كان كارها للوزير و خائفا منه فاستولت عليه الواهمة فاغتنم المتسلم عثمان الكهية الفرصة للمفاوضة مع محمود باشا فصادف أن خابره عثمان باشا خفية في الأمر ففرح. و حينئذ حصل اتفاق و عهد بينهما.

لذا ذهب إلي عثمان باشا في لواء كوي. و كذا قام محمود باشا من (قلعة چولان) و مضي إليهما فاجتمع الثلاثة في لواء كوي فتأهبوا في تجهيز العساكر. فتحقق للوزير أنهم يضمرون آمالا و يدبرون أمرا فرأي وجوب سفره إلي محمود باشا. و لعلهم ارتابوا منه و علموا مقاصده فأبدي أنهم خرجوا عن الطاعة. فعزم الوزير علي القتال و توجه إلي بابان فوصل كركوك و اتخذ ضواحي المدينة مضربا لخيامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 106

أما محمود باشا و عثمان الكهية و عثمان باشا فإنهم جمعوا نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من المشاة و الخيالة و تحركوا من موطنهم، و نصبوا خيامهم في (مضيق بازيان) فحفروا المتاريس في جوانبه. و في هذه الأثناء كان يتحري الوزير عمن يليق أن تعهد إليه إمارة بابان و شرع في ذلك. و لذا قام من كركوك و وجه جيوشه نحو الدربند و لما وصل إلي منزل (خان كيشه) فارق حسن بك جماعته منتهزا الفرصة و التحق بجيش الوزير بمن معه من جيوش و اتباع. و هذا ابن خالد باشا المقتول آل سليمان باشا أكبر إخوة محمود باشا. و في الحال عزل الوالي محمود

باشا و وجه لواء بابان إلي حسن بك برتبة باشا، و ألوية كوي و حرير إلي محمود باشا ابن تمر باشا. و لتفريق سربهم وجه جيوشه نحوهم، فتمكن من افساد ما بينهم.

سمع محمود باشا خبر عزله فاضطرب و أصابه قلق عظيم. و لذا توسل بالصلح و تهالك في أمره و وسط العلماء و المشايخ و بين لهم أنه يقبل بكل شرط ما عدا العزل. و لذا قبل الوزير معاذيره و نزل عند رغبة المصلحين علي أن يبعد عنه عثمان الكهية و يكف يده عن كوي و حرير و يتنازل عنهما و يقدم ثلاثمائة كيس من النقود، و أن يسلك طريق الطاعة، فيقدم أحد أولاده رهنا مع عياله. فأرسل إليه الحاج سليمان بك الشاوي نائبا عنه لتقرير أمر هذا الصلح.

فتفاوض معه فقبل بكل الشروط و أن يترك كوي و حرير و يطرد عثمان الكهية، و يقدم ابنه سليم بك مع أهله ليكونوا رهنا عنده، و يتعهد بإرسال المبلغ دون تأخير.

فلما رأي الوزير أن جميع مطاليبه نفذت قبل التعهد و أبقي لواء بابان في عهدته و أرسل إليه الخلعة و رخص محمود باشا ابن تمر باشا أن يذهب إلي أنحاء كوي ليحكمها. و عاد إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 107

نقض العهد:

إن الوزير حينما رجع من (خان كيشة) ذهب الروع عن أتباع محمود باشا وسولوا له أن يمتنع عن القيام يتعهداته كما أنه جهز جيشا علي محمود باشا ابن تمر باشا بقصد الاستيلاء علي لواء كوي قسرا و حاصروه وسط القلعة و ضيقوا عليه. فلما سمع الوزير أرسل خازنه مصطفي آغا، و كتخدا البوابين خالد آغا مع مقدار من العسكر لإمداد متصرف لواء كوي بوجه

السرعة، فوردوا كركوك و عند ذلك سمع محمود باشا فندم علي ما فعل. و لذا رفع عسكره عن المحاصرة و عرض الأمر علي الوالي فأرسل معتمده و تشبث ببعض الوسائل و استشفع بذوات من أهل المكانة ملتمسا أن تعطي له ألوية كوي و حرير بأنواع التعهدات.

و للمصالحة وجهت إليه مرة أخري علي أن لا تعطي لابنه عثمان باشا و أن يعهد بها إلي إبراهيم بك ابن أحمد باشا و هو ابن أخيه.

و جلب محمود باشا ابن تمر باشا إلي بغداد. وافق محمود باشا أن يعهد بإيالة كوي و حرير إلي إبراهيم بك دون ابنه عثمان باشا.

حوادث سنة 1197 ه- 1783 م

محمود باشا في المرة الأخري:

كانت أعيدت إلي محمود باشا ألوية كوي و حرير علي أن يثابر علي الطاعة و لكنه اختبرت أحواله في خلال السنتين أو الثلاث فتبين أنه لم يقف عند عهد و لم يستقر علي قول فعزم الوزير علي تبديله لكنه لم يجد في أمراء الأكراد من هو مستجمع الأوصاف فصبر مدة للاستطلاع و التلوم.

و في الأثناء رأي إبراهيم بك ابن أحمد باشا فاشترط الوزير أن توجه إليه ألوية كوي و حرير فوافق محمود باشا و في الخفاء أرسل إليه الوزير فاستماله فوجده راغبا في مفارقة محمود باشا و أيضا أن محمود باشا لم يقم بما تعهد به و لم تبد منه استقامة بل ظهر منه بعض ما لا يرضيه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 108

و هذا ما دعا أن يجهز الوزير جيشا جرارا و نهض من بغداد مع أن هذه الأسباب لا تبرر الحرب. و حينئذ وصل إلي كركوك. و كان في أمل محمود باشا و ابنه عثمان باشا أن يتأهبا للقراع فجمعا و وصلا إلي (مضيق بازيان) فاتخذا

متاريس فيه و سدّا المضيق. و علي هذا راسل الوزير إبراهيم بك رأسا و طلب منه أن يحضر ليقوم بمهمته. كما أن الوزير ذهب بنفسه إلي جهة المضيق. و أن إبراهيم بك وصل إليه بجميع إخوته، و حسن خان، و حسن بك آل شير بك و أمراء آخرين ممن لهم مكانة. جاؤوا جميعا بمن معهم فعزل محمود باشا و وجه ألوية بابان، و كوي، و حرير إلي إبراهيم بك برتبة (باشا) و في الحال توجه نحو المضيق.

أما محمود باشا فقد تفرق عنه من كان معه من جيوش و أمراء و التحقوا بإبراهيم باشا، و لذا قوض خيامه و ذهب بمن بقي معه إلي إيران. و بذلك قوي أمر إبراهيم باشا و ذهب بأبهة إلي محل منصبه. و من ثم رجع الوزير بعساكره إلي بغداد ظافرا منصورا.

حوادث سنة 1198 ه- 1783 م

قتلة محمود باشا:

وصل محمود باشا إلي (باين چوب) من مضافات سنة (سنندج) فأرسل ابنه عثمان باشا بهدايا إلي شاه إيران (علي مراد خان) بأصفهان.

ثم ذهب إلي قصبة (باغچة) القريبة من سنة لبث فيها مدة و صار يترقب أخبار ولده. و بوصوله إلي أصفهان التجأ إلي الحكام و شوقهم علي افتتاح (بلاد بابان) و التسلط عليها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 109

أما الشاه فقد رحب به كثيرا و نال حظوة عنده. و وجه بلدة (صاوق بولاق) إلي والده محمود باشا و أرسل إليه (رقيما) فأخذه محمود باشا و قدمه إلي الحاكم هناك و هو بداق خان إلا أن الشاه لم يكن مسلطا علي جميع أنحاء إيران سيما أنه لم يستول علي آذربيجان. و لذا اضطر أن يسلم إلي حاكمها مقاليد الحكم. و هذا اتفق مع أمراء مراغة و سلماس و خوي

فشدوا أزره و أمدوه بنحو عشرة آلاف محارب و عاونوه فعلا ليخالف هذا الأمر.

و في هذه الحالة لم يكن مع محمود باشا سوي خمسمائة فارس، فلم يرغب في الحرب إلا أن ابنه عبد الرحمن بك ألحّ عليه. و لذا فرق جيشه إلي قسمين تعهد هو قسما فكان قائده، و القسم الآخر جعله تحت قيادة ولده عبد الرحمن بك، و حملوا علي الإيرانيين حملة صادقة و لم يبالوا بكثرتهم و أوقعوا فيهم قتلا. فكسر عبد الرحمن بك (بداق خان) و مضي في تعقيبه، و كذا محمود باشا أراد القضاء عليهم فمضي بنحو عشرين خيالا فهاجم الطرف الآخر و حاول تمزيق شملهم أيضا. فجاءته طلقة أردته قتيلا و فر من كانوا معه و أن الإيرانيين في هذه الحالة ألقوا القبض عليه و ذبحوه. و حينئذ حلوا مكانه.

أما عبد الرحمن بك فإنه عاد من تعقب أثر عدوه و حين رجوعه شاهد الإيرانيين ضربوا خيامهم مكانه فخرق جانبا من جوانب العدو و ذهب إلي سقز (ساقز) فاستراح بها و كتب إلي عثمان باشا بما وقع.

و هذا عرض القضية علي الشاه.

و علي هذا جهز الشاه جيشا لأخذ الثأر و جعل عثمان باشا قائدا له و رخصه أن يحارب (بداق خان) فجاء عثمان باشا بعسكر إيران إلي سقز

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 110

فخرج حاكمها عباس قولي خان لاستقبالهم. و كان فكره مصروفا إلي أن يدعوه إليه لكنه أخبر أن تجاوز بداق خان كان بتسويل منه. و لذا ألقي القبض عليه و قتله و أغار علي سقز فانتهبها. و لما اعترض عليه الجيش و أمراء إيران قال لهم: إن عمله كان بأمر من الشاه. و علموا أنه القائد من جانبه

فسكتوا و لم يخالفوه و أخبروا الشاه بذلك سرّا.

ثم إن الباشا ذهب بالعسكر علي (صاوق بولاق) و حاصر بداق خان في القلعة و شرع في التضييق عليه. و في هذه الأثناء وصل الخبر إلي الشاه فندم علي ما فعل و كتب رقيما إلي أمرائه أن ينتهزوا الفرصة فيلقوا القبض عليه و يأتوا به أو يقتلوه. و كان أمره هذا خفية مع رسوله أحد الأمراء المعتبرين. و حينئذ لقيه عبد الرحمن و ألقي القبض عليه و أخذ الكتاب منه ففضه و اطلع علي مضمونه. و لذا أخبر توّا و بلا امهال عثمان باشا بالخبر.

و لما وقف علي جلية الأمر اتخذ من لطائف الحيل ما سهل له الخروج من هذا المأزق الحرج و فارق إيران. و ذلك أن عشائر بلباس جاؤوا لإمداد بداق خان فوصلوا إليه فأخبرهم بحقيقة الأمر. و حينئذ أبدي له البلباس من الحمية ما لا يوصف. رأي الإيرانيون أنهم لا يستطيعون المقاومة. و لذا عادوا. ثم إن عثمان باشا أنقذ أمتعته و أهله من سقز و معه عسكر البلباس فتوجه نحو رواندز فأسكن أهله و حاشيته فيها و ذهب إلي بلباس فأقام هناك. و منها ذهب إلي العمادية، فأقام فيها في (ناوكر). و حينئذ عرض علي الوزير ما جري عليه و علي والده مفصلا و طلب أن يعفو عما بدر منه، فعفا الوزير و أعطاه الرأي و الأمان بواسطة مصطفي آغا السلحدار.

و بوروده إلي العراق حصل للوزير أمان من الغوائل. و توجه عثمان باشا إلي بغداد و نال لطفا و إكراما. طيب الوزير خاطره. و بعد أن بقي بضعة أيام وجه إليه مقاطعات قزلرباط و خانقين و علي آباد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6،

ص: 111

الخزاعل و محسن شيخ الشامية:

إن الشيخ محسن شيخ الشامية عصي بلا موجب و نهب فلما تحقق منه ذلك سار إليه الوزير بنفسه لقمع غائلته. أما الشيخ فقد تحصن في قلعته (السيباية) و اعتمد علي رصانتها و علي أتباعه للنضال. بقي الوزير بضعة أيام يحاول نصحه فلم ينتصح، فاضطر للهجوم عليه من كل صوب فاشتد عليه الأمر. و لما لم يجد في نفسه قدرة علي المقاومة فر بمن معه و تركوا أموالهم و أمتعتهم غنائم و نجوا بأرواحهم فضبطت ديارهم.

هذا، و كل ما يبغيه الوزير أن يحصل علي الغنائم فاتخذ التهاون منه في أداء الرسوم عصيانا. و من ثم أبدي أن حمد الحمود كان موافقا له و أهلا للقيام بالمشيخة فأضاف إليه مشيخة الشامية ضميمة علي مشيخة الجزيرة و نظم تلك النواحي ثم عاد إلي بغداد.

حوادث سنة 1199 ه- 1784 م

الخزاعل و حمد الحمود:

منح حمد الحمود مشيخة الشامية و الجزيرة معا فكان ينتظر منه الوزير أن يقوم بخدمات جلي فلم يفعل فأظهر الوزير أنه عصي و سلك طريق البغي. و لذا جهز جيشا لجبا و ذهب بنفسه للوقيعة به و سلك طريق الشامية، فوصل تجاه الديوانية و نصب جسرا علي شط الفرات و عبر إلي جانب الجزيرة فوصل إلي محل يقال له (لملوم) و كانت الخزاعل محتشدة قريبا منه. فأحاطت بهم الخيول من كل جانب إلا أن الانهار منعت من الزحف عليهم. و لذا حط الجيش رحاله في الجانب الآخر من الگرمات (القرمات و هي الأنهر الفرعية) و لا تزال معروفة بهذا الاسم. فحاول الجيش العبور إليهم فلم يتيسر له نظرا لعمق المياه. فبقوا بضعة أيام لدرس الوضع و ليتمكنوا من مراعاة الوسائل الناجعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 112

و في هذه الأثناء رأي العشائر أنهم

سوف ينالهم ضنك و أدركوا وخامة العواقب. فكسروا الكرمات التي يعلمون أنها مضرة بالجيش فأحدثوا عليه سيلا عظيما و شوشوا الاوضاع فاضطر أن يرفع خيامه لكنهم كانوا يعيثون في جوانب الجيش فيدافع و يصدّ الهجمات فذهب الجيش و توقف في الحسكة.

و لما لم يتمكن الجيش منهم لأن العشائر كانت أدري بشعابها اتخذ معهم طريقة سد الفرات من المحل الأول، فأجهد الوزير العمال. و لم تمض مدة حتي أحكموه أكثر من الأول. و حينئذ عزم علي حربهم و تأهب للوقيعة مع العلم أنها غير مثمرة فشاع أن عجم محمد الكهية دخل العراق و جاء إلي الخزاعل بعد أن تجول في بلاد الكرد و إيران فحذر منه و فكر أن الدوام علي هذه الحرب لا يأتي بفائدة بل ربما ولدت نتائج مزعجة، و حينئذ جاءت دخالة من الشيخ حمد الحمود و طلب العفو فوافق الوزير مراعاة للمصلحة فأبقي المشيخة في عهدته و ألبسه خلعة الإمارة و عاد.

حوادث سنة 1200 ه- 1785 م

سليمان بك الشاوي:

علم الوزير بخدماته فلم يقصر في أمر تكريمه تجاه مساعيه المبرورة و أعماله المرغوب فيها فراعي جانبه أكثر من جميع الوزراء و كان مظهر الاحترام و الرعاية.

و ذلك ما دعا أن يتجاوز حدود الخدمة، و لم يبال بالرسوم المرعية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 113

و إنما كان خشنا فظ الطباع، تتغلب عليه حدة و غضب مما توصل به حساده لإبعاده فبلغوا ما أرادوا.

وزادوا أنه ناله غرور و ظن أنه في استغناء فلم يعرف قدره. و في خلال وزارة الوزير كان يدخل عليه و يتكلم بما يخدش خاطره و كان في وسعه أن يتخذ وسائل تأديبية قاسية فاكتفي بأن صرح له تارة، و لمح أخري أن يكف فلم ينتبه. حتي

أنه و بخه فلم يبال. و من ثم نفر منه و مع هذا لم يبدر منه ما يخالف و إنما استعمل الحلم و الرفق معه.

و من جانب آخر أن الشاوي خاصم أحمد آغا المهردار و ناصبه العداء مع علمه بخدمته للوزير و أنه ربي في أحضانه فكان يحتقره في أكثر الأحيان فيتحمل منه. فاشتدت المناوشات بينهما و توترت العلاقات العدائية. قال صاحب المطالع: إن الشاوي لم يعده في عير و لا نفير.

و يلاحظ أن الوزير جعل كل أموره في يد مهر داره و اتخذه معينا له و كاتم أسراره. و في هذه المرة أراد أن يعينه كتخدا له ففاتح الشاوي بذلك و لما كان أحمد آغا ابن خربنده (مكاري الجيش) و نظرا لحسن صوته و صورته استخدمه الوزير. و لذا قبح الشاوي أن يكون كتخداه.

ذلك ما مكن الخصومة بينهما حتي انقلبت إلي عداء. و لما كان الاثنان ممن يودهم الوزير اجتهد أن يؤلف بينهما و سعي لإزالة ما بينهما فكان تماديه علي هذه الحالة مما كرّه الوزير عليه.

هذا هو السبب الظاهري الذي أريد إشاعته مع العلم أن الأمر بيّت ليلا فاتخذ المخالفة بين أحمد آغا و الشاوي وسيلة للتنكيل بسليمان و أن يكون بعيدا عن بغداد. أراد الوزير أن تكون الإدارة خالصة للمماليك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 114

و وطد الوضع بالقضاء علي نفوذ الينگچرية و العشائر العربية و الإمارات الكردية ربي مماليك آخرين فتمكنوا من الإدارة و التسلط علي الوضع.

و من هذه التدابير إقصاء الشاوي. أراد أن يقضي علي كل عنصر فعال من العناصر الأهلية و هذه كانت سياسته في الخفاء فالوقائع و ما قام به من الأعمال أظهرت مكنون سره فلم يطلع

علي فكرته سوي مهر داره.

ذهب سليمان الشاوي بأتباعه و خرج من بغداد نحو هور عقرقوف فاستقر هناك قليلا و التفت حوله عشائر العبيد و العشائر الأخري و صار يشاع أنه يحشد الجموع لايقاع الاضطراب و أنه سلك طريق البغي فصارت هذه العصبة أم البلاد. و ابن البلاد يعدّ عاصيا و حينئذ عزم الوزير علي دفع غائلته فجلب إبراهيم باشا متصرف ألوية بابان و كوي و حرير بجيوشه و جهز جيوشا عديدة من بغداد و جعل أحمد آغا قائدا لمحاربته، فلما سمع بذلك رحل إلي (وشيل) في شمال تكريت.

نهض الجيش من بغداد بسرعة ليلتحق به إلا أنه انتبه لذلك قبل أن يصلوا إليه فعلم أن لا طاقة له بهم فترك أثقاله و سارع إلي أنحاء الخابور و هذا هو المطلوب فصارت أمواله غنائم و رجعوا إلي بغداد.

إخوة سليمان الشاوي:

لما خرج سليمان من بغداد لم يتابعه إخوته حبيب بك و محمد بك، و عبد العزيز بك. فالكل اختاروا البقاء و أن يكونوا في خدمة الوزير.

و الظاهر أنهم لم يدركوا الغرض و حينئذ خوفهم بعض المغرضين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 115

جامع الآصفية- متحف الآثار ببغداد

و حينما. سمعوا أن سليمان بك ذهب إلي جهة الخابور التحقوا به و اتفقوا معه

نصب أحمد آغا كتخدا:

كان أحمد آغا متحليا بحلية العلم. و له دراية كافية فهو فطن.

جمع السداد و الاستعداد مما دعا الوزير أن يرغب فيه منذ الصغر لما ظهر من آثار مواهبه. يضاف إليها حسن القوام و الهندام. أذعن له الكل. لذا رغب الوزير في تقريبه قبل أن يكون متسلم البصرة فرباه عنده، و كل ما عهد إليه قام به أحسن قيام فتوضحت له أحواله و تبين إخلاصه فأبرز من المقدرة ما لا يدع قولا لقائل. فتمكن من إبداء أكبر المواهب في الخطوب الجسام و ملك الحظ الأوفي لا سيما القدرة التي أبداها في حرب سليمان الشاوي و الانتصار عليه إذ عدها أم المسائل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 116

و أكبر الأعمال فتزايدت الرغبة فيه لذلك كله أنعم عليه بمنصب كتخدا و ألبسه الخلعة.

القحط في بغداد:

و في ربيع الثاني من سنة 1200 ه لم يقع مطر و لا حصل نبت فتولد القحط فبلغت قيمة وزنة الحنطة سبعة قروش أو ثمانية. و وزنة الشعير خمسة أو ستة. لكن الضعفاء لم يتيسر لهم الشراء فنالهم عناء كبير و مات أكثرهم جوعا. و دام سنتين و نصف السنة. و في آخرها صار الطاعون و في هذه الحادثة وزع الوزير علي الأهلين مخازن الأطعمة بأقل من السعر المقرر و لم يبق إلا ما يكفي للحاجة. و مع هذا هاجت الناس و ماجت في كل أنحاء بغداد في الحلة و الحسكة و الأطراف الأخري فحصل ضيق وزاد الخطر. فلا يمضي يوم إلا و الغلاء في ازدياد فصار الناس يأكلون الكلأ و يمتصون الدماء و يتناولون ما هو منهي عنه لما نالهم من السغب و أصابهم من الضعف.

شغب من سغب:

و في هذه المرة هاج لفيف من الناس لما نالهم من سغب فحمل ذلك علي البغي و العدوان، و عدوا هؤلاء القائمين بقية من أولئك المناوئين أيام عبد اللّه باشا و حسن باشا. و الحال أنهم قاموا من جراء الجوع الذي أصابهم و ما نالهم من ضجر، فحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني و أشعلوا الفتنة و هجموا بغتة علي دار الحكومة و قالوا:

إن عباد اللّه ماتوا جوعا، انقذونا بتدبير ناجع عاجل!!

و لما وصلت مقدمة هذا الجمع إلي قرب سراي الكهية خرجت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 117

عليهم ثلة من الخيالة في الحال و بناء علي أمر الوزير صدهم آغا المطرجية فقابلوا الأهلين و حملوا عليهم. و لم تمض طرفة عين إلا و كسروهم و شتتوا شملهم و قتلوا بعضهم و ألقي القبض علي البعض الآخر و

اختفي الباقون و من قبض عليهم صلبوا في الحال ليكونوا عبرة. و كذا قبض علي باقي من كانوا فجلد بعضهم بالعصي ثم أبعدوا إلي جهة البصرة.

وفيات:

1- توفي أمير الحلة عبد الكريم بك يوم الاثنين 18 جمادي الأولي.

و هو من أسرة عبد الجليل بك أمير الحلة.

حوادث سنة 1201 ه- 1786 م

عودة الحاج سليمان الشاوي:

مضي الحاج سليمان بك إلي جهة الخابور في العام الماضي فأمضي أوقاته بضعة أشهر فجمع شمله و التفت حوله العبيد و جاء إلي (سحول) التابع إلي (عانة) فأقام فيه. و علي هذا أصدر الوزير أمره و أرسل قوة بقيادة كتخدا البوابين خالد آغا فوصل إلي الفلوجة و مكث بضعة أيام لترتيب الجسور و العبور إلي صوب الشامية.

أما الشاوي فقد سبر قوته فتحقق أن لا قدرة لها. لذا أرسل ابنه أحمد بك إلي الفلوجة، فالتقي الجمعان فانتصر جيش أحمد بك علي جيش خالد آغا و قتل في هذه المعركة بكر باشا من أهل كوي و كثيرون و ألقي القبض علي أسري لا يحصون و بين هؤلاء قائد السرية خالد آغا، و معه محمود باشا ابن تمر باشا متصرف كوي سابقا فجاؤوا بهم إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 118

الحاج سليمان الشاوي في (أبي قير) و (الاخيضر) من أنحاء كبيسة.

و حينئذ أمر بأن يعاد إلي محمود باشا فرسه و مسلوباته و أرجعه مكرما.

و أما خالد آغا فقد أخره عنده..

هجوم الشاوي علي بغداد:

بعد المعركة في الفلوجة بنحو شهر ورد الحاج سليمان بغتة وقت الظهر إلي شريعة الإمام موسي الكاظم و دخل جانب الكرخ بعد الغروب إثر قتال عنيف فنزل مقام الحلاج. فلما سمع الوزير بادر الدفاع و لكنه أحس بالخطر حتي ضاق خناقه و وهت منه قوي التدبير فعين مشاة لدفع الموما إليه و تبعيده فمشوا عليه من كل صوب فحاصروه و ضيقوا عليه.

و الصحيح أن هؤلاء كانوا من عقيل حفظوا الجانب الغربي و أنقذوا الوزير من خطر هذا الحادث. و رفعوا الحصار عن بغداد فانكسر ابن الشاوي و فارقته جماعته. أما إخوانه فقد نفروا منه و لهم رغبة

في الاستئمان من الوزير فوجدوا مجالا فاضطروا للانفصال فحصلوا ما أرادوا و زيادة أما سليمان بك فقد رأي انفصال إخوته عنه فلم يبق له أمل في البقاء. اشتغل جيشه بالنهب و السلب فناله من عقيل ما ناله و حينئذ تفرقت حاشيته فرجع بمن معه إلي جهة الدجيل فعبروا إلي الشامية و ذهبوا إلي أبي قير، و أبيرة من أراضي شفاثا فنزلوا فيها.

أراد الوزير القضاء علي غائلتهم تماما فأرسل أحمد الكهية للهجوم فعبر من المسيب و توجه نحو أبيرة و هناك وقعت مقاتلة خفيفة و قبل أن يعلم الغالب من المغلوب انفصل الواحد عن الآخر و رجع أحمد الكهية بعسكره إلي بغداد و ذهب الحاج سليمان إلي المنتفق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 119

الحاج سليمان و المنتفق و الخزاعل:

ثم إن الحاج سليمان الشاوي ذهب إلي ثويني شيخ المنتفق فناصره و كتب إلي حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق. و لذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر و تتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته. فتقدموا نحو البصرة و تسلطوا علي مقاطعاتها و أرسل ثويني أخاه للاستيلاء عليها فضبطها و ألقي القبض علي متسلمها إبراهيم أفندي و أخذوا كافة أمواله و وضعوه في سفينة و ساقوه إلي جهة مسقط فأقعد ثويني أخاه في البصرة فتمكن في الحكم.

قال صاحب المطالع في متسلم البصرة إنه «كان قبل استيلاء ثويني عليه، و احتوائه علي ما في يديه، أقام للفسوق، نافق السوق، و تنافس في أيامه بترقيص الأولاد، و القينات في كل محفل و ناد، فما ترك بابا من الفسوق إلا فتحه، و لا زندا إلا أوراه و قدحه، فعاقبه اللّه علي فعله، فأبعده عن مقره و أهله … » اه.

أما الوزير فإنه أراد القضاء

علي آمال هؤلاء فاهتم للأمر و صار يجهز الجيوش و كتب إلي إبراهيم باشا متصرف بابان و كوي و حرير و إلي عبد الفتاح باشا متصرف درنة و باجلان أن يوافوه بجيوشهم و أن يحضروا بأنفسهم للحرب.

عزل و نصب:

إن الموما إليهما امتثلا الأمر إلا أنهما لم يتخذا الأهبة الكاملة من ذخائر و مهمات و لم يفكرا في بعد الشقة. فاتخذ الوزير ذلك سببا فحين ورودهما عزلهما و وجه متصرفية كوي و حرير إلي عثمان باشا ابن محمود باشا، و متصرفية درنة و باجلان إلي عبد القادر باشا عم عبد الفتاح باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 120

و كساهما الخلع. أما عثمان باشا فقد انتظر في بغداد و أذن لأخيه عبد الرحمن بك أن يأتي بالجيوش المطلوبة من ديار الكرد فيكمل جيشه و أكد له في الاستعجال و المجي ء بسرعة.

السفر علي الخزاعل و المنتفق:

إن عبد الرحمن بك حينما وصل إلي ديار الكرد قام بالمهمة. فجاء بالجيش علي أتم عدة و انتظام و وصل إلي بغداد فأضاف جيشه إلي الموجود من عساكر عثمان باشا، و أكثر هم مدرعون و بأيديهم الأتراس و كانوا نحو الألفين من النخبة أما الطوائف الأخري فقد تأهبت أيضا.

و في هذه الأثناء ورد إلي الوزير حمود بن ثامر السعدون و معه نحو مائة من قومه، لذا ذهب الوزير بنفسه و معه قوة كافية العدة و العدد و توجه نحو الخزاعل و المنتفق، و حينما وصلوا حسكة وجدوا الخزاعل متأهبين للنضال و في مقدمتهم رئيسهم حمد الحمود بعشائره، فتقدم الوزير عليهم، فساق الكتائب و ضيق عليهم الحصار في قلاعهم (سيبايه) و أحاط بهم من جميع جوانبهم فلم يطيقوا صبرا و قتل أكثرهم و تشتت شملهم و أن رئيسهم لم ينج إلا بشق الأنفس.

حوادث سنة 1202 ه- 1787 م

حرب المنتفق:

ثم إن الوزير سار في طريقه علي المنتفق حتي وصل إلي (أم العباس) و هناك ضرب خيامه، و أن شيخ المنتفق و الحاج سليمان بك و حمد الحمود شيخ الخزاعل كل هؤلاء حشدوا جيوشا وافرة، فكان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 121

جمعهم يبلغ من الخيالة و المشاة نحو العشرين ألفا. و استعدوا في (نهر عمر) فمكثوا ثلاثة أيام عبأوا الجيوش تعبئة حربية كاملة. و في اليوم الرابع من مقام الوزير في أم العباس أي في غرة المحرم ضحي يوم الأحد ظهر جمعهم في البر كما أنهم سيروا قسما نهرا في شبارتين فأطلقوا المدافع علي الجيش و شرع الوزير في القتال. فكان عثمان باشا علي الميمنة، و إبراهيم باشا علي الميسرة، و كذا نظمت المقدمة و الساقة بالوجه المطلوب، فكان الوزير في القلب

بدائرته و خاصته.

و حينئذ التقي الجمعان في (أم الحنطة). و في هذه الحرب سلّ الوزير سيفه و أبدي من الأقدام و الشجاعة ما لا يوصف كما أنه حضّ الجيش علي الثبات و الصبر. و في هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة و مثلها من الخيالة.

أما جيش الوزير فقد صدّ هجماتهم و أبدي دفاعا خارقا إذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير و لا حكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه، فكان الهول فيها عظيما حتي تبين أن جيش الوزير هو الغالب و قتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر و من المشاة ما لا يحصي و استولت الجيوش علي الغنائم و فر العرب، و حينئذ فرح الوزير و ناله ما لا مزيد عليه من السرور.

انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبد اللّه (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) و التجأ إلي الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عند ما انتصر مشيخة المنتفق كما أنه وجه مشيخة الخزاعل إلي محسن الحمد و كذا وجه متسلمية البصرة إلي مصطفي آغا الكردي (خازنه) و نظم الأمور. و أبقي الباش آغا إسماعيل آغا التكه لي رأس اللاوند مع جملة بيارق خيالة في البصرة.

و كان سفره من بغداد في 12 جمادي الأولي سنة 1201 ه و رجوعه في 8 ربيع الأول سنة 1202 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 122

و يلاحظ أن الوحدة انفصمت عراها بانعزال حمود الثامر، و محسن الحمد فلم تكن الواقعة مما يترتب عليها أمر الحياة و الممات كما و صفها المؤرخون. و إنما سلط الوزير الكرد علي العرب كما أنه استخدم كثيرا من العرب مما ثبّت هذه

الحكومة. و كان بين حياتها و موتها نفس واحد.

حدث غلاء في سنة 1202 و يقال له «خسباك» أو قحط خسباك.

حوادث سنة 1203 ه- 1788 م

العفو عن سليمان الشاوي:

إن حادثة المنتفق فرقت شمل المتحاربين و بقي سليمان بك ضاربا في البوادي و القفار، فلم ير بدّا من طلب العفو، راعي الوزير خدماته القديمة و إخلاصه فعفا عنه و سمح له بالدخول في بغداد. و الصحيح أنه حذر أن يحدث أمرا أكبر من الأول أو مثله في خطره و كانت ضبطت أملاكه، فأعيدت إليه و أن يسكن في غابة (تل أسود) فأقام هناك.

مصطفي الكردي:

وجهت إيالة البصرة إلي مصطفي الكردي إلا أنه كان مغبرا من الوزير فأضمر له في الخفاء الانتقام. فلما وجهت إليه البصرة كاشف عثمان باشا آل بابان بسره و كانت بينهما مودة قديمة. قال له: إذا ربحت الإيالة أساهمك فيها و أخذ عهدا منه. و لما نال منصب البصرة رآها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 123

محققة لنواياه فاغتنم الفرصة كما أنه أطمع رئيس الكتيبة (باش آغا) و الرؤساء الآخرين ممن معه و وعدهم بوعود خلابة و كتب إلي ثويني شيخ المنتفق أن يكون معه و قربه إلي ديار المنتفق و كان حمود الثامر رئيسا جديدا لم يحصل علي رضا العشائر. لذا مال القوم إلي رئيسهم القديم فمنحه المشيخة و عرض علي الوزير أن حمودا لم يقدر أن يقوم بالمشيخة ففوض الرئاسة إلي ثويني.

جاء حمود إلي بغداد. و كانت أعمال هذا المتسلم علي خلاف رغبة الوزير فاضطر أن يغمض العين عنه لذا أبدي الوزير موافقته علي نصب ثويني شيخا و أرسل له الخلعة. و جلب رئيس الكتيبة و بيارق الخيالة إلي بغداد. لعلمه باتفاق المتسلم مع رئيس الكتيبة. و في هذه تغافل عنه و لم يقم بأي عمل تشم منه رائحة الارتياب، فعينه إلي زنگباد مع رعيل الخيالة و لكن مصطفي آغا

لا يزال باقيا علي نواياه، و لذا أرسل إلي عثمان باشا بالخبر و بين له أنه لا يزال باقيا علي عهده. فجددوا العهد بينهما و وثقوه بالأيمان المغلظة و باشر مصطفي آغا في مهمته و صار لا يلتفت إلي أمر، أو نهي و كذا قوّي الأواصر القديمة بينه و بين رئيس الكتيبة إسماعيل التكه لي و راسله مجددا فظهرت النوايا. فعزم الوزير علي تأديبه و القضاء عليه. و رأي أن غائلته لا تقل عن غائلة الشاوي.

و لذا خابر سرّا رئيس قبطانية شط العرب مصطفي آغا آل حجازي أن يغتاله من جهة، و من أخري أرسل محمد بك لاستمالته و نصحه ليوهم أنه مرسل للنصيحة إلا أن محمد بك إثر وروده إلي البصرة أطلعه الآغا علي الأمر المتضمن اغتياله و لذا ركب في الحال و ذهب إلي المناوي و قتل رئيس القبطانية و أبدي العصيان و اتخذ الوسائل لتنفيذ مطلوبه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 124

فلما علم الوزير أن قد هتك الستر أصدر أمره بالسفر عليه بنفسه و جاهره بالعداء. فأمر عثمان باشا أن يجمع الجيوش و يأتيه بها، و إلي هذا الحين لم يطلع الوزير علي المخابرة الدائرة بين عثمان باشا و مصطفي آغا و أنهما بيتا الأمر ليلا دون علم من الوزير إلا أن الحاج سليمان حينما سمع بعزم الوزير علي حرب مصطفي آغا أعلمه بأن هناك خفايا يأمل أن يعفو عنه و الظاهر أنه أراد الانتقام منهم، فأرسل إليه الكهية معتمده سليمان آغا ليستطلع القضية فأخبره بأن بين مصطفي آغا و بين عثمان باشا مراسلة و اتفاقا، فسلم كتابا ورد إليه من عثمان باشا، يتضمن دعوته لما عزم عليه فأرسله مع سلمان

آغا ليقف علي الحالة …

قدمه إليه تأييدا لقوله.

و حينئذ علم الوزير بدخائل الأمور و حاول أن يتوسل بأسباب جلب عثمان باشا. و لذا أرسل إليه عبد اللّه بك أخا أحمد الكهية فحلف له الأيمان و وثقه بالمواعيد فاستصحبه و جاء به إلي بغداد و كان الموسم شتاء فأكرمه الوزير كثيرا و أظهر له اللطف و الإنعام علي أن يأتي بجيشه في الربيع. و علي هذا تأخر بضعة أيام ثم رخصه و لزيادة اطمئنانه أوجد بينه و بين أحمد الكهية صهرية بأن زوج أخته من عبد اللّه بك.

و علي هذا، استصحب جيشه في الربيع و جاء إلي بغداد فولد يأسا في مصطفي آغا و من له ارتباط حينما رأوا مجيئه. و من جملة هؤلاء رئيس الكتيبة استولي عليه الارتياب، و كذا أصاب أمراء السرية رعب ففر بهم و عدتهم نحو 25 أو 30 ذهبوا إلي البصرة. و أما العساكر الباقية فقد كانت علي استعداد، فتحرك الوزير من بغداد في 11 جمادي الأولي و معه جحافل جرارة. أما الشيخ ثويني فإنه هيأ وسائل الدفاع و أعد العدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 125

و لما وصل الوزير بجيشه إلي العرجاء اضطرب ثويني منه و مال إلي الصحاري و القفار كما أن مصطفي آغا تزلزل وضعه و تفرق جمعه فلم يستطع البقاء في البصرة و انهزم إلي الكويت. و علي هذا نظم الوزير تلك الأنحاء و أزال عنها الاضطراب و رتبها و توجه إلي البصرة فدخلها بأبهة و جعل حمود الثامر شيخا علي المنتفق و نصب الأمير عيسي بك المارديني متسلما و استراح بضعة أيام ثم رجع إلي بغداد.

عزل عثمان باشا:

و لما وصل الوزير إلي المسعودي أمر أن يحدر

له الجسر ليعبر جيشه فنصب و مر منه الجيش بأبهة عظيمة فبات تلك الليلة بالباب الشرقي. و في اليوم التالي سلخ رمضان دخلت الجيوش بغداد. و حينئذ استصحب الوزير عثمان باشا. ركب زورقا و عبر و لما كان متألما كثيرا من خيانته عزله في الحال و أمر بحبسه و وجه متصرفية بابان إلي إبراهيم باشا المتصرف السابق لوثوقه منه. و كذا وجه ألوية كوي و حرير إلي محمود باشا ابن تمر باشا.

و لما رأي جيش عثمان باشا ذلك بأعينهم أصابهم اندهاش فانفصل بعضهم من الجيش و البعض الآخر فرح بتعيين إبراهيم باشا و في الحال توجه الفريق الساخط إلي ديار الكرد. و دام هذا السفر من 11 جمادي الأولي إلي سلخ شهر رمضان. فطال أربعة أشهر و عشرين يوما.

وفاة عثمان باشا:

أجريت التحقيقات عليه بعد حبسه و عزله فوصلت بعض الكتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 126

الدالة علي خيانته مما تيسر للوزير الحصول عليها. و هذا ما جعله في ارتباك عظيم فمرض بضعة أيام و نقل إلي دار الحاج محمد سعيد المصرف بجانب سراي الكهية. فعين الوزير طبيبا لمعالجته، و لكن حالته ساءت و تدهورت صحته و لم يبق أمل من حياته علي ما قاله طبيبه فتحول إلي دار والدة الحاج محمد سعيد فبقي فيها يوما أو يومين و توفي، فشيع جثمانه باحتفال. قال صاحب المطالع (و اللّه أعلم بالسرائر). و في هذه الأثناء توفي محمود باشا ابن تمر باشا. أخبر بذلك إبراهيم باشا متصرف بابان فوجهت ألوية كوي و حرير إلي إبراهيم باشا ضميمة إلي لواء بابان.

بناء سور النجف:

في هذه السنة كان بناء سور النجف بأمر الوزير سليمان باشا كما في المجموعة المخطوطة الموجودة عندي. و لا أدري كيف أغفل أمره صاحب الدوحة و سائر مؤرخي المماليك.

حوادث سنة 1204 ه- 1789 م

حوادث بابان:

كان عثمان باشا حينما ذهب مع الوزير جعل أخاه عبد الرحمن بك نائبا عنه. فلما سمع بما جري استصحب أعوانه مع سائر حاشيته و عياله و ذهب من طريق سنة إلي كرمانشاه و أقام في سقز (ساقز) فلما رأي الوزير أن قد خلا الجو له ذهب إلي مندلي للصيد فقضي بضعة أيام.

و في هذه الأثناء وردت معروضات من عبد الرحمن بك يرجو فيها العفو عنه. و من أمد بعيد كانت تتولد المشادة بين إيران و بغداد من جراء أمثال هذا الالتجاء. لذا أصدر الوزير عفوا عنه. فأرسل بعض الوجهاء للذهاب إليه و دعوته. ثم رجع الوزير إلي بغداد. و بعد ذلك جاء عبد الرحمن بك إلي بغداد بأتباعه و أهله فرحب به الوزير كثيرا و بالغ في إكرامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 127

متصرفية بابان:

و بعد مدة قليلة ساعد الوزير في توجيه متصرفية بابان و لصهريته لأخي أحمد الكهية ساعد في توجيه متصرفية بابان إليه و كذا كوي و حرير برتبة باشا إلي عبد الرحمن بك.

و لما ورد خبر العزل إلي إبراهيم باشا لم يبد مخالفة و باشر في الذهاب إلي جهة أخري ثم إن عبد الرحمن باشا وصل إلي محل قريب منه و أرسل أخاه سليم بك أمامه. فلما سمع به عيّن قوة مع أخيه عبد العزيز بك لمجرد المحافظة، و إيصال عائلته إلي مأمنها فاتخذ طريق ذهابه قره طاغ فتلاقي مع سليم بك في (گله زرده) فتقاتلا فجرح عبد العزيز بك بعض الجروح و تغلب عليه سليم بك فألقي القبض عليه و انهزم باقي عسكره.

فلما وصل الأمر إلي هذه الدرجة لم يبق طريق لمرور أهله و أثقاله فاضطر للذهاب إلي إيران من

طريق (سنة) فوصل إلي (برنة) من أعمال كرمانشاه و توقف هناك و أرسل عبد الرحمن باشا عبد العزيز بك مجروحا إلي بغداد فكان ذهاب إبراهيم باشا إلي إيران لضرورة اقتضت لكنها علي خلاف رغبة الوزير. و لذا حينما وصل عبد العزيز بك غضب الوزير عليه و سجنه.

تجديد صندوق الإمام علي:

في شوال جري تجديد شباك ضريح الإمام علي فعمل من الفضة أرسله محمد خان ابن حسن خان القجاري و يسمي أقا محمد خان مؤسس دولة القجارية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 128

حوادث سنة 1205 ه- 1790 م

رجوع إبراهيم باشا:

كان اغتاظ الوزير علي إبراهيم باشا من جراء ذهابه إلي إيران.

و حينما جاء إليه أخوه مقبوضا عليه من عبد الرحمن باشا غضب عليه و سجنه لكنه علم أن ذلك كان لضرورة فأطلق سراحه.

فلما سمع إبراهيم باشا انبعث فيه الأمل فطلب العفو و حينئذ صدر الأمر بالرأي و الأمان و سير إليه الكتاب مع محمد بك الشاوي فالوزير لا يريد إثارة عداء مع إيران و لذا وافق بعد أن انهكت الفتن قواه و كادت تقضي علي وزارته. و علي هذا جاء إبراهيم باشا إلي بغداد فأكرمه الوزير و بقي معززا ينتظر فيه الفرصة. و ليس في أمله أن يدع بابان خالصة لواحد، و أن تتوحد إدارتها بيد أمير من أمرائها. لأنه يري ذلك مما يهدد السلام و يورث فتنة.

و أقام أتباعه قسما في كركوك، و قسما آخر في قزلرباط و قولاي و خانقين و علي آباد (علياوه) و قري بشير و تازه خرماتي. و فوض إليه خاص كركوك.

الشيخ ثويني:

في هذه الأيام شاع أن الوزير اتخذ العفو وسيلة للتقريب و الظاهر أنه أوعز إلي الشيخ ثويني بذلك. أراد أن لا يستقل بإدارة المنتفق أمير فكان يخشي كل قوة و إن كانت منقادة فطلب ثويني العفو فوافق الوزير و بعث إليه بكتاب الأمان فجاء إلي بغداد و نال إكراما و احتراما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 129

سليمان الشاوي و محمد الكهية:

كان الحاج سليمان الشاوي طلب العفو من الوزير فعفا عنه و أعيدت إليه أملاكه. و بقي مدة ساكنا في (تل أسود). و في هذه الأيام و علي حين غرة ورد إليه محمد الكهية (عجم محمد) ملتجئا إليه بعد أن كان في إيران ينتقل من محل إلي آخر، لا يستقر به موطن.

سمع الوزير بذلك فتولدت الشائعات فصارت الحكومة تخشي من وقوع فتنة. و لذا كتب الوزير إلي الشاوي أن يرسله محفوظا إلي جانبه.

فأبدي المعاذير بالنظر إلي أنه دخل بيته فهو في حراسته حسب التقاليد العربية و بين أنه يطلق سراحه و يسيره إلي جهات أخري ليبلغ مأمنه فلم يقبل. و لذا أصدر أمره إلي الكهية أن يسير إليه، و أنه إذا قاومه فليأخذه و لينكل به، أو يطرده من تلك الأنحاء. فخرج الكهية من بغداد فوافق الحاج سليمان أن يذهب إلي جهة أخري مع دخيله (عجم محمد) لعلمهما أن لا طاقة لهما بالمقاومة. فوصل الخبر إلي أحمد الكهية فاقتفي أثرهما و رغم شدة الحر قطع مسافة طويلة فوصل إلي (الرحبة) فتمكن من الوصول إلي أثقالهما في (عين القير) فعلم الشاوي مع محمد كهية فنجوا بأنفسهما بصعوبة و هربا في البيد فاغتنم الكهية جميع أموالهم و عيالهم و خيامهم و ما يملكون إلا أنه بالتماس من محمد الشاوي لم

يتعرض بالأهل و العيال لكنهم استولوا علي ما يتجاوز الأربعين ألفا من الغنم و الأموال الأخري و رجع الكتخدا إلي بغداد.

سليمان باشا و الملية:

إن العشائر الملية من أهل (اسكان) التابعة للرقة و كان رئيسها تيمور باشا (تمر باشا) الملي. و هذا عصي علي الدولة سنين. و انتصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 130

بضع مرات. فتجمعت إليه العشائر الضعيفة و اعتزت به. و بذلك تمكن من جمع أموال كثيرة و حطام زائد فناله غرور كبير. فاستولي علي كثير من الألوية و القري و الضياع المجاورة.

لم يتمكن ولاة ديار بكر و الرقة من القضاء علي غائلته. و لا زال عصيانه يزداد. فعهد بفرمان إلي الوزير للقيام بأمر تأديبه و لم يسبق للدولة أن استخدمت جيش العراق لتسكين الاضطرابات خارجه في غالب أحيانها. فنهض من بغداد و ورد نصيبين و اتخذ (قوچ حصار) مضرب خيامه.

أما تيمور فقد جمع نحو خمسة عشر ألفا و تأهب للقتال. و لما قرع سمعه صيت الوزير و سطوته تزلزلت منه الأقدام. فترك دياره و التجأ إلي الجبال و تشتت جموعه. و لكن الوزير أراد أن يقطع دابر فساده فتوجه نحو الرها فوصل إلي (دبة حمدون) و تبعد عنها نحو 12 ساعة فأراد أن يقضي علي أتباعه أو من كانت له علاقة به فانتشرت الجيوش و نكلت بهم تنكيلا مرا فعادت بغنائم وافرة.

بقي الوزير نحو أربعين يوما أظهر فيها السطوة. فكان الماء قليلا و الهواء رديئا فأحس بحدوث بعض الأمراض في الجيش فسمع باحتشاد بعضهم في أطراف (نظر بيجاق) فنهض في 24 ذي الحجة و توجه نحو أولئك المحتشدين فوصلوا إلي أنحاء (سويركة) و بعد نصف ساعة أرسل لطف اللّه (رئيس الديوان)، فجعل مقدارا من

الجيش تحت قيادته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 131

حوادث سنة 1206 ه- 1791 م

تتمة الوقعة السالفة:

و لما سمع المتمردون في أطراف بوجاق (نظر بيجاق) من أعوان تيمور بمجي ء العساكر و تعقيبهم لهم التجأوا إلي الجبل إلا أن لطف اللّه لم يقصر في اقتفائهم فأحاط بأطرافهم. و في نتيجة الحرب استولي علي حصونهم و قتّل فيهم كثيرا و عاد بغنائم وافرة.

و علي كلّ قضي الوزير علي هذه الغائلة و نظم الأمور و نصب إبراهيم المحمود أخا تيمور باشا رئيسا علي (اسكان) و ألبسه الخلعة و عفا عن العشائر و أدخلها في طاعته. و حينئذ عاد متوجها نحو ماردين فنصب خيامه في (حضرم) و بقي بضعة أيام للاستراحة و في هذه الأثناء ألقي القبض علي (ملكي حسين آغا) و (غورس ملكي حسن آغا) و كانا من أعوان تيمور و المتفقين معه. أزعجوا الناس بعصيانهم، فأرسلوا إلي ماردين فصلبوا فيها.

اليزيدية:

و من ذيول هذه الوقعة أن الوزير غزا اليزيدية و سماهم (عبدة الشيطان). رأي عصيان فرقة موسّان منهم فنزل عليها، و طلب رجالها فلما جاؤوا إليه أمر بقتلهم و أرسلت رؤوسهم المقطوعة إلي استنبول، و تخلص الناس من شرورهم فعد ذلك من مقتضيات المصلحة.

مدرسة السليمانية:

عمّر الوزير هذه المدرسة فكانت كأنها نشوة الظفر و الانتصارات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 132

الباهرة. وقفها في 2 شوال سنة 1206 ه. ذكرتها في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة 1207 ه- 1792 م

سليمان بك الشاوي:

في خلال سنة 1205 ه فر عجم محمد الكهية إلي مصر فمات فيها. أما الحاج سليمان الشاوي فإنه أقام في أنحاء الخابور. فتمكن من جمع حاشية له فأشاع عنه الوزير أنه سلك طريق البغي ليبرر محاربته فلم يهدأ له قرار فأمر أحمد الكهية أن يذهب إليه بعسكر وافر فعلم بالأمر و حينئذ رحل من مكانه، و عقب الكهية أثره حتي وصل إلي كبيسة و لما لم يتيسر الظفر به عاد. فاستغرقت سفرته من 8 صفر إلي 26 منه.

صيد و زيارة:

أراد الوزير أن يبدي سطوته في أنحاء الفلوجة و يرهب عدوه فذهب للصيد هناك. تحرك من بغداد في 2 جمادي الثانية فقضي فيها بضعة أيام للنزهة.

ثم مال عنها إلي كربلاء فزار مرقد الإمام الحسين و عاد إلي بغداد.

حوادث سنة 1208 ه- 1793 م

وقائع الخزاعل:

لم يؤد محسن المحمد شيخ الخزاعل الميري و لا المعينات التي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 133

جامع الحيدرخانة (الداودية) متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 134

عليه. ماطل و اعتذر، فأرسل الوزير عليه أحمد الكهية بقوة كافية فتحرك من بغداد في 11 ربيع الأول و توجه نحو حسكة. فأقام قريبا منها و اتخذ التدابير اللازمة للحصار.

رأي شيخ الخزاعل أن لا طريق للنجاة سوي التسليم فركن للطاعة فأرسل جماعة و طلب العفو و تعهد بما هو مطلوب من الميري. فسامحهم الكتخدا و قبل دخالتهم و استوفي الرسوم عن سنة و أخذ من رئيسهم الرهائن و أبقاه في مشيخته، و عاد في 20 جمادي الثانية.

و كان الإذعان من شيخ الخزاعل مما سهل أن ينفر منه قسما كبيرا من أتباعه و لا سبب لذلك سوي التضييق في تنفيذ مطالب الحكومة بدرجة قاسية. فمال القوم إلي أكبر معارض له الشيخ حمد الحمود فوردت منه معروضات خلاصتها أن أكثر الشيوخ و الأعيان فارقوا الشيخ محسن المحمد و مالوا إليه و أنه متعهد بكافة ما يجب من خدمة و هناك الشاوي لم تتم قضيته فكانت خير مسهل أن يأخذه لجانبه. لذا عزل محسن المحمد و وجه المشيخة إلي حمد الحمود و أرسلت إليه الخلعة مع كتاب المشيخة.

حوادث سنة 1209 ه- 1794 م

سليمان الشاوي و قتله:

ذهب سليمان الشاوي إلي أنحاء الخابور بعد واقعة أحمد الكهية و هناك اغتاله أحد أقاربه محمد بن يوسف الحربي و أولاده. و هؤلاء من البو شاهر من فخذ (الحربي). و رئيس البو شاهر آنئذ علي الحمد. و الآن لم يبق من الحربي إلا القليل فكانت وفاته سبب ذل هذا الفخذ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 135

و سليمان الشاوي أديب، عالم،

فاضل، شاعر. ذو دين و مهذب من كل وجه قال فيه صاحب المطالع: كان مسعر الحرب و هامر الكف.

إلا أن السياسة رمته ظلما و جورا بالعصيان و قطع الطرق و ما شاكل.

و أساسا أن القلم بأيديهم. و لكن وقائعه تؤذن بأنه لا يريد البادية، و لا يرغب فيها. مال إلي السلم مرارا و لكن الحكومة لم تشأ أن يكون معها متنفذ لم يطأطي ء رأسه لظلم. و لم يشأ أن يسلم (دخيله).

و في مطالع السعود و ديوان الأزري و إرشاد المناوي، إلي فضائل آل الشاوي و كتب أخري كثيرة ما يبصر بوضعه.

و الحكومة متغلبة. تنزع إلي قهر كل قوة وطنية بالقضاء علي نفوذ رجالها. قتلت قبل هذه أباه ثم ثنت به و هكذا لم تترك قائما يقوم من إخوته و سائر أفراد أسرته.

تيمور باشا الملي:

مضي الكلام عليه. و في هذه المرة راسل حاكم ماردين (و يودة) صاري محمد آغا و بواسطته تشبث لدي الوزير في عرض الطاعة و الاستيمان.

قبل الوزير التجاءه و لزيادة الاطمئان جلبه إلي بغداد و أبدي له من الرعاية و اللطف ما يليق به و تشفع له من السلطان فنال العفو.

صيد و زيارة:

و في هذه المرة ذهب الوزير للصيد إلي أنحاء الفلوجة في 22 جمادي الأولي فمكث فيها بضعة أيام ثم ذهب إلي كربلاء للزيارة. و منها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 136

قفل راجعا إلي بغداد في 21 جمادي الثانية.

حوادث سنة 1210 ه- 1795 م

الخزاعل:

كان شيخ الخزاعل حمد الحمود أذعن بالطاعة إلا أنه اقتضي أن يرسل الوزير بالجيوش متوالية إلي تلك الأنحاء للارهاب و تأمين الطاعة فسار أحمد الكهية عليهم بعد أن استعد استعدادا كاملا. فورد حسكة في 10 ربيع الثاني. و أقام فيها ما يزيد علي الشهرين و مد سطوته إلي ما جاور تلك الأنحاء و نظم الأحوال كما تقتضيه المصلحة. و استوفي الميري السنوي من الخزاعل، و بذلك قوّي نفوذ الحكومة.

ثم عاد في 15 رجب.

صيد و زيارة- عشيرة بني عز:

عند حلول موسم الربيع لم تكن للوزير مشغلة، فاكتفي بالكهية.

ليروح نفسه بالصيد و النزهة علي المناظر الربيعية. و في 1 شوال خرج من بغداد متوجها نحو سامراء للزيارة و منها مضي إلي عشيرة بني عز.

قضي بضعة أيام في الصيد حتي وصل إلي ناحية افتخار من أعمال كركوك ثم عاد إلي بغداد فدخلها في 22 منه. و هذه العشيرة من عبادة.

و التفصيل عنها في كتاب عشائر العراق.

قتلة الكهية:

كان منح الوزير منصب كهية بغداد إلي أحمد آغا، و مضت وقائعه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 137

و أعماله. فالوزير وجد فيه كفاءة لتمكين سيطرة المماليك إلا أنهم كانوا يرون له معايب تعد سبب قتله. منها أنه لم ينشأ في نعيم و إنما كان من طبقة الدون و أنه كان يستخف بأصحاب المكانة و إذا رأي مواهب من أحد عاداه و لذا صار يقدم الجهال ليبقي محافظا علي مكانته، و لو شاهد أن الوزير لحظ أحدا أو جلب رضاه صار عدوه الأكبر و خصمه الألد و سعي أن يوقع به أما بنسبة خيانة إليه أو اتهام بقضية قاصمة الظهر أو داعية للنفرة منه فيكون سبب إبعاده أو القضاء عليه … و بعض أعماله تدل علي حسن التدبير و الاقتصاد في النفقات. فتسامح الوزير في أمره و أغمض عينيه.

و بين صاحب الدوحة أنه حينما أراد الوزير تزويج بنته من علي آغا خازنه لم يتمكن من عذله فأضمر له العداء، فقام بترتيب اغتيال الوزير مع أنه أكبر منعم عليه فكان ذلك سبب قتله من خازنه علي آغا في 2 صفر بأمر الوزير و في عنوان المجد أن ذلك كان في شهر رمضان فحاز الوزير جميع خزائنه و أمواله مما لا

يحصيه العد.

و في مرآة الزوراء قص حادث سليمان بك الشاوي و أنه لم يرض أن يكون تحت إمرة المهر دار أحمد آغا نظرا لخساسة نسبه و أصله.

و من الأولي أن لا يقدم أمثاله علي أهل الكمال و المعرفة من عريقي النجار …

و كان أحمد آغا منح منصب كتخدا ثم جعل ميرميران فأحرز رتبة (باشا) لا سيما بعد وفاة سليمان الشاوي. إلا أن القدر كان يضمر له الوقيعة. و ذلك أنه بعد أن تعين كتخدا اشتغل في إدارة الأمور و استولي عليها جميعها فترك نومه و راحته و أبدي لوزيره التفادي، و اختار العناء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 138

العظيم. و هذه كانت السبب الوحيد في موفقيته، و كان الوزير راضيا عن أعماله في كل الأحوال، و نال مكانة في قلبه. أما المماليك ممن تقدم في الخدمة فإن الكتخدا لم يقصر في تنكيل من يري منه خروجا عن طريقه. فكان يظن أن الجو صفا له و لم يبق من مزاحم. و في هذا الآوان استشار الوزير كتخداه في تزويج ابنته الأولي خديجة خانم إلي أحد عتقائه خازنه علي آغا فأبدي له من المحاذير السياسية ما يمنع أن يتزوج بها فنالت تلقيناته تصديقا و تسليما.

علم بذلك الخازن و أحس بنوايا الكتخدا نحوه فعرّف رفقاءه بالأمر. و حينئذ و للعصبية اتفقوا علي قتل الكتخدا. و لما كان يخشي سوء نية الوزير اتفقوا أن يرفعوه من هذا المنصب فتعاهدوا علي ذلك.

و بعد هذا الاتفاق خرج الكتخدا في بعض الأيام من عند الوزير وحده حسب المعتاد و عند وصوله إلي رأس السلم قاصدا دائرته فاجأه رئيس البندقيين (تفكجي باشي) و هو عبد اللّه آغا و الخازن علي آغا. سلا

سيوفهما عليه. فلم يبد الكتخدا أي ارتباك. و يحكي أنه أظهر لهما اللائمة، و بعضهما ينقل أنه رفع صوته و دعا الوزير لما ارتكباه و لكنه عاجلته المنية. و لما علم الوزير بما جري حاول أن يسرع إلي محل الوقعة إلا أن بعض المخلصين له بيّن له بأن قضي الأمر و ليس من المصلحة بقاؤك في المقام فأخذه من إبطه إلي الدائرة الداخلية.

فالوزير حينما تحقق أن كتخداه قتل غيلة ثارت حميته فدعا الينگچرية و صنوف العساكر و الضباط و العلماء و وجوه المملكة، و أراد أن ينتقم من الخازن و متفقيه و لكن المماليك اتفقوا علي المعصية و ركبوا الشر. و أن تفريق جموعهم يستدعي وقوع محذورين أحدهما أن الأمن و الراحة تأسسا بهمة هؤلاء. و محوهم يستلزم زوال الأمن، و ثانيهما أن وكلاء الدولة إذا سمعوا بالواقعة حملوها علي تشوش الإدارة و انتهزوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 139

الفرصة فلا يترددون من توجيه الوزارة إلي من لم يكن من المماليك.

و من جهة أخري أنه لو تعرض الوزير لهذا الأمر عادت الاضطرابات في العشائر العربية و الكردية فالمصلحة تقتضي أن يعلن بأنه وقع هذا الأمر بتدبير منه، و أن ينصب الخازن كتخدا إزالة لخوفه و أن يرشح لخطبة ابنته خديجة خانم. و بذلك تحصل له الطمأنينة.

أبدي ذلك محمد بك الشاوي فاستحسنه الحضار. و في الحال نفذ الوزير هذه التدابير، فأخمدت نيران الفتنة. و ما جاء في الدوحة من أن إعدام الكتخدا كان بأمر من الوزير إنما كتبه كما وقع و أن الأستاذ سليمان فائق نقل ذلك عن والده و عمن يثق بهم.

و من مجري الحوادث و من تصريحات الأستاذ سليمان فائق بك أن الوزير

أراد أن يجعل الإدارة خالصة (للمماليك) فتمكن لولا أن الخازن أحبط أعماله.

قال صاحب مرآة الزوراء: إن الخازن لم يجسر أن يصل إلي الوزير بعد فعلته ما لم يرسل إليه مصحفا شريفا مختوما يختمه مع أمر بمنصب كتخدا للدلالة علي العفو عنه.

و لما لقيه أول مرة عاتبه قائلا:

إني وضعت في بغداد منهاجا قويما فلم تدع بنائي علي حاله بل سعيت لامحائه و ستنال بنفسك مكافأة عملك. قال ذلك بتأسف و تألم.

و دفن الكتخدا في مقبرة الشيخ شهاب الدين السهروردي و كلما جاء الوزير إلي زيارة الإمام تقدم لزيارة الكتخدا و قال:

اللهمّ عاقب ببلائك من غدر بأحمد.!!

و كانت تغرورق عيناه بالدموع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 140

و الحاصل أن علي آغا نصب كتخدا و تزوج بخديجة خانم و نال رتبة (باشا) و لكن لم يكن له من المقدرة ما يؤهله للقيام بأعباء هذا الأمر. فكان السبب في أن يقوم بها الوزير بنفسه أيام شيخوخته. فأتعب الوزير كما أنه فتح طريقا سيئة للمماليك فصاروا إلي حين انقراضهم لا يأمن الواحد منهم جانب الآخر.

و لما كان الكتخدا المقتول حرص علي إدارة الأمور و اختص بفائدتها، و جماعته يشاهدون. فإنه ذلك كان من أكبر أسباب نكبته و تلخص في كثرة أطماعه. و بعد قتلته ظهرت أمواله بالوجه الذي شاع عنه فاستغل الخطة التي اختطها الوزير.

حوادث سنة 1211 ه- 1796 م

مشيخة ثويني علي المنتفق:

كان الشيخ ثويني في بغداد منزويا و كان لطف الوزير يشمله و لكنه لحقته حسرة علي وطنه. فظهر انعام الوزير عليه. و لذا عزل الشيخ حمودا و وجه مشيخة المنتفق إليه و كساه الخلعة و عين بصحبته رئيس آغوات اللاوند و جملة بيارق من الخيالة و أذن له بالذهاب إلي محله.

و في مدة إقامته في بغداد يأمل أن يوليه الوزير مشيخة المنتفق للزحف علي نجد … فحصل علي مطلوبه و جهز بجيش جرار فاستقر في المنتفق و ذهب توا إلي البصرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 141

رتبة ميرميران لعلي الكهية:

نال الكهية منصب كتخدا و صاهر الوزير كما سبق. ثم التمس أن توجه إليه رتبة ميرميران فعرض الأمر علي الدولة فأجابت ملتمسه فوجهت إليه الرتبة و وصل الفرمان في 11 جمادي الثانية. و من ثم صار يلقب ب (باشا).

عشيرة البرشاوية:

إن البرشاوية من عفك وردوا إلي أطراف شط الكار في (أبو حمّار) و صاروا يغيرون علي الأطراف و يعيثون في الأمن. فأرسل الوزير كتخداه للوقيعة بهم فأغار عليهم و لم يبال بالسموم و الحر فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألف رأس من الغنم و ألفي رأس من البقر و أدبهم.

و كانت هذه أول غارة له ثم عاد. و في هذه الغارة قتل عبد الفتاح آغا من آل النقشلي الكركوكي.

جامع الأحمدية: (جامع الميدان)

هذا الجامع ينسب إلي أحمد باشا الكتخدا السابق. عمره فلم يتمه. و أن أخاه عبد اللّه بك أتمه و وقف له وقوفا كثيرة من تركته.

حوادث 1212 ه- 1797 م

الخزاعل و حمد الحمود:

إن حمد الحمود شيخ الخزاعل ما زال ينتهز الفرص لمناوأة الحكومة. فجهز الوزير عليه كتخداه بعساكر عظيمة. و في 26 ربيع الأول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 142

خرج من بغداد، فورد الديوانية فرآه متحصنا بالأهوار في (عادلات) محاصرا في سيباية بجموعه و لم يبال الكتخدا و عبر إليه و ضيق عليه من جوانبه و لكنه راعي الحيلة للنجاة فأرسل النساء و الشيوخ للدخالة و طلب العفو و لكن الكتخدا لم يلتفت و أمر بمهاجمتهم من جميع الأطراف فاضطربوا و تفرق شمل جموعهم، فانهزم الشيخ حمد الحمود مجروحا و لم ينج إلا بشق الأنفس فضبطت ديارهم و عاد منصورا.

و حينئذ دعا الكتخدا شيخ الشامية محسن الغانم و شيخ الجزيرة سبتي المحسن فاحضرهما إليه و طلب من كل منهما أن يؤدي من الشلب ألف تغار عدا النقود المطلوبة فتعهد بذلك. و جعل (سبتي المحسن) شيخا علي الخزاعل في الجزيرة، و نصب محسن الغانم شيخا علي خزاعل الشامية و اكساهما الخلع و استوفي منهما الغلال و النقود و الميري ثم قفل راجعا إلي بغداد في 26 جمادي الثانية.

هذا و إن صاحب الدوحة كان مع الكتخدا فنظم قصيدة تركية مدح بها الوزير فنالت الجائزة. و الملحوظ أن محسن المحمد شيخ الخزاعل توفي في هذه السنة.

البابان- عزل و نصب:

إن إبراهيم باشا امتدت عزلته. فأراد الوزير أن ينعم عليه فأمر بنصبه متصرفا علي بابان فطلب عبد الرحمن باشا أولا لبغداد. و كان منحرف المزاج جي ء به في تخته روان. و بعد أن وصل و استراح شفي من مرضه فعزله من لواء بابان إلا أنه أبقي في عهدته كوي و حرير.

و وجه لواء بابان وحده إلي إبراهيم باشا فذهب إلي السليمانية.

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 6، ص: 143

الجوازر- السعيد و ربيعة:

إن عشيرة السعيد (من زبيد) كانت مقيمة في أنحاء (صلنية). و هناك عاثت بالأمن و كذا شيوخ ربيعة وجب عزلهم و تبديلهم بغيرهم فانتدب الوزير كتخداه علي باشا ليقوم بهذه المهمة. فنهض من بغداد في 8 ذي الحجة فأدب العصاة من السعيد و أبعدهم و انتهب منهم مواشي عظيمة.

ثم توجه نحو الجوازر ديار ربيعة فنظم أمورها و أنهي الغوائل و حصل منهم علي ستين ألف رأس من الغنم و علي مقدار كبير من الجاموس. و بهذا أكمل مهمته من النهب و السلب و عاد إلي بغداد فدخلها في 13 صفر سنة 1213 ه.

حوادث سنة 1213 ه- 1798 م

الأحساء- الوهابيون:

كانت الأحساء في تصرف أمراء بني خالد إلا أن الأمير عبد العزيز ابن محمد السعود حاربها مرارا. فكانت تذعن مرة و تنتفض أخري.

و كان آخر أمرائها من بني خالد و هو براك بن عبد المحسن يقوم بإدارتها نيابة عن الأمير عبد العزيز.

وردت الأخبار إلي بغداد بأن الأمير عبد العزيز أرسل ابنه سعودا سنة 1211 ه علي الأحساء فاستولي عليها عنوة و ضبط جميع مضافاتها إلي ساحل البحر حتي وصل إلي القطيف و العقير (العجير) و اكتسح كافة القري و النواحي هناك. و قتل في الأحساء نحو مائتين من علمائها، أذيع ذلك للتشنيع عليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 144

أثر هذه الوقعة:

و في هذا التاريخ وصل الخبر إلي ثويني و هو في البصرة فأراد أن يذهب إلي محله إلا أنه أوعز إليه بالذهاب لاستخلاص الإحساء و كانت الدولة حرضت الوزير مرارا فلم تدخر وسعا في التدابير. و مما بعث الأمل ركون قبيلة بني خالد إلي العراق و رئيسها براك بن عبد المحسن الذي انتزعت منه الأحساء و معه محمد بن عريعر. و لم يتخلف من هذه القبيلة سوي فرع (المهاشير).

اتخذ الوزير الوسائل لتقويته و أمر أن يلتحق به البندقيون من موظفي البصرة و هم (البلوج) و خمس قطع من المدافع و أحمد آغا الحجازي من آغوات الخارج … و جمع هو عشائر المنتفق و الزبير و البصرة و نواحيها و عشائر الظفير و بني خالد. فأخذ العدد و توجه نحو الأحساء. قال في المطالع و كان ذلك عام 1211 ه و نزل (الجهرا) الماء المعروف قرب الكويت. فأقام نحو ثلاثة أشهر و هو يجمع العشائر و العساكر و المدافع و جميع آلات الحرب من البارود و

الرصاص و الطعام مما يفوق الحصر. و أركب قسما من عساكره في السفن من البصرة و معهم الميرة تباريه في البحر، و قصدوا القطيف. و كانت له قوة هائلة.

فلما بلغ ذلك الأمير عبد العزيز أمر الأنحاء التي يحكم عليها من أهل الخرج و الفرع و وادي الدواسر و الافلاج و الوشم و سدير و القصيم و جبل شمر فاجتمعوا و استعمل عليهم محمد بن معيقل أميرا فساروا و نزلوا (قرية الطف) الماء المعروف من ديار بني خالد، و أمر عبد العزيز بما لديه من العشائر من مطير و سبيع و العجمان و السهول و غيرهم أن يقصدوا ديار بني خالد و يتفرقوا في أموالهم و ينزلوا و يثبتوا في وجوه هؤلاء الجنود. فحشدوا و اجتمعوا فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 145

ثم حشد سعود بأهل العارض و استلحق غزوا من البلدان و نزل (التنهات) الروضة المعروفة عند الدهناء. أقام فيها ثم رحل و نزل (الحفر) الماء المعروف بحفر العتك فأقام أكثر من شهرين.

و أما ثويني فاجتمع عليه جنوده و بواديه كلها (بالجهرا). ثم رحل منها و قصد ناحية الأحساء فلما علمت عشائر ابن سعود برحيله ظعنوا عن قرية ثم ظعنوا عن الطف و انحاز إلي أم ربيعة لوجود المياه المعروفة في تلك الناحية و اشتد عليهم الأمر و ساءت الظنون و نزل ثويني بالطف.

و كان سعود أرسل جيشا من الحصر مع حسن بن مشاري بن سعود و استعمله علي من كان مع ابن معيقل و صاروا ردءا للعشائر تثبيتا لها.

ثم إن ثويني رحل من الطف و نزل علي الشباك الماء المعروف في ديرة بني خالد فلما قصد ثويني ذلك الماء كثر الخلل في عشائر

الأمير ابن سعود.

و في هذه الأثناء حدث الرعب في قوم ابن سعود و حصل اليأس إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان فإن عبدا اسمه (طعيس) من عبيد (جبور بني خالد) قتل الشيخ ثوينيا ضربه بحربة كان فيها حتفه و قتل العبد من ساعته و حمل ثويني إلي الخيمة.

و كان بين براك و بين حسن بن مشاري مراسلة لأنه ندم علي السير مع ثويني لأنه رأي وجهه و إقباله لأولاد عريعر. فعرف أنه إن استولي علي الأحساء لم يؤثر عليهم أحدا. فلما قتل ثويني انهزم براك إلي حسن ابن مشاري و كذا من معه من عسكر ابن سعود فوقع التخاذل و الفشل في جنود ثويني و ألقي الرعب في قلوبهم فارتحلوا منهزمين فتبعهم قوم ابن سعود و عشائره و قتلوا منهم كثيرا و غنموا غنائم عظيمة و استمروا في سوقهم إلي قرب الكويت يقتلون و يغنمون و حازوا منهم أموالا عظيمة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 146

الإبل و الغنم و الزاد و المتاع و غير ذلك. و أخذوا جميع المدافع و القنابر و وضعت في الدرعية و تفرقت تلك الجموع البرية و البحرية. كان قتل ثويني في 4 المحرم سنة 1212 ه و سميت هذه الوقعة سحبة.

و دفن ثويني في جزيرة العمائر.

و في الدوحة أن الضارب حينما ضرب نادي (اللّه أكبر!). ضرب ثوينيا بصدره حتي خرج السنان من ظهره … و قال: اضطربت الآراء في القاتل فلم يقطع بعضهم في أنه عربي و آخرون أبدوا أن براكا و محمدا العريعر طمعا في الانفراد بالأحساء و لما شاهد براك أن ثوينيا تقرب منها و أحس أن النية مصروفة إلي أن الأحساء سوف تعطي

إلي محمد العريعر يئس من نيل مرغوبه فكان القاتل من عربه و أن الغدر كان بترتيب منه.

إن حدوث هذه الوقعة أدي إلي رجعة الجيوش و العدول عن السفر إلي الأحساء فصارت سبب الخذلان. و لما عادوا نحو مرحلتين شاهدوا براكا يقود عساكر عظيمة من جيوش الوهابية …

و لذا ترك إخوة ثويني و أعيان المنتفق المدافع و عسكر البلوج و اكتفوا بحماية أهليهم و عيالهم و رجعوا، و أن عساكر الوهابية قتلوا عسكر البلوج و غنموا المدافع و أخذوها إلي الدرعية.

و ثويني هذا هو ابن عبد اللّه بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي، العلوي، الشيبي. تولي مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده و كان أحد أجواد العرب و من وقائعه المشهورة (يوم دبّي) مع قبيلة كعب و كانوا غزوا أخاه صقرا فأبلي في هذه الوقعة البلاء الحسن و انتصر عليهم. و من أيامه اليوم المسمي (بضجعة) المعروفة بلفظ (جضعة) و هذه مع بني خالد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 147

حينما استنصره عبد المحسن بن سرداح علي شيخ بني خالد سعدون بن عريعر و من وقائعه (يوم التنومة) بنجد حاصرها. و كان قاصدا حرب ابن سعود و لكنه بدا له أن يرجع فعاد. و حاصر البصرة فكان ما كان.

فورد خبر هذه الوقعة في سنة 1213 ه.

مشيخة المنتفق:

و حينئذ وجهت مشيخة المنتفق إلي حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الشبيبي ابن أخي ثويني لأمه و ابن عم له. و هو مشهور بالأناة لحدّ أنه بلغ به درجة الوسواس. و صاحب المطالع يذم كاتبه.

و من وقائعه المشهورة (يوم الرضيمة) و هو يوم لسعدون بن عريعر علي ثامر.

و منها (يوم أبي حلانة) علي محمد علي خان

الزندي. و منها يوم سفوان علي ثويني و مصطفي آغا الكردي متسلم البصرة، و منها (يوم علوي) ماء قريب من البصرة القديمة. و له ذكاء و بصيرة. و عمي في أواخر أيامه. استمرت إمارته الأخيرة هذه من سنة 1212 ه إلي سنة 1242 ه.

و أطنب صاحب المطالع في الثناء عليه … و بين أنه في مدة إمارته هذه أطاعه البادي و الحاضر …

مهاجمة سعود ابن الأمير عبد العزيز:

في شهر رمضان سنة (1212 ه) سار سعود بن عبد العزيز بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 148

محمد بن سعود بجميع نواحي نجد و عشائرها و قصد الشمال و أغار علي أنحاء المنتفق (سوق الشيوخ) فصبح القرية المعروفة (بأم العباس) و قتل منهم كثيرا و منهم من فر و منهم من غرق. و كان حمود في البادية فلما بلغه الخبر جد في السير ليدركه فلم يظفر به.

ثم سار سعود بعد أن رجع و وصل إلي أطراف نجد عطف و أغار في سنته علي تلك البادية و قصد جهة السماوة و أتاه عيونه و أخبروه بعربان كثيرة مجتمعين في الأبيّض الماء المعروف قرب السماوة فوجه الجيوش و أغار عليهم. و كانت تلك العشائر كثيرة منهم شمر و رئيسهم مطلق بن محمد الجرباء الفارس و معه عدد من قبائل الظفير و آل بعيج و الزقاريط و غيرهم. فحصل بينهم قتال شديد و طراد خيل. ثم حمل عليهم قوم ابن سعود فدهموهم في منازلهم و بيوتهم فقتل عدة رجال من فرسان شمر و الظفير و غيرهم …

و قتل ذلك اليوم مطلق بن محمد الجرباء. و كان علي جواد سابق و هو يقلبها يمنة عدوه و يسرته فعثرت به فرسه في نعجة و أدركه خزيم

بن لحيان رئيس السهول فقتله و غنم قوم ابن سعود أكثر محلتهم و إبلهم و متاعهم.

و قتل من قوم ابن سعود نحو خمسة عشر رجلا من بني خالد منهم براك بن عبد المحسن رئيس بني خالد و محمد العلي رئيس المهاشير.

هذا و إن صاحب المطالع عد الوقائع المذكورة في سنة 1212 ه علي أنها مما وقع عام 1213 ه و في هذا وافق صاحب عنوان المجد في تاريخ نجد و خالف صاحب الدوحة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 149

حرب الوهابية و التأهب لها من جديد:

كان لوقعة ثويني شيخ المنتفق تأثيرها في الحكومة لا سيما و قد تلتها وقعة سوق الشيوخ و وقعة الأبيض و قتلة مطلق الجرباء … و لذا اهتموا للأمر و عهدوا إلي الكتخدا علي باشا بالقيادة. و كان سمع الخبر في الجوازر فتألم للمصاب و رغب في الحرب. فلما رأي من الوزير عين الرغبة هيأ ما يلزم من وسائل السفر. و حينئذ فتح الوزير خزائنه و بذل ما في وسعه من الاهتمام.

و لم تمض بضعة أشهر حتي تمكن من إعداد العدد لسفر عظيم.

و علي هذا و في 22 من شهر ربيع الآخر سنة 1213 ه تحرك الكتخدا من بغداد و توجه نحو الوهابية. و انتظر في الدورة تسعة أيام لتتلاحق بقايا الجيوش و في اليوم العاشر تحرك منها، فكان يتوقف في بعض المنازل خمسة أيام أو أكثر إلي العشرة و في بعضها يمكث يومين أو ثلاثة ثم يتحرك حتي واصل سيره و وافي البصرة، و نزل في باب الرباط.

و أعدت له الأرزاق في البصرة عدا ما أحضره معه من بغداد و أحضرت السفن كواسطة بحرية لنقل المؤونة كما أنه هيئت الإبل للنقل برّا. فاستكمل مقتضيات السفر

و بعد أن أقام فيها نحو عشرة أيام تحرك منها متوجها نحو الزبير فنزل بالقرب منها في محل يقال له دريهمية و تقع في شرقي الزبير. و جهز من النجادة نحو خمسة آلاف بندقي استؤجروا لهذا الغرض … و سارت معه عشائر المنتفق مع رئيسهم حمود الثامر و آل بعيج و الزقاريط و آل قشعم و جميع عشائر العراق، و كذا عشائر شمر و الظفير. و سار معه أهل الزبير و من يليهم فاجتمعت جموع كثيرة حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 150

قيل إن الخيل التي يعلق لها ثمانية عشر ألفا. فسار علي باشا الكتخدا بتلك الجموع و قصد الأحساء.

نهض الجيش من هناك. و كان يجب أن يتوجه إلي الدرعية من طريق الأحساء لأنها أقرب و فيها عبد العزيز و ابنه سعود إلا أن الكتخدا عول علي هذه الطريق إلي جهة الآبار مورد الفيلق لا سيما أن الآبار في طريق الأحساء يبعد الواحد منها عن الآخر نحو عشرين ساعة و بينهما منزلتان و هذه لا يتيسر للجيش قطعها حتي يحصل علي الماء. و أيضا أن طريق الدرعية غير صالح لأن مسافة الماء فيه ما بين المنزلتين تبعد مسيرة ثلاثة أيام بلياليها. فالجيش أثقاله كثيرة و مدافعه ضخمة و معه ألوف مؤلفة من الجنود و العشائر و الأهلين و العيال و الإبل و الحيوانات الأخري فلا يستطيع الصبر و الاستغناء عن الماء.

و أيضا لو اتخذ طريق الدرعية و سلك الجيش منه لما تمكن من نقل أرزاقه و أمتعته و سائر لوازمه، و لحرم من الاستفادة من طريق البحر.

و لكان اكتفي ببعض العشائر و الخيالة و مقدار قليل من الإبل في حين أن عدة الإبل و

وسائل النقل كبيرة جدا و أن الإبل وحدها تبلغ نحو ثلاثين ألفا. و هذا من الصعوبة بمكان.

فهذه القوة لا يمكن إدارتها بلا وسائط النقل المذكورة. و كذا لا يتيسر النقل من البحر إلي الدرعية فلا يطيق الجيش قطعها إلا أن يكون وحده أو العشائر بأنفسهم …

لذلك كله رجح قائد الجيش الرأي القائل بلزوم نقل الذخائر و الأمتعة من البحر إلي الأحساء و منها إلي الدرعية فعدل عن الذهاب إلي الدرعية رأسا فمضوا في طريق الأحساء حتي وصلوا (سفوان) و منه و في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 151

اليوم التالي نهض الجيش فوصل (الروضتين). و ذمها صاحب الدوحة و قال إن اسمها علي خلاف مسماها. و منها توجه إلي (الجهرة) فنزلها و كانت مياه آبارها ملحا أجاجا.

و حينئذ وصلت السفن التي سيرت من البصرة حاملة المؤونة إلي أن جاءت إلي مكان تجاه (الجهرة) من البحر. و لكن الغربان (نوع سفن) لم تستطع الوقوف هناك و لا التقرب إلي الساحل. فاستشكل الأمر و صعب إلا أنه بواسطة شيخ الكويت استكريت بعض السفن الصغيرة.

و (البتيلات) فسهل ايصالها إلي مكان قريب من الأحساء يقال له العقير (العجير) فنقلت المؤن و المهمات بواسطتها و جي ء بها إلي العجير و أعطيت الأجرة إلي شيخ الكويت.

و مضي الجيش نحو عشرة أيام حتي وصل إلي (بلبول) الواقع في ساحل البحر و مشت السفن إليه و استصحب الجيش أرزاقه ليصل إلي (بلبول) حملوها علي ظهور خمسة آلاف بعير استكروها من العشائر التي معهم. فاضطروا للتوقف في الجهرة و منها ذهبوا إلي (بلبول).

و لما وصلوا إليها انتهت الأرزاق المصحوبة معهم. و وصلت السفن حين قربوا من بلبول. و فيه أقاموا عشرة أيام و أخذوا

من السفن أرزاق شهر. حملوها علي ظهور الإبل و نهضوا من هذا المنزل ساروا عشرة أيام إلي أن وصلوا إلي قرية (نطاع) من قري الأحساء. و هناك أقاموا نحو عشرة أيام استراحوا خلالها.

ثم قطعوا الفيافي و القفار حتي قربوا من الأحساء، و حينئذ دعوا أهليها إلي الانقياد و الطاعة إلا أن في الإحساء قلعتين إحداهما يقال لها (المبرز) و الأخري تدعي (الهفوف). و في هاتين القلعتين حاصر قوم من الوهابية بأمر من عبد العزيز و فيهما كل من سليمان الماجد و الحاج إبراهيم بن عفيصان أما سليمان بن محمد بن ماجد فهو من أهل بلد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 152

ثادق. و كان في قلعة المبرز. حاصر حصار الأبطال. و يسمي القصر المحصور (صاهود) و أما إبراهيم بن سليمان بن عفيصان فقد حاصر في (قصر الهفوف) و حاولوا الهجوم عليهم مرارا عديدة فلم يحصلوا علي المراد.

فهؤلاء تحصنوا و أبوا أن يسلموا … حتي رفع الحصار عنهم.

فاتخذ الجيش كل الوسائل، فلم يفلح في اكتساح القلاع.

اتخذ الجيش الوسائل العديدة للاستيلاء علي القلعتين و استعمل المدافع … فلم يتيسر له الأمر، و قوي أمل المحصورين و غابت آمال الجيش، و قلت المؤن، و ماتت الإبل و لم يبق منها إلا القليل. و لذا ألح الجيش في العودة. و إن الإبل لم تستطع أن تجر الأثقال و المدافع، فاضطروا علي الرجوع بلا زاد، فانصرفوا من محلهم في 7 ذي القعدة و تركوا الأحساء و أبقوا أمتعتهم و أموالهم في محالها.

و في اليوم الرابع عشر من رحيلهم وصلوا إلي المحل الذي قتل فيه ثويني و هو المسمي (بالشباك) و لذا حاروا في أمرهم من فقد الزاد و الطعام و

قلته من جهتهم و من جهة دوابهم و مواشيهم و نالهم اضطراب شديد و يئسوا من الرجوع إلي مأمنهم و لكنهم علي كل حال مضوا في سبيلهم …

و في هذه الأثناء ساقهم اللّه إلي مراع خصبة اهتدوا إليها. فما بقي لديهم من الدواب رعت بضعة أيام و رتعت في هذه المواطن فلم يحتاجوا خلالها إلي (العليق) أو العلف ليطعموا دوابهم فاضطروا إلي النزول و لكنهم أضاعوا الخيام فتحروا عنها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 153

و في الحين هبت رياح موحشة و صواعق مدهشة فأمطرت السماء بوابلها … و كل واحد من العسكر ماسك بعنان فرسه صابر علي هذا البلاء و لا يدري ما سيصيبه في ليلته. و قضوها و لم يغمض لهم جفن في حالة لا توصف فلم يبق لواحد منهم أمل في الحياة …

و عند الصباح حينما طلعت الشمس جاء البشير فأخبر بوجود الخيام فاستعاد الجيش حياة جديدة و انتعش بالعثور علي خيامه … و لكن الطعام نفد و لم يبق زاد يعيشون به فارتبكوا من هذه الجهة و حاذروا من الهلاك … !

و في اليوم التالي من استراحتهم اخبروا أن بضعة قطع من السفن (الغربان) وصلت إلي جزيرة العماير في ساحل البحر فعينت بعض الخيالة مع مقدار من الإبل لجلبها و إيصالها إليهم. و لما وصلت ظهر أنها قسط يوم واحد فقسمت علي العسكر. فمن أصابه رطل شعير فكأنما ربح كل الغني …

بينا كانوا في هذه الحالة إذ داهمهم العدو تحت قيادة سعود بن عبد العزيز و معه أهل اليمن و العارض و جبل شمر فاغتنم الفرصة من حالة الجيش و جاءهم علي حين غرة. علم أن الجيش عاد عن الإحساء و

أنه تفرق لقلة الأرزاق و تشتت شمله و أنه لم يبق سوي علي باشا و شرذمة قليلة معه فرجع فارا. و لذا انتهز الفرصة بناء علي أخبار ابن عفيصان كتب إلي الأمير عبد العزيز و هذا أرسل ابنه سعودا.

و لما سمع علي باشا سر كثيرا و عزم علي محاربتهم. فأعد الجيش و مشي علي سعود المذكور، و هذا أيضا بناء علي إغراء ابن عفيصان عجل بالموافاة و أن لا تضيع هذه الفرصة من أيديهم. و عند وصوله للمحل و مقاربته منهم رأي الجيش متأهبا للكفاح، و لذا نزل في محل يقال له (محنات) و اتخذ المتاريس فيه، و تحصن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 154

و عند ما شاهد ذلك علي باشا نزل في محل يقال له (ثاج) و هو ماء في ديرة بني خالد و نصب خيامه هناك و طول نهار ذلك اليوم تطارد خيالة الطرفين في ميدان الحرب حتي المغرب فقتل بعض أشخاص معروفين من الوهابيين و من جيش الحكومة قتل أخو حمود و هو خالد الثامر.

و حينئذ رأي قوم ابن سعود الرعب و الهلع و قلت همتهم. و لذا رغبوا في الصلح فأرسلوا رقعة يسترحمون فيها رغبتهم في الصلح.

و هذه صورة كتابهم:

«من سعود العبد العزيز إلي علي،

أما بعد ما عرفنا سبب مجيئكم إلي الإحساء و علي أي منوال جئتم. أما أهل الإحساء فهم أرفاض ملاعين و نحن جعلناهم مسلمين بالسيف. و هي قرية الآن ليس داخلة في حكم الروم بعيدة منكم و لا يحصل منها شي ء بسوي تعبكم. و لو أن جميع الإحساء و ما يليها تؤدي لكم دراهمها ما تعادل مصارفكم التي عملتموها في هذه السفرة و لا كان بيننا و

بينكم من المضاغنة قبل ذلك إلا ثويني فهو كان معتدي و لقي جزاءه. فالآن مؤمولنا المصالحة فهي خير لنا و لكم و الصلح سيد الأحكام.» اه.

و من هذا استدل صاحب الدوحة بضعف مقاومة سعود، و أن الجيش كان راغبا في المقاومة إلا أن العليق (العلف) قد قلّ، و المياه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 155

الموجودة لا تكفي لسد الحاجة. و من جهة أخري أن الأعداء كانوا يعرفون أنواع المياه. و لذا انحازوا إلي المياه العذبة و تركوا الجيش في المياه المالحة و القليلة الموارد. و أيضا قد حفر الجيش نحو خمسمائة بئر و كلها ماؤها أجاج فلا يسيغ المرء بلعه إلا بمشقة.

و أن أخذ الماء منهم يحتاج إلي مقاتلتهم و إزاحتهم عن مواقعهم، و أن تستعمل المدافع ضدهم، و لكن المدافع كانت عاطلة. لأنها دفنت لوازمها في جهة الإحساء لعدم القدرة علي حملها.

يضاف إلي ذلك أن الدوام علي مقاومة هؤلاء و الوقيعة بهم أو منازلتهم يؤدي إلي نفاد الذخائر و الأطعمة. فالجيش ليس لديه إلا قوت يومه و يخشي أن يهلك و يضمحل بنفاد زاده …

و علي كل حال فاختيار أحد الشقين و هو الاستمرار علي المنازلة يؤدي إلي نتائج و خيمة و ليس من المصلحة ارتكاب هذا الخطر. لذا تذاكر علي باشا مع أعيان الجيش فكتب الباشا كتابا هذا نصه:

«من علي باشا إلي سعود العبد العزيز:

أما بعد فقد أتانا كتابك و كلما ذكرت من أمر المصالحة صار معلومنا.

لكن علي شروط نذكرها لك فإن أنت قبلتها و عملت بها فحسن و إلا فإننا ما عاجزون عنك و لا من طوائفك بعون اللّه و قوته. و عندك الخبر الصحيح إذا اشتدت الهيجا، و انشقت العصا

فحسبك الضحاك و السيف المهند حيث لنا مقدار أربعة أشهر في بلادك نجوب الفلا و نستأسر أهل القري ما قدرت تظهر من مكانك غير هذه الدفعة. و بهذه الدفعة أيضا اغتررت بقول ابن عفيصان. فأما الشرط الأول هو أن الإحساء لا تقربها بعد ذلك. و الثاني الأطواب التي أخذت من ثويني أنك ترجعها، و الشرط الثالث تعطينا جميع ما صرفناه علي هذا السفر، و الرابع أن لا تتعرض للحجاج التي تجي ء إليك من العراق و لا تتعرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 156

لأبناء السبيل و تكف عن غزوك العراق و تكون معنا كالأول فهذه الشروط التي أخبرناك بها و السلام علي من اتبع الهدي.» انتهي.

أما سعود فإنه قبل بالشروط التي تمكن علي إنقاذها و كتب كتابا آخر هذه صورته:

«جاءنا كتابكم و فهمنا معناه. أما عن حال شروط المذكورة فأولا الأحساء هي قرية بعيدة إلي دياركم و خارجة عن حكم الروم و ما تجازي التعب و لا فيها شي ء يوجب الشقاق بيننا فهذا حالها. و أما الأطواب فهي عند والدي بالدرعية إذا صدرت إليه أعرض الحال بين يديه.

و الوزير سليمان باشا أيضا يكتب له فإن صحت المصالحة و ارتفع الشقاق من الطرفين فهي لكم و أنا كفيل بها إلي أن أجيبها إلي البصرة. و أما مصارفكم فإني لم أملك من هذا الأمر شيئا و الشور في يد والدي.

و الذي عندنا فهو يصلكم. و أما ما ذكرتم عن الطريق و عدم التعرض للحجاج المترددين ما لهم عندنا غير الكرامة و التسيار. و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.» اه.

كان اعتذار الموما إليه عن قبول بعض الشروط ظاهرا له مبرر.

و لذا أمضيت المصالحة طبق الشروط الأخري

و قبل بها الطرفان. ثم إن سعود ابن الأمير عبد العزيز رجع قاصدا الإحساء فنزل عليه و رتب حصونه و ثغوره و أقام فيه قرب شهرين و استعمل عليه أميرا سليمان بن محمد بن ماجد. ثم رحل إلي وطنه قافلا راجعا.

و علي هذا نهض الجيش أيضا من محله و بألف صعوبة و أنواع المضايقات من جهة الأرزاق و سائر الاحتياجات جاب الصحاري و القفار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 157

و قطع المهامة و الفيافي حتي وصل إلي البصرة بنفسه الأخير. و حينئذ نزلوا في (باب الرباط) فأخذوا الذخائر و ما يحتاجون إليه و بقوا مدة خمسة عشر يوما للاستراحة ثم نهضوا منها و توجهوا نحو بغداد.

فدخلوها في 4 صفر سنة 1214 ه.

و دامت السفرة تسعة أشهر و خمسة و عشرين يوما.

و يلاحظ هنا أن الجيش أصابته مخاطر جليلة في ذهابه و إيابه و ضاقت عليه الأرض بما رحبت و نالته أنواع الشدائد، فالطريق مجهولة، و الوسائط غير كافية، و التأهبات زائدة … و كان يتوقع اضمحلاله و هلاكه. فإن كل مشكلة أصابته كانت كافية لإفناء الجيش بتمامه …

و مع هذا نجا في آخر نفس و كاد يفارق الحياة. فالسفر من بغداد إلي الأحساء، أو إلي الدرعية صعب المنال و لا يتيسر لكل أحد بسهولة و هذه الوقعة تبين نبذة منه و تعرف بالحالة …

و لذا قيل إن مثل هذه الحرب لا يستطيع وزير أن ينهض بها و يقوم بمهماتها لأنها ليس مما يدخل تحت طاقته و استطاعته. أما سليمان باشا فإنه كان قد اكتسب في خلال تسع سنوات من سنة 1194 ه إلي سنة 1213 ه مبالغ و فيرة. و هذه كلها صرفت علي

هذا السفر و لم تكمل مؤنته و لا سدت احتياجاته …

و ليس لدينا قيود ثابتة و لا وثائق صحيحة تبين مصروفات هذه السفرة بصورة كاملة إلا أنه عرفت بعض الأقلام عن المصروفات و ذلك أن النجادة مثلا كانوا من زوائد الصنوف العسكرية استكريت إبلهم فبلغت شهريتها مائة ألف غرش كما أن قيمة عليق الفرس للجيوش بلغت من حين مجيئه من إربل إلي أن وصل إلي بغداد فالبصرة ليرة عثمانية ذهبا ما أمكن تحقيقه. و ليقس علي ذلك سائر اللوازم و المصروفات الأخري مما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 158

لم يذكر و هو أكثر بكثير ما سبق بيانه …

و في مطالع السعود معارضة للدوحة و نقل منها:

«و ما ذكره المؤرخ التركي- صاحب الدوحة- من أن العسكر أصابه ضرر من قلة العلف و الزاد فلا أصل له بل الذي اشرف علي الهلاك عسكر سعود من قلّة الزاد و ما معه. و لقد و اللّه خدع الكتخدا في تلك المصالحة … و أن حمود بن ثامر أبي المصالحة إلا أن يعطيه الكتخدا كتابا في أن المصالحة عن اختياره. و قد رمي في ذلك محمد بن عبد اللّه بن شاوي. و هو بري ء. لكنه اعتمد علي من سبق ذكره. و لو سأل غيره و تروي لكان قتال العدو هو الأولي لكونه علي غاية من الوهن … » اه ص 155.

و صاحب المطالع متحامل علي آل سعود فلا يؤمل أن يكون محايدا.

الأحساء إلي هذا التاريخ:

مر في المجلد الخامس أن آل حميد من بني خالد استولوا علي الأحساء في سنة 1080 ه و أولهم براك بن غرير و معه محمد بن حسين ابن عثمان و مهنا الجبري، و قتلوا عسكر الباشا الذي

في الكوت و ذلك بعد أن قتلوا راشد بن مغامس رئيس آل شبيب و نهبوا عشائره و طردوهم عن ولاية الأحساء.

و جاء تاريخ ذلك (طغي الماء) قال أحد أدباء أهل القطيف:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 159

رأيت البدو آل حميد لما تولّوا أحدثوا في الخط ظلما

أتي تاريخهم لما تولوا كفانا اللّه شرهم (طغي الما)

و دامت ولايتهم إلي سنة 1208 ه و كان آخرهم زيد بن عريعر ثم استولي عليها براك بن عبد المحسن في تلك السنة نائبا عن الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود فزالت ولاية آل حميد.

و جاء تاريخ زوالهم (و غار). و ذيّل بعض الأدباء علي البيتين المذكورين بقوله:

و تاريخ الزوال أتي طباقا (و غار) إذ انتهي الأجل المسمي

و لهؤلاء وقائع مهمة و لكن حصل انشقاق فيما بينهم أدي إلي أن يميل براك إلي آل سعود و يستولي علي الأحساء بالنيابة عن الأمير ابن سعود ثم ثار الأهلون عليه فاكتسح سعود ابن الأمير عبد العزيز المدينة فصارت خالصة لآل سعود سنة 1212 ه و أن وقائع ثويني، و علي باشا الكتخدا و ما يليها، كانت من جراء براك المذكور و انفصاله مؤخرا عن ابن سعود، و كانت تأمل الدولة الاستيلاء عليها بقوة سليمان باشا الوزير. فخذل.

حوادث سنة 1214 ه- 1799 م

قبائل عنزة:

كانت مواطن عنزة سورية، و هي من عشائرها، و من أمد يأتون للاكتيال، و لما انحدروا هذه المرة نزلوا مقاطعة الطهماسية التابعة للحلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 160

و تطاولوا علي عشائر العراق، كما أنهم أغاروا علي عشائر الدليم فانتهبوا منهم أموالا كثيرة و أضروا بهم. و كان أمل الحكومة أن توجه إليهم جيشا تؤدبهم به و لكن صادف أن جاء شيخهم (فاضل) إلي

بغداد فأكرمه الوزير و أظهر له اللطف و الاحترام و ألبسه الخلعة. ثم نبهه أن يعيد خلال عشرة أيام المنهوبات من الدليم، و أن يكفوا عن الأعمال المضرة بالأمن، المشوشة للراحة فتعهد الرئيس بذلك و عاد لمحله.

انقضت مدة المهل و لم تظهر نتيجة. لم يطعه قومه في أداء المنهوبات كما أن قبائله استمرت في إضرارها بالقبائل و بقيت عابثة بالأمن لذا سير الوزير الكتخدا علي باشا للتنكيل بها و القضاء علي غوائلها فذهب بجيش جرار و أغار علي مواطنها. و في منتصف الليل وصل جسر الهندية فاستخبرت عنزة. و لما لم يكن لها طريق للفرار سوي المرور من ذلك الجسر التجأت إلي قبائل قشعم، و الأسلم و الرفيع فأخفوهم بينهم بمقتضي الشيمة العربية. و عند طلوع الفجر استقبل شيوخهم و رؤساؤهم العسكر و أسرعوا لملاقاته فتضرعوا في العفو و قدموا أن أموالنا أموالهم و أعراضنا أعراضهم و نحن رعاياكم، فشفعوا فيهم و قالوا ثلاثة آلاف بعير و خمسين حصانا و التمسوا قبول العفو و علي هذا راعي الكتخدا جانب المذكورين فقبل ملتمسهم و أقام هناك نحو عشرة أيام فاستوفي تعهداتهم في خلالها و أرسلها إلي الوزير ثم أعطاهم مجالا للعبور فعبروا.

التوجه إلي الحلة:

ثم إن الكتخدا توجه إلي الحلة فشكا الأهلون من ضابطها (علي چلبي) فعرض الكتخدا الحالة علي الوزير فصدر الأمر بعزله و أقام مكانه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 161

مراد چلبي و دققت حسابات علي چلبي فاستوفيت البقايا المترتبة بذمته.

و علي چلبي من أمراء الحلة أسرة عبد الجليل بك.

قشعم:

ثم إن الكتخدا لم يكتف بما أخذه و ما انتهبه بل أعاد الكرة علي قشعم و أبدي أن شيخها (ناصر الحبيب) تراخي في الخدمة أثناء سفره إلي الاحساء فطلب منهم خمسمائة بعير و ألفي شاة فلم يستطيعوا و التمسوا العفو فعفا عن النصف و أخذ النصف الباقي و توجه إلي بغداد.

فكانت مدة سفره شهرا واحدا و سبعة أيام، و أن هذه العشيرة بعد أن عزل شيخها عبد العزيز مال فريق منها إلي عبد العزيز و آخر بقي مع أخيه شبيب الحبيب أقامت العشيرة في المحل المسمي (صخيري) و شرعت بأعمال غير لائقة، و لذا أمر الوزير كتخداه علي باشا بالذهاب إليها و عبر جسر المسيب فعلموا بذلك فتفرقوا و تشتت شملهم و اقتفي الباشا أثرهم إلي أن وصل إلي قرب شفاثا.

الدليم:

تمرد هؤلاء عن أداء الميري فاقتضي تأديبهم، فحول وجهته نحوهم. و قبل أن يصل إليهم الباشا علموا بالأمر و فروا فذهب معقبا طريق هزيمتهم إلي أن وصل إلي جبة، و هناك عثر علي أغنامهم و مواشيهم و تبلغ نحو عشرين ألفا فانتهبها و عاد بغنيمة باردة إلي الفلوجة.

و حينئذ أعطاهم الرأي و الأمان و عاد إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 162

الوهابية:

و في هذه الأثناء وردت (حدرة) من الوهابية (سايلة)، فصادفها الخزاعل فقتلوا منها نحو ثلاثمائة رجل. جاء الخزاعل إلي النجف للزيارة فحدثت هذه الوقعة علي خلاف الشروط المعطاة إلي سعود ابن الأمير عبد العزيز السعود، و لذا لم ترق هذه الحادثة للوزير و تأسف كثيرا لوقوعها، و كانت السبب في الوقائع الأخيرة.

حوادث سنة 1215 ه- 1800 م

قبيلة الخزاعل:

كان آل السلمان من الخزاعل ارتكبوا تلك الوقعة و أعمال نهب أخري فاقتضي تأديبهم إذ لم يفد معهم اغماض العين. و علي هذا أمر الوزير كتخداه أن يغزوهم فتحرك من بغداد في 21 جمادي الثانية. و لما وصل إلي گرمة (قرمة) ليوه اجتمع الخزاعل في قلعة السلمان معتمدين علي رصانتها و تحصنوا بها.

أما القرمة المزبورة فلم يتيسر عبورها إلا بواسطة جسر و كذا صادف الجيش قرمات أخري فاجتازوها و لم يبالوا بالمصاعب و أعملوا السدود فاتخذوا كل الوسائل اللازمة للوصول فتقرب الجيش نحو القلعة و كانوا مستعدين للمقاومة إلا أنهم حينما رأوا الجيش استولي عليهم الخوف فلم يأمنوا البقاء في القلعة فتركوها و ألقوا بأنفسهم إلي قرمة (الفريات) الواقعة بين ثلاثة شطوط بالقرب من محل يقال له (لملوم).

اتخذوا هناك متاريس انضووا إليها لمناعتها.

أما الباشا فإنه اجتاز قرمات و مجاري مياه عديدة باتخاذ السدود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 163

و الجسور لقطعها و عبورها حتي وصل إلي المحل الذي وصلوا إليه فأحاط به، و استخدم المشاة كما أنه أنزل الخيالة من ظهور خيولهم و جعلهم مشاة أيضا و استخدمهم لعين الغرض، فهاجموهم من جميع جهاتهم و اقتحموا كل الموانع، و حينما تقارب الجمعان اشتد القتال و دام إلي المغرب ثم إلي نصف الليل بلا فاصلة و لا استراحة و ضيق الجيش عليهم تضييقا

مرا، فلم يبق لهم صبر، و حينئذ حرقوا بيوتهم بأيديهم، و في ليلتهم اتخذوا ظلام الليل ستارا لهم و هربوا متفرقين شذر مذر، فالتجأوا إلي الهور الذي لا يدرك غوره و لا يمكن الوصول إلي ساحله.

و في اليوم التالي ضبط الكتخدا ديارهم المسماة (لملوم) فاغتنم الجيش و من معه من العشائر نحو عشرة آلاف تغار من الشلب و أموالا أخري لا تكاد تحصي، و الشلب الذي أرسل إلي الوزير بلغ ألفين و خمسمائة تغار شحن في سفن و أرسل إلي بغداد. و لم يكتف الباشا بذلك و إنما اتخذ قطع المياه عن الهور الذي التجأوا إليه فباشر في قطع القرمة الكبيرة المسماة (قرمة عباة). و هناك أقام مدة شهر للاستراحة و بذل المجهود في أمر السدّ و اهتم به كثيرا فكان سدها خارج الطاقة و مع هذا زاول الأمر و اشتغل به.

و في هذه الأثناء حذروا من قطعها فركنوا إلي الكتخدا و طلبوا العفو منه و تعهدوا بأداء الرسوم حسب المطلوب في كل سنة. و بعد استيفاء الميري تركهم في ديارهم و توجه من ذلك المكان. و قام ببعض الأعمال الأخري فأظهر سطوته. عاد إلي بغداد فدخلها في 17 شوال.

و دامت سفرته ثلاثة أشهر و 27 يوما.

توجيه إيالة الرها إلي تيمور الملي:

ثار تيمور باشا الملي علي الحكومة ثم ذهب الوزير إليه و نكل بأتباعه، ثم التجأ إليه فاستحصل له العفو من السلطان كما تقدم ذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 164

كله، أما الوزير فإنه راقب أحواله طول إقامته في بغداد فرضي عنه، و كان يميل إلي أن يكون واليا علي الرقة، لذا كان يصرح بذلك تارة و يلمح أخري و يلتمس. و أن الدولة من القديم لم ترد

ملتمسا لوزراء بغداد، فالوزير طلب أن تسمح لتيمور باشا بإيالة الرقة برتبة وزارة فوافقت علي ذلك.

و حينئذ احتفل الوزير له بأبهة في باب الإمام الأعظم. و لما أن حصل علي الوزارة بالغ في احترامه وزاره في محله مرتين توقيرا له فأرسله إلي منصبه مكرما مبجلا.

حوادث سنة 1216 ه- 1801 م

العلاقة بالوهابية:

مر في حوادث سنة 1214 ه واقعة الخزاعل فلما سمع الأمير عبد العزيز السعود بما جري طلب من الحكومة العراقية دية المقتولين و إلا نقض عهده أما الوزير فأراد أن يجدد الصلح بينه و بين الأمير سعود فأرسل عبد العزيز بك الشاوي بمناسبة الذهاب إلي الحج ليصل إليه و يفاوضه في ديات من قتلهم الخزاعل و سكان النجف. فورد و تفاوض معه و ألح عليه كثيرا فلم يفد معه القول. و إنما أراد أن يكون له غربي الفرات من عانة إلي البصرة و إلا نقض العهد. و تبين ذلك من كتابه الوارد إلي بغداد بواسطة الساعي.

قال صاحب مطالع السعود: «فانقلب ابن شاوي بغير ما أمله، و لأجله الوزير أرسله إلا أنه لما شرب من مائهم و جلس بين دعاتهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 165

و علمائهم مازجه من بدعتهم شبهة و نزعة جذب إليها شبهة من علماء و عوام، و هلك بها خاص و عام، و خاض في بحرها من لا يؤبه له و عام» اه.. و في عبارته هذه تحامل.

و كذا علمت الحكومة أن الأمير سعودا توجه إلي أنحاء العراق بقصد غزوها، فاتخذ الوزير الحيطة و أرسل كتخداه علي باشا بعسكر عظيم لجهة الهندية في 3 صفر فأقام هناك مدة ثم ذهب إلي نهر الشاه فأخبر أن ركبا عظيما جاء إلي جهة شفاثا. فسارع الباشا للأمر و أرسل

محمد بك الشاوي و فارس الجرباء و العبيد و البيات و الأربليين فبلغوا نحو ألفي محارب فذهبوا إلي ذلك المحل. و لما وصلوا قرب شفاثا علموا أن الركب يبعد عنهم نحو أربع ساعات فأغاروا عليه من مكانهم بسرعة.

و عند ما وصلوهم وجدوهم نحو ألف بندقي و رأوهم اتخذوا إبلهم متاريس لهم و تناوخوا مع الجيش إلي وقت الظهر فلم يبدأوا بحرب و لكن الجيش العراقي أثر فيه العطش كثيرا فلم يجد فائدة من هذه (المناوخة) و رجعوا إلي شفاثا و رجع أولئك أيضا إلي مواطنهم. و لم يتعرض الواحد للآخر.

ثم إنه بعد عودة العسكر إلي جانب الكتخدا وجدوا عبد العزيز بك عاد من الحج و بين أن الأمير عبد العزيز لم تكن له رغبة في الصلح بل له نوايا سيئة. أفاد ذلك مفصلا ثم جاء إلي الباشا و بقي عنده بضعة أيام.

أما الباشا فقد جعل رئيس الكتيبة علي جميع الخيالة و علي مقدار من الموصليين و خيالة عقيل لمحافظة الديار و ترصد الأخبار و عينه في الهندية ثم عاد بباقي الجيش و دخل بغداد في 5 جمادي الأولي. و كانت هذه السفرة ثلاثة أشهر و يومين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 166

جليحة و عفك:

إن عشائر جليحة و عفك تمردت و لم تعط الرسوم الأميرية فأراد الوزير تأديبها فسير كتخداه بقوة كافية. خرج من بغداد في 25 جمادي الثانية و ذهب من طريق الجزيرة. و لما وصل نهر اليوسفية جاءه شيوخهم و متميزوهم فألبسهم الخلع و قطع الميري علي الطائفتين بمبلغ مائة و خمسين ألف قرش و أمر الرؤساء باستحصال المبالغ. و علي هذا أذن لهم الكتخدا بالعودة و لكنه بقي في أطراف اليوسفية مدة فلم

يرد إليه خبر و لا ظهرت علائم عن مجيئهم فعزم أن يهاجم عفكا و صار يضيق عليهم من أجل الميري فتيقن أن الحصول عليه غير ممكن، و أن أراضيهم من كثرة المياه و الأطيان و القرمات صعبة المرور. لذا ترك هؤلاء و توجه نحو جليحة.

و هذه واقعة في جانب آخر من القرمات و الأنهار و فيها من الموانع ما يصعب الوصول إليه و أنهم معتزون في أكبر الأهوار و أعمقها.

تحصنوا بأماكن خاصة و اتخذوا لهم (سيبايات) منيعة تمكنوا فيها، فلم يلتفت الكتخدا لكل هذه المصاعب فسد بعض الأنهار و اتخذ جسورا علي القسم الآخر فاجتاز كل هذه الموانع و عبرها.

و لما قرب من مكانهم صال عليهم بمن معه من كل صوب و ضيق عليهم، أما هم فتأهبوا للقتال و اشتعلت نيران الحرب و طال أمدها، و العساكر لم تبق لهم تحملا للتنقل من مكان إلي آخر و لا وجدوا صبرا علي المطاردات المتوالية و الهجومات العديدة. و لذا أرسلوا ساداتهم للدخالة و طلبوا الأمان و تعهدوا بأداء الميري و عرضوا الطاعة.

و في خلال بضعة أيام تمكنوا من جمع نصف الميري المطلوب منهم، و أعطوا رهائن عن القسم الآخر فعفا عنهم الكتخدا و عاد الجيش. و لما وصل إلي منزل (حورية) أرسل رهائن جليحة إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 167

و من هناك توجه الكتخدا إلي جهة (شط الحي) فأغار علي السعيد من قبائل زبيد فانتهبها. ثم قفل راجعا من طريق العمارة و الكوت إلي بغداد فدخلها في 10 شهر رمضان. و مدة سفره شهران و ستة عشر يوما.

بابان:

كان عبد الرحمن باشا مشمولا بألطاف الوزير و لكنه انحرف فظهرت منه بعض الأطوار التي

لم ترق كما تبين من حاله و قاله و من القرائن.

و أيضا تحرك أخوه سليم بك بما يخالف الاستقامة المطلوبة فاغتاظ الوزير عليهما لذلك ألقي الوزير القبض علي الباشا الموما إليه و حبسه و عزل أخاه من لواء كوي و حرير و وجهت إيالة بابان إلي محمد بك ابن محمود باشا آل تيمور برتبة (باشا) و خلع عليه و سير لمحل وظيفته.

و كذا جلب سليم بك و عهد بإيالته إلي إبراهيم باشا و نفي سليم بك مع عبد الرحمن باشا إلي الحلة و حبسا فيها.

الطاعون في بغداد:

في ذي القعدة ظهرت آثار الطاعون في بغداد، فعزم الوزير أن يقضي الربيع في أنحاء الخالص فذهب بأهله و أتباعه و حشمه فنصب خيامه في ميدان السلق. و كان من أمد بعيد معتلا (بوجع المفاصل).

و في هذه الأيام اشتد مرضه أكثر و اختلت راحته لكنه مع كل هذا ذهب إلي جهة الخالص فكان مشغولا بنفسه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 168

غارة الوهابية علي كربلاء:

و في هذه الأثناء ورد الخبر من شيخ المنتفق حمود الثامر أن سعود ابن الأمير عبد العزيز توجه إلي هذه الأنحاء بجموع كثيرة العدد و العديد. و لذا وجه الوزير كتخداه علي باشا إلي جهة الهندية و نزل في منزل الدورة مع جمع قليل. و كان في انتظار بعض القبائل لتوافيه. و بينما هم في هذه الحالة إذ فاجأ سعود كربلاء و تمكن من الدخول في المدينة فاغتنم الفرصة دون حيطة من أهل البلدة. فغنم منها أموالا كثيرة و انتهب أمتعة لا تحصي.

و في عنوان المجد لابن بشر الحنبلي:

«إن سعودا سار- في سنة 1216 ه- بالجيوش … من حاضر نجد و باديها و الجنوب و الحجاز و تهامة و غير ذلك و قصد أرض كربلاء و نازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة فحشد عليها قومه، تسوروا جدرانها و دخلوها عنوة و قتلوا غالب أهلها في الأسواق و البيوت و هدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها علي قبر الحسين. و أخذوا ما في القبة و ما حولها و أخذوا النصيبة التي وضعوها علي القبر و كانت مرصوفة بالزمرد و الياقوت و أخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال و السلاح و اللباس و الفرش و الذهب و الفضة و المصاحف الثمينة و غير ذلك مما يعجز عنه الحصر، و لم يلبثوا فيها إلا ضحوة و خرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال و قتل من أهلها نحو ألفي رجل.

ثم إن سعودا ارتحل منها علي الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم و عزل أخماسها و قسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم و للفارس سهمان. ثم ارتحل قافلا إلي وطنه» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 169

و في

مطالع السعود: «صبّح أرض كربلاء تسوّر سور البلدة التي فيها مدفن الحسين (رض) … فقتل عددا جمّا، و جمع من المال جمعا لمّا، و أجري دم القتلي في الزقاق … ثم ثني عنان العود إلي نجد» اه …

و لما وصل خبر ذلك إلي علي باشا توجه نحوهم بقصد الانتقام و لكنهم بعد أن حصلوا علي الغنائم تركوا البلد و ذهبوا إلي الأخيضر.

و أن الباشا لبعض المقصد توقف في الحلة بضعة أيام. و عندئذ وصل سليم بك (صهر الوزير) متسلم البصرة المعزول بصحبة (عثمان طوبال أسير) فورد المنزل المذكور و تحرك من هناك فنزل الهندية و صار يراقب جميع الأنحاء.

و لما عرض محمد بك هذا الخبر علي الوزير تأثر، و أن الطاعون تحقق أثره و صار يتوفي كل يوم من 60 إلي 70 من المصابين و عرض القضية علي الدولة كما وقعت و أخبر الشاه بما جري. أما هو فبعد أن رتب الأمور ذهب إلي الخالص و نصب خيامه في أطراف الجديدة (ينگيچة). و أمر إبراهيم باشا متصرف بابان أن يذهب إلي علي باشا ليكون بصحبته. و مكث مدة في الخالص للاستراحة و كان الوزير يخشي من الوهابيين أن ينصرفوا إلي النجف فيقعوا فيه ما أوقعوا في كربلاء.

و لذا راعي الحيطة في نقل الخزانة التي في النجف إلي الإمام موسي الكاظم (رض) و عهد بأمر ذلك إلي الحاج محمد سعيد بك الدفتري.

فقام بما يجب و عاد إلي بغداد.

و لبث علي باشا في الهندية شهرين و نصف شهر. و بناء علي أمر الوزير أبقي بيارق الخيالة في ذي الكفل (ع) و العقيليين في كربلاء و أبقي في النجف عسكر الموصل مع مقدار من العقيليين و بني لكربلاء

سورا منيعا و اتخذ للحلة خندقا صعب الاجتياز. أمر بحفره و لزوم إنجازه و قفل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 170

راجعا بمن بقي معه من الجيش إلي بغداد.

حوادث سنة 1217 ه- 1802 م

وفاة الوزير سليمان باشا:

اشارة

كان الوزير مصابا بوجع المفاصل فلازمه نحو خمسين يوما فاشتد و انحطت قوته. و لما قارب درجة الاحتضار دعا إليه صهره الأكبر علي باشا الكتخدا و خازنه (داود آغا) و أصهاره الآخرين سليم آغا و كتخدا البوابين نصيف آغا فجعل علي باشا خلفا له و نصحه ببعض النصائح و نبه الباقين بلزوم الانقياد له، و أن يعاضد الواحد الآخر.

و في 8 ربيع الآخر توفي و كان بقربه داود آغا، و سليم بك، و نصيف آغا. أما علي باشا فإنه خشي من تشوش الحالة فاتخذ ما يجب من الحيطة و توقع الطواري ء فلم ير من المناسب أن يترك منصب الحكومة.

أما هؤلاء الثلاثة فإنهم حدث بينهم اختلاف في دفنه فمنهم من رأي أن يدفن في مدرسته، و منهم من أبدي لزوم دفنه في جوار الإمام الأعظم و أخيرا دعوا علي باشا فقر الرأي أن يدفن في مقبرة الإمام الأعظم. فدفن فيها.

مناقبه:

أطري صاحب الدوحة أخلاقه و مزاياه و شاد بفضله إلي أن قال:

«عامر الديار و الأقطار، و قامع الأشرار و الفجار، و ماحي الظلم و الفساد، و حامي البلاد و العباد، منبع الخير و الحسنات، و معدن البر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 171

و الصدقات، العدل البر بالرعايا و الرؤوف بهم، الشجيع المهيب، ذو الهمة و الرأي السديد، الحكم الخبير، خلاصة كرائم الأخلاق و السجايا، جامع محاسن الأوصاف و المزايا … (إلي أن قال):

إن حادثة وفاته ولدت ضجة أسي و حزن في كافة أنحاء العراق فكانت الفاجعة العظمي، و المصاب الجلل … فبكاه الكل و أسفوا لفقده … » اه.

و هو من عتقاء محمد بك الدفتري الربيعي. و أولاده الذكور:

سعيد بك و صالح بك و صادق

بك. و بناته إحداهن زوجة علي باشا الكتخدا و الأخري زوجة سليم بك تزوجت في حياة الوزير و الاثنتان الباقيتان عقد عليهما في حياته إحداهما علي داود آغا الخازن و الأخري علي نصيف آغا كتخدا البوابين. و بعد وفاته تزوجا بهما.

و هذا الوزير من حين ولي بغداد مكن السلطة و حصرها بالمماليك و أزال التغلب. و لم يدع مجالا لتحكم إيران في العراق. و كان لأدني سبب أو لمجرد تمكين السلطة للمماليك يسفك الدماء.

كان يؤدي للدولة ألف كيس من النقود سنويا عدا الهدايا. و مع هذا كانت خزانة العراق مترعة من الذهب و الفضة و أنواع الأمتعة و التحف و النوادر. و في هذا العهد استولي علي الدولة الضعف و الفتور في أعمالها، و صار التغلب بالغا حده. سيطر الينگچرية علي المملكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 172

و تحكموا. و لم يكن يؤمل أن تنال بغداد راحة مع بعدها عن العاصمة.

و عاد هذا الوزير مجددا للحكومة في العراق.

و زاد صاحب المرآة أن الوزير في السنين الست الأخيرة من أيامه أخلد للراحة و ركن إلي العمارة و سلك طريق الاعتدال. و جمع خزائن عظيمة، و حصلت الطمأنينة الكاملة في جميع الجهات و عاش الأهلون برفاه و رغد عيش فبلغت الدرجة المطلوبة.

و مما قام به:

1- عمّر سور بغداد الذي تضعضع بمرور الأيام و تهدم أكثره فرمم البعض و عمّر الباقي فأكمله جميعه.

2- اتخذ لجانب الكرخ سورا و خندقا.

3- بني دار الحكومة (السراي) من جديد.

4- بني المدرسة (السليمانية) و اتخذ لها خزانة كتب.

5- عمّر جامع القبلانية. و جامع محمد الفضل و اتخذ في كل منهما مدرسة.

6- عمّر جامع الخلفاء.

7- طلي رأس منارة الإمام الأعظم بالذهب.

8- اتخذ قصرا فخما باتصال

بستان إيواز (العيوازية). و تسمي العيواضية أيضا.

9- بني قناطر (دلي عباس) و (چمن) و (نارين) في سنة 1212 ه و 1214 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 173

10- بني قلعة في كوت العمارة و مخازن للغلال في أنحاء بدرة و جسّان.

11- بني سورا لمندلي.

12- عمّر سور البصرة.

13- عمّر سور الحلّة.

14- أحدث سورا لماردين و بني فيها أبنية عامرة محكمة.

15- بني قلعة قرب الموصل العتيقة (أسكي موصل) لتكون ملجأ للمارين و العابرين.

16- عمّر في الصحراء من جهة ماردين في دمير قپو في المحل المسمي (چلاغة) عمارات مهمة و نافعة.

إن المؤرخين قصوا ذلك إلا أن المهم معرفة الخطة التي سلكها لإدارة هذا القطر و هذه كانت قاهرة قاسية، فقضي علي العناصر المناوئة له من المتغلبة، و محا السلطة العشائرية العربية و الكردية، و قوّي سلطة المماليك، و جعل الإدارة خالصة لهم. و كان من أهم ما ركن إليه نهب العشائر و الإمارات و سلبها … و أعماله الخيرية كانت من أموال السلب لإرضاء الأهلين. و العراق لم ير سلطة قاهرة مثل هذه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 175

علي باشا الكتخدا

قائممقاميته:

لما توفي سليمان باشا أجمعت الآراء علي اختيار الكتخدا علي باشا (قائممقاما). اختاره أمراء الجيش و الأعيان و آغا الينگچرية أحمد آغا و سائر متميزي الصنوف العسكرية. و كتبوا محضرا بذلك أرسلوه إلي استنبول ترشيحا له و طلبوا أن يعهد إليه بالوزارة … و قام هو أيضا بشؤون المملكة داخلا و خارجا، و صار يرقب الأمور و يراعي الحالة.

و بذل كل ما استطاع.

شغب و تنافس:

و بينما هو يتوقع ورود الفرمان بوزارته صباح مساء إذ سولت لآغا الينگچرية أحمد آغا نفسه أن يشوش الحالة توصلا لما كان يضمره، و علم أيضا من بعض القرائن أن سليم بك تتوق نفسه أن يكون صاحب الأمر. فاستطلع رأيه سرّا فوجد منه موافقة.

و لا يخلو الأمر من ركون آخرين إليهما. فالينگچرية توسلوا بفنون الحيل لإعداد ما يجب لإشعال نار الفتنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 176

و أول ما قاموا به أن حذر أحمد آغا القائممقام من النتائج الوخيمة فيما لو أهمل التدبير. فأذن له أن يتولي ذلك و كان أمينا منه، بل رأي ذلك حسن تدبير منه. و لذا جمّع هذا جمعا كبيرا من أعوانه و رجاله من الصنوف العسكرية الذين اعتمد عليهم و شحن بهم القلعة و أحكم ضبطها و غلق أبواب السور و قطع الجسر و شاغب بجماعته في الميدان فأفشي مكنون سره و أوعز إلي جماعة أن يقوموا بما يلزم لتوليد الاضطراب فقاموا و ضجوا في البلد.

و تحقيقا لإيقاد نار الفتنة ضرب السراي بالقنابل فكان دويّ المدافع أحدث ولولة في الناس أكثر فاحتشدت الجموع في الطرق و الأزقة و الشوارع و صارت الحالة منذرة بالخطر، فلا تسمع سوي نداء الناس (النفير! النفير!، و البدار! البدار).

و لما اطلّع

الباشا علي حقيقة الوقعة و أن القائم بها أحمد آغا أرسل إليه من هو بمثابة وكيل الكتخدا أعني خالد آغا فتكلم معه و سأله عن سبب قيامه بعد العهد فحاول إرجاعه عن رأيه فكان ذلك عبثا.

و حينئذ اتخذ الباشا المتاريس للمقاومة و الدفاع إذ لم ير أملا في المفاوضة و انقطع حبل رجائه. و في كل هذا لم تظهر نوايا سليم بك.

و لهذا اتخذ متاريس قرب مرقد (گنج عثمان) و قرب جامع الوزير و قرب مرقد الشيخ أبي النجيب السهروردي بواسطة أخيه أحمد آغا. و كلها حول دار الحكومة و بقرب منها، و زاولوا مقتضيات الحصار و حصلت المناوشات من الجانبين، فلا تسمع غير أصوات الطلقات و دويّ المدافع. دام القتال بشدة و هول من الصبح إلي وقت العصر، فاضطرب الأهلون كثيرا و جري سلب و نهب و كسر دكاكين و غارة علي بيوت.

كثر القتل و سفك الدماء و زاد البغي، و حينئذ رأي الباشا أنه المقصود بالذات، و أن الخطر سيتفاقم علي الأهلين أكثر و أن الفتنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 177

سوف لا ينقضي أمدها بدوام الحالة و أن كانت الهجومات المتوالية علي المتاريس تصد ببسالة و شجاعة. و الصحيح أنه شعر بالضعف فلم يشأ أن يستمر فكف يده و تنحي عن الأمر و قال: إذا كنت أنا المقصود فإني انفض يدي و لا لزوم للنضال، و أرسل خبرا بذلك إلي آغا الينگچرية ليأمن علي حياته. و علي هذا بعث الآغا من جانبه حسين آغا الكوسة و من علي شاكلته من الثوار فأقسموا له و أمنوه فاعتمد علي ذلك و أقام في منزله منسحبا عن الإدارة.

ثم إن الثوار اختاروا سليم بك صهر

الوزير السابق بدلا من سعيد بك ابن سليمان باشا و قرّ الرأي علي هذا فأجلس علي منصة الإدارة بصفة (قائممقام). و حينئذ أمر هذا بإطلاق سراح عبد الرحمن باشا متصرف بابان السابق و أخيه سليم بك من الحلة و جلبهما إلي بغداد و أشركهما في أموره فصارا عونا له.

أما الآغا المرقوم فقد كانت له آمال خفية و لم يكن رأيه في حقيقة الأمر مصروفا إلي سليم بك الصهر و أن ينال المنصب فحسب و إنما كان عمله هذا تأمينا لغرض آخر يدور في ذهنه، و ذلك أنه حين ورود عبد الرحمن باشا مع أخيه سليم بك إلي بغداد لم يكتف أن يقيم علي باشا في داره بل تسهيلا لنواياه بيّن أن علي باشا ما دام في داره لا يستريح الخلق و لا ينالون أمنا، و أبدي أن الأولي أن يخرج و يسكن في دار عبد اللّه باشا و أرسل إليه نصيف آغا و ألح في الطلب. و نادي المنادون أيضا أن لا يبقي عثمانيون في دار الحكومة و من خالف فسوف يعرض نفسه للخطر و العقوبة الصارمة.

أما علي باشا فإنه بقي في داره إلي ما بعد المغرب ثم خرج و عبر في زورق إلي جانب الكرخ و حينئذ علم الناس طوية الآغا و ما يكتمه في مكنون سره فحصل هيجان و ثار الناس مع سائر الصنوف العسكرية إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 178

جانب الرصافة إلا أن الجسر قطع و مع هذا عبروا بالسفن و القفف ليلا و هاجموا الميدان.

أما أعوان علي باشا من العثمانيين فإنهم اختفوا في منازلهم فلما رأوا الحالة أبدوا ميولهم نحو علي باشا و رجعوا إليه. و في تلك الليلة

بادروا إلي الميدان فضبطوا السراي و الميدان. و حينئذ تشتت المجتمعون في القلعة حتي أنه لم يبق فيها سوي عبد الرحمن باشا و أخيه سليم بك مع بعض أعوانهم فحاصروا فيها و ثبتوا إلي الصباح. و في الفجر رموا بأنفسهم من باب الحديد إلي الخارج و ذهب عبد الرحمن باشا و أخوه سليم إلي الأعظمية و اختفيا و أما سليم الصهر فإنه توجه إلي الموصل و آغا الينگچرية فرّ إلي محل مجهول.

و بهذه الصورة استولي أتباع علي باشا علي القلعة الداخلية.

و عندئذ أحضر علي باشا راكبا زورقا و جاء ضحي إلي منصبه، و عين آغا للينگچرية سعد آغا الذي هو رئيس عسس و أحيل إليه أمر إلقاء القبض علي من ركن إلي الآغا الفار، و أن يتحري عنه، و أمر بعض رجاله أن يلقي القبض علي عبد الرحمن باشا و أخيه فجي ء بهما من الأعظمية.

و كان علي باشا أمر بقتل عبد الرحمن باشا و إبقاء سليم بك و لكن أبدي كل من خالد بك وكيل الكتخدا و محمد بك الشاوي المحاذير من قتله، و أن بقاءه نافع أكثر. و لذا عفا عنه و أعطي لسليم بك مقاطعة تكريت و أرسل إليها. و علي الأثر أعيد و نفي إلي البصرة و عقب ذلك أوعز أن يقتل فقتل.

و قبض علي أحمد آغا رئيس الينگچرية سابقا و علي كل من حسين آغا الكوسة و باش أسكي إبراهيم و صالح آغا ابن القيومچي و چاوش أوسطة و أعوان القصبه جي و غيرهم. فأحضروا بذل و هوان و نالوا جزاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 179

أعمالهم أي قتلوا. و بعد ذلك نادي المنادون بالعفو عن عامة الأهلين إزالة لآثار

النفرة و الوحشة و أن تسكن الحالة و تهدأ.

وزارة علي باشا

توجيه إيالة بغداد و البصرة و شهرزور:

إن الدولة لم تشأ أن توجه هذا المنصب إلي أحد المماليك إلا قسرا و نظرا لظروف خاصة، و لكنها في كل أحوالها لم تجد مجالا للتسلط علي الإدارة رأسا، و أن أحوال علي باشا لم ترض لا سيما و قد ألحق ماردين بالعراق مع أنها داخلة في ديار بكر، و تمكن أن يجعل ولاة الموصل تابعين له، و أكسب ولاة بغداد شكلا ثابتا، فكانت متذمرة من سيرته مذ كان كتخدا بغداد.

و في عزمها أن تحول إدارة العراق إلي الشكل المرغوب فيه و لكن الحوادث لم تمهلها، و أن روسية كانت عازمة علي الاستيلاء علي ممالكها فكانت تظهر تعندا بين آونة و أخري لقهرها و لا تزال إلي أيام قائممقامية علي باشا تظهر الخصام و تفتح أبواب الجدال استفادة من سنوح الفرصة كما إن حكومة النمسة لم تخل في وقت من اكتساح قسم من الممالك العثمانية بالاتفاق مع روسية. و مما زاد الطين بلة ظهور نابليون بونابارت و قيامه بما قام به بحيث بدل خارطة أوروبا و حول في النظامات الملكية و العسكرية في الدولة.

هذه الأحوال دعت إلي أن يطرأ في الدولة خلل فصرفت نواياها عن تطبيق فكرتها في العراق. و علي هذا و لما توفي سليمان باشا قدم الأهلون المحضر للدولة في طلب التوجيه إلي الكتخدا السابق علي باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 180

فعزم. رجال الدولة أن يوجهوا الإيالة إلي علي باشا حذرا من وقوع ما لا تحمد عقباه، إذ إن العراق مجاور للحدود الإيرانية، و أنه موطن العشائر، ففي حدوث تبدل كهذا يتخذ أرباب الشغب الوسيلة. و إثر ذلك ورد خبر الاضطراب في

بغداد بالوجه المبسوط فاضطرت الدولة إلي تأخير إصدار المنشور حتي تتوضح النتائج بأن تعلم ما يصل إليه النزاع و حاذرت من التسرع فاكتفت بتوجيه (القائممقامية) إلي علي باشا فحسب.

و لما ورد الأمر كانت تحسنت الأوضاع و عاد النظام و قويت يد علي باشا و بعد ذلك ورد أمر بالتحري عن مخلفات سليمان باشا. و بهذه الوسيلة تراخت الدولة في قضية التوجيه مدة ثلاثة أشهر أو أربعة بصورة لا تحس.

و في هذه الحالة تابع علي باشا أوامر الدولة و أرضي أمناءها في تنفيذ أوامر السلطان و أتباع المرسوم، و من ثم أسند إليه منصب الوزارة و جاءه المنشور فحصل علي مرامه في 17 شهر رمضان هذه السنة و قري ء الفرمان باحتفال، و حينئذ تمكن علي سرير الوزارة و شرع في إدارة شؤونها.

سفر الوزير إلي بلباس:

إن عشائر بلباس من الأكراد المقيمين في شنو و لاهجان زادت شرورها و تمادي عتوها خصوصا أن قسما منها سلب راحة تلك الجهات من حدود إيران في أطراف صاوق بولاق و مراغة و أورمية، فقطعوا السبل و أوقعوا خسارات و أضرارا كبيرة.

و لذا كان الشاه يكاتب الحكومة متواليا يتضجر من سوء عملها.

و لو بقيت هذه الحالة لأدت إلي انهدام صرح الصداقة بين إيران و العراق، كما أن العشائر المذكورة في موسم الربيع تنزل ناحية كوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 181

حوالي إربل فيصيب السكان و أبناء السبيل منها أضرار جمة فاقتضي تأديبهم من جانب الوزير بل استئصال غائلتهم فجهز عليهم جيشا عظيما و نهض من بغداد في 8 شوال و توجه إليهم. و في اليوم السادس من حركته وصل إلي قنطرة الذهب كما أنه أوعز إلي إبراهيم باشا أن ينكل بمن في جهته

منهم. و لما سمعوا بالخبر بادروا إلي إنقاذ أنفسهم من الهلاك ففروا بأهليهم و لجأوا إلي الجبال فاستولت الحكومة علي أموالهم و مواشيهم و لا يكاد يحصيها عد. و أوقع إبراهيم باشا بمن في ناحيته و علم الوزير أنه مضي إليهم من ناحية السليمانية فاستأصلهم نهبا و قتلا و غنم منهم غنائم كثيرة جدا فساق أغنامهم و مواشيهم و جاء بجيوشه إلي الفيلق. فحصل علي إكرام الوزير له.

و في هذه المرة غنم منهم أكثر من ستين ألف شاة و ما يتجاوز ألفي رأس من البقر و الفا من البغال فبيعت إلي الأهلين في كركوك و إربل و قنطرة الذهب. و بقي الجيش مدة شهر، ثم عزم علي الذهاب إلي بغداد، و هذا ديدن الوزراء حينما يتولون الإيالة بالهجوم علي بعض العشائر فأحيا تلك البدعة.

حرب اليزيدية:

كان العزم مصروفا إلي العودة إلي بغداد و لكن الوزير علم أن اليزيدية في جبل سنجار طغوا و تزايد ضررهم، فرأي أن يزحف عليهم فتحرك من إربل إلي سنجار، و نكل بهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 182

حوادث سنة 1218 ه- 1803 م

العمادية و الجيش:

إن حاكم العمادية مراد خان طلب الوزير منه أن يأتي بنفسه أو يرسل جيشا كبيرا فاعتذر عن الحضور و أرسل نحو ثلاثمائة بندقي لا غير و تهاون في إرسال قوة كبيرة. لذا عزله الوزير و نصب (قباد باشا). بعد أن أتم حرب اليزيدية. ثم إن الوزير حطّ ركابه قرب تلعفر.

قتلة محمد بك الشاوي و أخيه:

في أوائل المحرم بعد أن رحل الوزير من سنجار غضب علي محمد بك و عبد العزيز بك آل الشاوي فأمر بخنقهما فخنقا. قالوا: إن آغا بغداد (أحمد آغا المقتول) كان قد ارتكب مفاسد كثيرة، و ظهر للوزير أن آل الشاوي سعوا له في الخفاء و اشتركوا معه، و أنهم من أول الأمر كانوا يحركون أهل الفساد علي القيام و الشقاق، فانهمكوا في الأمر. كل هذا تبين له عيانا.

و كذا في هذه السفرة من حين حركتهم إلي اليوم قد قصروا في واجبات الخدمة و مراسيمها و ارتكبوا أحوالا رديئة لا تحصي فألقي القبض عليهما في المنزل المذكور و أمر بقتلهما لساعتهما. و كان معهما ابنهم الصغير و الحاج أحمد بك ابن الحاج سليمان بك الشاوي فإنهما حبسا و استصحبا مقيدين، و عاد الوزير إلي بغداد في 22 صفر. و كانت مدة سفره أربعة أشهر و اثني عشر يوما» اه.

هذا ما أبدوه في تبرير فعلة الوزير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 183

ترجمة الأخوين:

قال عثمان بن سند: «كانا كندماني جذيمة فتفرقا، و أصبح كل منهما وحيدا في لحده مع أن كلّا منهما نسيج وحده، و لكن الحمام مورود، و الأجل محتوم معدود، و البقاء في الدنيا مستحيل، و العبد فيها علي جناح رحيل …

أما محمد بك فكان في أيامه من ملوك العرب، و أهل النجابة و البراعة منهم و الأدب، و من الدهاء و إصابة الرأي في المكان الذي لا يجهل، و من الحلم و الرزانة بحيث لا يسأل، و من لين الجانب للأصحاب و الأجانب بحيث لا يوجد له مناظر، و من الغوص علي النوادر بحيث ضرب المثل السائر، و من ايراد النكت و اللطائف بحيث

لا يدع مقالا لقائل، و وصفا لواصف …

قرأ علي علماء أجلاء. خدم ملوكا و وزراء و عاشر أمثالا و كبراء، و اعتمدوا عليه في الأمور الصعاب، و شاوروه فأشار و كشف عن وجه الرأي النقاب. و أن حسن باشا اعتمد عليه في أشياء مهمة، و أرسله إلي العجم فجلا تلك الإشكالات المدلهمة. و أما سليمان باشا فصدره صدارة ما عليها مزيد بحيث شاوره في أمر الحاضر و البادي و استرشد به في الخفي و البادي …

ورث الرئاسة عن أبيه وجده، و من أجلّ ما فيه أن جلساءه العلماء، و ندماءه الأكابر و العظماء، و أنه كثير الصدقات الخفية خصوصا لمن تعلق بالأسباب العلمية.

و أما أخوه عبد العزيز بك: «فمنطيق ألمعي، غاية في التمييز، قرأ علي علماء قطره، و استضاء من شموس عصره، و تشبث بأسباب الديانة، و أعرض عن كل ما يشين، و لازم الجماعات في المساجد، و نادم كل ناسك، و صار لا يباشر من الأسباب الدنيوية، إلا ما كان من الأمور الضرورية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 184

و قد شاهدته في الليالي المظلمة، يمشي إلي المساجد، يتصدق في ممشاه، إليها علي بعض من ماشاه، إلا أنه لما أرسله إلي الوهابية سليمان باشا الوزير عنّ له من اعتقادهم ما عنّ، و ظن أنه الحق و لبئس ما ظن، مع أنه رحمه اللّه ما اعتقد منه إلا ما كان حسن الظاهر، و لو اطلع علي باطنه لكان له أعظم نافر، و الذي تحققت منه أنه لا يعتقد معتقد أولئك الأقوام، و لكنه يستحسن أشياء منهم تقبلها في الظاهر الأفهام، مع أنهم توصلوا بها إلي أمور مستقبحة عند الخاص و العام، و لكن لما عرف

ميله إلي هذا المذهب ناس، أظهروه في المحافل و احتجوا لصحته بالكتاب و السنة و الإجماع و القياس، و صاروا في ذلك أشد من أهل العارض … ».

و ابن سند كان له عداء مع الوهابية، و ماشي الدولة في إظهار النفرة، و أن عبد العزيز بك كان أول من بشر بمذهب السلف في العراق لما رآه من حسن عقيدتهم، و تابعه في بغداد خلق كثير. و شاهدهم صاحب المطالع عيانا و رأي من صحة العقيدة منهم ما لم يره في سائر البلاد الإسلامية … و الآلوسيون تلقوها عن هؤلاء و قوّوها بكتب ابن تيميّة و أنصاره. و لنعد إلي تتمة ترجمة هذين الأخوين. قال ابن سند:

«و لما أمر الوزير علي باشا بقتل الأخوين لأمر كل منهما بري ء منه دفنا في موضع قريب من الموصل رحمهما اللّه و إيانا. و قد رثيتهما بمقطوعة مرتجلة قضاء لحق الصحبة … قضيا نحبهما في أول المحرم من سنة 1218 ه».

و بقي الأثر السيّي ء لهذه الوقعة في نفوس الأهلين و في نفوس آل الشاوي و ظهر في شعر عبد الحميد بك الشاوي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 185

الطاعون في بغداد:

و لما أوقع الوزير بذينك السريين بقي أياما في البرية بسبب الطاعون و كان بدت آثاره في بغداد في شوال سنة 1217 ه و دام إلي أوائل سنة 1218 ه و بعد زواله عاد الوزير إلي بغداد في 22 صفر سنة 1218 ه.

الوزير في بغداد:

«و بعد ما دخلها الوزير اشتد غضبه علي أناس من الأجناد، فصيرهم شذر مذر، فتك بقسم و نفي آخرين، و هرب قسم و منهم من اختفي و نجا من العطب» اه.

و في هذا ما يشير إلي السخط منه.

قبيلة العبيد و الملية:

كانت بين والي الرقة تمر باشا الملي و بين العبيد عداوة سابقة.

فلما حدثت وقعة سنجار و قتل محمد بك الشاوي و عبد العزيز بك لم يتيسر الحصول علي جاسم بك أكبر أولاد محمد بك و إنما مال إلي عشيرته.

فاتخذ تيمور باشا ذلك وسيلة للانتقام من العبيد من أجل عدائه القديم (لا شك أن ذلك بإيعاز من علي باشا) فانتهز الفرصة و هاجم عشيرة العبيد، و في نتيجة المعركة كسر جيش تمر باشا شر كسرة و انهزم و تغلب جاسم بك و العبيد عليهم و غنموا ما لديه من نقود مخفية و أموال بارزة مما لا يحصي و عادوا إلي الخابور فأقاموا فيه. فكان لغلبة العبيد شأن يذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 186

سمع الوزير بذلك فعزم علي تأديب هذه العشيرة فتوجه إليها بنفسه و معه قوة عظيمة. و في 6 رجب نهض من بغداد و وصل إلي ناحية دجيل. و حينئذ علمت بوصوله فقامت من مواطنها و عبرت إلي الشامية.

و حينئذ حول عزمه إلي جهة الفلوجة.

و في مجموعة مخطوطة عندي جاء أن (العبيد) كانت تقطن قصبة البصيرة و لها مخابرات مع الوهابية، فعاثت بالأمن. و أن والي الموصل محمد باشا أراد التنكيل بها و بمن معها من عشائر الجبور و العقيدات و البقارة إلا أن هذه العشائر مالت إلي الدخالة، و استولي علي العبيد الرعب فتركوا أغنامهم و إبلهم و مضوا إلي الجنب الآخر من الفرات،

و أن القصبة المذكورة أذعن علماؤها و كبارها بالطاعة، فاقتضي نصب شيخ علي هؤلاء و هو شيخ الخرنينة (علي الفضلي) فنصب و كانت الدير و عانة بيد الأغيار فلم يستطع أن يصل إليها أحد. فاستولي والي الموصل عليها.

و في هذه الأثناء جاء (عبد اللّه العظم) إلي الوزير فاستشفع به لدي السلطان و كان غضب عليه، و لذا راعي الوزير جانبه و أبدي له الاحترام اللائق و تعهد أن يستشفع له. و حينئذ عبر جسر الفلوجة و ضرب خيامه في الجانب الآخر و مكث بضعة أيام، ثم حدثت في بغداد بعض الغوائل و ولد بعض المتنفذين مثل ملا خليل و أعوانه الشغب فأحدثوا اضطرابا فلما اطلع القائممقام درويش آغا اهتم للأمر و لم يمكّن أحدا من ايقاع أي خلل و ألقي القبض علي قسم منهم و عرض الأمر علي الوزير فكتب إليه أن اقتل من يستحق و بعّد الآخرين عن ديارهم. و حينئذ قتل الملا خليل و أعوانه مثل موسي البيرقدار، و الحاج خليل البيرقدار، و الحاج حسين هبّة، و خلف البقال، و جواد بن حمزة و نفي آخرين.

مكث الوزير بضعة أيام في أنحاء الفلوجة ثم عاد إلي بغداد و رحل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 187

إلي جهة الشامية و منها نزل قرب المشهد (النجف). و هناك رتب جموعا من عثمانيين و كرد و عرب و جعلهم تحت قيادة فارس الجرباء و أمرهم بالذهاب إلي جبل شمر. و في هذه الأثناء أعلم فارس الجرباء بأن جمع الوهابيين وافي إلي هذه الجهات فأغار فارس بجموعه نحوهم بقصد الظفر بهم فلم يروا أثرا لهم و قضوا ليلتهم قرب قصر الأخيضر فوق شفاثا. و بينما هم في استطلاع

الأخبار إذ جاءت الأنباء بأنهم وصلوا إلي غربي المشهد إلي القطقطانة (طقطقانة) فقاموا من ساعتهم فأغاروا عليهم و لم يصلوها إلا وقت المغرب فوجدوا أثرا و لكنهم لم يعثروا عليهم و عادوا بيأس لأنهم علموا مؤخرا أن الوهابيين رجعوا إلي ديارهم. ثم عادوا إلي الجيش و وصلوا إلي الحلة و أقيم عبد اللّه باشا العظم في دار خاصة تليق بمكانه و أعد له ما يقتضي لإيفاء واجب الضيافة. و عاد الوزير إلي بغداد في 4 شهر رمضان من هذه السنة.

غزو الأمير سعود البصرة:

كان في بغداد رجل أفغاني الأصل يدعي ملا عثمان عزم علي قتل عبد العزيز السعود فتوجه إلي الدرعية. وصل إليها بصفة درويش و أظهر التنسك و الزهد، فأكرمه عبد العزيز السعود، و كان يضمر اغتياله، فوثب عليه و طعنه فقضي عليه، و جرح عبد اللّه أخاه فبايع القوم لسعود بن عبد العزيز. و قيل إن القاتل من أهل كربلاء، و استبعد صاحب عنوان المجد أن يكون من أهل العمادية كما نقل، و كان القتل في العشر الأواخر من رجب سنة 1218 ه.

و بعد أن تمت للأمير سعود الإمارة سار في نفس السنة إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 188

العراق، فكانت غزوة البصرة. هدم قصر الدريهمية مشرب أهل الزبير و قتل من كان فيه. و ذلك أن سعودا أمير نجد سار من الدرعية و قصد ناحية الشمال حتي نزل التنومة عند القصيم فعيّد فيها عيد النحر. ثم رخص عربان الشمال من الظفير و ذكر لهم أنه يريد الرجوع و كان حذرا أن يخبروا أهل البصرة و الزبير و من في جهتهم إذا رجعوا إليهم. قفل حتي يبغتهم من حيث لا يعلمون و كانت عادته إذا

كان يريد جهة ورّي بغيرها.

فلما رحل عنه عشائر الشمال من التنومة قصد الدرعية فسار نحو يوم أو يومين فوصلت العشائر و أخبرت من في ناحيتها بقفوله.

ثم إن سعودا رجع عائدا إلي البصرة. فلما أتي قربها وافق كتيبة من خيل المنتفق رئيسهم منصور بن ثامر السعدون فأغار عليها و قتل منهم قتلي و أخذ منصورا أسيرا. أراد الأمير سعود أن يضرب عنقه ثم عفا عنه فأقام عنده في الدرعية نحو أربع سنين ثم أذن له بالرجوع إلي أهله.

نزل الأمير سعود علي الجامع المعروف قرب الزبير فنهض جيشه إلي البصرة فدهموا جنوبها و نهبوها و قتلوا من أهلها كثيرين و حصروا أهلها، ثم رجعت تلك الجموع و حاصرت أهل الزبير و هدمت جميع القباب و المشاهد خارج سور البلد، و لم يبقوا لها أثرا. ثم أعيدت قبة طلحة و الحسن (البصري رضي اللّه عنهما) بعد هدم الدرعية.

ثم إن سعودا أمر جموعه أن يحشدوا علي قصر الدريهمية فهدموه و قتلوا أهله. فلما كان وقت غروب الشمس أمر سعود مناديه أن يثور كل رجل بندقيته فثوروها دفعة واحدة. قال لي رجل من أهل الزبير: لما ثارت البنادق في الأرض و الجو و أظلمت السماء و رجفت الأرض بأهلها، و انزعج أهل الزبير انزعاجا عظيما و صعد النساء في رؤوس السطوح و وقع فيهم الضجيج و أسقطت بعض الحوامل. فأقام محاصرهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 189

نحو اثني عشر يوما. حصد جميع زروعهم، و رجع قافلا».

و ذكر هذه الواقعة عثمان بن سند في حوادث سنة 1219 ه قال ما ملخصه:

«حاصر سعود بن عبد العزيز البصرة و قتل و نهب و حرق و زأر و أرعد و أبرق. و متسلم

البصرة إذ ذاك إبراهيم آغا فصبر و صابر، و رجع حمود إليها بعد ما سافر عنها و شد للمتسلم عضده.

و كان ابتداء غزوه في آخر السنة التي قبلها و هي التي قتل فيها أبوه» اه …

ساد الاعتقاد في نجد أن القتل جري بإيعاز من حكومة العراق فأراد أن يشفي غليله بالانتقام لوالده.

حوادث سنة 1219 ه- 1804 م

غارة الوهابية:

علم الوزير أن الوهابيين توجهوا نحو العراق فقام من بغداد في 19 المحرم حتي وصل إلي أبي عوسجة فتبين أن الركب مضي إلي البصرة فلم ينل مرغوبه، و كان حاصر قرية الزبير تسعة أيام و عاد جيشهم فلم يظفر ببغية، مضوا من جهة جنوبي البصرة إلي ديارهم. و رجع الوزير في 21 صفر.

تجهيزات علي الدرعية:

إن الحكومة العراقية لم تنل مرغوبها من سفرها السابق تحت قيادة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 190

علي باشا و عادت بالخيبة و الدمار. و لكن الدولة ألحت في لزوم القضاء علي غائلة الوهابية و عهدت بذلك إلي الوزير علي باشا في حين أن الواقعة السابقة لا زال يرن صداها في الآذان. و أن الحكومة العراقية عالمة يقينا بأنها لا تستطيع القيام بسفر مثل هذا.

قرر الوزير السفر لمجرد طاعة الأمر السلطاني و تأهب لإعداد ما يجب القيام به. و في 9 شعبان خرج من بغداد. و توجه نحو الحلة و عبر جانب الشامية فوصل الجيش إلي حوالي النبي أيوب (ع). و هناك مكث نحو أربعة أشهر و نصف في خلالها نشر سطوته في تلك الأنحاء، و أعد جمعا قويا من العساكر و أكمل معداتهم و عين عليهم ابن أخته أمير لواء إربل سليمان بك قائدا و سيره إلي جبل شمر.

سفر الجيش:

إن هذا القائد تجول في جبال نجد و وهادها و اجتاز مصاعبها، و نكل بكل من صادفه من جموع الوهابيين فنال غنائم وافرة من نعم و شاء و عاد. و الأصح أصابه ما أصاب علي باشا قبله من العناء و العطش و أن الحرارة أثرت علي الكثيرين فكف بصرهم، و نالهم الصمم و بعضهم اعترتهم خفة العقل. و لم يصلوا إلي مواطنهم إلا بعد مدة.

الخزاعل:

في هذه الأيام انحرف شيخ الشامية عن الطاعة، فجرد الوزير عليهم خيلا و أغار عليهم إلي هور شلال، فسمع الشيخ بالخبر قبل الوصول إليه ففر إلا أنه خربت دياره، و أتلفت زروعه. و حينئذ عاد الوزير و أخر خالدا الكهية، و رئيس الكتيبة (باش آغا)، و عبد الرحمن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 191

باشا، و محمد باشا متصرف كوي في الحلة للمحافظة و عاد هو إلي بغداد في 22 ذي الحجة. و طالت هذه السفرة أربعة أشهر و أحد عشر يوما.

قبيلة الظفير:

أغار الأمير سعود علي الظفير، و لم يبق لهم من شاة و لا بعير.

و رؤساؤهم (آل سويط) و هذه الواقعة دعت الظفير أن يميلوا إلي العراق و يتوطنوا فيه. و كان رأي آل سعود منهم مخالفات آووا أعداءهم و أن أناسا منهم غزوا مع أولئك الأعداء، فخالفوا السمع و الطاعة.

حوادث سنة 1220 ه- 1805 م

جاسم بك الشاوي و العبيد- آل بابان:

إن علي باشا عاد إلي بغداد و تأخر خالد الكهية، و باش آغا، و عبد الرحمن باشا، و محمد باشا في الحلة. و بعد مرور شهر و نصف طلب خالد الرجوع إلي بغداد، و بقي رفاقه و بعد سبعة أيام أو ثمانية أمروا بالعودة فعادوا و استراحوا ثلاثة أيام أو أربعة. و في هذه الأثناء علم الوزير أن جاسم بك الشاوي عبر بعشيرة العبيد من الشامية إلي الجزيرة و تمكّن في جهة الخابور، فعاثوا هناك. لذا عين الوزير عبد الرحمن باشا و محمد باشا لتبديد شملهم و أمر أن يتوقف عبد الرحمن باشا حوالي كركوك لإعداد ما يلزم من معدات و أن يذهب محمد باشا إلي لواء كوي كذلك، ثم يتلاحق الاثنان و يذهبا إلي أنحاء الخابور لإنهاء المهمة فأطاعا الأمر و ذهبا و لكن العداء القديم كان مستحكما بين الاثنين فيتربص الواحد الفرصة للوقيعة بالآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 192

و كان عبد الرحمن باشا أثناء سفر الوزير تظهر منه بعض المعاملات خلاف ما كان عليه أسلافه من حسن الطاعة كما أنه رأي من محمد باشا أوضاعا زائدة في مراعاة جانب الوزير. و من جراء ذلك صار عبد الرحمن باشا يترقب الفرص للوقيعة بمحمد باشا و يلتمس الوسائل للعصيان.

و في سفرتهما هذه وصلا إلي منزل (البط) فانتهز عبد الرحمن باشا الفرصة و قتل

محمد باشا و ألقي القبض علي جميع أتباعه و نهب معسكره و جيشه و كتب بذلك عرضا إلي الوزير أخبره به عما جري و ذهب توا إلي كركوك.

و هذا ما لا يصح السكوت عليه إلا أنه تعهد أن يقوم بالخدمة، و يراعي الإخلاص و الصداقة. و كانت المصلحة تدعو إلي مراعاة جانبه و السكوت عنه لأجل، لذا كتب إليه يعزره و ينصحه و بالنتيجة يعفو عنه، و لزيادة تطمينه أرسل إليه خلعة و أمرا و وجهت إليه ألوية كوي و حرير.

و لما ورد موظف من قبله أرجع إلا أنه حينما وصل إلي داقوق عاث عسكره بالزروع و القري و نهب و سلب. فأخبر متسلم كركوك الوزير بكل ذلك و جاءت الأخبار من أماكن أخري تنذر بخطره فتظاهرت خيانته فلم يطق الوزير التغافل عنه.

و كان الوزير يحسب أن خالدا الكهية متفق معه في الخفاء هو و بعض ندمائه. لذا ألقي القبض عليه و علي الحاج عبد اللّه آغا متسلم البصرة سابقا و أعوانهما و سجنهما في القلعة الداخلية و في هذه أتهم محمد الفيضي بن لطف اللّه كاتب الديوان و كان خطاطا معروفا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 193

و عين مكانه ابن أخته سليمان بك وكيل الكهية و عزل الكهية، و وجه إيالة بابان إلي خالد بك ابن أحمد باشا و كان أرسل قبل شهر مأمورا إلي جهة العمادية لمعاونة قباد باشا و أن يكون قوة ظهره. و منحه الوزير رتبة باشا و وجه ألوية كوي و حرير إلي سليمان بك ابن إبراهيم باشا برتبة باشا و ألبس الخلعة من بغداد و أرسلت إلي خالد باشا خلعة ليلبسها في المحل الذي هو فيه و صدر

أمر العزل بحق عبد الرحمن باشا و أعطي إلي رسوله. و أمر الوزير بما يلزم للسفر و أن يقضي علي هذه الغوائل.

رأي الوزير أنه لا يأتلف بقاء خالد الكهية و الحاج عبد اللّه آغا محبوسين حذر أن يتولد ما لا تحمد عقباه، و لذا قتل خالدا الكهية في الحال و أمر بنفي الحاج عبد اللّه آغا. و حينئذ نهض في 5 شهر ربيع الأول للانتقام من عبد الرحمن باشا و ساق الكتائب متوجها إلي ديار الكرد.

و في هذا الحين قدم عبد الرحمن باشا عرضا يلتمس فيه العفو و الرأفة به و توالت العرائض منه و لكنه لم يعدل عن غيه، و أنه لا يزال جادا في عمله. جلب لجهته ضامن المحمد شيخ العبيد، و حمد الحسين شيخ الغرير و بقوا في كركوك بضعة أيام لا سيما أنه نصب خيامه في (قره حسن)، و أرسل أخاه سليمان بك بنحو خمسمائة فارس فدمروا (زهاو) مقر متصرفية درنة و باجلان فهرب منها حاكمها عبد الفتاح باشا. ثم إن خالد باشا عبر إلي الجانب الآخر من الزاب فوصلت إليه الخلعة مع الأمر المتضمن التوجيه و من ثم عاد إلي إربل، و صار يترقب ورود الوزير فجمع جموعا من الإربليين و الموصليين فأغتر بهم و جاء إلي قنطرة الذهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 194

و علي هذا جهز عبد الرحمن باشا أكثر من ثلاثة آلاف فأغار علي خالد باشا بوجه السرعة قبل أن تصله القوة، و لما قرب من القنطرة صادف خالد باشا و معه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من خيالته فخرجوا عليهم من القنطرة و تأهبوا لمكافحتهم فنصب خيامه خارج القنطرة و اتخذ المتاريس فلم يمهلهم عبد الرحمن

باشا و إنما هاجمهم بكافة جموعه فقابله خالد باشا مدة قليلة فرأي أنه لا يستطيع الدوام علي محاربته نظرا لقلة عسكره و ضعفهم فانكسر جيشه و رموا بأنفسهم في الماء، فلم يجدوا نجاة بل غرق أكثرهم، و انتهبوا ما لديهم من أموال و غنائم. و أن خالد باشا نجا بنفسه مع بعض أعوانه بشق الأنفس فانهزم إلي إربل موليا الأدبار، و أما أخوه عبد العزيز بك فإنه خرق جيش عبد الرحمن باشا بنحو مائة فارس و ذهب توا إلي علي باشا و أخبره بما وقع.

هذا و أن عبد الرحمن باشا هاجمت جيوشه بلدة آلتون كوپري و انتهب أهليها ثم عاد رأسا إلي (قره حسن) و أقام فيها. و أن عبد العزيز بك ذهب بتلك الحالة من طوز خورماتي إلي ناحية البيات فوصل إلي علي باشا، و لذا سارع الوزير لملاقاة عبد الرحمن باشا و مقارعته فتوجه إلي جهة كركوك و لكن عبد الرحمن باشا لم يعتقد أن الوزير سيتوجه إليه و لم يعلم بمجيئه نحوه.

و بينما هو في حالة الدفاع إذ فاجأه الوزير بغتة فلم يقدر علي البقاء فعاد إلي الوراء و حاصر في مضيق (بازيان). و أن شيوخ العبيد و شيوخ الغرير كانوا معه ففروا منه و التمسوا النجاة، مالوا إلي أنحاء سنجار و منها إلي الخابور ثم عبروا إلي الشامية.

و لما أن علم الوزير بذلك وجه شمر و رئيسها فارس الجرباء لاقتفاء أثرهم و كذا قبيلة عقيل ليقطعوا مرورهم و يمنعوهم من العبور إلي جهة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 195

الشامية. و أخذ الوزير معه أمراء الكروية و عساكر إربل لاستئصال المذكورين و القضاء عليهم، و من الغريب أنهم حينما حاولوا العبور

باغتتهم القبائل و أحاطت بهم من كل صوب فقتلوا كثيرا بينهم ضامن المحمد شيخ العبيد و غنموا منهم غنائم كثيرة فجاءت البشري إلي الوزير و هو آنئذ في كركوك.

و أن خالد باشا جمع له جموعا أخري قدر المستطاع و وصل إلي كركوك فتحركوا جميعا منها و ضربوا خيامهم في الجانب الآخر من وادي (قزل دره) و يبعد نحو نصف ساعة عن المضيق، أما عبد الرحمن باشا فإنه أحكم سد المضيق.

و صار يفكر الوزير في طريق يسهل الذهاب إليه فبقي نحو أربعة أيام، و في هذه الأثناء كتب عبد الرحمن باشا إلي الشاه يستمده و يطلب منه إنقاذه، و لذا التمس شاه إيران من الوزير أن يشفعه فيه في العفو عنه فجاء سفيره بكتاب منه.

أما الوزير فألزمه الحجة بوجه معقول. و في ضحي اليوم الخامس صف الجنود و نظم الكتائب و شرع بالحرب فهاجم المضيق و كان محكما. اتخذ فيه عبد الرحمن باشا سناكر متعددة و وضع في كل واحد منها مقدار ألف بندقي من خيار جنوده، و إخوته سليم بك و سليمان بك و خالد بك و سائر مشاهير رجاله جعلهم خارج المضيق و بقي هو مددا لهم وقت الضرورة، و حينئذ صالت جيوش الوزير فنال جيش عبد الرحمن باشا اضطراب فانكسر البندقيون و الخيالة. فروا إلي داخل المضيق فقتل منهم الكثير، و ألقي القبض علي آخرين منهم. و انتهب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 196

الجيش جماعته و غنم أموالهم. و كانت الخسائر في النفوس فادحة و الغنائم وافرة.

و علي هذا كسا الوزير كلّا من خالد باشا و سليمان باشا خلعة مجددا و رخصهما في الذهاب إلي مقر حكومتهما.

ثم إن الوزير أراد أن يقضي

علي البقية الباقية من قبيلة العبيد فتحرك نحو الخابور و ساق عليهم كتائبه. و لما وصل إلي قرية (أزناور) في سفح جبل (اشتبه) نكل بخلف آغا و أولاده الذين كانوا ألفوا نهب القوافل و قطع الطرق فأخذ منهم مؤونة عظيمة و مبالغ وافرة من النقود فأذعنوا له بالطاعة ثم توجه نحو الخابور فسمع العبيد بذلك فعبروا نهر الفرات بأنواع الكلفة و العناء و تركوا زروعهم فحل الجيش محلهم و رتعت خيوله فيها إلي أن أتلفها، مكث بضعة أيام ثم عاد إلي بغداد فدخلها في 4 رجب. و دامت هذه السفرة أربعة أشهر و عشرين يوما.

سليمان بك يوجه إليه منصب كهية:

و لما دخل بغداد أنعم علي سليمان بك بمنصب كهية اصالة و ألبسه الخلعة لما رأي فيه من المقدرة و الكفاءة.

الوهابيون- غارتهم:

اشارة

إن الوهابيين صاروا يشنون الغارات علي أنحاء العراق، و شاع في هذه الأيام إرسالهم السرايا علي العراق، و لا تزال ركبانهم تتري، فتأهب الوزير فخرج بنفسه من بغداد في غرة شهر رمضان و جاء إلي الحلة فنزل الوردية، و بث العيون لاستطلاع الأخبار.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 197

و قال صاحب عنوان المجد:

«و فيها- سنة 1220 ه- بعث سعود سرية جيش أميره منصور بن ثامر و غصاب العتيبي يترصدون ركبان العراق لئلا يغيروا علي طوارف (قوم ابن سعود) و عشائرهم. فسار الجيش المذكور و صادف غزوا لأهل الجزيرة رئيسهم روخي بن خلاف السعدي الظفيري و راشد بن فهد بن عبد اللّه السليمان بن سويط و مناع الضويحي رؤساء الظفير. و أكثر هذا الغزو منهم و من رؤسائهم. و هم في فليج في الباطن قرب الحفر فاستأصلوا جميع الغزو قتلا و لم يسلم منهم إلا الشريد قدر عشرة رجال و القتلي يزيدون علي المائة.

و رجع منصور و من معه غانمين سالمين.

و منصور هذا هو الذي أخذته خيل سعود أسيرا في غزوة الدريهمية كما تقدم» اه.

غزوة النجف:

في هذه السنة سار سعود بجيوشه، و نازل المشهد، و فرق جيشه عليه من كل جهة و أمرهم أن يتسوروا الجدار علي أهله، فلما قربوا منه فإذا دونه خندق عريض عميق فلم يقدروا علي الوصول إليه و جري بينه و بينهم مناوشة و قتال ورمي من السور و البروج فقتل من جيش سعود عدة قتلي فرجعوا عنه.

ثم رحل سعود فانحاز علي الزملات من غزية فأخذ مواشيهم، ثم ورد الهندية المعروفة ثم اجتاز بحلل الخزاعل و جري بينه و بينهم مناوشة قتال و طراد خيل، ثم سار و قصد السماوة و حاصر أهلها و نهب نواحيها و دمر أشجارها، و وقع بينهم رمي و قتال ثم رحل منها و قصد جهة البصرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 198

و نازل أهل الزبير و وقع بينه و بين أهله مناوشة قتال و رمي، و رحل منه إلي وطنه.

بنو لام- ربيعة:

إن شيخ بني لام عرار العبد العال تمنع عن أداء الميري، و لا تزال بقايا أميرية لدي ربيعة لم تؤد بعد فاقتضي استيفاؤها كما أن محلا يقال له (وادي) كان مقر أهل العيث و قطاع الطريق يرتكبون فيه أنواع الأضرار و السرقات فأخبر الوزير عن هؤلاء أيضا.

لذا أمر أن يؤدب هؤلاء، و أن تحصل الأموال الأميرية فسير كتخداه سليمان بك إلي بني لام من بغداد ليلا و استصحب عليق خيوله معه لمدة يومين و أغار بسرعة حتي وافي ال (وادي). فلم يجد أحدا إذ أنهم علموا بالأمر ففروا قبل الهجوم عليهم. و حينئذ سلبوا نحو سبعمائة رأس من الجاموس و نزلوا من ال (شبّاب) للاستراحة و هو قريب من شط دجلة إلي أن تأتي أثقالهم. و لما كان الوقت

أيام الشتاء، و الهواء باردا لم يصل الثقل بسرعة و نال الجيش من جراء ذلك عناء شديد و كان في هذا المنزل فرقة من بني لام يقال لها (الرحمة) و شيخها (حاشي)، عزل و عين مكانه (مهنّا الجساس). و من هذه الغارة فرّ عرار شيخ بني لام فنصب مكانه عباس الفارس و كتب له أمر بالحضور فتوقف الجيش منتظرا ورود الجواب فتبين أن عباس الفارس متفق مع عرار. و لما لم تكن لأحد رغبة في المشيخة و لم يجرأ علي المواجهة فالموظف المرسل لجلبه وصل إلي منزل يقال له (طيب)، بقي فيه بضعة أيام أخروه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 199

عندهم ليذهبوا إلي مسافة ثلاث مراحل أبعد كما تبين من كلام الرسول حين عودته.

و حينئذ أخبر الجيش بأن هناك بعض العربان يبعدون بضع ساعات فأغار عليهم صباحا فأحاط بهم فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألفا من الغنم و رجع إلي مخيمه الأصلي. ثم استطلعوا أخبارا عن بني لام فتبين أنهم عبروا نهر (دويريج) فكانت المسافة بعيدة، لذا ترك الجيش أثقاله في محلها و هاجم بما لديه خفافا فأصبحوا منزل (طيب) و عبروا إلي الجانب الآخر فنزلوا ببعد ساعتين عنه، فمضوا إليهم فصبحوا نهر (دويريج). و حينما عبروا هذا النهر لم يجدوا أثرا للعربان و لكنهم عثروا بالقرب منهم علي عرب المقاصيص و كانوا أيضا من نوع من سبق فأخبر الجيش بذلك فذهب نحوهم فدمرهم و غنم منهم نحو اثني عشر ألف شاة فأرسلت إلي بغداد من طريق جسّان.

في هذه الأثناء أرسل الكتخدا إلي عرار أمرا بتأمينه مع بعض الموظفين فلم يجسر أن يأتي للمواجهة و لكن بعد بضعة أيام طلب عباس الفارس الدخالة فقبلت

منه و من ثم وجهت إليه مشيخة بني لام و ألبس الخلعة ثم أغار علي بعض المعدان و اغتنم مقدارا من الأغنام و المواشي و أخذت الرهائن من شيخ ربيعة. و عاد الكتخدا إلي بغداد. و هكذا كانت الغاية النهب و السلب فتحققت.

شيخ زبيد:

أقام الوزير مدة في الحلة خلالها رأي من الشيخ حطاب الشلال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 200

شيخ زبيد ما يغاير المطلوب فعزله و نصب مكانه ابن عمه حسين البندر شيخا، و أغار الوزير علي حطاب فلم يظفر به. ثم عاد إلي بغداد فدخلها في 24 من المحرم. و كانت مدة سفره أربعة أشهر و أربعة و عشرين يوما.

حوادث سنة 1221 ه- 1806 م

إيران و بابان:

كان عبد الرحمن باشا انهزم بأتباعه إلي إيران فوصل إلي (سنة)، و بواسطة أميرها (أمان اللّه خان) عرضت قضيته علي الشاه.

و لما كان رجال إيران يرغبون في تنفيذ آمال أمثاله تعهدوا أن يؤازروه و خصصوا له محلا في سقز و مع هذا أرسل أمان اللّه خان كتابا إلي الوزير يلتمس فيه العفو عنه، و أن يعاد إلي بلاده.

أما الوزير فلم يرق له هذا الملتمس لوجوه عديدة اقتصر منها علي بيان مساوي ء عبد الرحمن باشا و كتب جوابا أرسله مع الرسول، و عقب ذلك أرسل السيد سليمان بك الفخري، فرجع بعد بضعة أشهر حاملا الجواب و أوصاه بوصايا شفهية مآلها أنه قبل اعتذاراته و أنه راغب في الصداقة و المصافاة، ثم إن سليمان بك حينما كان في طهران أحضر الشاه له عبد الرحمن باشا و بيّن له أن الوالي مشغول في حروب الوهابية، و أن كل تكليف يقع من جانب الشاه يضطر إلي قبوله فيما إذا حصل من حضرة الشاه إصرار ما.

و أرسل الشاه سفيرا آخر يؤكد فيه لزوم توجيه إيالة الكرد إلي عبد الرحمن باشا بعد عودة سليمان الفخري بنحو شهرين.

و في الأثناء كان أحد التجار الإيرانيين متوطنا قصبة الكاظمية فطلب مرة مواجهة الوزير و أخبره أن شاه إيران يزيد علي توجيه إيالة الكرد إلي عبد

الرحمن باشا طلب مبلغ مائتين و خمسين ألف تومان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 201

يريدها من بغداد مع هدايا كثيرة، و أن هذا السفير إن أعيد خاليا فسوف تضبط ديار الكرد قسرا بواسطة أمير سنة و عبد الرحمن باشا، و لم يكتف حينئذ بهذا بل سوف يهدد بغداد فتكون عرضة للأخطار، و قال أخبره بذلك أحد أقاربه.

إن الاعتقاد بصحة أمثال هذه الأقوال ليس بصواب و لكن تحقيقه ضروري، و عندئذ يتوسل بالوسائل اللازمة لدرء الأخطار. و هذا مما يحتاج إلي استطلاع رأي الدولة و لكن الوزير غضب لمعاملة إيران هذه.

لذا أصدر أمره حالا بالتأهب للحرب دون أن ينظر في العواقب، و ما ينجم من أخطار، فلم يستأذن من دولته، و هذا منتهي الطيش».

توتر العلاقات بين العراق و إيران:

اشارة

و في الحال كان رئيس الكتيبة محمد أمين آغا حاضرا فأرسله مع رعيلات الخيالة لإمداد خالد باشا متصرف بابان، و بعد أيام أكمل أسباب السفر و جمع قوته و نهض من بغداد في 7 ربيع الآخر و معه اثنا عشر ألفا من الجنود العراقية الخالصة بين خيالة و مشاة.

قال صاحب غرائب الأثر:

«خرج من بغداد الوزير علي باشا بالعساكر و سبب خروجه أن الشاه أرسل إليه يطلب حكم السليمانية إلي عبد الرحمن باشا فامتنع و أصر علي القتال فخرج من بغداد في أوائل جمادي الأولي و جمع معه العشائر و طلب من الموصل عسكرا فأرسل إليه محمد باشا الجليلي خمسمائة مقاتل و عليهم كاتب ديوانه أحمد بن بكر الموصلي و لما اجتمعت العساكر سار … » اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 202

و حينئذ عبر ديالي و ساق الكتائب نحو شهربان فوافاه خالد باشا متصرف بابان و عبد الفتاح باشا متصرف درنة و باجلان و حسن خان الفيلي فعقد معهم مجلس شوري، و هؤلاء تحادثوا في الأمر، و كانوا يعلمون الخطر و يتوقعون نتائجه. و لكنهم رأوا أن الوزير مصر و أن رغبته فيه قوية، و لم يجسر أحد علي معارضته فاقترحوا لزوم أخبار الدولة بما وقع فوافق و رافقوه إلي قزلرباط، فاستراحوا بضعة أيام، و تواصلت في هذا الحين بعض العشائر و البقايا العسكرية فتلاحق الكل فنهض الوزير و اتخذ زهاو (زهاب) مضرب خيامه.

و هناك انتظر بضعة أيام للاستراحة و لكنه في الحقيقة يترقب جواب دولته، و كان يعتقد أنها سوف تأذن له، و لذا تحرك من المنزل المذكور و علي هذا و لما كان الطريق و عرا أمر بتعديله و تنظيمه، و أرسل إلي رئيس

الكتيبة أن يلتحق به مع بيارق الخيالة فوصلوا إليه و تمت تسوية الطريق و تقدمت عقيل و بأثرها المدفعية فمضت من طريق (پاي طاق) و كان الوزير متأهبا للمضي في عقبهم و جاءه الجواب من الدولة عما عرضه عليها مع التاتار (البريد السريع) و خلاصته أن السلطان لا يرضي أن تنقض المعاهدات المعقودة مع إيران، للآن لم يشرع بالحركة فعليه أن يعدل عنها و إلا فمن المحل الذي تصل فيه هذه الأوامر، و الدولة آنئذ ليس لها من القدرة ما تحارب الثورات الناشبة عليها فضلا عن الدول المجاورة.

و لذا أمر الوزير أن تعود العساكر و المدفعية في الحال امتثالا للأمر السلطاني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 203

إمداد خاند باشا لسليمان الكهية:

رجع الوزير عن القتال و لكن في خلال إقامتهم في (پاي طاق) تقدمت بعض العشائر و اجتازت الطاق فتخطت الحدود و أغارت علي ناحية (مايدشت) و انتهبت بعض رعايا الإيرانيين و استولي الرعب علي الأهلين في كرمانشاه خوفا من سطوة الوزير و تسلطه و فر بعضهم إلي همذان، و أن الأهلين تأهبوا للحيطة و اتخذوا التدابير اللازمة.

و هذه الأخبار توالت علي الشاه، و لذا أمر أن تحافظ الحدود و إذا كانوا اجتازوها أن يدافع عن المواطن المتباقية فأرسل ابنه محمد علي ميرزا مع مقدار وافر من الجيش لجهة كرمانشاه و بعث بفرج اللّه خان ليكون قائدا علي أنحاء سنة و حاكمها (أمان اللّه خان) و يخمن الجيش بخمسة آلاف أو ستة. أما عبد الرحمن باشا فإنه خرج من سقز و تمكن في محل قريب من السليمانية و كان ينتظر أن تظهر نتيجة.

و لما تبينت وظيفة فرج اللّه خان و أمان اللّه خان بهذه الصورة أراد عبد الرحمن

باشا جذبهم إليه و تعهد لهم بأطماع وفيرة و جلبهم إلي محل قريب منه. و حينئذ علم خالد باشا بالخبر و لكنه لم يستطع أن يعمل عملا دون استشارة الوزير فعرض الأمر عليه و طلب منه أن يرسل إليه قائدا قديرا ليشاوره في الأمر و يتخذ الحيطة، و أن يزود بقوة من الجند.

و لا يزال الوزير في (پاي طاق). ورد إليه الخبر من الباشا فأرسل إليه سليمان باشا متصرف كوي و حرير و بعض العشائر الموجودة و صنوف كركوك العسكرية و السباهية و بعض الأفراد من أهل القري فتجمع نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نفر و جعل هؤلاء تحت قيادة سليمان الكهية و سيره لجانب خالد باشا و عاد هو بباقي الجيوش و جاء إلي (شروانة) التابعة لقضاء كفري فأقام فيها، و كان يترقب الأخبار عن الجيش الذي أرسله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 204

أما الكتخدا فإنه مقدام و همام، ذو شجاعة و لكنه لم يكن ممن زاول جسام الأمور ليقوم بعمل مثل هذا. و علي كلّ إن الكتخدا حسب أن عبد الرحمن باشا و جيوش إيران كعشائر العرب التي حينما تسمع بجيش الحكومة تفر من وجهه فاعتقد أنها سوف تنهزم بهذه الصورة.

و لذا تقدم بجيشه و مضي من پاي طاق فقطع الجبال الصعبة و الطرق الوعرة فطوي مقدار خمسة منازل أو ستة في يومين و ورد شهرزور و تحرك مع جيش خالد باشا و هذا أراد إقناعه في البقاء للاستراحة بضعة أيام لينظر نوايا إيران و يتحقق أوضاعهم، فلم يلتفت، و لم يتدرع بالحزم الذي هو شرط الشجاعة و لا راعي الاحتياط، أغار علي ايران، و لم يستقر في موطن للاستراحة حتي

بلغ الحدود بل تخطاها و اجتاز (زير باري) في مريوان من أعمال سنة، فصادف جيش إيران.

و كان جيش الكتخدا رأي عناء شديدا في اجتياز هذه الجبال و الوهاد و لم ير راحة أو استراحة فقطعها في ثلاثة أيام أو أربعة فلم يستطع الباقون اللحاق به و لم يجد مجالا ليرتب الجيش و يراعي تعبيته بالوجه المطلوب. و حينئذ قابل العدو فوقع القتال بين الفريقين فلم يقصر في الشجاعة و الحرب و لكن رغم الجلادة التي أبداها كسر.

قال في غرائب الأثر: «كان فيه هوج و حمق … فسار إلي أن وصل معسكر عبد الرحمن باشا و من حمقه باشر القتال و الخيل و الفرسان في تعب من بعد الطريق و قاتل سليمان بك بنفسه فأسر و تفرقت عساكره و قتل منهم أكثر من ألف، و من سلم سلبت ثيابهم و سلاحهم و ملكت خيامهم و أثقالهم … » اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 205

أحاطت بالكتخدا الجيوش من كل صوب. فألقي القبض عليه و علي من معه فأسر و أرسل إلي الشاه في طهران.

وصل خبر هذه الواقعة إلي الوزير و هو في شروانة، و في عين الوقت جاء خبرها إلي محمد علي ميرزا و كانت مهمته أن يحافظ علي الحدود و لكن الميرزا مشي من زهاو بلا سبب و جاءت طلائعه إلي قزلرباط و أغارت علي بعض الرعايا فانتهبها و اتخذ ذلك فرصة، و حينئذ تحول الوزير من شروانة إلي كفري و عاد الإيرانيون إلي مواطنهم الأولي و أن الوزير لمجرد تطمين السكان و إزالة الخوف عن الرعايا بقي أياما.

و في هذه الأثناء أظهر عبد الرحمن باشا الطاعة و طلب أن يجاب ملتمسه فجاء رسول

منه بذلك. و حينئذ وجه الوزير إليه البيورلدي و الخلعة فجاء إلي بغداد في سلخ رجب. و مدة هذا السفر ثلاثة أشهر و ثلاثة و عشرون يوما.

و أما صاحب المطالع فإنه قال:

«و لما وصل خبر أسره الوزير خاله، ساءه ما دهمه و غير حاله، فرجع القهقري إلي أن نزل بعسكره في مأمن، و في ذلك المأمن نزل عليه حمود بن ثامر و صار نزوله علي الوزير نعمة اقتضت من الوزير إكرامه و تعظيمه، كيف و قد ورد عليه إبان هزيمته و لين شكيمته، و بسالة فرسانه كالعدم، و رجالته تقول أفلح من انهزم.

و لما سكن بورود حمود اضطرابه … أقام في ذلك المكان … إلي أن صلح بسعي السفراء بين الفرقتين و التئام شمل ذات البين فدخل بغداد …

فأفاض علي حمود كل نعمة … فرجع شاكرا أنعامه … » اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 206

نعمان باشا الجليلي:

و في 16 جمادي الأولي توفي الوزير محمد باشا الجليلي والي الموصل و دفن في جامع الشيخ محمد الزيواني فتسلم البلد ولده محمود بك، و في غرة شوال ثارت فرقة من الينگچرية … ثم صالحوهم فسكنت الفتنة و في 26 منه اعتزل الأمير أسعد بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي و عزم علي محاربة أقاربه … و من ثم انسحب محمود بك فتسلم الموصل نعمان بك ابن الوزير سليمان باشا الجليلي في 7 ذي القعدة ثم ظهر في 22 منه فساد من أتباع أسعد بك فطلبه نعمان بك فهرب …

و بتوسط من الجليليين خرج أسعد بك إلي إربل … و في المحرم سنة 1222 ه ورد الفرمان بولاية نعمان باشا فسكنت الموصل.

الوهابية- سفرة إلي الحلة:

إن الوزير حينما عاد من سفر (پاي طاق) حدثت وقعة سليمان الكهية فشغلت فكره. و في هذه الأثناء شاعت قضية الوهابية … فأقام ببغداد نحو الشهرين و هو في حيرة و في 5 شوال تحرك من بغداد بما لديه من جيش إلي الحلة و بث العيون في كل صوب حذرا من المفاجأة.

و بوجوده لم يستطع الوهابية أن يتقدموا فلم تظهر لهم حادثة و أما التدابير المتخذة لخلاص سليمان الكهية فقد كانت نتائجها حسنة. بقي في طهران نحو ستة أشهر ثم رخص الشاه بانصرافه فورد بغداد فاستراح بضعة أيام ثم ذهب إلي الحلة لملاقاة الوزير. و لما لم يبق حذر من الوهابية، عاد الوزير إلي بغداد فدخلها في 22 المحرم سنة 1222 ه و مدة سفره هذه بلغت ثلاثة أشهر و 28 يوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 207

و بهذا وجه الأستاذ سليمان فائق اللوم علي الوزير من جراء خرقه في سياسته

بهجومه علي إيران و معاملته عبد الرحمن باشا.

حوادث سنة 1222 ه- 1807 م

رتبة ميرميران للكهية:

إن سليمان الكهية كانت أعماله مرضية للوزير فالتمس من دولته أن تنعم عليه برتبة ميرميران فورد الفرمان و نال لقب (باشا).

جمل الليل في بغداد:

ورد البصرة فبغداد العالم أبو عبد الرحمن زين العابدين المشهور بجمل الليل، و في البصرة أخذ عنه عثمان بن سند المؤرخ المشهور.

و في بغداد روي عنه الأكابر و الأصاغر طلبا لعلو الإسناد، أما الوزير فزاد في إكرامه و لكنه فاجأه الأجل فحال دون الوفاء بما وعد من عزمه علي شراء أملاك يقفها في مدينة الرسول صلي اللّه عليه و سلّم. و أمره الوزير سليمان باشا بعد ما توفي خاله أن يقرأ البخاري … ثم رجع من بغداد علي طريق البصرة في سنته هذه و لم ينل مطلوبا. و توفي في حدود سنة 1235 ه.

قتلة علي باشا:

جاء قبل ثلاث سنوات مدد بك من أعيان باطوم إلي الوزير فأكرم مثواه، إلا أنه كفر النعمة، فاتفق في الخفاء مع مصطفي الأبازة و أمثاله و هم ثمانية أو تسعة تحالفوا علي اغتيال الوزير و صاروا ينتهزون الفرصة.

و في 24 جمادي الثانية ليلة الثلاثاء كان الوزير حسب المعتاد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 208

يؤدي صلاة الصبح عند طلوع الفجر مع الجماعة، و بينا هو في السجدة الثانية من الركعة الأولي إذ فاجأه مدد بك بضربة خنجر و آخر ضرب عباس آغا المهردار في بشتاو (بشتاوه) فأرداه. و في الحال كسر (السراج) و أطفي ء الشمع فخرجوا و ذهبوا إلي دار نصيف آغا كتخدا البوابين. أما المهردار فإنه توفي في آنه و لكن الوزير بقي ساعة فمات.

أما سليمان باشا الكهية فإنه حينما سمع بالخبر وافي إليه في حالة النزع. فعهد لبعض الأغوات بالقيام بما يلزم لتكفينه و دفنه و عاد هو إلي مكانه لضبط الإدارة و رعاية منصب الحكومة ثم دفن الوزير في مدرسته قرب السراي بإجلال و عظمة. و الملحوظ أنه

لم تعرف له اليوم مدرسة باسمه.

ترجمة الوزير:

اشارة

قال صاحب الدوحة: «إن هذا الوزير عمر نحو 45 سنة. و أيام حكومته مع مدة القائممقامية خمس سنوات و ثلاثة أشهر و 19 يوما. و هو من مماليك سلفه سليمان باشا، رباه، فحفظ القرآن الكريم، و هو ذو دين و ورع، يحب الصلحاء، و العلماء … و كان خفيف الروح، أديبا، سخي الطبع، شجاعا، صعب المراس، ذا هيبة و وقار و صاحب غضب وحدة و مناقبه كثيرة … » اه.

و قال صاحب مرآة الزوراء:

«تولي علي باشا بعد وفاة سليمان باشا فوجد كل شي ء في مصلحته. و هو جري ء جسور، لذا أخاف الناس إلا أنه سريع الغضب و لم يكن له من الدراية ما يكفي مما دعا إلي حروب و مخاصمات كان في غني عنها، منها ما كان قبل أوانه، و منها ما لم يحسن عمله. فلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 209

تتقدم الإدارة في أيامه بل انحطت و أدت إلي ضعف إلا أن ذلك كان زمن شباب (المماليك) فلم يشعر بالضعف في حينه … » اه.

و يعرف ب (أبي غدارة). لأنه كان يحمل الغدارة و هي نوع سيف له حدان، و ليس فيه انحناء، و إلي وقت قريب تستعمل الغدارة.

و أوضح صاحب مرآة الزوراء أنه بعد وفاة سليمان باشا خلفه كتخداه علي باشا. و هذا كأنه حصل علي الثروة بطريق الإرث فصار يهب إنعامات كبيرة لأدني أمر فيمنح الألف ليرة و ما يزيد فاشتهر بين العوام، فأسرف حتي في الإكراميات و أمثالها. فكان إذا توفي أحد من العلماء، أو من رجال الحكومة يمنح أسرته ما يحتاجون من أطعمة، و ما يكفيهم من حبوب و دراهم و يخصص لهم مخصصات. و هذا و إن كان من الأمور المستحسنة

إلا أنه لم يوزن بمقياس صحيح. و كذا راعي أقوال بعض المغرضين فسفك الدماء أيام وزارته فأفرط» اه.

و هذه الوقائع لا ننسي منها قتل آل الشاوي و غيرهم. أراد أن يمشي مشية سليمان باشا في قهره و سطوته فخاب فالخرق في أعماله ظاهر، و أراد أن يتحكم في إمارة بابان ففشل و قتل خالدا الكهية دون تحقيق بل لمجرد الواهمة، و جهز جيشا علي الوهابية فخذل. و هذه الوقائع فضحت أمره، والدين براء منه، لسوء أعماله و قسوته.

و كان المماليك عصبة لم يؤثر فيهم خرق أمير أو وزير و إلا فإن أعماله هذه كافية لهدم صرحهم. و إن صاحب الدوحة أثني عليه إلا أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 210

لم يستطع أن يستر خطله. و قال: التف حوله بعض من لا خلاق له فسفك الدماء …

سليمان باشا الكهية:

إن الذين غدروا بالوزير غيلة ذهبوا إلي دار نصيف آغا، و رأي في نفسه الكفاءة فجمع له جموعا و صار يدعو لنفسه، فمضي إلي دار الحكومة، و لكن عامة الأهلين حينما سمعوا بالأمر قالوا لا نريد غير سليمان، أذعنوا له بالطاعة من تلقاء أنفسهم، فاختاروه (قائممقاما) قبل أن يتحرك نصيف آغا بحركة، و لما جاء نصيف آغا بجمعه إلي قرب السراي و اطلع علي ما وقع تفرق شمله و ذهب إلي جانب الكرخ فاختفي.

أما مدد بك و مصطفي آغا الإبازة و أعوانهما فقد ألقي القبض عليهم الواحد بعد الآخر فنالوا عقوبتهم و كذا من شايعهم و أجريت التحريات الشديدة علي نصيف آغا فألقي القبض عليه في الكرادة. و قبل أن يصل إلي (القائممقام) صادفه أغوات الداخل في جانب الكرخ فقطعوه إربا إربا …

وقائع:

1- إن متصرف بابان عبد الرحمن باشا وصل إليه خبر هذه الوقعة فنهض في الأثر و توجه إلي كوي و حرير للاستيلاء عليهما، و لكن متصرفهما سليمان باشا ثبت للمقاومة فلم ينل منه غرضا وعاد.

2- إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان مهجورا في كركوك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 211

و حينئذ جاء إلي بغداد و نزل الميدان لمناصرة سليمان باشا و أجري مراسم الخدمة و الإخلاص له.

3- نهض عبد الرحمن باشا من جهة لواء كوي فأراد أن يولد اضطرابا في أنحاء بغداد فمر بكفري حتي وصل إلي قريب من الخالص.

و كان رئيس الكتيبة في شهربان مع بيارق الخيالة و اللوندات فسير إليه عبد العزيز بك أخا خالد باشا و بعض العشائر و العقيليين و ثلاثمائة من خيالة (بابان) ليكونوا قوة له فلم يجسر عبد الرحمن باشا أن يوقع أي ضرر

و إنما بقي بضعة أيام ثم رجع.

4- في هذه الأثناء ظهر من كاتب الديوان (محمد أفندي بن لطف اللّه أفندي) بعض الأوضاع منها أنه نفّر متسلم البصرة سليم آغا كما أنه حث عبد الرحمن باشا علي المجي ء. فلما تبينت منه هذه الأوضاع ألقي عليه القبض و نال جزاءه داخل القلعة و نصب مكانه (ولي أفندي) فصار (رئيس الديوان) و هو كاتب بليغ و منشي ء قدير، أعجوبة في البلاغة و الفصاحة، قلمه سيال، و كتابته رائقة جميلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 212

حوادث سنة 1223 ه- 1808 م

وزارة سليمان باشا:

اشارة

لم يرق المحضر للدولة للخيانة التي أدمجها كاتب الديوان السابق محمد أفندي و لذا وجهت الإيالة إلي يوسف باشا و بقيت في عهدته ثلاثة أشهر أو أربعة. و من ثم شنعت الدولة علي سليمان باشا لمحاولتها القضاء علي المماليك.

ثم إنه بعد أن عين ولي أفندي لرئاسة الديوان دبج عرضا و محضرا آخر و أرسل مجددا إلي الدولة يلتمس فيه التوجيه و بوصوله ورد الفرمان بإجابة ما طلب فرفعت الوزارة من يوسف باشا و وجهت إلي سليمان باشا الكهية في المحرم بواسطة معتمد كتخدا الباب محمد أفندي. و السبب في هذا لم يكن كاتب الديوان و إنما هو السياسة و فيها توجيه للمعذرة و انتحال تدبير.

و جاء في تاريخ الكولات:

«لما علم الباب العالي بوفاة الوزير علي باشا وجهت إيالة بغداد إلي يوسف ضيا باشا الصدر السابق و كان واليا علي أرضروم (أرزن الروم) مع القيادة العامة في الجبهة الشرقية. و هذا بعث فيض اللّه أفندي متسلما من قبله، و كان سير إلي بغداد، أما سليمان باشا فإنه حينما سمع بذلك جهز جيشا بقيادة أحمد بك أخيه من الرضاعة و زوده بتعليمات خاصة و بعثه إلي ماردين التي لا تزال تحت سيطرة ولاة بغداد و في هذا الحين و بينا كان فيض اللّه أفندي متوجها إلي جهة بغداد إذ علم أن الجيش المذكور ورد ماردين فلم يتمكن من الذهاب إليها. و لذا عدل إلي كركوك فوصل إليها، و حينئذ ألقي القبض عليه متسلم كركوك و تحري عما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 213

لديه فوجد عنده أمرا من يوسف ضيا باشا يتضمن متسلميته و علي هذا وقفه و منع أن يتصل بأحد.

و من ثم قام سليمان باشا بأعمال عدائية، و

تأهب للعصيان فيما إذا أصرت الدولة. هذا من جهة، و من جهة أخري بذل لها الأموال، و أبدي الإخلاص، و تعهد في المحضر الأخير أنه يؤدي مخلفات سليمان باشا و استعمل اللهجة اللائقة في محضره، و طلب أن توجه إليه إيالة بغداد و سائر ما يلحق بها من البصرة و شهرزور» اه.

و في غرائب الأثر أبدي أعماله العدائية للدولة و بذلك كله انجلي ما أبداه صاحب الدوحة من تعمية عن حقيقة الواقعة مما مر به سريعا و بإيجاز.

لم تر الدولة بدّا من قبول ما عرض، رأت الجيوش في إيالة ماردين، و أن المتسلم قبض عليه، و الأموال بذلت، و مع هذا أبدي الوزير الخضوع و أظهر الطاعة، فلم تر الدولة مبررا يدعو لرفض الملتمس فقبلت ذلك خصوصا بعد ورود المحضر و العرض الأخيرين لما في لهجتهما ما يستدعي القبول بخلاف الأولين فقد كانا شديدي اللهجة و مما لا يرضي التفوه بهما.

لذلك كله وجهت الإيالات و قبلت المعذرة حسب التعهدات المارة و جاء المنشور فأجريت المراسيم المعتادة … وصلت صورة المنشور في منتصف شوال سنة 1222 ه و في ذي الحجة قدم إلي بغداد سلاحشور السلطان و معه أصل المنشور و الخلعة فتلقاهما بفرح و زال عن بغداد الهمّ و ضربت طبول البشائر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 214

عبد الرحمن باشا متصرف بابان:

أذعن للوزير بالطاعة جميع الأنحاء و العشائر إلا متصرف بابان.

و ظهرت منه بعض الأوضاع التي لم يصبر الوزير علي تحملها. فجمع ما لديه من جيوش و جماعات فسار عليه في 3 ربيع الآخر. و حط رحاله في محل يبعد نصف ساعة عن مضيق بازيان.

أما عبد الرحمن باشا فقد استعد للقراع و سدّ المضيق ببناء محكم جدا

و أعد نحو أربعة أو خمسة آلاف من الجند المشاة و الفرسان و بدأ الخصام، فصار الوزير يلتمس طريقا آخر أو ممرا من يمين المضيق أو يساره. و ذلك لمدة يوم أو يومين، فعثر علي ممر في يمين المضيق صالح لمرور المشاة. و في ليلته جهز (أو جقلية) كركوك و بندقيين من إربل و بعض الكرد من المشاة جعلهم مع محمد بك آل خالد باشا و بقيادة محمد بك الآخر كهية الوزير. و أمرهم أن يجتازوا من الممر المذكور و يحتلوه.

و أن سليمان باشا متصرف كوي ورد إلي مضيق خطيبان فأمر بالذهاب إلي الجهة اليسري من مضيق بازيان.

صعد هؤلاء الجبال ليلا فصاروا في أعلاها فعرف ذلك عند الصباح، و أن الوزير هاجم أيضا من جهة نفس المضيق فكان عبد الرحمن باشا قد حوصر من فوق و من أسفل، فلم يستقر له قرار و تزلزلت منه الأقدام و اضطرب جمعه فولي الأدبار. و أن خالد باشا و سليمان باشا تعقبوه و ساروا في أثره إلي قزلجة المحادة لإيران و أن أكثر أتباعه مالوا إلي جهة خالد باشا.

و بعد بضعة أيام عاد الموما إليهما إلي فيلق الوزير رابحين المعركة. و من ثم وجه الوزير لواء بابان إلي سليمان باشا و عهد بلواء كوي إلي محمد بك آل خالد باشا و كان وعده الوزير بمتصرفيته، و كساهما الخلع و سيرهما إلي مواطن حكمهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 215

أما الوزير فإنه عاد إلي بغداد منتصرا فدخلها في 28 جمادي الأولي.

الوهابية- و الوزير:

في هذه الأيام جاءت الأخبار أن عبد اللّه بن سعود جمع جموعا كثيرة، و غزا العراق، فتأهب الوزير و توجه نحو الحلة فتحقق أن الوهابيين لم يأتوا

فعاد إلي بغداد. و كان سفره من بغداد في 11 جمادي الأولي و رجوعه إليها في 22 منه.

متصرفية بابان:

استند عبد الرحمن باشا إلي شاه إيران فعده ركنا ركينا له. و لذا عزم الوزير أن يسير عليه، و جري ما جري.

و من ثم مال أتباعه إلي خالد باشا فكانت المصلحة تقضي أن يعطي لواء بابان إلي خالد باشا فلم يعطه بل لم يوجه إليه حتي منصب لواء كوي فيطيب خاطره به و لم يكتف الوزير بكل هذا و إنما نسب المغلوبية الأولي إلي تقصير منه و لم يعين له راتبا، ليقتات به و أقعده في كركوك. و كذا سكن عبد الرحمن باشا في أراضي (سنة) فقدم عرائض إلي الشاه يطلب فيها قبول دخالته و أن يساعده.

و في هذه المرة أرسل رسولا و معه كتاب يلتمس فيه من الوزير العفو عنه و يرجو أن يعينه. و بعد التوقف لبضعة أيام أرسل الوزير رئيس كتيبة الخيال (باش آغا) و معه البيارق إلي ديار الكرد ليكونوا قوة لسليمان باشا، و من جهة أخري أن خالد باشا نظرا لما ناله من اليأس لم يبق له أمل في البقاء. فراسل عبد الرحمن باشا و لكنه أبدي أنه يريد السفر إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 216

بغداد و جمع له نحو خمسمائة أو ستمائة خيال و تحرك من كركوك. و لما وصل إلي ما بين كفري و قره تپه أمال عنان خيله إلي ناحية زهاو (زهاب) فالتحق بعبد الرحمن باشا في محل يقال له مريوان (مهربان) فورد خبر ذلك إلي الوزير و حينئذ لم ير بدّا من توجيه لواء بابان إلي عبد الرحمن باشا و أرسل إليه خلعة و عزل سليمان

باشا و جلبه إلي بغداد فخصص له و لإدارته مندلي و خانقين و علي آباد (علياوة) المقاطعات المعروفة.

إيالة الموصل:

اشارة

إن أحمد بن بكر الموصلي كان آباؤه و أجداده لدي ولاة الموصل بأنواع الوظائف و منهم رؤساء الديوان و الكهيات، و يتولون المناصب حسب مقدرة كل منهم و يعيشون برفاه و سعة عيش، و لهم المكانة المعتبرة.

و في غرائب الأثر:

«في 20 المحرم- سنة 1224 ه- ولي مدينة الموصل أحمد باشا … سعي له بالحكم والي بغداد لبغضه لآل عبد الجليل … كان جدّ أحمد باشا يونس فقير الحال و له أدب و حسن خط فاستخدمه بعض أتباع الوزير الحاج حسين باشا الجليلي، ثم تقدم و خدم ولده أمين باشا، و نال لديه مكانة لحسن سيرته و فرط أدبه حتي جعله كاتب ديوان الإنشاء و سافر معه إلي الجهاد، و لما خرج أمين باشا من الأسر جعله كتخداه فكان محمود السيرة إلي أن توفي أمين باشا و كان ولده الوزير سليمان باشا قد جعل كاتب ديوان إنشائه بكر بن يونس و حظي عنده و كثرت دولتهم و نمت نعمتهم و عزت كلمتهم. و لم يزل بكر متصلا بخدمة مواليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 217

صادقا في خدمتهم و صار له أولاد فاستخدمهم سليمان باشا و قربهم إلي أن استعفي من الحكم و ولي مكانه أخاه الوزير محمد باشا فجعل بكر أفندي كتخداه و ولده المترجم أحمد باشا كاتب ديوان إنشائه و باقي إخوته من أجل أتباع الوزير محمد باشا. و لما مضت برهة من الزمان توفي بكر فأقام أولاده في عز و كرامة. فلما ولي الموصل نعمان باشا ابن سليمان باشا بعد وفاة محمد باشا قرب إليه أحمد و جعله كتخداه فازداد عزا و نمت دولتهم و اشتهر ذكرهم إلي أن عرض لنعمان باشا مرض الفالج فحدثت

أحمد نفسه بالحكم فأرسل إلي والي بغداد و تعهد له بذهاب دولة آل عبد الجليل … لعلمه أن والي بغداد يعاديهم طمعا في ملك الموصل لنفسه … فجعل أحمد يتراسل خفية مع والي بغداد … ثم خاف من مواليه أن يطلعوا علي أفعاله … فعزم علي المسير إلي بغداد … فنصب أشراك الحيلة لتكون لإخراجه من الموصل وسيلة حتي يجتمع بوالي بغداد و يحرضه علي الفساد فجعل يطوف علي مواليه و يجتمع بواحد واحد و يحرضهم علي طلب الحكم … فباحوا له بأسرارهم … فسار إلي بغداد و اجتمع بواليها … و جعل يقدح بمواليه حتي رفضهم والي بغداد … ثم إن والي بغداد عرض علي الدولة يطلب حكم الموصل لأحمد فأجيب إلي ما طلب … » اه.

و لنعد إلي الدوحة قال:

و في هذه الأيام أيضا كان كاتب الديوان لدي نعمان باشا الجليلي متصرف الموصل إلا أن ميله كان في إدارة الحكومة و رغبته مصروفة إليها بكلية زائدة، و أنه عهد إليه لمرة أو مرتين قيادة عساكر الموصل، و أن الموما إليه كان مع سليمان باشا في سفر دربند فهو بمعية سليمان باشا و أظهر له من الإخلاص و التفادي ما لا يوصف، و الحق أنه ذو لياقة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 218

و كفاءة و أبدي في كل أحواله سواء في الحل و الترحال و الإدارة من المهارة ما استوجب الثناء العاطر و رضا الوزير التام بما أبداه من المقدرة و التعقل. فالوزير راض من كل عمل من أعماله.

و أن نعمان باشا كان مبتلي بعلة الفالج و ليس له من المقدرة ما يمكنه من القيام بأعباء الحكومة و أن الموما إليه كان قدم رقيما (قائمة) من

نعمان باشا حين وروده إلي سفر دربند يوصي به الوزير أن يعينه بناء علي سؤاله، و أبدي للوزير ما في ضميره و أفشي له سره و عرضه عليه.

لذا التزم جانبه و التمس من الدولة أن تمنحه الموصل برتبة مير ميران (باشا)، فكانت الدولة تروّج مطالب ولاة بغداد في عزل والي الموصل و نصب غيره. و بهذه الصورة قبل رجاء الوزير و وجهت إيالة الموصل إليه برتبة مير ميران.

و من ثم نال أقصي ما تمني و حصل علي رتبة (باشا) و بعد بضعة أيام أذن له الوزير بالذهاب إلي وظيفته، و علي الأثر رشحه إلي السفر إلي جهات ماردين لتأديب بعض العشائر، و كذا عين بمعيته أمير كوي محمد بك مع بندقيي لوائه. فورد الموصل في 20 المحرم سنة 1224 ه و من ثم تأهب لإعداد جيشه و تدارك اللوازم المقتضية له ثم سارع للجهة التي أمر بالذهاب إليها.

قبيلة العبيد:

صالح الوزير قبيلة العبيد و استخدمها كما أنه قرب قاسم (جاسم) بك الشاوي منه و نفر من آل الجرباء لما رآه منهم في وقائع الموصل.

و تم ذلك في سنة 1224 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 219

حوادث سنة 1224 ه- 1809 م

اليزيدية- الظفير:

اشارة

إن عشائر الظفير كانوا في تلك الأيام يقطنون أراضي الرها (أورفة) و يسكنون الخيام و لم يحصل تجاوز منهم علي أحد و كذا قبيلة الدريعي من عنزة. و كان بين فارس الجرباء و بينهم عداء قديم فأبدي للوزير أن لديهم غنائم كثيرة و من السهل الحصول عليها فسول له أن يسير عليهم، و كان الأولي به أن لا يلتفت إلي تنفيذ مآرب الآخرين تشفية لغليلهم ممن لهم العداء معهم و لكنه لم يدرك هذه الأمور و لم يراع المصالح الحقيقة.

و أن السبب الذي بينه صاحب الدوحة لم يذكره صاحب المطالع و إنما قال لتأديب هؤلاء و الظاهر أنه بسبب توجهه إلي ماردين و تلك الأنحاء سخطت عليه الدولة، و هو يعد نفسه صاحب الحق في التسلط عليها إذ إنها بيد ولاة بغداد إلي ذلك الحين فجعل صاحب الدوحة ذلك سببا في المضي في حين أن السبب الحقيقي المحافظة علي أملاك الحكومة و ساحة حكمها …

لذا تحرك برغبة الشيخ فارس الجرباء لتأديب عشيرة الظفير و قوم الدريعي من جهة و التنكيل بأشقياء سنجار من جهة أخري، فخرج من بغداد في 25 من المحرم متوجها إلي تلك الأنحاء.

قال صاحب غرائب الأثر:

«عزم والي بغداد علي السفر إلي جهة ماردين و أمر العساكر بالمسير أمامه لتعديل نظام تلك الجهات فقدم والي كوي محمد بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 220

بالعساكر إلي الموصل و سار إلي ماردين، ثم قدم عسكر كركوك و زعماؤها، ثم عسكر إربل، ثم عسكر مندلي، ثم عسكر زهاو، ثم عسكر تكريت، ثم عرب البو حمدان، و البو سلمان ثم عرب طيي ء الذين في شمامك، ثم عرب العبيد (البو حمد). و لم يزالوا يتواردون أفواجا و يتوجهون إلي

جهة ماردين.

خرج الوزير سليمان باشا من بغداد بعساكر تسدّ الفضاء … و سار إلي مدينة تكريت فجاء الخبر أن عرب الظفير و الدريعي كثر بغيهم فسار من تكريت إلي جهة (الحضر) و هي خرائب ثم توجه إلي جهة جبل سنجار و نهب مدينة بلد من أعمال سنجار ثم نهب قري المهركان و قطع أشجارهم و خرب ديارهم، و أعمي آثارهم، ثم نزل علي جهة الشمال من سنجار و حاصرها أياما، ثم رحل و توجه إلي جهة الخابور فبلغ عرب الظفير و الدريعي خبر قدوم العساكر فهربوا و عبروا نهر بليخ، و نهر الفرات. و كان عرب الجرباء و الملية علي شاطي ء الفرات محاصرين لهم. و أرسل والي بغداد لهم إمدادا اثني عشر ألفا من العساكر، و نزل سليمان باشا بمن معه عند رأس الخابور محاصرا الظفير.

و إن والي الموصل أحمد باشا أمر الزعماء بالسفر، و كذا وجوه أهل الموصل من الينگچرية و خرج من الموصل في أواخر صفر و أخذ معه جماعة من بني عبد الجليل ممن كان زعيما و توجه إلي جهة ماردين و اجتمع بوالي كوي محمد بك فنزلوا علي قري ماردين و نهبوها ثم نزلوا علي قرية ديرك و هي علي جبل و أهلها شرفاء و حاصروهم و التحم بينهم القتال عند رأس الشعب فأظهر أهل الديرك أنهم انكسروا فتبعهم عسكر الموصل و عسكر محمد بك فرجعوا عليهم و قتلوا من عسكر الموصل سبعة عشر رجلا واحد منهم من زعماء الموصل و سلبوا منهم أربعين رجلا و قتل من عسكر العراق ستون و سلب منهم خمسون و رجع العسكران بالخيبة إلي خيامهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 221

ثم ورد الخبر إلي

والي بغداد و هو برأس عين الخابور أن العرب المجمعة من عسكره و هم الجرباء و العبيد و الملية و البو حمدان، و البو سلمان أغار بعضهم علي بعض من شدة الجوع و نهب القوي الضعيف و صار الكل أيدي سبا و هربوا إلي أماكنهم و لم يظهر لهم نبأ و نهبوا أموال مقدمتهم من عسكر بغداد أحد أمراء سليمان باشا و من سلم من أتباعه قدم إلي عسكر سليمان باشا … » اه

و هذه الحروب لم تسفر عن نتيجة مشرفة، أصابت الجيش أخطار و مهالك من كل صوب رأوا إهانة و خذلانا، و أورثوا في الجيش نقصا و سببوا معائب في الرأي العام …

و بهذه الحالة عاد الوزير إلي الموصل و نزل (باب الطوب)، فبقي يومين، و في اليوم الثالث سار عنها.

اضطراب في الموصل:

أما آل عبد الجليل فإنهم كانوا قد اغبروا من نصب أحمد باشا متصرفا علي الموصل و لكنهم تحملوه كرها و لم يبدوا معارضة سوي أنهم كانوا يترقبون الفرص للوقيعة به … و في هذه المرة رأوا أن الفرصة سانحة، خصوصا أنه ظهر منه الخرق و عدم القابلية رأي العين، و أن الوزير أيضا لم تبق له مهابة في قلوبهم فلما جاؤوا إلي الموصل اتفقوا عليهم في الخفاء فاختاروا من بينهم أسعد بك للمخاصمة و انحاز لجهتهم أكثر الأهلين فعاضدوهم.

فالوزير لم يعلم عن ذلك شيئا فلما أمر بالرحيل سمع في هذه الأثناء صوت البنادق قد ثارت و بوشر بالحرب … و عند ذلك حاصر أسعد بك في داره و أعلن الخصام فعاد الوزير و أمر بنصب الخيام و طلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 222

من الأمراء الالتحاق بالجيش فجاؤوا ما عدا أسعد

بك الجليلي. و في خلال ذلك اشتد الخصام و النضال.

و لما كان جانب الجيش متصلا بالخندق قرب السور فالبنادق تأتي طلقاتها إلي الجيش و تصيب بعض أفراده خطأ أو عمدا حين القتال بين أحمد باشا من جهة و أسعد بك من أخري فأحدث هذا تشوشا و اضطرابا فاضطر الفيلق أن يرحل من مكانه لما أحس به من خطر و نزل في محل يبعد نحو ساعة من أسفل المدينة و صار ينتظر ما ستؤول إليه حال أحمد باشا …

إن الأمراء الجليليين الذين أحضروا إلي الجيش أخبروا أن أسعد بك نجح علي خصمه أحمد باشا و أن الأهلين ساعدوه و طردوا أحمد باشا استفادة من رحلة الجيش عنهم فاضطر الوالي إلي الهزيمة مع بعض أعوانه اثنين أو ثلاثة و جاؤوا إلي الفيلق …

وصلت الحالة إلي هذا الحد و لم يتيسر اتخاذ إجراءات سريعة و عاجلة حتي أنه ليس من المصلحة بقاء الجيش في هذا المحل. و لذا أمر الوزير أن يقوم الجيش و يذهب إلي (كشاف)، و آخر أبقي مع أحمد باشا و كذا جعل معه سليمان بك آل الفخري و هو من ندماء الوزير و نهض من المحل المذكور و توجه نحو بغداد فدخلها في 4 جمادي الثانية.

و مدة هذا السفر خمسة أشهر و يومان. أما الأمراء الجليليون فإنهم عادوا إلي الموصل أثر قيام الوزير و عودته إلي بغداد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 223

وقائع أخري:

1- نفي عبد اللّه آغا الخازن السابق، و طاهر آغا الچوقدار الداخلي السابق بناء علي وشاية وردت إلي الوزير بأنهما فاها بما يخالف واجبات وظائفهما، و أبعدا إلي البصرة. أرسلهما مقيدين و حبسا فيها.

2- إن أحمد باشا تأخر في

كشاف إلي أن تتخذ التدابير لإدارة شؤونه، و معه سليمان الفخري و عشائر شمامك، و ظاهر الحسن المنفصل من مشيخة طيي ء مع مقدار من بندقيي إربل، و شيخ الغرير محمود الخليفة مع عشيرته.

3- بعد عودة سليمان باشا إلي بغداد عين معه عساكر العمادية.

و لكنه حينما أراد المضي إلي الموصل نبه أن ينهب القري و ينكل بها …

4- لما علم ذلك آل الجليلي أمراء الموصل اتخذوا جيشا و مشوا علي أحمد باشا. و أن متصرف العمادية زبير باشا حسب الأمر نظم نحو ثلاثة آلاف من الخيالة و المشاة و أرسلهم لمعاونة أحمد باشا تحت قيادة أخيه موسي بك و لم يمض نصف ساعة حتي التقي الجيشان فدارت الدائرة علي الموصليين فكسروا و ألقي القبض علي عثمان بك من (الجليليين) و بعد انتهاء الوقعة أصابت أحمد باشا رمية رصاصة فأردته قتيلا فتوفي …

و لما وصل خبر ذلك إلي الوزير تيقن أن عمل هؤلاء مرذول لدي الدولة و أن ذلك مما دعاه أن يضيق علي الثوار داخل الموصل و يتسلط علي القري فعين أخاه من الرضاعة أحمد بك للقيام بذلك و كان ولاه حكومة البصرة و جهز معه العساكر ليحاصر الموصل فوصل إليها و أقام في إربل و بواسطة العشائر التي حاربت الموصل بأمر من الوزير قبيلة الزگاريط (الزقاريط) و كانت في ماردين و قبيلة زوبع و كانت أيضا في أنحاء ماردين و كذا أرسل الوزير إلي شمر الجرباء لينهبوا قري الموصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 224

و إلي أهل قرية شيخان يحثهم علي نهب أموال الرعايا و تخريب القري فلم يمتثل أمير الشيخان حسن بك ما أمر به و امتثل الأمر أخوه عبدي بك فأضروا كثيرا

… و هاجم أحمد بك بالزگاريط الموصل مرتين لينتقم من الثوار و انتهب قراها.

و في هذه الحروب أسر الحاج عثمان بك الجليلي و جي ء به إلي بغداد فوبخه الوزير … و أن قبيلة الزگاريط أسرت عثمان العمري و لم تفكه إلا بفكاك دراهم مقبوضة … فسمعت الدولة بقتل أحمد باشا من قبل أسعد بك. لذا وجهت إيالة الموصل في غرة شوال إلي محمود بك آل محمد باشا الجليلي برتبة مير ميران و أمرت بترك التضييق عن الموصل فدعي أحمد بك إلي بغداد … وصل المنشور إلي محمود بك في ذي القعدة و عزم أسعد بك علي معارضة محمود باشا فلم يطعه أحد و توفي في 9 ذي الحجة.

5- و كان أحمد باشا بعد قتلته دفن قرب نهر الخازر. هذا و التحامل علي أحمد باشا مبالغ فيه. و أحواله الماضية تؤيد أنه لم يصح ما توجه عليه من الذم. و هو صاحب المدرسة المعروفة في الموصل باسمه.

و كانت مدة إقامة أحمد باشا بالموصل لما ولي الحكم أربعين يوما من وقت قدومه ثم سافر و لما عاد أقام ستة أيام فكان ما كان …

قاضي بغداد:

كان قاضي بغداد فخري أفندي عرف بسوء الأحوال مما لا يليق بالقضاء. و لذا كف الوالي سليمان باشا يده، و أناب الكاتب الأول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 225

فأقامه مقامه في الأمر، و نقله إلي محل آخر حذر الفتنة. فعاد إلي استنبول و نفي إلي جزيرة لمني. و هو المعروف ب (مفتي زاده محمد فخر الدين). و عندي حجج شرعية في مجموعة خطية صدرت في أيامه منها بتاريخ ربيع الأول سنة 1222 ه و منها وقفية جامع الصاغة في 21 شهر رمضان

سنة 1223 ه.

حوادث نجد و الجزيرة:

في أواخر شعبان وردت إلي استنبول قائمة من وزير بغداد تنبي ء بظهور مرض الطاعون في الجزيرة العربية، ففتك فيها، و أدي إلي أضرار كبيرة في النفوس، فخلت غالب البيوت من الناس، مما أدي إلي خلل كبير فيها. و بين أن هذه الحالة دعت إلي ضعفهم و قلتهم و أدت إلي نكبتهم.

شمر الجرباء و الوزير:

قبض الوزير علي أحد أمراء الجرباء في بلدة عانة و صلبه فغضب عمه فارس أمير الجرباء فرحل عن بغداد و نزل قريبا من جبل سنجار فأرسل إليه الوالي يترضاه و يأمره بمعاداة أهل الموصل فأبي. و اتفق مع أمير طيي ء فارس بن محمد لحقده عليهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 226

حوادث سنة 1225 ه- 1810 م

حالت محمد سعيد:

إن الدولة العثمانية سيرت حالت محمد سعيد المعروف بالرئيس إلي بغداد لبعض المطالب الظاهرية. و الأسباب الخفية أظهرتها الوقائع.

قال الأستاذ سليمان فائق:

«إن حركة الوزير بفيلقه و تجاوزه حدود إيالته إلي إيالة أخري مما أغضب عليه رجال الدولة لا سيما أنه أبدي إمهالا بل أهمالا في تأدية بدل مخلفات سليمان باشا و علي باشا فلم يؤد شيئا من ذلك …

فاختير لهذه المهمة (رئيس الديوان الهمايوني) حالت … » اه.

وصل إلي بغداد في 25 جمادي الأولي. فواجه الوزير و أعطاه الأوامر و بلغه بما أرسل إليه. و حينئذ خصص له محلا للضيافة و الإقامة فيه. و كان الرئيس يترقب ظهور نتيجة من مهمته فمضت أيام و ليال و لم تظهر لها آثار، و ذكره بها فكان يعتذر و يدافع، و نصحه ببعض النصائح الخيرية فلم ير لها فائدة، و كان يلمح فيري منه تجاهلا، و يصرح فيجد عدم مبالاة. و ألح في الطلب فلم يسمع له قول …

تحدث الناس آنئذ بأنه جاء بعزل الوزير … فلما استراب منه أمر بعض من يثق به أن يكون له كالأنيس ليطلع علي ما في ضميره من الخبايا و يكشف عما أخفاه.

و بينا الناس في حيرة من أمره، و في دهشة من توقع مكره يتيهون في موامي الاستطلاع و يستنشقون أرج الأخبار و هو لا ينطق ببنت شفة

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 227

و لا يبدي ما عنده من نكرة و معرفة … أشفق من فوات مرامه و انحلال مغار ابرامه فبادر و خرج من بغداد … و لم يقم بأمر ما فيها و لا تمكن أحد أن يعرف نواياه حتي الوزير فصرف ذلك إلي المطالبة بما جاء من أجله ظاهرا …

سوي أنه صرح بأن الوزير إذا لم يجر أمر السلطان فسوف يندم، و لذا بين الوزير أنه تكلف آلافا من الخدمات المطلوبة و تعهد بمقادير جزئية و اعتذر لحكومته بأعذار باردة و كتب لها بذلك و أعاد الرئيس بإكرام قليل و أرجعه إلي حكومته … إذ لم ير سامعا لأقواله و لم يجد لها تأثيرا فقفل راجعا خصوصا أنه لم يجد مجالا لبث فكرة و قد التف حوله رجال الوزير فلم يأمن من أحد …

أراد حالت التدخل في أمور المال فلم يتيسر له لقوة الوزير و لعدم تمكينه كما أنه لم يبح لأحد بالسلطة المخولة له إذا لم يجد التربة صالحة …

عصيان سليم آغا متسلم البصرة:

ظهر للوزير أن سليم آغا راسل الدولة طالبا منها أن توجه إيالة بغداد و شهرزور و البصرة إليه، فكتب إلي حمود بن ثامر شيخ المنتفق أن يخرج سليما من البصرة فتكاسل حمود و أبدي تهاونا ليتبين له الحال لأن سليم آغا أفهمه أن الرئيس حالت أقبل من الدولة بعزل سليمان باشا و توجيه الإيالة إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 228

قال صاحب المطالع: و قد كان فيما بلغني له يد معه في ذلك …

فلما استبطأ حمود قدوم الرئيس إذ لم يأته خبر عنه مع ترادف رسل الوزير عليه قرب من البصرة و كان سليم آغا أعد المراكب و له

عسكر في سور البصرة و أبوابه فاستنهض حمود سكان قصبة الزبير من النجديين فنهضوا و حاصروا البصرة مع برغش بن حمود فخاف بعض العسكر و فتحوا أبواب السور فندم سليم و بقي في المراكب أياما ثم سلمها و سافر بمركب إلي أبي شهر …

عزله الوزير و نصب أحمد بك أخاه من الرضاعة متسلما مكانه و جهزه الوزير بجيش فوصل إلي كوت العمارة فتأهب سليم آغا لمقاومته.

و لما كان في هذا المنزل جاءه خبر سقوط البصرة علي يد شيوخ المنتفق و أن المتسلم فر في زورق إلي جهة بندر أبي شهر. و حينئذ رخص أحمد بك العساكر التي معه و ذهب هو بنفسه شطا إلي البصرة فانحدر إلي هناك. فدخلها.

ورود علي بن محمد السويدي:

و في هذه السنة ورد البصرة الشيخ علي السويدي أرسله الوزير سليمان باشا إلي حمود قبل أن تفتح البصرة، و كان من خواصه الناصحين له. فكف اللّه به عن أهل البصرة ما عسي أن يتوقعوا من حاكمها أحمد بك لكونه غاية في سوء التدبير.

عود حالت محمد سعيد:

عاد حالت أفندي من بغداد خائبا فلم يحصل علي مطالب الدولة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 229

و لم يتمكن من التشويش علي الوزير لأنه اتخذ له كل حيطة. و لما رأي ذلك تكتم بمطلوبه الحقيقي و وقف عند الأمر الذي جاء لأجله. و لكنه سير الإدارة من طرف خفي … و لما جاء الموصل عرض القضية علي دولته و مكث يستطلع الجواب. و الإدارة في بغداد معروفة، و يد المماليك الحديدية مسيطرة فلا تحتاج إلي بصيرة، و نفوذ نظر زائد.

حصلت تذمرات من هذا الوزير حين سفره إلي محاربة الظفير.

فتطاول الجيش علي قري كثيرة من ديار بكر، و أضروا بأهليها ذهابا، و علي قري الموصل و أهليها إيابا فاستغاث الجميع منه، و ضيق علي الموصليين أثناء قتلة أحمد باشا متصرف الموصل. فقدم العلماء و الأعيان في ديار بكر و الموصل، و الأمراء شكاوي تظلموا فيها من أوضاعه. عرضوها علي الدولة و كذا وردت تقارير حالت أفندي … !!

ذلك ما دعا أن يصدر الفرمان بعزله، و أنه إذا بدا منه ما لا يليق فيجب قتله، و أن يعهد حالت أفندي بالقائممقامية لمن يختاره و يراه أهلا، و أن يقوم بسائر ما يقتضي فزود بسلطة واسعة النطاق تفوق ما تقدمها.

و علي هذا خابر عبد الرحمن باشا متصرف بابان. و بينه و بين الوزير مشادة. و مثلها مع متصرف الموصل وجد موافقة من هؤلاء.

و

سار مع محمود باشا متصرف الموصل و استصحبا معهما شيخ طيي ء فارس الحمد، و أمير شمامك و رجالهما و فرسانهما فتوجها نحو بغداد.

و كذا تلاحقت معهما جيوش عبد الرحمن باشا فأنضموا إلي حالت أفندي فصار الكل تحت إمرته و تجمعوا في كركوك. و التحقت بهم عشائر العبيد و الغرير و قسم من البيات فتابعوهم و اتفقوا معهم …

فلما علم سليمان باشا بذلك صار يفكر في أمر الدفاع و المقاومة فعين كتخداه فيض اللّه الكهية لمقاتلتهم فنزل (خرنابات) من جهة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 230

الخالص و استراح فاتخذ فيها متاريس و أحكم أمرها … و كذا الجيش وافي لملاقاتهم فضربوا الخيام تجاههم فحصلت بضع مبارزات بين الفريقين و مجاولات فردية تطارد فيها بعض الفرسان ثم تأهب الفريقان للقتال و لازم كل مكانه فلم يحصل تقدم من أحد.

أما حالت أفندي فإنه أخبر خفية الأهلين ببغداد أن الفرمان صدر بعزل الوزير فأثر ذلك ببعض الناس. و كان في مقدمة هؤلاء عبد الرحمن الموصلي. قام بالأمر و تابعه جماعة من الموصليين و بعض البغداديين فاتفقوا بغتة و مشوا علي الآغوات و قتلوا آغا الينگچرية السيد إسماعيل آغا و قطعوا رأسه، و علي الفور مشوا إلي القلعة الداخلية و ضبطوها و تابعهم الأهلون و مشوا نحو الميدان و بذلك استولوا علي القلعة و لواحقها و اتخذوا المتاريس و شرعوا بحرب أعوان الوزير سليمان باشا.

و حينئذ انفصل من الوزير جميع أتباعه و عساكره ما عدا نحو المائتين من آغوات الداخل و من يتصل بهم. فقاوم هؤلاء و اتخذوا المتاريس و تحاربوا من الضحي إلي العصر. و علي هذا تغلب أتباع الوزير و فر عبد الرحمن باشا و أعوانه إلي

الجيش العثماني و معهم آغا الينگچرية فقدموه إلي عبد الرحمن باشا آل بابان و محمود باشا الجليلي.

و لما شاهد الجيش العثماني ذلك انبعث فيهم الأمل. و لذا لم يبالوا بخصومهم و ذهبوا إلي الجديدة.

و ذهب فيض اللّه الكهية بعسكره إلي بغداد و تبعهم علي الأثر جيش حالت فنزلوا بمحل يبعد ساعة عن الأعظمية، و كذا الوزير لم يبق له اعتماد علي أحد فعزم علي الحرب فخرج بما لديه من قوة في 10 شهر رمضان. و صادفه أعداؤه فتلاقي الجمعان فدامت الحرب و اكتسبت شدة، فلا تسمع إلا إطلاق المدافع و صوت البنادق و القتل و الضرب …

و في هذه المعركة قتل عبد العزيز بك بن أحمد باشا ابن عم عبد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 231

الرحمن باشا، و قتل معه نحو الثمانين من أعوانه أثناء المعمعة. أما الجرحي فكانوا يبلغون نحو المائة و خمسين فانكسر عبد الرحمن باشا كسرة فاحشة جدا و لكن قرب الغروب و تلاحق الظلام حالا دون تعقيبهم و اللحاق بهم. لذا ترك القتال إلي الصباح علي أن يستأنف لإتمامه و ذهب جيش الوزير للاستراحة.

أما عبد الرحمن باشا فإنه لما وافاه الليل سكن جأشه و ذهب روعه فثبت مكانه و تراجع جيشه رغم انكساره.

و أدي فيلق الوزير صلاة المغرب إلا أنه اختل نظامه حينما سمع بالفرمان فانحل نصف جيشه بين المغرب و العشاء، و في الليل عاد إلي بغداد، و لم يبال بانحلال جيشه بهذه الصورة و حاول أن يدخل الحرب مع عبد الرحمن باشا فتفرق عنه باقي عسكره و رجع إلي بغداد فاحتار في أمره و أسف لما ناله و لم يبق معه من اتباعه إلا نحو خمسة عشر رجلا

… !!

قتلة سليمان باشا الصغير:

و حينئذ خرج خائفا و ضرب في البادية هائما بيأس و حرمان و مضي لجهة ديالي و غرضه الذهاب إلي شيخ المنتفق حمود فعبر إلي الجانب الشرقي و وصل إلي (عشيرة الدفافعة). فرأت الفرصة سانحة للحصول علي السمعة فقتلوا الوزير و قطعوا رأسه فجاؤوا به إلي عبد الرحمن باشا. و لم يفعل من العرب فعلة هذه العشيرة. و من ثم لصق بها العار و أن القاتل علي الشعيب من فخذ البو نجاد. و هو جد علي بن شخناب بن إبراهيم بن حمد بن علي الشعيب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 232

و في تاريخ زاده أن أطوار هذا الوالي كانت لا تليق بمهمة الوزارة و أن معاملاته قد خرجت عن حدود الطاعة فعهد بالأمر إلي (حالت محمد سعيد) فقام بالمهمة لإعادة النظام إلي بغداد و بسهولة ثم قتله و ورد رأسه المقطوع إلي استنبول في يوم الخميس 10 شوال 1225 ه فدفعت بقتله غائلة جسيمة.

ثم بين أن حالت عمل بعد ذلك لإعادة النظام، و أن عبد اللّه باشا نصب قائممقاما. و لما خول بأن بوجه الولاية إلي من يشاء بفرمان مفتوح و له أن يحشي اسم من أراد، عهد بولاية بغداد إلي عبد اللّه باشا، و أرشده إلي ما يجب عمله لإعادة النظام و عاد.

حياة الوزير سليمان باشا القتيل:

اشارة

إن الوزراء الأخيار قليلون و أقل منهم من راعوا حقوق الأفراد، و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر، و أصلحوا حالة المجتمع … و هذا أحدهم إلا أن سلطة الحكومة لم تناصره بل لا تريد أن تساعده في مشروع يفسد عليها ادارتها و يكون قدوة مثلي و نتيجة صالحة و إنما بذلت الجهود للقضاء عليه و إحباط مساعيه لا سيما

بعد أن عرفت أنه حاول إصلاح القضاء، و السلوك الديني المرضي أتباعا للسلف الصالح، و الطريقة المثلي.

كانت مدة وزارته بانضمام أيام القائممقامية ثلاث سنوات و شهرين و خمسة و عشرين يوما. و عمره نحو خمس و عشرين سنة جاء في الدوحة:

«هو في حد ذاته صاحب مروءة، و ليس له ميل إلي الظلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 233

و التعدي، و هو بشوش متواضع، رقيق القلب، رؤوف و حليم. و كان وقاد الذهن ذكيا، شجيعا و جلدا، و مقبولا من الكل» اه …

قال عثمان بن سند:

«و لما تولي الوزارة … سار سيرة حسناء، في أهل بغداد و الرعناء، و جري علي منهاج السلف في الاعتقاد، و انحرف عن الجور و حاد، و رغب في الفنون الحديثة، و نكب عن الأبحاث الفلسفية، و منع قضاة أعماله عن أخذ العشور و رتب لهم معلوما من بيت المال بانقضاء الشهور و له أشياء حسنة، فطابقت عليها الألسنة، و حظي عنده شيخنا علي بن محمد السويدي العالي الإسناد … قال: بعد أن أثني عليه:

و سمعته يقول إنه عباسي النسب فهو علي ما قال من أشرف العرب» اه …

و قال بعد قتله:

«فمذ قتله ذلك الدفاعي، و أخبر بموته الناعي، كثر عليه الأسف، و ذرف عليه كل طرف و وكف، و ندبه الفضل و العدل، و أشمت كل مبغض كل:

بكي الفضل و الانصاف و العلم و التقي عليه و زالت كل شمس عن السمت

و أصبحت الآفاق تندب مفردا أحض علي تقوي و أبقي علي سمت

فأغصان الفضل بموته ذوابل، و أجفان الفضل عليه هواطل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 234

و أقمار العدل إذ أفل أوافل. أدرك شمس أبهته الميل بعد الاعتدال، و انحطت بعد غاية الارتفاع إلي الزوال، فبكي عليه أهل بغداد و البصرة، و تزفروا لمصابه زفرة بعد زفرة، لكونه في مكان من الإنصاف، و علي سمت لا يوصم بالانحراف، و من مراعاة الأفاضل و الجريان، علي منهاج الأماثل، في مكان. لا يطاوله فيه مطاول، أبطل كثيرا من عوائد ذميمة، و أعمل فكره فيما يوجب الفضل تقديمه. فقد منع القضاة مما يوبقهم في النار، و فطمهم عن ارتكاب ما فيه شنار.

و قد ذكر لي محمد أمين مفتي الحلة، من فضله الذي لا يكون إلا في أشراف الجلة،

أنه سريع الفهم للأبحاث العلمية، خصوصا في العلوم الحديثة، مع أنه ما قرأ إلا القليل، فرحمه اللّه و أسبغ ظله الظليل» اه.

و قال في تاريخ الكولات:

«إن الوزير في حد ذاته ذو أخلاق حسنة، و عدل، و هو صاحب إنصاف و مروءة، متشرع و ذو دين، حليم كريم، و ممن شعارهم العاطفة … ألغي رسوم التحصيلية، و خدمة المباشرية، و المصادرات، و ضبط المخلفات و أمثال ذلك من الرسوم القديمة و الحادثة، و منع من كافة العقوبات ما عدا الإعدام، و في كل أحواله و أعماله مراع أحكام الشرع الشريف، حتي أنه عين لقضاة بغداد و للنواب و القضاة الآخرين رواتب من الخزانة بدل حاصلاتهم و معيناتهم. و من العجائب أن تلغي هذه الرسوم و تبطل واردات أساسية، و ترفع الغرامات و العقوبات المغايرة للشريعة المطهرة و التعذيب، و السخر و الأذيات … و مع هذا تتزايد الأموال الأميرية فتبلغ الواردات أضعاف ما تقدمها. و كذا أزال من البين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 235

السرقة، و قطع الطرق و ما شاكل من الحالات الفجيعة. و بذلك زال العناء عن الأهلين … إلا أنه نظرا لحداثة سنه لم ينظر بعيدا في بعض الأمور يضاف إلي ذلك إلقاءات بعض قرنائه فسقط في حب دعوي التفرد فتوالت المصائب المتنوعة عليه من كل صوب لحد أن حالت أفندي المشهور الذي هو من دهاة عصره و من يعد في مقدمتهم اتخذ معه تدابير حكيمة فأخرج بغداد من قبضته و قضي عليه و لم يبلغ حدود الثلاثين من عمره … ثم ذكر وقعة اليزيدية و الظفير و أنه رجع مخذولا في حربهما …

ثم قال: إن حركته هذه بفيلق عظيم، و تجاوزه حدود إيالته إلي

ايالات أخري مما أغضب عليه وكلاء الدولة لا سيما أنه لم يقم بما تعهد به من بدل مخلفات سليمان باشا و علي باشا فأهمل الأداء فأرسلت الدولة حالت أفندي الرئيس السابق للمطالبة فوصل إلي بغداد فلم تؤثر في الوزير أقواله فعاد إلي الموصل فمكث فيها ثم كتب إلي عبد الرحمن باشا. و هذا جاءه بجيش يتجاوز العشرة آلاف بين خيالة و مشاة و جلب معه عبد اللّه آغا الخازن و كان في السليمانية. و هذا من عتقاء سليمان باشا الكبير، و له حق السبق بالنظر لأقرانه. فنصبه حالت أفندي (قائممقاما) و توجه إلي بغداد فصار الجيش في أطرافها و حواليها، فحدثت معركة بين جيش الوزير و جيش حالت فكانت وبيلة جدا و لم يدخر أحد منهما وسعا. و أن عبد الرحمن باشا انسحب إلي جانب و ظهرت بوادر النجاح لسليمان باشا و لكن جيشه تفرق عنه بلا سبب ليلا مما ولد حيرة و علي هذا سار و معه نحو 15 من آغوات الداخل فعبر نهر ديالي فغدرت به عشيرة الدفافعة. و لذا استولي أسف علي الكل حينما علموا بقتله و نالهم حزن عظيم» اه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 236

و مما يؤثر عنه أنه لم يكتف بإلغاء عشور المحاكم بل أبطل رسم القسام، و الساليانة (الصليان). و محا كثيرا من البدع السيئة و المظالم القبيحة … و عوض عنها بتخصيصات من الأموال الأميرية.

كان مشفقا علي الرعية، رؤوفا بالأهلين إلا أنه كان يتراخي في خدمات الدولة و يتساهل في شأنها أو يتناساها …

و كل أولئك المؤرخين يعتذرون له بحداثة السن و قلة الممارسة، و أنه لا يزال غير مطلع علي الرسوم و القواعد كما

هي فأدي ذلك إلي ما أدي. و الحال أن الوزراء السابقين أهلكوا البلاد و العباد لتأمين سطوتهم من جهة، و لإرضاء الدولة من أخري. و هذا الوزير أراد أن يرفع هذه المظالم و يقوم بإصلاح مهم. فلم يرض دولته و هي لا تريد إلا تمشية أمورها و لا يهمها الأهلون كما أن أرباب الوظائف اعتادوا النهب و السلب باسم (الجباية)، فعادوه و حرم أعوانه الفائدة. فقضي في سبيل العراق و إرادة الخير له ما قضي. فهو من أكبر رجال الإصلاح. و أثره لا ينسي في تاريخ الضرائب و تاريخ القضاء.

ثم إنه قرب علماء بغداد و صالح آل الشاوي و لم يتصلب كأسلافه في البغض للعرب و الكره للأكراد. و هكذا أبعد آل الجرباء لما تبين له من أوضاعهم آنئذ.

و من هذا كله يعرف أن من لازمه أو رماه بحداثة السن كان يماشي في ارضاء الدولة و المماليك معا و لكن أعماله تشهد بصفوته. و كل ما يقال فيه قليل. و معاصروه لم ينكروا أعماله الجليلة. و إنما نسبوا له الخرق بلا وجه حق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 237

وزارة عبد اللّه باشا

إن عبد اللّه آغا حينما عاد سليمان باشا من سفر الظفير أسند إليه بعض الأمور فنفي هو و طاهر آغا إلي البصرة. و بعد بضعة أشهر عفا عنه و أذن له بالمجي ء إلي بغداد إلا أنه لم يأمن. فلما وصل إلي قرب القرنة من الجانب الشرقي ذهب مع طاهر آغا إلي (بلاد اللر) من طريق الحويزة ثم وردا إلي السليمانية فأقاما عند عبد الرحمن باشا. و كانت بينهما و بين عبد الرحمن باشا معرفة سابقة. لذا بالغ في إكرام عبد اللّه و التزم جانبه.

و لما

جاء حالت لقضاء مهمته أخذه معه إلي بغداد و نصبه (قائممقاما) و أمر بمتابعته، و عند انتهاء أمر سليمان باشا جاء كتخداه فيض اللّه الكهية، و ندماؤه، و آغواته و خازنه إسماعيل آغا و آغوات الداخل فناصروه إلا أن فيض اللّه حينما كان في البلدة رأي أن الأهلين اختاروا سعيد بك بن سليمان باشا لمنصب القائممقامية لمدة يوم أو يومين، و أن الخازن إسماعيل آغا حينما كان الجيش في خرنابات كاتب حالت أفندي و عبد الرحمن باشا خفية و أبدي رغبته في الوزارة. و حينئذ طالبهما القائممقام بخزانة سليمان باشا و بهذه الوسيلة ألقي القبض عليهما و قتلهما.

ثم جعل كتخداه الحاج عبد اللّه بك (أخا أحمد الكهية)، و عزل الحاج محمد سعيد من الدفترية و عين بدله داود الدفتري السابق و هو صهر الوزير سليمان باشا الكبير و كان عزل منها ثم عين طاهر آغا خازنا و كان بمنصب (چوخه دار)، و نصب للينگچرية عبد الرحمن آغا الموصلي (الأورفه لي) الذي جاء برأس السيد إسماعيل آغا (رئيس الينگچرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 238

السابق). و بعد أن مكث عبد اللّه باشا في الخارج نحو ستة أيام أو سبعة دخل بغداد فاستقر في القائممقامية.

مضت مدة شهر واحد علي هذه الحالة.

مشاغبات جديدة:

اشارة

لم يكن هم حالت الرئيس عزل وزير من المماليك لينصب آخر منهم مكانه بل كان يود القضاء عليهم و تحويل السلطة للعثمانيين و لكنه لم يستطع أن يقوم بالأمر أو أن يصارح عبد الرحمن باشا إذ رآه بعيدا عن ذلك فأراد أن يطحن بعضهم ببعض. و في مدة بقائه في بغداد عرف كبار رجالهم و اتصل بهم دون رقيب فتمكن من بث فكره علي لسان

غيره في أن (عبد اللّه آغا) إنما جرت رئاسته و نال منصبه بواسطة عبد الرحمن باشا أمير بابان. و هذا تابع إيران فلم يرض به الأهلون، و لا العثمانيون.!

لذا أوعز حالت إلي عبد الرحمن الموصلي آغا الينگچرية أن يحرك الأهلين في دفع عبد الرحمن باشا و عسكره، و عزل عبد اللّه آغا من القائممقامية، و نصب سعيد بك مكانه. اتفقت كلمتهم علي ذلك و توجهت رغبتهم.

و ليلا أعدوا أسباب النزاع و اتخذوا المتاريس و قاموا صباحا بالشغب و ثاروا إلا أن العثمانيين و الطوائف الأخري لم ترغب في متابعة الأهلين. فأكدوا رابطة اتفاقهم مع عبد الرحمن باشا و أظهروا تأييد القائممقام. فدام القتال بين الفريقين من الضحي إلي المغرب و استمر الفريقان في تصلبهم و لكن الأهلين انكسر جمعهم و تفرقوا، و عاد عبد الرحمن الموصلي بالخيبة و اختفي. و نصب للينگچرية قاسم و هو آغا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 239

كركوك السابق، و أن القائممقام أصدر أمرا بالعفو عن الجميع.

لم يتزلزل القائممقام من مخالفة الأهلين و أن العثمانيين و سائر العسكر ناصروه و دافعوا عنه أشد الدفاع. فلما رأي ذلك حالت حذر أن يشيع عنه أنه السبب في توليد الشغب. و لما كان أودع إليه الأمر من دولته اختار (عبد اللّه آغا) للوزارة و كانت لديه فرامين لم يحش الاسم بها و أدرج اسمه بها بتوجيه الإيالة برتبة وزارة و قدمه إليه علي أن يقرأ في الغد في الديوان المرتب للاحتفال، و حينئذ أعلن ذلك للجميع. بتاريخ 21 ربيع الآخر سنة 1226 ه.

قال صاحب المطالع:

«و لما تولي عبد اللّه باشا أعطي عبد الرحمن باشا الكردي من رأيه رسنه، فوقعت بينه و بين الرئيس فتنة

قتل فيها من أهل البلد من سل صارمه فيها و سنه، و نجا من وجد للهرب سبيلا، و أما الرئيس فقد كاد يكون قتيلا، فرجع إلي ما رامه عبد الرحمن الكردي و وزيره إذ ضاق خناقه و ذل نصيره فاستقرت الأمور لعبد اللّه باشا» اه.

و بعد ثلاثة أيام أو أربعة من نصبه وزيرا هيأ الوزير لحالت أفندي أسباب السفر و سيره إلي استنبول مكرما معززا. خاف أن يحدث غائلة أخري.

متصرف الموصل:

و بعد دخول العسكر بغداد ببضعة أيام انحرف مزاج محمود باشا متصرف الموصل فتوفي في 18 شوال و دفن في تربة بجوار قبر الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 240

علي باشا كان أعدها سليمان باشا له.

كانت مدة حكمه في الموصل سنة و بضعة أيام، و عمره 33 سنة.

فوجهت إيالة الموصل إلي سعد اللّه بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي برتبة وزارة. و صار متسلم الموصل. حكم في منتصف ذي الحجة و جاءه البشير بذلك في 13 المحرم سنة 1226 ه.

غرائب الأثر:

في هذا التاريخ انتهت وقائع غرائب الأثر لمؤلفه ياسين بن خير اللّه الخطيب العمري و النسخة التي بخطه موجودة في خزانة البلدية في الاسكندرية و مخطوطتي منقولة منها. و غالب حوادثه مما يتعلق بالموصل خاصة فهو مهم. فطبعه الأستاذ الدكتور السيد محمد صديق الجليلي في الموصل سنة 1359 ه- 1940 م.

حوادث سنة 1226 ه- 1811 م

قتلة سليم آغا و البصرة:

إن الوزير سليمان باشا أبعد كلّا من عبد اللّه آغا و طاهر آغا إلي البصرة فسعي سليم آغا متسلم البصرة آنئذ في انقاذ حياتهما. و حينما ورد الأمر بقتلهما شفع لهما فعفا الوزير.

قتل ظاهر الكهية

في سنة 1226 ه قتل ظاهر الكهية و سليمان آغا كتخدا البوابين.

ثم أضمر سليم أن يقوم علي الوزير فأعطاهما مالا جمّا و سيرهما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 241

إلي ربوع الكرد فلما ملكا قياد الأمر، و توليا زمام بغداد سافر من الدورق و فر إلي أبي شهر ليتقاضي منهما ما أسدي إليهما من جميل فلما وصل إلي بغداد و علما منه المطالبة بالوزارة من حالت أفندي حذرا منه و لم يذكرا الجميل فأمر الوزير بقتله فقتل.

وقائع أخري:

جاء عبد الرحمن باشا بترغيب من حالت إلي جهة بغداد بالوجه المبسوط، و استصحب معه عبد الفتاح باشا متصرف درنة و باجلان إلا أن هذا أبدي إهمالا و ظهرت منه خيانة علي ما أشيع فبعد دخول عبد اللّه باشا و استقلاله بالحكم عزل عبد الفتاح باشا و وجه الولاية إلي خالد باشا الباباني تنفيذا لرغبة عبد الرحمن باشا ابن عمه كما أن عبد الرحمن باشا ساعد الوزير و مكنه من الحكم و عزم أن لا يترك جانبه ما لم يأت منشور التوجيه إليه.

و كان لسليمان باشا نوع انتماء ضمني إلي شاه ايران. لذا لم يوافق الشاه أن يقوم بسفر عليه. و بسبب وقعته المعلومة تكدر مما جري. و علي هذا زال المانع بوفاته و من ثم و لما كانت سردشت المعروفة ب (كلاس) من مضافات (صاوق بولاق) و صارت في تصرف العراق منذ ثمانين أو تسعين عاما. و دخلت في حوزة حكام بابان فقد عزم أمير صاوق بولاق و هو بوداق خان علي ضبطها و سير له الشاه جيشا فاضطر عبد الرحمن باشا إلي الاستئذان من عبد اللّه باشا للذهاب فأذن له و في 11 صفر عاد إلي

دياره.

و في 21 ربيع الآخر ورد منشور الوزارة المتضمن التوجيه بواسطة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 242

علي بك الخاصكي فأجريت المراسيم و الاحتفال المعتاد.

ثم إن عبد الفتاح باشا عزله عبد الرحمن باشا فالتجأ هو و ابنه عبد العزيز بك و توابعهما إلي إيران مضوا إلي كرمانشاه إلي محمد علي ميرزا. و هذا كتب إلي عبد اللّه باشا يرجو منه أن يعيد عبد الفتاح إلي محله. و كان عبد الرحمن باشا آنئذ في بغداد فاعتذر الوزير فلم يشأ أن يخالف عبد الرحمن باشا …

و بعد ذهاب عبد الرحمن أعاد الميرزا الرجاء و ألح في الطلب و حينئذ كتب الوزير إلي عبد الرحمن باشا فلم يصغ و كتب الميرزا مرة أخري فأبدي عبد الرحمن باشا اصرارا.

و كذا أمره الوزير بمطالب أخري فلم يصغ. لهذا كله انقلب الحب بينهما إلي بغض إذ تحقق الوزير أنه مبتن علي أطماع، و لم تمض مدة حتي تولدت البرودة و انقلبت إلي كدورة فصار كل ما يأمر به الوزير لا يصغي إليه، و كل ما أراد تمشيته عرقله بخلاف مطالب عبد الرحمن باشا فإنها كانت تروج.

هذا ما دعا أن يتغير عليه عبد اللّه باشا تغيرا تاما. و لذا عزل آغا الينگچرية قاسم آغا و نصب السيد علي آغا قبطان شط العرب سابقا آغا بغداد.

و بعد أيام عزل الكتخدا الحاج عبد اللّه بك و نصب وكيلا مكانه الحاج محمد سعيد الدفتري السابق. و بعد شهر نصب طاهر آغا الخازن كتخدا مستقلا.

فكانت هذه التبدلات في الإدارة تشعر بما يضمر لعبد الرحمن باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 243

عزل عبد الرحمن باشا:

أصر محمد علي ميرزا أن يمكّن عبد الفتاح باشا في زهاو و لذا أصر

عبد الرحمن باشا علي أن لا يلتفت إلي أوامر الوزير و لا إلي محمد علي ميرزا … حتي أنه لم يكتف بذلك بل تسلط علي بعض الأماكن من سنة مما يجاور شهرزور.

و حينئذ عزم الطرفان علي تأديب عبد الرحمن باشا. فوافق الوزير أن يكون بدله خالد باشا الموجود في زهاو. و ساق عليه محمد علي ميرزا نحو ستين ألف مقاتل و علي هذا تأهب عبد الرحمن من السليمانية لمقابلته بعد أن جعل ابنه سليمان بك إلي جهة الوزير. و ظن أن قوته مع قوة خالد باشا كافية لصد الإيرانيين. ثم تبين لعبد الرحمن باشا و لم يدر بالاتفاق عليه و أن تكون ديار الكرد لخالد باشا و لما وصل الميرزا إلي محل قريب من زهاو سارع خالد باشا لاستقباله بناء علي ايعاز من الوزير و تابعه بعسكره فحينما سمع عبد الرحمن باشا بذلك خاب أمله و لم تبق له قدرة فعاد من المحل الذي هو فيه بأتباعه و أسرته إلي لواء كوي و هناك أعد للحصار عدته و أحكم المواطن و تأهب للنضال.

و لما جاء خبر ذلك إلي بغداد و جهت إيالة بابان و كوي و حرير إلي خالد باشا و أرسلت إليه الخلعة مع الأمر (البيورادي) بصحبة أحد الآغوات أحمد جلبي، و أن محمد علي ميرزا ذهب إلي كوي لمحاصرة عبد الرحمن باشا. ففهم الوزير أن الميرزا سوف يؤثر علي الأهلين تأثيرا سيئا فيما إذا استولي علي عبد الرحمن باشا كما أنه خاف منه علي ديار الكرد لا سيما كركوك و الأماكن الأخري. لذا ندم علي ما فعل فأوعز إلي العشائر هناك لمناصرة عبد الرحمن باشا بحيث لا يدع مجالا لإيران في التوغل …

! و من ثم اطلع الميرزا علي نوايا الوزير و خشي أن يقع ما لا يحمد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 244

و علي هذا طلب المصالحة مع عبد الرحمن باشا علي أن تكون له كوي و حرير، و أن يكون لواء بابان لخالد باشا، و أن يكتفي منه ببعض الهدايا و في خلال الخمسة عشر يوما التي حاصر بها عبد الرحمن باشا لم يؤثر ذلك التأثير الملحوظ فقفل راجعا إلي كرمانشاه و لم يتمكن من قهر عبد الرحمن باشا. لأن رجال عبد الرحمن باشا يقدرون بسبعين أو ثمانين من البابانيين فأبدوا من البسالة و الشجاعة ما لا يوصف.

حوادث سنة 1227 ه- 1812 م

عبد الرحمن باشا:

وجهت إلي عبد الرحمن باشا ألوية كوي و حرير، و إلي خالد باشا لواء بابان ثم عاد الميرزا فأقام خالد باشا في السليمانية و قنع عبد الرحمن بما في يديه إلا أنه بعد ثلاثة أشهر تحرك بتسويل من بعض مقربي الميرزا فقام من لواء كوي إلي ما بين السليمانية و كوي باسم أنه يتصيد و مضي إلي أنحاء السليمانية بغتة فسمع خالد فتوهم أن ذلك كان بإذن من الميرزا كما أنه لقلة جموعه لم تكن له قدرة علي الحرب. فترك السليمانية و توجه نحو زهاو و منها ذهب إلي مندلي و أخبر بغداد بما وقع.

و من ثم عزم الوزير في الحال علي السفر و جهز جيوشه. أما عبد الرحمن باشا فإنه دخل (سرچنار) فمكث فيها و عرض القضية علي الوزير فرأي الوزير أن السفر مخاطرة و فيه مجازفة و يخشي العاقبة فتحاشي لا سيما الموسم موسم الشتاء و البرد القارص و أن من المصلحة العدول عن الحرب و مساعدة معروضاته و السكوت عن أعماله فأبدي

الرضا و القبول منه و أضاف إليه السليمانية ضميمة إلي لواء كوي و جلب خالد باشا إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 245

بغداد و خصص له مندلي لإدارته.

سفر الوزير علي عبد الرحمن باشا:

أخذ عبد الرحمن يتمادي في أعماله و يتجاوز علي بعض القري و علي الرعايا حتي أنه حاول الاستيلاء علي إربل و قراها و تطاول علي قري كركوك، لذا عزله الوزير و وجه لواء بابان إلي خالد باشا و جعل ألوية كوي و حرير إلي سليمان باشا و تأهب للسفر عليه فنهض من بغداد في 21 جمادي الأولي و سار نحو لواء السليمانية. أما عبد الرحمن باشا فإنه أبدي تجلدا فتلاقي الفريقان في محل قريب من (كفري). رتبا صفوفهما و استعرت الحرب و ضاق الأمر.

و في ساحة القراع بدا الانكسار في العشائر و بعض العثمانيين و لم يبق سوي جيش الوزير و أعوانه، و المدفعية و البندقيين من عقيل و بعض البابانيين الموجودين. و في هذه المعركة أبدي داود الدفتري من البسالة ما يفوق الوصف، و قام يحرض القوم و يحضهم علي المصابرة. و لم تمض مدة حتي ظهرت علائم الفوز في جيش الوزير فتغلب علي عبد الرحمن باشا.

و قتل في هذه الحرب خالد بك من إخوة عبد الرحمن باشا و كثيرون و تفرقت سائر الجيوش و استولت الحكومة علي الخيام و سائر الأموال و المعدات.

إن الوزير بقي هناك مدة ثلاثة أيام ثم توجه نحو كركوك. فاتهم بالخيانة كلّا من متسلم كركوك خليل آغا آل صاري مصطفي آغا، و قاضيها عبد الفتاح، و محمود بك الزعيم (ميرالاي)، و قاسم آغا و كان آغا بغداد و ثلاثة من أعيان شمر و شيخهم (شاطي) و كان مد يده علي

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 246

مؤونة الفيلق يوم المعركة. و علم أنهم اتفقوا في الخفاء مع عبد الرحمن باشا فألقي القبض عليهم و نالوا ما يستحقون من عقوبة.

ثم سار الجيش من كركوك إلي جهة إربل، و إن والي الموصل سعد اللّه باشا كان قد أمر بفرمان أن يتابع الوزير و أن يكون بصحبته فتخلف و تحقق أنه كاتب عبد الرحمن باشا في السر. لذا عزم الوزير أن يذهب إلي الموصل من أجل ذلك فجاءه بهدايا و طلب العفو منه واجهه في (نهر الضرب) و قدم معاذيره فعفا عنه ثم أعاده إلي الموصل.

و رجع هو إلي بغداد.

و لما وصل الوزير منزل كفري جاءه خالد باشا متصرف بابان بهدايا فأذن له بالعودة. أما عبد الرحمن باشا فقد فر إلي كرمانشاه.

و في هذه المرة التزم محمد علي الميرزا جانبه فوصل كتابه فلم يصغ إليه الوزير و أجابه بجواب موافق للحالة. و لما وصل الجديدة ورد خبر فرار سعيد بك بن سليمان باشا الكبير. خاف من الوزير علي نفسه و أشاع أنه ذهب لاستقباله. و بهذه الوسيلة مال إلي المنتفق.

و علي كل دخل الوزير بغداد في 29 رجب. و مدة هذه السفرة شهران و عشرة أيام.

حركة محمد علي ميرزا:

إن الميرزا رعي جانب عبد الرحمن باشا. و رجا مرات من عبد اللّه باشا أن يعاد فلم يصغ فنهض من كرمانشاه و توجه نحو قزلرباط فانتهب بعض الأماكن و شتت الأهلين من ديارهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 247

أما الوزير فقد عزم علي مقارعته إلا أن سعيد بك بن سليمان باشا الكبير قد ذهب إلي المنتفق فخشي أن يكون للدولة يد في خروجه. و لذا عدل عن عزمه و اضطر إلي

قبول تكاليف الشهزاده و صالحه فعزل خالد باشا و سليمان باشا و وجه ألوية بابان و كوي و حرير إلي عبد الرحمن و تعهد بمقدار من المبالغ للشهزاده حتي يعود و أدي منها النصف و أعطي سندا بالباقي.

و جاء في تاريخ ذلك كما نطق بها الشيخ علي الموسوي:

(كل من تلقاه يشكو دهره)

فكان سنة 1227 ه.

و علي هذا عاد الشهزاده. و من ثم دعا خالد باشا و سليمان باشا إلي بغداد و أعطي لخالد باشا مقاطعات مندلي و خانقين و علي آباد و لسليمان باشا مقاطعات شهربان و بلدروز.

المنتفق- سعيد بك:

أوضح أن سعيد بك بن سليمان باشا استولي عليه الرعب من الوزير و خشي أن يصيبه منه ضرر ففر إلي المنتفق. و ذلك حينما بلغ الوزير الجديدة فأقام لدي شيخ المنتفق، و لم يكن له مطامع و إنما أراد أن يتخلص من الغائلة التي توهمها.

أما الوزير فإنه حمل ذلك علي محمل آخر فكان ذلك داعية التساهل مع ايران … فقرر لزوم القبض عليه فنهض من بغداد بجيش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 248

عظيم في 27 شوال. و في مطالع السعود أنه سار في أول ذي القعدة.

قال في الدوحة: و لما كانت في ذمة عشائر الدليم مبالغ وافرة من الميري ذهب لاستحصالها فبقي في الفلوجة بضعة أيام و استوفي منهم ما تمكن ثم توجه نحو الحلة، و منها إلي الحسكة و أن قلة الزاد و الأرزاق مما أدي إلي اضطراب الجيش فمكث بضعة أيام ليتدارك الأمر فظهرت المخاطر من جهات عديدة فحاول رجال الوزير و المقربون إليه عذله عن سفره فلم يفلحوا. و إنما نهض نحو المنتفق.

حوادث سنة 1228 ه- 1813 م

تمام الوقعة:

و من ثم اجتازت الجيوش البراري و القفار و قطعت الأنهار و اقتحمت المخاطر حتي وصل الوزير إلي قريب من المنتفق فسمع أن حمود الثامر أيضا توجه لمقارعته، فجمع نحوا من عشرين ألفا بين فرسان و مشاة فنهض من محله و نزل بعيدا عن سوق الشيوخ بنحو ساعتين منتظرا وصول الوزير.

اتخذ طريق العذل و الاستعفاء عن التقصير بإرسال السفراء و تلطف في رسائله فلم يلتفت الوزير. و في غرة صفر تقدم علي شيخ المنتفق وصف صفوفه فاضطر الشيخ علي الدفاع … فتقاربوا إلي محل يقال له (غليوين). و حينئذ ترامي الفريقان من الضحي إلي وقت الظهر بالمدافع و

البنادق و سائر الأسلحة النارية و كل فريق تأهب للهجوم علي الآخر.

و نظرا لما أثاره الوزير من النيران الحامية تفرق شمل المنتفق، و انتثر عقدهم، و انهزمت جموعهم الواحد بعد الآخر … و لم يبق إلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 249

القليل و معهم سعيد بك تجاه الوزير. و كانت طائفة من العثمانيين في خدمة والده سابقا فأرادت أن تقوم بمساعدته تجاه انعامات والده لها.

فراسلته لتكون معه فمالت إليه و لحقت به. و كذا العشائر ممن كانوا مع الوزير. اغتنموا بها الفرصة فانتهبوا أثقال الجيش. و ذهبوا و لم يبق مع الوزير إلا نحو مائتين من اتباعه و معه كتخداه طاهر الكهية، فبقي محتارا في أمره و ندم علي ما فعل.

لذا عزم الوزير علي العودة و لكن المنتفق انتشروا فأحاطوا به فلم يجد له مخرجا. و حينئذ ظهر أخو حمود و هو محمد السعدون مع نحو مائة فارس فصاحوا بالوزير:

لك الرأي، لك الرأي … !

أخذ الوزير مع كتخداه إلي خيامهم الحربية و بعد ليلة أتوا بهما إلي سوق الشيوخ. و بعد يوم أو يومين مات برغش بن حمود الثامر و كانت اصابته جراح في المعركة فادعوا أن سليمان آغا كهية البوابين جرحه فأخذوه من سعيد بك و أرسلوه إلي سوق الشيوخ و قتلوا الثلاثة هناك.

فجاؤوا برؤوسهم إلي سعيد بك.

و في مطالع السعود: كان مع الوزير في هذه الحرب الشيخ مشكور شيخ ربيعة. و هذا التقي مع صالح بن ثامر من المنتفق فقتل في المعركة.

و كان قبل هذا عزل حمودا من إمارة المنتفق و نصب مكانه نجم ابن عبد اللّه بن محمد بن مانع أخا ثويني.

و لما قتل الشيخ مشكور زحف الوزير بعسكره و كان قادة الجيش قد وجهوا

همهم نحو سعيد بك ثم حمل كل منهما علي الآخر و انهزم كثير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 250

من أتباع حمود و صدق الحملة برغش بن حمود بن ثامر فطعنه بعض الفرسان من عسكر الوزير و حمل علي ابن ثامر و يقال إنه هو الذي قتل نجم بن عبد اللّه المنصوب من جانب الوزير شيخا علي المنتفق.

و لما كادت عشيرة حمود تولي الأدبار أدبر آل قشعم من جماعة الوزير فسقط في يد الوزير و طاهر كهية و من معهما فطلبوا الأمان من حمود فأعطاهم و لم يف لهم بالأمان فإن عشيرته نهبت العسكر و لم تبق لواحد منهم ما يستر عورته و أسر الوزير و طاهر كهية و معهما ثالث (سليمان آغا) و ذهبوا بهم إلي سوق الشيوخ. فلما مات برغش من تلك الطعنة خنقهم راشد بن ثامر و بعد ما قبروا أخرجوا فقطعت رؤوسهم.

ترجمة عبد اللّه باشا:

اشارة

كان من مماليك سليمان باشا الكبير اشتراه أثناء متسلميته البصرة، و كان أميا، بسيطا إلا أنه جواد كريم و شجاع. كان بذل جهده لإرضاء الدولة و مراعاة مصالحها …

لامه المؤرخون علي ارتباكه من فرار سعيد بك فلم يهدأ له قرار و حاذر أن يقوم عليه في حين أن حالت أفندي بذر هذه البذرة للتفرقة.

و كان ذلك لغرض سياسي أهم من الوزارة فأراد أن يتناحر المماليك ليتيسر للدولة القضاء علي حكومتهم بسهولة.

قال في الدوحة:

«إنه من مماليك سليمان باشا الكبير. و عاش بنعمته، و أن عمره نحو الخمسين عاما و مدة وزارته مع أيام قائممقاميته سنتان و خمسة أشهر و ثمانية عشر يوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 251

و هو عارف كامل و عالم فاضل و له وقار و هيبة، كان جسورا، لا يلحقه أحد في الجود و الكرم» اه.

وزارة سعيد باشا

أيامه إلي حين وزارته:

هو ابن سليمان باشا الكبير. ولد سنة 1205 ه و عمره حين وفاة والده (12 عاما). و لم يكلفه بعمل ما نظرا لصغر سنه. و من وفاة والده إلي أيام عبد اللّه باشا اختار الراحة في داره، و إن الوزراء بناء علي أنه ابن الوزير لم يقربوه لمناصب الحكومة، و لم يطمح هو إليها.

و بعد وفاة سليمان باشا القتيل تولي القائممقامية بترغيب من فيض اللّه الكهية لمدة يوم أو يومين ثم نفض يده منها و قعد في بيته كالأول.

و لم يخطر بباله تعهد رئاسة، أو رغبة في الحكومة. و لكن بعد ميل الأهلين و اختيارهم له مع فيض اللّه توجهت الأنظار إليه فصار محل التهمة و مظنة الرغبة في الرئاسة. لذا شاهد من عبد اللّه باشا سوء قصد نحوه. و لمجرد انقاذ حياته و خلاصه من هذه الورطة خرج من بغداد و فر إلي المنتفق …

لذا قام عبد اللّه باشا و جهز جيشا علي المنتفق فوقع ما وقع.

فالتحقت الجيوش بسعيد بك و مالت نحوه فتابعه الكل فقبل الرئاسة ضرورة نزولا عند رغبة هؤلاء و صار يناضل جهده فبقي هناك إلي نهاية صفر ثم تحرك في أوائل ربيع الأول سنة 1228 ه و توجه نحو بغداد بصحبة حمود الثامر. و كان في بغداد آغا الينگچرية السيد عليوي و هو

معروف بالتحريكات لا يهدأ له أمر و لكن القائممقام درويش محمد آغا كان صاحب تدبير، لذا دبره مدة و طمأنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 252

قائممقاميته:

و عند وصول سعيد بك إلي الدورة فرح الأهلون به فاستقبله العلماء و الأعيان فدخل بغداد في 15 من شهر ربيع الأول بأبهة عظيمة و جلس في منصب القائممقامية.

و حينئذ كتبت عريضة و دون محضر في ترشيحه للوزارة. و لما وصل المحضر و العرض وجهت الدولة إليه وزارة بغداد و البصرة و شهرزور رعاية للحقوق القديمة فوردت إليه البشري مع الحاج حسين آغا التوتونچي باشي لكتخدا الباب في غرة جمادي الثانية، و في 15 شوال و وردت الفرامين و التشريفات مع محمد آغا معتمد حالت محمد سعيد فسر بذلك و أجري الاحتفال المعتاد.

تبديل بعض المناصب:

إن الوزير حينما انحاز إليه الجيش في وقعة (غليوين) و تابعه أبقي كلّا من أرباب المناصب في محله و قرر أن يكون داود الدفتري وكيلا عن الكتخدا، و عمر آغا الملي الباش آغا السابق كهية البوابين، و عزل رستم آغا متسلم البصرة و نصب السيد سليمان الفخري مكانه.

قال في الدوحة: إن داود حين ورد بغداد قدم استقالته لما تفرس في الوزير أنه سوف لا يتمكن من تدبير الحالة، و لا يتصرف تصرفا قويما كما استدل من بعض القرائن فعين وكيلا بدله بعد أن دخل بغداد درويش محمد آغا آل الحاج سليمان آغا و باشر في وظيفته.

و جاء في تاريخ الكولات أنه من حين تولي الإدارة عهد بالكتخدائية لزوج أخته داود و هذا قبض عليها بكليته فلما وصل إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 253

بغداد عزله بلا سبب ظاهري و أبعده عن الإدارة و الصواب أن والدة الوزير ألحت عليه بلزوم عزله و أصرت فاضطر أن يعزله. و قالت: هؤلاء اعدائي من أيام والدك.

و ذكر أنه أبقي أهل المناصب كلّا من منصبه

ممن كان زمن عبد اللّه باشا و لكنه عزل خليل آغا الخازن و عين لطف اللّه آغا مكانه نظرا لحقوقه القديمة حينما كان في المنتفق كما أنه عين خليل آغا متسلما لكركوك.

و كان أيضا وعد السيد خضر آغا الموصلي الذي هو آغا القرنة فجعله (آغا بغداد) نظرا لإخلاصه له و لما رآه منه في وقعة (غليوين). و رأي من المصلحة عزل السيد عليوي و لكنه لم ير من المناسب عزله حين دخوله بغداد فأرجأ أمر ذلك إلي وقت آخر. أما السيد عليوي فإنه فضلا عن أعماله السابقة صار يتفوه ببعض الأقوال و يندد بالوزير و أعماله. تحقق ذلك منه فعزله حالا و أجلاه إلي البصرة و عين مكانه السيد خضر آغا الموصلي.

و عندي رسالة فيها قصائد مرتبة علي حروف الهجاء في مدح الوزير. جاء في مقدمتها كلام علي انتصاره علي أعدائه … و سماه محمد سعيد باشا بن سليمان باشا و أن هذه الرسالة للسيد (سعدي) جد (آل السعدي) المعروفين في بغداد كما أن للأستاذ علي علاء الدين الموصلي قصيدة مدحه بها.

وفاة عبد الرحمن باشا بابان:

تواترت الأخبار بوفاة عبد الرحمن باشا فكان المأمول أن يعين مكانه أحد الباشوات الموجودين في بغداد من البابانيين و عقب هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 254

الإشاعة جاء رسول خاص يخبر بوفاته و أنه في ساعة وفاته أجمع عموم البيگات و الآغوات و جمهور المشايخ و السادات و العلماء و العشائر و سائر الرؤساء و مختاري القري علي اختيار ابنه محمود بك و قلدوه الرئاسة.

و أنهم يلتمسون توجيه إيالة ديار الكرد إليه و علي هذا وجهت ألوية بابان و كوي و حرير إليه برتبة (باشا) و أرسلت إليه الخلعة و الأمر (البيورلدي).

الخزاعل:

كان شيخ الخزاعل من مدة مصرا علي العصيان و أن جوره بلغ حده. و لذا عزم الوزير علي التنكيل به فجهز عليه الجيوش. و في 11 ذي الحجة سار فوصل إلي الحلة و لكن المعدات لم تكن متناسبة مع حالة الخزاعل و لا قام بكل ما يجب إعداده فنصب خيامه في الحلة.

حوادث سنة 1229 ه- 1814 م

الخزاعل أيضا:

تبين للوزير نقص المعدات فتوقف في الحلة و لكن النقص لم يكن مقصورا علي عدد الجيش، أو نقص في المتاع و إنما هو نقص في حسن الإدارة. و لذا عزم علي العودة و غرضه التوقف إلي أن يظهر ما يدعو فيتخذ وسيلة فأقام في الحلة.

أما الكتخدا و سائر (أهل الحل و العقد) فقد أرادوا أن يستروا عيوب الوزارة فاتخذوا الروية و راسلوا شيخ الخزاعل. ساقوه إلي أن يتعهد بالميري و أبدوا للوزير السطوة فأظهر الطاعة و تعهد بأداء الميري،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 255

فاكتفي بهذا منه و رجع إلي بغداد فدخلها في 22 صفر. و مدة سفره شهران و 12 يوما.

وقائع مختصرة:

1- إن الوزير عزل داود أفندي من الدفترية و نصب مكانه محمد سعيد الدفتري كذا في الدوحة. و الصحيح ما مر في تاريخ الكولات و أما الباقون فإنهم توصلوا بطرق مختلفة إلي الوظائف.

2- إن عبد الرحمن باشا تسلط علي بغداد زمن وزارة عبد اللّه باشا و بسبب ذلك تفرق جمع المقربين أيام علي باشا و سليمان باشا حذرا من بطش الوزير فاختاروا الجلاء عن وطنهم … و من جملة هؤلاء محمد آغا الكتخدا السابق. ذهب إلي بلاد الروم، و كذا أحمد بك الأخ من الرضاعة للوزير … فإن هؤلاء حينما سمعوا بوفاة عبد اللّه باشا أمنوا شره و عادوا إلي بغداد الواحد بعد الآخر إلا أنه كان الواجب علي الوزير أن يبالغ في إكرام محمد آغا أكثر من أحمد بك نظرا لمقدرته و كفاءته لكنه توجهت ألطافه إلي أحمد بك دون محمد آغا إذ إنه خصص له راتبا أكثر و رعاه رعاية زائدة جدا و عين راتبا لمحمد آغا بصورة اعتيادية …

3-

كان علي باشا قد نفي متسلم البصرة سابقا الحاج عبد اللّه آغا ثم اغترب متوجها إلي بندر أبي شهر فبقي بضع سنوات فلما سمع بأن ابن سيده ولي الوزارة في بغداد زال عنه الخوف فاستأذن في العودة إلي بغداد فأدخله الوزير ضمن ندمائه و التفت إليه و سره.

4- ورد بغداد كل من عبد اللّه بك و أحمد بك و عمر بك إخوة عبد الرحمن باشا. فارقوا محمود باشا فتوجهوا بأتباعهم إلي بغداد تاركين عائلاتهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 256

الحلة- الخزاعل و حسكة:

مضي أن سعيد باشا لم يتجاوز الحلة، و أنه لم يعد العدة و لم يقدر أن يقوم بالسفر علي الخزاعل. و هذا مما أدي إلي خذلانه و قلة سطوته و عدم التأثير علي العشائر الأخري فصار عشائر الجزيرة و الشامية يتعرضون بالمارة فازداد البغي و العتو من كل صوب.

و من هؤلاء زبيد و الخزاعل و سائر العشائر و لم يؤدوا الرسوم الأميرية. و كذا عشائر (الجرباء)، و (الظفير)، و (الرولة) … فعاثت بالقري و القصبات المجاورة لها مثل (الحلة) و كربلاء و النجف فضج الناس من كل صوب … لحد أن النهب و السلب وصل إلي القصبات المجاورة مثل الكاظمية و حوالي الكرخ فصار الناس في خوف علي نفوسهم و أموالهم …

و في هذه الأثناء اتفق أن أربعين ألف زائر من الإيرانيين كانوا في قصبة كربلاء علمت بهم العشائر فتوجهت إليهم من كل صوب و صارت تنتظر خروجهم للوقيعة بهم، و أحاطت بالمدينة من أطرافها فلم يجد الزوار طريقا للخروج.

بقي الزوار محصورين و كان فيهم حرم الشاه و في صحبتها بعض الخانات و أن خدام الحضرة عرضوا الأمر مرارا علي الوزير فلم يصغ و

لم يتخذ أي تدبير.

كان التهاون بأمثال هذه مما فضح سياسة الوزير و أظهر عجزه، و ولد سمعة سيئة. و لذا ألح أهل الحل و العقد علي الوزير للقيام بتدبير ناجع فأحال القضية إلي داود الدفتري السابق فجعله قائدا و عين بصحبته مقدارا من الجيش و فوض إليه رفع أمر الغوائل.

جهز داود جيشه و سار من بغداد بتاريخ 14 ذي القعدة نحو الحلة فوصل إليها. و كانت آنئذ كربلاء و النجف مزدحمة بالعشائر في كافة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 257

أنحائها و حواليها … و أن كثرتها كانت تعادل أضعاف أضعاف الجيش فلم يبال بكثرتهم.

مكث في الحلة بضعة أيام للاستراحة فذاع أمره فاستولي الرعب علي العربان النازلة في تلك الجهات. لذا لم يحتج إلي المحاربة فحذرت العشائر منه و تفرقت دون أن يجرد سيفا و إنما أرسل مقدارا من الجيش لتخليص الزوار المحصورين فجاء بهم إلي الحلة ثم ذهبوا إلي النجف و منها عادوا إلي الحلة، ثم توجهوا إلي بغداد دون أن ينالهم خوف أو يصيبهم ضرر.

و حينئذ نهض داود من الحلة يريد الحسكة و لكن علم أن زبيدا في أنحاء الحلة تولدت منهم أكثر المفاسد من قطع طرق و نهب و سلب …

لذا عزل شيخهم و نصب مكانه (شفلح الشلال) و تعهد بتأمين الطرق و حراستها.

و إن عشيرة جبور الواوي سلكت عين ما سلكته زبيد فألقي القبض علي شيوخها و أغار علي عشائرها. و كانت متحصنة في ناحية (شكري) بين الأنهار و الغابات فعزموا علي النضال سوي أنهم لم يطيقوا المثابرة فانهزموا و تقدم الجيش فانتهب أموالهم و اغتنم مواشيهم و سائر ممتلكاتهم.

و حينئذ حط داود خيامه تجاه الديوانية محل (ضابط الحسكة) و هناك

أبدي سطوته.

حوادث سنة 1230 ه- 1815 م

الخزاعل:

أما الخزاعل فإنهم من زمن علي باشا لم يذعنوا لسلطة بسبب ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 258

أصاب الحكومة من غوائل ألهتها فصاروا ينظرون إليها بنظر الاستغراب.

فلما جاءهم داود رأوا كصاعقة اصابتهم، و اضطروا إلي الانقياد و الطاعة و تعهدوا بالميري و قدموا الهدايا …

أما القائد داود فمراعاة للمصلحة عاملهم بالحسني ثم رجع بناء علي أمر الوزير و نظم الاشغال لكنه قبل أن يتمها صدر الأمر بعودته فعجل بالرجوع حذر أن يحمل عمله علي محمل آخر.

و إن أكبر شيوخ الخزاعل محسن الغانم جاء إليه و أبدي الطاعة فراعي جانبه و أحسن إليه و استصحبه إلي بغداد و حصل علي واردات جسيمة و أبدي سطوة.

و في سلخ صفر عاد. و مدة سفرته ثلاثة أشهر و 16 يوما.

و إلي هذه الوقعة أشار الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها:

أ مدبرا قطر الممالك بعد ما عجزت ولاة الأمر عن تدبيرها

تبدلات في الموظفين:

و قبل عودة داود كان قد عزل الوزير وكيل الكتخدا درويش آغا و نصب مكانه متسلم البصرة السابق الحاج عبد اللّه آغا وكيل الكتخدا.

و هذا مما لا شك في مقدرته قام بأعباء جسيمة. أبدي فيها كفاءة فهو مجرب للأمور. و لكن الأحوال كانت مختلة. و لو نصب غيره أيضا لما أمكنه التنظيم. و لهذا اكتفي داود بالدفترية حبّا في برودة الرأس من الغوائل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 259

وقائع متفرقة:

1- إن سعيد باشا في سفره إلي الحلة في سنة 1228 ه استصحب معه خيالة خالد باشا متصرف بابان سابقا فرأي تهاونا. أما عبد اللّه بك أخو عبد الرحمن باشا فقد ذهب بصحبة داود إلي الخزاعل. فظهر سعيه و بدت نتائج أعماله. و لذا تغير الوزير علي خالد باشا و حبسه في داره و سلب منه مقاطعة مندلي و خانقين و علي آباد و أعطي حاصلاتها إلي عبد اللّه بك. ثم عفا عنه إلا أنه لم يعد إليه مقاطعاته.

2- إن متصرفي الكرد من أواسط أيام علي باشا كانوا يتوصلون إلي الإدارة بواسطة الشاه إلا أن نفوذ الوزراء في الحدود بتعيين موظفين لا يزال باقيا، و أن إيران تخشي أن تتعرض بهم … و لذا كفت يدها من كوي و حرير، و من درنة و باجلان.

3- كانت يد إيران في بابان لا تزال عاملة في الخفاء، و المصارحة و كانت ترضي الوزير بالمواعيد و الآمال …

4- بناء علي بعض التعهدات وجهت كوي و حرير إلي سليمان باشا متصرف بابان سابقا.

5- إن متصرف درنة و باجلان محمد جواد باشا جاء إلي بغداد و ألبس من الوزير خلعة إمارته.

6- إن وكيل الكتخدا الحاج عبد اللّه آغا نظم أمور

وكالته مدة خمسة أشهر و لأمر طفيف عزل، و نصب درويش محمد آغا بالوكالة.

7- لاحظ ضابط الحلة أن زرع المقاطعات ممن يعيث بالأمن ليس من المصلحة و أبدي لزوم اتخاذ تدبير لذلك، فطلب من خالد باشا متصرف بابان سابقا مقدارا من العسكر فأرسل ابنه محمد بك و معه نحو خمسمائة فارس إلي بغداد. و لما لم تكن بعهدته مقاطعة تقوم بمصارفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 260

أعطي خمسين ألف قرش ليدبر بها أموره و أرسل إلي نهر الشاه …

الخزاعل:

إن الخزاعل لم يبد منهم ما يبرر القيام بمخاصمة و إنما ذهب جاسم بك الشاوي إلي الخارج أيام عبد اللّه باشا في بعض المصالح و في طريقه مر بشيخ الخزاعل سلمان المحسن. و لما لم ير منه توجها و حفاوة فقد اضمر له الغيظ. و في هذه الأثناء ورد كتاب من شيخ الخزاعل عباس الفارس ينطق بأن سلمان المحسن عاث بالأمن، و أنه لا يزال علي سوء الأحوال فكانت هذه نعم الوسيلة لتبريد غلته، فأبدي للوزير حاله و شوقه للسفر عليه بأمل تقوية النفوذ و جلب الإيراد.

تأهب الوزير و في 8 شوال نهض من بغداد نحو الخزاعل. و لما وصل إلي الحسكة اضطرب شيخ الشامية مغامس الشلال فترك دياره و ضرب في الصحاري، و إن عباس الصقر جاء ليعرض اخلاصه …

أما سلمان المحسن فإنه ثبت و تمكن في (لملوم) و لكنه لم يطق الدوام فرحل إلي الأهوار و استقر في السيباية في محل يقال له (المدينية). فضرب الوزير اللملوم و أتلف زروعه فرعتها الخيل و وطأتها.

و من هناك ضرب خيامه بمقربة من السيباية و ساق عليه الجنود فضيق لبضعة أيام و مشي علي السيباية مرات

حاول الاستيلاء عليها فاستعصت و لم يتمكن من الوصول إليها. فاضطرب الشيخ لحاله أن يتركها فتفرق جمعه في الأهوار الصعبة المرور …

و لما علم أن لا طريق لتعقيبهم مضي الوزير إلي جليحة لتحصيل الميري و جعل وجهته اليوسفية فتوقف بضعة أيام و تبين له أن لا طريق لاستحصال الميري منهم فقام بلا نتيجة و رجع. و في طريقه زار النجف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 261

و كربلاء. و في المحرم سنة 1231 ه دخل بغداد. و مدة سفرته دامت شهرين و 26 يوما …

حوادث سنة 1231 ه- 1816 م

شمر و الخزاعل- المنتفق و الظفير:

إن فارس الجرباء بعشائره و الزقاريط و عشائر البعيج لم يروا من سعيد باشا ما كانوا يرونه من الوزراء السابقين من عناية و رعاية لا سيما أيام الوزير علي باشا ففي أيامه كانت لفارس أبهة عظيمة و صدارة فعبر إلي غربي الفرات عند ما تولي سعيد باشا الوزارة بسبب ما بين الجرباء و العبيد من الضغائن لا سيما قاسم بك الشاوي و كان الوزير ولي أكثر أموره له فلم يستقر فارس في الجزيرة فنزل بعشيرته علي الخزاعل فاتفقوا و تجمعوا. و في هذه الأثناء كان قد نكل الوزير بشيخ الخزاعل سلمان المحسن و ضيق عليه تضييقا مرا. و علي هذا استمد سلمان المحسن بفارس الجرباء فأمده بعشائره فوصلوا و تبعوا الجيش للنكاية به و حينما جاؤوا قرب ديار الخزاعل علموا أن الوزير رجع. و لما سمع بهم تأهب عليهم. و لكنهم هابوه و لذا مالوا إلي الخزاعل، و اتفقت زبيد و العشائر الأخري ممن في تلك الأنحاء. فصارت جموعهم خطرا. جاؤوا من الحسكة إلي الحلة فانتشر ضررهم و زال الأمن و انقطعت السبل و تسلط العشائر علي القري و المقاطيع.

فتحير الوزير في أمره لما ظهر من هذه الأحوال.

و حينئذ طلب الوزير حمود الثامر شيخ المنتفق للسفر علي الخزاعل فجهز جيشا عظيما فوصل إلي أنحاء السماوة كما أن الوزير علم أن لا مجال للخلاص من الجرباء إلا بجلب الظفير ألد أعدائهم. و كذا دعا كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 262

من ينزع إلي معاكسة هذه العشائر من العشائر الأخري من العبيد و أرسل معهم قاسم بك مع بيارق الخيالة و عقيل و باش آغا. و كذا جلبوا الدريعي من رؤساء الرولة من عنزة لجانبهم. ولي قاسم بك أكثر أمور هذا الوزير و نظرا لذلك لم يستقر آل الجرباء في الجزيرة و إنما نزلوا بعشائرهم علي الخزاعل ليكتالوا من أنحائها. و كان بين فارس و بين الدريعي عداء قديم فاقتفي الدريعي أثره و نزل قريبا منه و أرسل إلي حمود بن ثامر فاستنفره فنفر بفرسان عشائره لمساعدة الدريعي و كذلك خرج عسكر الوزير مع من ذكر …

تقابل الفريقان في لملوم و اشتعلت نيران الحرب فكانت الغلبة في جهة مناصري الوزير و قتل من خصومهم خلق كثير.

و في هذه الواقعة قتل بنيّة بن قرينس ابن أخي فارس و كان بنية ما كرّ علي جناح أو قلب إلا هزمه حتي تحامته الفرسان فأصابته طلقة اردته قتيلا و حينئذ أرسل رأسه إلي الوزير فأعلن أمره ليؤدب به الباقين …

المنتفق في هذه الأيام:

بعد قتلة عبد اللّه باشا قويت شوكة حمود و صار أمر سعيد بيده و لهذا أعطاه و إخوانه ما في جنوب البصرة من القري. و أطاعهم الحاضر و البادي، و سالمتهم الأعادي.

و في أيام الشيخ حمود امتدت يد الظلم من أتباعه. و أطنب في ذلك صاحب مطالع السعود لقصد

التوصل إلي ذم ادارة سعيد باشا بل ذمها كثيرا، و بالغ في ذم حمادي بن أبي عقلين و سائر الموظفين. و ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 263

ذلك إلا لأن الوزير أشرك العرب في الإدارة فنقم عليهم داود باشا فظهر ذلك علي لسان مؤرخيه صاحب الدوحة و صاحب المطالع.

وقائع مختصرة:

1- إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان قد عين ابنه محمد بك مع خمسمائة فارس لمحافظة أنحاء الحلة فخدم بإخلاص. لذا وعده الوزير أن يوجه إليه إربل لما شاهد من بسالته في حرب الخزاعل.

مضت بضعة أيام فوجه إيراد إربل إلي خالد باشا و صار يستوفيه تدريجيا و يصرفه علي أتباعه … ثم ذهب ابنه محمد بك بمن معه إلي إربل.

2- شوهد تهاون من سليمان باشا متصرف كوي و حرير في أداء ما تعهد به و تساهل في الخدمة. و علي هذا عزله و وجه هذه الالوية إلي خالد باشا، و إلي ابنه محمد بك وكالة كوي و حرير بعنوان (باشا).

فلما سمع سليمان باشا بهذا قوض خيامه و طوي بساط الراحة و ذهب إلي سنة مع أتباعه و منها سار إلي كرمانشاه و تابعه محمد علي ميرزا. و سارع محمد باشا ابن خالد باشا من إربل نحو لواء كوي. و كذا استأذن خالد باشا من الوزير أن يذهب إلي محله و كان في بغداد.

سعيد باشا- حمادي ابن أبي عقلين:

تولي سعيد باشا الوزارة و هو حديث السن، لم يجرب الأمور.

و مما حط من منزلته أنه استخدم حمادي (ابن أبي عقلين) من صنف العلواتية (بياعي الأطعمة) فنال مكانة لديه.

و إن مؤرخي داود باشا حرموه من كل صفة مقبولة. قالوا: و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 264

كردي الأصل، فلم يكن عاقلا و لا نصف عاقل فضلا عن أن يكون أبا عقلين. و لو كتبت أعماله لاحتاجت إلي تدوين سفر مع قصر المدة لمباشرته الأعمال و عدوا ذلك من خرق الوزير سعيد باشا و بينوا أنه لم يسمع نصحا كما أن ابن أبي عقلين زاد عتوه، فوصلت الحالة إلي انحطاط و

تدهور ليس وراءهما و هكذا كان شأن العشائر و صاروا لا يسمعون أمرا و تكاثر العصيان. و مثلهم أهل المدن. و مجري الحوادث يبصر بحقيقة الوضع.

و مما وقع في هذه الأيام:

1- في مندلي حدث اختلال فطرد أهلها ضابطهم و اختاروا ضابطا غيره.

2- في كركوك حدثت فتنة عظيمة لم يسبق لها مثيل طالت ثلاث سنوات استعرت في خلالها نيران الخصام بين الأهلين.

3- أصر (حمادي بن أبي عقلين) علي أن يعزل محمود باشا متصرف بابان و ينصب مكانه عبد اللّه بك أخو عبد الرحمن باشا برتبة باشا فاضطر الوزير علي ذلك و أرسله إلي كركوك، و سير معه عبد الفتاح آغا (بلوك باشي) تقوية له و أن باش آغا مع عبد اللّه باشا وصلا الجانب الأعلي من (قزل دگر من) في كركوك فنصبا خيامهما و طيرا الخبر بما عهد إليهما. فلما سمع محمود باشا تأهب للقراع و عين أحد إخوته عثمان بك مع مقدار من الجيش و تحصن هو في مضيق (بازيان).

و كانت أرسلت الدولة إلي إيران سليمان أفندي رسولا و هذا تشاور الوزير معه علي عزل محمود باشا فلم يرض. ثم ذهب إلي إيران و بلغ الرسالة و لكن قبل أخذ الجواب رأي ابن أبي عقلين أن يعجل في القضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 265

فلما علمت إيران اتخذت هذه سببا لاعتذار الشاه، و أدت إلي انفعال الرسول.

جاء محمود باشا بجيوشه إلي المضيق و أبرز من السطوة ما جعل عبد اللّه باشا يتهيبه. و إن الباش آغا كانت معه شرذمة قليلة فلم يجسر أن يمضي إلي الأمام بل بقي في محله و لازال في انحطاط في القوة يوما فيوما … و عزا انصار داود باشا إلي الوزير و إلي

ابن أبي عقلين أمورا كثيرة ليبرروا نهضته. و بهذه التشنيعات و أمثالها أثروا علي الدولة في أنه عاجز عن ادارة الشؤون مما أدي إلي عزله فاختلت الحالة. و عاد محمود باشا إلي محله.

أحوال بغداد:

إن أحوال بغداد انعكست إلي الدولة فتحولت عن الوزير الانظار كما أن حالت أفندي الرئيس كان قد عاد إلي استنبول فصار بمقام مشاور للدولة في مصالح العراق و مهامه لا تخرج الدولة عن رأيه …

و هذا كان له صراف في استنبول يقال له (حسقيل) بن راحيل من يهود بغداد. و كان له أخ يدعي عزره التمس من الوزير أن يعينه رئيس الصرافين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 266

أما رئيس الصرافين الموجود فإنه ملتزم من والدة الوزير و من ابن أبي عقلين لذا لم يروج ملتمسه فاستكبر حالت أفندي ذلك و تألم من الوزير. و صار يتربص الوسائل للوقيعة به.

و في تلك الأيام كانت الدولة تأذن للولاة في ضرب بعض النقود في بغداد. فأذن له بضرب النقود النحاسية و عين عزره المذكور. و هذا اغتنم الفرصة من غفلة الموظفين فكتب بدل (الطغراء) لفظ (سعيد باشا) و لما قدم إلي الوزير الانموذج تهيج كثيرا فسارع إلي تغيير هذه النقود و لكن تسرب مقدار منها إلي الدولة و لا تزال معروفة عندي نماذج منها.

و عزرا هذا بعث إلي أخيه حسقيل مقدارا من هذه النقود قدمها إلي حالت أفندي مبديا له أن سعيد باشا ضرب نقودا باسمه و قدمها إليه تصديقا لقوله و علي هذا و للأسباب المارة عزل سعيد باشا و صدر الفرمان بلزوم إقامته في حلب في محل (شيخ بكر). و لكن سعيد باشا لا يزال خالي الذهن.

علم محمود باشا ذلك كله و

لكنه التزم الكتمان و أمر أن لا يتزحزح من مكانه. و حينئذ فهم الوزير من الأوضاع أن نوايا الدولة متوجهة عليه فاضطر أن يدعو الجيش المرسل لمساعدة عبد اللّه باشا و أن محمود باشا مع جيوش إيران قاموا من المضيق فعاد كل إلي مكانه و بقي عبد اللّه باشا في كركوك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 267

خروج داود من بغداد:

قال صاحب المطالع: «فلما رأي أرباب الأغراض منه ما رأوا أي من داود من وقعة الخزاعل أضمروا له ما أضمروا و سعوا فيما سعوا …

فوافقهم الوزير علي ما بينوا فحاولوا قتله، أو كادوا … فبلغه ما عليه أضمروا … فأشير عليه أن يخرج من بغداد، و يخطب إيالتها فوافق ما كان أضمره … فخرج في 12 ربيع الأول لسنة 1231 ه.

و مثله و بصورة أوسع في الدوحة من أنه كان مخلصا للوزير إلا أنه أبدي خرقا في الإدارة و تسلط عليه ابن أبي عقلين و أجري تبدلات كثيرة في المناصب أغضب بها المماليك، فاختار أكابرهم داود للأمر، و حذرا من الوقيعة به نهض من بغداد في 12 شوال مع بعض أعوانه. ذهب إلي زنگباد و منها مضي إلي كركوك.

و في طريقه وصل إليه كتاب من محمود باشا يبدي أنه و والده لا يقصرون في الخدمة و أن الولاة كانت معاملتهم سيئة و إذا وجهت إليه الوزارة فإنهم لا يخرجون عن رأيه و لا من طاعته و لا يميلون إلي إيران أو يركنون إليها، و أنهم متأهبون لمؤازرته فأجاب ملتمسهم و ذهب إلي السليمانية فاستقبل بحفاوة بالغة الحد.

أخبار سعيد باشا بعد خروج داود:

إن هذا الوزير بعد ذهاب داود أحس بالخطر و علم أن تبعيد المماليك أدي إلي هذا، و من ثم قرب الموجودين، و أبعد ابن أبي عقلين. و حاول إرضاء جماعته، فجعل درويش محمد آغا كتخدا أصالة، و نصب مكان ابن أبي عقلين يحيي آغا الميراخور جعله خازنا، و عين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 268

يوسف آغا الميراخور أمين الاصطبل كما كان، و عزل عمر آغا الملي و وجه كهية الباب إلي عبد اللّه آغا الباش آغا السابق.

و أجري تبديلات أخري فكان ذلك تسكينا للخواطر و هيهات أن يرضوا عنه بعد ما رأوا منه ما رأوا و صار يهرب الواحد بعد الآخر. و صار يشتبه من أوضاع العثمانيين أيضا خشية أن يهربوا. و كتب إلي شيخ المنتفق حمود الثامر أن يأتيه لإزالة ما هو فيه من الاضطراب.

داود في السليمانية:

تمكن داود في السليمانية. و ناصره محمود باشا و قبل برئاسته و كان قد فر إلي كرمانشاه كل من سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف كوي و حرير سابقا، و خليل آغا متسلم كركوك. و رستم آغا متسلم البصرة سابقا، و السيد عليوي المنفصل من آغوية بغداد فورد هؤلاء السليمانية و تابعوه، و كذا راسله الكركوكيون و أبدوا له الطاعة و دعوه لموافاتهم. لذا استدعي عطف السلطان عليه و عنايته به بتوجيه الوزارة إليه و عرض الكيفية مع تاتار خاص و بقي في السليمانية نحو أربعين يوما ثم توجه إلي كركوك و معه محمود باشا بعساكره و سليمان باشا.

ثم ورد الجواب، فأنجز السلطان ما أمله و منح له الإيالة، فاستقبله وجوه المملكة. و قبل أن يصل إلي كركوك بنحو ثلاث ساعات جاءه عمر بك دفتري بغداد ابن الحاج محمد سعيد بك مع مقدار من الاتباع، فنال التفاته. و لما قارب كركوك استقبله متسلمها الحاج معروف آغا و قاضيها و مفتيها و نقيب إشرافها و جملة العلماء و الأعيان و آغا الينگچرية و صنوف الجيش من سردنكجدية و متميزي الاوجقلية، فقدموا ما يجب من طاعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 269

ثم نصب خيامه قرب (قزل دگر من) فاستراح هناك و تجمعت الجيوش إليه. و حينئذ جعل أحمد بك الأخ من الرضاعة وكيل كتخدا، و محمد

آغا كتخدا البوابين وكيل كتخذا البوابين أيضا و نصب عبد القادر آغا الحشامات وكيل الخازن، و عمر بك الدفتري وكيل المصرف و خصص لهؤلاء بعض الكدكات المناسبة.

عزل خالد باشا و خيانة أحمد بك:

حينما وصل داود باشا إلي زنگباد كان قد كلف عبد اللّه باشا متصرف بابان سابقا أن يكون في جهته فأبي. و لم يقف عند هذا بل ارتكب بعض الخيانات فلما رجع من السليمانية إلي كركوك عاد عبد اللّه إلي بغداد مع أعوانه. و في طريقه أغار علي قرية خرنابات من قري الأوقاف فانتهبها. و بهذه الصورة وصل إلي بغداد و التحق بسعيد باشا.

و أيضا طلب من خالد باشا متصرف كوي و حرير أن يتابعه حينما توجه من السليمانية إلي كركوك فامتنع و خالفه. و لذا بعد أن ورد كركوك ببضعة أيام عزله و وجه الألوية المذكورة إلي محمود باشا و عين أخاه عثمان بك لضبطها و إدارتها و أرسل معه قوة كافية للاستيلاء عليها.

و لما كانت الدولة أصدرت فرمانا بعزل سعيد باشا عزمت أن تجعل أحمد بك الأخ من الرضاعة قائممقاما فأصدرت فرمانا بقائممقامية و لكن لم يستطع إعلانه حذرا من الخذلان فكتم الأمر و صار يترقب الفرصة. و لما ذهب الجيش إلي كوي و حرير اعتقد أن قد حان الوقت، فوافقه أهل كركوك نزولا عند الرغبة السلطانية.

قام أحمد بك بوسائل الفتنة فتابعه بعض الآغوات و خالفه آخرون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 270

سرا فانتظروا الفرصة ليلا و ذهبوا إلي داود فعذل هؤلاء و أهل المدينة فلم يعذلوا بالرغم من الاستمالة بل هاجموا الجيش علي حين غرة فقابلهم ضرورة، فلم يثبتوا إلا مدة قصيرة فألقي القبض علي قسم و قتل آخرون.

و منهم من تشتت شملهم.

و من ثم

نهض الجيش من المحل المذكور و ضرب خيامه في جنوب كركوك في قرية (تر كلان). و بعد ثلاثة أيام رحل الجيش إلي قرية (طقمقلو) منتظرا أجوبة ما قدمه من معروضات إلي الدولة.

و بعد أن أتم عثمان بك مهمته في كوي و حرير عاد الجيش و نظمت الإدارة هناك.

حمود الثامر- بعض وقائع بغداد:

إن عبد اللّه باشا لم يستطع البقاء في كركوك. فلما سمع بمجي ء داود باشا إليها ذهب مع خمسمائة من الخيالة إلي بغداد فنصب خيامه خارج باب الإمام الأعظم و طلب أيضا سعيد باشا من حمود الثامر أن يوافيه فجاءه بألف و خمسمائة من العساكر فوصل إلي بغداد في 23 ذي الحجة و نزل في جانب الكرخ.

أما سعيد باشا فإنه اضطربت حالته فلم يتمكن من ضبط الأمور كما أن المصروفات اليومية بلغت عنده ما يزيد علي اثني عشر ألف قرش فصار الوزير يري كل الصعوبات في الحصول علي المبلغ فلم ير بدّا من تحمل هذه المشاق و صار يبذل جهوده لتأمين الحالة.

أما العثمانيون فقد ضجروا من هذه الحالة و جعل الوزير في الأبواب من يمنع الخروج عن البلد من الفرسان. لذا تري الواحد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 271

و الاثنين بصورة متوالية يبدلون قيافتهم و يخرجون ليذهبوا إلي داود باشا حتي أن أخا الوزير صادق بك مل هذه الحالة و يئس فانتهز الفرصة و فر إلي جهة قزلرباط فأعيد إلي الوزير بعد بضعة أيام. و أن أعوان الوزير احتاروا في أمرهم … و في النتيجة سدت أبواب المدينة سدا محكما …

حوادث سنة 1232 ه- 1816 م

وزارة داود باشا

توجيه الوزارة إلي داود باشا:

جاءت البشري بتوجيه إيالة بغداد و البصرة و شهرزور إليه و هو في قرية (طقمقلو) في غرة المحرم يوم الجمعة، و ورد محمد آغا معتمد محمد سعيد التوقيعي السابق. و محمد سعيد آغا التاتار بالمنشور يوم الأحد 3 المحرم فاحتفل بذلك.

و هذا الوزير من أكابر وزراء العراق علما و معرفة. و له الصيت الذائع … و مهمته أنه أدرك مناهج من قبله. فإذا كان سليمان أبو ليلة ثبت دعائم الحكم للمماليك، و أن سليمان

الكبير حاول أن تكون الإدارة خالصة لهم و أن سليمان (المقتول) استخدم الأهلين في الإدارة و مثله سعيد باشا فإن داود باشا سعي سعيه الحثيث للقضاء علي العناصر الأخري أو تبعيدها عن الإدارة و راعي كل واسطة دون أن يبالي بما قام به من قسوة و تجددت له آمال استقلال فحال دونها ما لم يخطر ببال، و ظهر ما لم يتوقع فكانت عاقبة ذلك الخذلان. و تعين ذلك حوادثه.

مكث نحو خمسة عشر يوما ثم توجه إلي بغداد فأقام في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 272

طوز خورماتو نحو عشرة أيام في خلالها قام ببعض الأعمال، فوجه لواء درنة و باجلان إلي سليمان باشا فذهب إلي منصبه الجديد.

و نهض من هناك فوصل إلي الجديدة. و حينئذ أرسل نسخ الفرامين و بعض الأوامر إلي بعض أعيان بغداد و اتخذ الوسائل لاستمالة الأهلين.

و العثمانيون ملوا من سعيد باشا فأبدوا ذلك بتحرير ورد منهم إلي الوزير إلا أن سعيد باشا اكتسب قوة بعبد اللّه باشا و حمود الثامر.

ثم علم هؤلاء بعزل سعيد باشا حينما تقرب داود من بغداد فانتبهوا من غفلتهم و كذا الصنوف العسكرية و اللوند و عقيل و القليقلية (أهل القلنسوات) و سائر الزمر فمن كانت له شهرية تقاضاها في حينها بقصد الاستمالة و جمع نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف من المشاة ليتغلب بهم علي الأهلين، و لكن ظهر القحط في بغداد فبلغت وزنة الحنطة ثلاثين قرشا و زيادة و وزنة الشعير ستة عشر قرشا و لكنها كانت مفقودة. و كذا تضاعفت أسعار الارزاق الأخري و استولي الضيق علي الفقراء و شغلوا بأنفسهم. و كذا الأغنياء سئموا الحالة.

و كان الأولي بالوزير أن يذعن للأمر السلطاني فأبي

بتسويل من ابن أبي عقلين و أمثاله.

و علي هذا أراد سعيد باشا أن يشوش علي محمود باشا متصرف بابان أمره و كان ورد مع داود باشا بجميع قواه فبقيت بابان خالية فعين عبد اللّه باشا الباباني أن يسير بجيشه ليستولي علي لواء بابان فذهب من جانب الكرخ ليعبر من ناحية تكريت و يذهب إلي كركوك و منها إلي السليمانية ففعل، و كتب إلي خالد باشا الذي عزل من لواء كوي و ذهب إلي إربل فأقام فيها بضعة أيام ثم جاء إلي كركوك فأكد له الوزير سعيد باشا في لزوم متابعة عبد اللّه باشا و أن يأخذ معه السباهية ممن في كركوك و يرافقه إلي السليمانية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 273

و لما وصل الخبر إلي محمود باشا اضطرب. لأنه لم يترك سوي أخيه حسن بك و نحو مائة من الخيالة للمحافظة. و لكن حسن بك تمكن أن يقاوم الهاجمين فلم يتزلزل بالرغم من الجموع الوفيرة التي هاجمته.

و ذلك أن الموظفين حينما وصل عبد اللّه باشا إلي كركوك اتفقوا معه و جهزوا نحو ألفي جندي من خيالة و مشاة و توجهوا نحو السليمانية و سعوا جهدهم للاستيلاء عليها فقاومهم حسن بك مقاومة لا مثيل لها و داموا نحو ثلاثة أيام أو أربعة فلم ينالوا بغيتهم و عادوا خائبين …

الوزير في قره بولاق:

تيقن الوزير أن سعيد باشا و أعوانه لم يكن عملهم مثمرا و أنه سريع الزوال، لما علم أن القحط اشتد علي بغداد و انقطعت القوافل. فلو بقي علي هذه الحالة لبضعة أيام لقام الأهلون علي الحكومة و هاجموا سعيد باشا. و هذا كان لديه نحو الأربعة آلاف أو الخمسة من الجنود الموظفين و من عشائر المنتفق

و من غيرهما أما الوزير فأراد أن يزيد الاضطراب و أن ينكف عن سعيد باشا أعوانه و المتصلون به، فانسحب و تنحي عن بغداد و لم يعجل بالأمر.

و من ثم دعا حمود الوزير أن يخرج معه فلم يوافقه …

رحل الوزير من منزله و توجه إلي ما يحاذي مقاطعة (دكة) من ديالي و نزل في (قره بولاق)، فأمن ذخائر الجيوش و أطعمتهم من الكرد و من درنة و باجلان. فصارت تجلب إليه المؤونة من هناك فتوقف مدة و ترك الأمور تجري في مجراها الطبيعي …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 274

سعيد باشا و الوزير:

لم يلتفت سعيد باشا إلي الأمر السلطاني و أرسل عبد اللّه إلي جهة كركوك ليذهب إلي السليمانية و أبقي العشائر الأخري في بغداد. فلما رجع عبد اللّه باشا من السليمانية بيأس توقف في كركوك. و لكن المنتفق و العبيد والدليم بقوا للمحافظة، و أن مصاريف المنتفق و حدهم تتجاوز العشرة آلاف قرش و نفقات الباقين علي هذه النسبة فنفدت المؤونة و صارت تشتري من الأهلين بصعوبة بحيث تسعي الحكومة من الصباح إلي الغروب لسد حاجتها.

كانت الأوضاع في حرج و العربان لا سيما المنتفق يتحكمون من أجل الارزاق بحيث صار لا يطاق أمر إرضائهم فأظهر سعيد باشا العجز و لم يبق له تدبير بل صار يتحري الخلاص من الكلفات الناجمة.

و في هذه الأثناء ورد الخبر بأن الوزير عاد من الجديدة و رفع الحصار عن بغداد فكان ذلك خير وسيلة لترخيص شيخ المنتفق و إخوته و عشائره فابتهج الشيخ لهذه المنة. أبدت الحكومة استغناء عنه بداعي أن النظام جري علي محوره المطلوب فعاد.

مذاكرات:

في المطالع ما يشير إلي أن الوزير أرسل صورة الفرمان إلي حمود ابن ثامر و كان مشككا فيه و حينئذ أشار علي سعيد باشا بالامتثال للأمر و أنه يبلغه مأمنه فلم يسمع قوله. و حينئذ عزم الشيخ حمود علي الرجوع إلي دياره فذهب. و أن ابن سند أسهب في البحث.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 275

حالة بغداد بعد الشيخ حمود:

إن سعيد باشا عزل الكتخدا درويش محمد آغا و نصب مكانه أصالة الحاج عبد اللّه آغا و كان من الندماء و قبل ذلك كان وكيل الكتخدا فصار العزل داعية سرور الأول و النصب حزنا علي الآخر. قال صاحب الدوحة: أنه اطلع علي كتاب منه ورد إلي الشيخ موسي ابن الشيخ جعفر جوابا له «إنني كنت أظنك تضمر الخير لي فظهر لي أنك لم تكن كذلك.

فلو كنت محبا لما تمنيت لي هذا المنصب في هذا الأوان بل كنت تعزيني به» اه …

و ذكر أنه شاهد الكتاب بعينه. و لذا قام بهذا المنصب علي كره.

أما درويش محمد آغا فإنه اعتزل الوظيفة و سكن بيته فرحا إلا أنه نسب حمادي إليه بعض الأعمال فترك منزله ضرورة و أقام في دار أخري بعيدة عن دار الحكومة. و صار يترقب الفرج.

مضت أيام علي هذه الحالة و تواردت السوابل، و زال الضيق عن الأهلين نوعا و أن سعيد باشا اطمأن. و خرج مرة راكبا فشاهد أخاه صادق بك و معه أتباعه و بعض آغوات الداخل يرافقونه ذاهبين إلي الوزير فلم يمنعهم أو أنه لم يقدر علي ارجاعهم.

و بعد بضعة أيام اجتمع قسم من أهل باب الشيخ و تذاكروا في أمر دفع سعيد باشا فوصل إليه خبر اجتماعهم فطلب الأشخاص الحاضرين فلم يأتوا و أصر

فلم يجيبوا و وافقهم غيرهم و تجمهروا و شرعوا في الشغب.

و كان سعيد باشا ينوي تسيير جيش عليهم. و في الصباح سير الجيش فأشعل الفتنة متميزو العساكر، و أغروا لفيفا من أهل باب الشيخ.

و علي هذا علم الباشا أن حمادي جرح فحاصر في القلعة و من ثم ترك أعوانه و حشمه و تخلي عن المنصب من تلقاء نفسه و حاصر في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 276

القلعة مع حمادي. و قبل هذا وضع عسكر عقيل في القلعة.

و حينئذ اجتمع آغوات الداخل مع الأعيان و الندماء و العلماء و صنوف العسكر فاتفقوا علي طاعة الوزير داود و نصبوا موسي آغا قائممقاما ثم كتبوا عرضا مع محضر دونوه من ساعتهم و أرسلوه إلي الوزير. و كان في قره بولاق ينتظر الفرج بصبر فجاءه العرض مع المحضر متضمنا دعوته و إنقاذ الأهلين مما نالهم.

الوزير في بغداد:

و علي هذا نهض بموكب فخم إلي بغداد فوصل يوم الجمعة 5 ربيع الآخر سنة 1232 ه فتوقف خارج الباب الشرقي و نصب خيامه هناك.

و من ثم استقبله الأعيان و العلماء و الأركان … فدخلها مساء بابتهاج من الأهلين. مضي من وسط المدينة فتعالت الأصوات من كل صوب ب (خير مقدم) و (مرحبا) … !

و في اليوم الثالث اجتمع العلماء و الأعيان و صنوف الجيش و الندماء و وجهاء البلد و عموم العثمانيين فتألف الديوان العظيم و ازدحم الخلق فقرئت المناشير علي الملأ و أجريت مراسيم الأفراح …

و عين محمد آغا كتخدا البوابين سابقا كهية. و لكتابة الديوان فضل اللّه و لآغوية الينگچرية السيد علي آغا و أبقي كلّا من الحاج محمد سعيد الدفتري، و موسي آغا كهية البوابين، و يحيي آغا الخازن

في مناصبهم و ألبس كلّا منهم خلعة … كما ألبس رؤساء الصنوف الأخري.

و حينئذ تقدم الأعيان و العلماء و الأشراف و العثمانيون للتبريك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 277

قتلة سعيد باشا و حمادي:

إن سعيد باشا حينما عزل وصل الأمر السلطاني إلي الأخ من الرضاعة أحمد بك فأطلع سعيد باشا علي محتوياته فلم يلتفت و تمرد فكانت النتيجة أن تفرق جمعه فالتجأ مع حمادي إلي القلعة الداخلية فحاصر بها. و أنذره الوزير داود باشا مرارا بلزوم التسليم فلم يذعن.

و ورد الفرمان بأنه إذا خالف قتل. و في أول الأمر أبعد عنه العقيليون و ألقي القبض علي حمادي و حبس في (باشا اسكي). ثم قتله محمد آغا معتمد حالت داخل القلعة يوم الأربعاء 10 من شهر ربيع الآخر.

و حكي صاحب تاريخ الكولات تفصيل مأساة قتلته بشكل روائي داع للألم. و بين قسوة داود باشا، و أن آغا الينگچرية و بعض الأعوان الآخرين قد عهد إليهم بقتله فقتلوه. أخذوه من حجر أمه.. فانتهت المأساة. و حمل ذلك علي شدة حنقه و قسوته. و كان الأولي به أن يسيره إلي السلطان و يطلب العفو عنه كما فعل خلفه علي رضا باشا اللاز.

و لم يكن قتله في القلعة كما ذكر صاحب الدوحة.

و من هنا نري المؤرخين أيام الوزير لم يجسروا أن يدونوا مثل هذه الأمور كما دون الأستاذ سليمان فائق (مؤرخ الكولات) من ذم داود باشا علي فعلته بابن سيده. و مهما بالغ الوزير في تبرير قتلته علي لسان مؤرخيه لم يستطع لها توجيها إلا من عباد الجاه.

ترجمة سعيد باشا:

ذكرت أحواله علي لسان مؤرخي داود باشا. و غاية ما يستفاد منها أنه حصل علي الوزارة بمناصرة حمود الثامر شيخ المنتفق و نال سائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 278

العناصر توجها منه و تدخلوا في الإدارة و أقصي بعض المماليك و كانوا آنئذ قوة لا يستهان بها فعارضوه من جهة، و نفروه من

أخري و ذهبوا إلي بلاد نائية مما ولد فيهم حنقا عليه. لذا نبزوه بأنه قدم من ليس بأهل و يعنون من ليس منهم.

و قالوا كان ذلك بتسويل من حمادي بن أبي عقلين و أنه لخرق فيه لم يلتفت إلي مصلحة المماليك.

سكت داود و لم يتدخل في الشؤون ظاهرا لكنه كان يرقب هذه الأحوال … فلما رأي الكيل قد طفح، و وجد أن لدعوته تربة صالحة رتب أموره في بغداد باتفاق من رجالهم البارزين و نهض بمن نهض و أراد أن يستميل قاسم بك الشاوي و أمثاله فلما اطلع قاسم بك علي دخيلة الأمر تخلف عنه و لعله أراد أن يطحنهم بعضهم ببعض فشوق علي ابقاء الشيخ حمود لينهك القوي. و نتائج الحرب غير مكفولة … و كان له الأمل ان يخذل خصمه إلا أن الأوضاع لم تساعد. و منها خذلان عبد اللّه الباباني و مهما يكن فإن الحكومة لهم و بأيديهم. لذا ناصروه لما شعروا به من خشيتهم أن يصير حمادي مهردارا أو خازنا ثم كهية فوزيرا فيخرج الأمر من يدهم فكانت ثورة داود بأمل القضاء علي تدخل العراقيين في الإدارة … و لم يكن آنئذ مجال للعرب و غير العرب أن يظهروا أكثر من مناصرة بعضهم علي بعض.

أشار صاحب تاريخ الكولات أنه نحي عنه العارفين بالإدارة و قرب الجهال … !

مضت أعمال حمادي بن أبي عقلين فلم نر ما ينقمونه منه سوي تسمية المناصب و استشارة الوزير له و كانت مدة عمر الوزير سعيد باشا (25) عاما و بضعة أيام. و مدة حكومته بانضمام أيام ما بعد العزل أربع سنوات و بضعة أيام. قتل و قطع رأسه في 10 ربيع الآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 6، ص: 279

و كان يلقب ب (أسعد). و الأبيات المنسوبة إليه لأسعد ابن النائب عن بيان حالة نفسه. و بعد بضعة أيام قتل حمادي أيضا و أرسلت رؤوسهما المقطوعة إلي استنبول.

و كانت هذه الوقعة سبب انتصار المماليك. قبض هؤلاء بيد من حديد علي الإدارة و أمنوا الغوائل … و الحوادث أيام داود باشا تعين المجري و تميط اللثام.

حمادي بن أبي عقلين:

يقال إن سبب تسميته هو أن والده أو أحد أجداده عاش كثيرا حتي بلغ من العمر ما دعا أن يكني بذلك. و بعضهم يقول إنه من أهل (بعقلين) من أنحاء الشام و شاع غلطا بابن أبي عقلين و هذا يرجح علي غيره. و تروي حكايات كثيرة عن تعذيبه و قطع لحمه حيا ليطلعه علي ما جمعه من أموال، أو اخفاه من أموال الحكومة لحد أنه قال وضعت الأموال عند تاجر لا أذكر اسمه (لكثرة ما أصابه من ضرب) فأحضر التجار و كل منهم خاف أن يقول هذا أو ذاك. و حينئذ وجه خطابه إليهم و قال: اعلموا أن وزيركم صفته كذا و كذا … !

و لم يترك قذعا أو سبّا إلا قاله. أراد أن يعجل بقتله فلم يلتفت إلي ذلك. و يقال إنه رأي محمود باشا أمير بابان مارّا فدعاه إليه و رجا منه أن يلتمس من الوزير ليعجل بقتله قائلا له: إنه تألم كثيرا من هذا التعذيب و رجا أن يتوسط بقتله لينجو من التعذيب. و هذه قسوة أخري.

و لا تزال بقية باقية من ذريته إلي اليوم رأيت منهم الأستاذ عبد الكريم نادر من مدة طويلة. و له رسالة سماها (مختصر تاريخ العراق) طبعت سنة 1929 م في مطبعة النجاح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6،

ص: 280

الكركوكيون- خالد باشا و عبد اللّه باشا:

في اليوم الذي قتل فيه سعيد باشا تمهد للوزير أمره و تم له استقلاله، فحذر منه القريب و البعيد و صاروا يهابون السطوة، و من جملة هؤلاء أهل كركوك. أذعنوا بالطاعة و ندموا علي أفعالهم، و فتحوا الطريق لأحمد بك أخيه من الرضاعة فذهب. و أرسلوا العلماء للعفو عما وقع منهم …

و أيضا جاء عبد اللّه باشا و خالد باشا إلي بغداد للدخالة بصورة متوالية إذ إنهما ضاقت بهما الأرض بما رحبت فلم يروا نجاة إلا بالتسليم.

و احتراما للعلم و العلماء قبل رجاءهم فعفا عن كركوك و كرم العلماء و أعطاهم (كتاب الأمان)، كما أنه أغمض عينه عن هؤلاء الباشوات و عفا عن هفواتهما و خصص لكل منهما أربعة آلاف قرش شهريا.

حبس و إعدام:

كانت مخالفة سعيد باشا للأمر السلطاني و دوامه علي هذه المعارضة لمدة إنما كان لمعاضدة من درويش محمد آغا من الكهيات السابقين، و الحاج عبد اللّه آغا، و الحاج محمد سعيد الدفتري ببغداد، و عمر آغا الملي كهية البوابين سابقا، و قاسم بك الشاوي باب العرب، و الحاج نعمان الباچه چي من التجار فصدر الفرمان بقتلهم لغضب السلطان عليهم من جراء إقدامهم علي هذا العمل.

أما قاسم بك الشاوي فقد فر إلي جزيرة العرب فلم يتمكنوا من القبض عليه، و ألقي القبض علي الخمسة الباقين. منهم الحاج محمد سعيد و عمر آغا الملي فإنهما أعدما في الحال و أرسلت رؤوسهما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 281

المقطوعة إلي استنبول و أما درويش محمد آغا، و الحاج عبد اللّه آغا فإنهما وصلا حدود السبعين من عمرهما، و إنهما كما تحقق للوزير قد أكرها علي التوظف فرأفت الحكومة بشيخوختهما و كبر سنهما فعفت عنهما كما أن

الحاج نعمان چلبي من التجار المعتبرين و أن قتله سيؤدي إلي تنفير التجار و توحشهم، و لهذه الملاحظة و مراعاة لخاطر التجار توقف الوزير عن إعدامه و عرض الأمر علي الدولة فعفت، و أن درويش محمد آغا، و الحاج عبد اللّه آغا قد أدخلا في عداد الندماء و نالا التفاتا و إكراما … و الحاج نعمان چلبي هو صاحب مسجد العمار سبع أبكار و كان الأستاذ أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي أول مدرس فيه، و آل الباچه چي اسرة معروفة في بغداد، و لم يعقب الحاج نعمان الباچه- چي فآلت تولية المسجد إلي ابن أخيه الحاج سليم چلبي بن عبد الرحمن و ذريته و إلي سعد الدين و ذريته. و التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

قتل السيد عليوي آغا الينگچرية:

لم تؤدبه الغربة. و كان يحسب الوزير أنه رجع عن غيّه و أبدل حالته. لذا حينما كان الوزير في بلاد الكرد وافي إليه الآغوات من كرمانشاه و جاء معهم فدخلوا جميعا في معية الوزير و كان المرقوم آغا بغداد سابقا و تبينت له خدمة ماضية فحين وروده بغداد جعله الوزير (آغا بغداد) كالأول. و لكنه عاد إلي حالته الماضية فلم تتغير أطواره من نفاق و فتنة كما أنه فسدت طباعه أكثر في ديار إيران و ظهرت مساويه بوضوح …

ورد من الشهزاده محمد علي ميرزا بعض التفاصيل عن سوء أحواله خفية، كما أنه ظهرت منه فلتات لسانية و أوضاع رديئة … كل ذلك تبين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 282

بصورة يقينية لذا رأي الوزير من الضروري أن ينال عقوبته قبل أن يقوم بعمل يخشي منه فعاقبه بالقتل. و لما كان عبد الرحمن أفندي كاتب الينگچرية موصوفا بالرشد و الروية

نصبه الوزير وكيل الآغا و قربه منه …

أراد الوزير أن يقضي علي كل من كان يخشي منه أو يتوسم فيه قدرة معارضة ليخلو له الجو و تصفو الإدارة خالصة …

بعض العشائر:

إن أمور الحكومة و إدارتها كانت في الأيام السالفة منحلة. و هذا ما دعا أن تخرج العشائر قاطبة عن دائرة الطاعة و تلتزم العصيان و المخالفة و لكن الوزير هابته العشائر و خافت صولته فلم يقع ما يكدر الصفو …

إلا أن بني تميم و الباوية من شمر، و النجادة (البو نجاد أو النجادات) من الدفافعة، و عشائر بني عمير و بعض العشائر في المحمودية … عاثوا بالأمن فاقتضي تأديبهم فعين الوزير عبد الفتاح آغا (بلوك باشي) بيارق الخيالة لتأديب بني تميم، و آغا الحشامات يوسف آغا لتأديب عشيرة الباوية من شمر، و النجادة من الدفافعة، و البو موسي، و أرسل باش آغا السابق عبد اللّه آغا، و السلحدار مظفر آغا لتأديب عشيرة بني عمير، و سير عبد اللّه بك الشاوي باب العرب (من آل سليمان الشاوي) و خليل آغا متسلم كركوك سابقا للمتجمعين في المحمودية. فذهب كل واحد من هؤلاء للناحية التي وجه إليها فقاموا بما عهد إليهم و أدبوا المرقومين و أخذوا أموالهم و مواشيهم. فحصل المطلوب و هو جل القصد من التأديب …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 283

راحة و طمأنينة- قصائد الشعراء:

من أيام علي باشا إلي سعيد باشا تشوشت أمور العراق فالفتن و الاضطرابات في كل صوب. توالت المحن، و زال الأمن … و في كل هذا انتهكت الحقوق، فوصلت الضجة إلي عنان السماء. فمنّ اللّه علي العراق بهذا الوزير فكان نصير الفقراء و الضعفاء، و أكبر من اهتم بأمر العدل و النظام فسعي للتنكيل بالعابثين و أوقع بهم … فدبر الملك بقوة و سياسة رشيدة فذهب البؤس و زال الخوف فتحركت الهمم، و صار يرعي الوزير كافة الطبقات لا سيما العلماء، و الفضلاء

و الأدباء و الشعراء فيمنح الجوائز، و الوظائف، و يقدم له الشعراء و الأدباء خير البضائع الأدبية بلغة الضاد كما أن الأدباء من الترك و الفرس لم يحرموا بدائع بيانهم من نظم و نثر فيحصل كل فوق ما يأمل.

قال صاحب الدوحة: فالقصائد العربية لا تكاد تحصي و كذا القصائد التركية و الفارسية ليست بالقليلة و رجح أن ينشر قصيدتين باللغة التركية إحداهما ل (ثاقب خضر) و هو شقيقه سماها (عيدية)، و الثانية ل (عبد اللّه الإربلي).

نجتزي ء بالإشارة إليهما و هما طويلتان. و قد حصل الأول علي جائزة ثلاثة آلاف قرش، و الآخر كانت جائزته أن نال قضاء إربل أما المادحون من العرب فمنهم الشيخ صالح التميمي. و علي علاء الدين الموصلي المدرس مدحه بقصيدة فلم ينل منه معروفا و صد عنه. و لعل السبب أنه مدح سعيد باشا، فكرهه.

و منهم عثمان بن سند. أرسل إليه قصيدة طويلة من البصرة مع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 284

رسالة. ذكرهما في تاريخه في حوادث السنة الأولي من أيام وزارته و أتبعها بأبيات من رسالته. و غير هؤلاء من الشعراء.

عشيرة الدليم:

كانت هذه من العشائر المساعدة للوزير السابق. قال صاحب الدوحة: ما زالت و لا تزال تعصي علي الحكومة، و في زمن الوزير حدث فيها اضطراب فعذلت بالترغيب تارة و بالترهيب أخري، فلم تنجع فيها الوسائل. لذا أمر الوزير وكيل الكتخدا (محمد آغا) للتنكيل بها فنهض من بغداد في 2 ذي الحجة و قام بما عهد إليه. أما الدليم فتأهبوا للمقاومة و تكاتفوا للدفاع.

حوادث سنة 1233 ه- 1817 م

الدليم أيضا: (تتمة)

و كانت مواطن الدليم لا تخلو من غابات، و عوارض لا يستطيع الجيش أن يسير فيها بسهولة و لا يتمكن من اجتيازها. فلاذوا بهذه الأماكن ظانين أنها الملجأ الوحيد. أما وكيل الكتخدا فإنه كان قبل بضعة أيام قد حصل علي رتبة كتخدا أصالة و يحاول أن لا يحبط عمله لدي الوزير، و أن لا يخيب الظن في اختياره فبذل غاية جهده ليفوز بالغلبة فلم يبال بالأخطار في سبيل آماله و اقتحم المصاعب فاضطرهم إلي التسليم و استشفعوا بباب العرب عبد اللّه بك الشاوي، و بعبد اللّه آغا بلوك باشي بيارق الخيالة. و بتوسط هؤلاء اختاروا الطاعة و قدموا مبالغ و فيرة، و هدايا عظيمة … فقبلت دخالتهم و عفي عنهم. و عين لكل قبيلة آغا يحصل المتعهد به.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 285

و عرضت تفاصيل ذلك للوزير فقبل بالعفو و شكر سعي القائمين بالأمر. و في خلال بضعة أيام أكملوا التحصيلات منهم.

عشائر أخري:

انتهب عربان الجرباء من عشيرة الحديديين بعض المواشي فضيق عليهم من جراء ذلك و أخذ منهم خمسمائة ذلول، و أن ترسل الأموال إلي دائرة الوزير أولا فأولا.

و بهذه الصورة حصل النظام.

ثم عادوا من طريق الشامية إلي الحلة. و كانت عشيرة اليسار خرجت عن الطاعة فأغار عليها جيش الكتخدا فاستأصلها، و استولي علي أغنامها و أموالها و مواشيها و أدبها بالوجه المطلوب. و عاد إلي بغداد فدخلها يوم الخميس 10 صفر فأكرمه الوزير و ألبسه الخلعة و مكنه في مسنده. و مدة هذه السفرة شهران و ثمانية أيام.

الغارة علي شمر طوقة:

إن هذه العشائر منطوية علي الشر، و إن شيخها (حمد البردي) موصوف بالغرور، و إن قومه يقطعون الطرق فأمر الوزير كتخداه محمد بك ليسير عليهم فذهب بمقدار من الجيش ليلا عند صلاة العشاء و طال سيره ثماني عشرة ساعة حتي وصلوا ديارهم. فعلموا بالخبر فتفرقوا، و لم يتمكن الكتخدا من استئصالهم و لكنهم تركوا بضعة آلاف رأس من الغنم، و مقدارا من الإبل نظرا لما أصابهم من اضطراب و ارتباك ثم عاد الكتخدا إلي بغداد. و كانت مدة هذه السفرة ثمانية أيام. و بهذه الغارات و الغزوات سد الوزير عجز ماليته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 286

أحمد باشا والي الموصل:

إن ولاة الموصل من قديم الزمان كانوا تبعا لولاة بغداد يجتنبون ما يخالف رغباتهم. أما والي الموصل أحمد باشا فإنه لم يكن كأسلافه.

لم يبال بما يوافق رغبتهم، أو يخالفها فجابه الوزير بمخالفات عديدة و لم يخل من معارضة …

و لو أغمض الوزير عينه عنه لأدي إلي إخلال في أمور كثيرة و تشوش في النظام. فلم يسعه التساهل للمصلحة التي كان يراها فقدم عرضا بذلك إلي الدولة و بين لها حقيقة الأمر. فالشكاوي من ولاة بغداد مسموعة و بالأخص علي ولاة الموصل.

فأجابت الدولة ملتمسه و عزلت والي الموصل علي أن يذهب إلي حلب و يقيم في المحل المسمي (شيخ بكر) و صدر الفرمان بذلك، و توجهت إيالة الموصل إلي حسن بك بن حسين باشا الجليلي و أرسلت الفرامين بواسطة والي بغداد فأرسلها مع (درويش محمد آغا) الكتخدا السابق إلي حسن باشا، فامتثل أحمد باشا الأمر و توجه نحو حلب إلا أنه أثناء الطريق و عند وصوله إلي المحل المعروف بالموصل القديمة أمال عنان فرسه و جاء إلي بغداد

فدخل علي الوزير إذ لم ير ملجأ للعفو إلا من طريقه. و حينئذ قام الوزير بما يقتضي من ضيافته و إكرامه، و أنه صمم أن يكتب إلي استنبول في أمره. و إثر وصول الفرمان إلي حسن باشا جلس علي سرير الحكم و لكنه مرض بضعة أيام فتوفي.

و لما ورد خبر ذلك إلي بغداد استشفع الوزير لأحمد باشا و بعد تردد و اشتباه قبلت الدولة شفاعته و منحته ولاية الموصل و ورد منشور إيالته و ذهب مكرما إلي الموصل و هذا هو الذي يأمله الوزير من سلطة علي الموصل و ولاتها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 287

محمود باشا متصرف بابان و كوي:

إن محمود باشا تعهد أن يقطع علاقته من إيران و لكن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه ضيق عليه في الخفاء و أسرّ إليه أن يخالف و هدده فلم يستطع أن يخرج عن طاعته.

أما الوزير فإنه احتاط للأمر، و التزم الحقوق القديمة علي أن لا تمس بسياسة الدولة و مكانتها فأرسل إليه عناية اللّه آغا المهر دار لينصحه، و يدعوه للخدمة الخالصة … فنصحه فلم يصغ إليه، و بين أنه منقاد لإيران من كل وجه …

و حينئذ تغير فكر الوزير عليه فنزع منه في بادي ء الأمر لواء كوي و عهد إلي عناية اللّه آغا المهردار أن يعهد به إلي من يصلح. و أرسل معه من دائرته نحو مائة من آغوات الداخل، و سير معه عسكر إربل و عشائر شمامك و دزدي (ديزه يي).

أما محمود باشا فإنه عرض لأموره وهن و فتور و ذلك أن أخاه حسن بك أمير (قره طاغ) كان قد أرسله إلي محمد علي ميرزا الشهزاده ليكون رهنا لديه. و في أثناء الطريق رجع توّا و

دعا إليه بقية أتباعه و حاشيته. فرغبهم في اللحاق به فوصل إلي بغداد بنحو خمسمائة فارس من النخبة فالتجأ إلي الوزير فنال إكراما منه.

توجه عناية اللّه إلي إربل و فيها عثمان بك من إخوة محمود باشا.

و هذا لم يستطع البقاء فترك نحو مائة خيال هناك مع محمد عيسي آغا و خرج من اللواء و أخذ بقية أتباعه و متعلقاته و ذهب إلي السليمانية. أما المهر دار فإنه ساق كتائبه إلي كوي و حينئذ فر محمد عيسي بمن معه من الخيالة من وجه المهر دار. و علي هذا ضبط البلدة و أقام بها ثم أخبر الوزير بما جري.

أما الوزير فإنه راعي جانب حسن بك و أبدي له توجها و التفاتا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 288

زائدا، و علي هذا وجه إليه ألوية كوي و حرير برتبة (باشا) و ألبسه الخلعة و سيره إلي مقر حكومته فتمكن.

أما محمود باشا فإنه أخبر إيران بما وقع و استمدها. و رأت من المنفعة ما يبرر نقض العهد و يسوغ خرق الصلح فالتزمت جانب محمود باشا و جهزت جيشا يبلغ العشرة آلاف جندي بقيادة (محمد علي خان شام) البياتي، و كذا سير خان الفيلية حسن خان و معه عساكر اللر إلي أنحاء مندلي. و علي خان گلهر مع (كلب علي خان) أمير كروسي و بقيادته نحو ثلاثة أو أربعة آلاف توجه إلي ناحية بدرة و جسان بأمل ضبط المقاطعات المذكورة.

فلما علم الوزير بالأمر تأهب للدفاع و أرسل كتخدا البوابين خليل آغا مع قوة كافية إلي مندلي، و سير عبد الفتاح الباش آغا السابق مع مقدار من الجيش إلي ناحية جسان و بدرة. و أما كتخداه محمد آغا فإنه بعثه ليقطع

الصلة بالجيوش المرسلة مددا إلي محمود باشا من جانب ايران … و جهز معه جيشا عظيما ليذهب إلي جهة كركوك.

حوادث بغداد:

كان صادق بك رأي رعاية و إنعاما من الوزير و كان ينظر إليه بالتفات زائد. و نظرا لحداثة سنه و قلة رشده كان يأمل أن يكون وزيرا و دخل في دماغه ميل و رغبة في الرئاسة. لذا اتخذ هذه الوقائع و هجوم إيران من كل صوب فرصة سانحة لإنفاذ مرغوبه و القيام بدعوته … لذا فر ليلا و اختلس الفرصة فوصل إلي (عشيرة زبيد) و التجأ إلي شيخ شفلح الشلال. و هذا بمقتضي عوائد العشائر قد قبل دخالته و آواه ملتزما جانبه.

ثم وافاه قاسم بك الشاوي و كان صدر الفرمان بقتله و التجأ إلي الخزاعل و سكن معهم فعاضده و اتفق معه فجمع له عشائر كثيرة فسلكوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 289

طريق المناوأة، و تجاوزوا علي السفن المارة بين بغداد و البصرة و صاروا ينتهبون ما عرض لهم.

و علي هذا عين الكتخدا لدفع غائلته و أخر الذهاب إلي كركوك و عين مكانه عبد اللّه باشا. عهدت إليه القيادة و سير معه محمد باشا ابن خالد باشا و بلوك باشي بيارق الخيالة عبد اللّه آغا مع كافة البيارق و جمع كبير من الصنوف الأخري …

و كذا كتب إلي المهر دار أن يلتحق بهم بمن معه من عشائر ذزه يي و شمامك كما علم أن الشهزاده عازم علي الحركة من كرمانشاه و شاع خبر ذلك.

و لدي التحقيق تبين أن أمل الكتخدا من هذه الإشاعة أن يذهب الوزير بنفسه فيكون مانعا من إرسال قوة كافية إلي صادق بك لتمزيق شمله و القضاء عليه … هذا و كان

من متشخصي زبيد و المطالبين بمشيختها علي البندر مع شبيب الدرويش قد جلبوا لجهة الوزير و افترقوا عن الشيخ شفلح … !

و حينئذ عزل شفلح و وجهت المشيخة إلي علي البندر و جعل في معيته جميع العربان فألحقوا بمن معه من عشائر و سلطوا علي شفلح فتقابلوا في موقع يقال له (خشيخشة) و بتأثير من توجهات الحكومة لعلي البندر تغلب علي شفلح و كسر هو و صادق بك و قاسم بك و ذهب صادق بك و من معه إلي جهة عفك. التجأوا إلي شيوخها و تحصنوا بالأهوار.

و كانت المشاغل الأخري تدعو إلي تركهم علي هذه الحالة شهرين. و في هذه المدة لم يدعوا الشغب. استفادوا من الفرصة و ركنوا إلي التشويش و سلبوا الراحة. انتهبوا السفن و قطعوا الطرق فاضطرب حبل الأمن …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 290

أحوال إيران و البابان:

أما عبد اللّه باشا فقد ورد كركوك بعشائره. و كان هناك أيضا محمد باشا بن خالد باشا فاتفقا و كان المهر دار قد عين بصحبتهما آغوات الداخل و سائر خيالة العشائر فوافوا إليهم و التحقوا بهم. أقاموا في أنحاء كركوك و تكاتفوا لدفع الأعداء.

و أما الإيرانيون الذين سيرهم الشهزاده لمعاونة محمود باشا فقد وصلوا إلي ديار الكرد لكنهم لم يروا من المصلحة استرداد لواء كوي و انتزاعه من حسن باشا و ذهابهم إليه لأن الجيش العثماني كان مرابطا في كركوك و يخشي أن يقطع خط الرجعة عليهم فرأوا الأحري أن يخرجوا من مضيق (بازيان) إلي كركوك، فمضوا إلي (كوشك اسپان) و تبعد ثلاث ساعات عن (قره حسن) و تقابلوا.

و كذا وصل (حسن خان الفيلي) مع عسكر اللر إلي قرب مندلي كما أن (علي خان گلهر)

مع (كلب علي خان كروسي) و سائر الجيوش وردوا حوالي بدرة و جسان و أبدوا آثار العداء، ثم نهض الشهزاده من كرمانشاه بجيش عظيم و جعل (پاي طاق) مضرب خيامه.

ورد خبر ذلك كله إلي الوزير و سمع بورود الشهزاده فعزم بنفسه و أعد المعدات إلا أن الخانات الذين وردوا مندلي و بدرة و جسان بأمل الاستيلاء عليها هاجموها عدة مرات فلم يتمكنوا منها لما رأوا من دفاع.

و كذا الجيوش التي تبعت محمود باشا من إيران تقارعت طلائعها مرارا مع العساكر و الكركوكيين فأصابهم ما أصاب أولئك فلم يفلحوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 291

و الحاصل لم تستطع طلائعهم أن تخرج عن أصل الجيش، و لم تقم بعمل ما.

ثم وحدوا قواهم فصار الكرد و الإيرانيون جبهة واحدة و بلغوا نحو أربعة عشر ألف فارس فوصلوا إلي (قوتلو) فوقفوا علي تل هناك نحو ساعة أو ساعتين ليظهروا قوتهم بقصد الارهاب و أن يشوشوا علي معنوية الجيش إلا أنه عقد النية علي الدفاع و ناضل نضال مستميت فلم يعبأ بخصمه.

و في هذه الحالة هاجم منهم نحو خمسمائة علي قرية (تسعين) فقابلهم من العساكر نحو ثلاثين خيالا من أهل شمامك فأبلوا فيهم بلاء حسنا و غنموا منهم غنائم وافرة و تركوا المواشي التي كانوا انتهبوها.

و عادوا.

شاهد محمود باشا هذه الحالة بأم عينه و علم أن الإيرانيين لا يستطيعون التقدم، فندم ندما عظيما و عاد. و أن أخبار هذه الوقائع كانت ترد إلي الشهزاده فتيقن ضعف جيشه، و أن جيوش الوزير ما زالت تتوارد، و أنه عازم علي النهوض بجيش عرمرم. فأرسل كتابا إلي الوزير يرجو فيه ترك المخاصمات و أن تبقي كوي و حرير بيد محمود باشا و

أن لا يرسل عبد اللّه باشا إلي ديار الكرد. و أن محمود باشا ينقاد إليه.

و تبقي بابان في عهدته و ألح في الطلب.

أما الوزير فقد عرض علي دولته ماجريات الاحوال، و أن الإيرانيين تقدموا علي بغداد و علي ربوع الكرد و أوضح مغازيهم، و طلب المساعدة له. و علي هذا صدرت الفرامين بلزوم حرب ايران، و عين الأمراء و الوزراء و سائر الرجال من أهل الكفاءة للقيام بالأمر، و أن تجهز الجيوش اللازمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 292

و بينما هم في هذه الحالة إذ جنح الإيرانيون إلي الصلح فلم تر الحكومة بدّا أن توافق صيانة للدماء و حبّا للراحة، و أضيف إلي الشروط لزوم ترخيص سليمان باشا بن إبراهيم باشا الذي فر زمن سعيد باشا و عبد العزيز بك بن عبد الفتاح باشا متصرف درنة السابق الذي التجأ أيام عبد اللّه باشا إلي إيران و أن يسير إلي هذه الأنحاء …

أسعف طلبه في حق محمود باشا و ذهب السفراء من الطرفين لبضع مرات حتي استقر الصلح و تم الاتفاق بين الحكومتين و سحبت الجيوش الإيرانية من أنحاء مندلي و بدرة و جسان، و نهض الشهزاده و عاد إلي كرمانشاه كما أن الوزير أمر بإعادة الجيوش وفاء بالشروط و جلب حسن باشا من لواء كوي، و طلب من الشهزاده أن يرخص عبد العزيز بك و سليمان باشا فأرسلهم إلي بغداد.

و حينئذ خصصت مقاطعة (زنگباد) إلي سليمان باشا و وجهت درنة و باجلان إلي عبد العزيز بك برتبة باشا و أن عبد اللّه باشا ائتلف مع محمود باشا فجاء معتمد الدولة ميرزا محمد اللرستاني من الشهزاده لتعطي كوي و حرير إلي عبد اللّه باشا فأعادها

محمود باشا إليه. و كتب للوزير كتابا يبدي فيه امتنانه العظيم و شكره و قدم الهدايا … كما أنه أرسل والدته إلي أخيه حسن باشا لترغيبه في المجي ء إليه فوافق و عاد إلي أخيه محمود باشا فتم أمر بابان.

صادق بك و شيخ زبيد:

شغل الوزير بأمر إيران مدة شهرين في خلالها شاغب هؤلاء …

و لذا أرسل عليهم عبد اللّه آغا بلوك باشي بيارق الخيالة، و عبد اللّه بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 293

الشاوي و جهز عليهم جيوشا كافية فلما وصلوا إلي قرب محلاتهم لم يتمكنوا من اجتياز الأهوار و الأماكن الصعبة المرور فاتخذوا الوسائل للتضييق عليهم، و بقوا بضعة أيام …

و لما ضيقوا الخناق عليهم أرسل الشيخ شفلح أنه إذا أعيدت المشيخة إليه ترك جماعته و حدهم … و تعهد أنه يقطع علاقته من صادق بك و قاسم بك الشاوي، و حينئذ عرضوا الأمر علي الوزير فعفا عنه و أرسل إليه الخلعة مع أمر المشيخة ففارق جماعته و عاد، فتضعضع أمرهم …

و نفر من صادق بك بعض أعوانه بسبب ما كان يقوم به من الأعمال كما أن شيوخ عفك كفوا أيديهم عن مؤازرته، و كذا فارقه قاسم بك الشاوي و بعض أتباعه فبقي متحيرا في أمره. و بكل عناء و مشقة تمكن من الوصول إلي الحويزة و منها توجه إلي كعب و بقي هناك.

عشيرة الصقور (الصكور):

هذه العشيرة من عنزة كانت في أنحاء حلب. و أحيانا تأتي من طريق الشامية إلي أطراف العراق و تتجول في جهات الحلة و حسكة …

و في هذه السنة وردت العراق و حلت في غربي المسيب من صوب الشامية فجاء بعض شيوخها إلي الوزير و عرضوا الطاعة. فنالوا إكراما و رعاية ثم أذن لهم بالذهاب علي أن لا يأتوا بما يخالف الرضا، أو يخل بالأمن. و رجعوا إلي مواطنهم …

كل هذا التكريم، و تلك الرعاية لم تؤثرا … فصاروا يعيثون بالأمن و توالت الشكاوي عليهم فصدر الأمر بتأديبه و سير الوزير خازنه يحيي

آغا بسرية عبرت الفرات من الجسر و توجهت نحو هذه العشيرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 294

فلما وصلت إلي قلعة أبي صخير في غربي المسيب تقابل الخازن معهم فأبلي الجيش بلاء حسنا، و لكن الخازن لم يكن عارفا بترتيب الصفوف و لا مطلعا علي الأمور الحربية، و بما أن (السر بالسردار) كما يقول المثل العامي أي الجيش بقائده. غلب الجيش علي أمره و كسر فتفرق العسكر شذر مذر فوصلوا إلي (قلعة الدريعية). و حينئذ عرض الخازن الأمر علي الوزير بما وقع فأمر أن يرجع.

عشيرة شمر:

إن العراق من قديم الأيام إنما تنشأ فيه الفتن و القلاقل في الغالب من العشائر. و هم دائما في غي و شغب … فعرض الوهن علي الإدارة و نظامها … فمن الضروري القضاء عليها تأمينا لسلطة الحكومة علي العشائر. و كان الوزير أرسل علي الصقور من عنزة خازنه فلم يفلح في تأديبهم.

عد بعض العشائر ذلك دليلا علي ضعف الحكومة و عجزها عن السيطرة. و من جملة هؤلاء شيخ شمر (مشكور الزوين). قطع السبل …

فلما علم الوزير بذلك أنذره عدة مرات فلم يجد نصحه نفعا … و حينئذ لم ير الوزير بدا من القضاء علي غائلته فاهتم للأمر و جهز جيشا تحت قيادة محمد الكهية بقصد استئصالهم و القضاء عليهم … ليكونوا عبرة …

و علي هذا سار الكتخدا ليلا في أول العشاء فأغار ليلته و نهاره إلي وقت الزوال مدة ثماني عشرة ساعة حتي وصل إلي ديارهم فعلموا بالأمر في حينه فتركوا جميع أموالهم و مواشيهم و فروا بأنفسهم و أهليهم …

و حينئذ انتهب الجيش خيامهم و كل ما يملكون من حطام و إبل و غنم …

صارت هذه الوقعة عبرة. و

كانت الغنائم ثمانية آلاف من الضأن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 295

و مائتي ذلول و نحو خمسمائة من النوق، فسيرت لجانب الوزير و قفل الجيش راجعا منصورا.

ابن سعود و الأحساء:

سار إبراهيم باشا في هذه السنة لقتال الأمير ابن سعود فانتصر عليه في أكثر وقائعه و استولي علي غالب المدن و أخذ أكابر رجالهم أسري و فتح الدرعية و غيرها من بلاد نجد … و تهمنا علاقة العراق بهذه الوقائع …

أرسل الوزير محمدا و ماجدا ابني عريعر بعشائرهما بني خالد و ساعدهما بعشائر المنتفق و العشائر المناوئة للأمير ابن سعود ممن قربتهم الحكومة لوقت الحاجة … فحاصروا بلاد الأحساء قبل أن يفتح إبراهيم باشا الدرعية. فتحاها و فتحا القطيف و ما حاذاها … فأخبر الوزير الدولة. فلما انتصر إبراهيم باشا في حرب الدرعية مد يده علي الأحساء و نزعها من محمد و ماجد و بهذا تابع إبراهيم باشا الشيخ محمد بن عبد اللّه بن فيروز الحنبلي و أرسل معه عثمان الكاشف. و لكنه فاجأه الأجل بغتة فبقيت الأحساء بيد الكاشف …

فلما بلغ الوزير ذلك كتب إلي السلطان محمود شارحا له حال ذينك الشيخين فأجابه إلي ما أمله و كتب منشورا نازعا يد إبراهيم باشا عن الأحساء و القطيف ناصبا ذينك الشيخين فخرج الكاشف حين ورود المنشور فارتاحت عشيرة بني خالد و شكرت الوزير علي صنيعه …

و من ثم نعلم أن الحكومة العراقية لا تزال مرتبطة بالأحساء و بوقائع الأمير ابن سعود و أنها تراعي سياسة الدولة و لذا قربت عشائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 296

نجد المناوئة لآل سعود تنتظر بهم مثل هذا اليوم، فجلبت قبائل بني خالد، و الظفير، و الجرباء من شمر. و في

الوقت نفسه نري الدولة راعت في هذه الوقعة رغبة حكومة بغداد.

حوادث سنة 1234 ه- 1818 م

عفك و وقائع أخري:

طمعت قبيلة الظفير في العام المنصرم في وقعة يحيي آغا الخازن و كذا سائر العشائر في قطع الطرق و تجاوزت علي زوار العتبات …

حتي أن وكيل متولي أوقاف النجف عباس الحداد تمكن من إشعال نيران الفتن بين حيين من أحياء النجف و هما الشمرت و الزكرت فأدي الأمر إلي هلاك الكثيرين. و كذا في أنحاء الخزاعل امتنع شيوخ جليحة و عفك عن أداء الميري. فحاول الوزير عبثا في دعوتهم فلم يجيبوا و أصروا علي عنادهم …

و علي هذا أرسل من آغوات الداخل صالح آغا الكردي مع بيرق أو بيرقين من الخيالة لاتخاذ الوسائل الناجعة لإلقاء القبض علي عباس الحداد أو قتله، و إذا لم يتيسر فيجب عليه أن يراعي المصلحة بالتزام من يناوئه بإغرائهم عليه … أو ما ماثل …

و أرسل محمدا الكهية بقوة عظيمة علي الصقور و علي عشائر جليحة و عفك لأجل تأديبهم فتحرك من بغداد في 2 المحرم يوم الأحد فوصل إلي الحلة و عبر الفرات من الجسر إلي الشامية و في محل يبعد عن الكفل نحو ساعتين وجد رؤساء الصقور حمدان القعيشيش (الگعيشيش)، و ابن هذال و هو زيد بن الحميدي، و ابن أخيه فواز مع مشاهير رؤساء عنزة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 297

و أعيانهم و يقدرون بثمانية و أبناء عمهم و أقاربهم و مجموع الكل نحو ثمانية عشر رجلا فاستقبلهم الجيش، و أن الكتخدا استصحبهم معه إلي أن وصلوا إلي الكوفة فأمر الكتخدا بإلقاء القبض عليهم و أرسلهم إلي بغداد مقيدين …

و أما صالح آغا فلم يتيسر له القبض علي عباس الحداد حيّا فانتهز الفرصة و قتله

مع علي دبيس الشقي المشهور و أرسل برأسيهما إلي الوزير فزالت الفتنة بين الزكرت و الشمرت في النجف و هدأ الأهلون و أن الباقين أذعنوا و خلدوا للسكينة. و حينئذ نصب عليهم وكيل متول محمد طاهر چلبي من أقارب السادن (الكليدار) الأسبق و زال النزاع.

نهض الجيش من الكوفة و توجه نحو مهمته الأصلية. و في هذه الأثناء أخبر الكتخدا أن الحميدي، و ابن حريميس و معهم نحو أربعة آلاف بعير و ركب كبير جاؤوا للاكتيال إلي محل يقال له (الحاج عبد اللّه) فعين عليهم شيوخ الخزاعل و البعيج للانتقام منهم و أرسل معهم خيالة و قسما من العثمانيين العرب. و لما وصلت العساكر إلي الديوانية اشتغلت الجنود بربط الجسر و ترقبوا أخبار العشائر فاختاروا الإقامة هناك و الانتظار في جهة الشامية لبضعة أيام و حينئذ وصلت العشائر إلي محل أخذ الكيل فتقابل الفريقان و وقع القتال بينهما من طلوع الشمس إلي غروبها.

و هناك نزل شيخ البعيج السابق عزيز السلطان يبعد بضع ساعات عن المحل المذكور للإفساد و أعان عنزة كما تلاحق ركبهم و تظاهر معهم و في كل هذا كان النصر حليف الجيش و كسر أولئك شر كسرة و استولوا علي مقدار كبير من الإبل فنالت العشائر المذكورة عقوبتهم و رجعت عشائر الحكومة ظافرة منصورة.

و في هذه الأثناء أكملت العساكر نصب الجسر فعبرت إلي جهة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 298

جليحة و عفك من الشامية إلي الجزيرة. فوصلوا إلي گرمة اليوسفية فاشتغلوا بسدها و أكملوها في بضعة أيام و مروا عليها …

و حينئذ توجه الجيش نحو الطائفتين لاستئصال الواحدة بعد الأخري فأحدثوا رعبا. و لذا اتفق الكل و اتحدوا خشية مما سينالهم …

و لكن

العساكر هاجمتهم بصولة عظيمة، و اختل جمعهم و لم يقدروا أن يدافعوا. و من ثم انقسمت جليحة إلي فرقتين إحداهما كان رئيسها (نهر الطعيس). و هذا طلب الأمان فقبل منه ترغيبا له و جلبا للباقين، و الأخري تابعت مشكور الحمود. و هذه تركت أثقالها و فرت إلي هور (البدير) و ولت الأدبار …

و أما عفك فإنها اتفقت و لكنها أصابها أيضا الخوف فتفرقت و لم تعمد إلي مناجزة العساكر بل فرت فرقة منها إلي الأهوار التي لا يمكن اجتيازها و الأخري التي كان شيخها (شخير الغانم) التجأت إلي قلعة محكمة و هي المعروفة (بقلعة شخير) فتحصنوا فيها. و من ثم توجهت الجنود إليها و وصلت في 28 صفر و قبل الوصول إليها بنحو نصف ساعة حط الجيش ركابه و ضرب خيامه تجاههم … فدخل العشائر الذين في أطرافها إلي باطنها و باشروا في الخصام …

و إلقاء للحجة أنذروا بالنصيحة مرارا فلم ينتصحوا. و في اليوم التالي نقل الفيلق منزله إلي محل (قروشوت)، و حينئذ نظمت الكتائب و المدافع و الخمبرة و أعدت المعدات فهاجمتهم الجيوش فقاوموا. و كانت القلعة محكمة رصينة كما أنها محاطة بخندق عميق جدا و هي في مناعتها مثل قلعة الأحساء في الإحكام و المتانة.

وجد الجيش أن لا طريقة للاستيلاء عليها و اكتساحها بالهجوم …

و علي هذا التجأ إلي اتخاذ التلول الصناعية و نصب المدافع عليها، و كذا الخمبرة و توجيهها عليهم و اتخاذ متاريس للجيش حتي لا تصل طلقات بنادقهم، فتضر بالجيش. و دام القتال و الرمي من الصباح إلي الغروب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 299

و استفادة من ظلام الليل قدمت التلول و المتاريس إلي الأمام، و من أول

السحر بوشر بضرب المدافع و الطلقات و أخرجت المدفع إلي أعلي الروابي و أدخل البندقيون في متاريسهم و عين القواد لكل فرقة و صنف و أحاطت بهم الجيوش من جوانبهم الأربعة و أحكمت الإحاطة …

و في الليلة التالية تستر الجند بظلمة الليل و المطر فهاجموهم لعلمهم بأن الجيوش كانت مشغولة بنفسها و من ثم هربوا إذ رأوا أن البقاء سيؤدي إلي وبال و خطر … فتركوا جميع أموالهم و أمتعتهم، و اكتفوا بأخذ أهليهم. اختلسوا فرصة الهزيمة و النجاة. فضبطت الجيوش آنئذ القلعة و اختفي أولئك بالأهوار و الأماكن الصعبة المرور فاستولي الجيش علي جميع أموالهم و متاعهم و حصلوا علي ما يزيد علي ألف تغار من الغلال و الأطعمة غنيمة، و خربوا قلعتهم فجعلوها قاعا صفصفا …

و علي هذا نظموا تلك البقاع و نسقوا إدارتها و عرضوا علي الوزير هذا الفتح بتفاصيله فنال الكتخدا مكانة أعظم و شكر الوزير سعيه و قدم إليه أمرا (بيورلدي) يتضمن تقدير صنعه، و بين له أن البقاء أكثر لا تقتضيه المصلحة و أمره بالعودة.

و في هذه المدة أذعنت جليحة، و الفتلة بالطاعة و ألبس شيوخهما الخلع و طلب من كل منهم خمسون ألف قرش و أحيل أمر تحصيل هذه المبالغ إلي شيخ الخزاعل تعهد باستيفائها منهم علي أن لا يفتح سد اليوسفية ما لم تدفع بتمامها.

و إن شيخ الأقرع مع عشيرته ألزموا بمحافظة (سدة أم العويل).

و للقيام بذلك ليلا و نهارا ترك له مقدارا من الجيش يبلغ أربعين بيرقا من عقيل جعلوا معه، و كذا أعاق نحو ثلاثين بيرقا في معاونة شيخ الخزاعل لاستحصال المبالغ المطلوبة من الفتلة و جليحة و جعل لكل بيرق (باش

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 6، ص: 300

چاووش) للقيام بالخدمة المطلوبة تبعا لأمر الشيخ. نظمت الأمور بهذا الوجه و قفل الكتخدا راجعا بباقي الجند.

و في 5 ربيع الأول دخل بغداد ظافرا منصورا. ففرح الوزير و ألبسه خلعة فاخرة ترغيبا له.

وقائع أخري:

جاء في تاريخ شاني زاده أن الوزير حارب قبيلة العبيد و في مقدمتها قاسم بك الشاوي المتفق مع اليزيدية في سنجار فنكل بها كثيرا كما أنه في أواسط ربيع الأول عاثت عنزة في الأطراف فأرسل إليها كتخداه فقضي علي غائلتها و أسر منها جماعة منهم ابن هذال و ابن كعيشيش فأمر الوزير بقتلهم فقتلوا و غنموا من هؤلاء غنائم كثيرة.

جامع الحيدر خانة و مدرسته:

في هذه السنة بني الوزير الجامع الكائن في محلة الحيدر خانة و اتخذ فيه مدرسة سماها (الداودية) و سجل وقفيتها و رصد لها أوقافا و اشترط لنفسه التغيير و التبديل ثم إنه في غرة رجب سنة 1243 ه غير الشروط و عين راتبا للمدرس و الإمام و الخطيب و اتخذ فيها خزانة كتب و جعل راتبا لمحافظها.

حوادث سنة 1235 ه- 1819 م

عشائر الدليم:

إن عشائر الدليم بسبب عصيانهم سنة 1233 ه كان قد قضي علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 301

غائلتهم فرضخوا و تعهدوا بأداء الميري مع حق الخدمة. فمضت عليهم سنة أو سنتان فنسوا ذلك …

و لما طلبت الحكومة حقوقها تهاونت في الأداء. أنذروا عدة مرات و نصحوا فلم يلتفتوا. و كانوا يميلون إلي الانقياد إلا أنهم بسبب غلبة الجهل رجحوا الاستمرار علي غيهم. و لهذا تطاولوا و أشعلوا نيران الفتنة فسير الوزير جيشا عظيما عليهم تحت قيادة محمد الكهية فتحرك من بغداد في 27 ربيع الأول يوم الخميس.

و عند ما قرب الجيش من شيوخهم نصحهم الكهية فلم يرجع من شيوخهم الأربعه إلا ضامن الصاروتة (السازوتة) فإنه فارق جماعته و أذعن. و لذا أمر بالرحيل و أسكن في أنحاء الزنبرانية.

و باقي شيوخهم و عشائرهم التجأوا إلي الغابات و الأماكن المنيعة.

و منهم من فر إلي الحويجة المسماة (سيره) المتفرعة من نهر الفرات.

أرسل إليهم بعض الجواسيس للاطلاع علي الحالة فعلم أنهم عازمون علي الحرب، و أن حويجتهم محاطة بغابات لا يمكن الوصول إليها لحصانتها بالأشجار الملتفة …

تقدمت الجيوش إلي مكان يبعد نحو ربع ساعة منها. و في 10 ربيع الثاني عند طلوع الشمس تقدمت بكامل تعبئة و تصادم الفريقان و اشتركت الخيالة و المشاة و أمطرت المدافع و البنادق بنيرانها و

تضاربوا من الضحي إلي المغرب فتبينت المغلوبية في عشائر الدليم فهاجم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 302

العسكر جموعهم فقتل أكثرهم و ولوا الأدبار فلم يبق لهم مجال أن يلتفتوا إلي أولادهم و عيالهم و إنما ألقوا بأنفسهم علي المعبر من الفرات فغرق أكثرهم. و حينئذ ألقي القبض علي نحو خمسمائة من ذراريهم و عيالهم و خرج الباقون إلي الصحراء إذ لم يجدوا منجي لهم في الغابات فأبلي فيهم الجيش.

هذا، و إن مؤلف الدوحة قدم التفصيلات بقلمه إلي الوزير بإمضاء الكتخدا فشكره علي ما أبدي و أمره يبقي بضعة أيام لتكون سطوته أكبر و أعظم.

عشائر زوبع:

بقي الكتخدا بضعة أيام ثم قصد عشيرة (زوبع)، و من بقي من عشائر البو عيسي و الجميلة إذ إنهم كانوا متفقين مع الدليم إلا أنهم انحازوا إلي جانب، و لما لم يؤدوا الميري تيقنوا بالخطر فتركوا ديارهم و نهجوا إلي الفيافي و القفار. و إن (البو عيسي) و (الجميلة) تعهدوا ببعض النقود بسبب انفصالهم و طلبوا العفو و من ثم فوض بعض من باشر التحصيل منهم.

و أيضا ندم أهل شفاثا علي المخالفة و تعهدوا بأداء الميري فأغمض الكتخدا عينه عنهم و فوض عليّا موظف (المصرف السابق) ليقبض ما بذمتهم و نظم بعض المهام و طلب الإذن بالعودة فعاد بجيوشه في 28 ربيع الآخر.

و حين عودته ألبس الخلعة و أكرم باقي موظفيه و احتفل بهذا النصر و تقدمت القصائد في مدح الوزير و الكتخدا و من جملة من مدح الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 303

صاحب الدوحة بقصيدة باللغة التركية فأنعم عليه و زاد في مرتبته. ثم عظم شأنه أكثر بتقديم (دوحة الوزراء) إليه. و أودع هذه القصيدة تاريخه.

و جعلها

كخاتمة له.

محمد باشا بن خالد باشا الباباني:

سكن أولاد خالد باشا أمير بابان سابقا في كركوك بأتباعهم إلا أنهم كانوا يؤذون القري فشكا منهم الأعيان للوزير فكتب إلي محمد باشا أن لا يدع مجالا لهذه الأحوال و أن يردع أعوانه، ثم تكرر الطلب منه مرارا فلم يفد التنبيه فأصدر الوزير أمرا إلي متسلم كركوك (موسي آغا).

في القبض علي محمد باشا و سجنه.

تمكن المتسلم من القبض عليه و سجنه. و لم تمض بضعة أيام حتي هجم أتباعه بثلاثمائة خيال أو مائتين علي دار الحكومة ليلا و هربوه من السجن. و علي هذا أمر الوزير بإلقاء القبض علي والدهم خالد باشا و كان ينوي الفرار إلي إيران فسجن الاثنان في (باش أسكي) إلا أن محمد باشا بعد أن هرب من السجن ندم علي فعلته فلم يذهب إلي جهة أخري، و إنما مكث في الجهة العليا من كركوك يبعد أربع ساعات أو خمس في (شواه) و عرض أمره علي الوزير طالبا العفو و قبول معاذيره …

و علي هذا أصدر أمره بالعفو علي أن لا يضر اتباعه بأحد فعاد إلي أنحاء كركوك. و حينئذ عفا عن والده خالد باشا. و أما سليمان باشا بن إبراهيم باشا ابن عمه فقد أخذت منه أيمان مغلظة علي أن لا يخون مرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 304

أخري فاعتمد علي أقواله و أطلق سراحه أيضا و عين لهما ما يعيشون به.

ختان:

و في هذه السنة ختن الوزير ابنه طورسون يوسف بك لبلوغه سبع سنوات و كان ذلك باحتفال كبير و بهذه المناسبة أنفق الوزير علي الفقراء ما لا يحصي و ختن نحو ألف من الأيتام معه. و خلع علي العلماء و الأشراف حللا بديعة الأوصاف، و بني خيمة جميلة

في دار الإمارة و بسطت الموائد للقاصي و الداني …

و هنأه الشعراء بقصائد و مدائح فاكتفي صاحب الدوحة بنشر قصيدة فوزي ملا محمد أمين المنفصل من كتابة المصرف فنالت قبولا.

و ممن مدحه الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها:

ربيع و لا سحب تسح و تنطف و خصب و لا نبت لسعدان يعرف

إلي آخر ما قال.

و ممن هنأ الوزير بقصيدة عبد اللّه البصري فنقدها صاحب المطالع كما نقد شعر التميمي و أورد هو قصيدة.

المقيم البريطاني و تجولاته:

في آذار سنة 1820 م- 1235 ه عزم كلاديوس جمس رچ hciR scmaJ suidualC المقيم البريطاني tnediseR أن يتجول في ديار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 305

الكرد. وصل إلي بعقوبة في 28 آذار، فذهب إلي قصر شيرين و عاد في 8 نيسان ثم إنه في نهاية نيسان سنة 1820 م- 1235 ه اصطحب زوجته ماري و سكرتيره (بليّنو) و هو ألماني من أصل ايطالي، و أحد الأطباء و السيد محمد المنشي البغدادي و سماه السكرتير الفارسي مع حاشية كبيرة من الخدم و الحرس. و كان معه (ميناس) الأرمني. و هو جد ميناس الأرمني المتوفي سنة 1948 م و كان الترجمان الأول للمقيمية. فأصدر الوالي أمره بلزوم العناية بهم إلا أنه ندم علي ما فعل، فأوجس خيفة من هذه الرحلة و أن يجوسوا خلال الديار و فسرها بأنه يريد اثارة الفتن و القلاقل و في 12 آذار سنة 1821 ه- 1236 م عاد إلي بغداد. فاشتد الخلاف بين الوزير و بينه إذ منع التجار من إصدار الأموال و جلبها أو أنه أمر السفن أن لا تذهب إلي الهند و لا تأتي منها فاتخذ الوالي التضييق عليه حتي أحرجه علي الخروج من بغداد. و لم يأذن له

بهذا الخروج حتي تعهد بأنه ذهب باختياره و من تلقاء نفسه. و كانت جنود الوزير محيطة بالمقيمية معلنا أنه يقصد سلامة المقيم حذر أن يناله من التجار الهائجين ضرر.

دونت رحلة المقيم البريطاني في مجلدين و فيها تفصيل أحوال الكرد و ما مر به من مواطن. كما أن السكرتير الفارسي السيد محمد ابن السيد أحمد الحسيني كتب رحلة بذلك أيضا و كانت مختصرة و فيها ما يزيد من بعض الوجوه علي رحلة المقيم البريطاني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 306

حوادث سنة 1236 ه- 1820 م

ورود مدافع و مهمات حربية:

وردت بغداد مدافع و معدات حربية من استنبول مع أفراد مدفعيين و عرباتيين نظرا لما رأته من الضرورة لحراسة العراق سواء في حدوده و ثغوره، أو غيرهما. و ذلك أن الدولة أرسلت خمسة عشر مدفعا سريعا مع مدفعيين و عرباتي واحد و أفراد آخرين يصلحون للعمل و معدات كثيرة و أدوات وافرة و لوازم وافية … جاءت بصحبة مصلح الدين أحد رجال السلطان محمود فوصلت في غرة صفر فأجري لها الاحتفال و أذيع أمرها.

قصر الوزير:

أمر الوزير باتخاذ حديقة في الفريجات من ناحية الأعظمية غرس فيها من الأشجار المتنوعة و اتخذ فيها قصرا فخما جامعا للطافة و الزينة علي أبدع أسلوب معماري. و كتب صاحب الدوحة قصيدة في تاريخ بنائه باللغة التركية.

تعمير باب السراي:

أمر الوزير بتعمير باب السراي لأنه عاد لا يليق و جعله واسعا، و جعل عن يساره برجا فمدح صاحب الدوحة الوزير بقصيدة تركية.

عمل مضخة:

ورد امرؤ من إيران يدعي ميرزا عبد المطلب فأبدي أنه عمل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 307

طلومية (مضخة) ترفع المياه و تغني عن الكرود و البكرات المعتادة فعرض القضية محمد المصرف علي الوزير فأمر أن يقوم بأعمالها. و لما تم العمل أخبر الوزير فشاهدها الكل فعجبوا من هذا الصنع. و علي هذا نال خلعة و أنعم عليه بإكرام جزيل و أن يقيم في بغداد ليتعلم سائر الناس منه و أجري له راتبا.

سميت هذه الطلمبة إضافة لنجل الوزير طورسون يوسف فسموها (چرخ يوسف) أي دولابه و نظم صاحب الدوحة قصيدة تبين تاريخ عملها.

تعمير السراي:

أمر الوزير بتعمير السراي مراعيا فيه النقوش و التزيينات و الإتقان المعماري. فدامت التعميرات نحو ثلاثة أشهر فتم بالوجه المرغوب فيه فأجريت مراسيم الافتتاح و فرش بأنواع الفرش و جلس فيه الوزير و تقدم الشعراء في وصفه و أرخوا بناءه. و صاحب الدوحة ممن أرخه. و من ثم صار (ناظم التواريخ) …

وقائع أخري:

1- إن محمد باشا ابن خالد باشا بعد العفو عنه داخلته الوساوس فجمع أعوانه و فر إلي إيران إلي الشهزاده. و لما علم الوزير أن ذلك كان بإغراء من والده خالد باشا و أنه ينوي اللحاق به ألقي القبض عليه و حبسه.

2- سبق أن يحيي آغا الخازن خذل في حرب الصقور و لوحظ أن ذلك لم يكن نتيجة إهمال و غفلة و إنما أشيعت عنه اشاعات غير مقبولة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 308

فعزل و وجهت إليه مقاطعة (تازة خورماتي) في أنحاء كركوك و أماكن متعددة في أطراف بغداد، و نال انعامات وفيرة. و بالرغم من ذلك ارسل الشهزاده إليه من يغريه و يحضه فنزل من الطاق باسم الصيد فجاء إلي أطراف زهاو (زهاب) و باديتها و تجول فيها تنفيذا لنواياه. و كان يترقب الخازن الفرص و باح بسره لبعض محبيه فأخبر الوزير خفية فأمر بإحضاره و إلقاء القبض عليه و كان من المحتمل أن يكتفي بحبسه و لكنه حينما أخذ للحبس و كان في ساري الكتخدا سل خنجره و جرح بعض الموكلين بالمحافظة عليه فلم يجد طريقا للخلاص فزج في السجن هو و من ساعده اثناء الحادثة فقتل. و من أراد الوزير الوقيعة به اختلق له الأسباب.

3- أظهر الوزير الذهاب إلي قصره في الفريجات و من هناك أبدي أنه عازم علي

الصيد و نصب خيامه بعد منزل واحد فأرسل أحمد بك مع ألفي جندي إلي إربل لنشر آثار سطوته هناك.

سمع الشهزاده بالخبر و في الحال ابدل طوره و أراد أن يخفي حاله فأبدي خلاف ما عرف عنه و أظهر أنه مخلص للوزير و أرسل بعض التحف إليه توددا و صداقة. ثم لوي عنان عزمه و عاد لمقره. و حينئذ قضي الوزير بضعة أيام في الصيد و أخفي هو أيضا نواياه ثم رجع …

4- إن سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف بابان سابقا كان يرعاه الوزير و الظاهر أنه كان بينه و بين يحيي آغا موافقة في الخفاء لذا حذر أن ينكشف أمره فانهزم إلي الشهزاده. أما خالد باشا فقد دققت أحواله فظهر أن لا دخل له في القضية فعفا عنه الوزير و أكرمه و أطلقه من السجن.

و في سنة 1234 ه مرّ أن عبد اللّه باشا متصرف بابان سابقا كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 309

اتفق مع محمود باشا و أرسل إليه علي أن يوليه كوي و حرير و لكن لم يوافق مصلحته أن يجعله بعيدا عنه. لذا لم يعطه اللواء المذكور و خصص له عائدات توازي هذا اللواء و امتزج معه لبضعة أشهر إلا أن عبد اللّه باشا ظهرت منه علائم الخيانة و تبين منه ميل إلي الفرار لجهة الشهزاده فاضطر محمود باشا إلي إلقاء القبض عليه و سجنه.

و بعد أن بقي شهرين أو ثلاثة في السجن رق عليه أخوه فأطلق سراحه بعد أن أخذ منه العهود و الأيمان المغلظة و خصص له بعض المحال الكافية لإدارته. و لكن لم تؤثر فيه الأيمان و لا راعي المواثيق.

فحينما خرج من السجن كاتب الشهزاده فاختلس فرصة

و فر بنحو مائة أو مائتين من أتباعه لجهة ايران.

تجاوز إيران حدود العراق:

مال قسم من امراء ديار الكرد إلي إيران و هم محمد باشا بن خالد باشا و سليمان باشا بن إبراهيم باشا، و عبد اللّه باشا أخو عبد الرحمن باشا فاجتمع هؤلاء في كرمانشاه لدي الشهزاده فتولد فيه أمل التسلط علي أنحاء مهمة من العراق. لذا سير هؤلاء ما عدا سليمان باشا إلي ناحية زهاو و تجاوزوا الحدود فأشعلوا نيران الفتنة، و أن الشهزاده توجه نحو أبيه إلي طهران ليخفي هذا العمل فيما إذا عاتبه الوزير.

و إن محمد باشا بعد أن وصل إلي زهاو أغار علي جهة قولاي و خانقين و علي آباد فدمر الأهلين هناك و انتهب أموالهم و مواشيهم و أضر بهم أضرارا كبيرة ثم عاد إلي جهة زهاو.

فلما سمع الوزير بالخبر سير مقدارا من الجيش فحاول اللحاق به و لكن المسافة كانت بعيدة جدا فلم يتمكن من الوصول إليه و عاد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 310

و علي هذا عرض الوزير الأمر علي الدولة و أطلعها علي ما وقع و طلب الترخيص فيما إذا تجاوزت إيران الحدود و اعتدت علي العراق و طلب قوة تساعده و أنه في الحال الحاضر مثابر علي محافظة الثغور …

و من جهة أخري أمر (بلوك باشي بيارق الخيالة) عبد الفتاح آغا أن يرجع من بني لام حالا و يسير إلي جهة زنگباد مع البيارق التي معه …

و كان الوزير في تبصر من جهة العراق و إيران، و يتوقع ما سيحدث، و أنه في انتظار أمر الدولة.

و لما وصلت عريضته إلي استنبول اهتمت الدولة للأمر إذ إنه مما لا يجوز التساهل أو التهاون فيه. و لذا صدر الفرمان

بلزوم محافظة الثغور و التأهب للطواري ء، و أن تجهز الجيوش و تعد القوي …

و أول ما قام به الوزير أن سير (البلوك باشي) إلي أنحاء زنگباد و معه نحو 1500 من الخيالة و مكث في هذا المحل …

و علم أن الشهزاده عاد من طهران إلي جهة كرمانشاه و حينئذ وجه إيالة ديار الكرد إلي عبد اللّه باشا و أنه شرع في إخراج محمود باشا من السليمانية باتخاذ ما يجب من الأعمال.

وردت رسائل من محمود باشا و من غيره من الأنحاء الأخري تنبئ بذلك مما بلغ حد التواتر … أما الوزير فقد رشح محمد الكهية لتجهيز الجيوش و جعله قائد الحملة علي ايران. و حينئذ تعين أن يقيم في زنگباد و يتخابر مع محمود باشا و أن يعاضد الواحد الآخر، و يأتي بسرعة لإمداده.

و علي هذا نهض الكتخدا من بغداد بمهمات كثيرة و جيش جرار في 13 رمضان فالتقي (بباش آغا) في مقاطعة (كوكس) من زنگباد. ثم تلاحقت العساكر و نصب خيامه في (شيروانه) أربعين يوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 311

و في هذه المدة اتخذ الشهزاده جميع المكائد لعزل محمود باشا و نصب عبد اللّه باشا و سيره إلي السليمانية و جهز معه أربعة آلاف جندي أو خمسة آلاف أما محمود باشا فإنه استمد بالكتخدا و طلب أن يوافيه.

و لذا تحرك من (شيروانة) و توجه إلي ديار الكرد فوصل إلي (بازيان) إلا أن عبد اللّه باشا منعه أن يعبر ديالي و يوافي (خواجايي) من أعمال گلعبر (حلبجة) الواقعة في منتهي حدود شهرزور. فتمكن من تشتيت شمل القري كما أنه استطاع أن يجذب (أمير الجاف) كيخسرو بك إليه في حين أنه كان بمثابة قوة الظهر

لمحمود باشا، و كذا تمزق باقي أتباعه فانحل نظام جماعته.

أما الجيش فقد بقي بعيدا عن السليمانية بمسافة ثلاث ساعات من جانبها الآخر في محل يقال له (تپه رش) قرب بازيان. و بهؤلاء قوي الأمل و ثبتوا. و تقدم الجيش إلي جهة السليمانية ببعد ساعة و نصف قريبا من قرية (باريكة) في الجانب الآخر من وادي (تاجرود). و أن محمود باشا وعد أنه يأتي بسبعة آلاف جندي أو ثمانية آلاف إلا أنه لم يحضر إلا مقدار خمسمائة من الخيالة و مائتين من المشاة. جاء بهم بعد أسبوع و نصب خيامه في الجانب الآخر من النهر تجاه الجيش.

ثم إن عبد اللّه باشا لم يقف عند حده و إنما توجه نحو السليمانية إلا أنه حينما وصل إلي (خواجائي) لم يجسر أن يتقدم إلي الأمام و مكث في محل منيع هناك و أبدي عجزا. و عندئذ استغاث بالشهزاده ليمده فجهز نحو خمسة عشر ألف خيال و خمسة آلاف راجل و علي حين غرة انحدر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 312

من پاي طاق و مضي إلي زهاو و منها عبر إلي ديالي و انتهب (قرا الوس) من زنگباد و بقي هناك بضعة أيام يتجاوز علي القري و الأطراف و تفرق الأهلون. و منهم من سار إلي جهة كركوك.

وصل الخبر إلي بغداد. و يأمل تثبيت الأهلين في مواطنهم نهض أحمد بك أخو الوزير علي وجه العجلة بمقدار من الجيش، و علي أثره عزم الوزير أن ينهض بنفسه ليقف الشهزاده عند حده، و كتب إلي الكتخدا و أكد إليه أن يلتحق به في طريقه …

خبر موحش:

و في هذه الأثناء ورد أن الجيش نزل في (باريكة). و هذا حرارته شديدة في النهار

و برودته زائدة ليلا و فيه وخامة. و بعد بضعة أيام من جراء هذا التأثير و سوء الأكل و الشرب استولي علي الجيش مرض كأنه الوباء إذ سري علي الجميع لدرجة أن الألف لم يبق منه إلا الخمس و هؤلاء لا يستطيعون القيام و النهوض و لازموا مضاربهم و لم يقدروا علي الخروج من مخيماتهم فحدثت فيهم وفيات بين خمسة عشر أو عشرين يوميا.

و إن الاصحاء استولت عليهم الواهمة و نالتهم الحيرة و الاندهاش فعادوا لا يبدون حراكا و لا يدرون ماذا يعملون …

و كان عبد اللّه باشا مع الجيوش الإيرانية في (خواجايي) و تحصن فيه و هو بعيد عن الجيش بنحو اثنتي عشرة ساعة في حدود ايران، و أن العساكر العراقية لم تطق الصبر علي هذه الحالة و لم يقر لها قرار فعزمت علي الفرار فانعكس الأمر إلي عبد اللّه باشا فنشط و سار نحو جيش الكتخدا فوصل إلي (قره طاغ) ببعد تسع ساعات و ورد إلي الطريق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 313

المسمي (كوره قلعة) فورد ثغر الطريق و تمكن فيه.

فالجيش بحالته هذه لم يستطع الحرب و المقاتلة و لم تبق فيه قدرة بسبب الأمراض الفتاكة فكان الرأي أن يميلوا إلي جانب و يتحصنوا في مكان منيع. وعدا هذا إن الشهزاده في نية التقدم إلي جهتهم كما يستفاد من الكتاب المرسل إلي الكتخدا، فكتب الوزير إليه أن يأتيه بالعسكر سريعا.

كتب الكتخدا جوابا للوزير يتضمن بعض المعاذير و التهاون عن المجي ء و رمي بالجيش فجعلهم طعمة باردة للعدو و خاطر بهم مخاطرة عظيمة فعذله الأمراء و رؤساء الجيش فلم يتعذل و قال إني أريد أن أقهر جيش عبد اللّه باشا …

نسب صاحب الدوحة

ذلك إلي خيانة منه و أنه اتخذ أمراض الجيش وسيلة لإظهار نواياه بخدمة إيران و لم ينظر إلي أن الوزير كان يرعاه خمس سنوات تقريبا … فلم يؤثر فيه ذلك كله … !!

و الحال أن صاحب مرآة الزوراء يطعن في الدوحة و ينسب المغلوبية إلي الأمراض من جهة و إلي الموقع الحربي و أنه غير مساعد من جهة أخري و أن الكتخدا كان متصلبا في رأيه غير مدرب للحرب الدولية و رأي من العار عليه أن يرجع دون أن يشفي غليله من عدوه فأصابه ما أصابه.

و في 14 ذي الحجة يوم الثلاثاء تحرك من منزل (باريكه) و تقدم بالعسكر بالرغم من أمراضهم و هم في حالة لا يرجي منها فائدة و أقام بين المنزلتين بعد أن قطع سبع ساعات و تقدم إلي مقربة من العدو. وصل إلي قرية (بيستان سوار). جاءها يوم الخميس فنزل (قره گول) و يبعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 314

عن المضيق (الدربند) الذي نزله عبد اللّه باشا نحو ساعتين و أمر الجيش بعمل المتاريس و عزم أن يهاجم عبد اللّه باشا.

و في يوم الجمعة تقابل الجيشان و غرضه أن يقضي علي جيش عبد اللّه باشا حتي إذا رجع لا يعيث هؤلاء بالأنحاء. و لكن يوم السبت و الأحد أرسلت الرسل و الرسائل من الجانبين في التدخل بمفاوضات صلح كاذبة و أشغل العسكر بها و غرض عبد اللّه باشا أن يوافي الشهزاده بجيوشه الجرارة … و هذه المفاوضات كانت بتدبير من عبد اللّه باشا لا خيانة من الكتخدا و هو حريص علي نجاحه …

و في يوم الاثنين رتبوا الصفوف و تأهبوا للقتال … فوافي جيش الشهزاده و يبلغ نحو خمسة و

عشرين ألفا في حين أن جيش الكتخدا لا يبلغ أكثر من ثلاثة آلاف من الخيالة و المشاة … و بهذه القوة الضعيفة وقفت صفوفهم تجاه الأعداء و اشتبك القتال و دام إلي الضحوة الكبري فلم يقصر الجيش في النضال و الصبر علي الحرب و دافع بقدر ما أوتيه من قوة فكان جيش إيران مشرفا علي الهزيمة و لكن الكتخدا منع جيشه من التقدم علي العدو و ردعهم من الهجوم عليه فأدي ذلك إلي كسر الجيوش …

قال صاحب الدوحة: و هذه خيانة. و الحال أن الجيش الذي قوته و عدده ما ذكر لا يستطيع أن يهاجم خمسة أضعافه فالمحافظة علي القوة و مداراتها تدبير ضروري … فسلمت المهمات و المدافع و الخيام و كافة معدات الجيش إلي الأعداء فاستولوا عليها و رجع جيش الكتخدا إلي كركوك مكسورا ليلة الأربعاء.

أقام ستة أيام. و في اليوم السابع ليلة الاثنين ذهب الكتخدا و أخوه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 315

علي آغا و اثنان من اتباعه خفية إلي الشهزاده، فالتجأوا إليه. خافوا من العقوبة ففروا. و لم تقع خيانة.

و جاء في ناسخ التواريخ قسم القاجارية: إن الدولة العثمانية أرسلت ألفي جندي إلي الوزير و معهم عشرة مدافع و جلبوا محمود باشا لجهتهم فأرسل الوزير عشرة آلاف جندي بإمارة محمد الكهية فالتحق به محمود باشا قرب ماء شيروان.

و إن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه كان معه خمسة عشر ألفا من الجند المشاة و الفرسان، فتأهب في العشرة الأولي من ذي الحجة و معه عشرة مدافع و التحق به حسن خان والي الفيلية بثلاثة آلاف جندي.

و في هذه الأثناء أرسل كل من حسين خان من أهالي خمسه، و محمد باقر خان

المافي من طريق سنندج بأمر من الشهزاده.

و في 18 ذي الحجة وصلوا قرب شهرزور.

أما محمد كهية و محمود باشا فقد نظما متاريس في (ياسين تپه).

و هذا محل يتصل من ثلاث جوانبه بالمياه و من جهته الأخري بالبر و رتبوا خمسة عشر مدفعا أمام متاريسهم. و في هذا الأوان أرسل محمود باشا رسلا إلي الشهزاده فحواها أنه إن أمنه و عفا عنه فإنه غدا عند المعركة يلتحق به متظاهرا بالفرار و في الحال يحارب محمدا الكهية متفقا مع الشهزاده جنبا لجنب. أما الشهزاده فإنه لم يثق من كلامه و لم يحمله علي الإخلاص فأبدي موافقته و أجاب جوابا ملائما. و قضي الشهزاده ليلته. و في اليوم التالي تأهب للقتال و أمر (مسيو دوده) المعلم الانجليزي (كذا. و هو فرنسي) مع جماعة من العسكر و هم بين مشاة و فرسان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 316

بالتأهب و زودهم بالمدافع و بآلات نارية أخري من زنبرك و غيره فساروا في طريقهم بين التلول و صاروا كمينا. قصدوا مفاجأة العثمانيين من خلفهم، و الشهزاده رتب الميمنة و الميسرة و بعد ذلك صعد إلي تل عال و تضرع إلي اللّه طالبا أن يؤيده بالنصر و بكي بكاء تضرع. فظهر في وسط العسكر و ابتدأ الحرب و ثارت المدافع و البنادق و من ثم اشتبك القتال بين الطرفين بحرارة فأسفرت النتيجة أن العثمانيين لم يروا مجالا للدوام علي الحرب فولوا الأدبار. أما محمود باشا فأنه باتفاق مع الكهية توجها إلي أطراف كركوك بأنفسهما فتيسر للشهزاده أن يستولي علي جميع معداتهم من الخيام و المدافع. ثم نزل السليمانية. فلما رأي الكهية هذه الحالة و كان يخجل أن يرجع إلي بغداد بهذه

المغلوبية التجأ إلي الشهزاده حرصا علي حياته.

و في هذه الأثناء ولي الشهزاده عبد اللّه باشا عم علي باشا والي ديار الكرد حكومة شهرزور. و أن الشهزاده بقي أيام المحرم في السليمانية و عرض هذه القضية إلي مسامع الشاه.

و في أول صفر خيم خارج السليمانية و كان يقصد زيارة العسكريين فتوجه إلي بغداد» اه.

و في هذا ما يؤيد براءة محمد الكهية من الخيانة و يوضح الوقعة أكثر ببيان قوة إيران آنئذ … و مطامعها في العراق و لكن أمل الفتح و الاستيلاء قد انقضي بوفاة نادر شاه. و في هذه الأيام تجددت فكرة الاستيلاء علي العراق و علي أنحاء أرضروم من عباس ميرزا فكانوا علي اتفاق و لم تكن غائلة محصورة في أمور بابان. و بوفاة هذا الميرزا انقطع الأمل فلجأوا إلي طريق السياسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 317

الهواء الأصفر: (الهيضة):

في أوائل هذه السنة سنة 1236 ه- 1820 م ظهر مرض لم يسمع باسمه (قوليرا) أو الهواء الأصفر أو الهيضة يفتك في النفوس فتكا ذريعا. سماه ابن سند بالوباء و قال هو طاعون ظهر في ديار الهند و أصاب الكثير من أهل بومبي. و منها سار إلي بلاد الهند الأخري.

و ازداد شره و مشي كالسيل الطامي حتي وصل إلي البصرة، و استمر فيها من آخر شوال إلي آخر ذي القعدة و أن شدته في أول ذي القعدة سنة 1235 ه- 1819 م إلي الثاني عشر منه. يشتد تارة و يخف أخري إلي 22 منه ثم خف إلي أن زال و قد مات من أهل البصرة خمسة عشر ألفا و أكثر فاضطرب منه الأهلون و ابتهروا من فعله و صاروا يفرون إلي القري و الضياع في

الأطراف … و أول ما وقع في البصرة هبت الشمال العظيمة نهارا و ليلا …

ثم إنه ذهب بؤسه فصار يتعاود الأهلون و يرجعون إلي مواطنهم و لكنه توجه بعد البصرة إلي جهة سوق الشيوخ، و العرجة، و السماوة حتي استولي علي أكثر أهل الجزيرة و بعض عشائر الشامية ثم جاء إلي الحلة و كربلاء و مكث في هذه الأماكن مددا تتراوح بين عشرة أيام و عشرين يوما.

ثم إنه سري إلي بغداد و لكنه كلما تصاعد و طالت مدته قل ضرره و خفت وطأته … فبقي مدة خمسة عشر يوما و في بعضها أصاب الواحد و الاثنين … ثم زال.

و منها سار حتي وصل كركوك و دام هناك نحو 20 يوما. فتوفي نحو ألف نفس و لكنه لم يتماد في سيره فاندفع بسرعة و سار إلي ديار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 318

الكرد فانتقل إلي السليمانية و من حين وصل إلي البصرة و ورد خبره إلي بغداد أوقع رعبا في النفوس.

و في هذا المرض استشير أطباء الانجليز فكتبوا علي أدوية تجلب من ديارهم فجاءت إلي الوزير و وصلت إلي وكيل متسلم البصرة. قالوا:

و إن أطباء الانجليز وجدوا دواء لهذا المرض و كتبوا رسالة بلغتهم في المعالجة و التداوي. و في هذه الرسالة أن هذا المرض ثلاثة أنواع أو أربعة، و أنه سري إلي البصرة في سنة 1236 ه. و ذكر صاحب الدوحة ترجمة الرسالة من العربية. فلم نر اليوم حاجة لسردها بالنظر إلي معلومية هذا المرض و تجدد الفن و تبدل الأدوية و التدقيقات …

و ذكر ابن سند من علامات هذا الداء القي ء و الإسهال المفرط و لكن صاحبه لا يبول فمن بال سلم و

قد لا يسلم.

حوادث سنة 1237 ه- 1821 م

مجي ء الشهزاده إلي ناحية دلي عباس:

إن الجيش رجع مغلوبا إلي كركوك. فأقام فيها بضعة أيام ثم التجأ الكتخدا إلي الشهزاده. و لكن الأهلين استمروا علي المقاومة. أما الشهزاده فقرب منهم بمسافة ثلاث ساعات و أقام حواليهم بضعة أيام يرغبهم من جهة و يرهبهم من أخري فحاول بكل وجه اقناعهم و دعوتهم إليه للتسليم فأبوا و اتفق الكل علي الدفاع … و لذا رحل عن كركوك و وصل (داقوق). بقي أكثر من عشرة أيام، و منها توجه نحو (طوز خورماتي) فنزلها و بقي فيها بضعة أيام جال في خلال جيشه في الأنحاء و عاث و نهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 319

و منها ذهب إلي (كفري) ثم توجه إلي قره تپه (قره دپه) و منها وصل إلي ناحية (دلي عباس).

عرض الوزير القضية بحالها علي دولته و طلب الإمداد منها إلا أنها لم يكن لها أمل في الحرب و لا كان لديها من المعدات ما يكفي و الأمل مصروف إلي أن الشهزاده سوف يرجع من كركوك إلي بلاده و لكنه جاء إلي كفري فلم يرجع حتي وافي (دلي عباس). و حينئذ أشعل نيران الفتنة في الأطراف و ألقي التشويش فنزل بين خان چبق و بين قرية هبهب و عين عساكر علي العشائر القاطنة هناك فانتهب منهم نحو عشرة آلاف رأس من الغنم و المواشي و أوقعوا أضرارا كبيرة بالأثمار فمدوا أيديهم و خربوا الكثير من القري.

أما الحكومة فإنها خشيت من الذين يميلون إلي إيران فاتخذت التدابير بسد الأبواب الثلاثة و أبقت لها حرسا من الآغوات المعتبرين توقعا لما يخشي منه و وضعت المدافع، لحراسة العاصمة و التأهب لما يخشي وقوعه و أقيم الحرس من الينگچرية و صنوف الجيش

الأخري …

و في هذه الوقائع و ذيوعها لم يبد الأهلون ما يخل بالأمن، و لا ما يخالف الوضع. صبروا و انقادوا لولاة الأمر فكانوا علي وفاق، و كذا الشأن في الصنوف العسكرية و أكابر موظفيها فإنهم أدوا ما عليهم من الخدمة و بذلوا ما استطاعوا من راحة …

و جاءت العشائر زمرا و وافقت علي ترتيبات الحكومة و سلطتهم علي السرايا و الهجومات المختلفة و صاروا يهاجمونهم و يصولون عليهم من كل ناحية و وقفوا لهم بالمرصاد، و إنهم حينما رأوا محمدا الكهية و أعوانه في الجهة التي بين خان چبق و بين قرية هبهب صاروا يشنون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 320

الغارة عليه و علي أعوانه و معهم العثمانيون فأوقعوا بهم خسائر كبيرة فاضطر إلي العودة إلي فيلق الشهزاده و لم يتمكن من البقاء هناك …

وقعة صفوق:

ثم إنه سار الكتخدا إلي دلتاوه (الخالص) مرة لتحصيل ميرة منها فلاقاه جمع كبير يتجاوز الألف مع شيخ شمر الجرباء صفوق الفارس و عشرة من بلوگباشية اللاوند قرب القرية فانتهزوا الفرصة و صالوا عليهم بهجوم عظيم و قتلوا أكثرهم و أسروا قسما و تفرق الآخرون و فروا …

و بعد بضعة أيام لم ير فائدة من البقاء فاضطر أن يترك هذه السفرة و كتب خفية إلي المجتهد المقلد عندهم الشيخ موسي ابن الشيخ جعفر (كاشف الغطاء) ليتدخل في أمر الصلح بين الفريقين و أرسل إليه رسولا فأبدي ميله إلي الصلح من تلقاء نفسه و رغب فيه … و في تواريخ إيران أن الوزير هو الذي أرسل الشيخ موسي للمفاوضة … و الصواب أن المرض الشديد دعا إلي هذا الصلح، فأراد أن لا يرجع بلا سبب.

و حينئذ أرسل إليهم الوزير

محمد آغا ابن أبي دبس من ندمائه و محمد أسعد ابن النائب الكركوكي من المدرسين و بعد وصولهم إلي معسكره أخبروا الوزير أن الشهزاده راغب في الصلح إلا أنه علق أمر الصلح علي أن يوجه لواء بابان إلي عبد اللّه باشا، و ألوية كوي و حرير إلي محمد باشا بن خالد باشا، و أن ترسل إليهم البيورلديات و الخلع و أن يعفي عمن التجأ إلي إيران من الأشخاص و أن لا يسألوا …

و لما شاور الوزير العلماء و الأعيان رجحوا جانب الموافقة علي أن لا يبقي الشهزاده في محله و أن يرجع حالا إلي بلاده و لم تقبل جهة العفو عمن التجأ إلي إيران و اشترط أن تعاد العشرة آلاف رأس من الغنم التي نهبت من أنحاء الخالص.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 321

ثم إن الشهزاده قبل أن يتحرك من دلي عباس اشتد مرضه و لذا أبدي تساهلا في الصلح بغتة و بين رغبته فيه. فتحرك حالا و رجع مسارعا في الانصراف فعبر جيشه من ديالي إلي الجانب الآخر و فارقه أكثر عسكره. و إن خان گلهر حينما رجع كان معه نحو خمسمائة من أتباعه فصادفه بعض العشائر قرب قزانية فانتهزوا الفرصة فقتلوا منهم نحو مائتين و سلبوا الباقين و اغتنموا خيولهم و أسلحتهم …

أما الشهزاده فإنه تزايد عليه المرض و اشتد كثيرا فتوفي في المحل المسمي (مرجانية) قرب قزلرباط و حينئذ ذهبوا بجنازته إلي كرمانشاه و جاء في ناسخ التواريخ أنه توفي قرب (طاق گران) ليلة السبت 26 صفر سنة 1237 ه- 1821 م وقت الفجر و وصل خبر وفاته إلي والده الشاه في 6 ربيع الأول، فنصب ابنه محمد حسين ميرزا مكانه.

ثم

إن الحكومة بعد ذهاب الشهزاده مكنت الأهلين من الزراعة و راعت أحوال المنكوبين و أعفتهم من الرسوم الأميرية كما أنه انتهب بعض العشائر أموالا من جهة الدجيل و ما والاها فأرسل الوزير عليهم السرايا لمرة أو لمرتين فاستعاد المنهوبات إلي أصحابها …

و في هذه الأثناء ورد الفرمان إجابة لمعروضات الوزير بخصوص هجوم إيران علي العراق كما إن حاكم تبريز الشهزاده عباس ميرزا هاجم البلاد العثمانية من ناحية الاناضول فتقدم نحو أرضروم بغتة فوصل خبر ذلك إلي استنبول أيضا. و حينئذ فوضت الدولة الصدر الأسبق محمد أمين رؤوف باشا أمين المعدن الهمايوني آنئذ و أضيفت إليه ولاية ديار بكر فجعل قائد جيش الجبهة الشرقية كما أنها جعلت الوزير داود باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 322

قائد العسكر في جبهته و جهزت الجيوش معه و عين والي الموصل بمعيته و أرسلت الخلعة و صدر الفرمان بلزوم معاقبة الكتخدا و اهتمت بأمر الحرب مع إيران و سيرت العساكر لمحاربتهم من كل صوب و كان صدور الفرمان إليه بتاريخ 2 ربيع الآخر يوم الخميس.

قري ء الفرمان علي ملأ من الناس و أعلن أمره و أطلقت المدافع و احتفل احتفالا كبيرا و أرسلت صور منه إلي الأنحاء …

و من ذلك الحين استقر الأمن و سكنت الخطة العراقية و استراح الأهلون …

وصف دوحة الوزراء:

إلي هنا انتهي ما جاء في دوحة الوزراء و هي من تأليف رسول حاوي. قال في خاتمة كتابه هذا: «أنه منعته الاسفار و الغارات المتوالية من البحث الكافي … ثم انتسب إلي صنعة الكتابة في ديوان الوزير فلم ير راحة أو أوقات فراغ فاستوعبت أوقاته و استنفدت قواه عدا أن أربعين، أو خمسين سنة من الحوادث بقيت في الخفاء

و لذا اقتحم المصاعب في التقاطها فكان يختلس الفرص للعثور عليها فلم يترك طريقا للوصول إلا ولجه. فذكر وقائع 99 عاما مع بيان تراجم نحو عشرين وزيرا. و أضاف تاريخ وقائع ست سنوات من أيام الوزير فكان تاريخه يبتدي ء من 1132 ه و يستمر إلي وقائع سنة 1237 ه. كتبه بأمر من الوزير ليكون ذيلا لگلشن خلفا.

أكمله غير موسع و لا قصد أن يكون لائقا بالملوك بل بالنظر لقدرته. و أن وقائع الوزير دونت مجملة و إلا فأيامه تحتاج إلي مجلدات عديدة.

قدمه إلي الوزير، و سيلحقه بالمجلد الثاني الخاص به و هو جديد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 323

يدعو للذة. أوضح في المجلد الأول أوصاف الوزراء الاسلاف و رجا أن يكون مقبولا لدي الوزير ملحوظا بعنايته …

و تم في أواخر ربيع الثاني «سنة 1237» اه. و لم يظهر المجلد الثاني. و لا أشار أحد إلي مسوداته أو تتمة وقائعه.

قال لي الأستاذ هجري دده: أن رسول حاوي من عصبته و لم يستطع أن يبين وجه القربي. و جاء ذكره و ذكر أخيه في كتاب شعراء بغداد و أدبائها أيام داود باشا.

طبع الكتاب في طباعة دار السلام في أوائل جمادي الأولي سنة 1246 من الهجرة علي يد محمد باقر التفليسي. و إن نسختي الخطية منقولة من النسخة المطبوعة و الملحوظ أنه ظهر نقص في أرقام الدوحة المطبوعة بسبب استلال بعض أوراقها. و مراجعة السنين سهلة. و هي الأصل في المراجعة.

تتمة واقعة صفوق:

«إن صفوق بن فارس الجرباء غزا ابن الشاه. عبر ديالي بفوارس من عشيرته إلي أن كان من عسكره بمرأي فركب فرسان العسكر لما رأوه وكروا عليه فاستطردهم حتي عبروا ديالي و بعدوا فعطف عليهم هو و

من معه من عشيرته و من الروم فأدبرت فرسان العجم و قفاهم فوارس شمر و قتلوا منهم من أدركوا و أتوا بخيلهم و سلبهم … هذه غير الأولي التي ذكرها المؤرخ التركي (صاحب الدوحة). و صفوق هذا عديم النظير في كرمه … و لما نصر صفوق أقطعه الوزير عانة و ما يتبعها من القري …

فعادي أعداءه و والي أولياءه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 324

حوادث سنة 1238 ه- 1822 م

وقعة الزبير:

كانت الزبير آمنة مطمئنة و كان أهلوها يدا واحدة فحافظوا علي كيانهم حتي حصل بينهم الخلاف و سببه أن محمد بن ثاقب كان يحسد ابن زهير علي ماله، و استعباده الناس بسماحته و نواله، فانقاد له أهل البلد لما طوقهم به من رفد …

فادعي ابن ثاقب أن ابن زهير أمر بسمّ راشد بن ثامر و صدقه في دعواه بعض المغرضين الأوباش فسعي ابن ثاقب إلي حاكم البصرة فوافقه علي ما طلب. فلما شاع أمر السم ركب ابن زهير متن الحذر و تترس بماله و تحيز لمن يغضب لغضبه و يعيش بسببه و بنشبه …

و حينئذ و لما لم ينجح تدبيره أمر زمرته أن تخرج بأسلحتها إلي تلك البلدة ليكونوا علي ابن زهير عدة و عونا. فلما دخلوها مدوا يد بغيهم و ائتمروا بأمر من أوقعهم في غيهم. و عند الظلام تقلدوا سيوفهم و نظموا صفوفهم قاصدين دار ابن زهير غير ملتفتين إلي الغير. فعلم بهم قبل أن يصلوا الباب فقابلهم خدام ابن زهير فضاربوهم فجرح من جرح و انهزم من انهزم. فتزايد الشر و حاصروا الهاجمين إلي أن ساعد جماعة ابن زهير في الإفراج عنهم فرجعوا إلي البصرة و دخلوها بأمر من له الأمر حذرا من تفاقم الفتنة، فنزل

ابن ثاقب و أتباعه قريبا من نهر معقل و أمير البصرة محمد كاظم يأمره أن يستقر في ذلك المنزل.

و ما زال ابن ثاقب في منزله حتي نزل عليه من عاداه فتقاتل الفريقان فلم يلبث إلا قليلا حتي ترك المقاتلة و كان قد قتل جماعة من الطرفين. ثم لما انهزم ابن ثاقب عبر الفرات و لم يقف عند هذا الحد بل كاتب من يساعده من الأصحاب.

و أكبر من ساعده محمد كاظم أمير البصرة فإنه بذل في سبيل تأييده

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 325

ما استطاعه من قدرة و حسن عند الوزير أمره …

و لما ورد حمود بن ثامر من البادية خدع ابن زهير في مودته. و عند ما ورد إليه و صار في قبضته منعه من الانصراف و ركب معه متن الاعتساف و بقي عنده مدة حتي مرض من شدة القهر. فلما اشتد به المرض أذن له بالانصراف فدخل البصرة و مات. و كان رحمه اللّه ذا صدقات وافرة و أعمال بر نافعة و عفة عن الحرمات و سيرة حسنة منذ شبّ إلي أن مات.

يوم بصالة:

في هذه السنة حدث يوم بصالة. و هو لشمر علي آل هذال و كبيرهم عبد اللّه بن هذال و كبير شمر صفوق. و كانت الغلبة لشمر و استولي الشمريون علي هودج بنت ابن هذال. و نهبوا أموالهم.

و لما عبر ابن هذال الفرات ندب قبائل عنزة لأخذ الثار و غسل العار فاجتمع العنزيون و عبروا الفرات علي الجزيرة ثم ساروا قاصدين شمر و ذلك في سنة 1239 ه، و بقوا في مطاردة و مطاعنة، ثم في آخر الأيام التي التقوا فيها أدبرت شمر و صارت النصرة لعنزة عليهم. و غنم العنزيون

من شمر أموالا كثيرة و قتلوا منهم فرسانا عديدين.

و لما انكسرت شمر شد الوزير عضد كبيرهم صفوق و أفاض عليه من كرمه ما تضيق عنه ساحة عطاء الملوك و من كرمه أنه أعطاه ثلاثين ألفا دفعة واحدة … و لكنه أعطاها للشيخ خالد النقشبندي لقضاء ديونه.

منصب كتخدا:

اختير الحاج طالب كهية لمنصب كتخدا. و هذا هو والد الأستاذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 326

سليمان فائق بك و جدّ فخامة الأستاذ حكمت سليمان.

حوادث سنة 1239 ه- 1823 م

اشارة

لم يحدث من الوقائع ما يستحق الذكر سوي وقعة عنزة و شمر و هي وقعة بصالة فانتهت في هذه السنة.

و في هذه السنة:

1- صار أوزون موسي آغا وكيل كتخدا و بقي في الوكالة بضعة أشهر.

2- عهد إلي أحمد باشا أخي الوزير بمنصب كتخدا أصالة فتوفي بعد بضعة أشهر. ورد بغداد بعد أن بلغ الثلاثين من عمره. و دخل في الدين الإسلامي. و عين لتربيته لالاوات و معلمين. ثم نال إمارة إربل فحصل علي رتبة ميرميران و بعدها حصل علي متسلمية البصرة …

و بعد عزل الحاج طالب الكهية صار كتخدا و بعد بضعة أشهر وافاه الأجل. و لم تكن له مقدرة علي ادارة الأمور، فكان عبد الغني آغا من المماليك بمقام (لالا) لتدريبه فجعل في معيته. و يصدق عليهما المثل (أعمي يقود عميانا). و مع هذا لا مثيل له في السخاء، بشوش و أخلاقه جيدة إلا أنه في حسن إسلامه نظر و تنقل له غباوات عديدة.

نصب كتخدا البوابين- كربلاء:

في أوائل هذه السنة نصب سليمان آغا كتخدا البوابين. و بعد خمسة أشهر أنفذ نقيب كربلاء هدية إليه و هنأه بمنصبه فكتب إليه جوابا في 10 شوال يخبره بوصول الهدية و شكره عليها إلا أنه ذكره بأن الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 327

قد عفا عما سلف علي أن ينهج خير المناهج، و أن يترك ما يؤدي إلي المهالك و أن تصفو البقعة المباركة من الكدورات إلا أنه خاب المأمول بما وقع، فحذره ممن ارتكبوا الرذائل، و أوصي أن يخرجوهم من بينهم و إلا فالعاقبة و خيمة. و المأمول ان يراعي رضا الوزير، و أن يمتثل أمره …

و في سنة 1241، حدثت وقعة مع الوزير.

و في هذا ما يوضح

أوضاع كربلاء في تلك الأيام و إن كان مجملا، نظرا لقلة المصادر عن ادارة الألوية في الخارج. و هذا ما قاله مؤرخ عراقي عن أيام داود باشا و من تلاه:

«إن كربلاء كانت عاصية علي وزراء بغداد فسير العساكر إليها- نجيب باشا- و كان بها السيد إبراهيم الزعفراني رجل أصله عجمي و ترأس علي أوباشها و سفهائها و أطاعه أراذل البلد المفسدون و هم يتولون الحرب و عامتهم من أيام داود باشا كانوا عاصين إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها (نحو خمسة و ثلاثين ألف قران)، و كل من يعمل مفسدة في العراق، أو يأكل أموال الناس يذهب إلي كربلاء و يستجير بهؤلاء الأراذل حتي اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من أجلاف الناس و عصت أيام داود باشا و علي باشا. هم عصاة، بغاة، يؤذون السكان الذين في كربلاء حتي أنهم مرة أمسكوا علي أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزويني ليلا و لم يطلقوه حتي أدي لهم أربعة آلاف قران من سكة محمد شاه فأطلقوه فهم مفسدون ذوو جرأة علي أعراض الناس. و أهل البلد يؤوونهم و يخافون علي أنفسهم. لأنهم متي أرادوا هجموا علي بيت أحدهم و نهبوه و الحاكم الذي هو من أهل البلد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 328

طوع أيديهم و لا يعارض بما يفعل هؤلاء الباغون الفجرة … » اه.

و هذا المؤرخ تحامل علي الولاة كثيرا و لا يخلو قوله هذا من مبالغة … و إن كان يتفق كلامه و ما لخص من كتاب الكتخدا. و هنا نشير إلي أن محرر هذا الكتاب السيد عبد الفتاح الأدهمي (الواعظ) و نقل من مجموعته. كتبه للكتخدا. و للتفصيل محل آخر.

و هذه الوقعة

لم نجد لها ذكرا إلا في كتاب (نزهة الإخوان)، و فيه جرت مع الوزير داود باشا، فقد ضيق علي البلد و حاصره سنة 1241 ه، فتوسط السادة بأداء المعين الذي أشار إليه صاحب التاريخ المجهول فكان لما كتبه كتخدا البوابين أثره.

الخازن:

هو عناية اللّه و كان في هذه السنة خازنا كما فهم من وقفية كتاب تفسير الجلالين و هو من آل الروزنامه جي و من أحفاده عبد اللّه أفندي ابن عارف أفندي ابن عناية اللّه المذكور. و بيتهم قديم معروف.

حوادث سنة 1240 ه- 1824 م

الحلة- محمد الكهية:

في أواخر هذه السنة مضي محمد الكهية و عاضده أناس من أعداء الوزير إلي الحلة فدخلها بمن ناوأه و نازعه الرئاسة فشوشوا الحالة و أطاعهم بعض العشائر فادعي الوزارة لنفسه دخلها باستدعاء من أهليها …

قال لطفي في تاريخه: إنها كانت بإيعاز من دولة إيران و ذكرها في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 329

حوادث سنة 1241 ه. و ابن سند عين أنها حدثت في أواخر هذه السنة …

فلما بلغ الوزير ذلك جهز جنوده و حشد عساكره بعد أن تفاقم الخطب و منت الكهية نفسه دخول بغداد اليوم أو غدا و حينئذ جند الوزير جيشا تحت قيادة أحمد باشا الكتخدا فوصل قريبا من الحلة فقامت الحرب بين الطرفين و كرت الخيل و تساقطت الأعناق.

و ممن أبلي في هذه المعركة قبيلة عقيل و كانت في جهة الوزير.

و ما زالوا في كر و فر حتي أدبرت الفئة الأخري فعبر المنهزمون الجسر ثم قطعوه ليمنعوا اللحاق بهم فعبر العقيليون النهر و عقبوهم فدخلوا الحلة و سقوا محاربيهم صاب الحتوف و انهزم منهم من انهزم.

و فر الكتخدا إلي حمود بن ثامر فاعتذر منه. قال ابن سند: و اللّه المطلع علي الضمائر، يشير إلي أنه كان ذلك بتدبير منه فذهب إلي الحويزة و بقي فيها فانتابته صروف الدهر. و كانت هزيمته في أوائل سنة 1241 ه.

و يقال إن الذي أرسل وراء محمد الكتخدا حمود بن ثامر فقدم العراق لإثارة الفساد و أمر

حمود خفية آل قشعم و آل حميد و آل رفيع ليساعدوه فأعانوه علي دخول الحلة. فلما انهزم انهزموا …

حوادث سنة 1241 ه- 1825 م

المنتفق:

1- ورد إلي الوزير من رجال المنتفق محمد بن عبد العزيز بن مغامس فأكرمه بوافر الإنعام و هذا من أجواد العرب و شجعانهم و من المثابرين علي الدين. كان عند ثويني بن عبد اللّه بن محمد بن مانع له أبهة و صدارة، و كذلك عند حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 330

أولا ثم تغير خاطره علي حمود فقصد الوزير و رشح نفسه لرئاسة المنتفق فما وافقه الوزير علي ما أراده لأنه كان وعدها ابن ثويني لأن أباه كان شيخا علي المنتفق و كذلك جده عبد اللّه وجد أبيه محمد وجد جده مانع لا سيما و ابن ثويني متصل بالوزير في حله و مرتحله و معتصم به.

2- قدم حنيان بن مهنا بن فضل بن صقر أحد أكابر آل شبيب فأكرمه الوزير و أجزل عطاءه …

و لما اجتمع هو و محمد بن عبد العزيز عزم الوزير علي عزل حمود و نصب براك بن ثويني علي بني المنتفق ثم عرضت أحوال أخرت ذلك.

3- قدم جماعة من آل صالح و هم شبيبيون لمناصرة براك بن ثويني.

4- قدم محمد بن مناع الأجودي العقيلي أحد مشايخ بني المنتفق و فرسانهم …

و قوي براك بن ثويني بهم و توجهت إليه أنظار الوزير و كاد يوليه رئاسة المنتفق إلا أنه أخر أمره لمصلحة.

حمود بن ثامر- و محمد الكتخدا:

لم يقف حمود تجاه هذه الحوادث مكتوف اليدين و إنما شاع علي الألسنة أن حمودا أرسل إلي محمد الكتخدا و هو في الحويزة أن يوافيه فقدم إلي العراق لإثارة الفتنة و أمر حمود خفية آل قشعم و آل حميد و آل رفيع أن يساعدوه فدخل الحلة فلما انهزم انهزموا!

و علي كل

إن الفتنة اشتعلت في الخفاء و لكل حزب مناصر و إن الوزير في كل هذه الأحوال لم يقدم علي حرب ثويني و لكنه حاول تكثير حزبه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 331

براك- عفك و الشاوي:

إن الوزير أراد أن يجرب مقدرة براك فجعله يغزو بمن معه من آل شبيب عفكا و قاسم بن شاوي و من معه فتحصنوا بالأهوار فخاضها المنتفقيون و قتل من أكابرهم و فرسانهم دويحس بن مغامس بن عبد اللّه بن محمد بن مانع الشبيب. و قتل أيضا ابن لثامر بن مهنا بن فضل بن صقر و هو شبيبي أيضا.

و كان مع براك بن ثويني شيخ زبيد فلم تكن منه مساعدة و لم يخلص في الخدمة فخذلوا و قل أمل الوزير في السيطرة علي الوضع …

القضاء علي الينگچرية:

أمر السلطان بالقضاء علي الينگچرية و قتل منهم ألوفا و نسخهم من ديوان الجند و كتب إلي الارجاء أن يعزلوهم و أن يمحوا هذا الاسم …

و في وادي العوسج بقرب صقال طوتان إلي جهة خانقين لا تزال قبورهم باقية. و هي مواطن قتلهم و للترك مؤلفات خاصة في تحبيذ إلغائهم و القضاء عليهم مثل كتاب (أس ظفر) … و كانوا واسطة تقدم الترك و نجاحهم في بادي ء أمرهم، و يعد تجديدا في (أمر الجندية).. فطرأ علي هذا النظام ما طرأ فقدوا الطاعة و التنظيم، و أمنوا السلطة فتحكموا بل جرّوا الويل علي هذه الدولة. و (ينگچري) مخفف من (ينگي چري) أي العسكر الجديد.

و ما أفسد الأمم أو قضي عليها إلا فساد الجندية و أنظمتها، و عدم القدرة علي الاصلاح.. و كان الغرب و الشرق يخشون سطوة هذا الجيش إلا أنه بعد أن فقد مزاياه طمع فيه كل طامع و نالوا منه ما نالوا فتوالت هزائمه و كثرت مصائبه و كاد يقضي علي الدولة لو لا أن تداركها السلطان بنظامه الجديد، ملت الأمة تحكم هذه الفئة، فلم يهدأ لها أمر حتي

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 332

قضت عليها، و جرت ما جرت عليه تجارب الأمم، فعادت إلي نشاطها، و استعادت حياتها..

أسست الدولة العساكر المنصورة المحمدية فثار الينگچرية فنكلوا بهم و تم تأليفهم و أصدر قانون بشأنهم و جري العمل به فكان طبعه في آخر ذي القعدة سنة 1244 ه. و عندي نسخة مطبوعة منه في هذا التاريخ.

و كانت محاولة السلطان سليم الثالث في الإصلاح جلبت عليه الهلاك فنجح السلطان محمود و ظهرت فوائد النظام الجديد و تطور حتي اكتسب شكلا مرغوبا فيه.

تكية البكتاشية:

غضب السلطان علي البكتاشية في العاصمة و في سائر الأرجاء و أمر أن يطردوا من تكياتهم. و يسمون (الددوات). فلما ورد الأمر السلطاني علي الوزير أخلي التكيات منهم و ولي عليها خليل أفندي و هذا عين إمامه السيد طه الحديثي للقيام بإدارة التكية الكائنة في بغداد (في محلة الجعيفر) فأقام فيها يومين أو ثلاثة ثم عزله.

الداسنية اليزيدية:

و بعد ثمانية أشهر من وقعة الكتخدا في الحلة عاثت عشيرة الداسنية من عشائر ماردين التابعة إلي بغداد فأرسلت إليها قوة عسكرية فشتت شمل فسادها، و لم يبق أحد من رؤسائها و مزق جمعهم.

فتح جادة الجسر:

شكا العلماء و الأعيان إلي قاضي بغداد محمد راشد بن فخر الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 333

بأن طريق الجسر ضيق بالمارة و ألحوا عليه في فتح طريق آخر متصل بالجسر من الجهة الغربية. أما الطريق القديم فهو المار من مسناة الجسر إلي قهوة زنبور (قهوة المميز) فأصدر القاضي حكمه بضرورة فتحه و هو شارع المأمون.

حوادث سنة 1242 ه- 1826 م

المنتفق:

قدم بغداد الشيخ عقيل (عجيل) بن محمد بن ثامر في 12 صفر فألبسه الوزير خلعة رئاسة المنتفق في 14 منه و أعطاه الاسلحة الكافية و كتب إلي متسلم البصرة أن يعلن ذلك في أرجائه و أن يحافظ علي البصرة، فأظهر المتسلم للعشائر عزل حمود و نصب عقيل.

فلما تبين حمود عزله أمر ابنيه (ماجدا و فيصلا) أن يقصدا البصرة فزحفا بالعشائر. فأما ماجد فنزل قريبا من نهر معقل، و أما فيصل فنزل أبا سلال و معه الاباضية أتباع امام مسقط و عشائر كعب …

فلما اشتد الأمر و كاد ينكسر المتسلم برز النجادة للمعاونة فكسروا و دخلوا البصرة … بعد خوضهم حومات المهالك. و بعد هذه الوقعة اشتدت أعضادهم و قوي اعتمادهم … و إن إمام مسقط ملأ بالسفن الشط … و ساعد ماجدا و فيصلا و حمل بأجناده كما حملا و مع ذلك لم يلن النجديون فبقوا في مجالدة شهرين.

هذا و لما رأي متسلم البصرة كثرة الأعداء و ضيق الحال … صالح إمام مسقط بمقتضي رأيه فانتظم الصلح فسافر و بقي فيصل و ماجد و لم يبق من قري البصرة إلا من كان لهما مساعد. و في أول ربيع الأول خرج عقيل من بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 334

و في أثناء ارتحاله ورد سليمان المناخور فوجده محاصرا

للأقرع فحشدوا عليه و معهم ابن قشعم و محمد الكهية و رستم و غيرهم. و الذين كانوا مع سليمان زبيد القبيلة المعروفة و من عقيل شيخهم جعفر، و من رجال الوزير محمد المصرف.

و لما ظهر الأقرع بمن معهم و عاين الروم الكماة جمعهم زحفوا عليهم … مع أنهم من الأعداء بمنزلة واحد من مائة … فما كان إلا ريثما التقوا رد الروم علي الاعقاب فندبهم سليمان فكروا ثانيا كرة أسد الغاب. فمذ ثارت أطواب العسكر كر مع الدخان من الروم كل غضنفر فأدبروا إدبار الرئال و تركوا البنادق و النصال … و قتلوهم قتلا ذريعا …

فأخبرني من أثق بخبره أن قتلاهم يزيدون علي ألف في نظره و منهم من قال يزيدون علي ألفين و لم يحضر الحرب الشيخ عقيل و لا صفوق و لكن حضرها شخير …

ثم إن الشيخ عقيلا أقام في أرض عفك زمانا آملا أن يأتيه أناس من أكابر قبيلته و فرسان عمارته و الوزير ينهاه عن العجلة و يأمره بالأناة و التؤدة فلم يسمع نصحه …

و في هذه الأثناء نصب الوزير سليمان الميراخور (المناخور) أميرا فبقي الشيخ عقيل في تلك الناحية و معه من شيوخ أهل البادية صفوق بن فارس الشمري و معه من بني عمه جماعة قال ابن سند: و قد ذكر لي الثقات عنه أنه صنع من الضيافات و نحر من الكوم السمان ما لا يحصره لسان.

أحوال البصرة:

أما البصرة فإنها في تلك الأيام قد بذل متسلمها جهده لمحافظتها و حراستها و ساعده النجادة من أهل الزبير فاعتز بهم. أما فيصل فإنه نزل أبا سلال و أكثر علي البصرة بالغارات في البكور و الآصال. فلما سافرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6،

ص: 335

سفن (إمام مسقط) و طال عليه المقام رحل من ذلك المنزل و نزل علي أخيه في نهر معقل و أشار عليه أن يذهبا إلي والدهما و يستشيراه في مقاصدهما فلم يقبل و قال: لا أرحل حتي أملك البصرة و أجعل عاليها سافلها …

وعند قدوم فيصل إلي والده ورد محمد الكهية.

ثم إن ماجدا منته نفسه … أن يملك البصرة و تأهب للأمر فخرج عليه سكان الزبير فلما رآهم ماجد و جنده تلقاهم بخيله و رجله و ترك خيامه في منزله فما كان إلا اليسير حتي ولي الدبر فخرج عسكر المتسلم علي خيامه فغنموها عند ما لاحت أمارات انهزامه و أقبل النجديون إلي البصرة و أكرمهم المتسلم علي هذه النصرة.

عود إلي وقائع المنتفق:

جاء ماجد فوجد والده قد فارق عزه و ذلك أن عقيلا لما نزل البغيلة ورد عليه أعمامه فبسط لهم موائد الإكرام. و أما حمود عمه فإنه لما ارتحل عنه إخوانه علم أن لا مقام له و ركب خيله و فر إلي البادية.

فورد عقيل إلي وطنه بعسكر الوزير فولي الرئاسة مكرما لبني عمه و عمومته خصوصا أنه أشجعهم و أرفعهم.

و لما استقر عقيل رجع المناخور بالعسكر و انتظمت له الأمور و صار عونا للوزير في الخطوب …

و في هذه المرة أيضا أحبط مسعي محمد الكهية …

شيخ زبيد:

و في 13 صفر ورد شفلح شيخ زبيد إلي بغداد طالبا من الوزير أن يعفو عنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 336

قال ابن سند: إن زبيدا قبيلة معروفة في العراق و شفلح هذا من أدهي أهل البادية. و كان شيوخ هذه القبيلة من أهل السنة. و أما الآن فالظاهر أنهم روافض …

مطالع السعود:

إلي هنا وقف كتاب مطالع السعود لعثمان بن سند و تاريخه مسلسل الحوادث السياسية. يأخذ الكثير من الدوحة إلا أنه لا يخلو من الالتفات إلي القطر و علاقته الأدبية و العلمية و المحادثات و المجالسات ممزوجة بمشاهداته و مروياته. و يتوسع في حوادث البصرة و أحوالها مما لا يكاد يوجد في غيره و لا يخلو من ملحوظة أدبية أو نادرة تاريخية … عولنا عليه في السنين التالية للدوحة و في الغالب لا نراعي سجعه، و لا نلتفت إلي أبياته و مدحياته مما لا علاقة له بالموضوع التاريخي …

وقف تاريخه عند حوادث سنة 1242 ه و يناقش صاحب الدوحة أحيانا بقوله: قال المؤرخ التركي … و في تاريخه نوادر لم توجد في الدوحة إذ لا تحلل الشخصيات العربية و لا تتوسع في وقائعها.

و المهم فيه ذكر مشاهير العلماء المعاصرين لداود باشا أو قبله أو من لهم علاقة بنفس المؤلف أو بالبصرة أو من اشتهر في بغداد …

فكتابه نافع للتاريخ العلمي و الأدبي و يعد خير وثيقة. و يتعرض لوقائع آل سعود أيضا إلا أنه يتحامل و يماشي الحكومة في رغبتها و لم يكتم ما يعلمه بل أعطي كلّا حقه.

و يعاب:

1- من جهة أنه رسمي. يمدح الوزير و يطري كل عمل من أعماله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 337

2- من جهة السجع:

3- لم

يذكر لغيره من أقوال أو أشعار إلا قليلا جدا. لم يدرك نفعها من الناحية الأدبية، و لا يعول علي النصوص التاريخية و إيرادها …

لا يزال مخطوطا و نسخته التي بخطه في خزانة السيد نعمان خير الدين الآلوسي. و منها انتشرت نسخها و عندي مخطوطة منها. و توفي ابن سند في بغداد. و الظاهر أنه توفي في سنة تاريخ كتابه أو بعدها بقليل. و منهم من ذكر أنه توفي في الطاعون سنة 1246 ه في بغداد.

و مختصر مطالع السعود لأمين بن حسن الحلواني المدرس بالروضة النبوية في المدينة و فيه من الحوادث ما يصل به إلي سنة 1250 ه. طبع في بمبي سنة 1304 ه علي الحجر. و طبع في مصر في المطبعة السلفية بتحقيق صديقنا الأستاذ محب الدين الخطيب سنة 1371 ه و قدم له مقدمة مهمة و توفي الحلواني علي ما جاء في معجم المطبوعات سنة 1898 م.

قال الأستاذ المرحوم السيد نعمان خير الدين الآلوسي: و فيه لين. قال ذلك في آخر المختصر و بين أنه في سنة 1315 ه حصل له التاريخ الأصلي. فعلمنا تاريخ اقتنائه. و المختصر موجود في خزانة كتبه بخطه.

تعليم المدفعية في بغداد:

أرسلت الدولة أستاذا و خمس مدفعيين لتعليم عساكر بغداد المدفعية بناء علي طلب الوزير. و خصص للأستاذ ألفا قرش و لكل واحد من الأفراد خمسمائة قرش لمصارف الطريق …

عشائر العراق في سورية:

في هذه السنة قلت الأمطار فبدت علائم الغلاء فظعن العربان إلي أنحاء الشام فأزعجوا الأهلين هناك، و أن الميرة لم تعد تكفي الأهلين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 338

فحصلت الضرورة ففسر ذلك بعجز الوالي فعزل والي الشام ولي الدين باشا لعجزه عن القيام بأعباء الولاية. و وجهت إدارة الشام إلي متصرف قيصري الصدر الأسبق مير الحاج صالح باشا.

غوائل الموصل:

نال الجوع من الأهلين مناله فظهر الاضطراب و اختلت الإدارة.

فلم يتخذ تدبير.

و العداوة كانت كامنة بين (الجليليين) و الأعيان الآخرين. فسرت إلي بيت الوزير يحيي باشا آل نعمان باشا والي الموصل فاضطر إلي الفرار إلي بغداد فعلمت الدولة بذلك. فكتبت إلي داود باشا و يحيي باشا بما يقتضي لإجراء التدابير اللازمة فعاد الوالي إلي الموصل و سكن الاختلال.

و لما حدث الاضطراب انتهب من سراي يحيي باشا و متعلقاته ما يزيد علي ستة أحمال من القروش. و علي هذا طالب يحيي باشا باستردادها و أرسل محضرا إلي استنبول مبينا فيه خدمات هذه الأسرة و رضا الأهلين عنها.

و يقال إن المروّج لهذه الفتنة وزير بغداد فعلمت الدولة بذلك و لكن أغمضت العين مراعاة للمصلحة …

وفيات

1- في 13 ذي القعدة سنة 1242 ه- 1827 م توفي الشيخ خالد صاحب الطريقة النقشبندية المشهورة …

و كانت طريقته أحدثت أثرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 339

مهما و معارضة شديدة و خافتها الدولة و نكلت بأتباعه. و سألت الوزير عن وضعها فأخبرها بأن هذا الشيخ ليس من أهل الدنيا و هو رجل صالح لا خوف منه.

توفي بدمشق.

2- الشيخ أحمد الأحسائي.
اشارة

توفي سنة 1242 ه و منهم من قال سنة 1241 ه أو سنة 1243 ه. و كان يعد من علماء الشيعة الأصولية إلا أنه ظهر من دعوته أنه من الغلاة و انتشرت مؤلفاته في الخفاء بين أتباعه، فعثر عليها و من ثم ثار عليه علماء الشيعة. و فرقة الشيخية تنسب إليه.

و إن نحلته شاعت علي يد أكبر الآخذين عنه و هو السيد محمد كاظم الرشتي. و في أيامه عرفوا بالكشفية.

و من مشتقات الشيخية:

1- الركنية.

2- الكشفية.

3- البابية. و من هذه تفرعت (البهائية)، و (أتباع صبح أزل).

و لا يزال بعض الشيخية متمسكا بآراء الأحسائي دون غيره و الركنية نالت مكانة و لا يزال بعض رجالها في البصرة و ايران و غالب كتبهم مطبوعة، و أما البابية فقد غطت البهائية عليها و هي تطور في البابية.

و انتشار الشيخية في العراق بين الشيعة كان بهمة زعيمها السيد محمد كاظم الرشتي، و توفي سنة 1259 ه و لا يزال عقبه في كربلاء، و كتبت في هذه النحلة (كتاب تاريخ الشيخية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 340

حوادث سنة 1243 ه- 1827 م

إمارة أسعد باشا:

وجهت رتبة باشا إلي أسعد علي أن يبقي كما كان كتخدا الموصل و هو أخو والي الموصل يحيي باشا ثم وجهت إيالة الموصل إلي عبد الرحمن باشا آل محمود باشا من وجوه الموصل و هو المعروف ب (رئيس الحجاب).

و في هذه الأثناء ورد كتاب من الوزير ينبي ء أن الشهزاده في نيته التسلط علي أنحاء بغداد فنبه بلزوم اتخاذ التدابير و التحكيمات، و أن لا تؤمل المساعدة مع وجود الغوائل الحاضرة المحيقة بالدولة …

و ذكر أن عشائر الشامية عصوا فقام بمحاربتهم و أرسل 28 رأسا مقطوعا ممن قتل منهم.

واقعة شمر:

جرت واقعة مع شمر في نهر عيسي ذكرها الشيخ صالح التميمي في قصيدة شطرها السيد عمر رمضان و فيها انتصار باهر للوزير.

أوقاف الوزير:

1- وقف موقوفات كثيرة علي جامع الآصفية المعروف سابقا بالمولاخانة فجعل فيه مدرسين اثنين … و حدد رواتبهم و سجلها في غرة رجب سنة 1243 ه.

2- جامع الداودية: هو جامع الحيدر خانة عمره سنة 1234 ه و جعل فيه مدرسة و خزانة كتب و جعل لنفسه حق التغيير في الشروط و في هذه المرة وقفه بشروط جديدة و التفصيل عن هذين الجامعين في كتاب المعاهد الخيرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 341

3- وقفيات أخري. جعلها لنفسه ثم لمن بعده و بالنتيجة ترجع غلتها بعد الانقراض إلي جامع الحيدر خانة.

و في هذه الوقفيات ما يعين ممتلكاته مما وقفه … و منها يعرف غناه و ما استولي عليه …

حوادث سنة 1244 ه- 1828 م

النقود في بغداد:

كان قديما يجري الضرب في البلدان النائية مثل مصر و العراق و تونس تسهيلا للمعاملات. و كان يسمح لها بضرب النقود الصغيرة.

و بغداد سوغ لها أن تضرب و منعت أن تنتشر في الخارج. و من هذا القبيل ما حدث سنة 1235 ه فقد أذن لها أن تضرب بموجب فرمان كل سنة علي أن لا يتجاوز مبلغ خمسين ألف قرش و منع الضرب بعد هذه السنة منعا باتا في حين أننا رأينا ما ضرب إلي سنة 1255 ه.

حوادث سنة 1245 ه- 1829 م

في الموصل:

في 9 شوال سنة 1244 ه- 1829 م قتل والي الموصل عبد الرحمن باشا الجليلي من جراء أنه تجاوز في ظلمه الحد. دبر قتله قاسم (باشا) العمري و خالد آغا ابن صالح آغا الشويخ من أغوات الينگچرية و محمد سعيد بك (باشا) ابن إبراهيم بك آل ياسين المفتي و كان مدير تشريفات. و في هذه الوقعة قتل محمد بك أخو الوالي.

و عند ما عرض الأمر علي داود باشا رشح محمد أمين باشا ابن الحاج عثمان بك الجليلي فوجهت الدولة ولاية الموصل إليه و أرسل للتحقيق عمن اجترأ علي قتل الوالي عبد الرحمن باشا، و أرسل شاكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 342

بك من الخلفاء للقيام بضبط مخلفاته. و كانت ولاية محمد امين باشا في المحرم سنة 1245 ه، فوقعت له فتنة مع الذين قتلوا عبد الرحمن باشا فأخرجهم من الموصل، فتوجهوا إلي تلعفر فعادوا بعد شهر بقوة (1400) من السكبان من أهل تلعفر بينهم نحو 400 من عربان البو حمد فدخلوا الموصل و اشتد القتال نحو 21 يوما فكسر الباشا فتوجه بنفر قليل إلي بغداد. و في هذه الفتنة قتل الأستاذ صالح السعدي كاتب الديوان.

و تسلم البلد

قاسم باشا العمري …

حوادث سنة 1246 ه- 1830 م

واقعة صادق الدفتري:

غطت هذه الحادثة علي غيرها، فأعادت للأذهان قضية حالت أفندي. و ذلك أن الدولة طلبت من بغداد مبالغ للضرورة التي أصابتها إلا أن الوزير اعتذر علي خلاف المأمول فحمل اعتذاره علي التعند، فأرسل إليه صادق الدفتري فعذله و بين له أن تصلبه سوف يجر إلي نتائج وخيمة.

و الصحيح أنه جاء بعزله إلا أنه لم يستعمل الحكمة و لم يراع التؤدة و لا بالي بالمكاشفات و عواقبها. لذا صارح رجال الحكومة بما جاء من أجله، فاطلع الوزير علي جلية الأمر و بأمر منه قتله (محمد المصرف).

و هذا ما دعا إلي غضب الدولة عليه و أدي إلي وقوع (حادثة بغداد). فاضطربت الآراء في تفسيرها و الكل يستطلع طلعها لما أحدثت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 343

من غائلة و التواريخ بين التفصيل و الاجمال و تضارب في النصوص.

و نحن نذكر ما تيسر دون إخلال.

و كان الأستاذ محمد أمين الكهية مفتي بغداد الأسبق أبدي بيانات دونها لطفي في تاريخه و زاد عليها مصادر رسمية و بيانات أخري و أن الأستاذ سليمان فائق تصدي للموضوع و هو بمثابة رد عليه بالنظر لما علم عن المماليك و عن الوزير. استنطق بعض رجال الدولة و رجال المماليك فكتب تاريخ الكولات و مرآة الزوراء، فأوضح ما عنده. و من ثم رجعنا إلي هذه و غيرها. و لخصنا ما جري.

إن الدولة أرادت أن تطبق ما جري علي يد حالت أفندي فقامت بأمر خطير و ذلك أن داود باشا داخل ذهنه الاستقلال فاستخدم الشعراء لمدحه و إطرائه، و قام بتعمير المدارس و الجوامع و كلها مقدمات نوايا يحسب لها حسابها. و ما طلب الإعانة منه إلا وسيلة للوقيعة به. و

كان هذا الوزير أعرف بالأوضاع السياسية و الحربية. زاد نفوذه في بغداد.

فقضي علي المتنفذين من الأهلين و العشائر و رجال المماليك فصفا له الجو بحيث لم يبق له مزاحم. و تدخل في شؤون الموصل فعرفت الدولة آماله. و كانت تظن أن يكون عونا لها في الملمات فيقوم بخدمات جلي فتهاون بل صار يطلب الاستقلال فعزمت علي القضاء عليه.

استغل الحوادث السياسية و الحربية فكان من الصعب جدا أن تكاشفه الدولة بعزل. و إنما أعملت الفكرة، فاتخذت الكتمان و المذاكرات الخفية لا سيما أنها كانت في غوائل حاقت بها و لكنها عدت حادث الوزير أكبر.

أرادت أن تطرح إعانة علي بغداد و قررت إرسال صادق الدفتري لهذه المهمة و لحل بعض القضايا المعلقة بين الدولة و ايران، حاولت الحصول علي دراهم من بغداد تعادل ما يؤخذ من إيالة مصر، و أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 344

يتفاوض مع إيران بخصوص محمود باشا متصرف بابان الهارب إليها في تلك الأثناء. هذا ما أظهرته الدولة.

و لا ننس أن الوزير حاول إلحاق الموصل ببغداد، لتأمين آماله.

فشكا من واليها يحيي باشا و طلب عزله و لكن حاذرت الدولة أن تودع الولاية إلي أحد الوطنيين مع علمها بأن إرسال صادق لا يقترن بنتيجة صالحة بل ارسلته لهذه الغاية و إن كانت أظهرت غير ذلك.

قبل أن يذهب صادق الدفتري إلي بغداد أراد أن يحصل علي تعليمات تخص مهمته فلم يظفر ببغية سوي أنه أوعز إليه أنه إذا وصل المحل تحرك حسب المصلحة.!

فلما تحقق أن لا مجال لمعرفة الوضع جاء إلي (المابين الهمايوني) مع مصطفي (باشا) (كاتب السر) فأمر بالمواجهة فتلقي التعاليم الشفهية من السلطان و التنبيهات المقتضية. و هذا أغلب ما يرد إلي

الخاطر … !

قال المؤرخ لطفي: و للتحقق عن أصل القضية ذهبت بنفسي إلي مصطفي باشا كاتب السر من قدماء وكلاء السلطنة و كان مقيما في واني كوي (من قري استنبول) و لما سألت منه أفادني أنه لم يواجه صادق أفندي إلا أن الصراف جاءه يوما إلي (المابين الهمايوني) و حضر عنده فأبدي أنه يطلب إعفاء صادق من هذه المهمة و التمس أن يتوسط بذلك و أتي بليرات كثيرة، فأجابه أن الدولة عينته و أنه لا يتدخل و طرد الصراف. هذا ما بقي بخاطره.

و استمر لطفي في الرجوع إلي أصل بحثه و قال:

و علي هذا سار صادق إلي بغداد في ربيع الأول و صحبه معه جناب أفندي من مقدمي قلم الديوان و أخذ مصاريف سفرية خمسين ألف قرش، و أجور المنزل ثلاثين ألف قرش فقصد بغداد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 345

و يقال إن من جملة التعليمات التي تلقاها أن يحصل علي المعلومات من يحيي باشا الموصلي و كان آنئذ والي ديار بكر فإذا التقي به استفاد منه خبرة … و لكن الدولة إثر إرساله كانت تخشي أن يفتضح أمره فتحبط مساعيها فتعد قضيته شبيهة بقضية حالت.

نقل لطفي في تاريخه المسموعات عن هذه القضية و هي لا تختلف كثيرا عما في تاريخ الكولات و لا عما ورد في تقويم وقائع … و لا يهمنا أن تكرر الأقوال. و إنما نذكر الصفوة.

ورد صادق بغداد. و الدولة في ريب من أمره.

و كان الوزير علي علم بالخبر قبل أن يتحرك صادق فلما جاء إلي بغداد قابله (محمد المصرف) و أظهر له الوزير معاملات جافة لحد أنه لم يأمر له بالجلوس بحضرته و إنما أبقاه واقفا و حقره

بأمثال هذه … مع أن المعتاد أن من يأتي من جانب السلطنة صغيرا أو كبيرا يستريح في قصبة الأعظمية و يبيت فيها ليلته و في اليوم التالي يدخل بغداد باحتفال مهيب فيلاقي الوالي و ينزل ضيفا عنده. جري ذلك المعتاد من زمن حسن باشا فاتح همذان.

أما الموما إليه فقد وصل إلي الأعظمية يوم الجمعة و أمر أن يدخل بغداد في حينه فاحتفل بدخوله و توجه إلي السراي و أحضر للسلام مقدار من مشاة العساكر النظامية. و من هناك ذهب إلي داره.

و في اليوم التالي جاء لملاقاة الوزير فأحضر لاستقباله فوج من العسكر و لم يقصر في الاحتفال به رسميا إلا أن الوزير تثاقل في القيام له … و لكنه رأي مقابلة بمثلها تقريبا. و لم يفاتحه بما يتعلق بمهمته حتي أنه لم يسأله عن حاله و إنما أنهي المجلس ببعض الكلمات الرسمية و العادية … و لما خرج لم ينهض له إلا بتثاقل. و هذا صعب علي مثل صادق و لم يعد إليه الزيارة مع أنه انتظره في اليوم التالي. و في يوم الاثنين ذهب إلي الوزير و حينئذ و عند المواجهة اخبره بعزله فقال له إني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 346

قدمت معروضات إلي الدولة و أنا منتظر جوابها فينبغي أن تكتم ذلك.

فأبدي أنه لا يغتر بمواعيد أمثال هذه و أصر عليه بلزوم تسليم المملكة إليه. و جرت معارضات بينهما فانفعل الواحد من الآخر … ثم عاد صادق إلي محله.

و إثر عودته دعا سليمان آغا الميراخور (المناخور) من عتقاء الوزير ففاتحه صادق في القضية و قال له إذا قتلت الوزير وجهت إليك وزارة بغداد فلم يقبل و ذهب توا إلي الوزير فأخبره بما

جري.

و في الأثناء دخل محمد آغا كتخدا البوابين و قال للوزير إن قائممقام النقيب السيد عبد الرزاق جاء لأمر مهم يطلب المواجهة فأذن له. و حينئذ قدم إليه تذكرة مرسلة إليه من صادق الدفتري يبين له فيها عزل الوزير و صدور الفرمان بقتله و أنه يطلب معاونته … و لما قدمها إليه كانت يده ترتجف و آثار الرعب بادية عليه. قرأها و قال: أنا سوف أتصالح مع دولتي فلا تطلع أحدا.

مذكرات:

بعد الملاقاة الثانية للوزير و انفعال الواحد من الآخر عاد صادق إلي داره متألما و علي هذا وعد سليمان الميراخور بالوزارة و أخبر قائممقام النقيب …

و علي هذا غرق الوزير في بحر من الأفكار. و حينئذ استوحش الوزير من سليمان آغا، فدعاه و دعا محمدا المصرف و إسحاق الصراف و تذاكر معهم في دفع هذه الغائلة. فاتفقوا علي لزوم قتل صادق إلا أن الوزير أبدي أن عاقبة ذلك وخيمة فقال الجميع: إن حياتنا مهددة ببقائه، و إن الخطر محيق بنا ما دام هذا حيا، و تعهد الميراخور بقتله و عند هذا أنهي الوزير القول. و هذا غفلة منه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 347

ثم أرسل الوزير بعض رجاله فقتلوه و في اليوم التالي أعلن للناس أنه أضر بالأهلين بحركات غير لائقة فحبس و أخبرت الدولة بذلك. و بعد بضعة أيام ورد التاتار بإعدام صادق فأعدم.

قص خبر هذه الواقعة الأستاذ محمد أمين الزندي البغدادي أحد أعضاء شوري الدولة باستنبول و كان عالما معروفا. صار مفتيا ببغداد بعد أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الآلوسي ثم صار كهية و بعدها صار في مجلس الشوري.

قال الأستاذ الزندي:

«إن مسموعاتي عن قتل صادق هي أنه دبر نزاع بين

الضباط لقتله فلم ينجح.

و لما رأوا فشل التدبير أحاطت ثلة من العسكر النظامي بدار صادق و كان سليمان آغا الميراخور و محمد المصرف في غرفة منها و أدخل كل من رمضان آغا الجوخه دار مع خالد من قواسي سليمان آغا و معهم أتباع الوزير فهاجموا فجأة غرفة صادق فأعلموه بما جاؤوا لأجله فتكلم معهم كثيرا و طلب الأمان منهم و أن لا يقتلوه و أنه يعمل ما يريدون و طلب مواجهة الوزير مرة واحدة فلم يفد معهم حتي أنه رضي أن يعرض له الأمر فإذا أصر فليفعلوا ما شاؤوا … فلم يجد ذلك كله نفعا و قالوا له كان الواجب أن تطلب ذلك قبل الآن. و حينئذ سل خالد القواس سيفه فقتله في الحال …

و ذهبوا توّا لتبشير الوزير بما فعلوا و كان جالسا مع عدة أشخاص ينتظر ما يأتي من الاخبار. و حينئذ ذهب إلي دار المقتول فتبين له مماته فأظهر التأسف، و أمر أن تدفن جنازته في محل تحت رابية الصابونية (الصابونجية) تجاه الدار التي قتل فيها.

ثم أعلن أن صادق أفندي مريض خشية شيوع الخبر و لكن حقيقة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 348

الحال عرفت في تلك الليلة. و في الصباح علمها الكل و مع هذا أخبر أنه مريض، و أن الوزير في كل يوم يبعث بطبيب لمداواته … و كذا يرسل بعض الأشخاص للسؤال عن خاطره …

و علي كل أحدثت هذه الوقعة اضطرابا في النفوس و قلقا، أما الوزير فقد كتب إلي الباب العالي فلم يأخذ عن درجة أثرها. لذا قام بأمر المدافعة و اهتم بلوازم التأهب للطواري ء.

استدعي الوزير إليه عجيل السعدون شيخ المنتفق و كان من أعوانه.

جاءه بعشائره و عشائر

أخري غيرها و جعل قسما كبيرا من هذه بقيادة الميراخور و أن يكون في جهة ماردين و جعل العشائر الأخري بقيادة عجيل السعدون ليسوقهم إلي أنحاء أورفه من جهة الدير.

قرر ذلك و اختط هذه الخطة.

و في الأثناء و توسلا ببعض الوسائط ورد تحرير من كتخدا البوابين إلي نجيب بك أنه عفي عنه و عما قريب يأتيه خبر ابقائه في منصبه من استنبول و أنه ينبغي أن يقدم لركاب السلطان عدة رؤوس من الخيل العربية و أن يحترس من القيام بأي حركة عسكرية من شأنها أن تكدر عليه أمره. جاء خبر ذلك بواسطة بعض الأشخاص بتأكيد. و علي هذا أخر الأمر و صار ينتظر النتيجة.

ثم علم الوزير أن علي رضا باشا نصب واليا علي بغداد. و علي هذا اتخذ التدابير اللازمة لإعداد القوة إلا أنه في هذا الحين استولي الوباء علي بغداد جاءها من ايران. و في أمد قصير انتشر فحطم من الأهلين 95 من 100 من نفوسها و فتك فتكا ذريعا و أفني العساكر الموجودة» اه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 349

صدي قتلة صادق:

و بينما الدولة تترقب وصول خبر من صادق عما قام به إذ انبأها والي حلب علي رضا باشا أنه قتله الوزير و جاء كتاب من داود باشا يفيد أنه توفي بقضاء اللّه تعالي.

وصلت هذه الكتب متعاقبة إلي الباب العالي و حينما علم الوزير أن القضية عكس صداها إلي الباب العالي و وقف علي التدابير السريعة التي اتخذتها الدولة كتب إلي السلطان و وكلائه و رجال البلاط كتبا فحواها أن القضية وقعت حسب المقدر، و نظرا لخدماته السابقة في العراق، و صدقه و إخلاصه و ديانته … يستعفي عن جرمه و قصوره

… فأرسل هذه الكتب بواسطة المقيم البريطاني في بغداد إلي سفارة استنبول. قدمها الترجمان (شابر) مع أقوال السفير في حق الوزير تتضمن حسن حاله …

قال لطفي: طالعت كل هذه الوثائق … !

اهتمام الدولة بلزوم تأديب الوزير:

ثم إن الصراف لداود باشا في استنبول ورد إليه كتاب من ابنه في بغداد يصدق ما جاء من نبأ علي رضا باشا و العزم مصروف إلي لزوم التنكيل بداود. فقدمت الدولة مهمتها علي غيرها و جعلتها أم المسائل و قامت بتدابير عاجلة.

و علي هذا بينت الدولة الحالة سرا إلي علي رضا باشا والي حلب و هو من أقوي الوزراء في جوار بغداد و أقدرهم … فأجاب أن تأديبه أمر سهل إلا أنه إذا لم يكن للدولة معلومات عما أعلمه عنه فلا تتخذ أي تدبير علني و لا تشرع بشي ء من ذلك فطلبت منه المعلومات و أرسلت إليه ترجمة كتاب الصراف فورد الجواب منه ينطق بأن أكثر رؤساء العشائر في البصرة و بغداد و تجار البصرة كل هؤلاء ساخطون و أكثرهم ذو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 350

علاقة به. و من المتوقع أن تلتحق به رؤساء القبائل و عساكر عظيمة من أنحاء البصرة إلي بغداد، فيري أن توجه إليه بغداد إلحاقا بحلب و يعلن ذلك، و أن تودع الموصل إلي قاسم العمري برتبة باشا و أن تدفع إليه ستة آلاف كيس علي أن تسترد بعد ذلك، و أن تصل إليه المهمات و أن يلتحق المتميزون من الأهلين في الأطراف بمعيته …

أنهي ذلك كله فوافقت علي طريقة حله …

و من جهة أخري أشعر رسميا إلي دولة إيران عما وقع من داود و أنه اقتضي تأديبه، و الشروع بما يجب عمله فإذا حاول أن يفر

إلي جهتها فترجو أن لا تؤويه. و جعل بصحبة علي رضا باشا كل من يحيي باشا والي ديار بكر، و علي شفيق باشا والي أرضروم (أرزن الروم) سابقا و موظفين كثيرين و متسلمين و أكابر رجال الكرد و الأنحاء المجاورة.

و الملحوظ أن والي الموصل عبد الرحمن باشا توفي في هذه الأثناء، و أن قاسم أفندي التزم مخلفات أخت المتوفي و أخيه و أمه بألف و خمسمائة كيس بسعر الموصل، و بهذا نال إيالة الموصل.

كما أن علي شفيق باشا من أهل بلد علي رضا باشا فصوب استخدامه معه.

حركة علي رضا باشا إلي بغداد:

إن علي رضا باشا هيأ لوازم السفر و استعد. و في 8 شوال سنة 1246 ه توجه من حلب إلي بغداد. و في حركته هذه بعث أوامر (بيورلديات) تتضمن الرأي و الأمان لمماليك بغداد و العثمانيين (الجيش الوطني) و لصنوف (الينگچرية) و سائر الأهلين. و بذلك أراد جلبهم إلي جهته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 351

وصوله إلي الموصل:

و في ذي القعدة وصل إلي الموصل و أبقت الدولة وزارة حلب بعهدته و وجهت رئاسة البوابين إلي متسلم حلب إبراهيم آغا و وردت الوزارة إلي محمد باشا. فصار قائممقاما في حلب. و هذا هو (البيرقدار) و وجهت رتبة مكة إلي قاضي حلب وحيد أفندي العرياني و وجه قضاء بغداد إلي قائممقام النقيب (تقي الدين القدسي) و كان أخذه معه. ثم ألحقت ديار بكر بعلي رضا باشا فخولت إدارتها إلي شفيق باشا و رفع يحيي باشا إلي رتبة الوزارة و أقيم في أماسيه …

ثم إن علي رضا باشا نال كل التفات و وجه إليه عنوان سر عسكر (قائد الجيش) تقوية لنفوذه. فأصدر الخط الهمايوني و جاء في فقرة منه: «تذاكر المجلس بخصوص إعطاء عنوان سر عسكر إلي الوالي تقوية لنفوذه و إعظاما للمسألة، و بيانا لمكانته و أهمية القضية التي يعالجها» اه …

ثم صدرت الإرادة إلي الصدر السابق سليم محمد باشا أن يذهب إلي فيلق حلب ليكون قوة ظهر فصار قائدا للفيلق الثاني و سار بسرعة إلي أنحاء حلب.

داود باشا- اجراءات الدولة:

وقف الوزير علي الأعمال المتخذة و النوايا المزمع عملها فبدرت له فكرة نقل أمواله و نفائسه و نقوده الموجودة إلي الهند بمعرفة قنصل انكلترا فإذا تضايق فحينئذ يذهب هو أيضا إلي الهند. فلما علم الباب العالي دعا ترجمان الانجليز (شابر) و بسطت له الحالة و بين له أن كل مساعدة له تنافي الصفاء و الولاء بين الدولتين و أن يبين ذلك للسفير رسميا. و لما كان يعتقد بعدم التصحب أبدي أنه ينبغي محافظة حدود البصرة قبل كل شي ء و ختم الترجمان كلامه بذلك و ذهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 352

و من ثم كتب إلي

علي رضا باشا بلزوم محافظة أنحاء البصرة، و أن يسرع فأجري الإيجاب.

و بعد هذا قدم سفير الانجليز إلي الباب العالي مذكرة حاول بها أن يعفي عن داود باشا. و لكن الجواب المرسل من مقام الرئاسة كان يضمن أنه لزم القصاص الشرعي في حقه و لا يمكن العدول عنه فأجاب الترجمان أري الأولي من صرف مبالغ طائلة أن تؤخذ منه المقادير التي سيؤديها … ألم يكن ذلك خيرا؟

فقال له: إن الرجل خائن، و لا قيمة للمبالغ التي يؤديها و إن الخزائن الموجودة معدة لتصرف في مثل هذه السبيل. فلا يستثقل من مصاريف باهظة مثل هذه … !

فأعيد الترجمان.

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م

حادث بغداد:

يعين هذا الحادث وضعه التاريخي و ما كان من مراجعات رسمية، و ما قصه أكابر رجالنا في بغداد. و خير من عولوا علي بياناته الأستاذ محمد أمين الكهية مفتي بغداد الأسبق قال ما ملخصه: إن الدولة اختارت- بعد أن سمعت بحادث صادق- علي رضا باشا للمهمة فسار من حلب بقوة عسكرية كافية، و كان معه من المبعدين و الفارين من المماليك جماعة منهم رستم آغا، و أخو شوكت صالح آغا و صالح چلبي الزهير، و صفوق الفارس شيخ شمر، و سليمان الغنام من رؤساء عقيل …

و إن هؤلاء كاتبوا الأطراف وسعوا لجلب الأعيان و سائر من يؤمل منهم خدمة و صاروا يهتمون بمن يوافيهم فينال كل اعزاز و تكريم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 353

و بذلت الأموال الطائلة في هذه السبيل … و كلما جاؤوا إلي موطن أعزوا أهله، و بشوا في وجوههم و قضوا مطالبهم حتي جاؤوا إلي الموصل.

و في الأثناء فتك الطاعون فاستفاد القوم من هذه الغائلة. و مع هذا لم يضيعوا الحزم فبقي

علي رضا باشا في الموصل مدة و نصب قاسم باشا متصرف الموصل (قائممقاما) لبغداد و عين بمعيته خليل بك الكتخدا السابق، و الحاج أبو بكر، و شيخ شمر الجرباء صفوق، و سليمان الغنام و أتباعهم و لواحقهم … فأرسلهم إلي بغداد من طريق الصحراء من الجانب الغربي.

و لما وصلوا إلي ما يبعد نحو خمس ساعات أو ست ساعات عن بغداد أرسل قاسم باشا البيورلدي إلي قاضي بغداد طاهر السيروزي خفية، فأظهره لبعض معتبري الأهلين و أخذ منهم عهدا أن لا يخونوا دولتهم و أن يخلصوا لها.

و لما كان الوزير في دار الحكومة صار طاهر أفندي يحث الأهلين و يدعوهم أن لا يركنوا إليه. و أن يبادروا لاستقبال القائممقام و إلا نظر إليهم نظر عصاة. فلما سمعوا منه ذلك وافقوه، و أذعنوا بالطاعة.

أما الوزير فقد قتل الوباء أكثر عساكره و رجال دائرته و حواشيه و سائر أعوانه و مماليكه ما عدا الأربعين أو الخمسين نفرا منهم كانوا في الخارج و الداخل حتي إن سليمان آغا الميراخور توفي في خانقين مطعونا مما أدي إلي تفرق أتباعه. و في تلك الأثناء مرض الوزير بالطاعون و تعطل عن إدارة الأمور.

و لما زال الوباء عاد من فر و ممن رجع محمد المصرف. و هذا كان منتظرا مجي ء محمد باشا آل خالد باشا و معه نحو أربعمائة فارس أو خمسمائة من الأكراد فتوقف خارج المدينة معتمدا عليه. و من ثم عين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 354

الباشا محمدا المصرف مكان سليمان آغا الميراخور.

ذهبا إلي أنحاء مندلي و خانقين من طريق بهرز ليتداركا قوة إلا أن رئيس شمر طوقة الشيخ محمد البردي كانت بينه و بين الشيخ صفوق مخابرة فأوصاه صفوق

أن لا يفلت منهما أحدا إلي خارج بغداد.

و علي هذا أراد محمد البردي أن يبدي خدمة، و أن يستولي علي الغنائم. و بهذا الأمل خرج عليهما بقبيلته و سائر من معه من عشائر أما محمد باشا فإنه أبدي بسالة و شجاعة و لكن معداته الحربية نفدت و سقط بعيدا عن الماء و بهذا خارت قواه فانسحب بعد ذلك و لم يسلّم. و أن محمد المصرف عري و صار يقوم و يقعد حتي تمكن من الذهاب إلي ناحيته. و حينئذ استولي محمد البردي و من معه علي خزانة الوزير و ما جمعه محمد المصرف. فصارت لمحمد البردي و من معه من العربان …

و إن الوزير لم تكن له قدرة القيام و القعود. و مع هذا كان في كل يومين أو ثلاثة يأتي إلي دائرة العرض محتضنا بالأيدي فيجلس في محله ثم يرفع الستار فيدخل عليه البعض. نجا من مخالب الطاعون و صار يخرج متطلعا علي العثمانيين المجتمعين و يجلس كجلسة خطيب ثم ينفض الحضار من حوله فيعاد إلي دائرة الحرم.

و إن قاسم باشا جاء بفيلقه إلي محل قريب من الكاظمية فصارت تسمع أصوات المدافع من هناك. و في بعض الأيام وافت الساعة الحادية عشرة فجاء نحو المائتين من الأهلين المسلحين من محلة الشيخ فهاجموا دار الحكومة. و أشعلوا النيران في باب السراي الداخلي ثم انسحبوا.

و كان ذلك لإفهام الوزير أنهم من أعوان الدولة، و إعلام قاسم باشا أنهم منقادون مخلصون لها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 355

هرب الوزير:

و علي هذا علم الوزير أن الأمر خرج من يده و أنه لا يسعه أن يحتمي بالسراي فلم يدر أين يذهب؟ و في تلك الليلة ركب فرسه و

استصحب معه حبشيا يقال له فيروز و خرج من السراي و التجأ إلي بيت حبيبة خانم زوجة محمد آغا من ملتزمي الاحتساب المعروف ب (قره بيبر).

و في اليوم التالي عرف مقره فوافاه العلماء و الرؤساء و الأعيان و أخرجوه من ذلك البيت بتعظيم و احترام، و أبدوا أن علي رضا باشا إذا ورد فلا يستطيع أن يتعرض و لو بشعرة منه، و لا يقدر أن يصيبه بأذي ما، و إنما يسلم إليه دون أن يناله مكروه. و حينئذ نزل ضيفا عند صالح بك ابن سليمان باشا الكبير و تعهد له بسند مصدق من جانب الشرع يتضمن لزوم المحافظة عليه …

القائممقام في بغداد:

و حينئذ عرضت الكيفية علي القائممقام و طلب منه أن يعجل بالمجي ء فأجاب الدعوة في الحال. و سارع أركان المدينة و أعيانها لاستقباله فجاؤوا به إلي دار الإمارة …

و من حين دخل المدينة حصلت له فكرة ضبط بغداد و دفع علي رضا باشا استعانة بصفوق و سليمان الغنام. و لكنه تيقن بأن الأمر لا يتم له ما لم يقض علي الوزير و المماليك و كذا علي بقايا العثمانيين … قرر ذلك في نفسه و لما قري ء البيورلدي كان أول عمل قام به أن دعا الوزير إليه. و لما لم توافق الهيئة علي هذا ركب فلكة في اليوم الثالث من دخوله ليلا وقت العشاء و ذهب إلي دار الحاج صالح بك الكائنة علي ساحل دجلة (بيت دلة) و طلب الوزير و لكنه أقنع بالأدلة المسكتة فلم يذعن و أصر علي طلبه و جري بينه و بين صالح بك مناقشة انتهت في أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 356

تعهد أن يسلمه غدا بمحضر الهيئة و القاضي

و يستعيد السند الذي أخذ منه، فصار القائممقام ينتظر انبلاج الصباح.

أما المعارضون فقد شعروا بالخطر من القائممقام كما أن العوام رأوا ما يكرهون من الشيخ صفوق و من سليمان الغنام. و الظاهر أنهم لم يتمكنوا من ضبط أعوانهم فعاثوا و إلا فهؤلاء لا يعرف عنهم ما عزي إليهم. و بهذا يفسر قول صاحب مرآة الزوراء و تاريخ الكولات أو كان ذلك تشنيعا من أعدائهم …

مؤامرة و دعوة فمقارعات:

إن بعض الخواص علم بمجي ء قاسم باشا ليلا ثم أخبر بالأمر الحاج صالح بك و الوزير، و في تلك الليلة اجتمعوا في دار صالح بك و تذاكروا فقر رأيهم أن يفتكوا بقاسم باشا لسلامة العموم.

و عند الصباح دعا قاسم باشا للحضور من يجب حضوره لأخذ داود باشا بمحضر الهيئة و أن يعطي لصالح بك سنده فحضر من لم يكن يعلم بما بيت ليلا. و أن المطلوب حضورهم لم يأتوا فأوجس قاسم باشا خيفة من تأخرهم فعزم أن يقضي علي من يتيسر له القضاء عليه إلا أن الحاضرين صاروا يتسللون الواحد بعد الآخر. و توارد الأهلون مسلحين فقال قاسم باشا: ما هذه الجلبة؟!

قالوا له إن هؤلاء ممن لا يعرفون وزنا لأنفسهم من الخذلة، لنقم الآن و ندفعهم فنهض بهذه الوسيلة من بقي. و حينئذ كان مع قاسم باشا نحو ثلاثة آلاف أو أكثر من عساكر عقيل فدافعوا من وراء الحيطان و سدوا الأبواب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 357

بدأ القتال من وراء الحيطان و من المتاريس و التحق العقيليون من عسكر الوزير في الكرخ بالأهلين دون أن يدعوهم أحد. و ممن في الثكنة الداخلية الملا حسين رئيس الاحشامات دخل في زمرة الأهلين و أعطي مدافع و مهمات و معدات حربية.

و عدا ذلك وجه القنابل من داخل القلعة علي السراي فكانت تمطر علي جوانب السراي الأربعة و بهذه الصورة استولي علي المحصورين اليأس.

و كان درويش آغا القائممقام قد أعاقه قاسم باشا عنده ثم ساعد علي خروجه … فأفهم المحاصرين أن جناب أفندي الذي جاء مع صادق أفندي من الخواجگان و لا يزال في السراي، و قد استولي عليه الخوف و الهلع … فأقنعهم بلزوم إخراجه و إخراج صادق بك الذي جاء مع علي رضا باشا فوافقوا.

و بناء علي ذلك أرسل مصطفي بك الربيعي فأخرج جناب أفندي و صادق بك من أعيان عينتاب. و في وقت العصر سلم قاسم باشا و (ويودة) ماردين و لكن الحاج أبا بكر آغا كتخدا علي رضا باشا السابق مع سليمان الغنام امتنعوا من التسليم و بقوا إلي وقت الغروب، و قبل أن يستولي الظلام انتهبوا الخزانة الداخلية و ألقوا النار في غرفة العرض فاحترقت الأطراف ما عدا الحرم و خرجوا في وقت ذهاب الناس إلي أهليهم. ركضوا مسرعين و ذهبوا من باب الإمام الأعظم حتي أنهم لم يبالوا بما سقط من أكياس الذهب و الفضة. و لا بما تساقط من شقوق الأكياس …

حبس القائممقام و قتله:

حبس قاسم باشا مع و يودة ماردين شهرا و نصف شهر و بناء علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 358

إصرار الوزير قتلا و جاء في مجموعة الأستاذ أبي الثناء الآلوسي كان قتله في 3 المحرم سنة 1247 ه أيام الفتنة قبل أن يفتح بغداد علي رضا باشا اللاز …

و بقيت نقود كثيرة. و أواني فضية و ذهبية و سيوف مرصعة و طبانجات و خناجر و محامل مرختة و مرصعة مما يخص الوزراء و لؤلؤ و شمام

و عنبر و بنادق و أسلحة نارية و صناديق و شال لاهوري و أقمشة هندية فكان من التحف الكثيرة و التفاريق التي لم تشاهد قبل و من نوادر و نفائس فريدة و عديدة اغتالتها أيدي النهب و السلب.

اجتماع و اتفاق:

انتهت غائلة قاسم باشا ببؤسها إلا أن الاضطراب من جراء علي رضا باشا لا يزال كبيرا و يحسب للخطر ألف حساب. و لكن انتهاب السراي أسس الاتفاق و شد الأزر. و لذا اجتمع العثمانيون و الأهلون و الحيطة (هايته) و متقدمو العقيليين … في محل واحد و قالوا لا يجوز بعد هذه الوقعة أن نأمن علي رضا باشا و الأولي أن نبقي الوزير أو ننصب صالح بك، و أن علي باشا لو جاء فإننا ندافع بأجمعنا لمقاومته، و أن الدولة لا تهدم صرح مملكة عظيمة لأجل علي رضا باشا …

و جرت مذاكرات أخري عديدة فكانت النتيجة أن قرروا إرسال محضرين قدموهما بواسطة القنصل العام الانجليزي المستر تيلر أحدهما يرسل من طريق الشام، و الآخر من طريق إيران فأرسلا و أوضح فيهما حدوث هذه الوقعة، و أنهم سلب أمنهم. و قدموا ذلك إلي استنبول و صاروا يترقبون صدور الإرادة الملكية. و قرروا أن علي رضا باشا إذا جاءهم و اضطروا لمدافعته فإنهم يناضلون بكل ما استطاعوا من قوة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 359

و يكونون قد بدأوا بالمخالفة فيما إذا لم يسمع منهم قول. كما كتبوا محضرا قدموه إلي علي رضا باشا مع أحد متميزي المماليك سفيان أفندي (الخطاط المعروف).

ثم إن إقعاد الوزير في محل الحكومة يعد بمثابة عصيان علي الدولة و مكاشفة لها في العداء. و لذا أقيم في دار صالح بك الذي نصب (قائممقاما).

كان ظهور

هذه الحالة من قاسم باشا مما سبب أن تسلب الأمنية فكتب الأهلون المحضر إلي الباب العالي و طلبوا العفو و عوضوا بدل هذا العفو بعشرين ألف كيس خدمة للخزانة الجليلة، و إبلاغ سنوية بغداد إلي أربعة آلاف كيس في السنة الأولي بعد أن كانت ألفين، ثم يضاف في كل سنة ألف كيس حتي تبلغ عشرة آلاف كيس و تؤدي المبالغ المصروفة من قبل علي رضا باشا علي حدة، و أن الإيالة بأجمعها كفيلة بذلك و يلتمس ابقاء الوزير داود باشا و إذا لم يوافق رأي الباب العالي فالمأمول أن توجه الوزارة إلي صالح بك. و هذا إذا لم يمكن فلا نكلف بمبلغ و للدولة أن تختار من شاءت. و يتخلل هذا ألفاظ رقة و مرحمة و تعابير استرحام و تمنيات …

أوضاع علي رضا باشا:

أما علي رضا باشا فإنه حينما علم أن قاسم باشا دخل بغداد بسهولة سار من الموصل و حط رحاله علي نهر الزاب، و حينئذ وصل إليه سفيان أفندي فعرف دخائل الأمر و لئلا يحدث اضطراب في الجيش أمر بالرحيل. و تقدموا مرحلة إلي الامام. و في اليوم التالي وصلوا إلي إربل و لم يتوقفوا و استمروا في السير حتي ضرب الجيش خيامه أمام قصبة الأعظمية.

و جاء ذكر واقعة بغداد في حديقة الورود. و بين الأستاذ سليمان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 360

فائق أن كلّا من قاسم باشا و الحاج أبي بكر و سليمان الغنام و صفوق صار يميل إلي تولي الإدارة و أن يستقل بالأمر.

الطاعون و الغرق في بغداد:

إن هذا الداء كان من المصائب العظيمة علي بغداد. محا البيوتات الكثيرة و قضي علي الآثار بل هو البلاء علي المماليك. سبّب انقراض حكومتهم. و لولاه لما أمكن الاستيلاء علي بغداد.

و جاء وصفه في حديقة الورود حدث في سنة 1246 ه. ابتدأ في العشر الأواخر من شهر رمضان و أوضح عن المصاب و ما كان يهلك كل يوم حتي ضاع الحساب. زاد شدة في شوال فهرب الناس و مات الغالب و خف في ذي الحجة. و من ثم صار ينقل الموتي و يطرحون في دجلة و انقطع بعد أن أضر بما لا مزيد عليه. و جاء وصفه أيضا في غرائب الاغتراب و في مجموعة الآلوسي و مجموعة خليل ونة. و أن دجلة فاضت فدمرت غالب البيوت … مما يطول تفصيله.

محاصرة بغداد:

و حينئذ سدت مداخل المدينة فدافع الأهلون. و كان في كل ليلة تطلق تسع قنابل بقصد الإرهاب، فانقطع الذهاب و الإياب و كانت مدافع بغداد تجيبها. و ثابروا علي هذه الحالة.

و في مرآة الزوراء:

«إن الأهلين كانوا بانتظار الأمر العالي و لكن ورود الوزير بسرعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 361

مما ولد ارتباكا في القلوب. و لذا اجتمع العلماء و وجوه البلد و رؤساء العسكر جميعا و اتفقوا علي أن لا يفترق الواحد عن الآخر، و أن لا يخابروا علي باشا و لا ينفصل عن الاتفاق أحد. و تعاهدوا، و أعدوا المدافع و لوازم المحاربة فيما إذا أقدم علي باشا علي الحرب حتي أن داود باشا كان له مشاة من العساكر النظامية بقيت منهم نحو الخمسمائة مع ضباطهم فدعوا و سلموا إلي الحاج صالح بك.

و كذا كان له من العساكر الموظفة نحو الستمائة أو السبعمائة من الخيالة و نحو الخمسمائة من عقيل و هم مشاة. هذا ما كان له من جيش.

و أن سور الجانب الغربي تهدم بسبب طغيان دجلة فبقي مفتوحا. و حينئذ وظف عسكر عقيل مع سليمان آغا الخازن لمحافظة باب الكاظمية. و كذا محمد آغا المقدم النظامي عين لحراسة باب الكريمات بمن معه من العساكر النظامية.

و كانت العساكر الموظفة في القلعة فأبقيت بيد ملا حسين الحشامات و في الروابي وضع الوجوه من رجال المماليك لحراستها …

و الحاصل اتخذت التدابير لمحافظة البلد من جميع جهاته …

أما علي باشا فإنه كان معه من القوة عبارة عن ألايين (كتيبتين) من (التيمارلو) الخيالة و فوجين من المشاة و نحو اثني عشر ألفا من سائر الخيالة و المشاة ممن لم يكونوا منظمين فمجموع ما كان لديه من العسكر عبارة عن

خمسة عشر ألفا. و لم تكن معه مدافع و عتاد كافية، و إن قلة الذخائر أو فقدانها عرقل أكثر. و لذا كان الاستيلاء علي بغداد عنوة مما لا يؤمل.

عدل الوزير عن فكرة الاستيلاء علي بغداد و ركن إلي مراعاة السياسة و ذلك أن محمد آغا الكهية بعد عصيان الحلة أخذ يتجول بين العربان. فلما علم بالواقعة ذهب إلي حلب مستقبلا الوالي. و علي هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 362

نصبه كتخدا، و أن رستم آغا كان من موظفي الوزير ففر منه أيام الوباء و ذهب إلي أنحاء بدرة و جسان. و هناك اتصل بالكتخدا. و كذا الأبازة سعدون آغا (البلوك باشي) التحق بفيلق علي رضا باشا في نحو ألف من اللوند الخيالة.

و نظرا لما كان ينطق به الوزير منفردا لكل من يلاقيه فيؤمل به من أرباب المكانة و يقول إن إيالة حلب حسرة الوزراء و لكن تأييدا للخاطر الشريف و تأكيدا لعهدي الخالص له تركتها. و إلا فمثل بغداد ادارتها مشكلة، و منطقة حارة كيف يمكنني الإقامة فيها. و كيف يتيسر لي أن أتصرف بمنصب عارضي و أبدله بإيالة أتصرف بها علي وجه الملكية.

و لكن القصد الأصلي هو القبض علي الوزير داود باشا، و أن أجعل شأنا للدولة. و لما لم أر من يصلح لإدارة العراق سوي المماليك فإنني بعد موافقتي في حسن ادارتها و تسخيرها سوف أكتب منشور الوزارة حسب المأذونية باسمكم و أقرأه ثم أعود إلي محلي.

و بهذ الصورة كان يطرح الآمال في فم كل واحد، و ينبه كل واحد أن يلتزم الأمر مكتوما و يؤكد في التنبيه. و لذا تمكن أن يشغل كل واحد و يدعه يبذل جهودا عظيمة …

ثم إنه

فر أيام الوباء كثيرون من بغداد و لم يعودوا إليها بعد فكانوا يأتون بدخالة إلي الفيلق سواء من الأهلين أو المماليك. و كان يبدي لهؤلاء التفاتا زائدا و كان يوجه إليهم الأنهار و المقاطعات و الإنعامات الوفيرة … و لما كان الناس لا يتمكنون أن يطأوا بأقدامهم دار الوزارة في غير الأيام الرسمية و الأعياد و أيام الجمعة، و الكثير منهم لا يري وجه الوزير بعينه، فإن علي رضا باشا صار يصاحب كل واحد و يجالسه جنبا لجنب و يأتلف مع الكل، و يبذل إحسانا عظيما لكل وارد. رأي الناس منه ذلك فارتبط الكل به قلبا و قالبا و صاروا أسري إحسانه و عرفوا أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 363

القيام بخدمته فرض عين.

و من ثم صارت تجلب له الذخائر من كل صوب بعد أن كانت أعوزته الحاجة و الضرورة فتزايد الرفاه في فيلقه في مدة يسيرة» اه …

حركة خروج:

دامت الحالة علي هذا المنوال مدة. فكانت الأرزاق تأتي من الباب الشرقي و من باب الحلة. و لكن حطت مؤخرا عساكر اللاوند مع سعدون آغا من المماليك تجاه الباب الشرقي و نزلوا بجهتها فقطعوا المواصلة مع الخارج، و كذا سليمان الغنام مع عساكر عقيل ضربوا خيامهم تجاه باب الحلة فحالوا دون أخذ الارزاق، و ظهرت علائم القحط و الغلاء، و أن الأهلين اضطربوا من هذه الحالة.

جاء في مرآة الزوراء:

«بمناسبة ضيق هذه الحالة في المدينة تجمع الأهلون و العساكر و المتشخصون فجاؤوا إلي صالح بك القائممقام فباحثوه في أحوالهم الحاضرة. و طال الكلام، فاستقر الأمر علي أن يكتفي بضرب سليمان الغنام و جيشه لرفع الحصار عن بغداد. و عهدت قيادة ذلك إلي المسيو دووه ليقوم بالأمر.

و

حينئذ جعل الجيش النظامي تحت إمرته مع قطعتي مدافع و فوج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 364

مشاة يتألف من خمسمائة نفر مع ما هو موجود من عساكر عقيل، و نحو خمسمائة من الحيطة (هايته) و ضم إلي هؤلاء مقدار ألف و خمسمائة من المشاة من أهالي الكرخ فصاروا تحت قيادة ملا حسين (رئيس الحشامات) فهاجموا جبهة سليمان الغنام و لم يكن له علم بهذا. فلم يترك لهم مجال للمقابلة بسبب المفاجأة. و حينئذ قتلوا منهم ما يزيد علي مائتين و أسر مثلهم و انهزم الباقون و انتهبت خيامهم و أرزاقهم. و بذلك رفعوا الحصار عن بغداد.

حركة خروج أخري:

إن هزيمة سليمان الغنام مما بعث النشاط و الأمل في البغداديين.

و لذا تأهبوا للهجوم علي فيلق الكاظمية. و كان تحت قيادة الحاج أبي بكر، فحاولوا الهجوم عليه. و بسبب ما شوهد من مستنقعات اضطروا إلي العودة. و كانوا بقيادة الملا حسين، و لم يحصلوا علي نتيجة.

مناوشات قرب الأعظمية:

إن علي رضا باشا اتخذ تلّا صناعيا أمام الثكنة الداخلية قرب بستان سعيد باشا. و منه صار يرمي القنابل، فاشتبكت الحرب، و صارت تسمع من روابي الثكنة أصوات المدافع كما أن علي رضا باشا اتخذ في بستان صالح بك روابي و صار يضرب بالقنابل قلعة بغداد.

و من جهة بودر في المضاربة من جانب بغداد من تلول الصابونية و الچاووش و صار الواحد يقابل الآخر. و إن كثيرا من الأهلين تجمعوا في السور و بعضهم صار يحاول أن يهاجم التلول رأسا وسعوا أن يفتحوا باب الأعظمية.

إن محافظي الباب مثل عبد الرزاق آغا، و رضوان آغا و هم من متميزي المماليك عذلوا الناس و حاولوا اقناعهم فلم يفد. و لذا فتحوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 365

الباب و مشوا إلي حديقة سعيد رأسا، و أن القافلة الأولي من هؤلاء كانت نحو مائتين من المشاة و كان في رأسهم حسن آغا آل عليش آغا … ثم تابعتهم جماعات كثيرة تقدر بألف و خمسمائة ركضوا وراءهم و تحاربوا مع عسكر الحيطة بين الأنهار و المتاريس المتخذة هناك، و بين النخيل و كل من صادفوه كسروه و هاجموا التلال في ساحل دجلة أيضا فاقتحموها و فر من كان فيها و ضبطوها مع المدافع …

و إن إبراهيم آغا ابن رئيس القوشجية جمع من الأهلين نحو السبعين أو الثمانين فارسا و حاول أن يهاجم الروابي

الكائنة في جادة الأعظمية فلم يتمكنوا من عذله بل عاند و لكنه حين خرج أحس بالخطر و لم يتمكن من الرجوع و لا استطاع أن يخرج من دائرة الرمي الموجه إلي العدو فأخذ الخندق يمينا و ذهب. فخرج عليهم الفرسان، و تكاثروا فاضطروا أن يميلوا إلي باب الأعظمية، قدموا بأنفسهم إلي المدينة فأغلقت في وجوههم الأبواب و هكذا شأن من كان علي السور نزل عنه و انسحب إلي جانب.

و إن العساكر التي هاجمت المشاة وقعت تحت نيران المدافع، فلم يروا ملجأ و لذا سلوا سيوفهم و صاروا يطعنون كل من صادفهم. و كان محل خان نجيب باشا إلي داخل المدينة حتي القهاوي و الدكاكين مملوءا بالناس لا يكاد المرء يجد محل وضع قدم. فصار هؤلاء مانعين من دخول الجيش و العساكر الواردة، و إلا فليس هناك حائل أو مانع …

إن وقوع هذه الحالة ممن ضبطوا التلول علي ساحل دجلة تزلزلت منهم الأقدام فلم يستطيعوا التقدم فوجب أن يعودوا حتي أنهم لم يجدوا وقتا ليأخذوا المدافع التي استولوا عليها.. و لذا ألقوا أحد المدافع في باب البستان و عادوا بمجموعهم إلا أن الحيطة لم يمكنوهم من الذهاب.

و لذا استعانوا بالمقابر فاتخذوها متاريس لهم فأصلوا بنيران العدو من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 366

جهة، و بنيران البغداديين من أخري … و في هذه الأثناء كان جمع من المماليك في رابية سلطان سليم الناظرة علي باب الإمام الأعظم و هؤلاء لم ينظروا إلي عدو أو صديق فضربوا بنيران بنادقهم علي خيالة علي رضا باشا و لواحقهم … و بهذه الصورة كان الخيالة بين نيران الذين التجأوا إلي المقابر كما سبق و بين نيران هؤلاء … فاضطروا للعودة.

و

استولي علي الجبهة سكون و حينئذ دخل المدينة من كان خارجها ثم سدت الأبواب و جرت مناوشات في المدفعية. و في هذه لم يعرف عدد القتلي من الجانبين. و علي كل إن وفيات البغداديين كانت كثيرة بسبب الزحام الحاصل.

أوضاع علي رضا باشا:

إن علي رضا باشا لم يفتر عزمه بل ثابر و لم يتأخر عن العمل لحظة حتي أنه قبل أن يصل إلي تجاه بغداد استصحب صالح چلبي آل زهير، و بواسطته و بواسطة بعض البصريين هزم عزيز آغا متسلم البصرة و ضبطها صالح چلبي و كان معه نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف جندي.

ثم حصر علي رضا باشا جهوده في جلب الأعيان و المعتبرين من مقدمي المماليك في بغداد، و المكاتبة معهم، فتمكن نفوذه في أنحاء العراق …

الحالة في بغداد:

و بغداد في هذا الأوان تجاوزت الحد في الغلاء. و أصاب الناس قنوط لا مزيد عليه.

و علي هذا جرت مذكرات بين الأعيان و رجال الحكومة فكانت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 367

النتيجة مصروفة إلي لزوم مهاجمة جيش علي رضا باشا ليلا و كان الاختلاف في الرأي بلغ حده بين درويش القائممقام، و بين الحاج صالح بك و الحاج عمر الراوي، فانفض المجلس و لم يستقر أمر. و إن درويش آغا دعا إلي لزوم انتظار المحضر المرسل إلي الدولة. و أكثر التوجيه يهدف إلي أن لا يزاد في الطين بلة حذر أن تتوتر الحالة.

تدابير علي رضا باشا:

أجري علي رضا باشا نفوذه نوعا إلا أنه من حين خروجه من حلب لم يدخل خزانته فلس واحد، و أن إنعاماته كادت تجعل هذه الخزانة فارغة و الجيوش الذين في صحبته كانوا بأمل نهب بغداد، و لكن زالت منهم فكرة الانتصار و توالت عليهم المصاعب و المشاق …

فاستولت عليهم الهواجس فهم بين أن يهاجموا وزيرهم، و يرجعوا إلي الأناضول، و بين أن لا يحصلوا علي شي ء …

قوي فيهم الميل في أن جميع ما يملكه الباشا لا يفي بعشر مطلوبهم. و هذا من وسائل احجامهم، خصوصا أن موسم الصيف انقضي و ورد الشتاء و امتدت أيام المحاصرة … فتجددت فيهم تلك الهواجس.

عرف الباشا ذلك كله و استولي عليه الضيق لكنه لم يفتر عزمه، فلم يترك تحري الوسائل لدخول بغداد … و بينا هو في هذه الحالة إذ ورد إليه محضر من الباب العالي و هو الذي كتبه أهل بغداد و أعيانها. ورد إليه الأمر مع المحضر و فيه أنه إذا لم يتيسر عمل شي ء فالأولي ادارة الأمور بحكمة.

و علي هذا دعا علي

رضا باشا بعض الذوات الموثوق بهم و طير الخبر إلي داخل المدينة للمفاوضة. و حينئذ أرسل إليه ملا حسين رئيس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 368

الحشامات فتفاوض مع حمدي بك خازن علي رضا باشا و قال حمدي بك:

إن الباشا يسلم علي الحاج صالح بك و عليكم و علي جميع أهل بغداد، و في هذه المدة لم يأمر بدخول بغداد انتظارا لورود الجواب من الباب العالي. فالآن ورد المحضر و إن الدولة لم توافق علي ما ذكر فيه، أرسل إلي عينا و صدرت الإرادة بلزوم دخول بغداد. و أعددت اللوازم الحربية فيما إذا حصل تعند و سندخل قسرا بما لدينا من مدافع و قوي أخري … و أنتم المسؤولون عما يلحقكم و يلحق الأهلين. و ليس وراء ذلك سوي المضرة. فندعوكم أن تسلموا ساعة أقدم و لا تدخلوا في خطايا العباد … و مع هذا فالخيار لكم في الإصرار إذا كنتم في ريب.

و اعلموا يقينا أننا لم نضمر شرا لأحد و لا نريد سوي الخير …

هذا ما تفضل به الباشا و أمرني بتبليغه و أراه المحضر المرسل من جانب الدولة و قال له:

ألم يكن هذا محضركم و فيها إمضاءات المعلومين منكم، و إن شئتم أخذتموه معكم!. و سلمه إليهم. و هؤلاء أخذوا المحضر و سلموه إلي صالح بك خفية و نقلوا له كلماته فأصابته بهتة و استولي عليه الاضطراب لمدة. ثم أوصي أن لا يفشي هذا الأمر لأحد، و أن يحترس في الكتمان …

فشا سره إلا أنه لم يباشر بعمل و لم يبق ذلك مكتوما.

فتح أبواب بغداد و طاعة العموم:

اشارة

اتفق علي باشا بواسطة رجاله و هم كتخداه رستم و صالح أخو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 369

شوكة، و

سعدون آغا (بلوك باشي اللوند) مع جماعة من المماليك في بغداد بصورة خفية و وعد كل واحد منهم بوظيفة و كتب بيورلدي (الرأي و الأمان) و أرسله، و أن السيد أحمد أفندي أيضا تمكن من جلب الكثيرين من الأهلين من محلة الشيخ فانحازوا لجهته. و لما أرسل المحضر إلي علي رضا باشا و لم يساعد فيه علي مطلوب الأهلين و شاع خبره و تبين ذلك، أكثر المماليك تبدلت أفكارهم و استفاد السيد أحمد أفندي و أعوانه، و علي هذا و نظرا لوقوع المخابرة بينه و بين علي رضا باشا ضبط (الباب الشرقي) و طرد محافظيه في الساعة الثانية غروبية في ليلة ربيع الآخر سنة 1247 ه و سمع هؤلاء في إدخال عساكر (التيمار) إلي المدينة من ذلك الباب.

أما داود باشا فإنه بعد صلاة الفجر ركب فرسه و أراد أن يرمي بنفسه إلي القلعة الداخلية إلا أن ملا حسين رئيس الحشامات و كاتبه اعتذرا، فذهب إلي دار نوح بك أحد أتباعه بجوار القلعة ينتظر ما ستؤدي إليه حالته …

و بعد مرور بضع ساعات جاء من علي رضا باشا جماعة من الأمراء إلي داود باشا فأخرجوه بكمال الاحترام. فلما تقرب من خيمة علي رضا باشا استقبله ماشيا و سارع لذلك و بعد المعانقة دخل خيمته و سأله حاله و خاطره و تكلم معه بعض الكلمات الاعتيادية و الرسمية و من ثم قدمت إليه القهوة و الجبوق فسقي من الفنجان الذي سقي به علي رضا باشا لإزالة الخوف عنه فإن علي رضا باشا أخذ فنجانه و قدم له فنجان نفسه فسكن روعه.

فلما رأي داود باشا هذا الالتفات من علي رضا باشا تخطر ابنه الصغير حسن البالغ خمس سنوات

أو ستّا و قال: لا أدري أين صار حسن!؟ و علي سؤاله أمر علي رضا باشا أن يتحري عنه فوجدوه و جاؤوا به إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 370

تحادث الوزيران ساعة أو ساعتين ثم أعدت لداود باشا خيمة فأوصله علي رضا باشا إليها بنفسه و كلمه بأمور تسلي خاطره ثم عاد إلي خيمته و عين حراسا و محافظين و رخص أن يأتي كل احد إلي داود باشا من خواص و عوام.

و أيضا أرسل أمرا إلي الحاج صالح بك يتضمن الرأي و الأمان له كما أنه نصب درويش آغا القائممقام قائممقاما أيضا و أعلن بواسطة منادين العفو العام.

إن علي رضا باشا لم يدع داود باشا يدخل بغداد إلي أن يذهب إلي استنبول و إنما أقامه في محله و عرض الأمر علي الباب العالي.

و التمس العفو عنه.

قال صاحب مرآة الزوراء:

«و علي ما سمعت مرارا من عثمان سيفي بك و من حمدي بك أن داود باشا بعد أن أخرج من بغداد و جي ء به إلي الفيلق اجتمع كل من رستم آغا و سعدون آغا و الكتخدا السابق الحاج أبو بكر آغا الذين هم من المماليك مع سائر المتميزين لدي علي رضا باشا فكان البحث يدور حول قتل داود باشا، أو إرساله حيا فكان رأي الكل مصروفا إلي قتله.

اتفقوا علي ذلك إلا أنه في أوائل سلطنة محمود خان كان عصي علي باشا المشهور والي يانيه فقتله خلفه الصدر الأسبق خورشيد باشا لكنه لم يتمكن أن يبري ء نفسه حتي الممات من التهمة الموجهة إليه من قبل الدولة و كذلك سوف لا يبري ء علي رضا باشا ساحته من الاتهام فيما إذا قتل داود باشا و لا ينجو من الشبهة حينئذ. هذا

ما أورده علي رضا باشا فلم يوافق علي رأيهم فنجا داود باشا.

و أري أن نجاة داود باشا من غضب السلطان محمود و عدم قتله ثم نيله بعض المناصب في الدولة إنما كان لتأمين محمد علي باشا والي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 371

مصر المشهور و أخذه تحت القيادة. فروعيت السياسة لهذا العرض. و إلا فإن قتله لصادق الدفتري المعدود من وكلاء الدولة، و مجاهرته بالعصيان، و الاستيلاء عليه بقوة الجيش ثم إلقاء القبض … كل هذا مما يدعو أن يسل السلطان سيفه عليه و يورده رمسه … و لكن السياسة هي التي دعت لبقائه» اه …

و جاء في مجموعة المرحوم الأستاذ السيد نعمان خير الدين الآلوسي رقم 2591: «إن بغداد فتحت ليلة الخميس 8 ربيع الآخر سنة 1247 ه و دخل الوزير علي رضا باشا في 17 منه- 1831 م» اه.

قتلة المماليك و انقراضهم:

أكمل داود باشا لوازم سفره و أرسل برفقته ثلة من الخيالة التيمارية و علي ياور بك من متميزي دائرة علي رضا باشا و آخرون، فبعث بإعزاز و أمر علي رضا باشا أن يقتل إذا حاول الفرار؛ أو جاء أحد لإنقاذه.

ثم علم بصورة سرية أن رئيس العبيد الشيخ سعدون و أهالي كركوك عازمون علي انقاذه، و أنهم سوف يحتركون إذا مر من جهتهم. و حينئذ بين أن هذه الحركة مضرة به و وخيمة عليه فسعي جهده لمنعها …

ذهب الوزير داود باشا إلي استنبول و سر أكثر المماليك بوظائف داخلية و خارجية و طيب علي رضا باشا خواطرهم. ثم إنه مراعاة للأصول القديمة عين الوقت المرغوب فيه فدخل بغداد بكمال العظمة و الحشمة. و لما كانت دار الحكومة احترقت نزل في محل اتخذ دارا للحكومة.

و في اليوم الثالث من دخوله دعا من يلزم دعوته لقراءة الفرمان بوزارته و ملأ الدار المتخذة منزلا للحكومة من خيار الجيش و حشدهم في كافة نواحيها. و كان من الطبيعي حضور المماليك لسماع الفرمان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 372

و لما اجتمعوا ذهب إلي دائرة الحرم بوسيلة أنه يريد أن يتوضأ و أمر بإعدام المماليك طبق المنهج الذي أعده. و علي هذا صار كل واحد بيد عدة جلادين و لم تمض إلا مدة يسيرة حتي قضي علي كل الموجودين كما أن الحاج صالح بك وصل إلي الدار التي أقام فيها حكومته أيام تغلبه فأنزل من فرسه و قتل إذ لم يصل في الوقت المقرر للحضور كما قتل إخوته.

ثم قري ء الفرمان بإعدام المماليك و سجل في سجل المحكمة الشرعية و أرسل من عهد إليهم أمر القبض علي الباقين و قتلهم داخلا و خارجا فأعدم جماعة منهم … و لم يبق إلا نحو عشرة أو اثني عشر فأرسلوا إلي استنبول.

و الحاصل أن جميع من كان عند علي رضا باشا و الذين كاتبوه أيضا قد اعدم أكثرهم. و من بقي منهم اختفوا فسلموا من القتل و بعد مدة عفي عنهم فعادوا إلي بغداد و خصص لكل منهم علي قدر حاله راتب.

و بهذه الصورة كانت مقدرات العراق مدة قرن بيد المماليك فانقرضت أسرتهم سنة 1247 ه و صارت إدارة بغداد بيد الدولة رأسا كما كانت.

قال لطفي في تاريخه: هذا ما حصلت عليه من المعلومات المحلية و ما نقل عن الأستاذ محمد أمين الزندي و في مجموعة الأستاذ الآلوسي «إن قتلة المماليك كانت في 22 ربيع الآخر سنة 1247 ه».

حياة الوزير داود باشا:

اشارة

من أكابر وزراء بغداد أبقي ذكرا لا ينسي

ولد نحو عام 1188 ه-

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 373

1774 م و أنه ورد بغداد بتاريخ 1195 ه- 1780 م فدخل تحت تملك سليمان باشا الكبير. و كان من الگرج ممن يقال لهم (أچيق باش) أي (مكشوفو الرأس).

و نظرا لما فيه من المواهب قرأ و كتب و أتقن فن الاسلحة وفاق به أقرانه، و نال اختصاصا لدي سيده … ثم حصل علي المفاتيح، و بعدها استخدم في المهردارية و لا يزال في تقدم و سعد و اعتبار حتي نال وظيفة (خازن) و تعد من أكبر وظائف الحكومة في ضبط الحكومة و ربطها …

ثم صاهر الوزير فأحرز أعلي فخر امتاز به علي أقرانه …

و إن أكثر مواهبه و قدرته ظهرت في وزارته و مرت بنا حوادثها.

و أهم ما فيها أنه قضي علي نفوذ الأهلين، و علي المماليك البارزين فصفا له الجو و تطلع إلي الاستقلال و اتخذ له أسبابه. و نهض لمقارعة دولته فبدا ما لم يكن في الحسبان. حدث الطاعون فغير الوضع بل قلبه فكان ما كان، فأخذ إلي استنبول، فنال عفو السلطان و تقلب في مناصب الدولة منها ولاية بوسنة وليها سنة 1249 فبقي فيها ثلاث سنوات.

و في سنة 1254 ه عهد إليه برئاسة مجلس الشوري، و في سنة 1255 ه وجهت إليه ولاية انقرة، و في 1256 ه عزل. و في سنة 1262 وجهت إليه مشيخة الحرم النبوي و في سنة 1267 ه توفي و دفن بالبقيع.

و كان يعد من أكابر الرجال و رأس العلماء فامتاز علي معاصريه بمزايا فاضلة. و له اطلاع واسع علي اللغات الثلاث، و نظم و نثر، و إن جودة قريحته لا تنكر بل هي مسلمة عند

البلغاء كما أنه في الحرب يعد من شجعانها. و ليس له قرين في العفة و الحياء. و علي كل لو قيس بغيره فهو وزير كامل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 374

و قال صاحب مرآة الزوراء:

«و مما يؤسف له كثيرا أنه في زمن حكومته حصل منه حيف و ظلم في أمور كثيرة فلم يخل من أن ينعت به، و لم يكن كريما، سخيا.

و تجاوز الحد في جلب المال و ادخاره فأفرط و لا تزال الرسوم التي طرحها علي بغداد يئن من ثقلها الأهلون. فاستمر أخلافه علي استيفائها مع أنها لم تكن معروفة قبله، و لا مسموعا بها …

و كل هذا لم يمنع أن له مآثر لا تنكر. بني ثلاثة جوامع كبيرة و أخري صغيرة تقام فيها الجمع و ثلاث مدارس، و قام بعمارة مساجد و جوامع أخري و عين لها خداما و موظفين فأحيا ذكره.

و صار له من الأولاد نحو الأربعين من الذكور فلم يعمر منهم أحد و تجرع مرارة وفاتهم في حياته و الظاهر أن الباري تعالي عاقيه بذلك من جراء عمله في قتل ابن سيده و هو سلفه سعيد باشا» اه.

و في تاريخ مجهول المؤلف جاء ما نصه:

«و أما هذا الوزير داود فقد انقضت أيامه عند خلاص الطاعون من بغداد. و أما وقائعه فما تذكر لقبحها و لمزيد ظلمه … و ليس له مادة حسنة كي يعتني المؤرخون بذكرها حتي لو أننا نذكر من تعديه علي عباد اللّه لأفضي إلي كفره و إنكاره. أسس أشياء من الظلم ما تخطر في قلب فرعون و كان بخيلا جدا مع زيادة أمواله، يغصب الناس أموالهم ظلما و عدوانا و الحال سير إلي اسلامبول في ربيع الثاني من هذه السنة سنة 1247 ه بأمر السلطان محمود، سيره علي باشا مهانا كما ذهب الحمار بأم عمرو … كان يغصب أموال الناس بواسطة حاج أفندي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 375

الكردي … » انتهي. فجاء ذلك مؤيدا لما في

مرآة الزوراء. و هناك نصوص أخري للأستاذ أبي الثناء لا تخرج عن ذلك.

و علي كل حال أضر بالأهلين لإقامة دعائم حكومته فلم يفلح و صارت الدولة تتدخل في الإدارة مباشرة و من أسباب خذلانه الطاعون.

و للّه تعالي إرادة لا مرد لها.

أوضاع العراق العامة (في هذا العهد)

1- الإمارات و العشائر:

من أهم ما أشغل بال الحكومة وقائع (بابان)، و (اليزيدية)، و (المنتفق) و (الخزاعل)، و (زبيد)، و (الدليم)، و (ربيعة)، و (بني لام)، و (شمر)، و (عنزة)، و (العبيد)، و (الظفير) … و هذه كشفت وقائعها عن مكانتها. و كانت المعرفة بها مكينة. و مر عنها الشي ء الكثير. و في كتاب عشائر العراق ما يوضح أكثر و يبصر بحالاتها الأخري.

2- الدولة العثمانية:

نري العلاقة بها مشهودة بالرغم من أن السلطة كانت بيد المماليك. و هذه قائمة سلاطينها:

1- محمود الأول ابن مصطفي الثاني إلي 27 صفر سنة 1168 ه- 1754 م.

2- عثمان الثالث أخو سابقه إلي 16 صفر سنة 1171 ه- 1757 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 376

3- مصطفي الثالث بن أحمد الثالث إلي 8 ذي القعدة سنة 1187 ه- 1774 م.

4- عبد الحميد الأول أخو سابقه إلي 12 رجب سنة 1203 ه- 1789 م.

5- سليم الثالث بن مصطفي الثالث إلي 21 ربيع الآخر سنة 1222 ه- 1807 م.

6- مصطفي الرابع ابن عبد الحميد الأول إلي 4 جمادي الأولي سنة 1223 ه- 1808 م.

7- محمود الثاني أخو سابقه إلي 14 ربيع الأول سنة 1255 ه- 1839 م.

3- إدارة العراق: (التشكيلات الإدارية)

هذه لا تختلف عما مر في المجلدات السابقة إلا أنها اكثرت من المماليك الجنود و في الإدارة و راعت الانتظام و حاسبت علي التقصير في العمل و في الواجب و راقبت مراقبة شديدة و بعناية. و هذا الذي سهل لها السيطرة.

و القضاء في هذه الحكومة لم يختلف إلا أن الوزير سليمان المقتول (الصغير) قام بإصلاح كبير فيه. راقب القضاة، و خصص لهم رواتب. و أراد أن تكون الضرائب شرعية فألغي الرسوم الجائرة. و بذا أسخط دولته، فقضت عليه، فعادت الحالة كما كانت.

و الجيش جري فيه إصلاح كبير بعد إلغاء الينگچرية و جلب أساتذة من الخارج. و كان الموسيو دوده (دووه) من قواده العسكريين. و في أيام داود باشا زادت الضرائب بقسوة بأمل تمكين القوة و لكن هذه كانت أكثر مما تتحمله البلاد فكانت قوته و زيادة بطشه مما حالا دون تزعزع موقعه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 377

و

اختلال إدارته لا سيما و أنه عمل للدعاية كثيرا في الثقافة و المؤسسات الدينية …

و نهج المماليك مصروف أولا إلي تثبيت الملك، ثم مالوا إلي جعل الإدارة خالصة لهم ثم دخلت آمال استقلال و لكن حدث ما لم يخطر ببال و هو ظهور الطاعون، فأدي الأمر إلي انقراضهم.

4- الثقافة:

تولي المماليك الإدارة. و لم يتدخلوا في الثقافة إلا أنهم وجهوها، و بعضهم اتخذها وسيلة لترويج السياسة إلا أن الطمأنينة ساعدت أكثر.

و المدارس القديمة كافية إلا أن المماليك أسسوا مدارس جديدة. و كذا الأهلون، ففاضت الثقافة العلمية و الأدبية. و ساعد علي النمو ثقافة الدولة، و الاتصال بالمجاورين كما يفهم من الإجازات و الرحلات و الحوادث التاريخية.

و من علمائنا في هذا العهد:

1- آل السويدي.

و أولهم الشيخ عبد اللّه السويدي و أولاده و أحفاده.

2- آل الحيدري.

صبغة اللّه و أولاده و أحفاده.

3- آل الراوي.

السيد عبد اللّه و أخوه عبد الرحمن، و عبد الفتاح و ابنه إسماعيل، و السيد عمر.

4- آل الآلوسي.

و منهم السيد عبد اللّه والد السيد الأستاذ أبي الثناء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 378

5- آل الواعظ.

و منهم السيد عبد الفتاح.

6- آل الشواف.

و منهم عبد العزيز الشواف أستاذ أبي الثناء الآلوسي.

7- آل المدرس.
8- أحمد الزندي.
9- علي علاء الدين الموصلي.

و علماء آخرون في الموصل و البصرة و النجف و كربلاء و الحلة و السليمانية و كركوك و إربل …

و في بغداد من الأدباء:

حسين العشاري، و جواد عواد، و آل الازري و منهم الشيخ كاظم، و السياهپوش، و آل الفخري، و محمود الدفتري. و في الأنحاء العراقية الأخري أدباء كثيرون. و الخطاطون كثيرون منهم إسماعيل النوري، و المكي، و صالح السعدي من الموصل. و القراء في مقدمتهم (آل السعدي).

و لا محل للإحاطة. و نذكرهم في التاريخ العلمي و الأدبي. و الثقافة كان يدير شؤونها رئيس العلماء و من معه من العلماء. و المدارس المشهورة في هذا العهد العادلية الصغيرة و الكبيرة و العلية، و السليمانية، و مدرسة الصاغة للباچه چية، و مدرسة العمار سبع ابكار و رأس القرية للباچه چية و مدرسة عاتكة خاتون.

و الحروب للزندية و للقجارية، و الطواعين تعد من أكبر النكبات علي الثقافة إلا أن العراق يستعيد ثقافته بعد ركود الحالة مما يدل علي عظيم حبه للعلوم و الآداب، و أن داود باشا كان يضمر آمال استقلال.

و لذا ركن إلي تأسيس مدارس كثيرة. أراد أن يجعل الإدارة خالصة له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 379

فأرضي العلماء فلهجوا بذكره. و كان كأسلافه يخشي أن يغضب العلماء فيصدر منهم ما يضر بالسياسة و قيل (رب قول أنفذ من صول).

تمكنت المعرفة و فاضت. و المجاميع الأدبية كانت خلاصة ما يجري في المجالس العلمية و الأدبية. و كان العراقيون يفضلون المماليك لحمايتهم للمعرفة علي العهد التالي و لكن الأهلين لم ينتفعوا من ثقافتهم للإدارة. و لو لا حب المعرفة و الميل إلي العلوم الدينية لما وجدوا فائدة في العلوم و الآداب.

العلاقات بالمجاورين

اشارة

الحوادث المذكورة تبصر بالعلاقات. و من أشهر هذه ما يأتي بيانه:

1- الدولة الزندية:

ظهرت بعد انحلال الدولة الافشارية و إن كانت لم تنقرض بعد.

و جاءت الزندية و مؤسسها (كريم خان الزندي) و قيل إنه من فرقة الغرابية كما ذكر ذلك جودت باشا في تاريخه، و هذه أزعجت العراق، و استولت علي البصرة، و شوشت أمر بابان. و أصلها من عشيرة كردية. تغلبت في سنة 1163 ه- 1750 م فاستولت علي أكثر أنحاء إيران و استعصت عليه خراسان. و توفي كريم خان سنة 1193 ه- 1779 م. و قد مر بنا من الامراء بعده زكي خان، و أبو الفتح خان، و علي مراد خان، و صادق خان الذي استولي علي البصرة فحكم من سنة 1193 ه إلي سنة 1196 ه 1781 م فحل محله علي مراد خان ثانية. و هذا خلفه جعفر خان بن صادق خان سنة 1199 ه. و استمر حكمه إلي سنة 1203 ه- 1789 م، فاستقر مكانه لطف علي خان بن جعفر خان. و هذا قتله القجارية سنة 1209 ه- 1794 م بعد نضال طويل فانقرضت هذه الدولة. و مرت بنا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 380

حوادثها. و ذكرتنا بأعمال نادر شاه. و لم تستقر الأوضاع السياسية بينها و بين العراق. و ذهب إليها محمد بك الشاوي.

2- الدولة القجارية:

و هي من عشائر التركمان. خلصت لها إيران بقتلة لطف علي خان سنة 1209 ه- 1794 م. و يعد مؤسسها آغا محمد خان فقد أعلن سلطنته سنة 1210 ه في طهران. و قتل في 21 ذي القعدة سنة 1211 ه- 1797 م، فخلفه (فتح علي خان) ابن أخيه حسين قلي خان. و كان يدعي (بابا خان). و إن ابنه الشهزاده محمد علي ميرزا ولي كرمانشاه سنة 1221 ه،

فأزعج العراق بوقائعه. فاضطرب أمر بابان بسبب ذلك. و هدد بغداد بالاستيلاء عليها كما مرت حوادثه إلا أن مرضه عجل بالصلح، ففارق العراق، و توفي في طريقه. و كان ولي عهد إيران عباس ميرزا هاجم جهة الاناضول. و لو لا حروب روسية لأزعجت هذه الدولة العراق لذا عقدت سنة 1238 ه معاهدة صلح علي أساس معاهدة نادر شاه، و أيدتها و اتفقت مع الدولة العثمانية ضد روسية سنة 1245 ه. و توفي فتح علي شاه بعد هذا العهد في 19 جمادي الآخرة سنة 1250 ه- 1834 م.

3- إمارة آل سعود:

غالب عشائر العراق من نجد. وصلة الدم مشهودة. و كانت نجد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 381

متعددة الإمارات و في اضطرابات بالغة الحد تنتابها الفتن من كل صوب.

و بينا هي في هذه الحالة إذ ظهر عالم حريص علي الدين و التبشير به فلم يبال بما رأي من اضطهاد. و هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فوجد أذنا صاغية من كثيرين من جهة. و معارضة قوية من أخري. سار سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية في الإصلاح و بدأت دعوته بعد وفاة والده سنة 1153 ه، و وصلت إلي العراق في أواسط سنة 1155 ه في كتاب أرسله إلي البصرة فرد عليه أحد علماء البصرة الشيخ أحمد بن علي القباني البصري في شوال منها. و في خلال هذه الدعوة طوح بنفسه عام 1158 ه إلي الدرعية. و كان أميرها آنئذ محمد بن سعود فطلب منه نصرته. و لما رأي منه آثار النجدة و الحرص علي بث العقيدة وافقه، و تعهد له.

و من ثم قويت دعوته، و زادت بأتباعه قوة ابن سعود. و هذا بدء نشاط هذه الإمارة و قوتها

بعد أن كانت محدودة ضيقة فاتصلت بعقيدة السلف و لازمتها، و بذلك سيطرت علي جميع أنحاء نجد. و توفي الأمير محمد بن سعود سنة 1179 ه- 1765 م، و خلفه ابنه عبد العزيز. و هذا قتل في أواخر رجب سنة 1218 ه- 1804 م. ثم صار ابنه سعود المتوفي في 11 جمادي الأولي سنة 1229 ه- 1814 م. ثم نال الإمارة عبد اللّه ابن سعود المتوفي سنة 1233 ه- 1817 م. ثم تركي ابن أخي سعود و توفي سنة 1249 ه- 1833 م و انتهي عهد المماليك.

و بدأت دعوتهم أيام الوزير سليمان باشا الكبير و ذلك بإرسال رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فأجاب عليها السيد عبد اللّه الراوي. و هذه رد عليها حفيد ابن عبد الوهاب. و كانت حوادث الوزير الحربية في العراق مناصرة للدولة، فتولدت المشادة، و ذهب عبد العزيز بك الشاوي إلي نجد للمفاوضة. بقي نحو سنتين من سنة 1216 ه و بسببه دخلت هذه العقيدة العراق. و كانت معلومة قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب و هي عقيدة السلف. و إجازات العلماء تؤيد ذلك كما أن عقيدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 382

ابن خزيمة معروفة في بغداد و اختصرت باسم (اتحاف الأخيار).

أوضحت ذلك في (تاريخ العقيدة الإسلامية في العراق). و المؤلفات كثيرة في الانتصار لهم و مثلها في التحامل عليهم. و الأكثر علي قبولها.

و المخالفون كان همهم إرضاء الدولة، رأوا من قيامها عليهم و حربها لهم … و أثرت في الترك و في الأقطار العربية و الإسلامية بنجاح. حتي في ايران … و قوتها في الهند. ثم صارت في الترك. و العرب أقرب لقبولها.

خاتمة (في هذا العهد)

اشارة

كانت الإدارات المتوالية في العراق لم

تتدخل في الجزئيات و لم تتسلط بشدة إلا أيام المماليك سيطرت الحكومة علي الأهلين كثيرا بحيث صارت عبئا ثقيلا و تحاول تقليل العلاقات بالدولة و من ثم شعرت الدولة بوطأتهم لكنها كانت تتحاشي الغائلة و تتجنب إشعال نار الفتنة بسبب أن الغوائل انتابتها من كل صوب …

و مع هذا جربت تدابير مهمة للقضاء عليهم مرارا فلم تنجح و لم تقدر أن تلح حذرا من توليد غائلة خارجية و العراق مهدد بإيران. فكان سكوتها لأمر اضطراري فاختارت أهون الشرين …

و كان أشدهم وطأة سليمان باشا الكبير و داود باشا فالأول امتدت سطوته إلي خارج العراق، و حاول أن تكون السلطة خالصة للمماليك و حدهم. و الآخر داود باشا غلب عليه الحرص و طمح إلي الاستقلال.

لذا نظم الجيوش و رتب العساكر المعلمة لا سيما بعد واقعة ايران …

و سعي جهده لتوفير الخزانة. و راعي جلب خواطر بعض الأهلين في عمارات دينية قام بها … ليظهر أنه من أهل الصلاح و التقوي، و ليجلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 383

العوام البسطاء و كان شديدا قاسيا علي الباقين فصار يخشاه القوم …

كما أنه حاول التسلط علي الموصل و التدخل في شؤونها.

و ترجح إدارة المماليك من جهة ايجاد النظام و استتباب الأمن في غالب الأحيان. و ما إلي ذلك من مراقبة السلطة من جهة، و المعرفة بالقطر و ما فيه من عشائر و أهلين بخلاف الولاة السابقين. لم يعلموا عنه شيئا، فكانوا يعودون كما جاؤوا في جهل أو عجز و إن المتنفذين كانوا يغلون أيديهم و لا يدعونهم يتدخلون في جميع الشؤون.

قال الأستاذ سليمان فائق:

«إن الخطة العراقية لم تصل إلي أيدي أصحابها من زمن العباسيين إلي اليوم. فصارت تعد من أردأ

البقاع. و هذا كل ما استطيع بيانه بكمال الأسف. تمادي الجور و العسف فبدل حسنها بالسوء، و حول أنسها و لطافتها بالوحشة و الخشونة. و هذه الحالة صارت تظهر للأهلين أنها المثلي، فصاروا يرون الجهل أمرا مقبولا، و عادوا لا يشعرون بما لحقهم من الانحطاط … و إن الدولة كانت تري المخلص ذليلا، و الخائن المهين في أعلي المراتب، و أرقي المنازل … مما أدي إلي فتور الهمم بل موت العزائم.

و العراقيون أكثرهم أهل بادية … و سكان المدن عبيد القفا من أعوام كثيرة، فالذل مسيطر، و ضارب أطنابه، نسي هؤلاء لذة الحرية فهم البائسون حقا في حين أن من هؤلاء من يصلح للتربية و يليق أن ينال منزلة رفيعة لما وهبوا من الذكاء و الفطنة إلا أن الأغراض لم تمكنهم من عمل مرض فخارت القوي و ذلت النفوس دون نيل مطلوب، و الأكثر ظلوا خائبين خاسئين … الخ» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 384

هذا، و سياسة الحكومة القضاء علي من يظهر بكفاءة و مقدرة لتبقي الحالة لهم في عز وصولة دائما و في سيطرة مستمرة. و لكن لم تدم الأحوال و إنما أصاب هؤلاء ما أصاب غيرهم. و عادت إدارة الدولة مباشرة و لم تلبث أن صارت أردأ و أتعس فكتب الشقاء علي هذا القطر فلم ينفك عنه … و للانتباه قيمته في لم الشعث … و للّه إرادات. و هو ولي الأمر.

تمّ المجلد السادس و يتلوه المجلد السابع يبحث في وقائع العراق من سنة 1247 ه- 1831 م إلي سنة 1335 ه- 1917 م.

من سياسية و ثقافية و عشائرية و صلات بين الأقطار المجاورة و حروب و معاهدات …

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 6، ص: 385

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 387

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

آزاد خان الأفشاري: 54

إبراهام اليهودي: 66

إبراهيم (الإمام): 70

إبراهيم آغا: 351

إبراهيم أفندي: 119

إبراهيم باش إسكي: 178

إبراهيم باشا: 295

إبراهيم باشا: 34، 107، 108، 114، 119، 121، 125، 126، 127، 128، 142، 167، 169، 181

إبراهيم الزعفراني: 327

إبراهيم زهدي الكتخدا: 39

إبراهيم بن عفيصان: 151، 152، 153

إبراهيم باشا القبطان: 30، 31

إبراهيم القزويني: 327

إبراهيم القوشجي: 365

إبراهيم متسلم البصرة: 189

إبراهيم المحمود: 131

ابن تيمية (شيخ الإسلام أحمد): 184، 381

ابن حجر الهيتمي: 76

ابن حريميس: 297

ابن خزيمة: 382

ابن زهير: 324، 325

ابن قعيشيش (كعيشيش): 296

ابن هذال: 296، 300، 325

أبو بكر آغا: 353، 357، 360، 364، 370

أبو الحسن بن محمد گلستانة: 16

أبو عبد الرحمن زين العابدين: 207

أبو الفتح خان: 379

أحمد آغا: 22

أحمد آغا الحجازي: 144

أحمد آغا السلحشور: 21

أحمد آغا ابن طيفور: 91

أحمد آغا بن محمد خليل: 57، 59، 89، 90، 92، 93، 98، 102

أحمد الأحسائي: 339

أحمد أفندي: 22، 24، 369

أحمد باشا: 44، 50، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 61، 67، 79، 80، 88، 89، 90، 91، 92،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 388

93، 211، 217، 220، 222، 229، 326

أحمد باشا الكهية: 25، 31، 39، 84، 118، 124، 127، 129، 132، 134، 136، 139، 141، 237، 329

أحمد باشا والي كركوك: 34

أحمد باشا والي الموصل: 216، 221، 223، 224، 286

أحمد باشا الوزير: 8، 10، 18، 21، 27، 62

أحمد بك: 212، 255، 269، 277، 280، 308، 312

أحمد بك الشاوي: 117، 182

أحمد بن بكر الموصلي: 201، 216

أحمد جلبي: 243

أحمد جودت باشا: 14

أحمد خانقاه: 290

أحمد الداماد: 25

أحمد الزندي (العالم):

378

أحمد عاصم: 13، 14

أحمد عبد الغني الراوي (السيد): 377

أحمد بن علي القاني (العالم البصري):

381

أحمد الكمركي: 25

أحمد لطفي: 13

أحمد المهردار: 101، 113، 114، 115، 137

أحمد واصف: 12

أحمد الينگچري: 175، 176، 178

الأزري: 135

إسحاق آغا: 62

إسحاق الصراف: 346

أسعد ابن النائب: 279

أسعد باشا الجليلي: 206، 222، 224

أسعد باشا: 340

أسعد المؤرخ: 14

أسماء لطف اللّه: 211

أسماء بنت نائل عمر: 211

إسماعيل آغا: 62، 230

إسماعيل أمير الفيلية: 98

إسماعيل التكه لي (التكرلي): 121، 123

إسماعيل الچوربه جي: 328

إسماعيل حقي: 39

إسماعيل الخازن: 237

إسماعيل الراوي: 377

إسماعيل الصفوي الشاه: 35

إسماعيل الكهية: 39، 67، 80، 82، 85، 87، 89، 100، 101

إسماعيل المكي: 67، 378

إسماعيل النوري: 378

الأقرع: 334

أمان اللّه خان: 200، 203

أمين باشا الجليلي: 66، 216

أمين بن حسن الحلواني: 337

أمين خالص (الأستاذ): 366

أمين بن هيبت زيور: 211

أنور شاؤل المحامي (الأستاذ): 266

أوزون عبد اللّه باشا: 62، 68، 71

أوزون موسي آغا: 326

أوشار أوغلي: 21

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 389

أيوب النبي عليه السّلام: 190

حرف الباء

بابا خان: 380

باش آغا: 191

باول هرن: 16

البخاري: 207

بداق خان: 109

براك ثويني: 330، 331

براك بن عبد المحسن: 143، 144، 145، 146، 148، 159

براك بن غرير: 158

برغش بن حمود: 228، 249، 250

بكر أفندي: 217

بكر باشا: 117

بكر الحمام: 37

بكر الخطاط الكاتب: 175

بكر صوباشي: 9

بكر بن يونس: 217

بلينو: 305

بندر شيخ المنتفق: 30

بنية بن قرينس: 262

بهاء الدين نوري (معالي الأستاذ): 305

بوداق خان: 241

حرف التاء

تركي السعود: 381

تقي الدين القدسي: 351

تمر باشا (تيمور) الملي: 54، 59، 61، 89، 90، 129، 130، 131، 135، 163، 164، 185

تيمور متصرف كركوك: 61

تيلر المقيم البريطاني (المستر): 358

حرف الثاء

ثابت بن سليمان فائق: 12

ثاقب خضر: 283

ثامر السعدون: 74، 97، 98، 147

ثامر بن مهنا بن فضل: 331

ثويني العبد اللّه: 74، 98، 100، 101، 119، 121، 123، 124، 125، 128، 140، 144، 145، 146، 147، 149، 152، 155، 159، 249، 329، 330

حرف الجيم

جاسم بك الشاوي: قاسم

جاوش أوسطه: 178

جبور بني خالد: 145

جذيمة بن الأبرش: 183

جعفر خان: 379

جعفر العقيلي: 334

جميل الأورفه لي: 237

جناب أفندي: 344، 357

جواد بن حمزة: 186.

جواد عواد: 378

جودت باشا: 379

حرف الحاء

حاجي سعيد بن زائل عمر: 211

حاشي شيخ الرحمة: 198

حالت محمد سعيد: 226، 227، 228،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 390

229، 230، 232، 235، 237، 238، 239، 241، 250، 252، 266، 277، 342، 343

حبيب الشاوي: 114

حبيبة خانم: 355

حسن آغا آل عليش: 365

حسن باشا: 286، 290، 345

حسن باشا الوزير: 8، 10، 27، 34، 69، 79، 80، 81، 87، 88، 89، 90، 94، 97، 99، 100، 101، 105، 106، 116، 183

حسن بك: 273، 287

حسن بك آل شير بك: 108

حسن بك بن أحمد آغا: 303

حسن بك أمير الشيخان: 224

حسن بك الجليلي: 286

حسن خان: 108، 288، 290، 315

حسن بن داود باشا: 369

حسن الفيلي: 202

حسن بن مشاري: 145

حسقيل بن راحيل: 265، 266

حسقيل ناجي المحامي: 265، 266

حسني بك: 348

حسين آغا الكوسة: 177، 178

حسين باشا التوتونجي: 252

حسين باشا الجليلي: 206، 216

حسين البندر: 200

حسين خان: 315

حسين رئيس الحشامات: 357، 361، 364، 367، 369

حسين العشاري: 50، 51، 70، 89، 103، 378

الحسين بن علي (الإمام): 168

حسين قلي خان: 380

حسين متسلم البصرة: 24، 26، 30

حسين هبة: 186

حطاب الشلال: 199، 200

حكمت سليمان (فخامة الأستاذ): 12، 326

حمادي بن أبي عقلين: 262، 263، 264، 266، 267، 272، 275، 276، 277، 278، 279

حمد البردي: 285

حمد الحسين: 193

حمد الحمود الخزعلي: 81، 103، 104، 111، 112، 119، 120، 134، 136، 141، 142

حمدان القعيشيش: 296

حمدي بك (باشا) الخازن: 368، 370

حمود الثامر: 120، 121، 122، 123، 125، 140، 147، 148، 149، 154، 158، 168، 205، 227، 228، 231، 248، 249، 250، 251، 261، 262، 268،

270، 272، 274، 275، 277، 278، 325، 329، 330، 333، 335

حمود الحمد: 48، 49

حنيان بن مهنا: 330

حيدر خان: 85

حيدر قلي خان: 64

حرف الخاء

خالد آغا: 99، 117، 118، 176، 178

خالد آغا ابن صالح آغا: 341

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 391

خالد باشا: 83، 201، 202، 203، 204، 210، 211، 214، 215، 241، 243، 244، 245، 246، 247، 259، 263، 269، 272، 280، 303، 308

خالد بك بن أحمد باشا: 193، 194، 195، 196، 245

خالد الثامر: 154

خالد القواس: 347

خالد الكهية: 190، 191، 192، 209

خالد الكيكي: 92

خالد النقشبندي: 325، 338

خان كلهر: 321

خديجة خانم: 138، 139، 140

خزيم بن لحيان: 148

خسرو خان: 80

خضر الموصلي: 253

خلف آغا: 196

خلف البقال: 186

خليل آغا الخازن: 253

خليل آغا كتخدا البوابين: 288، 353

خليل (ملا): 186

خليل أفندي: 332

خليل البيرقدار: 186

خليل متسلم كركوك: 245، 268، 282

خليل الينگچري: 38

خورشيد باشا: 370

حرف الدال

داود باشا: 170، 171، 259، 263، 265، 267، 268، 269، 270، 271، 272، 276، 277، 278، 279، 321، 323، 327، 328، 336، 338، 341، 343، 349، 350، 351، 352، 356، 359، 361، 362، 363، 369، 370، 371، 372، 374، 376، 378

داود الدفتري: 227، 245، 252، 255، 256، 257، 258

داود بن ساسون: 266

درويش آغا: 186، 258، 259

درويش باش أعيان (الشيخ): 26

درويش باشا: 209، 321

درويش القائممقام: 32، 251، 252، 367، 370

درويش محمد آغا: 267، 275، 280، 281، 286

الدريعي: 262

دوده (دوه) الموسيو: 315، 363، 376

دويحس بن مغامس: 331

دينه بنت حسقيل: 265

حرف الراء

راشد بن ثامر: 250، 324

راشد بن فهد: 197

راشد بن مغامس: 158

رستم آغا: 352، 362

رستم متسلم البصرة: 252، 268

رستم الكهية: 39، 334، 368، 370

رسول حاوي: 323

رضا شفق زاده (الدكتور): 16

رضوان آغا: 364

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 392

رمضان (السيد): 26

رمضان الچوخه دار: 347

روبين بن ساسون: 266

روخي بن خلاف: 197

روفايل بن عزره: 265

حرف الزاي

زبير باشا: 223

زكي خان: 97، 98، 379

زيد بن الحميدي: 296، 297

زيد بن عريعر: 159

حرف السين

ساسون أبو روبين: 266

سالم بن محمد آغا: 249

سامي الأورفه لي: 237

سبتي المحسن: 142

سعد آغا الينگچري: 178

سعد الدين باشا: 40

سعد الدين جلبي: 281

سعد اللّه باشا الجليلي: 240، 246

سعدون (الشيخ): 371

سعدون آغا: 362، 369، 370

سعدون بن عريعر: 147

سعدي: 253

سعود بن عبد العزيز: 143، 145، 147، 148، 150، 153، 154، 155، 156، 159، 162، 164، 165، 168، 187، 188، 189، 191، 197، 380، 381

سعيد باشا: 251، 256، 259، 261، 262، 263، 264، 266، 267، 269، 270، 271، 272، 273، 274، 275، 277، 278، 280، 283، 292، 364، 374

سعيد بك: 171، 177

سعيد بك بن سليمان باشا: 237، 238، 246، 247، 249، 250، 252

سعيد نفيسي (الأستاذ): 16

سفيان الخطاط: 359

سلاحشور السلطان: 213

سلطان الشاوي: 50، 51، 52

سلطان المحمد الخزعلي: 81

سلمان المحسن: 260، 261

سليم بك: 106، 127، 167، 169، 170، 171، 176، 177، 178، 190، 195

سليم آغا متسلم البصرة: 211، 227، 228، 240

سليم أفندي: 79، 81، 82، 84، 85، 87، 88، 94

سليم بابان: 26، 29، 31، 32، 33، 34، 43

سليم جلبي: 281

سليم الثالث (السلطان): 12، 13، 332، 376

سليم محمد باشا: 351

سليمان آغا: 58، 59، 62، 63، 65، 72، 73، 74، 75، 76، 79، 97، 98، 100، 124

سليمان آغا متسلم شوشتر: 64

سليمان أفندي: 264

سليمان باشا: 26، 29، 31، 33،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 393

34، 43، 44، 54، 55، 61، 156، 157، 159، 171، 175، 179، 180، 183، 196، 203، 206، 207، 208، 209، 210، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 220، 221، 223، 224، 226، 227، 228، 229، 230، 235، 237، 240، 241، 245، 247، 250، 255،

259، 271، 272، 292، 309

سليمان باشا بن إبراهيم باشا: 268، 292، 303، 308

سليمان باشا الأول: 13

سليمان باشا الكبير: 16، 103، 235، 237، 250، 251، 271، 273، 381، 382

سليمان باشا الموصلي: 71

سليمان باشا الوزير: 17، 18، 19، 21، 24، 25، 27، 29، 35، 38، 39، 40، 45، 46، 82، 105، 126، 184، 232، 240، 376

سليمان بك آل يحيي: 31

سليمان بك وكيل الكهية: 193، 195، 198، 204

سليمان بك أمير درنة: 33

سليمان بك بن عبد الرحمن باشا: 243

سليمان الجليلي: 61، 62، 66، 100، 101، 103، 216، 217

سليمان الخازن: 361

سليمان الشاوي: 38، 40، 43، 46، 48، 49، 51، 70، 85، 86، 87، 88، 90، 92، 93، 94، 101، 103، 106، 112، 113، 114، 115، 117، 118، 119، 120، 122، 123، 124، 129، 132، 134، 135، 137

سليمان العثمان: 42

سليمان عزي: 12

سليمان الغنام: 352، 353، 355، 356، 357، 360، 363، 364

سليمان فائق (الأستاذ): 12، 13، 18، 139، 171، 207، 226، 277، 326، 343، 359، 383

سليمان الفخري: 200، 222، 223، 252

سليمان قائممقام مندلي: 39

سليمان القرماني: 101

سليمان كهية البوابين: 240، 249، 326

سليمان الماجد: 151، 156

سليمان الميراخور: 334، 335، 346، 347، 353، 354

السياهبوش: 378

سمحة بنت حسقيل: 265

حرف الشين

شاطي: 245

شابر الترجمان: 349، 351

شاكر بك: 341

شاني زاده: 14

شبيب الحبيب: 161

شبيب الدرويش: 289

شخير الغانم: 298، 334

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 394

شفلح الشلال: 257، 288، 289، 293

شقي خان: 58، 59

شهاب الدين السهروردي: 139

شوكت صالح: 352، 369

حرف الصاد

صادق أفندي: 357

صادق بك: 171، 271، 275، 288، 289، 292، 293

صادق خان: 58، 59، 63، 72، 73، 75، 94، 97، 379

صادق الدفتري: 342، 343، 344، 345، 346، 349، 352، 347، 371

صاري محمد آغا: 101، 135

صالح أخو شوكت: 368

صالح آغا الكردي: 296، 297

صالح باشا: 338

صالح بك: 171، 178، 355، 356، 358، 359، 361، 367، 368، 370، 372

صالح التميمي: 258، 283، 304، 340

صالح بن ثامر: 249

صالح جلبي الزهير: 352، 366

صالح السعدي: 342، 378

صالح القيومجي: 178

صبح أزل: 339

صبغة اللّه الحيدري: 377

صفوق الفارس: 320، 323، 325، 334، 352، 353، 354، 355، 356، 360

صقر أخو ثويني: 146

صوفي إسماعيل: 101

حرف الضاد

ضامن الصاروتة: 301

ضامن المحمد: 193، 195

حرف الطاء

طالب الكهية (الحاج): 326

طاهر أفندي: 353

طاهر الجوقه دار: 223

طاهر السيروزي القاضي: 353

طاهر آغا: 237، 240، 242، 249، 250

طعيس العبد: 145

طه الحديثي: 332

طورسون يوسف: 304، 307

طويق زاده بكر آغا: 25

حرف الظاء

ظاهر الحسن: 223

ظاهر الكهية: 240

حرف العين

عائشة خانم بنت أحمد باشا: 83

عباس الحداد: 296، 297

عباس الصقر: 260

عباس الفارس: 198، 199، 260

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 395

عباس قلي خان: 110

عباس المهردار: 208

عباس ميرزا: 316، 280

عبد اللّه آغا: 22، 138، 259، 275، 280، 281، 282، 284، 289، 292

عبد اللّه آل محمد أفندي: 100، 101

عبد اللّه الآلوسي: 377

عبد اللّه الإربلي: 283

عبد اللّه أفندي بن عارف أفندي: 328

عبد اللّه باشا: 177، 232، 246، 264، 265، 269، 270، 272، 273، 274، 278، 289، 290، 291، 292، 309، 310، 311، 312، 313، 314

عبد اللّه باشا العظم: 186، 187

عبد اللّه باشا والي بغداد: 69، 70

عبد اللّه باشا الوزير: 75، 79، 81، 82، 83، 84، 85، 86، 88، 116، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 250، 251، 253، 255، 260، 262، 266، 280

عبد اللّه البصري: 304

عبد اللّه بك: 124، 141، 237، 242، 255، 259

عبد اللّه الخازن: 31، 223، 235

عبد اللّه الرازي: 16

عبد اللّه الراوي: 377، 381

عبد اللّه بن سعود (الأمير): 187، 215، 381

عبد اللّه السويدي (الشيخ): 34، 377

عبد اللّه الشاوي: 49، 50، 65، 282، 284، 292

عبد اللّه بن عزره: 265

عبد اللّه الفخري: 32، 64

عبد اللّه الكردي البيتوشي: 75

عبد اللّه الكهية: 37، 38، 39، 62، 63، 71، 76، 77، 79، 262، 264، 265، 268

عبد اللّه متسلم البصرة: 192، 193، 255، 258

عبد اللّه متصرف درنة: 33

عبد اللّه بن محمد لطف اللّه: 211

عبد اللّه المنتفقي: 49، 330

عبد الجليل أمير الحلة: 117، 161

عبد الجليل زاده: 68

عبد الحميد الأول (السلطان): 376

عبد الحميد بك الشاوي: 184

عبد الحميد بن محمد لطف اللّه: 211

عبد الرحمن أفندي: 282

عبد الرحمن باشا: 21، 109، 110، 120، 126، 127، 128، 142، 167، 177، 178، 190،

191، 192، 193، 195، 200، 201، 203، 204، 205، 207، 210، 211، 214، 215، 216، 229، 230، 235، 237، 238، 241، 242، 243، 244، 245، 246، 247، 253، 255، 259، 264، 309، 340، 342، 350

عبد الرحمن باشا الجليلي: 341

عبد الرحمن باشا الكردي: 239

عبد الرحمن الراوي: 377

عبد الرحمن زيور: 211

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 396

عبد الرحمن السويدي: 34، 37، 40، 44، 48، 49

عبد الرحمن بن محمد لطف اللّه: 211

عبد الرحمن الموصلي: 230، 237، 238

عبد الرزاق آغا: 364

عبد الرزاق قائممقام النقيب: 346

عبد السلام ابن الحاج علي باشا: 70

عبد العزيز بابان: 230، 231

عبد العزيز بك: 127، 194، 211، 242

عبد العزيز بك بن عبد الفتاح: 292

عبد العزيز السعود (الأمير): 143، 144، 145، 147، 150، 151، 153، 159، 164، 187، 295، 381

عبد العزيز الشاوي: 114، 164، 165، 182، 183، 184، 185، 381

عبد العزيز الشواف: 378

عبد العزيز القشعمي: 161

عبد الغني آغا: 326

عبد الفتاح الأدهمي: 328

عبد الفتاح آل النقشلي: 141

عبد الفتاح باشا: 119، 202، 241، 242، 243

عبد الفتاح باشا (حاكم باجلان): 193، 194

عبد الفتاح بلوك باشي: 264، 282، 288، 310

عبد الفتاح الراوي: 377

عبد الفتاح القاضي: 245

عبد الفتاح الواعظ: 378

عبد القادر باشا: 119

عبد القادر حشامات: 269

عبد القادر الكيلاني: 116

عبد القادر بن نائل عمر: 211

عبد الكريم أمير الحلة: 117

عبد الكريم الشيرازي: 16

عبد اللطيف آغا بن أحمد آغا: 39

عبد اللطيف الشوشتري: 16، 52

عبد المطلب: 306

عبد المحسن بن سرداح: 147

عبد المطلب ميرزا: 306

عبد للو: 37

عبدي باشا الكيكي: 62، 68، 71، 75، 76، 77، 79

عبدي بك: 224

عثمان آغا تفنكجي باشي: 22، 25

عثمان الأفغاني: 187

عثمان بن سند: 11، 74، 183، 184، 189، 207، 233، 274، 283، 317، 318، 329، 336، 337

عثمان باشا: 26، 29، 31، 32،

33، 34، 102، 105، 106، 107، 108، 110، 120، 121، 123، 124، 125، 126

عثمان باشا آل بابان: 122

عثمان بك: 264، 269، 270، 287

عثمان الثالث (السلطان): 33، 375

عثمان الجليلي: 223، 224

عثمان الجنباز: 21، 25

عثمان سيفي: 370

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 397

عثمان طوبال: 169

عثمان العمري: 224

عثمان الكاشف: 295

عثمان الكهية: 92، 93، 105، 106

عثمان المطرجي: 26

عثمان (الملا): 187

عثمان يوسف: 21

عجم محمد (محمد الكهية): 81، 82، 83، 84، 85، 89

عرار العبد العال: 198، 199

عريعر: 145، 265، 266

عزيز السلطان: 297

عزيز آغا متسلم البصرة: 366

العشاري: 52

عقيل (عجيل) المنتفقي: 333، 334، 348، 335

علوان شيخ الكثير: 97

علي آغا: 24، 25، 26، 137، 138، 140، 276، 315

علي باشا (الحاج): 68، 69، 79

علي باشا الوزير: 21، 39، 40، 44، 45، 47، 49، 54، 141، 143، 150، 153، 154، 155، 159، 160، 161، 165، 167، 168، 169، 170، 175، 177، 178، 179، 180، 184، 185، 190، 191، 194، 201، 208، 209، 212، 226، 235، 240، 255، 257، 259، 261، 283، 316، 327، 361، 368، 370

علي بك الخاصكي: 242

علي البندر: 289

علي البندنيجي: 172

علي جلبي: 160، 161

علي الجوقه دار: 25

علي الحمد: 134

علي خان كلهر: 288، 290

علي دبيس: 297

علي السويدي (الشيخ): 228، 233

علي رضا باشا: 277، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 355، 357، 358، 359، 362، 366، 367، 368، 369، 370، 371، 372

علي الشعيب: 231

علي شفيق باشا: 350، 351

علي علاء الدين الموصلي: 253، 283، 378

علي الفضلي: 186

علي القبطان: 242

علي محمد خان: 94، 95

علي مراد خان: 58، 98، 108، 379

علي الموسوي: 247

علي (موظف المصرف): 302

علي نقي خان: 73

علي ياور بك: 371

عليوي آغا الينگجرية: 251، 253، 268، 281

عمر آغا الملي: 252، 268، 280

عمر باشا الكهية: 39، 47، 48،

54، 55، 56، 57، 58، 59، 61، 62، 65، 66، 68، 69، 70، 71، 72، 74، 75، 77، 82، 83، 88

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 398

عمر بك: 255

عمر الدفتري: 268، 269

عمر الراوي: 367، 377

عمر رمضان: 340

عمر السهروردي: 99

عمر المطرجي: 22، 25، 55

عناية اللّه الخازن: 328

عناية اللّه المهردار: 287

العيدروسي: 48

عيسي المارديني: 125

حرف الغين

غانم بن حسان: 345

غصاب العتيبي: 197

غورس ملكي حسن آغا: 131

حرف الفاء

فارس الجرباء: 165، 194، 255، 261، 262

فارس بن محمد أمير طيي ء: 225، 229

فاضل شيخ عنزة: 160

فتح علي خان: 380

فخري أفندي: 224، 225

فرج الله خان: 203

فرعون: 374

فضل اللّه كاتب الديوان: 276

فقيه إبراهيم: 55

فواز بن هذال: 296

فوزي ملا محمد أمين: 304

فيروز الحبشي: 355

فيصل بن حمود: 333، 334، 335

فيض الله الكهية: 229، 230، 237، 251

فيض اللّه المتسلم: 212

حرف القاف

قاسم آغا: 245

قاسم الشاوي: 185، 191، 218، 260، 261، 262، 278، 280، 288، 289، 293، 300، 331

قاسم پاشا العمري: 341، 342، 350، 353، 354، 356، 357، 358، 359، 360

قاسم الينگچري: 238، 242

قباد پاشا العمادي: 182

قبودان باشا: 24

قرنوص: 49

قره يوسف: 101

القصبه جي: 178

قوچ پاشا: 34

حرف الكاف

الكارجي: 62

كاظم الأزري: 62، 378

كامل بك: 303

كريم خان الزندي: 54، 57، 58، 61، 62، 63، 68، 69، 72، 74، 80، 82، 85، 86، 97، 379

كلاديوس جيمس رچ: 304

كلب علي خان: 80، 81، 288، 290

كمال بك: 303

كنج عثمان: 176

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 399

كيخسرو بك: 311

حرف اللام

لطف علي خان: 379، 380

لطف اللّه رئيس الديوان: 130، 131، 211، 253، 276

لطفي المؤرخ (أحمد لطفي): 328، 343، 344، 349، 372

حرف الميم

ماجد بن عريعر: 295

ماجد بن حمود: 333، 335

ماري زوجة رچ: 305

مانع: 49، 330

محب الدين الخطيب (الأستاذ): 337

محسن الحمد: 121، 122

محسن شيخ الشامية: 104، 111

محسن الشلال: 260

محسن الغانم: 142، 258

محسن المحمد: 132، 134، 142

محمد بن أبي دبس: 230

محمد بن أحمد الحسيني: 305

محمد أسعد طلس: 76

محمد أسعد بن النائب: 320، 375

محمد آغا: 84، 85، 252، 255، 271، 277، 284، 288، 355، 380

محمد أفندي: 212

محمد أمين آغا: 201

محمد أمين پاشا: 341، 342

محمد أمين رؤوف پاشا: 321

محمد أمين الكهية الزندي: 13، 343، 347، 352، 372

محمد بك: 123، 218، 219، 259، 285، 341

محمد بك آل خالد باشا: 214، 303، 307، 309

محمد أمين مفتي الحلة: 234

محمد پاشا: 55، 56، 57، 58، 59، 61، 79، 80، 89، 90، 93، 190- 192، 217، 263، 289، 290، 351

محمد باشا الصدر: 18- 21، 24

محمد باقر التفليسي: 323

محمد باقر خان المافي: 315

محمد البردي: 354

محمد بسيم الدفتري: 101

محمد بن ثاقب: 324

محمد پاشا الجليلي: 201، 206

محمد جواد پاشا: 259

محمد خان بن حسن خان القجاري:

127

محمد آغا بن أبي دبس: 320

محمد حسين خان السيستاني: 95، 97

محمد بن حسين بن عثمان: 158

محمد حسين ميرزا: 321

محمد پاشا بن خالد پاشا: 320، 353

محمد الخزعلي: 81، 142

محمد خليل آغا الينگچرية: 44

محمد بك الدفتري الربيعي: 171

محمد بك آل تيمور: 167

محمد راشد القاضي: 332

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 400

محمد راغب پاشا: 40

محمد الزيواني: 206

محمد السعدون: 249

محمد بن سعود (الأمير): 380، 381

محمد سعيد آغا التاتار: 271

محمد سعيد پاشا: 253، 271، 341

محمد سعيد الدفتري: 169، 171، 237، 242، 255، 276، 280

محمد سعيد المصرف: 126

محمد السلحشور:

35

محمد السيد زينا: 53

محمد الشاوي: 82، 85، 86، 92، 93، 114، 128، 129، 139، 158، 165، 178، 182، 183، 185، 380

محمد صادق خان: 64

محمد صديق الجليلي: 240، 342

محمد طاهر الچلبي: 297

محمد بن عبد العزيز المنتفقي: 329، 330

محمد بن عبد اللّه بن فيروز: 295

محمد بن عبد الوهاب (الشيخ): 380، 381

محمد العريعر: 144، 146، 295

محمد عطاء اللّه الشاني: انظر شاني زاده محمد العلي: 148

محمد علي پاشا: 370

محمد علي خان: 72

محمد علي خان الزندي: 147

محمد علي خان شام البياتي: 288

محمد علي ميرزا: 203، 205، 242، 243، 246، 263، 281، 263، 380

محمد عيسي آغا: 287

محمد فخر الدين القاضي: 224

محمد الفيضي الخطاط: 192

محمد الفضل: 84

محمد كاظم الرشتي: 339

محمد كاظم: 324

محمد اللرستاني: 292

محمد بن لطف اللّه: 211

محمد بن مانع الشبيب: 331

محمد آغا بن محمد خليل: 104

محمد المصرف: 334، 342، 345، 346، 347، 353، 354

محمد الكهية: 31، 84، 87، 88، 91، 92، 93، 98، 102، 129، 132، 214، 294، 296، 301، 310، 315، 316، 319، 328، 329، 330، 334، 335، 361

محمد آغا كتخدا البوابين: 269، 276، 346

محمد بن معيقل: 144، 145

محمد بن مناع الأجودي: 330

محمد پاشا والي كركوك: 21

محمد المنشي البغدادي: 305

محمد پاشا والي الموصل: 186

محمد أفندي و پودة ماردين: 26

محمد وصفي الخطاط: 70

محمد بن يوسف الحربي: 134

محمود الأول (السلطان): 375

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 401

محمود (السلطان): 13، 36، 295، 306، 332، 370

محمود الثاني (السلطان): 376

محمود الآلوسي (الأستاذ شهاب الدين أبو الثناء): 171، 233، 281، 347، 358، 377، 378، 375

محمود پاشا: 54، 57، 59، 61، 93، 99، 102، 105، 106، 107، 108، 109، 118، 229، 255، 264، 265، 266، 267، 268، 269، 272، 273، 287، 288، 290، 291، 292، 309، 310،

311، 315، 316، 344

محمود پاشا متصرف الموصل: 239

محمود پاشا بن تمر پاشا: 106، 107، 117، 125، 126

محمود بك: 254

محمود بك الجليلي: 206، 224، 230

محمود خموشي: 231

محمود خالص (الأستاذ): 366

محمود الخليفة: 223

محمود الدفتري: 378

محمود بك الزعيم: 245

محمود الزعيم الكردي (الشيخ): 310

محمود الكهية: 39، 51

محمود النقيب (السيد): 356

مدحت بك الربيعي: 171

مدد بك: 208، 210

مراد جلبي: 161

مراد خان حاكم العمادية: 182

مرجان: 128

مشكور الحمود: 298

مشكور الزوين: 294

مشكور شيخ ربيعة: 249

مصطفي آغا: 107، 124، 125

مصطفي الأبازة: 207، 210

مصطفي پاشا الاسبيناقجي: 62، 82

مصطفي پاشا الباباني: 54

مصطفي پاشا الوزير: 66، 67، 68

مصطفي الثالث (السلطان): 376

مصطفي الرابع (السلطان): 376

مصطفي خان: 35

مصطفي آغا آل حجازي: 123

مصطفي پاشا: 68، 71، 72، 75، 76، 77

مصطفي پاشا السلحدار: 110

مصطفي پاشا القبطان: 29، 30، 100

مصطفي پاشا كاتب السر: 344

مصطفي آغا الكردي: 121، 122، 123، 147

مصطفي آغا المراخور الثاني: 77

مصطفي بك الربيعي: 357

مصطفي بك المير اخور: 19، 20، 21، 22، 25

مصطفي الدفتري: 21، 25، 26

مصطفي ناظر الدفتر الخاقاني: 15

مطلق بن محمد الجرباء: 148، 149

مظفر آغا: 282

معروف متسلم كركوك: 268

مغامس الشلال: 260

مكي الأورفلي: 237

ملكي حسين: 131

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 402

مناع الضويحي: 197

المناوي (صاحب الإرشاد): 135

منصور الثامر: 188، 197

منيخر شيخ المنتفق: 24، 30

موسي بك: 223

موسي البيرقدار: 186

موسي متسلم كركوك: 303

موسي ابن الشيخ جعفر: 275، 276، 320

موسي الكاظم (الإمام): 67، 118

موسي الكهية: 276

موسي (الشيخ): 24

مهنا الجبري: 158

مهنا الجساس: 198

ميخائيل الصراف: 66

مير الحاج صالح پاشا: 338

مير بصري: 363

ميناس الأرمني: 305

حرف النون

نائل عمر بن ولي أفندي: 211

نابليون بونارت: 179

نادر شاه: 16، 35، 76، 316، 380

ناصر الحبيب القشعمي: 161

نامي (ميرزا محمد صادق الموسوي): 16

نجم بن عبد اللّه بن محمد بن مانع:

249، 250

نجيب پاشا: 327، 348، 365

نصيف آغا كهية البوابين: 170، 171، 177،

208، 210

نظر علي خان: 58، 59، 64

نعمان الپاچه چي: 280، 281

نعمان جلبي: 281

نعمان پاشا الجليلي: 206، 217، 218

نعمان خير الدين الآلوسي (الأستاذ):

371

نعمان المتسلم: 97، 98، 100، 101

نعمة اللّه (السيد): 73، 74

نعمت بن حسقيل ناجي: 265

نهر الطعيس: 298

نوري الأورفه لي: 237

حرف الهاء

هارون بن يهودا: 266

هجري دده: 323

هودج بنت ابن هذال: 325

هيبت خاتون: 211

هيبت زيور: 211

حرف الواو

واصف (أحمد واصف): 36

وحيد العرياني قاضي حلب: 351

ولي الدين پاشا والي الشام: 338

ولي رئيس الديوان: 67، 211، 212

ولي بن نائل عمر: 211

وهبي أفندي السفير التركي إلي إيران: 61

حرف الياء

ياسين بن خير اللّه: 240

ياسين العمري: 83

يحيي پاشا آل نعمان: 338

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 403

يحيي پاشا: 340، 344، 345، 350، 351

يحيي الخازن: 276، 293، 294، 296، 307

يحيي آغا المير اخور: 267

يهودا بن يوسف: 266

يوسف آغا: 282

يوسف بن ساسون: 266

يوسف بن عزره: 265

يوسف آغا المير اخور: 267

يوسف ضيا پاشا الصدر: 212

يونس جد أحمد پاشا: 216

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 404

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف

آچيق باش: 373

الآلوسيون: 184، 377

الإسلام: 382

أبازة: 28، 362

إباضية: 333

الإربليون: 193

أرمن: 73

الأزري (آل): 378

أزلية: 339

الأسلم: 160

أقرع: 299، 334

الأورفة (أسرة): 237

الإنكليز: 318، 352

الإيرانيون: 58، 59، 61، 63، 72، 77، 79، 83، 97، 98، 109، 203، 205، 290- 292

حرف الباء

بابان: 29، 31، 35، 43، 54، 89- 93، 99، 105، 106، 108، 125، 142، 191، 243، 345، 353، 279

البابية: 339

الباجه جي (آل): 281

باجلان: 119

باطوم: 207

باوية من شمر: 282

البدير: 298

البرشاوية: 141

البعيج: 148، 149، 261، 297

البغداديون: 105، 230

البقارة: 186

البكتاشية: 14، 332

بلباس: 110، 180، 144، 146

البلوج: 144، 146

البهائية: 339

البوابيون: 240

البيات: 165، 194، 299

حرف التاء

التتار: 21

الترك: 28، 331، 382

التركمان: 380

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 405

التكرلي (آل): 123

تميم: 282

حرف الجيم

الجاف: 311

الجبور: 37، 145، 186، 257، 301

الجرباء: 218- 221، 225، 236، 256، 261، 262، 285، 296، 320، 353

جليحة: 63، 166، 260، 296، 298، 299

جليليون: 222، 223، 338

جميلة: 302

حرف الحاء

الحديديون: 285

الحربي: 134

البو حمد: 220

البو حمدان: 220، 221

الحمد: 104، 342

الحميد: 158، 159، 329، 330

حمير: 94

الحيدري آل: 377

حرف الخاء

خالد (بنو): 143- 148، 295، 296

الخزاعل: 43، 48، 49، 55، 63، 98، 103- 105، 111، 112، 119- 121، 132- 136، 141، 142، 154، 162، 164، 190، 197، 254- 262، 267، 288، 296، 297، 299، 375

الخمسة: 315

حرف الدال

الداسنية: 332

الدريعي: 219، 220

دزدي (دزه يي): 287، 289

الدفافعة: 231، 235، 282

الدليم: 37، 160، 161، 248، 274، 284، 300- 302، 375

حرف الراء

الراوي (آل): 377

الرحمة: 198

ربيعة: 143، 198، 199، 249، 375

الربيعي (آل): 171

الرفيع: 160، 329، 330

الركنية: 339

روافض: 336

الرولة: 256، 262

الروس: 69

الروم: 74، 77، 80، 87، 154، 155، 323، 334

حرف الزاء

زبيد: 143، 167، 199، 200، 257، 261، 288، 289، 292، 331، 334، 335، 375

الزقاريط: 148، 149، 224، 261

الزملات: 197

زند و الدولة الزندية: 15، 16، 76،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 406

378، 379

زنگنة: 32، 64

زوبع: 37، 223، 302

حرف السين

سبيع: 144

السعدي (آل): 253، 378

سعود (آل): 145، 158، 159، 336، 380

السعيد: 143، 167

السلف: 381

سلمان (البو): 25، 220، 221

السلمان (آل): 105، 162

سليمان الشاوي (آل): 282

السنة (أهل): 336

السهول: 144، 148

السويدي (آل): 377

سويط (آل): 191

حرف الشين

الشافعي: 43

شاهر (البو): 134

الشاوي (آل): 182، 184، 209، 236

شبيب (آل): 158، 330، 331

شمامك (عشائر): 223

شمر: 20، 37، 144، 148، 149، 194، 223، 225، 261، 282، 294، 296، 320، 323، 325، 326، 340، 352، 353، 375

شمر طوقة: 285، 354

الشواف (آل): 377

الشيعة: 339

الشيخان: 224

الشيخية: 339

حرف الصاد

صالح (آل): 330

الصقور: 293، 294، 296، 307

الصفويون: 64، 76

الصورانيون: 54

حرف الطاء

طيي ء: 220، 223، 225، 229

حرف الظاء

الظفير: 144، 148، 149، 188، 191، 197، 219، 220، 228، 235، 237، 256، 261، 296، 375

حرف العين

العباسيون: 383

عبد الجليل (آل): 68، 161، 216، 217، 220، 221

عبدة الشيطان: 131

العبيد: 20، 50، 92- 94، 99، 101، 114، 117، 165، 185، 186، 191، 193- 196، 218، 220، 221، 229، 262، 274، 300، 371، 375

عثمان باشا (آل): 54

العثمانيون و الدولة العثمانية: 16، 46، 71، 73، 74، 84، 100- 102، 178، 187، 238، 239، 245، 249، 268، 270- 272،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 407

297، 315، 316، 320، 321، 350، 354، 355، 358، 375، 380

العجم: 75، 83، 84، 87، 89، 95، 183، 323

العجمان: 144

العرب: 36، 70، 97، 122، 146، 183، 187، 204، 221، 231، 232، 236، 263، 278، 283، 297، 329

عز (بنو): 136

العزة: 20

عزيز آغا (آل): 366

عفك: 141، 166، 289، 293، 296، 297، 331، 334

العقيدات: 186

عقيل (بنو): 165، 169، 194، 211، 245، 262، 276، 277، 329، 334، 352، 355- 358، 361، 363، 364

عمير (بنو): 282

عنزة: 159، 160، 219، 262، 293، 294، 296، 297، 300، 325، 326، 375

عيسي (البو): 302

حرف الغين

الغرابية: 379

الغربيون: 17

الغرير: 193، 194، 223، 229

حرف الفاء

الفتلة: 299

الفخري (آل): 378

الفيلية: 98، 288، 315

حرف القاف

قبائل قيس: 195

القجارية: و الدولة القجارية: 15، 16، 127، 315، 316، 378، 379، 380

قرا ألوس: 312

قزلباش: 63، 64، 73، 74، 291

قشعم (آل): 149، 160، 161، 250، 329، 330، 334

حرف الكاف

الكتخدا (آل): 39

الكثير: 97

الكرج: 28

كرد (الأكراد): 7، 29، 30، 33، 36، 43، 53، 58، 59، 65، 70، 89، 94، 102، 107، 112، 114، 120، 122، 125، 187، 200، 214، 215، 236، 241، 243، 259، 273، 281، 291، 305، 350، 353

الكروية: 195

الكشفية: 339

كعب: 42، 45، 54، 97، 146، 333، 293، 343

الكولات: 7، 212، 277، 234

كيكية: 92

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 408

حرف اللام

لام (بنو): 20، 42، 198، 199، 310، 375

اللّر: 98، 237، 288، 290

حرف الميم

مافي: 315

المسلمون (الإسلام): 32، 73

مطير: 144

المقاصيص: 199

الملي آل: 129

الملية: 129، 185، 220، 221

المماليك: 7- 13، 17، 18، 27، 28، 40، 46، 65، 67، 69، 72، 77، 79، 81، 84، 85، 103، 113- 125، 137- 139، 171، 173، 179، 209، 212، 229، 236، 238، 271، 278، 279، 326، 343، 359- 364، 366، 369- 373، 375، 377، 379، 381، 382، 383

المنتفق: 29، 30، 36، 49، 50، 95، 97، 98، 100، 118- 121، 123، 125، 128، 140، 144، 146- 149، 168، 188، 227، 228، 231، 246- 252، 261، 262، 268، 273، 274، 277، 295، 329- 331، 333، 335، 348، 375

المهاشير: 144، 148

مهر كان: 220

موسي (البو): 282

الموصليون: 88، 193، 230

حرف النون

نجاد (البو): 231

النجادة: 88، 149، 157، 282، 333، 334

النقشلي (آل): 141

النجديون: 228، 333، 335

حرف الهاء

هذال (آل): 325

حرف الواو

الواعظ (آل): 377

الوهابية: 143، 146، 149، 151، 154، 162، 164، 168، 169، 184، 186، 187، 189، 190، 196، 200، 206، 209، 215، 380، 381

حرف الياء

اليزيدية: 13، 35، 131، 181، 182، 219، 235، 300، 332، 375

اليسار: 285

اليهود: 73

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 409

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف

آلتون كوپري: انظر قنطرة الذهب

أبو حلانة: 97، 147

أبو حمار: 141

أبو سلال: 333، 334

أبو شهر: 228، 241

أبو عوسجة: 189

أبو قير: 118

أبيرة: 118

الأبيض: 148، 149، 168

الأحساء: 76، 143- 145، 150، 151، 153- 155، 156- 159، 295، 298

الأخيضر: 118، 169، 186

أذربيجان: 109

إربل: 32، 34، 43، 54، 55، 59، 61، 157، 181، 190، 193، 194، 195، 245، 246، 263، 206، 214، 220، 223، 263، 272، 283، 287، 308، 326، 359، 378

أردلان: 109

أرضروم (أرزن الروم): 70، 212، 316، 321، 350

أزمر (جبل): 93

أزناور: 196

استنبول: 12، 13، 15، 25، 35، 53، 61، 65، 76- 79، 101، 131، 175، 225، 232، 265، 239، 279، 281، 286، 305، 310، 321، 338، 344، 347، 348، 349، 358، 370- 374

إسكان: 129، 131

الإسكندرية: 240

أسكي كفري: 33

أسكي موصل: 173

أصفهان: 16، 108

الأعظمية: 99، 102، 178، 230، 306، 345، 359، 364

افتخار: 136

الأفشارية: 379

الأفلاج: 144

أم تل: 93

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 410

أم الحنطة: 50، 121

أم ربيعة: 145

أم العباس: 120، 121، 148

أماسية: 351

الأناضول: 321، 367، 380

أنقرة: 373

إنكلترا: 351

الأهواز: 74

أورفه: 219، 237، 348

أورمية: 180

أوروبا: 179

أوه كرد: 34

إيران و الدولة الإيرانية: 9، 10، 13، 16، 20، 29، 31، 33- 35، 40، 47، 58، 61، 64- 68، 70- 72، 76، 77، 79- 82، 85، 86، 89، 95، 97، 98، 102، 108- 110، 112، 126- 130، 170، 180، 195، 198- 205، 207، 214، 215، 238، 241- 243، 247، 256، 259، 264- 267، 281، 287- 292، 303، 306، 308- 310، 312- 314، 316، 319- 322، 328، 229، 343، 344، 348، 350، 358، 379، 380، 382

إينجه

صو: 33

الإيوان: 321

حرف الباء

بابان: 26، 29، 31- 34، 43، 44، 54، 55، 57، 59، 79، 102، 108، 114، 119، 125- 128، 167، 169، 177، 193، 200- 202، 209- 211، 214- 216، 229، 238، 241- 247، 254، 257، 269، 272، 273، 287، 290- 292، 303، 308، 316، 320، 344، 375، 379، 380

الباب الأبيض: 62

باب الإمام الأعظم: 22، 102، 357، 364- 366

باب الحلة: 363

باب الرباط: 30، 157

باب السراي: 306، 354

الباب الشرقي: 102، 276، 363، 369

باب الشيخ: 275

باب الطوب: 221

الباب العالي: 348، 349، 351، 352، 359، 367، 368، 370

باب العرب: 280

باب الكاظمية: 361

باب الكريمات: 361

باجلان: 59، 119، 193، 202، 241، 259، 292

باريكة: 311- 313

بازيان: 33، 106، 108، 194، 214، 264، 290، 311، 313

باشا أسكي: 277

باغچة: 108

بانة: 33

پاي طاق: 202- 204، 206، 290، 312

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 411

باين چوب: 108

بدرة: 54، 56، 83، 173، 288، 290، 292، 362

برزنجة: 290

برنه: 127

بستان سوار: 313

بستان صالح: 364

بشتاو: 208

بشير: 128

بصالة: 325، 326

البصرة: 18- 22، 24- 26، 29، 30، 36، 37، 39، 40، 42، 47، 49، 50، 59؛ 62- 66، 68، 71- 79، 81- 95، 97، 98، 100، 101، 103، 115، 119، 121- 126، 140، 144، 147، 149، 151، 156، 164، 169، 178، 179، 187- 189، 192، 197، 207، 211، 213، 223، 227، 228، 234، 237، 240، 252، 253، 255، 258، 262، 265، 268، 271، 283، 289، 317، 318، 324- 326، 333- 336، 339، 349- 352، 366، 378، 379، 381

البصيرة: 186

البط (البت): 192

بعقلين: 279

بعقوبة: 88، 98، 305

بغداد: 9، 12، 13، 18- 22، 24- 27، 29، 31- 40، 42، 47- 55، 57، 58، 61- 66، 68- 76، 79- 85، 87، 89- 94،

97- 101، 103- 106، 108، 110، 118، 113، 114، 116، 118، 120- 130، 132- 136، 139- 143، 149، 157، 160- 167، 169- 172، 177، 179- 181، 184- 193، 196، 198- 201، 205- 207، 211- 213، 215- 218، 220- 227، 229- 239، 241- 247، 251- 253، 255- 259، 260، 263، 265- 267، 268- 276، 280، 281، 284، 289، 291، 292، 296، 297، 300، 301، 305، 308، 310، 312، 316- 318 326، 327، 332، 333، 335- 338، 340- 346، 348- 350- 355، 358- 363، 366- 371، 373، 374، 378، 380

البغيلة: 335

البقيع (بقيع الغرقد): 373

بلبول: 151

البلد: 22، 220، 239

بلد الحسين: 168

بلد روز: 247

بليخ: 220

بمبي: 337

بندر بوشهر: 31، 53، 74، 255

بهرز: 128، 354

بودة: 135

بوستان: 34

البوسنة: 373

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 412

بولاق: 13

بومبي: 317، 337

بيت دلة: 355

پير حياتي: 59

حرف التاء

تاجرود (تاتجرود): 311، 313

تازه خورماتي: 128، 308

تبريز: 321

تپه رش: 311

تربة السيدة زبيدة: 37

تركلان: 270

تسعين (قرية): 291

تكريت: 114، 178، 220، 272

تكية البكتاشية: 14، 332

تل أسود: 122، 129

التنهات: 145

التنومة: 147، 188

تهامة: 168

حرف الثاء

الثاج: 154

ثادق: 152

حرف الجيم

جادة الأعظمية: 365

جادة الجسر: 332

جامع الآصفية: 88، 340

جامع الأحمدية (الميدان): 141

جامع إياس: 25

جامع الحيدرحانة: 300، 340، 341

جامع الخلفاء: 172

جامع الداودية: 340

جامع الصاغة: 225

جامع القيلانية: 172

جامع محمد الفضل: 172

جامع الوزير: 176

چاووش (رابية): 364

چاي طاووق (شاي): 33

جباري: 59

جبل أشبته: 196

جبل حمرين: 43

جبل سرسير: 58

جبل سنجار: 181

جبل شمر: 144، 153، 187، 190

جبه: 161

الجديدة: 169، 230، 246، 247، 272، 274

الجزائر: 29

الجزيرة: 111، 142، 166، 191، 197، 225، 256، 261، 262، 298، 317، 325

جزيرة العرب: 280

جزيرة لمني: 225

جسان (حصان): 43، 54، 56، 83، 173، 199، 288، 290، 292، 362

جسر الخر: 122

الجعيفر: 332

چلاغة: 173

جلولاء: 128

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 413

چمن (قنطرة): 33، 172

الجوازر: 143، 149

الجهرا (الجهرة): 144، 145، 151

جيشانه: 90

حرف الحاء

الحاج عبد اللّه: 297

الحجاز: 168

الحديثة: 99

الحرم النبوي: 373

حديقة سعيد: 365

حرير: 32، 43، 54، 61، 79، 90، 93، 102، 106- 108، 114، 119، 120، 125- 127، 142، 167، 192، 203، 210، 243- 246، 254، 259، 263، 268- 270، 288، 291، 292، 309، 320

حزام: 80

الحسكة: 24، 39، 40، 116، 120، 134، 248، 256، 257، 260، 261، 293

الحضر: 220

حضرم: 131

الحفر: 145، 197

حلب: 266، 286، 293، 349- 352، 361، 362، 367

حلبجة: 311، 313

الحلة: 19، 21، 40، 42، 92، 106، 116، 117، 159، 160، 161، 167، 169، 177، 187، 191، 196، 199، 206، 215، 234، 248، 254، 256، 257، 259، 261، 263، 293، 296، 317، 328- 320، 361، 363، 378

حورية: 166

حويجة سيره (سرية): 301

الحويزة: 97، 98، 237، 293، 329، 330

حيدرآباد: 16، 53

الحيدرخانة: 70، 300

حرف الخاء

الخابور: 114، 115، 117، 132، 134، 191، 194، 196، 220، 221

الخازر: 224

الخالص: 167، 169، 211، 230، 320

خان جبق: 319

خان جغاله (خان جغان): 88

خان نجيب آغا: 365

خانقين: 110، 128، 216، 246، 259، 309، 331، 353، 354

خان كيشه: 106، 107

الختيمية: 301

خراسان: 379

الخرج: 144

خرنابات: 229، 237، 269

خزانة الآلوسي: 337

خزانة الأوقاف العامة: 76، 342، 358

خزانة البلدية: 240

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 414

خزانة الحيدرخانة: 340

خزانة السليمانية: 172

الخشيخشية: 289

الخطة العراقية: 322، 383

خطيبان (مضيق): 214

خواجايي: 311، 312

خوي: 109

حرف الدال

دار السعادة: 21، 25

دار صالح: 355، 359

دار الطباعة العامرة: 13

دار عمر باشا: 88

دار نصيف آغا: 208، 209

داق خان: 109، 110

داقوق (دقوقا): 192، 291، 318

دبة حمدون: 130

دبّي: 146

دجلة: 42، 101، 198، 199، 355، 360، 361، 365

الدجيل: 21، 22، 50، 93، 118، 186، 321

الدربند: 34، 106، 218، 314

دربندگي: 59، 61

الدرعية: 146، 150، 156، 157، 188، 189، 295

درنة: 31، 33، 59، 119، 193، 202، 241، 259، 272، 273، 292، 381

الدريهمية: 149، 188، 197

دزكره: 80

دشخرو: 80، 89

دكة: 373

دلتاوة: 320

دلي عباس: 32، 43، 172، 318، 319، 321

دمشق: 339

دمير قپو: 173

دنكچيه: 88

دوخران: 80

دوخلة: 32

الدورة: 45، 168، 252

الدورق: 241

دويريچ: 199

الدهناء: 145

ديار بكر: 62، 77، 94، 99، 105، 130، 229، 321، 345، 350، 351

ديار الكرد: 34، 55- 57، 59، 80، 193، 215، 254، 290، 291، 305، 309- 311، 316، 318

ديالي: 90، 102، 179، 202، 231، 235، 273، 310- 312، 321، 323

الدير: 186، 348

ديرك: 220

ديوان أفنديسي: 130

الديوانية: 104، 111، 142، 257، 297

حرف الذال

ذو الكفل (الكفل): 169، 296

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 415

حرف الراء

رابية السلطان سليم: 366

رأس العين: 221

الراشدية: 32

الرحبة: 129

الرصافة: 178

الرضيمة: 147

الرقة: 40، 129، 130، 164، 185

الرها: 130، 163، 219

رواندز: 110

روسية: 47، 179، 380

الروضتان: 151

الروضة النبوية: 337

روم إيلي: 20

حرف الزاي

الزاب: 193، 222، 246، 359

الزبير: 49، 144، 149، 188، 189، 198، 228، 324، 334، 335

زرده لي كاوه: 313

الزكرت (مي): 296، 297

الزكاريط: 223، 224

الزنبرانية: 301

زنبرك: 316

زنگباد: 32، 43، 54، 56، 123، 267، 269، 292، 310، 312

زهاب (زهاو): 79، 80، 193، 202، 205، 216، 220، 243، 244، 308، 309، 312

زير باري: 204

حرف السين

ساقز (سقز): 109، 110، 126، 203

سامراء: 136

سبع رحي: 93، 98

سحبة: 146

سحول: 117

سدة أم العويل: 299

سدير: 144

السراي: 116، 172، 307، 338، 345، 354، 355، 357، 358

سرچنار: 244، 311، 313

سردشت: 241

سرگلو: 290

سروجك: 90، 93

سطرنجان: 80

السلطان سليم (رابية): 366

السعدية: 128

سفوان: 147، 150

سلماس: 109

السلمان: 162

سلمان پاك: 24

السليمانية: 127، 142، 181، 201، 203، 235، 237، 243- 245، 267- 269، 272- 274، 287، 310- 312، 316، 318، 378

السماوة: 103، 148، 197، 261، 317

سنجار: 35، 181، 182، 185، 194، 219، 220، 225، 300

سنة (سنندج): 26، 29، 33، 54،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 416

55، 59، 79، 80، 108، 127، 200، 203، 204، 215، 243، 263، 315

سور البصرة: 173

سور بغداد: 172

سور الحلة: 173

سور الكرخ: 172

سور ماردين: 173

سور مندلي: 173

سور النجف: 126

سورية: 159، 337

سوق الشيوخ: 148، 248- 250، 317

سويركه: 130

سيباية: 104، 111، 120، 142، 166، 260

السير: 25

حرف الشين

شارع المأمون: 88، 333

الشام: 279، 337، 338، 358

الشامية: 104، 111، 117، 118، 142، 186، 187، 190، 191، 194، 195، 256، 260، 293، 296- 298، 317، 340

الشبّاب (الچباب): 198

الشباك: 145، 152- 154

شريعة الإمام موسي الكاظم عليه السّلام: 118

الشريعة البيضاء: 19

شط الحي: 167

شط العرب: 29، 95، 100، 123، 242

شفاثا: 118، 161، 165، 187، 302

شكري: 257

شمامك: 220، 223، 229، 287، 288، 289، 291

الشمرت (حي): 296، 297

شنو: 180

شواه (شوان): 303

شوشتر (تستر): 52، 64، 73

شهربان: 202، 211، 247

شهر زور: 79، 100، 179، 204، 213، 227، 243، 252، 271، 311، 315، 316

الشيخان: 224

الشيخ بكر: 266، 286

الشيخ سكران: 99

الشيخ عمر: 99

شيراز: 61، 72، 73، 74، 85، 94، 97

الشيروانة: 203، 310، 311، 315

حرف الصاد

الصابونية (رابية): 347، 364

صاووق بولاق: 109، 110، 180، 241

صاهود (قصر): 152

صخيري: 161

صقال طوتان: 43، 331

صلنية: 143

حرف الضاد

الضجعة: 146

ضريح الإمام إبراهيم: 70

ضريح الإمام علي عليه السّلام: 127

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 417

حرف الطاء

طاشليجة: 90

طاق گران: 308، 321

طباعة دار السلام: 323

طرابزون: 68

الطفّ (قرية): 144، 145

طقمقلو: 270، 271

طهران: 16، 200، 205، 206، 309، 310، 380

الطهماسية: 159

طوزخورماتي: 33، 194، 272، 318

طيب: 198، 199

حرف العين

عادلات: 142

العارض: 153

عانة: 117، 164، 186، 225، 323

عباة (قرمة): 163

العتبات: 296

العراق: 8، 10، 13، 35، 53، 58، 63، 69، 70، 75، 77، 79، 97، 110، 112، 130، 144، 149، 155، 156، 158، 160، 165، 171- 173، 179، 184، 188- 191، 196، 197، 201، 215- 220، 236، 241، 265، 271، 278، 283، 293- 295، 305، 309، 310، 316، 321، 327، 329، 330، 336، 337، 341، 349، 362، 366، 376، 341، 349، 362، 366، 376، 378، 380- 382

العرجا (العرجة): 30، 50، 101، 125، 317

العشار: 25، 30

عقرقوف: 114

العقير (العجير): 143، 151

علي آباد (علياوة): 110، 128، 216، 247، 259، 309

علوي: 147

العمادية: 55، 110، 182، 187، 193، 223

العمارة: 22، 42، 167، 198، 199

العماير: 146، 153

عين ابن فهيد: 147

عين القير: 129

عينتاب: 357

العيواضية: 172

حرف الغين

غزية: 197

غليوين: 248، 252، 253

حرف الفاء

الفرات: 37، 104، 111، 112، 164، 186، 196، 220، 261، 293، 296، 301، 302، 324، 325

الفرع: 144

فريات (قرمة): 162

فريجات: 306، 380

الفضلية: 97

الفلوجة: 37، 117، 118، 132، 135

الفليج: 197

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 418

حرف القاف

قبة الحسن البصري: 188

قبة طلحة: 188

القراغول: 84

قرط ألوس: 312

القرنة: 22، 25، 237، 253

قره بولاق: 273، 276

قره تپه: 33، 216، 319

قره حسن: 43، 54، 59، 193، 194، 290

قره شوط: 298

قره طاغ (قره داغ): 56، 57، 127، 287، 312

قره گول: 313

قروشوت: 298

قرية اثني عشر إماما: 33، 44

قريم: 69

قزانية: 321

قزلجه: 57، 214

قزل دره: 195

قزل دگرمن: 264، 269

قزلرباط: 57، 110، 128، 205، 246، 271، 321

قصبة الإمام الأعظم: 52

قصر شيرين: 305

القصيم: 144، 188

قطقطانة (طقطقانة): 187

القطيف: 143، 144، 158، 295

قلعة أبي صخير: 294

قلعة چولان: 30، 32- 43، 54، 56- 58، 79، 89، 93، 105، 107

القلعة الداخلية: 26، 45، 89، 92، 99، 192، 230، 275- 277، 361، 369

قلعة الدريعية: 294

قلعة السلمان: 151

قلعة شخير: 298

قنطرة الذهب (ألتون كوپري): 34، 43، 54، 56، 59، 61، 181، 193، 194

قهوة زنبور (قهوة المميز): 333

قوتلو: 291

قوج حسار: 130

قولاي: 128، 309

قونيه: 368

حرف الكاف

كار (شط): 141

كارون (نهر): 42

الكاظمية: 19، 64، 200، 256، 354، 364

الكرادة: 210

كربلاء: 101، 132، 135، 168، 169، 187، 256، 261، 317، 326، 327، 339، 378

كبيسة: 118، 132

كدوك سطرنجان: 80

الگرخ: 21، 45، 53، 66، 85، 87، 88، 99، 118، 172، 177، 210، 256، 270، 272، 357، 364

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 419

كروسي: 288

كركوك: 21، 25، 33، 34، 36، 57، 59، 61، 62، 66، 67، 79، 80، 87- 90، 105- 108، 128، 136، 181، 191- 195، 203، 210، 212، 214- 216، 220، 229، 239، 243، 245- 253، 264- 266- 270، 272- 274، 280، 282، 288- 290، 303، 308، 312، 314، 316- 319، 371، 378

الكرمات: 111

كرمانشاه: 16، 59، 79، 125، 127، 203، 242، 244، 246، 263، 268، 281، 287، 289، 290، 292، 309، 310، 315، 320، 380

كشاف: 222،

223

كفري: 44، 203، 205، 211، 245، 246، 310، 319

كلاس: 241

گلستانة: 16

گله زرده: 127

الكوت: 42، 158، 167، 173، 228

كوره قلا: 313

كوشك اسپان: 290

كوشك زنكي: 44

كوقة: 297، 298

كوك تيه: 32، 34

كوكس (مقاطعة): 310

كولة: 290، 303

كوي: 32- 34، 43، 54، 56، 59، 61، 79، 80، 89، 90، 93، 102، 105- 108، 114، 117، 119، 125- 127، 142، 167، 180، 191- 193، 203، 210، 211، 214- 216، 218- 220، 243، 245، 246، 254، 259، 263، 268- 270، 272، 287- 292، 309، 320

الكويت: 125، 144، 145، 151

كويسنجق: 56، 61

حرف اللام

لاهجان: 180

لملوم: 111، 162، 163، 260، 262

ليدن: 16

ليوة: 162

حرف الميم

المابين الهمايوني: 344

ماردين: 36، 79، 131، 135، 173، 179، 212، 213، 218، 219، 220، 223، 332، 348، 357

مايدشت: 203

المبرز: 151، 152

محكمة التمييز: 366

المحمرة: 51

المحمودية: 282

محنات: 153

مدرسة الحيدرخانة (الداودية): 300، 340

مدرسة رأس القرية: 378

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 420

المدرسة السليمانية: 131، 172، 378

مدرسة الصاغة: 378

مدرسة عاتكة خاتون: 378

المدرسة العادلية الكبيرة و الصغيرة: 378

المدرسة العلية: 44، 378

مدرسة العمار سبع أبكار: 378

المدينة المنورة: 207، 337

المدينية: 260

المرادية: 32

مراغة: 109، 180

مرجانية: 128، 321

مرقد الشيخ أبي النجيب السهروردي:

176

مرقد كنج عثمان: 176

مريوان (مهربان): 204، 216

مسجد عبد اللّه الكتخدا: 37

مسجد العمار سبع أبكار: 281

المسعودي: 101، 103، 125

مسقط: 119، 333، 335

مسناة الجسر: 333

المسيب: 118، 161، 293، 294

المشهد: 197

مشهد الإمام الحسين: 101، 132، 169

مشهد الزبير: 74

مشهد العسكريين: 316

مشهد الإمام الكاظم: 169

مصر: 69، 132، 337، 341، 343، 371

مطبعة إقبال: 16

مطبعة الحكومة ببغداد: 209

مطبعة الحوادث: 13، 15

مطبعة دار السلام: 323

مطبعة السكك الحديدية: 305

المطبعة السلفية: 337

مطبعة شركة التجارة و الطباعة: 305

مطبعة النجاح: 279

معقل (نهر): 324، 333

مقام الحلاج: 118

مقبرة الإمام الأعظم: 170

مقبرة الشيخ شهاب الدين السهروردي:

139

مقبرة الشيخ عمر: 88، 139

منارة الإمام الأعظم: 172

المناوي: 29، 30، 31، 123

المنتفق: 29، 49، 253

مندلي: 39، 56، 80، 83، 93، 98، 105، 125، 216، 220، 244، 245، 259، 288، 290، 292، 312، 354

المنصورية: 43

المنطقة: 66

المهدية: 84

المهركان: 220

الموسّان: 131

الموصل: 21، 22، 55، 61، 66، 100، 169، 173، 178، 179، 184، 186، 201، 206، 216- 218، 220- 225، 229، 235، 239، 240، 246، 286، 322، 338، 340- 344، 350، 351، 353، 359، 378

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 421

الموصل العتيقة (إسكي موصل): 286

المولي خانة (جامع الآصفية): 88، 340

مايدشت: 203

الميدان: 84، 85، 88، 89، 92،

99، 176، 178، 230

الميدان الجديد: 24

ميدان السلق: 24، 62، 167

حرف النون

نارين: 32، 43، 173

ناوكر: 110

نجد: 140، 147، 148، 168، 169، 188، 190، 225، 295، 380، 381

النجف: 162، 164، 169، 187، 197، 256، 257، 260، 296، 297، 378

نصيبين: 130

نطاع: 151

نظربيجان (بوجاق): 130، 131

النعمانية: 335

النمسا: 179

نهر الشاه: 40، 42، 165، 260

نهر الطعيس: 298

نهر عمر: 54، 121

نهر عيسي: 340

حرف الهاء

هبهب: 319

الهفوف: 151، 152

همذان: 203، 345

الهند: 16، 35، 305، 351، 382

الهندية: 160، 165، 168، 197، 317

حرف الواو

وادي: 198

وادي الدواسر: 144

وادي العوسج: 331

واني كوي: 344

الوردية: 42، 196

الوشم: 144

وشيل: 114

حرف الياء

يانيه: 37

اليمن: 153

اليوسفية: 166، 260، 298، 299، 301

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 422

4- فهرس الكتب

حرف الألف

اتحاف الأخيار: 382

أس ظفر: 14، 331

حرف الباء

بانت سعاد: 62

حرف التاء

تاريخ أحمد جودت: 14، 143

التاريخ الأدبي: 62، 135، 283، 378

تاريخ إيران: 16

تاريخ جديد: 68، 79

تاريخ جودت: 143، 379

تاريخ الزندية: 16

تاريخ سليمان عزّي: 12

تاريخ شاني زادة: 14، 225، 226، 232، 247، 252، 265، 286، 295، 300

تاريخ الشيخية: 339

تاريخ عاصم: 13

تاريخ العراق بين احتلالين: 17، 35، 181، 333، 363

تاريخ العقيدة الإسلامية: 164، 382

تاريخ الكولات: 12، 19، 98، 171، 172، 205، 212، 213، 226، 234، 235، 250، 252، 253، 255، 265، 266، 277، 278، 343، 345، 346، 348، 356

تاريخ گيتي كشا: 16

تاريخ لطفي: 13، 328، 332، 337، 338، 342، 343، 357، 372، 373، 380

التاريخ المجهول المؤلف: 327، 328، 374

تاريخ مختصر إيران: 16

تاريخ مساجد بغداد: 44

تاريخ نجد: 158

تاريخ نشاطي: 12، 17، 18، 20، 22، 26، 29- 32، 62

تاريخ واصف (محاسن الآثار و حقائق الأخبار): 12- 14، 20، 36

تاريخ اليزيدية: 16، 36، 131، 181، 332

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 423

التواريخ الرسمية: 12

تحفة عالم و تتمها: 16، 52، 53، 63، 64، 73، 74، 97

تذكرة شعراء بغداد: انظر شعراء بغداد أيام داود پاشا

تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر: 76

ترجمة تاريخ واصف إلي الفرنسية: 13

تفسير الجلالين: 328

تقرير الحاج علي پاشا: 68، 70

تقرير درويش پاشا: 209، 321

التكايا و الطرق: 48، 339

حرف الحاء

حديقة السرائر في نظم الكبائر: 76

حديقة الورود: 358، 359، 360

حروب الإيرانيين: 12

حرف الدال

دوحة الوزراء: 12، 14، 20، 26، 31، 34، 43، 44، 46، 49- 53، 62، 65، 67، 71، 73، 77، 78، 81، 82، 85، 88- 90، 94، 95، 97، 98، 100- 104، 108، 112- 128، 130- 137، 139- 143، 146- 149، 151، 152، 154، 156، 158، 160- 162، 164، 165، 167، 168، 170- 173، 179، 181، 182، 187، 196، 199، 201، 202، 204، 205- 208، 210، 212، 213، 215، 216، 219، 222، 224، 226- 228، 231، 233، 236، 238، 239، 244، 250- 255، 257، 258، 260- 271، 273- 276، 281- 286، 292- 296، 300، 302- 304، 306- 310، 313- 316، 318، 322، 323، 336

ديوان التميمي: 258، 283

ديوان العشاري: 50، 51، 70، 89، 103

حرف الذال

ذيل تاريخ واصف: 13

حرف الراء

رحلة رچ: 305

رحلة عبد اللطيف الزائري الشوشتري:

52

رحلة المنشي البغدادي: 43، 74، 192، 305، 315، 316، 321

رسالة السيد محمد السعدي: 253

رسالة في الهيئة: 62

رسائل المنتفق: 12

حرف السين

سكب الأدب علي شرح لاميّة العرب:

38، 46، 48

سومر (مجلة): 342

سياحتنامه حدود: 321

حرف الشين

شعراء بغداد و كتّابها: 39، 67، 192،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 424

193، 211، 342، 276، 323

حرف الطاء

طريقة البصائر إلي حديقة السرائر: 76

حرف العين

عثمانلي تاريخ و مؤرخلري: 13، 14

عثمانلي مؤلفلري: 13، 14

عشائر الشام: 92، 129

عشائر العراق: 37، 42، 136، 141، 191، 209، 262، 302، 312، 339، 375

عمدة البيان: 11

عنوان الشرف: 82، 83

عنوان المجد لابن بشر: 137، 144، 146، 148، 150، 152، 154، 156، 168، 187، 189، 191، 197، 198

عنوان المجد للحيدري: 328

حرف الغين

غرائب الأثر: 11، 201، 204، 206، 210، 212، 217، 218، 219، 221، 222، 224، 225، 239، 247

غرائب الاغتراب: 233، 360

حرف القاف

القرآن الكريم: 208

حرف الكاف

الكشاف عن مخطوطات الأوقاف: 76

گلشن خلفا: 322

گلشن معارف: 14، 15

حرف اللام

لغة العرب (مجلة): 135

حرف الميم

مجمل تواريخ الزندية: 16

مجموعة الآلوسي: 342، 358، 360، 371، 372

مجموعة الأدهمي: 328

مجموعة تركية: 66، 79

مجموعة حموشي: 231

مجموعة خطّية: 34، 37، 40، 44، 48، 49، 104، 123، 137

مجموعة خليل ونّه: 360

مجموعة علي البندنيجي: 172

مجموعة عمر رمضان: 51، 52، 62، 81، 104، 122، 240

محررات رسمية: 34، 38

مختصر تاريخ العراق: 279

مختصر مطالح السعود: 337

مرآة الزوراء: 12، 113- 115، 137، 139، 140، 171، 207- 210، 265، 313، 315، 326، 343، 356، 360، 363، 370، 371، 374، 375، 383

مطالع السعود لعثمان بن سند: 11، 76، 83، 84، 86، 94، 97، 112، 113، 118، 119، 124- 126، 135، 144- 148، 156، 158، 160، 161، 164، 165، 167،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 425

169- 171، 179، 182، 184، 185، 189- 191، 205، 207، 219، 226، 228، 231، 233، 234، 239، 241، 246- 251، 262- 264، 266، 268، 273، 277، 284، 285، 294، 295، 303، 304، 306، 317، 319، 323، 325، 332، 336، 337

المعاهد الخيرية: 38، 44، 70، 74، 132، 141، 281، 333، 340

معجم المطبوعات: 337

منهل الأولياء: 11

حرف النون

ناسخ التواريخ: 315، 316، 321

نتائج الوقوعات: 15، 227

نزهة الإخوان: 328

حرف الياء

يادگار تاريخ: 68

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 426

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف

أوجقلي، أوجقلية. صنف من الجند:

21، 57، 214، 268، و شاع علي لسان بعض العوام (قوجقلي)

حرف الباء

باش أسكي (نوع سجن): 33، 303.

باش آغا (رئيس الكتيبة): و يقال له (بلوك باشي): 59، 92، 190، 310، 369

باش جاوروش: 300

الباليوز: 11، 77، 98

البندقيون: 144

براتلي، برطلية (صنف جند): 25

بيرق (رعيل خيالة): 26، 310، 351

البيورلدي (أمر الوالي، أمر سامي):

205، 243، 254، 299، 320، 355، 369

حرف التاء

التاتار، تتار (بريد سريع) 202، 347

توقيعي: 12

حرف الجيم

چاي (شاي و يجمع علي شايات) و يراد به مياه السيول و الوديان أو الأنهر الصغيرة: 33

چرخ (دولاب): 307

الجنباز: 25

الجندرمة: 301

چوربه جي (صنف من الجند): 328

چوخه دار، چوقه دار (نوع موظف):

21، 25، 237

حرف الحاء

حدرة (سابلة، قافلة): 161

حرف الخاء

خان (بك، أمير): 29، 58، 85، 94

خدمة (إكرامية): 301

خربندة (مكاري): 113

حرف الدال

داماد (صهر): 25

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 427

دربند (مضيق): 314

ديوان: 40

حرف الراء

رانجه: 25

رقيم (أمر الشاه): 97

حرف السين

سابلة، سوابل (قافلة، حدرة): 71، 161

السباهية (نوع جند): 80، 203، 272

سراي (دار الحكومة): 24، 354

سراي الكهية: 116

السردار (قائد): 73

سكبانجية (نوع جند): 26

سنگر (صنگر): 195

سيباية (حصن، قلعة محكمة): 166

حرف الشين

الشهزاده (ابن الشاه): 290- 292، 307- 312، 314- 316، 318، 320، 321، 340

حرف الطاء

طبنجه، طبنجات (بندقية، أو نوع سلاح ناري مثل الپشتاوة): 24، 358

طلومبه، طلمبة (مضخة): 307

حرف الفاء

فرمان (أمر سلطاني): و يقال له (الخط الهمايوني): 9، 13، 18، 35، 130، 141، 310

حرف القاف

قائممقام (نائب الوزير): 21، 32، 100، 179

قلپقلية (نوع جند) و هم أصحاب القلنسوات: 272

قوليرا (الهواء الأصفر، الهيضة، أبو زوعة): 317

حرف الكاف

كاتب السر: 344

كتخدا، كهية، جخوة، كخوه: 280

كدك، كدكات: 79، 269

كليت، جلبوت (نوع زورق): 31

كليدار (سادن): 297

كمرك: 25

كيس، كيسه (مبلغ معين اختلف مقداره حسب العصور): 171

حرف اللام

لالا، لاله لالاوات (مربي، مدرب):

48، 326

اللاوند، لوند (نوع جند): 20، 24، 57، 67، 88، 89، 90، 121، 140، 320، 362، 363، 372

حرف الميم

المطرجي (نوع جند): 22، 25، 26، 89، 117

مقيم (رزدنت)، باليوز: 304

مير اخور، مناخور: مكررة.

ميرزا (مخفف ميرزاده) ابن الأمير و يطلقه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 428

الإيرانيون علي ابن الشاه و مثله (الشهزاده) كما يراد به (السيد من أولاد الإمام علي): 309

حرف الهاء

هايته (حيطة، صنف من الجيش): 364

حرف الواو

و يوده (أمير لواء خاص بماردين و بعض الألوية): 26، 79، 135، 357

حرف الياء

ينكيجه (جديدة): 169

ينكچري (العسكر الجديد): 331

الينكجرية: 8، 9، 14، 21، 25، 27، 38، 44، 46، 84، 89، 101، 114، 138، 206، 220، 230، 237، 238، 242، 277، 281، 331، 341

6- فهرس الصور

محراب جامع العادلية 23

كتابة جامع العادلية 41

واجهة في جامع العادلية 60

جامع الأحمدية 78

باب جامع الآصفية القديم 96

جامع الآصفية 115

جامع الحيدرخانة 133

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 429

7- فهرس الموضوعات

المقدمة 7

نظرة عامة 8

المراجع التاريخية 10

حوادث سنة 1162 ه- 1749 م 17

حوادث سنة 1163 ه- 1750 م 22

حوادث سنة 1164 ه- 1750 م 29

حوادث سنة 1165 ه- 1751 م 35

حوادث سنة 1166 ه- 1752 م 35

حوادث سنة 1167 ه- 1753 م 36

حوادث سنة 1168 ه- 1754 م 36

حوادث سنة 1169 ه- 1755 م 37

حوادث سنة 1170 ه- 1756 م 37

حوادث سنة 1171 ه- 1757 م 37

حوادث سنة 1173 ه- 1759 م 38

حوادث سنة 1175 ه- 1761 م 38

حوادث سنة 1176 ه- 1762 م 39

حوادث سنة 1177 ه- 1763 م 45

حوادث سنة 1178 ه- 1764 م 48

حوادث سنة 1182 ه- 1768 م 49

حوادث سنة 1183 ه- 1769 م 50

حوادث سنة 1184 ه- 1770 م 51

حوادث سنة 1185 ه- 1771 م 51

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 430

حوادث سنة 1186 ه- 1772 م 52

حوادث سنة 1187 ه- 1773 م 53

حوادث سنة 1189 ه- 1775 م 63

حوادث سنة 1192 ه- 1778 م 82

حوادث سنة 1193 ه- 1779 م 94

حوادث سنة 1194 ه- 1780 م 101

حوادث سنة 1195 ه- 1781 م 103

حوادث سنة 1196 ه- 1782 م 105

حوادث سنة 1197 ه- 1783 م 107

حوادث سنة 1198 ه- 1783 م 108

حوادث سنة 1199 ه- 1784 م 111

حوادث سنة 1200 ه- 1785 م 112

حوادث سنة 1201 ه- 1786 م 117

حوادث سنة 1202 ه- 1787 م 120

حوادث سنة 1203 ه- 1788 م 122

حوادث سنة 1204 ه- 1789 م 126

حوادث سنة 1205 ه- 1790

م 128

حوادث سنة 1206 ه- 1791 م 131

حوادث سنة 1207 ه- 1792 م 132

حوادث سنة 1208 ه- 1793 م 132

حوادث سنة 1209 ه- 1794 م 134

حوادث سنة 1210 ه- 1795 م 136

حوادث سنة 1211 ه- 1796 م 140

حوادث سنة 1212 ه- 1797 م 141

حوادث سنة 1213 ه- 1798 م 143

حوادث سنة 1214 ه- 1799 م 159

حوادث سنة 1215 ه- 1800 م 162

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 431

حوادث سنة 1216 ه- 1801 م 164

حوادث سنة 1217 ه- 1802 م 170

حوادث سنة 1218 ه- 1803 م 182

حوادث سنة 1219 ه- 1804 م 189

حوادث سنة 1220 ه- 1805 م 191

حوادث سنة 1221 ه- 1806 م 200

حوادث سنة 1222 ه- 1807 م 207

حوادث سنة 1223 ه- 1808 م 212

حوادث سنة 1224 ه- 1809 م 219

حوادث سنة 1225 ه- 1810 م 226

حوادث سنة 1226 ه- 1811 م 240

قتل ظاهر الكهية 240

حوادث سنة 1227 ه- 1812 م 244

حوادث سنة 1228 ه- 1813 م 248

حوادث سنة 1229 ه- 1814 م 254

حوادث سنة 1230 ه- 1815 م 257

حوادث سنة 1231 ه- 1816 م 261

حوادث سنة 1232 ه- 1816 م 271

حوادث سنة 1233 ه- 1817 م 284

حوادث سنة 1234 ه- 1818 م 296

حوادث سنة 1235 ه- 1819 م 300

حوادث سنة 1236 ه- 1820 م 306

حوادث سنة 1237 ه- 1821 م 318

حوادث سنة 1238 ه- 1822 م 324

حوادث سنة 1239 ه- 1823 م 326

حوادث سنة 1240 ه- 1824 م 328

حوادث سنة 1241 ه- 1825 م 329

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 432

حوادث سنة 1242 ه- 1826 م 333

حوادث سنة 1243 ه- 1827 م 340

حوادث سنة 1244 ه- 1828 م 341

حوادث سنة 1245

ه- 1829 م 341

حوادث سنة 1246 ه- 1830 م 342

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م 352

خاتمة 382

الفهارس العامة 385

1- فهرس الأعلام 387

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 404

3- فهرس المدن و الأماكن 409

4- فهرس الكتب 422

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 426

6- فهرس الصور 428

7- فهرس الموضوعات 429

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.