سرشناسه : عزاوي، عباس، م - 1888
Azzawi, Abbas
عنوان و نام پديدآور : تاريخ العراق بين احتلالين/ عباس العزاوي
مشخصات نشر : قم: مكتبه الحيدريه، 1425ق = 1383.
مشخصات ظاهري : 8 ج.مصور، نقشه، نمونه
شابك : 964-8163-30-830000 ريال :(دوره) ؛ 964-8163-31-6(ج. 1) ؛ 964-8163-32-4(ج. )2 ؛ 964-8163-32-2(ج. )3 ؛ 964-8163-34-0(ج. )4 ؛ 964-8163-35-9(ج. )5 ؛ 964-8163-36-7(ج. )6 ؛ 964-8163-37-5(ج. )7 ؛ 964-8163-38-3(ج. )8
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : افست از روي چاپ: مصلبعه بغداد، 1353ق = 738ق = 1258 = م 1338
يادداشت : عنوان روي جلد: تاريخ العراق بين الاحتلالين.
يادداشت : كتابنامه
مندرجات : ج. 1. حكومه المغول، 738 - 656ق = 1338 - 1258م .-- ج. 2. حكومه الجلايريه، 814 - 739ق = 1481 - 1338م .-- ج. 3. الحكومات التركمانيه، 941 - 814ق = 1534 - 1338م. .-- ج. 4. العهد العثماني الاول، 1048 - 941ق = 1638 - 1534م. .-- ج. 5. العهد العثماني الثاني، 1163 - 1049ق = 1750 - 1639م. .-- ج. 6. حكومه المماليك، 1247 - 1162ق = 1831 - 1749م .-- ج. 7. العهد العثماني الثالث، 1289 - 1247ق = 1872 - 1831م. .-- ج. 8. العهد الثماني الاخير، 1335 - 1289ق = 1917 - 1872م .-
عنوان روي جلد : تاريخ العراق بين الاحتلالين.
عنوان ديگر : تاريخ العراق بين الاحتلالين
موضوع : عراق - تاريخ
رده بندي كنگره : DS70/9 /ع 43ت 2 1383
رده بندي ديويي : 956/7
شماره كتابشناسي ملي : م 83-19225
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علي خير خلقه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد فإن حياة العراق تهمنا معرفتها كثيرا. و لعلنا نتوصل إليها من طرق شتي، و وسائل عديدة، و لكننا لا يتيسر لنا بسهولة أن نعين حالاتها في هدوئها، و في تهيجها، و فرحها، و حربها و ثروتها و فقرها، و وجوه ثقافتها و حضارتها … و هذه يقربها التاريخ. و يخطي ء من يعاديه، أو يجهل أمره إذ يبقي غافلا عن هذه الحياة في أطوارها العديدة، و أوضاعها المختلفة.
حاولنا أن نتبين هذه، و نعلم عنها ما نستطيع، و لكننا في كل الأحوال وجدناها مفرقة في (كتب التاريخ)، فعزمنا علي تأليفها و جمع شملها. و ربما كانت الوسيلة للمعرفة الصحيحة. فإذا قورنت بما نشاهد، و بما ندرك من أوضاع تكاملت من كافة الوجوه.
مرت بنا صفحات من ذلك في أجزاء سبقت. فهذه صفحة تالية لها، مؤدية إلي الغرض. و فيها ما يكمل تلك، و يوضح ما خفي و تبدأ من سنة 1049 ه- 1639 م و تنتهي بأواخر سنة 1162 ه- 1749 م، و في هذه ضروب الوقائع، و ألوان المعرفة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 6
و كل ما نرجوه أن نوفق للموضوع، و أن نلمّ بأطرافه. و هذا لا يقل عما سبقه في حروبه، و في أوضاعه الأخري. و أعتقد أنه أبين من سابقه.
جلا الغموض و زاد في المعرفة. و من ثم نتدارك الخلل. و التاريخ يوضح بعضه بعضا.
و في ثقافته وضوح لا يقبل الارتياب و لا يقل فائدة عن تاريخه السياسي و سائر حوادثه. و أملنا أن نحصل علي الإجمال من وجهه الصحيح.
و
لا شك أن هذه صفحات جليلة الفائدة، و الجهل بها حرمان لا نعذر فيه. و وقائعنا علي كثرة التتبعات و الجهود المبذولة قليلة المادة.
و في هذا العهد تزايدت المراجع. و كانت المعرفة أتم، و في كلها لا تزال الإدارة شديدة الوطأة ليس فيها إلا التغلب و القسوة.
و لعل هذه تكشف عن مدي السيطرة و ما بلغته الإدارة في أكثر الأحيان و لا تخلو من وقائع مشهودة. نحاول بيانها من طريق صحة الحوادث لنتمكن من السيرة التاريخية دون أن تكون مشوبة بآمال يزينها أهل الزيغ. و ليس بعد التجربة و التمحيص، أو بعد معرفة ما جري فعلا مستعتب.
ذقنا الأمرّين من آمال الطامعين. و رأينا جفوة من كل إدارة مرت بنا. كرهنا و سخطنا، و لكن ذلك لم يغير في الوضع، و لم يبدل في الحالة.
وقائع هذا العهد جليلة. فيها من الأوضاع السياسية، و الأحوال الحربية، و الشؤون الاجتماعية ما هو متبدل، فلم يستقر أمر علي وتيرة.
و في حالته هذه لم يخلف أرباب السلطة ذكري جميلة أو جليلة، و لا سجلوا خير الأعمال، و لا عظيم الخصال و قلّ أن نري من كانت هذه صفته في خدمة الجماعة و مراعاة نظامها، و العدل بين أفرادها …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 7
هذا التاريخ يعين علاقة الدولة بنا و علاقتنا بها، و الاتصالات الدولية في المعاملات و التعاملات، و حوادث القطر مما جري فيه. و أكبر مؤثر أن الدولة لا تزال في ارتباك من أمرها. و الضرورة تدعو إلي هذه المعرفة.
في هذا العهد زادت الوثائق، و كثرت المطالب لقرب الزمن منا و سهولة المعرفة، و لا تزال الغوامض كثيرة و الجهود مصروفة للحصول علي ما يبين
عن الحالات. و ما وصل إلينا محدود نوعا أو بحالة مقتضبة … و الأمل أن ينال التتبع حقه، و تكتسب المعرفة مكانها اللائق بها.
بذلنا كل غال و مرتخص في سبيل جمع الوثائق و لم شعثها و شتاتها حتي تيسر الاطلاع علي بعض الغوامض. و من هذه ما يعين مجاري السياسة داخلا و خارجا. و منها ما أوضح عن الثقافة أو عن التشكيلات الإدارية. و بين هذه ما انفردنا به، أو عزّ وجوده، و بينها ما هو متصل بالحوادث الرسمية. و هكذا ما يتعلق بالمجتمع، أو بالعشائر و سائر ما له صلة بالقطر و شؤونه.
و ليس في الوسع أن نتناول بالذكر كل ما طالعناه من مراجع أو كل ما استفدنا منه. فالكتب التاريخية من هذا النوع كثيرة، و من الصعب استقصاؤها أو وصفها و بيان قيمتها التاريخية و بينها ما كتب لغرض ايضاح تاريخ أهليها فتعرضت لما اتصل بالعراق، أو جاء استطرادا، و فيه فائدة.
و يهمنا من هذه المراجع (الكتب المحلية). و يليها في الرتبة (التواريخ الرسمية) للدولة العثمانية، و بعدها (تواريخ ايران) و تواريخ الاقطار الأخري، و بينها المعاصرة أو القريبة من العهد. و لعل المقابلات تظهر الحقيقة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 8
تعرضنا بسعة لتفصيل هذه المصادر في كتاب (التعريف بالمؤرخين). إلا أننا نخصّ بالذكر هنا (تواريخ العراق) عند الكلام عليها في محلها. فمثلا نتناول (تاريخ الغرابي) بوفاة مؤلفه و هكذا..
فنتوسع فيه. و في گلشن خلفا عند ذكر حياة مؤلفه. و مثله يقال في تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). ذكرناه في تاريخ انتهاء حوادثه.
و كلامنا هنا موجز يعرف بها أو يعين وضعها، أو قيمتها كوثيقة تاريخية و لا نتجاوز حدود التعريف، نناقش وجه
الصواب، و المراجع في الاجزاء السابقة لا نتعرض لها إلا بقدر.
ظهر فيها من التواريخ المهمة (منظومة آل أفراسياب)، و (زاد المسافر)، و (تاريخ الغرابي)، و (گلشن خلفا)، و (قويم الفرج بعد الشدة) أو (سيرة المولوي)، و تواريخ أخري تعود لعهد تال. و المصادر الخاصة أمثال ما ذكر يأتي الكلام عليها في موطنها من هذا الكتاب. و أما التالية مما يخص هذا العهد مثل (كتاب حديقة الزوراء في أخبار الوزراء) و كتب محمد أمين العمري و أخيه ياسين العمري و دوحة الوزراء، فلا نعجل فيها بالبيان، و إنما نكتفي بالنقل منها.
هذه ظهرت العناية بها أكبر. ذكرنا قسما منها و لا تزال حوادثها مستمرة. و مما يدخل ضمن موضوعنا:
هو من تأليف محمد آغا خواجه زاده من أهل فندقلي من مضافات غلطة باستنبول. ولد في 12 ربيع الأول سنة 1069 ه- 1658 م. كتبه إلي 22 جمادي الآخرة سنة 1106 ه- 1695 م و كان مولعا بالتاريخ. أتمّ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 9
(فذلكة كاتب چلبي) بدأ به من حوادث سنة 1065 ه- 1655 م. ثم إنه كتب (نصر تنامه)، أكمل بها حوادث تاريخه و أتمها بحوادث سنة 1133 ه- 1721 م كان شاهد عيان إلي سنة 1115 ه- 1703 م فكتب بتفصيل ثم أجمل ما وقع بعد ذلك. توفي سنة 1136 ه- 1723 م.
أوضح عنه الأستاذ أحمد رفيق ايضاحا وافيا، و عين النسخ الموجودة من هذا التاريخ. فاتخذ بعضها أصلا. و نقده في الاعلام الجغرافية و الأسماء الأجنبية فصححها في الهامش بالافرنسية فسدّ خللا كما أنه شاهد أغلاطا في رسم الكلمات و في التراكيب فلم يتعرض لها و إنما ابقاها كما جاءت، و رجح هذا التاريخ علي (تاريخ راشد) من حيث السعة و الإتقان قال في راشد إنه كان يكتم الحقيقة أحيانا إلا أن هذا يعدّ من الوثائق المعتبرة جدا للمؤرخ لا سيما ما كان يخص المائة الثانية عشرة.
طبع في مجلدين الأول تمتد حوادثه إلي سنة (1096 ه). طبع في مطبعة الدولة سنة 1928 م. و الثاني ينتهي بسنة (1106 ه) بتعليقات للأستاد المؤرخ أحمد رفيق و صدره بمقدمة له في التعريف بالكتاب و نسخه.
من الكتب التاريخية المهمة. و إن الغمز الموجه عليه من الأستاذ المؤرخ أحمد رفيق كان مصروفا إلي أنه سهل لم يتوسع في الحوادث.
و هذا لا يضر به و لا يخل بصحة ما كتب مع وجود ما هو
اوسع. لعل له عذرا و لكن المؤاخذة إنما تتوجه في تغيير ما وقع، و تبديل ما حدث.
و ليس لدينا شي ء من هذا القبيل. و فائدة هذا التاريخ كبيرة جدا بالنظر لوقائع العراق. نراه يوسع فيها.
و مؤلفه أبو المكارم محمد المعروف ب (راشد). كان شاعرا،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 10
و مؤرخا في التاريخ العثماني. و أبوه من أهل ملاطية. كان من الصدور و يعرف ب (مصطفي الملاطيوي) توفي باستنبول سنة 1148 ه- 1735 م.
و لا يفوقه في شعره و نثره أحد من معاصريه إلا أمثال (نديم) و (نابي).
و هذا التاريخ مضي به علي طريقة (تاريخ نعيما). جاء ذيلا عليه رتبه علي السنين. فصّل بعضها و أجمل الأخري، و راعي الجرح و التعديل في بعض الوقائع فلم يغفل أمرا. و إن مقابلة الحوادث ربما كانت السبب فيما أبداه الأستاذ أحمد رفيق من نسبة النقص إليه.
بدأ بوقائع السلطان محمد سنة 1071 ه- 1660 م و انتهي المجلد الأول منه بوقائع سنة 1098 ه- 1687 م و يليه المجلد الثاني، و تمتد حوادثه إلي نهاية سنة 1115 ه- 1703 م و يتلوه المجلد الثالث. يمضي في حوادثه حتي سنة 1134 ه- 1721 م لكنه لم يبلغ درجة نعيما في تاريخه. جاءت ترجمته في آخر المجلد الخامس من تكملات هذا التاريخ. و في كتاب (عثمانلي مؤلفلري) ذكر له نماذج من شعره. و كان مؤرخ الدولة.
و هذا التاريخ تبتدي ء حوادثه من ذي القعدة سنة 1134 ه- 1722 م و تنتهي بحوادث عام 1141 ه- 1728 م. قطعه كبير كسابقه و عدد أوراقه 158. و هو من مطبوعات إبراهيم متفرقة طبع سنة 1153 ه- 1741 م تأليف إسماعيل عاصم
المعروف ب (كوچك جلبي زاده) من مؤرخي الدولة اختاره الوزير الأعظم إبراهيم باشا الداماد في 28 شهر رمضان المبارك لسنة 1135 ه- 1723 م إلا أنه شرع في تدوين حوادثه من ذي القعدة سنة 1134 ه- 1722 م من حيث انتهي سلفه. و له مهارة فائقة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 11
توفي في 3 جمادي الآخرة سنة 1173 ه- 1760 م.
هذا التاريخ تناوب في تدوينه سامي، ثم شاكر، ثم صبحي فكمل كل واحد ما قام به الآخر. فمن هؤلاء سامي مصطفي. ولي تحرير وقائع الدولة. و في سنة 1146 ه توفي فأضيفت تدويناته في الوقائع إلي تاريخ صبحي. و أما شاكر بك فإنه ابن حسين باشا والي البصرة المتوفي فيها. و هذا أيضا كان قد ولي قضاء حلب في شعبان سنة 1155 ه و بعد مرور خمسة عشر يوما توفي فأضيفت وقائع أيامه إلي ما دونه صبحي.
و هذا ابن خليل فهمي ولي تحرير الوقائع الرسمية خلال سنة 1152 ه، و استمر إلي أواخر سنة 1156 ه. و توفي في غرة المحرم سنة 1157 ه 1743 م. وضع تاريخه في سنة 1198 ه باستنبول في مطبعة إبراهيم متفرقة المعادة مجددا.
لسليمان عزي من المؤرخين الرسميين، جاء بعد صبحي. و كتابه طبع سنة 1199 ه- 1784 م، و يحتوي علي ذكر ولاة بغداد:
1- أحمد باشا بن حسن باشا.
2- أحمد باشا الصدر الأسبق.
3- الحاج أحمد باشا كسريه لي.
4- الحاج محمد باشا الصدر الأسبق.
5- سليمان باشا مؤسس حكومة المماليك.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 12
و هؤلاء ذكر وقائعهم من سنة 1157 ه- 1744 م و استمر إلي اواخر سنة 1165 ه- 1752 م في مجلدين طبعا معا. و كان خلفا لصبحي محمد المؤرخ العثماني الرسمي في تحرير الوقائع. و إن تاريخ صبحي يقف عند نهاية عام 1156- 1744 م فشرع عزي في تدوين الوقائع من حيث انتهي سالفه، اختارته الحكومة في غرة رجب سنة 1158 ه- 1745 م.
و هذا الكتاب طبعه محمد راشد مكتوبي الصدر و أحمد واصف مؤرخ الدولة العثمانية. كانا اعادا الطباعة كما كانت في عهد
إبراهيم متفرقة و عهد خريجه إبراهيم القاضي و كانت أهملت في أواسط أيام السلطان مصطفي. و كان طبع تاريخ صبحي في المطبعة المذكورة.
و هذه لمؤرخين لم يكونوا رسميين. و إنما ساقت الرغبة التاريخية، و الميل إلي تدوين الحوادث للكتابة فيها. و هذه قد يلتفت أصحابها إلي ما هو جليل الفائدة، عظيم العائدة. و فيه من الأخبار ما يكشف عن حوادث قطرنا، بل قد يتيسر في مؤلفات لا تظهر للناظر فائدة فيها، فيتبين ما خفي عنا، و نحن في حاجة إلي معرفته.
من المؤلفات التركية في التاريخ ذكر وقائع العراق و ايران و هو من خير المصادر يعتمد عليه في الوقائع الرسمية. في مجلدين ضخمين، موضوعه عام إلا أنه يمضي مختصرا و يفصل القول في الحوادث العثمانية و فيه الكثير من الوقائع العراقية و ينتهي بسنة 1188 ه- 1774 م و مؤلفه محمد سعيد بن محمد المدرس ولد في بروسنة. ثم ذهب إلي استانبول و تخرج علي (نشأت) رئيس الطريقة النقشبندية و درس الفارسية علي أكابر رجالها آنئذ الحاج علي بابا الملقب بصديق الشاعر في الفارسية. قرأ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 13
عليه مدة 25 عاما و من جملة ما درس عليه (شاهدي) و (پند عطار).
و (ديوان حافظ) و قسما من (كتاب بوستان). فبرع بالشعر و النثر. قال:
إنه رأي التاريخ نافعا لكل الطبقات و الصنوف، و جعل اسمه تاريخا له و هو سنة 1249 ه فدعاه (لب التواريخ) ثم قدمه إلي السلطان باسم (گلشن معارف) و ذكر المراجع. كتبه بلسان سهل … تم طبعه في دار الطباعة العامرة عام 1252 ه- 1836 م.
و هناك كتب تاريخية عديدة مثل (تاريخ واصف)، و (تحقيق و تدقيق) و (سجل عثماني)، و (نتائج الوقوعات) … و غيرها من التواريخ المتأخرة.
و هذه كثيرة، من أهمها المخابرات السياسية، و المعاهدات، و الوقائع الحربية و في هذه مدونات عديدة و لعل من أهمها (دره نادري)، و (جهان گشاي نادري) … و تواريخ أخري لا يستهان بها. و كانت من الكثرة مما لا تسع مطالعته كله إلا أن المهم منها ما كان أيام نادر شاه.
و مثله المؤلفات التركية. حصلت علي مجموعات كبيرة جدا في اللغتين التركية و الفارسية. و بينها وثائق معتبرة جدا،
و محل التفصيل (التعريف بالمؤرخين).
و هذه غالبها يتعلق بالتاريخ العلمي و الأدبي و قل فيها ذكر الوقائع.
و هنا لا أتعرض لها إلا بقدر الحاجة دون تفصيل. و قد أكملت (التاريخ الأدبي في العراق). و لعل الأيام تسمح بتدوين التاريخ العلمي و بيان مؤلفاته و التعريف برجاله. و المعلوم منهم أكثر مما في المجلد السابق.
و النقل يعين اسماءها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 14
هذا، و الكثرة في المصادر لا تفيدنا إلا بما احتوت عليه من وقائع أو تفصيلات أو مادة بحث. و لا شك أننا في نهم شديد للحصول علي الجديد و الاستزادة فيما يكشف عن القطر لينجلي مبهمه. نعلل بأن ما عرفنا كبير الفائدة. و ربما يتم به الغرض، أو أن ذلك مما يصحّ أن يزاد فيه، و يكمل النقص المشهود و لكننا نريد أن نتوضح الوقائع. فلا نكتفي بمصدر أو وثيقة … و هكذا المعارف التاريخية الأخري. و موعدنا الاتصال بالوقائع و نصوصها. و تظهر قيمة الأثر بمقدار ما تتيسر الاستفادة منه. و جل أملنا أن يكون هذا المجلد عند رغبة الأفاضل و رضاهم مفيدا نافعا. و يعوزني ارشادهم في التوجيه أو التنبيه إلي الاغلاط، أو الاشارة إلي المراجع المهمة التي أغفلتها لتثبيت الوقائع أو تحرير ما يستدعي التفصيل.
هذا، و ليس في المستطاع أن نبدي أكثر مما عندنا. أما الوثائق القليلة، أو التي لا تتناول فصولا كثيرة فهذه لا نتعرض لها هنا. و إنما نعين وجوه الاستقاء منها في محلها.
في هذا العهد كانت الحكومة العراقية آمنة من الغوائل في الخارج. ركدت حوادث ايران، أو أصابها فتور في كثير من الأحيان، فوجهت جهودها للتسلط علي العشائر. فقد كانت إلي هذا الحين بنجوة من الغوائل لانشغال بال الحكومة
بنفسها، و في هذه المرة قست فكأنها شعرت بقوة، و من ثم أضرت بالعشائر و نكلت بها تنكيلا مرا، ذلك ما دعا أن تميل الضعيفة منها إلي القوية لتعتز بها. أو لتكون بمعزل عن الاذي و الضرر …
و الولاة كانوا بعيدين عن الأهلين لا يعرفون من أحوال الشعب، و لا من انحائه سوي الاسم و قد يكون مغلوطا … رغبتهم لم تتحقق إلا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 15
علي الضعفاء، و عمرهم قصير، فلم يتمكن وال مدة طويلة من الحكم ليعرف الحالة. و لا سبب لذلك إلا خوف الدولة من أن يحدث غائلة، أو يضمر آمالا. فيستعين بالأهلين، أو بالموظفين الأهليين. و من ثم تبقي علاقته بهم قليلة و رسمية لا سيما أن الواحد منهم كان يأتي بكتخداه معه و إذا رجع أعاده و جاء غيره و معه كتخداه …
و في هذا كله ما يمنع من التسلط، و التوغل، أو المعرفة التامة بحقيقة الوضع فبقيت الجهالة سائدة، و نفوذ العشائر الكبيرة بالغ حدّه … و موظفو الدولة لا يتجاوزون الوالي و كتخداه، و القاضي، و الدفتري، أما كتابة الديوان و رئاسته فإنها بيد الأهلين من الترك أو العرب و هم لا يأمنون منهم و إن كانوا لا يقصرون في تنفيذ رغائبهم و تمكين ادارتهم … و لم تطل إدارة إلا للواليين الأخيرين حسن باشا و ابنه أحمد باشا، فكانت النتائج أن تكونت (حكومة المماليك) أو (حكومة الكولات).
كان حسن باشا و هو من أشهر وزراء بغداد قام بأعمال مهمة لدولته … ثم خلفه ابنه أحمد باشا و هذا لا يقل عن والده و يعد الأول فاتحة لتسلط العثمانيين علي هذا القطر بصورة مكينة. و صار
تمهيدا لمن تلاه و تجديدا في حياة الدولة.
إن الحالة إلي أيام الوزيرين كانت بيد الينگجريّة و تسلطهم فالوالي ليس له من الأمر شي ء و إنما يكون في الغالب منقادا لرؤسائهم و كبار رجالهم فلا قدرة له كما أن الأهلين يئنّون من قسوتهم و ظلمهم، و يتخلل ذلك الضرائب و النهب و الغصب و انتهاك الحرمات …
و في (انحاء العراق) كانت العشائر أقوي. لا تسلط عليها لما اضطرت إليه من اتفاق بعضها مع بعض. و نطاق بغداد ضيق إلا أنه صار يتوسع قليلا. و كانت العشائر في ماضي العهد ذاقت الأمرين من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 16
قسوة الموظفين و انتهاكهم للأعراض، و سبي الأطفال و التعرض للنساء مما يسوّد وجه الإنسانية فضلا عن أنه مردود شرعا … و ما ذلك إلا لأن الجيش متغلب علي القيادة، فالطاعة مفقودة، و لذا رأت الحكومة معارضات شديدة جدا و اتفاقا علي محاربة الظلم و العدوان.
و هذا العهد يمتاز بأنه لم يحصل فيه تجاوز علي الاعراض، فإن الوزير حسن باشا كبح من جماح الجيش كما أنه أراد أن يتسلط علي العشائر، وقفهم عند حدّ و بالتعبير الأصح عزم علي الوقيعة بالعشائر باستخدام القوة، و التحكم في هؤلاء، كما قضي علي نفوذ الينگچرية فلم يستطيعوا أن يقوموا بتجاوز أو تعدّ.
و الفضل في ذلك كله لهذا الوزير فإنه بقدرته و شدته أسس النظام و حافظ علي إدارة العراق، و راعي الأمن داخلا و خارجا بقدر الإمكان..
و صرف القوم عن حالة اعتادها الناس و تمرنوا عليها، فجعلوها طريق استفادتهم.. فقهر الأكثر من المتغلبة و أذلهم …
و كذا ابنه أحمد باشا حذا حذوه و تخلل ذلك بعض ما يوجه من تنديد و
لكنه قليل بالنظر لأيام الراحة، و تلاهما من حدثت في أيامه بعض الغوائل و لم تكن عامة، و الناس في هذه الحالة اعتادوا النظام. و مشوا علي خطة في إدارة المملكة لو لا أن حدث ما أزعج الوضع من حروب ايران في حالتي الضعف و القوة. فاضطرب العراق اضطرابا عظيما.
هذه النظرة السريعة تعين الوضع مجملا، و يعدّ أصلح من سابقه بالنظر لوجهة الحكومة و إن كانت تخللته بعض أوضاع لم تكن مرضية.
و لا نقول إن هذا كاف للإصلاح بالنظر إليهم و باعتبار وجهة نظرهم بحيث يقف الأمر عنده، أو يجب أن يلتزم إذ لم يخل من سوء الإدارة.
و الملحوظ أن الدولة تريد ضبط القطر و تأمين ادارته بأي وجه كان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 17
و لا تلتفت إلي ما يقع، أو لم تسمع عنه شيئا لبعده عن عاصمتها. و هذا هو الصحيح.
و هنا نكتفي بما ذكر من مزايا هذا الدور إجمالا و أن نبدي مطالعاتنا علي نفس الوقائع، و الأحوال التي تعرض في مواطنها لتكون أقرب للوقوف علي الوضع، و ماهية الحوادث …
و صفوة القول أن الحكومة حاولت التمكن من إدارة العراق بالتسلط علي المتنفذين من الينگچرية و العشائر. و يعدّ الأهلون من أهل المدن ذلك نعمة للتخلص من العتاة المتنفذين و التمكن من الإدارة.
فاتخذت بعض العشائر وسيلة لاخضاع الأخري استفادة من عداء سابق، أو اطماع لمصلحة تقوية النفوذ للسيطرة علي خارج بغداد.
و الحالة الخارجية ساءت في أواخر هذا العهد. نهض الايرانيون و علي رأسهم نادر شاه بقوة كاد يدمر بها القطر بل شوّش أمره، و جعله في ريب …
و يعزي لهذا العهد ثقافة نافعة كانت أصل ثقافة عهد المماليك.
ظهر علماء و شعراء
كثيرون. و لعل لقرب العهد أثره.
فتحت بغداد علي يد السلطان مراد الرابع في 23 شعبان فنظم شؤون بغداد. و في 25 منه عهد ببغداد إلي كوچك حسن باشا، و فوض القضاء إلي مصطفي التذكرچي، و أودعت وظائف أخري لموظفين آخرين.
ذكرنا ما جري في المجلد السابق، و في 12 من شهر رمضان هذه السنة عاد السلطان إلي عاصمته، و بقي الصدر الأعظم يدبر بعض الشؤون.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 18
و في عهده انصرف إلي تأسيس النظام و تشكيل الإدارة و تقريبها و لو بصورة مصغرة من ادارة الدولة و تشكيلاتها. و جعلها مدينة كمدن الدولة.
جرت في أيامه الطمأنينة و عاد الفارون من حكم العجم إلي أوطانهم فآبوا من غربتهم و من ثم تكونت العمارات، و عمرت المساجد و أعيدت بغداد إلي ما كانت عليه من إقامة الصلوات و الجمع …
و حسن باشا كان موصوفا بالشجاعة و هو الباني الأصل، و الأهلون يطرونه بأحسن الذكر. يقولون كان سليم الطويّة، حليم السجية، يرعي الفقراء و الصغار، و يوصي أعوانه بحسن السلوك و مراعاة العدل و الحق، كما يمنع من الظلم و يزجر فاعله، و يعزر من يري منه سوء فعله. و علي كل كان حسن السلوك و من أرباب الخير … يروي أنه لما رتب ديوانه للعدل فأول ما قضي به أن أصدر حكمه لفقير و نبه تنبيها أكيدا أن لا يميل أحد عن الحق لمحاباة، أو منفعة، و شدد النكير.
كان كوچك حسن باشا من الينگچرية فصار رئيس السكبانية. و في شهر رمضان سنة 1047 ه نال منصب آغا الينگچرية و منها ولي بغداد بالوجه المشروح.
إن أهم الأحداث الفتح بعد مقارعات عظيمة كبدت الدولتين خسائر فادحة في الأموال و النفوس.
فكانت المدونات عنها كثيرة. و لعل من بقايا ذكرياتها مدفع أبي خزامة و كان من مدافع الفتح. و لعله قام بخدمات كبيرة في تسهيل هذا الفتح، فصار يعد مباركا محترما في نظر العوام من الأهلين، و يعين شعورهم الصادق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 19
و ربما نسبت للسلطان كرامات، و لم يدر هؤلاء أنه كان شجاعا، قوي الإدارة في قهر من وجد منه ضررا للدولة أو رآه لم يتورع في انتهاك حرمات الأمة بل قسا تلك القسوة الجائرة. و لعل ما ظهر من عظمته في حرب بغداد، و تمكنه من انقاذ الناس بما بذل من أموال و نفوس خلدت له الذكري الجميلة، فاشتهر صيته، فلا يصح أن تعزي له كرامة و لا لمدفعه إلا ما صح من الخدمة الحربية، و لكن العوام يزعمون أن مدفعه (أبا خزامة) كان يلتهم الاحجار و الصخور فتظهر منه قذائف صبت علي رؤوس الأعداء وابلا من البلاء كما أن النساء تأتي بالاطفال للاستشفاء من الأمراض بعرض الأولاد علي فوهته كأنه (طبيب الأطفال)، و كأن انفاسه تمد ببركاتها الشفاء. و هكذا تعقد العقد للبركة … و العامة لا قياس لتفكيرهم، فلم يوجهوا، و لم يردعوا عن هذه المنكرات الخرافية المضرة بالعقيدة الحقة.
و لا يزال العوام في ضلال، فيضطر الكثير من العلماء إلي مداراتهم. و كأن القول قولهم، و المتابعة من العلماء واجبة، فلم ينه العلماء عن منكر فعله العوام، أو لا يتناهون عن منكر فعلوه …
و أحسنت الدولة العراقية الحاضرة في رفعه عن أنظار العامة. و وضعته في متحف الأسلحة. و الأمر المهم أن هذا كان من مظاهر الفرح في النفوس إثر الفتح.
و كان عند اليهود (عيد يوم الفتح) يعتبر
من أعياد بني اسرائيل في بغداد تعاد ذكراه في كل عام. و لا شك أن هذا العيد كان من مظاهر الفرح بهذا الفتح لما لقي الأهلون من المصائب و الارزاء ففرج الفتح الكربة و لم يقف عند طائفة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 20
بقي الصدر الأعظم ينظر في شؤون العراق العامة. و من أجل ما فعله عقد المعاهدة مع ايران، و في 2 المحرم سنة 1049 ه- 1639 م و في گلشن خلفا في 4 المحرم عهد بولاية بغداد إلي (درويش محمد باشا) بدل الوالي (كوچك حسن باشا). و عين هذا الأخير لمنصب (وان) ثم نقل إلي منصب طرابلس.
و غالب المدة التي قضاها الوالي تصادف وجود السلطان ببغداد، و بعد عودته كان الصدر الأعظم فيها. و بقي إلي آخر أيامه، أو في الانحاء العراقية للمفاوضات في الصلح بين ايران و العثمانيين.
كان (گنج عثمان) من الشجعان الابطال. و هو من اتباع أبازه باشا المشهورين فجعل علي جيش تولي رئاسته. و أرسل لفتح الانحاء العربية.
و هذا لاقي (القزلباش) أي الايرانيين أو الشيعة منهم بسيفه فدمرهم، و فتح قصبة كربلاء و ذهب منها إلي النجف و كانت بلدة معمورة فاستولي عليها. و منها اكتسح الحلة، و ضبط الرماحية. و من ثم حطّ ركابه في كربلاء. إلا أنه اهتم غاية الاهتمام بالبلدان و البقاع التي استولي عليها و راعي حسن ادارتها.
كان جاء من طريق الفرات إلي الفلوجة، و منها هاجم الحلة و ما والاها بالوجه المذكور، فورد خبر ذلك إلي خسرو باشا، فمال السردار إلي محاصرة بغداد كما مرّ تفصيله في سنة 1040 ه. فشرع الوزير بمحاصرة بغداد، فلم يتيسر له الفتح.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 21
جامع قمرية في الكرخ- دار الآثار القديمة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 22
و كانت وردت الأخبار من الحلة في حينها إلي السردار بأن الشاه عازم علي محاربتنا، و متوجّه إلينا، فطلبوا منه أن يمدّهم، فصدر الفرمان إلي نوغاي باشا أمير أمراء الشام
و إلي أمراء آخرين إلا أن ذلك لم يجد، فحاصر الشاه الحلة، فلم يتمكن المحصورون من الدفاع إلا لمدة قليلة، فمضي خليل باشا إلي السردار، و تمكن من العودة بمن معه.
و من ثم طوي خبر (گنج عثمان)، و لم يعد يعرف عنه شي ء إلا أن صاحب السجل العثماني ذكر أنه كانت له خدمات في حروب بغداد و كان شجاعا غيورا. توفي شهيدا سنة 1040 ه.
و هذا البطل الشاب نقل نعشه إلي بغداد كما يظهر، و اتخذت له (سقاية) بقرب (سراي بغداد) كعمل خيري له. هذا و يعرف ب (قبر گنج عثمان)، و اتخذ مزارا.
صار يسكنه بعض الدراويش لتعليم الصغار من أولاد المسلمين القرآن، و لعلّها كانت من تأسيس الدولة.
و نري كتّابنا اضطربت كلمتهم في أمره. و أوسع من كتب الأستاذ عبد الحميد عبادة في كتابه (العقد اللامع)، إلا أنه عدّه ممن توفي أثناء فتح السلطان مراد الرابع بغداد.
قال:
«من الرجال الذين استشهدوا في واقعة بغداد من قبل السلطان مراد خان. كان قد بني علي مرقده قبة معقودة بالحجارة و الجص و بجنبه ايوان للصلاة. و في سنة 1133 ه جدد ذلك البناء من قبل الوالي حسن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 23
باشا و كتب علي شباك مرقده المطلّ علي الطريق بالحجر الكاشاني ما نصه:
«ألا أن أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون. رئيس الشهداء گنج عثمان. قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133 ه.».
و في المحرم سنة 1324 ه شبّت النار ليلا من أحد الدكاكين المجاورة لهذا المرقد و كان يشغله صالح البقال فاحترق الدكان و احترقت معه عشرة دكاكين و قهوة، خمسة منها لدائرة البلدية و خمسة لدائرة الاوقاف
و مات المرقوم صالح بسبب ذلك الحريق و احترق بعض هذا المسجد فأمرت دائرة الاوقاف بتعميره و ذلك سنة 1326 ه و لما تولي خليل باشا بغداد سنة 1333 ه أمر بهدم رباط الجندرمة و المسجد المذكور و جعلهما أرضا بسيطة، فرفعوا بناءهما و بقي قبره وحده في الطريق و عليه شبّاك من خشب. و في يوم الخميس 20 ربيع الأول سنة 1336 ه و بعد استحصال الفتوي من العلماء نقلت بقايا جثمانه إلي مقبرة الشهداء و قد قال المأمور الموظف علي نقله إنه وجد في القبر عظاما بالية فوضعها في كيس و دفنها في المقبرة المذكورة و قد وضع الشباك عليها كما كان. و علق الأستاذ عبد الحميد عبادة أنه بعد التحقيق من المأمور قال لي: جئنا قبره ليلا مع أحد البنائين و قد بنوا القبر داخلا و اعتنوا بتحكيم بنائه و ابقائه في محله و رفع الشباك الخشبي الذي كان فوقه و وضعه علي قبر في مقبرة الشهداء و حلف باللّه أن گنج عثمان في محله لم ننقل من جثمانه شيئا. «اه.».
و جاء في لغة العرب ما ملخصه أن گنج عثمان كان حاملا لواء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 24
عند دخول السلطان مراد بغداد متقدما أمامه، و أنه قطعت يداه و بقي العلم يمشي أمامه بلا حامل يحمله حتي رآه أحد الناس فدهش به و عند ذلك هوت الراية إلي الأرض و قتل گنج عثمان إلي آخر ما جاء مما لا يوزن بميزان الصحة فجاء هذا النقل موافقا لما ذكر الأستاذ عبد الحميد عبادة. و لم يكن هذان القولان صحيحين و إنما نقلا من الأفواه.
و جاء في لغة العرب أيضا أن السقاية
أمر الأتراك بهدمها سنة 1915 م لتوسيع الطريق لتصلح أن تكون جادة. و أبقو القبر و حوطوه …
و في الاحتلال أزيل القبر و سوّي، فدخل قارعة الطريق في أيلول سنة 1917 م.
و قد تبين من النصوص المنقولة أنه توفي قبل مجي ء السلطان مراد الرابع بسنين. اتخذ في هذا المحل كتّاب، و بقي مستمرا يدرس فيه شيخ يعلم القرآن، و قد شاهدته.
في 2 المحرم سنة 1049 ه ولي بغداد. و كان الصدر الأعظم في منزل (خانقاه الصغير). و جاءته براءة الوزارة في 24 ربيع الأول.
و بعد أن فارق الصدر و جاء إلي بغداد قبض علي إدارتها بيد من حديد. راعي الشدة. قال صاحب گلشن خلفا إن العراق كان مضطرب الجوانب، مختلف الأجناس، و مختل الأحوال. فجاء هذا الوزير بقصد إظهار السطوة و القوة. و المنقول أنه كانت أيام حكومته خالية من العدل و الإنصاف. أقام في سراي (بكتاش خان).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 25
إن الصدر الأعظم قبل ذهابه إلي استنبول بقليل اختار أحمد باشا والي ديار بكر قائدا للجيش و جعله محافظا علي الموصل.
سبق أن ذكرناها، و من احفاده المرحوم السيد حسن نقيب كربلاء المتوفي سنة 1952 م.
القبائل انضم بعضها إلي بعض و تناصرت فيما بينها فلم تتمكن الحكومة من الاستيلاء عليها و كانت رئاسة الخزاعل معروفة. قالوا إنها في حالة اضطراب و إن شيخ الخزاعل (مهنا) في أطراف السماوة أظهر العصيان كخالد العجاج أبي ريشة. كانوا ممن يلحظهم شاه العجم، و صار الشيخ مهنا يضر بالمارة و أبناء السبيل فطغي سيل شرّه و أعلن طريق الغواية … فاقتضي إيقافه عند حدّه و كسر شوكته. فأمر الوزير بتجهيز الجيوش و جعل كتخداه علي آغا قائدا فسار إليهم فلم يثبت شيخ الخزاعل أكثر من ساعة أو ساعتين في الحرب فهلك أكثر أشياعه و فرّ هو و شر ذمة قليلة إلي بلاد العجم و من ثم دخل ما كان تحت سطوته في حوزة الحكومة … قال في تاريخ نعيما: «إن الكتخدا ضرب العصاة من العربان و جاء إلي بغداد بغنائم عظيمة … ».
و لعل التجاءه إلي ايران كان من جرّاء ما أصابه من إحراج حتي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 26
اضطر إلي ما قام به [1] … و في مثل هذه الأحوال يعرف أن الحكومة التزمت رئيسا آخر و نكّلت بالأول و إلا فالقبيلة لا تزال في مكانها و في مواطن مجاورة أو قريبة منها … و الولاية في كافة العصور عدوة كل من نال مكانة و نفوذا سواء كان شخصا أو قبيلة …
و هذه القبيلة أصلها خزاعة كما هو المعروف، في حين أن خزاعل جمع خزعل و التسمية به شائعة. و لم يعرف موطن لخزاعة في هذه الأنحاء. و لا نزال في ريب من القول بأنها من
خزاعة. و لنقل ما قالوا حتي نهتدي إلي وجه الصواب. و تتفرع إلي فروع عديدة لا محل لذكرها هنا [2] [3].
______________________________
[1] في السنة الأولي أظهر أمير الخزاعل مهنا بن علي العصيان و قطع الطرقات و في السنة التالية ولي الوزير درويش محمد باشا بغداد فبلغه خبر شيخ الخزاعل فبعث كتخداه علي أغا بالعساكر إلي حربه. و أول ما ملك هيت، ثم توجه إلي سماوة (كذا) و حارب الخزاعل و قتل أكثرهم و هرب مهنا و ملك علي أغا سماوة ثم العرجة و عاد إلي بغداد. و الملحوظ أننا ذكرناها في حوادث سنة 1049 ه.
و هي الصواب و أن درويش محمد باشا ولي سنة 1049 ه لا كما ذكرها صاحب الدر المكنون.
[2] عشائر العراق لا يزال مخطوطا.
[3] من رسالة للشيخ وداي العطية يقول معلقا: كان شيخ الخزاعل ممن يلحظهم الشاه و ذكرت ما مستنده النص و الوقائع التاريخية. و مطالعتي في أنه أحرج فاضطر إلي الالتجاء، و إذا لم يوجد نص في أن الحكومة التزمت رئيسا آخر فالوقائع تؤيد و لم يحكم شيخ الخزاعل من هيت إلي السماوة حتي العرجاء. و إنما كانت وقعة هيت مع آخرين و كان الأولي أن يذكر نصوصا أصلية. و خزاعل لم تكن تحريف خزاعة كما أن الحميدات ليست تحريف آل حميد و مثلها السعيدات و الجنابات و إذا كان أصل الخزاعل من خزاعة فإن خزاعل جمع خزعل و التسمية به مشهودة و هو في اللغة الضبع و تحريف اللفظ غير معروف. و لم نجد نصا قديما يعين موقع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 27
إن العرجة كانت تحت إدارة أمير من أمراء العرب و حياتها مطمئنة استفادت ذلك من
الفترة بين العجم و الروم فلما توفي أميرها سار إليها أمير الأمراء علي باشا أمير البصرة من آل أفراسياب. اغتنم الفرصة للاستيلاء عليها و عزم علي اكتساحها … فلما سمع أهلوها التجأوا إلي و الي بغداد و أنهوا إليه ما جري. طلبوا أن يتولي أمرهم دون علي باشا أفراسياب و علي هذا أرسل الوزير قائدا و جيشا كافيا و موظفين مع دزدار (محافظ) و أمير لواء. سيّرهم إليها فاستولت عليها حكومة بغداد … و الظاهر أن الأمير كان من أمراء المنتفق … و من هذا تعرف سلطة ولاة بغداد و منطقة حدود نفوذهم …
في 16 شوال سنة 1049 ه يوم الخميس توفي السلطان مراد الرابع. و قال عنه كاتب چلبي إنه أعظم الملوك الذين جاؤوا بعد الألف
______________________________
وجودهم، و لا سابق عهدهم. و إذا كانت خزاعة تسكن في العراق قديما، فقد انقطع ذكرها بميلها إلي إيران و المرجح أن أحد رؤسائها خزعل سميت القبيلة به.
و لذا قلت: «و لنقل ما قالوا حتي نهتدي إلي وجه الصواب.» اه. هذا، و النصوص التي ذكرها الشيخ متأخرة عن تاريخ أول شيوع ذكرهم بخزاعل. و ليس في هذا طعن بنسب. و إنما هو فتح طريق للتحري التاريخي. و محفوظ القبيلة معتبر حتي يتبين خلافه …
أما حوادث سنة 1106 ه فقد ذكرتها في حوادث سنة 1105 ه لأن مرتضي آل نظمي ذكرها في هذه السنة. و كان كاتب الديوان. فهو أقرب لضبط الوقائع، فلا يحتاج هذا إلي العجب. و لو رجع الشيخ إلي (كتاب أربعة عصور) لرأي الشي ء الكثير من التنديد بمهنا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 28
من العثمانيين و كان في بادي ء أمره إلي سنة 1042 ه كسائر
الملوك قبله إلا أنه انتبه للأمر بعد ذلك و باشر الشؤون الخارجية و الداخلية بنفسه و قد مرّ عنه في حادث بغداد ما يغني عن اعادة القول … ترجمه كثيرون و أطنبوا في بيان حياته و أعماله … و إن صاحب روضة الابرار أفرد له رسالة في (فتح بغداد). رأيت عرشه في متحف سراي طوپقپو باستنبول، و أفرد في المتحف محل خاص يحتوي علي لباسه و سلاحه حين فتح بغداد وضعت في خزانة خاصة و كذلك رأيت قصره المسمي (بغداد كشكي) أي قصر بغداد بناه لذكري هذا الفتح و يحق له أن يفخر به و يباهي بعد أن استعصي أمر بغداد علي عدة صدور عظام … و أكثر الغوائل إنما تحصل من التهاون لما هناك من الضعف.
لم نعثر علي حوادث في هذه السنة. و إنما أغفلها المؤرخون فيما يتعلق بالعراق و يعدّ من (ذيول حادث بغداد) أن (ابن مير فتاح) كان أخذ أسيرا أثناء الفتح، و سجن في استنبول ففي ذي الحجة من هذه السنة أمر بقتله فقتل. و كأن ايران قائمة علي أكتافه فإذا مات ماتت!!
في هذه السنة توفي محمود باشا جغاله زاده بن سنان باشا كان قد ولي بغداد. و آخر مهمة قام بها أن صار وزير الديوان فتقاعد و توفي في شوال سنة 1051 ه و هو الذي سميت مقاطعة المحمودية باسمه. كما أن خان جغان (خان جغاله) عرف باسم والده. مرّ بنا ذكرها في المجلد السابق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 29
في 18 المحرم انتهت أيام حكم هذا الوالي و كانت ابتدأت في 5 المحرم سنة 1049 ه.
و هو چركسي. كان أولا في خدمة مصطفي آغا ضابط الحرم السلطاني في عهد السلطان أحمد ثم خدم الوزير الأعظم محمد باشا المعروف ب (دال طبان). و كان السلطان عثمان يحبّه لفروسيته و شجاعته.
ذهب في خدمة الوزير إلي مصر حينما صار محافظها و كان يقدمه علي جميع أعوانه، ولي الخدمات السامية حتي صيره كتخدا له. و لما ولي الوزارة العظمي عهد إليه بولاية الشام في أواسط سنة 1045 ه. و كان ظالما جبارا فتك بأهليها و تجاوز في ظلمه الحد. و تنقل في الايالات.
و لما ورد السلطان مراد بغداد كان أمير أمراء الشام فلحق به. و في 25 ربيع الآخر عند ما كان السلطان في ديار بكر عهد إليه بإيالة ديار بكر و ألحق به كثيرا من أمراء الولاية و انضم إليه (حاكم البر) أو (أمير الصحراء) ابن أبو ريش (من أمراء طيي ء) مع باشوات طرابلس و حلب و عدة امراء ألوية جعله قائد المقدمة. و كان درويش محمد باشا مشتهرا بالشجاعة و قوة المراس و شدة البطش و الفتك و الظلم.
توفي في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1064 ه. و كان ولي الصدارة العظمي، فعزل عنها لما
اعتراه من الفالج.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 30
كان هذا الوزير أول وال علي بغداد أيام فتحها، أخلاقه حميدة و أوصافه مقبولة، استجمع السجايا المرضية، فكان هذا من دواعي إعادته في 19 المحرم من هذه السنة.
و في أيام وزارته هذه صرف جهوده لإعالة المحتاجين و إعانتهم بما استطاع، فكانت أعماله جليلة جميلة مشحونة بالثناء. و اسمه موصوف بالخير و الحلم. جلّ آماله مصروفة إلي راحة الأهلين و حراسة المملكة و طمأنينتها. أزال الخوف و الاضطراب و لحظ عمارة المدينة و ترصين حصونها. بني ثلاثة أبراج قرب باب الأعظمية في المحل المسمي (طابية ذي الفقار) قبالة برج العجم فكانت محكمة البناء لتكون سدا منيعا في وجه الأعداء و حارسا للمدينة.
قال في گلشن خلفا: و لا يزال هذا البناء معلنا عن آثاره الحسنة.
و هو الآن (مرقد أمير الاوزبك) التركستاني (امام قولي خان). كان جاء في طريقه للحج. ورد بغداد و مات فيها فدفن في هذا المحل.
أصله مرقد (امام قولي خان) أمير الاوزبك. مات ببغداد. جاء بنية الحج فتوفي سنة 1060 ه ثم جاء ابن أخيه عبد العزيز خان ذاهبا إلي الحج.
مر ببغداد سنة 1092 ه. ولي مكانه أخوه سبحان قلي خان سنة 1091 ه و لا شك أن هذا الجامع من بناء عبد العزيز خان حين وروده. ثم جدّده داود باشا في صفر سنة 1243 ه جاء تاريخه (مليك لذكر اللّه جدد جامعا) و هذا التاريخ لا يأتلف و أيامه و توالت عليه تعميرات. و فيه مدرسة أيضا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 31
ذكر صاحب گلشن خلفا مرقد امام قلي خان بمناسبة بيان الطوابي أو الابراج. و التفصيل في (المعاهد الخيرية).
هذه الدولة سماها صاحب گلشن خلفا بهذا الاسم مرة و بدولة ما وراء النهر أخري. ذكرت في كتاب (دول إسلامية) (دولة جابيان) أو (دولة استراخان) أو (الزدر خان) و يقال لها (حاجي ترخان). خلفت الشيبانيين و هي مغولية من آل جوجي بن جنگيز خان. و أول أمرائها باقي محمد بن جان خان من زوجته زهرا خانم و هو مغولي. ولي باقي محمد سنة 1007 ه و خلفه أخوه ولي محمد سنة 1014 ه ثم إمام قلي ابنه سنة 1020 ه. و توفي ببغداد حين مجيئه للحج سنة 1060 ه ثم صار أخوه نذر محمد سنة 1051 ه و في سنة 1055 ه خلفه عبد العزيز بن نذر محمد (ابنه) و هذا مرّ ببغداد في طريقه إلي الحج ثم صار أخوه سبحان قلي خان سنة 1091 ه. و هكذا توالوا فكان آخرهم أبو الغازي دام حكمه إلي سنة 1200.
و لا يهمّنا منها إلا تلك العلاقة بجامع الاوزبك. ورد عبد
العزيز خان بغداد سنة 1092 ه.
دامت الحالة في بغداد هذه السنة و أوائل التالية بهدوء و سكينة و الناس في راحة و طمأنينة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 32
في هذه السنة في 24 المحرم عزل الوالي.
و الملحوظ أنه ولي بعدها مرعش. و في سنة 1055 ه صار واليا علي روم ايلي و أمر بالذهاب للحرب في گريد. و في سنة 1058 ه أصابته رمية أودت بحياته.
كان من مرافقي السلطان مراد الرابع. و لما ولي ادارة بغداد سعي لتمكين السلطة و استقرارها فأوقع الهيبة في قلوب الناس و أبدي قسوة و كان ضيّق الصدر.
و في كل هذا كان مطمح أنظاره أن يعدل بين الناس و أن لا يميز بين واحد و آخر تحقيقا لهذا الغرض فكان يتجوّل و يستطلع أحوال الناس ليل نهار و يصرف أكثر أوقاته بتبديل زيّه فتراه في المحلات و منعرجات الطرق … ليقف علي أحوال الاشرار و أن ينالوا منه ما يستحقون فسعي لإزالة المظالم.
و مع كل هذا كان قاسيا، لا يقبل عذرا و يخشي الناس بطشه …
و لكنه لم يحد عن طريق الحكمة. يصلي الجمعة و الجماعات و يثابر عليهما.
من مآثر هذا الوزير تعمير جامع قمرية. و هذا الجامع كان أصابه الدمار أيام حروب العجم و لم يكن له من يقوم بخدمته. و أن أبنيته تضعضعت و تهدم قسم منها فعمر أركانه و قبابه فأتمّها و عين له خطيبا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 33
حسن القراءة و إماما و عيّن وظائف أخري لخدمته. و لا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن.
هو اليوم من الجوامع المعروفة في جانب الكرخ و نسب بناءه صاحب منتخب المختار إلي الخليفة الناصر إلا أن الكازروني عين أنه من بناء الخليفة المستنصر فتمت عمارته في سنة 626 ه. و توالت عليه التعميرات. و منها ما وقع في هذه السنة. و التفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية).
و كانت أيام حكومته في بغداد من 25 المحرم سنة 1054 ه و دامت إلي 9 رجب من هذه السنة.
و لما وصل إلي استنبول صار مرافقا للسلطان. و كان يتكلم بلا تحاش من أحد و ينطق بحضور السلطان بلا مبالاة يجرؤ في القول و لا يبالي. هذا ما دعا أن يكرهه أعوان الملك و حاشيته. أبدوا أنه يجب الاستفادة منه لمحافظة الثغور فعيّن واليا لبوسنة. ثم ولي بودين و منها عين لمحافظة حانية في جزيرة گريد. ثم عهد إليه بقيادة گريد.
و في تاريخ السلحدار أنه لما أن عاد الصدر الأعظم قره مصطفي باشا من بغداد كان قائما مقامه (قائممقام) ثم صار في مناصب عديدة و في سنة 1053 ه عزل عن منصب بوسنة و ورد استنبول فوجهت إليه ايالة بغداد. و في سنة 1054 ه عزل فعاد إلي استنبول فصار نديم السلطان. ثم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 34
ولي مناصب عديدة و زاول
حروب گريد و كان ولي منصب السلطان. ثم ولي منصب (روم ايلي) فلفق عليه الصدر الأعظم شكاية فعزل و في شهر ربيع الآخر سنة 1069 ه ورد العاصمة فحبس في (يدي قله) ثم قتل و قد نعت بخير الأوصاف و النعوت.
و هو المعروف ب (محمد باشا آل حيدر آغا). و كان صاحب رأي رزين، و فكر متين و لم يكن في أيامه غير المألوف من العدل و الإدارة و لم تحصل حوادث تستحق الذكر و التدوين.
في جمادي الآخرة صار مصطفي باشا أمير أمراء بودين. و كان قد عزل من البصرة قبل هذا و صودرت أمواله ثم عين إلي ولاية ديار بكر و من هناك عزل فصار أمير أمراء بودين. و لا يعلم متي كان في البصرة و هي في أيدي آل أفراسياب … !!
هذه القبيلة كان يرأسها أمير العشائر خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في انحاء عانة و هيت. و هو موصوف بالشجاعة، ينهب الطرق و يقطع السبل …
و كان انقاد إلي بكتاش خان (حاكم بغداد) من جانب الايرانيين و صار يهاجم بمن معه الاطراف فنال احتراما من هذا الوالي. كان يأتي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 35
بالرؤوس المقطوعة و الألسنة من أماكن بعيدة فيحصل علي اكراميات منه.
و بأمر من حاكم بغداد هاجم مرة أطراف حلب فأتي إلي الخان برؤوس و بمواش كثيرة. باع فرسه المعروف ب (ابن العرب) إلي هذا الوالي بخمسة آلاف قرش ليسد بها عوزه. احتفظ به الوالي لنفسه و اتخذ له سلسلة أمراس من ذهب و عليه العدة و (الرخت). جعله أمام عينه في أكثر الأحيان.
و لما كان يركبه بكتاش خان يصعب عليه قياده فلم يسلس له. يري منه ضروبا من الشموس و الجموح. فدعي خالد العجاج فقال له: إن ابن العرب قد ساءت أخلاقه.
أما خالد فإنه ركبه و خرج هو و بكتاش خان إلي جهة مرقد الشيخ شهاب الدين السهروردي فقال له:
لم تحسنوا قياده و مسك بيده أربعة أقداح ماء فصار كلما رأي منه تصلبا و شموسا ضربه علي رأسه بواحد منها. و بذلك أصلحه.
و هذا الفارس شجاع لا يدع أحدا يمضي من جهة عانة و هيت دون أمره. و من
الاتفاقات الغريبة أنه في هذه السنة سارت قافلة من بغداد إلي حلب. فمشي بين أفرادها وحده.
و حينئذ تقدم مملوك چركسي لأحد التجار يجيد الرمي بالبنادق فصوّب عليه بندقيته و ضربه فأرداه قتيلا. و لما رأي أتباعه ذلك تفرقوا.
سمع (جفته لرلي عثمان باشا) بذلك فأنعم علي المملوك بخلعة و أكرمه و أعطاه رتبة الشجاعة فنال مكانة عنده …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 36
لم تمض مدة علي قتلة خالد العجاج من آل أبي ريشة بل في أواخر هذه السنة طمعت الحكومة في الوقيعة بأمير الصحراء الأمير عساف خلف سابقه. و كانت الدولة قد فوضت ايالة حلب إلي إبراهيم باشا سلحدار الخاصة برتبة الوزارة. و هذا شرع في شؤون الحكومة و ضبطها.
و كان آنئذ أمير العشائر عساف في حلب يتقاضي راتبا من الحكومة، و من عادته أن لا يمر بالبلد و لا يتقرب للأمراء و الوزراء.
و إنما كان يأخذ من القري بعض العوائد الباهظة أو الاتاوة (الخاوة أو الخوة) بلا انصاف. في أيامه جارت العشائر و صارت تقطع الطرق.
دبّر هذا الوالي اغتيال أمير طيي ء هذا و اتخذ الوسائل للوقيعة به فشعر بالحيلة فأحبطت. كان عمل له دعوة فلم ينجح التدبر، فعاد وبالا علي الوالي و من دعاهم للوليمة. و نجا الأمير عساف. فنري وقائع طيي ء لا تزال مهمة و تخشاهم الدولة. و كانت هذه الواقعة بتدبير الدولة ففشلت و لكنها نسبت الحادث إلي خرق الوزير، و كتبت كتاب استمالة و أرضت أمير طيي ء و هو الأمير عساف.
و له شعر سمّي به نفسه كلب علي.
و بشعره ثبت وقائع مهمة تخص العراق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 37
كانت الحالة في هدوء و سكينة. لم يحدث ما يدعو للتدوين. و في 23 رجب هذه السنة عزل الوزير و كان ولي في 10 رجب سنة 1054 ه و بعد العزل صار من وزراء الديوان ثم وجهت إليه ايالة مصر.
يعرف ب (كوچك موسي باشا) أي موسي باشا الصغير. عرف بالشجاعة. فلما ولي بغداد أبدي السطوة فأوقع في القلوب رهبة فتمكن من تأمين الراحة و الهدوء.
رأي هذا الوزير أن والي البصرة (علي باشا افراسياب) مال عن جادة الصواب. فلم يكتف بما لديه و بإغراء من ابنه حسين بك مدّ يده إلي (قلعة دكه) التابعة لبغداد و تغلب عليها …
فلما سمع الوزير جمّع العساكر و عين لها قائدا و شحن سفنا و بعث بالمدافع. و في مدة يسيرة و افوا إلي ذلك المحل فتولدت الخشية في قلوب عساكر البصرة فلم يتمكنوا من المقاومة. فروا إلي قلعة (قصر) التابعة للبصرة فاكتسحوها أيضا. و كانت قلعة حصينة فضموها إلي ايالة بغداد و عينوا لها محافظين.
و الظاهر أن الحكومة نسيت مساعدات علي باشا أفراسياب فاستفادت من ركود الحالة فسارت للاستيلاء علي مواقعه للتحرش به بأعذار اختلقتها نظرا إلي أنها شعرت بقوة لديها … هذا في حين أن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 38
الحكومة الأصلية كانت مشغولة بحروب و مقارعات عظيمة في گريد و في هذا الحين تم لها الاستيلاء و أعلنت الافراح في بغداد لورود الاخبار السارة بالاستيلاء علي مدينة (حانية) في أواخر سنة 1055 ه …
في أواخر هذه السنة ظهر في السماء غبار متراكم فولّد ظلمة مدة أربع ساعات ثم انكشف فرفعت هذه الغمة.
انتهت أيام هذا الوالي في 15 شعبان سنة 1056 ه و كانت ابتدأت في 24 رجب سنة 1055 ه.
كان حسن المنظر، جميل الهندام، و لما ولي بغداد مال بمقتضي شبابه إلي الكبرياء. و لم يجرب الحوادث و ليس له نصيب من السياسة العسكرية و لا خبرة في ادارة الرعية و لا وقوف علي أحوال الأهلين فمضت غالب أيامه بالفتن و الاضطرابات. و أصل ذلك سوء الإدارة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 39
و هذا الوالي تولد بينه و بين الينگچرية العداء بسبب ما اتخذه في ادارتهم من طريقة صاروا يتربصون به الوقيعة، فاشتعلت نيران الفتن بينهما.
و ذلك أن هذا الوالي كان خازنا للوزير الأعظم صالح باشا و من رجاله فعينه لولاية بغداد. و لما قتل عينت الدولة أخاه مرتضي باشا لمنصب بغداد. و في طريقه إليها سيرت الدولة مراد آغا الخاصكي لقتله فوافي إليه في تكريت فقطع عليه طريقه و أخبره ببشري ترفيعه إلي القيودانية و من ذلك المنزل رجع فوجّه عزمه نحو دار السلطنة فوصل إلي ديار بكر، و هناك قتل.
فلما سمع والي بغداد إبراهيم باشا بذلك ارتاب من سعاية بعض أعدائه و غدرهم به نظرا لمنسوبيته إلي الوزير الأعظم المقتول إذ كان سيده فخاف أن يلحق به ما أصابه. فصار يتوقع ما تأتي به الأيام. و هذه الحالة دعته أن يجتذب لهجته بعض أهل الحل و العقد من رجال الجيش في بغداد ممن هم من أصحاب الكلمة النافذة. و شاورهم في هذا الأمر المهم. فحاول الاستقلال بالبلاد ليأسه من حكومته فوافقوه … فقبض علي أمور بغداد و سيطر علي إدارتها …
و بينا هو غافل مطمئن من وضعه و تدبيره إذ ظهر متسلم بغداد (عن الوزير موسي باشا) فأنهي ما وقع. و حينئذ أعرض بعض رجال الجيش البغدادي عن المتسلم و
لم يبدوا له رضي و بينوا أن لا معني لعزل و الينا؟
و رجوه أن يطلب من دولته ابقاءه و قالوا: إننا لا نستبدل غيره به!
أرجعوه من حيث أتي لتنفيذ هذا المتسلم. و لكن قبل أن يشتعل لهيب الفتنة قام بعض الينگچرية من عسكر السلطان المعهود إليهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 40
بمحافظة بغداد. و كذا من كان مجربا للأمور فسعوا سعيهم لتسكين الفتنة و اطفائها فاجتمعوا في الميدان و في القلعة الداخلية و كونوا صفا واحدا.
و قدموا بعض النصائح حفظا للسلام و الراحة و أرسلوا بعض رجالهم إلي الوالي و كان غافلا عن مجري الأمور فأبدي أنه لا يعلم عن المتسلم شيئا فوافي لدعوتهم و جاء إلي القلعة الداخلية للمذاكرة. و حينئذ أحاط به الينگچرية. قالوا له ليس لك أن تتحرك، و ألقوا القبض عليه. و لم يكتفوا بذلك بل أعادوا المتسلم الذي كان قد سيّر من حيث أتي و أبقوه في الحكومة. و حينئذ أنهوا إلي الدولة ما وقع.
أما (جيش بغداد) فإن أكابر رجاله تجمعوا في محل و كانت نيّاتهم مصروفة إلي الخصام و الشروع في حرب الينگچرية بداعي أنه لم يصدر من الوالي جرم يستدعي اهانته لهذا الحد: فما كان ذنبه لينال هذه العقوبة القاسية أو تصيبه هذه الإهانة؟!
و علي هذا كادت تلتهب نيران الفتن بين الفريقين. و لما كان هذا الوالي خائفا من حكومته أن تبطش به توسل بهذا القيام، فصار جيش بغداد يعتذر عنه و يتخذ ذلك وسيلة للقيام مبديا أنه لم تصدر منه جريرة ما.
و في هذه الأثناء ورد بغداد (الميراخور) الصغير للسلطان و هذا قضي علي الوالي فدفن في مقبرة الإمام الأعظم.
«قبل هذا كان الوزير الأعظم قد
عين خازنه إبراهيم باشا واليا علي بغداد. و في شوال تلك السنة جاء موسي باشا القبودان إلي استانبول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 41
بأمل أن ينال الوزارة العظمي فوجهت إليه ايالة بغداد. و حينئذ أبدي تمارضا و لم يرغب في الذهاب. فلم يتمكن بوجه من التخلص من هذا المنصب فأرسل متسلّمه ثم ذهب هو في الأثر.
أما سلفه إبراهيم باشا فإنه علم بقتل (سيده) صالح باشا فأيس و لم يبق له أمل في الحكومة. و لذا قبض علي بغداد بيد من حديد و استولي عليها بأمل أن يستقل في البلاد العراقية. و صار يدبر ما يقتضي لنهوضه و يعدّ لوازم القيام … و أن جيش بغداد ارتبط به قلبا و قالبا. فرد المتسلّم المرسل من جانب موسي باشا …
فلما شاهد الينگچرية ذلك قاموا في وجهه معارضين له. فحدث قتال بين القبيلين. و أن صف حجاب الباب (قپوقولي) داخل القلعة دفعوا هجوم الجيش الأهلي و الباشا معا.
و حينئذ سلك الضباط طريق الحيلة استفادة من بساطة الوالي و صفاء سريرته و أبدوا أنهم تركوا النزاع و أنهم مطيعون لأوامره، و أظهروا البشاشة فتمكنوا من أخذه إليهم إلي القلعة فألقوا القبض عليه و حبسوه في غرفة. أما الجيش الأهلي فإنه سعي لإنقاذه بهجومات متعددة فلم يتيسر له. فسمعت الدولة بالأمر فعهدت بولاية بغداد إلي مرتضي باشا المعزول من بودين و هو أخو صالح باشا المقتول. ثم صدر خط همايوني آخر بقتل إبراهيم باشا. و سير مع الميراخور الثاني.
ثم صدر فرمان بقتل والي بغداد مرتضي باشا و عهد بإيالة بغداد إلي الوالي السابق موسي باشا. فأدرك المباشر مرتضي باشا في مدينة ديار بكر فقتله و قطع رأسه و كذا
الميراخور الثاني قتل إبراهيم باشا في بغداد فأرسلت رؤوسهما إلي استنبول.
أن الميراخور الثاني لم يكتف بقتل إبراهيم باشا وحده. و إنما قتل كتخداه أيضا. و كذا بعض المشهورين من آغواته ممن لهم اليد في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 42
العصيان كما أن المتهمين من الأهلين من أعيان البلد حبسوا و صودرت أموالهم و نكّل بهم.
و حينئذ ضبط موسي باشا إدارة بغداد بيد من حديد و قتل بعض المشايعين لإبراهيم باشا من متقدمي (الجيش الأهلي) كما أنه فرت جماعة منهم إلي بلاد العجم»..
و في تاريخ الغرابي ما نصّه:
«و فيها- في سنة 1056 ه- وقعت فتنة عظيمة في بغداد. و ذلك أنه كان فيها من الجند طائفتان يقال لهم (الينگچرية). و هم (طائفة) كانت وظائفهم تأتي من طرف السلطنة، و هم ليسوا مربوطين ببغداد بل تذهب منهم جماعة و يأتي مكانها غيرها. و الطائفة الأخري من الجند كانت تعطي وظائفهم من حاصل بغداد، و هم لا يتغيرون، فاتفق أنه كان في السنة المزبورة إبراهيم باشا واليا علي بغداد، فعزل عنها، و وليها موسي باشا، و لما أن جاء متسلمه قالت الطائفة التي وظائفها من محصول بغداد نحن راضون عن والينا إبراهيم باشا لا نريد غيره، و نريد أن يخرج من هذه البلدة آلتنجي أحمد آغا الذي هو أحد رؤساء الينگچرية فتحزبوا و اجتمعوا، فأرسل الباشا يستفسر عن تحزبهم فذهب إليه أحمد آغا فسأله عن السبب فقال له تقول طائفة الينگچرية أن الباشا يريد أن يستبدّ بهذا القطر و يخرج عن طاعة السلطان، فقال له ليس مرادي ما تقول. و إنما الجند يريد أن أبقي هنا واليا و أنا لا أرضي بالبقاء فضلا عن العصيان، فقال له
أحمد آغا: يا مولانا الوزير إن كنت صادقا فيما تقول فقم و اركب و اذهب إلي القلعة و اجلس بها ساعة، ثم ارجع إلي مكانك حتي يصدق هذا الجمّ الغفير ما في ضميرك. و حلف له ايمانا مؤكدة بأنه ما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 43
يصيبه ضرر و لا وصب. فقام الوزير الغافل و ذهب إلي القلعة فلما جلس و استقر ساعة أراد الذهاب فقال له أحمد آغا أنت محبوس. و ليس لك خلاص من هذا المكان حتي يأتي الإذن من طرف السلطان. فلما آل الأمر إلي هذا تحزبت الينگچرية في الميدان. و جند بغداد اجتمعوا في حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره و أرادوا تخليص إبراهيم باشا فلم يمكنهم، و بقي كل منهم يرتقب الفرصة، و داموا علي هذا الحال نحو شهرين. فأتي من طرف السلطنة أمر بأن يقتل إبراهيم باشا، و يكون موسي باشا واليا علي بغداد، فأتي موسي باشا بالأمر و دخل بالسفينة ليلا، فلما أصبح الصباح قتل إبراهيم باشا. و لما رأي جند بغداد أن إبراهيم باشا قتل طلبوا الخروج و الذهاب، ففتح لهم الباب، فخرجوا و فروا إلي جهة العجم و قتل موسي باشا بقاياهم. و كانت هذه الوقعة في سنة 1057 ه.» اه.
و من هذه النصوص علمنا أن الينگچرية منهم من يستوفي علوفته من استنبول و يسمي (الينگچرية)، و منهم من ترجي علوفته من بغداد. و يقال له (قول بغداد). و هو (الجيش الأهلي). و هذا أيضا من صنف الينگچرية. و سماه في (تاريخ الغرابي): (جند بغداد). و هذا الأخير مال إلي الوالي، و حاول الانتصار له، فلم يفلح. و اضطرب أمر بغداد.
فكان الوزير إبراهيم باشا ابتدأ
حكمه في 16 شعبان لسنة 1056 ه و دامت ولايته إلي غرة ذي القعدة لسنة 1057 ه.
كان مصاحب السلطان. اشتهر ب (سمين موسي باشا) أي موسي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 44
باشا السمين. فسمي بذلك من جراء أنه يصعب عليه الذهاب و الإياب أو المشي. و يقال إن السلطان أنعم عليه بهذا المنصب لرفع الكلفة عنه.
و في تاريخ نعيما سماه (قپوجي موسي باشا).
و هذا الوزير من حين تسلم زمام الإدارة فوّض أموره إلي أرباب الاغراض بل تغلب الينگچرية عليه فلم يعدل بين الرعية فكانت ادارته طبق رغباتهم فلم يبق له اختيار. أهمل الصفح و العفو و راعي الشدة و القسوة دون أن يقف عند حد و لم يبق أثر من صفاته في وزارته الأولي من عفو و صفح.
أوقع برجال الفتنة ما أوقع فلم ينظر بعيدا في دقائق الأمور و بادر بالقسوة في (جند بغداد)، متهما لهم جميعا، أخرجهم من المدينة و بعث جيشا في تعقب أثرهم و علي هذا أسر المشاة منهم فأمر بقتلهم ثم صار يتحري المختفين داخل المدينة و خارجها حتي أنه اتهم من كان لم يرض بحدوث هذا الأمر فأوقع بهم مع أنهم كانوا أبرياء.
و علي كل تركت البقية الباقية ديارها و أسرعت بالهزيمة إلي بلاد العجم فعاشت في غربة أو هلكت في طريق هذا التشتت و تبعثرت أحوالها … صار القوم يشتبهون من كل واحد من الأهلين فلم يأمنوا علي حياتهم، يخشون الغوائل و يتوقعون الاخطار فكان الاضطراب مستوليا علي بغداد …
ذلك ما دعا أن ترسل الحكومة لتحقيق الأمر كلّا من الوزير محمد باشا جاووش زاده أمير أمراء ديار بكر و الوزير أحمد باشا الطيار و جعفر باشا فكل
هؤلاء مع جيوشهم في هذه الايالات أرسلوا لمحافظة بغداد … فكان لهم الأثر الكبير.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 45
و في هذا التاريخ قدم شاه العجم فيلين يضاهي كل واحد منهما الجبل في عظمته! مع هدايا أخري أرسلها إلي السلطان صحبه سفيره (محمد قولي خان) السفير السابق. مر بها من بغداد، فذهب إلي استنبول.
ورد الفرمان بعزل الوزير. و كان من مرافقي السلطان السابق.
ذهب إلي استنبول. و لما كان تعديه في بغداد و ظلمه للأهلين تجاوز الحد صدر الفرمان بقتله حين وصوله فقتل في (يدي قله).
كان موسي باشا في زمن السلطان إبراهيم أمير سلاح (سلحدار) فعهد إليه بمنصب روم ايلي ثم صار والي بغداد فقتل في هذه السنة.
أوضح نعيما عن تعدياته. و سبب قتله فقال ما ملخصه إنه كان أمين العاصمة زمن السلطان إبراهيم فاكتسب الشهرة بانتسابه إلي شكر پاره.
فنال آغوية الينگچرية برتبة وزارة، ثم صار دفتريا. و بعد ذلك حصل علي القيودانية ثم عزل. و بعد قتل صالح باشا أرسل إلي بغداد فاكتسب شهرة و شأنا و نال مكانة و ظهورا. و حينئذ مال إلي الحصول علي ختم الوزارة و صار لا يفكر في غيره.
و علي هذا بذل ما في وسعه لجمع المال. جار في أمر ادخاره و أبدي وقاحة. فقتل في بغداد ما يربو علي المائتين من المتمولين بتهم مختلفة فانتهب أموالهم …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 46
و هذا بلغ حد التواتر عنه. قسا علي أخي الخواجة حسب اللّه الشابندر الايراني صديق (آغا بغداد) آنئذ مراد آغا. و رجا منه الأهلون و عرفوه أنه من أعز أحباب (مراد آغا) الذي صار وزيرا فقتله و استولي علي أمواله الوافرة.
ثم إنه جعل يرنججي زاده (آغا الينگچرية) الذي صار كتخداه، في مكان مراد آغا. فترك مراد آغا بعض الأموال و ذهب إلي گريد
بمنصب قبطان قپودان باشا و من جراء ذلك تولدت نفرة بين مراد آغا و الوزير. و قد عثر علي كتابات منه بخط يده اطلع بها علي نياته و أنه كان يحلم بالصدارة و اتخذ الوسائل المالية تمهيدا للحصول علي هذا المنصب … مما دعا إلي اسقاطه فعزل من بغداد.
و لما ورد استنبول شاع عنه أنه قدم هدايا و أموالا للتوسط في الأمر المذكور كما وقعت الشكاوي من حسب اللّه الشابندر فأمر السلطان بقتله. و لا ننسي أنه تغلب عليه الينگچرية.
كانت ولايته ابتدأت في 2 ذي القعدة سنة 1057 ه و دامت إلي 21 ذي الحجة سنة 1058 ه.
إن هذا الوزير حليم الطبع و السيرة و الكلام الطيب. و يعرف ب (ملك أحمد باشا). نال منصب بغداد. و كان والي ديار بكر. جاء بغداد. و في رحلة اوليا چلبي مباحث واسعة عنه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 47
كان سلوكه مع الناس مقبولا و حسنا جدا حتي أنه في زمنه سقط جدار علي عامل فقير فتوفي و لما علم بذلك الوزير قال: مات شهيدا.
لأن وفاته كانت في طريق الكسب و الكاسب حبيب اللّه، فحضر الجامع بنفسه و صلي عليه مع سائر الناس صلاة الجنازة. ذكر صاحب گلشن خلفا أنه شاهد ذلك بأم عينه. كان يتفطر قلبه أسي علي الفقراء و الضعفاء. لا يرضي بالظلم و يجتنب ما استطاعه من الانحراف عن العدل إلا أنه كان صافي القلب، لا يستطيع أن يدرك النتائج للمقدمات و ما تنجر إليه حوادث الأمور نظرا لبساطته. و لعل للينگچرية دخلا في غل يده.
كاتب الديوان في أيامه محمد أفندي. و كان عارفا بالقوانين العثمانية و هو منشي ء، و كاتب قدير.
بدأت حكومته من 22 ذي الحجة سنة 1058 ه و دامت إلي 20 ذي الحجة سنة 1059 ه و في نعيما أنه عزل في المحرم سنة 1060 ه.
و ملك أحمد باشا من الابازة ابن پروانه القبودان من أمراء البحرية. فدخل السراي في غلطة، ثم في السراي الجديد إلي أن ولي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 48
منصب (سلحدار). و في فتح بغداد نال الوزارة و منح منصب ديار بكر، و منها عين لمحافظة الموصل و هكذا تقلب في مناصب أخري فصار واليا ببغداد بالوجه المذكور. ثم صار وزيرا أعظم في 10 شعبان سنة 1060 ه ثم صار في مناصب أخري و في سنة 1070 ه أحيل علي التقاعد و في 17 المحرم سنة 1073 ه توفي و كان حليما سليما ذا دين و صلاح حال و زهد و تقوي. بلغ الستين من العمر. و له استقامة في أعماله.
هو ابن نوغاي باشا. شجاع وحيد بين أقرانه، يخترق الصفوف بقلب غير هياب و لا وجل، ذو شهامة و كياسة عقل، يتيقظ للأمر و ينتبه … و يحكي عنه وقائع كثيرة تدل علي فروسيته و عقله. و له خدمات جلّي في الثغور.
زادت و كادت تغرق بغداد. جاء الماء علي حين غرة فأحاط بها.
جاء في گلشن خلفا أن هذا الوزير في أيام حكومته عاش أهل المدينة و قطّان البوادي براحة و طمأنينة و سلامة من الغوائل. و في نعيما: إن آغا بغداد كان مصطفي آغا ال (طوبخانه لي) و كان منسوبا إلي الوزير الأعظم فعزله. و كان متنفذا حصر كل الأمور بيده فهو صاحب الحل و العقد … و من ثم أرسل إلي بغداد الياس آغا الخاصكي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 49
و في هذه الأيام ذهبت جماعة من الينگچرية إلي استنبول يشكون آغا بغداد (مصطفي آغا) فأعيدوا و في الحقيقة سمعت شكواهم. و الغرض تقريب مصطفي آغا و كان قتل في بغداد جماعة من الينگچرية و رماهم في دجلة.
و كذا أرسل قاضي بغداد كتابا يشكو فيه من عدم اصغاء الأهلين إلي الأوامر و الفرامين و يبدي اضطرابه و تألمه من هذه الحالة.
توفي والي بغداد فدفن في غرفة المحقق الجيلي (لعله الشيخ عبد الكريم الجيلي) و لم يحدث في أيامه من الوقائع ما يستحق البيان.
كانت حكومته من 21 ذي القعدة سنة 1059 ه إلي أواسط سنة 1060 ه.
و لما وصل خبر وفاته إلي استنبول أرسل متسلم إلي بغداد و لم يصل إليها الخبر و لا أتي المتسلم إلا بعد نحو شهرين أو ثلاثة من تاريخ وفاته.
و في نعيما كلّف كتخدا الوزير الأعظم في قبولها برتبة الوزارة فلم يقبل و منحت إلي ملك أحمد باشا. و لما كان حديث العهد بالزواج لم يرض السلطان بإرساله لتزوجه (قيا سلطان) و طلبت هذه الخاتون من أبيها أن يبقيه أو يطلقها منه.
و لم تمض إلا بضعة أيام حتي استعفي الوزير بتضييق من الكتخدا و حاشيته و أعوانه من طائفة الينگچرية.
و لكنه نصح السلطان أن يودع الوزارة العظمي إلي أحد من الينگچرية و إلا فعلي الدولة السلام. و حينئذ التأم الديوان و قرر ايداع ختم الوزارة إلي ملك أحمد باشا سوي أنه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 50
اشترط أن لا يتدخل في أعماله أحد من الينگچرية فوافق السلطان علي هذا الشرط و أطلق يده ظاهرا. و لم تمض مدة إلا و قد غلت يده كسلفه.
و حينئذ بقيت بغداد شاغرة.
و هذا كان كريما، هينا لينا، يلاطف الصغير و الكبير. و هو شاب في مقتبل العمر. عاش في بلاط السلطان مراد. و لما ورد بغداد بسط فيها بساط الحلم و الشفقة و رفع الارجاس عن المدينة و الشدة المألوفة فيها فصرف جهوده لجلب القلوب بالإحسان و الأنعام.
و كان يعتكف في الجامع كل ليلة جمعة و يؤدي فريضة صلاة الجمعة في الجامع و يكرم الإمام و الخطيب و الفقراء بما تيسر له من احسان ذهبا و فضة. فاستعبد الناس بخيراته و أحبوه حبا جما.
و لم تطل أيام حكومته بل وافاه الأجل المحتوم فأسف الكثير علي فقده فدفن بجوار الشيخ عبد القادر الجيلي. حزنوا عليه و سكبوا الدموع الغزيرة علي فقده. إلي أن قال صاحب گلشن خلفا: كانت أيامه أشبه بالحلم، مضت بهدوء و سكينة بلا تغلب و اضطراب فلم يحدث في أيامه من الوقائع ما يكدر الخواطر. و كان في أيامه آغا بغداد الياس آغا.
هذا الوالي كانت قد بدأت حكومته في 5 من شهر رمضان سنة 1060 ه و دامت إلي أواسط سنة 1061 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 51
جاءت حوادثه في سنة 1061 ه و الظاهر أنه لم يصل إلي بغداد إلا في
هذه السنة و ليس في النصوص ما يكشف عن تاريخ وروده بغداد.
و لما وصل إلي استنبول خبر وفاته أرسلت إلي بغداد متسلما جديدا فمضت عليه مدة شهرين.
إن هذا الوزير نشأ في البلاط. و نال رتبة سلحدار. ثم جاءته الوزارة فورد بغداد. و عامل الناس علي اختلاف طبقاتهم بحسن المعاملة و لطف المجاملة. و كان صبيح الوجه فصيح الكلام، حليم الطبع، نافذ الأحكام. لم يكن يعرف الكبر و الغرور بل كان يراعي الناس علي اختلاف مراتبهم بتواضع فهو هيّن لين.
هو من أمراء الأكراد الداسنية و يعرف ب (مرداسني) و العشيرة المعروفة بالداسنية في أنحاء الموصل (من اليزيدية) (مير داسني) من سلالة الأمراء كان شجاعا باسلا، و في سنة (فتح بغداد) قام بخدمات مهمة و بسالة فائقة ففي سبعة أفراد من رجاله قتل مئات من القزلباشية فمنح (ايالة الموصل) في صدارة مراد باشا (قبل أن يتولي الوزير الأعظم ملك باشا) فنال لقب (ميرزا باشا)، ثم عزل، فلم ينل بعدها منصبا و بقي في استانبول مدة، فلم يحصل علي غرضه، نالته مشقة و اصابته فاقة.
و في شعبان سنة 1061 ه يئس من حالته فعبر هو و جماعته البوسفور (المضيق) إلي الاناضول و عاثوا بالأمن، فتعقبوهم، و قتلوا أصحابه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 52
و قبضوا عليه فقتل أيضا.
هذا و الملحوظ أن صدارة مراد باشا كانت في سنة 1059 ه في جمادي الأولي. و عزل في سنة 1065 ه في شعبان منها. فكانت ولاية الداسني خلال المدة بين سنة 1059 ه و سنة 1061 ه و في عمدة البيان أن ولايته كانت سنة 1060 ه و في كتابنا تاريخ اليزيدية تفصيل.
في هذه السنة توفي والي البصرة علي باشا أفراسياب و من حين وفاة والده تولي شؤون البصرة و نظر في إدارتها. و كان جلّ ما قام به أن حافظ علي البصرة أيام الحروب مع العجم فتمكن من حراستها. و لما ورد السلطان مراد الرابع بغداد و افتتحها أقره في ولايته … و كانت قد حصلت منه مساعدات للجيوش التركية بكل ما استطاع.
و في أيامه راجت سوق العلوم و الآداب، و اشتهر شعراء عديدون.
مثل عبد علي الحويزي و سوف نوضح عنهم. و لما توفي خلفه ابنه
حسين باشا في ولاية البصرة.
توفي والي الموصل، فوجهت الايالة إلي محمد باشا الدباغ، فبعث بمتسلمه فرأي محمد بن عثمان جاووش. و هذا كان أمير لواء پياس التابع لحلب ثم عزل. و طلب أن يكون واليا علي البصرة بمكان علي باشا أفراسياب فلم يمكنه الوزير الأعظم گورچي باشا من ذلك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 53
فزوّر منشورا في الموصل فوردها و ضبطها. و قال إن هذا المنصب صار عليّ بمبلغ اثني عشر ألف قرش. و بدأ في تحصيل أربعة آلاف قرش. ثم عرض علي استنبول أنه وجد الموصل خالية فضبطها و أنه يقبلها بمبلغ اثني عشر ألف قرش قال: و الآن قدمت أربعة آلاف و ما بقي فمهتم بتحصيله. غضب گورچي باشا و استغرب من مثل هذه البيانات الغريبة من هذا الرجل و أمر بلزوم إحضاره.
و من الجهة الأخري إن متسلّم محمد باشا الدباغ وصل إليها فوجده مشغولا بجمع الأموال، و إنه منتظر الأمر بخصوص ما كتب و من ثم أبرز الفرمان و ضبط المدينة ثم ذهب إلي ذلك الرجل و كان نصب خيامه خارج المدينة بأمل مطالبته بالأموال التي استوفاها من أهل الموصل. و حينئذ ضرب المتسلّم بغدارته في ذراعه و ركب مع اتباعه و ذهب إلي أنحاء البصرة بخفارة بعض الشيوخ. و من ثم وصل إلي البصرة فنجا.
في هذه السنة كان النهر الواقع بين دجلة و الفرات المسمي (نهر السيب) قد اندثر من مدة طويلة. و في هذه الأيام قام محمد و عمر و عثمان من الينگچرية في بغداد بحفر هذا النهر فحفروه مجددا بهمة لا مزيد عليها و جمعوا الناس لزرعه. و غرس البساتين فيه فصار يعطي من الخراج لبيت المال ألفي طغار (تغار) من
الحنطة و الشعير و هذا هو عشر المحاصيل.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 54
لا تذكر عنه وقائع مهمة في هذه الأيام سوي أنه كان ولي بغداد ثلاث مرات و سيمر بنا الايضاح عنها في حينها. و في هذه المرة عزل و خرج من بغداد في 13 شوال سنة 1063 ه و كان أول حكومته في 22 من شهر رمضان سنة 1061 ه.
هذا الوزير خلف سابقه. و كان ممن عاش في البلاط. ثم صار برتبة سلحدار و ولي الشام و الروم. و منها صار واليا علي بغداد. لا يبالي من عمل سوء و غضب في طبعه. إلا أنه كان موافقا للعوام في طباعهم، جالبا لحبهم حتي أنه ليس له في دار حكومته حاجب يمنع المراجعين أو يوصد الباب في وجوههم بل تري بابه مفتوحا في كل وقت لمن يتطلب العدل لحد أنه كان نائما يوما للاستراحة و قد انفض عنه خدمه فدخل عليه بعض أصحاب الشكوي فأيقظه و قدم إليه عريضة. فلم يجد من يأتيه بالقلم فطلب من صاحب الشكوي أن يأتي بمحبرته فكتب أمرا قطعيا، نافذا للحال فجبر خاطر صاحب المظلمة.
و من خصائله أنه كان يقرأ المولد الشريف كل سنة فيطعم و يقدم الشراب للحضار.
و من المؤسف أنه كان يميل إلي الإفراط في معاشرة النساء.
راجت الفحشاء في زمنه. فكان مجلسه ملوثا بتصاوير أمثال هذه الفواحش. و مع كل هذا كان وحيدا في الفروسية، شجاعا، فأذعن العابثون بالأمن لحكمه و لم يتمكن أحد منهم أن يعصي فصار الداخل و الخارج زمن حكومته في حراسة تامة و أمن فاشتهر في الانحاء.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 55
و مما يعزي إليه أنه كان يجتري ء في تحميل الفقراء تكاليف لا يطيقونها فكان أمن المملكة مشوبا بالقسوة و الظلم … فكانت
أطواره بين شدة و غضب و قبول عذر و هكذا ظهرت في حكمه أنواع التقلبات.
و مما يذكر لهذا الوالي أنه خرجت طائفة من الجيش عن دائرة الأدب فتجمعت في ليلة. و لما سمع بالخبر ذهب علي حين غرة راكبا فرسه و هاجمهم ففرق جمعهم و نكل بهم. ففي 27 شهر رمضان قتل منهم محمود آغا الرئيس الأول لاتهامه في هذه القضية.
في هذه الأيام وردت رسائل من أحمد بك و فتحي بك عمي أمير البصرة حسين باشا أفراسياب و من أمير الأحساء محمد باشا يشكون فيها من أمير البصرة حسين باشا جاء بها (قاصد) علي عجل. و مفاد هذه الشكوي أن أعمام أمير البصرة أصابهم منه حيف و اعتداء. حكوا ما جري عليهم. كان في أيديهم لواء أو لواءان فجاؤوا البصرة لبعض الشؤون فبادر بالتوجيه إليهم و أكرمهم إلا أنه صار يتخذ الوسائل للقضاء عليهم و اغتيالهم. و لما لم ير هؤلاء طريقا للنجاة ركنوا إلي من تحزب لهم و قاموا في وجهه و سلّوا سيف العدوان عليه، و استعدوا لمناضلته إلا أنهم رأوا أن لا طريق للخلاص من هذه الورطة و بتوسط المصلحين اكتفي بنفيهم إلي الهند. و لما وصلوا إلي سواحل الأحساء، و جدوا فرصة ففروا هاربين إلي أمير الأحساء. و من ثم عجلوا بالالتجاء إلي الدولة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 56
جاء في تاريخ السلحدار ذكر هذه الواقعة في حوادث سنة 1065 ه و الظاهر أن ذلك كان مبنيا علي تاريخ وصول الخبر و الصواب أن ذلك كان أيام الوزير مرتضي باشا لا مصطفي باشا. كتب ما كتب بعد أن تمت الواقعة و انتهي أمرها. و بين أن الخلاف كان بين المذكورين و المشايخ و الأهلين من جهة، و بين حسين آل أفراسياب من الجهة
الأخري. و يقصد بالمشايخ (آل باش أعيان).
ثم إن أتباع هؤلاء ركبوا السفن و مضوا بها إلي مأمنهم في الهند.
و في هذا الحين لا تزال الاحساء بيد واليها محمد باشا. فركن إليه احمد بك و يحيي بك و نزلوا عنده ضيوفا. و هذا أنهي واقع أحوالهم إلي الدولة بكتاب قدمه إلي وزير بغداد مع رسول فلما وافت الكتب أمر أن يأتوا إليه دون تأخر و عرض القضية علي دولته فاغتنمت هذا الخلاف وسيلة للتدخل بإدارة البصرة … و حينئذ أرسلهم حاكم الاحساء بكتاب و (قاصد) إلي بغداد علي وجه العجلة كما رغب الوزير فوصلوا إليها في أيام قليلة.
أما الوزير فإنه حينما رأي هؤلاء و ما تعهدوا به له و لخزانة الدولة أسرع في الأمر و لم يتدبر العواقب بروية فجمع العساكر و تدارك المؤونة الحربية (العتاد) و المدافع و جعل كتخداه رمضان آغا سردارا و بعث به و أن يكون هؤلاء بصحبته فتوجهوا نحو البصرة.
ثم تبعهم الوالي و معه العساكر فطوي المسافات حتي ورد العرجاء (العرجة). و حينئذ ولد الخبر في البصرة اضطرابا. و منها وصل إلي (الشالوشية) و (العقارة) فدخلتهما الجنود …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 57
أما البصرة فقد انقادت قراها و عشائرها و جندها للحكومة بسبب حبهم و اخلاصهم لأحمد بك و بأمل أن ينالوا قسطهم من الاختصاص به في الإدارة المدنية. و لذا عدّوا سدّ الطريق في وجههم اساءة محضة فأذعنوا بالطاعة و الانقياد و اتخذت العساكر نخيل الجزائر مضربا لخيامهم.
و هكذا استولي الباشا علي البصرة بلا تعب و لا عناء. و أول ما توجه إلي القرنة أخذها بسهولة فوضع فيها محافظين. و كانت تعد مفتاح البصرة المتين. و من جهة
أخري إن خبر هذا الزحف أحدث خوفا عظيما و ارتباكا في حالة حسين باشا و سبب له اضطرابا زائدا فلم يجسر علي المقاومة بل فرّ إلي حدود العجم.
ثم دخلها بلا عناء. و استقبل بأبهة و احتفال لا مزيد عليهما.
أما أحمد بك فإنه نال ولاية البصرة و فرح بها بعد أن ناله ما ناله من وبال و إن الأشراف و الأعيان قاموا بما يقتضي لتوقير الوزير و إكرامه فاهتموا في جمع هدية نقدية له تليق به و بينا هم في مداولة هذا الأمر إذ غلب علي الوزير الطمع و مال إلي الغدر و أول عمل قام به أن استولي علي أموال حسين باشا و والده و أموال أولادهم و أحفادهم. و لم تكفه هذه بل مدّ يده إلي أموال أغنياء البصرة و متموليهم في (القبان) مما لم تصل إليها الأيدي أو كانت بعيدة المنال عنه أمر بجلبها و بعث أحمد بك و فتحي بك مع مقدار من (السكبان) و بعض الآغوات من أعوانه فذهبوا إلي (القبان). و صوبوا المدافع إلي جهة السراي فأوقعوا الخوف و الرعب في القلوب و أعملوا السيف في أشراف البلد. سوّل بعض الأشرار للوالي سوء عمله هذا. و حينئذ وقع كثير من القتلي بنيران المدافع و البنادق …
و أيضا كان قصد هذا الوالي أن يستولي علي البصرة و يقطع دابر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 58
جامع سامراء- دار الآثار العراقية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 59
هؤلاء لتكون تابعة لدولته و لكنه خذل في هذا المسعي، فوجّه اللوم عليه من جراء عدم نجاحه، و ذلك أنه حينما أرسل أحمد بك و فتحي بك كان قد أمر من معهما أن يقتلوهما فامتثلوا
أمره و أوردوهما حتفهما. ثم أحضروا رأسيهما إلي البصرة. علم الناس بما وقع و ما جري من أفعال فلم يبق من لم يتألم و حينئذ علموا أن الغرض المقصود لم يكن نصرة الموما إليهما و إنما كان النهب و السلب و الاستيلاء علي المملكة للوقيعة بأهليها … فسل الجميع سيوفهم للانتقام من هذا الوالي و النفرة من أعماله الشائنة. ثار الأهلون جميعا و قاموا علي قدم و ساق، و بادروا للعمل علي إمحاء الروم و محاربتهم من جراء فعلاتهم هذه و غدرهم.
و من ثم شرعوا في مناوشة المحافظين في القرنة فورد الخبر إلي الوزير فارتبك للحادث فسير السفن لامدادهم و معهم جماعة من الرماة بالبنادق فاجتازوا المهالك كما بعث بثلاثة آلاف أو أربعة من ناحية البر و هؤلاء من جند بغداد من (السكبان) و هم خيالة.
تحاربوا في محل تجاه القرنة يقال له الشرش «وقعت معركة دامية بين الفريقين دامت بضع ساعات كان لها وقع كبير في النفوس. و في هذه الحرب أبدي كل من الطرفين بسالة لا توصف. فكانت النتيجة أن انتصر العرب علي (الروم). فتغيرت قدرتهم إلي خذلان ذريع و ولوا الأدبار.
و أن السفن أيضا أصابها قرب ساحل الدير ما أصاب الجيش فلم تتمكن من الوصول إلي القرنة. فدمرها الثائرون و لم تبق إلا شرذمة قليلة في القرنة مقهورة. و لكنها ثبتت في دفاعها.
كان جيش بغداد قد تألم من الوزير لما جري. فتركوه و البصرة و عادوا إلي بغداد. و حينئذ ندم الوزير علي ما بدر منه فترك جميع ما كان أحرزه من الأموال و النفائس و فرّ بنفسه فوصل إلي جيش بغداد في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 60
العرجاء (العرجة). و هذه
الطائفة من الجيش حينما وصل إليها فرّ بعض رجالها من وجهه لما رأوا أنه يخشي أن يعاقبهم بما بدا منهم من تقصير، و أنهم محل التهمة فتفرقوا و انهزم أكابرهم، لما علموا أن سوف ينتقم منهم.
و في تاريخ السلحدار بين أن الجيش فرّ من الوزير و ذهب إلي بغداد قبله و لم يدعه يدخل المدينة فاضطر إلي مقابلته، و احتمي بجانب الكرخ (قلعة الطيور) و وصلت الأخبار إلي استنبول فعلم السلطان بذلك فعزله.
و هذا الحادث صار سبب حصول حسين باشا علي مرغوبه و عودته إلي مملكته لقلة تدبيره و نظره في العواقب عاد حسين باشا إلي محل ولايته و قام بشؤون الإدارة و علي كل أراد الوزير أن يستفيد من الخلاف الأول فساء رأيه و خسر مكانته.
و جاء في تاريخ الغرابي:
«و في سنة 1064 ه سافر مرتضي باشا والي بغداد و صحب معه فتحي بك و أحمد آغا أولاد سياب باشا (أفراسياب) لأخذ البصرة من يد حسين باشا بن علي باشا و تسليمها إلي عمه أحمد آغا. فلما وصلوا إلي البصرة و رأي حسين باشا أهلها يريدون أحمد آغا خرج منها و دخلها مرتضي باشا و العسكر و قعدوا فيها ثلاثة عشر يوما فسوّل له بعض الرؤساء أن يقتل فتحي بك و أحمد آغا و يقيم في البصرة، فقتلهما فسمع الرعايا بتلك الأطراف، فقاموا عليه فهرب مرتضي باشا و قتل جانب من العسكر، فأرسل الأهلون إلي حسين باشا بهذا الخبر و طلبوا أن يعود
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 61
إليهم. فلما وصل إليه أظهر الحزن و قعد للتعزية. و بعد ذلك توجه إلي البصرة. و كان دخوله سنة 1065 ه و حكم فيها إلي
سنة 1077 ه. و هنأه بعض أهل المعارف بقصيدة ختمها بهذا التاريخ: (خاب من عادي حسين ابن علي) ه.
و لا شك أن الواقعة توضحت من هذه النصوص فلم يبق غموض أو إبهام.
و في هذه الأيام حصلت الاراجيف في بغداد و قامت الثورات فيها من كل صوب. و حينئذ ظهر سرّاق الليل نهارا فصاروا لا يخشون سطوة و استولي علي الناس الخوف و الرعب بحيث عادوا لا يقدرون أن يناموا ليلهم و لم تذق أعينهم طعم الراحة. فاقتني الأهلون الأسلحة و صار يحملها من لم يعتد بذلك من قبل توقعا من ظهور الشرور و أعدوا العدة ليحرسوا أنفسهم بأنفسهم.
أما الوزير فإنه منذ ورد بغداد كان متألما من مغلوبيته هذه و كتب إلي دولته لإعلامها بلزوم إعادة الكرة فلم يجد له سامعا، مجيبا. لينتقم.
و الملحوظ أنها كانت متفقة معه في الغرض إلا أنه أعماه الطمع و لم يستعمل الحكمة … و بقي علي هذا مدة في محنة من أمره. و جاء في تاريخ السلحدار أنه و أتباعه فروا بأرواحهم إلي بغداد. و لما وصلوا إليها لم يوافق الجيش أن يدخلها، فاضطر أن يلتجي ء إلي جانب الكرخ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 62
(قلعة الطيور) و يحارب هذا الجيش فعلمت الدولة بتلك الأخبار الموحشة.
و من ثم أسدل الستار، و لم يوضح في بغداد، و ما جري بينه و بين الجيش إلي أن ورد الوالي الجديد.
ابتدأت حكومته في 14 شوال سنة 1063 ه و دامت إلي 14 شهر رمضان سنة 1065 ه.
و يعرف ب (آق محمد باشا) أي محمد باشا الأبيض. نشأ في البلاط و حصل علي ولاية بغداد و فيها قضي نحو نصف أيامه بالامراض و العلل مرتبك الحالة مضطربا من جراء الآلام و نغص العيش …
و مما حكي كاتب ديوانه (عبد الباقي وجدي) المنشي ء البليغ، و الشاعر العندليب أن هذا الوزير استولي عليه المرض لدرجة أنه صار يخشي أن يعطي دواء لما أنهكه الضعف.
و بينا هو في هذه الحالة إذ جاءه لعيادته بعض دراويش المولوية و هو (مصطفي دده الخراباتي) من المتصوفة. جسّه خفيفا و بادر بالدعاء له بالشفاء القريب و في ساعته عجل بالخروج و مضي في طريقه.
و عند خروجه رافقه عبد الباقي وجدي و رجا منه حسن الدعاء.
أبدي أن القلب لا يقطع مأموله من اللّه تعالي، و عسي أن يأتي المدد السريع من رجال اللّه. أما الدرويش فإنه قال نعم! إننا و اللّه أخذنا علي عاتقنا مثل هذا الأمر و أومأ إلي أنه يشير بقوله: إننا فديناه بأنفسنا و عهدنا له بذلك …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 63
و أقول كانت للطريقة المولوية تكية المولا خانة و هي جامع الآصفية المعروف اليوم و قد مرّ الكلام عليها. فعرفنا من شيوخ هذه الطريقة (مصطفي دده الخراباتي)، و منهم يوسف الملقب بعزيز المولوي.
و بينهم خطاطون أفاضل.
و يروي أن ذلك الدرويش عمل في تلك الأيام ضيافة جعل فيها حلوي و أنواع المأكولات للفقراء (الدراويش) و قام بخدمتهم فلما أتموا أكلهم قام هذا الدرويش بمقام الرجاء و الالتماس من أستاذه الذي كان جالسا في صف متأخر فانتصب قائلا:
الإرادة أن يأتي المحبون، و الاجازة أن يؤذن لهم بالانصراف.
و حينئذ أبان أن من لوازم السفر إلي
الآخرة دعاء الاحباب …
فتصدي لجوابه الدرويش الجالس بمقام المشيخة قائلا:
أيها الدرويش ما هذا الهذيان أو القول الهراء!؟، و ما تلك الدعوي الباطلة!؟ عنفه علي ما صدر منه و أنبه تأنيبا مرا و قال- إن عالم الأرواح صار يدعونا، يحاول تحقيق هذه المعضلة و توضيح المدعي!
فعجب الدراويش و أصابتهم الحيرة من أمرهم هذا لما شاهدوه من الحالة … !
ثم قال: ليكن قدومكم خيرا، و أن لا ينالكم فشل لدي الحق عزّ و جل.
و بعد تلاوة الفاتحة صدر من الدراويش كلامهم المعهود فيما بينهم (ذكرهم) و مرت علي ذلك ثلاثة أيام زال خلالها الضعف من الوزير المريض فحصل علي العافية بإلهام غيبي من ذلك الدرويش الصالح … !
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 64
و هذا الدرويش كان من الملامتية. لم يخل من ابداء بعض ما يعنف عليه. و لكنه كان فذا في تسخير قلوب الناس و جذبها إليه. و حالة كونه لابسا خرقة الدروشة كان يبذل للفقراء الدراهم و الدنانير بسخاء حاتمي. أكثر الناس من التقول عليه بأنه لا يبالي (خراباتي) و اللّه أعلم بحقيقة الحال.
و يلاحظ هنا أن أمثال هذه الخزعبلات لا تروّج سوق هؤلاء المتصوفة، و دعاة الباطل ممن يرتكب المنكرات بداعي أنه ملامتي و يتظاهر بالقبائح زاعما أنه يتستر فيما بينه و بين اللّه تعالي … و في هذا مخالفة ظاهرة للكتاب و الأحاديث الصحيحة، و معاكسة بوقاحة للمأمورات و المنهيات. فالمجاهرة بسوء الأعمال مما يشجع أصحاب القلوب الضعيفة و ذوي النفوس الشريرة فيكونون قدوة الباطل، و سوء الأمثولة …
و الملامتية طريقة معروفة من زمن بعيد جدا يتظاهر الواحد منهم بما يلام عليه من أعمال مخالفة للشرع. و في الباطن يعمل … الصلاح،
(كذا) قالوا … و لم تؤسس طريقة عندنا بهذا الاسم في هذا العهد بل ظهر مثل هذا الدرويش من المولوية و زعم مزاعم لا يقرها الشرع … ! فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من مهمات الإسلام.
و هذا الوزير مشهور بالفروسية و الشجاعة و له رغبة في الصيد.
يقضي أكثر أوقاته في الصحاري و الفلوات متجولا فلا يري وحشة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 65
و في أيام حكومته ظهرت بعض المفاسد و الفتن من رجال الجيش البغدادي ممن لم تؤدبهم الحوادث فلا يزالون في غرورهم و في مقدمة هؤلاء امرؤ يقال له (عبدي) و هو شيخ جاهل و ان كان طاعنا في السن.
فصار قدوتهم في العصيان و في تشويش الحالة.
سيّاح معروف يعدّ (ابن بطوطة الترك) ولد سنة 1020 ه، و يهمنا أنه ورد العراق. دخل بغداد في يوم مولد الرسول صلي اللّه عليه و سلم سنة 1066 ه و كان آنئذ واليها قره مرتضي باشا دخل عليه، و قدم له هدية مرسلة من ملك أحمد باشا، و قص الكثير من أحوال بغداد التي شاهدها و بينها ما أزال الابهام عن شؤوننا. اعتمدنا علي حوادثه فيما شاهده، و ذكرنا الكثير مما أشار إليه …
و الحق أنه مؤرخ عظيم، و سيّاح شهير. اسمه محمد ظلي بن قره أحمد بن قره مصطفي من سلالة أحمد يسوي المتصوف المعروف، ساح بلادا عديدة و ممالك كثيرة منها العراق و ايران و سورية و مصر و بلاد المجر، و لهستان (بولونيا) و المانيا، و هولاندة، و الدانمارك، و السويد و روسيا …
و في سياحته قصص خرافية إلا أن مشاهدته قطعية و صحيحة، كان عارفا باليونانية و اللاتينية، و بالتواريخ الرومية. أدرج حوادث و قصصا تاريخية لما يتعلق بالآثار التي عاينها، و غالب الخرافات وصلت إليه من تلك الكتب القديمة. و سياحته في عشرة مجلدات، و في رباط سليمية باسكدار نسخة كاملة من سياحته. دفن في مقبرة قاسم باشا من شيشخانه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 66
قرب بلدية (بك أوغلي). و قد اندرس قبره.
طبعت سياحته قسما بالحروف العربية، و قسما بالحروف اللاتينية.
اختصر هذه السياحة
الحافظ (فيض اللّه بلبل) مصاحب السلطان في مجلد واحد ضخم. فكان لهذا التلخيص مكانته كما طبعت منتخبات منها.
و يهمنا ما فصله في أصل السياحة عن العراق. أبدي أمورا لم يعد فيها شاكلة الصواب في غالب ما ذكر.
ورد بغداد و كان واليها مرتضي باشا و هذا لا يأتلف و المدونات الأخري فأوليا چلبي قد عين تاريخ وروده بغداد، و تقديم الهدية للوالي مرتضي باشا … ! فهل الغلط من گلشن خلفا أو أن السهو جاء من أوليا چلبي في التاريخ، أو في الاسم إلي آخر ما هنالك ما يجب أن يتبين منه حقيقة الوضع و لعل تعيين الوالي الجديد و تاريخ توجيه الولاية إليه لا تعني وروده و إن عزل مرتضي باشا لا يعني خروجه في الحال، و إنما يأتي المتسلم، و يخبر بالوصول و أخذ الولاية من يد سلفه و هكذا بعد المسافة يدعو إلي مثل ذلك. و لعله اعتمد علي الحافظة فتولد السهو.
و هذا مما يقع كثيرا. و فيه أن عمر النخلة يبلغ ثلاثة آلاف سنة مما لا محل لاستقصائه …
عزم هذا الوالي أن يقضي علي جميع العصاة، فدعا القوم في يوم جمعة و أمر بقتل (عبدي) المذكور. دعا الجلاد فقتله. و حينئذ اجتمع أعوانه في الميدان و سارعوا للانتقام فلما سمع بهم الوزير شتت شملهم،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 67
و ألقي الرعب في قلوبهم فتفرقوا. و ظن الوزير أنهم ذهبوا و لم يلتئم لهم جمع.
ثم ذهب لصلاة الجمعة في جامع الإمام الأعظم. سار بلا خوف و لا خشية ظانا أن قد زال الخطر. و لم يدر أن الاحتراس من كيد الاعداء أمر ملتزم. مضي في طريقه إلي الإمام الأعظم من
جهة الميدان و كان قد كمن له بعضهم. كانوا جلوسا في القهاوي. فصار بعض القوم من أعوانهم يسبون الوالي و تقدم اثنان بسيوفهم و هجموا عليه بقصد الوقيعة به و الانتقام منه فقتلا فلما رأي ذلك بادر في الرجوع لاتخاذ التدابير لتسكين الفتنة و اسرع في امالة عنان فرسه إلي جهة داره. سكنت الفتنة نوعا و لكن هذه الحالة لم ترق للأهلين. بدأوا يعيبون الوالي علي هزيمته. و في هذه الأثناء ورد من استنبول حسين آغا الخاصكي بصفة (آغا بغداد) ليتدخل في حل بعض العقد العويصة و الأمور الطارئة. بذل المجهود لتهدئة الحالة، فخول قتل هذا الوالي. و حين وصوله إليه قتله و صار (آغا بغداد).
و كان هذا الوالي قد ابتدأ حكمه في 15 شهر رمضان سنة 1065 ه و دام إلي سلخ المحرم سنة 1067 ه.
هذا الوزير منظره جميل. تربي في البلاط. ثم نال إمارة مصر و الشام. و بعدها ولي بغداد. و هو يميل إلي الابهة و الحشمة. يجلس في الديوان و أمامه ستار مما لم يكن معهودا في بغداد. رتب ديوانه و ألزم أهل هذا الديوان بلباس خاص من فرجية و غيرها. و كان كل يوم يجلس فيه يبذل للمستحقين بسخاء. و له عطايا و إنعامات كبيرة لأهل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 68
الفن. إلا أنه كان في غفلة عما تضمره الليالي و أن التجملات و أثواب الحشمة و الأبهة لا تكفي لتوليد حسن الادارة. ذهل عن أن الاقبال معرّض للزوال … فلم يكن مطلعا علي الشؤون و لا عارفا بالبلاد و لا بأحوال الناس، تساهل في ضبط الجيوش و ربطها و أبدي عدم مبالاة و نام عن التدبير، بل
إن الجيش تغلب …
اتصل به بعض رجال الجيش في بغداد و التفوا حوله فولّدوا فيه غرورا من جهة و فتورا عن العمل من جهة أخري. فكان يقضي ليله مع الغواني بالطرب و الملاهي و نهاره بالشرب مع المغنين … و من ثم حدثت الفتن في زمنه. و أمور العالم لا تتم بمثل هذه الأعمال بل هي داعية للفتن.
في أواخر هذه السنة قام بعض العربان في أنحاء الجوازر فشقّوا عصا الطاعة، و تمادوا في الطغيان فاقتضي تأديبهم، فأرسل الوزير جيشا قويا من جهة البر و من طريق النهر مشاة و فرسانا. جعل عليهم قائدا.
و لما وصل الجند إلي هناك حدث فيما بين أفراد الجيش خلاف تناوشوا في خلاله الكلام. أوقد نيران الفتنة كل من كتخدا اليسار و رئيس العرفاء من جيش بغداد و ثلّة من الخيالة فمال هؤلاء إلي ما لا يليق من الأعمال، فقتل جمّ غفير من الأبرياء و جرح آخرون و اختفي قسم عن الانظار. ثم رجع الجيش إلي بغداد.
فلمّا علم الوالي بما وقع اضطرب لهذا الحادث و دعا (آغا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 69
بغداد) و المتميزين من الينگچرية فألف ديوانا عاما. فاتحهم فيه بما يجب عمله من التدابير و من ثم استقر الرأي علي أن لا يفسح المجال لهؤلاء البغاة أن يدخلوا المدينة و أن لا يعفي عنهم ما لم يسلموا العصاة القائمين بالفتنة و الشغب.
كانت هذه الموافقة من أهل الديوان ظاهرية و علي دخل. حسنوا هذا الرأي إلا أن القلوب الزائغة كانت علي خلاف هذا. فاتخذوا هذا المنع وسيلة لإظهار مكنونات سرّهم. و لما طال المنع يومين أو ثلاثة اتخذ ذلك وسيلة للشغب فأغروا بعض الجهال و جمعوا الينگچرية
فأشعلوا نيران الفتنة ليلا، و صاروا يطرقون الأبواب و يتجمهرون في كل منعرج طريق. جمعوا لهم جمعا كبيرا. و في الصباح فتحوا الأبواب.
و ظاهروا الممنوعين، و أدخلوا جيش بغداد إلي المدينة. هاجموا البلدة من كل صوب فأحدثوا ضجة و اتفقوا علي أن يفعلوا ما عزموا عليه من فضائح.
و حينئذ هاجموا السراي بحجة أنهم يبغون الشيخ بندرا و الروزنامة چي، و أمين المخزن. طلبوا تسليم هؤلاء فهاجموا الوزير، فلم تبد منه مخالفة. انتهبوا كل ما وجدوه في طريقهم. و بعد رجوعهم ظفروا بأمين المخزن فقتلوه و مثلوا به.
و في اليوم الآخر انذروا الوالي أن يسلم إليهم الباقين و هددوه فحلف لهم بالأيمان المغلظة بأنه لم يكن لديه واحد منهم و عين إكرامية لمن يظفر بواحد منهم فصاروا يتحرون عن المرقومين فظفروا بالروزنامة چي و حين كان مؤذن الجمعة ينادي للصلاة قتلوه و لم يرعوا حرمة الأذان و عاثوا بالمدينة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 70
و هذا لم يكن مستحقا لهذا العقاب الصارم و لا ما هو أقل …
و لم يظهر منه ما يستدعي. اتخذوا الفرصة للوقيعة به و بغيره.
و في هذه الأيام كان (أمير طيي ء) قرب بغداد. و في الليلة الاولي فرّ (الشيخ بندر) إليه و لاذ به فقبل دخالته و ذهب به إلي الموصل. شاع هذا الخبر و لم تبق شبهة في صحته.
و من ثم تفرقت جموعهم و ذهب كل لمحلّه و سكنت البلدة.
و لم يقفوا عند هذا الحدّ بل ظهروا في ليلة علي حين غرة و بلا موجب. فتجمعوا في الميدان حتي الصباح و لم يعلم غرضهم. اضطرب الناس و حذروا من سوء العاقبة.
أما الوالي فإنه خاف بطشهم فاتخذ طريق الفرار و ذهب
توا إلي هيت ينتظر ما يتولد من الوقائع، و ما تؤول إليه الحالة.
و لما أحس الثوار بما وقع من ذهاب الوالي خافوا ما ينجم عنه فتلوموا مدة. و من ثم أرسلوا إليه علي وجه السرعة. دعوه إلي الحضور إلي مقرّ حكومته. فوافي و نزل في الجانب الغربي من المدينة. و حينئذ تقدم إليه جماعة من رؤساء الينگچرية و أبدوا له الطاعة و الإذعان و أنهم سكنوا الفتنة و نكلوا بالمتجاسرين و علي هذا تشتت الجيش الأهلي (جند
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 71
بغداد) قسم منه فرّ و جماعة أقاموا في محلة قنبر علي. ركنوا إلي أعوانهم هناك.
و في هذه الحالة لم يتسرع الوزير في الأمر. و إنما راعي التؤدة لاستطلاع الأخبار علي وجه الصحة فنزل (المنطقة) بخيامه. اتفق رؤساء الينگچرية فأصدروا الأمر القطعي بلزوم التنكيل بالجيش البغدادي. و كان منشأ هذا الشغب من الرئيس الأول و من كتخدا الجيش الأهلي رئيس الخيالة و عدة أفراد. طلبت الينگچرية كل هؤلاء و حذروهم من التهاون في الحضور أو التخلّف. و حينئذ استولي عليهم الرعب و لم تبق لهم قوة المقاومة فركنوا إلي طريق الصلح و أبدوا أن القتال سيؤدي إلي أن يتمكن العداء فأذعنوا للينگچرية و سلموا المذكورين إلي الباشا.
فأعطي الرئيس الأول آغا اليمين و من معه إلي (الجورباجي) فأمر بنفيه بناء علي الرجاء الواقع إليه و أوعز إلي رجاله بقتل الباقين.
ثم إن الباشا قطع أرزاق نحو ثلاثمائة من الجند و فرّقهم فأصابتهم الحاجة فعاشوا ببؤس و تغرّب منهم آخرون.
دامت هذه الحوادث نحو أربعين يوما فأصابهم جزاء ما اقترفوه.
أما الوزير فإنه أبدي احتياجا إلي الحرس من الجند و اضطر أن ينقاد إلي أقوال أتباعه فتغلبوا عليه
و مدوا إلي الظلم الأيدي و تجاوزوا حدود الأدب في التطاول.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 72
جاء في تاريخ الغرابي:
«أرسل الخاصكي محمد باشا عسكر بغداد إلي البطايح لمحاربة بعض العربان. فثار الجند و قتلوا بعض رؤسائهم. فلما قفلوا و أرادوا الدخول إلي البلد أمر محمد باشا بسدّ الأبواب في وجوههم و قال: لا يدخلوا حتي يسلموا من كان سببا لإثارة الفتنة فما رضوا بذلك و راسلوا الينگچرية في بغداد فقاموا بالليل و فتحوا الأبواب و أدخلوهم فلما أصبح الصباح ذهبوا جميعا إلي دار الإمارة و نهبوها و أرادوا قتل محمد باشا فاختفي فلم يظفروا به. ثم إنهم تحزبوا في الميدان فطلبوا ثلاثة رجال أمين المخزن ذا الفقار و الروزنامة جي علي و حيدر جلبي الشابندر فظفروا بذي الفقار و علي فقتلوهما. و أما حيدر جلبي فإنه علم بالأحوال في الليلة الاولي فعبر بالسفينة إلي الجانب الغربي من بغداد و منه إلي ديار بكر و بعد ثلاثة أيام انفلّوا و ذهب كل إلي عمله ثم بعد أيام اجتمعوا مرة أخري فانهزم محمد باشا إلي هيت ثم رجع و جلس في الجانب الغربي من بغداد فوقعت المشاجرة بين طائفتي الجند فسلموا من كان سببا لإثارة الفتنة فقتلهم محمد باشا.» اه.
و في گلشن خلفا تفصيلات و كان مرتضي آل نظمي في ديوان بغداد فاطلع علي الحادث كما عرفنا بعض الأسماء من الغرابي.
في هذه الأيام ورد السفير العثماني حسين آغا آل معن للذهاب إلي الهند إلي (شاه جهان خرم شاه) و أقام ببغداد بضعة أيام ثم ركب السفينة و مضي في طريقه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 73
و ذلك أنه في سنة 1059 ه كان أرسل
ملك الاوزبك (محمد نذر خان) إلي السلطان كتابا مؤدّاه أنه يشكو من ابنه عبد العزيز فرغب أن يكتب إليه السلطان كتاب نصيحة يردعه فيه و يطلب منه الرجوع إلي الصواب، و أن يوعز أن يتدخل بالصلح شاه العجم و الهند إصلاحا لذات البين و أن يمده بهذه العناية فضلا من عنده. فقبل السلطان أن يقوم بالأمر إجابة للطلب فأرسلت الكتب مع السيد محيي الدين متفرقة عهد إليه بهذا الأمر فوصل إلي هناك و أدي واجب الخدمة و حينئذ أرسل ملك الهند جوابا مع السيد أحمد و معه هدايا و تحف باهرة أتي بها إلي السلطان.
و بالمقابلة قدم إليه السلطان كتابا مع هدايا أرسلت مع ذي الفقار آغا فأدي الواجب. و علي هذا قدم ملك الهند أيضا تحفا و هدايا مع كتاب و كان الرسول يقال له قائم بك. و في هذه المرة قدم إليه السلطان أيضا هدايا مع حسين آغا فوصل إلي الهند و حينئذ رأي في ساحل الهند أنه قام مراد بخش ابن ملك الهند بعصيان. فأعاد الرسول الهدايا فوصل إلي بغداد و في سنة 1069 ه عاد إلي بلاد الروم.
و شاه جهان خرم شاه هو ابن جهانگير سليم شاه بن أكبر شاه بن همايون شاه بن بابر شاه ابن عمر شيخ التيموري. و بابر شاه أسس امبراطورية المغول في الهند. تكونت سنة 932 ه- 1526 م. و من مشاهير هذه الدولة بعد شاه جهان (أورنك زيب) المعروف ب (عالمگير) و تنسب إليه الفتاوي (العالمگيرية) ولي سنة 1069 ه- 1659 م. و توفي في 28 ذي العقدة سنة 1118 ه- 1707 م. و دامت عظمة هذه الدولة من أيام بابر إلي آخر أيام (أورنك
زيب). مرّ بنا من ملوكها من له علاقة بأبحاثنا و بعد أورنك زيب طرأ علي هذه الدولة ضعف متوال حتي انقرضت سنة 1273 ه- 1857 م. و توفي آخر ملوكها في رانغون بعد إجلائه إليها من دولة الإنكليز. مات سنة 1279 ه- 1862 م. ثم إن دولة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 74
الانكليز أعلنت امبراطوريتها علي الهند في سنة 1294 ه- 1877 م. و في أيامنا تكونت في الهند حكومة باكستان الإسلامية و حكومة الهند.
هذا و إن مراد بخش بن شاه جهان توفي سنة 1068 ه قتله أورنك زيب بعد عودة السفير إلي بغداد.
ابن ملك الازبك الخاقان نذر خان. سيأتي الكلام عليه في حوادث سنة 1093 ه كما سبق البحث عن الاوزبك عند ذكر (جامع الاوزبك).
و في هذه السنة (سنة 1067 ه) أرسلت الدولة العثمانية إسماعيل آغا رسولا إلي شاه العجم عباس الثاني مع الهدايا السنيّة و الجواب علي كتابه المرسل مع علي خان المتضمن رجاء دوام الصلح و معه الهدايا المقدمة من الشاه فهذا الرسول إسماعيل آغا ذهب إلي ايران و أدي ما عهد إليه من واجب و عاد عن طريق بغداد. و لكنه وافاه الأجل المحتوم فتوفي و دفن في مقبرة الإمام الأعظم.
كثرت الأمطار في هذه السنة و فاضت الأنهار و طفحت مياهها.
التقي النهران دجلة و الفرات بسبب هذه الزيادة و استولت المياه علي صحاري بين النهرين. و صارت بغداد محاطة بالمياه من جميع جوانبها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 75
حتي أن المياه وصلت إلي باب الأعظمية و جرفت المياه (تابية الفتح) فتخربت بسبب ذلك الابراج الكبيرة للمدينة و ما جاورها من الابنية المهمة.
و علي هذا أبدي الوزير ما أبدي من همة عظيمة لإعادة بناء (تابية الفتح) (قرب مقبرة الشيخ عمر السهروردي في غربيها) و الأبنية اللازمة فعمرها مجددا و بذل ما في وسعه من قدرة.
و لما رأي أن قد استولت المياه في جانب الكرخ علي المنطقة و صارت تصب مياه الفرات في دجلة تحول إلي دار حكومته في الجانب الغربي. و في هذا الحين فتح الانهار لتصب في دجلة و اتخذ لها قناطر و جسورا كما أنه عمل سدتين محكمتين. قام بهذا العمل بنفسه و جمع خلقا كثيرا للعمل تسهيلا للمارة ذهابا و إيابا. و هذه بقيت في حالة ينتفع بها مدة.
و لما سمع كل من والي آمد (ديار بكر) مرتضي باشا و ولاة الموصل و كركوك بما جري علي بغداد جاؤوا للخدمة و ما
يقتضي لها من المحافظة.. فنصبوا خيامهم في صحاريها و قاموا بما لزم.
لم تمض إلا مدة قليلة حتي ورد الفرمان بلزوم ذهاب مرتضي باشا إلي جهة الاناضول للقضاء علي حسن باشا أبازه و أعوانه فذهب.
أما هذا الوالي فإنه كان محبا للخير، مراعيا أعمال البر و الأمور النافعة. و من أعماله أنه عمّر قبّة عثمان ذي النورين (رض) و أرسل من يقوم بذلك لما علم أن بناءها قد تداعي و عمل لها ستارا. و بذلك بذل مبالغ طائلة. و لا تزال مبراته باقية.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 76
و هذا الوزير تم في أيامه بناء المنارتين لمسجد الإمام علي (رض) في النجف.
في أيام هذا الوزير كان بني بعض الرهبان كنيسة بقرب مرقد الشيخ محمد الأزهري و هو من الأولياء الكرام و المشايخ العظام في حين أن النصاري لم يبنوا في بغداد من ابتداء عمارتها ديرا (كذا) فلما سمع الوزير بذلك خرب الكنيسة و بني موضعها جامعا يؤمه المسلمون و أعلي قبّته و بني له منارة و جعل طيقانه مقرنسة، و اتخذ له جدرانا قويّة و سمي (جامع نور سلحدار محمد باشا) و عرف بجامع محمد باشا السلحدار ثم شاع باسم (جامع الخاصكي) و كان في القاهرة يطلق عليه أبو النور. أراد أن يقف أوقافا لهذا الجامع و قرّر له خدّاما و يعيّن ما يحتاجه. و بينا هو كذلك إذ ورد الأمر بعزله. و من ثم هجر هذا الجامع، و لم ينقصه إلا القليل، فحصل فتور حال دون إكماله.
و جاء في رحلة أوليا چلبي أن جامع محمد باشا الخاصكي جامع جديد في رأس القرية. فيه منارة. و لا شك أن الرحالة بقي إلي ما بعد بنائه. كان ورد أكثر من مرة إلي بغداد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 77
ثم جرت عليه تعميرات متوالية منها ما كان في سنة 1077 ه أيام وزارة إبراهيم باشا الطويل عمّر بعضا منه و اهتم بما يقتضي لترميمه.
فشرع فيه بإقامة الجمع و الجماعات.
و في سنة 1079 ه توجّه نظر الوزير قره مصطفي باشا إليه فعني بأمره و عيّن لمستخدميه راتبا من مال الدولة.
و في سنة 1094 ه ورد بغداد محمد بك السلحشور لقضاء بعض المصالح التي أودعت إليه. و كان هذا ممن عاش في نعمة باني الجامع
محمد باشا فعمره و أكمل بناءه وزوقه بنقوش ذهبية و كتابة ياقوتيّة و زاد في وقفه و في خدامه.
و التفصيل في كتابنا (المعاهد الخيرية).
إن هذا الوالي بدأ حكمه في بغداد في غرة صفر سنة 1067 ه و دام إلي 7 ذي الحجة سنة 1069 ه.
إن هذا الوزير موصوف بالشجاعة و البطولة و قبل هذا كان واليا علي بغداد. ثم صار واليا علي ديار بكر فعهد إليه بالقيادة الممتازة. و في هذه المرة فوّض إليه منصب بغداد أيضا.
و في أيامه هذه أحيا (نهر دجيل) و كان اندرس. أراد أن يقوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 78
بالعمل و أن يوفق بين مصاريف بغداد و دخلها و يرفع عنها ما أصابها من اعتلال و أن يؤدي من ضرائب بغداد مائة كيس من الاقجات سنويا يقدمها للدولة تعرف هذه ب (ارسالية) مع ألفي رطل من البارود ترسل إلي استنبول. كان طلب من حكومته أن تمنحه المنصب بهذه الشروط فوافقت.
ولي زمام الإدارة في بغداد. و لم يدخلها في أول وروده و إنما نزل بقرب فيلق الوالي السابق علي حين غرة فولّد هيبة … و حينئذ اتخذ المحاسبة عن خزانة بغداد وسيلة فأبدي أنه تبين للخزانة بذمّة الوالي أكثر من ستمائة كيس من الأقجات فصار يطالب بها و ضيّق عليه الخناق من أجلها و من ثمّ لجأ الوزير السابق إلي طريق الاستشفاع و الالتماس منه فإنه كان منفورا من الصدر الأعظم محمد باشا الكوپر يلي فعفا حينئذ عن مائة كيس و حوله بمبالغ مقابل رهان مقبوضة و الباقي جعله دينا إلي أجل.
و حينئذ دخل الوزير الجديد المدينة. و تطييبا لخاطر هذا الوزير و إزالة ما مضي دعاه إلي الضيافة و أعطاه خمسة عشر كيسا من النقود الكاملة العيار و ثلاثة من البغال للركوب من نوع رهوان (رهوار). و أنعم عليه ب (فرجيّة
سمّور) و أعطي لكل من أخيه و ولده خنجرا مرصعا هدية لهما. و لكن هذا لم يكن الدواء الشافي لما جرحه به.
و هذا الوزير لم ير بدا من قبول هديته و تبرئة ساحته.
ثم إن الوزير مرتضي باشا تولي الحكم بإجلال و عظمة و استقلال، و أصدر أوامره إلي النواحي و القري بتوليه الوزارة و جمّع الأهلين في نهر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 79
دجيل و سكانه القدماء و أحضرهم إليه و أعد ثلاثة آلاف أو أربعة من العمّال و المعمارين و من يصلح فشرعوا في العمل و لم تمض ثلاثة أشهر أو أربعة حتي أتمه حفرا و تطهيرا و عمر القصبات و الجوامع هناك و أرضي الرعايا و أخذ الرسوم العشرية بوجه العدل و الانصاف.
ألغي هذا الوزير ما كان يتقاضاه الولاة و الدفتريون من المخصصات السنوية البالغة أكثر من مائة كيس و يقال لها (ساليانة) و تصرف لمعيشتهم و إدارتهم، و أبطل إمارات بعض الألوية، و أرسل للدولة المبلغ المقرر و البارود المعين و لا يزال هذا حملا ثقيلا علي كاهل خزانة بغداد. و بهذه الطريقة مضي في تدبير المملكة العراقية.
و من ثم اضطر بسبب التغير الحاصل إلي أخذ الرسومات المعينة من الرعايا سلفا و هي (الساليانة). و اتخذ اختلاط الشهور العربية بالرومية وسيلة للغبن الفاحش و استعمل الغلظة علي الأهلين فتمكن من جمع الضرائب سلفا و لكنه قضي علي إدارة الماضي نهائيا و ثبت الوارد و المصروف و دوّنهما بدفاتر خاصة. و عدّل في الادارة بالنظر للوضع الحالي. و هذا عمل مقبول لولا أنه أحدث ضجة بسبب الضرائب. نفع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 80
الدولة إلا أنه أضر بالأمة. حملها ما لم تطق. و قدرة الوالي يجب أن تصرف إلي أخذ المقرر من الضرائب دون أن يحدث ضرائب جديدة.
قرر أيضا علي بغداد (معتادا) فيما يرسل من التحف الملوكية لرجال الحل و العقد في مركز الدولة و قرّر الانعامات لمن يأتي و يعود.
و لم تزل الولاة مكلفين بهذه التكاليف حتي أواخر عهد المماليك.
إن هذا الوزير أبرز قدرة و أبدي مهارة في الإصلاح إلا أنه بعمله هذا أضرّ كثيرا إذ بلغ الناس من الضعف الغاية بل نري الضرائب تتزايد و تتجدد متواليا فلم يفكر الولاة إلا في خاصة أنفسهم و إرضاء دولتهم.
كان القرش الواحد في خزانة بغداد يعتبر ثمانين آقچة. فأبلغ في هذه السنة بفرمان إلي تسعين و هذا تدبير آخر من هذا الوالي، زاد علي كل قرش بارة فكان ذلك منحة للموظفين و مصيبة علي الرعية فيما يجبي منهم.
ثم إنه مال إلي أمور لا تليق بشأن الوزارة رغّب في أمور تأباها النفوس. و لم تكفه المجالس الخاصة داخل المدينة. و إنما اتخذ خياما في الصحراء يقيم فيها الضيافات مفتوحة للعام و الخاص يتعاطي فيها الرذائل و يزين مجالسه بالمغنّيات و سائر أمور اللهو.
و الحاصل أن ما يستحسن منه أقل بقليل مما يسوء. جمع أموالا موفورة و خزائن غير محصورة فصار يضاهي الملوك في خدمه و حشمه و جيشه بحيث بلغ غاية الأبهة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 81
أنه يبدي لبعض الاشخاص منوياتهم أو يخبر عن قدوم الآخرين … ! و من مشهودات المؤرخ مرتضي آل نظمي أن أحد المساكين حين مرور الوالي رمي بشبكته فأصاب نحو عشرين سمكة.
كان طرحها علي حظّه.
ففي أيام حكومته تولدت قناعة للناس فيه و من هذا القبيل ما يحكي أنه جاءه ملّاح، دخل عليه قائلا إن سفينته أصابتها الريح و اضطرب أمرها و كادت تغرق فاستمد بسعد الوزير و نذر شمعة فنجا من الخطر.
فقدمها إليه.
و من ذلك أنه كان يخرج وحده منفردا يتجوّل في الأسواق و الطرق تارة في رأس الجسر و آونة في القهاوي فيستريح هناك. و في هذه الأثناء يفصل القضايا و يقطع الخصومات و علي كل حال كان يخشي الناس سطوته و ينقاد إليه الجيش و الأمراء و كان الكل معه في دائرة الآداب.
و الغريب أنه لو رأي عصيانا. أو شاهد تقصيرا عاقب بالحبس الطويل، أو صادر أموال الجاني، و رأي منه أنواع العذاب لدرجة أنه قد يؤدي إلي هلاكه … و في أيامه كثر السراق و زادت السفاهات.
بدأت حكومته في 20 ذي الحجة سنة 1069 ه و دامت إلي 9 رجب سنة 1072 ه.
و بعد أن عزل عهد إليه بمنصب الاناضول و من هناك أمر أن يذهب إلي جزيرة گريد فظن أنه ورد الأمر السلطاني بقتله فكان يخشي السجن فارتبك شأنه و بتسويل من بعض أعوانه التجأ إلي يوسف بن سيدي خان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 82
حاكم العمادية و لم يوافق علي القيام بما عهد إليه و حينئذ لم يرض سائر من معه بأفعاله هذه فانفصلوا عنه و كذلك تركته العساكر التي كانت معه فألقي الأكراد القبض عليه و استولوا علي
أمواله. و بفرمان من السلطان أمر والي ديار بكر محمد باشا الكرجي فتمكن من قتله و قتل بعض أتباعه و أرسل رؤوسهم إلي استنبول.
و في قصص هذا الوزير عبرة، نال حظا وافرا من الحياة الدنيا ثم أصابته هذه النكبة فذل.
هذا الوزير شيخ وقور. يدعي بمصطفي باشا القنبور (الأحدب).
كان آغا الينگچرية فأنعم عليه السلطان بولاية بغداد. و في أيام السلطان مراد نال منصب چورباجي في بغداد. قضي بها مدة. ثم صار (آغا بغداد) و في هذه المرة ولي الوزارة. كان واليا جليلا محترما، تعرف لدي الأهلين و ألفوه لما سبق له من معرفة بهم. و إن منصب آغا الينگچرية عهد به إلي صالح آغا رئيس العرفاء.
هذا الوزير رفع ما تمكن من رفعه من بدع فأبطل الأمور التي لم تكن لائقة. و لم يكسر خاطر أحد. كانت تؤخذ من الأهلين دراهم بيتية أو مصاريف المضيف. تستوفي كمورد رزق للكتخدا و للمختارين و رؤساء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 83
المحلات فرفعها. و عين للكتخدا راتبا من كيسه الخاص فجبر خاطر الضعفاء.
لم يحدث في أيامه ما يستحق الذكر إلا أن هذا الوزير و إن كان صاحب تجربة و تدابير صائبة و لكنه ابتلي بالأفيون و البرش (معجون من أفيون و غيره مما يولد التخيلات) كان أحيانا يغضب بلا داع و يستعمل الشدة و يهدّد أو يقوم بأمور لا مبرّر لها. و من ثم يتحرّك بحركات غير مقبولة و يعزر أعوانه أحيانا. ذلك ما دعا أن يعهد بكافة الشؤون إلي كتخداه. فكان يسمع منه بعض ما يتصدي به إلي اهانته فترك من خوفه أمواله و ما يملك و فرّ هاربا.
مضت هذه السنة و الأحوال علي ما هي عليه. و فيها عزل الوزير و كانت حكومته في 10 رجب سنة 1072 ه و انتهت في 27 جمادي الأولي سنة 1074 ه.
هو والد مرتضي المؤرخ صاحب گلشن خلفا و ابن بنت عهدي البغدادي صاحب گلشن شعرا. أورد له ابنه مرتضي بعض الأشعار في تاريخه و خير ترجمة له الترجمة الملحقة ب (تذكرة عهدي) للقربي و الصلة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 84
بينهما. و منها عرفنا أن نظمي ولد في 4 شهر رمضان سنة 1002 ه. و من أول نشأته مال إلي المعارف كآبائه و أجداده فظهرت مواهبه. و جالس العلماء و الأدباء فبرز في النظم كما فاق في التحرير.
و بينا هو في راحة و رغد من العيش إذ فاجأ الناس أمر (بكر صوباشي) و هجوم العجم و قائعهما المؤلمة فغيرت في الوضع فاضطر المترجم أن يترك بغداد و يتزيّا بزي درويش. سكن هو و أمه في كربلاء خشية أن يعرف حاله.
بقي هناك مدة في خفاء حتي جاء حافظ أحمد باشا لاستخلاص بغداد. فوافاه و مدحه بقصيدة. و لما عاد الباشا غير ناجح في مهمته ارتبك أمره. و عرف حاله، فهاجر إلي الرها و هناك عرفت له مكانته.
و بعد مدة سقط من صهوة الجواد فكسرت رجله و بقي عليلا مدة إلا أنه لم يخف حاله. كان اتصل بأشراف البلد و شيوخها و فضلائها قبل أن يصاب و نال مكانة سامية.
و في أثناء ملازمته لداره باري (منظومة مجنون ليلي) للشاعر فضولي برواية سمّاها (ناز و نياز) فأضافها إلي ديوانه. اعتاد النظم منذ الصغر.
و لما ورد السلطان مراد الرابع مدحه بقصيدة و تمني له السفر الميمون.
و بعد
الفتح عام 1053 ه عاد بأهله و ولده إلي بغداد فحصل علي مكانة معروفة و نال بعض المناصب في كتابة الديوان. و في سنة 1066 ه ذهب مع أمه و عياله إلي الحج و زيارة مدينة الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم و قبل أن يتوفي ببضع سنوات تتجاوز الخمس ترك الأعمال و لازم العبادة و قراءة القرآن و الأوراد إلي أن توفي عام 1074 ه.
فالمترجم له اليد الطولي في النظم و النثر. كان فذّا في الفارسية و العربية. يعد فريد عصره. و هو صاحب عرفان و زهد، و سلوك مقبول، و تصوف مرغوب فيه، و له مساع و أعمال فاضلة … و في كل أحواله راعي القوانين الشرعية. و لم يحد عنها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 85
1- سيفا: رثاه بقصيدة فيها تاريخ الوفاة.
2- غوثي: رثاه بقصيدة ختمها ببيت يتضمن تاريخ وفاته.
3- ابنه (ابن المترجم) لم يعين اسمه و الظاهر أنه مرتضي صاحب (گلشن خلفا) فهو شاعر أيضا. و نسختي الخطية من گلشن شعرا عليها ختمه و كان محترما في عصره لدي علماء و أدباء زمانه …
نشأ في البلاط و يعرف ب (مصطفي باشا الينبوغ). كان واليا في الروم. ثم فوض إليه منصب بغداد. كان في سنّ الشباب. و لا يخلو من كبرياء فلم تؤدبه التجارب و لا هذبته الأيام في وقائعها فلا يزال لم يستفد من عبر الدهر. كان يميل إلي بعض أهل النميمة فهو مسماع اذن. يبدي غلظة و شدة … و مما عرف عنه أنه تجاوز علي بعض مجاوريه فاغتصب دورهم و ألحقها بسرايه الخاص فارتكب جريرة. لم يشتر هذا الدور بغبن فاحش و لكن الغدر متحقق ظاهر فاشتهر بسوء السمعة فسخط الناس عليه و تذمّروا منه …
يحكي عن بعض أهل الصلاح أنه قال في هذا الوزير:
في بغداد (الحسين بن منصور الحلاج) يحلج قطنه.!
لم تطل مدة حكمه و لا دام له رغد العيش فقضي نحبه بداء البطنة.
دفن بجوار (حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 86
و أيام حكومته من 28 جمادي الأولي سنة 1074 ه إلي أواخر ذي الحجة منها.
كان صبيح الوجه. حلو الكلام. ولي بغداد سنة 1061 ه ثم ديار بكر فحلب و مصر القاهرة. فأقبلت عليه الدنيا و نال حظا و افرا منها. ثم انقلب الزمان عليه فكشر له أنيابه. غضب عليه السلطان فعزله من مصر و توجّه نحو استنبول. و في أثناء الطريق عيّن حسن باشا أبازه لإلقاء القبض عليه بتسويل من أهل الفساد …
فلما سمع بذلك ترك ما لديه من أموال و نفائس و ذهب بنفسه فارا فدخل استنبول بزيّ متخف، فانزوي. و لم يتمكن أحد من العثور عليه.
بالرغم من التحريات.
و لهذا لقب ب (مصطفي باشا الفار). اختفي سبع سنوات أو ثمانيا فعفا عنه السلطان و أنعم عليه بولاية
(وان) ثم نال منصب بغداد.
و لما وصل إلي بغداد أبدي الزهد و الدروشة و عامل الأهلين بالحسني و الرأفة، فأنسي ما كان فعله سابقا.
ولد له ولد اسمه محمد بك في حكومته الأولي ببغداد. و في هذه المرة أجريت له حفلة ختان فقدم سبعة أيام أنواع المأكولات و أطعم الصادر و الوارد. أجري الضيافة للجميع و كان يلاطف الكل و يبسم في وجوههم.
كان هذا الوزير حلو اللسان، بديع البيان. ينهض لكل زائر و يبش بكل وارد فجلب القلوب بتواضعه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 87
حكم من سلخ صفر سنة 1075 ه إلي 26 ذي القعدة منها.
كان هذا رئيس البستانيين في الحرم السلطاني. ثم صار قائمقام استنبول. اشتهر بالصلاح و رضي عنه الخاص و العام. ثم عهد إليه بمنصب بغداد.
كانت امارة الاحساء في الاصل امارة عثمانية من أيام السلطان سليمان القانوني. دخلت في حوزة العثمانيين من حين الاستيلاء علي البصرة و الحكم المباشر فيها بالقضاء علي امارتها …
الأحساء بحذاء هجر دار القرامطة في أنحاء البحرين و أحيانا تشمل البحرين و أحيانا تعدّ منها تبعا لاختلاف التشكيلات الإدارية. و في العهد العثماني لا نستطيع أن ندون عنها معلومات كافية و واضحة. و كل ما علمناه أن الحكومة عينت حكاما و ارسلتهم إلي الاحساء لا نعلم عن حكمهم ما يستحق الذكر. و في أيام سيدي علي رئيس كان حاكمها مراد رئيس.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 88
ثم عرفنا من مؤلفات عديدة أن أمراء بني خالد حكموها إلي أواخر القرن العاشر ثم حكمها علي باشا من أوائل القرن الحادي عشر باسم العثمانيين. ثم صارت لذريته. و توفي عام 1051 ه. خلفه الأمير أبو بكر ثم يحيي بن علي باشا المذكور و أخذ الطريقة عن الشيخ تاج الدين الهندي.
و يحيي باشا أخو الأمير أبي بكر ولد في أول الألف و توفي سنة 1076 ه في المدينة. و هذا عالم أديب له ديوان شعر في مجلدين. مدح الشريف زيد بن محسن شريف مكة.
و آخر ولاة الاحساء محمد باشا جرت واقعة البصرة هذه من جرائه. و من ترجمة أبي بكر نعلم العلاقة و الصلة بينهما.
و لما حدثت الفتن بين حسين باشا آل أفراسياب و أعمامه و أدت إلي ما أدت إليه كان أمير الاحساء ناصرهم و دلّهم علي طريق الالتجاء إلي الدولة العثمانية و ساعدهم بكل ما أوتي … و من ثم أراد حسين باشا الانتقام منه و أول عمل قام به أنه استمال العشائر الكبيرة هناك و
في مقدمتها (بنو خالد). كانت تنازع السلطة و أميرها آنئذ براك فقربه إليه و اتفق معه و أرسل جيشا في قيادة أمير له اسمه سلمان.
ضيقوا الحصار علي الاحساء، فوجد واليها في نفسه ضعفا. لم يستطع الكفاح فاضطر أن يسلم البلد إلي الأمير سلمان بعد أن طلب الأمان من أمير بني خالد (براك) و أجلي الباشا و أعوانه عن البلد. و لما رام سلمان دخول البلد منعه الشيخ براك و انتزع أسلحة من معه و طردهم فحكم البلد و كان حاكما عادلا.
أنهي الخبر إلي حسين باشا ففكر في الأمر. فلم ير بدّا من تجهيز جيش علي الشيخ براك فبعث بالجند تحت قيادة أمير له يدعي يحيي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 89
و حينئذ جرت معركة دامية بين براك و يحيي فكان النصر حليف يحيي و هرب الشيخ براك فارا من البلد فجاء أعيان الأحساء يطلبون الأمان فأمنّهم و صار حاكما و هذا حاول أن يوسع حكمه إلي عمان و أن تمتد سلطته علي الاصقاع الأخري النائية …
بعد أن سلم محمد باشا الاحساء مال إلي الشريف زيد يطلب منه أن يتوسط في أمره و يشرح ما جري لدي السلطان محمد شاكيا ظلامته، ملتمسا رفع ما ناله من حيف. أوضح الشريف زيد للسلطان أن حسين باشا أوقع أضرارا بالأهلين. و اغتصب الأموال و تسلط علي الضعفاء و علي هذا أرسل السلطان إلي الوزير (قره مصطفي باشا) والي بغداد يستطلع الأخبار عن هذه الفتن، و أن يحققها و يعلمه.
و من ثم استفهم الوزير من حسين باشا عما فعل فكان جوابه أن ذلك إنما جري منه بأمر سلطاني، و أن الأمر لدي يحيي أمير الأحساء، و أنه سوف
يأتي به، تعلل بذلك و لا أصل لما أجاب به. و لكن صاحب گلشن خلفا أيد قول حسين باشا أنه حصل علي فرمان سلطاني ليحقق ما جال في فكره من لزوم الاستيلاء علي الاحساء. عدلت الدولة عن فرمانها و أرادت أن تتخذ هذه الفتنة وسيلة للتدخل فالعشائر صارت مع الدولة. و كذا الشريف سنحت له الفرصة كما أن ايران لم تتدخل علي ما يفهم من المخابرة الرسمية. فكانت فرصة لا تضيّع بل يجب أن تغتنم. و حينئذ كتب حسين باشا إلي يحيي ما جري من المخابرة حاكيا ما ابتلي به. و من جملة ما كتب أن يأتي علي عجل ليتخذ معه الأهبة لما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 90
يتوقع حدوثه. كتب إليه كتابا أرسله مع الساعي محمد. فصادف شيخ العرب هذا الساعي فأخذ الكتب و قدمها إلي محمد باشا و كان إذ ذاك في بغداد. جاء بأمل انقاذ مملكته فقدمها إلي الوزير و فيها طعن في نفس الوزير فاشتد حنقه و سخط علي حسين باشا و صار ينتظر الفرصة للوقيعة به. و لكنه في ذلك الحين عزل. فلم يسع محمد باشا غير السكوت و الانتظار. و قضية الحصول علي الكتب فيها نظر.
أما حسين باشا فإنه أرسل إلي الاحساء أميرا اسمه عمر. و عاد يحيي إلي البصرة للاستعانة به فيما يخشي حدوثه …
و يفهم من مجري هذه الحوادث و من ولاية قره مصطفي باشا أنها من حوادث سنة 1075 ه و إلا فلا يأتلف ما ذكر في تاريخ السلحدار و ما جاء في الوثائق المحلية.
و جاء في عمدة البيان أن الأمير يحيي سار بالعساكر و معه كنعان أمير قشعم فملك الاحساء و هرب منها الأمير
برّاك، فعادت كما كانت لآل أفراسياب سنة 1076 ه و بين أن أبا بكر توفي و كان أحد أسخياء العالم و هو ابن علي باشا الأحسائي.
إن الدولة العثمانية في حربها مع حسين باشا آل أفراسياب حاذرت من الايرانيين أن يتدخلوا في الأمر فيكونوا لجهة أفراسياب فكتب الوزير الأعظم إلي اعتماد الدولة الايرانية أنه اقتضي تأديب هذا الثائر، و أنه باغ علي السلطان فطلب منه أن لا يمد إليه يد المعونة إذا التجأ إلي ايران و أن يحافظ علي أساس الصلح و أن لا يظهر ما يخالف.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 91
و إن اعتماد الدولة في جوابه يشير إلي أن الصلح لا يزال دائما، و لا يساعد أمير أمراء البصرة بوجه، و لا حدّ لأحد أن يخرق الصداقة، أو يتحرك بما يغاير الصلح و كتبت الأوامر إلي أمراء الحدود في لزوم احترام العهود و أن لا يخلّوا بأمر منها.
و بهذا أمنت الدولة الغوائل و التدخلات من المجاور …
إن حسين باشا هذا علم أن قد اتسع الخرق و لم يطق التخلص إلا بطريقة صالحة و أن المقاومة و الاعتزاز استنادا إلي القوة لا تجدي نفعا.
أرسل جماعة إلي دار السلطنة يبذلون الأموال و لكنهم عادوا بفشل ذريع لما رأي السلطان ما عرضه الشريف زيد فقدمه للمفتي فكتب إليه أن حسين باشا هذا يجب أن يعزل و إن بغي فيقتل كسائر البغاة …
و علي هذا أرسل السلطان وزيرا هو إبراهيم باشا إلي بغداد ليقوم بالأمر و ينقذ محمد باشا و عزّزه بأمراء آخرين بينهم والي ديار بكر و والي حلب و والي شهرزور الوزير كنعان باشا الگرجي و والي الموصل إبراهيم باشا الگرجي و غيرهم من الأمراء بمن معهم من جيوش، و بلغت جيوشهم ما يربو علي خمسين ألفا، استكملوا العدة و العدد في بغداد ثم توجهوا نحو حسين باشا. و
هذا لما علم بالأمر سار إلي القرنة مسرعا ينتظر ما سيجري … و قد قضي مدة يترقب الأخبار فلم يصل إليه منها شي ء، و لم يأته بيان و لكنه لم يدع الفرصة بل أرسل إلي شيوخ العشائر كتبا يدعوهم بها لمؤازرته فجاءه بعضهم و تخلف آخرون …
ثم إن حسين باشا كتب إلي الوزير إبراهيم باشا والي بغداد يستفهم عما دعا و فيه تهديد من جهة و استعطاف من جهة أخري معتذرا أنه إنما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 92
فتح الاحساء بناء علي الأمر الوارد إليه و لم يكن منه تقصير فأجابه انك معزول و لك الخيار في أن تأتي إلي السلطان، أو تخرج من بلاده و بذلك تحقن الدماء و كذا كتب إليه سائر الوزراء ينصحونه فلم يلتفت. و كان الرسول أحد السادات من أتباع والي آمد فأغلظ القول علي الرسول جهرا و أخفي خلافه و قال له: إن أصلحت هذا الأمر منحتك خيرا و حزت أجرا و قد أراه جماعة من العجم ليرهبه بهم و في الوقت نفسه أكرمه و قال له بلّغ ما رأيت فأجابه: إننا نود القتال مع هؤلاء الاعجام و قد سمعنا بذكرهم فلم يبال بهم الوزراء. ثم أتي بعد ذلك خبر مؤداه أن ابنه الاصغر قد عبر نحو العسكر مصحوبا بالبن و السكر فدس الذهب في البن لبعض ذوي الرتب من عسكر الروم و ربما أفسد بعضا من الجند علي ما نقلوا …
و في گلشن خلفا: إن السلطان أمر بإعادة الاحساء إلي حاكمها السابق، و أن يساعد في الاستيلاء عليها و استخلاصها، و أن يؤدب حسين باشا علي عمله … فجعل ابراهيم باشا أميرا، و عهد إلي والي ديار
بكر إبراهيم باشا، و محافظ حلب الوزير حسين باشا و متصرف الموصل إبراهيم باشا الگرجي و أمير الرقة (صاري محمد باشا) و والي شهرزور كنعان باشا أن يكونوا معه تبعا له و أن يقوم كل منهم بقيادة جيشه و إدارته …
أما الوزير فإنه حينما ولي بغداد جاءه محمد باشا من مكة المكرمة و حسب الفرمان جهز الجيوش و اجتمع الكل في بغداد. و حينئذ أرسل من هؤلاء نحو ألف فارس علي عجل و بينوا له ما وقع بتحرير جاؤوا به إليه من الوالي و فيه تحذير ما يتوقع حدوثه و أن يذعن للدولة و لكنه أبي أن يقدم معذرته و إنما صار يبذل مبالغ من جهة، و طورا ينذر و يهدد فلم يفد ذلك كله، ذهبت الاتعاب سدي و لم يتلقوا منه سوي التعنّت و الجواب الفظ و الخطاب المملوء غرورا …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 93
و لما رأي وضعه في خطر أرسل أهله و أمواله إلي حدود العجم و تحصّن هو و من معه في القرنة و صارت تتلاحق جنوده إليها … تأهب للحرب و استعد لها …
و قال الشهابي:
«ثم جاءت الأخبار إليه أن الجيش العثماني قد حل العرجة فاهتم للأمر و جمع الأعراب و شجع الجيوش و الأحزاب العائدة له فساقهم إلي الرملة و من بينهم يحيي أمير الحملة و حينئذ اشتبك القتال بين الفريقين و ابتدأ برمي المدافع و لكن جيش يحيي قد انهزم و لم يطق الصبر علي الحرب. فرّ قبل طلوع الشمس فاستولت الروم علي المؤونة و كانت كثيرة جدا و لما عادوا وجدوا حسين باشا خارج الفتحية و معه قوة جيش فعاد إلي القرنة و علي هذا
أرسل البريد إلي أهله أن يخرجوا فخرجوا جميعا و حاول الهزيمة. خاف أن يكون في قبضة عدوه. و لكنه رأي الرياح مخالفة، و صادف المد في النهر أيضا، جاءه أكبر أمرائه يخيّره بين اللقاء و ضده و كذلك الجيش خيّره بذلك فلم يلتفت لقولهم و لم يعوّل علي رأيهم. و لما رأوه بهذه الحالة قالوا له اترك العربان و ما حوته و اذهب لشأنك لصد غائلة الروم و فيها نحتمي من أذاهم. أتت إليه جموع كبيرة فلما أصبح عليه الصباح و رأي جموعه هذه زال عنه الوهم. فاستقر في القرنة بعد ما كاد يترك الحرب إلا أنه لم يعلم بنيّاته هذه سوي مشاركيه و من كان يسر إليهم القول.
ثم جاءه أهل الجزائر فاعتز بهم أكثر. و هكذا استعد للقتال فجاء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 94
إبراهيم باشا بعسكر عظيم إلي القرنة إلا أن مجيئه كان متأخرا و لو جاء في حينه لاستولي عليها فحاصرها مدة شهرين فلم ينل غير الخيبة و الخذلان. و قد تصدي للقتال جنوده المعروفون ب (صارجه) و هؤلاء كانوا معاندين عنادا بالغا حده فلم يهتموا بالحرب بل فقدوا الطاعة المطلوبة في الجيش فكان ذلك من أهم أسباب الخذلان.» اه.
و أما الوزير فإنه في أواسط جمادي الأولي سنة 1076 ه جهز جيوشه و نهض من بغداد سائرا نحو البصرة. كل هذا و حسين باشا لم يطرأ خلل علي تجلده و أصر علي الدفاع محتقرا عدوه. و في هذه الحالة قصّر الوزير في احضار المدافع المعدة لهدم القلاع و الحصون، و مع هذا طاول في الأمر علي أمل أن يذعن حسين باشا اليوم أو غدا و بهذا الأمل كان يترقب ورود رسول
في الاستئمان. سار حتي وصل إلي (الرمّاحية)، و مع كل هذا لم يظهر أثر فتور في حسين باشا فأرسل الوزير كتابا إليه يدعوه إلي الطاعة و الانقياد مشتملا علي نصائح قدمه إليه مع قاصد ذهب به. و هذا أيضا لم يفلّ من عزمه و لم يقلل من غلوائه، و لم يتلق منه جوابا سوي قوله (المقدر كائن).
و حينئذ لم ير الوزير بدا من أن يمضي بجيوشه إليه فوصلت الجنود إلي (المنصورية) فضربوا خيامهم هناك فتقابل الفريقان و اشتعلت نيران
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 95
جسر بغداد القديم- دار الآثار العراقية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 96
الحرب بينهما و حمي الوطيس فغطي غبار الحرب السماء، لا تسمع إلا قعقعة السلاح و اشتباك الابطال … دامت الحرب من العصر إلي نصف الليل … و بالنتيجة ولي فرسان حسين باشا هاربين مذعورين من شدة ما لاقوه فاستولي الوزير علي الجزائر و جعلها محط خيامه و اتخذ جسرا قرب المنصورية فعبر إلي القرنة و هي بمثابة مفتاح للبصرة و أحاطت بها الجنود من جميع جهاتها فحاصروها.
و هناك نصبوا خيامهم و تأهبوا للحرب. و لكن كما سبق القول لا توجد مدافع حصار كافية لهدم القلاع. بعث الوزير إلي بغداد أن ترسل إليه مدافع لهدمها إلّا أنه لم يقف عند هذا الحد و إنما بادر بالهجوم بما عنده لأنه رأي أن العدو قد تكاثر مدده و المطاولة لا تفيده فاشتبك القتال بين الجمعين و رتب ما لديه من المدافع للهجوم علي القلعة.
أما حسين باشا فإنه أرسل ابنه إلي العجم و استمد بهم. لجأ طالبا المعونة فأمدوه بعسكر يحسن الرمي و يقدر علي المقارعة … و كذا جمّع من الجزائر
نحو خمسة آلاف من الرماة و ألفين أو ثلاثة آلاف من سكبانية الروم. و ملأ السفن العائدة للتجار من الأموال العائدة لهم فضبطها و ربطها في ميناء القرنة تأهبا للطواري ء و للاستعانة بها عند الحاجة و ارجع التجار إلي ميناء البصرة.
و لما وصل هؤلاء التجار إلي البصرة وجدوها خالية من حاكم و أنها في هرج و مرج و حينئذ راجع هؤلاء الوزير بالاتفاق مع المشايخ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 97
و كتبوا له كتابا طلبوا فيه أن يرسل إليهم باشا أو متسلما. أما الوزير فإنه أرسل إليهم (حسين الصولاق) حاملا أمرا منه و هو من التجار و بعث إليهم بكتب طافحة بالاستمالة و الترغيبات الكثيرة.
و التجار كانوا اتفقوا مع المشايخ المعروفين آنئذ بكثرة الاتباع و المريدين إلا أن الكثرة تحتاج إلي مهارة سياسية و قدرة علي الادارة و الحرب فالتاجر لا يصير في يوم واحد سياسيا محنكا أو قائدا مدربا.
فالقوم دبروا البلدة و أظهروا عصيانهم علي حسين باشا و خاصموه.
و كان في البلدة سفاك يقال له (ابن بداق) تربّي في نعيم حسين باشا و إحسانه، فكتب إليه يخبره بكل ما جري و يقول له: لو أمددتني بقليل من القوة و عهدت إليّ بالأمر فلا أقصر في دفع المخالفين و القضاء علي مخالفتهم فأبذل ما أستطيعه من قوة في سبيل تأمين البلدة خالصة لكم.
أما حسين باشا فقد منّاه بما شاء و أمره أن يستأصل الخارجين و يدمرهم ما استطاع. جهز جماعة من العربان و سيرهم لمعاضدته و هؤلاء تقدموا إلي موقع التجار و المشايخ و هاجموهم فاستعرت نيران القتال نحو ساعة أو ساعتين فظهرت آثار الانتصار للتجار و المشايخ فقتل ابن بداق و أتباعه.
موسوعة
تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 98
و حينئذ رجع الشيوخ و التجار ثملين بخمرة هذا الانتصار و لم يبالوا بمداخل البلد و ضبطها من صولات الاعداء فعادوا كأنهم في مأمن و لم يبق ما يستدعي قلقهم فذهب كل من هؤلاء لشأنه و انسحب لمحله.
و لم تمض مدة حتي جاءت العربان أفواجا من جهة شط العرب لنصرة ابن بداق. هاجموا البلدة من جديد فدخلوها و بدأوا بنهب دور آل عبد السلام و ولدوا اضطرابا بسبب كثرتهم و شدة صولتهم. و في هذه المعركة دارت الدائرة علي التجار و المشايخ. و قتل من الشيوخ (ذو الكفل) و السريّ من آل (عبد السلام). و بهذا انفرط عقد نظام المشايخ و التجار و تبعثرت أحوالهم فعلت ضجة بلغت عنان السماء و قتل من التجار جماعة، و لما رأي الأهلون الحالة و ما وصلت إليه اختفي كل من أحس بخوف من حسين باشا كما أن جماعة من المشايخ رأوا أن لا طاقة لهم بالمقاومة فهربوا إلي جانب الوزير. نجوا فوصلوا إلي دار الأمان، و حينئذ أخبروا بما وقع و قصوا القصة بآلامها و كان حالهم ينبي ء عن خبرهم.
و هذا ما قصه الشهابي البصري عن حالة البصرة قال:
«من حين أتي حسين باشا العليّة أرسل جندا فأخرجوا كل ما في الزكيّة من المدافع. و لما خرجت عياله من البلاد، و اختفت رجاله ولي البصرة شيوخها، حصلوا علي ادارتها حفظا للنظام و خوفا علي البلاد من كيد أهل الشقاء لا رغبة في الحكم و حينئذ أخبروا الوزير إبراهيم باشا عن ذهاب كل أهل البلدة و أنها بقيت منحلة الادارة … و أعلموا أنهم ضبطوا البلاد و طلبوا أن يأتيهم علي عجل و حينئذ
عقد الوزير مجلسا،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 99
استشار به الأمراء ممن كان معه فلم يوافقوا علي إرسال جند ينقذونهم و ظنوا أن ذلك مكر و حيلة من بعض الأمراء، و هذا ما سهّل التضييق علي البصرة و جعلها مهددة من (آل أفراسياب) كما أن حسين باشا اتخذ الوسائل و صار يسعي في افساد الجند ببذل المال لهم و بعث الوزير إلي الشيوخ أن سلّموا البلد إلي السولاخ (الصولاق) و هو من تجار البلد فلم يتمرن علي الحكم، و لا مارس الحرب و أيضا أرسل الوزير أمرا إليهم طلب فيه منهم أن ينصره فسلموا إليه بعد ذلك البلد مترقبين أن يجي ء المدد ليزول عنهم الوجل و الخوف، إلّا أن حسين باشا سابقهم في ارسال موسي و سلمان ليحكما البلاد استفادة من استقرار الحرب و ركودها. كتب مع اولئك كتابا يخاطب به الشيوخ مهددا لهم بالتهديد المر و قال: «هذا نجل خالي واصل إليكم و هو الرئيس عليكم». و قد أقاموا عند رأس الشط و بعثوا بالكتاب فامتنع الشيوخ من تمكينه فرجع من حيث أتي.
و لما طال بهم الأمر و انقطع الرجاء بادر آل أفراسياب بالمراسلة فتمكنوا من استهواء جماعة بينهم (ابن بداغ) و هو ابن بداق. انفصل عن جماعته أهل البصرة و جمّع الناس بناء علي مخابرة جرت بينه و بين آل أفراسياب و وعد أن سيأتيه (بصري الديري) بعسكره لنصرته و أن يمسك الشيوخ و يضبط البلاد. و عند ذلك قام (بصري) بالأمر و جمع أهل الصيمر و لفيفا من العسكر و بهؤلاء مشي إلي باب الشمال و كان فيها الشيخ عبد اللّه بن حبيب فاقتتلا هناك و استولت البغاة علي مواطن أعدائهم،
ثم مشي إلي (المشراق) و عند ذلك جاءهم الروم من المقام فقتلوا بعضا و فر الآخرون فرأوا رأس (ابن بداغ) قرب بستان القصب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 100
فتفرق قومه … و من ثم مال (بصري الديري) مع جماعته فمشوا علي عجل إلي المشراق فاقتتلوا هناك و كادت الشيوخ تتغلب علي جماعة حسين باشا لو لا أن أتي المدد إليهم ففر الشيوخ و اتباعهم و انفل جمعهم فقتلوا بعض مقدميهم و مثّلوا به ثم أمسكوا (ذا الكفل) و عاملوه بأقسي المعاملة، و نهبوا بيوت المخالفين و فتشوا عن رجال الروم … و قد ألقوا القبض علي كثيرين فاستولي (بصري) علي المدينة.
و ذكر الشهابي في منظومته القسوة بهؤلاء بحيث صار لا يستطيع أحد أن يدخل المساجد خوفا.
و جاء إبراهيم آغا بعد ذاك فزاد في ظلمه و جوره و صار يهين الأشخاص و ينهب أموالهم. و في هذه المدة جري التضييق علي البصرة و كان إبراهيم باشا الوزير محاصرا القرنة، و حينئذ وصل إليه الخبر باستيلاء حسين باشا علي البصرة، و نقل شيوخها و أعيانها المذكورين.» اه.
و في هذه الأثناء توجه أمير الموالي علي الشديد من بغداد لنصرة الوزير و كان معه ثلاثمائة فارس سارع لإمداد الوزير فجاء البصرة. و لمّا وصل المحل المسمي (كوت معمر) تقاتل مع شيخ المنتفق و كان قد تابع حسين باشا. حدثت معركة شديدة بينهما و لكنه لم يتيسر له الانتصار علي المنتفق و بعد القتال الشديد عاد الموالي بالخيبة فلم يطيقوا مواجهة الوزير لعدم النجاح و لهلاك الكثير منهم أثناء الحرب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 101
أما الوزير فإنه اتخذ التدابير الكثيرة و حفر الخنادق و وجه النيران الشديدة علي القرنة إلا أنه لم يتيسر له الفتح مع ما بذل من الهمة و السعي المتواصل و الهجوم لكرات متعددة دارت رحي الحرب فيها بين الفريقين بصورة مهولة، كل هذا لم يجد نفعا.
و في الأخير وضع الوزير الينگچرية في (المنصورية) و أشعل نيران الحصار للمرة الأخيرة و في هذا أيضا لم يتمكن من الاستيلاء و إنما كان يقوي أمر حسين باشا و يشتد يوما فيوما بسبب إمداد العشائر بالأرزاق و ما يحتاجون إليه من أمتعة، أما جيش الوزير فإنه استولي عليه القحط و قلّ المأكول و حدث نقص في المؤونة فاستحال أمر الظفر و أخفق أمر الاستيلاء و الانتصار.
و حينئذ فتحت أبواب المذاكرة في الصلح بين إبراهيم باشا والي ديار بكر و بين حسين باشا أفراسياب فتدخل إبراهيم باشا في إصلاح ذات البين و رفع العداء فتمكن من أخذ خمسمائة كيس نقدا لجانب الدولة من حسين باشا و تعهد بأداء مائتي كيس من الاقجات كل سنة و أن يعرض طاعته علي السلطان و تعهد بأداء قيمة ما أخذه من أموال التجار و أن يرشح ابنه أفراسياب لحكومة البصرة و أن يسلم الاحساء إلي واليها محمد باشا، و حينئذ أرسل خبرا للوزير بأن يحيي آغا كتخداه سيأتي بالأموال المقرر أداؤها لجانب الدولة و أبدي الطاعة و الانقياد و استعفي القصور عما وقع منه من جرم.
و علي هذا اضطر الوزير إلي قبول الصلح، و جهز محمد باشا بنحو مائتين من المتطوعين، جعلهم معه و اتخذ له سفنا تسيره و أرسله إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 102
الاحساء. و أما الوزير فإنه ركب
سفن التجار و ذهب علي وجه العجلة و معه معداته فوصل إلي بغداد و حينئذ عرض ما جري علي حكومته.
فرضي السلطان بما فعله و ما ألفه من الجيش الجديد فأكرمه.
و زاد الشهابي أنه أخذ منه ابن عمه يحيي رهنا لتأمين تأدية المبلغ و بيّن عن حسين باشا أنه لم يف بأكثر هذه الشروط، و كان من الدهاء و الحيلة بمكانة و لكنه لم يدم له حكم. و الشهابي ممن عاداه و ندد به …
قال: و بعد أن رفع الجيش خيامه أخذ يسعي بانتزاع الأموال ظلما و بصور منوعة. و لم يقل إن الحكومة طلبت منه ما طلبت فلم يتمكن من التأدية.
«أما إبراهيم باشا فإنه وصل إلي القرنة و حاصر حسين باشا أشد الحصار، و بقي علي ذلك مدة ثلاثة أشهر و لما لم ينالوا منه أظهروا له الصلح فتصالح معهم علي أن يرسل وزيره يحيي آغا … و كان متزوجا بأخت حسين باشا المسماة حجية. و كانت من أفذاذ النساء بالكمال و علو الهمة» اه.
إن حسين باشا كان استدعي الأمير يحيي و سيّر مكانه عمر الحليبي فولي الاحساء إلا أن براكا لم يصغ إليه، و رام مع أصحابه قتاله و عند ذلك حاصر البلد، و سد الأبواب و طينها و قاتل الاعراب … حاصروه مدة بقوة شديدة فاضطرب الأهلون لما أصابهم من جوع و من ضجر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 103
و في هذه الأثناء كان قد اشتد الأمر بحسين باشا فسلم البلاد إلي عيسي بن علي أخي محمد باشا حاكم الاحساء السابق، و طلب من عمر أن يأتي إليه بسرعة فرجع يحمي الشيخ حسين. و عيسي هذا وضع ابنه رهنا لدي حسين باشا لئلا يحصل منه ما يكره … فأخرج ابنه من القرنة العليّة ثم توجها إلي البر.
أما برّاك أمير بني خالد فإنه أتي إلي عيسي و قال له اخرج آمنا من البلد. أنبت عن أخيك بأمر منه و سيأتيك خبر ذلك ففوض الأمر إليه و خرج دون قتال إذ لم يكن مستعدا لحرب برّاك فجاء عيسي إلي القطيف و كانت في أيديهم، أنعم بها خصمهم عليهم قبل هذا حين أتاه العسكر.
عاد الوزير إبراهيم باشا إلي بغداد، و صار يلوم نفسه و لم يسعه أن يخفي ما أصابه من جزع لما جري من الأمور في البصرة فصار يستر الأمور … و لكنه لم تمض مدة حتي جاءه محمد بن عبد السلام مستمدا منه للبصرة و طلب منه أن يعود إليها. شكا ما جري بعده فقال له الوزير إبراهيم باشا إنني أنصب لكم يحيي ليكون واليا فأجابه بالقبول علي شرط أن لا يبقي في البلاد شخص ينتمي إلي آل أفراسياب، أو يحتمي بحسين باشا فلم يقبل يحيي
بذلك و حينئذ طلبوا الرخصة أن يذهبوا إلي السلطان ليشكوا ما أصابهم و يوضحوا ما نالهم علي يديه فلم يدعهم أولا حتي عاهدوه أن لا تقع منهم عليه شكوي أو يحصل تذمّر.
كان قبل ذلك وافي أيضا الشيخ عبد اللّه و جماعة من الشيوخ إلي بغداد فعزم الشيخ محمد علي المسير، و كذا الشيخ عبد اللّه و جماعة من الشيوخ، و بعضهم أقام في بغداد مدعيا العجز فذهب اولئك من طريق حلب فمضوا إلي استنبول، و كان آنئذ السلطان محمد في أنحاء أدرنة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 104
فواجهوه. كان في الصيد فأخبروا بقصدهم ثم طلب محمدا لمواجهته فقدّم عرضا بين فيه أحواله فأكرم السلطان مثواهم و وعدهم خيرا إذا عاد إلي العاصمة و حينئذ عاتبهم نائب الوزير لعدم مواجهتهم له أولا قبل أن يأتوا إلي السلطان ليكون علي علم من الأمر فاعتذروا إليه بأنهم لم يقصدوا أن يتخطوه فعذرهم … فقام بأمر ضيافتهم و خصص لهم منزلا، و كان أمر السلطان أن يخبروا الوزير بالأمر إلا أنه كان غائبا و حينئذ دعا القائم مقام و أمره أن يخبر الوزير الأعظم بقصصهم و أن يرسل اثنين منهم مع الرسول ليتفهم الأمر بتمامه علي وجه الصحة فأدركوا الوزير بعد ما عبر غالب الجند في البحر فرحب بهم و أخبروه بالخبر حتي استوعب ما عندهم و عرف مطلوبهم و قال لهم لو جئتم إلي قبل هذا لكنت صالحت هؤلاء و ذهبت لفتح البصرة. أكرمهم بنقود و خلع عليهم و وعدهم خيرا و سكّن روعهم فردّهم من حيث جاؤوا ثم دعاهم نائب الوزير إليه و سألهم بعض الأسئلة ثم أرسل إلي بغداد من يستفهم عن صحة هذه
الأمور و الفتن و عن بقية الشيوخ و أن يأتي إليه بالخبر الصحيح علي عجل و ذلك لأن الشيخ محمدا ذكر أن لهم بقية في بغداد فلما ذهب الرسول و عاد أيد مقالة الجماعة و صدّقهم في مطلوبهم حتي تحقق الأمر للسلطان بوجه الصحة و كان الوالي يكتم الأمر و يخشي أن يعرف تقصيره. و علي كل حال بعد عودة الرسول إلي العاصمة شاور الجماعة في تولية يحيي علي مدينة البصرة فوافقوا عليه و رغبوا فيه.
و علي هذا أعيدوا إلي بغداد و قد حصلوا علي مرغوبهم …
شاعت في المملكة العثمانية شيوعا بلغ حده الأقصي. استولت علي عقلية الكثيرين. و هكذا في بغداد كانت تأسست تكية لهم إلا أنها لم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 105
تنل حظها من الرواج. و في هذه السنة أبطل ما كانوا يقومون به من الدور و السماع المعتادين لعدم تجويزه شرعا. جري المنع من واعظ السلطان و هو محمد الواني. صرح أن العمل بها غير مشروع قطعا فتابعته الحكومة في رأيه الشرعي و حينئذ سكت صوت الناي. و ذهبت خطراتهم، و ركدت حركتهم، و ألغي سماعهم فعد أرباب هذه الطريقة ذلك تعصبا من الواعظ كأن الدين رقص و سماع.
في 5 شوال وجّه منصب ايالة شهرزور إلي حسين آغا من آغوات البلاط فصار حسين باشا. و في گلشن خلفا أنه (حسن باشا). و هو الصواب.
كان بدأ حكمه في 27 ذي القعدة لسنة 1075 ه و دام إلي شوال هذه السنة.
و في زاد المسافر أن الشيخ فتح اللّه الكعبي مؤلف هذا الكتاب رأي ختم إبراهيم باشا و وصفه …
و كان هذا الوزير ولي بغداد مرتين. و في هذه المرة وليها أيضا في 14 شوال من هذه السنة. و كان واليا في الشام فعهد إليه القيام بمهمة البصرة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 106
كانت الدولة قد تصالحت مع حسين باشا والي البصرة لضرورة اقتضت و جعل ابنه مكانه إلا أنه استمر في العمل و أن ابنه أفراسياب لم يكن له ذكر في الإدارة بل بقيت بيد حسين باشا. و بعد تمام الصلح شكاه مشايخ البصرة و أعيانها لما لحقهم من حيف. ذهبوا إلي السلطان فعرضوا ظلامتهم، و ما قاساه الأهلون من ضيم … و لا شك أن لمطالبة الدولة بالمبالغ المقررة دخلا، فكان التضييق من جرّاء ذلك فجاءت الشكوي لهذا الغرض نفسه، فكان المقرر السنوي مائتي كيس فصدر الفرمان بمنصب البصرة إلي كتخداه (يحيي آغا) مع تحوطات فورد الأمر إلي والي بغداد بعزل حسين باشا و توجيه منصبه إلي يحيي بلقب باشا و عهد بالقيادة لوالي بغداد و أن يكون معه والي ديار بكر إبراهيم باشا و محافظ شهرزور كنعان باشا الوزير، و أمير أمراء الموصل موسي باشا و دلاور باشا أمير الرقة … و أمدتهم الدولة بألفين من الينگچرية تجمعوا في صحراء قلعة الطيور و استوفوا معداتهم و أخذوا أربعة مدافع من نوع (بال يمز) و عشرين قطعة أخري من نوع (المدافع الشاهية).
و حينئذ قام الوزير بما عهد إليه و سعي سعيه لاستخلاص البصرة،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 107
و من رجاله ممن قاموا بالخدمة خليل الكهية و سائر أعوانه، و ممن كان قد تابع الوزير في سفرته هذه الشيخ عثمان بن عمر الحنفي و كان جاء معه إلي بغداد.
و في هذه التأهبات وافي إليه شيخ المنتفق عثمان (ابن أخي محمد بن راشد) طالبا منه الأمان و هو مشهور بالكرم. و لما أتي جعله شيخا و أحل اتباعه محلهم ورده محافظا مع عسكره من جهة حسين باشا و علي الأثر جاء عبيد ابن عمه مزاحما له طالبا المشيخة دونه … تلاقوا علي الفور و اقتتلوا فخر عبيد صريعا و هرب من جاء معه. ثم توالي مجي ء الشيوخ إلي بغداد و كانوا قد ذهبوا إلي استنبول كما تقدم و قيل الكل جاء إلي بغداد محمد بن عبد السلام (شيخ الشيوخ) من طريق حلب إلا أنه بالقرب من بغداد حل به الأجل المحتوم فدفن في مقبرة الشيخ معروف، ثم جاء يحيي باشا ثم توالي الجنود و الكل نزلوا بغداد و لما تكامل جمعهم بعساكرهم و وزرائهم توجه الوزير مصطفي باشا إلي البصرة من طريق الحلة، و كان الوزير قد سار خلف الجيوش في 7 جمادي الثانية سنة 1078 ه نزل أولا (قلعة الطيور) ثم مضي فقطع منازل في سيره فوصل الاسكندرية و منها ذهب بامرأته لزيارة الإمام الحسين (رض) ثم توجهوا إلي الحلة و منها إلي قناقية، و منها ذهب الوزير و أمراؤه إلي زيارة الإمام علي (رض) و من هناك توجهوا نحو المطلوب و قطعوا البيد حتي جاؤوا (الرماحية)، و منها وافوا إلي العرجة (العرجاء) فاجتمعت العساكر هناك.
و في 20 رجب ساروا منها فوردوا (كوت معمر)، قال صاحب گلشن خلفا: و في هذا الحين ورد عثمان شيخ المنتفق و معه ألف من رجاله بين فرسان و مشاة فبذل الانقياد و الطاعة بخلاف ما مرّ بيانه عن منظومة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 108
الشهابي مع
أنه جاء أوضح و أزال شبهة الراشد في أمراء المنتفق التي كانت تتردد علي الالسن من أن حكام البصرة من الراشد. فتبين أنهم أمراء المنتفق، فلم يبق ريب. ثم إن الوزير استمر في طريقه حتي جاء إلي المنصورية (منصورية الجزائر).
أما العساكر الأخري فكان سيّر قسما منها إلي جانب القرنة، و البعض الآخر في السفن من دجلة حتي صار جميعهم في الرملة، و بعد ذلك كله جاء الأمر السلطاني مع رجل يدعي عمر يحثه فيه علي السفر دون تأخر أو توان. و لما جاء الرسول رأي الوزير بقرب (منصورية الجزائر) و علي هذا قرر الأمراء لزوم الدوام في السير فأرسلوا عثمان (شيخ العرب) مع ثلة من الجنود من طريق البر، و الوزير بدأ يسير من جانب الشط و والي الموصل يمشي مقابلا له من الجهة الأخري منه و عسكر (الينگچرية) في السفن فصار مشيهم بطيئا بسبب أن كل جانب يشتمل علي أنهر متفرعة فأكملوا دفن جميع الأنهار في غرة شعبان و أتي ديار بني سد (بني أسد) و هناك رأوا بعض أعدائهم فأكثروا فيهم القتل بعد حروب دامية لم يروا مثلها. و نالهم الهول الأعظم بحيث كادت تزل أقدامهم و استمروا في طريقهم حتي و صلوا في 13 شعبان (الشرش) مقابل القرنة و هناك نصبوا الجسر فعبروا إلّا أن الوزير أبقي طائفة من الجيش رابطت و معها مدافع تمنع من يأتي إلي القرنة، و نصب الوزير المدافع علي العليّة فأمطرها بوابل من القنابل فجعلها في لبس من أمرها و بلغت هناك القلوب الحناجر فاتفقوا أن يعبروا إلي (السعيداوية) فعبر إبراهيم باشا والي ديار بكر، إلي شط زكيّة و كان ذلك في أول شهر رمضان و الفتح
في الحادي عشر منه.
كل هذا جري و حسين باشا في جانب السويب ملازما مكانه و حين جاءته الأخبار ارتبك أمره و اضطرب. و لما رأي أن القرنة تضايق أمرها أرسل إليها مددا و ساعدها … و عند ما رأي والي ديار بكر أن قد عبر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 109
إلي ناحيته فرّ بأهله و عياله إلي بلاد العجم بعد أن أضر بالأهلين و شتت شملهم، و نهبهم … و بينوا أنه دعا الناس إلي الخروج من البصرة فجري نهب و سلب و انتهاك حرمات بما لا يستطيع المرء وصفه.
و في زاد المسافر أن إخلاء البصرة كان في غرة جمادي الثانية في اليوم الأول و الثاني و الثالث من الشهر. و وصف هول ما جري علي الأهلين فكان أشبه بهول يوم المحشر. و توالت الارزاء من هذا القبيل علي الانحاء، فكان الدمار و الخراب.
و علي كل كانت معاول التخريب تدمر البلد. أما جيش حسين باشا فقد تحصن بالقرنة للدفاع و أحكم قلعتها، و حافظ أطرافها، و ذهب بمن معه من مشاهير رجاله و يتراوحون بين الألف و الألفين فضرب خيامه في المحل المسمي (سحاب). و أجلي الأهلين إلي الجزائر فنالهم من جراء ذلك ما نالهم.
أما المحصورون من أهل القرنة فإنهم حينما سمعوا بما جري علي حسين باشا استولي عليهم الخوف و أصابهم اليأس. و في ليلة 17 من الشهر المذكور عبروا شط زكيّة و مضوا إلي بر الجزيرة ساروا في أثر حسين باشا …
و حينئذ سار جيش الوزير في الصباح فافتتح القرنة العليّة و أمن الأهلين في 11 شهر رمضان فسار علي الأثر نحو البصرة فافتتحها و بقي فيها نحو خمسة أيام زار في
خلالها مشهدي طلحة و الزبير (رض)، و عاد إلي القرنة بعد أن وضع في البصرة ألف و خمسمائة من الينگچرية و أمر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 110
أن يرتب جيش أهلي نحو ثلاثة آلاف. و جعل أرزاق الجيش الأهلي عليها، و أنها تحتاج إلي دفتري و كاتب مستقل نظرا إلي أن واردات البصرة موفورة و فيها نواح معمورة فعرض الأمر علي دولته و كتب كتابا بالفتح أرسله مع رسول سريع السير ثم مضي إلي القرنة، فرتب فيها الجيوش، و رجع إلي بغداد. سلم البلد إلي يحيي باشا فجاءته خلعة.
أما حسين باشا فإنه لم ير مخلصا له فمال إلي نوروز خان أمير الدورق. مضي من محل قريب من السويب. أما القائد فإنه كتب إلي أمراء الحويزة و الدورق و بهبهان و أرسل إليهم رسلا أفهمهم بأن قبول التجائه مما يغاير أحكام الصلح، و أن يحتفظ بأمواله و أمتعته و أن لا يترك المجال لأن يفر … و عقب ذلك ورد إلي القائد كتاب من أمير الحويزة يشعر بأن المشار إليه التجأ إلي الشاه و معه ثلة من الخيالة. و أما الأهلون فقد التجأوا إلي الحويزة … و حينئذ أمن القائد الأهلين. أما العجم فإنهم رأوا تهديدا من العثمانيين و ذلك أن القائد كتب إلي نوروز خان أن يعيد حسين باشا مكبلا إلي الدولة، أو أنه يأتيه بنفسه و يعرفه حده و يجعل ذلك عبرة للمعتبر فخاف من ذلك و أخرجه من مملكته … و علي هذا فر إلي أنحاء الهند …
«كان حسين باشا قبل وصولهم و تهيئة نصولهم استعد لحربهم …
قامت الحرب علي ساق … فلم تكن إلا كجولة … حتي انتصر الروم علي
العرب، و سقوهم كاسات العطب، و حل بأصحاب الباشا البوار، و ولوا الأدبار … » اه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 111
إن حسين باشا رأي والي ديار بكر قد عبر إلي ناحيته ففر بأهله و عياله إلي بلاد العجم. و أوضح صاحب زاد المسافر: «أنه بعد هزيمته من العليّة وصل إلي الدورق، و ترك فيها أهله و حشمه ثم توجه إلي شيراز مستنصرا بشاه العجم، و هو يومئذ الشاه سليمان ابن الشاه عباس ابن الشاه صفي … فلما وصل إلي شيراز، و عرض أمره إلي الشاه ثبط بعض أمرائه عن نصرته و كان حاقدا عليه. لما وصل إليهم من بغضه سابقا. ثم إنه ترخص و توجه إلي الهند، فأكرمه ملك الهند و ولاه بعض مدنه و هي البلدة المعروفة ب (باچير). و بقي هناك في بعض حروب من يليه. و قتل هو و ابنه علي بك … و كان قبل هلاكه أرسل إلي حرمه و حشمه و نقلهم من الدورق إلي الهند. فهم هناك الآن.» اه.
و لا شك أن الشاه لم يشأ أن تتولد بينه و بين العثمانيين مشادّة، فالظاهر أنهم اعتذروه فمضي إلي أنحاء الهند، فاختار الإقامة فيها.
هذا الكتاب تأليف الشيخ فتح اللّه بن علوان الكعبي المولود سنة 1053 ه. ألف كتابه في 27 من شهر رجب سنة 1095 ه. توفي بعد هذا التاريخ حكي فيه واقعة حسين باشا أفراسياب سنة 1078 ه و ما تبعها من الحوادث إلي أن هرب من البصرة و ما آلت إليه حاله. و في هذا الكتاب كشف عن الكثير من أحوال البصرة أيام آل أفراسياب و إن كان بصورة مقامة. و فيه بيان خططها و أنهارها و ما كانت عليه في أيامه و ما صارت إليه من خراب … فهو من المراجع المهمة المعاصرة. جاءت ترجمة مؤلفه في
أول الكتاب و هو من أهل القبان و نسخة الكتاب المخطوطة في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 112
خزانة (آل باش اعيان). طبعت علي نفقة طالب غني صاحب مكتبة الفيحاء بالبصرة بتصحيح و ترتيب الأستاذ المرحوم خلف شوقي الداودي صاحب جريدة شط العرب في سنة 1342 ه- 1924 م.
في أيام الراحة و الهناء رأينا كتاب (الفيض الغزير في شرح مواليا الأمير). و يقصد مؤلفه الأمير حسين باشا ابن علي باشا آل أفراسياب ألفه له (عبد علي بن ناصر) الشهير ب (ابن رحمة) الحويزي. و هذا الكتاب شرح به مواليا هذا الأمير، فأبدي قدرة و فضلا في اللغة و العربية و البلاغة، و العروض. و فيه حكايات مهمة و نافعة. و أورد (أرجوزة) نظمها في أسبوع و هي في الحكم و الآداب. و قد ناصرت هذه الإمارة مؤلفين عديدين. و في الطالع كتب باسمه كتاب في علم الفلك تنقصه الورقة الأولي فهو صفحة من عقلية ذلك العصر. و آخر يسمي (بلوغ الافهام في معرفة أقسام العام). كتبه مؤلفه باسم حسين باشا آل أفراسياب كتبت نسخته في شوال سنة 1122 ه و لم أقف علي اسم مؤلفها و هذه المخطوطات في خزانة كتبي.
كان أوصاه السلطان بحسن المعاملة و الرأفة بالرعايا فلما دخل البصرة لم يعمل بتلك الوصية و أول ما قام به أن بيّن أن أرزاق الجيش الأهلي لا طريق لسدها، كما أنه بيّن أن لا حاجة إلي كاتب الديوان، و إلي الدفتري و أن ليس هناك شرط بينه و بين الدولة في قبول هذه المناصب. و صار يمانع في أرزاق الجيش الأهلي، فتولدت بينه و بين (كاتب الديوان) المسمي ب (المنشي ء) نفرة. و زادت المشادة بينه و بين الجيش الأهلي، اشتعلت نيران العداوة و البغضاء، و صار يصد عن الجيش و عن الدفتري، و يتأذي من دفع ارزاق الجند بل صار يخشي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 113
غائلتهم لما قاموا به من تضييق عليه فأحرجوه و تغلبوا عليه.
ففي أواخر هذه السنة اختفي
هذا الوالي عن الأنظار إذ لم يتحمل مطالب هؤلاء. خاف تحكماتهم. و زاد الكره بينه و بينهم فذهب إلي جهة (كردلان). فصار يجمع العساكر. و في مدة قليلة تمكن من جمع نحو أربعة آلاف أو خمسة من الرماة من عجم و عرب و سكبانية، و حاصر البصرة، فأوقد نيران الخصام.
و كان أول عمل قام به قبل اختفائه أنه شرع يفسد بين كعب و أعراب آخرين، و يقرب أهل الجزائر و كل اتباع حسين باشا، و من ينتسب إلي آل أفراسياب. استوثق من هؤلاء فخرج خفية من البصرة و ذهب إلي (كردلان) و لم يدر الجيش به أين ذهب، و لا علم بالسبب.
ضيقوا عليه، فخافهم، و لم يطق البقاء، فضبطوا البلاد ثم جاءهم الخبر أنه في جهة السويب، و معه شرذمة قليلة، و صار أهل الشر يميلون إليه من كل صوب حتي غدا يسول لهم النهب و السلب فاجتمعت لديه جماعات لا هم لها إلا غصب أموال الناس فكتبوا إليه يسألونه عما بدا له ليتركهم و يتنحي عن البلد ليعود إليهم و حاولوا استمالته فجاءهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 114
الجواب أنه لا يري أن يبقوا في البصرة، طلب أن يخرجوا منها، و يذهبوا إلي بغداد، و هكذا جاءتهم رسالة من البغاة تنذرهم بالتهديد.
أسعر نار الحرب و بان ما أضمره في جانبي (شط العرب) ينهب الغادي و الرائح. و بعد الشوري مع الشيوخ و الأعيان استقر الرأي علي وجوب قتاله لا سيما أنه كان قد عاث ببعض السفن الذاهبة إلي القرنة … و لم يقف عند هذا بل أرسل كتخداه قادر آغا إليها و معه جماعة بينهم الشيخ يوسف و جملة من أقربائه … فجرت
بين الجيوش و بين هؤلاء معركة شديدة قتل فيها الكتخدا ففر من فر و قتل من قتل …
و لما سمع يحيي باشا بذلك سار بمن معه إلي البصرة فحاصرها.
أثار فيها الفتنة. و لما كانت غير محصنة هاجمها العربان من كل صوب.
دخلوا و سلّوا سيوفهم علي العساكر فاستأصلوهم.
و علي هذا فرّ الجيش و الدفتري و آغا الجيش الأهلي، الرئيس الأول و تركوا ما يملكون من مال. عادوا إلي بغداد. و حينئذ اتهمهم الوزير و سجنهم، لما ارتكبوا من جرائم و سببوا مثل هذا الحادث.
و تفصيل الخبر أن أهل البصرة مال فريق منهم إلي يحيي باشا فاستبان الحالة و استوثق ممن كان معه فشوشوا الأمر في المدينة و أشعلوا نيران الفتن فنهض العسكر لمحاربة جيش يحيي باشا. استمرت الحرب إلي قبيل الظهر، أبلي فيها الجيش بلاء حسنا إلا أنهم خافوا أن يبقوا في المدينة فنهجوا طريق البر فعقب جيش يحيي باشا أثرهم فلم يفوزوا منهم بطائل فرجعوا. خرج الجيش العثماني بلا زاد فأصابه الجوع و الألم إلا أنه قيض اللّه له بعض العربان فأنقذوه من الهلاك و جاؤوا به إلي العرجاء. و حينئذ زال الخوف و ذهب الرعب.
أما القرنة فإن يحيي باشا أرسل إليها عسكرا فأخبروهم بما حلّ بالبصرة و طلبوا أن يسلموا إليهم البلد و إلا أصابهم ما أصاب اولئك فلم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 115
يذعنوا و قرروا لزوم الدفاع و كانوا أخبروا الوالي مصطفي باشا بما وقع و طلبوا منه أن يعجّل بالمدد …
فلما سمع الوالي بهذا الحادث اهتم للأمر و جرد تجريدة قادها خلف آغا و صالح آغا مع جيش سارع في النصرة. و بينهم آغا الجيش الأهلي. و المتطوعون و أمير
جسان، و أمراء البيات و أمراء باجلان و عدة بيارق من السكبانية. ساروا برا و نهرا. عبروا من شط زكية امدادا للمحصورين في القرنة، فتمكنوا من الوصول، فكانوا قوة لهم، قاتلهم الثائرون في مواقع عديدة و جري نضال شديد حتي شقوا الطريق فأمدوا اولئك المحصورين و دخلوا القرنة.
سمع يحيي باشا بذاك فجهز جيشا لجبا من العربان يتراوح بين خمسة آلاف و عشرة آلاف، فتصدي للهجوم علي القرنة علي حين غرة، فقابلهم الجيش المحصور فدامت الحرب نحو ثلاث ساعات أو أربع فلم يتمكن جيش يحيي باشا من اختراق الجبهة للاستيلاء عليها، فخابوا و قتل منهم نحو خمسمائة أو ستمائة فوصل الخبر إلي بغداد بهذا الانتصار. و في هذه المعركة قتل أمير جسان.
سمع يحيي باشا بخبر اندحار جيشه فاضطرب للحادث و لكنه لم يقف عند حده و إنما سيّر نحو القرنة صباحا قوة من غير أن يعلم به أحد. انتبه أحد الأفراد فأخبر جماعته فاستعدوا للحرب و قاتلوا قتالا عنيفا حتي تمكنوا من فل غرب المهاجمين فأذاقوهم من القتل و الأسر ما أذاقوا … فجاءه نبأ ذلك و حينئذ زاد ألمه، و كثر ندمه … و في هذه الحرب قتل خلف آغا، و هذا صار سبب تسكين ألمه نوعا، ثم جاءه المدد من العربان فحاصرها مرة أخري …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 116
هذه السنة مضت بالتأهبات للقيام بأمر ما طرأ علي البصرة، و لم تظهر واقعة أهم من هذه فغطت علي ما سواها. و اكتسبت اهتماما كبيرا.
إن الوزير مصطفي باشا علم بما جري فأخبر دولته، فأصدرت الفرمان بتوجيه ولاية البصرة إلي رئيس الحجاب مصطفي باشا و عهد بالقيادة إلي والي بغداد للقضاء علي الغائلة. و أوعز إلي الوزير عمر باشا والي ديار بكر، و إلي محمد باشا چاوش زاده والي الموصل، و إلي حسن باشا أمير أمراء شهرزور، و إلي علي باشا أمير الرقة أن يقوموا بواجب المهمة. و لما كان السفر إلي العراق في أيام الصيف صعبا اضطر الوزير أن يذهب مع والي البصرة مصطفي باشا بحرس بغداد و الجيش الأهلي، فسار في صفر سنة 1080 ه من بغداد قاصدا البصرة ليمد القرنة و جيشها المحصور، فوصل إلي مكان قريب منها.
و من ثم سمع بذلك يحيي باشا والي البصرة فاضطرب أمره و علم أن لا قدرة له علي الدفاع. فلم يستطع البقاء و فرّ إلي الهند راكبا سفينته و من ثم نجت القرنة من خطر الحصار بعد أن ناضلت مدة.
و بعد عشرة أيام لحق بجيش الوزير والي شهرزور فحط رحاله في البادية كما أن والي الموصل ورد بعد خمسة عشر يوما فنزل حيث نزل سابقه فلحق بجيش الوزير. و أما محافظ ديار بكر فإنه وصل إلي العرجاء فأخبر الوزير بذلك فبعث إليه بكتاب يتضمن الترحيب به، و أنه أتم ما أراد، و طلب إليه أن يبقي بضعة أيام ثم يعود إلي بغداد.
و لما أتم الوزير عمله في القرنة ذهب إلي البصرة، فدخلها بلا منازع أو مزاحم، و أودع أمر ادارتها إلي مصطفي باشا و اليها
بعد أن مهد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 117
له أمر ادارتها. و من ثم عاد إلي بغداد دخلها في رجب هذه السنة.
غالب ما نقلنا كان من منظومة الشهابي و لم يفت منها شي ء إلا بعض ما هو حشو أو مدح و إطراء، أو اقتضاه الوضع الصحيح بقدر الإمكان.
و هذه المنظومة للعلّامة الشيخ ياسين بن حمزة آل شهاب البصري الشافعي، قال لي المرحوم الشيخ ياسين باش أعيان إنه من رجال أسرتهم. ذكر فيها واقعة حسين باشا بن علي باشا آل أفراسياب و عصيانه علي الدولة و الوقيعة به. أولها:
يقول راجي رحمة الوهاب ياسين نجل حمزة الشهاب
الحمد للّه الذي أزالا عنّا بمحض فضله الضلالا
و تعد من خير المراجع و إن كانت تنتصر لجهة، فالنصوص الأخري جاءت مؤيدة أو معدلة لما فيها قليلا و لكننا نري فيها من ضبط المواقع، و تفصيل الحوادث ما لم نره في غيرها. و الحق أنها صفحة كاشفة عن أيام حسين باشا آل أفراسياب و علاقته بالدولة و بالأحساء. و أن التحامل علي إمارة حسين باشا لا يخل بمكانها من الصحة و لا شك أن الصدق لا يؤثر عليه البغض. و هذا مشاهد في وثائق كثيرة، فالبغض غير الكذب.
و النسخة كتبت بخط عبد اللّه بن عيسي بن إسماعيل الشهير بالعباي (كذا) نقلها من نسخة الناظم في 10 المحرم سنة 1232 ه و لناظمها من المؤلفات (تفسير سورة الكوثر) قدمه لحسين باشا والي البصرة و (الجوهرة في علم العروض) نظما، و (قصيدة) يمدح بها عالما من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 118
علماء البصرة اسمه (مصطفي). و هذه كلها في مجموعة رسائل ذكرها الدكتور (داود الچلبي) في (مخطوطات الموصل). و من ثم
عرفنا مؤلفات أخري لهذا الفاضل تعين العلاقة و تبين قدرته العلمية و الأدبية.
و تعرف ببعض معاصريه.
عاد الوزير إلي بغداد، فأنعم عليه السلطان و شكر مساعيه، خلع عليه خلعة سمور، و منحه سيفا مرصعة أرسلها بصحبة خليل آغا، و أصدر إلي ابنه محمد بك فرمانا بإمارة شهرزور، كما أنه عهد إلي محمد بك الآخر أخي الوزير بدفترية بغداد، فكان هذا الاحسان عميما.
في هذه السنة أيضا قام أخو الوزير محمد بك الدفتري بتوسيع نطاق هذا الجامع و بناء رواقه و بذلك صار وافيا علي المصلين. و هذا الجامع توالت عليه تعميرات أخري.
و بعد الواقعة و الانتصار أطلق الوزير دفتري البصرة و آغا الجيش الأهلي و الرئيس الأول و لكن لم تمض بضعة أيام حتي ورد الفرمان بإعدامهم فألقي القبض عليهم فقتلوا.
كان هؤلاء السبب فيما جري علي يحيي باشا و هو الوضع الظاهري، و لعل هذا القتل كان سياسة من الحكومة لإظهار أنها لا دخل لها بذلك. و علي كل نالوا جزاء ما اقترفوا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 119
في هذه السنة عقد عهد منح الانكليز بموجبه بعض الامتيازات و تسمّي (عهد نامه همايون) و إن هذا العهد شمل العراق أيضا باعتباره من ممالك الدولة.
عندي نسخة مخطوطة من هذه المعاهدة باللغة التركية. كتبت سنة 1239 ه. و العهود العتيقة تستند إلي هذه و أمثالها.
حدثت في بغداد حمي وبائية. كان يموت في اليوم نحو خمسين إلي سبعين.
استكثرت الحكومة جيش البصرة فأنقصت منه. و مع هذا لم يتمكن مصطفي باشا من الإدارة فإن ضرائب الولاية قلّت فأبدي أنه لا يستطيع إعطاء مائتي كيس للدولة و أن يقوم بأرزاق الجند. صعب عليه الأمر و طلب لزوم خفض قسم و أن تعفي المدينة لما رأت من غوائل بل إن ذلك أصل الغوائل.
كان الوزير حين الفتح قد كتب إلي الدولة في (رسالة الفتح) بالغ فيها عن وارد المدينة و أبدي أن عمارتها وافرة و في هذه المرة و بناء علي الخط الهمايوني أمر بتحرير الحالة. و في أواخر جمادي الثانية توجه نحو البصرة. و في أوائل شعبان وصل إلي صحرائها فضرب خيامه في (باب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 120
رباط) و هو مقام معروف. بقي خمسة عشر يوما. و بسبب كثرة الامطار اتخذ دار الإمارة مقرا له.
و حينئذ كتب إلي أنحاء البصرة، و عين مخمنين من ذوي المعرفة و الكفاءة فعينوا الأراضي الاميرية و رسومها و الأوقاف و الأملاك المعفاة و الأعشار و الرسومات العرفية فصّلوا ذلك جميعه. و من ثم ساووا بين الدخل و المصروف بقدر الإمكان، و حرروا دفاتر أبقاها الوزير في خزانة البصرة و بعث بصور منها إلي دولته ثم توجه إلي بغداد. وصل إليها في أواسط ذي الحجة.
و هذه الدفاتر قبل بها السلطان و رضي عنها و أنعم علي الوزير الوالي ببغداد بإيالة البصرة. و من ثم نقل من بغداد.
ابتدأت في 14 شوال سنة 1077 ه و دامت إلي سلخ ذي الحجة لسنة 1081 ه.
مسجد في محلة الميدان قرب سوق الهرج. أصله مرقد لأحد البكتاشية اسمه (بابا گور گور) و معناه (الأب النوراني)، من شيوخ البكتاشية ببغداد. و الظاهر أن لآبار النفط في كركوك علاقة به و ربما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 121
كانت تعد كرامة من كراماته. دفن في المحل المذكور. و المسجد بني بجانب هذا القبر. بناه الحاج محمد الدفتري بن عبد اللّه بن غرة المحرم سنة 1081 ه و أرصد عليه موقوفات جعل غلّتها علي تربة (بابا گور گور) و علي المسجد و بين أنه إذا انقرضت ذريته عادت التولية لمن يكون قاضيا ببغداد. فانقرضت ذريته ثم صار تكية للبكتاشية مدة، و أن (دده حسين) صار متوليا من مدة تبلغ نحو عشرين سنة. ثم إنه في نيابة المرحوم الأستاذ محمد فيضي الزهاوي المفتي ببغداد نصب متوليا ثم عزل في 28 صفر سنة 1300 ه، فأعيد مسجدا، و نزعت التولية من البكتاشية. و توفي دده حسين سنة 1302 ه. و بعد عزله و جهت التولية و التدريس إلي المرحوم الأستاذ عبد الرحمن الفراداغي العالم المعروف. و توفي سنة 1335 ه. و النفط اشتهر باسم (بابا گور گور) في العالم الشرقي و الغربي، و صار يتردد اسمه بما حصل من هذا النفط في الأراضي المعروفة باسمه في كركوك أو التي أنارت بكرامة منه.
هذا الوزير معروف ب (حسين باشا السلحدار) كان رؤوفا بالأهلين، باشا بهم، حسن المنظر و يقال له (قز حسين باشا) أي حسين باشا البنت. و لما ولّي بغداد كان كاتب ديوانه مصطفي العدلي. و كان لهذا عداوة قديمة مع كتخدا الوالي السابق و من جراء محاسبة الأموال الأميرية في بغداد حصلت مشادة بين أتباع
الطرفين أدت إلي النزاع بين الوزيرين و لم ينقطع. و بالنتيجة عرض الأمر علي الدولة و علي هذا ذهب الوزير
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 122
السابق بكدورة خاطر إلي البصرة. و بعد أيام عزم الوزير الحاضر علي زيارة المشهدين ترويحا للنفس ثم عاد إلي بغداد.
و أما مصطفي العدلي فإنه نال التفاتا زائدا، تطلب الكتخدائية فحصل عليها إلا أنه لم يتحمل هذا الالتفات و لا تمكن أن يدبرها تدبيرا صحيحا و إنما عدل عن طريق الصواب و صار مفترسا و من ثم كان يؤذي الخلق و يتجاوز علي حقوقهم. و لمجرد الحرص و التخوف علي المنصب سوّل للباشا أن يصدر فرمانا بإعدام اثنين من الحجاب ففعل كما أنه جلد آخرين و ضربهم ضربا مبرحا و نفي آخرين دون أن ينتبه لنوايا الكتخدا و قد مرّ أن للعدلي دخلا عظيما في محاسبة الوالي السابق عن (الميري) فتولدت بينهما الشحناء لحدّ أن وصلت إلي سمع السلطان فورد من جانبه خضر آغا من رؤساء الحجّاب ليكون حكما عدلا فعقد لمرات مجلس أشراف و جمع فيه من له وقوف علي القوانين فلم يتمكن من فصل النزاع بوجه بل فتحت أبواب العداء بينهما حتي أن العدلي تطاول علي الآغا فرجع إلي دولته مملوءا غيظا … و حينئذ انتهي العام.
في هذه السنة توفي محمود بن عبد الوهاب الموصلي الحنفي مفتي الموصل و رئيسها المشهور بالعلوم الشرعية و الفنون العقلية. ولد بالموصل و نشأ بها و تفنن في علم النظر و الكلام و الحكمة. برع في جميع ذلك و رحل إلي حلب و أخذ بها عن النجم الحلفاوي. و إبراهيم الكردي، و أبي الوفاء العرضي و الجمال البابولي (كذا) و غيرهم،
و أجازوه. و رجع إلي بلده. مكث مدة، و رحل إلي الديار الرومية، و أخذ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 123
عن جمع بها، ثم ولي افتاء الموصل. رجع إليها و أقام بها يشتغل بتدريس العلوم و تخرج به جماعة. كانت المسائل المشكلة ترد عليه فيجيب بأحسن جواب. و كان عارفا بالعربية و الفارسية و التركية.
1- حاشية علي التلويح.
2- حاشية علي البيضاوي.
و له نظم حسن. و كان ذا دين متين و تقوي صادق اللهجة. حجّ سنة 1081 ه و أخذ عنه جماعة بالحرمين، منهم الشيخ مصطفي بن فتح اللّه، و أجازه بإجازة منظومة. و لما رجع من الحج توفي بحلب و دفن فيها سنة 1082 ه عن نحو 83 سنة.
و هذا هو والد ياسين افندي المفتي في الموصل و تعرف أسرته بآل ياسين المفتي.
هذا الوزير استولت عليه الأمراض فوافاه أجله. و بناء علي إنهاء والي بغداد عهد بها إلي والي الموصل حسن باشا الچلبي و كان في بغداد.
و هذا فرح بمصاب الوالي فرحا لا مزيد عليه، فتجدد نشاطه إلا أن خضر آغا شكاه لدي السلطان و أبدي كل مثالبه فاشتد غضب السلطان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 124
بعد أن عرف أنه سبب الفتنة فأرسل الميرا خور الثاني و بيده فرمان الاعدام فورد بغداد و ألقي القبض علي العدلي و علي عبد اللّه الدفتري من أهل الفتنة فأعدما.
ثم إن منصب كتخدا وجه إلي عوض آغا. و هذا كان من أتباع العدلي و ممن رشحه لمثل هذا المنصب و كان لا يعقل.
حدث الغلاء في الموصل. فكان تاريخه (الغبن).
توفي الشيخ محمد الاحسائي بن أحمد نزيل بغداد. كان من العلماء المحققين قرأ ببلاده علي الشيخ إبراهيم الاحسائي المتوفي سنة 1048 ه و أخذ ببغداد عن مفتيها الشيخ مدلج.
و له مؤلفات منها:
1- حاشية علي شرح الألفية للجلال السيوطي. عندي مخطوطة منها.
2- كتاب التعريفات.
3- شرح تهذيب المنطق.
4- شرح القدوري في الفقه.
توفي ببغداد في هذه السنة و دفن (بجامع الأحسائي) و يسمي اليوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 125
(تكية الخالدية) نسبة إلي الشيخ خالد النقشبندي …
جاء الجراد النجدي الأصفر إلي الموصل. و كان وقع الطاعون الكبير فيها.
إن الشيخ عمر السهروردي من رجال الصوفية و إن جامعه خلا عن السكان و صارت أطرافه بوارا من جراء قلة المياه. فهذا الوزير عمّر كردا (بئرا) علي شاطي ء دجلة و اتخذ ساقية من مكان البئر إلي مقام الشيخ عمر أجري فيها الماء من دجلة، و اتخذ هناك جنينة و أنشأ داري سبيل يتروي بهما الناس فصار الجامع و التربة منتزها للخاص و العام …
و الطريقة السهروردية ذكرتها في كتاب (الطرق و التكايا في العراق).
أراد هذا الوزير أن تكون هذه الخيرات مدي الأيام فعمر لها في هذه السنة سوقا في باب (المدرسة المستنصرية) و اشتري أملاكا أخري فأرصدها عليها. و لا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن و خيراتها عميمة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 126
كانت مياه دجلة استولت علي قصبة الأعظمية فهدمت الدور و خربت البساتين و الحدائق، فالوزير عرض ذلك علي دولته فورد إليه الأمر بعمل سدّة عظيمة خصصت لها مبالغ كافية يصرف عليها من دراهم الارسالية. و بينما أعدّ لوازم التعمير و هيأها و باشروا في البناء إذ وقع عزله فلم يتم العمل في وقته.
كان الشيخ إبراهيم الفضل من المشايخ المعروفين و قد شارف مرقده علي الاندثار بتوالي الأيام. و كان الكتخدا عوض آغا قد بذل المبالغ المقتضية و الوافية فبني هذا الجامع و أعدّ كل ما يحتاج إليه.
كان هذا الوزير معروفا بحسن الحال. أكثر أوقاته يقضيها في الصلوات و العبادات إلا أنه كان ساذجا يخدع بسهولة كما أنه أودع أمور الإدارة إلي أرباب الأغراض فلم تجر الأمور كما يراد.
صار ألعوبة بأيدي أعوانه. و إن صاحب گلشن خلفا وصف كتخداه بما وصفه. و علي هذا عزله و حبسه بسعي من أرباب الأغراض بقصد الوقيعة به، و ضيّق عليه بالتعذيب فضبط جميع أمواله و نفاه إلي البصرة.
لما علم من سوء حاله و أنه سرق الأموال حتي من مداخل نفس الوزير فبني بها الجامع. و لذا نسب إلي الوزير دونه. و لعله حسده علي عمله، فاشتهر باسمه. و إلي الآن يسمي جامع حسين باشا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 127
كان للوزير وكيل خرج خاص يقال له مصطفي آغا الجراح و هو امرؤ حلب الدهر اشطره و ذاق حلوه و مرّه. سلك سبيل الخير فبني لهذا الجامع طارمة و عمّر المرقد و اتخذ صفة و رتب المصلي فكان هذا منه فعلا جميلا و عملا مبرورا.
هذا الوزير عزل من بغداد فوجّه إليه منصب البصرة. و كانت حكومته بدأت في غرة محرم سنة 1082 ه و انتهت في 20 جمادي الأولي سنة 1085 ه.
جاءت ترجمته في تاريخ السلحدار. أصله من بوسنة. و لجماله يسمي (قز حسين باشا). كان من الغلمان أيام السلطان مراد الرابع.
و صار سلحدارا فولي بغداد و البصرة و مناصب أخري عديدة. توفي في ربيع الآخر سنة 1098 ه. و كان حليما سخيا، و له الخيرات المبرورة.
كان مدبر أمور الدولة و منظّم أحوال الرعايا. صار آغا الينگچرية ثم ولي الوزارة. و في أيام الوزير السابق كانت راجت شائعة بأن ايران تنوي الحركة نحو بغداد فظهرت أراجيف كثيرة و حكايات ملفقة. و هذا أكبر رأس مال لأمثال هؤلاء دائما. فولّدت هذه ركودا في الأعمال و توقفا في التجارة و الذهاب و الإياب. فعهد بمنصب بغداد لهذا الوزير
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 128
و كان من آغوات الينگچرية فجاء علي عجل. أعماله حكيمة. نشر بساط الامن و الأمان و ضرب علي أيدي العتاة و عمّر القلعة و أحكم الابراج و وفر المؤونة و أكثر المعدات. و بهذا أزال عن القلوب الارتباك و الاضطراب.
راقب أحوال الموظفين فمنع من الظلم. فكان ذلك دواء عاجلا و تدبيرا نافعا أراح به الناس فصحح الأفكار و عدّل أمزجة الناس و أزال الخوف.
و لا تزال آثاره الخيرية باقية. كان كريما سخيا وحيدا في بذله و إنعامه يرعي أرباب الفنون و يمنح الشعراء الصلات العظيمة. و لكن المؤسف أنه كان مدمن الخمر و لا يبالي من الفحشاء.
إن الشيخ معروفا الكرخي من أكابر الصوفية و مقتداهم و كان جامعه محتاجا إلي بعض التعميرات و الترميمات فقام الوزير و رتب له خطبة و خطيبا.
في زمن الوالي السابق كان قد بوشر بعمل هذه السدة. و هذا الوزير بذل جهده لإكمالها فأتمها. و لكن لم تكن محكمة بحيث تقاوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 129
تيّار المياه بل عجّل في انهائها. كما أن المبالغ المرصدة لهذا الغرض لم تكف. و لذا أتمها الفقراء بطريق (السخرة) و التضييق عليهم بل لم تدفع لكثير من أهل الحقوق حقوقهم. و لما طغي الماء جرفها و ذهب بالاتعاب لعدم اتقان العمل و من جراء التضييق علي الناس. فنال الأهلين ما نالهم من الغرق …
دامت من 21 جمادي الأولي سنة 1085 ه إلي 26 صفر سنة 1087 ه.
و جاء في تاريخ السلحدار أنه ألباني. دخل في زمرة الينگچرية حتي صار آغا. ثم ولي بغداد. و مناصب عديدة. و استشهد في حرب (بدون) في سنة 1097 ه. مدح شجاعته و قال بلغ من العمر 80 سنة.
له صولة غضنفر، شجيع، باسل، و لذلك يعرف بقبلان مصطفي باشا أي النمر. ولي بغداد فبسط الأمن و قضي علي أهل الشر و الشقاء … و بينا هو مشغول في ذلك إذ حدث أن رئيس العسس بمقتضي السياسة كان باشر صلب أحد السرّاق المتهمين ممن ليس لهم مكانة معروفة في رأس الجسر. و حينئذ حدث نزاع بين أحد الينگچرية و أحد السكبانية فمال جماعة إلي كل من المتخاصمين و اشتدت المعركة.
و لما سمع الوزير توجه نحو محل المعركة فولّد نبأ مجيئه هيبة فسكن الأمر قبل وصوله. و حينئذ عاد لمحله و في أثناء عودته تجمّع قسم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 130
من الينگچرية بسبب سوء تدبير آغواتهم. و عجلوا بالذهاب إلي باب الباشا و باب الكتخدا. هاجموهما و قتلوا بعض الأبرياء. هذا ما دعا إلي تشوش الوالي. و لذا جمع من ساعته أتباعه و لواحقه و منع من ورود أي أحد من هؤلاء العتاة فأظهر قوّته و أبدي شجاعته فقطع دابر الكيد. و لما وافي الليل ترك هؤلاء الخصومة و ذهب كل إلي محلّه. و لكن آغا الينگچرية حاذر أن يتهم بسوء التدبير فاتهم رئيس العسس و الصوباشي.
ذلك ما أدي إلي اعدام هذين البريئين.
و أعمال هؤلاء لم تقف عند هذا الحد في بغداد و إنما تفاقم شرهم و إن صاحب گلشن خلفا كان
معاصرا لهذه الحوادث و أشخاصها و لذا نراه لا يلوم نفس الينگچرية بصورة عامة، بل كان يندد بأناس معينين حذر الوقيعة به.
كانت القافلة التي تذهب إلي حج بيت اللّه الحرام يتولي شؤونها أمير يسمي (أمير الحاج). و هؤلاء كان كل منهم يتخذ الوسائل لنهب الأموال و الاستفادة من هذه الطريقة. فيضرون بالناس. و من آخرهم منيهاج أمير الحاج. فأقصي الوزير هذا الأمير و وجه الإمارة إلي أحد آغواته المسمّي (بكتاش). و هذا جاهل، قليل الفهم. و من سوء تدبيره و تقصيره لم يستطع الحجاج أن يحجّوا و لم يتيسر لهم الوقفة بعرفة بل عادوا و كانوا حينما ذهبوا من المدينة لمسافة ثلاث مراحل أو أربع هاجمهم العربان فسلبوا الكل من رجال و نساء بحيث صاروا عراة. و لما لم يقدر الكثيرون منهم علي المشي و ليس لديهم ما يقتاتون به و لا ماء يشربونه هلكوا و لم ينج إلا قسم منهم. استكثروا هذه الإمارة و أرادوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 131
جسر الموصل القديم- رحلة البارون فون أوبنهايم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 132
أن يضعوا اليد عليها فلم يوفوها حقها. الخرق سائد في غالب الأعمال.
كانت أقيمت ثم أتت عليها مياه الفيضان فلم تبق لها أثرا فاقتضي عمارتها مجددا فعرض الوزير الأمر علي دولته و التمس أن يساعد فوافقت علي المبلغ المقترح نحو سبعين أو ثمانين ألف قرش و أن يستوفي من خزانة بغداد و البصرة. فبذل الوزير أقصي جهده لعمارة هذه المسنّاة و إكمالها و إتقان صنعها فجاءت محكمة، قوية جدا. و في هذه المرة لم يتضرر أحد و لا قطع من أجورهم شي ء و لا تأخرت. و لكن قبل أن تتم الأعمال عزل الوزير.
هذا الوزير أيضا تعلّق نظره بعمارة (جامع الشيخ القدوري) و مرقده (كذا) و أن يبني مجددا فقام بذلك و عين له خطيبا و خداما فأحياه و صار زينة لسوق السرّاجين … و الآن يسمي (جامع القپلانية) و ترك اسمه الأصلي فاشتهر باسم من عمّره. و هذا الجامع جرت عليه تعميرات عديدة. و التحقيق عنه في كتاب (المعاهد الخيرية).
ثم إن الوالي السابق حسن باشا الچلبي قد عين مرة أخري لمحافظة البصرة فمر ببغداد و إثر ذلك عين حسين باشا الوالي السابق لمنصب ديار بكر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 133
كان الوزير الحالي صافي القلب. له ميل عظيم إلي زيارة الأولياء.
و في شعبان ذهب لزيارة الإمام الحسين (رض) و الإمام علي (رض) فقضي بضعة أيام. ثم عاد. فوقع عزله و مدة حكومته من 27 صفر سنة 1087 ه إلي 3 من شهر رمضان سنة 1088 ه.
إن هذا الوزير كان قد حاز رتبة سلحدار ثم منح منصب مصر القاهرة. و عقب ذلك ولي ديار بكر فأرزن الروم (أرضروم) ثم في هذه المرة نال منصب بغداد و شرع في أعمالها …
كانت الدولة تخاف من ظلّها في بغداد و تحسب لكل حادث حسابه فساءت ادارتها بحيث صارت تشتبه من نفسها … و هذا الوزير من حيث ولايته عرف ما يقوم به الينگچرية في بغداد و سمع الشي ء الكثير كما علمت الدولة ذلك. تمكنوا أن يأتلفوا مع الأهلين في بغداد و صارت لهم قدرة علي الإدارة … فاقتضي رفع أكثر هذه الوظائف منهم و أقيم مقامهم غيرهم من الجند و أبلغ عددهم الألف. صاروا يزاولون ما عهد إليهم من أمور الوزير أو محافظة بغداد …
جاء الآغا الجديد و معه أولئك و كل واحد منهم أراد أن يحصل له اعتبار و سمعة … و من مجري الحالة يظهر أن الينگچرية القدماء تجمعوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 134
في أواسط سنة 1089 ه و خرجوا عن الطاعة و في اليوم الثالث أخرجوا الآغا و قتلوه معلنين عصيانهم.
و في اليوم الرابع أصدر الوالي فرمانا في نصب بعض المجربين من مقدمي هذا الصنف من قسم الچورباچية فمنح له منصب آغا.
و في اليوم الخامس انتهي الاضراب و انجلت الغمّة. و في خلال الاسبوع قتلوا من قاموا بالفتن و الاضطرابات و زالت الغائلة. و علي كل حال كان النفوذ مستمرا، و إن الحكومة لا تقدر أن تتسلط علي متنفذيها كما أنها تخشي الأهلين أكثر.
«في سنة 1089 ه ثارت فتنة عظيمة في بغداد، فقتلت الينگچرية رئيسهم أحمد آغا، و صار لهم تسلّط كلي في بلدة بغداد. و بقي إلي الآن و هي سنة 1099 ه تلك الآثار. نسأل اللّه أن يصلح الأحوال.» اه.
و هذا يدل علي ما آلموه. فإنهم ثاروا مرة أخري سنة 1100 ه فقتلوا أخاه.
و في هذه السنة قتل أعراب بني لام آغا (الاحشامات) و ألحقوا بأبناء السبيل الاضرار. فجهز الوزير عليهم أربعة آلاف أو خمسة من الخيالة و جعل كتخداه أمير الحملة. فأغار عليهم حتي أنه تجاوز حدود الحويزة و سار في أثر الاعراب المذكورين فتمكن من اللحاق بهم و أوقع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 135
بهم ما أراد فانتقم منهم و قضي علي عصيانهم فعاد منتصرا انتصارا باهرا …
و هذه العشيرة من طيي ء. تكلمنا عليها في كتاب (عشائر العراق).
في هذه المرة وجه منصب البصرة إلي الوزير حسين باشا السلحدار للمرة الأخري. فمر ببغداد و منها مضي إلي البصرة ثم وردها الوالي السابق حسين باشا الچلبي و توجه لجهة الروم …
1- تعمير جامع الإمام الأعظم. كان الوزير راغبا في الخيرات، مائلا إلي أعمال البر و لم يغفل عن التزود للآخرة. و لذا عمّر قبة مرقد الإمام الأعظم و رمّمها و جعل الحديقة بهجة للناظر …
2- تعمير مرقد الإمام أبي يوسف. بناه مجددا و اتخذ عليه قبة و رواقا و عين له خداما و أرصد أوقافا جديدة.
3- المدرسة العمرية: بني مدرسة بقرب (جامع القمرية) بوضع هندسي بديع، اتخذ فيها غرفا و عيّن لها مدرسا و محدّثا و طلابا. و بين وظائفهم. أرخ ذلك كاتب ديوانه (طيبي) سنة 1090 ه.
أوضحت عن هذه المدرسة في المعاهد الخيرية، و جاء في رحلة السويدي ما نصه: -
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 136
«أرسلنا عمّنا إلي الشيخ حسين نوح … لنتعلم العلم و كان شيخنا هذا يدرّس بالمدرسة العمرية نسبة إلي والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه اللّه و هو قد بناها لأجل شيخنا المذكور. فهو أول من درس بها التدريس العام. و هذه المدرسة علي كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع قمرية بفتح القاف و الميم، ملاصقة له … » اه.
و أوضح أن الشيخ حسين لم يكن ابن نوح، و إنما كان نوح عمّه، رباه فعرف به. و الشيخ حسين من أهل حديثه. و كان نوح من العلماء العاملين و النسّاك الصالحين. و من آل نوح يحيي أفندي ابن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة 1111 ه.
هذا و إن
الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر لم يكن أول مدرس بها و إنما كان معلم كتّاب (مكتب) درس عليه الشيخ عبد اللّه السويدي. و بهذا تصحيح لما جاء في مساجد بغداد للأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي.
في زمن هذا الوالي أكملت (سدّة الأعظمية) فكانت محكمة لما بذله هذا الوزير من الجهود و بني في رأس المسناة مسجدا …
في الجانب الغربي الخان المسمي بهذا الاسم تنزله الرواحل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 137
و القوافل، و من مدة طرأ عليه الدمار و صار مكمنا لقطاع الطرق من الاعراب. فأمر الوزير بتعميره و تحصينه و تعيين خدّام و محافظين له لغرض راحة ابناء السبيل، و هذا الخان لم تبق منه إلا بعض رسومه و زالت في هذه الأيام. يقع علي يمين الذاهب إلي المحمودية قبل عبور قنطرة اليوسفية. و الآن تكوّنت بالقرب منه قرية جديدة في جانبي النهر فيها بعض الأبنية و تتصل بها بساتين.
و لا يبعد أن تتكامل نظرا لجميل موقعها و قربها من نهر اليوسفية.
كانت ابتدأت ولايته في 30 شهر رمضان سنة 1088 ه و دامت إلي غرة جمادي الأولي سنة 1092 ه.
ولي الوزارة في عنفوان الشباب. و كان (آغا الينگچرية) ثم عهد إليه بمنصب (أرزن الروم) و إثر ذلك نال منصب بغداد.
غيّر هذا الوزير وقت التزام المقاطعات. كانت تجري في غرة المحرم. و بسبب تداخل الشهور العربية و الرومية يقع تداخل في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 138
المحاصيل و يحدث خلل في أمور الموظفين و الرعايا. فصار توجيه المقاطعات من أول أيلول هذه السنة. عرض ذلك علي دولته فورد الفرمان في 1 أيلول الموافق (9 رمضان المبارك) و من ثم جري العمل علي ذلك و دوّن في دفاتر خاصة.
مرّ ببغداد عبد العزيز خان خاقان ما وراء النهر (ملك أوزبك) قاصدا حج بيت اللّه الحرام، و كان قد قضّي أربعين عاما في خانية ما وراء النهر. فخلع نفسه سنة 1091 ه. و خلفه سبحان قلي خان. و دامت حكومته إلي سنة 1114 ه.
«في سنة 1093 ه أتي إلي بغداد سلطان الاوزبك عبد العزيز خان بعد ما خلع نفسه من السلطنة و ترك أخاه سبحان قلي خان مكانه و توجه إلي الحج. ففي أثناء الطريق وقع له مع العرب واقعة و كانت الغلبة له.
فلما قضي حجه وزار النبي صلّي اللّه عليه و سلّم توجه في البحر قاصدا الهند، فلما وصل إلي (مخا) حان أجله فدفن هناك و بعد أشهر نقلوه إلي المدينة المشرفة و دفنوه في البقيع عند تربة والده و جده بين قبة العباس و بين قبة عائشة (رض).» اه.
و في هذه السنة- كما قال الغرابي- ظهر ما بين القبلة و المغرب جرم نوراني شبيه بالسيف. بقي أياما ثم اضمحل. و هذا هو النجم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 139
المعروف ب (هاللي) و هو المذكور في بائية أبي تمام باسم (الكوكب الغربي ذو الذنب).
هذا الوزير قضي علي عصيان الداخل و الخارج بقوة و تدبير، فجعل القوي ضعيفا. و تمكن من خضد شوكة بعض العشائر العربية التي لم تكن تعرف الرضوخ و الطاعة و أمن أبناء السبيل و المارة من أضرارهم و خسائرهم.
و في أيامه أرسلت الدولة نحو ألف من الينگچرية ليكونوا في الخدمة فوردوا بغداد و حين وصولهم اتخذوا الارزاق ذريعة للاضطراب و تصدوا للمعركة فقاموا بأعمال غير لائقة إلا أنه طيب خواطرهم بترغيب حكيم و ترهيب من جهة فسكنوا نوعا.
و في السنة التالية تجمهرت هذه الطائفة و تحزبت لأسباب غير مهمة فأظهرت العصيان فأدي ذلك إلي معارك استخدموا فيها البنادق و المدافع.
و في هذه المرة أيضا قام الوزير بأعمال حكيمة و لم يدع مجالا لتقوية العداء. فذهب كل إلي محله. و علي كل كان الينگچرية خراب المملكة في كافة انحائها، فلم ينجع فيهم دواء، و عادت جميع ما قامت به الدولة من تدابير فعالة فاشلة … و لا فرق بين القدماء منهم و الحديثين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 140
هذا الوزير أراح الناس من عائلة اليساقچية الذين طالما اضروا الأهلين بردي ء أعمالهم فأقصاهم و قضي علي ما كانوا يقومون به من وقائع مؤلمة و أفعال شائنة …
و من أعماله المبرورة أنه وضع طربزونا (درابزونا) للجسر كان يصعب مروره و السير عليه فأراح الناس من عناء كبير يتولد في الزحام.
و يعرف ب (المحجر).
و هذا الجامع علي شاطي ء دجلة لصاحب الأنوار سلطان سيد علي الچلبي فأقام قواعد هذا الجامع و عيّن له خطيبا و خدما و قرر وظائفهم، و يسمي اليوم (جامع السيد سلطان علي).
عبد القادر بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. نعته المحبّي في كتابه خلاصة الأثر بقوله:
«الأديب المصنف الرحال الباهر الطريقة في الإحاطة بالمعارف و التضلّع من الذخائر العلمية. كان فاضلا بارعا مطلعا علي أقسام كلام العرب النظم و النثر، راويا لوقائعها و حروبها و أيامها و هو أحسن المتأخرين معرفة باللغة و الاشعار و الحكايات البديعة مع التثبت في النقل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 141
و زيادة الفضل و الانتقاد الحسن، و مناسبة ايراد كل شي ء منها في موضعه مع اللطافة و قوة المذاكرة و حسن المنادمة و حفظ اللغة الفارسية و التركية و اتقانهما كل الاتقان و معرفة الاشعار الحسنة منهما و أخبار الفرس.
خرج من بغداد و هو متقن لهذه اللغات الثلاث … » اه.
و لا أدل علي مقدرته العلمية من كتابه خزانة الأدب و شواهد شرح الشافية للاستر ابادي، و شرح (بانت سعاد) و (شرح شاهدية) و تصحيح كتاب الاهرام المسمي ب (المقصد المرام) فقد انقذه من التلف.
و رأيت بخطه كتاب مغني اللبيب و معه رسائل أخري منها رسالة في التغليب و غيره. مخطوطتها في خزانة الآثار القديمة ببغداد.
سافر إلي دمشق بعد فتح بغداد و أقام فيها سنة ثم رحل إلي مصر فوردها عام 1050 ه و هناك ظهرت مواهبه، و زاد اتقانه، و نال الشهرة الذائعة في عودته إلي الشام، و ذهابه إلي بلاد الروم، ثم رجوعه إلي مصر و هكذا حتي توفي بمصر سنة 1093 ه و كانت ولادته ببغداد
سنة 1030 ه.
كان زينة هذا العصر، و درة تاج العلم في بغداد. و أمثاله فيها كثيرون إلا أن الشهرة لا تكون إلا نصيب البعض. اشتهر غيره مثل مدلج المفتي ببغداد.
و ترجمته حافلة بالمطالب العلمية الغزيرة، فصلنا القول فيه في التاريخ الأدبي. و كان مثال الجد و النشاط، و المثابرة …
كانت بغداد بسبب الغوائل ضيقة علي أمثاله ممن يريد التزود من الثقافة و الظهور أو الانقطاع إلي العلم فرأي الضرورة ملحة لهجرته و ترك وطنه … و لم يكن القطر بعد ذهابه مستريحا بل انتابته الحوادث من كل صوب … ذلك ما دعا أن يعيش خارجه إلي أن وافاه أجله.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 142
جدد الوزير عمارة هذا الجامع و أحكم بناءه. أرخ ذلك (يحيي دده) شيخ المولوية فكان سنة 1094 ه. مر ذكره باسم الجامع السليماني. و تغلب عليه (جامع السراي)، و جامع (جديد حسن باشا).
في هذه الأيام عهد إلي الوزير عبد الرحمن باشا المعروف بعبدي باشا بمنصب البصرة، مر ببغداد ثم وافي واليها السابق حسين باشا السلحدار فذهب إلي بلاد الروم …
كان هذا الوزير في البلاط. اجتاز مراتب عديدة فحصل علي رتبة الوزارة في صفر سنة 1080 ه و منح منصب توقيعي ثم إنه في المحرم سنة 1089 ه ولي القائم مقامية في السدة الملكية. و في شهر رمضان سنة 1093 ه عيّن واليا إلي البصرة و في سنة 1098 ه عزل عنها …
و من طبعه الشعر، فائض المعرفة، و كان مجلسه غاصا بالعلماء و الفضلاء و الشعراء و الظرفاء و لهؤلاء جميعا منزلة معتبرة لديه، و كلامه طيب لطيف، طاهر القول، و له رغبة خاصة بالشعراء، و بأصحاب العرفان، و له ذهن وقّاد، و شعر رقيق …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 143
1- ايالة الموصل كانت للامير دلي محمد باشا فعزل. و ولي الموصل علي باشا الشهير بقدوم صاحب الايوان بالموصل و توفي في البر عند الشيخ محمد الغزلاني.
2- و جهت ايالة شهر زور إلي حسين بك عمر زاده. و كانت هذه التبدلات في غرة المحرم.
في غرة شوال عزل الوالي. دعي بما لديه من جيش الحرس بعدته الكاملة … و كانت ابتدأت ايالته في غرة جمادي الاولي سنة 1092 ه.
عهد إليه بولاية بغداد للمرة الثانية فوردها في غرة شوال بسط فيها بساط الأمن و صان أهليها. و في أيامه لم يحدث ما يكدر الخواطر من فتن. و في تاريخ السلحدار نعته ب (أوكوز عمر باشا).
1- ولي ايالة شهرزور حسين باشا ابن القاضي. عزل من ولاية قسطموني.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 144
2- ولي الموصل عرب علي باشا. و كانت هذه التبدلات في 17 جمادي الأولي. و اعتقد أنه المذكور في السنة السابقة و هو (ربيعي).
عهد في هذه السنة بولاية البصرة إلي حسين باشا الكمركچي فنصب خيامه في بغداد لبضعة أيام ثم توجه نحو منصبه. ثم ورد والي البصرة السابق الوزير عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) صاحب السيف و القلم و ضرب خيامه في جانب الكرخ، فاستولي الرعب علي الأهلين في البصرة من واليهم الجديد لما سمعوه عنه من أنه صعب المراس، لا يقبل معذرة فأصابهم الخوف منه. و لكن هذا الوالي لم يبق إلا قليلا فوافاه الأجل. أما والي البصرة السابق فإنه قضي أيام حكومته بما يستدعي راحة الأهلين كما أنه أمن العدل … و كان في حد ذاته عالما، فاضلا، ضليعا في الشريعة الغراء فهو كامل من كل وجه، و في هذه المرة عاد الوزير المشار إليه إلي البصرة ثانية بناء علي التماس من أهل البصرة و بغداد من السلطان و باستشفاع وزير بغداد عمر باشا فعهد إليه بمنصب البصرة سنة 1098 ه. ثم عزل عن هذا المنصب في المحرم من سنة 1100 ه. فحصل ولايات أخري و توفي في شهر رجب سنة 1103 ه و هو في محافظة سافر … و نعته في تاريخ السلحدار (بالشاعر) و أنه وجه إليه منصب البصرة سنة 1099 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 145
في هذا التاريخ عمّر (أحمد آغا الكتخدا) أي (الكهية) الجانب الغربي من جامع حسن باشا الچلبي لخلوه من البناء. بني قبّة عالية، و وسع في الجامع. و هذا هو (جامع الوزير).
ابتدأ حكمه في غرة شوال سنة 1095 ه و امتد إلي 3 ذي القعدة سنة 1098 ه فعزل.
هذا الوزير يعرف بأحمد باشا الكتخدا. كان كتخدا قرا محمد باشا فلازمه الوصف. و عرف في بغداد ب (أحمد باشا البوشناق) نال الوزارة سنة 1095 ه و بعد أن تقلب في مناصب عديدة صار واليا في حلب في المحرم سنة 1097 ه. و عهد إليه منصب بغداد في 8 ذي القعدة سنة 1098 ه. و هذا سعي جهده في ضبط الإدارة خارجا و داخلا بصورة لا تقبل القياس مع من تقدمه. فكانت له السلطة علي الرعايا و علي الجيوش بترهيب أو ترغيب فانقاد له الكل. و سعي سعيا بليغا في تدقيق الحسابات و الدفاتر …
كان لا يؤخر المؤاخذة، و لا يتهاون في الإدارة بل يعجل في العقاب أو العتاب فكان الموظفون في شغل منه. لم يروا راحة في زمنه إلا أنهم كانوا في استقامة حذرا من بطشه فلازموا الحق و الاتقان في أعمالهم. يتوقون من التساهل فكان للاهتمام بشؤونهم و تفحص أمورهم غاية حميدة سواء في كليات الأمور أو في جزئياتها …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 146
في هذه السنة عهد بولاية الموصل إلي الوزير أحمد باشا السهرابي.
كان الوزير مشغولا في حراسة الثغور و قام بتعمير أبراج بغداد و توابيها. و بتجديد برج الچاوش فأتمه في هذه السنة ثم إنه أقام برج الصابوني. فكان أثره خالدا و قويا.
بناه سنة 1099 ه، و خصص في وقفه للمدرس عشر أقچات يوميا.
و جاء في وقفية الغرابي أن من شهوده طه الواعظ في جامع أحمد باشا البوشناق. ثم توقف التدريس من هذا الجامع لقلة وارده. ثم أعيد إليه في سنة 1327 ه. و جرت تحولات و تعميرات علي هذا الجامع أوضحنا عنها في كتاب (المعاهد الخيرية). و لعل هذا الجامع قد خرب، فتغلب عليه اسم المحلة (محلة حمام المالح) فصار يقال له (جامع حمام المالح).
و من مآثره الخيرية تعمير جامع محمد الفضل بجوار مرقده، و رتب له قواما و خداما. و الأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي عدّه من الجوامع القديمة كما أن صاحب گلشن خلفا لم يتعرض له.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 147
و بينا هو مهتم في تعمير الابراج و التوابي في بغداد إذ ورد خبر عزله. فكان ابتداء حكمه في 3 ذي القعدة سنة 1098 ه و انفصاله في 14 ذي القعدة سنة 1099 ه. ثم صار مفتش الاناضول. و توفي في رجب سنة 1102 ه.
هذه المرة الثالثة من ولايته ببغداد.
و في أيامه كان الطريق بين بغداد و قرية بهرز صحراء واسعة. فبني خانا محكما، قويا فأتمه و أنقذ الناس من قطاع الطرق. أتمه في هذه السنة و هذا الخان هو المسمي (بخان بني سعد) في منتصف الطريق.
و كان يسمي طريق بعقوبة القديم بطريق بهرز و يمر من الباب الوسطاني … و العوام يقولون (خان النص). و خان بني سعد و هو اليوم مركز ناحية بهذا الاسم من (قضاء الخالص). و لا يزال الخان قائما.
كان كتخدا الوزير (أحمد آغا) رأي أن جدران جامع الشيخ معروف الكرخي متداعية بسبب مرور الأيام عليها. و أن مصلاه يضيق بالناس نظرا لصغره فأقامه من جديد و وسّعه فكان عمله هذا مبرورا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 148
و مما يؤثر عن هذا الكتخدا أنه لم يكتب له تاريخا جديدا في عمارته.
و إنما أبقي التاريخ الأول لغرض أن لا ينسي العمل الصالح و الذكر الجميل لمن سلف. و هذه مأثرة أخري فلم يكن غرضه الفخر و المباهاة.
قال الغرابي في تاريخه:
«في هذه السنة شغب الجند المعروفون بالينگچرية في بغداد فقتلوا أخي و شقيقي الفاضل محمودا الناصح بجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة يوم الثلاثاء 13 صفر. و ذلك بإغراء بعض أكابرهم فعاجل اللّه اولئك الخبثاء فأتي حكم من الدولة العلية فقتل منهم ثلاثة و اللّه ينتقم من الجميع … » اه.
و جاء في گلشن خلفا أنه في هذه الأيام قلّت الأمطار و نضب ماء دجلة و الفرات مما دعا الناس أن يتخوفوا من الغلاء بالرغم من أن الأطعمة متوفرة. و في 13 صفر حدث القيل و القال فاتخذ أرباب الزيغ ذلك وسيلة إلي الشغب بتحريض الجهال. اتهموا (محمودا آل غراب) بالاحتكار، و كان من العلماء فقتل مظلوما بأيدي العوام. و هذه الفتنة زاد لهيبها و تطاير شررها و قد مضت نحو عشرة أشهر و لم تنطفي ء فكانت خاتمتها أن قتل ثلاثة من رجال الچورباچية صلبا. ثم ماتت الاضطرابات و بطلت الاراجيف.
ذكرتهم في كتاب المعاهد الخيرية عند الكلام علي (مدرسة آل الغرابي).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 149
و في أواخر السنة ورد من ايران سفير مرّ ببغداد ذاهبا إلي استنبول لتأكيد قواعد الصلح بين الدولتين بمناسبة جلوس السلطان سليمان.
ولي الوزير حسين باشا الدفتري. و في ابتداء هذه السنة مرّ ببغداد و ذهب إلي البصرة. و أما الوزير السابق عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) فإنه جاء إلي بغداد في أواسط هذه السنة. ضرب خيامه في الجانب الغربي منها. و حينئذ وافاه الادباء و كان له في الغزل قصيدة غراء. و ممن باري هذه القصيدة مرتضي آل نظمي كان نظمها باللغة التركية. احتفل به و بقي في بغداد شهرا واحدا ثم ذهب إلي بلاد الروم. توفي في شهر رجب من سنة 1103 ه في ساقز.
و في ذي القعدة ورد الفرمان بإقرار الوالي عمر باشا في وزارته و أودعت إليه إدارة الحدود و الثغور فكرّم أرباب المناصب بخلع فاخرة … و كثيرا ما يجري ذلك في المناصب الكبيرة أيام التبدل في السلطنة.
كان بدأ سنة 1099 ه، و اشتد في هذه السنة. و يعرف بالغلاء الكبير.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 150
و في أواخر هذه السنة ذهب إلي الحج من طريق العراق و كان ختم كتابه (كلشن خلفا) فكان خير تحفة قدمها للعراق. ثم زاد في وقائعه بعد عودته. تداولته الأيدي قبل أن يضاف إليه شي ء و قد رأيت نسخة مخطوطة منه في (فينة) في المكتبة الأهلية كتبت سنة 1116 ه و فيها اضافات … و نسخه المخطوطة في بغداد قليلة تكاد تكون مفقودة بل المطبوع منه عزيز جدا. ذكر في تذكرة سالم أنه وقف عند هذه السنة.
عندي نسخة قديمة كاملة و كذا عند الأستاذ يعقوب سركيس، و في استنبول نسخ عديدة مخطوطة منه.
هذا الوزير بدأ حكمه ببغداد في 25 ربيع الأول. ورد متسلّمه و مضت عليه أربعة أشهر ثم وافي. و هو كاسمه حسن موصوف بالحلم و صاحب قلم سيال. و في أيام شبابه عاش بالبلاط ثم حصل علي منصب المحاسبة في الحرمين الشريفين، و بعدها صار كتخدا الحرم السلطاني.
ثم ولي مصر القاهرة. و تقلد مناصب، و لما ولي الصدارة مصطفي باشا الكوبريلي أنعم عليه السلطان بمنصب بغداد و من حين وروده أبدي الرأفة بالأهلين و أزال بعض المظالم في الضرائب …
في هذه السنة و التي قبلها حدث قحط في بغداد. استولي الجوع علي الأهلين من كرد و عرب و أمضّ بأنحاء الموصل و ديار الكرد فنزح الكثيرون إلي بغداد و صاروا يلحّون في طلب الأكل، و إن اغنياء بغداد لم يقصروا في اطعام الطعام و إعالة الفقراء و إيواء من بقي بلا مأوي و لا مأكل …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 151
و من جراء هذا القحط و نزوح الناس استولت الأمراض و بدأ الطاعون. و يسمي ب (أبي طبر) صار يفتك فتكا ذريعا فعادت بغداد مأتما. و في خلال ثلاثة أشهر أو أربعة دمّر المرض أكثر من مائة ألف نسمة جاء الوزير في أواخر هذه المصائب …
و في غرة شوال زال هذا البلاء و ظهرت بشائر الصحة …
و جاء في تاريخ الغرابي:
«قل الغيث و غارت الشطوط و غلت الاسعار. و ازداد الغلاء في بغداد، و دام إلي شهر رمضان، و وقع أيضا طاعون تفتتت منه الأكباد، و مات به خلق كثير و أول ما ظهر في مندلي (بندنيج)، ثم أتي إلي بغداد في جمادي الآخرة، و كثر في شعبان و انقطع في شوال.»
اه.
في هذه السنة سار الحاج من بغداد و أميرهم حسين آغا بن عبدال رئيس العرفاء ببغداد. فلما وصلوا إلي تنومة أول قرية من قري نجد للذاهب من البصرة نهبهم الأعراب. و أخذوا منهم أموالا كثيرة، ثم قفل أكثرهم راجعين و بعضهم ذهب إلي البصرة. و شرذمة سارت إلي المدينة.
اهتزت الأرض في هذه السنة ببغداد هزة خفيفة وقت الفجر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 152
توفي في هذه السنة الشيخ إبراهيم الكردي الگوراني في المدينة.
أصله من الكرد. و بأرضهم نشأ و حصل علي العلوم العقلية و الأدبية. ثم قدم بغداد، و درس بها سنة أو سنتين ثم سافر إلي الشام و منها إلي مصر، فالمدينة المنورة فأقام بها مكبا علي الاشتغال بالفقه و الحديث و التصوف و اشتهرت فضيلته، فقصده الناس من الآفاق … و من مؤلفاته قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل في العقائد …
ثار في هذه الأيام مير سليمان و مير حسن من أمراء لواء (ببه) من الأكراد. اكتسحوا قلعة (شهرزور) و تجاوزوا علي الرعايا. أظهروا تغلبهم، فاشتعلت نيران الحرب بينهم و بين متصرف ايالة كركوك دلاور باشا و اشتد النزاع فأدي الخصام إلي قتل الباشا في المعركة.
وصل في أواخر السنة الماضية الخبر إلي الوزير بما وقع في بابان و قتل متصرف كركوك فعيّن لها متسلما في أوائل هذه السنة و أنذر مير سليمان بكتاب محتو علي أنواع الترغيب و الترهيب. و كان كتب بقلم صاحب گلشن خلفا. أوضحت ذلك في كتاب (شهرزور- السليمانية).
عهد بمنصب كركوك إلي حسين باشا. و هذا أمدّته الدولة بمقدار
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 153
من جيوش بغداد و الجزيرة و العمادية لحرب هذا الثائر و الانتقام منه صدر الفرمان بالقضاء عليه. و لكن بقي متصرف كركوك في الحدود شهرين يتجول فلم يتمكن من الوقيعة به. و إنما رجع بأخذ تقدمة زهيدة … بل عاد و العجز باد عليه …
و في أواسط هذه السنة عاد الطاعون مرة أخري و ظهر ببغداد فجاس خلال الديار داخلا و خارجا، و فتك فتكا ذريعا، فكان أشدّ، و ضائعاته أكبر، فشغلت كل نفس بشأنها و لم يعد يعرف أحد آخر فبلغت الوفيات نحو ألف نسمة يوميا و ربما تجاوزت ذلك، و هذا المرض أنسي ما قبله، فتجول في الانحاء ثلاثة أشهر حتي وافي النصف من شعبان سنة 1102 ه فخفّت وطأته و زال خطره و بسبب ذلك اضطربت الأحوال و تولد نقص في النفوس في القري و القصبات. و إن أعراب البادية اغتنموا الفرصة فمدّوا أيديهم إلي أموال الناس و أغاروا من كل صوب فلم يسمعوا نصحا و لم يصغوا لقول. فقارعهم الحكام بما استطاعوا.
و في تاريخ الغرابي أنه استمر إلي هذه السنة، و كان من وفياته أحمد بن عبد اللّه الغرابي صاحب التاريخ المسمي ب (عيون أخبار الأعيان في من مضي من سالف العصر و الازمان). توفي في 1 شعبان سنة 1102 ه و بوفاته زال الطاعون. و تعرض لذكره صاحب (روضات الجنات) أيضا.
الغرابي هو أحمد بن عبد اللّه المعروف ب (غراب)، و مرّ ذكر أخيه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 154
محمود الغرابي العالم الأديب. ورد ذكر هذه الأسرة في أوليا چلبي و في الروض النضر و في مؤلفات عديدة. و من رجالها حسين الغرابي صاحب المدرسة المعروفة ب (مدرسة الغرابي)، و (تكية عرب) في محلة باب الشيخ، و لا تزال بقايا أسرتهم موجودة. ترجمه صاحب (عثمانلي مؤلفلري).
و تاريخ الغرابي من أجل ما رجعنا إليه، تعرض لوقائعنا التاريخية إلي آخر أيامه. و حوادثه تتناول العراق و غيره. و ما يتعلق بالعراق منها قليل إلّا أن
فائدته كبيرة جدا لا سيما ما يتعلق بعصره. فإذا كان گلشن خلفا عظيم الأثر في الوقائع فهذا لا يقل عنه و أحيانا يزيد عليه. و إن صاحب گلشن خلفا من المطلعين علي الحوادث الرسمية. و في هذه نري الغرابي يصرح بما لم يستطع أن يصرح به صاحب گلشن خلفا. أوسعت البحث فيه في كتابي (التعريف بالمؤرخين). عندي نسخة خطية منه و أخري مصورة.
و لمؤلفه (زبدة آثار المواهب و الأنوار في التفسير) باللغة التركية.
و نسخه موجودة إلا أنها قليلة. منه نسخة في نور عثمانية. ألفه سنة 1096 ه. و طبع سنة 1294 ه. عندي مجلد واحد منه. و في مخطوطات الموصل ورد ذكره. و المؤلف من ذرية الشيخ علي الهيتي المتوفي سنة 563 ه.
و كان المؤلف قبل وفاته أوصي فتح اللّه بن عبد القادر لقمان بإخراج تاريخه إلي البياض لينتفع به الناس. و كان فراغه من كتابته في 19 شوال سنة 1104 ه.
سري الطاعون إلي أنحاء البصرة فأنهك قواها و دمرها فوصلت إلي حالة لا تستطيع بها نقل أمواتها بل كان يواري من يموت في محله.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 155
أورث أضرارا زاد بها علي ما أصاب بغداد.
ذلك ما دعا أن يقع اختلاف بين والي البصرة و هو الوزير أحمد باشا آل عثمان باشا و الأهلين علي (الرسومات الشرعية) و (الضرائب العرفية) بحيث أدي إلي وقوع القتال.
اتفق عشائر الجزائر مع أمراء المنتفق فخرجوا عن الطاعة و هاجموا والي البصرة جاؤوه بجيش يتراوح بين الألفين و الثلاثة آلاف فارس و راجل فوصلوا إلي (الدير) فلما سمع بذلك سارع لصد غائلتهم دون رويّة لمجرد شجاعته و تهوره. قام بأمل تشتيت شملهم و نصحه بعض أهل
الرأي أن يتخذ تدبيرا ناجعا لإسكان الفتنة و الاضطراب فلم يلتفت و إنما استقبل اولئك بخمسمائة من المشاة و الخيالة مع من كان معه من أتباع.
حاربهم فحمي الوطيس بين الفريقين ففرّ منه أكثر أصحابه و لم يبق معه سوي مائة جندي فهاجم بهؤلاء حتي هلك معهم. و من ثم حاول كتخداه حسن آغا أن يتولي منصبه باتفاق أهل الرأي ممن كان هناك فلم يفلح. و إنما تقدم العربان نحوهم فتمكنوا من الاستيلاء علي البصرة.
و كان شيخ المنتفق (مانع) قائد الجموع، وصل إليها و تغلب و لكن أرباب الحل و العقد من أهل البصرة اتفقوا علي ابعاده منها، و اختاروا (حسنا الجمّال) من أعيان الولاية و كان مشتهرا في تلك الاطراف فاستدعوه و ولوه أمورهم ليقوم بعب ء المستلمية.
اضطربت أحوال العراق و ساءت. تسلط العربان علي أكثر انحائه مما نقص الرسوم الاميرية و الاعشار و كان الوزير رؤوفا بالناس، حسن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 156
المعاملة فتساهل. طلب أن يعفي من الحكم فعزل في 17 ذي الحجة سنة 1102 ه و كان ابتدأ حكمه في 25 ربيع الأول سنة 1101 ه.
هذا الوزير ورد متسلمه بغداد في 17 ذي الحجة سنة 1102 ه ثم وافي في أوائل سنة 1103 ه. و هذا الوزير أرسل كتخداه بجم غفير إلي مانع شيخ المنتفق فعاد بمغلوبية فاحشة كما أن الوزير قضي أيامه في بغداد بأمراض مزمنة فتوفي في 2 شوال و دفن في مقبرة الأعظمية.
كان الوالي السابق حسن باشا قد سجن ببغداد بناء علي الفرمان الوارد من أجل بقايا الميري عليه. و كانت أعماله معتدلة جدا فكان الأهلون راضين عنه. و لذا اجتمع العلماء و أهل الحل و العقد كافة فأخرجوه من القلعة و قدموه لمنصب الحكومة و عرضوا الأمر إلي الدولة فصدر الفرمان بالعفو عنه و عهد بالوزارة إلي أحمد باشا كتخدا عمر باشا الوزير السابق.
و جاء في تاريخ راشد ما يوضح أكثر. قال: بعد قتلة أحمد باشا آل عثمان باشا والي البصرة عهد إلي حسن باشا إلا أنه لم يؤد ما ترتب بذمته من مبالغ الدولة. و بناء علي حادث البصرة عهد إليه بمنصب بغداد، و اختير سلفه (صالت أحمد باشا) والي بغداد إلي البصرة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 157
و في هذا موافقة لما اختاره الأهلون، و لكن الدولة مضت علي خلافه كما ذكر صاحب كلشن خلفا. و في هذه الواقعة و غيرها من الوقائع المحلية ما يصحح مدونات المؤرخين الرسميين، يدل علي ذلك ما أبداه (راشد) في حوادث هذه السنة ما يوافق المدون في گلشن خلفا.
و زاد أن أحمد باشا الكتخدا كان يقال له أحمد آغا محصل حلب، ثم منح الوزارة ببغداد، و سبق للبغداديين أن عرفوه.
و في 24 ذي الحجة ورد متسلّمه ثم جاء عقب ذلك فشرع في الإدارة.
إن السلطان أمر بقتل حسين باشا والي البصرة سابقا لما ترتب بذمته من أموال الدولة، و كان يماطل في الأداء و يبدي اعتذارا. و في سنة 1099 ه نال ولاية البصرة و وزارتها و حبس في (المابين) قبل قتله.
في غرة المحرم سنة 1103 ه توفي السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي. ولد بشهرزور ليلة الجمعة 12 ربيع الأول سنة 1040 ه ثم ورد بغداد و أخذ عن الشيخ مدلج. و من مؤلفاته نوافض الروافض مختصر النواقض. و علي النواقض ردود مطبوعة و غير مطبوعة. و في كلها ما يعين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 158
المشادة السياسية بين ايران و العراق.
بعد قتل والي البصرة أحمد باشا عهد بالولاية إلي كتخداه حسن آغا و منح طوغين إلا أن مانعا شيخ المنتفق حاربه كثيرا ثم عهد إلي الوزير خليل باشا أخي أحمد باشا البازركان بإيالة البصرة فسمع مانع بذلك فتأهب للطواري ء، و للاستيلاء علي المدينة و تسليمها إلي الوزير الجديد جعل والي بغداد أحمد باشا قائدا و أن يكون في صحبته ولاة كركوك و الموصل و مقدار من جيش ديار بكر فوصلوا، قابلهم الشيخ مانع في جزائر البصرة فدامت المعركة بضعة أيام، و بالنتيجة في سلخ شهر رمضان انهزم الباشا و انكسر جيشه، و حينئذ انتهب العربان ما معهم من معدات حتي النقود و صارت سفن الكثير من التجار غنائم. فهلك قسم من العسكر و القسم الآخر فرّ إلي البصرة و بعضهم ورد بغداد مجروحا مسلوبا. و بهذه الحالة عاد خليل باشا إلي بغداد و لم ينل مأربا.
و هذه الواقعة عرضت بتفاصيلها إلي الدولة فوجهت لائمتها علي الولاة و إن تعدياتهم اضطرت الشيخ مانعا أن يقوم في وجه الحكومة فارتكب ما ارتكب. و بهذه الملاحظة أرسلت إليه السلطة كتابا استمالته به، و أضيف إلي تيماره مقدار قليل جبرا لخاطره. و حينئذ أمر خليل باشا أن يذهب إلي البصرة ففعل …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،
ج 5، ص: 159
و في 5 جمادي الأولي توفي الوزير فدفن في مقبرة الإمام الأعظم.
هذا و بناء علي رأي أهل الحل و العقد نصب كتخداه قائممقاما.
وافقت الحكومة علي ذلك فتشوش النظام أكثر و اضطربت الحالة فأودعت جلائل الأعمال إلي صغار الموظفين …
و في تاريخ السلحدار إن الوزير السابق من أهل اخسخة، و هذا هو (دال أحمد آغا) كتخدا عمر باشا والي بغداد، كانت الدولة ابان جلوس السلطان سليمان أرسلت بكتاب إلي شاه العجم بيد عثمان آغا أمين العرفاء تنبي ء فيه بجلوس السلطان، و لما ورد بغداد توفي فأخبر الوالي عمر باشا دولته فأمرت بلزوم إرسال الكتاب مع من يختاره فأرسل (دال أحمد آغا) كتخداه رسولا. و لما سلم الكتاب أكرمه الشاه إكراما عظيما و حينئذ قدم كتاب تهنئة إلي السلطان مع هدايا و افرة نفيسة و أعاد الرسول مع سفيره كلب علي خان. و في الطريق سمعوا بأن السلطان توفي، فمضوا من طريق روان إلي اسكدار. و لما وصل إلي استنبول أجريت له الضيافة كما أن دال أحمد آغا أنعم عليه برئاسة الحجاب.
و هذا هو الذي ولي بغداد، و هو كتخدا عمر باشا.
وجهت وزارة بغداد إلي أحمد باشا، في 3 شوال. ورد متسلمه.
ثم جاء هو فبدأ بأعماله. و في تاريخ السلحدار وجهت ولاية بغداد إلي علي باشا وزير زادة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 160
و في هذا ما يخالف گلشن خلفا. و صاحبه كاتب الديوان و هو أعرف بما وقع.
في أيامه طغي ماء دجلة و أحاطت المياه ببغداد. فظهرت له خدمات مشكورة في تخريج المياه و سدّ مداخلها …
في هذه الأيام ذهب أمير جيشه لمحاربة العربان فعاد منهزما و انتزعت منه مقاطعات العرجة، و السماوة، و بني مالك، و الرماحية، و الجوازر و لم يبق منها ما هو تحت سلطة الحكومة. فلم يعد يرسل إليها ضباط فصارت سلطة الولاة محدودة جدا … و أن بني عمير قد عصي رئيسهم عباس فأغار علي الصليند و السيب و قدس و المحاويل فعاثوا في تلك الانحاء و انتهبوا أهلها …
لا سلطة للدولة إلا علي بغداد. تركوا الأطراف فلم يحركوا ساكنا، و لهذا لم يقع ما يستحق الذكر.
في هذه السنة انتهت حوادث تاريخ السلحدار. و هو من التواريخ المهمة في توضيح وقائع العصر لا سيما العراق. و يزيد في غالب الأحيان علي تاريخ راشد إلا أن الاثنين لا يفيدان الفائدة المطلوبة من كل وجه و لا يؤديان الغرض التاريخي متصلا بالوقائع المتسلسلة و غالب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 161
ما يشغل الدولة من وقائع يكون موضوع بحثها.
ولي بغداد. دخل متسلّمه في 7 المحرم ثم ورد هو فحكم بغداد.
بذل الوزير ما في وسعه لإنقاذ البصرة و جعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. و كذا ولاة كركوك و الموصل و الرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب إلي البصرة حتي أن الشريف سعد (شريف مكة) عيّن مع هؤلاء و عهد بالقيادة (الإمارة) إلي الوزير فلم يتيسر له السفر و أن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأي الجيش فقدان الارزاق و قلتها فلم يبد رغبة، و عاد أكثره إلي مواطنه.
اهتم الوالي بها و بذل جهوده ليلا و نهارا فصار يجمع من يستعين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 162
بهم من الأنحاء الأخري لدفع الغوائل، و كان ورد إلي جهة نهر عيسي نحو ثلاثمائة من عشيرة شمر فعاثوا بالأمن. ظهروا هناك علي حين غرة.
و حينئذ آغار عليهم هذا الوزير بما لديه من خاصة فأعمل فيهم السيف و الرمح و أورد الكثيرين منهم حتفهم و أسر نحو خمسين أو ستين و جاء بهم إلي بغداد، فضربت أعناقهم.
ثم حدثت غوائل أخري فإن أعراب غزية في ناحية الشامية شوشوا الأمن و صاروا ينهبون القري و البلاد. فلما علم ذلك منهم سير إليهم حسين العباس أمير الموالي و كان آنئذ مع الوزير. جهز معه ثلة من الجيش. أما هؤلاء الأعراب فلم يستطيعوا المقاومة، فاستولي علي نحو من ألف أو ألفين من ابلهم …
و من هذا نعلم أن الموالي لا يزالون إلي هذا الحين أصحاب السلطة العشائرية القوية، و أن الحكومة تستعين بهم و تركن إلي قوّتهم في تأديب العشائر الأخري و في العراق لا تزال فرق منهم في أنحاء مختلفة.
هذه من طيي ء، من أكبر عشائر العراق. و اليوم استقل كل فرع من فروعها باسم خاص و ربما عادت الصلة غير معروفة لو لا المدونات التاريخية.
عاثت عشيرة بني جميل في أطراف دجيل و كذا في مهروذ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 163
(مهروت) أعراب (زبيد) كانوا قد اعتادوا الغارة و النهب و علي هذا ذهب الوزير نفسه إليهم فعاقبهم بما يستحقون. و يقصد بأعراب زبيد (عشائر العزة). و هم من زبيد الأصغر و فروعهم كثيرة.
و عشيرة بني جميل. من العشائر القيسية. و لها فروع عديدة.
ظهر من بني لام اعتداء علي أطراف مندلي (بند نيجين). و لما اشتهر ذلك و تحقق ذهب الوزير نحوهم بما عنده من حاشية. و من عشائر البيات و باجلان. و كان الأعراب نحو خمسة آلاف أو ستة فلم يبال بهم.
و في أثناء المعركة و اشتدادها تزلزلت أقدام الأعراب و لم يقووا علي العراك. و لم تمض إلا أربع ساعات أو خمس حتي فرق شملهم فقتل من قتل و جرح من جرح، فأعادهم مقهورين. و رجع منتصرا …
رأي هذا الوزير أنه من سنين طويلة قد تسلّط العربان سواء في أنحاء بغداد أو حوالي البصرة فاختل نظام الدولة و فقدت السيطرة عليها فصارت تشوش الحالة و تضر بالأمن … فبذل خلال وزارته البالغة ثلاث سنوات أو أربعا مجهودات كبيرة. سعي سعيا حثيثا ليل نهار و تسلط علي القاصي و الداني. تولي تأديب هذه العشائر مرة بنفسه و أحيانا استعان برجاله.
و علي كل كانت همته مصروفة إلي ضبط الأمور و صيانة الضعفاء.
إن الحوادث المارة تجعلنا نقطع بجلاء أن حكومة بغداد لم تتمكن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 164
من ضبط العشائر المجاورة فكيف تستطيع القضاء علي إمارة المنتفق بالبصرة.
و جل ما عرف من تاريخ راشد أن أخا الشيخ مانع و مثله كتخداه جعفر لم يتمكن من الحويزة و عاد مخذولا في حربه، و توالي الوهن في القوة و أن العربان الذين معه تفرقوا منه تدريجيا …
و أن الأهلين في البصرة و شيوخ العرب في انحائها أخبروا الوالي بهذه الحالة و طلبوا أن يجعل حسن باشا والي البصرة السابق واليا عليهم و أن ينقذهم قدموا محضرا بذلك. فلم يعتمد والي بغداد علي هذه الأخبار فأرسل درويش آغا كتخدا
الجيش الأهلي لاستطاع حقيقة الحالة. و لما عاد أبدي أن القرنة راغبة في التسليم و أن الشيخ ابن صبيح طلب قوة صغيرة فأرسل إليه ثلاثمائة من الجيش فسلم إليهم البلد و أخرج أعوان الشيخ مانع.
و أن أهل البصرة لا سيما سادات الرفاعية وردت الكتب منهم يلتمسون إرسال حسن باشا بألف جندي ليسلموا إليه المدينة.
أما الوالي فإنه ليس في استطاعته تجهيز ألف جندي، فتهرب من كل مصرف أو بالتعبير الأولي لم يتمكن من اخضاع العشائر التي بجهته فكيف يستطيع أن يجهز جيشا لهذه المهمة، فلم يهتم بكل هذا، و أضاع الفرصة.
و في هذه الحالة ورد سفير من أمير الحويزة فأبدي أنه يستطيع أن يستولي علي البصرة و يقدمها إلي الدولة و الظاهر أن الوالي أذن له. و من ثم لم يستطع الشيخ مانع دفعه فترك المدينة و استولي عليها أمير الحويزة، فصارت بيد المشعشعين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 165
و بعد ما مرّ من الحوادث من انتزاع أمير الحويزة المولي فرج اللّه البصرة من الشيخ مانع كان أخبر شاه ايران بذلك و حينما سمع لم يشأ أن يجدد حوادث الخصومة مع العثمانيين فأرسل رستم خان سفيرا إلي الترك فذهب إلي أدرنة. و بعد الاستراحة أياما معدودات واجه الصدر الأعظم و شيخ الإسلام، و أبدي أنه جاء بمفاتيح البصرة و الهدايا الوافرة.
ثم تكرّم بمواجهة السلطان و عرض كتاب الشاه مع الهدايا و بلغ ما أرسل من أجله فأبدي السلطان اللطف لهذا السفير و استأنس به و كساه و أتباعه الخلع.
ولي بغداد في هذه السنة، و أن متسلّمه ورد في 2 ربيع الأول ثم جاء هو بعده بيوم أو يومين فقام بأعباء الادارة. و جاء في تاريخ راشد أن علي باشا عزل سنة 1109 ه إثر عودة رسول الشاه. و كان غضب عليه من جراء إهماله و تكاسله بحيث ترك البصرة حتي استولي عليها أمير الحويزة، و عهد إلي إسماعيل باشا بمنصب بغداد و كان والي مصر.
و في هذه الأيام كان كل من والي حلب الوزير حسن باشا و والي ديار بكر الوزير يوسف باشا الچلبي في صحبة الوزير جاؤوا إلي حسن باشا والي البصرة السابق و كان آنئذ والي الموصل و دعوه لضبط حكومة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 166
البصرة و عين من جانب الحكومة مع هؤلاء مائة (بيرق) و أكثر من ألف ينگچري من نوع (سردن گيچدي) و نحو ألف من اللوند (اللاوند).
أرسل هذا الجيش إلي البصرة إلا أنه عاد مخذولا مقهورا فإن هذا الوزير جمّع الجيش و ذهب للزيارة في كربلاء فحصلت منه اعتداءات كثيرة. مدّ الجند أيديهم إلي النهب و عادوا بتلك الحالة. و حينئذ وردت رسائل عتاب و تقريع من حكومة ايران من جراء هذه الأعمال.
و الأغرب أن هذا الوزير حينما عزل عهد إليه بمنصب (وان) و لكنه استولي عليه الوهم من الدولة و خشي بطشها به ففر إلي أنحاء ايران و هناك أصابته أنواع النكبات فتوفي.
و مجمل القول إن خطة بغداد و مدينة البصرة قد مثلا أنواع الاعاجيب و الغرائب من سنة 1102 ه إلي 1111 ه و أن أحوال الناس اضطربت. تسلط العشائر علي الأنحاء استفادة من ضعف الدولة حتي أن الشيخ مانعا حينما استولي علي
البصرة لم يقدر علي ضبطها و حسن إدارتها و من ثم توصل أمير الحويزة (فرج اللّه) بطرائف الحيل و بلا حرب حتي استولي عليها.
ثم إن الدولة في هذه الأيام كانت مشغولة بمقارعات مع الحكومات الأجنبية المجاورة لها فكل ما قامت به من التجهيزات و المعدات للحرب لم تكن مجدية.
قال صاحب گلشن خلفا: فبقيت الأمور مرهونة بأوقاتها. و لما تم الصلح بين الدولة و الأجانب عطفت الهمة إلي جهة استعادة البصرة.
و قال إن العشر سنوات السابقة حدثت فيها حوادث مرّة لا تدعو للطمأنينة و الرغبة و إن تفصيلها لا طائل تحته فأغفلت أمرها.
و في ما ذكره كفاية لمعرفة الوضع، و حقيقة الإدارة. و كان الأولي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 167
به أن يدوّن ما جري من أنهم لم يستطيعوا في هذه الحالة توليد النظام أو تسكين راحة الخلق بالسيطرة علي الإدارة. و إنما قام المتغلبة من كل فج و هم لاهون.
عرف جامع الخفافين أو (جامع الصاغة) قديما بمسجد الخظائر.
و في أيام سنان باشا جغاله زاده عمر مدرسة هذا الجامع. و في أيام إسماعيل باشا (سنة 1110 ه- 1111 ه) أعيدت عمارتها، و عرفت ب (الإسماعيلية). و ما قيل من أن مدرسة الإسماعيلية في (سوق الكبابية) فغير صحيح. فهناك (مدرسة الوفائية). و هذه قديمة ذكرها الشيخ سلطان الجبوري. كان كتب رسالة سنة 1118 ه في المدرسة الإسماعيلية كما جاء في مخطوطات الموصل.
و دامت هذه المدرسة إلي أيام علي باشا صاحب المدرسة العلية كما هو منطوق الأمر السامي المؤرخ سنة 1176 ه، بل بقيت معروفة بهذا الاسم إلي أن عمرها و جدد بناءها (آل الپاچه چي).
عزل إسماعيل باشا من جراء أنه لم يستطع القيام بما هو مطلوب منه في حوادث بغداد و البصرة. و إنما قصّر في واجبه و بقيت الأمور علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 168
ما كانت عليه قبله مما دعا إلي عزله، فولي مكانه مصطفي باشا المشهور ب (دال طبان) و كان تربّي في دائرة قره مصطفي باشا ثم نال مناصب عديدة منها أنه صار آغا الينگچرية ثم ولي مراتب أخري حتي نقل من أدرنة إلي بغداد في ربيع الآخر و وصل متسلمه في غرة ذي القعدة، و جاء هو في أواسط ذي الحجة.
إن الدولة كانت مشغولة بحروب طاحنة مع دول عديدة من الغربيين الأمر الذي دعا أن تهمل أمر بغداد و البصرة، و لم تلتفت إلي ما حدث من تغلب و تشوش، فكانت قضية البصرة و القرنة في درجة تالية من الاهتمام بل تركت إلي الوقت المرهون.
و في هذه الأيام زالت الغوائل فتوجهت أنظار الدولة إلي هذه المهمة من توطيد النظام و المهام الأخري فيها. اتخذت التدابير لذلك كله.
و في أواسط المحرم ورد الفرمان بلزوم استخلاص البصرة و القرنة من أيدي المتغلبة و إعادتهما إلي حوزة الدولة و أن يعهد بانضمام ايالة البصرة إلي حلب الشهباء و إيداعهما إلي والي بغداد السابق علي باشا.
و عيّن قائد الحملة و أن يكون معه محافظ آمد الوزير محمد باشا و أمراء الألوية و جيش الحرس و محافظ شهرزور يوسف باشا، و والي سيواس
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 169
جامع الخاصكي ببغداد- دار الآثار العراقية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 170
مصطفي باشا و والي قره مان أيوب باشا و متصرف پيره جك علي باشا و متصرف
أماسية محمد باشا مع من في ايالتهم من زعماء و أرباب تيمار و حرس … و أمير العمادية و من معه من فرسان و مشاة، و أمراء عينتاب و مرعش، و ايالة حلب و كتخدا الجيش مع ثماني عشرة أورطة من ينگچرية الباب العالي مع كتخدائية السپاه و السلحدارية و نحو ألف من شجعان (سردنگچدي) من الترقية و خمسمائة أو ستمائة من الجبه جية و المدفعية و العرباتية و كتخدائية الباب العالي. و كذا خمس الجيش الأهلي في بغداد، و أمراء بدرة و باجلان و البيات و عشائر الكرد الفرسان … عيّن هؤلاء. و أمدوا بذخائر و أرزاق من الرقة و ديار بكر و من الموصل و بالنقود من بعض البلاد الأخري النائية.
و كانت الدولة قبل هذا قد عينت محمد باشا آشچي زاده للقيام بإعداد أسطول في (پيره جك) لمهمة الجيش و نقل أرزاقه فأكملت.
ثم إن والي حلب كان في محافظة بغداد منذ سنة و لا يزال في سفر طول هذه المدة. فعين لمحافظة الحلة و أبقي محافظ الموصل الوزير يوسف باشا الچلبي. و كان متصرف أماسية محمد باشا عين للقيام بهذه المهمة فظهر منه بعض التكاسل فتوقف بضعة أيام في الموصل. و لما علمت الدولة بذلك أنفذت فرمانا يقضي بإعدامه و دفن بمقبرة الإمام الأعظم.
إن حل هذه المشكلة أقصي ما كان يبتغيه السلطان. فأمر بسوق العساكر و تعيّن موعد القيام بالأمر و الاستيلاء علي الأعراب ممن تحصّن في الاهوار و ضبط مقاطعات الجزائر و أما الفرات و دجلة فإن سفائن التجار و سائر أرباب المنافع و المصالح ظاهرة الاستفادة و الحاجة إليها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 171
كثيرة أمر السلطان بإنشاء مقدار مائة
و عشرين سفينة بين كبيرة و صغيرة في ميناء (پيره جك) و سير نحو 4200 من اللوندات و جهّزهم بنحو 420 مدفعا من نوع (قوغوش) و ب (300) مدفع من نوع (يان صاچمه) و أربع قطع من مدافع هاون المسماة (خميره) فجدّدها و عيّنها و هناك مدافع أخري منها 15 من نوع (باليمز) و أكثر من 30 من نوع (شاهيّة). و أعد كل ما يقتضي من آلات و أدوات و هيأ اللوازم من صغيرة و كبيرة. حملها السفن و استخدم لها محمد باشا و كان ربانيا ماهرا و سيّر معه أرزاقا وافية فتوجه من طريق الفرات. و زود بالأوامر لمن يهمه.
و في هذه الأيام ورد كتاب من والي كرمنشاه (قرميسين) إلي الوزير مع قاصد منه يفيد أن حضرة الشاه بإذن من السلطان صنع صندوقين لضريحي الإمام علي الهادي و الإمام حسن العسكري. و أن الجبه دار محمود آغا قد عيّن لإيصالهما … و بعد مدة جاء كتاب آخر يتضمن أنه توجّه حاملا الفرمان و الكتاب المرسل إلي الوزير و معه آغا لتأمين راحته فوضع الصندوقين مع بابين نفيسين في محلّهما من الاضرحة.
تواردت الجنود. فضربت خيامها في صحراء بغداد. و كان الجيش و الأمراء مهيّأون للحرب. و بينا هم كذلك إذ ورد نديم السلطان (بلال آغا) حاملا الخط الهمايوني يؤكد فيه مهام القيادة (امارة الجيش) و أمر الوزراء و سائر الأمراء و جميع العساكر أن يسيروا إلي الحرب.
و لما تأكد لزوم السفر عقد أهل الرأي مجلسا قرروا فيه الذهاب من طريق دجلة بالنظر لقرب حلول الشتاء. و في 2 رجب ضرب كتخدا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 172
الجيش الأهلي و ينگچرية الباب العالي خيامهم في صحراء الباب الشرقي. و في 7 منه نهض السردار الأكرم والي بغداد و سائر الوزراء و الأمراء. تجمعوا في ذلك المحل.
و كان السردار قد صنع في بغداد جملة من السفن من نوع (فرقته) تربو علي الأربعين و نحو 300 سفينة عادية مكشوفة. وضعت فيها المهمات و الأرزاق.
و الملحوظ أن الينگچرية كانوا خرجوا مع من خرج للتأهب إلي الحرب و لكنهم بلا موجب طلبوا الأرزاق و العلوفة بلا سبب فتجاوزوا الحد، فأغلقت بغداد ثلاثة أيام من جراء ما أثاروا من فتنة، و أطلقوا نيران المدافع علي سراي الوالي فأهلكوا الكثيرين و سلبوا الأمن و شوشوا الحالة. و بتوسط المصلحين أرضوهم
بحسن تدبير. و هكذا طلب لوندات السردار أرزاقهم و علوفاتهم فحاول الوزير ارضاءهم و تطبيب خواطرهم فلم يصغوا فاضطر علي حربهم فبعث عليهم لوندات المشاة فحاربوهم و فرقوهم بتدمير.
هذه أوضاع الجيش و منها يدرك ما آلت إليه الحالة من سوء.
إن الشيخ مانعا كان استولي علي البصرة و إن أمير الحويزة أخرجه و انتزع منه المدينة. أعلم بذلك الشاه و عرض ما وقع ثم إن الشاه فكر في الأمر كثيرا و بعد تلوم ثلاثة أشهر أو أربعة و تأمل في القضية قطع بأن لا طريق سوي مراعاة الصلح القديم فأكد بكتاب منه روابط الاخلاص و قدم مفاتيح المدينة مصنوعة من الذهب من العيار الكامل مع أحد الأمراء المعتبرين و هو (أبو المعصوم خان) فعرضها علي السلطان. جاء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 173
هذا الخان بمهمّة السفارة و رجا أن تجدد الصناديق لحضرات الأئمة المشار إليهم من جانب الشاه. فوافق السلطان و صدر الإذن بذلك، و إن ولاة بغداد أيضا ساروا طبق الفرمان و سارعوا في الأمر.
و في 4 شعبان ورد الخبر بوصول السفن الحربية من طريق الفرات إلي جبّة. و كان عهد بذلك إلي محافظ البصرة الوزير علي باشا و الدفتري الجديد. فهؤلاء التحقوا بالجيش …
و أما والي شهرزور الوزير يوسف باشا، و متصرف سيواس مصطفي باشا فقد عيّنا في مقدمة الجيش و والي قرمان أيوب باشا في مؤخرة الجيش كما أنه قد نبّه كتخدا الجيش الأهلي وينگچرية الباب العالي أن يمضوا سوية.
و في 8 شعبان وصلت السفن الحربية إلي شاطي ء الرضوانية فرست هناك. و قد كتب إلي محمد باشا القبودان فدعي إلي بغداد.
و لما تمت التأهبات الحربية و حملت المؤونة و المعدات الحربية في السفن نهض الجيش يوم السبت 19 شعبان و عبر جسر ديالي و نزلت العساكر في الجانب الآخر منه (الشرقي).
و في هذه الأثناء ورد محمد باشا القبطان (قپودان) مع ثلاثة أو أربعة من أعوانه. و بعد المواجهة عهد إليه
بالحلة فذهب إليها توا.
و إن (الجبه دار) أنهي أمره و عاد إلي بغداد فحرر له الجواب علي كتاب الشاه و سلم إليه و أوعز إلي متسلّم بغداد بالقيام بما اقتضي.
و أيضا عاد بلال آغا مصاحب السلطان بعد أن حصل علي مراده.
و في طريق العساكر كانت الأرض خصبة و فيها من الزروع ما يكفي لاقتيات الخيل … فالأسباب كانت مهيأة. و لذا لم تر الجنود كلفة، بل ساروا في طريقهم بكمال الراحة و الطمأنينة فلم يصب أحدا ملل.
و في أثناء سيرهم و وصولهم إلي شط زكية في محل بقرب من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 174
القرنة نحو مرحلتين ورد كتاب و قاصد من داود خان أمير البصرة ففتح و اجتمع الأمراء و قري ء علنا بمحضرهم فوجد مطولا خرج به كثيرا عن الصدد فأجابه الوزير بكتاب حرر صاحب گلشن خلفا مسودته، مؤدّاه أن قوتنا كافية لضبط البصرة و أن الدولة إنما تأخرت لاسباب حربية كانت مع الأعداء و لما كان كتابكم مبهما فالمطلوب أن توضحوا غرضكم و تفيدونا علي عجل لنقوم بما أمرنا.
ثم إن الوزير أرسل هذا الكتاب مع من اعتمد عليه من الآغوات و ذهب بصحبة الخان الذي أتي بالكتاب.
و في هذه الأيام جاء من القرنة الضابط عبد الرحيم و دخل الفيلق فواجه القائد و طلب أن يرسل معتمده ليسلم إليه البلدة فعهد إلي أحد آغواته بذلك و أرسل معه المقدار الكافي من الأفراد لضبطها فتم له و أمن جند العجم الذين كانوا فيها. و من هناك ركبوا السفن دون أن يحصل أي تعرض و ساروا. و كذا أهل القرنة لم يتعرض لهم بسوء و لم يقع اعتداء علي واحد منهم قام بهذه المهمة (محمد
آغا الخاصكي) من ينگچرية الباب العالي و معه ثلاث أورطات فشكر الأهلون صنيع الآغا بهم.
أما أهل البصرة فإنهم حينما سمعوا بذلك أنسوا و أبدوا الطاعة قبل أن يأتي إليهم أحد. و كان استيلاء الجيش علي القرنة في 19 شهر رمضان سنة 1112 ه فنزل الفيلق بلا حرب و لا جدال و حينئذ عيّن محمد آغا الخاصكي لمحافظتها و جعل معه ست اورطات من ينگچرية الباب العالي للحراسة.
ثم إن الآغا المرسل إلي البصرة أخبر (داود خان) بحقيقة الحال كما أن الخان المرسل منه اطلع علي الأمر. و حينئذ أرسل داود خان كتابا أول فيه الكلمات و قرر لزوم تسليم المدينة فطلب المهلة للخروج منها. و لما كان في ثغر الحدود قرية يقال لها (الدورق) علم أن فيها جماعة من العجم يبلغون نحو أربعين ألفا لم يمهلوا طويلا فعبر العسكر (شط العرب) و عرفوا بأن يتداركوا أمورهم و ليخلوا المدينة. و كتب إليهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 175
كتابا بذلك. و عهد إلي متسلم البصرة من جانب محافظها علي باشا ليقوم بالأمر.
ثم عبروا شط العرب و توجه الوزير علي باشا إلي جهة البصرة.
و حينئذ سمع أميرها (داود خان) و كان في محل (مقام علي) [1] تجاه قرية
______________________________
[1] مقام علي هذا هو (مشهد العشار) شاع غلطا بهذا الاسم، و هو قريب من فم نهر العشار المعروف قديما ب (نهر الابلة). و في عجائب البلدان و دائرة معارف البستاني ما يوضح.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 176
كردلان من جانب البصرة. ركب سفينة و أخذ معه باقي الايرانيين و ذهب إلي مملكته سوي أن هذا الخان كان مريضا، فلم يصل إلي منتصف شط العرب حتي توفي. و جاء
تاريخه (موت داود خان) سنة 1112 ه.
و البصرة كان استولي عليها الشيخ مانع أمير المنتفق في أواخر سنة 1106 ه. و في شهر رمضان من سنة 1108 ه استولي عليها أمير الحويزة المولي فرج اللّه و لما أخبر الشاه لم يرض بعمله، و ضبط المدينة و عيّن لها داود خان واليا إلي أن تتسلمها الدولة العثمانية منه. و في شهر رمضان سنة 1112 ه عادت إلي الدولة و دخلت في حوزتها.
و كان قد بني العجم في الجانب الشرقي من البصرة قلعة جديدة في محل يقال له (كردلان) فعين للمحافظة عليها نحو مائة نفر من جيش القرنة و وضع فيها مدفعان و هذه لا تزال قرية معمورة من قري ناحية (شط العرب) و مركز هذه الناحية (تنومة). و كردلان معناها (مأوي التل) فسميت كذلك.
هذا و لوحظ انضباط البصرة و انتظامها فتمكن و اليها و حصل له ما يريد فعاد الوزير إلي القرنة …
و كان نصب محمد آغا الخاصكي لمحافظة القرنة كما تقدم. وضع هناك 1400 من الجند من ينگچرية الباب العالي و هم ست أورطات فأعطي لهم قسط من المواجب و الأرزاق عن ثمانية أشهر و أبقوا في خدمة المحافظة. و من الينگچرية الجيش الأهلي و المتطوعون و العزب و المستحفظون و الجبه جية و المدفعية و الكتاب و عرفاء الديوان و الكل جمعا 1767 نفرا و قد أبقي فيها من حرس الوزراء و الأمراء حسب الرغبة و الطلب فسجّلوا و عمرت القلعة و وفرت المؤونة من المعدات و أكمل جميع ما تحتاجه القلعة.
و لما كانت ايالة البصرة من البلاد الحارة اقتضت العودة نظرا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 177
لإقبال موسم الصيف. و في 14
شوال يوم الخميس رحلت العساكر من القرنة. و علي هذا عبروا أنهارا متعددة و طووا صحاري و قطعوا براري حتي نزلوا قصبة مندلي (بندنيجين) و فيها توفي أيوب باشا و دفن قرب قبر (نبي توران) و بعد عدة مراحل نزل الفيلق في الجانب الآخر من ديالي.
نصب جسرا فتوالي عليه عبور العساكر.
و بينا الجيش يعبر إذ ورد في تلك الليلة حسن آغا من حجاب الباب العالي بفرمان في قتل محمد باشا والي ديار بكر. فقضي عليه و دفن في مقبرة حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني. و لم يعلم السبب.
و المعلوم أنه لم تكن له معاملة حسنة مع القائد و لا مع بعض متولي الأمور و بناء علي شكاية هؤلاء و إنهائهم أمر السلطان كما طلب.
ثم إن الوزير القائد دخل بغداد في 15 ذي القعدة و من ثم عاد الأمراء و الوزراء إلي مواطنهم رويدا رويدا.
إن شيخها (عبد الشاه) أبدي الطاعة للدولة، و بين أنه حاضر للخدمة، و أن عشائره تبلغ نحو (20) الفا. أدرك القائد خدعته و أنه يحاول معرفة القوة فلما علم أنها فائقة أذعن بالطاعة و قدم نفسه للمعاونة فقال له القائد لا حاجة لنا إلا أن تخلص للدولة و تكف عن سابق أفعالك و إلا دمرناك. و لما أظهر الاخلاص استخدمته الدولة للتعريف بالطرق و ألبس الخلعة و تعهد بالانقياد و الطاعة. و من ثم أعلم العشائر الأخري فجاء شيوخها و طلبوا الأمان و العفو و أخذت رهائن منهم فكتبت لهم خطوط الأمان.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 178
نهر الفرات يمضي من شمال الحلة فيتوجه نحو الشرق فيمر بالرماحية و ب (خالد كبشة) و حسكة و السماوة. يجتاز هذه النواحي فيصل إلي الجزائر ثم يختلط بدجلة في شط العرب. و كان من زمن بعيد يجري كذلك بهذه الصورة … و في سنة (1100 ه) فما بعدها صار يقوي جريانه في النهر المتشعب من الفرات المسمي ب (نهر ذياب) الواقع في غربي قصبة الرماحية ببعد أربع ساعات و في المثل العامي (طلعة نهر ذياب). و هذا يقوي جريانه عند نهر حسكة. و قبل هذا التاريخ لم يكن بهذه السعة و كان من السهل اتخاذ سد له و إيقافه عند حده و لكن أهمل فلم يهتم أحد به و إن الذين يرغبون في سده لم يقدروا عليه فلم تتيسر الاستفادة منه. و ما زال هذا النهر يتوسع يوما فيوما حتي اكتسب سعة فائقة فمال شط الفرات إليه فتعذر سدّه فصار مضرب المثل. و هناك حدثت أنواع الاهوار و الجزائر حتي أن بعض النواحي صارت معرضة لخطر
الغرق كما أن البعض الآخر منها بقي غير مزروع بسبب انقطاع المياه.
قالوا: جبل العربان علي العصيان فصاروا يتحصنون في تلك الأهوار و الجزائر و يمتنعون عن اداء الميري. و بعض الضرائب تزايدت
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 179
فعادت لا تطاق فاضطر بعض العشائر إلي الانضواء إلي تلك.
اغتنموا الفرصة، فخرجوا عن الطاعة. لا يرضخون للحكومة في تأدية التكاليف.
نري العشائر و الحكومة بين الافراط و التفريط.
و من هؤلاء الشيخ سلمان بن عبّاس الخزعلي لم يذعن بل ضبط مقاطعات (الرماحية)، و (خالد كبشة)، و (حسكة)، و (بني مالك)، و (نهر الشاه) حتي أنه لم يكتف بكل ذلك بل استولي علي (النجف الأشرف).
جهز ولاة بغداد عليه مرتين أو ثلاثا فلم يتمكنوا من اخضاعه. خسروا أموالا طائلة. فعادوا بالخيبة.
أما الشيخ سلمان فإنه اكتسب ثروة، و قدرة. و بهذا صار كل واحد من رؤساء العشائر يدعي الاستقلال و يتطاول علي القري و النواحي.
فأصاب أبناء السبيل أنواع الأضرار. و صاروا يأخذون ضريبة يسمونها (التسيار) أي مبالغ معينة يفرضونها، يسلمها المارة لرئيس العشيرة صاحب النفوذ، أو أن قوة من الجيش تدرب هؤلاء و تمضي بهم للمحافظة. و إلا فلا يمكن اجتياز خطر هؤلاء.
لم يكتف الشيخ سلمان الخزعلي بكل ذلك بل جمع جيوشا من الاعراب و حشد أصنافا حاصروا الحلة بقصد الاستيلاء عليها. و لذا تدارك الوزير جيشا من بغداد أرسله إليها يتألف من ينگچرية الباب العالي، و من الجنود الجدد (سردن كچدي) فأزيح المذكور. و كان الأهلون احتاطوا للأمر فبنوا في أطراف الحلة سورا و تأهبوا للطواري ء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 180
فلم يفلح الخزعلي في هجومه علي البلدة و لم يتمكن من ضبطها.
إن عمل الشيخ سلمان و استيلاء العربان علي الأطراف كل هذا مما شل يد الحكومة و قلل من الضرائب فأدي إلي قلة (العلوفة) و مرتبات الكتاب. فعرض الأمر علي الدولة مرارا. فكان جل ما فعلته أن أصدرت أمرها في أوائل ربيع الأول يقضي بلزوم سد (نهر ذياب) و أن يؤسس النظام في تلك الأنحاء و أن يضرب علي أيدي البغاة. أمدت الدولة بغداد بمقدار من المبالغ و عنيت بأمر السفن و وجهت محافظ كوتاهية الوزير عبدي باشا و محافظ ديار بكر الوزير يوسف باشا و محافظ الموصل الوزير ابراهيم باشا و والي شهرزور الوزير يوسف باشا و متصرف لواء كوي (كويسنجق) التابع لولاية شهرزور (علي باشا) و كتخدا جيش بغداد وينگچرية الباب العالي و عساكر البلاد المذكورة قياما بهذا الأمر و جمعت اللوازم من بغداد و الحلة لسد هذا النهر فأعدت للعمل. و كذا توارد الأمراء و العساكر تدريجا.
ثم إن الوزير دعا والد سلمان الخزعلي (عباسا) للطاعة، نصحه بكتاب بعثه إليه و حذره من نتائج الاصرار و ما تجر إليه الحالة كما رغبه من أخري فلم يجب و إنما أجاب ابنه سلمان بكلمات يشم منها الغرور و التعند.
و لما تم جمع العساكر
ورد الفرمان بلزوم السفر و حرض الأمراء علي القضاء علي هذه الغائلة. فنهض الجيش من الكرخ في 6 رجب يوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 181
الثلاثاء فقطع المراحل حتي وصل إلي قريب من النهر إلي مرقد (عون بن علي) المعروف.
أما سلمان الخزعلي فإنه علم بوصول العساكر فجمع أطرافه القريبة و البعيدة و دعا العشائر. عدا من كان لديه من الخيالة و المشاة فصار يقسر الناس علي الحرب، و كذا وصل مدده من العشائر البعيدة و كان يأمل أن يسد طريق العسكر و يقطع خط رجعتهم. و بهذا الأمل حشد ما يربو علي الأربعين ألفا بين مشاة و فرسان. هيأهم للوقيعة فعلم الوزير بذلك.
و في اليوم التالي نهض الجيش من موطنه. يسير باحتراس و توقّع للطواري ء من كل الجهات، و كان أمل العشائر أن لا يقابلوا الجيش في هذا المنزل. و لما نزل قرب هذا النهر بنحو ثلاث ساعات أو أربع.
شغل بتنزيل الاثقال و تهيئة ما يلزم. و بينا أصحاب الخيل علي ظهور خيولهم قد شوهد أن سلمان الخزعلي حشد المشاة بين الأدغال في محل ضيق و صاروا يطلقون البنادق علي الجيش. عبأوا المشاة و كذا الخيالة و ظهروا علي حين غرة. هاجموا هجوما عنيفا. فبدوا من وراء الستار.
و حينئذ قابلهم الجيش و اشتبكوا في القتال و بينا هم كذلك إذ سمعوا دوي المدفع كالرعد القاصف فرقوا شملهم و انتشروا كالجراد و حينئذ تولاهم الجيش من جميع جهاتهم و صاروا طعما للسيوف و ولي سلمان الخزعلي الادبار. تعقبوا أثرهم ساعة أو ساعتين و نكلوا بهم تنكيلا مرا فعادوا منتصرين.
أوقع هذا الحادث في قلوب الاعراب الاضطراب و ولد الخوف و الهلع في نفوسهم. و بعضهم كان
مكرها فأسرع بالطاعة و مال إلي الانقياد. هكذا قالوا.
ثم إن الجيش بقي يومين في ذلك المحل فرحل عنه و نزل عند النهر الجديد المراد حفره و حينئذ مسحوه فتبين أن طوله 5170 ذراعا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 182
و عرضه 120 ذراعا و عمقه 20 ذراعا. فشرعوا بالحفر. و أعطي كل فريق ما يلزم له من المساحي. و كذا ما يحتاج إليه من قزمات و غرائر و هزز بدأوا في 22 شهر رجب و امتد العمل إلي 48 يوما، و في 12 شهر رمضان فتحوا السد بين النهر الجديد و بين الشط. و فتح المجري. و لما كانت الأرض يابسة و النهر عظيما بقي الاتصال بمجراه القديم فلم يجد الحفر نفعا بالرغم مما صرف من جهود فلم ينجح.
جاء في هذا المحضر بيان جهودهم المبذولة إلا أنها لم تثمر.
قدموا المحضر و نهضوا من مكانهم في غرة ذي القعدة راجعين إلي بغداد.
وصل المحضر إلي القائد فعين ضابطا في الحسكة و محافظا و رحلوا جميعا من طريق النجف و كربلاء إلي بغداد.
و في أواخر هذا الشهر ورد كتاب من ضابط الحسكة ينبي ء أن سلمان الخزعلي جاء إلي تلك الانحاء، و طلب المدد من الوزير فلم يصل إليه في حينه. فتقدم سلمان و استولي علي تلك الجهة.
في هذا الحين جاء الأمر إلي الوزراء بذهاب كل إلي محله. و في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 183
14 صفر عزل الوزير فأقام بضعة أيام بقرب الأعظمية فذهب إلي استنبول فوجهت إليه الصدارة في ربيع الآخر و توفي في شهر رمضان. و هو شجيع غيور. له همة عالية. كتب رامي باشا رسالة سماها (اصطلاحات دالطبانية) تتضمن غلطاته اللغوية.
و كانت مدة
حكمه سنتين و أربعة أشهر. ولي بغداد في ربيع الآخر سنة 1111 ه.
هذا الوزير حنكته التجارب. و هو عارف بالأحوال متحلّ بالاخلاق الجميلة و لائق من كل وجه. و لما عاد من سد نهر ذياب كان في منصب ديار بكر و بقي في بغداد ينتظر جواب المحضر. و من ثم عهد إليه بمنصب بغداد فشرع في ادارة المملكة و تنظيم الحالة. بذل جهودا كبيرة في هذا السبيل.
و في 20 صفر حدث زلزال في بغداد و أعقبه ريح السموم.
و في 21 ربيع الآخر وردت الفرامين بلزوم تخفيف الرسوم. و رفع البدع المحدثة، و أن تباع المقاطعات فتم ذلك و بوشر ببيع الاملاك.
يوضح هذا أن السلطان أمر بإصلاح خزانة بغداد و أن تمضي علي نظام و نصب محمد الدري من كتاب الديوان (دفتريّا) فقام بتنظيمها و رفع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 184
الرسوم المحدثة و البدع و جعل للجيش الأهلي لكل من صنف اليمين و صنف اليسار أربعمائة نفر و رتب عليهم رئيس حجاب و قرر لكل صنف مائتي أقچة أرزاقا ونصب (آغا) لكل منهما و رتب لآغواتهم أربعة آلاف قرش مصاريف سفرية.
و في أواسط رجب ورد الفرمان إلي الوزير بتولي امارة الجيش فنصب خيامه في الجانب الغربي. و صار ينتظر ورود العساكر المأمورة و أن يؤلف الجيش المتطوع فأرسلت الدولة آغوات و بوشر بقيد ما يلزم من الجنود و أن الضباط الجدد وردوا بغداد في 5 شعبان. نزلوا حول فيلق الوزير.
و جاء بغداد للغرض نفسه كل من محافظ ديار بكر الوزير حسن باشا و والي قرمان علي باشا و والي الموصل يوسف باشا. وردوا بعساكرهم و حجابهم و سائر أتباعهم، فاحتشد الجميع في الجانب الغربي.
عزم الكل علي حرب سلمان الخزعلي. أما هذ الشيخ فإنه ركن إلي الخدعة. فأرسل ابنه رهنا و أرسل والده عباسا الخزعلي و أبدي أنه يؤدي الضرائب لناحية حسكة كل سنة و طلب الأمان و بتوسط منلا بغداد (القاضي) قبل مطلوبه و ترك أمر حربه.
في 5 ربيع الأول ورد دفتري جديد عمل ميزانية الخزانة في الوارد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 185
و المصروف و تعيّنت قلمية الوالي. أتي بالدفاتر من جانب الدولة و لما لم تساعد المالية حرر له نحو خمسمائة جندي لكل من متطوعي اليمين و اليسار مجددا فبلغوا ألف نسمة و سرّح ما زاد. و في 25 من شهر ربيع الآخر ورد الفرمان بمنصب البصرة إلي محمد باشا القبطان و بمنصب بغداد إلي الوزير علي باشا والي البصرة.
ثم أحدثت في الدولة بعض تبدلات فأعيد والي بغداد الوزير يوسف باشا إلي وزارته و أقر كل في محله …
و لما علم أن المتسلم من جانب الوزير علي باشا وصل إلي مندلي (بندنيجين) كتب الوزير في بغداد إليه كتابا بلزوم عودته فعاد و لكن الوزير علي باشا لم يصغ إلي هذا القول
و إنما أعاده إلي بغداد و سار هو من البصرة متوجها إليها.
و الملحوظ أن محمد باشا صدر الفرمان بولايته البصرة و يسمّي (آشجي محمد باشا) و نبّه بلزوم أخذ الاسطول، لتأمين الحالة في مسقط من البرتغال في حرب السواحل العربية. و جاء ذكر للفرقته و عددها و القليونات التي يجب أن يتخذها إلا أننا لم نر نتيجة، و لم يظهر أثر.
كان الوزير يوسف باشا عزل ثم ورد الوالي الجديد علي باشا و نزل بالقرب من الأعظيمة. جاء المتسلم الجديد في 21 جمادي الثانية ثم ورد هو بنفسه بعد أربعة أيام أو خمسة و نزل دار الحكومة و أن الوالي السابق ذهب إلي استنبول. و في هذا ما فيه من اضطراب في أصل الدولة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 186
ولي وزارة بغداد للمرة الثانية. و كان موصوفا بالدروشة، واسع الخلق مشتهرا بالصلاح، عفيف الذيل و هو فارس مشهور، بذل جهوده في استقرار الحالة. كان ممتطيا جواده دوما، يتجوّل، فأبدي قدرة.
و جلّ همه أن يقضي علي أعمال أهل الشرور.
و في هذه المرة طالت حكومته أكثر.
و في أوائل هذه السنة أبدي والي البصرة محمد باشا القبطان شدة في حكومته تجرأ علي الناس، ولم يتحاش من أحد. و في أواخر هذه السنة توفي و كان لازم الفراش بضعة أيام ورد بذلك محضر إلي الوزير فأعلم دولته. و حينئذ عهد إليه بمنصب البصرة و عهد بولاية بغداد إلي الوزير حسن باشا والي ديار بكر. و كان ورد إليها في حادثة نهر ذياب.
ابتدأت حكومة الوزير السابق في 21 جمادي الثانية من سنة 1115 ه و انتهت في 13 صفر من سنة 1116 ه.
إلي آخر أيام هذا الوزير علي باشا مضت حقبة كانت فيها أعمال الولاة مجملة لقلة ما قاموا به كما أن المصادر لم تكشف عنها. فالوثائق التاريخية المعاصرة و التواريخ الرسمية لم نجد فيها وضوحا و إن كانت أوسع من العهد السابق. و جل ما عرفنا أنهم لم يعملوا عملا يذكر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 187
لم تفسح الدولة المجال لهؤلاء الولاة ليستقلوا بالادارة. و مع هذا كانت بعيدة و تابعة لمواهب الولاة. تحسن مرة و تسوء مرات.
و يصح أن نعدّ الأيام التالية خاتمة للحكم المباشر للدولة و فيها سعة في السلطة و الخير للعراق أن يؤسس فيه النظام، و تتمكن الطمأنينة.
إن بقاء العراق تابعا لعاصمة الدولة أضرّ به من جهة، و كلف الدولة كلفا زائدة. و لعلّ أهم سبب في ذلك وقائع بكر صوباشي، و العلاقات الايرانية، و سوء الادارة و الاشتباه من أعمال الولاة، و اضطراب أصل الدولة.
و عندنا الادارة مصغرة من تشكيلات الدولة لا تعرف سوي ما عندها، و لم تدرك تثبيت ما عندنا و الجري بموجبه فكل هذا مما دعا للنفرة و عدم المألوفية.
إن صفة الحكم
المباشر لم تزايل هذه الإدارة و إن كانت بدت أوصاف جديدة في (توسيع الإدارة) فهي تابعة لمواهب الوزراء و ما فيهم من قدرة.
حصل تجدد في الإدارة في هذا العهد غير مقصود من الدولة.
و إنما تيسر للوزير حسن باشا و ابنه أحمد باشا ما لم يتيسر لأحد قبلهما من حسن التنظيم. و لحق بهما إدارة وزراء آخرين بلغ الكل (سبعة وزراء). كنت أفردت كتابا خاصا بهؤلاء سميته (تاريخ سبعة وزراء)، و هو تال لما مرّ بيانه إلا أني اخترت أن أوحدهما. و هنا أشير إلي أن هذا العهد يمتاز بحنكة في الإدارة لو لا أن آخره تشوش و اضطربت فيه الحالة أيام نادر شاه و هجومه المتوالي علي العراق و أيام نزوع المماليك إلي الإدارة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 188
و يعرف هذا الوزير ب (حسن باشا الجديد). و الأيوبي و محلة (جديد حسن باشا) باسمه، و كذا جامع السراي و هو الجامع السليماني سمي باسمه فقيل (جامع جديد حسن باشا). عهد بالوزارة إليه في 13 صفر و اشتهر بالقدرة و حسن الإدارة. و أول من أفرد له مناقب خاصة به (يوسف المولوي) شيخ المولوية ببغداد، و سمي هذه المناقب ب (قويم الفرج بعد الشدة) أو (السيرة المولوية في المناقب الحسنية). و ذكر صاحب گلشن خلفا وقائعه مفصلا. و أوسع من كتب (الشيخ عبد الرحمن السويدي) في كتابه (حديقة الزوراء في تاريخ الوزراء) ترجمه و ابنه أحمد باشا. ثم جاء صاحب دوحة الوزراء و ذكر أحواله، و هكذا جاء ذكره في (تاريخ نشاطي) و في التواريخ الرسمية للدولة.
أثنوا عليه، و أبدوا حنكته و مهارته في الإدارة و الحروب. توسعوا في حياته. حدث في عهده هدوء و طمأنينة. و كان العراق في أشد الحاجة إليهما. فأزال الاضطراب، و قضي علي التغلب.
و أصله من محل قريب من بلدة
(دبرة)، سكن مع والده قصبة (قترين). و في سنة 1109 ه نال وزارة و ولي مناصب عديدة منها منصب الرها فانتصر علي الموالي رؤساء طيي ء. و في سنة 1114 ه ولي آمد (ديار بكر)، فأطاعته عشائر (الملية) من الكرد.
و في 13 صفر سنة 1116 ه ولي بغداد و فيها بدت مواهبه، و تجلت أعماله، فنال شهرة ذائعة، و في حديقة الزوراء ولي بغداد سنة 1117 ه.
و ليس بصواب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 189
لم تهدأ بغداد إلا بدخول السلطان مراد الرابع. و الولاة حالهم ما ذكرنا. و في سنة 1101 ه حدث الطاعون، فبدّل الحالة و شوش الإدارة أكثر. فظهرت الفتن و تغلبت العشائر، فاضطربت الأوضاع. و من ثم جاء هذا الوزير بغداد، فكانت أيامه من خير العهود. كان استطلع الأحوال، و عرف الشي ء الكثير قبل أن يصل إليها بل اتصل بها اتصالا مباشرا فأسس النظام داخلها، و توجه إلي الخارج، فتسلط عليه بقوة. راعي الحزم و أبدي المصلحة. توضح ذلك كله من وقائعه المتوالية. و في أيامه تنفس الأهلون الصعداء. بدأ الإصلاح فنجح. و للدولة اهتمام بأمر بغداد لبعدها عن العاصمة، و لمجاورتها ايران. و من أهم ما قام به أن وجه آماله نحو التسلط علي العشائر، فكانت سيطرته قاهرة. أرضت الدولة بالرغم من قسوتها.
قالوا: كانوا أشد ضررا. عاثوا في طريق كركوك و الموصل.
و قطعوا السبل، فلم يدعوا قرية عامرة حتي انتهبوها. طار شرهم إلي أنحاء ديار بكر. عجزت الدولة عن مقارعتهم مدة، فاحتاط الوزير للأمر. و أعدّ له عدته، فاتخذ بعض الوقائع منهم وسيلة. كانوا انتهبوا (كلكا) ورد من الموصل و كذا قطعوا طريق كركوك، فتجمعت الأسباب.
جهز الوزير جيشا لجبا نحوهم، فلما سمعوا بذلك أرسلوا مائتي فارس بالهدايا، و أبدوا أنهم علي الطاعة، و كذبوا ما نسب إليهم تكذيبا باتا، و قالوا: نتعهد بحفظ الطريق، و نسلك سبيل الأمان … فحمل ذلك علي أنهم يقصدون تثبيط عزم الوزير، عدّ ذلك خديعة منهم.
و كانوا تحصنوا (بالخانوقة)، جعلوا فيها أهليهم تقع علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 190
شاطي ء دجلة. أمامها الماء و سكر عظيم من السكور القديمة، فلم يستطع أحد العبور إليها لشدة جريان الماء. و
في غربيّها (غابة) ملتفة بالأشجار و خلفها و شرقيها جبال شامخة. تقرب من الموصل بنحو ثلاث مراحل …
شاهد الوزير هذا المكان، فأرسل من ورائهم ثلاثة آلاف تمنعهم من الفرار، فاتخذ مرتفعا هناك فوجه إليهم المدافع فأمطرت عليهم بالقنابل، و تسلط بها عليهم، فنالت هدفا منهم حاولوا الهرب إلي الغابة، و حينئذ زاد الخطر. فاضطروا أن يخرجوا منها، و كانوا نحو سبعة آلاف منهم ثلاثة آلاف فارس و الباقون مشاة. و كلهم تعودوا الحروب، و تمرنوا عليها.
حاربوا حرب مستميت، فلم يصبروا أكثر من ثلاث ساعات ثم انهزموا من وجه الوزير. و في هذه الحالة وجدوا الرصد بانتظارهم.
فنالوا منهم ما نالوا، و لم ينج إلا القليل، صاروا طعما للسيوف، و ألقي القبض علي رئيسهم، و طلب الباقون الأمان. فأمنهم الوزير و لم يدع مجالا للاعتداء علي النساء، لكن أموالهم صارت نهبا بأيدي الجنود.
و بعد أن تمت الحرب أطلق الوزير سراح النساء و كن في حرز حريز، ففرحوا بذلك. و كان الجيش قديما لا تسلم منه النساء. و بئس الجيش الذي لا يستطيع أمراؤه ضبطه و التمكن منه.
انتهت هذه الواقعة بانتصار الوزير. و أعلنها للعشائر الأخري
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 191
يحذرها. و كنت تكلمت علي عشيرة الغرير و أما الشهوان فقد سكنوا لواء كركوك، و تكونت منهم ناحية (شوان). نسيت لغتها و صارت كردية، أو كادت، و منها من يقيم الآن في أنحاء الموصل. و منهم من يقول إن شوان كردية الأصل. و معناها الراعي. و لكن حوادثها متعينة. و لعل الأيام تكشف أكثر.
أذعن للوزير بهذه الطاعة من أذعن من العشائر، و عصي من عصي، و لم يلتفت للانذار و القصد إلقاء الحجة.
هذا. و جاء في
كتاب عمدة البيان في تصاريف الزمان أن هؤلاء من البو حمدان، و أن الوزير حاربهم في الخانوقة و نهب و قتل و سلب.
و لا يزال الغرير يدعون أنهم من البو حمدان.
ثم ذهب الوزير إلي زيارة سلمان الفارسي (رض). و بقي هناك بضعة أيام في الصيد. اتخذه وسيلة لسبر المواطن. ثم عاد. و في شوال ذهب لزيارة كربلاء و النجف. و في طريقه مرّ بنهر الشاه. و زار مشاهد الكوفة، و منها مضي إلي ذي الكفل، فالحلة و منها جاء إلي خان النصف (النص). وجده مهدما فعمره.
و في كل هذه التجولات لم يقطع في غزو جهة. و إنما كان يترصد المواطن و الأوضاع الملائمة فجاء في عودته إلي الدورة. و الملحوظ أن خان النص هو الخان القريب من مخفر الشرطة بين الاسكندرية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 192
و المحمودية. و هو الآن مندثر. و مثله (خان الحصوة) أهمل في هذه الأيام. (و خان الناصرية) اندثر من مدة. و هذه في طريق بغداد- الحلة.
و الدورة متصلة ببغداد و هي اليوم ناحية من نواحيها.
في سنة 1116 ه غزاها الوزير. و كانت لم تذعن بالطاعة، و لا أدت التكاليف المطلوبة بل هاجمت بعض القري. و هي من أقوي العشائر شكيمة، تقع حجر عثرة في طريق بغداد- البصرة. تجاوزت حتي بلغت (خان بني سعد). و من أيام السلطان سليمان القانوني إلي اليوم لم تذعن للولاة. و كلما تضايقت مالت إلي ايران لتكون بنجوة.
و عشائرها كثيرة جدا. تتفق مع شيوخ المنتفق، و مع أمراء الحويزة دائما.
قصدها الوزير، فلم يجد لها أثرا. رحلت عن منازلها و مضت إلي مضيق طور سنجاق (طور سخ). كمنوا في مواقع هناك خفية عن الانظار في الجبل المسمي ب (جبل البستان). و جعلوا أهليهم في مضيق منه. تتبع الوزير أثر هذه العشيرة حتي عثر علي الكمين، فظهروا علي حين غرة.
خرج من جيش الوزير عدة اشخاص
بينهم (باش آغا) أي آغا الينگچرية.
و حينما علم الوزير ساق جيشه عليهم، و حمل بمن معه، فانتصروا.
و كان جماعة منهم مضوا إلي (شاه نخجير) بأمل أن يحرسوا أموالهم و أهليهم. التجأوا إلي اللّر الفيلية و لكن الوزير لم يتركهم، و لم يبال بالعقبات، حتي وصل إلي مواقعهم. فغنم الجيش أموالهم، و لم يتعرض للنساء، فأخمد ثورتهم، و أمن الطرق، و عاد إلي بغداد. غزوة ناجحة.
نهب و عاد. و هو المطلوب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 193
و الملحوظ أن (طورسخ) أو (ترسخ) و يقال لها بالتركية (تورساق) بلدة مندثرة، أطلالها مشهودة تقع في يمين الجدول المعروف بهذا الاسم. و تأتي مياهه من خلال الجبال و من المحل المسمي (ده بالا).
و تتفرع منه شاخات يمينا و يسارا يزرع عليها. و تبعد تلك الاطلال عن زرباطية نحو سبع ساعات من شماليها، و المضيق يسمي باسمها.
و الجبال هناك كل منها يعرف باسم خاص. و يقال لها (جبل البستان) أو قسم منه و الجبل الأصلي يدعي (كبير كوه) أو (كور كوه).
و العوام يقولون (جبل الفيلية). و الوجه الناظر منه إلي ايران يسمي (پشكوه) و المطل علي العراق يقال له (پشتكوه)، و هو القسم الغربي منه أي ما وراء الجبل و الطريق بين زرباطية و مندلي إلي الجبل يعد من پشتكوه و (شاه نخچير) من مواطن پشتكوه.
كان الحديث في بغداد في أوائل هذه السنة يدور حول ماسة نفيسة عثر عليها جسار في الحلة. رأي حجرا براقا فباعه لآخر بثمن بخس.
و هذا باعه لصراف يهودي بثمن أكثر. و حينئذ شاع الخبر في الحلة و تحدث الناس به فدعا إلي نزاع بين المشتري و البائع فوصل الخبر إلي ضابط الحلة. و
هذا استولي عليه و قدمه إلي الوزير. و كانت هذه الماسة لا يقتنيها إلا الملوك لنفاستها. عرضت علي الجوهريين فتحقق للوزير أنها من أفخر أنواع الماس، زنتها نحو 15 قيراطا أو 14. كانت في غاية الصفاء و البهاء. حجمها بقدر الباقلاء. أما الوزير فإنه ختمها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 194
و قدمها هدية إلي السلطان لعلمه أنه اللائق بها. و لم يبينوا شيئا عن أخذها من المالكين الأولين.
في أواسط هذه السنة توجه الوزير لزيارة الإمامين علي الهادي و حسن العسكري في سامراء فأنعم علي الفقراء و الخدام. ثم ذهب يتصيد في تلك الفلوات فعاد. و غالب ما تكون أمثال هذه الزيارات مقدمة تأهب لغزو و هكذا وقع.
ثم عزم علي أن يقضي علي الشيخ سلمان العباس الخزعلي. قالوا كان سبب فتنة العشائر في أنحائه، و كانت الخزاعل قليلة العدد إلا أنها اكتسبت بمهارة رئيسها الشهرة الكاملة و انقادت لها العشائر لحد أن صار رئيسها يدعي الإمارة علي العرب و صاهر عشائر كثيرة فتجمعت له أعراب البادية و التفت حوله.
و لما شعر أنه في عدة كاملة سوّلت له نفسه أن يملك بغداد فاستولي علي الحسكة و هي من أحسن ضياع العراق. فأقدم الوزير علي حربه و ساق إليه جيشا قويا و شن الغارة من بغداد في أربعة أيام و ثلاث ليال. فوصل الحسكة فلم يجد له أثرا فقيل له إنه انهزم إلي السماوة.
و هناك حاول أن يجمع العشائر للقتال فلم توافقه. حذروا أن يصيبهم ما أصاب بني لام فلم يبق معه إلا اتباعه فاستولي الوزير علي أمواله و عياله. و حينئذ كتب إلي الأطراف يدعوها إلي العودة فعادت و تعهدت بالمحافظة علي السكينة و أن لا تميل بعدها إلي شيخ الخزاعل. وضع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 195
المدفع علي سور الحسكة و أمر أن يحافظ عليها من الهجوم.
رأي الشيخ حالته هذه غير مرضية فأرسل ابنه إلي الوزير يطلب الأمان فلم يوافق الوزير أن يبقي في تلك الأنحاء و أمنه بنفسه و أهليه و لكن لم يأمن أن يسلم. فهرب إلي البصرة فأجاره شيخ المنتفق.
ثم إن الوزير بعد أن أمن تلك الأطراف نصب
فيها بعض المحافظين و لم يكن يخطر بالبال أنه سوف يمزق جيش الخزاعل البالغ نحو أربعين ألفا. و رجع إلي بغداد في أواخر جمادي الثانية.
كان والي البصرة محمد باشا القبطان توفي في أوائل سنة 1116 ه، فعهد بمنصب البصرة إلي والي بغداد علي باشا فذهب إليها.
و بقي فيها إلي أن عزل، فصار مكانه خليل باشا ورد بغداد في جمادي الثانية من سنة 1117 ه و توفي علي باشا قبل أن يصل إلي بغداد بثلاثة منازل في طريق عودته وصلت جنازته في سلخ رجب. فدفن بمقبرة الأعظمية.
استفاد الأمير مغامس بن مانع أمير المنتفق من انحلال البصرة فلم يبق فيها سوي المتسلّم، فاستولي عليها. استغل فترة تبدل الولاة و وجود المتسلّم وحده و كان في هذه الاثناء بعد ما استولي الأمير مغامس حضر أمامه في 22 رجب سنة 1117 ه- 7 تشرين الثاني سنة 1705 م الربّان الهولندي. و بعد أن هنأه التمس منه عقدا بين الهولنديين و العرب يتعلق بشؤون شركتهم و أن يحمي كنيسة الكرمليين و دارهم. و في 9 من تشرين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 196
الثاني قدم مذكرتين إلي الأمير مغامس، فأحالهما إلي قاضيه الشيخ سلمان فصدقهما. و في 12 منه أرسل البراءتين إلي الربان الهولندي.
فحصل الكرمليون علي عهد يتعلق بكنيستهم و دارهم. و هذا نصه:
توكلت علي اللّه «تعلمون به الواقفون علي كتابنا هذا من كافة خدامنا و عمالنا و ضباطنا بأن أعطينا حامل الورقة البادري حنا علي موجب ما بيده من فرمانات أولياء الدولة القاهرة و من أوامر الوزراء العظام و الأمراء الكرام.
و له منا فوق زيادة الحشمة و الرعاية و قد أسقطنا عن خدامه و ترجمانه الجزية و الخراج
و كتبنا له هذا الكتاب سندا بيده يتمسك به لدي الحاجة إليه. و علي كتابنا هذا غاية الاعتماد. و اللّه تعالي شأنه ولي العباد و به كفي. حرر في 22 من شهر رجب الفرد سنة 1117 ه».
الفقير مغامس آل مانع اه
أخبر الوزير بوفاة الوالي السابق و ورد والي البصرة الجديد. و كان أتم أعماله في الحسكة، فرجع إلي بغداد، و أمر ببيع متروكات الوالي المتوفي، فأرسلت إلي استنبول مع باقي مخلفاته من الأشياء المشهورة مع الكتخدا و الخزندار (الخازن). و لم يقم بأي عمل.
و ولي علي باشا البصرة سنة 1112 ه. و كان قبلها واليا علي حلب سنة 1111 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 197
في 8 شهر رمضان ظهر في العراق شتاء لم يتفق مثله مع ريح عاصف و نزل المطر بكثرة كما تساقط الثلج و يقال: إن ارتفاعه بلغ ذراعين و علي قول بلغ الشبرين. نزل لأربع مرات أو خمس، و دام الانجماد خمسة عشر يوما فأحدث ضررا كبيرا في المغروسات من نخيل و توت و نارنج و اترج و نبق و ليمون. صار أكثرها حطبا. و في گلشن خلفا كان بتاريخ 7 و 8 من شوال ابتدأ البرد و لعل سقوط الثلج (الوفر) كان في التاريخ الذي عينه صاحب الحديقة.
إن الوزير رأي من شيخ شمر غانم الحسان عصيانا. هاجم الشامية و جمع جموعا فاستولي الرعب علي تلك الأنحاء. و كان ممن وافق شيخ الخزاعل في مناوأة الحكومة، لما رأوا من عزمها أن تقضي علي العشائر.
استولي علي الناس الخوف، إلا أن هذا الوزير وقف القوم عند
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 198
حدودهم و ولد فيهم خشية. و لما رأي شيخ شمر أن ركونه إلي الخزاعل غير مجد مال إلي بغداد مذعنا بالطاعة و عند خروجه رفع الراية و أبدي أنه صار شيخا في حين أنه لم يقدم (البيتية) و إنما وافقه علي ذلك شيوخ آخرون.
رأي الوزير من الضروري التنكيل بهؤلاء لغزوهم و نهبهم و عدم طاعتهم بتأدية (البيتية) فجهز عليهم جيشه و توجه بنفسه فعبر الجسر الرضواني و وصل إلي مواطنهم فلم يجد لهم أثرا. فاستراح هناك قليلا ثم فرق جيشه إلي جهات مختلفة للعثور عليهم و اللحاق بهم لضربهم و ذهب بنفسه في الطريق السلطاني حتي وصل إلي منزل (مشيهد) فحط ركابه و استراح. و لم يقف علي خبر عنهم.
و في نتيجة التحريات أدركهم جيش
الوزير ليلا و صاروا علي مقربة منه فلم يقاتلهم حتي الصباح و حينئذ هاجم الوزير بجيشه و أبدي البسالة و الشجاعة بما لا يوصف. و العشائر ناضلوا نضالا ليس وراءه نضال إلا أنهم لم يستطيعوا المقاومة ففروا.
و في هذه الحرب نالهم ما لم تنله عشيرة. و أن الجند نهبوا مواشيهم و أغنامهم و ربحوا منهم أموالا كثيرة … و مما يحكي أن الحكومة من حين استولت علي العراق إلي اليوم لم تنل ظفرا مثل هذا.
و أن العشائر لم تر حربا كهذه. ظهرت فيها الشجاعة و الفروسية من الجانبين بكل معانيها … و أبلي العربان و استماتوا … جادلوا بكل طاقتهم و بما أوتوا من قوة. لكنهم قهروا. و قتل منهم خلق كثير …
و علي هذا جاء إلي الوزير من بقي منهم من كبار و صغار و أطفال
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 199
و نساء فطلبوا الأمان فقبل دخالتهم و عفا عنهم.
كانت هذه العشيرة تظهر الطاعة أحيانا إلا أنها كانت في الخفاء تغري العشائر البدوية و تحرضها علي الاشتراك معها، و بذلك تؤذي السكان في غربي الفرات بالنهب و الغارة.
أغار عليها الوزير في شعبان فغنم غنائم لا تحصي و عاد إلي بغداد فاستقبله العلماء و الوجهاء استقبالا فخما …
و هذه الوقعة كانت السبب في انفصال شمر طوقة (طوگة) و بعض العشائر مثل المسعود فتبدد شملهم فصاروا شذر مذر … فالمسعود استقروا في أطراف المسيب و كربلاء، و شمر طوقة في جزيرة حميد بين ديالي و (كوت العمارة).
ثم صرف الوزير همته لتنظيم البلد، و صار يعقد مجالس في ديوانه الخاص يؤمها العلماء و الأعيان، فتارة تراها (مجالس علم) و بحث في منقول أو معقول …
و يتخللها الشعر و اللطائف … و طورا تراعي فيها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 200
التمارين الحربية و أصول قراع الكتائب، و مرة يقضيها باستماع (قراءة القرآن) الكريم، و آونة في النظم و الغزل … فراجت سوق العلم و الأدب يتخلل ذلك التفكير في حسن الإدارة و الاطلاع علي الأحوال و علي طرق الإصلاح فأثار جميع المواهب. و بيوت الأعيان لا تخلو من هذه المجالس.
بينا الوزير و الأهلون في راحة إذ ورد الشيخ شبيب أمير قشعم يشكو من عشيرة غزية و (ساعدة) و (آل حميد) و (آل رفيع) مبينا أنهم أغاروا علي المجاورين و أخذوا أغنامهم و أموالهم و عاثوا في أنحاء السماوة و الرماحية و نهر الشاه و ما والي. فأحدثوا أضرارا بليغة.
و في هذه الأثناء جاء رسول من ضابط الحلة فأيد ما قال (أمير قشعم). فاهتم الوزير للأمر خوف استفحاله و سارع للذهاب. و في يومين أو ثلاثة أيام وصل إلي قرب الحلة فاستراح قليلا و سار توا فعبر الشط و مضي لجهتهم بقصد أن يدركهم. و كانت المسافة أربعين ساعة. قطعها بثلاثة أيام أو أربعة لكنه لم يدركهم. سمعوا بالخبر ففروا و تفرقت جموعهم.
و لم يتركهم الوزير و شأنهم و إنما بعث خلفهم بألف فارس من جنده ليدركوهم. و صار هو أيضا يتحري عنهم و يتعقب أثرهم يمنة و يسرة إلي نصف الليل. و لما بدت بشائر الصبح تبين أثر اظعانهم فوجدهم قرب القائم، و حينئذ تركوا الأثقال و العيال و الاطفال و فروا بأنفسهم … و الكثير منهم ألقي بنفسه في الماء …
و حينئذ غنم الجيش أموالهم و خيامهم و إبلهم و بقرهم و خيلهم و عاد من ناحية
القائم.
و من هناك مضي الجيش لتعقيب عشيرة ساعدة فظفروا بها و غنموا أموالها و أرسلوها إلي الحلة. فعادوا ظافرين منتصرين و ألقي القبض علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 201
اثنين من مشاهيرهم فكان لهذه الوقعة تأثيرها. كان في هذا غزو و نهب أو مقابلة عمل بمثله.
كان شيخ الحميد (سعد الصعب) في الرماحية. و العشائر هناك منقادة له. و يعرف بالدهاء. امتد نفوذه إلي الحلة و البصرة. و كان معتصمه الشيخ سلمان الخزعلي. أقام في الحسكة. و في هذه الوقعة هاجمه الجيش ليلا حينما رأي منه تأهبا فامحي أكثر قومه و غنمت العساكر أموالهم لا سيما أغنامهم فسيقت إلي بغداد.
و لما وصل الوزير إلي قرب الرماحية أرسل الشيخ شبيبا بألفي فارس إلي هور نجم فانتصر علي من هناك …
و هكذا نكّل بسائر العشائر و أثرت هذه الوقيعة أكثر.
و لما أتم الوزير أعماله عاد لزيارة الإمام علي (رض) و منها جاء إلي بغداد فاستقبله النقيب و العلماء و المفتي و الموالي و سائر الأعيان و هنّأوه بالنصر …
و كان من جملة من ثار علي الوزير عشائر زبيد، و فيهم الجحيش، و السعيد، و المعامرة. و آل خالد، و كذا عشائر الدليم و آل نوفل، و آل حسين.
و هم برئاسة شيخ شيوخهم (عبد القادر)، مضت لهم وقائع تغلبوا فيها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 202
و في هذه السنة جاهروا بالعصيان، صاروا ينتهبون المارة و يقطعون السبل. تكاثرت الاراجيف عنهم من كل صوب و زاد الخوف منهم.
فأنذرهم الوزير و في الوقت نفسه طلب المدد من أنحاء مختلفة.
رأي أن النصح غير مجد، و أنهم لم يذعنوا. وصلت إليه الجيوش من أنحاء شهرزور و الموصل فتقدم بهم إلي حد المحاويل.
و حينئذ مال العربان إلي الخديعة فجاءه كثير من رؤسائهم و السيوف برقابهم، صاروا يتذللون و طلبوا أن لا يؤاخذهم بما جنوا، و أن يعفو عما سلف. و بينوا أنهم طوع أمره يؤدون ما يجب عليهم من ضرائب.
أراد الوزير أن يختبر صدق نياتهم فطلب منهم
بعض المفسدين و أن يأتوه بهم فرضوا و قالوا سمعا و طاعة. و لكنهم لما ذهبوا إليهم عادوا إلي سيرتهم الأولي فكان ذلك نقضا للعهد …
و علي هذا مشي عليهم و كانت عدتهم كافية و عددهم كبيرا يقدر بمائة ألف أو يزيد. فكانوا متأهبين للنضال فهاجمهم بجميع قوته فتلاقي الفريقان و لم تستمر المحاربة أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات حتي نكسوا الأعلام هاربين من ساحة الوغي … فطلبوا الأمان و لكن الجيوش اغتنمت جميع أموالهم و أسرت الكثير من عائلاتهم و صغارهم ثم عفا الوزير عن الأهل و العيال. و رجع ظافرا.
و مما ينقل صاحب الحديقة عن والده الشيخ عبد اللّه السويدي أن شاويا جد آل شاوي الحميري. قال:
«إننا كنا مع المرحوم حسن باشا والي بغداد أربعة أشخاص في غزو قبيلة زبيد سائرين أمام الجيش. و بينما نحن نتجاذب الحديث، و قد بعدنا عن الجيش لدرجة أننا صرنا لا نراهم إذ صعدنا علي كثب و عند ذاك شاهدنا مقدمة الأعداء و كانت الساقة خلفها أيضا فألويت عنان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 203
فرسي إلي الوراء فمنعني الوالي و زجرني، و في الحال هاجمنا العدو فظن هؤلاء بل اعتقدوا أن الجيش وراءنا فدمرنا الكثير من فرسانهم و شتتنا جمعهم و هزمناهم عنا.
و لما رأي أصل جيشهم هزيمتهم هذه أصابهم الارتباك و قبل أن يلتئم شملهم و افاهم جيشنا و لم يمكنهم. و فرقهم و أوقع بهم وقيعته في طرفة عين.
ثم إن الوزير وقف هنيهة و أوصاني بهذه الوصية و أكد لي أن لا أنساها و هي أن العدو حينما يراك لا تتأخر عن مهاجمته و لا تبين له تراخيا أو اهمالا فيظن فيك ضعفا
بل عاجله بالهجوم و إلا طمع فيه و يخشي حينئذ عليك منه … » اه.
و بهذه الحالة انتصر علي عشائر زبيد بعد أن كانت أعجزت الولاة مرارا. و حينئذ أسكن الوزير العشائر المطيعة من مسعود و شمر طوگة و أعاد إليها السكينة. ثم عاد إلي بغداد.
استعان بالعشائر مثل العبيد و بعشائر الكرد. و كان هذا شأن من بعده، و يستخدمون جيوش الألوية الأخري للوقيعة و التنكيل. و في هذه المرة أيضا استقبله العلماء و الأعيان. أرادوا ارضاءه بأمثال هذه الاحتفالات …
بعد أن تمكن الوزير من اخضاع العشائر التي تعوقه في طريق البصرة عزم علي السفر إلي البصرة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 204
فأخبر الدولة بعزمه هذا فاهتمت للأمر و قررت لزوم القضاء علي غائلتها، و أخذ في تجهيز الجيوش.
و من جملة من وافي إليه للقيام بالمهمة محافظ كركوك يوسف باشا و والي آمد (ديار بكر) رجب باشا و والي كوتاهية حسن باشا من سلحدارية السلطان. ثم ورد إليه الفرمان بولاية البصرة في ذي القعدة سنة 1120 ه و جاء والي الموصل شهسوار زاده و معه طوغان. و من هؤلاء يوسف باشا صار بمرتبة قائممقام. ناب عن الوزير.
و في غرة رجب سنة 1120 ه خرج الوزير و بقي مدة أسبوع زار خلالها بعض مراقد الصلحاء مثل الإمام معروف الكرخي و استكمل العدة فرحل عن بغداد يوم الاثنين 7 من الشهر المذكور.
ثم وصل إلي شرقي الحلة و قضي هناك بضعة أيام. و في 22 منه تحرك منها. فوصل إلي السماوة فبدت غرة شعبان.
ثم مضي إلي مواطن المنتفق، فورد يوم 6 منه (خطر الزور).
و هناك علم ببعض الثوار و حينئذ عهد بالقيادة إلي الكتخدا بألفي فارس
لتعقيب أثرهم، و أرسل مائة أخري بالقرب منهم للترصد من الجوانب و كان منزلهم (عين الذهب) فنال الكتخدا أربه فوصل إلي جمع الاعراب فظفر بهم و سيطر علي تلك الانحاء.
و في 14 منه وصل إلي (أم التمن) فحلها الجيش. و كان هناك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 205
نادر شاه- كتاب نادر شاه لفريزر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 206
بعض المنتفق فضربهم و فرق شملهم، فاستولي علي غنائم وافرة. و حينئذ نال الكتخدا رضا الوزير، و هكذا قطعوا المسافات و الطرق بتأنّ.
و اعترضتهم صعوبات بسبب و عورة المسالك …
و في 22 منه وصل إلي ضواحي البصرة. و كان الثوار متجمعين في الشرش فمر الوزير من وسط هذا المنزل فاتخذت الجيوش (نهر عنتر) موطنا لها. أما الثوار فاحتشدوا في موقع يقال له (دكاكين).
و من ثم تقابل الفريقان جيش الوزير و جموع المنتفق. و حينئذ صف الوزير الصفوف و حشدها و أعدها للقاء. و عين لكل وزير ممن كان معه موقفه و قابل بينهم و بين عدوهم … فأكمل تعيينه كما اراد ثم شرع في سد النهر.
و كان جمع الأمير مغامس يبلغ نحو مائة ألف أو يزيدون. انتشروا في الصحاري و المواطن المجاورة.
إن عشائر المنتفق لا تتجاوز العشرة آلاف إلا أن النجدات توالت إليهم من كل صوب فبلغت جموعهم الكثرة الزائدة. جاءهم المدد من بغداد و من الاحساء و الحويزة و ممن انتصر لهم الشيخ سلمان الخزعلي.
كان مقيما عندهم من أمد بعيد، و التحق بهم كل من آل سراج، و زبيد، و بني خالد، و غزية، و ميّاح، و شمر … ملأوا تلك السهول، و انتشروا في ساحات البر … و كل واحد منهم مدجج
بسلاحه.
و في هذه الأثناء تقارب الفريقان و صار يتجاول الفرسان فيمضي الواحد و الواحد فتارة يكون الغلب في جهة، و طورا في أخري. و كانت ساحة الحرب ميدانا للابطال و الشجعان …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 207
و لم تمض مدة علي هذه الحالة حتي اشتبكت الجموع و بطلت الرماح و صار الحكم للسيوف و الخناجر … و لم يتبين الغالب من المغلوب، دام الحال علي هذا المنوال حتي ظهر الانكسار في جموع العرب بعد أن أبلي الفريقان البلاء الحسن.
دامت الحرب إلي 19 شهر رمضان. لم تكن حاسمة و إن انكسار جهة لا يعني انكسار الكل فكان من رأي الوزير إنهاء الحرب و أن التطاول فيها مذموم فحرك همة الجيش و هاجم بالكل و تقدم أمام جموعه و أغار علي العربان فألجأهم إلي قراهم فهزمهم. توالت المغلوبيات عليهم إلي سبع مرات و حينئذ و في المرة الأخيرة تداخل بعضهم في بعض و صارت المضاربة بالسيوف و الخناجر …
و كان الشيخ تركي شيخ الاجود سقط في المعركة. و كان يلازم الشيخ مغامسا و هو أشد منه كان جبارا قاهرا. فلما رآه الشيخ مغامس سقط صاح واه عليك! فاستولي عليه الخوف فاضطر إلي الفرار و الهرب.
فكان (تركي) شوكتهم. و بموته خذل الكل. و فروا جميعا. هلك في هذه المعمعة نحو العشرة آلاف بقيت أشلاؤهم مطروحة في ساحة القتال …
و لم يلتفت الباقون وراءهم من شدة ما أصابهم … و حينئذ أنعم الوزير علي الغالبين و كان يبذل الذهب و الفضة لكل من يأتيه برأس أو قلب. لم يراع اقتصادا أو تقتيرا …
بقي الوزير في موقعه ثلاثة أيام. و في اليوم الرابع مضي إلي البصرة … فدخلها
في نهاية شهر الصيام. و أرخ ذلك صاحب گلشن خلفا ب (غزاي مبين) أي سنة 1120 ه. و في اليوم التالي احتفل بالعيد و اتخذت الأفراح. دام ذلك ثلاثة أيام بعد أن كان الجيش قضي ثلاثة أشهر كاملة لم ير في خلالها راحة و حدث عن سهر الوزير و لا حرج … !!
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 208
و في ثالث العيد دعا الوزير شيوخ الجزائر. و طيّب خاطرهم، و أكرم الجميع من الوزراء و غيرهم حسب درجاتهم … و عين لكل مكانته و رتبته … و أكد عليهم لزوم الطاعة …
دام في ذلك المكان ستة أيام. ثم ذهب لزيارة الإمامين طلحة و الزبير (رض) ثم عاد إلي الفيلق و من هناك قصد بغداد بعد أن تيقن أن قد تأسس النظام علي الوجه المطلوب، و حينئذ استقر والي البصرة في منصبه و اشتغل في مهام أموره. و أن الأهلين فيها أثنوا علي الوزير و لهجوا بذكره فحصلوا علي الراحة من عناء الثورات و الاضطرابات …
مضي الوزير إلي الجزائر بجيوشه. أراد أن يؤمن الحالة بالقضاء علي بعض الغوائل يوقع ببعض من هو مظنة فتنة، و لكنهم لم يجدوا من كانوا يأملون العثور عليه و أصابهم في الطريق تعب شديد بسبب و عورة المسالك.
و في غرة ذي القعدة وصلوا إلي (جفتاية) قرب الهور. و في اليوم التالي مروا (ببني حسن) و كان شيخهم (عباسا) و هو امرؤ طاعن في السن و شجاع لا يجاري ثم وصلوا إلي الحلة. استراحوا فيها ليلة ثم ساروا نحو بغداد.
و حينئذ استقبلهم القوم و بينهم (يوسف عزيز المولوي) صاحب تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). وصل إليها في أواخر ذي القعدة لسنة
1120 ه.
و في مجموعة عندي رأيت قصيدة طويلة ناقصة من أولها يثني
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 209
صاحبها عزيز المولوي علي الوزير لما قام به. و هذه غير ما جاء في (قويم الفرج بعد الشدة). استعرض و قائعه و ما أحدث من نظام، ثم مضي إلي وقائع البصرة و ذكر التغلب عليها.
و بعدها جاءت في هذه المجموعة قصيدة عامية بدوية ذكر فيها وقائعه مع البصرة و تعرض لذكر العبيد و العزة و الغرير مع الشبيب و أوضح عن اليزيدية في سنجار، و ربيعة و الخزاعل و دعا الوزير ب (أخو فاطمة).
و لعله ذكر ذلك بمناسبة حرب البصرة. أورد عنها و عن زبيد …
و نري من مجري هذه الحادثة أن العشائر كانت متذمرة من إدارة الحكومة و كذا الأهلون. تجمعوا عليها من كل صوب و قاتلوا قتالا عنيفا.
و لكن في مثل هذه المواطن يعوزهم النظام و التدريب … و هذا سبب الخذلان، و لو كانت هذه الحرب نجحت لصالحهم لا ستقلوا من ذلك الحين و لأخفق سعي الدولة و لما بقي لها أمل في كل العراق. و ما ذلك إلا أنها لا تريد التحول عن سياسة واحدة مع كل الأقوام. و هذا أحد أسباب الفشل و إن التغلب لم يثن العزم. و دامت الوقائع مستمرة و متوالية.
قارعهم العرب بعدها مقارعات و بيلة، رأوا العطب منهم و صاروا يخافون من ظل العربي و خياله و من عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة و سبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات و مقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر و أكثر.
و لا ينكر أن أكابر السلاطين أسسوا لهم ملكا عظيما، و
سيطروا علي البلاد سيطرة لا مثيل لها، و لا يزالون إلي أمد قريب يعيشون بتلك النعمة و في كل هذه يجادل العربي عن استقلاله و القوي الفائقة لم تفل من عزمه، و لا فترت من حبه لوطنه … و المصيبة أن نري مؤرخينا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 210
المتزلفين للحكومة يعدون هذا غائلة، أو فتنة، أو خيانة، أو ثورة …
و في كل هذه لم يحذروا الحكومة من سوء العاقبة لتحسن سلوكها. بل مدحوها بقصائد و قووا عزمها للوقيعة بالعشائر … فكانت نفوسهم ذليلة و خضوعهم بالغا حده. و التاريخ سجل ما هنالك. و غالب ما يعزي ذلك إلي سوء ادارة الموظفين و إلا فأصل الدولة لا تقصد الاضرار.
إن حكم المنتفق علي البصرة لم يكن عشائريا. و إنما كان هناك قاضي شرع. و إن من بقايا أعمال الأمير مغامس المدرسة المغامسية منسوبة إليه. و لا نعرف عنها تفصيلا أكثر من أنها كانت في أقاصي البصرة أسست لتدريس العلوم و إطعام الطعام للطلاب. و لما اندرست آلت موقوفاتها إلي المدرسة الحللية من تأسيس أحد آل المفتي من الحلليين بحكم من قاضي البصرة في 8 ذي الحجة سنة 1244 ه (كتاب المعاهد الخيرية).
إن الوزير بعد أن انتصر في البصرة و أعاد لها النظام علي نصابه، و رأي أحوال الجزائر و رتبها عاد إلي الزوراء و لكن عشيرة زبيد كانت في غيبة الوزير أخذت تعكر صفو الأمن. سمع بذلك فلم يعرهم اهتمامه و إنما أخرهم لوقت آخر و أضمر لشيخهم عبد القادر الغيظ و الوقيعة.
قالوا: و هذا الشيخ لا يكاد يوازيه أحد في دهائه. كان نبيها متيقظا، لم يطع الحكومة و لم يناوئها بصراحة. فتراه لا يجسر أن يقوم.
و إنما يحرك العشائر الأخري و يغريها في حين أنه يبدي للولاة الانقياد و الطاعة و الخدمة … و كان يداريهم و لكنه يترقب الفرص. اطلع الوزير علي دخائله. سامحه مرات و عفا عن كثير من أعماله إلا أنه رأي منه تعندا و طغيانا …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 211
و من ثم ركن إلي طريقة حكيمة فأعلن (النفير) إلي العشار فارتاب الشيخ من ذلك و لكن الوزير طير إليه الخبر و دعاه طالبا منه النجدة فورد إليه و ذهب الوزير معه مسيرة مرحلة واحدة و حينئذ ألقي القبض عليه و علي من معه و هم نحو مائتي فارس أو ثلاثمائة فشد و ثاقهم ثم أمر
بقتلهم لاعتقاده أنهم مضرون لا يمكن اصلاحهم فأباد أكابر رجالهم.
برّر مؤرخونا أمر الغدر بالشيخ عبد القادر بكل ما أوتوا من بيان و لم يذكروا ما يؤيد ذلك و جلّ ما قالوا إنه يتحرك بالخفاء و يغري غيره.
و إن جاز الغدر في السياسة فإنه ينبي ء عن ضعف و ما نسب إلي الشيخ عبد القادر لا يستوجب قتله و لو جوّز قتله فما الداعي لقتل أعوانه الأبرياء! فهذه السياسة غير رشيدة. أفهمت العرب أن يحترسوا من الحكومة و لا يطيعوا أمرها لأنها تقتل كل من أطاع … و هذا ما جعل التنافر بين العشائر و الحكومة و بذلك زال التفاهم و الاطمئنان المتقابل و ماشي المؤرخون فكرة الحكومة بالرغم من خطلها. و كذا يقال عن التنديد بالعرب و إنهم مجبولون علي الظلم و الاعتداء … هذا و القلم بأيديهم يسطر ما شاؤوا من ذم للعرب و مدح لعمل الوزير بلا مبرّر …
و هذه الحادثة لم يذكرها بعض المؤرخين لما فيها من الغدر بما لا يقبل العذر، فأضربوا عن ذكرها خوف الفضيحة و سوء السمعة.
بعد أن دمر الوزير عشائر زبيد عاد إلي بغداد. و لم تمض أيام حتي جاءه أمير قشعم شبيب يشكو حال غزيّة و يقول إنهم اتفقوا مع شيخ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 212
المنتفق مغامس و تعاهدوا فيما بينهم. و لما انكسر الشيخ مغامس صار يتجوّل ذهب إلي الاحساء مرة و إلي الحويزة أخري. يحاول تجديد العهود مع العشائر و لم يجد من يوافقه إلا غزية. جدد العهد معها علي أن لا يأتيه شر منها و تعهدت بسد هذه الثلمة أو الثغرة من الشامية …
و حينئذ هاجم حسكة فانتهب بيادرها … و نهب
(الرماحية) و سائر انحائها و أحرق الزروع أيام الصيف.
أخبر الوزير بكل ذلك و قيل له إذا داموا علي هذا تطاير شررهم و تعسر القضاء علي الفتن …
تحقق الوزير صحة هذه الأخبار كما حكاها أمير قشعم إلا أنه أخّر سفرته أياما ريثما تتم الزروع خشية أن تنتهب … و الصحيح أنه كتب إلي دولته فأرسلت إليه مرة أخري والي ديار بكر، و والي كركوك بكهياتهم و بجنود غير قليلة. و كذا والي الموصل و والي ديار الكرد جعلا تحت أمره فوردت الجنود تتري … و من ثم غزاهم إذ إنهم نقضوا العهد فوصل إلي الحلة و كان خروجه من بغداد في نهاية شهر رجب. ثم سمع أن القوم تشتتوا حينما علموا بالتأهب عليهم فسكن قسم منهم (الاخيضر) و القسم الآخر أقام في (دبلة). و حينئذ أرسل الوزير شبيبا (أمير قشعم) مع أربعة آلاف فارس. أمره عليهم ليذهبوا إلي حدود شفاثة، و ذهب الوزير إلي جهة (دبلة). و لما وصل إليها لم يجد للقوم أثرا. وردت بلفظ (وبلة).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 213
و في هذه الأثناء بدر له أن يميل إلي حسكة. و هناك كان الشيخ إسماعيل في بني مالك. و من صدق لهجته علم الخبر و تيقن أن أصل هذه الفتنة الشيخ مغامس، و أنه حدث بينه و بين المنتفق خلاف …
و علي هذا توجه من هناك و قصد منازلهم فوصل إلي محل (شوكة) جاءه البريد من المنتفق و فيه عرائض قدمت إليه من الشيخ ناصر أمير المنتفق فحواها:
إننا ضجرنا من شيخنا مغامس لما قام به من ظلم و ليس لنا رضا بأعماله، أنقدنا منه. و أمدنا بعنايتك … !
و أبدوا أحواله واحدة فواحدة
و رجوا أن ينهي الأمر و طلبوا أن يسرع لإمدادهم، و هم لا يزالون في حرب معه. فكان جواب الوزير:
أتيناكم أبشروا بخير، جئناكم بسرعة الريح. إنكم في حمانا فاطمئنوا و أيقنوا بالنصر.
كتب ذلك مختصرا و بعث به مع من جاء بالكتب. أراد أن يقرب لجهته قسما منهم. و رحل بسرعة يقطع المنزلين ليمد الشيخ ناصرا من أمراء المنتفق و لم يمض إلا القليل حتي وجده و معه قليل من الفرسان حضروا و عرضوا الطاعة. خلع الوزير عليه و أكرمه و عرف منه أن الشيخ مغامسا فرّ مع عشيرة عبودة. و أن العشائر التابعة له قليلة جدا.
و حينئذ ركب الوزير السفن و عبر الفرات ليعقب أثر الفارين، أرخي العنان نحو الجوازر فوصل (أبو مهفة) الموقع المعروف فبات ليلته بقربه. و كان الشيخ مغامس تحصن فيه هو و من معه من (ربيعة) و (ميّاح) و جماعة من المنتفق أيضا. و يعد الكل بخمسين ألفا أو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 214
ستين. تأهب الفريقان للحرب و استعدوا للقتال و لكنهم قبل الشروع في المعركة تركوا أموالهم و أولادهم، و تفرقوا في بعض الأنهر المندرسة (العتقان) في تلك الأنحاء فلما عبر الوزير بجيشه لم يجد لهم خبرا بالرغم من تتبع آثارهم. حاول أن يلحق بهم فلم يفلح.
أما مغامس فلم يطب له المقام في كل الأصقاع فذهب إلي الحويزة فنظم الوزير الأمور خلال سبعة عشر يوما أقامها في تلك الديار. و حينئذ وصل الشيخ شبيب أيضا فنال إكرام الوزير و لطفه. ذهب إلي شفاثة (شفاثا) فعقب الفارين و استولي علي إبلهم و أموالهم و نجوا بأنفسهم فنال من الوزير خلعا فاخرة و كذا الرؤساء الآخرون أنعم علي كل منهم
بإنعام يليق به و علي ابن الشيخ شبيب و قدر سعيهم.
قالوا: «و إن آل قشعم من أهل النسب العريق بين العشائر. و إن رئيسهم صادق اللهجة و له خدمات تذكر له فهو منقاد لأوامر الحكومة.
و لذا عادته العشائر حتي أنهم نهبوا بيته مرات. و حاولوا إهانته فاستحق من الوزير كل رعاية … ».
كان علي المرام. قام بكل ما فوض إليه من المهام حبا في الاطماع و الرئاسة …
ثم عين الوزير ضابطا لناحية (الجوازر) و رجع. و لما وصل إلي شريعة (ابو عمّار) هل شهر الصيام فقطع المراحل بلا توقف. و في اليوم السابع وصل إلي بغداد.
و حين وصول الوزير أخبر دولته بما تم علي يده فجاءه الجواب بالشكر لسعيه و أن تكون ولاية البصرة تحت تفويضه. يعين من يراه لائقا لإدارتها أرسل إليه منشور الولاية بلا تعيين اسم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 215
أما الوزير فقد نصب صهره و كتخداه مصطفي آغا. و كان ممتازا في خدماته. قال له: انظر في هذا الأمر. و حرر المنشور باسمه و سلمه إليه.
و في 22 ذي القعدة ألبسه الخلعة و كرك السمّور و عظمه بما يليق و أرسل المتسلم إلي (البصرة) ثم ذهب بعد أن رتب حجابه و أعوانه و سائر موظفيه و ذهب إلي دار حكومته. قال في الحديقة: كان تعيينه في ذي القعدة من سنة 1122 ه و الصحيح ما قدمنا.
و في عمدة البيان حدثت في هذه الأثناء أمراض طاعون في البصرة.
إن الكتخدا وصل إلي البصرة فوجد أن بعض العشائر في الجوازر نقضت العهد و عصت فأخبر الوزير بذلك فركب عليهم و دمرهم. و أبقي بعض العساكر في البصرة و عاد ظافرا. لجأ العصاة إلي الأهوار فاستولي علي أموالهم و مواشيهم و عاد …
و مصطفي باشا لم تطل مدته في هذا المنصب و إنما خلفه (قوجه حسن باشا).
و لعل هذه الوقعة متداخلة في حوادث بني لام الآتية.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 216
ثم عصت بعض العشائر في أنحاء (الحي) فعزم الوزير علي السفر إليهم. و هذه العشائر (ربيعة) و (ميّاح) و كانوا من مناصري الشيخ مغامس في وقعة المنتفق. و كان شيخ شيوخهم (خلفا). ثم جاء إلي الوزير يشكو الحالة. فجهز الوزير جيشا عليهم.
مضي الوزير من ديالي فورد سلمان الفارسي (رض). و لما وصل تجاه (أم الغزلان) أمر كتخدا الحجاب يوسف آغا أن يعبر دجلة بألفين من جنده و ذهب مع الشيخ المزبور فمضوا في طريقهم …
أما الوزير فإنه سار علي طريقه حتي وصل إلي العمارة فساق جيوشه نحو (آل ازيرك) عبر شط العمارة و منه مضي إلي شط زكية فأغار علي منزل فمنزل حتي وصل إلي قرب هور (أبي غرافة). و حينئذ لمح ثوار العشيرة فلم يمهلهم. أعمل السيف فيهم و اغتنم كافة مواشيهم و عفا عن الأولاد و الأهل.
ثم إن الوزير سدّ (گرمة حتيرش). و رأي أنه يجب أن يسد شط الحي (الغراف). باشر العمل فردمه ردما محكما. فجعل الثوار في شغل شاغل.
ثم رأي المصلحة أن يعود إلي جانب العمارة. و هناك بقي بضعة أيام للاهتمام بأمر بني لام. فأرسل (خط الأمان) إلي شيخهم عبد العال بعثه مع أحد آغواته و مكث أياما أطاعته خلالها بعض العشائر.
و حينئذ شاور أهل الخبرة العسكرية عن الوضع و حقيقته فأبدوا لزوم سدّ (شط العمارة) فإذا لم يسد فلا يتمكن من ضبط العشائر و لذا يجب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 217
أن يمر دجلة من زكية ليذهب إلي الجوازر لأن شط العمارة (خليج العمارة) لم يكن له أصل قديم. فاضطر إلي سدّه في 5 شهر رمضان سنة 1122 ه و استمر العمل 53 يوما حتي أتمه. بذل
اهتماما زائدا و صرف مبالغ طائلة.
و لما عاد إلي بغداد فاضت مياه دجلة فحصلت ثلمة في الجانب الغربي من هذا السد فتخرب و عادت المياه إلي مجراها الأول، فلم تفد هذه التدابير. و هي دليل العجز.
عاد بنو لام إلي العصيان. أغاروا علي انحاء نهر خريسان، فنهبوا و دمروا، فكانت أضرارهم بليغة. و في هذه السنة جهز عليهم الوزير جيشا. و تعقب أثرهم ففروا من وجهه إلي ايران حتي وصلوا إلي الحويزة و التجأوا إلي أميرها المولي عبد اللّه.
و لما قرب الوزير من أرض الحويزة أرسل بعض آغواته بصفة رسول إلي العجم فطلب من أميرها أن تسلم إليه عشيرة بني لام و عند ذلك أبدي أنه التجأ إليه، و أنه يعيد المنهوبات إلا أنه ماطل في ذلك فكان هذا خدعة منه. و قدم إلي الوزير بعض الهدايا، فلم يقبلها و كتب أمير الحويزة إلي الشاه بأن العثمانيين تجاوزوا و كان الشاه قد علم حقيقة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 218
الأمر فأقصاه عن منصبه، فمال إلي شيخ بني لام، فلقي هناك من البؤس ما لا يوصف ثم عفا عنه. و عشيرة بني لام من طيي ء.
ذكر صاحب الحديقة أن حرب الوزير لهذه العشيرة كانت عام 1124 ه. و في گلشن خلفا أنها كانت سنة 1126 ه و لكن صاحب قويم الفرج أورد أنها حدثت عام 1123 ه و لما كان أقدم المصادر و أوسعها بحثا رجحنا قوله. أوردنا تفصيلات عن أصلها و فروعها في (عشائر العراق- الكردية).
و الملحوظ أن حكومة العراق اتخذت ضعف بابان وسيلة للتدخل، فناصرتهم و قضت علي بلباس. و من هذا التاريخ قوي أمر بابان و صار بازدياد و ضعفت عشائر بلباس … و كانت تفحصت الحالة من أهل كركوك فتدخلت و ناصرت بابان.
في هذه السنة نصب الوزير عثمان باشا واليا علي البصرة بعد أن قمع الوزير حسن باشا كل عصيان أو ثورة ظهرت فيها. ذهب إليها فوجدها آمنة مطمئنة. و علي ما قال صاحب (الحديقة) في معرض مدح الوزير إنه تركها جسدا بلا روح …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 219
قالوا: في هذه السنة أطاعت العربان كافة و تركت كل فتنة و لكن البو ناصر و المليك ثاروا و سلكوا طريق الشرور فأدبهم الوزير. صاروا عبرة لغيرهم فانتهب أموالهم و فرق شملهم …
و في هذه الأثناء هاجم الجراد فأضر بالبلاد كثيرا، فولد غلاء فكانت مصيبة الناس فادحة و خساراتهم عظيمة فبلغ سعر وزنة الحنطة سبعة دراهم. أما الوزير فقد تمكن من المحافظة علي هذا السعر بسبب ما قدمه للناس من حبوب باعها بخمسة دراهم بدل السبعة … فالتزمت الوقوف و لم تحصل زيادة … فخفّفت عن الناس و في آخر هذه السنة لم يبق أثر للجراد.
و في شهر رمضان ظهرت فتنة بلباس. تجاوزوا حدود العجم فحصل بينهم و بين الايرانيين قتال. خربوا قري العجم فأخبر الوزير بواقع الحال فعين كتخداه لمعرفة الأمر … و هذا الكتخدا كان مقتدرا مستعدا و هو صهر الوزير.
فلما وصل إلي هنا أوقع الرعب في القلوب. فعلم جلية الأمر.
وجد أن أصل الفتنة من بلباس و لكن العجم لم يكونوا خالين من تقصير فقضي علي الفتنة و زجر بلباس و لامهم لوما عنيفا. و حينئذ عرض الأمر بتفاصيله علي الوزير.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 220
و علي هذا أمر بترحيلهم لرفع الكدورة و عجل بإنهاء ذلك وفق المراد …
وجه في هذه السنة منصب البصرة إلي الوزير حسن باشا فمرّ ببغداد و لم يتعرض لما جري علي الوزير السابق.
مضي الشتاء ببرد شديد. صار البرد قارسا و الهواء زمهريرا و لذا رأي الوزير أن لا يخرج من بغداد خشية أن يضر بالجنود. و لكن التجارب قضت بأن الحكومة إذا سكنت يثور أهل الشغب. و لذا اقتضي ترقب الأحوال حذرا من وقوع حوادث … أبدي عزمه في زيارة الإمام الحسين (رض) فذهب وزار. خيّم خارج البلد مدة يومين. ثم توجه إلي زيارة الإمام علي (رض). و في هذه المرة جدد صندوق ضريحه. و لما تم حضر القاضي و المفتي و النقيب. فأجري الاحتفال المهيب و رفع الصندوق العتيق فوضع مكانه الجديد فغطاه بالستار. و وضع له (يوسف عزيز المولوي) صاحب قويم تاريخا باللغة التركية و كان في جملة من حضر الاحتفال. جاء في كتاب (ماضي النجف و حاضره) أن هذا الصندوق كان من الساج المطعم بالعاج إلا أنه يبين أن هذا الصندوق قديم. جرت عليه اصلاحات عديدة منها ما كان في هذه السنة. و الحال أن النص المنقول عن قويم الفرج يعين أن الوزير حسن باشا هو الذي عمله. و ممن أرخه الحاج محمد جواد بن عواد. و فيه إشارة إلي أنه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 221
جدده الوالي و لم يقل أصلحه بل الشعر يشير إلي أنه من عمله. ثم عاد إلي بغداد. استراح بضعة أيام خارج البلد. فعزم علي زيارة الإمامين الحسن العسكري و علي الهادي (رض). و في هذه المرة أوجد الرهبة في قلوب تلك الانحاء … تجول ثم عاد. و من ثم ذهب البرد و أقبل فصل الربيع …
في فصل الربيع نظم المولوي صاحب قويم الفرج (بهارية) تركية في مدح الوزير قدمها إليه و هو في بستانه الذي كان
عمره سنة 1121 ه.
كان تاريخها (باغ حسن). و فيه تورية (بستان حسن) أو بستان الوزير حسن باشا.
و هذه البهارية راقت للوزير. و علي هذا و نظرا للاستحسان كتب تاريخه (قويم الفرج بعد الشدة) بعد هذا التاريخ …
ثم ختم كتابه بها. وصف الربيع و البستان و خصائل الممدوح و دعا له و لابنه احمد بك. ثم قدمه بعريضة منظومة في بيتين و أنهي المقال.
و للّه دره من أديب اشتهر شعره في بلاد الترك فكان يعد من أدبائهم و من المؤسف أن لا يشيروا إلي كتابه قويم الفرج و هو من أجل الآثار التاريخية لهذا العصر في قطرنا. و إن صاحب الحديقة كان ينقل منه حرفيا و يختصر أحيانا و يحيل إليه أخري و سماه (المؤرخ المولوي).
وقف قلم صاحب قويم الفرج عند هذا. و توفي سنة 1153 ه و أما المصادر التاريخية عن الوقائع التالية فإنها في الغالب تعوّل علي گلشن خلفا، و الحديقة و سائر المراجع المعاصرة و التواريخ الرسمية. و في هذا العهد تكاثر المؤرخون منا. دونوا ما أمكن. وصل إلينا منها ما تمكنا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 222
من العثور عليه مما يوضح في محله.
هذا ثم حصلت علي مجموعة خطية فيها قصائد عديدة عربية و تركية و غالب التركيات من نظم يوسف عزيز المولوي أكمل بها وقائع الوزير حسن باشا إلا أن حوادثها لم تتجاوز سنة 1130 ع. و منها علمنا ضبط التاريخ في الشعر.
ثم شق عصا الطاعة أمير لواء ببه (بابان) و هو (مير بكر) علي ولاة شهرزور و استولي علي ما حوله من البلدان و الأهلين. قتل جملة من الأبرياء من أقاربه و فيهم الأطفال و الصبيان فلم يأمن أحد
علي ما بيده و لا علي نفسه و ماله فدعت الضرورة إلي لزوم انقاذ الناس من شره. قام الوزير عليه ليردعه من أمثال هذه الفعلات الجائرة. و لما كان في أماكن جبلية، صعبة المنال، شاهقة لا يتيسر الوصول إليها.
أو اجتياز عقباتها … تأهب للمقاومة. أما الوالي فإنه لم يبال بكل هذه الصعاب و تقدم إليه غير مكترث بالأخطار و الأهوال و لا العقبات غير ناظر إلي كثرة أعوانه فقابلهم و حاربهم فكان النصر حليف الوزير فلم تمنعهم القوة و لا خطورة المواقع فكانت النتيجة أن تشتت شملهم و صار أكثرهم طعم السيوف ففر الثائر. حاول انقاذ حياته دون أن يتولي أمر الحرب …
و نصب الوزير أميرا غيره و عاد منصورا و من غريب أمر هذا أنه بدل قيافته و جاء إلي أطراف بغداد متنكرا فعرف فألقي القبض عليه من جنود الوزير فأمر الوزير بقتله في بغداد فقتل. و الظاهر أنه حاول الدخالة علي الوزير و طلب العفو فعرف قبل أن يقدم الدخالة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 223
ثم جمع أمير الحويزة المولي عبد اللّه رجاله و جنوده الوافرة و أمير (الفيلية). قصدوا غزو بني لام. فلما سمعوا تحصنوا بجزيرة الجوازر.
خافوا أن يوقع بهم. فأخبروا الوزير بما جري. يطلبون تخليصهم من صولة هؤلاء و تأمين القري. فأمر الوزير عساكره في تلك الأنحاء أن يمدوا بني لام و يعاضدوهم. إذ لم يظهر منهم في هذه المرة تعدّ.
و حينئذ حصل لبني لام الفرح من نصرة الجيوش. قوي عزمهم و اشتدوا علي المقاومة. و لما جاء العجم و بارزوهم لم يلبثوا إلا قليلا حتي هربوا فكثر فيهم القتل و لم يسلم منهم إلا القليل. تركوا خيامهم و
فروا. فاغتنمت الجنود أموالهم و أثقالهم و انتهت الوقعة بخذلان أمير الحويزة.
ثم هاجم الوزير اليزيدية في سنجار. و كانوا في ذروة منه يقال لها (دير العاصي). و بعد أن جرت حرب عظيمة فروا إلي الخاتونية و هناك تحاربوا، فلم تنجع الوسائل و لم يروا بدا من التسليم. و قتل منهم ديللو، و مندو و عباس أخو مندو، و خركي، وسواس من مشاهير رجالهم.
خرج الوزير في 28 من ربيع الآخر من بغداد، و وصل إلي انحاء سنجار في 17 رجب و فوض أمرهم إلي رئيس طيي ء محمد الذياب و التفصيل في (تاريخ اليزيدية).
و جاء مدح الوزير في قصيدة تركية مؤرخة في سنة 1127 ه. و فيها يقول أزلت من البين اسم أهل الشقاء و قطعت دابر اليزيدية الكفرة فلك الأجر فيما قمت به من صولة لم يسبقك إلي مثلها سابق …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 224
و هناك قصيدة أخري ذكر فيها جبل سنجار و هي طويلة من نظم يوسف عزيز المولوي. و أخري كذلك.
في هذه السنة عمر الوزير طارمة الحضرة الحسينية. و مدحه يوسف عزيز المولوي بقصيدة.
أنعمت الدولة علي أحمد باشا ابن الوزير حسن باشا بإيالة شهرزور فقام بأعبائها. و هذا أول منصب عهد به إليه، و في السنة التالية ولي البصرة.
أرسل الوزير مددا لدولته بناء علي طلب منها خمسمائة من فرسان الأكراد مع كتخداه و صهره عبد الرحمن آغا لحرب النمسة ثم عاد. و من ثم أنعمت عليه الدولة بإيالة شهرزور فوافاها و باشر إدارتها.
و من مآثر هذا الوزير أنه أمر ببناء مسناة لجسر بغداد، فتمت و أن الحاج محمد جواد عواد مدح الوالي عليها في قصيدة أوردها في ديوانه. و جاء في كلشن خلفا أنها بنيت سنة 1129 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 225
و في قصيدة أخري من مجموعة مخطوطة جاء ما يؤيد أنها بنيت سنة 1128 ه.
و في قصيدة تركية جاء التاريخ سنة 1127 ه. و الظاهر أن الشروع بالبناء كان في هذا التاريخ.
و الملحوظ أن الجسر قد بدأ فتحه في تاريخ المسناة أو قبل ذلك بقليل و اتخذ الطريق من المستنصرية فهدمت بعض نواحيها و جعلت طريقا و إلا فلم يكن الطريق من هناك و إنما كان من تجاه قلعة الطيور في جهة القلعة قرب النجيبية (المستشفي الملكي) اليوم.
هاجمت علي حين غفلة أنحاء بغداد فقتلت عثمان بك أمير باجلان مع اثنين من اتباعه. و نهبت الأموال فلما سمع الوزير عزم علي التنكيل بها فلم تستطع المقاومة و لكنه عقبها عدة منازل فلم يظفر بها. تحصنت بالجبال المنيعة. و لذا عاد الوزير و كتب إلي دولة ايران بما جري.
و حينئذ غضبت علي موظفيها و عزلتهم علي تهاونهم في ضبط هذه العشيرة و أعطت دية المقتولين.
عرفت من أيام السلطان مراد الرابع، بل قبله، و قبل دخول العثمانيين العراق وردت في تاريخ الغياثي. و في هذه المرة عمرها الوزير حسن باشا سنة 1129 ه. و تقع في طريق كركوك- الموصل. فهي مهمة من الوجهة العسكرية، و من جهة أنها علي الطريق العام. طلب من دولته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 226
أن تساعد في أمر عمارتها، فوافقت. و كان يتعسر اجتيازها. و تقع علي نهر الذهب (آلتون صويي) فقام الوزير بالمهمة، و نصب لها محافظا فصارت هذه القنطرة محكمة و متينة. و الزاب يظهر أن أصله الذهب فلحقه التصرف باللفظ. و سمي نهر الذهب و قنطرته عرفت به. و منهم من يقول إن أصل اسمه (زي) و زي آب أو زاب تعني نهر زي بالكردية.
و زي بار أو زنيبار العشيرة التي تسكن جانبا منه إلا أن التسمية ب (آلتون صويي) و (آلتون كوبري) ترجمة نهر الذهب و قنطرته و كان قديما يقال له (نهر الذهب).
رأي الوزير في طريقه قناطر أخري مهدمة منها قنطرة علي (نهر چمن)، و أخري علي (نهر نارين). و قنطرة علي (چوبين). فأمر ببناء هذه القناطر من صخور، و جعل نفقاتها من كيسه الخاص. و بذلك سهل طريق المرور.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 227
إن شيخ بني لام عبد العال عاد إلي ما هو عليه فاتفق مع أمير الحويزة، فعاث بالأمن و نهب سفن التجار. و لذا أرسل الوزير كتخداه عليهم فدخلوا أراضي الحويزة و كان أميرها المولي عبد اللّه و في هذه المرة ساعد الجيش في الدخول فتحارب مع بني لام، فانتصر عليهم بعد أن عبر (نهر الكرخة) حتي وصل إلي قرب نهر كارون فدامت الحرب ساعات و من ثم انكسر بنو لام. و تركوا ما معهم و هربوا. ففرح الوزير بهذا و ألبس كتخداه خلعة.
تمّ تاريخ گلشن خلفا المدون باللغة التركية في حوادث هذه السنة.
و يعد من تواريخ أيام هذا الوزير. بينا عن حياة مؤلفه و كتبه التاريخية في مجلة لغة العرب. و هنا أقول: إن هذا المؤرخ أكمل تاريخه عام 1100 ه. كتبه باسم الوزير عمر باشا و ختمه إلا أنه بعد ذلك لم تنقطع يده منه، و صار يدوّن ما كان يجري في أيامه مستمرا في عمله. زاد عليه و أكمله في سنة 1129 ه و ختمه في نهايتها بذكر مناقب هذا الوزير.
و لكنه استمر بعدها أيضا فذكر في عام 1130 ه وقعة بني لام المارة الذكر و وقف عندها بعد أن مضت مدة ثلاثين سنة علي تقديمه إلي عمر باشا، فجاء بما يهم من الوقائع. و لا شك أن وقائعه من أواخر المائة الحادية عشرة إلي هذا التاريخ تعد من الوقائع المعاصرة و الجمع بينه و بين تاريخ الغرابي أدي إلي أن تكمل وقائع بغداد بل العراق إلا أن التفصيل في قويم الفرج زائد جدا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 228
أوضحت عنه في كتاب (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني).
و كتابه گلشن خلفا طبع
في مطبعة إبراهيم متفرقة باستنبول في غرة صفر سنة 1143 ه. فكان من أوائل مطبوعات هذه المطبعة و هي أول مطبعة في المملكة التركية. و عندي نسخة مخطوطة قديمة منه. إلا أنها غير مؤرخة.
هذا، و إن صاحب الحديقة أخذ عن گلشن خلفا لما جاء بعد قويم. ذكر مناقب الوزير و حادث بني لام منه.
حدث خلاف بين بني لام بعضهم مع بعض فتقاتلوا و أدي ذلك إلي وقائع مؤلمة. فلما وصل الوزير إليهم وجد أن شيخهم (فارسا) لم يتمكن من الإدارة فعزله و نصب الشيخ عبد السيد من بيت الرئاسة ثم رتب أمورهم و قفل راجعا إلي بغداد.
ثم أرسل والي كركوك أميرا علي بعض الجنود إلي بلباس تجرأوا علي الناس فأوقفهم الوالي عند حدهم و أخمد غائلتهم و شتت شملهم فعاد الجيش ظافرا.
كان تغلب بكر بك من أكراد (لواء ببه) أي بابان علي بعض المواطن فصارت له الشوكة و الصولة … فركب إليه الوزير بعساكره و أمرائه فأباد جمعه و خرب ربعه و قضي علي ثورته …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 229
غزا الوالي الصاجلية و هم فرقة من اليزيدية فقتل الرجال و أسر العيال و اغتنم الأموال و رجع. و لعل هذه الوقعة دعت إلي انقراضهم في حين أن أوليا چلبي ذكر الشي ء الكثير عنهم. و اليوم ليست معروفة بهذا الاسم.
دخل الشيخ سلمان الخزعلي بغداد خفية و كان هرب إلي بلاد العجم. جاء إلي الوزير مبديا العذر و طلب أن يعفي عنه فقبل الوزير معذرته و عفا عنه فبقي في أحسن حال …
قدم شيخ بني لام عبد العال إلي بغداد لما ضجر من حالته في البوادي. واجه الوزير فعفا عنه و لكنه رأي منه نقض العهود فلم يجعله رئيسا علي عشيرته بل جعل أخاه عبد القادر.
ثم قدم أمير الحويزة المولي عبد اللّه إلي بغداد ملتجئا إلي الوزير لما استوجب أن يعاقبه الشاه فأتي بعياله و رجاله. فآواه الوزير و تعهد بتخليصه بالشفاعة له.
كان هذا الأمير مهذبا كاملا و أديبا يحفظ دواوين المتقدمين. يأتي منها بالسحر الحلال و هو شاعر مطبوع، و أديب كامل، و عالم بالمعقول و المنقول … أورد له صاحب الحديقة من الشعر قوله:
ظبي يتيه علي الأسود بفتكه و يريك بدر التمّ عند شروقه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 230
ثملان من خمر الدلال كأنما كأس الحميّا ركبت بعروقه
يختال في حلل الشباب كأنه قوس السحاب بدا خلال شروقه
لا و الذي أولاه صعب مقادتي و أذاع علم السحر من منطوقه
ما حلت عن سنن الوداد و لم تكن نفسي بمهملة لبعض حقوقه
و من شعره:
ذكر العهد فهام و جفا الجفن المنام
و فؤاد ضاع منّي بين هاتيك الخيام
لست أنسي عهد ظبي ناعم حلو الكلام
بين لحظيه سقام و شفاء للسقام
فعليه و علي لح ظيه ما عشت السلام
و للشيخ نصر اللّه أبيات فيه و في الشيخ محمود الحويزي و في الشيخ فرج وزير المولي عبد اللّه أمير الحويزة و من ثم نعلم علاقة هؤلاء بأدباء العراق.
عمر الوزير طريق الحج الذي سنته زبيدة (زوج هارون الرشيد) فذهب الحجاج فيه و جهز معهم العسكر الكثير و رتب عشرين سقاء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 231
يسقون الحجاج الماء و يحملونه علي الجمال يتفقدون به الفقراء و يتقاضون متعيناتهم من أي وال كان في بغداد.
و في 27 شهر رمضان توفيت زوجة الوزير عائشة خاتون بنت مصطفي باشا أم أحمد باشا. دفنت في تربة السيدة زبيدة و بني لها الوزير مدرسة لطيفة أجري لها الماء و عين لها مدرسين و وظف لطلبة العلم موظفا في كل يوم و عين بعض المرتبات.
هذه التربة لم تكن لزوج هارون الرشيد و إنما تعود إلي (زبيدة بنت هارون الجويني)، و أمها رابعة بنت أحمد ابن الخليفة المستعصم باللّه.
و للعلاقة اشتهرت غلطا بأنها زوجة هارون الرشيد. و ظن المرحوم السيد محمد سعيد الراوي أنها (زمرد خاتون) فقدمت من الأدلة ما يكفي ثم ظهر ما هو منقور علي ميل الشيخ عمر السهروردي من تاريخ فانتفي أن يكون هذا الميل المماثل من أبنية العهد العباسي. و لم يلتفت إلي النصوص، و لا إلي الشهرة، و لا إلي ما تحقق من أن مثل هذه الأبنية كانت من عمل عهد المغول مع أن المراد بمدرسة زمرد خاتون (جامع الشيخ معروف) تغلب اسمه عليها و أن تاريخ المنارة ينطق بذلك. ثم عثرت علي ما يكمل المكتوب علي ميل السهروردي فذكرته في كتاب (المعاهد الخيرية) فكان من أصل البناء. كتب سنة 735 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 232
و لم يعرف دوام اسم غير اسم زبيدة و ليس لزمرد خاتون ذكر.
و إنما تغلب اسم (الشيخ معروف) عليها. و لا تزال (زبيدة) معروفة و لكن الناس و هموا بهارون الخليفة العباسي فكان غير صواب. و في اتفاق الاسم ما دعا للشبهة و أوقع في الخطأ.
في أواخر السنة الماضية وقع الطاعون و كثرت الاصابات و يعد بالألف أو أزيد يوميا و هرب أغلب الأهلين و خرج الوزير بعساكره إلي أنحاء سامراء، و استمر إلي أوائل هذه السنة هلك فيه علماء و مشاهير لا يحصون. ثم ذهب البؤس و زال المرض فعاد الناس إلي ما كانوا عليه.
و مثل هذه المصائب بدلت الأوضاع العلمية و الإدارية.
ثم إن الموالي و العباسيين في أنحاء حلب قد عصوا فأمرت الدولة ولاة عديدين للوقيعة بهم و من هؤلاء وزير بغداد حسن باشا علي أن يكون الكل تحت قيادة علي باشا مقتول زاده والي الرقة و لم تظهر لها نتيجة و في كتاب (نهر الذهب في تاريخ حلب) أن والي بغداد كان في هذه قائدا علي عسكر شهرزور و الموصل و ديار بكر، و أما علي باشا المقتول والي الرقة فإنه كان أمير عسكر حلب و قره مان فتناوشت العساكر و العربان من كل جانب فأذاقوهم أنواع المعاطب فزال خطرهم إلا أن هذا التاريخ ذكر الحادثة في وقائع سنة 1133 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 233
ظهرت سنة 1131 ه قبائل الافغان و أميرهم أويس بمظهر امارة قوية. استولت علي قندهار و غيرها، فلم يرضوا بما عندهم بل تمكنوا من مقارعة ايران فاستولوا علي أصفهان قاعدة دولة الصفويين.
و في هذه السنة و التي تليها صرفت المجهودات لحفر الخندق في بغداد و تجديده خشية أن يقع ما لا تحمد عقباه. رأت الدولة أن الافغان هاجموا بلاد ايران و استولوا علي أصفهان فخافت أن يلحق ببغداد ضرر فأمرت بالتأهب للطواري ء و أن يكون الوزير علي حذر … إلي أن تأتيه القوي الكافية …
إن الصفويين آل أمرهم إلي الزوال و إن ولاتهم و أمراءهم عتوا إلي درجة لا تطاق لا سيما في بلاد الافغان و يقال إن كوركين خان أمير قندهار من الصفويين و هو كرجي الاصل تعرّض بأخت الأمير أويس الذي هو من العشائر الرحل. دعا الأمير أويس مرة أمير قندهار لوليمة فرأي أخت أويس فأعجبته. و من ثم عمل هذا الأمير وليمة دعا فيها الرجال مع الرجال و النساء مع النساء. و بين النساء أخت الأمير أويس، فمنع أن تعود إلي أهليها فكان ذلك داعية الهياج و أدي الأمر بأويس إلي اكتساح قندهار. قتل كوركين خان و كذا نكّل بأتباعه. و حينئذ ركب الأمير أويس في تلك الساعة مع العشيرة و دخلوا قندهار و أعملوا السيف في العجم. استولوا علي المدينة سنة 1131 ه و بقي أويس فيها أميرا إلي أن مات كما أن ابن أخيه الأمير قاسم استولي علي هراة.
و في تاريخ راشد أوضح أن الأمير أويس ظهر سنة 1118 ه في أنحاء قندهار، و كان استولي علي الاطراف و قهر جيش الشاه لمرات،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص:
234
فانتزع المدينة من أميرها عبد اللّه خان الگرجي. و ضرب النقود و قرأ الخطبة باسمه. كتب علي النقود هذا البيت:
سكه زد بر درهم دار القرار قندهار خان عادل شاه عالم مير أويس نامدار
أي ضرب علي الدرهم قندهار ذات القرار الخان العادل سلطان العالم الأمير أويس الذائع الصيت.
و توفي بعد سنوات من استيلائه فخلعه أخوه إلا أنه لم يكن من رجال الحكم فخلع بعد ستة أشهر، و اختير الأمير محمود بن الأمير أويس للحكم. و لم يهدأوا من حرب ايران و استولوا علي مواطن عديدة.
توغلوا في كرمان و المشهد.
ثم إن هذا الأمير تقدم لاكتساح الممالك الايرانية و جهز جنوده نحو عاصمة العجم أصفهان فحاصرها نحو عامين فسلمت إليه و أطاعه كل من فيها و أسر الشاه حسينا و سجنه مدة و قيل إنه تزوج ابنته و في تذكرة (الزاهدي الگيلاني) أن الأمير محمودا استولي علي أصفهان في 15 المحرم سنة 1135 ه و سمي كتابه (تذكرة الأحوال) عندي نسخة مخطوطة منه و في تاريخ ايران للأستاذ عبد اللّه الرازي ما يؤيد ذلك (ص 569) … أخبر والي أرضروم حكومته في شعبان سنة 1134 ه بمحاصرة أصفهان فكتب الأوامر إلي الولاة المجاورين و منهم حسن باشا والي بغداد ليكونوا علي حذر وأهبة … و حينئذ راعي والي بغداد الحزم و الحيطة فكتب كتابا إلي الأمير محمود يعرض الوقوف علي الحالة.
فكان جوابه أنه انتقم للأمير محمود من العجم. أرسل الحاج عثمان آغا رسولا و كان فاضلا منتبها لدخائل الأمور و ظواهرها بعثه بكتاب يهنئه بهذا الفتح و يندد بالعجم، و يبين أنهم أعداء … فأبدي له الأمير أنه لم يقم بهذا الأمر إلا ابتغاء مرضاة اللّه … و
أنه مطيع لسلطان المسلمين.
فرجع الرسول منه مكرما و أرسل وزيره محمد صادق خان بكتاب إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 235
الوزير حسن باشا ينطوي علي أن الظلم شاع في ايران، فاقتضي تأديب الفجار فطرقنا هؤلاء. طلعت جيوشنا من مدينة قندهار لتسخير ممالك القزلباش. وردنا بلدة (گلون آباد). و بعد قتال عنيف انهزموا. و هكذا مضينا إلي (فرج آباد) من بناء الشاه حسين. فابتلوا منا بأعظم داهية فولوا الادبار. ثم دمرنا جيش فارس و كان عظيما. فرأوا منا العطب. و من ثم لم يروا بدا من الاذعان و التسليم للقدرة القاهرة … و أبدي في كتابه الخضوع للسلطان، و رغب أن يكونوا علي الصفاء و المودة و يقدم الحرمة و يدعو إلي الألفة.
أوعز إلي الرسول أن يدقق الحالة فبين مشاهداته و ذكر أن بلاد العجم صارت غنيمة باردة و من السهل فتحها فأرسله الوزير إلي الدولة لتستطلع برأيه و تختبر منه الوضع و ما عليه ايران اليوم.
و يلاحظ هنا أن الوزير كان طامعا في ايران بعد أن تمكن من السيطرة علي عشائر العراق. رغب دولته في لزوم اكتساحها فوافقت في حين أنها كانت وجلة. و أمرته بالحيطة. و علي هذا بادر بإيفاد رسوله إلي ايران يسبر أحوالها قبل أن يقف علي رأي دولته. و بذا أراد أن يقوي عزمها و يؤكد اعتمادها فبعث بالرسول إليها للاطلاع علي الحالة بتفرعاتها. و الظاهر أنه جرّ دولته إلي الحرب و ولد أمل الظفر.
أبدت الدولة أن بينها و بين ايران عقودا و عهودا إلا أن الاخطار انتابتها من كل صوب و صارت طعمة لكل آكل، و يخشي أن تصيب الدولة حوادث غير متوقعة، فأمرت أن يتخذ ما يلزم و
أن يتهيأ للطواري ء فقامت بالأمر.
و من راجع التاريخ و الأوضاع السياسية للأمم و طريق استقلالها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 236
علم أن البواعث إنما تكون ناشئة عن قسوة أصابت الأمة و ظلم أرهقها فكانت علي الأهبة و الاستعداد للوثبة بأمل النهوض و الانتقام.
ولا ينظر في مثل هذه إلي السبب المباشر أو الضعيف كحادث حقيقي لثورة الأمة و إنما عوامل كثيرة متراكمة أذكت النيران. فجاء يوم الحساب بقسوة لا مزيد عليها …
و الأفغان أمة عزيزة الجانب، قوية الشكيمة، معتادة علي الخشونة و شظف العيش متمرنة علي مطاردة الوحوش و مقارعة العشائر، فثارت للانتقام فلم تجد ما يصد تيار هيجانها …
و المؤرخون اضطربت كلمتهم في أصل (الافغان) و يقال لهم عندنا (أغوان) و هكذا دعاهم صاحب (تاريخ أفغان) و لم تكن التسمية حديثة العهد و لا قريبة النشأة. جاء في قاموس الاعلام أن هيرودوتس ذكرهم في تاريخه بتحوير قليل في اللفظ. و هم قبائل متعددة بين أفغان أصليين، و بين (تاجيك) و (هندوكي)، و (هزاره)، و (قزلباش). و يقال للغتهم (پختي) أو پختوان) من اللغات الآرية.
و في تاريخ الافغان: «أن أصل قبائلهم في أنحاء داغستان علي سواحل بحر الخزر في قطر يدعي (شروان) أو خارج (باب الأبواب) علي سفح داغستان و الصحاري المتصلة به، و لم يستطع أحد أن يقف علي حقيقة جذمها، أو أنهم من أقوام الخزر، أو طائفة من فروعهم …
انحدروا إلي ايران و ما يتصل بها من الممالك القريبة … فصاروا يهاجمون و يغزون بغارات متوالية …
و لما ظهر الأمير تيمور اكتسح تلك الديار و استولي علي هذه الاقطار فشكاهم الايرانيون و تظلموا من أعمالهم … و حينئذ أمر تيمور بإجلاء هؤلاء إلي
ديار تبعد نحو مائة مرحلة عن مواطنهم الأولي فأبعدهم. و كانت هذه البقعة من ايران، حوالي قندهار و الصحاري بينها و بين الهند … أنقذ ايران منهم جعلهم سدا منيعا لها من الأقوام
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 237
الشرقية فأمنوا غوائلهم و غوائل غيرهم بهم.
و علي ما ورد في بعض التواريخ أن هذه الطوائف من الأرمن و ذلك أن ايالة شروان كانت تدعي (ألبانيا) و أهلها ألبانيون. فتكون الأغوان محرفة عن ألبان. و للآن توجد ناحية متصلة بشروان يقال لها (قره باغ) فيها كنيسة تسمي قند سار و يقال لرئيس بطارقتها (أغوانج) و في لغة الارامنة تعني زعيم الأغوان و لا تزال طوائف الارامنة المتوطنة في جبال (صفناق) في حدود ايالة گيلان و أنحاء (كنجه و روان و نخچوان) يفتخرون بهذا العنوان و يدعون أنهم أغوان. و لعل رئيسهم الديني سكن قندهار و أصلها قندسار فتحرفت إلي قندهار …
و في بعض الكتب أن هذه المدينة من بناء الاسكندر سكنها الارمن أثناء هجرتهم و تباعدهم عن وطنهم فألفوا الهنود و اختلطوا بهم ثم اعتنقوا الإسلام و لا تزال بقايا بعض العوائد موجودة فيهم مثل أنهم يضعون علامة صليب علي اكلاتهم منقولا عن تقاليدهم الاولي. و من القديم حافظوا علي خشونتهم الاولي و بداوتهم فعرفوا إلي اليوم بالشجاعة و الاقدام … » اه.
و في (كتاب دول إسلامية) أنهم في الأصل من قبائل الترك المسماة أحيانا ب (قلج) و كما يقال (أفغان). و يريد بالقلج ما يدعي ب (الخلج).
و في تاريخ مختصر ايران للأستاذ باول هرن ترجمه الدكتور رضا زاده شفق إلي اللغة الايرانية جاء إلي أصل هؤلاء من عشيرة گلزائي من العشائر المعروفة في الأفغان. و
في المخابرات مع أشرف خان علم أنه يدعي الانتساب إلي خالد بن الوليد (رض) و أنه من ذريته.
اضطربت الأقوال في أصلهم و نظرا لبسالتهم و شجاعتهم صار كل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 238
قوم لا يتحاشي أن يعدّهم منهم فهم بين هنود أهل البادية، أو كرد، أو أرمن، أو فرس، أو ترك، أو عرب مما يدل علي أن الماضي القديم غامض. و يرجح أنهم من الخلج.
صدر الأمر السلطاني بلزوم فتح بقية بلاد ايران التي لم يطرقها الافغان بعد، و أن لا يتعرض لما بيد الأمير محمود الافغاني، و اختير لهذا الأمر وزير بغداد حسن باشا فنصب قائدا لجبهته كما أن عبد اللّه باشا الكوپريلي والي (وان) جعل قائدا عاما في انحاء تبريز و اذربيجان و عهد إلي إبراهيم باشا السلحدار والي أرضروم أن يكون قائدا علي انحاء (كنچة و روان) علي أن يستولوا علي الأماكن التي لم تدخل في حوزة الأمير محمود. و كان ذلك في أواخر سنة 1135 ه.
رفقت الدولة بفرمانها فتوي شيخ الإسلام باعتبار أن العجم لا يعترفون بخلافة أبي بكر و عمر و عثمان (رض) بل يعدونهم كفارا كسائر أكثر الصحابة ما عدا الإمام عليا (رض) أو يعتبرونهم مرتدين و منافقين، و يسبونهم علنا، و يرمون عائشة بالإفك، و يؤولون آيات كثيرة علي خلاف مقتضي القواعد العربية و يجوزون قتل أهل السنة، و يبيحون أموالهم و إذا أسروا النساء استحلوا وطأهن دون عقد كسبايا غير المسلمين … و لهذه الأسباب عدتهم الفتوي مرتدين، و أجرت في حقهم أحكام أهل الردة و جعلت بلادهم دار حرب.
و من هذا الوضع السياسي، و تلك الفتوي يعرف أن الغرض الاستيلاء فاتخذ الدين وسيلة لتهييج
الرأي العام. و أن شيخ الإسلام لا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 239
يتخلّف عن إصدار فتوي مثل هذه. و هكذا كان يفعل الايرانيون في حروبهم مع العثمانيين. فأسسوا البغضاء و قووا شقة الخلاف. و لم ينظروا إلي أن كل المسلم علي المسلم حرام و لا إلي أن سباب المسلم فسوق و قتاله كفر!! و لا إلي أننا لا نكفر أهل القبلة و لم نعد في وقت الشيعة (مرتدين) إلا أن ما جري بين الصفويين و العثمانيين أدي إلي قبول هذا بسبب الحروب و التشنيع من كل جانب منهما.
جهز الوزير جيوشه و فيهم القبائل الكثيرة من العرب منهم الخزاعل مع رئيسهم الشيخ سلمان لمهاجمة بلاد العجم، نهض من بغداد، و لما وصل إلي كرمنشاه (قرميسين) أثر في العجم تأثيرا كبيرا و ولد فيهم خوفا فصار الايرانيون محاطين بالناهبين من كل صوب. و لذا تقدم رؤساؤهم و أعيانهم لاستقبال الجيش و الترحيب به و الاذعان له بالطاعة. فاستولي الوزير علي المدينة بلا حرب و لا قتال، و صارت و جهته همذان و لكن المصلحة اقتضت أن يقيموا في كرمانشاه بضعة أيام في خلالها بعثوا السرايا إلي لورستان و أطراف همذان و سائر النواحي المجاورة فعاثوا و نهبوا أموالا و خربوا قري، ذهبوا بعمارتها و تجاوزوا علي أكثر أنحاء همذان و صادق بولاق (صوغرق بولاق) و لورستان و مضافات هذه المواطن فاستولوا عليها.
و في تاريخ كوچك چلبي زاده أن الجيش استولي علي أردلان.
و استعان الوزير ب (بلباس) و (بابان). استولوا علي (سنة) و أميرها عباس قلي من قبيلة (ماموي) استقبلوا الوزير حسن باشا في 11 صفر سنة 1136 ه، و علي (جوانرود). و أميرها (اللّه و
يردي) من أمراء الجاف المعروفين بجاف جوانرود. و منها وصلوا إلي كرمنشاه. و قبل أن يصلوا إلي هناك مضوا إلي امارة اللر. وصلوا إلي وادي (شبكان)، و لم يقفوا حتي وردوا (خرم آباد) فمال أمير اللر (علي مردان) إلي الطاعة … تم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 240
ذلك في 18 صفر سنة 1136 ه.
كان جيشهم يمثل الوحشية فلم يهذبهم دين، و لا أثرت فيهم مدنية … و الصحيح أن أمراء الجيش لم يتمكنوا من ضبط الجنود، و لم يستطيعوا السيطرة عليهم. فقدوا القدرة فأدي ذلك إلي انتهاك حرمات.
و هكذا قل عن جيش الافغان فلم يجد الايرانيون من يلجأون إليه.
و علي هذا طلب سادات همذان و أعيانها أن لا يتعرض للنساء و البنات اللاتي أسرن مع القوافل المنهوبة و أنهم منقادون مطيعون …
و هذا الطلب يوضح أعمال الجيش الفاتح أو الخوف منه. و هذه الأحوال تعتبر من أكبر الموانع من توسع الفتح من جهة، و من أعظم البواعث إلي ظهور رجل كبير مثل نادر شاه ينقذ البلاد من هؤلاء الغزاة.
قبل الوزير هذا الملتمس علي أن يتركوا الرفض و السب، و ينقادوا للسلطان فيأمنوا علي أموالهم و أنفسهم و أعراضهم و إلا فسوف ينفذ الأمر بموجب فتوي شيخ الإسلام.
ثم إن الوزير بعد انتصاراته هذه كتب إلي حاكم أصفهان الأمير محمود يخبره بما جري. أراد بذلك أن يستطلع الأوضاع و ما حصل من أثر. و صار ينتظر الجواب و مشاهدات الرسول … و هو (الحاج عثمان آغا) و كان من أفاضل الرجال. يعوّل عليه، و علي نظراته و إصابتها.
هي في الحقيقة انتظار الجواب من جهة و أن يخبر محافظ أرضروم الوزير مصطفي باشا أن يتوجه من
ناحية تفليس و كذا الوزير الثاني
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 241
عبد اللّه باشا الكوپرلي الموكل بالتقدم نحو همذان من ناحية (وان).
و الدواعي الظاهرية وجود الجبال و الموانع و حلول موسم الشتاء و صعوبة المرور مع وجود الثلوج و تساقطها و تعذر الذهاب بسبب الجليد و الصواب التأهب و إعداد العدة و من ثم ضرب الوزير خيامه في كرمنشاه و تسمي كرمان شاهان.
في هذه السنة أمر والي الموصل صاري مصطفي باشا ببناء مسناة لجسر الموصل. و عهد بذلك إلي علي العمري، و إسماعيل آغا الجليلي و قره مصطفي بك. و هذه المسناة لم تتم، و أن المصروف عليها كان كبيرا، فلم يجسر الولاة علي صرف المبالغ المقتضية لها، و صارت تعد شؤما، فلم يقدم وال علي تعميرها …
كان والده مفتيا أيضا كما أن أسرتهم لا تزال معروفة. و منها آل شريف بك.
وقفت حوادث كرمنشاه في 18 صفر سنة 1136 ه و الوزير لم يستمر في سيره بل تأخر في كرمنشاه للأسباب المارة.
بينا كان الوزير في انتظار حلول موسم الربيع إذ عاجلته المنية. و هذا ما دعا إلي حزن و أسف كبيرين في المحافل العثمانية و في جيوش الغزاة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 242
جامع الإمام علي ابن أبي طالب في النجف- دار الآثار العراقية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 243
راجعنا توارخ عديدة فلم نعثر علي تاريخ وفاته إلا في تاريخ كوچك چلبي زاده من أنه توفي في غرة جمادي الآخرة سنة 1136 ه كما نص في تاريخ نشاطي بقوله «رجاء عفو له در گاهكه كلدي حسن باشا».
و لا يلتفت إلي الأقوال الأخري.
و حينئذ و دون أن يطرأ خلل في الجيش قام صهره و كتخداه السابق أمير أمراء شهرزور عبد الرحمن باشا بتدبير الأمور باتفاق من الأمراء و أهل الرأي، فعرضوا الأمر علي الدولة و رشحوا ابنه أحمد باشا مكانه واليا علي بغداد و قائدا علي الجيش، و أن يكون عبد الرحمن باشا والي البصرة في محله، و أن ينصب لولاية شهرزور صهره و كتخداه الأقدم قره مصطفي باشا والي طربزون …
تم هذا الترشيح علي وجه السرعة و طلبوا أن يجاب ملتمسهم و تنفذ رغبتهم. و صاروا ينتظرون الجواب بفارغ الصبر …
ثم إن الأمراء حذروا من دفنه في كرمنشاه خوفا من تبدل فجائي يطرأ علي الأوضاع العسكرية و السياسية و إنما نقلوه إلي بغداد بشق بطنه و تنظيف أمعائه و تطييبه بالأدوية و سيروه مع أحمد آغا كتخدا الحجاب فدفن قرب مرقد الإمام الأعظم. رثاه الشعراء و العلماء و احتفلوا بدفنه.
حزن عليه النساء و الأطفال و الكبار و الصغار و لم يبق من لم يأسف لفقدة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 244
أسس النظام في بغداد و حصل علي موفقيات كثيرة و تمكن من ضبط المملكة و تأمين حقوق الرعايا و أموالهم. أسس إدارة مكينة في هذه الديار … و يعد هو و ابنه المؤسسين (لدولة المماليك) في العراق فكان فقده ضياعا كبيرا.
ذكرنا بعض أعماله من بناء قنطرة الذهب (آلتون كوپري)، و قناطر أخري، و بناء مسناتين لجسر بغداد [1]، و أصلح في الضرائب و عمر بعض المراقد المباركة. و بني صدرا جديدا لنهر الحسينية في كربلاء و كان معروفا بالنهر السليماني. و بني خانات بين كربلاء و بغداد. و عمر المندثر منها [2].
______________________________
[1] ذكر الدكتور الأستاذ مصطفي جواد أن الشيخ مصطفي بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي في رحلته «كشط الصدا و غسل الران في زيارة العراق و ما والاها من البلدان» و كان قد دخل العراق سنة 1139 ه. قال: «دعانا ليلة السبت المنلا محمود لمنزله المعهود فبتنا لديه فهمعت السحب السماوية، و أوصل اللّه إمداده إليه، و سرنا إلي الزيارة المعروفية، فرأينا الجسر مقطوع، فقلنا انتظار الفرج عبادة، فعسي أن يتصل بالأحباب المقطوع، و انتظرنا نصبه في التكية المولوية، و جاء للانتظار الصديق الشيخ عثمان النجدي- بلغه اللّه و إيانا كل
أمنية- ثم لم يتعوق أن نصب، فزال عن الحشا النصب، فبادرنا لزيارة الحارث بن أسد [المحاسبي] رفيع الحساب، منيع الرتب. و دخلنا عليه من الباب، للأمر الوارد في محكم الكتاب.» اه. هذا، و الملحوظ أن الدكتور علق أيضا علي (جامع المنطقة) بأنه مشهد العتيقة و ليس بجامع براثا. و أورد نصوصا كثيرة تأييدا لقوله. فأكتفي بالإشارة. و محل التحقيق و البحث (كتاب المعاهد الخيرية). و تعرض أيضا لترجمة إبراهيم متفرقة. فالمعذرة للأستاذ الدكتور و شكرا له علي ما أبدي.
[2] دوحة الوزراء ص 8 و حديقة الزوراء و تاريخ كوجك جلبي زاده ص 115.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 245
و له من الأولاد:
1- الوزير أحمد باشا خلفه في منصبه.
2- فاطمة خانم زوجة عبد الرحمن باشا.
3- صفية خانم زوجة قره مصطفي باشا. كانت متضلعة بالعلوم و لها معرفة بالمنظوم و المنثور. انتسب زوجها إلي الوزير. صار عنده (كاتب الديوان). ثم جعله كتخداه إلي أن ولي بغداد. و في السنة الثالثة من وزارته في بغداد زوجه بها. تقدم حتي بلغ الوزارة. و له منها خديجة خانم كانت عالمة فاضلة كاملة و صاحبة خيرات.
قال صاحب الحديقة: و كانت السبب في تأليف هذا الكتاب (حديقة الزوراء) لحرصها علي حفظ السير و الأنساب. تزوجها محمد باشا و لها منه حسين بك، و علي بك، و عبد الرحمن بك، و علي باشا.
هذا، و عرف الوزير حسن باشا ب (فاتح همذان)، و الحال أنه توفي في كرمانشاه، و إنما كان الفاتح لها ابنه أحمد باشا و منشأ هذه الشهرة أنه عزم علي الفتح و باشر أمره.
ذكرنا تجديد (الجامع السليماني) في المجلد السابق. و هذا الجامع أعاد الوزير حسن باشا تجديده فصار
يسمي ب (جامع جديد حسن باشا).
و يقال له (جامع السراي). عمّره و وقف له وقوفا عديدة، و اتخذت فيه مدرسة لا تزال.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 246
كان واليا علي البصرة و جاءه نعي والده فغادرها في غرة شعبان و وصل إلي بغداد في 29 منه وجهت إليه وزارة بغداد مع القيادة العامة في 23 جمادي الآخرة بترشيح من أمراء والده، فذهب توا إلي كرمنشاه، وصل إليها في 21 من شهر رمضان و في 7 شوال أمر بالتوجه إلي همذان دون توقف.
و كان منذ طفولته موصوفا بالاخلاق و الخصائل الممدوحة. لازم أباه في حروبه و جلائل أعماله تمرّن علي تدريبه و ظهرت مواهبه في حياة والده …
رشحه والده فأودعت إليه إدارة شهرزور برتبة مير ميران سنة 1127 ه فأرضي الأهلين بحسن معاملته و طيب إدارته …
ثم نال منصب قونية فحصل علي رتبة الوزارة ثم نصب واليا للبصرة في السنة التالية. و منها إلي قونية، ثم إنه في آخر سنة 1129 ه و جهت إليه ولاية حلب. و في أول عام 1131 ه فوضت إليه البصرة و دام فيها أربع سنوات حصل في خلالها علي حب الأهلين. و في أيامه استتب العدل و انتظمت الإدارة.
ورد أحمد باشا بغداد فأبدي القوم حزنهم لفقد والده كما هنأوه بمنصبه.
و ممن مدحه أمين الفتوي السيد عبد اللّه سبط الشيخ عبد القادر الگيلاني بقصيدة مطلعها:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 247
أقبل السعد و الأمان تجدّد بسم الدهر ثغره عن منضد
و فيها بين مزاياه و مزايا والده و جاء تاريخها:
نزّه الفرد و ادعون و أرّخ دم بحكم تسود فيه و تحمد
بقي في بغداد عشرة أيام في خلالها نظم أموره،
و تأهب للحرب، ثم توجه نحو ايران.
إن أمير اللّر علي مراد خان كانت سكناه في (خرّم آباد) و كان قائد الجيش الايراني فاضطر أن يطلب الأمان لما رآه في جيشه من انحلال و ضعف فحصل عليه. و من ثم دخلت ديار اللر في حوزة العثمانيين و لكن سوء الإدارة و عدم القدرة علي ضبط الجيش مما ساق إلي ارتكاب أمور أخلت بسمعته في أنحاء طهران و لذا ناضل المحصورون عن كيانهم و دافعوا دفاع مستميت.
ثم فوّض منصب البصرة إلي عبد الرحمن باشا صهر الوزير في 23 جمادي الآخرة سنة 1136 ه، فشاهده الوزير في طريقه قرب كرمانشاه عازما إلي محل حكومته فلم يوافق فأعاده معه و ذهب توا إلي كرمانشاه فوصل إليها في 21 شهر رمضان سنة 1136 ه يوم السبت فاستقبله الجيش استقبالا باهرا، ثم عهد بلواء شهرزور إلي قره مصطفي باشا والي طربزون صهر الوزير الآخر و كان صحبة الجيش عشائر عربية منها الخزاعل و أخري كردية بينها الأمير محمد باشا أمير أردلان … و معهم والي الموصل حسين باشا الجليلي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 248
إثر وصوله أنذر الأهلين في همذان بلزوم الطاعة و الانقياد … فلم يفز منهم بطائل فنهض في 7 شوال و لما وصل الجيش قريبا منها أحاط بها فاستكمل لوازم الحصار من جميع الجهات. لما أبدوا من تعند و حينئذ اشتعلت نيران الحرب أياما، يحرض الوزير خلالها جيوشه علي القتال، و ينفث روح النشاط و العزم. و ما زالت الحرب تزداد و خامة …
و في كل هذه المطاحنات ضيقوا الخناق و لكن المدينة كانت حصينة، فلم يجسر الجنود علي خرق سياجها. اشترك في القتال أمير أردلان و أمير درنة و أمراء آخرون.
اتخذت
عدة ألغام فلم تفلح حتي كان آخر أيام الحصار ثاني يوم عيد الاضحي أعدت ثلاثة ألغام. فنسفت السور من ثلاثة أماكن فهوجمت المدينة و تقدمت الجيوش فكان الهول عظيما فأعملت السيوف و استمرت الحرب ثلاثة أيام بلياليها حتي استولي الجيش عليها.
و حينئذ طلب الأهلون الأمان ثالث يوم المعركة فأمر الوزير بالكف عن القتال و منع الأسر … ! و ذهبت البشائر إلي استنبول فأنعم السلطان علي الأمراء بالخلع، و نصب عبيد اللّه قاضيا للمدينة و كان قاضي حلب المعزول من قضاء بغداد و صدر الفرمان بشكر مساعي الغزاة.
ثم استولي الجيش علي الأنحاء المجاورة و أقام الوزير مدة ليتيسر للجيوش الاستيلاء علي البقاع المجاورة …
دخلت البلاد في حوزة الجيش مثل كرند و سنقور، و بروجرد، و نهاوند، و قري و قصبات أخري … فاحتيج إلي تنظيم ادارتها و ضبطها، و في هذه الحرب دخلت عشائر الجاف و اللر في حوزة العثمانيين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 249
و في هذا الحين توالت الأخبار الموحشة عن بغداد. لما حدث من العيث و الفساد … و من ثم تحرك الوزير من همذان نحو بغداد. و لعل السبب أن الجيش ضجر من البقاء فاتخذ هذا السبب. دامت هذه الأسفار سنة 1135 ه و 1136 ه و 1137 ه. و إن المؤرخين اكتفوا بذكرها و لم يبينوا ما يخص العراق في هذه المدة. و بعد عودته بدأت حوادث بغداد.
و لما قدم الوزير إلي بغداد مدحه السيد عبد اللّه أمين الفتوي بقصيدة تبين الحالة، أوضح أن بني جميل، و بني لام عاثوا بالأمن فحضه علي الوقيعة بهم، و هني ء بقصائد أخري.
ورد الوزير بغداد و لم يبق فيها غير ليلته، و صباحا عبر دجلة قاصدا بني جميل، وصل إليهم في اليوم الثالث. هاجمهم علي حين غرة فلم يحجموا عن مقابلته و دامت المعركة أمدا ليس باليسير و كانت الحرب طاحنة و القتال عنيفا … ثم ولوا الأدبار و لم ينج منهم إلا القليل فغنمت الجيوش أموالهم. و لكن الوزير رعي الأهلين و صان الأعراض. و حينئذ رجع الوزير إلي بغداد. فامتدحه السيد عبد اللّه أمين الفتوي و الشيخ حسين الراوي و كان إمام الجيش.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 250
في هذه السنة و جهت ولاية همذان إلي قره مصطفي باشا والي شهرزور، كما أن عثمان باشا الدفتري ولي شهرزور مكانه برتبة وزارة.
و كان متصرف لواء نخچوان.
في أوائل هذه السنة تجمعت شمر و بنو لام و ساعدة و الشبل و عشائر أخري فتحالفت في ذي الكفل (ع) و تعاهدت علي مقاومة الحكومة، و لم يتفق مثل هذا فأغارت علي القري و الضياع و قطعت الطرق و من ثم غزاهم في غرة شهر رمضان. أمر جيشه بالهجوم و كان معهم أعراب و أكراد بأمل تأديبهم و إرغامهم علي الطاعة فلم يشعروا إلا و السيوف عملت فيهم عملها فلم ينج منهم إلا القليل. تركوا خيامهم و أسلحتهم و حطامهم فصارت نهبا بيد الجند فانتصر انتصارا باهرا.
قالوا: قامت الحرب علي قدم و ساق. فأبدي الوزير بسالة ليس وراءها … فكان يخترق الصفوف … و لم يفصل بين الفريقين إلا الليل … و حينئذ هرب الأعراب.
ثم رجع إلي بغداد. فامتدحه شعراء كثيرون منهم الشيخ عبد اللّه السويدي و السيد عبد اللّه أمين الفتوي و الشيخ حسين الراوي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 251
ثم إن شمر كانوا يسكنون الجزيرة. و في هذه المعركة تجمعوا ثانية و هم بقية سيوف الواقعة السابقة، وضعوا أهليهم بنجوة، و بيوتهم في أماكن بعيدة في زوايا الغابات و أقاصي البراري لتكون بمأمن من أنظار الحكومة … و صاروا يشنون الغارات علي الأطراف فشوشوا الأمن و قطعوا السبيل …
فلما سمع الوزير بخبرهم أرسل إليهم سرية داهمتهم علي حين غرة فلم يكن لهم بد من القتال، حدثت معركة دامية فكانت نتيجتها أن دارت الدائرة علي شمر و أسفرت عن نهب أموالهم فلم يروا بدا من الاذعان و الطاعة فتقدم رؤساؤهم في طلب الدخالة فعفا الوزير عنهم و نصب عليهم شيخا جديدا و عين لهم محلّا للسكني …
و هنا نري العشائر و
الحكومة في حالة غزو مستمر، الواحدة تغزو الأخري. و هذا ما يبرهن علي أن المغلوبيات السابقة كانت رسمية، و الإطراء غير حقيقي. و إنما كانت صدودا من وجه العدو بمناوشة قليلة.
و الملحوظ أن عشائر شمر لا تزال العودة مشهودة لها في حروبها بعد اظهار الهزيمة فيعودون إلي ما كانوا عليه و لذا يسمون (بأهل العودة).
و كما يقولون أهل العادة بعد إظهار الكسرة المصطنعة.
و قالوا عصي محمد بن مانع أمير المنتفق في هذه السنة.
1- الجراد أكل غلات الموصل و حدث غلاء و حمّي محرقة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 252
2- افتتح الباب الجديد في الموصل قام بذلك علي أفندي العمري بأمر من الدولة.
اعتاد الوزراء في حالة الراحة و السلم أن يلتفتوا إلي عمارات المراقد و المساجد..
رأي الوزير صفة الشيخ عبد القادر الگيلاني متداعية. تكاد تسقط لما أصابها من الوهن و الخلل حتي أن الزائر أو المصلي كان يخشي أن يتداعي البناء عليه … فأصدر الوزير أمره بتعميرها و كانت مبنية من جذوع …
نظم أمين الفتوي السيد عبد اللّه قصيدتين في مدح الوزير علي صنيعه. و في كل منهما تاريخ …
و مما يحكي أن الوزير رمي سهما فنبت في الحديد. قالوا كان الضرب من بعيد و ما ذلك إلا لقوة بنانه، و متانة يده. لان له الحديد، علي أنه مشهور بجودة أنواع الشجاعة حتي أنه يجعل القرطاس معلقا في الهواء من فوق فيضربه بالحسام فيقطعه نصفين كأنه قص بمقص. و يبل اللبد و يدرجه فيضربه بالسيف فيقطعه، و أنه يجيد الطعن بالسمهرية، و يحسن اللعب علي صهوات الخيول العربية.
أرخ السيد عبد اللّه أمين الفتوي هذه الرمية مما يدل علي درجة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 253
المتلق. و أمثاله في كل عصر و مصر كثيرون. نكتب ما قالوا و بذا تعرف النفسيات الضعيفة و درجة التزلف.
حارب والي البصرة عبد الرحمن باشا آل قشعم فصالحوه علي مال.
بعد أن استولي الأمير محمود بن الأمير أويس الافغاني علي ايران مدة توفي، فخلفه (أشرف خان) ابن عبد العزيز أخي الأمير أويس فاستولي علي (اصفهان) في منتصف رجب سنة 1137 ه.
و هذا صار يطالب العثمانيين بالبلاد المنسلخة من ايران. فتح بابا للمخابرة. أرسل الرسل في هذا الشأن بأمل استعادتها. كتب كتابا إلي السلطان كما كتب وزيره (زلا خان) إلي الوزير الأعظم بواسطة السفير (عبد العزيز سلطان)، كتبت الكتب باللغة العربية و فيها أن الحاج الأمير أويس كان استولي علي قندهار و بعد وفاته اكتسح الأمير محمود أصفهان ثم خلفه هو علي عرش السلطنة و بعد أن حكي فتوحاتهم أشار إلي أن وجود أحمد باشا قائد جيوش همذان مما ينافي وحدة الحكومة راجيا أن يؤمر بإرجاعه و لما كان هو وارث حكومة ايران يأمل أن تكون الحدود كما كانت و يلوح بأن النتائج تكون و بيلة فيما إذا لم يسعف المطلوب و قدم السفير محضرا ممضي من تسعة عشر عالما من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 254
علمائهم في جواز تعدد الائمة و أن أشرف خان أحق بايران.
قالوا: و نحن قرشيون نسبتنا ثابتة إلي خالد بن الوليد بالاتفاق و إننا أحق بالإمامة منكم و أولي بها و الأئمة من قريش و لا يجب علينا متابعتكم و لا طاعتكم و إنكم جائرون و علي غير الحق في دعواكم إذ من شرط الإمام كونه قرشيا مجتهدا و هذان الشرطان مفقودان منكم علي أنا نقول: لا إمامة واجبة عقلا و سمعا لقوله (ص) الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا. أما قوله (ص): من مات و لم
يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فالإمام محمول علي النبي (ص)، و نعتقد أن الإمامة لنا لا لكم و نفعل في هذه الأمصار ما يجب علي الإمام العادل في هذا الشأن … إلي آخر ما جاء في فتواهم.
و فتوي شيخ الإسلام للعثمانيين كانت مستندة إلي حديث: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما … و كذا كتب علماء استنبول محضرا ممضي من جماعة منهم و معه كتاب ينصح فيه أشرف خان أن لا يطوح بنفسه في الحرب. و أعيد الرسول عبد العزيز سلطان بتاريخ 8 رجب سنة 1138 ه معززا مكرما. ورد استنبول في 20 جمادي الأولي. أرسله قائد جيوش همذان أحمد باشا بصحبة موسي آغا. و كان معه المنلا عبد الرحيم. و فتوي شيخ الإسلام تتضمن أنه لا يصح اجتماع إمامين إلا أن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 255
يكون بينهما حاجز عظيم بين مملكتيهما، و إلا فيعد الثاني باغيا و قتاله واجب.
و علي هذا صدر الفرمان إلي الوزير بلزوم الحرب تأييدا لفتوي شيخ الإسلام فامتثل الأمر و جهز جيشا أكبر بقوة فائقة، و معدات كافية، سار إلي ايران للنضال.
و لم تدخر الدولة وسعا في المهمات و لا في إعداد الجنود الكثيرة، و كان المعمول علي الكرد. و بينهم أمير أردلان خانه محمد باشا أخو متصرف لواء بابان خالد بك، و حاكم العمادية و أمير درنة و درتنك أحمد بك، و أمير باجلان علي بك، و أمير كوي علي بك، و أمير الجاف صفي قلي بك و أمير كروس حسن بك و أمير حرير مصطفي بك، و أمير سعد آباد سبحان و بردي بك و أمير كلهر رضا قولي بك، و أمير زنكنة محمد بك،
و أمير سرطان حسن بك و أمير آلتون كوپري أحمد بك و أمير قزلجة فرهاد بك زاده و أمير شهر بازار فرهاد بك و أمير سروجك حسن بك.
و هؤلاء عدا ولاة الترك و الأمراء و الجيوش العديدة …
و يلاحظ هنا أن شيوخ الإسلام كأنهم موكلون بتوجيه الفتاوي طبق رغبات السلاطين مما جعلهم يميلون مع الأهواء تزلفا للدولة و مماشاتها … و مثلهم علماء الأفغان.
و للأستاذ الشيخ عبد اللّه السويدي مناقشة في الفتاوي منتصرا لوجهة نظر الدولة العثمانية …
أما أشرف خان فإنه حين سمع بالخبر استعد أيضا و هيأ جيوشه و في الوقت نفسه اتخذ دقائق الحيل لتقريب أمراء الكرد لجهته، فولد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 256
فيهم آمالا و أماني تدعو إلي جذبهم. التقي الجمعان في محل بين اصفهان و همذان فابتدأوا في المناوشات ثم قاربت الجيوش فدخلت المعركة فكان الهول كبيرا و القتال عنيفا … دام مدة و لكن الجيش الأفغاني لم يطق الصبر فانهزم شر هزيمة و لم ينج أشرف خان إلا بشق الأنفس. فرّ من ساحة القتال متوجها نحو أصفهان.
قالوا: و إن الوزير عاد لمخيمه فرحا مسرورا بهذا النصر إلا أنه رأي علي حين غفلة أن الأكراد الذين بصحبته فارقوه و رجعوا ثم أعقبتهم الطوائف الأخري بلا مبرر و لم يبق مع الوزير سوي أهل دائرته فدهش مما رأي حتي أنه صار يتمني الموت فاضطر أن يرجع إلي كرمنشاه و بقي للاستراحة فيها و عرض كل ما وقع علي دولته بوجه التفصيل …
و كان البذل كبيرا، و المصاريف باهظة، و المهمات لا تحصي و المعدات الحربية لا حد لها. تركت هذه كلها، فكانت الخسائر فادحة.
دعت هذه الحادثة إلي الاستغراب و اختلفت
فيها وجهات النظر إلا أن القوة الوحيدة المعول عليها عشائر الكرد و رجالهم، فكان الغلط في هذا الاعتماد. فإنهم برجوعهم خذلوا الجيش. رأوا ما يكرهون فرجعوا.
و لكن الدولة كانت وجهة نظرها أن الوزير لم يشاور في الأمر و لم يستطلع آراء الوزراء و القواد فوقع في الغلط …
عرضت الحالة علي الدولة فصدر الفرمان بالاستعداد مرة ثانية.
تأهبت الدولة للأمر و أيدت وجهة نظر الوزير. فأعدت المهمات و هيأت الجيوش و وردت إليه التسلية فتوقف في كرمنشاه منتظرا ورود القوة. في غرة ذي القعدة أعاد تنظيم الجيش تحت قيادته بالاستعانة بكتخدا البوابين محمد باشا فتأهبوا للأمر …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 257
في ذي القعدة بدأت الطباعة بالعمل في استنبول بناء علي صدور الإذن السلطاني مقرونا بفتوي شيخ الإسلام. شرع بطبع أول كتاب (لغة و إن قولي) ترجمة (صحاح الجوهري) إلي التركية. ثم توالت الآثار الاخري. و كان نصيب العراق من هذه المطبوعات كتاب (گلشن خلفا)، و (تاريخ تيمور) لمرتضي آل نظمي. و الاستفادة من هذه لم تكن مقصورة علي استنبول. و إنما انتشرت في الاقطار العثمانية، و العراق منها، و تعد من أول العلاقات الثقافية المؤثرة في الشرق، و هكذا شاع الكاغد من طريق الغرب بعد صنعه بوسائل فنية. فكان من أكبر مسهلات الثقافة.
في هذه السنة بدأ حكم الجليليين في الموصل. و سنفرد لهم بحثا خاصا في المجلد السابع من هذا الكتاب ليكون مجموعا في صفحات متصلة الأطراف.
في أوائل هذه السنة جاءت قائمة إلي الوزير تعين له الخطة المثلي في أعماله الحربية و أن لا يقع بمثل ما وقع به بأن يشاور الأمراء الذين معه و أن لا يقطع أمرا حتي يستطلع رأيهم و أن يكون متبصرا متنبها …
فكانت هذه الوصايا نافعة و مهمة جدا فعرف السبب و زالت الغرابة.
تكاملت العساكر و المهمات فالتحقت بالوزير و من ثم هب الوزير لإعادة الكرة فسار من كرمانشاه قاصدا أصفهان. فلما وصل إليها علم الأفغان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 258
أن لا طاقة لهم فتوسلوا بالصلح. و وافقهم الوزير علي أن تكون كرمانشاه و همذان و ما يليهما في يد العثمانيين. و أن يكون للحكومة وكيل في الأنحاء الايرانية مما تحت حكم الأمير أشرف خان.
و كان سفير الصلح من جانب أحمد باشا (عبيد اللّه) قاضي همذان فصار قاضي الفيلق برتبة أدرنة. و من جانب الأفغان منلا نصرت. و إن عبيد اللّه كان قاضيا ببغداد ثم عزل و حصل علي رتبة حلب و في 24 ذي القعدة سنة 1139 ه نصب قاضيا في مدينة همذان ثم قاضي الجيش.
فكان فاضلا قديرا و من ثم صار رسول الصلح. و كان الصك يحتوي علي 12 مادة و فيها عدا ما ذكر أن تكون الممالك المفتوحة بيد العثمانيين و منها مما يعود للعراق نهاوند و خرم آباد و ديار اللر و كذا الحويزة … فانتهت الحرب بين الطرفين و أمضي الصلح و تحددت الحدود و سطرت المصالحة و تسلم كل منهما نسخة منها. فنال
الوزير مرامه و حصل علي مرغوبه فعاد إلي بغداد.
ورد من أشرف خان هدايا ثمينة أرسلها إلي السلطان منها فيل توثيقا لأواصر الصلح بين الحكومتين. فكان لورود الفيل وقع كبير في النفوس. خرج الوالي و الناس لمشاهدته، و كان مزينا بأنواع الحلل و عليه سرير في شكل قبة و علي رأسه ثلاثة أنفار و علي رواية أربعة يومي للسلام بخرطومه. و لما وصلوا إلي الوزير و كان جالسا لاستقبال الرسول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 259
في مسقف (باب الشجرة) و هو (باب المعظم). وقفوا تأدبا له و أومأ بخرطومه. و لكنه لم يتصرف حتي نال جائزة من الوزير. و هذا الفيل أصابه البرد في ديار بكر فهلك. فلم يقو علي البرد …
قال في الحديقة: أن مجيئه كان في سلخ سنة 1140 ه.
إن أمير أمراء شهرزور (محمد باشا) البو غاز ليانلي ارتكب أنواع المظالم كما أنه تجاوز الحد في التخريب أثناء حرب همذان فعزل فخرج عن البلدة و نصب خيامه خارجها. فهاجمه الأهلون و انتهبوا ما عنده ففر بنفسه و لما وصل إلي (صاوق بولاق) جاء الأمر بقتله فقتل بفتوي من شيخ الإسلام. فخلفه الوزير علي باشا فلم تطل مدة إمارته فصار مكانه في هذه السنة الوزير عبد الرحمن باشا علي أن يحافظ علي همذان.
تزوج الكتخدا (محمد باشا) بخديجة خانم بنت أخت الوزير.
و أوضح الأستاذ السويدي في حديقته ما جري من أفراح و زينة.
ثم ظهر من أهل الحويزة عصيان و تمرد فتوجه الوزير عليهم بجيش جرار … و من غريب ما كان في طريقهم أن رأوا الأرض مملوءة بالأفاعي. قتلوا كثيرا منها و هي في تزايد فصارت شغلهم الشاغل في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 260
تلك الليلة. لم يهجعوا إلي الضحي … مضت الليلة و لم تلسع أحدا و لا حصل منها أذي علي الجيش و لا علي الحيوانات.
حمل بعضهم ذلك علي طبعها و أنها لا تلحق ضررا، و لكن الجيش رأي السكان لم ينتسبوا إلي الطريقة الرفاعية و لم يصبهم ضرر …
وصل الجيش إلي الحويزة. و حينئذ خاف الأهلون فقدموا إلي الوزير الهدايا و سلموا إليه مفاتيح البلد و طلبوا العفو عنهم فعفا و نصب الأمير السابق المولي محمدا حاكما عليهم. و كان عزله الايرانيون بعد أن نصبته الدولة العثمانية. و في هذه المرة أعيد، و من ثم نظم الوزير أمورهم و أخذ المدافع الكبيرة و عاد إلي بغداد ظافرا منصورا … و في هذه الحرب قامت عشائر المنتفق و علي رأسهم محمد المانع. و عشائر بني لام فتغلبوا عليهم.
ثم وجه منصب كرمانشاه إلي حسن بك الپچوي برتبة أمير الأمراء.
و هذا كان أثناء سفر أصفهان مبايعا الذخائر و له الاطلاع الكافي فعهد إليه لما أبداه من الخدمة.
ثم زاد عصيان بعض العربان. عاثوا فقطعوا السبيل. فأمر الوزير بمطاردتهم و القبض علي زعمائهم المعروفين فتمكن من القبض علي كل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 261
من شبيل و شبلي و دندن فصلبوا الواحد بعد الآخر خلال شهرين …
فقطع بذلك دابر العصيان.
تفرغ الوزير لبسط العدل و تأمين الراحة إذ لم يحدث ما يشوّش الأمن أو يقلق الراحة كما رعي العلم و العلماء و وجه عزمه نحو الفضلاء فصار سوق الأدب و العلم معمورا. توالي الشعراء و الأدباء و تزاحموا علي ناديه فنالوا من كرمه و إحسانه الشي ء الكثير. فاشتهر في زمنه علماء و شعراء عديدون … و راسله الوزراء و العلماء. و الأمراء من أقاصي البلدان …
كان الناس في هدوء إذ فاجأهم نبأ ظهور الشاه طهماسب ابن الشاه حسين الصفوي جمع اعتماد دولته نادر خان جنودا كثيرة بأمل التغلب علي ايران و استعادتها. و أول ما فعل أن أزاح الأفغان من أصفهان و سائر ايران سنة 1142 ه- 1729 م.
ثم باغت في هذه السنة همذان و كرمانشاه فقاتل ولاتها و العساكر المرابطة و بعد وقائع وبيلة تمكن من تمزيق قواهم و تشتيت شملهم.
و لما طرق سمع الدولة نبأ ذلك نادت بالنفير العام و علي هذا تأهب الوزير للحرب فنهض متوجها نحو ايران بسير متواصل. قضي ثمانية أيام حتي وافي الحدود من جانب (أدنه كوي) و تسمي اليوم بقرية المنصورية.
فوصل إلي (درنة).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 262
و في هذه الأثناء ورد الأمر بجلوس السلطان محمود الأول مشيرا إلي لزوم التوقف إلي أن يأتي الفرمان. و حينئذ امتثل الأمر و ضرب خيامه في شهرزور.
مكث الوزير أحمد باشا في شهرزور ثلاثة أشهر. و في أوائل هذه السنة صدر الفرمان بالسفر فتوجه نحو كرمانشاه فسلمت البلدة مقاليدها إليه و أذعنت بالطاعة. فبقي فيها بضعة أيام للاستراحة ثم توجه نحو همذان فلما قاربها وجد الأهلين و الجند متأهبين للحصار و زادوا في العدة و العدد و أبوا أن يذعنوا. كما أنه رأي الشاه طهماسب قد استعد للحرب و كان علي بعد ثلاث مراحل من همذان فجمع الوزير رؤساء الجيش و الأمراء و بعد الاستشارة رجح الجميع مقاتلة الشاه. فسار حتي وصل إلي (لولو كرد) فحط الجيش رحاله فيها و كان مقر الشاه في كور جان (كوريجان) و بين المنزلين مسافة نحو ثلاث ساعات.
و حينئذ تقدم الجيش لمقارعة الشاه. مرّوا من (بروجرد) فمنعوا الجيش
من ورود الماء. وضعوا هناك كمينا فصادفهم الجيش بغتة فذبح منهم خلقا لا يحصي و فر القليل إلي عسكر الشاه. و كان مع الشاه علي ما يروي مائة ألف أو يزيدون. فتلاقي الجيشان في محل يقال له (بيدا) و (كوريجان). فرتب الجمعان جيوشهما و استعدا للقتال …
أما الوزير فكان معه من الخيالة اثنا عشر ألفا عدا المشاة. و معه من المدافع و الأدوات مقدار وافر فكانت الوقعة بين الفريقين أشبه بجهنم متحركة فلا تسمع فيها غير دويّ المدافع و صوت البنادق. و نظرا لكثرة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 263
جيوش ايران من الاصفهانيين و اللّر لم يؤمل الظفر لجهة الوزير و لكن الصبر و الثبات أمّنا له ذلك و في كل صفحات الحرب كان يحرض علي القتال و الصبر و يشجّع الجيش و كان في مقدمته قبائل الاكراد. كمن الوزير قره مصطفي باشا بجيشه فاختفي في حضيض جبل فاتخذت الأوضاع اللازمة بالنظر للمواقع الحربية … فلم تمض مدة حتي انكشفت الحرب عن هزيمة العجم فنالوا من أعدائهم فأصابتهم الهزيمة و فروا نحو قزوين. فاقتفي الجيش التركي أثرهم و استمر حتي نصف الليل فنكلوا بهم. و أن طائفة (در گزين) قطعت طريق فرارهم و أعملت فيهم السيف فدمرت أكثرهم، و أن ثلة من أتباع محمد بلوج خان طلبت الاستئمان و بيّنت ما حل بالعجم.
كانت ضائعات الوزير نحو ثلثمائة مقتول و خمسمائة مجروح في حين أن قتلي العجم و جرحاهم يقدرون بعشرين ألفا عدا الضائعات في خيالتهم.
إن العجم كانوا أضعافا مضاعفة بالنظر لجيش الوزير و مع هذا تمكن من قهرهم … و هلك من أمرائهم خان قزوين، و خان شيراز، و كاتب الجيش، و خليفة الخلفاء.
و أمثالهم كثيرون.
غنم منهم 32 من مدافع هاون بين صالح للعمل و غير صالح و 200 من نوع زنبرك و مهمات و أسلحة و أدوات مدفعية و خياما و غنائم لا تحصي …
ثم حطوا خيامهم في محل يبعد عن همذان بضع ساعات. فانهزم من جيش العجم من استطاع الهزيمة و بقي في المدينة العجزة فبقوا محصورين و أذعنوا بالطاعة فضبطت المدينة و فيها سبعة من المدافع من نوع (باليمز) و 28 شاهيا و 2 خمبره هاون و 12 زنبرك … فاستولي علي المدينة فمكث فيها الجيش يوما واحدا. ثم تحول إلي موقع تجاه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 264
المدينة. و أقيمت صلاة الجمعة في أكبر الجوامع و قرئت الخطبة و فيها الدعاء للخليفة و التبريك بالفتوحات …
عرض الوزير تفاصيل ما جري و أطري بسالة جيوشه. و كان رسوله إلي السلطان أحد موظفيه و هو خليل. فأكرمه السلطان و خلع عليه الخلع النفيسة و قلّده سيفا و رمحا … و قدمت للوزير خلعتان كريمتان و 150 خلعة لمن معه من الأمراء جاء بذلك سلحشوره الخاص و الميراخور الثاني علي بك (عبدي باشا زاده) شاكرا ما صنعوا و قري ء الفرمان علي الكل و دعوا للسلطان بدوام التوفيق …
و في هذه الحرب كان ولاة ديار بكر و سيواس و أمراء مرعش و أماسية و حسين باشا الجليلي متصرف الموصل سابقا حاضرين.
إن الشاه انهزم في صحراء همذان إلي انحاء (قم و قاشان) مع من معه. تركوا خيامهم و أسلحتهم. و اقتفي أثرهم و فلول جموعهم (سليم باشا) متصرف (أماسية) و معه سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من الفرسان فضبط ما مرّ به من قري و بلدان و
تتبع المغلوبين علي عجل. و هكذا أمراء آخرون.
أما الوزير فإنه اكتسح القلاع و البقاع و القصبات و أوقع خسارات كبيرة و عادوا منصورين بغنائم وافرة.
و هذه الحالة أوقعت الشاه في رعب و استولي عليه الهلع و صار يترقب أمورا أخري أكبر. فلم يستطع البقاء في قم بل مضي إلي طهران و نجا بنفسه …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 265
ثم ورد كتاب منه بصحبة رسوله (محمد باقر خان) من أكابر رجال العجم يرجو فيه عقد الصلح، و أنه بعث محمد رضا قولي خان قوريجي باشي من رجال الصفوية ليكون مرخصا في المفاوضة. و تكرر الالتماس.
و علي هذا دعا الوزير أحمد باشا وزراءه و أمراءه و عقد مجلس شوري استطلع فيه آراء جماعته فاستقر الرأي علي أن طلب المفاوضة و الإلحاج بها دليل الضعف و العجز التام. فمن الضروري الصفح عنهم و إجابة ملتمسهم. و لذا بشر الرسول بالقبول و أعيد.
و حينئذ جاء رضا قولي خان من جهة الشاه. مفوضا بسلطة واسعة، فشرعوا في المفاوضة فاستأذن الوزير دولته. و كذا قدمت رسالة من اعتماد الدولة يسترحم فيها قبول المفاوضة في أمر الصلح فأرسلت أيضا للاطلاع عليها …
ثم ورد الجواب متضمنا أنه لما كان طلب المسالمة بعد أن نالوا ما يستحقونه، و بعد أن تحقق أنهم لا يرجي لهم نهضة إثر المخذولية الهائلة … فلا مانع من قبول الصلح، علي أن لا تهملوا الحيطة و الاستعداد للطواري ء، و الاحتفاظ بحراسة الممالك المفتوحة، و أن لا يترك الحذر من أمر العودة فيجب التأهب للطواري ء و أن تكونوا في يقظة تامة. و ليعقد الصلح، و يعجل بإنجازه. و لكن بشروط مقبولة و مشروعة.
و علي هذا ورد من جانب
الشاه (رضا قولي خان قوريجي باشي) مفوضا بسلطة تامة فعقد معه الصلح علي أن تبقي الممالك المفتوحة في حوزة الدولة و تصرفها … فكانت المعاهدة موافقة. فأمضيت مع (صك الحدود). و أخذ كل فريق نسخة.
و بعد أن تم الأمر أرسل الوزير كاتب ديوانه (مصطفي أفندي) و هو كاتب قدير فبلغ الدولة مما جري و معه كتاب من الوزير يتضمن أن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 266
الحرب بين الفريقين انتهت و تم النضال بالتغلب علي الاعداء و عقدت المصالحة …
و لما لم يبق للوزير حاجة في البقاء ترك هذه الديار و قفل راجعا إلي بغداد فوردها بأبهة لا مزيد عليها. و مدحه الشعراء بهذا النصر، و منهم الملا سليمان البصري، و السيد عبد اللّه أمين الفتوي. و الملا سليمان الكردي و غيرهم.
في هذه السنة زوج الوزير ابنته عادلة خاتون و هي مشهورة بالعلم و الكرم و الأخلاق القويمة من كتخداه سليمان بك بعد أن أتم حروبه و مال إلي رغد العيش و الراحة. و إن هذا الكتخدا موصوف بالشجاعة و الاقدام و حنكة الرأي و حسن التدبير. صار واليا علي بغداد و هو أول المماليك في العراق كما أن زوجته صاحبة أوقاف العادلية.
و جاء في تاريخ نشاطي أن الوزير في سنة 1144 ه زوج ابنته المزبورة من سليمان باشا و هو من أقدم المصادر.
كان الوزير في بعض أيامه عزم أن يقضي نهاره بالصيد و معه الخيل و الحشم فعبر بموكبه إلي الجانب الغربي من دجلة متوجها نحو هور (عگر گوف) (عقر قوفا). سار في طريقه في الآجام. و بينما هو سائر إذ جاءه أحد أعوانه مرعوبا فقال له رأيت أسدا ربض قرب عربته في حالة مهيبة تدعو للخطر و الخوف …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 267
و حينئذ صال الوزير عليه مرخيا عنان فرسه قاصدا افتراسه فنهض في وجهه و تحفّز للوثوب عليه و حينئذ فر أعوان الوزير حذرا من بطشه و ضاع رشدهم من هول ما رأوا و لم يبق سوي الوزير و الأسد. و كل منهما يحاول قنص صاحبه و يحسب أن حملته القاضية عليه …
فأغار الوزير عليه بقوة جأش. رماه بحربة أصابت أحشاءه حيث مرقت من تحت إبطه لكنه تجلد و وثب عليه لكن الحصان أراد أن يكفي الوزير شره فحينما وثب الأسد ليختطف الوزير رمحه علي أم رأسه فكاد يقطع أنفاسه. نزل الوزير من حصانه و بقي ساكنا ليحتال علي الأسد و بيده خنجره قصد أن يفري بطنه بطعنة. و
لكنه طال انتظاره. و حينئذ شهر سيفه و صال عليه فلم يجد له أثرا فعلم أن الضربة نالت منه مقتلا و أردته فطلب النجاة بنفسه و هرب لشأنه، و أن رفسة الفرس زادت في إذلاله و أوهنت قواه.
ثم إن الوزير ركب حصانه و دعا أعوانه فتراجعوا عن خجل.
و يروي أنه ضربه حينما هاجمه و هو علي صهوة حصانه … و مما يحكي عن بعض أعوانه الظرفاء حينما أنحي عليه باللائمة و التأنيب أنه قال له:
أيها الوزير إن أسدين تقارعا. فما شأن الكلاب في أن تدخل بينهما، أو تتعرض بشأنهما … ! فضحك و مضت القصة … !
و حينئذ أمر الوزير أن يطوفوا الآجام ليتحروا عن الأسد الطريح فأبصروا أنه مختف خلال الشجر و لم يقدر أن ينهض من مكانه لما ناله من ألم الحربة التي عاد لا يستطيع معها أن ينقل رجله. فقتل و سلخ اهابه وحشي تبنا و جي ء به إلي بغداد.
و لما شاهد هذه الحالة بعض أهل البادية امتدحه بقصيدة عامية.
و يروي أن الوزير طارد صيدا بواسطة طير يتصيد فيه فأبعد عن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 268
حاشيته فلاقي الأسد في طريقه فجري ما جري. و يقال إن فرسه قتلت من ضربة الأسد حينما صال عليه بعد أن أصابته الضربة الأولي فالتفت إليه الوزير و ضربه بخنجره فأرداه قتيلا … و من ثم شاهده بعض الفرسان من العرب في هذه الحالة حينما قتلت فرسه فقدم الفارس له حصانه و قال له: أنت أهل له بعد قتلك هذا الأسد.
و هذه الواقعة ذكرها أبو الضيا توفيق مع تصوير الوزير راكبا و الأسد هاجما عليه.
و في تاريخ نشاطي أنه في سنة 1143 ه قصد الصيد
في هور نمرود، فظهر عليه الأسد علي حين غرة ففر أتباعه منه فقاتل الأسد و أرداه قتيلا، و كان ظهر فارس عربي شاهد منه هذه الفعلة العظيمة فقدم له فرسه و مدحه. و لعلها وقعة أخري.
و هذه تذكرنا بقصيدة:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت و قد لاقي الهزبر أخاك بشرا
و مثله قول المتنبي:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا
و علي كل حال دخل هذه القصة بعض التحوير و التعديل.
و فد علي هذا الوزير في أوائل هذه السنة العلّامة ذو التآليف المفيدة الشيخ محمد بن عقيلة المكي فأكرمه. و أجاز بعض علماء بغداد،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 269
و منهم الشيخ عبد الرحمن السويدي صاحب الحديقة و ألبس الخرقة في التصوف. و عندي نسخة من اجازته. و يرجع الكثير من علمائنا إليها.
و في 26 جمادي الآخرة ظهر نادر شاه مهاجما العراق بجيش عظيم علي حين غفلة. و كان اعتماد دولة الشاه طهماسب. و هو مشهور بالشجاعة. و يقال إنه مرّن جيشه تمرينا زائدا علي الشجاعة … و عوّده علي المشاق ثم نهض به نهضة جبارة.
مال صرح السلطنة الصفوية إلي الانهيار، عجّل بذلك هجوم الافغان و صولتهم عليها بقيادة الأمير محمود الافغاني فنال الشاه حسين الصفوي الخذلان.
أما ولي عهده طهماسب فإنه تمكن من الفرار فبقي مدة في أنحاء مازندران يتجول وحيدا و بينا هو في هذه الحالة إذ حط رحاله في أنحاء خراسان و خوارزم لاستنجاد من هناك من العشائر التركمانية و غيرها.
فاستنفرها فلبّي دعوته فتح علي خان التركماني، و عشائر أفشار و بيات.
و جمشكز. مالت إليه و عاهدته علي النصرة.
و إثر ذلك استولي علي المشهد فأخرج منها محمود السيستاني (السجستاني). و يدعي نسبه إلي رستم فقضي علي استقلاله.
و في جملة هؤلاء (نادر الاقشاري). أبدي خدمات جلي و اشتهر بين رجال قبيلته بكياسته و ذكائه و شجاعته و سخائه، فهو يعد من ذوي الاقدام و يزاول الأعمال العظيمة.
دخل في خدمة الشهزادة فظهرت مواهبه و مجاهداته المبرورة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 270
و كان اسمه (نادر علي خان) فلقبه الشهزادة ب (طهماسب قولي) دليلا علي رضاه عنه.
إن طهماسب قولي هذا أعاد العدة لمقاتلة
أشرف خان. و وقعت بينهما عدة حروب في (دامغان) و في (دره حار) و قرب (أصفهان) فنكل بالافغان تنكيلا مرا و استرد أصفهان قسرا كما أعاد البلاد الأخري لسطوة الصفويين …
و حينئذ أجلس الشهزادة علي سرير السلطنة و لقب هو (باعتماد الدولة) و هي (رتبة الصدارة أو رئاسة الوزراء) فاشتهر أمره و ذاع صيته و حينئذ جهز الشاه الجيوش لحرب أحمد باشا الوزير أمير الحملة العام في أنحاء العراق …
كسر أحمد باشا الشاه شر كسرة فاضطر للمصالحة.
أما طهماسب قولي خان فإنه لم يرض بهذا الصلح. و كان يضمر نيات ظهرت للعيان. و لذا تقدم للحرب و لم يقبل بالصلح.
و كان قبل هذا جهز جيشا من جهات عديدة علي هراة فاستولي عليها و رتب أمرها. ثم إن الشاه كتب بما تم من أمر الصلح مبشرا به بواسطة (صفي قلي بك) سفيره. و لما علم بالصلح كاد يتميز غيظا. حنق علي الشاه و سبّه و حبس رسوله. و في الحال أغار علي أصفهان في 5 ربيع الأول سنة 1145 ه فخلع الشاه إثر وصوله بثلاثة أيام و أجلس مكانه ابنه الصغير عباس ميرزا و لم يتجاوز الاربعين يوما من العمر. باسم الشاه عباس الثالث.
ثم جعل نفسه (وكيل الشاه) أي وصيا عليه و أرسل طهماسب محبوسا إلي مازندران. كما سجن أعوان الشاه و هم (محمد رضا خان) القوريجي باشي، و سائر الأمراء و الأركان ممن تعلق به و استولي علي أموالهم.
نال ما كان يضمر و توصل إلي السلطنة بهذه الطريقة بعد أن عمل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 271
لها جهده و بذل ما في وسعه. فاكتفي بأن سمي نفسه (وكيل الشاه).
و حينئذ أخذ عدّة الشاه و عساكره
و هاجم الوزير أحمد باشا معلنا لزوم أخذ الانتقام. و لم يكتف بما لديه من الجيش بل كاتب الطوائف و العشائر الأخري فجمعها بقصد الهجوم علي بغداد و الاستيلاء عليها …
و يقال إن الوزير لما سمع ذلك قال حينما دمرنا جيش طهماسب لو كان ذلك الكلب يريد (نادر شاه) موجودا لكنا خلصنا المسلمين منه فلما سمع ذلك الكلام جمع جموعه و أرسل إلي الوزير يخبره: قلت يوم كذا:
(كذا و كذا) فها أنا قادم إليك إثر الرسول فتأهب للحرب و القتال … !
ثم إن الوزير عرض الأمر علي دولته مبينا أن طهماسب قولي خان قصد بغداد و لما ورد كرمانشاه أخبرها بواسطة عثمان آغا الجوقدار (الچوخه دار)، قال: و عند ذلك جهزنا جيوشا و أعددنا ما استطعنا في الحدود قدر الإمكان، و لم نهمل أمرا، راعينا الحيطة و المقدر كائن، و علي حين غرة في 26 جمادي الآخرة يوم السبت سحرا هاجم أمير (درنة)، وصال علي جيشنا هناك فوردنا الخبر أن جرح بعضهم، فوصلوا في المساء إلي خانقين، و لم يعرف بعد مقدار الشهداء في المعركة، و تمكن قسم منهم من العودة سالمين. و لا شك أنه يقصد اقتحام الجيوش محاولا الوصول إلي بغداد.
علم أنه جهز جيوش آذربيجان في قيادة خان تبريز، و سار هؤلاء من قلعة (چولان) متوجهين نحو كركوك، و كان الأمل أن نستعين بالكرد فشغلوا بأنفسهم و عيالهم، فلم يعد في الإمكان أن يمدونا، فخاب أملنا منهم. أما اللوندات عندنا فهم يبلغون نحو ثلاثة آلاف أو أربعة، و الخيالة نحو ثلاثة آلاف فارس و من هؤلاء ألفان نكّل بهم العدو في درنة، و الألف الموجود لم نتمكن من جمع أكثر من ستمائة منه.
و كذا سائر الجيوش من (سرد نكچدي)، و من الحجّاب (قپو قوللري)، و هكذا جمعنا كل من يستطيع العمل. و لا يبلغون أكثر من ثلاثة آلاف أو أربعة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 272
آلاف، و هناك بعض الايالات التي لا تستطيع أن تمدّنا بجيش يعوّل عليه، و يصح أن نقول: ليس لدينا جيش يعتمد عليه. اتفقت كلمتنا أن نتخذ الحصار في بغداد. عرضنا مرارا أن ليس في الإمكان إرسال الخزانة، و أن التجهيزات من بغداد غير متيسرة، و ليس في المقدور الدوام علي الحصار مدة طويلة، و لم يكن لنا من الأمر إلا أن نترقب الحل الإلهي، و سنتعب جهدنا و نبذل ما نستطيع بذله بأمل أن تبقي سلطنة الدولة متمكنة، و نسعي جهدنا للدفاع و لا نفلت الاخلاص للدولة بوجه، فلا نقصر في مجهود. و في هذه الحالة نأمل من ولي النعم أن يلحظنا، و لا يهمل شأننا. و نحن في أشد الحاجة إلي ثلاثة عشر ألفا من الجيوش المدربة من الفرسان و إلي اثني عشر ألفا من المشاة المختارين لمساعدتنا و إلي ألف كيس من النقود مع ذخائر وافرة من ديار بكر و ماردين بأن تكون هذه المساعدات من طريق البر علي الابل، و أن لا تضيع الفرصة.
و إننا مسؤولون أمام اللّه و الناس. نطلب الاهتمام للأمر و اتخاذ العدة اللازمة من جميع جهاتها.
إن عدونا اتخذ أطوارا قلّد بها هولاكو و تيمور، و عدّ نفسه كأحدهما. و إننا في حالتنا الراهنة لو تمكن العدو من فرجة من جانبنا فلا يبقي مجال لسد الثغرة في كل الاناضول بل تبقي الحدود مفتوحة أمامه- لا سمح اللّه- فلا يعوقه أمر آخر، فاختلال الأمر عندنا يسبب
محاذير كثيرة من شأنها أن تخلّ بالوضع كله، و يولّد مكاره ليست في الحسبان. و من الضروري تدارك الأمر و الاهتمام له. و قد تحقق بعض ما توقعناه في كتبنا السابقة. و لم يكن غرضنا تكثير السواد و تطويل المقال فالحذر و الاهتمام مما يؤدي إلي حفظ مكانة الدولة، و إبداء الحرص علي المصالح مما يجب أن أعده من أكبر الضروريات لحياة الدولة.
برهنت علي ذلك مرارا لحد أنه عقب عقد المصالحة عرضت في قائمة أن النزاع بين طهماسب قولي خان و بين الافغان لم يتمّ، و لا تزال
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 273
المجادلات لم تحسم، فالانتصار لا يعرف لواحد، و من الضروري أن نلحظ ما يحدث خلاف المأمول. و طلبت لزوم تقوية الحصون، و مواطن الدفاع في الثغور، و أشرت إلي لزوم تدارك الأمر قبل أن يقع ما يخشي منه فتفوت الفرصة. و الآن بدت آثار ذلك، و حدث ما توقعنا من بعد النظر، و ليس لنا اليوم بدّ من أن نذكر أولياء الأمور، ليبذلوا أقصي ما يمكن من قدرة، و ذلك موكول إلي ذمتهم و حميتهم، و هذه الوديعة منوطة بعاطفتهم.
و الأمل أن يعجل في الاهتمام و أن يتخذ التدبير السريع لصيانة المملكة.
و هذا الوزير أكد ذلك. حض علي الاهتمام بالأمر، فحرك الحمية، و هيج الفكرة، و أثار الغيرة في رجال الدولة.
قال صاحب الحديقة: ثم إن الدولة أمدته لكنه لم يؤمر بقتاله، و لا بمقابلة جيشه بجيشه بل أمر بحفظ المدينة و حراستها، و أن يكفّ عن لقائه فأرسلت الجنود لحفظ البلاد لا للمكافحة و النزال. و كان الصدر الأعظم آنئذ علي باشا المعروف بابن الحكيم.
و يقدر الجيش المساعد للوزير بمائة ألف
و كان معه من الوزراء قره مصطفي باشا، و صاري مصطفي باشا و أحمد باشا ابن الحمال.
و في هذه الأثناء دخل نادر شاه حمي مدينة السلام و هرب من أمامه أهل القري و استأصل غالب الناس و قابله أمير (درنة) بعساكر الاكراد فقتل و تفرقت أتباعه.
ثم نزل محاصرا بغداد في الخامس و العشرين من رجب كذا في دوحة الوزراء و في الحديقة. و جاء في تاريخ قباطي أن الحصار حدث في 27 رجب سنة 1145 ه و دام إلي 7 صفر سنة 1146 ه. نزل محاذيا قصبة الإمام الأعظم بحيث تري خيامه من فوق السور فكانت القبائل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 274
تصل إليها فتحول فوق منزله بنصف ساعة خشية أن يصيب المرمي الخيام. لكنه بني ليلا بعض الأبنية في مواضع شتي قريبة من السور بحيث تصل إليه قنابل الزنبرك و يقال لهذه الأبنية (الكونكرة). وضع عليها بعض المدافع بقصد أن يفتح ثغرات من السور ليدخل البلد. و حينئذ وجّه إليها من بغداد المدفع القالع فهدم بعضها، و البعض الآخر بعيد عن السور فليس بضار فترك …
أما بغداد فكان سورها متينا، و خندقها عميقا جدا، و لذا احتار العدو في أمره و لم يقدر علي قلع حجر منه بمدافعه … أما بنادقه فكانت تذهب هباء.
و أما الجانب الغربي فمعمور الجهات، و إن دجلة كانت خير حارس مانع. و تراقب السواحل أن يعبر أو يجتاز. وضعت عساكر من الجانبين تمنعه من العبور و لا تدعه ينصب الجسور … و لم يزل هذا الجانب سالما من الحصار، متيسرا فيه كل ما يحتاج إليه فيستمد أهل الجانب الشرقي منه ما يتطلبون بدون عناء و كلفة …
و من
أيام مجي ء نادر شاه كتب الوزير إلي حكومته يطلب منها المدد و رفع الحصار عنهم. فلم يتيسر للحكومة آنئذ القيام بأي أمر من أمور الحرب. ادارتها منحلة و لم تتمكن من الامداد و المساعدة.
كتب والي الرقة إلي أحمد باشا يستطلع رأيه في إرسال المؤونة من (بيره جك) إلي بغداد بصورة أمينة و سالمة مبينا له من يختاره من شيوخ الموالي من حمد العباس، أو الشيخ فندي لمحافظة السفن، و أخذ التعهد منهم بذلك …
و في غرة رمضان عبرت الأعاجم إلي الجانب الغربي قريبا من تكريت، و لم يشعر بهم أحد، رفعوا مدافعهم و خيامهم و كانت تجاه العسكر فظنوا أنهم ملّوا الحرب، أخبروا الوزير بما وقع فقال إذا كان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 275
الأمر كذلك فاحرسوا الشرائع و صفّوا ألف فارس كل يوم يراقبونها فيقطع علي العدو العبور. فبقي الحال كذلك إلي أن عبروا من ناحية دجيل ليلا … و إن أهل الجانب الغربي اهتموا للأمر و بنوا سورا من اللبن عرضه نحو خمسة أذرع بذراع الكرباس … و حفروا خندقا واسعا عميقا إلا أنه لم يتم بناء السور و لا حفر الخندق. لأن الوقت ضاق و العدو أحرجهم. فلم يشعروا إلا و في غرة شهر رمضان بعد نصف الليل هاجمهم و لكن القوة الموجودة في جانب الكرخ أوقفته عند حدّه و حدثت معركة طاحنة بين الفريقين أودت بنفوس كثيرة فمثلت يوم المحشر في وقعها فلا تسمع غير الضرب و القتل و دامت الحرب طيلة تلك الليلة حتي مطلع الشمس.
و في هذه المعركة كان الأعداء أكثر إلا أن جيش الوزير كان مدافعا في مواطنه فأبدي بسالة و مقاومة و حارب حربا دامية
فتمكن من صده …
ثم دامت الحرب سجالا بين الفريقين حتي أدركهم المدد من قره مصطفي باشا فزاد في شجاعة القوم و قوي أملهم فألزموا العجم مكانهم و منعوا تقدمهم بل صاروا ينهزمون و يفرّون من مواقع القتال … ورد المدد فثبتوا.
و علي هذا حمي الوطيس و اشتد القتال لدرجة أنه صار أشبه بالفزع الأكبر من هول ما جري و الكل صابر علي مضض القتال. أبدي الجيش بسالة و إقداما لا مزيد عليهما فلم يقصّروا في الدفاع عن المدينة و وقفوا سدا حائلا، و لم يحصل فيهم و هن.
أما مدد ايران فكان يتزايد، و الجنود تتكاثر … فكانت امارات الغالبية ظاهرة فيهم فوصلوا إلي المنطقة بين الكاظمية و بغداد إلا أنهم استولي عليهم الرعب و حذروا من البقاء هناك فتركوا هذا الموقع من تلقاء أنفسهم و ولوا الادبار و عاد الجيش إلي محله … و في المعركة قتل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 276
خزيندار (خازن) الوزير فنقل جثمانه و دفن في باب المعظم. و كان صاحب الحديقة شاهد الوقعة.
شاهد الوزير هذه الحالة من عبور اعدائه، و رأي تزايد شرورهم، فأكثر عدد الحرس و المحافظين … سوي أنه علم بالخطر المحدق به، و أن أمر المحافظة صعب عليه جدا فشاور من معه فأجمع الرأي علي العبور إلي (جانب الرصافة) و الدخول في القلعة … فأمر بذلك. و لمدة ثلاثة أيام عبر الأهلون من الجسر و بوسائط أخري. و في هذه الحالة انتهكت أعراض و هلكت نفوس كثيرة من شدة الزحام … فحل العدو محلهم و هدم الدور و استخدم الاخشاب و الأبواب لجيشه من أجل اتخاذ حمّامات و دكاكين في معسكره فأحاط ببغداد من ثلاث
جهاتها فصار يطلق المدافع و الطلقات الأخري للتضييق و لكن ثبت القوم علي الحصار و صار الوزير يرسل بالعساكر كل يوم لمحاربة الاعداء، فكانت الحرب سجالا …
إن نادر شاه استولي بهذه الصورة علي القري و الضياع المجاورة و البعيدة فصارت تأتيه الارزاق و الحاصلات و الحاجيات الأخري من أماكن بعيدة فزاد رفاه عسكره و أما الأهلون في بغداد فإن حالتهم كانت في منتهي السوء لكنهم تجلدوا و صبروا، و أخفوا حزنهم و كدرهم …
ففي كل يوم يذهبون لحرب العدو. انقطعت عنهم القوافل و السوابل و لم يبق لهم اتصال بالخارج، و إن الاقوات الموجودة في بغداد قلت و أصاب الناس الضنك الشديد فتبدل رغد عيشهم بالعسر. و من شدة الجوع أكلوا لحوم الكلاب و البغال و الحمير و السنانير … و من ثم تولدت فيهم أمراض و عاهات قاتلة.
و الحاصل أن الاضطراب بلغ حده و استولت الحاجة علي الأهلين فصاروا يرتكبون في سبيل ذلك أنواع المنكرات. و حوادث الجوع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 277
كثيرة … كانت تجلب عطف الوزير و تألمه فكان يسكب الدمع الغزير و لكنه لم يبد عجزا و لا فتورا في المحافظة. يتجوّل في الأماكن و يحرّض من جهة أخري علي المبارزة و الدفاع …
كان إذا اجتمع بأناس و شاهدوا بعض القنابل وقعت قريبا منهم و قد خافوا عنفهم لئلا يستولي الرعب علي الناس و كان يرسل بعض من لم يكن معروفا فيتسور سور بغداد و يدخل المدينة مبشرا بورود المدد من جانب الدولة.
بذلك تمكن من تسلية الأهلين لبضعة أيام إلا أن تكرر الحادث و عدم ظهور نتيجة سبب عود اليأس …
و لذا عزم الينگچرية و الأهلون- لما استولي عليهم
من الضجر و السآمة أن يتقدموا لمحاربة العدو. فإما أن ينالوا ما يتمنون، فيرفع الحصار، أو أن يموتوا بشرف و عزة دون أن يهلكوا جوعا و حتف أنوفهم …
علم الوزير و من معه من الوزراء بذلك فبيّنوا لهم غلط الفكرة و أنها لا تخلو من محاذير و أن النصر مأمول فنصحوا الجميع بالعدول عن ذلك.
أما نادر شاه فإنه لم ير لهذه المحاصرة نهاية فكتب كتابا عن لسان مفتي العسكر إلي علماء بغداد مؤداه:
إن بغداد جسيمة و أمر محافظتها يحتاج إلي قوة و قدرة و أنتم ليس لكم جيوش و لو كانت لظهرت. فالمحاصرة امتدت و مات عباد اللّه من الجوع. قولوا لأحمد باشا لا يقتل الخلق عبثا و ليسلم فأجابه الوزير بما ملخصه أننا لم يكن وضعنا ناشئا عن ضعف و أن توقفنا كان لحكمة اقتضت. و سترون ما سيحل بكم. و تيقنوا أنكم لن تنالوا منا و لو حجرا واحدا فضلا عن مملكة.
ثم إن نادر شاه ركن إلي ارسال بعض أكابر رجاله إلي الوزير ليكلمه في أمر الصلح ظاهرا بأمل الاطلاع علي الحالة من ضيق أو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 278
رفاه. و لينظر قلة الجيوش و كثرتها و ضعف الأهلين و قوتهم و رصانة السور و وهنه و القلعة و وضعها و درجة قابليتها للمقاومة و معرفة الأوضاع و الأحوال الأخري.
أما الوزير فإنه جعل في طريقهم جميع الحالات الجيدة الداعية إلي النشاط مما يدل علي القوة و عدم الضعف بإحضار أنواع الأطعمة و إعدادها للبيع بأثمان بخسة فبيع رغيف الخبز بأربعة فلوس مع أنه كان يباع بليرة (دينار ذهبا) بصعوبة و لا يتيسر الحصول عليه فكان الوزير يعطي النقصان من خزانة الدولة
ليكمّل ثمنه الحقيقي …
و اتخذ للايرانيين ضيافة بديعة دعت إلي اعجابهم فكذبوا الإشاعة القائلة بأن بغداد في مجاعة ففاوضوا بالصلح، و لكن ظهر أخيرا أنهم لم يكن منهم الصلح إلا خديعة. و إنما قصدوا أن يدققوا أحوال بغداد من جميع الوجوه فلم يجدوا ما يحقق ظنهم بل غيروا اعتقادهم عن مسموعاتهم. و لما عادوا أخبروا بما شاهدوا … و علي هذا وافق علي الصلح و دخل في مذاكرته فأرسل محمد باشا و راغبا الدفتري ببغداد …
و في أوائل ذهابهم إليهم رأوا منه لطفا و التفاتا زائدا و قال: بغداد طيبة الهواء و أتيت ببذور البطيخ معي فزرعتها هنا فكانت صالحة الثمر و أريد أن أرسل إلي أحمد خان (باشا) منها. وجدوا التفاتا أزال عنهم الرعب و الخوف. و لكنه أحضر راغبا ليلا و تكلم معه عكس ما كان فاه به نهارا و كان علم بوصول المدد من الدولة العثمانية فكان داعية رفضه أمر الصلح.
ثم إنه دعا محمد باشا و راغبا الدفتري و تهور عليهما قائلا: إن غرضي لم يكن بغداد وحدها و إنما أقصد قيصر الروم و دياره فلماذا يتوقف أحمد باشا قولوا له ليسلّم بغداد فأجابوه بأنهما حينما يذهبان يقولان له في التسليم و قصدهما النجاة من مخالبه …
و لما عادا قصّا ما وقع علي الوالي فقال لو قطعت إربا إربا لما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 279
سلمت إليه حجرا واحدا فضلا عن مملكة … و لذا أطلق عليه مدفعا يشير به إلي أنه عازم علي الحرب فتعاطيا الطلقات العديدة …
و اشتركت مدفعية الطرفين و أوقدت نيران الحرب مجددا …
و حينئذ اشتد الأمر بالناس و ضاقوا ذرعا و خرجت المخدرات من بيوتهن لما
نالهن من سغب فلم يبق تحمّل. أما الوزير فإنه فادي بخيله لذبحها و إطعام الناس منها و كذا تابعه الأغنياء و الأمراء فساعد كل علي قدر استطاعته حتي لم يبق من الخيول و الحيوانات ما يقتاتون به و صاروا يأكلون الشريس و حبّ القطن بسبب ما ألحهم من الجوع … فاستولت عليهم الأمراض فلا تمر في طريق حتي تري الواحد و الاثنين و الثلاثة أمواتا.
و صلت الحالة بالناس أن صاروا يستهينون بالموت لما نالهم من عظيم المصيبة و لذا اتفقت كلمة الينگچرية و الأهلين أن يموتوا شهداء أولي من أن يموتوا جوعا … سمع الوزير بالخبر فدعا الرجال البارزين منهم و بيّن لهم خطل هذا الرأي. و أن النتائج المترتبة عليه أكبر خطرا.
بذل الجهد ليعدلهم عن رأيهم حتي تمكن.
بينا الأهلون و الجيش بهذه الحالة من اليأس و انقطاع الأمل إذ جاء المدد من الدولة علي يد القائد طوپال عثمان باشا أي الاعرج فأحيا الأمل و أوجد النشاط. فعلم نادر شاه بذلك أثناء مذاكرة الصلح فكان السبب في تعنّده.
و من ثم أبقي قسما من جيشه نحو اثني عشر ألفا لمناوشة المحصورين و مضاربتهم ليلا بالمدافع و الخميرة لئلا يعلموا بحركته هذه،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 280
الوزير أحمد باشا و الأسد- تقويم أبي الضيا توفيق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 281
و سحب جيشه جميعه فهاجم المدد. كمن لهم في مصب نهر العظيم و علي حين غرة فاجأهم بأمل أن يقضي عليهم و كانوا في حالة مبعثرة.
حينئذ صرخ بهم مهاجما فجعلهم شذر مذر بحيث لم يتيسر جمعهم فانكسرت الساقة و المقدمة و الجناحان و أن الساقة لم يؤمل منها عودة إلي نظام. فرّ لا
يلوي علي شي ء حتي وصل إلي الموصل و لكن القلب ثبت و لم يتغير نظامه لما فيه من الينگچرية و الجيوش المدربة لا سيما و قد كان معهم القائد طوپال عثمان باشا، فجمعوا باقي الجيوش من المقدمة و غيرها مما أمكن إعادته و حرض الكل علي القتال و شجعهم كثيرا فأخذ جانب دجلة. لئلا ينقطع عنهم الماء …
عبأهم بالوجه اللائق و كان يقال لهذا النوع من التعبئة (چرح فلك) أي نصف دائرة، وجهوا المدافع نحو الاعداء و صوّبوا البنادق فتقابل الجيشان بعددهما الكاملة و تصادما. و هناك الهول بحيث لا يستطيع أن يعبّر القلم عن بعض ما جري فأنست هذه الحرب ما تقدمها في شدتها و حرارة نيرانها … فلم تمض مدة حتي قتل من العجم خلق لا يحصون و ظهرت بوادر الغلب عليهم. صاروا ينسحبون رويدا رويدا و الجيش التركي في أثرهم لم يمهلهم عقب القوم حتي لم ينج منهم إلا القليل فلم يدعوا لهم مجالا للفرار و الهزيمة. و ذكر صاحب نتائج الوقوعات أن نادر شاه جرح في هذه المعركة. و لم يتحقق ذلك.
و حينئذ وصل الخبر إلي المحصورين ليلا و عند الصباح هاجموا البقية الباقية و استولوا علي الارزاق و المعدات و الأسلحة و المدافع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 282
و الخيام. وقع ذلك في يوم الأحد 7 صفر سنة 1146 ه.
و بعد ثلاثة أيام وصل المدد إلي بغداد فدخلها بعظمة و شوكة إلا أن البلدة كان أصابها القحط فلم يقدر الجيش أن يبقي مدة طويلة. و في (نتائج الوقوعات) أن أحمد باشا حذر من بقاء القائد فلم يأمنه و اعتذر بقلة المؤونة فعاد …
و بذلك زال البؤس و صارت السوابل
تتوارد إليها.
و من ثم تراجع الأهلون و عاد كل إلي مأواه …
دامت محاصرة بغداد سبعة أشهر فكانت بلاء عظيما لم ير الأهلون مثله في غابر الأزمان فكل من نجا من هذه الغائلة اكتسب حياة جديدة.
ففرح الجميع بزوال الخطر. و لكن لم تمض مدة حتي وصل نادر شاه إلي همذان فجمع جيوشه و لم شعثه فعاد إلي بغداد مرة أخري.
نظم له جيشا كالأول و تقدم به … و أما الجيش العثماني فإنه رجع إلي مواطنه. فاغتنم نادر شاه هذه الفرصة إذ لم يبق مع طوپال عثمان باشا في كركوك إلا القليل. كما علم بما بث من جواسيس و أن بغداد لا تزال في قحط …
كانت الحالة في العراق مضطربة و لكن عثمان باشا حينما سمع بخبر نادر شاه جمع بعض الجيوش رغم تفرقهم فقاومه لمدة لم يطل أمدها فقتل عثمان باشا أثناء الحرب فخلا الجو لنادر شاه و حينئذ ضاعف جيوشه علي بغداد …
كانت حالة بغداد معلومة. المؤونة مفقودة و الجيوش متفرقة و الپاشوات مضوا إلي مواطنهم فانقطع الرجاء في المدد بل استحال أمره، فصار الوزير و الأهلون في ارتباك حالة من رجوع نادر شاه لا سيما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 283
و قد علموا أن طوپال عثمان باشا قتل، و لكن الوزير عزم علي الدفاع إلي آخر نفس …
و مما يلاحظ أن الوزير بعث بعائلته إلي البصرة، و في هذه الأثناء أرسل نادر شاه قائده بابا خان إلي جهة الحلة. و هذا خرّب (بستان الباشا) المعروف بهذا الاسم. و من ثم أعلن الوزير أن من لم يستطع البقاء في المدينة فليخرج، و ليذهب حيث شاء فخرج كثيرون. و لكن الشاه ألقي القبض علي
غالبهم فقتلهم، فلم يبق مع الوزير إلا القليل.
ضرب الحصار علي البلدة كالأول. فعزم علي فتحها فأصابها ما أصابها في المرة الأولي من الضنك و الضيق. و لكن المحاصرة لم تطل بل طلب نادر شاه الصلح بسرعة فأرسل رسولا يدعو الوالي إلي إعادة المدافع التي أخذت في همذان ليقبل الصلح.
و كانت هذه المعاهدة ترمي إلي لزوم بقاء الحدود بين ايران و الدولة العثمانية علي ما كانت عليه قبل حرب الافغان.
اكتفي بهذا لأنه ورد إليه الخبر بأن محمد خان بلوج ثار عليه فتزايد ضرره و تسلط علي بلاد كثيرة في فارس.
قبل الوزير بالصلح و أمضي العهد بين الجانبين و في الحال ذهب نادر شاه لزيارة العتبات و رجع بسرعة إلي ايران.
إن هذه المحاصرة دامت عشرين يوما أو أقل إلا أن الأهلين رأوا منها مضايقة أشد من الأولي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 284
إن الحكومة بعد أن مهدت ارجاء بغداد حوّلت عزمها نحو عربان الجزيرة. قالوا: و كانت رأت منهم أمورا أنكرتها من مناصرة العدو و إظهار العيوب. و الدلالة علي مواطن الضرر و المساعدة من كل وجه … و أن عصيان هؤلاء كان خطرا أكبر فأظهروا الموافقة للشاه و تابعوه في الأغلب و بصّروه بمواطن الضعف مما لم يتيسر له الوقوف عليه لولاهم …
فلما اندفعت تلك الغوائل عن الحكومة عزمت علي الانتقام من هؤلاء و تأديبهم. و لذا سيّر الوزير أحمد باشا كتخداه محمد باشا إلي الحلة و منها سار إليهم …
و أول ما وجّه عزمه نحو شمر. و كانوا معتزين بكثرة جموعهم و عددهم فحصلت معركة قوية بين الطرفين دام القتال نحو بضع ساعات ثم دارت الدائرة علي العشائر فقتل منهم الكثير و كسر
الباقون و كانت الغنائم وفيرة. و أطلق سراح من أسر …
ثم إن الكتخدا توجه نحو (آل قشعم). و (زبيد). و هؤلاء أوردوا موارد من سبقهم، و أسر شيوخهم فأرسلوا إلي بغداد مكبّلين فعفا عنهم الوزير علي أن لا يعودوا لمثلها.
بقي الكتخدا هناك مدة نظم في خلالها الأمور و أمن الطرق و رجع إلي بغداد ظافرا …
و حينئذ بالغ الوزير في إكرامه و ألبسه كرك سمّور، فكانت تعد هذه الوقعة من أكبر مفاخره.
و يلاحظ هنا أن الحكومة كانت تختلق أنواع الأسباب للوقيعة بالعشائر كلما أحست من نفسها بقوة بأمل النهب و السلب. و هذا ما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 285
أحكم العداء بين العشائر و الحكومة بحيث صار كل ينتظر الفرصة للوقيعة بصاحبه.
أرسل الوالي العساكر فنهبوا قري اليزيدية علي الزاب فتبعهم حسين باشا الجليلي و أخذ ما نهبوا و عاد.
عزل الوزير أحمد باشا و وجهت إليه ايالة حلب فامتثل الأمر و نصب مكانه إسماعيل باشا، و كان والي طربزون.
أطاع أحمد باشا الأمر أملا في أن يستريح من غوائل بغداد المتمادية، بالرغم من أن هذا المنصب أقل من سابقه مع أنه كانت له قوة من الكولات تبلغ (1200) مملوك، و هم صنوف بينهم الآغوات و جميع من كان في دائرته يبلغون اثني عشر ألفا. مطيعين له طاعة تامة.
عزم علي الذهاب فتوجه إلي محل وظيفته … و يعزي سبب عزله
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 286
إلي ما كان بينه و بين علي باشا بن الحكيم من الخصومة …
كانت بعض العشائر تضمر له العداء فلما علمت بعزله حاولت الانتقام منه، و الوقيعة به لما نالها منه فرابطت له في طريقه، و أهم من عرف من هؤلاء عشيرة (الغرير و الشهوان) و تابعتهما عشائر أخري، و كان الغرض الاستيلاء علي ما عنده، و الوقيعة بمن معه من جند، هاجمها بمن معه وصال عليها صولة مستميت لما علم من نياتها كما أن من معه من جيوش فادوا بأنفسهم و حملوا حملة صادقة …
قالوا: دامت الحرب بين الفريقين مدة فأبدي هو و جنده بسالة لا مزيد عليها فكانت النتيجة أن هزموا هؤلاء العربان و قتلوا منهم الكثيرين و غنموا غنائم و فيرة و ذهبوا في طريقهم حتي وصلوا إلي الموصل …
عسكر خارج البلدة. و حينئذ قدم عرضا للدولة يطلب أن يعفي من حلب و أن يعين إلي غيرها في موطن قليل الموارد و المصادر. و علي هذا أجيب إلي ما طلب فنصب لإيالة أورفة (الرها). سار إلي محل وظيفته الجديدة … و لما قارب ماردين شكا إليه أهلها
صولة (الكيكيّة) و هم مشهورون. قالوا نهبوا القوافل، فأقلقوا الراحة و لم يقدر أحد علي ردعهم، فسمع هذه الشكوي و سار عليهم في جيشه فلما قاربهم تأهبوا للقتال و للنضال. لكنهم لم يلبثوا طويلا و لم يقووا علي القراع ففروا و صار القسم الأعظم منها طعما للسيوف و بذلك رفع كيدهم و قضي علي غائلتهم …
ثم سار حتي قارب اورفة فاستقبله الأهلون و العشائر و احتفلوا بقدومه، أذعنوا له بالطاعة، ثم بعد أيام وفدت عليه عشيرة طيي ء فرحب بأمرائها … ثم رحلوا عنه شاكرين.
و بعد ذلك قام بتأديب (عشيرة البقارة)، و تلاها بعشيرة (قوجه عز الدين) و كانوا يسكنون في (جبل الگاوور) بين حلب و أورفة و يعنون به
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 287
جبل النصاري. فأمن الحالة و الطمأنينة.
و جاء في تاريخ نشاطي أن الوزير عزل في سنة 1147 ه و وجهت إليه مدينة حلب. و قبل أن يصل إلي تلك الإيالة أنعم عليه بمنصب الرقة. و في شعبان دخل الرها …
أما الأهلون في بغداد فقد كانوا يتحسرون علي أيام أحمد باشا، و يحسبون أنها لا تعود إليهم مرة أخري. فيئسوا من صلاح الحالة، اختل النظام داخلا و خارجا و فقد الأمن و تشوشت الأمور بحيث استحالت السيطرة علي الادارة. فأحال الوالي الأمر في الخارج إلي رؤساء العشائر و ليس لهم تلك الكفاءة و القدرة.
و هنا يلاحظ أن إسماعيل باشا كان واليا قديما لكنه قليل الخبرة بأحوال العراق و أصول إدارته. و لذا اضطربت الإدارة في أيامه فاستغاث الأهلون منه و نقموا عليه … فالينگچرية عاثوا في الداخل و كانوا ألوفا متعددة. قال صاحب الحديقة: أخبرنا الكهول أن هؤلاء كان بأيديهم حكم
البلد في أيام الولاة الأول لا يقدرون علي إذلالهم غير الوزير أحمد باشا و أبيه حسن باشا. و إلا فقد شاهدنا أعمال هؤلاء أيام إسماعيل باشا و محمد باشا كما قدمنا بل شاهدنا أفعالهم بعد موت أحمد باشا. و كذا العشائر استفحل أمرها في الخارج.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 288
إن الخطة العراقية مهمة جدا من جهة مجاورتها لإيران، و من جهة أنها مجمع عشائر مختلفة، و محل إثارة القلاقل فالضرورة تدعو إلي حسن إدارتها و أن تعهد إلي وزير منحك يقوم بشؤونها.
و لما كان زمن إسماعيل باشا أيام تسيب و انحلال ضجت الناس، و شاع التذمر من إدارته فاقتضي ايقاف الأحوال عند حدودها خشية أن يتسع الخرق فيصعب تسكين الوضع …
و في (گلشن معارف) أن الوزير إسماعيل باشا اختير للصدارة فذهب من بغداد بسرعة فوصل إلي اسكدار في 11 جمادي الأولي فبقي في الصدارة 87 يوما ثم عزل.
عهد بإدارة بغداد إلي حسين باشا الجليلي والي الموصل إلي أن يأتي الوزير محمد باشا. و كان من الصدور السابقين.
قضي نادر شاه علي غائلة محمد خان بلوج سنة 1146 ه. و في السنة التالية لها سمع أن عبد اللّه باشا الكوبريلي والي مصر سار إلي أنحاء قارص بجيش لجب. سارع إليه فحدث تصاف بين الفريقين قرب اريوان في صحراء بغاوند فكان ربح الشاه هذه المعركة بعد قتال عنيف.
و فيها استشهد القائد عبد اللّه باشا. و أجري الصلح علي أساس ما جري
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 289
مع أحمد باشا والي بغداد. ثم ذهب إلي صحراء مغان فأعلن سلطنته في 24 شوال سنة 1148 ه و بهذا انقرضت الدولة الصفوية. و بعد ذلك قصد ارضروم فاختار السلطان الوزير أحمد باشا قائدا لمقارعة الشاه فأصدر فرمانه بذلك و دعاه للمهمة بعد أن أثني علي أعماله و أعمال والده و ما قاما به من الخدمات الجليلة. جهزت الدولة ما يلزم من جيوش و أمراء و مهمات و ذخائر له و كان هذا الوزير مطلعا علي دخائل نادر شاه
و مكايده و قادرا علي تحمل الخطوب الجسام، و أهلا للنضال و خوّل أن يتصالح معه إذا رغب في الصلح، فتوجّه بعساكره الجرارة و جحافله …
و لما وصل إلي قرب أرضروم وجد الأهلين في ارتباك فأزال عنهم الخوف و سكن من روعهم.
و جاء في تاريخ نشاطي أنه في سنة 1148 ه أودعت إليه قيادة الجيش في أرضروم، و منح ايالة الأناضول في 15 ربيع الأول و أورد نص الفرمان. فعزم علي الذهاب إلي أرضروم في 2 شهر ربيع الآخر متوجها إليها.
و في رجب دخل أرضروم، و شرع في عقد الصلح مع نادر شاه، فكان عمله سمعة و سلامة.
رأي نادر شاه أن الدولة العثمانية اهتمت للأمر و عزمت علي المقارعة و تيقن أن هذه الحروب ليس وراءها فائدة فأذاع أنه لا يزال علي العهد، و أنه لم يقصد سوي تسخير السند و الهند و لم يكن له غرض في هذه الديار و إنما قصد تجديد الصلح …
عاد السفير العثماني مبيتا غرضه المذكور فعرضت القضية علي الدولة العثمانية و تمت المعاهدة في جمادي الآخرة سنة 1149 ه و فيها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 290
بيان أن الحدود تبقي علي ما كانت عليه في معاهدة السلطان مراد الرابع. ثم رجع نادر شاه كما أن الوزير عاد إلي مقر حكومته …
و يلاحظ أن نادر شاه حوّل عزمه لمقارعة من لم يكن معتاد الحروب متمرنا عليها. ألهم هذا الخاطر مما وقع من التأهبات في أنحاء الاناضول. فوجد أن الأمر لم يكن مقصورا علي العراق …
إن الحكومة العثمانية نظرا لما قام به أحمد باشا من محافظة الحدود، و صد غائلة نادر شاه، و إنهاء أمر الصلح معه أنعمت عليه
انعامات عظيمة و أصدرت الفرمان بعزل محمد باشا و نصبه مكانه … لما رأته من مرض محمد باشا و اعتلاله بعلة (داء الفيل) دون أن يهتم بأمر العراق فاختلت الاحوال و اضطربت داخلا و كذا العشائر انحرفت عن الطاعة في حين أن الإدارة أيام أحمد باشا و أبيه كانت علي ما يرام من راحة و طمأنينة و أن الينگچرية كانوا منقادين يخشون البطش فلم يستطيعوا أن يتدخلوا في الأمور.
زالت الطمأنينة و استولي الهلع و تحرك أحمد باشا من أورفة إلي بغداد فوصل إليها في 8 رجب و عين سليمان باشا كتخدا له و أخرج الكتخدا السابق فكان سرور الأهلين بالوالي كبيرا فاحتفلوا به في اليوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 291
التالي و أن إسماعيل الروزنامة جي مدحه بقصيدة تركية كما مدحه آخرون بجملة قصائد عربية. ثم رتب الوزير رجاله و صار يتحري عن العابثين و يوقع بهم … فنكل برؤساء الينگچرية.
قال صاحب حديقة الزوراء حصلت بغيبة الوزير المعارك في مدينة السلام، و كثر القتل فأظفره اللّه برؤساء الينگچرية، فخنق منهم الجبابرة المتمردين و قتل منهم العتاة. و نفي بعضهم عن البلد و حصل بذلك الفرح و السرور، و لم يبق منهم إلا القليل و لم يترك إلا الضعيف، فذلت أولاد الحاج بكداش (بكتاش) بعد شموسهم، و هم إذ ذاك آلاف متعددة و جنود مجندة، و اخبرنا الكهول بأن هؤلاء بأيديهم حكم البلد لم يقدر علي اخضاعهم غير هذا الوزير و أبيه صارا مضرب المثل و تفردا بهذا الأمر و إلا فقد شاهدنا أفعال هؤلاء أيام إسماعيل باشا و محمد باشا بل أيام الحاج أحمد باشا فأخرجوه من البلد علي ما سيوضح.
ثم رشح الوزير كتخداه
السابق محمد باشا فعيّن لإمارة شهرزور برتبة (مير ميران). و كذا بعد مدة حصل لكتخداه سليمان باشا امارة البصرة برتبة (مير ميران).
نظم الوزير الداخل و أكمل كل الوسائل لراحة الأهلين … ثم عطف نظره إلي أمر الخارج و تنظيمه أيضا …
علم أنه حين غيابه قامت العشائر بقطع الطرق و الشقاء و ارتكاب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 292
المفاسد فعزم علي تأديبهم دون تمييز صنف عن صنف.
و من بين هؤلاء الشيخ عبد القادر شيخ بني لام كان أشد ضررا.
تجاوز الحد و أكبر ما يركن إليه أن عشائره وافرة العدد، كثيرة العدد كما استعان بالمجاورين، و بالفيلية و ناوءوا الحكومة مناوأة تامة فتجمعوا في محل يقال له (علي الظاهر) و هو محل بين بغداد و البصرة.
و علي هذا قدم الوالي أمر هؤلاء علي غيرهم فجهز عليهم قوة كافية، و ذهب بنفسه … عند ما قدم الوزير إلي بغداد كان جاء لمواجهته موح ابن الشيخ عبد القادر للتبريك معتذرا عن والده أنه مريض لا يستطيع الحضور خشية أن يبطش به فقال الوالي له إن والدك مريض القلب و سأتواجه معه و أكرم الابن و سيره. و لم يحقق تهديده إلا في هذه السنة فقام بجيشه.
و لما كانت البصرة تحت حكم هذا الوزير، و كان الاسطول بيد موسي باشا القپودان شعر الوزير منه ببعض الخيانة فأمر بأخذ الاسطول منه سوي أنه حذر أن يفر بها إلي البحر فاتخذ الوسائل بخصوص تقريبه إليه فجلبه لجهته ثم عزله و حبسه. و نصب مكانه إبراهيم باشا و عهد بالأسطول إليه.
قال في الحديقة:
«سار- الوزير- في البر و السفن تجري علي سيره في البحر.
لتكون حاضرة عند الحاجة للعبور و حمل الامتعة و
الذخيرة و الاسلحة، و هذه السفن ليست كغيرها بل هي علي هيئة مراكب صغيرة فيها المدافع و البنادق و سائر آلات الحرب و لها أناس معينون يقال لهم (الفرقدجية)،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 293
و لكل سفينة كبيرة موظفون لهم الوظائف من الخنكار مهيئة للحرب لكنها ربما تحمل التجار بإذن الوالي.» اه.
سار الوزير في أواخر السنة الماضية و حينئذ وقع الرعب في قلوب القوم. حاذر الشيخ عبد القادر علي أمواله و عياله من نتائج هذه الحرب فاتخذ بعض الأماكن الحريزة الصعبة المنال و استعد للحرب و أبدي خصومة شديدة و قبل أن يشتبك الفريقان حدثت مبارزة فتجاول الابطال فيها علي الانفراد فأبدي كل من الجانبين المهارة و منتهي البسالة …
ثم إن الفريقين اشتبكا في الحرب حتي أنهما لم يجدا مجالا إلا التناحر بالخناجر فثبت كل من الجانبين في ساحة القتال و لم يتبين الغالب فكان الهول عظيما. ثم ظهرت علائم النصر في جيش الوزير و ولي العشائر الأدبار و قتل خلق كثير و فر الباقون فعقبوهم إلي أخبيتهم و اغتنموا أموالهم و أسروا قسما كبيرا منهم، و علي هذا ورد جماعة و طلبوا الأمان و تصالحوا علي أن يؤدوا الميري و مصاريف الجيش فقبلوا و أبقي كاتب الخزانة و بعض الجيش فصدر الأمر بالعودة …
و في أول سنة 1150 ه عاد الوزير إلي بغداد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 294
رغب نادر شاه في تأكيد الصلح فأرسل سفراء إلي الدولة. ورد أحدهم بغداد يوم الخميس 10 المحرم سنة 1150 ه و معه كتاب إلي الوزير يفيد أن الصلح تم بيننا و قويت روابط الصداقة إلا أن أسري الطرفين بقوا علي حالهم فإذا تم
فكهم قويت الأواصر أكثر و رجا أن ينهي ذلك.
تلقي الوزير كتابه هذا بقبول حسن و أجاب الطلب و استقبل السفير استقبالا باهرا و أمر أن تنصب له الخيام و تتخذ الضيافة اللائقة و دعي أن يدخل المدينة …
قالوا: كانت هذه العشيرة تقطع الطرق و تنهب القوافل فتزعج الراحة. فقصد الوزير التنكيل بها فجهز جيشا عليها. و ذهب بنفسه لمحاربتها و لما وصل إليها رآها احتمت بحصونها و متاريسها و تأهبت فرسانها للغارة و الحرب … لكنها لم تقو علي هجمات الجيش فولت الأدبار من أول حملة إلا أن المشاة المتحصنين ثبتوا نظرا لمناعة الأمكنة و الاحتماء بها فصاروا يضاربون الجيش ببنادقهم و سهامهم نساء و رجالا.
أما الوالي فإنه أعد العدة للحرب في الأماكن المنيعة. فهاجمهم بالخيالة و المشاة و لم يبال بالدفاع المستميت فتمكنوا من صعود الجبل و الموافاة إلي المواقع فأطلقوا السيوف في رقابهم و قتلوا فيهم تقتيلا شائنا و أسرت بقيتهم الباقية …
ثم إنهم طلبوا الأمان و لما كانوا من اتباع الإمام الشافعي فحرمة لمذهبهم عفا عنهم و عاد الجيش ظافرا منصورا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 295
قال صاحب الحديقة: لم يكن هؤلاء قطاع طرق، و إنما كان ذلك لأمر أراده الوزير و إلا فهم شافعية ذوو غيرة دينية و حمية، أكثرهم طلبة علم و أصحاب جوامع و قري يكرمون الضيف و جل ما هنالك أن الوزير أراد الغزو و النهب فحصل علي مرغوبه من الغنائم!!
و قالوا: و كان هذا شأن بعض العشائر في الجانب الغربي مع أهل القري. أرسل عليهم الوزير بعد عودته سرية مع كتخداه سليمان باشا فأدبهم تأديبا تاما، ثم أغار علي عشائر زبيد فلم يقووا علي المقاومة، ففروا من وجهه و قفل راجعا، و علي كل أرادوا نهب أهل القري و العشائر فحصلوا علي الغنيمة.
حدث الطاعون في الموصل، بدأ في هذه السنة و اشتد في السنة التالية. فكان يحدث في اليوم نحو ألف اصابة فأكثر.
في كل مرة نعتقد أن الوزير قضي علي هذه العشيرة و أمثالها لكننا لا نلبث أن نراها عادت إلي ما كانت عليه. فصرنا نشتبه من كل حادث عشائري و نتائجه. و في هذه المرة قيل إن عشائر بني لام لم ترتدع و إنما استمرت علي حالتها من قطع السبل و زادت عتوا فعزم الوالي علي محوها حفظا لراحة العباد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 296
أراد الوالي أن يخفي أمره فجهز في الخفاء العدد اللازمة فقام من بغداد و أشاع أنه ذهب للصيد.
حذرت العشائر و علمت أن الصيد وسيلة للإخفاء. لذا تفرقت كل عشيرة و ذهبت إلي جهة. و لما وصل الوزير إلي الجوازر أبقي (رئيس آغواته) المسمي (باشا آغا) مع ثلة من الجيش في صحبة ضابط الجوازر لتحصيل الرسوم الأميرية من (ربيعة) و عاد.
شرعوا في استيفاء الرسوم الأميرية من ربيعة و لما بدأوا بالعمل تأخر عن الأداء بعض رؤسائهم (أبو سودة) فسجنه أميرهم (علي بك)..
ثم إن العشيرة هاجمت الأمير ليلا و قتلته و أخرجت أبا سودة من سجنه و هربت إلي بطون الأهوار، و تبعتها بقية الفرق …
ثم إن الجند أخبروا الوزير فأرسل سرية بقيادة كتخداه سليمان باشا. و لما ورد أخبر بأنهم متحصنون بجزيرة يحيط بها الماء من جميع الجوانب فحاربهم من جهة منها رأي فيها ضعفا و مجالا لوصول الطلقات.
ولما صار الليل أبقي الكتخدا البنادقية أمامهم و سار حتي جاء من ورائهم فعبر الجيش. و كان تعوّد علي اجتياز أمثال هذه الأخطار أو العقبات. فلم يشعروا إلا و الجيش في الجزيرة فصاروا في حيرة من أمرهم.
و ربيعة معروفة بالشجاعة و تعد من أقوي العشائر و لها دربة علي
موسوعة تاريخ العراق بين
احتلالين، ج 5، ص: 297
الحروب، فلم يكن لها بد من قتال مستميت. شاهدت من الجند ما لم يكن يجول في خاطرها. و لما أصبح الصباح هرب من هرب سابحا و نجا من نجا بنفسه. فاغتنم الجيش خيولها و أموالها.
ثم إن الكتخدا بأمر من الوزير رجع إلي حسكة ليصلح منها بعض الشؤون و الصحيح لينال منها بعض الغنائم، فوردها و أمّن طرقاتها من جميع جهاتها و انقادت عشائر البدو من كل فج. و كان من جملة من قصد أمير المنتفق سعدون بجملة من عشائره. فاتخذ الكتخدا ذلك فرصة للوقيعة به. قالوا: و كان يزعم أنه (سلطان العرب) فقبض عليه و كبّله و رجاله و جاء بهم إلي بغداد، و سجن في الثكنة الداخلية، بقي زمنا و كاد يقضي نحبه و أيقن بالهلاك فطلب من الوزير أن يعفو عنه و شفع فيه بعض الأعيان فعفا عنه و جعله رئيسا كما كان و ألبسه حلة الرضا.
و في السنة نفسها أخبر الوزير بأن الأمير سعدون جمع نحو عشرة آلاف مقاتل فنزل بين النجف و الكوفة، و تغلب علي بعض القري، و منع الزراع من الانتفاع … قائلا: أنا السلطان في هذه الديار. و ما شأن أحمد باشا و ما السلطان؟ إني إن شاء اللّه آخذ بغداد و أحكم فيها بالعدل، و من ثم حاصر الحلة و بقية الضياع … كما حاصر البصرة قائلا: إنها ملكنا ليس للروم فيها شي ء، و إنا كنا نأخذ كل عام من أهلها الغنيمة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 298
قال في الحديقة: صدق … فإن هؤلاء المنتفق أعراب البصرة، و إنهم أكثر العرب مضرة، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم، و ذلت الوزراء عن درء أذاهم.
نقل عن والده أنه قال: كانت بغداد قبل تولية حسن باشا تأتي إليها العساكر الكثيرة من قبل الدولة و الوزراء العديدون يخيمون في الكرخ يأخذون صحبتهم والي بغداد إلي قتال هؤلاء فيرجعون خائبين من فتك أولئك
و قوتهم … و إن أهل البصرة يؤدون الخراج إليهم و إن واليها لا يسلم من ضرهم حتي يفوض الأمر إليهم، لكن مذ حل الوزير حسن باشا مدينة السلام كسر شوكتهم، و رفع غائلتهم عن أهل البصرة، و بعده جري ابنه مجري الأب.
نعم كان هؤلاء استخدموا العناصر العراقية بعضها علي بعض فتمكنوا و قويت سلطتهم كما أن المماليك كانوا عونا لهم. و كانت طاعتهم عمياء.
سمع الوزير بالخبر فعجل بالمسير و صحبه الاكراد و سائر ما عنده و لما علم بقدوم الوزير عليه قفل إلي ناحية البصرة فتبعه الوزير فاحتجب في بطون الأهوار، و كسر السد من جميع الجهات، و كانت طليعة عسكر الوزير الأكراد و رئيسهم عثمان باشا الكردي. فعبرت عليهم من خيول المنتفق الشجعان و قصدوهم فرسانا فالتقوا و بدأت الحرب. تكاثرت عليهم خيول المنتفق حتي صاروا أضعافهم و ازدحم عليهم المدد حتي فاقهم فقاتل ذلك اليوم عثمان باشا قتالا تتضاءل عنده الابطال فذهلوا مما رأوا و ولوا الادبار و تحرزوا في أهوارهم.
ثم جاء الوزير و وجه عليهم المدافع و حاصرهم لبضعة أيام فلم يبرح. فنالهم الجوع و الضيق لحد أن ابن الشيخ سعدون قدم علي الوزير و قال له: يا عماه إني جائع فأشبعني و إن أهلي و أقاربي كادوا يموتون
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 299
جوعا فإن عفوت فلك الفضل و إن لم تعف فلا ترجعني إلي أهلي فأهلك معهم فضحك الوزير لذلك و عفا عن سعدون و رجع عنه …
و لما رجع الوزير عاد الشيخ سعدون إلي ما كان عليه فأرسل سرية أمر عليها كتخداه سليمان باشا و لما وصلوا البصرة أبصروه بالمرصاد ينتظر قدوم العسكر فعزم علي القتال. اشتبك
الفريقان في الحرب ثم انجلت عن هزيمة سعدون و قومه. تركوا الخيام و قبض علي سعدون في المعركة فأخمدت أنفاسه و أرسل رأسه إلي الوزير و لما جاءه البشير أنعم عليه و علي قاتله بالعطايا الكبيرة و حينئذ أمر أن يسلخ جلد رأسه و يحشي تبنا و يوضع في صندوق و يرسل إلي الدولة لما شاع و ذاع عندهم من قوة بطشه. و هذا منتهي الحنق … !
و بعد أيام قلائل وصل الكتخدا إلي بغداد منتصرا فألبسه الوالي الخلعة لما قام به من خدمة و ما أحرزه من نصر …
قال في الحديقة: «ما ثبت في هذا الكتاب هو رواية الأكثر.
و حدثني بعض الجند و هو الأصح عندي أن غزوة سعدون كانت بعد غزوة بلباس، و أن نائب الوزير في بغداد (القائممقام) سمع بغائلة سعدون فخاف من ازدياد شوكته إذا أهمل فأرسل إلي الوزير و هو في بلباس بريدا يخبره بذلك فحين سمع ألوي عنان العزم و سار إليه فحدث ما قدمنا.
و حدثني البعض أن غزوة ربيعة و قضية القبض علي سعدون كانت قبل بلباس. و هذا هو الصحيح عندي.» اه.
و في تاريخ نشاطي ذكرت قضية الأمير سعدون في حوادث سنة 1155 ه جاء أنه أرسل الوالي كتخداه سليمان باشا علي الشيخ سعدون
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 300
شيخ المنتفق، و هذا قتل الشيخ و بعث برأسه إلي الدولة العلية فأنعمت عليه برتبة (روم اپلي).
و في مجموعة عمر رمضان أنه قتل سنة 1153 ه و مثله في عمدة البيان. و آل السعدون ينسبون إلي هذا الأمير. فاشتهر امراؤهم باسمه.
جاء في سياحتنامه حدود ما ترجمته: «مضينا من القرنة إلي جهة الشمال من طريق دجلة حتي
وصلنا إلي منتهي حدود المنتفق، فرأينا في الجانب الايمن من دجلة المقام الشريف للنبي عزير (ع). و هذا النبي ذو الشأن من أنبياء بني اسرائيل و هناك يهود كثيرون، و زوارهم أكثر من زوار سائر الملل، و ذلك أن المسلمين و النصاري إذا مروا بطريقهم من بغداد إلي البصرة، أو بالعكس و وقفت بهم السفينة هناك يتقدمون للزيارة و لكنهم لا يقصدونها خصيصا كاليهود.
إن والي بغداد الأسبق المرحوم أحمد باشا أمر بتجديد بنائه سنة 1150 ه و اتخذ علي مرقده الشريف قبة مغطاة بالكاشي و اتخذ تربة واسعة و كتب علي باب التربة بعد تمامها:
(قد جدّد و عمر هذا المكان المشرف الذي دفن فيه العزير عليه السلام ذو الدولة الوزير المكرم والي بغداد أحمد باشا سنة 1151 ه).
و التربة لها ساحة و في ثلاثة جوانبها حجر إلا أنها خالية، و ليس هناك من يتصدي لتنظيفها و تطهيرها إلا أن نفس التربة الشريفة لها باب مقفل و أن مفتاحه لدي أحد رجال القبيلة التي تسكن هناك. و في خارج هذه التربة بضعة أشجار و في داخل الساحة خمس نخلات و قد يعدّ ذكر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 301
مثل هذه الأشجار و النخلات عبثا كما يبدو لأول وهلة و لكننا مضينا في برية قاحلة و طويلة نتجول، فلم نر أشجارا و نخيلا فلما شاهدناها سررنا بها و بهذا ندوّن مسرتنا.» اه.
و ما قيل من أنه بناه كريم خان فغير صواب لأنه لم يأت إلي العراق، و إنما أتي أخوه صادق خان سنة 1189 ه فاستولي علي البصرة و لم يصل إلي العزير (ع).
قالوا: إن آل قشعم سلكوا طريق النهب و الغارة و شوشوا علي
الحكومة. اتفقوا مع عشيرة السرحان، و عشيرة الاسلم، و بني صخر، تجمعوا في محل يبعد عن شفاثا بضع ساعات. و هذا مكان منقطع خال من المياه تحصنوا فيه.
و لما رأي الوزير ذلك عزم علي القضاء علي غائلتهم، جعل جيشه قسمين قسما منه تحت قيادة كتخداه سليمان باشا، و كانت وجهته بلدة هيت، و الآخر تحت قيادته و توجه به من أنحاء كربلاء، أغاروا من الجانبين. و دامت غارة الوزير أربع ساعات بلا راحة و لا وقفة في شدة الحرّ و العطش فتيسر له الوصول وقت السحر إلا أنه هلكت منه نفوس كثيرة و حيوانات و فيرة. و أن بقية الجيوش لبثت في مكانها و لم تتمكن من الدوام نظرا لما نالها من الإعياء.
كان الوزير أمام الجيش سائرا و لم يكن معه سوي من هم بصحبته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 302
من أعوانه و لم ينتبه إلا و الشمس علت بارتفاع رمحين. و حينئذ رأي جموع الاعداء قد خفوا عن الابصار بسبب ما كان من حواجز و عوارض طبيعية …
شاهد الوزير الأعداء فرتب جمعه و من عنده و من ثم هاجمهم و هكذا كان والده يفعل فوجه عنان فرسه وصال صولته المعروفة …
و بينا الأعداء تأهبوا لحربه و مناوأته من جميع أطرافه إذ رأوا الاثقال أتت فظنوها الجيش الاصلي فداخلهم الارتياب و كسرت قوة صبرهم، فاستولي الرعب عليهم و شغلوا بأنفسهم.
و في هذه المعركة قتل ابن عم رئيسهم صقر، و هو سعد و كان أعور و خذل الباقون، تركوا أموالهم و سائر أثقالهم و أخبيتهم. و كان من جملة ما استولي عليه الجيش زوجة صقر فردّها الوزير مكرمة و لم يتعرض بها أحد …
ثم أمر
بنصب الخيام. و لم تأت العساكر المنقطعة إلا بعد أن مضي نصف النهار. رأي هؤلاء في طريقهم كثيرا من الجرحي و الفارين و فلولهم فكانوا يعجبون و يقولون ما هذه إلا فعلة ملائكة أعانت الوزير ليوقع هذه الوقيعة …
أما سليمان باشا فإنه ذهب بجيشه و لم يصل إلي المطلوب إلا أنه وقع بغير هؤلاء من أهل الشقاء فمزق شملهم و شتت جموعهم و رجع ظافرا … و جدهم آمنين فأصابهم علي غرة و لم يسمهم …
ثم عاد الوزير إلي بغداد غانما. و كل غزواته مثل هذه سلب و نهب لا تختلف عن عمل العشائر.
و للشيخ عبد اللّه السويدي قصيدة طويلة في مدحه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 303
و في الحديقة أن الوزير سار من بغداد في يوم و ليلة طالبا آل قشعم فأدركهم في الرحالية فوق شفاثا بأربعة فراسخ، و كانت المواقعة في شدة الحرّ. فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، و صرف في تلك الغزوة علي عساكره مقدار خمسمائة كيس. و لما جمعت الغنائم و هبها لأخت شيخهم كرما منه، و أبدي همة يعجز عنها ذوو الهمم العلية من الوزراء و مكرمة يعجز عنها سخاء حاتم في وقت الرخاء، و نظم السيد عبد اللّه الفخري قصيدة في مدح الوزير، قال فيها:
عقاب الوغي لما بدا طار صقرهم لدي حيث ألقت رحلها أم قشعم
1- الطاعون العظيم في بغداد. حدث في هذه السنة.
أرسل نادر شاه مع أحد أمرائه هدايا نقودا وافرة إلي الإمام الأعظم و العتبات المقدسة المباركة و تحفا سنيّة. و لما وردت بغداد كتب الوزير بها دفترا و سلم ما يخص العتبات بواسطة السفير الايراني فأوصلها إلي محلها. و أكرم السفير.
قالوا إن الشاه حاول إخضاع اللزك و هم طوائف من قفقاس.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 304
قاتلهم مدة فرأي منهم مكافحات عنيدة و تكبد خسائر ضعضعت من قوته.
اتفقوا علي صد غائلته فاجأوه بغتة بهجوم عنيد و كسروه شر كسرة و انتهبوا منه غنائم كثيرة من أموال و خيام و معدات لا حد لها …
رأي الشاه هذه الصدمة العنيفة فأرسل هديته هذه تغطية لتلك المغلوبية.
إن نادر شاه أراد أن يوثق أواصر صداقته و يؤكد حسن نواياه و مصافاته أكثر. و لذا لم يقطع رسائله و رسله. و لم يدع فرصة إلا و يقدم التحف و الهدايا السنية …
قدّم هدايا لا تعد. بينها أحد عشر فيلا مع أحد أمرائه حاج بك خان إلي الدولة العثمانية و واحد إلي الوزير. جاءت من طريق بغداد و معها ألف و خمسمائة فارس لمجرد اظهار الأبهة و العظمة.
استقبل الوزير هذا السفير استقبالا باهرا و أبدي له الاحترام فأخذه معه إلي قصره [1] في جانب الكرخ و أبقي أعوانه و أتباعه في الرصافة.
______________________________
[1] هذا القصر و البستان المتصل به عمرهما الوزير في هذه السنة و أطنب صاحب الحديقة في وصف القصر و قال إنه غربي قصر الخلد و ناظر إلي هور عقرقوف فوصف حديقته و أزهارها و اثمارها، و كذا مقاصيره و رياشه، و إتقان بنائه. جمع اوصاف الحسن. و هما في
الجهة الغربية من جانب الكرخ … و كانت عادلة خاتون بنت الوزير وقفتهما علي جامعي العادلية اللذين عمرتهما و صار يقال للبستان (بستان المتولية) فاستبدل بعد مدة و لازمها هذا الاسم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 305
ضيفه لأيام عديدة و أجري له ما يقتضي من تكريم و عرض الأمر علي دولته فقبلت ذلك بخير قبول.
و لذا سيّرهم الوالي إلي جانبها.
حاصر والي الموصل حسين باشا العمادية فصالحه أميرها بهرام باشا علي مال، فعاد.
توفي في هذه السنة يوسف المولوي المؤرخ الملقب ب (عزيز المولوي). مرّ الكلام علي تاريخه و ما له من قصائد تركية و المترجم خطاط معروف.
إن قطاع الطرق عانوا في الجانب الغربي و عطلوا الاسفار من محل إلي آخر. و لما علم الوزير بذلك وضع خيالة في الطرق لتأمينها و التحري عن أهل الشقاوة فلم يتمكنوا منهم. ثم أرسلت عيون خفية لتحقيق هذا الأمر فكانت النتيجة المتحصلة أن هذه العشائر اتفقت مع بعض المفسدين من أهل القري و الضياع فالتزموا الكتمان.
اطلع الوزير علي ذلك فعزم علي علي تخريب هذه القري و إهلاك أهلها فجهز عليها سرية بقيادة سليمان باشا الكتخدا. و هذا فرق جيشه و نبّه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 306
أن يقتل جميع رجالها و تنهب أموالها عدا كربلاء و الحلة و الغري و أن يذيقوهم جزاء ما اقترفوا و أن يجتمع الكل في (قرية المزيدية) و هكذا فعلوا.
ثم توجهوا نحو عشائر زبيد فأغاروا عليها و لكنهم أحسوا بالخطر فتفرقوا في البراري النائية …
رجع الجيش ظافرا و في عودته أغار علي القري و الضياع في طريقه فقضي عليها. قال صاحب الحديقة: «جعلها كمدائن عاد و ثمود كيلا يعود أحد من أهلها لمثل هذه المفاسد.» اه.
ظلم بظلم و نهب بنهب. بقي المنهوبون المستغيثون لم يتعرض لمصيرهم، و لا لتعويضهم. و ليس هذا بالتدبير الحازم.
قالوا: إن عشائر بني لام لم تزل مستمرة في جورها. وضعوا أهليهم و أثقالهم في محال بعيدة في شامخ الجبال و تأهبوا لسلوك سبيل الشقاوة …
فلما علم الوزير كتم الأمر و صار يتحري طرق الانتصار عليهم فهم علي ظهور خيولهم و هي تسابق الريح. أغمض عينيه عنهم و أشاع أنه يقصد حرب المنتفق. أمر بالنفير العام و كتب إلي رؤساء العشائر ليلحقوا به و أرسل الشيخ ثامرا إلي رؤساء هؤلاء فلم يعلموا بالأمر.
فسارعوا في المجي ء
إلي بغداد و نزلوا في دار كبيرة قريبة من مرقد محمد الفضل و حينئذ غصب خيولهم و قتل رؤساءهم و أعاد الباقين.
و للسيد عبد اللّه أمير الفتوي قصيدة مدح بها الوزير قال السويدي:
و الظاهر أنه قالها في غزوة بني لام الأولي. اه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 307
أراد الوزير ترويح النفس في موسم الربيع فنهض بركبه متوجها نحو مهروت (مهروذ) تصيد لبضعة أيام، ثم قفل راجعا إلي بغداد، لكن الايرانيين أشاعوا بأنه يقصد بلاد العجم. و لم يكن الغرض منه الصيد بل الغزو، فأصاب أهل ايران الرعب لا سيما أهل كرمانشاه و همذان. نالهم الهلع و فروا بأولادهم و أهليهم و بالنفيس من أموالهم.
أخبروا نادر شاه بذلك فعبأ الجيوش في همذان و كرمانشاه و وضع حامية في الحدود فهدّأ الروع و نبّه جيشه أن لا يتجاوز.
و هكذا نشر بعض المفسدين في بغداد أن العجم هاجموا العراق و جهزوا جيوشهم نحوها فراجت مما دعا إلي ارتفاع الأسعار و غلاء الحاجيات و صاروا يدّخرون الأطعمة و حصل توقف في الأعمال.
بلغ الوزير ذلك فتأهب لجمع الذخائر و إعداد العدة و عمل ما استطاع عمله من ترقب الطواري ء و قسم جنوده إلي فرق و وجه كل فرقة لتأديب بعض العشائر وردعهم و أرسل العيون إلي ايران لاختبار الحالة.
و من ثم علم أن الإشاعات لا أصل لها. لذا زال الاضطراب و حلّ الاطمئنان.
في منتصف رجب احترق جسر الموصل.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 308
امتد الغلاء في الموصل إلي هذه السنة بسبب قلة الامطار فزاد اضطراب الأهلين، و عظمت حاجتهم، و إن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي عمل أفرانا لإطعام الفقراء و المحتاجين، و أخرج الأهلين للاستسقاء فمن الباري تعالي بالمطر و ذهب البؤس.
مضي نادر شاه إلي الهند و سخر ممالكها إلي أن وصل إلي (جهان آباد) فضبطها سنة 1151 ه بعد قتال عنيف، ثم صالح سلطانها (شاه محمد) و غنم أموالا كثيرة و ألزمه أن يرسل إليه كل عام مبالغ معينة و ارتحل عنه. توجه نحو تركستان فاستولي علي بلخ و بخاري و أطاعه الافغان. و من ثم لقب نفسه ب (شاهنشاه).
ثم قصد الروم و لكنه أظهر لوالي بغداد الصداقة، فأرسل إليه أنه لم يشأ أن يكدّره فلم يقدم علي بغداد. ثم بدا له أن استمنحه جميع مزارع بغداد و كان الموسم وقت حصاد فأجابه الوزير إلي ذلك ضرورة أن لا يدخل معه في نضال جديد فأرسل نحو سبعين ألفا من جنوده. و في هذا لم يقصد إلا حصار بغداد و أن لا ينجد الوزير أهل الموصل فأحدق جيش الشاه ببغداد و صار عنها رمية بضعة أسهم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 309
تأهب الوزير و أهل بغداد للحصار و ارتحل أهل الكرخ منه إلي الرصافة. و نالهم الضرر الكبير من جراء ذلك.
استولي الايرانيون علي جميع قري بغداد و أطاعتهم العشائر و أرسل الشاه إلي البصرة نحو تسعين ألفا فحاصرها مع إضرام النار من الجانبين فلم ينل بغيته. و كان متسلم البصرة رستم آغا ناضل عنها. و دفع جيش نادر شاه و معه جيش الحويزة و عشيرة كعب و رئيسها سليمان فلم يتمكنوا إلي أن وقع الصلح.
و
كان نادر شاه توجه ببقية عسكره إلي شهرزور فأطاعه أهلها و أذعنت له عشائر الكرد. ثم توجه إلي كركوك فحاصرها ثمانية أيام أمطر عليها وابلا من القنابل، فمات فيها الكثير و خرب غالب أبنيتها فلم يكن لأهلها بدّ من التسليم فطلب منهم مبالغ طائلة من ابن المفتي و بعض أهل كركوك فلم يتمكنوا من أداء ما طلب فأسرهم، ثم تشفع فيهم الشيخ عبد اللّه السويدي حينما ذهب إليه فجي ء بهم إلي بغداد و بقوا فيها.
في سنة 1155 ه بدأ نادر شاه بتذهيب القبة و الإيوان و المأذنتين لمشهد الإمام علي (رض) و تمّ ذلك في (سنة 1156 ه) فبذل أموالا كثيرة و قدم للخزانة الغروية تحفا نفيسة. ورد ذلك في تاريخ (جهانگشاي نادري) و في (بستان السياحة). و للسيد حسين بن مير رشيد و للسيد نصر اللّه الحائري و غيرهما قصائد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 310
إن واقعة الموصل ذكرت في تقرير الوزير حسين باشا الجليلي المقدم إلي دولته مبينا حصار البلد و حروبه، و نجاحه إلي أن دفعت الغائلة و ليونس الموصلي قصيدة تركية أوضحت أكثر.
كان توجه إلي إربل فسلم أهلها ثم توجه إلي الموصل و كان معه من العسكر نحو مائة و سبعين ألفا و نصب علي دجلة جسرين فعبر و حاصر الموصل في النصف من شعبان و دام الحصار نحو أربعين يوما فثبتوا بالرغم مما أمطر عليهم من قنابل. ثم حفر ألغاما و ملأها بارودا و رصاصا فعادت علي جيشه و صعدوا السور بالسلالم فلم ينجحوا و لما لم يحصل منها علي طائل ارتحل و توجه بعسكره إلي بغداد بعد أن صالح حسين باشا الجليلي.
و نظم الحافظ السيد خليل البصيري الموصلي وقعة الموصل بأرجوزة أوردها في الحديقة. و كان قدمها إلي السيد عبد اللّه الفخري.
ذكر فيها محاصرة الموصل من نادر شاه و هي في مجموعة السيد عبد اللّه الفخري أيضا، و للسيد حسن ابن أخي السيد خليل قصيدة أشار إليها السيد خليل و لم أقف عليها، و عارض البصيري كل من السيد عبد اللّه الفخري و صاحب الحديقة بقصيدة. و في منهل الأولياء للأستاذ محمد أمين العمري تفصيل. و لما كان والي الموصل آنئذ
الحاج حسين باشا الجليلي قد ناضل عنها، و دافع دفاع الابطال كافأه السلطان بتمليكه قرية (قره قوش) بما فيها و كانت من خواص ايالة شهرزور، و تؤدي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 311
ثمانمائة قرش سنويا كبدل تيمار. رأيت الفرمان لدي الفاضل السيد أحمد بن أيوب بك الجليلي و هو مؤرخ في أواسط شوال سنة 1156 ه.
ثم وقف هذا الوالي القرية بموجب الوقفية المؤرخة في ذي القعدة سنة 1163 ه سجلها باستنبول. و حكي هذا التمليك و الوقف بما فيها من مزارع و مراع و رسوم و حقوق مطلقة من جميع التكاليف. و بعد أن تحققت ملكيتها وقفها علي ابنه محمد أمين باشا و علي أخيه سليم بك و علي ابن أخيه عبد اللّه بن مراد باشا بالتساوي علي أن يقوم هؤلاء ببناء جسرين علي الطريق بين بغداد و الموصل و البصرة و كركوك علي قرية لك و قرية كوكجه لي، و أن تؤدي إلي مراقد حضرات النبي يونس، و النبي جرجيس لكل منهما مبلغ مائتي أقچه تعطي لمتوليهما و ذكر شروطا أخري.
و لما لم ينل نادر شاه من الموصل مأربا توجه نحو بغداد فظهرت آثار الارتياب في الأهلين و استولي عليهم الخوف. و لما وصل الأعظمية اتخذت التدابير اللازمة للمقاومة و النضال عن بغداد.
و لما علم بذلك أرسل رسولا إلي أحمد باشا في الصلح مع الدولة العثمانية بلا قيد و لا شرط فقبل الوزير و أرسل إليه كلّا من محمد باشا الكتخدا السابق و سليمان باشا و ولي أفندي كاتب الديوان.
وصل هؤلاء إلي الشاه و أسسوا الصلح بين الطرفين علي أن يعود إلي مملكته، و تعرض القضية علي الدولة العثمانية … و حينئذ عزم
علي زيارة العتبات فذهب أولا إلي النجف الأشرف لمشاهدة القبة المذهبة و كان أمر ببنائها و منها ذهب إلي كربلاء و من هناك كتب إلي الوزير أحمد باشا أن يرسل إليه عالما بأمل التوفيق و التأليف بين السنة و الشيعة فأرسل إليه الوزير الشيخ عبد اللّه السويدي فحضر يوم الاربعاء 24 شوال سنة 1156 ه- 1743 م. أوضح ذلك في كتابه (النفحة المسكية في الرحلة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 312
المكية). ذكر نص (محضر العلماء) لمختلف الاقطار. و نشرت المذاكرات في حديقة الزوراء و في كتاب (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية) و طبعت مرارا و آخرها طبعة الأستاذ محب الدين الخطيب كما نقلت إلي اللغة التركية و طبعت و لخص الأستاذ عبد الحميد السباعي تلك المذاكرات باسم (السيوف العراقية) أملاها الشيخ محمد سعيد السويدي ابن الشيخ عبد اللّه السويدي سنة 1188 ه، فحكي ما جري. و عندي مخطوطتها.
و في جهانگشاي نادري للأستاذ محمد مهدي منشي نادر شاه نص المحضر بالفارسية و نسخته وضعت في خزانة الإمام في النجف و أذيعت في مختلف البلدان.
أبدي نادر شاه الاهتمام في اتفاق المسلمين و أن يزال ما دعا إلي الخلاف أيام الصفويين فبذل جهوده في تدوين المحضر. و نقل الأستاذ السويدي في رحلته أن نادر شاه أرسل أحد علماء كربلاء السيد نصر اللّه الحائري إلي مكة المكرمة و معه كتب إلي الشريف سعود ابن الشريف سعد و إلي المفتي و القاضي بأمل أن يصلي بالشيعة في ركن خاص في مكة فصار يرغّب و يرهّب فمنعه الشريف و كتب إلي الدولة بما جري فجاء المرسوم بالقبض عليه و تسليمه إلي أمير الحاج أسعد باشا العظم علي أن يسجن في
قلعة دمشق، فحبس. ثم طلبته الدولة. قال: و لم أدر ما يفعل به. و في هذا ما يوضح ما جاء في روضات الجنات.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 313
و بهذا يظهر أن نادر شاه خالف ما جري عليه الصلح. و لذا رفضت الدولة العثمانية أمر الصلح أو سكتت عنه و اتخذت التأهبات الجديدة للحرب.
قالوا: إن غصيبة شيخ زبيد ساعد العجم أثناء حصار بغداد و أضر بالناس كثيرا فاقتضي الانتقام منه و لكن لم يتهيأ ذلك من جراء أنه لم يستقر في مكان من البادية فأرسل الوزير إليه كتابا لطف له فيه المقال و طلب إليه أن يأتي إلي الحلة بجميع فرسانه و شجعانه. ليسير مع العسكر لقتال شمّر فقدم إلي الحلة و إن الوزير سيّر كتخداه سليمان باشا مع سرية. فلما تجمّع القوم فيها قبض عليه و من معه من أكابر العشيرة فصلبوا عند رأس الجسر و أخذت خيول الباقين … و نظم بعض الأمور هناك ثم عاد إلي بغداد …
هذا. و لم نجد أكبر من هذا الغدر. و لا غرابة أن تقوم العشائر تجاه هذه الأعمال القاسية …
عمرها الوالي حسين باشا الجليلي، ثم عمر نصف السور من الموصل.
إن شيخ بني لام عبد القادر كان الوزير أقطعه قصبة السماوة،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 314
فطفق بنو لام يعيثون هناك، فعلم الوزير أن ذلك كان بإغراء من رئيسهم فأرسل إليه يأمره بالقدوم إليه لأجل المحاسبة عن الميري الذي أقطعه أباه، فلما قدم إلي بغداد سجنه في القلعة مع ابنه فكان فيها أجله.
أراد أن يسلط العشائر بعضها علي بعض … ثم خافه فقضي عليه …
في عام 1157 ه تجاوز نادر شاه علي الحدود العثمانية من ناحية قارص لما علم من تأهبات فجرت له معارك دامية. و أن الدولة العثمانية حاولت القضاء عليه بواسطة قائدها محمد باشا الصدر الاسبق في أوائل سنة 1158 ه فتوغل هذا القائد. قارع الشاه مقارعات عنيفة. و لكن لم يفلح العثمانيون. و لم تقف الدولة العثمانية عند هذا بل لم تلبث طويلا و إنما بذلت ما استطاعت للدفاع ثانية و جهّزت جيوشا أخري من جديد و حينئذ شعر الشاه بالخطر و صار يخشي العاقبة لا سيما و أنه رأي داخليته مختلة، و أن خطرها أعظم. و كان يتوقع في كل لحظة حدوث ما يكره لا سيما و أنه لم يجن من كل هذه الحروب العظيمة فائدة ملموسة أو عائدة مهمة.
و علي هذا كتب كتابا إلي السلطان و كتب ابن ابنه شاه رخ ميرزا (اعتماد دولته) كتابا إلي الصدر الأعظم. و كذا رئيس علمائه ملا علي أكبر كتب إلي شيخ الإسلام. أرسلوا هذه الكتب مع أحد متميزي رجالهم (فتح علي بك التركمان) ليكون سفيرا فذهب من طريق بغداد إلي استنبول. و كتب كتابا إلي احمد باشا ليتوسط في الأمر و يبين رغبة الشاه و ملتمسه …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،
ج 5، ص: 315
ورد السفير إلي بغداد فأخره الوزير عنده و أرسل صور الكتب مع ترجماتها إلي السلطان. فعاد إليه الجواب بلزوم تأخير السفير مدة في بغداد. أخر السفير خمسة أشهر ثم سيّره إلي استنبول بإشارة من دولته.
و كان ذلك بأمل استكمال القوي ثم المفاوضة في الصلح …
و نصوص هذه الكتب في دوحة الوزراء. و توضح أنه عدل عن المطالبة بالاعتراف بالمذهب الجعفري و بالركن الخامس في البيت الحرام، و لا مانع أن يؤدي الشيعة صلاتهم مع أهل السنة، نظرا إلي أن مذهبهم يعتقد بأحقية الخلفاء الراشدين و يمنع من قبول البدع … و رجا أن تدوم الألفة و ينقطع النزاع و ذلك بترك آذربيجان لإيران، و العراق للدولة العثمانية …
ورد خبر في قبول المذاكرة في أمر الصلح و جاء إلي بغداد نظيف مصطفي أحد كتاب الديوان الهمايوني حاملا كتابا بنصبه مرخصا و بصحبته سفير الشاه فتح علي بكل التركمان. و أن الوزير بعث معهما ولي أفندي كاتب ديوانه فذهبوا إلي ايران. و لما وصلوا إلي موقع بين قزوين و طهران و جدوا فيلق الشاه فأمر بعقد الصلح. و تم ما يقتضي بسرعة. و عاد نظيف مصطفي مع ولي أفندي إلي بغداد و معهما مرخص الشاه محمد حسين بك.
و في الأثناء ورد من ايران السفير الكبير مصطفي خان شاملو و معه هدايا عظيمة للسلطان و كذا ورد خليفة الخلفاء السفير الثاني محمد مهدي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 316
خان رئيس الديوان فذهب الكل معا في 4 شوال إلي استنبول.
و ابتني هذا الصلح علي أن يتوقي الجانبان مما يمس بكرامتهما أو أحدهما، و أن يحمي الحجاج الايرانيون و يعاملوا كحجاج الروم، و أن يعتني بإيصالهم
إلي مأمنهم سالمين، و أن يعين سفراء من الجانبين لتأمين هذا الصلح و إشاعته. و أن يبدل السفراء في كل ثلاث سنوات مرة و أن يطلق أسري الطرفين، و أن لا يباع أحد منهم و لا يكره علي البقاء من أراد الذهاب إلي وطنه و أن يكون الصلح علي ما كان عليه أيام السلطان مراد الرابع و كذا الحدود و أن يلتزم محافظو الثغور الاصول القديمة فيحترسوا من الحركات المغايرة لشروط المسالمة … كما أن الايرانيين تركوا الأحوال المحدثة أيام الصفويين مما لا يليق من سبّ و تشنيع، و صاروا يطرون الخلفاء الراشدين بخير كسائر المسلمين، و أن لا يطالب أحد باسم وقفة (رسوم الجواز)، و أن يكون تجار الطرفين آمنين لا تؤخذ منهم مكوس زائدة، و لا من الزوار. و من تاريخ هذه المعاهدة لا تجوز حماية من فر من الجانبين، و أن يسلم إلي دولته عند الطلب.
في هذه السنة خرج الوزير كما هي عادته إلي الصيد نحو هور عقرقوف، و كان معه أتباعه و الشيخ بكر الحمام شيخ شمر، فحصل في هذه الأثناء بعض التعدي، فأراد أن يقبض علي شيخهم و يشن الاغارة عليهم فبلغ بكرا هذا الخبر فهرب من بين العسكر، و هذا هو شيخ زوبع من شمّر، و من ذريته خميس الضاري الرئيس المعروف اليوم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 317
تم تصديق المعاهدة بين الدولتين فأعلنت للأهلين كما أرسل كل من الجانبين سفيرا يحمل معه تصديق المعاهدة. و تأييدا للألفة قدم كل واحد هدايا نفيسة للآخر مع السفراء. و كان سفير العثمانيين الوزير أحمد باشا (الكسريه لي) والي سيواس، و معه رجب باشا والي (خداوندگار) و هو سفير ثان و أرسل الشاه السفير الكبير مصطفي خان شاملو و معه السفير الثاني محمد مهدي خان و هو كاتب ديوان الشاه و مؤلف تاريخ (جهانگشاي نادري) و كتاب (درة نادري)، و هو ابن محمد نصير النوري المازندراني و كتبه هذه مطبوعة.
ورد السفراء العثمانيون بغداد في 19 جمادي الأولي فأكرم الوزير مثواهم و أنزلهم في قلعة الطيور (الكرخ) ثم ذهبوا إلي ايران في 3 جمادي الثانية، و في الأثناء ورد سفراء ايران فالتقوا بهم في 16 من هذا الشهر في سرميل بعد أن وصلوا جبل (پاي طاق) و تجاوزوه بمسافة ثلاث ساعات و نصف، فاتخذ الوزير مراسم التكريم و الاعزاز و في 21 منه نزلوا أمام قلعة بغداد فاستراحوا ثمانية أيام ثم ذهبوا إلي العتبات للزيارة بأمل أن يذهبوا إلي استنبول.
أما السفير العثماني فإنه لم يكتم الوزير أحمد باشا والي بغداد ما جري. أطلعه علي الكتب المرسلة من حكومته …
إن الشاه لم يستقر في وقت من حين نهضته إلي تاريخ وفاته. فهو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 318
في جدال عنيف و حروب متمادية فالكل في خوف عظيم منه.
و في أواخر أيامه ركن إلي السلم و عقد معاهدة مع العثمانيين.
و كانوا وقفوا سدا عظيما دون آماله و جل ما حصل عليه أن أعاد إلي ايران حدودها القديمة قبل حرب الافغان و أيام السلطان مراد الرابع، و حينئذ
أدرك لزوم تنظيم الداخل و حسن ادارته. و اتخاذ الدواء الناجع.
هذا الشاه فاتح عظيم اكتسب حب الشعب بإقدامه و بسالته و حسن ادارته و سياسته. فكانت أوائل أيامه زمن بطولة و شجاعة و تخليد ذكري فهو منقذ عظيم للأمة الايرانية مما انتابها من آلام و حاق بها من مخاطر و مصائب.
و من ثم اضطر بسبب الفتوح إلي مراعاة السياسة العامة فاشتد كره الأهلين له. بدأ ذلك من تاريخ اعلان سلطنته و تعيين نهجه في صحراء مغان لا سيما أنه لم يكن من الأسرة المالكة. شعر منهم بوحشة و رآهم في صدود عنه مقسورين علي الطاعة فلم يستطع أن يستهويهم لجانبه بل لم يدركوا آماله فكان ذلك من أكبر مولدات النفرة. اتخذ الوسائل الممكنة فلم تنجع بل قوي التشنيع عليه. و لعل هذا ما دعاه إلي الصلح حذر الغوائل فأنجزه بسرعة للقضاء علي البقية الباقية من الصفويين. و أن يؤسس حكومة تبقي له و لأعقابه بعد تأمين أوضاع الجوار.
فالشاه صار في شك من أمنه بل في حذر منها. فجعل غالب جيشه من الاوزبك، و القاجار، و الأفغان. و هؤلاء يوضحون الغرض الذي هو نصب عينيه. فالواهمة استولت عليه و رأي الكل في نضال معه.
يخشي ثورتهم، فاتخذ جيشه من غيرهم و لم يكن ذلك استفادة من خشونة هذه الأقوام و عدم قابلية أهل المدن في تعودهم علي الحروب … و هذا الاحتراس زاد في النفرة أكثر و إن كان اطمأن به و قوي نوعا. فهذا الرجل العظيم راعي جميع الوسائل للاحتراس
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 319
و الحيطة فلم يقصّر في تدبير لكن ارادة اللّه غالبة.
و من جهة أخري إن الشاه لم يقف عند حدود ذلك
التدبير، و إنما رأي أشراف ايران و أكابر أغنيائها العضد الوحيد في توليد الاضطراب و الثورة فاختط خطة تدميرهم الواحد بعد الآخر لأدني سبب أو بلا سبب و انتهب أموال الاغنياء بحيث صاروا لا يملكون شروي نقير كما أنه قتّل فيهم و نكّل و أقصي … و هكذا فعل..
ظهرت المعارضات له من كثيرين شرعوا في التمرد عليه. و يئسوا من حالتهم فخافوا بطشه و طال لسانهم و في الخفاء شرارة تذكو و تلتهب، فتعاهدوا علي قتله. فكانوا يترقبون الفرصة و يتطلبون الوقت الموعود.
و شعر بالخطر، فاتخذ التدابير.
أقدم أمراء العجم علي قتله قبل أن يقضي عليهم. نالهم اليأس فاستحقروا الحياة.
و في ليلة 11 جمادي الثانية غدروا به في ساعة نومه و قتلوه ثم حزوا رأسه و أخذوا ما لديه من المجوهرات و النفائس و أرسلوها إلي علي قولي خان.
و في اليوم التالي شاع خبر وفاته فانفصل جيش الافغان و الاوزبك عن عسكر العجم. حدث قتال بينهما فانسحب الاوزبك و الأفغان و انتهبوا ما تمكنوا عليه من دواب و مواش و سلكوا طريق المشهد، و إن عساكر العجم استولوا علي خزانته و قوضوا الخيام و توجهوا نحو علي قولي خان.
و في هذا اليوم قتل العسكر (نظر علي خان) من كبار رجال الشاه و انتبهوا أموال كل من (معير خان) و (ملا باشي) اللذين لاذا بالفرار بأنفسهما.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 320
ثم إن مهر دار الشاه أركب حرمه الخيل و وضع جسد نادر شاه علي بعير و توجه إلي المشهد و في الطريق ظهرت عليهم طائفة من الأكراد فهجموا عليهم. و في أثناء المحاربة ألقي جسده في الوادي و وضع عليه التراب و أخفي …
ثم حدثت
فتن في كل انحاء ايران و اشتعلت نيرانها فلا تسمع غير الغارة و النهب و أنواع المفاسد. و صار كل يدعي السلطنة و يحاول اغتنام الفرصة.
و من ثم طويت صفحة حياة هذا الشاه العظيم الذي أحدث دويا فذاعت أخباره في الشرق و الغرب. و تناول بحثه المؤرخون في العالم للاستفادة من معين هذه العظمة و هذا النبوغ. و كل ما يقال فيه إنه اخترمته المنية قبل تنظيم الداخل و تمكين ادارته فحرمت ايران من هذه النتائج و كانت في أشد الحاجة إليها.
أما السفير أحمد باشا الكسريه لي فإنه وصل إلي همذان فحدثت الحادثة و من ثم تواترت الأخبار الموحشة فخرج الأهلون في همذان عن الطاعة و تحاربوا مع الاوزبك و الأفغان فصارت قضية السفارة مستحيلة …
رأي السفير أن لا مجال للبقاء و أنه في خطر عظيم كما أن العودة لا تتيسر. و بعد المشاورة مع من معه عزموا علي الذهاب إلي بغداد من طريق سنة (سنندج) فعادوا و معهم الهدايا محروسة بالجيش فتجشموا الاخطار فوصلوا إلي (سنة) سالمين و كانت إذ ذاك من أملاك الدولة.
و في اواسط شعبان وصل السفير إلي بغداد.
و في حديقة الزوراء، كانت معه هدايا عظيمة من جملتها نحو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 321
المائة حصان برخوتها و حليّها.
ثم إن سفير ايران مصطفي خان بعد أن عاد من زيارة العتبات توالت الأخبار عما وقع في ايران فعرض الوزير أحمد باشا الأمر لدولته بما وصلت إليه الحالة فأمرت بتأخير هدايا الطرفين في بغداد إلي أن يتبين الشاه. و بقي مصطفي خان ينتظر ما سيتم.
و كان من جملة هدايا نادر شاه إلي السلطان فيلان يجيدان المصارعة و اللعب العجيب، و خيمة من الديباج محبّرة بالذهب. بعض اعمدتها فضة، و بعضها ذهب و أوتادها فضة و أطنابها من الابريسم المطعم بالذهب و طرازها محبوك باللؤلؤ الجيّد. و من بين الهدايا المرسلة عرش الشاه. كان جلس عليه يوم مذاكرات الصلح فأمر أن يقدم إلي السلطان. أبدي ذلك معير خان للسفير العثماني.
رأي الوزير أن أحمد آغا مستكمل المزايا و قام بخدمات مهمة و لذا زوجه ببنته عائشة خاتون المستجمعة لصفات الكمال و الأدب فهي درة زاهرة، و جوهرة باهرة. كذا نعتها صاحب الحديقة. و مثله أو قريب منه في دوحة الوزراء.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 322
و في تاريخ نشاطي في 2 ربيع الأول جري العقد، و في 12 منه وقع الزفاف و أرخ بقصيدة تركية كما أن عبد الرحمن السويدي قال قصيدة فيها تاريخ الزواج.
و جاء في كتاب عنوان الشرف أن عبد اللّه باشا والي بغداد تزوجها بعد وفاة زوجها المذكور.
ثم علم الوزير أن أكراد العمادية و عشائرها صاروا يقطعون الطرق و يعيثون بالأمن. فأرسل الكتخدا سليمان باشا لتأديبهم.
قالوا: إن متصرف بابان سليم باشا تابع الايرانيين مدة. و بعد وفاة نادر شاه راسل العجم و طلب منهم قوة لضبط بغداد. و أسس معهم مناسبات فعزم علي تأديبه بنفسه قطعا لغائلة الشقاق. فرتب جنوده و سار إليه. و كذا أرسل أمرا إلي الكتخدا سليمان باشا أن يتحرك إلي الوجهة التي قصدها و أن يجتمعوا هناك.
سار الوزير و في اليوم الخامس من حركته ورد إليه والي كركوك مرتضي باشا ثم وصل إلي (حسن دبه). و منها إلي (تابين)، حتي ورد (قمچوقة)، و لما كان سليم باشا لا قدرة له علي المقاومة فرّ مع أخيه (شيربك) إلي رؤوس الجبال أقام سليم باشا في حصن سروچك (سروجق) و شيربك التجأ إلي حصن قمچوقة. فأول عمل قام به الوزير أنه هاجم حصن قمچوقة فأحاط به من كل صوب فقتل من قتل و أسر من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 323
أسر و لم ينج شير بك إلا بشق الأنفس. و في اليوم التالي شوهد أن لم يبق أثر لهم، فاستولي الوالي علي الحصن.
و عن هذا الانتصار كتب عبد اللّه الشاوي من الأعيان و كان مصاحبا للوزير يخبر أهل بغداد بهذا النصر.
و للشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة في هذه الوقعة تاريخها سنة 1160 ه.
ثم إن الجيش توجه نحو سروچك علي سليم باشا فوصل إلي كيچينه، و بعدها سوسة، و بعدها (دپه رش)، ثم (سرچنار)، و هناك حدث ريح زعزع. و منها وافوا (دپه كل)، ثم (بستانسور) و منها مضوا إلي (سروچك) و حينئذ حاصروا سليم باشا و لكن هذا الموقع
كان ردي ء الهواء و الماء. مرض فيه أكثر أفراد الجيش. و مات منهم مقدار كبير.
و إن المرض سري إلي الوزير فانحرف مزاجه.
و في هذه الأثناء لم ير سليم باشا بدا من الطاعة و الانقياد فأرسل ابنه إلي الوزير و تعهد بالخدمة الكاملة و نظرا لمرضه قبل منه ذلك و عفا عنه … فاضطر إلي العودة.
و جاء في تاريخ نشاطي أن الوزير مضي إلي (سروچك)، فاتخذ المتاريس و حاصرها من جميع أطرافها. أمهل أهليها يومين بالتسليم فورد الجواب مع والدة سليم باشا، فتقدم الفيلق، و بقي الخازن و بعض الأتباع في (بستانسور)، و أمر الوالي أن يمضوا بالحرم و معها أحمد آغا صهر الوزير، فجاؤوا إلي سراي خالد باشا في محل يدعي (سيد صادق)، و ذهب الجيش لجهة القلعة. و كان هذا المحل ردي ء الهواء أكثر من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 324
شهرزور و لا يقيم فيه الأكراد إلا صيفا أو خريفا، و إن أمراء بابان يتصيدون فيه. فالسراي عمل لهذا الغرض.
و لما وصل الوالي طلبوا منه الأمان، و أرسلوا أمهم إلي الوزير لهذا الغرض. و اعتقد الوزير أن هؤلاء لا يفيد معهم الأمان، فاتخذ التدابير الحربية، و أحاط بالقلعة في جيشه ببنادقهم و مدافعهم، و كان كتخدا البوابين حسين آغا توسط بأمر العفو، فقبل طلب والدة سليم باشا. فعفا الوزير، و رفع الحصار عن (سروچك). و في اليوم التالي سار الوالي إلي محل سيد صادق و منه إلي (بستانسور)، فأقام الجيش يوما واحدا ثم عاد الوزير إلي بغداد، فوصل إلي (گوز قلعة). و في هذا المحل أذن لمرتضي باشا أن يذهب إلي كركوك محل وظيفته، و نصب سليمان باشا آل خالد باشا علي بابان،
و عثمان باشا علي كوي، و قوج باشا علي إربل، و منح محمد بك (قراطاغ)، و عبد اللّه بك (درنه) …
و في الجيش ظهرت علامات المرض. و في 3 شوال وافي محل (زادشت)، ثم (عباسان) فأصيب الوالي بالمرض. و قطعوا مراحل. و في 11 شوال وصل إلي (زنگباد)، و في 12 منه جاؤوا (قره تبه)، و منها إلي (نارين).
و في طريقه توفي الوزير في (دلي عباس) المسماة الآن (ناحية المنصورية) قرب القنطرة يوم الخميس 14 شوال سنة 1160 ه. قالوا:
فعم الأهلين حزن عظيم و أذرفوا عليه الدمع الغزير … فدفن في مقبرة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 325
الإمام الأعظم قرب مرقد والده يوم الجمعة 15 شوال.
إن وزارته و حكومته بلغتا نحو الثلاثين عاما. و في تاريخ نشاطي أنه بلغ 64 عاما.
و ذكر قصيدة تركية بوفاته من نظم نشاطي و هو كاتب الديوان السيد عبداللّه الفخري.
و يحكي عن نادر شاه أنه قال فيه: انسان كامل من أصحاب العقل و الدراية، كان يحذر حكومته مني كما أنه يخوفني بها. و بهذه الطريقة مضّي أوقات راحة. و لا شك أنه سيبقي ذكره خالدا ما بقي تاريخ نادر شاه …
استفاد من الوضع كثيرا فعاد إلي بغداد و لم يعوّل علي قوة المماليك وحدها بل إن خذلان من جاء بعده كان من أسباب عودته تغلبوا فلم يقدر الولاة علي ردعهم فكان هو الدواء الشافي. يطيعونه و لا يعصون له أمرا.
و كان قاسيا علي العشائر العربية و الكردية و بهذه تمكن من إدارة حكومته. أطاعهم بالقسر و الارهاق استخدم الكرد علي العرب و العرب علي الكرد فجعل الإدارة خالصة له.
و للسيد عبد اللّه أمين الفتوي ببغداد قصائد عديدة في
ذكر وقائعه.
و كان للسيد عبد اللّه الفخري و للسويديين قصائد كثيرة فيه، و منها ما جاء في مجموعة الفخري، و منها في المجموعات الأخري و في الحديقة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 326
ولشناسي الشاعر التركي قصيدة في مدحه مذكورة في ديوانه. و منه نسخة خطية برقم 1786 في خزانة الآثار القديمة ببغداد. و رثاه الشيخ عبد الرحمن السويدي في قصيدة.
بقي في بغداد مدة اكتسب خلالها خبرة من والده حسن باشا و من تجاربه و نال ثروة، و اشتري مماليك كثيرين. استخدم من أظهر منهم كفاءة لوظائف الحكومة، و للملحقات. فهو المؤسس لحكومة المماليك. و بعد وفاته أرسلت الدولة ولاة لم يستطيعوا البقاء في الإدارة و التمكن منها مع وجود اعوانه في حين أن الولاية كانت توجه إلي من أظهر قدرة و لياقة في مناصبه، ففشلوا و من ثم تولي هؤلاء المماليك و نالوا نفوذا عظيما و لم يبق للدولة العثمانية إلا الاسم و بعض الطاعة و دامت ادارتهم مدة طويلة.
إثر وفاة أحمد باشا بقيت بغداد و البصرة شاغرتين و لما علمت الدولة بالأمر فكرت في كتخدائية سليمان باشا و محمد باشا و قاما مع الوزير بأعمال كبيرة فأبديا قدرة لا مزيد عليها. و كذا في (بغداد و البصرة) و إنهما تقعان قرب حدود ايران، و هما مجمع العشائر و تحتاجان إلي تدبير و إدارة. فالضرورة تدعو أن تودع أمورهما إلي من حنكته التجارب. و بهذا الاعتقاد عدلت عن الكتخدائين و وقع الاختيار علي أحد وزراء الدولة الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق والي ديار بكر فوجهت إليه إيالة بغداد. و قصدها الحقيقي أن تكون الإدارة بيدها رأسا.
و أما البصرة فأودعت إلي أحمد باشا (الكسريه
لي). و بقي ببغداد بالوجه المشروح.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 327
إن والي بغداد سار من ديار بكر و توجه إليها فدخلها باحتشام و تمكن في الحكومة و زاول الأعمال …
و رجحته الدولة لأنها لا تريد أن تعين أحدا من الأهلين فيكون وبالا عليها لما جربت من حوادث.
نال (علي شاه) السلطنة بعد نادر شاه سنة 1160 ه فطلب اعتراف الدولة العثمانية. فأرسل محمد عبد الكريم خان أمير كرمانشاه بكتاب إلي السلطان يلتمس فيه أن يرعاه بعين عنايته و أنه مخلص لسرير الخلافة. كما كتب اعتماد دولته أخوه إبراهيم ميرزا إلي الصدر الأعظم كتابا في نفس الموضوع و كذا كتب الملا باشي إلي المشيخة الإسلامية و مضي هذا السفير و معه الكتب من طريق بغداد.
و لما وردها كان الوالي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق فأكرم مثواه و أحسن ضيافته سوي أنه أخره و أخبر دولته كما أرسل ترجمة كتبه.
و لملاحظة المصلحة من جانب الدولة لزم تأخيره لمدة ثم صدر أمر آخر بلزوم تسييره إلي استنبول فأرسل بصحبته مرافق …
و في كتاب الشاه يبدي أنه تمكن من السلطة. و أنه يؤيد الصداقة راغبا في استمرار الألفة و المصافاة.
قالوا: كان الوزير من رجال الدولة العاملين، و هو صاحب قدرة علي إدارة الأمور و يعد من أفذاذ العصر إلا أن القطر العراقي لا يستقر علي و تيرة و لا يقف عند رأي. كما أن الخشونة بادية علي الأهلين. و أن الينگچرية أصحاب فظاظة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 328
لذا يحتاج في إدارته إلي تدبير زائد و حكمة بالغة. فالصعوبة كل الصعوبة في ضبطه و سوقه إلي النظام.
كان الواجب يقضي بوجود وزير فعال، مدبر، وافر الحكمة و حسن الإدارة مع الشدة و الشجاعة … و هكذا كان الوزير و لكنه تعوزه المعرفة بطبائع الأهلين. حاول أن يذعن الأهلون له فبذل أقصي جهده. فكان ذلك داعية صعوبات وفيرة فأضجر الأهلين و صاروا يتذمرون منه. و لم تمض مدة يسيرة إلا و تزايدت النفرة منه و كثر
القيل و القال عليه و بدت المعارضات من كل صوب.
أما الينگچرية فلا يطاق حالهم. و لا يستطاع الصبر علي أعمالهم.
و أول ما قاموا به أنهم كانت لهم مواجب في زمن أحمد باشا لمدة سنة و نصف جعلوها وسيلة المطالبة و سبب المكاشفة …
بين لهم الوالي أنه ليس لديه من أموال الميري و لا من الأموال الخاصة ما يؤديه فاستمهل شهرين إلي أن يكتب إلي استنبول و يأتيه الجواب. فلم يوافقوا و أصروا. و من ثم اشتعلت نيران الفتنة. و اشتبك الفريقان. و ثارت البنادق و المدافع من الطرفين فحاصروا الوزير في دار الإمارة و امتد القتال من الصباح إلي المساء …
و علي هذا تدخل المصلحون و تعهد الوالي أن يكتب و يأتي بالمواجب في خلال شهرين و تم الصلح فسكنت الفتنة.
و يقال إن أصل الفتنة أن الوزير لما وصل إلي بغداد انتسب إليه بعض الأهلين فامتثل أقوالهم بأن يجروه علي سنن من قبله و قالوا له إن أردت أن تحكم في الرعية فاكسر أولا شوكة الينگچرية فبدأ بهم و ظهر علي لسانه أنهم لا يصلحون لخدمة الدولة و بالغ في أمرهم. فلما شاهدوا افعاله و سمعوا مقاله تحرك في أصاغرهم عرق الحمية و حصل لأكابرهم من ذلك حيرة. قالوا نحن أولو قوة و بأس و من هذا حتي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 329
يتربص لنا بضرر؟ … و كأنه يريد أن يتخلق بأخلاق المرحوم أحمد باشا!، إن لم ينزجر قطّعنا أوداجه … ! فمن يكون هذا حتي يروم هذا المرام؟ فأرسل إليهم الذبائح كما هي العادة بينهم عند ارادة الصلح فأبوا و قالوا لا بد لنا من اخراجه فعاد الحرب بينهم سجالا ثم كسرهم
و فرقهم فصالحوا عن ذلة و سالموا … !
و الظاهر أنه لم يعمل بسوي المرسوم فلم ينجح. و هنا لم يعين حزب الوالي. ثم إنهم عادوا فتعاهدوا و أقسموا أنهم لا ينفكون عن قتاله إلي أن يخرج …
و لذا جمع الوالي في تلك الليلة أعوانه و جعلهم في دار الحكومة و ملأ جامع السراي أيضا بالعسكر ليأمن الغائلة فظن أن ذلك عين الصواب.
ثم إن الينگچرية لم يتعرضوا فلما أصبح الصباح تأهب للطواري ء فأشار عليه البعض أن يأخذ (القلعة الداخلية) بأمل أن يتسلط عليهم.
أرسل مائة رجل بزيهم ليدخلوا القلعة و ليقوموا بالعمل فكانت النتيجة أن عرف الغرض و غلقت أبواب القلعة و عرفت المكيدة فأطلقت في وجوههم النيران. و من ثم ابتدأت الفتنة من جديد و عادت الحرب جذعة …
و حينئذ تجمع الينگچرية و أوقعوا برجال الوزير و أحرجوهم علي الحصار في دار الحكومة و دام القتال ثلاثة أيام. تسلطت خلالها مدافع الينگچرية من القلعة و من الأسواق علي دار الحكومة فدمرتها.
و حينئذ أرسل الوزير إليهم يطلب الصلح بالشروط التي يوافقون عليها فلم يقبلوا إلا أن يخرج فأعاد الرسول إليهم راضيا بالخروج
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 330
فوافقوا علي أن لا يخرج من ناحيتهم بل ألزموه أن يركب زورقا و يعبر إلي بستان الباشا و تعهدوا أن يمر رجاله و خيله من الجسر … عبر هو و أهله بزورق حتي وصل إلي البستان و كان فيها السفير أحمد باشا (الكسريه لي) فآواه و حرمه فاجتمعت عساكره لديه فعبر بهم من الشريعة البيضاء إلي الجانب الشرقي.
و تأني بعض الأيام يرجو أن يصالحوه فأبوا و أقاموا مكانه رجب باشا السفير الثاني و كتبوا ما جري إلي الحكومة
… لتري رأيها في الأمر.
ساعد الوزير في الوقعة الأولي كل من محمد باشا و سليمان باشا و لكنهما في الثانية حوصرا في داريهما و لم يدعهما المشاغبون أن يخرجا حتي رحل الوزير عن بغداد.
كان يرمي بعدم المعرفة بالمحيط. و الحال أنه حاول تنفيذ سياسة الدولة فلم ينجح، و أسندوا إليه أنه تابع المغرضين و لعل المحرك له نفس المماليك. حاولوا أن يوقع بالينگچرية ليصفو لهم الجو. و مهما كان الأمر فالحكومة لا تزال بيد المماليك فأوجدوا الشغب علي الينگچرية للوقيعة بهم أو بالوالي. و الدولة اختارت أكابر الرجال لكن التغلب كان مكينا.
قام هذا الوزير أيام الفتنة بالوسائل المهمة لتسكينها و أبدي السداد و الاستقامة، فأرضي دولته. فأرادت أن تقطع دابر هذا الاضطراب باستخلاص العراق و إنقاذه من أيدي المتنفذين. و لذا وجهت إليه إيالة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 331
بغداد. توقف فيها من أجل إرسال الهدايا إلي ايران. ثم عين واليا للبصرة فلم يذهب إليها لأمر اقتضي فوجهت إليه الإيالة في هذه المرة.
وجهت ولاية الموصل إلي الحاج محمد باشا الصدر السابق.
و منصب البصرة إلي الوزير حسين باشا الجليلي الذي كان في الموصل.
في هذه السنة أرسل إلي بغداد من خزانة الدولة مائة و خمسون ألف قرش نقودا و أحيلت خمسون ألف قرش من متروكات أحمد باشا الوالي المتوفي لتكميل المواجب (الرواتب) للطوائف العسكرية في بغداد عن سنتي 1159 ه و 1160 ه فأعطوا ما يستحقونه سيّر ذلك صحبة كتخدا البوابين نعمان بك و لما وصل الفرمان جلس الحاج أحمد باشا الكسريه لي في منصبه و قام بما يقتضي من مصالح الدولة. و كان مدركا للأوضاع.
في أيام وزارته هذه كتب محمود ابن الشيخ عثمان الرحبي مفتي الحلة رسالة سماها (بهجة الإخوان في ذكر الوزير سليمان) لخص بها الحكومات السابقة و منها تطرق إلي ذكره. كتب عن هذه الأيام فحسب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 332
إن سليمان باشا هو صهر أحمد باشا و كتخداه تخرج علي يده في الإدارة و الجندية فنال رتبة (مير ميران). و كانت بعهدته آنئذ ولاية أطنة.
و في أيام أحمد باشا قام بخدمات جليلة في بغداد و البصرة فضبط الأمور و أمّن الثغور و الحدود و سائر المصالح … فمآثره جليلة و جميلة في دفع الغوائل، و رفع الشرور … فكان رجلا قديرا و ظهرت أعماله للدولة العلية عيانا.
يضاف إلي ذلك أن الوزير أحمد باشا كان قام بمصالح عسكرية و مقتضيات أخري فاستدان مبالغ عظيمة لا تزال بذمته و هي (1800) كيس كما أنه صرف علي السفراء للمدة التي بقوا فيها ببغداد مبلغ 48134 قرشا من الديون الأميرية بموجب الفرمان … فتعهد سليمان باشا بدفع هذه المبالغ كلها و تسديدها من كيسه الخاص علي أن يمنح الوزارة و كذا أرباب الديون التمسوا ذلك أيضا تأمينا لحقوقهم. رأت الحكومة أن لا مخرج من مأزق
تأدية هذه الديون بغير هذه الطريقة و هي لا ترغب في إخراج فلس مما يدخل إليها. و لا حظت أيضا أن الاضطراب متوقع في أطراف البصرة بسبب مجاورتها لإيران لا سيما أن أكثر العشائر هناك سلك طريق الغي فلم يقدر أحد عليها سوي سليمان باشا. رأوه أهلا للقيام بأعمال كهذه … هذا ما لاحظته الدولة و تيقنت صحته.
و علي هذا منح ايالة البصرة برتبة وزارة علي أن يقدم الوصولات من أرباب الديون و يؤديها بتمامها فأرسل إليه فرمان الوزارة و الولاية و انفصل سلفه حسين باشا الجليلي و وجهت إليه ايالة أدنة (أطنة).
في هذه السنة أرسل والي الموصل محمد باشا الترياكي عسكرا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 333
لمحاربة هذه العشيرة فهربت، ثم رجعت علي الجيش، و غنمت منهم (346) فرسا و أمتعة أخري.
لما جلس علي شاه علي سرير الحكم في ايران و صار أخوه إبراهيم ميرزا خان اعتماد دولته كان الواحد يساعد الآخر إلا أن أرباب الزيغ أفسدوا ما بينهما فحدث الخلاف حتي انجر إلي الحرب.
هاجم علي شاه أخاه إبراهيم ميرزا بجيش قوي و لما لم يستطع مقاومته فر من وجهه فجمّع جيوشا من الأفغان و الأزبك و غيرهما و أعلن سلطنته في أنحاء آذربيجان كما أنه تمكن من جلب الأمير أرسلان لجانبه و كان ممن ادعي الحكومة لنفسه فمشي علي الشاه بجمع عظيم فاشتعلت نيران الحرب بينهما في صحراء بين سلطانية و زنجان …
و في هذه الحرب لم يظهر الغالب من المغلوب. و بينما هم كذلك إذ مال جيش الشاه إلي الميرزا و تابعه … فبقي الشاه وحيدا مع بعض رجاله و حاشيته فاضطر إلي الهزيمة من وجه أخيه إبراهيم ميرزا فاستولي علي خيامه و معداته و أرسل سرية لتعقيب الشاه و اقتفاء أثره فقبض عليه و جي ء به إلي إبراهيم ميرزا فاكتفي بسمل عينيه.
و علي هذا جلس علي سرير السلطنة و قام بمهام الملك. و لكن الأمير أرسلان كانت له نوايا يضمرها فلم يتفق مع الشاه الجديد و ابتدأت النفرة بينهما. و لذا انحاز الأمير أرسلان إلي جهة آذربيجان. و كذا الميرزا توجه إلي تبريز.
و بهذه الصورة اشتد الخصام في انحاء تبريز و أعد كل منهما عدته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 334
للحرب منتظرا ما تأتي به الأقدار. و من ثم التحق
جيش الأمير أرسلان بجيش الميرزا و قبض علي كل من أمير ارسلان و أخويه صاري خان و حسن ميرزا و أعوانهم و المتعلقين بهم فأمر بقتلهم جميعا.
تيقن الميرزا أن لم يبق له مزاحم و صار شاها بالاستقلال. فقام بما يقتضي من لوازم الملك و كاتب الأطراف لجلب الايرانيين له و أخذ يخطب ودهم …
و في هذه الأثناء نهض شاه رخ ميرزا حفيد نادر شاه المتولد من بنت الشاه حسين الصفوي (ولي عهد نادر شاه) و جمع له جمعا عظيما مؤلفا من أكراد قوچان و خراسان و المواطن الأخري فتألف لديه نحو ستين ألفا من طوائف مختلفة. جاء بهم إلي المشهد و تقلد سيف السلطنة.
كان استولي علي خزائن ايران مما كان بيد نادر شاه و ملك سائر المعدات و الأدوات الكثيرة فتمكن من تجهيز الجيش. فأظهر سلطنته و صار يقارع إبراهيم ميرزا.
و الحاصل أن ايران انتابتها الغوائل من كل صوب. و حاقت بها الفتن فكأنها لهيب نار.
و قبل أن ينجلي الموقف ورد كتاب مؤرخ في شوال سنة 1161 ه إلي مصطفي خان و كان أرسله نادر شاه إلي الدولة العثمانية فتوقف في بغداد و مؤداه أنه تفوق و تغلب علي أخيه علي شاه فأعلن سلطنته و استقل في حكومة ايران و أنه ينهي إلي الدولة العلية اخلاصه و أنه علي الصلح و المسالمة و يتوقع مكارم السلطان و التفاته الهمايوني. و ذكر أنه و كل مصطفي خان لملاقاة الدولة العلية نيابة عنه.
أما الوزير و الخان فإنهما كتبا ما جري من الحوادث بتفصيلها إلي الدولة العثمانية. و أرسل الخان الكتاب الوارد إليه بعينه و قدمه إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 335
استنبول و استأذن في القبول
و المواجهة فأطلع رجال الدولة علي الحالة و أبانوا أن المصالحة القديمة لا تزال مرعية و أن إجابة سؤال الخان ينافي شروطها. مما لا يسع الدولة قبوله. فلم ترخص الخان في المقابلة و أنهي إلي الوزير أن يبقي الخان في بغداد إلي انتهاء أمر الاختلال في ايران إلا أنها أمرت بتلطيف مصطفي خان و العناية به و أرسلت إليه ألفي ليرة كما أرسلت إلي رفيقه السفير الآخر محمد مهدي خان ألف ليرة من الذهب الخالص هدية لهما من الخزانة الهمايونية مع ساعة مجوهرة لكل واحد منهما.
أما الوزير فإنه مضي بمقتضي الأمر حرفيا و أوصل إليهما الهدايا بعينها …
حدث خلاف بين الجيش الأهلي و بين الطوائف العسكرية الأخري في أمر محافظة بغداد و اشتعلت الفتن لحد أنه لم يعد يسمع قول من أحد و زاد الشغب … و السبب معروف.
عرض الوالي الأحوال علي دولته. و كانت تفكر في اختيار من يصلح لإدارة بغداد و إنقاذها مما حاق بها فوقع الاختيار علي والي الموصل آنئذ الصدر الأسبق الحاج محمد باشا لما رأته فيه من مزايا.
كان من الينگچرية و له وقوف علي أحوال الأفراد و له مهارة في ملاطفة الموظفين و معاملتهم بالحسني لتمشية الأمور بالوجه المطلوب …
منح منصب وزارة بغداد بتاريخ 11 ذي الحجة سنة 1161 ه كما أن ايالة الموصل عهدت إلي يحيي باشا والي (روم ايلي) فكتب إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 336
والي بغداد الحاج أحمد باشا الكسريه لي أن يسلم ادارة بغداد و يتوجه إلي الاناضول ليأتيه الفرمان بوظيفته الجديدة.
و عليه امتثل الحاج محمد باشا الصدر الأسبق و توجه إلي بغداد ليتسلم أعباء حكومته فوصل في أوائل سنة 1162 ه و
زاول مهام الأمور.
إن الدولة عهدت إليه بإيالة مرعش ورد الفرمان إليه و هو لا يزال في بغداد و حينئذ سلم جميع الودائع و الأوراق و الهدايا التي كانت أرسلت إلي نادر شاه بمحضر من العلماء و الأعيان و الأكابر و وضعت في المحل المعد لها و سجلت في دفاتر خاصة بمرأي من الدفتري علي وجه المفردات و حفظت …
و لم تمض مدة حتي مرض الوزير فوافاه الأجل المحتوم.
ورد خبر وفاته إلي استنبول في 13 جمادي الأولي لمرض اعتراه.
و كان سفير الدولة إلي نادر شاه. ولد في (روم ايلي) في مدينة كسريه ثم ولي مناصب عديدة منها أمانة العاصمة و غيرها، فشوهد منه كل إقدام و إخلاص.
و في سنة 1157 ه صار دفتريا للفيلق في أنحاء قارص. و هكذا حتي عهد إليه بمنصب الوزارة في سيواس. و في أول المحرم من سنة 1160 ه صار سفيرا إلي ايران فورد بغداد و منها ذهب إلي الشاه فجري ما جري. دفن في مقبرة الإمام الأعظم …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 337
و للمترجم أعمال خيرية.
إن الوزير محمد باشا ورد بغداد فرأي أن والي البصرة سليمان باشا لم يذهب. و السبب معلوم فاجتمع به و علم نواياه و ما يدعو إليه فصار كل منهما يسعي أن ينال المنصبين معا. أشيع ذلك علي لسان أعوان سليمان باشا، في كتاباته علي الوزير محمد باشا …
حصلت المشادة و أكثر الدعايات كانت من طريق أعوان سليمان باشا و في الحقيقة إن سليمان باشا كان يهيي ء لنفسه الفكرة و يدعو و يشاغب علي وزير بغداد فيجتمع بالأعيان و رجال الإدارة و يغريهم عليه.
و كلهم آنئذ من الدعاة له …
و مهما كان الأمر توجه سليمان باشا إلي البصرة و ترك بغداد بأمل العودة … و لما وصل كتب إلي دولته كتابا أنه وصل إليها في غرة ربيع الأول بيّن فيه أنه ساهر علي مصلحة الدولة، و مراع رغباتها. و فيه ترشيح ضمنا لنفسه لوزارة بغداد. قال:
إن عشائر المنتفق اغتنمت فرصة وفاة الوالي أحمد باشا فخرجت عن الطاعة و عاثت بالأمن. و اختارت الشيخ بندرا أميرا لها، و اتفقت مع عشائر بني لام، و عشائر الحويزة و المعادي (المعدان) ممن يسكن الأهوار، فتجمعت في القرنة و أعلنت العصيان فاضطرب حبل الأمن و قام الوزير من بغداد فنازع هؤلاء قاصدا (البصرة) و لما ورد الحسكة جاءه محضر من العلماء و الصلحاء و سائر الأهلين يشعر أن الشيخ بندرا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 338
أضر بالأنحاء المذكورة و أنهم حينما سمعوا بتوجه الوزير إليهم بادروا في البيان و أبدوا أنهم حاضرون للمعاونة و القيام معه … فبقي فيها بضعة أيام نظم خلالها الأمور و قضي بعض اللوازم ثم تحرك متوجها نحو جمع العصاة لمقابلتهم و لكنهم لم
يستطيعوا البقاء و لا المقاومة فتشتتوا. فروا إلي الصحاري و البوادي النائية و تمزق عقد جمعهم … و الباقون هربوا في الأهوار و التجأوا إلي الشيخ منها العثمان. و هذا اتفق مع المعادي (المعدان). و لما وصل العرجة نظم الجيش ثم عبر (الفرات). و حينئذ هاجم (هور بني مالك) و فيه الشيخ مهنا مع العشائر. و كانوا تحصنوا في آجام القصب من أنحاء الهور. دامت الحرب نحو أربع ساعات. و من ثم ضبط مكمنهم فانكسروا و فروا لا يلوون علي شي ء و قتل منهم ما يتجاوز الألف بينهم برهام و ابنه كلب علي و أربعة آخرون من الرؤساء و نهب ما عندهم من مواش فقضي علي العصيان في أنحاء البصرة كما أخمد غائلة بني كعب و رئيسهم مسطور الكعبي، كان هاجمهم الجيش و قتل منهم نحو 25 من مشاهير رجالهم و أحرقت سفنهم … و لم يكن آنئذ في طاعة الحكومة سوي عشيرة الدواسر و هم في ثغر البحر … و من ثم اطمأن الناس و زال الخوف. و صار الذهاب و الإياب من البصرة و إليها برا و بحرا أمينا.
و لما وصل الخبر إلي الدولة شكرت سعيه و أكدت عليه لزوم إتمام العمل بإنهاء الاضطرابات و حراسة الوضع بالقضاء علي أهل الزيغ …
اتخذ هذا الوزير كافة الوسائل لينال رضا الدولة تمهيدا لمطلوبه.
هذا و لا ندري محل هذه الوقائع من الصحة بل الشبهة كل الشبهة في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 339
صحتها … و إنما أراد أن يظهر بمظهر العظمة و القدرة.
قالوا: إن الوزير سليمان باشا بذل كل مجهوداته لتنظيم البصرة، و مراعاة وسائل راحتها و جذبها إليه … فأبدي:
أن البصرة اصابها القحط
و لا يتيسر له البقاء فيها بحاشيته و لو نداته فاضطر أن يخرج منها. فأول هذا بالقيام علي وزير بغداد فأشاع والي البصرة أنه رأي لزوم تأديب بعض العشائر و التنكيل بهم لتمردهم فأعلم الوزير محمد باشا بذلك فلم يرق له ذلك لعلمه أنه ينوي ترتيب الجيش و تمرينه و استهواء العشائر لجانبه. صار يخشي مما وراء ذلك. يقصد غير ما أظهر.
لذا حمل الوزير محمد باشا القضية علي غير شكلها الظاهري فقدم إلي دولته شكواه منه، و أبدي الخطر الذي سيحيق فيما إذا تغافلت عنه.
و لكن سليمان باشا أظهر اخلاصه، و أنه العبد المطيع و أن معارضة محمد باشا كانت لأمل منه. أما الدولة فإنها رأت ميلا لاحتمال أن ما عرضه محمد باشا صحيح منه.
و في هذه الأيام اختلت أمور ايران، و زادت الاضطرابات فيها.
فكانت الدولة تحذر من وقوع حوادث فاحتاطت و أعطت الاحتمالات حقها من الاهتمام …
كانت تخشي من حركة سليمان باشا و تخاف أن يحدث لها مشكلة بل عدت ذلك منه عين المشكلة. و حينئذ راعت الحكمة في خطتها، و قررت لزوم نصحه و إقناعه بالحسني فإذا لم تجد النصائح نفعا فلا تري بدا من دفع غائلته بالقوة، و أوعز إلي محمد باشا بذلك و أكد له في الأمر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 340
و لم تكتف الدولة بهذه التدابير. و إنما احتاطت أكثر و التزمت سبيل الحزم فأرسلت والي سيواس الوزير محمد باشا الزازه لجهة بغداد و نصبته قائدا عاما و عينت ولاة حلب و الرقة و ديار بكر و الموصل و أمراء الأكراد و العشائر و أمير ماردين و نبه الوزير ابراهيم باشا والي مرعش بصورة خاصة بحاشيته و زعماء
الإيالة و أرباب التيمار أن يذهبوا علي العجلة إلي بغداد لمحافظتها.
و لما علم الوزير سليمان باشا باهتمام الدولة بشأنه و تيقن بجميع ما كتبه محمد باشا عنه عرض لدولته الحالة و بين أنه المحق. فإن الغلاء استولي علي البصرة فاضطر إلي الخروج و أنه لا يصح بوجه أن يقوم علي دولته فيكفر نعمتها. و أن محمد باشا تجاوز عليه في الكتابة و حاول إسقاطه فصور سليمان باشا الوقعة بشكل مرض و أبدي أنه عند الاقتضاء يأتي بنفسه ليقابل جلالة السلطان لإيراد ما يبري ء ساحته مما عزي إليه.
و حينئذ أرادت الدولة أن تثبت من أقوال الاثنين و تقف علي ماهية القضية فأرسلت مصطفي بك الميراخور علي جناح السرعة فاكتشف الحالة و اطلع علي مجاري الأحوال و عرف أن ما كتب علي سليمان باشا لا أصل له، و ظهر له صدق القول من سليمان باشا و سداد رأيه و إخلاصه لدولته فأخبرها بواقع الحال. و الصحيح أن سليمان باشا لم يدع وسيلة موصلة إلي هدفه إلا فعلها. أمال مصطفي بك لجهته. و لا شك أن الذين يتحقق منهم و يستطلع آراءهم كانوا من جماعة سليمان باشا و أعوانه سواء من الموظفين أو غيرهم، أو أنه شاهد الخطر فراعي جانب سليمان باشا، أو أن الدولة أظهرته كذلك بعد أن عرفت حقيقة الوضع من رسولها مصطفي بك، فصبته في هذا القالب.
ثم إن سليمان باشا كتب إلي دولته علي حدة في براءة ذمته، و أبدي اخلاصه و خدماته، و كذا التمس و استدعي أن تضاف إليه حكومة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 341
بغداد و هي بيت القصيد. و تعهد بجميع الخدمات المطلوبة منه راجيا تلبية مراده. و استخدم جماعات
فقاموا بكل ما يلزم من وسائل.
قالوا: إن مصطفي بك الميراخور برأ ساحة سليمان باشا مما نسب إليه و خطأ الوالي محمد باشا. شاع خبر ذلك فعلم محمد باشا بالأمر فبقي في اضطراب و حاول الخروج من هذا المأزق الحرج فلاحظ أن كتاب مصطفي بك لو وصل قبل أن يقهر سليمان باشا لكان من المحقق أن يتغير رأي الدولة فيه. فتغير السلطان عليه فعزله و وجه الولاية إلي سليمان باشا فجهز كتخداه محمد باشا بكافة جيوشه قبل أن ينتظر ورود القوي إليه. جعله قائدا و سيره إلي سليمان باشا للوقيعة به … فكانت هذه الحركة خلاف رغبة السلطان. و كان قصده كسر جيش سليمان باشا و الانتصار عليه. فتقدم الجيش و التقي الفريقان في محل قريب من الحلة إلا أن سليمان باشا تمكن من اتخاذ بعض التدابير الناجعة فمال إليه فريق من اللوند و من الصنوف الأخري من جيش محمد باشا …
هاجم البقية الباقية و حمل عليها حملة صادقة فتيسر له التغلب.
و انتصر انتصارا باهرا …
و حينما تحرك من الحسكة و توجه إلي الانحاء الأخري كان ضابط الحسكة آنئذ علي آغا فاستصحبه معه و وجه إليه منصب الكتخدائية، و سيره أمامه لإجراء بعض المصالح في الحلة، و كان الكتخدا محمد باشا مع جيشه في الحلة فاتخذوا ذلك فرصة و ألقوا القبض فأرسله القائد إلي بغداد. فلما وصل حبسه الوالي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 342
سمع سليمان باشا بذلك فغضب كثيرا لما أصاب (علي آغا).
و حين انتصاره في وقعته الأخيرة أسر الكتخدا المذكور مع الخازن (الخزبندار).
و حينئذ سيرهما إلي والي بغداد و قال لهما: خبرا وزير كما أن القبض يكون هكذا. و أن المهارة في
هذه لا فيما فعل.
أرسلهما إلي محمد باشا الوالي. و تقدم هو بانتصار و أبهة إلي قرب الكاظمية إلي المحل المعروف ب (الشريعة البيضاء) و أبدي شوكة.
و لم يكتف بذلك بل عرض القضية علي دولته. و صار ينتظر التوجيهات السنية إليه. أراد أن يعلمها بأنه قهر القوة قبل أن يأتي المدد و كأنه قال: ارضخوا للأمر الواقع و اقبلوا. و أنا مطيع فلم تر الدولة بدا من الموافقة طوعا أو كرها … و من ثم أبدت الموافقة، و جهت التبعية علي الوزير السابق و قالت: إن الميراخور قال: الحق مع سليمان باشا.
إن الوقائع برهنت أن محمد باشا لم يتمكن من السيطرة علي الوضع. و الصحيح أن الدولة لم تنجح. انكسر جيش الكتخدا فخابت الآمال. و لما وصل كتاب سليمان باشا تحقق أن المصلحة لا تقتضي دوام المشادة. بل رأت خطر النتائج لا سيما و قد وصل سليمان باشا إلي بغداد و تأخرت القوي المساعدة. و لذا عزلت محمد باشا و وجهت ولاية بغداد إلي سليمان باشا مع ابقاء ايالة البصرة في حوزته كما كانت.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 343
فوجهت اللوم علي الوزير محمد باشا تعبيرا لخذلانها كما أنها وجهت إلي محمد باشا مشيخة الحرم بمكة المكرمة و إيالة الجيش هناك و لواء جدة. فصدرت فرامين الاثنين بهذا الوجه. و من ثم خرج محمد باشا من بغداد فامتنع أن يذهب إلي وظيفته الجديدة. و لذا رفعت عنه الوزارة و أمر أن يقيم في گريد و عينت له ستين ألف قرش سنويا يتقاضاها من خزانة الدولة … و بهذا انتهي هذا العهد.
ظهرت نفسيات العشائر و قواها الكامنة، و تبين خطرها أكثر بما حدث من صلات و حوادث ماثلة للعيان تغني عن الإعادة. و الإمارات مكبرة عن إدارة العشائر مثل بابان و المنتفق و اليزيدية. و في هذا الزمن تكونت امارة الجليليين في الموصل، و أخذت قوة المماليك و إمارتهم تبدو في اواخر هذا العهد.
و لا شك أن الحوادث كشفت عن الأوضاع. و لعل فيما عرض عن هذه الازمان كفاية. و التفصيل له محله.
تعينت لنا صلات هذه الدولة بنا. و سبق ذكر السلطان مراد الرابع.
و هذه قائمة بالسلاطين التالين:
1- السلطان إبراهيم بن أحمد: دام إلي 7 رجب سنة 1058 ه.
2- السلطان محمد الرابع ابن سابقه: إلي 2 المحرم سنة 1099 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 344
3- السلطان سليمان الثاني أخو سابقه: إلي 26 رمضان سنة 1102 ه.
4- السلطان أحمد الثاني اخو سابقه إلي 22 جمادي الثانية سنة 1106 ه.
5- السلطان مصطفي الثاني ابن محمد الرابع: إلي 2 ربيع الآخر سنة 1115 ه.
6- السلطان أحمد الثالث أخو سابقه: خلع في 15 ربيع الأول سنة 1143 ه و توفي سنة 1149 ه.
7- السلطان محمود الأول ابن مصطفي الثاني إلي 27 صفر سنة 1168 ه.
إن الدولة العثمانية ربحت الحرب علي ايران سنة 1048 ه. و هذا لم يعمر الخلل، و لا جعل الإدارة أداة صالحة. و بعد وفاة السلطان مراد الرابع عادت الحالة إلي أسوأ مما كانت عليه قبله، فلم تحصل توجيهات حقة في تجديد حياة الدولة.
و لم يكن العراق بنجوة من هذا الضعف. و إنما الحروب مع ايران أدت إلي اختلال عظيم، فاعتري هذا القطر الخراب و الدمار. و ليس من الصواب أن تكون ادارة الدولة معتلة و منحلة فيبقي العراق بعيدا عن الغوائل و الانحلال.
و التشكيلات الإدارية لم تتغير إلا أن الضعف باد عليها. فالبصرة دخلت في حوزة الحكومة و استولي العراق علي كرمنشاه، و همذان.
و كانت حدود العراق ما وراء درتنك (حلوان) و (الايوان) تدخل فيه درنة و درتنك و زهاو كذا الحويزة في بعض الأحيان.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 345
و أما الرماحية، و المنتفق فإنها تطيع مرة و تعصي أخري. و مثلها
(شهرزور) و (إمارة البصرة) و المهم أن تعرف التبدلات و مرت بنا الحوادث المبصرة.
رأينا أعمال الولاة بادية للعيان، و عرفنا ما فيهم من أوصاف و انكشف أمرهم بما حصل من مؤرخين معاصرين و وثائق و هكذا علمنا جملة من ولاة البصرة و الموصل و شهرزور. و الأمل أن يتجلي المبهم.
و الإدارة متصلة بالمركز اتصالا مكينا إلي أيام حسن باشا و أيام ابنه أحمد باشا ثم تغيرت نوعا و اكتسبت نجاحا إلا أنها اضطربت بعدهما إلي آخر هذا العهد.
علمنا من الوقائع ما يكشف عن المالية أكثر و عرفنا مصطلحات جديدة في الرسوم و الضرائب. و علمنا عن النقود شيئا أكثر مما زاد في المعرفة و كذا وصل إلينا عن الكمرك أو ضرائب الأموال التجارية، و الضرائب الأخري، و الفرامين، و العلاقات الدولية، و المناصب المالية ما يكفي للاطلاع.
و هذه تضاف إلي ما عرف عن الوثائق و المؤلفات في أصل الدولة و ما كانت عليه و عندي وثائق و مجاميع في الضرائب مخطوطة توضح الوضع الاقتصادي و المالي و علاقة الدولة به. و المقابلات بين ما في الدولة و بين ما دونه المؤرخون. و كلها تفيد أن العراق سار سيرة قانونية لا تختلف عما سارت عليه الدولة و اقتصادياته ذات صلة بالمجاورين و غيرهم.
و لا شك أن مراجعة ما كتبنا من الحوادث المالية يبصر بالمعرفة،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 346
و في كتاب النقود العراقية و كتاب الضرائب للأموال التجارية أوضحنا أكثر.
و الدفتريون لم يكونوا بثقافة أسلافهم. و إنما كان انحطاط المعرفة عاما. و ما ذلك إلا لتدهور الإدارة بسبب الحروب و الإدارة العسكرية المتمادية مما لم تدع مجالا للنظر في المالية و تنظيمها و لا توجيه الشؤون الاقتصادية و استغلالها بمقياس واسع.
و الحوادث كشفت عن بعض الضرائب
الجديدة. و لما كانت الإدارة في شطر من هذا العهد ذات علاقة بالمركز فإن جباية الضرائب تغيرت كثيرا، فعدلت الدولة فيها فجعلتها (التزاما). و تركت طريقة (الامانة) أي الجباية المباشرة. و كان ذلك سنة 1059 ه. و هكذا فعلت في (المقطوع). و استمرت علي ذلك.
و بهذا تطاول الموظفون و الضباط و أوغلوا في الاعتداء أملا في الربح الزائد، و الاستفادة لأقصي حد ممكن. و من جهة أخري أثرت هذه الطريقة تأثيرا عظيما علي الواردات فقللت منها، و عادت بالخسارة علي الأهلين و لم يتحاش موظف من ظلم و قسوة.
لازمت هذه الأوضاع قلة الوارد فاضطرت قسرا إلي تنقيص في (دخل الولاة) و تقليل في المخصص لخزانة السلطان و كل هذا ذو علاقة في اختلال التشكيلات الإدارية و نطاق سلطة الحكومة فأدي إلي إلغاء بعض الألوية لأن السلطة الفعلية صارت (محدودة) جدا و هذه لها دخل في تنقيص الرواتب. فإن بابان استقلت نوعا و حاول الخزاعل التوسع و المنتفق كادوا يستقلون بالبصرة.
ذلك مما اقتضي تحديد (حرس الوالي) و إلغاء ما يسمي (عوائد المطبخ) و تقليل (القلمية) أو (مصاريف الديوان)، و كذا التعديل في العوائد الأخري. و هكذا تنقيص مخصصات الدفتريين. و كانت تبلغ أكثر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 347
من مائة كيس. تستوفي من (الساليانة) و هكذا العوائد التي تؤخذ لعلوفة بعض صنوف الجيش. و لعل ما مر بيانه يبصر بالحالة.
فعلت الدولة ذلك حذرا أن يؤدي التضييق إلي حوادث أمثال حادثة بكر صوباشي و عوضت ذلك ببيع الأراضي الأميرية و بتدابير أخري نتيجة تداخل السنين المالية بالهجرية.
و في ولاية حسن باشا و ابنه تغيرت الحالة. للقدرة و التسلط، و استحصال الضرائب … أو سلب ممتلكات العشائر
بغزو متواصل.
و بذلك زادت واردات الدولة و توسعت أمورها. و إن الاضطراب أيام الوزراء التالين لم يغير في الأوضاع، و لم يهدم ما جري العمل به في أيامهما.
و من المهم ذكره أن نقود الدولة راجت في العراق أكثر، و ضربت في بغداد نقود أيضا، كما أن النقود الأجنبية نراها تكاثرت للعلاقة.
و النقود الايرانية انتشرت بزيادة بحيث صارت تؤخذ في معاملات الدولة و تحول إلي نقودها بإعادة ضربها أو بالضرب عليها …
و النقود العراقية ضربت بكثرة للحاجة إليها. و منها ما كان ضرب أيام السلطان إبراهيم سنة 1049 ه و هذه عثر علي دراهم منها. و هكذا توالي الضرب لما بعده و في أيام السلطان محمد الرابع سنة 1058 ه عثر علي دنانير ذهبية، و دراهم لم يظهر تاريخها. مضي من الحوادث ما يعين سعر النقود. و من النقود ما ضرب سنة 1143 ه أيام السلطان محمود الأول. و ما بعد هذه السنة من دراهم مما يسمي بتلك و هو أبو خمسة قروش صحيحة. و كل هذه من ضرب بغداد.
و في سنة 1069 ه أحدث تغير في سعر النقود. و بهذا حصل التذمر. و بسطنا القول في كتاب (النقود العراقية).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 348
كنا أوضحنا عن القضاء في المجلد السابق. و الآن يهمنا أن نذكر أنه لم يتغير في هذا العهد كثيرا. و هو من أهم عناصر الإدارة بل هو قوامها و لا شك أنه متأثر بالحوادث.
عثرت علي اعلامات كثيرة و وقفيات تدل أحيانا علي اتقان و عناية فتمثل خير العهود أو تقاربها في وضعها كما توصلت إلي معرفة ثلة من هؤلاء القضاة. أوضحت في مجلة (القضاء) العراقية لسنة 1952 م.
و أفردت
ذلك في رسالة علي حدة فلا أتوغل هنا إلا أني أقول كان أول قاض في هذا العهد (مصطفي مذكره جي زاده) و آخر قاض عرف (السيد أحمد مؤمن زاده). و جل ما علمناه أن القضاء لم يتدخل في المدارس العلمية و لا في الافتاء، و أنه تكامل نوعا بالنظر لتوسع الثقافة و تمكنها.
أصل الوظائف العسكرية مشتقة في الغالب من خدمة السلطان فانقلبت إلي مهمة عسكرية مثل صوباشي و بستانجي و أمير آخور أو اصطبل … و إدارة الدولة عسكرية في غالب أحوالها إلا أن الإدارة المدنية متصلة بها في المالية و القضاء و المطالب القلمية … و الاهتمام بالجيش كبير جدا. و في أوائل هذا العهد فقد الجيش السيطرة من قواده.
فتحكم آغوات الينگچرية، فاختلت الإدارة. و لا شك أنه اعتري من الضعف و الانحلال ما اعتري و أدي الأمر إلي وقائع مؤلمة. تغلب الينگچرية. فالحكم بأيديهم. و من صنوفهم (سرد نكيچدي)، و (ترقي)، و (لاوند) أو (لوند)، و (صاروجة) أو (صاريجة)، و (اليساقچية). و هم من الينگچرية.
مرت في حوادث سنة 1089 ه أمثلة، و دامت الحالة إلي أيام حسن باشا و أيام ابنه أحمد باشا فتمكنا من التسلط علي الينگچرية، فصاروا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 349
أداة مفيدة، و في أيام الوزراء بعدهما عادوا إلي ما كانوا عليه. و بقيت مفاسدهم إلي آخر هذا العهد. و (جند بغداد) من نوع الينگچرية الأهلين.
و من المدافع المعروفة:
1- قوغوش.
2- يان صاچمة.
3- هاون أو خميرة.
4- باليمز.
5- شاهية.
6- أبو خزامة.
7- زنبرك.
8- مدافع قالعة.
ورد ذكرها خلال نصوص الكتاب. و هذه المدافع و أمثالها دخلت بدخول العثمانيين العراق و من الضروري معرفة تاريخها في أصل موطنها. و منها ما عليها
سمتهم أو سمة ايرانية أو عمل اجانب.
و الموجود عندنا لا يبين المجري التاريخي و إنما يصلح أن يكون كمثال لما ورد.
ذكرنا المدافع المعروفة أثناء الحصار و الفتح العثماني علي يد السلطان مراد الرابع و بعده فلا نطيل القول.
هذا. و لا يزال الجيش في هذا العهد يقوم بأمر الإدارة و الشرطة أو بالتعبير الأولي أن الإدارة عسكرية و تقوم بالأمور المدنية بالاستعانة بالولاة و الدفتريين و القضاة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 350
هذه علاقة دولية بين العثمانيين و الصفويين مرة، و الافغانيين أخري. و هكذا اتصلت بالافشاريين و هي سياسية و مبناها الاطماع فأدت إلي حروب طاحنة، و وقائع عديدة فاحترقنا بنيرانها ثم عقدت معاهدات.
و جل ما نقوله إن العراق أصابه التدمير الزائد، فانحلت ايران في أواخر الصفويين، فبرز الافغان بقوة. أصابتهم الضربة من العثمانيين، فسهلت لنادر شاه السيطرة فعادت السلطة إلي الصفويين و هددت كيان العثمانيين. و أرعبت العراق و اضطربت حالته.
و لما لم ينل نادر شاه مأموله و لم يتمكن من اكتساح العراق، فقد فلت هذه الحروب غربه للوقوف في وجهه مما أدي إلي ظهور اغتشاش، و ساعدت نقمة (علماء الدين) عليه من جهة تساهله الديني، و من جهة استخدام الافغان و الأقوام الآخرين لاشتباهه من الايرانيين فاضطر إلي عقد (معاهدة) بينه و بين العثمانيين، و سنده قوة الجيش من غير الايرانيين، فأراد أن يصفي الحساب مع الساخطين منه أو المدبرين القيام عليه من الايرانيين.
شعر هؤلاء أيضا بالخطر، فعجلوا بالقضاء عليه فاضطربت ايران إلي أواخر هذا العهد.
هذه الدولة اعتراها الضعف و اختلفت إدارتها إلا أن العلاقات كانت جارية علي ما كانت عليه أيام السلطان مراد الرابع و لم يحدث ما أخل إلا بسبب ما جري أيام الافغان.
و هذه قائمة في ملوك الصفويين:
1- الشاه صفي الأول. توفي في 13 صفر سنة 1052 ه- 1642 م.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 351
2- الشاه عباس الثاني ابن سابقه و توفي سنة 1078 ه- 1667 م.
3- الشاه سليمان ابن سابقه و توفي سنة 1106 ه- 1694 م.
4- السلطان حسين ابن سابقه. انقرضت دولته سنة 1135 ه و توفي سنة 1141 ه.
ظهرت بمظهر القوة. لما رأت من تضييق من الصفويين، و أمراؤها:
1- الأمير أويس. توفي سنة 1134 ه.
2- الأمير محمود ابن الأمير أويس. و توفي سنة 1137 ه.
3- الأمير أشرف بن عبد اللّه (عبد العزيز) ابن عم سابقه. و توفي سنة 1142 ه.
فمن هؤلاء الأمير ويس فتح قندهار. و ابنه الأمير محمود تسلط علي ايران و بعده نال الإمارة الأمير أشرف و بعد حروب عقد أحمد باشا معه المعاهدة المؤرخة في 17 صفر سنة 1140 ه ثم انقرضت علي يد نادر شاه سنة 1142 ه.
و في أيام نادر شاه نال الافغانيون سلطة. و بوفاته تولدت لهم آمال بالاستقلال علي يد أحد قواده الأمير أحمد بن محمد زمان من قبيلة ابدالي. و كان رئيس السدزائية. و في أيام استقلال احمد خان سميت حكومتهم ب (الدرانية) سنة 1169 ه. و توالي أعقابه، و توسع نطاق حكمهم. و خلفهم الباركزائية و أمان اللّه خان من أواخرهم ثم عناية اللّه خان و لم يدم حكمه إلا أياما فانقرضوا. فتغلب (بچه سقا) لمدة قصيرة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5،
ص: 352
فقتل، و من ثم ولي ملك الأفغان (محمد نادر شاه الغازي)، فاغتيل سنة 1934 م، فخلفه ابنه جلالة محمد ظاهر شاه. و قدم بغداد زائرا في 21 آذار سنة 1950 م- 2 جمادي الثانية سنة 1369 ه.
عادت الدولة الصفوية لمدة قصيرة. و (شاهاتها):
1- الشاه طهماسب ابن السلطان حسين من سنة 1142 ه إلي سنة 1145 ه فخلع.
2- الشاه عباس الثالث ابن سابقه. و دام إلي أن أعلن نادر شاه سلطنته.
ففي أيام الشاه طهماسب ظهر نادر خان بصولة عظيمة، و قوة قاهرة. و الشاه طهماسب غلب في المعركة بينه و بين العراق فطلب الصلح و عقد معاهدة لم يرض نادر بها فخلع الشاه، و أقام ابنه الشاه عباس الثالث و عمره بضعة أشهر نصبه مكان والده فصار وكيله (وصيا عليه).
قام نادر خان أيام الشاه طهماسب، و اسمه ندر قولي أو (نادر علي) ابن إمام قلي من التركمان المعروفين ب (أفشار). قبيلة تركمانية قديمة قضي علي غوائل عديدة انتابت ايران و اكتسب نفوذا عظيما، و أحبه الايرانيون. ولد سنة 1100 ه في أبيورد من خراسان، و شهد اضطراب ايران و مر ذكر حوادثه.
و في 24 شوال سنة 1148 ه أعلن سلطنته في صحراء مغان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 353
فقضي علي دولة الصفويين.. ثم نفره الايرانيون لقيامه بالتساهل الديني، و استخدامه جيوشا من أقوام مختلفة. و في جمادي الآخرة سنة 1149 ه عقدت معاهدة مع العثمانيين علي أساس معاهدة السلطان مراد الرابع.
ثم عقدت أخري في 17 شعبان سنة 1159 ه علي الأساس المذكور.
و في 11 جمادي الثانية سنة 1160 ه اغتيل فاضطرب أمر ايران و عاد إلي أسوأ ما كان عليه. فتولي علي شاه بن ابراهيم ابن أخي نادر شاه و يسمي (عادل شاه) و نازعه في السلطنة شاه رخ ميرزا بن رضا قلي ميرزا بن نادر شاه و استولي سنة 1161 ه و لم يصف له الجو و كثرت المنازعات
و دامت حتي آخر هذا العهد …
لم تهدأ هذه الإمارة من الاتصال بالعراق. استولت أحيانا علي البصرة و ذكرت حوادثها. و أمراؤها في هذا العهد المولي منصور استمر إلي سنة 1053 ه ثم المولي بركة دام إلي سنة 1060 ه، ثم المولي علي ابن خلف المطلب و توفي سنة 1088 ه. و بعده المولي حيدر ابن سابقه.
و توفي سنة 1092 ه ثم صار أخوه المولي حيدر، فالمولي فرج اللّه و مرت حوادثه في العراق، و كان النزاع بينه و بين هبة اللّه، و في سنة 1112 ه صار المولي علي ثم عاد فرج اللّه، و بعده ولي السيد عبد اللّه سنة 1114 ه. ثم صار السيد علي سنة 1127 ه ثم المولي محمد بن عبد اللّه سنة 1132 ه. و في أيام الافغان صار المولي عبد اللّه بن هبة اللّه سنة 1135 ه. ثم عرفنا المولي مطلب ابن المولي محمد قبيل وفاة نادر شاه و استمر حتي انتهي هذا العهد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 354
الحروب و الاضطرابات لم تدع مجالا للتوسع الثقافي.
فالمؤسسات القديمة كادت تندثر، فأعيد بعضها، و أسس القليل. و هذه أصل الثقافة. كانت المخرج الوحيد للعلماء و الأدباء و الموظفين و التجار و سائر الصنوف. و العناية بها كبيرة جدا. و لا يخلو العهد من الاتصال بعلماء الاقطار.
و كان التوسع في التركية و الفارسية بالغا حده إلا أنه لم يمنع المدارس العربية أن تقوم بمهمتها. و العلاقة مشهودة. و هذه الثقافات لا تستغني عن المدارس العربية بوجه. و في اتصالها لم تنقطع الثقافة بل زادت و ربحت كثيرا. غذتها المدارس الجديدة، و المدارس التي أعيد احياؤها مجددا، فأضيفت إلي ما كان موجودا عامرا من هذه المعاهد.
هذا،
و التكايا قامت بخدمات ثقافية لا تنكر لا سيما في القراءات و في تعليم صنعة الخط، و تعليم بعض المطالب الدينية. و من أهم العوامل الفعالة ظهور (الطباعة) في عاصمة الدولة و تأثيرها علي العراق في تسهيل المعرفة.
و إذا كان محل تكون الثقافة و نموها المدارس و الجوامع و التكايا، فلا ريب أنها يغلب عليها (كتب الجادة) و قل من مال من العلماء إلي ما هو أوسع للإنتاج الجديد. و لا تزال بقية منهم تلمّ الشعث في وقت كادت الحروب و الفتن تقضي علي الإنتاج في مختلف العصور.
و التوسع في التركية و الفارسية لم يمنع من المدارس و لا أخل بها بل كان طريق العناية و سبب الاتصال المكين بها. تكلمنا خلال الوقائع عن بعض الادباء، و عن وفيات بعض العلماء.
و بين علمائنا المدرسون، و الوعاظ، و بينهم من مالوا إلي التأليف و الإنتاج العلمي. و التراث القديم خير مغذّ. و لا يسع احصاء المدرسين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 355
إلا أن أهل التأليف قليلون و أشهر من عرف من الأسرات و الأفراد في العلم:
(1) آل الغرابي: و أصل هذا البيت عبد اللّه المعروف بالغراب. من العلماء و أبناؤه محمود، و أحمد و حسين و غيرهم من هذه الأسرة. و هم رجال علم و أدب. و بينهم من خدم اللغة التركية و له مؤلفات فيها. و لا تزال بقاياهم في بغداد.
(2) آل نظمي البغدادي: بيت أدب و علم. منهم نظمي أصل الأسرة. له ديوان تركي، و مرتضي آل نظمي مؤرخ العراق و صاحب المؤلفات، و حسين آل نظمي اللغوي العالم في التركية و العربية. و له (لغة و صاف)، و (ترجمته). تكلمت عليهم في
تاريخ الأدب التركي في العراق. و منهم المرحوم طاهر چلبي آل محمد سليم الراضي و أولاده.
(3) الشهابي: له في التاريخ (منظومة آل أفراسياب) و مؤلفات أخري.
(4) الكعبي: صاحب (زاد المسافر).
(5) مدلج مفتي بغداد: و آل مدلج بيت علم معروف. و يسمون (المفاتي). و إلي أمد قريب منا كانت بقاياهم، فانقرضوا بعد احتلال بغداد ببضع سنوات. و منهم الشيخ طاهر بن مدلج مفتي بغداد. كانوا يسكنون محلة المفاتي. و هي (محلة السنك).
(6) الشيخ داود: من العلماء. و لم يكن له اتصال بالأسرة المعروفة بهذا الاسم اليوم.
(7) تاج العارفين البغدادي.
(8) سعد الدين البغدادي.
(9) الياس الكردي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 356
(10) الملا محمد شريف الكوراني.
(11) إبراهيم بن حسن الكوراني المتوفي سنة 1101 ه.
(12) البرزنجي (السيد محمد بن رسول). و توفي في غرة المحرم سنة 1103 ه.
(13) الشيخ خليل الخطيب المدرس في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني. أخذ عن الشيخ عبد القادر بن يحيي البصري الشامي. و له ثبت منه يعين صلة علمائنا بالشام و الحجاز عندي مخطوطة منه.
(14) محمد الاحسائي في بغداد.
(15) محمود المفتي في الموصل.
(16) ياسين المفتي في الموصل. ابن سابقه و أسرتهم لا تزال معروفة في الموصل.
(17) عبد القادر البغدادي: الأديب صاحب الخزانة.
(18) آل الغلامي في الموصل: أسرة علمية معروفة إلي اليوم.
(19) آل العمري في الموصل: اشتهر منها علماء كثيرون.
(20) آل السويدي: يأتي الكلام عليهم في المجلد السادس.
(21) سلطان الجبوري: أخذ عن الشيخ خليل الخطيب البغدادي.
(22) آل الربتكي: منهم عبد اللّه رأس الأسرة. و هو المشهور بفتواه في اليزيدية. و ابنه عبد الغفور المدرس. كلهم في الموصل. و عبد الغفور أجيز من سلطان الجبوري و له ثبت يعين صلات علمائنا به كما أنه أخذ
عن والده. عندي مخطوطته.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 357
(23) آل باش أعيان البيت العباسي. بينهم علماء كثيرون. و هم في البصرة.
(24) السيد عبد اللّه أمين الفتوي.
(25) ياسين المفتي من آل نظمي.
(26) آل الطريحي في النجف. و لا تزال بقاياهم.
(27) السيد نصر اللّه من أهل كربلاء. و أسرتهم لا تزال معروفة.
(28) الحللية. مفاتي البصرة. و هم جماعة توالوا.
(29) الشيخ أحمد بن علي القباني البصري. و له كتاب (فصل الخطاب) في الرد علي الوهابية سنة 1155 ه. عندي مخطوطة منه. و هو أول رد عليهم.
(30) آل الفخري في الموصل. و لا يزالون إلي اليوم.
و الأدب العربي أصله المدرسة أيضا. ظهر أدباء كثيرون، و بدت آثارهم العديدة كما أن الأدب استفاد كثيرا من مخلفات اسلافه. و كثرتها جعلتها بمأمن من عوادي الزمن لم تقض عليها كلها. فلا تزال بقاياها منتشرة في الخزائن العامة ولدي البيوت و الأشخاص من أهل العلم و الأدب.
و يهمنا أصحاب الآثار الأدبية أو الإنتاج الأدبي. و لكل خدمته في المجالس الأدبية، و في التدريس، أو في ضروب المعرفة الأدبية. و يهمنا أرباب الشهرة الأدبية. و لا ننس أن العلماء و الأدباء في هذا العهد لم يفرق بينهما و كثير من علمائنا أدباء، فلم يتخلص فريق منهم إلي الآداب وحدها.
و أشهر من عرف بالأدب و الشعر:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 358
(1) عبد القادر البغدادي.
(2) الطريحي- و أبوه الشهاب الموسوي.
(3) معتوق الشهابي.
(4) بشارة. صاحب نشوة السلافة.
(5) السيد نصر اللّه الحائري. و له ديوان شعر.
(6) آل السويدي. داموا إلي العهد التالي.
(7) محمود الغرابي.
(8) السيد حسين بن مير رشيد. و له ديوان.
و آخرون عديدون. و الظاهرة الأدبية في هذا العهد (البنود العراقية). و تعد
تجددا في الأدب، و لم تتكامل إلا في العهود التالية.
و كتبنا في (تاريخ الأدب العربي)، و في (تاريخ الأدب التركي)، و كذا في (تاريخ الأدب الفارسي) توضح الاتجاه الأدبي و تعين المصادر بتفصيل.
ظاهرة أخري هي التاريخ. نهض مؤرخون عديدون للتدوين عن أحوال القطر، نخص بالذكر منهم (آل الغرابي)، و (مرتضي آل نظمي)، و (الشهابي)، و (يوسف عزيز المولوي)، و آل (السويدي) و (نشاطي) …
و كل هؤلاء كشفوا عن تاريخ القطر، و أزالوا الغموض عن الكثير من مبهمات حوادثه. و في (التعريف بالمؤرخين) ما يوضح عنهم.
متجددات العصر لم تقف عند الإنتاج الجديد في الآداب و العلوم.
و إنما يعد من أجل ذلك (صنعة الطباعة). و لم يعرف أثرها في حين ظهورها سوي أن فائدتها بقيت محصورة فيما طبعته و تعد اليوم من أكبر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 359
الوسائل لتمكين المعرفة. فكانت أول عمل من نوعه. و مثلها صنعة (الورق) و لكنها لم تنجح، فهما متلازمان. و لا تدرك قيمتهما إلا بالرجوع إلي ما عانته البشرية في بث ثقافتها أو تثبيتها و ما اتخذته من طرق النشر للعلوم و الآداب و في تسهيل الأخذ بها.
و أول مطبعة تكونت في استنبول (مطبعة إبراهيم متفرقة). و ما يقال من أن هناك مطابع سبقتها فهذه علي فرض تحقق وجودها لم ينتفع منها للمصلحة العامة، و لا للثقافة الشاملة، و لا كان لها التأثير في تكوين الطباعة.
و هذه المطبعة قامت بطبع (كتب اللغة) و (التاريخ). و من أهم ما طبع فيها من نتاج العراق كتاب (گلشن خلفا) في تاريخ بغداد من أول بنائها سنة 145 ه إلي سنة 1130 ه. و (تاريخ تيمور لنك). و الاثنان من تأليف مرتضي آل نظمي. و طبع فيها ترجمة (صحاح الجوهري) المعروف ب (و آن قولي). و (فرهنك شعوري) في اللغة الفارسية و هو من أجل الآثار. و (تواريخ الدولة العثمانية) لمؤرخين رسميين و كل
هذه لها علاقة بوقائع العراق، و تهم في المعرفة. أوضحت ذلك في (تاريخ الطباعة و المطبوعات) و في (تاريخ الأدب التركي في العراق).
و كل ما أقوله هنا إن الطباعة سهلت نشر العلوم و الآداب. و في هذا تقوية للثقافة. و الظاهرة الأخيرة فيها أنها صارت تطبع الآثار النفيسة المفيدة لثقافة الأمة. و لا تكون الكتب السخيفة موضوع البحث إلا من ناحية ضررها.
و الحاصل أن الثقافة تمكنت منا. و لا تزال بعض وثائقها منتشرة أو موجودة بين ظهرانينا. كشفت عن غوامض علمية و أدبية و تاريخية. و لعل في الحوادث المارة، ما يعين الحالة الأدبية. و لا تزال تحتاج إلي اثارة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 360
توضحت حالة الثقافة، و الحوادث السياسية. و كانت جاءتنا مبتورة. و لعل قرب العهد منا أدي إلي التوسع و لا شك أن الوقعة المفصلة، و الحالة المبسوطة تبصر أكثر. و لما تزايدت رأينا لمّها، و الأخذ بأطرافها. فكنا نخشي أن يمل الموضوع و لا نزال في كثير من أوضاعنا نحتاج إلي ما يجلو الغامض، أو يدعو لإثارة المجهول.
لم نضيع الفرصة، و لم ندع التتبع و لا الإثارة أو تدوين ما نعثر عليه. و العمل الفردي مقرون بالنقص دائما، و عمل الجماعات بطي ء.
قدمنا ما تمكنا، و لم نترك إلا ما نغتنم الفرصة في أمل تدوينه و لعل الأيام تكشف عن جديد.
و هذا و الأمراض الطارئة علي الإدارة تعد من أكبر أسباب الانحلال في الشؤون الداخلية و الخارجية. فالحكومة متأثرة بما يجري في عاصمة السلطنة أو هي إدارة مصغرة من تشكيلاتها، و نفسيات أمرائها كما أنها ذات صلة مكينة بنا و بمجتمعنا و ثقافتنا.
و في أيام حسن باشا و ابنه
استقرت الأحوال نوعا، و كأن الإدارة في أيامهما بعيدة كل البعد عن أصل الدولة. و في أيام الوزراء التالين عادت الحالة إلي ما كانت عليه و زيادة إلا أن مدة هذا الانحلال لم تطل فتكونت (ادارة المماليك) مما نراه في بحث تال.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 361
و الثقافة ماضية في مدارسها و مؤسساتها علي نهج علمي أدبي. و لا شك ان الأحوال الطارئة شوشت أمرها، أو أثرت عليها قليلا أو كثيرا لكنها لم تخل من أفاضل في العلوم و الآداب و فهم ذلك مما مرّ و اللّه ولي الأمر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 363
1- فهرس الأعلام
2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل
3- فهرس المدن و الأماكن
4- فهرس الكتب
5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة
6- فهرس الصور
7- فهرس الموضوعات
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 365
أبازه باشا: 20
إبراهيم (السلطان): 45، 343، 347
إبراهيم الأحسائي (الشيخ): 124
إبراهيم أغا: 100
إبراهيم باشا: 36، 38،- 43، 91، 92، 94، 98، 101- 103، 105، 108، 137، 180، 292
إبراهيم باشا الداماد: 10
إبراهيم باشا السلحدار: 238
إبراهيم باشا الطويل: 77، 87
إبراهيم الفضل (الشيخ): 126
إبراهيم القاضي: 12
إبراهيم باشا الگرجي: 91، 106
إبراهيم الكردي: 122، 152
إبراهيم الكوراني: 356
إبراهيم متفرقة: 12
إبراهيم ميرزا: 327، 333، 334
ابن الأثير: 254
ابن بداق (بداغ): 97، 99
ابن بطوطة: 65
ابن الحكيم: انظر (علي باشا)
ابن خليل فهمي: 11
ابن دحية الكلبي: 85
ابن أبي ريش: 29
ابن صبيح: 164
ابن الشيخ شبيب: 214
ابن مير فتاح: 28
أبو بكر (الأمير): 88
أبو بكر الخليفة: 238
أبو بكر بن علي باشا: 90
أبو سودة: 296
أبو الغازي: 31
أبو المعصوم خان: 172
أبو النور: 76
أبو الوفاء العرضي: 122
أحمد (السلطان): 29
أحمد الثالث (السلطان): 344
أحمد الثاني (السلطان): 344
أحمد آغا صهر الوزير: 147، 321، 323
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 366
أحمد آغا آلتنجي: 42، 43
أحمد آغا رئيس الينگچرية: 134
أحمد آغا الكتخدا: 145، 243
أحمد بن أيوب بك الجليلي: 311
أحمد باشا: 25، 158، 187
أحمد باشا آل عثمان: 155، 156، 188، 213
أحمد باشا (الحافظ): 84
أحمد باشا (ملك): 46، 47، 49، 51، 65
أحمد باشا ابن الحمال: 273
أحمد باشا البازركان: 156، 158
أحمد باشا البوشناق: 145
أحمد باشا السهرابي: 146
أحمد باشا الصدر الأسبق: 11، 326، 327
أحمد باشا الطيار: 44
أحمد باشا الكتخدا: 156، 157
أحمد باشا الكسريه لي: 11، 317، 320، 326، 330، 331، 336
أحمد باشا الوزير بن حسين باشا: 11، 15، 16، 221، 224، 243، 245، 246، 253، 254، 258، 262،
265، 270، 271، 274، 277، 278، 282، 284، 285، 287، 289، 290، 291، 297، 300، 311، 314، 317، 321، 328، 329، 331، 332، 337، 345، 348
أحمد بك: 55، 56، 57، 59
أحمد بك أفراسياب: 60
أحمد بك أمير آلتون كوپري: 255
أحمد بك أمير درنة: 255
أحمد خان: 351
أحمد رسول الهند: 73
أحمد رفيق (الأستاذ): 9، 10
أحمد بن عبد اللّه الغرابي: 153، 355
أحمد عبد الغني الراوي: 249
أحمد بن غالب (الشريف): 161
أحمد القبّاني: 357
أحمد كسروي: 260
أحمد بن محمد زمان: 351
أحمد مؤمن زادة: 348
أحمد ناظم العمري: 322
أحمد واصف: 12
أحمد يسوي: 65
أرسلان (الأمير): 333، 334
أرسلان باشا: 48
أسعد باشا العظم (الحاج): 312
الاسكندر المقدوني: 237
إسماعيل (الشيخ): 213
إسماعيل أغا: 74، 241
إسماعيل باشا: 165، 167، 285، 287، 288، 291
إسماعيل الروزنامه: 291
أشرف خان الأفغاني: 237، 253، 254، 255، 256، 258، 270، 351
أفراسياب بن حسين باشا: 101، 106
آق محمد باشا: 62
اللّه ويردي: 239
إلياس أغا: 50
إلياس الخاصكي: 48
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 367
إلياس الكردي: 355
إمام قولي خان: 30، 31
أمان اللّه خان: 351
أورنك زيب: 73، 74، 308
أوليا چلبي: 65، 66
أويس أمير الأفغان: 233، 234، 253، 351
أيوب باشا: 170، 173، 177
بابا خان: 283
بابا گورگور: 120، 121
بابر شاه: 73
بادري: 196
باش أعيان: 96
باقي محمد: 31
باول هرن: 237
پچه سقا: 351
برّاك أمير بني خالد: 88، 89، 90، 102، 103
بردي بك: 255
برزنچي (محمد بن رسول): 356
برهام: 338
بركة: 353
بسيم آتالاي: 113
بشارة: 357
بشير فرنسيس (الأستاذ): 190
بصري الديري: 99، 100
بكتاش خان: 34، 35
بكتاش ولي (الحاج): 130، 291
بكر بك الكردي الباباني: 222، 228
بكر الحمام (الشيخ): 316
بكر صوباشي: 84، 187، 347
بلال أغا: 171، 173
بندر شيخ المنتفق: 69، 70، 337
بهرام باشا: 305
تاج الدين الهندي: 88
تاج العارفين البغدادي: 355
تركي (الشيخ): 207
توفيق (أبو الضيا): 268
تيمور (الأمير): 236، 272
ثامر (الشيخ): 306
جعفر: 164
جعفر باشا: 44
جفته لرلي عثمان باشا: 35
الجلال السيوطي: 124
چلبي زاده (كوجك): 10
الجمال البابولي: 122
حاج بك خان: 304
الحارث بن أسد المحاربي: 244
حجية (أخت حسين باشا): 102
حسب اللّه الشابندر: 46
حسن آغا: 155، 158، 177
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 368
حسن آغا الكتخدا: 155
حسن باشا (كوچك): 15، 16، 17، 18، 20، 22، 23، 30
حسن باشا: 105، 116، 150، 156، 164، 165، 184، 186، 187، 188، 201، 204، 215، 218، 220، 221، 222، 225، 232، 234، 235، 239، 241، 245، 287، 298، 338، 345، 347، 348، 360
حسن باشا أبازه: 75، 86
حسن باشا الچلبي: 123، 145
حسن بك أمير سرطاس: 255
حسن بك أمير سروجك: 255
حسن بك أمير كروس: 255
حسن بك الپچوي: 260
حسن ابن أخي السيد خليل: 310
حسن الجمال: 155
حسن العسكري (الإمام): 171
حسن ميرزا: 334
حسن النقيب (السيد): 25
الإمام الحسين (رض): 107، 133
حسين آل نظمي: 355
حسين آغا الخاصكي: 67
حسين آغا بن عبدال: 151
حسين آغا آل معن: 72، 73
حسين آغا الكتخدا: 324
حسين باشا: 11، 50، 52، 89، 90، 92، 93، 94، 96- 103، 105 112، 132، 152، 157، 161
حسين باشا أفراسياب: 37، 55، 56، 57، 88، 91، 101، 106، 111، 112، 117
حسين باشا الچلبي: 135
حسين باشا الجليلي: 135، 234، 247، 264، 285، 288، 305، 308، 310، 313، 331، 332
حسين باشا الدفتري: 149
حسين باشا السلحدار: 121، 127، 135، 142
حسين باشا ابن القاضي: 143
حسين باشا الكمركجي: 144
حسين بك: 245
حسين بك عمر زاده: 143
حسين الراوي: 249، 250
حسين شاه: 269، 334، 351
حسين (الشيخ): 103
حسين الصولاق: 97، 99
حسين العباس: 162
حسين بن علي: 61
حسين الغرابي: 154، 355
حسين بن منصور الحلاج: 85
حسين بن مير رشيد: 309، 358
حسين نوح: 136
حمد العباس: 162، 274
حمزة الشهاب: 117
حيدر الشابندر: 70، 72
حيدر أمير
الحويزة: 353
خاتون بنت الوزير: 304
خالد بك متصرف لواء بابان: 255
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 369
خالد العجاج: 25، 34، 35، 36
خالد النقشبندي: 125
خالد بن الوليد: 237، 254
خانه محمد باشا: 255
خديجة خانم: 245، 259
خركي: 223
خسرو باشا: 20
خضر آغا: 122
خلف شوقي الداودي: 112
خليل آغا: 115، 118
خليل باشا: 22، 158، 195
خليل البصيري: 310
خليل الخطيب: 356
خليل الكهية: 107
خميس الضاري: 316
داسني مرزا: 51، 52
دال أحمد آغا: 159
داود باشا: 30
داود الچلبي (الدكتور): 118
داود خان: 174، 175، 176
داود (الشيخ): 355
دده حسين: 121
درّاج (السيد): 25
درويش آغا: 164
درويش محمد باشا: 20، 24، 26، 29
دلاور باشا: 6، 152
دلي حسين باشا: 32
دلي محمد باشا: 143
دندن: 261
ديللو: 223
الذهبي: 71
ذو الفقار: 72، 73
ذو الكفل: 98، 100، 250
ذياب الحسان: 197
رابعة بنت أحمد بن الخليفة المستعصم باللّه: 231
راشد (أبو المكارم محمد): 9
راغب الدفتري: 278، 290
رامي باشا: 183
ربتكي: 356
رجب باشا: 204، 317
رستم خان: 165، 296
رضا زاده شلق: 237
رضا قلي بك: 255
رضا قولي خان قوريجه جي: 265
رمضان آغا: 56
روفائيل بيداويد: 310
زاب بن توكال: 226
الزاهدي الگيلاني: 234
زبيدة بنت هارون الجويني: 231، 232
زبيدة زوجة هارون الرشيد: 230، 231
زلّا خان: 253
زمرد خاتون: 231، 232
زهرا خانم: 31
زيد بن محسن (الشريف): 88، 89
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 370
سامي المؤرخ: 11
سبحان قولي خان: 30، 31، 138
السري (من آل عبد السلام): 98
سعد (الشريف): 161، 312
سعد الدين البغدادي: 355
سعد الصعب: 201
سعدون أمير المنتفق: 297، 298، 299
سعود بن الشريف سعد: 312
سعيد بن سعد (الشريف): 161
سلطان الجبوري: 167، 356
سلمان الأمير: 88، 99
سلمان الخزعلي: 179، 180، 181، 182، 184، 194، 201، 206، 229، 239
سلمان القاضي: 196
سليم باشا متصرف بابان: 322، 323، 324
سليم باشا متصرف أماسيه: 264
سليم بك: 311
سليمان رئيس قبيلة كعب: 309
سليمان بابان: 152
سليمان باشا: 11، 290، 291، 295، 296، 299، 301، 305، 313، 322، 326، 330، 331، 332، 337، 339، 340، 341، 342
سليمان باشا آل خالد باشا: 324
سليمان البصري: 266
سليمان بك: 266
سليمان الثاني (السلطان): 344، 351
سليمان شاه: 111، 351
سليمان الشاوي: 303
سليمان الصائغ: 310
سليمان القانوني (السلطان): 87، 94
سليمان الكردي: 266
السمعاني: 254
سنان باشا: 167
سواس: 223
سياب باشا: 60
سيد علي الجلبي: 140
سيدي علي رئيس: 87
سيفا: 85
شاكر المؤرخ: 11
شاه جهان خرم شاه: 72، 73
الشاه حسين: 234، 235
شاه رخ: 314، 334، 353
شاه محمد: 308، 309
شبلي: 261
شبيب: 200، 201، 211، 212، 214
شبيل: 269
شكر پاره: 45
شناسي (الشاعر التركي): 326
شهاب الموسوي: 358
الشهابي البصري: 98، 100، 102، 117، 355، 358
الشهزادة: 269، 270
شهسوار زاده: 204
الشيخ عبد اللّه: 103
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 371
الشيخ محمد (شيخ الشيوخ): 98، 103، 104
شير بك بابان: 322
صادق خان: 301
صاري خان: 334
صاري محمد باشا: 92
صاري مصطفي باشا: 241، 273
صالت أحمد باشا: 156
صالح آغا: 82، 115
صالح باشا: 39، 41، 45
صالح البقال: 23
صالح التميمي: 30
صبحي المؤرخ: 11، 12
الصدر الأعظم علي باشا: 273
صفي شاه: 350
صفي قلي بك: 255، 270
صفية خانم بنت الوزير حسن باشا: 245
صقر شيخ قشعم: 302
طالب غني: 112
طه الواعظ: 146
طاهر جلبي: 355
طاهر بن مدلج: 355
طهماسب شاه: 261، 262، 264، 269، 270، 271، 272، 352
طيبي كاتب الديوان: 135
عائشة زوجة رسول اللّه: 139، 238
عائشة خاتون بنت مصطفي باشا: 231
عائشة خانم بنت أحمد باشا: 321
عادلة خاتون: 266
عباس (الشيخ): 208
عباس أخو مندو: 223
عباس پرويز: 281، 314
العباس بن عبد المطلب: 139
عباس شاه الثاني: 74، 270، 351، 352
الشاه عباس الثالث: 352
عباس شيخ بني عمير: 160
عباس الخزعلي: 180، 184
عباس قلي: 239
عبد اللّه والي بغداد: 322
عبد اللّه أمير الحويزة: 217، 223، 227، 229، 230
عبد اللّه أمين الفتوي: 246، 249، 250، 252، 266، 306، 325، 357
عبد اللّه باش أعيان (الشيخ): 103
عبد اللّه باشا الكوپريلي: 238، 241، 288
عبد اللّه بك: 324
عبد اللّه خان الكرجي: 234
عبد اللّه بن حبيب: 99
عبد اللّه الدفتري: 124
عبد اللّه الرازي: 234
عبد اللّه الربتكي: 356
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 372
عبد اللّه السويدي: 136، 202، 250، 255، 259، 302، 304، 305، 306، 311، 312
عبد اللّه الشاوي: 323
عبد اللّه عيسي العباي: 117
عبد اللّه (الغراب): 355
عبد اللّه الفخري: 303، 310، 325
عبد اللّه بن مراد باشا: 311
عبد اللّه بن هاشم (الشريف): 161
عبد اللّه هبة اللّه أمير الحويزة: 353
عبد الباقي وجدي: 62
عبد الحميد عبادة: 22، 23، 24
عبد الرحمن آغا: 224
عبد الرحمن باشا: 127، 142، 149، 243، 245، 247، 253
عبد الرحمن السويدي: 188، 269، 322، 323، 304، 326
عبد الرحمن ابن الشيخ محمود: 136
عبد الرحمن الفراداغي: 121
عبد الرحيم: 174، 254
عبد السلام (الشيخ): 98
عبد السيد شيخ بني لام: 228
عبد الشاه: 177
عبد العال: 216، 227، 229
عبد العزيز خان: 30، 31، 73، 74، 138
عبد العزيز سلطان: 253، 254
عبد الغني النابلسي: 136
عبد علي الحويزي: 36، 52
عبد علي بن ناصر (ابن رحمة): 112
عبد الغافر: 254
عبد الغفور
الربتكي: 356
عبد القادر: 98
عبد القادر البغدادي: 140، 356، 358
عبد القادر شيخ بني لام: 201، 211، 229، 292، 293، 313
عبد القادر الگيلاني (الشيخ): 76، 177
عبد القادر بن يحيي البصري الشامي:
356
عبد الكريم الجيلي (الشيخ): 43، 49، 50، 85
عبد الكريم علي ضياء الشيرازي: 319
عبدي (عبد الرحمن باشا): 65، 66، 144، 149، 180
عبيد: 107
عبيد اللّه القاضي: 248، 258
عثمان (السلطان): 29
عثمان آغا: 234، 240، 271
عثمان باشا (الوزير): 218
عثمان باشا الكردي: 298، 324
عثمان باشا الطوپال: 279، 281، 282، 283
عثمان باشا: 218
عثمان بك أمير باجلان: 225
عثمان الدفتري: 250
عثمان الراوي: 249
عثمان شيخ المنتفق: 107، 108
عثمان بن عفان: 75، 238
عثمان عمر الحنفي: 107
عثمان النجدي: 244
عثمان الينگچري: 53
العدواني: 254
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 373
عرب علي باشا: 144
العزير (نبي): 300
عسّاف أمير طيي ء: 36
عقاب شيخ قشعم: 303
علي بن أبي طالب (رض): 107، 133، 238
علي آغا: 25، 26
علي أكبر: 314
علي بابا (الحاج): 12
علي باشا المعروف بابن الحكيم: 273، 286
علي باشا: 27، 88، 159، 161، 165، 167، 168، 170، 173، 175، 180، 184، 185، 186، 195، 196
علي باشا أفراسياب: 37، 52
علي باشا (قدوم): 143
علي باشا مقتول زاده: 232
علي بك أمير ربيعة: 296
علي بك أمير كوي: 255
علي بك أمير باجلان: 255
علي بك بن حسين باشا: 111، 245
علي بك (عبدي باشا زاده): 264
علي خان: 74
علي بن خلف مولي الحويزة: 353
علي الدفتري: 252
علي الروزنامه چي: 72
علي شاه: 327، 333، 334، 353
علي الشديد أمير الموالي: 100
علي العمري: 246
علي قولي خان: 319
علي الكتخدا: 25
علي مردان أمير اللر: 239، 247
علي الهادي (الإمام): 171
علي الهيتي (الشيخ): 154
عمر: 108
عمر (الأمير): 90
عمر باشا: 116، 135، 136، 143، 144، 147، 149، 156، 159، 245
عمر الحليبي: 102، 103
عمر بن الخطاب: 238
عمر باشا (الوزير): 227
عمر الراوي: 249
عمر السهروردي: 75،
125، 231
عمر الينگچري: 53
عمران السعدون: 208
عناية اللّه خان: 351
عهدي البغدادي: 83
عوض الكتخدا: 124، 126
عيسي صفاء الدين البندنيجي: 76، 151
عيسي بن علي باشا: 103
غانم الحسان: 197
الغرابي: 72، 138، 146، 154
الغزي المؤرخ: 11، 12، 234
غصيبة شيخ زبيد: 313
الغلامي: 356
غوثي: 85
فارس شيخ بني لام: 228
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 374
فاطمة خانم بنت الوزير حسن باشا:
245، 268
فتح علي بك التركمان: 269، 314، 315
فتح اللّه بن عبد القادر لقمان: 154
فتح اللّه الكعبي: 105، 111
فتحي بك: 55، 57، 59، 60
فرج الحويزي (الشيخ): 230
فرج اللّه (المولي): 165، 166، 176، 353
فرهاد بك أمير قزلچة: 255
فضولي البغدادي: 84
فندي (الشيخ): 274
فيض اللّه بلبل: 66
قائم بك: 73
قادر آغا: 114
قاسم الأفغاني: 233
قبلان مصطفي باشا: 129
قرا محمد باشا: 145
قره مصطفي باشا: 33، 77، 86، 89، 90، 241، 243، 245، 247، 263، 273، 275
قوج باشا: 324
قيا سلطان خاتون: 49
كاتب چلبي: 27
الكازروني: 33
كريم خان: 301
الكعبي: 355
كلب علي بن برهام: 338
گنج عثمان: 20، 22، 23، 24
كنعان أمير قشعم: 90
كنعان باشا الكرجي: 91، 92، 106
گورجي باشا الصدر: 52، 53
كوركيس عوّاد (الأستاذ): 190
كوركين خان: 233
اللّه ويردي أمير الجاف: 239
لوكهارت: 312
مانع شيخ المنتفق: 155، 156، 158، 164، 165، 166، 172، 176
المتنبي: 268
محب الدين الخطيب: 312
المحبي: 140
محسن بن حسين (الشريف): 161
محمد (النبي صلّي اللّه عليه و سلّم): 65، 138
محمد أبو الهدي الصيادي (الشيخ): 254
محمد الأحسائي (الشيخ): 124، 356
محمد الأزهري (الشيخ): 76
محمد آغا الخاصكي: 174، 176
محمد آغا خواجه زاده: 8
محمد أفندي: 47
محمد أمين باشا: 311
محمد أمين حفيد المفتي: 122
محمد أمين العمري: 8، 310
محمد باشا: 92، 101، 103، 168،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 375
170، 171، 177، 342
محمد باشا أمير أردلان: 245، 247، 255
محمد باشا آشچي زاده: 170، 185
محمد باشا أمير الأحساء: 55، 56، 88، 89، 90، 91، 92
محمد باشا البوغازليانلي: 259
محمد باشا الترياكي: 332
محمد باشا جاوش زاده: 44، 116
محمد باشا آل حيدر آغا: 34
محمد باشا الخاصكي: 67، 72
محمد باشا دال الطبان: 29
محمد باشا الدباغ: 52، 53
محمد باشا الزازه: 340، 343
محمد باشا السلحدار: 76، 77، 88
محمد باشا الصدر الأسبق: 11، 237، 239، 314، 331، 335، 336
محمد (الساعي): 90
محمد باشا القبطان: 185، 186، 195
محمد قبيل: 353
محمد باشا الكتخدا: 256، 278، 284، 287، 288، 290، 291، 326، 330، 341
محمد باشا الگرجي: 82
محمد باشا الكوپرلي: 78
محمد باشا الكبودان: 173
محمد باقر خان: 265
محمد بك: 324
محمد بك أمير زنكنة: 255
محمد بك السلحشور: 77
محمد بك بن قره مصطفي باشا: 86
محمد بك ابن الوزير: 118
محمد جواد عواد: 220، 224
محمد بلوج خان: 263، 288
محمد حسين بك: 315
محمد خان بلوج: 283
محمد الدفتري: 118، 121، 183
محمد الذياب: 223
محمد الرابع (السلطان): 103، 343، 347
محمد راشد مكتوبي الصدر: 12
محمد رضا قولي خان قوريجي باشي:
265، 270
محمد سعيد الراوي: 231
محمد سعيد السويدي: 312
محمد سعيد المدرس: 12
محمد السلطان: 10
محمد شريف الگوراني: 356
محمد صادق خان: 234
محمد ظاهر
شاه: 352
محمد ظلي بن قره أحمد: 65
محمد بن عبد الرسول البرزنجي: 157
محمد بن عبد السلام شيخ الشيوخ:
103، 107
محمد عبد الكريم خان: 327
محمد بن عثمان چاووش: 52
محمد بن عقيلة: 268
محمد الغزلاني: 143
محمد الفضل: 146
محمد فيضي الزهاوي: 121
محمد قولي خان: 45
محمد أفندي كاتب الديوان: 47
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 376
محمد بن مانع: 251، 260
محمد مهدي المنشي: 312، 315، 316، 317، 335
محمد مولي الحويزة: 260، 353
محمد نادر شاه الغازي: 352
محمد نذر خان: 73
محمد نصير النوري المازندراني: 317
محمد الواني: 105
محمد الينگچري: 53
محمد آغا الجبه دار: 171
محمود أمير الأفغان: 234، 240، 251، 269، 351
محمود الأول (السلطان): 262، 344، 347
محمود باشا چغالة زاده: 28
محمود الثامر: 120
محمود الحويزي: 230
محمود الرئيس الأول: 55
محمود السيستاني: 269
محمود شكري الآلوسي: 136، 146
محمود الغرابي: 148، 154، 355، 358
محمود بن عثمان الرحبي: 331
محمود بن عبد الوهاب مفتي الموصل:
122، 356
محيي الدين: 73
مدلج المفتي: 141، 157، 355
مراد آغا: 46
مراد باشا: 51
مراد بخش: 73، 74
مراد الخاصكي: 39
مراد الرابع (السلطان): 17، 22، 24، 27، 29، 32، 33، 50، 51، 53، 82، 84، 127، 189، 225، 290، 316، 318، 342، 349، 350، 353
مراد رئيس: 87
مرتضي باشا: 39، 41، 54، 56، 60، 65، 66، 75، 77، 78، 322، 324
مرتضي آل نظمي البغدادي: 27، 72، 76، 81، 83، 85، 228، 257، 355، 358، 359
المستنصر (الخليفة): 33
المستضي ء بأمر اللّه: 96، 97
مسطور الكعبي: 338
مصطفي آغا الجراح: 127
مصطفي آغا ضابط الحرم: 29
مصطفي آغا الطوبخانه لي: 48، 49
مصطفي أفندي: 265
مصطفي باشا: 34، 51، 56، 105، 107، 115، 116، 119، 170، 173
مصطفي باشا (الوزير): 240
مصطفي باشا الينبوغ: 85، 170
مصطفي باشا دال طبان: 168
مصطفي باشا رئيس الحجاب: 116
مصطفي باشا القنبور: 82
مصطفي باشا الكوبريلي: 150
مصطفي التذكره جي: 17، 348
مصطفي (السلطان):
12
مصطفي الثاني (السلطان): 344
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 377
مصطفي جواد: 70، 97، 113، 244، 304
مصطفي خان شاملو: 315، 316، 321، 334، 335
مصطفي الدده: 62، 63
مصطفي (عالم البصرة): 118
مصطفي العدلي: 121، 122، 123، 124
مصطفي فتح اللّه: 123
مصطفي بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي: 244
مصطفي الملا طيوي: 10
مصطفي الميراخور: 340، 341، 342
مصطفي نوري باشا: 281
مطلب مولي الحويزة: 353
معتوق بن شهاب الموسوي: 358
معروف الكرخي: 128، 147، 231
معير خان: 319، 321
مغامس أمير المنتفق: 195، 196، 206، 207، 212، 213، 214، 216
ملا باشي: 319، 327
مندو: 223
منلا محمود: 244
منصور مولي الحويزة: 353
منيهاج: 130
مهنا بن علي الخزعلي: 25، 26
مهنا العثمان: 338
موسي آغا: 254
موسي باشا السمين: 43
موسي باشا القپودان: 39، 40، 41،
42، 43، 44، 45، 292
موسي: 99
موسي باشا كوچك: 37، 39
مير حسن: 152
نابي: 10
نادر خان: 261، 270
نادر شاه: 13، 17، 187، 269، 271، 273، 274، 276، 277، 279، 282، 283، 289، 290، 294، 303، 304، 307، 308، 309، 310، 311، 314، 315، 320، 321، 322، 325، 327، 334، 336، 350، 351، 352، 353، 355
الناصر (الخليفة): 33
ناصر (الشيخ): 213
نجم الحلفاوي: 122
نديم: 10
نذر محمد: 31
نشاطي: 358
نصر اللّه الحائري: 230، 309، 312، 357، 358
نصرة الأفغاني: 258
نظر علي خان: 319
نظمي البغدادي: 83
نظيف مصطفي: 315
نعمان بك: 331
نوح (عم الشيخ حسين): 136
نوروز خان: 110
نوغاي: 22
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 378
هارون الرشيد: 230- 232
هاشم بن المستضي ء: 97
هولاكو: 272
هبة اللّه مولي الحويزة: 353
هيرودوتس: 236
ولي أفندي: 311، 315
وصفي زكريا: 188
ولي محمد: 31
وداي العطية: 26، 178، 197، 198، 212
ياسين باش أعيان: 96، 98، 107، 117
ياسين بن حمزة آل شهاب: 117
ياسين العمري: 8، 322
ياسين بن محمود الموصلي: 190
ياسين المفتي: 123، 356، 357
ياقوت المستعصمي: 77
يحيي آغا: 101، 102، 103، 106
يحيي (الأمير): 88، 89، 90، 93، 104
يحيي بك: 56
يحيي باشا: 107، 110، 112، 114، 115، 116، 118، 335
يحيي دده: 142
يحيي بن علي باشا: 88
يحيي بن نوح: 136
يرنججي زاده: 46
يعقوب سركيس (الأستاذ): 150، 204، 213، 293
يوسف آغا: 216
يوسف (الشيخ): 114
يوسف باشا: 168، 173، 180، 183، 184، 185، 204
يوسف باشا الچلبي: 165، 170
يوسف بن سيدي خان: 81
يوسف عزيز المولوي: 63، 188، 208، 220، 221، 222، 224، 305، 358
يونس الموصلي: 310
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 379
الأبازة: 47
أبدالي: 351
أبو ريشة (آل): 34، 36
الأجود: 207، 213
أردلان: 239، 247، 248، 255
الأرمن: 237، 238
الأزيرق: 216
أسلم: 301
الأعاجم: 274
أفراسياب (آل): 27، 34، 90، 99، 103، 111، 113، 117
أفشار و الأفشارية: 219، 350، 352
الأفغان: 233، 236، 237، 238، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 261، 269، 272، 283، 308، 318، 319، 333، 350، 351، 352، 353
الألبانيون: 237
آلوسي (آل): 136
أهل البصرة: 114
أهل الجزائر: 93، 113
أهل السنة: 76، 238، 311
الإنكليز: 73، 74، 119
أوزبك: 31، 73، 138، 318، 319، 333
بابان، ببه: 152، 218، 222، 228، 239، 255، 322، 324، 343
باجلان: 115، 163، 170، 225، 255
باش أعيان (آل): 56، 57، 112، 117، 357
الباچه جي (آل): 167
بارگزائية: 351
البرتغال: 185
بقارة: 286
بكتاشية: 121
بلباس: 218، 219، 228، 239، 294، 299، 294، 299
بنو أسد، بنوسد: 108
بنو إسرائيل: 19، 300
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 380
بنو جميل: 162، 163، 249
بنو حسن: 208
بنو خالد: 88، 103، 206، 254
بنو سعد: 207
بنو صخر: 301
بنو عباس: 85
بنو عمير: 160
بنو لام: 134، 163، 177، 192، 194، 215، 216، 217، 218، 223، 227، 228، 229، 249، 250، 260، 291، 292، 293، 295، 306، 313، 337
بنو مالك: 160، 179، 207، 213
البو حمدان: 191
بوشناق: 145، 146
البو ناصر: 219
بيات: 114، 163، 170، 269
تاجيك: 236
الترك، الأتراك، التركمان: 15، 24، 27، 70، 150، 165، 221، 237، 238، 255، 269
ثمود: 306
جاف (جاف جوانرود): 225، 239، 248، 255
الجحيش: 201
الجليلي (آل): 257، 343
جمشكز: 269
جوجي (آل): 31
حسين (آل): 201
الحللية: 210، 357
حميد (آل): 26، 200، 201
خالد (آل): 201
الخزاعل: 25، 26، 179، 184، 194، 195، 197، 198، 209، 229، 239، 247
خزاعة: 26، 27
الخزر: 236
خلج: 237
الخلفاء الراشدون: 315
داسنية: 51
درانية: 351
دليم: 201
الدواسر: 338
الراشد: 108
ربتكي (آل): 356
ربيعة: 206، 209، 213، 216، 296، 299
الرفاعية: 164
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 381
رفيع (آل): 200
الروم: 27، 32، 34، 45، 54، 59، 73، 85، 92، 93، 96، 99، 100، 110، 135، 141، 142، 149، 151، 278، 297، 308، 316
زبيد: 162، 163، 201، 202، 203، 206، 209، 210، 211، 284، 295، 306، 313
زبيد الأصغر: 163
الزراقيط: 199
زوبع: 316
زيبار أو زنيبار: 226
ساعدة: 200، 250
الساميون: 226
السراي (السراج): 206
السدزائية: 351
السرحان: 301
السعدون (آل): 300
السعيد: 201
السكبان، السكبانية: 18، 57، 113، 115، 129
السويدي (آل): 325، 356، 358
شاوي الحميري (آل): 202
الشبل: 250
الشافعية: 294
الشبيب: 209
شريف بك (آل): 241
شمر: 161، 162، 197، 198، 199، 206، 250، 251، 284، 313، 316
شمر طوگة (طوقة): 199، 203
شوان: 191
شهاب البصري (آل): 117
الشهوان: 189، 191، 286
شيبان: 31
الشيعة: 20، 239، 311، 312، 315
الصاجلية: 229
صفوية، صفويون: 233، 239، 265، 269، 270، 289، 312، 316، 318، 350، 351، 352، 353
الصوفية: 125، 128
طريحي (آل): 352، 357، 358
طيي ء: 29، 36، 70، 135، 162، 188، 218، 223، 286، 332
عاد: 306
العباسيون: 151، 232، 357
عبد السلام: 98
العبيد: 202، 203، 209
عبودة: 213
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 382
العثمانيون و الدولة العثمانية: 7- 9، 12، 15، 20، 28، 74، 87، 88، 90، 94، 104، 110، 111، 165، 176، 217، 225، 239، 247، 248، 253، 254، 257، 258، 260، 278، 283، 289، 290، 304، 311، 313، 314، 317، 318، 320، 326، 327، 334، 343، 344، 349، 350، 353
العجم: 18، 25، 27، 31، 42، 43، 44، 45، 52، 57، 73، 74، 84، 92، 93، 96، 109، 110، 111، 113، 151، 159، 217، 219، 223، 229، 233، 234، 235، 239، 263، 281، 307، 313، 319، 322
العرب: 15، 23، 24، 27، 59، 110، 113، 150، 195، 206، 211، 238
العزة: 163، 209
العمري (آل): 356
الغرابي (آل): 148، 355، 358
الغرير: 189، 191، 209، 286
غزية: 162، 200، 206، 211
الغلامي (آل): 356
الفخري (آل): 357
الفرس: 70، 141، 226، 238، 283
الفيلية: 193
قاجار: 318
القرامطة: 87
قريش: 254
القزلباش (القزلباشية): 51، 235، 236
قطان البوادي: 48
قوجة عز الدين: 286
قيس: 163
الكرد، الأكراد: 51، 152، 170، 188، 203، 224، 228، 238، 250، 255، 257، 263، 271، 273، 288، 303، 309، 320، 325، 333، 340، 349، 350
الكرمليون: 196
كعب: 113، 309، 338
گلزائي: 237
كواوزة: 96
الكيكية: 286
لور، لر: 192، 239، 247، 248، 258، 263
لزك، لزكي: 303
اللوند: 94، 166
ماموي: 239
المجمع (عشرة): 249
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 383
مدلج (آل): 355
المذهب الجعفري: 315
المسعود: 199، 203
مشاهدة: 342
المشعشعون: 164، 260
المعادي: 337، 338
المعامرة: 201
المغول: 31، 73، 151، 231، 308
المفتي (آل): 210
الملامتية: 64
المليك: 219
الملية: 188
المماليك و حكومة المماليك: 11، 15، 17، 80، 210، 244، 298، 326، 330، 343، 360
المناع (آل): 213
المنتفق: 27، 100، 107، 108، 155، 156، 158، 164، 176، 192، 195، 204، 206، 207، 209، 210، 212، 213، 216، 251، 260، 297، 298، 300، 306، 337، 343، 345، 346
الموالي: 100، 188، 232، 274
المولوية: 142، 188
الميّاح: 206، 213، 216
النصاري: 300
نظمي (آل): 149، 150، 355، 357
نوح (آل): 136
نوفل (آل): 201
هزارة: 236
هندوك، هندوس: 236، 237، 238
الهولنديون: 195
الوهابية: 357
ياسين المفتي (آل): 103
اليزيدية: 51، 209، 223، 229، 285، 343، 356
الينگچرية: 15- 18، 39- 47، 49، 50، 53، 69- 72، 101، 106، 108، 109، 127- 130، 133، 134، 139، 148، 166، 168، 170، 172، 176، 179، 180، 192، 277، 279، 281، 287، 290، 291، 327، 328، 329، 330، 348، 349
اليهود: 19
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 384
آلتون صويي (نهر الذهب): 226
آلتون كوپري (قنطرة الذهب): 225، 226، 244، 255
آمد: (ديار بكر)
الأبلة (نهر): 175
أبو حجيرات: 293
أبو غرافة: 216
أبو مهفة (أبو مهيفة): 213
أبيورد: 352
الأحساء: 55، 56، 87- 90، 92، 101- 103، 117، 206، 212
أخسخة: 159
أخيضر: 212
أدرنة: 103، 165، 168
أدنه كوي (منصورية الجبل): 261
أذربيجان: 238، 271، 315، 333
إربل: 310، 324
أردلان: 239، 247، 248، 255
أرضروم (أرزن الروم): 133، 137، 234، 238، 240، 289
أريوان: 288
استنبول: 8- 12، 25، 28، 33، 40، 41، 43، 45، 46، 49، 51، 53، 60، 67، 78، 82، 86، 87، 103، 107، 144، 149، 150، 185، 188، 196، 228، 248، 254، 257، 273، 290، 311، 314، 315، 316، 317، 327، 328، 335، 336، 359
أسكدار: 159، 288
الإسكندرية: 107، 191، 254
أصفهان: 233، 234، 240، 253، 256، 257، 260، 263، 270
أطنة (أدنة): 332
الأعظمية: 185، 273، 311
ألبانيا: 237
ألمانيا: 65
أم التمن: 204
أم الغزلان: 216
أماسية: 170، 264
الأناضول (أناطول): 51، 75، 81، 147، 272، 289، 290
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 385
الأهوار: 170، 215
إيران و الإيرانيون: 12، 14- 17، 20، 25، 27، 28، 34، 65، 74، 89، 90، 127، 149، 158، 166، 174، 176، 189، 192، 193، 219، 225، 226، 233، 234، 235، 236، 238، 239، 240، 247، 253، 254، 255، 258، 260، 261، 275، 278، 283، 307، 309، 315، 316،
317، 318، 319، 320، 321، 322، 326، 327، 331، 332، 333، 334، 335، 336، 339، 344، 350، 351، 352، 353
الإيوان: 344
إيوان الموصل: 143
باب الأبواب: 236
باب الأعظمية: 30، 75
باب الآغا (محلة): 69
الباب الجديد: 252
باب رباط كبير: 119، 120
باب رباط صغير: 120
باب الشجرة: 259
الباب الشرقي: 172
باب الشيخ (محلة): 154
باب المعظم: 259، 276
باب الوسطاني: 147
باجلان: 115، 163، 170، 225، 255
باچير: 111
باريس: 113
باكستان: 74
پاي طاق: 317
بحر الخزر: 236
البحرين: 87
بخاري: 308
بدرة: 170
البدعة: 204
بدون: 129
براثا (مسجد): 71
برج الجاوش: 146
برج الصابوني: 146
برج العجم: 30
بروجرد: 248، 262
بروسنة: 12
البستان (جبل): 192، 193
بستان الباشا (بستان المتولية): 283، 304، 330
بستان حسن: 221
بستان القصب: 99
بستانسور: 323، 324
پشتكوه: 193
بشكوه: 193
البصرة: 11، 34، 37، 52، 53، 55 57، 59- 61، 87- 91، 94، 96، 98- 101، 103- 114، 116- 120، 122، 123، 126، 127، 132، 135، 142، 144، 149، 154- 159، 161، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 172، 174- 176، 185، 186،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 386
195، 196، 201، 203، 206، 207، 209، 210، 214، 215، 220، 224، 243، 246، 253، 283، 291، 292، 297، 298، 299، 300، 301، 309، 311، 326، 331، 332، 337، 338، 339، 340، 342، 344، 345، 346، 357
البطائح (الجوازر): 72، 160
بغاوند: 288
بغداد (مدينة السلام): 11، 15، 17- 20، 22- 24، 26، 27- 35، 37- 54، 56، 59- 62، 65- 80، 82، 84- 87، 89- 92، 94، 96، 100، 102- 107، 110- 124، 127، 129، 130، 132- 139، 141- 145، 147- 153، 155- 157- 173، 177، 179، 180، 182- 186، 188، 189، 192- 196، 198، 199، 201- 204، 206، 208، 211، 212، 214، 217، 220- 225، 227، 228، 229، 231، 232،
234، 238، 239، 243، 244، 246- 250، 258، 260، 266- 269، 271- 278، 282، 284، 285، 287- 300، 302- 311، 313، 314، 315، 317، 320- 322، 324- 328، 330، 331، 332، 334، 335، 337، 339- 343، 347، 349، 352، 355، 356، 359
بغداد كوشكي (قصر بغداد): 28
البقيع: 138
بگ أوغلي: 66
بلاد الأفغان: 233
بلاد الترك: 221
بلخ: 308
بهبهان: 110
بهرز (قرية): 147
بودين: 33، 34، 41
البوسفور (مضيق): 51
البوسنة: 33، 127
پولونيا (لهستان): 65
پياس: 52
بيت اللّه الحرام: 130، 138، 315
بيدا: 262
پيره جك: 170، 171، 274
پيشكوه: 193
البيمارستان العضدي: 304
تابية الفتح: 75
تابين: 322
تبريز: 238، 271، 333
تربة بابا كور كور: 121
تربة السيدة زبيدة: 231
تربة العزيز عليه السّلام: 300، 301
تركستان: 308
تفليس: 240
تكريت: 39، 274
تكية البكتاشية: 106، 120، 121
تكية عرب: 154
تنومة: 113، 151، 176
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 387
الجادرية: 293
جامع الآصفية: 244
جامع الأحسائي (تكية الخالدية): 125، 126
جامع الآصفية: 63
جامع الإمام الأعظم: 67، 118، 135، 148
جامع الإمام علي: 242
جامع الأوزبك: 30، 31، 74
جامع براثا: 244
جامع البوشناق: 146
جامع جديد حسن باشا (جامع السراي، جامع السليماني): 142، 188، 245، 329
جامع حسين باشا: 126
جامع حمام المالح: 146
جامع الخاصكي: 76، 77
جامع الخفافين: 167
جامع السهروردي: 125
جامع سلطان سيد علي: 140
جامع العتيقة: 71
جامع القپلانية: 132
جامع القدوري: 132
جامع القمرية: 21، 32، 135، 136
جامع الگيلاني: 127، 356
جامع محمد باشا السلحدار: 76
جامع محمد الفضل: 146
جامع معروف الكرخي: 128، 147، 231
جامع المنطقة: 71
جامع نور السلحدار: 76
جامع الوزير: 145
جبل الگاوور: 286
جبل النصاري: 287
جبه: 172
جدة: 343
جسّان: 115
جسر بغداد: 224، 244
جسر الحلة: 313
جسر ديالي: 173
الجسر الرضواني: 198
جسر الموصل: 241، 307
الجزائر (الجوازر، البطائح): 68، 72، 96، 109، 155، 170، 173، 178، 208، 210، 213، 214، 215، 217، 223، 296
الجزيرة: 153، 251، 284
جزيرة حميد: 199
جفتايه: 208
جوانرود: 239
جوبين: 226
چولان (قلعة): 271
جهان آباد: 308
حانية: 33، 38
الحجاز: 356
الحرم السلطاني: 150
الحرم الشريف: 343
الحرمان الشريفان: 123، 150
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 388
حرير: 255
الحسكة: 178، 179، 182، 184، 194، 195، 196، 201، 212، 213، 297، 337، 341
حسن دپه (تپه): 322
الحسينية (نهر): 244
حلب: 11، 29، 35، 36، 52، 86، 91، 92، 103، 107، 122، 123، 145، 157، 165، 168، 170، 196، 232، 246، 248، 285، 286، 287، 340
الحلّة: 20، 22، 107، 170، 173، 177، 179، 180، 193، 200، 201، 204، 208، 211، 283، 284، 297، 306، 331، 341
الحويزة: 110، 134، 164، 165، 166، 172، 176، 192، 206، 212، 214، 223، 227، 230، 258، 259، 260، 309، 337، 344
الحي: 216
الخاتونية: 223
خالد كبشة: 178، 179
خان آزاد: 136
خان بني سعد: 147، 192
خان جغان: 28
خان الحصوة: 192
خان الناصرية: 192
خان النصف (النص): 147، 191
الخانقاه الصغير: 24
خانقين: 271
الخانوقة: 189، 191
خداوندگار: 317
خراسان: 217، 269، 334، 352
خرّم آباد: 239، 247، 258
خزانة الآثار: 326
خزانة الإمام علي: 312
خزانة آل باش أعيان: 112
الخزانة الهمايونية: 335
خطر الزور: 204
خليج العمارة: 217
خندق بغداد: 233
خوارزم: 269
دار السلطنة: 91
دار الآثار العراقية: 58، 95
دار الآثار القديمة: 21
الدار الآثرية بدمشق: 312
دار الطباعة العامرة: 13
دار الإمارة: 72
دار القرامطة: 87
دار الكتب الوطنية: 113
داسن (داسني): 51، 52
داغستان: 303
دامغان: 270
دانمرك: 65
دبره: 188
دبلة: 212
دپه رش (تپه رش): 323
دپه كل: 323
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 389
دجلة: 48، 49، 51، 53، 74، 75، 108، 125، 126، 136، 140، 148، 160، 170، 171، 177، 190، 216، 217، 249، 266، 274، 281، 300، 310
دجيل (نهر): 77- 79، 162، 275
درتنك: 255، 344
دره حار: 270
درنه: 248، 255، 261، 271، 273، 324، 344
دكاكين: 206
دلي عباس (المنصورية): 324
دمشق: 141، 312
دورق: 110، 111، 174
الدورة: 191
ده بالا: 193
ديار بكر (آمد): 25، 29، 34، 39، 41، 44، 46، 48، 72، 75، 77، 82، 86، 91، 92، 101، 106، 108، 111، 116، 132، 133، 158، 161، 165، 168، 170، 177، 180، 183، 184، 186، 188، 189، 204، 212، 232، 259، 264، 272، 326، 327، 335، 340
ديار بني أسد: 108
الديار الرومية: 122
ديار الكرد: 150، 212
ديالي: 151، 177، 199، 216، 217
الدير: 155
دير العاصي: 223
ديوان بغداد: 72
الديوانية: 212
الديوان الهمايوني: 315
الذنابة: 293
ذو الكفل: 191، 250
رأس الجسر: 129
رأس الشط: 99
رأس القرية: 76
رأس المسناة: 136
رانغون: 73
رباط الجندرمة: 23
رباط سلمية: 65
الرحالية: 303
الرصافة: 276، 304، 309
الرضوانية: 173
الرقة: 92، 106، 116، 170، 232، 274، 287، 340
الرمّاحية: 20، 94، 107، 160، 178، 179، 200، 201، 212، 345
الرملة: 93، 108
الرها (أورفة): 84، 161، 188، 286، 287، 290
روان: 159، 160، 237
روسيا: 65
روم إيلي: 335، 336
الزاب: 226، 285
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 390
زادشت: 324
زرباطية: 193
زكية: 217
زنجان: 333
زنگباد: 324
زنكنة: 255
زهاو: 344
الزوراء: 210
ساحل الدير: 59
ساقز: 149
سامراء: 194، 232
سحاب: 109
سد الفرات: 177
سدة الأعظمية: 126، 128، 136
سدة الملكية: 142
سراي بغداد: 22، 47، 57، 69، 323
سراي بكتاش خان: 24
سرچنار: 323
سرطاس: 255
سرميل: 317
سروچك (سروجق): 255، 322، 323، 324
سعد آباد: 255
السعيداوية: 108
سلطانية: 333
السماوة: 25، 26، 160، 177، 194، 200، 204، 313
سنجار: 209، 223، 224
سند: 289
سنقور: 248
سنة (سنندج): 239، 320
السواحل العربية: 185
سورية (الشام): 65
سوسة: 323
سوق السراجين: 132
سوق الشيوخ: 107
سوق الكبابية: 167
سوق الهرج: 120
السويب: 108، 110، 113
السويد: 65
السيب (نهر): 53، 160
سيد صادق (قرية): 323، 324
سيواس: 168، 173، 264، 317، 340
الشالوشية: 56
الشام: 22، 29، 54، 67، 105، 141، 152، 199، 254، 356
الشامية: 107، 162، 197، 212
شاه نخچير: 192، 193
شبكان: 239
الشرش: 59، 108، 206
شروان: 236، 237
شريعة أبو عمار: 214
الشريعة البيضاء: 330، 342
شط الأعمي: 293
شط زكية: 108، 109، 115، 173، 216
شط العرب: 98، 113، 114، 120،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 391
174، 175، 176، 178
شط العمارة: 216، 217
شفاثا: 212، 214، 301، 303
شهر بازار: 255
شهرزور (لواء ببه): 91، 92، 105، 106، 116، 118، 143، 152، 157، 168، 173، 180، 202، 222، 224، 232، 243، 246، 247، 250، 259، 262، 291، 309، 310، 345
شوان: 191
شوكة: 213
شيراز: 111، 263
شيشخانة: 65
صاوق (صوغوق بولاق): 239، 259
صحراء الباب الشرقي: 172
صفناق: 237
صفة الكيلاني: 252
الصليند: 160
صيمر: 99
ضريح الإمام العسكري: 171
ضريح الإمام الهادي: 171
طابية ذي الفقار: 30
طرابلس: 20، 29
طربزون: 243، 247، 285
طريق بغداد البصرة: 192
طريق بعقوبة: 147
طريق بهرز: 147
طريق خراسان: 217
طريق الحج: 230
طورسنجاق (طورساق، طورسخ): 192، 193
طهران: 247، 264، 315
عانة: 34، 35
عباسان: 324
العتبات المقدسة: 303، 311، 317، 321
العرجاء (العرجة): 26، 56، 60، 93، 107، 114، 116، 160، 204، 208، 338
العراق: 5، 7، 15- 17، 19، 20، 24، 27، 28، 36، 41، 65، 66، 79، 116، 119، 150، 154، 158، 160، 162، 187، 188، 193، 194، 197، 198، 209، 218، 225، 226، 227، 230، 244، 249، 254، 257، 258، 266، 269، 270، 282، 287، 290، 301، 307، 315، 316، 327، 330، 344، 345، 347، 352، 353، 354، 355، 359
العشار: 175، 211
العظيم (نهر): 281
العقارة: 56
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 392
عقرقوف (عقرقوفا): 266، 304، 316
علي الظاهر: 292
العلية: 98، 103، 108، 109، 111
العمادية: 82، 153، 170، 305، 306، 322
العمارة: 216، 217، 292
عمان: 89
عين التمر: 212
عين الذهب: 204
عينتاب: 170
الغراف: 204، 216، 293
الغري (النجف): 306
غلطة: 6، 47
الغماس: 212
فارس: 235
الفتحية: 93
الفرات (نهر مراد): 20، 53، 74، 75، 93، 107، 148، 170، 171، 173، 178، 199، 213، 226، 338
فرج آباد: 235
الفلوجة: 20
فندقلي: 8
فوجان: 334
الفيلية (جبل): 223
فينة: 150
القائم: 200
قارص: 288، 314، 336
قاشان: 264
القاهرة: 76، 86، 140
قبة عائشة: 138
قبة العباس: 138
القبّان: 57، 111
قبر كنج عثمان: 22، 23
قبر نبي توران: 177
القبة المذهبة: 311
قترين: 188
قدس (قرية): 160
القرنة: 57، 59، 91، 93، 94، 96، 100- 103، 108، 109، 110، 114- 116، 164، 168، 170، 176، 177، 337
قره باغ: 237
قره تپه: 324
قره طاغ: 324
قره قوش: 310
قره مان: 170، 173، 184، 232
قزلجة: 255
قزوين: 263، 315
القسطموني: 143
قصبة الأعظمية: 126، 273
قصر أحمد باشا (المتولية): 304
قصر الخلد: 304
القطيف: 103
قفقاس: 303
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 393
القلعة الداخلية: 40- 43، 106، 194، 276، 278، 314، 317، 329
قلعة دكه: 37
قلعة سكر: 293
قلعة العرجاء: 204
قلعة دمشق: 312
قلعة الطيور (الكرخ): 60، 62، 106، 107، 225، 317
قلعة قصر: 37
قلعة الموصل: 313
قم: 264
قمچوقة: 322
قناقية (جناجة): 107
قندسار (كنيسة): 237
قندهار: 351، 233، 234، 235، 236، 237، 253
قنطرة چمن: 226
قنطرة چوبين: 226
قنطرة الذهب (التون كوپري)
قنطرة نارين: 226
قنطرة اليوسفية: 137
قوچان: 334
قونية: 246
الكاظمية: 275، 342
كبير كوه (كور كوه): 193
كربلاء: 20، 25، 84، 166، 182، 191، 199، 244، 301، 306، 311، 312، 357
الكرخ: 21، 33، 60، 61، 75، 106، 144، 275، 298، 304، 308، 317
كردلان: 113، 176
كركوك: 75، 120، 121، 152، 153، 158، 161، 189، 191، 204، 212، 218، 225، 271، 309، 311، 322
كرمانشاه: 171، 234، 239، 241، 243، 245، 246، 247، 256، 257، 258، 261، 262، 271، 307، 327، 344
كرمة حتيرش: 216
كرند (كرنت): 248
كروس: 255
گريد: 32- 34، 38، 46، 81، 343
كسرية: 336
گلون آباد: 235
گنجة: 237
كنيسة الكرمليين: 195
كوت معمر: 100، 107، 199
كوتاهية: 180، 204
كور جان (كوريجان): 262
گوز قلعه: 324
كوفة: 297
كوي (كويسنجق): 180، 255، 324
كيچينه: 323
گيلان: 237
لهستان: 65
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 394
لورستان: 239
لولو كرد: 262
المابين: 157
ماردين: 272، 286، 340
مازندران: 269، 270
ما وراء النهر: 31، 136، 138
متحف الأسلحة: 19
المتحفة البريطانية: 324
متحف سراي طوبقيو: 28
المجر (بلاد): 65
المحاويل: 160، 202
المحجر: 140
محلة أبي أيوب الأنصاري: 188
محلة حمام المالح: 146
محلة السنك: 355
محلة قنبر علي: 71
المحمودية: 28، 137، 192
مخا: 138
المدرسة الإسماعيلية: 167
مدرسة جامع السراي: 245
المدرسة الحللية: 210
مدرسة عائشة خاتون: 231
المدرسة العلية: 167
المدرسة العمرية: 135، 136
مدرسة الغرابي: 148، 154
المدرسة المستنصرية: 125، 225
المدرسة المغامسية: 210
المدرسة الوفائية: 167
المدينة المنورة: 84، 138، 151، 152
مدينة السلام: انظر (بغداد)
مرعش: 32، 170، 264، 336، 340
مرقد الإمام أبي يوسف: 135
مرقد أمير الأوزبك: 30
مرقد شهاب الدين السهروردي: 35
مرقد الشيخ إبراهيم الفضل: 126
مرقد عون بن علي: 181
مرقد القبلانية: 132
مرقد محمد الأزهري: 76
مرقد محمد الفضل: 146، 306
مرقد معروف الكرخي: 204
مرقد النبي جرجس: 311
مرقد النبي يونس: 311
مرو الروز: 254
المزيدية: 306
المستشفي الملكي: 225
مسجد الإمام علي: 76
مسجد باب گور گور: 120
مسجد الحظائر: 167
مسجد مسناة الأعظمية: 136
مسقط: 185
مسناة الأعظمية: 132
مسناة جسر بغداد: 224
المسيب: 199
مشاهد الكوفة: 191، 194
المشراق: 99، 100
مشهد الحسن العسكري: 194، 221
مشهد الإمام الحسين: 122، 220، 224
مشهد الإمام الرضا: 269، 319، 320، 334
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 395
مشهد الزبير: 109، 208
مشهد سلمان الفارسي: 191، 216
مشهد طلحة: 109، 208
مشهد العتيقة: 244
مشهد العشار: 175
مشهد الإمام علي: 122، 201، 220، 309
مشهد علي الهادي: 194، 221
مشيهد: 198
مصر القاهرة: 29، 37، 65، 67، 86، 133، 141، 150، 152، 165، 288
مطبعة إبراهيم متفرقة: 10- 12، 228، 359
مطبعة إقدام: 144
مطبعة الأهرام: 254
مغان: 289، 318، 352
مقام علي: 175
مقام الشيخ عمر: 125
مقام النبي عزير: 300
مقبرة الأعظمية: 74، 156، 195، 336
مقبرة الإمام الأعظم: 40، 74، 159، 170
مقبرة السهروردي: 75
مقبرة الشهداء: 23
مقبرة الشيخ معروف: 107
مقبرة قاسم
باشا: 65
مقبرة الگيلاني: 177
المكتبة الأهلية: 150
مكتبة الفيحاء: 112
مكتبة نور عثمانية: 154
مكة المكرمة: 88، 92، 312، 343
ملاطية: 10
المملكة التركية: 228
مندلي (بندنيجين): 151، 163، 177، 185، 193
المنصورية (منصورية الجزائر): 94، 96، 101، 108، 324
المنطقة: 71، 75، 275
مهروذ (مهروت): 162، 307
الموصل: 25، 48، 51- 53، 70، 75، 91، 92، 106، 108، 116، 122- 125، 143، 144، 146، 149، 150، 158، 161، 165، 170، 180، 184، 188، 190، 191، 202، 204، 212، 225، 232، 247، 251، 252، 257، 264، 281، 286، 288، 295، 305، 308، 310، 311، 313، 331، 332، 335، 340، 343، 345، 356، 357
الميدان (محلة): 67، 72، 120
ميل السهروردي: 231
نارين: 226، 324
الناصرية: 93، 107
نبي توران (طهران): 177
نجد: 89، 151، 254
النجف (الغري): 20، 76، 179، 182، 191، 297، 311، 312، 357
النجيبية: 225
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 396
نخچوان: 237، 239، 250
النمسا: 224
نهاوند: 248، 258
نهر الأبلة: 175
نهر جمن: 226
نهر حسكة: 178
نهر الحسينية: 244
نهر خريسان: 217
نهر أبي الخصيب: 175
نهر ذياب: 178، 180، 183، 186
نهر الشاه: 179، 191، 200
نهر العشار: 175
نهر عنتر: 109، 206
نهر عيسي: 162
نهر كارون: 227
نهر الكرخة: 227
نهر نارين: 226
نهر اليوسفية: 137
النهروان: 151
هجر: 87
هراة: 233، 270
همذان: 239، 240، 241، 245، 246، 249، 250، 253، 254، 256- 259، 261، 262، 264، 282، 283، 307، 320، 344
الهند: 55، 56، 72- 74، 110، 111، 116، 138، 236، 289، 308، 321
الهور: 208
هور أبو غرافة: 216
هور بني مالك: 338
هور حافظ: 293
هور عقرقوف: 316
هور نجم: 201
هور نمرود: 268
هولاندة: 65
هيت: 26، 34، 35، 70، 72، 301
وان: 20، 86، 166، 238، 241
يدي قله: 34
اليمن: 161
ينبع: 161
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 397
أربعة عصور: 27
أسرة باش أعيان: 96، 97
أولياء بغداد: 76
بائية أبي تمام: 139
پانصد سالة در خوزستان: 353
بستان السياحة: 309
البلاد (جريدة): 231
بلوغ الأفهام: 112
پند عطار: 13
البهارية: 221
بهجة الإخوان: 324، 331
بوستان: 13
تاريخ الأدب التركي في العراق: 355، 358، 359
تاريخ الأدب العربي: 358
تاريخ الأدب الفارسي: 358
التاريخ الأدبي: 13، 141
تاريخ الأفغان: 236، 237
تاريخ إيران: 234، 237، 281، 283، 314، 316، 352
تاريخ تيمور لنك: 257، 359
تاريخ راشد: 9، 82، 87، 92، 105، 113، 155- 157، 160، 161، 164، 165، 168، 170، 172، 177، 184، 185، 233، 235
تاريخ الزندية: 319
تاريخ سبعة وزراء: 187
تاريخ السلحدار: 8، 33، 34، 48، 56، 60، 61، 90- 94، 102، 106، 107، 109، 110، 117، 121، 127، 129، 143، 144، 146، 159- 161
تاريخ صبحي: 11، 12، 285، 288
تاريخ الطباعة و المطبوعات: 257، 359
تاريخ العراق بين احتلالين: 20، 25، 63، 74، 78، 87، 94، 100، 105، 106، 127، 140، 142، 145، 146، 158، 166، 196، 217، 231، 321
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 398
تاريخ عزي: 11، 335، 337، 338
تاريخ العلاقات بين العراق و إيران: 316
التاريخ العلمي في العراق: 13
تاريخ الغرابي: 8، 42، 43، 46، 60، 61، 70، 72، 134، 138، 139، 148، 151- 154، 227
تاريخ الغياثي: 225
تاريخ قباطي: 273
تاريخ كوچك چلبي زاده: 10، 238، 239، 240، 243، 244، 246، 248، 250، 253، 255، 257
تاريخ مساجد بغداد: 30، 136، 167
تاريخ مختصر إيران: 237
تاريخ الموصل: 310
تاريخ نشاطي: 188، 232، 243، 246، 266، 268، 287، 289، 290، 291، 299، 300، 322- 325
تاريخ نعيما: 9، 10، 18، 20، 25، 29، 33، 35- 37، 40، 42- 50، 52، 53، 60
تاريخ واصف: 13
تاريخ اليزيدية: 52، 223
تحفة الخطاطين: 305
تحقيق و تدقيق: 13، 290
تذكرة الأحوال: 234
تذكرة الزاهدي الكيلاني: 234
تذكرة سالم: 142، 144، 150
تذكرة
عهدي: 83
التعريف بالمؤرخين: 8، 13، 154، 228، 358
التعريفات: 124
تفسير سورة الكوثر: 177
التكايا و الطرق: 85، 106، 125
تواريخ سامي و شاكر و صبحي: 11
جامع الأنوار: 76
جهانگشاي نادري: 13، 309، 312، 315، 317، 321
الجوهرة في علم العروض: 117
حاشية علي البيضاوي: 123
حاشية علي التلويح: 123
حاشية علي شرح الألفية للجلال السيوطي: 124
حديقة الزوراء: 8، 188، 190- 192، 194، 196، 197، 200- 204، 208، 211، 215، 218، 221، 222، 224، 228، 229، 235، 244- 246، 248- 255، 259، 260، 264، 266، 268، 269، 273، 276، 283، 285، 287، 290- 293، 295- 299، 302- 304- 307، 309، 310، 312- 314، 316، 320- 323، 353
الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية:
312
خزانة الآثار القديمة: 141
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 399
خزانة الأدب: 141، 356
خلاصة الأثر: 29، 87، 88، 122، 123- 125، 140
دائرة المعارف للبستاني: 175
الدر المكنون: 26
دره نادري: 13، 317
دوحة الوزراء: 8، 188، 238، 240، 243- 246، 248- 255، 258- 262، 264، 266، 268، 269، 273، 283، 285، 287- 288 291، 293، 294، 296، 297، 299، 302، 305- 307، 313، 315- 317، 321- 323، 327، 331، 335، 336، 341، 343، 353
دول إسلامية: 31، 74، 138، 237، 261، 308
ديوان تركي: 355
ديوان حافظ: 13
ديوان السيد حسين مير رشيد: 309، 358
ديوان شناسي (الشاعر التركي): 326
ديوان طيبي: 135
ديوان محمد جواد عواد: 224
ديوان السيد نصر اللّه الحائري: 309، 358
رحلة أوليا چلبي: 46، 48، 66، 76، 82، 154، 229
رحلة تافرنية: 190
رحلة ريچ: 190
رحلة السويدي (النفحة المسكية في الرحلة المكية): 135، 136، 308
رحلة سيدي علي (مرآت كائنات): 217
رحلة المنشي البغدادي: 128، 189، 190، 208
رسالة علي الأسئلة اللاهورية: 151
رسالة في التغليب: 141
الروض البسام: 254
الروض النضر: 154، 303
روضات الجنات: 153، 312
روضة الأبرار: 28
زاد المسافر: 8، 98، 102، 105، 109- 111، 355
زبدة آثار المواهب و الأنوار: 154
سجل عثماني: 13، 22، 30، 52، 77، 147، 168، 183، 204، 215، 245
سكب الأدب علي لامية العرب: 303
سلك الدرر: 158
سومر (مجلة): 19
سياحتنامه حدود: 193، 300، 301
سياحة نيبهر (نيبور): 301
سيرة المولوي: 8
السيوف العراقية: 312
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 400
شاهدي، شاهدية: 13، 141
شرح بانت سعاد: 141
شرح تهذيب المنطق: 124
شرح القدوري في الفقه: 124
الشرفنامة: 226
شط العرب (جريدة): 112
شهرزور- السليمانية (كتاب): 152
شواهد شرح الشافية: 141
صحاح الجوهري: 259
عثمانلي تاريخ و مؤرخلري: 10، 11
عثمانلي مؤلفلري: 10، 66، 154
عجائب البلدان: 175
العراق في القرن السابع عشر: 190
عشائر الشام: 188
عشائر العراق: 26، 135، 162، 163، 191، 192، 197، 199، 203، 218، 221، 225، 235، 249، 254، 295
العقد اللامع: 21، 23
العقيدة الإسلامية في العراق: 152
العلاقات بين العراق و إيران: 258
عمدة البيان: 89، 90، 119، 122، 123- 125، 143، 149، 191، 215، 241، 252، 253، 285، 215، 300، 305، 307، 308، 332، 333
عنوان الشرف: 322
عنوان المجد: 89، 97
غاية المرام: 151
الفتاوي العالمگيرية (الهندية): 73
فذلكة كاتب چلبي: 8، 9، 18، 20، 28، 29، 42، 52
فرهنك شعوري: 359
فصل الخطاب: 357
الفيض الغزير: 112
القرآن الكريم: 22، 24، 84
قاموس الأعلام: 236، 303
قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل:
152
القضاء (مجلة): 348
قويم الفرج: 8، 188، 190- 192، 194، 196، 199- 201، 203، 206، 208، 209، 211، 215- 221، 227، 228، 353
الكاكائية في التاريخ: 113، 356
گلشن خلفا: 8، 18، 20، 24، 25، 27، 29- 34، 37، 38، 40، 43- 50، 53- 55، 60- 62، 64، 66- 68، 70، 71، 79، 82، 83، 85- 90، 92، 93، 96، 98، 102، 105، 107، 109، 113، 115- 118، 120، 123- 130، 132- 138، 140،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 401
144- 148، 150، 152- 163، 167، 168، 171، 172، 174، 177، 178، 180، 182، 186، 188، 190- 197، 199، 201، 203، 204، 207، 208، 215، 218، 220- 222، 224، 226- 228، 246، 251، 359
گلشن شعرا: 85
گلشن معارف: 12، 13، 288
لب التواريخ: 13
لغة العرب (مجلة): 24، 94، 136، 203، 221، 227، 228، 305، 309
لغت و آن قولي: 257
لغة وصاف: 355
ماضي النجف و حاضره: 220، 221، 309
مباحث عراقية: 93، 166، 196
مجموعة عمر رمضان: 300
مجموعة الفخري: 325
مجموعة المولوي: 209
مجنون ليلي (منظومة): 84
مختصر التاريخ: 33
مخطوطات الموصل: 118، 136، 154، 167، 310
المشتبه للذهبي: 71
مشعشعيان: 260، 353
المعاهد الخيرية: 31، 33، 71، 77، 121، 125، 126، 128، 132، 135، 140، 145، 146، 148، 167، 231، 244، 309
معاهدات مجموعة سي: 290، 321، 351، 352
معجم البلدان: 51، 212
مغني اللبيب: 141
المقصد الحرام: 141
منتخب المختار: 33
منظومة آل أفراسياب: 8
منظومة الشهابي: 89، 90، 92، 94، 100، 107- 109، 115، 117، 355
منهل الأولياء: 310
نادر شاه: 205، 309، 312
ناز و نياز: 84
النبراس في خلفاء بني العباس: 85
نتائج الوقوعات: 13، 281، 282، 285، 325
نشوة السلافة: 358
نصرتنامه: 9
النفحة المسكية في الرحلة المكية: 311، 312
النقود العراقية: 346، 347
نهر الذهب في تاريخ حلب: 196، 232
نوافض الروافض مختصر النواقض: 157
و آن قولي: 359
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 402
أبو خزامة: 349
أحشامات: 134
إرسالية: 78
ازدلاف، ازدلاق: 79
اعتماد الدولة: 90، 91، 269، 314
التزام: 346
اقجة: 78
أمانة: 346
أورطة: 176
باليمز: 106، 171، 263، 349
ترقي، ترقية: 170، 348
تسيار: 179
تغار (طغار): 53
چاروكة: 182
الچپة جية: 176
چرخ فلك: 281
الجورباجية: 134، 148
خاصكي: 67، 76، 176
خانة (بيتية): 198
خزيندار: 196
خميرة: 171، 263، 349
داء الفيل: 290
درابزون (طربزون، محجر): 140
دز دار: 27
الدفتري: 112، 114
رخت: 35
رسومات شرعية: 155
رطل: 78
رهوان، رهوار: 78
الروزنامه چي: 69
زنبرك: 263، 349
الساليانه: 79، 347
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 403
سردن كيچدي: 166، 170، 179، 271، 348
سلحدار: 45، 48، 51، 54
سلحشور: 264
سويش (ازدلاق): 79
شاهنشاه (ملك الملوك): 308
شاهي، شاهية: 106، 171، 263، 349
صاروجة، صاريجة: 94، 348
ضابط: 174
ضرائب عرفية: 155
طوبخالي: 48
عتقان: 183
عرش الشاه: 321
علوفة: 180
غدّارة: 53
غرار، هرار، هرارة: 182
فرجية (فراجة): 67، 78
فرقتة، فرقته جي: 293
فرمان: 53، 264
فرن: 308
قرش، قروش: 35، 80
قلمية: 346
قوغوش: 171، 349
القيودانية: 39، 45
الكتخدا: 145
الكهية: 145
كيس (كيسة): 78، 101
ليرة (دينار): 278
متصرف (متسلم): 152
محصل (مستوفي): 156
مدافع قالعة: 349
معاهدة (عهد نامة): 119
مقاطعات: 137
مقطوع: 346
مهردار: 320
ميراخور: 40، 41
مير ميران (أمير الأمراء): 291
ميزانية: 119
هاون: 263، 349
هزّة: 182
وفر: 197
وكيل الشاه: 270، 352
يان صاچمة: 171، 349
اليساقجية: 140، 348
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 404
جامع قمرية في الكرخ 21
جامع سامراء 58
جسر بغداد القديم 95
جسر الموصل القديم 131
جامع الخاصكي ببغداد 169
نادر شاه 205
جامع الإمام علي 242
الوزير أحمد باشا و الأسد 280
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 405
المقدمة 5
المراجع التاريخية 7
حوادث سنة 1048 ه- 1638 والي بغداد كوجك حسن باشا 17
حوادث سنة 1049 ه- 1639- عزل الوالي 20
حوادث سنة 1050 ه- 1640 م 28
حوادث سنة 1051 ه- 1641 م 28
حوادث سنة 1052 ه- 1642 م 29
حوادث سنة 1053 ه- 1643 م 31
حوادث سنة 1054 ه- 1644 م 32
حوادث سنة 1055 ه- 1645 م 37
حوادث سنة 1056 ه- 1646 م 38
حوادث سنة 1057 ه- 1647 م 39
حوادث سنة 1059 ه- 1649 م 47
حوادث سنة 1060 ه- 1650 م 48
حوادث سنة 1061 ه- 1650 م 50
حوادث سنة 1062 ه- 1651 م 52
حوادث سنة 1063 ه- 1652 م 53
حوادث سنة 1064 ه- 1653 م 55
حوادث سنة 1065 ه- 1654 م 61
حوادث سنة 1066 ه- 1655 م 65
حوادث سنة 1067 ه- 1656 م 66
حوادث سنة 1068 ه- 1657 م 74
حوادث سنة 1069 ه- 1658 م 75
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 406
حوادث سنة 1072 ه- 1661 م 81
حوادث سنة 1073 ه- 1662 م 83
حوادث سنة 1074 ه- 1663 م 83
حوادث سنة 1075 ه- 1664 م 86
حوادث سنة 1077 ه- 1666 م 104
حوادث سنة 1078 ه- 1667 م 106
حوادث سنة 1079 ه- 1668 م 116
حوادث سنة 1080 ه- 1669 م 116
حوادث سنة 1081 ه- 1670 م 119
حوادث سنة 1082 ه- 1671 م 121
حوادث سنة 1083 ه- 1672 م 123
حوادث سنة 1084 ه- 1673 م 125
حوادث سنة 1085 ه- 1674 م 125
حوادث سنة 1086
ه- 1675 م 128
حوادث سنة 1087 ه- 1676 م 128
حوادث سنة 1088 ه- 1677 م 132
حوادث سنة 1089 ه- 1678 م 133
حوادث سنة 1090 ه- 1679 م 135
حوادث سنة 1092 ه- 1681 م 136
حوادث سنة 1093 ه- 1682 م 137
حوادث سنة 1094 ه- 1682 م 142
حوادث سنة 1095 ه- 1684 م 143
حوادث سنة 1097 ه- 1685 م 143
حوادث سنة 1098 ه- 1686 م 144
حوادث سنة 1099 ه- 1687 م 146
حوادث سنة 1100 ه- 1688 م 147
حوادث سنة 1101 ه- 1689 م 150
حوادث سنة 1102 ه- 1690 م 152
حوادث سنة 1103 ه- 1691 م 156
حوادث سنة 1104 ه- 1692 م 158
حوادث سنة 1105 ه- 1693 م 159
حوادث سنة 1106 ه- 1694 م 160
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 407
حوادث سنة 1107 ه- 1695 م 161
حوادث سنة 1109 ه- 1697 م 163
حوادث سنة 1110 ه- 1698 م 165
حوادث سنة 1111 ه- 1699 م 167
حوادث سنة 1112 ه- 1700 م 168
حوادث سنة 1113 ه- 1701 م 180
حوادث سنة 1114 ه- 1702 م 182
حوادث سنة 1115 ه- 1703 م 184
حوادث سنة 1116 ه- 1704 م 186
حوادث سنة 1117 ه- 1705 م 193
حوادث سنة 1118 ه- 1706 م 197
حوادث سنة 1119 ه- 1707 م 201
حوادث سنة 1120 ه- 1708 م 203
حوادث سنة 1121 ه- 1709 م 211
حوادث سنة 1122 ه- 1710 م 215
حوادث سنة 1123 ه- 1711 م 217
حوادث سنة 1124 ه- 1712 م 218
حوادث سنة 1125 ه- 1713 م 219
حوادث سنة 1126 ه- 1714 م 220
حوادث سنة 1127 ه- 1716 م 223
حوادث سنة 1128 ه- 1716 م 224
حوادث سنة 1129 ه- 1717 م 225
حوادث سنة 1130 ه- 1718
م 227
حوادث سنة 1131 ه- 1718 م 228
حوادث سنة 1132 ه- 1719 م 232
حوادث سنة 1133 ه- 1720 م 233
حوادث سنة 1134 ه- 1721 م 233
حوادث سنة 1135 ه- 1722 م 238
حوادث سنة 1136 ه- 1723 م 241
حوادث سنة 1137 ه- 1724 م 249
حوادث سنة 1138 ه- 1725 م 250
حوادث سنة 1139 ه- 1726 م 252
حوادث سنة 1140 ه- 1727 م 257
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 408
حوادث سنة 1141 ه- 1728 م 258
حوادث سنة 1142 ه- 1729 م 261
حوادث سنة 1143 ه- 1730 م 261
حوادث سنة 1144 ه- 1731 م 262
حوادث سنة 1145 ه- 1732 م 266
حوادث سنة 1146 ه- 1733 م 279
حوادث سنة 1147 ه- 1734 م 285
حوادث سنة 1148 ه- 1735 م 288
حوادث سنة 1149 ه- 1736 م 290
حوادث سنة 1150 ه- 1737 م 291
حوادث سنة 1151 ه- 1738 م 295
حوادث سنة 1152 ه- 1739 م 301
حوادث سنة 1153 ه- 1740 م 303
حوادث سنة 1154 ه- 1741 م 305
حوادث سنة 1155 ه- 1742 م 307
حوادث سنة 1156 ه- 1743 م 308
حوادث سنة 1157 ه- 1744 م 313
حوادث سنة 1158 ه- 1745 م 313
حوادث سنة 1159 ه- 1746 م 315
حوادث سنة 1160 ه- 1747 م 317
حوادث سنة 1161 ه- 1748 م 326
حوادث سنة 1163 ه- 1750 م 342
خاتمة 360
1- فهرس الأعلام 365
2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل 379
3- فهرس المدن و الأماكن 384
4- فهرس الكتب 397
5- فهرس الألفاظ و المصطلحات 402
6- فهرس الصور 404
7- فهرس الموضوعات 405