سرشناسه : عزاوي، عباس، م - 1888
Azzawi, Abbas
عنوان و نام پديدآور : موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين/ عباس العزاوي
مشخصات نشر : قم: مكتبه الحيدريه، 1425ق = 1383.
مشخصات ظاهري : 8 ج.مصور، نقشه، نمونه
شابك : 964-8163-30-830000 ريال :(دوره) ؛ 964-8163-31-6(ج. 1) ؛ 964-8163-32-4(ج. )2 ؛ 964-8163-32-2(ج. )3 ؛ 964-8163-34-0(ج. )4 ؛ 964-8163-35-9(ج. )5 ؛ 964-8163-36-7(ج. )6 ؛ 964-8163-37-5(ج. )7 ؛ 964-8163-38-3(ج. )8
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : افست از روي چاپ: مصلبعه بغداد، 1353ق = 738ق = 1258 = م 1338
يادداشت : عنوان روي جلد: تاريخ العراق بين الاحتلالين.
يادداشت : كتابنامه
مندرجات : ج. 1. حكومه المغول، 738 - 656ق = 1338 - 1258م .-- ج. 2. حكومه الجلايريه، 814 - 739ق = 1481 - 1338م .-- ج. 3. الحكومات التركمانيه، 941 - 814ق = 1534 - 1338م. .-- ج. 4. العهد العثماني الاول، 1048 - 941ق = 1638 - 1534م. .-- ج. 5. العهد العثماني الثاني، 1163 - 1049ق = 1750 - 1639م. .-- ج. 6. حكومه المماليك، 1247 - 1162ق = 1831 - 1749م .-- ج. 7. العهد العثماني الثالث، 1289 - 1247ق = 1872 - 1831م. .-- ج. 8. العهد الثماني الاخير، 1335 - 1289ق = 1917 - 1872م .-
عنوان روي جلد : تاريخ العراق بين الاحتلالين.
عنوان ديگر : تاريخ العراق بين الاحتلالين
موضوع : عراق - تاريخ
رده بندي كنگره : DS70/9 /ع 43ت 2 1383
رده بندي ديويي : 956/7
شماره كتابشناسي ملي : م 83-19225
الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله محمد و آله و صحبه اجمعين أما بعد:
فالتاريخ اليوم غيره بالأمس عليه ترتكز العلوم الاجتماعية و الاقتصادية، و هو معول الأمم في تأسيس إدارتها
و نظامها، و تسيير سياستها … و من هذه النواحي و غيرها لا يقل أهمية و فائدة عن العلوم المادية بل يفوقها بكثرة … فإذا كانت هذه سهلت وسائل الراحة، و غيرت في الأوضاع الحياتية فالتاريخ سير الجماعات نحو الإدارات الفاضلة، و ساقها إلي قبول خير المناهج الأممية، و لا زالت الأقوام تتمشي علي ضوء نوره نحو الغاية الفضلي و الكمال اللائق … و ما قاله شاعرنا:
و ما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق
يحمل علي اسباب طفيفة، و مراسم و أشكال ظاهرية لا علاقة لها بالأساس … فلا يعني نكران اساس التاريخ، و التشكيك في كل رواياته أو الارتياب فيها.. و إنما هنا نواح لا يصح التغاضي عنها أو التردد في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 6
قبولها كوجود الأمم، و الاعتراف بتشكيلاتها، و تعيين اداراتها و التعرف بثقافاتها و علاقاتها بمجاوريها، و حياتها الاجتماعية و الفردية … إلي آخر ما هنالك مما لا يصح أن يجابه بالإنكار إلا أنّ المبالغات في إظهار ذلك، أو تصغير شأنه و عدم المبالاة به و ما ماثل من الأمور … مما لا يلتفت إليه، و التدقيق العلمي يعيده إلي سيرته الأولي، و المبالغة تفسر في إظهار تلك بمظهر العظمة، أو التقليل من شأنها … لمحب مفرط، و مبغض مفرط و الأمثلة علي ذلك كثيرة، و الحقيقة إن مكانة الأقوام معروفة و وضعها يتجلي للرائي بوضوح …
و لما كان التاريخ ذا علاقة بالمجتمع من ناحية تدوين وقائعه فخير التواريخ ما بصّر بأخبارنا، و قرب ما هو الألصق بنا تسهيلا للقبول و التناول و هو الأولي بالأخذ و الاستفادة،
و الأحق بالاعتبار … و من هذا التاريخ صفحة تنبي ء عن ارتباط الوقائع بنا في وقت، أو تجربة لا مندوحة لنا من ذكراها دوما للاستقاء من معين فوائدها عظة و عبرة متصلة لا ننفك عنها و لا تنفصل عنا … و لا تزال حوادثها ترن في الآذان و خبرها يقص بنفرة و استياء، و آلامها تعدد بين آونة و أخري، و قد أحدثت دويّا لا في العراق وحده بل بلغ صداها أطراف المعمورة أعني بها (حكومة المغول) أو حكومة هلاكو في العراق … و هذه دامت سيطرتها من صفر سنة 656 ه 1258 م و امتدت إلي سنة 738 ه. 1338 م و هي أول حكومة أجنبية، غير مسلمة احتلت العراق بعد الفتح الإسلامي بستة عصور و نصف تقريبا، فرأي العراقيون غير مألوفهم، و شاهدوا ما لم يخطر بخيالهم. و هكذا شأن الأمم فيما كتب عليها من المقدرات و ما أصابها من نكبات …
إن تواريخ العراق و مراجعه فيما يخص هذا الدور كثيرة، و لا نجد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 7
مغوليا كتب عن هذا العهد ليكون تاريخه مرجعا بعده، و غالب من كتبوا من العرب و باللغة العربية قبل كل أحد و دوّنوا مشاهداتهم و مسموعاتهم ثم كتب العجم عنهم بالعربية و الفارسية، إلا أنها غير موصولة و فيها فترات لم يتيسر العثور عليها أو الاطلاع علي تفصيلاتها بسهولة. أو أنها بقيت مجهولة … و غالب الموجود مختلف المشارب و النزعات، أو من صنائع نفس المغول، أو مقصور علي وصف الملوك و أعاظم رجال الإدارة ممن نال مكانة تاريخية باعتبار أنه الناهض بأمته، و القائم بشؤونها، و المسير لمقدراتها …
و لكن لم
تدقق هذه الوثائق الأمم باعتبار قوتها و مناعتها، و أخلاقها و سيرها التاريخي و الاجتماعي، و تحفزها للوثوب و النهوض، أو ذلها و خضوعها …
و لهذه المراجع أوصاف خاصة ستوضح عند الكلام علي كل منها، و غالبها يعاب بأنه كتب في أزمنة محاطة بظروف و تمايلات أدت إلي كتمان الحقيقة أو توجيهها و عدم التصريح بها أو الإشارة الخفيفة، أو المبالغة الزائدة و الإشادة … ذلك ما يدعو للارتياب و أن نستنطق وثائق كثيرة، و نقابل بل نقارن بعضها ببعض، و نلاحظ الدواعي و الأسباب مما يفيد لتمحيص الوقائع، و تمييز الصحيح من المدخول …
قد بذلت الجهود في التحري و التنقيب، و استنطقت مراجع كثيرة … عرضتها علي ميزان النقد التاريخي … إلا أنني أقول بكل اطمئنان إن تاريخ العراق لهذا الزمن لم يكتب فيه إلا القليل، و بصورة متفرقة … و هذه أول تجربة جربها القلم فلم أعدل عن نقد من يستحق النقد، و لا عوّلت إلا علي ما اعتقدت صحته، أو لم تكن له رواية أو نقل آخر غير ما هو محل النظر و موضع الاشتباه حذرا من أن يبقي فراغ لمدة قد تكون فترة في التاريخ و العهدة في ذلك علي راويها بالشكل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 8
الذي رواها مقرونا بمصدرها و مرجع نقلها … فلا نهمل فكرة و لا نقبل كل خبر، و لا نترك كل رأي قدر الطاقة و المستطاع …
و المراجع العراقية أو العربية في هذا الدور لم تنقطع، و لا تزال بقاياها موجودة فقد انجب العراق مؤرخين توالي ظهورهم، و تكاثر عددهم فخدموا العراق بما نشروه من مؤلفات خالدة و كتب قيمة … و الكل
سعيهم متواصل، و هم في تكاتف و تساند لإحياء وقائع هذا المحيط، و تدوين ماجرياته. و بيان سائر احواله و أوضاعه من نعيم و شقاء و سعادة و بؤس، و أفراح و آلام … و لا نزال نري الأيام تميط اللثام عن آثار هم مما خفي …
فنظراتهم صادقة، و معولهم علي وثائق صحيحة؛ أو مشاهدات عيانية؛ و أخبار معتمدة.. هذا في غالب أحوالهم، و أكثر مدوناتهم مما وصلنا من دراسة مجاري التاريخ … و عليهم ركن مؤرخو الأقطار، و بالتعبير الأوضح نهج مؤرخو الأقطار علي طريقتهم و ساروا علي سنتهم …
لا نراجع في الغالب عن وصف المؤلفات التاريخية الأقوال المنقولة و المتكررة، و إنما حاولنا تدقيق نفس المؤلفات التاريخية التي عولنا عليها كمرجع أثري، و لا نعدل عن هذا إلا إذا كان وصف الآخرين منطبقا، أو لا بد أن يراجع كالسنين و التواريخ الضرورية، أو الحياة الخاصة …
و هذه منها ما هو من مدونات هذا العصر الذي نكتب تاريخه، أو بعده بقليل من التواريخ العامة و الخاصة، و لم نراجع المتأخر إلا إذا كان جامعا لمصادر تتعلّق به و لها فائدة كبري في بيان الوقائع و ارتباطها، أو التفصيل عنها …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 9
و قد تكلمت عن المهم من هذه المؤلفات و الباقي أشرت إليه في حينه من تاريخ العراق فلا أري حاجة للكلام علي كافة المراجع سواء قلّ النقل، أو كثر … و إلّا تألف منها كتاب …
هو لا بن الأثير علي بن محمد الجزريّ الملقب بعز الدين المولود عام 544 ه 1150 م و المتوفي سنة 630 ه 1233 م قد اجمل الأمر اجمالا يكاد يغني المطالع عن حالتهم الأولي. كتب الوقائع التترية متسلسلة، واضحة تقريبا، و ذكر شعوره و تألمه من وقائع جنگيز فلم يتمكن من كتم الإحساس و التألم للمصاب فليس هو حجر، لم يسعه أن يتخلي عن الوقائع المؤثرة … و لكنه- مع هذا- لا نراه يحيد عن تدوين الواقع …
كل المؤرخين يعولون عليه سواء كانوا أجانب، أو تركا أو عربا، أو فرسا … فلم يجدوا في غيره ما يوضح خروج المغول.
و لا نلومه من ناحية الكناية دون الصراحة في بعض المطالب، نظرا لما يحوطه من الظروف و الأوضاع آنئذ إذ إن الحكومة العباسية لا
تزال قائمة، و لا يزال تأثيرها مكينا إلي أيام وقوف حوادثه و هي صاحبة الحول و الطول نوعا، و لذا قال عن حوادث التتر:
«و قيل في سبب خروجهم إلي بلاد الإسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر.
قد كان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا و لا تسأل عن الخبر» اه.
و يريد أن يقول ان خروجهم كان بإيعاز من الخليفة العباسي و بهذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 10
يتهمه.. و قد قيل (الكناية أبلغ من التصريح) و قد بسطنا القول عن ذلك في أصل التاريخ …
تقف وقائعه عند عام 629 ه أي إلي نهاية سنة 628 ه 1231 م و ما ذكره فهو ثقة فيه، و قد اعتمد عليه الترك المتأخرون أنفسهم كغيرهم مما مر بيانه فقد بين حوادث التتر سنة 617 ه- 1220 م و عقب الوقائع إلي ان انتهي الكتاب، و فيه حوادث بضع سنين فهو خير مصدر، و حوادثه علي السنين، و قد اختصره أبو الفداء و زاد عليه الحوادث التالية إلي أيامه …
طبع ببولاق سنة 1290 ه، و قد تلتها طبعة أخري عادية بتاريخ سنة 1302 ه، و في ليدن سنة 1851: 1871 م، و طبع له فهرس في ليدن أيضا سنة 1874- 1876 م و هو مهم و نافع …
اختصر مؤلفه أبو الفداء به تاريخ الكامل و مضي به إلي سنة 848 ه 1327 م و هو من المراجع المهمة لحكومة التتر، و يعتمد في تاريخ ظهور التتر علي المنشي النسوي و هو شاهد عيان لوقائع خوارزمشاه، يذكر أسباب الخذلان و يعول علي دواعي كثيرة، و بواعث مهمة، و منها طفيفة، و منها ما لا يستهان
به و فيه بيانات مفيدة عن (تاريخ التتر) و منه أخذ أبو الفداء …،
و كان المصدر الوحيد في بيان أحوال التتر إلي أن عثر علي كتاب المنشي المذكور، لخص أبو الفداء مباحثه و مع هذا بقيت بعض الاعلام شاغرة لعدم المعرفة، و لفقدان المراجع، و بوجوده زال الخفاء، و سد الفراغ فصلح هذا لتصحيح تاريخ أبي الفداء و ليلتئم الخلل، و من ثم توضحت نوعا وقائع المغول …
و لا يفوتنا أن تاريخ أبي الفداء يفصل الحالة عن تاريخ سورية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 11
و يجمل القول عن الاقطار الأخري فلم تكن الاستفادة مهمة خصوصا عن بغداد بعد سقوط حكومتها فلا يري لها من الأهمية …
لعمر ابن الوردي المصري الشافعي، اختصر به تاريخ أبي الفداء بنحو ثلثيه و زاد عليه في بعض المواطن، و فيه تثبيت لبعض الأعلام المشتبه فيها مما ذكره أبو الفداء في تاريخه و مع هذا لا يخلو من اغلاط نساخ مما سيبين اثناء الحوادث و مقارنتها. و قد قال إنه فصل ما زاده بقوله (قلت) و أنهي كلامه بقوله (و اللّه أعلم) و بين أنه ذيل تاريخ أبي الفداء من سنة 709 ه 1310 م إلي آخر الكتاب. هذا في حين أننا نري حوادث أبي الفداء في تاريخه المطبوع تمتد إلي سنة 748 ه 1348 م، و تقف حوادث المختصر عند نهاية سنة 749 ه 1349 م و الكتاب مذيل ببعض الحوادث إلي تاريخ الطبع … و يقال فيه ما قيل في تاريخ أبي الفداء …
طبع سنة 1285 ه في مجلدين، و تمتاز طبعته في اتقانها و مراجعة المصادر في تحقيق بعض المطالب …
للعالم الفاضل شهاب الدين محمد بن علي بن محمد المعروف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 12
هلاكو ببزة حربية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 13
بالمنشي النسوي جاء في الدر المكنون: «و فيها- سنة 647 ه- توفي بمدينة حلب شهاب الدين محمد بن عبد الواحد (في اسم الأب اختلاف هنا) المنشي النسوي صاحب تاريخ (جلال الدين خوارزمشاه) (سيرة منكبرتي) و كاتب إنشائه اتصل بعد قتل مخدومه بالملك المظفر غازي بن العادل الأيوبي صاحب ميافارقين، ثم اتصل بخدمة بركة خان مقدم الخوارزمية (كذا) و لما قتل بركة خان تقدم المترجم عند الناصر يوسف ابن العزيز الأيوبي صاحب حلب، و بعثه رسولا إلي التتر، و عاد فمات في حلب». ا ه نقلا عن مخطوط
باريس رقم 4949 لياسين العمري (قاله الصديق الدكتور مصطفي جواد) و بهذا عرفنا ترجمته و وفاته.
و تاريخه هذا في سيرة السلطان جلال الدين المنكبرتي من الخوارزمشاهية و هو آخرهم، و عليه اعتمد أبو الفداء، ورد اسمه بلفظ المنشي النسوي حينما تكلم عن (ظهور التتر)، و فيه تصحيح لوقائعه و سد لفراغ الكلمات و تصحيح لها. و قد راجعناه و عولنا علي غالب نصوصه. و قد مر الكلام عليه اثناء مراجعة تاريخ أبي الفداء. طبع باعتناء المستشرق الفاضل هوداس بأصله العربي مع ترجمة فرنسية سنة 1891 م.
«إنني لما وقفت علي ما ألف من تواريخ الأمم الماضية، و سير القرون الخالية، و اتساق اخبارها من لدن انتشار ولد آدم أبي البشر عليه السّلام إلي زماننا هذا سوي ما صادف فترة، رأيت قصاري كل مؤرخ تكرير ما ذكره المتقدم عليه … بيسير من الزيادة و النقصان إلي أن يسوق الحديث إلي زمانه، و حوادث أوانه، فيوردها شافية كافية، و من وراء الاشباع و الاقناع آتية، و شتان ما بين الخبر و الخبر و أين العيان من اقتفاء الأثر، و رأيت الكامل من تأليف علي بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير، يتضمن من أحاديث الأمم عموما، و غرائب أخبار العجم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 14
خصوصا ما شذ عن غيره، و أنصف لعمري في تسميته كاملا ما ألف و لم استبعد ظفره بشي ء من تواريخهم المؤلفة بلغتهم و إلا فما الأمر مما يؤخذ بالقياس، و الذي أودعه تأليفه منها أكثر من أن يتلقف من أفواه الناس … الخ» ا ه.
من التواريخ الفارسية التي كتبت أيام حكومة المغول تأليف علاء الدين عطا ملك صاحب الديوان ابن الصاحب بهاء الدين محمد الجويني المتوفي سنة 683 ه 1285 م. قال في كشف الظنون: ذكر فيه سير جنگيز و هلاكو مشتملا علي دولة المغول و سلاطينها و ملوك الأطراف و زمانهم و قد أطراه صاحب تاريخ و صاف و أثني عليه كثيرا علي ما سيجي ء.
و هذا التاريخ من أقدم ما كتب عن المغول بعد ابن الأثير و المنشي النسوي فقد تكلم عن أحوالهم و هو من المعاصرين و أولي بالاعتماد زيادة علي غيره و ذلك لأنه اتصل بالمغول و تجول في مملكتهم و شاهد
العارفين بأحوالهم كما أنه كان قد شاهد بنفسه حوادث كثيرة و صاحب هلاكو مدة و قد حصل علي كتب علمية مهمة حين القضاء علي الاسماعيلية و حكي ذلك … ثم أودع إليه منصب بغداد و كانت حكومته هناك نحو 21 سنة علي ما فصل القول عنه في محله، في خلالها حصلت عليه بعض الشكاوي فكتب إليه أخوه الوزير (شمس الدين محمد الجويني) يدعوه أن يتنبه للأمور و لا يغفل عما يجري و بين سطور هذه يقول:
كم لي أنبه مقلة من نائم يبدي سباتا كلما نبهته
فكأنك الطفل الصغير بمهده يزداد نوما كلما حركته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 15
ذلك ما دعا أن يقضي علي تاج الدين علي ابن الطقطقي بحيلة احتالها … و لكنه لم يسلم من الغوائل … و مهما يكن فقد كان مؤرخا عارفا بالأمور، و لكتابه قيمته العلمية و الأدبية … إلا أن الألفاظ المغولية صعبة التلفظ فهي غير مأمونة الصحة من النساخ.
طبع هذا التاريخ في ليدن عام 1329 ه 1911 م في مجلدين؛ و في ايران في مجلد واحد إلا أن طبعة أوروبا المذكورة متقنة جدا و ستأتي ترجمته خلال وقائع الكتاب، و المؤلف كان قد دام في حكومة بغداد مدة طويلة، ولي العراق إحدي و عشرين سنة و شهورا، و هو أخو الصاحب شمس الدين، كان عادلا، حسن السيرة، أديبا، فاضلا، و له رسائل جيدة؛ و أشعار حسنة.
و من شعره:
أبادية الأعراب عني فإنّني بحاضرة الاتراك نيطت علائقي
و أهلك يا نجل العيون فإنّني بليت بهذا الناظر المتضايق
و فيه ما يدل علي درجة علاقته بالعراق …
و له أيضا أيام نكبة أصابته:
لئن نظر الزمان إليّ شزرا فلا تك ضيّقا- أفديك- صدرا
موسوعة تاريخ العراق
بين احتلالين، ج 1، ص: 16
و كن باللّه ذا ثقة فإنّي أري للّه في ذا الأمر سرّا
زمان إن رماني لا أبالي فقد مارسته عسرا و يسرا
تراني ثابتا جأشا إذا ما جيوش الحادثات عزمن أمرا
إذا دكت جبال الصبر دكا تري مني فؤادا مستقرا
و إن شاهدت في صبري فتورا جعلت عزيمتي للصبر أزرا
و مما رثاه به أخوه بالفارسية:
أي دو نور ديده جهان فروزم رفتي و زهجر تو سياه شد روزم
بوديم دو شمع و هر دو سوزان بوديم أيام ترا بكشت و من ميسوزم
يقول: «أي نور عيني دنياي اللامعة قد صيرت أيام هجري سودا بفراقك، كنا شمعتين موقدتين فاخترمتك (محقتك) الأيام، و لا زلت أستعر و أشتعل..!!
و قد ذكرنا ترجمته في التاريخ عند الكلام علي وفاته. و علي كل نري المؤرخين يلهجون بحسن سياسته للعراق فهو من خيرة ولاته في ذلك العهد …
و هو المسمي (تجربة الأمصار، و تزجية الأعصار) و جاء في كشف الظنون عنه أنه (تجزية الأمصار … ) أوله: حمد و ستايش كه أنوار
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 17
اخلاص آفاق و أنفس راجون فاتحه صبح صادق متلالي سازد الخ. و أثني في مقدمته علي علاء الدين صاحب جهانكشاي جويني و مدح كتابه و نعت مؤلفه بصاحب القلم، و إدارة الملك ثم أبدي أن أيام محمود غازان قد مضت بالعدل الشامل، و عادت المملكة أشبه بجنة الخلد. فرفع منار الإسلام و أزال الكفر و الضلال و أقام شعائر الدين الإسلامي؛ و أسس المدارس و المساجد. و المؤلف و هو عبد اللّه بن فضل اللّه، سنح له أن يدون ما جال في خاطره، و ما بدر لفكره من فضائل هذا السلطان و ما انقضي من
أيامه إلي اليوم الذي هو فيه و هو آخر شعبان سنة 699 ه 1300 م فشرع في تاريخه من هذا الوقت و استمر إلي انتهاء أيامه؛ و وعد أنه سوف يفصل المنقول و المسموع و ما شاهده عيانا؛ و قد فعل ذلك وقص حوادث تدعو للعجب، و هو بمثابة تكملة لتاريخ الجويني و ختمه بمناقب السلطان أبي سعيد و الدعاء له، فرغ من تأليفه في شعبان سنة 711 ه 1312 م إلا أن المؤلف لم يقف عند حدود هذه السنة و إنما امتدت حوادثه إلي سنة 728 ه فزاد عليه. و فيه بحث مستفيض عن المغول في إيران و تركستان و ما وراء النهر من الممالك الأخري و قد تطرّق لغيرها أيضا … و اشتهر مؤلفه (بوصاف الحضرة) من جراء أنه مدح السلطان الجايتوخان بقصيدة فلقبه بهذا و صار يعرف به و التاريخ أضيف إليه. و كان هذا المؤلف قد احتمي بالخواجة رشيد الدين و ركن إليه فنال منه كل رعاية …
و موضوعه في الحقيقة يتضمن إظهار المقدرة الأدبية و الترصيعات الشعرية و الأوصاف السلطانية فأبرز فيه من البلاغة ما يناسب عصره من سجع و تضمينات و أمثال و أبيات فارسية و عربية … و يحتوي علي أهم حوادث العراق كحادثة بغداد، و بعض المخابرات السياسية مما لا يخص العراق مباشرة إلا القليل؛ و ستري النقول عنه، و غالب ما فيه يوضح حكومة المغول …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 18
و قد نال هذا الأثر اعتناء من العلماء فمنهم من شرح ألفاظه، و منهم من علق عليه، و منهم من ترجمه؛ و أجمل حوادثه … و من هؤلاء حسين افندي آل نظمي، البغدادي و
قد بينت عنه في (لغة العرب) عند الكلام علي آل نظمي، ثم شاهدت تأليفاته علي (تاريخ و صاف) و هي من الأهمية بمكانة فالمؤلف كتب أثرين عن تاريخ وصاف:
أحدهما: أوله: الحمد للّه الذي خلق الإنسان، علمه البيان …
الخ ألفه سنة 1118 ه 1757 م في مجلد ضخم أوضح فيه اللغات العربية المغلقة و الفارسية و الجغتائية و المغولية و ترجمها إلي اللغة التركية. و فيه توضيح لبعض البلدان العراقية. و قد ذكر في كتب التاريخ من مكتبة أيا صوفيا باسم (ترجمة تاريخ و صاف) رقم 2151 و علاقته باللغة أكثر، فقد شرح لغات و صاف، و كنت أشرت إليه في لغة (العرب) أن له نسخة أخري في مكتبة ويانة. و هذه النسخة قيمة من جهة اللغة و علاقة العراقيين بها … و يعد من علماء عصره في اللغة … و من بيانه يعرف ما دخل العربية من الكلمات الأجنبية …
و ثانيهما: ترجمة تاريخ وصاف منه نسخة رأيتها في مكتبة ولي أفندي في الأستانة رقمها 2408 و أولها: الحمد للّه الذي رفع سبع طباق الخضراء بغير عمد ترونها الخ. قال إنه كان قد كتب مجلدا علي ترتيب حروف الهجاء و بطلب من بعض الإخوان الأعزاء، شرح عبارات و صاف علي ترتيبها. و النسخة مجذولة و في مجلد ضخم يحتوي علي 456 ورقة بالقطع الكبير و عدد سطور كل صفحة 25 تملكها ولي الدين افندي القاضي باستانبول. و هذه لحسين أفندي آل نظمي كسابقتها. و هذا الكتاب يصلح أن يسمي (ترجمة تاريخ و صاف) فقد أخذ كل جملة منه و ترجمها و شرح مغلقاتها و بالغ في إيضاحها و يا ليته ترجم الكتاب رأسا و قلبه للتركية
لتزيد الفائدة و يكثر الانتفاع به و لم يتكلم صاحب (عثمانلي مؤلفلري) إلا عن النسخة الأولي و ذكر أن منها نسخة في مكتبة بشير
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 19
آغا، إلا أنه غلط غلطا فاحشا في جعل مرتضي افندي آل نظمي و حسين افندي آل نظمي اسمين لمسمي واحد و مزج بينهما فقال: (نظمي زادة حسين مرتضي افندي) و عقد ترجمة واحدة للاثنين باعتبارهما شخصا واحدا، و عدد مؤلفات الاثنين بهذه الصورة و بين هذه المؤلفات ما يستحق التدقيق و يدعو للنظر …
و علي كلّ الأثران مهمان يوضحان تاريخا نافعا من تواريخ المغول و الفوائد اللغوية جاءت عرضا و بالواسطة … و الاعتناء فيه كبير سواء لحل مغلقاته، أو لشرح كلماته و جمله …
و التاريخ الأصلي و هو تاريخ و صاف طبع في بومبي سنة 1269 ه 1853 م في خمسة اجزاء، و طبع في ايران المجلد الأول منه و لكن المطبوع في الهند عليه حواش لتفسير ألفاظه و في آخره (فرهنك لغات غريبة) و فيه شرح لبعض اللغات الغريبة مرتبة علي حروف الهجاء و غالبها مغولية و عربية و لا تبلغ السعة التي بلغها حسين افندي آل نظمي …
و ممن اعتمد عليه في تاريخ بغداد مرتضي افندي آل نظمي صاحب (گلشن خلفا).
قد يلتبس القاري ء فيظن أن هذا الكتاب نفس الكتاب المنسوب إلي قاضي القضاة منهاج الدين بن سراج الدين الجوزجاني و الحال أنه غيره و إن كان يتضمن أحوال دولة المغول من خروج جنگيز إلي فتح بغداد و سائر حوادثهم إلا أنه يسمي (كتاب سياسة الأمصار في تجربة الأعصار و تاريخ آل جنگيز) فأكتفي بالإشارة إليه … و هو مطبوع في الهند.
موسوعة
تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 20
و يسمي بالتاريخ الغازاني. و هذا التاريخ لوزير من وزراء المغول، و مدون تاريخهم و هو الخواجة رشيد الدين فضل اللّه الوزير المقتول في جمادي الأولي سنة 718 ه 1318 م. و فيه نري وجهة نظرهم في سياستهم طبعا ظاهرها و المعلن منها دون المكتوم- و عليه عوّل كتاب الترك العثمانيون و مؤرخوهم في ترويج سياسة الخلافة بدخولها فيهم و بيان ضعفها، و ما كانت عليه أيام هجوم المغول استفادة من أقوال هذا المؤلف. فإنه فتح نهجا مشي عليه من جاء بعده فاتخذه مثالا يحتذي فكانت طريقته و سلوكها مقدمة. أو ضرورة لازمة لخلافتهم …
نعم علمتنا السياسات المختلفة، و تداول الأيدي علي العراق آمال كل قبيل من الأمم مهما تكتم أصحابها في إخفائها، و بالغوا في الإيهام … و عند مراجعة التواريخ يظهر لنا جليا أن المغول راعوا خطة في إدارة الممالك ثم مضي عليها العثمانيون في خطتهم التي اختطوها، و إن كانوا بالغوا في تقريع المغول و ذمهم، فراعوها بتبديل الشكل قليلا …
و هذا الكتاب أبان رموز تلك السياسة و ضروبها، و كشف عن نوايا المسيطرين و خطط حكوماتها معنا … و هو يشتمل علي أربع مجلدات، و الأول منه يتكلم علي ظهور الترك و تعداد قبائلهم و تواريخ أجداد جنگيزخان و أولاده و أحفاده … و الثاني في حوادثهم و تفصيلات عنهم … و الثالث في الأنبياء و الخلفاء و قبائل العرب و الصحابة إلي آخر خلفاء العباسيين. و الرابع في صور الأقاليم …
و قبل أن يكتسب هذا الشكل الكامل و يدون بصورة مفصلة كان قد شرع المؤلف في تبييضه و حينئذ مات السلطان غازان في
شوال سنة 704 ه 1305 م و جلس مكانه ولده خدابنده محمد فأمر باتمامه و إدخال
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 21
اسمه في العنوان، و طلب أن يضم إليه وصف الاقاليم و أهليها، و طبقات الأصناف، و أن يجعله جامعا لتفاصيل ما في كتب التاريخ … كتبه بالفارسية و بالعربية …
و من حسن الحظ أن رأيت في سفري إلي استانبول في صيف سنة 1934 م نسخة من التاريخ باللغة العربية، و في نظري أنها أعز شي ء عثرت عليه، كتب عليها (تاريخ جنگيز) و هي الجلد الأول من جامع التواريخ أوله: الحمد الوافر و الثناء المتكاثر للّه الذي ابدع الأكوان بقوله كن فيكون الخ. كتبت هذه النسخة سنة 785 ه في غرة المحرم، و تنتهي حوادثها بالجايتو و هي في مجلد ضخم و لم يذكر في صلب المتن اسم الكتاب إلا أنه قيل علي الغلاف (تاريخ جنگيزخان)، و أماكن الفراغ التي بقيت بياضا أعدت لاجل التصاوير، و لكتابة العناوين بحبر أحمر، و ذلك لأن المؤلف ذكر في نسخته الاصلية تصاوير الأسرة المالكة، و بعض مجالس سلاطينها و أولاد السلاطين و الأمراء إلا أن الناقل لم يمض إلي ذلك و إنما أبقاه فراغا أو تركه علي حاله و قبل أن يتمه اخترمته المنية …
و الكتاب من الآثار المهمة لعهد المغول، و كان الواجب أن يهتم به فيطبع و يذاع لمعرفة حروب جنگيز و حياته و آثاره و أنسابه و أولاده و أحفاده و غيرهم مما يتعلق بهم من امراء … و في الكثير من هذه الأمور لا يراعي المؤلف سياسة و إنما يقص حكاياتهم كما سمعها …
و في مقدمته ذكر أن جنگيزخان كان قد فتح
العالم و سخره بكياسته و وفور عقله، و قضي علي الجبابرة و المردة المفسدين الذين كل واحد منهم كان فرعونا في الطبيعة ضحاكا في السيرة … فكسرهم و جعل العالم علي وجه واحد، و نظف بيضة المملكة من تصرف المتغلبين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 22
الجائرين و ظلم المعتدين المتجبرين، و أورثها أولاده و أحفاده فكان السعد حليفهم، و التوفيق قرينهم … حتي جاءت النوبة إلي السلطان السعيد محمود غازان، و هذا كان نصير الإسلامية، و مدمّر الأصنام و الداعي إلي اللّه تعالي، فهو إبراهيم المسلمين الثاني … و كان في الأعصر الماضية علماء و حكماء يؤرخون معظمات الوقائع خيرها و شرها في كل زمان حتي يعتبر بها أولادهم و عقبهم و يعالجوا أحوال الأدوار في القرون الماضية، و يذكروا السلاطين، و يبقي ذكرهم مخلدا علي صفحات الأيام و الليالي في بطون الأوراق … (و ذكر العتبي بين هؤلاء و بيّن) أن المؤرخين أكبر الداعين، و أجود الناصحين لدول السلاطين … و قال:
و حيث إن الأقوام الموسومين باسم الترك مقامهم و سكنهم في البلاد البعيدة التي طولها و عرضها من ابتداء طرف ماء جيحون و سيحون إلي انتهاء حدود بلاد الشرق و انتهاء صحراء قبجاق إلي غاية نواحي جورجية و الختاي، يسكنون الجبال و الوهاد و الآجام، و لم يعتادوا السكني في القري و البلاد … و لم يكن في تواريخ المتقدمين من أحوالهم ذكر مستوفي … قد ورد في بعض الكتب شي ء يسير من ذكرهم و لم يجدوا من أرباب الحقيقة أحدا يتحققوا أحوال أخبارهم و يتفحصوا من آثارهم و حكاياتهم كما ينبغي مشروحا مبسوطا، مع أن الاتراك و المغول و شعبهم يتشابهون
و لغتهم في الأصل واحدة، و أن المغول صنف من الأتراك، و بينهم تفاوت كثير و اختلاف كما سنشرحه في مواضعه … و هذا الاختلاف إنما وقع بسبب أن تواريخهم المحققة لم تقع في هذه الديار.
و لما انتهت نوبة الخانية إلي سلطان العالم (لم يذكر اسمه و إنما هناك بياض يريد أن يكتبه بمداد أحمر و هو جنگيزخان) و أولاده العظام و أخلافه فانقاد لهم أهل الممالك …
و قد أورد بعض علماء العصر و أكابر الدهر في سوابق الأيام شيئا من ذكر أحوال تسخير الممالك و فتح البلاد و البقاع … خلاف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 23
الواقع … و ذلك بسبب عدم الاطلاع علي كيفية الأمور و الأحوال التي تتعلق بهذه الدولة و قلة معرفته بعظائم الوقائع و جلائل الحوادث التي كانت لهذه الحضرة الشريفة … لكن وجدت في خزائنهم المعمورة تاريخ عهد قد عهد علي وجه صحيح مكتوب بالخط المغولي و عبارتهم، إلا أنه لم يكن مرتبا بل كان فصولا … حافظوا عليها و صانوها عن أعين الأغيار و الأخيار و كانوا يكتمونها عن العوام و الخواص، و لم يمكنوا كل أحد من الاطلاع عليها إلي هذا الزمان الذي تشرف بوجود سلطان الإسلام … فالتفت خاطره الشريف … إلي ترتيب تلك الاجزاء و تدوينها و أشار عبد هذه الدولة الايلخانية و المعتصم بعون الرب مؤلف هذا التركيب و هو (فضل اللّه أبو الخير الهمداني الملقب بالرشيد الطبيب … ) أن أكتب تواريخ أصل المغول و نسبهم و نسب سائر الأتراك الذين يشبهون إلي المغول فصلا بعد فصل، و أرتب تلك الروايات و الحكايات التي تتعلق بهم مما كان موجودا في خزائنهم، و
مما وجده بعض الأمراء و المقربين مودعة و إلي هذه الغاية لم يجمعها أحد و لم يتيسر له سعادة هذا التصنيف و شرف هذا التركيب و التأليف. و كل واحد من المؤرخين كتب سطرا من ذلك من غير معرفة بحقيقة الحال بل سمعه من أفواه العوام و تصرف فيه علي وجه اقتضاه رأيه و لم يتيقن صحة ذلك لا هو و لا غيره. فأنا أورد عرائس هذه الأبكار و نفائس هذه الأفكار و خيار هذه الاخبار التي بقيت محجوبة في استار الكتمان إلي هذا الأوان بعد المبالغة في تصحيحها و الاجتهاد في أصل تلك الأجزاء من علماء الختا و حكمائهم و من علماء الهند و الاويغور و الاغور في تنقيحها بلفظ مهذب و عبارة منقحة و طريقة مرتبة، و أجلوها لأعين النظار علي منصة الاظهار؛ و التفحص عن مجملاتها و تفصيلاتها مما لم يكن مذكورا، و القبجاق و غيرهم من أعيان كل الطوائف ملازمون للحضرة الشريفة العالية خصوصا من خدمة الأمير المعظم و النويان الأعظم، قائد جيوش
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 24
ايران و توران مدبر ممالك الزمان (بياض يراجع عنه الأصل الفارسي) دام معظما الذي لم يوجد مثله في بسيط الربع المسكون في أنواع الفضائل و ألوان المفاخر و المناقب و في علم نسب الأقوام الاتراك و تواريخ أحوالهم خاصة تاريخ قوم المغول، و أقتبس من كتب التواريخ الالفاظ المصطلحة التي لهم و آتي بها علي وجه يفهمه الخواص و العوام و يعلمها جميع الانام من أوله إلي آخره … انتهي.
و في هذه الكلمات المقتبسة من مقدمة المؤلف ما ينبي ء عن بحث عظيم، و مزاولة أمر جلل مما استدعي أن يخلد هذا الأثر
فقد تكلم في القبائل، و في بيان حكايات ظهور الأتراك و تعداد عمائرهم، ثم ذكر قوم المغول، ثم عقد فصلا في أحوال آباء جنگيز و ظهور دولته، و أنهم كانوا في الأصل طوائف كالأعراب … ثم فصل وقائع جنگيز تفصيلا لا مزيد عليه …
و في آخر هذا المجلد ذكر أن هذا التاريخ كان كتبه للسلطان غازان خان و في 11 شوال سنة 704 ه قد توفي، ثم ذكر محمد خدابنده (جاء في موطن آخر خربنده) و هذا هو المجلد الأول و لا يستغني عما فيه و ذكر أنه بعد أن أتم المجلد الأول توفي السلطان محمود غازان فالحق به ما يتم به حوادثه …
و النسخة لا تخلو من اغلاط لغوية إلا أنها نظرا لقدمها أقرب إلي الصحة … و أما الاعلام فسيأتي الكلام عليها في حينها و قد رأيت هذه النسخة في مكتبة أيا صوفية رقم 3034 هذا و قد بسطنا القول عن ترجمة المصنف في تاريخنا هذا.
كان اتخذ المصنف وقفا بظاهر بلدة تبريز سماه (الربع الرشيدي) و أجاز للناس أن يكتبوا من المجموعة الرشيدية التي من جملتها هذا الكتاب و هو (جامع التواريخ) نسخا منها هذا التاريخ.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 25
و من شروط وقفه أن تكتب في كل سنة نسخة من المجموعة و ترسل إلي إحدي بلاد الإسلام، نسخة في العربية و أخري في الفارسية.
و قد فصّل القول علي ذلك في مقدمة الجزء الأول من جامع التواريخ طبعة باريس. و هذه الطبعة متقنة جدا و عليها تعاليق بالافرنسية طبعت بمجلد ضخم و قد طبع المجلد الثاني منه بقطع صغير في باريس أيضا و عليه تعاليق و مصوّر كتب باللغة الفارسية و
نسخة منه عربية في المكتبة المصرية.
إن كتاب جامع التواريخ لم يقتصر الاعتناء به علي مؤلفه و درجة اهتمامه به، فإنه بعد أن سخطت عليه الحكومة المغولية و قتلته، و أصابته النكبة ضاعت أكثر نسخه حتي ظن الكثيرون أن قد فقد هذا التاريخ و ناله ما نال صاحبه.. و في أيام شاهرخ بن تيمور لنك كان قد ألف ذيل علي جامع التواريخ كتبه صاحبه لشاهرخ المشار إليه و قال في مقدمته: إنه كان نديم السلطان في قصص الأخبار و يسمر له في التواريخ و وقائعها، و يعتمد علي جامع التواريخ فالتفت السلطان إلي ذلك فأمره أن يكتب له ذيلا في أحوال السلطان محمد خدابنده و ابنه السلطان أبي سعيد ففعل و أتم عصر المغول إلي أواخر أيامهم …
و من المؤسف أنني تحريت كثيرا عن معرفة اسم المؤلف لهذا الذيل بقصد الاطلاع عليه فلم أنل مطلبي و قد شاهدت نسخة منه في مكتبة ويانة تحت رقم 327 و ليس فيها اسم المؤلف، و كذا رأيت منه نسخة في الاستانة في مكتبة نور عثمانية تحت رقم 3271 قال ما معناه رأيت أن أتم الحوادث ليكون ذيلا للتاريخ المذكور، و جمعت الحوادث من كتب متفرقة، و أنا و إن كنت ليس من رجال هذا الميدان إلا أن ما شجع به الإخوان كان أكبر باعث و أرجو إصلاح الخطأ و الغلط مما لا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 26
يخلو منه امرؤ … بدأ به من حيث انتهي الخواجة رشيد الدين و تكلم عن الجايتو محمد خدابنده فعدد وقائعه و فصّلها تفصيلا زائدا و ذكر الملوك المعاصرين له ثم مضي إلي أبي سعيد بهادرخان و فصل أيضا أحواله و
ختم أخباره و به تم الكتاب، و النسخة الموجودة في نور عثمانية عدد أوراقها 77 و الخط واضح و البحث فيه مستوفي جدا و هو من الكتب المعتبرة في بابه … و الملحوظ أنه سمي في المكتبة المذكورة (جامع التواريخ) في حين أنه ذيله …
و الاحتمال مصروف إلي أن المؤلف المذكور لأحد نديمي الملك شاهرخ و هما حافظ ابرو أو شرف الدين علي اليزدي إلا أن كثرة النسخ من هذا الأثر و التحري عن اسم مؤلفه لا بد أن يطلعنا يوما علي صاحب هذا الأثر و منه نسخة في باريس و أخري في آيا صوفية تحت رقم 3271.
لابن العبري المعروف بأبي الفرج (غريغوريوس) بن (اهرون) و هذا التاريخ من خير المصادر التي يعول عليها في تاريخ المغول عاش معهم مدة، كان قد جاء إلي الموصل و منها سافر إلي مراغة فمات فيها في 30 تموز سنة 1286 م و كان قد ولد سنة 1226 م كتب تاريخه الأصلي في السريانية ثم نقله إلي العربية باختصار من جهة و إضافات من جهة أخري. و المؤلف من رجال الدين المعروفين عند النصاري، نال مكانة سامية …
و إنما نقل تاريخه إلي العربية بإلحاح من اصحابه، و كان نقله في أواخر حياته و قد ضمنه أمورا كثيرة لا توجد في المطول السرياني لا سيما فيما يتعلق بدولتي الإسلام و المغول … ذكر فيه رجال حكومة المغول و سياستهم و طريق حكمهم و القائمين بالأمر و المدبرين للمملكة … و مما يمدح عليه أنه لا يتحامل علي الأمم الأخري و ذكر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 27
أن قسوسهم يترددون إلي هؤلاء المغول و بين أنهم يراعونهم، و يبدي
أن جنگيزخان كان يميل إليهم و لم يقل اعتنق دينهم و إنما روي بلفظ «قيل إن اونك خان و أقوامه كانوا نصاري … » و لم يقطع.
انتهي تاريخه إلي حوادث 15 شعبان سنة 683 ه 1284 م و من تاريخه هذا نسخة خطية تحتوي علي النصف الأول في مكتبة أوقاف بغداد و هي قديمة و قد طبع الكتاب في بيروت سنة 1890 م و من مزايا هذا الكتاب أنه يوضح بعض الألفاظ التي دخلت حديثا في التاريخ لسبب الاتصال بالمغول … و كان قد طبع لأول مرة سنة 1663 م في اكسفورد بالعربية و اللاتينية …
هو تاريخ عراقي كتب باللغة العربية و سمي بهذا الاسم و نسب إلي المؤرخ المشهور كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ ابن الصابوني و يعرف بابن الفوطي الذي كان ولد في 17 المحرم سنة 642 ه بدار الخلافة و توفي في بغداد في المحرم سنة 723 ه و ترجمته مبسوطة في الشذرات و تذكرة الحفاظ و ابن خلكان و غيرها … و هو حنبلي.
و هذا الكتاب لا نعوّل علي صحة اسمه. و لا علي نسبته إلي هذا المؤرخ فلم نجد ما يحملنا إلي القول بما رآه بعضهم … فكاتبه لا يزال غير معروف، و من الملحوظ أن مؤلفه اعتمد علي مؤلفات مؤرخنا …
أما الحوادث الجامعة فقد ذكر في الوفيات و في كشف الظنون و غيره كفوات الوفيات، و في الأصل المنقول منه لم يذكر عنوان الكتاب، و لا أوله، و لا منتهاه، و لا تاريخ كتابته مما يساعد علي معرفة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 28
مؤلفه ابتداء … و الظاهر أنه
أجزاء من مجموع لا يعرف مقداره، و قد كتب مؤرخون ذيولا علي مؤلفات عراقية في التاريخ، أو دوّنوا رأسا …
فالنسبة فرض و تخمين و لا نجد دليلا يدعمها … و صاحب الشذرات يقول باستمراره بتدوين الحوادث إلي أن مات و في هذا المبدأ و المنتهي غير معلومين.
و علي كل إن الكتاب يشير إلي أن مؤلفه من رجال عصر تال لهذا العصر. و لذا نراه لا يتأثر بالحوادث و إنما لخص ما وجد، و نقل ما سمع، و كتب ما عرف … أما وجود مقاربة في اللفظ فإنه يدل علي أن المؤلف اعتمد علي كتب ابن الفوطي و لا يبعد أن يكون أخذ العبارة بعينها، و عول علي النص الحرفي و لم يشأ أن يتصرف … هذا في حين أننا نعلم أن ابن الفوطي ذو علاقة بحوادث بغداد، و بالطوسي و بابن الساعي … فلم يصرح بشي ء عن أمثال ذلك، و لا بما ذكر عن آل الفوطي ممن له معهم قرابة، أو صلة نسبية مما لا يصح تجرده عنه …
أو إغفال علاقته … فهو أشبه بمخابر جريدة أو سائح جاءنا من بلاد نائية يقص ما رأي، و يصور ما شاهد بكل ما أوتي من بيان وسعة علم و قدرة … ذلك مما يبرهن علي أن المترجم لم يكن من أهل هذا العصر و إنما هو من أهل العصور التالية و قد راجع الكثير من المؤلفات التاريخية و أن لم يصرح بالنقل … هذا و لم نعدم مؤرخين كثيرين كتبوا بعده فاغتالت يد الزمان اشلاء من بعض تآليفهم فأبقته أثرا مهشما من أطرافه، ينبي ء عن مقدرة، و إتقان صناعة، و ينم عن مواهب عالية، و حسن اختيار
…
أماط اللثام عن محيا حوادث نحن في حاجة لبسط القول عنها خصوصا القسم التالي لحوادث هلاكو و من وليه … فهو متمم لحوادث ابن الأثير و يبتدي ء تقريبا من حيث انتهي و يقف عند السبعمائة فهو خير أثر …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 29
و الفضل في نشر نسخه للمغفور له أحمد باشا تيمور فإنه أذاعه، و كتب عنه و نشر بضع نسخ فتوغرافية منه … و لو لا أنه تناوبته أيدي النساخ فشوهت بعض الاعلام و أهمّها الأعلام المغولية، أو شيوع التلفظ بها آنئذ بهذا الوجه دون اعتناء في النطق … لكان خاليا من كل قيل … و هذه طفيفة بالنظر لما احتوي عليه من الفوائد …
و كنا نأمل أن يطبع طبعة متقنة و يذاع في الأطراف للانتفاع به في معرفة هذا العصر لأن أهميته لا تقتصر علي بغداد وحدها و إنما تعرض لوقائع أخري لها صلة بالمجاورين من ناحية، و فيها تعريف صحيح بحكومة هلاكو و من خلفه من ملوك المغول … مما يهم أمر التاريخ الإسلامي و علاقة هذه الحكومة به … طبع عام 1351 ه 1933 م طبعا مغلوطا لا يمثل الأصل، و لا ينبه علي صحة الاعلام، و لا تعيين المواقع، و لا أشار إلي المهملات من الحوادث … فقد مسخت الأصل و مع هذا نري هذه الطبعة خالية من قائمة في الخطأ و الصواب و من الفهارس … و قد اعتمدنا في النقل عنه علي النسخة الخطية المقابلة مع الأصل الفتوغرافي لنسخة المرحوم أحمد باشا تيمور …
تأليف موراجا دوهسون ترجمه إلي التركية مصطفي رحمي نشرته وكالة المعارف للجمهورية التركية في استانبول سنة 1340 ه 1922 م من
مطبوعات المطبعة العامرة، و فيه بيان عن ماضيهم و عنعناتهم المحفوظة و المنقولة علي أيدي العرب و العجم و ظهور جنگيز و قبائل المغول معه و أولاده و أحفاده و ما أوجدوه من حكومات و فيه ايضاح عن حروبهم مع الخوارزمشاهية و العرب المسلمين … و تأسيسهم الإدارات المتفرقة …
و مباحثه لا يخص الكثير منها موضوعنا فإننا لم نتكلم إلّا عن ماضيهم و تأسيس حكومة الايلخانية علي يد هلاكو ثم من وليه حتي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 30
مغفر مغولي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 31
انقراضهم … و الكتاب يعتمد علي مراجع عربية و فارسية مهمة و غالبها مما عوّلنا عليه و هو في مجلد واحد … و الملحوظ هنا معرفة طراز الناحية التي عقبها الأوروبيون في توجيه المجري التاريخي و التعديل فيه بالنظر لآمالهم و نفسياتهم مع الاعتماد علي الوثائق الشرقية …
للقاضي أبي الخير عبد اللّه بن عمر البيضاوي المفسر المشهور و كان قد اشتهر بتفسيره (أنوار التنزيل و أسرار التأويل) أما تاريخه (نظام التواريخ) فقد كتبه باللغة الفارسية علي خلاف مؤلفاته الأخري و احتوي علي الوقائع من الخلقة إلي سنة 674 ه 1276 م و قد تكلم عن الأنبياء و الخلفاء الراشدين، و الدولة الأموية، و العباسية، و الصفارية، و السامانية، و الغزنوية، و الديلمية، و السلجوقية، و السلغرية، و الخوارزمية، و عن دولة المغول … و كان قد شاهد أيام تفوق الدولة السلغوية و انقراضها، و استيلاء المغول فكتبها بقلم معتدل. و الكتاب منتشر و مبذول في مكتبات عديدة و قد رأيت منه بضع نسخ في مكتبات الاستانة، إحداها في مكتبة بايزيد العامة كما أني شاهدت هناك ترجمته إلي
اللغة التركية. و عندي نسخة من التركية المترجمة و لم يذكر اسم مؤلفها سواء هناك أو في مخطوطتي. و قد حكي لي اسماعيل صائب بك مدير المكتبة العامة في الاستانة أن فرجا الكردي قد ترجم الأصل الفارسي إلي اللغة العربية لينشره فلم يظهر لحد الآن، و علي كل هذا التاريخ مختصر لا يسمن و لا يغني من جوع و قد ترجمه الغياثي إلي العربية و أدرجه في تاريخه المعروف (بالغياثي) و زاد عليه من بعد انتهاء حوادثه إلا أن لغته عامية و لا يخلو من غلط …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 32
لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي المتوفي سنة 771 ه 1370 م و قد تعرض فيها لوقائع جنگيزخان و وقائع التتر، و أوضح جهات هجوم هلاكو علي العراق و غيره و فيها من البيانات ما اغفله كثيرون فتصلح أن تكون مصدرا تاريخيا لهذا العصر … و إننا لم نشأ أن نذكر كل ما عرض لنا من نتف المباحث … و لو لا أن هذا التاريخ من الكتب المعتبرة لما نوهنا في النقل عنه كمصدر، أو مرجع نرجع إليه … إلا أنه في ذكر النقول سيطلع القاري ء علي حوادث بغداد و المغول في كتب مختلفة هي بمنزلة جرائد هذه الأيام فنكتفي هنا بالإشارة إلي بيان حوادث صاحب الطبقات مما كتب في الأيام القريبة من أيام المغول …
إن المؤلف- في مقدمته- شرح حال التتار و بين وقائع جنگيزخان في (صحيفة 175 ج 1 من طبقات السبكي) و فيها يوضح وقائع جنگيزخان و مقارعاته مع خوارزمشاه و وقيعته ببلاد المسلمين … ثم تكلم عن حوادث حفيده هلاكو خان في (صحيفة
113 ج 5 منه) و قد ذكر عن ابن الأثير- تأييدا لما حكاه- «و اللّه لا أشك أن من يجي ء بعدنا إذا بعد العهد و رأي هذه الحادثة مسطورة ينكرها و يستبعدها و الحق في يده قال فمن استبعدها فلينظر أننا سطرناها في وقت يعلم كل من فيه هذه الحادثة، و قد استوي في معرفتها العالم و الجاهل لشهرتها … » اه (ص 184 ج 1 طبقات السبكي). طبع بمصر سنة 1324 ه.
هو لكاتب چلبي صاحب كشف الظنون كتبه بالفارسية و يعدّ من المصادر المعتبرة سوي أنه مختصر بل تقويم للوقائع كاسمه. و لا يخلو من فائدة لا يستهان بها؛ و المؤلف ثقة في نقله و يلام الطابع في اختصاره
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 33
لبعض جداوله و عدم مراعاته الترتيب بالنظر للسنين … و إن كانت مذيلة بوقائع تالية إلي حين الطبع فلا تغني عن الأصل …
و علي كل، شهرة مؤلفه لا تحتاج إلي بيان … كما أن اطلاعاته علي التواريخ الفارسية و التركية واسعة فهو ممن يوثق بقوله …
في تاريخ الترك و المغول لأمير خيوه أبي الغازي بهادرخان و يتعلق بنشأة الترك و أنسابهم كتب بلغة الجغتاي فنقله إلي التركية الدكتور رضا نور الكاتب التركي المشهور من كتاب العثمانيين و الجمهورية التركية طبع سنة 1925 م و 1343 ه و لأصله نسخ في المتحف الأسيوي ببطرس برج، و بقازان، و برلين و گوتنغن …
لم يجد مؤلفه في أمته من يقوم بما عزم عليه من تاريخ قومه، و خشي أن يفقد تاريخهم أو تعدم آثارهم فدوّن كتابه هذا … و قال في مقدمته:
«إنني لم اكتب هذا الكتاب لإعلاء شأن نسلي، أو أن أتبجح به فأكتم الحقيقة و أدون خلاف الواقع … و حيث إن اللّه تعالي خلقني ممتازا بمزايا … لم أحتج إلي ذلك بل سجلت الحقيقة كما هي. و قد مكنني اللّه تعالي من ثلاثة أمور خصّني بها، إحداها الجندية و قوانينها و نظاماتها فإني ماهر بصنعة إدارة الجيوش و سوقها (تعبية الجيش)، و الاطلاع علي نظام الحرب، و أصول المداولة مع الأعداء و الأصدقاء، و ثانيا الشعر بأنواعه من تركي و عربي
و فارسي. فلو قلت لا شاعر مثلي في هذه اللغات لما تجاوزت الحدّ و لكنني لم أشاهد من يقاربني في صناعة الجندية لا في الكفار و لا في المسلمين، و ثالثا معرفة تاريخ ملوك المغول، و التوران (الطوران)؛ و العجم، و العرب … » ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 34
و أبو الغازي هذا من أسرة جنگيزخان و هو ابن عرب محمد خان الخوارزمي كتبه عام 1074 ه 1663 م و كان مريضا و الكتّاب حوله و منهم من يملي عليه فيكتب، و منهم من يراجع له المصادر و آخر يقرأ له و هكذا و من جملة ما اعتمد عليه (جامع التواريخ) فقد كان اقتني منه نحو عشرين أو ثلاثين نسخة ليقابل عنها الاعلام و مع هذا لم يعول علي واحدة منها في ضبط الألفاظ خصوصا ما يتعلق بأسماء الجبال، أو الأودية، أو الأرضين، أو اسماء الناس المغولية أو التركية فقد استنسخها عجم أو مستعجمون ممن لم يعرفوا المغولية و التركية فلو علّمنا هؤلاء لمدة عشرة أيام لا يستقيم لسانهم في التلفظ بها، فالصعوبة كل الصعوبة عليهم في نقلها و استنساخها … قال: إن بعض الأعلام لو لفظناها أمام أعجمي مرات لما تيسر له النطق بها … و كان قد ذهب إلي مملكة المغول إلي قالموق ليدرس لغتهم هناك و يتلقاها من أهلها قضي سنة لتعلمها و معرفة عادات هؤلاء … فكان قد عاني في سبيل تاريخه المشاق حتي ظهر في أتقن شكل …
و في سنة 1871 م طبعه البارون دمزن مدير مدرسة اللغات الشرقية بعد مقابلته بنسخ كثيرة، طبعه عينا و بلهجته الأصلية، و في سنة 1874 م نقلت هذه إلي اللغة
الافرنسية و طبع معها اصلها … و نقله إلي التركية الدكتور رضا نور الموما إليه و نقد الترجمة و الطبعة، و أبدي أنها لم تكن بالوجه الأتم، و إنما وقعت فيها أغلاط فاحشة جدا، و ما أضافه المترجم التركي جعله بين قوسين كما أنه طوي منه ما يتعلق بآدم و نسله لاعتقاده أنه خرافي فلخص القول و ابتدأ من تاريخ القوم.
و كان قد سبقه إلي ترجمته إلي التركية أحمد وفيق باشا العالم التركي المشهور صاحب لهجة عثماني في اللغة و أتالرسوزي، و مؤلفات عديدة منها هذا الكتاب و سماه (أوشال شجرة تركي) إلا أنه لم يتم.
و الملحوظ هنا أن الدكتور رضا نور كان قد طوي الانساب من آدم إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 35
نوح عليه السّلام و لم يتعرض لها فجاء مكملا لتمام الترجمة، و أن الباشا المؤلف مشهور بسعة علمه، و معروف في الإحاطة باللغات الشرقية و أكثر اللغات الغربية … و الكتاب لم يكن شجرة انساب كما هو المتعارف من التسمية- و إن كان يسلسل الأفراد و يعين الاتصال- فهو تلخيص عن حالة المغول، و عن أوائل الترك، و ينبي ء عن اطلاع و خبرة واسعة …
و هو خير مأخذ، و عليه اعتمدنا في مواطن كثيرة … و لم نتوغل في تفصيل أحوال الترك و المغول الاما كان تمهيدا لمعرفة أولاد جنگيز و مكانتهم، و أقوامهم … و خصوصا ما يتعلق بالعراق و له صلة به و اتصال … و من مقابلة النصوص وجدناه كتابا قيّما … و لا يضر ذلك أو يقلل من قيمته التاريخية أن لا نشاركه في كل مباحثه …
و هذا التاريخ فيه مباحث مهمة عن المغول و
وقائعهم مع المسلمين إلا أنه لا يوثق بصحة الأعلام التي ذكرها و هي أعلام المغول فإن أغلاطه فيها كبري. و لعل ذلك ناشي ء من غلط النساخ و تصحيفاتهم أو شيوعها كذلك. و الكتاب أشهر من أن يذكر و إنما نكتفي هنا بالإشارة إلي اغلاطه، و أنها لم يلتفت إليها حين الطبع و لا قوبلت المطبوعة بنسخ كثيرة للتصحيح … و لا سد الفراغ في بعض المواطن التي بقيت بحالة بياض … و غالب آرائه يتحامل بها علي العرب و أهل البادية منهم …
هذا التاريخ لمرتضي أفندي آل نظمي المتوفي عام 1136 ه 1724 م تقريبا. و فيه سلسلة مباحث حكومة هلاكو و من وليه من ملوك المغول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 36
و أطنب في وقعة بغداد، و نقل عن تواريخ متعددة منها تاريخ مصلح الدين اللاري، و تاريخ وصاف، و تواريخ أخري … فهو مهم من ناحية نقوله و وقائعه المطردة، و قد سد ثلمة في ايضاح الوقائع بسبب تكاثر المصادر و تعددها كما أننا أخذنا عنه القسم المترجم من التواريخ المذكورة … و سيأتي الكلام عن هذا التاريخ و النقل منه عن الأيام المعاصر لها، و الأيام التي قبل هذا التاريخ من مشاهداته و نقوله عن مشاهدي الوقائع من الحوادث المباشرة … و هنا ننقل عنه بعض ما يتعلق بموضوعنا …
و مباحثه عن هذه الحكومة تبلغ 24 صفحة … كتب باللغة التركية.
تأليف دوكيني ترجمه إلي التركية حسين جاهد بك الكاتب التركي الشهير في ثمان مجلدات عن الفرنسية و الكتاب مبسوط و مفصل إلا أن النسخة الأصلية فيها غلط أعلام ناشئة عن اللغة و صححها بقدر الإمكان مكرمين أفندي. و لم نعتمد نحن علي الأجانب في تثبيت الأعلام إلا بعد تحقق أصلها من الكتب المعتبرة. و النسخة مطبوعة فلا محل للاطناب في وصفها كثيرا …
للدكتور رضا نور في مجلدات كثيرة وصلنا منها من المجلد الأول إلي المجلد الثاني عشر، و هو تاريخ واسع عن الترك العثمانيين في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 37
الغالب و سائر الترك و المغول و لا يخلو من فائدة. و مؤلفه استند إلي مؤلفات كثيرة إلا أنه متعصب لقوميته تعصبا يكاد ينسيه أنه مؤرخ. و هو مترجم (شجرة الترك).
لشيخ الإسلام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 752 ه 1449 م و الكتاب من أجل الكتب التاريخية و أنفسها في موضوعه و هو من خير المراجع التي عوّلنا عليها و يعد من أوثق المصادر. طبع في دائرة المعارف الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد دكن سنة 1349 ه و قد بذلت الجهود في تصحيحه إلا أنه لم تراجع المصادر التاريخية للتعليق عليه و تدوين ما فاته من و فيات أو تصحيح ما أوخذ عليه … و مهما يكن فالمؤلف خير كتاب في ناحيته و لا أدري معني ما جاء أثناء التعليق من بيان النسخ دون ابداء أي رأي أو مطالعة حولها … فلم يقم المصحح بأكثر من حادثة مقابلة بين النسخ و ما جاء من التعليقات القليلة فلا تسمن و لا تغني من جوع …
و هو في أربع مجلدات، و كأن المطالع يشاهد اربع نسخ معا. و للطابع الفضل في هذا … و إن لم ينبه علي الصحيح.
و تمتد حوادثه إلي ما بعد هذا العصر أي أنه يكاد يستغرق حكومة الجلايرية أيضا مما يتعلق بموضوعنا …
و يعاب علي المؤلف أنه لم يذكر مواطن بعض الاشخاص و لا عرّف بطريقتهم الفقهية أو نحلتهم العقائدية … و أكبر
ما يراعي المحدثين و لم يتعرض كثيرا لغيرهم … و فيه معلومات قيّمة عن المغول و العلاقات معهم … فالكتاب يفيد بإعداد المادة للمتتبع ليراعي تصليح الغلط من غيره … و كان الأولي أن لا تهمل هذه الناحية إذا عرف المراجع التاريخية و تمكن من التنبيه علي ما فيها من الاخطاء … و قد أتعبنا هذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 38
الموضوع كثيرا لا من ناحية الترجيح المجرّد بل عن خبرة و تحليل للفظ و ما لحقه من تحريف أو تصحيف أو غلط نساخ …
تأليف العلّامة الشيخ بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفي سنة 851 ه 1448 م أوله: الحمد للّه الذي دلت علي الوهيته الكائنات الخ. قال في مقدمته «كنت جمعت في حداثة سني و عنفوان شبابي تاريخا من مبدأ الدنيا إلي سنة 805 حاويا قصص الأنبياء عليهم السّلام و ما جري أيامهم و سيرة نبينا صلّي اللّه عليه و سلّم و ما جري بعد بين الخلفاء و الملوك في كل زمان مع الاشارة إلي و فيات الأعيان … ثم بدا لي أن أنقحه بأحسن منه ترتيبا و أوضح تركيبا مع زيادات لطيفة، و نوادر شريفة، و ضبط ما يقع فيه من المهمات من اسامي الرجال و الأمكنة المذكورات و ترجمته (بعقد الجمان في تاريخ أهل الزمان) و فصلته علي فصول تسهيلا للحصول متوّجة بمقدمة تغني عن أصل التاريخ و معناها، و تخبر عن سبب وضعها و مبناها … الخ و هو في 24 مجلدا و تنتهي حوادثه عام 850 ه 1447 م. و منه نسخة في مكتبة ولي افندي في الاستانة كاملة إلا أن الجلد العشرين منها
فيه بطش المداد بحيث لا يقرأ إلا بصعوبة و النسخة منقولة من نسخة المؤلف الموجودة في مدرسة البدرية العينية القريبة من الجامع الازهر بالقاهرة و فيها أنه توفي أي المؤلف سنة 851 ه 1848 م مع أن التواريخ الأخري تقول سنة 855 ه 1852 م و تاريخ المنقولة يوم الخميس 19 جمادي الأولي سنة 893 ه و قد اعتمدت عليها في الحوادث الخاصة بسني تاريخنا هذا و ما يليه من التواريخ الأخري و يتكلم بسعة عن علاقة سورية بحكومة هلاكو و من بعده و ينمّ عن اطلاع واسع و توثق من الاخبار و يعتمد علي ابن كثير و عيون التواريخ للكتبي و غيرهما مما سيأتي النقل عنه في حينه.. و حوادثه علي السنين و قد أطنب في تاريخ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 39
هلاكو و سماه هلاوون و فيه حوادث عامة لا تختص بقطر إلا أنها قليلة جدا … و مضي في أول الأمر من حين ابتداء أيام هلاكو في العراق عن و فيات عراقيين ثم طوي البحث إلا نادرا أو ممن توفي من العراقيين في سورية أو في مصر و ليس في عبارته تعقد أو تشوش و إنما هي بسيطة و سهلة … و كان الاولي أن يرجح طبعه علي غيره من سائر التواريخ لهذا السبب، و لامتداد حوادثه إلي السنة المذكورة اعلاه … و لسعة مواضيعه و بسطها … و المؤسف أنه بقي غير مطبوع لحد الآن، و قد أخبرني محافظ المكتبة أن المصريين أخذوا نسخة فتوغرافية منه و أهم ما يجلب الأنظار أنه يعين بوضوح علاقات العشائر بسورية و العراق ببسط زائد وسعة وافية و نافعة جدا … عدا ما يتعلق
بالحكومات و مفاوضاتها، و الرسل و بعثاتهم، و المخابرات الجارية مع الملوك …
و هناك كتب أخري قيّمة و مفيدة جدا لمباحثنا من معاصرين للوقت الذي نكتب عنه و غيرهم أمثال (تاريخ گزيده)، (التاريخ الغياثي)، و (روضة الصفا)، و (رحلة ابن بطوطة)، و (نزهة القلوب) مما سنتعرض للنقل عنه … و المصادر من هذا النوع من تركية و فارسية كثيرة كتبت عن هذا العصر و نقولها مهمة، و لولا خوف السأم لأوردنا عنها التفصيلات الوافية …
و في هذا و ما سبق الكلام عنه ما ينبي ء عن سير التواريخ و لم نلتفت إلي ما رأيناه في بعض التواريخ من النقص و اعتمدنا علي المفصلات بقدر الإمكان فلا نزيد القاري ء ضجرا في بيان المعايب، و إظهار المثالب … مما نحن في غني عن ذكره … و ذلك بعد أن توضحت لدينا المراجع أعذرنا من كتب في أزمنة محاطة بظروف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 40
خاصة، أو أوضاع شاذة … دعت إلي الاطراء الزائد أو التكتم …
و من حيث العموم لا نجد أصدق لهجة في بيان حقيقة الوقائع من مؤرخينا و إنما نوجه اللائمة في المحاكمة و الاستنتاج أو المدح أو الاخفاء … و لا تلبث أمثال هذه أن تزول بعد عصر أو عصرين فتظهر الحقيقة ناصعة مجردة … فأنا مقتنع من مصادرنا و قاطع بصحتها إلا ما رأيته خلاف الوثائق المعروفة و الثابتة … فكانت طريقتي أن استمع القول و أتبع أحسنه بمراعاة الواقع بقدر ما يمكن الحصول عليه و التوصل لمعرفته … و كل أحد يؤخذ من قوله و يرد … في أمثال القضايا الموضوعة البحث.
و لا يفوتنا أن نقول كلمتنا عن بعض المؤرخين الذين لا يعتمدون علي أنفسهم و إنما يذكرون النص بعينه و حرفيا دون
مراعاة المجري للوقائع و التثبت منها و يتقيدون به تقيدا لا يأتلف و التاريخ الحقيقي …
فهؤلاء لا تكون نظرتهم صائبة إلا في الاختيار أحيانا و غالب نقولهم مغلوطة … ذلك أن النظرات العامة سواء منها مما يتعلق بالاجتماع، أو بالادارة، أو بالعقائد أو باللغة … إنما تستنتج من خلال الوقائع، و مجموعها … استفادة من الأوضاع، أو السير التاريخي و تياره الجارف … لذا لا يصح الاعتماد علي قول شخص قد يكون رأي صفحة، أو لاحظ ناحية، أو عثر علي نص تاريخي يتعلق بوقعة جزئية … أو تصوير للحادثة ناشي ء عن توهم … و العمدة علي المجري، و علي تشميل الوقائع و إجمالها بصورة عامة … فما خالف ذلك لا يركن إليه … فالنص الذي يجب نقله هو الذي لا يعدو هذه الناحية … فالتاريخ- في نظري- يدقق تيارات الأمم، و مجاري سيلها الجارف، و أثرها في الحقوق و الإدارة و الاجتماع، و عمارة الأرض و خرابها … و لا نجد شيئا من ذلك في الوقائع الجزئية بعينها … مما مبناه قصر البصر … فهو ملخص جميع الوقائع، و زبدتها و النظرة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 41
السريعة و العامة في صفوة حالها إلي آخر ما هنالك … و لا يحصل المطلوب إلا بذكر الوقائع الموثوقة و النصوص المؤيدة المسهلة و النافعة … مما فيه الكفاية للوصول إلي الغرض …
قد تتضاءل الوقائع الجزئية المشتبه فيها امام هذه الأمور التي قد يؤدي إلي الجمود التمسك بها و الوقوف عندها دون ربط الوقائع المقطوع بها و إيرادها مما يهيي ء القاري ء إلي تجريدها لاستخراج المجاري العامة و القواعد الكلية … و لا يعني ذلك أننا سوف نهمل
الوقائع الجزئية مطلقا. فالإهمال نصيب المردودة و المدخولة لا غير … و الغرض ايجاد الصلة دائما و مراعاة الموازنة و عند تكرر الوقائع المتماثلة يظهر أثرها و تدخل ضمن ما تتطلبه … و من ثم تتولد العلاقة بين الوقائع و النظم، و المسير لهذه و مديرها الشخص ضرورة و قسرا … فالارتباط لازم، و النفوذ الفكري له دخل عظيم في صحة الحكم بناء علي الشهادات التاريخية، أو المشاهدات … و التنطعات ليس من شأننا.
و الغالب أن لا نعوّل علي مرويات السياحات و الرحلات أمثال رحلة ابن بطوطة و إنما يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار مشاهدات السائح و مدوّناته عن هذه … و لا نتطلب منه أكثر من ذلك … لأن مشاهدات هؤلاء السياحين صادقة لا تكذب فهم أبصر فيما رغبوا في الاطلاع عليه، و التدوين عنه … و علي هذه الناحية ركنّا و بها أخذنا بزيادة علي غيرها و ترجيح …
هذا ما رأينا أن نذكره عن المراجع التاريخية …
توطئة للبحث نري أن نبدي ملاحظة عامة عن هذا العهد تبصر بحوادثه الجزئية و تكون كتمهيد و ذلك أن الحكومة الايلخانية كانت قد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 42
احتلت العراق و الأمة العراقية بدا كل أمر جديد لديها، الإدارة و الدين، و اللغة، و الاجتماع … فلم تألف منها هذه الأمور كلها، و لا علاقة سابقة لها بها، و قد تكون سمعت عنها و لكنها غريبة من مألوفها …
قضت علي الحكومة العباسية، و أسست إدارة خاصة، و هي ما عدا أيام حروبها و مقارعتها لم تتعرض للأديان و المذاهب إلا أنها ناصرت الاقليات أو بالتعبير الأصح اعتمدت عليها و لم تدع جانبا من جوانب السياسة
إلا ولجته … و استخدمت هؤلاء لتقوي في الإدارة علي العنصر الغالب و تجعلها وفق مرغوبها، أو لتمشي خطتها، و تسيّر سياستها كما تشاء … فكانت من أمهر الإدارات في خططها الاستعمارية، و سياستها الداخلية … و بحثنا في هذا القسم مقصور علي الإدارة … و المسلمون في هذه الحالة كانوا في يأس من أمرهم رغم أن الحكومة الفاتحة لم تتعرض لأوقافهم، و لا لإداراتهم الدينية و لا لأحوالهم الداخلية … و لم تستخدم إلا بعض الموظفين المحصوري العدد بل القليلين جدا كالوزراء و بعض الموظفين …
أما الإدارة الحاضرة- عن هذا الدور- فقد خرجت فيها من طريق الخلافة و أبهتها العامة الكبري فعادت ايالة لها حكمها، و قد احتفظت بشهرتها السابقة، و مركزها العلمي و الأدبي بين الممالك و الأمم …
نعم لم تفقد بذلك مزاياها الأخري- ما عدا الاستقلال و السياسة العامة و هما أعظم شي ء- و قد نبغ فيها علماء أكابر، و أدباء و شعراء …
يكادون يضارعون من سبقهم لولا تأثير الفارسية و شيوعها بكثرة، و اكتسابها شكلا سياسيا نوعا، و نجاحها في الإدارة المباشرة …
و علي كل تغير من أوضاعها، و تبدل نوعا من اجتماعها و انحطت مدارك أهليها عن ذي قبل مما سيوضح في قسم خاص … و سيري القاري ء حوادث هذه الأيام السياسية في هذا الجزء بتفاصيلها علي قدر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 43
ما تسمح به الوثائق، و يتيسر عليه الاطلاع …
و منه تعالي المعونة.
امر هولاكو بقتل الخليفة يوم الخميس 4 صفر سنة 656 كما في تجارب السلف ص 11 و أورد رباعية فارسية للنصير الطوسي بذلك، و في السلوك للمقريزي أن هلاكه كان في 6 صفر- و
في طبقات ناصري مباحث موسعة عن قتلة الخليفة. و أقوال عديدة تتعلق بقتل ابنه أبي بكر.
الرواية المعول عليها أن المغول دخلوا بغداد تحت قيادة هلاكو يوم الاثنين 5 صفر سنة 656 ه 1258 م بعد أن كانوا قارعوا للتغلب عليها سنين كثيرة و هاجموها بكتائب قوية هجومات متوالية فعادوا بالخيبة. و لكن الخلفاء لم يطيقوا الدوام علي الدفاع و كبح جماح العدو في هجومه الأخير. فكانت النتيجة أن تم الاستيلاء عليها و ما زالوا في قتل و نهب و أسر و تعذيب للناس بأنواع العذاب و استخراج الأموال منهم بالضغط و أليم العقاب مدة قدرت في أربعين يوما أو في أسبوع علي اختلاف في الرواية فقتلوا من الرجال و النساء و الصبيان و الأطفال خلقا كثيرا من أهل البلد و النازحين إليهم من أهل الأطراف فلم يبق إلا القليل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 44
و قد عيّنوا للنصاري شحاني حرسوا بيوتهم و التجأ إليهم أناس عديدون فسلموا … و هنا يلاحظ أن الأوروبيين كانوا قد اتفقوا مع التتر و لهذا سلم النصاري أو أنهم راعوا العناصر الضعيفة لأجل إطلاعهم علي خفايا المسلمين لا أنهم كانوا نصاري منهم، و لا يحتمل أنهم تجسسوا لهم علي المسلمين.
و كان ببغداد أيضا جماعة من التجار الذين يسافرون إلي خراسان و غيرها قد تعلقوا من قبل بأمراء المغول و كتب لهم يرليغات فلما فتحت بغداد خرجوا إلي الامراء و عادوا معهم من يحرس بيوتهم. و التجأ إليهم أيضا جماعة من جيرانهم و غيرهم فأنقذوهم.
و كذلك دار الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي نجا بها جماعة كثيرة.
و مثلها دار صاحب الديوان ابن الدامغاني و دار صاحب الباب ابن الدوامي.
و فيما
عدا هذه الأماكن لم يسلم أحد إلا من كان في الآبار و القنوات. و أحرق معظم البلد و (جامع الخليفة) و ما جاوره …
و استولي الخراب علي المدينة. و كانت القتلي في الدروب و الأسواق كالتلول و وقعت الأمطار عليهم و وطأتهم الخيول فاستحالت صورهم و صاروا مثلة بتشوه الخلقة …
ثم نودي بالأمان فخرج من تخلف و قد تغيرت ألوانهم و ذهلت عقولهم لما شاهدوا من الأهوال و المصائب التي لا يستطيع القلم التعبير
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 45
عنها و هم أشبه بالموتي لما نالهم من الخوف و الجوع و البرد …
و أما أهل الحلة و الكوفة فإنهم نزحوا إلي البطائح بأولادهم و بما قدروا علي حمله من أموالهم. و حضر اكابرهم من العلويين و الفقهاء مع مجد الدين ابن طاوس العلوي إلي السلطان (هلاكو) و سألوا حقن دمائهم فأجاب سؤالهم و عين لهم شحنة فعادوا إلي بلادهم و أرسلوا إلي من في البطائح من الناس يعرفونهم ذلك فحضروا بأهليهم و أموالهم. و جمعوا مالا عظيما و حملوه إلي السلطان هلاكو فمنّ عليهم بنفوسهم.
و أما واسط فإن الأمير بغاتمر انحدر إليها بعساكره و انتهي فيها إلي قريب البصرة فقتل و نهب و سبي. و كان الولاة و النقباء و أكابر الناس قد انحدروا بأهليهم و أموالهم إلي البطائح فسلموا.
قيل أن عدد القتلي ببغداد زاد عن ثمانمائة ألف نفس عدا من ألقي من الأطفال في الوحول و من هلك في القني و الآبار و السراديب فمات جوعا و خوفا و هذه الرواية لم يقطع فيها ابن الفوطي و لذا عبّر عنها بقيل. و لعلها بناء علي أن السكان كثيرون و لم يبق منهم إلا القليل فلم يلاحظ من فروا و انحدروا إلي الانحاء الأخري. و علي القول الراجح أنهم يبلغون نحو ثمانين الفا كما في تاريخ مصلح الدين اللاري نقلا عن گلشن خلفا و لا عبرة بقول من أبلغهم إلي ألفي ألف أو إلي ثلاثة آلاف ألف فالمبالغة ظاهرة جدا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 46
ثم وقع أثر ذلك الوباء في من تخلف بعد القتل من شم روائح القتلي و شرب الماء الممتزج بالجيف و العفونات الأخري … و كان الناس يكثرون من شم البصل لقوة الجيفة و كثرة الذباب فإنه ملأ الفضاء و كان يسقط علي المأكولات فيفسدها.
و كان أهل الحلة و الكوفة و المسيب يجلبون إلي بغداد الأطعمة فانتفع الناس بذلك و كانوا يبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة و صفر المطعم و غيره من الأثاث بأبخس ثمن. فاستغني بهذا الوجه خلق كثير.
و لما كان هذا الهجوم الأخير من قبل هلاكو نتيجة التزام الخطة التي صمم جنگيز و أعقابه علي المضي بمقتضاها، و أنه تقدمته هجومات أخري إلي أن قام هلاكو بهجومه هذا اقتضي التعريف بجنگيزخان و قومه و ما راعاه من الخطة لاستخدام أمته و قيادته لها تنفيذا لما قام به من مقدمات عسكرية و هجومات أخري علي الانحاء المجاورة لبغداد بقصد التزام الجيش العراقي مدة طويلة لمحافظة الثغور بقوة كافية مما أدي إلي بذل عظيم و مصارف باهظة لا يتيسر القيام بها لحكومة مثل حكومة بغداد و حالتها علي ما سيوصف فذلك كان إضعافا لها و تشويشا لإدارتها …
و قبل الكلام علي ذكر توالي الهجومات و مبادي ء الهجوم الأخير و اطراد هذه لزم أن نعلم روحية الأمة الفاتحة و الإطلاع علي أساس (حكومة جنگيز).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 47
الأمة الفاتحة، و أوائل أحوالها: إن هذه الحكومة أعني بها (حكومة جنگيز) كان موطنها (أرض المغول). و لم تكن في الأصل حكومة. و إنما هي رياسة علي بضع قبائل مما يسمي عندنا بالإمارة القبائلية، تقطن هذه الإمارة القطعة التي هي قسم من مملكة الصين و يتولي أمرها- كما قال المنشي النسوي- (خان) و معناه الملك أو الأمير بلغتهم و فوقه الخاقان و فوق الكل قاآن. و أن حكمه نيابة عن خاقانهم الأعظم (قاآن). و كان خاقانهم الكبير المعاصر لخورزمشاه محمد بن تكش يقال له (آلطون خان) و قد توارث الخانية.
قال المنشي النسوي: و من عادة خانهم الأعظم الإقامة (بطوغاج) و هي عاصمة الصين. و أن مملكة الصين كانت منقسمة إلي ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر يتولي أمره (خان) و كان من زمرة
هؤلاء الخانات في العصر المذكور الذين يحكمون نيابة عن خانهم الأعظم (امبراطورهم) شخص يسمي (دوشي خان) و هو أحد الخانات المتولي قسما من الأجزاء الستة. و كان متزوجا بعمة جنگيز خان.
و قبيلة جنگيز خان هي المعروفة بقبيلة (التمرجي) من سكان البراري. و مشتاهم موضع يسمي (أرغون). و هم المشهورون بين التتر بالشر و الغدر. و لم تر حكومة الصين ارخاء عنانهم لطغيانهم. فاتفق أن دوشي خان زوج عمة جنگيزخان قد توفي فحضر جنگيز إلي عمته زائرا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 48
و معزيا. و كان الخاقانان المجاوران لعمل دوشي خان يقال لأحدهما كشلو خان (كشلي خان) و للآخر … فكانا يليان ما يتاخم عمل دوشي (منطقة حكمه) من الجهتين فأرسلت المرأة (عمة جنگيزخان) إلي كشلي خان و الخان الآخر (جنگيز) تنعي إليهما زوجها دوشي خان و أنه لم يخلف ولدا و أنه كان حسن الجوار لهما و أن ابن أخيها جنگيزخان إن أقيم مقامه يحذو حذو المتوفي في معاضدتهما. فأجابها الخانان المذكوران إلي ذلك. و تولي جنگيز من الأمور ما كان لدوشي خان المتوفي بمعاضدة الخانين المذكورين.
فلما أنهي الأمر إلي الخان الأعظم الطون خان أنكر تولية جنگيزخان و استحضره و أنكر علي الخانين اللذين فعلا ذلك. فلما جري ذلك خلعوا طاعة الطون خان و انضم إليهم كل من هو من عشائرهم. ثم اقتتلوا مع الطون خان فولّي منهزما، و تمكنوا من بلاده مشتركين في الأمر. فاتفق موت الخان الواحد و استقل بالأمر جنگيزخان و كشلوخان.
ثم مات كشلوخان و قام ابنه مقامه و لقب كشلوخان أيضا.
فاستضعف جنگيزخان جانب هذا لصغره و حداثة سنه و أخل بالقواعد التي كانت مقررة بينه و بين أبيه. فانفرد كشلوخان عن جنگيزخان و فارقه لذلك و وقع الحرب
بينهما. فجرد جنگيز جيشا مع ولده دوشي خان فسار هذا و اقتتل مع كشلوخان فانتصر دوشي خان و هزم خصمه فتبعه و قتله و عاد إلي جنگيزخان برأسه. فانفرد جنگيزخان بالمملكة.
ثم إن جنگيزخان راسل خوارزمشاه محمد بن تكش في الصلح فلم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 49
ينتظم فجمع جنگيزخان عساكره و التقي مع خوارزمشاه محمد فانهزم خوارزمشاه فاستولي جنگيزخان علي بلاد ما وراء النهر. ثم تبع خوارزمشاه محمدا و هو هارب بين يديه حتي دخل بحر طبرستان. ثم استولي جنگيز علي البلاد.
و يستفاد من هذه بالنظر لمصادرنا أن جنگيزخان هو المؤسس لهذه الحكومة المعروفة (بحكومة المغول) أو (حكومة التتر) و لم تكن لهم حكومة و لا ذكر إلا في زمن جنگيز. و إنما كانت هذه الأقوام أشبه بقبائل العرب الرحل. و لها مدن تقطنها و مواقع مدنية تقيم فيها هي أقرب إلي البداوة أو الطريق الموصل إلي المدنية بين البداوة و الحضارة.
و تكاد تكون قبائلهم و أقوامهم في عزلة عن العالم لو لم يكن الإسلام قد هاجم ديارهم أو ما جاورها أثناء الفتح الإسلامي و إبان النهضة العربية، و المعروف أنه هاجم أقوامهم الانحاء الغربية بل هاجروا بهجرات متوالية لا محل لذكرها هنا. و مع هذا فإن (المغول) أبعد عن الاحتكاك و لم يظهروا للوجود إلا في أواخر العصر السادس للهجرة.
و قبل هذا نري المدونات العربية عنهم سواء كانوا مغولا أو تترا حين الاستيلاء عليهم و المكافحة معهم و نشاهد منهم أسري كثيرين قد انتشروا في العالم الإسلامي و في المملكة الإسلامية كما أنه قد تكونت حكومات منهم و تألف الجيش التركي في الخلافة العباسية و برز فيهم القواد و الوزراء. و لكن لم يؤمل
أن تظهر منهم أمة بعيدة عن الإسلام و عن الحضارة و تهاجم الترك المسلمين من جهة و تحارب الصين من أخري و تدوخ الهند آونة و تستولي علي ديار العجم و ممالك روسية و تهدم صرح الخلافة الإسلامية و تقضي علي حضارة المسلمين و تدهش العالم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 50
الإسلامي مدة و تدعه في اضطراب و حيرة من أمره فتخلف أثرا ما زال و لا يزال باقيا يرن في الآذان و يفكر فيه كل من درس التاريخ …
هذه الصولة علي البلاد الإسلامية أشبه بصولة العرب و هم في جزيرة قاحلة … علي العالم المتحضر، المجاور لهم إلا أنه بينهما جهات اشتراك و افتراق و إن كان كل منهما خلف أثرا في النفوس عظيما. فكلاهما يعتمد علي قوة بدوية اختط المدبر لها منهاجا ساق به هذه الجماعات للمضيّ بمقتضاه و العمل بموجبه فنال بغيته …
و شتان بين المنهجين فأحدهما فك الأغلال و القيود عن البشرية و محا الفوارق بين بعضها و بعض فهو خالد، و هو إصلاح لها و إسعاد لحياتها كلما مشت علي مرسومه و الآخر دمر البشرية و أهلكها لانتفاع أمة واحدة و قيادتها لاستدرار خيراتها حبا في إعاشة تلك الأمة و إقامة أودها و إنعاشها …
و في هذا الأخير رجعة للاستعباد مرة أخري … لكنها كانت أي هذه الرجعة ضرورة لا بد منها نظرا لتناسي المبدأ الإسلامي القويم و العدول عنه أو إهماله و الصدود عنه … فنري القائم به مثل الخليفة أو الملوك الذين يعدون أنفسهم بمنزلة حماة للدين و حراس له يحاول كل منهم أن يستعبد القوم لا أن يقيم العدل و يؤمن السبل … و ينقذ البشرية
مما انتابها …
فكان الأصلح للبشرية أن يقوض هذا البناء الذي صدف أهله عن صراطه السوي و أولي لها أن يدمر رغم فظاعة الآلة الهدامة … هذه ضرورة لا بد من ركوبها أو وقوعها و تحمل أخطارها و في الحقيقة أن الحكومات الإسلامية كانت تركية أو سلطتها بأيديهم فالمقارعة بين طاغيتين كلاهما مخرب و مدمر للديار و هادم للحضارة، و لم يؤثر فيه المبدأ الإسلامي، و علي كل لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 51
و من نظر إلي الحالة الاجتماعية عندنا آنئذ و سوء الوضع و تذبذب الإدارة و ما يعاني الأهلون من جراء المنازعات و تعدد الحكومات و انحلال ما بينها و الشؤون الداخلية و ما يجري فيها أو ما يتحمله الأهلون بل و المخالفون من المضض و العناء، و التزام وجهة (خطة) مطردة لا تقبل أي تطور و تبدل … تيقن أنها سريعة الزوال و إن كانت الأسس في الأصل قويمة فهي سائرة إلي الانحلال و إن كانت الأركان عزيزة و فاضلة … !!
إن التواريخ القديمة لم تجعل في الغالب قيمة للأمم لا في الفتوح و لا في الاكتشافات و لا في غيرها … و إنما نسبت ذلك كله و غيره للملوك و أعاظم الرجال ممن كانت لهم مكانة تاريخية باعتبار أنهم المسيرون للأمة و الناهضون بها و لم يراجع التاريخ و يعدل به عن هذه الفكرة إلا بعد تجارب مرة و آماد طويلة … فصارت تلاحظ منزلة العظيم في استفادته من هذه القوة- قدرة الأمة- و استخدامه إياها لما أعد نفسه لأجله بحيث تمكن من قيادتها …
مضت أدوار طائلة علي هذا الترتيب
حتي الأيام الأخيرة و حينئذ نالت الأمم مكانتها التاريخية و استعادت قدرتها المادية و المعنوية …
فصار يستطلع رأيها في أكثر الأمور و يدقق الحادث الكبير (بظهور الفاتح أو العظيم) في أنه إنما حصل له ما حصل بتوجيهه استقامة الأمة و تعيين منهاج لها في سيرها التاريخي لما أحسّ به من الضرورة لقيامها و نهوضها …
فاليوم تدقق الأمم باعتبار قوتها و مناعتها و وحدتها و صلاح مبدئها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 52
و سائر حالاتها الاجتماعية و مزاياها القومية و النفسية و حينئذ يتجلي لنا أن ما فعله الرجل العظيم عبارة عن استقائه من معين تلك الأمة و ما أحاط بذلك من ظروف و انتهاجه الخطة التي رآها لازمة للعمل … و قد يكون هذا المنهاج مغلوطا أو ناقصا و لكن ضرورة قيام الأمة لا تؤخر تطبيقه رغم غلطه أو نقصه … و إن كان غير مكفول الدوام، سائرا للزوال من جراء أدني عارض، أو أي انحلال في الوحدة …
نعلم هجوم جنگيز علي العالم المجاور له مجاورة قريبة أو بعيدة و إحداثه الضجة في هذه الأرض أو الدوي الذي ولد ارتجاجا و هزة شعر بهما كل أحد. و لا يزال أثرهما في النفوس كما مرت الإشارة إلي ذلك.
و لما كنا قاطعين بأن جنگيز لم يقم بما قام به إلا باستخدام أمة عظيمة حصلت علي مكانتها التاريخية … رأينا من المحتم درس هذه الأمة و معرفة أحوالها في ماضيها و حاضرها إلي أيام الهجوم علي بغداد …
و الظروف التي سهلت لهذا الفاتح الكبير قيامه بما قام به فاشغل الأفكار من حين ظهوره إلي اليوم …
1- الأمة: التي انقادت للفاتح فوجه روحيتها للإذعان له وجعلها طوع
ارادته فسخرها … و أذعنت.
2- المنهاج: الذي اختطه لنجاحه في الاستيلاء و الطريقة التي سار عليها …
و هذه تدعو للبحث و تستحق التمحيص لتقدير (السير التاريخي) و التحول الجديد الذي أحدثه و ما حصل عليه هو و أعقابه و الحكومة التي تأسست من جراء هذا التبدل.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 53
أما العوامل المسهلة لهذا الفاتح من اختلال النظام و الاضطرابات و الفتن في الأمم المجاورة و الحروب القائمة فيها علي قدم و ساق و تذبذب سياستها و تشتت آرائها و انحلال وحدتها باشتداد الخصام الأدبي و الاجتماعي و تصلب أهليه تقوية لهذا الخلاف و تسهيلا للانفصال فهذه و أمثالها لا تخرج عن كونها وسائل مسهلة و خادمة لمصلحة الفاتح في فتوحه و اكتساحه البلدان …
لذا لا نري وجها لأن نجعل قيمة في الدرجة الأولي إلي جنگيز وحده كما فعل ابن الأثير و غيره فنعتوه (بطاغية التتر و قهارها) و جعلوه هو الذي فعل ما فعل. فوجب أن نلم ببعض أحوال أمته لنكون علي بينة من قابليتها الاستيلائية علي عالم عظيم في مدة و جيزة و تدرجها و ظهورها بحيث حازت مقاما عظيما في التاريخ مما دعا للانتباه … ثم ندخل في أمر هذا الفاتح و الطريقة التي سار عليها. فلا نتصور أن يظهر عظيم في وسط غير صالح … و من ثم نعرف مكانة هلاكو (فاتح بغداد).
و هنا نسير سيرا حثيثا و باستعجال فنتكلم عن اوائلهم إلي ظهور جنگيز سوي أننا نفرق الموضوع إلي مباحث تقريبا له. و في كل الأحوال نراعي الإجمال.
إن العلماء يعتبرون الأمم ثلاث كتلات أو مجموعات: طورانية و سامية و آرية. فالأوروبيون و العجم و الأرمن من نسل
الآريين و يقال لهم الهند الجرمني و الهند الأوروبي. و العرب و السريان و العبرانيون من الأقوام السامية. و الترك من الطورانيين أو بالتعبير الأصح أن الطورانيين من الترك. و هو اسمهم العام. و في ضمنهم المغول.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 54
فالترك- بصورة عامة- أمة مستقلة، كثيرة العديد و متألفة من قبائل و أقوام كثيرة يشملها هذا الاسم سوي أن المؤرخين اختلفت آراؤهم في اصلهم إلي ثلاثة منازع بالنظر لاختلاف المنابع التاريخية و المصادر التي عولوا عليها، فالذي اعتمد علي (الاغوز نامة) بين أن اصلهم يرجع إلي اوغوزخان. فكان اصلهم يقف عنده فلم يعلم من كان قبله. و أما ما اختاره علاء الدين الجويني و من حذا حذوه و عول علي كتابه (جهانكشا) يقول إن نسبهم يبتدي ء من اويغور. و الرأي الثالث يركن إلي قول الخواجة رشيد الدين و يرجح ما جاء في كتابه (جامع التواريخ) أن أصلهم المغول فيراعي تسلسل ملوكهم و اشتقاقهم من اجداد المغول.
و قد رجح المؤرخ التركي (الدكتور رضا نور) رواية أوغوز و طعن في رواية الاويغور مبديا أنها خرافية. و أن القول بالمغولية فيها إكثار من الاسرائيليات. و ما ركن إليه رشيد الدين فقد اقتبسه من العجم حين استيلاء جنگيز عليها و قال الدكتور إن هؤلاء العجم قد اشبعوا بحب الاسرائيليات …
و هذه الروايات لا تخلو من نظر و تحتاج إلي تمحيص. و إن الترجيحات مبنية علي تزلفات للمغول أو غيرهم نظرا لما نعلمه من أننا لا نجد أمة تكره اعلاء شأنها أو لا تحب عظمتها و مكانتها أو التباهي بنسبها و الافتخار به … مما دعا لبقائها إلي اليوم، و لم نر قوما لا يرغب في اعتلاء
صهوات المجد، و خصوصا أن هذا القول قد يصدق أو يعد أقرب للصدق في حق من نال مقاما تاريخيا مجيدا … فمن كتب التاريخ حين ظهور هؤلاء كان ممن يمت إليه بسبب أو يتزلف له …
فالقول الذي يصح الاعتماد عليه- بتعديل- ما حكاه صاحب (شجرة الترك) من أن الترك أقوام و قبائل تجمعها التركية و لم يرجح المغول و لا الاويغور و لا اوغوز بعضهم علي بعض و لكنه ينقد من جهة أنه لم يقف عند هذا الحد بل جعل لهم شجرة أوصلها إلي آدم (س) فأوصل (ترك)
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 55
أسلحة المغول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 56
و هو جد الترك الأعلي بيافث بن نوح، ثم راعي اجداد التوراة، فكأنه جمع الروايات الأولي و سلسل النسب و اتخذ منه وحدة و استفاد من أنساب العرب و قواعد ترتيبهم فوضع كتابه. و لعله اعتمد علي الروايات الشائعة و المدونات كما حكي ذلك. و قد قضي ما عليه من بلغ الجهد … سوي أن اللغة و اشتراك ألفاظها حتي في الأبعد تدل علي أن الأصل واحد مما لا يدع ارتيابا.
و لما كنا نري كل أمة تدعي أن لها جدا تقف عنده أو اسما عاما سميت به ثم اتخذته جدا و وقفت عنده صارت بذلك كل أمة تدعي أنها بنت ذلك الجد الذي تعده ابن السماء و أنها العريقة في الأصل لا تضارعها أمة و هو مدار فخرها و تنظر إلي باقي الأمم بدرجة منحطة عنها فقيل إن (ترك) جد أعلي لأمة الترك و هكذا اعتبرت أيضا أقسامها الكبري أقسام الأمة من قبائل اساسية- اجدادا تالين. و هكذا علي مراتبهم بأن اعتبرت لكل
جد فروعا كما هو مرئيّ لها في تفرع الافخاذ … فلم تشأ أن تخرج عن هذا الأمر المحسوس لديها.
و أما الفكرة القائلة بأن الناس كلهم من آدم و آدم من تراب، و أن القبائل و الشعوب وسائل التعارف لا طريق التناطح و التخاصم … فلم تكن معروفة قبل الإسلام، أو أنها كانت بصورة ضئيلة جدا. فلتأييد هذه الصلة بين الأقوام قرّب علماء الإسلام، بين أنساب الشعوب فوصلوها بأنساب العرب و الإسرائيليين اعتمادا علي أقدم كتاب ذكر أولاد آدم و سلسل احفاده و هو (التوراة) و وسعوا القول فيه. و لا يزال العلماء يتحرون جهات التقارب من طريق اللغة و السحنات و الحالات الاجتماعية و العادات و هكذا نري علماء الغرب يقربون إليهم من عدوه من العنصر الآري … و لذا حينما اتصل المغول بالعجم انتقلت إليهم هذه الفكرة من طريق المسلمين فوصلوا اجدادهم بآدم و ربطوا هذه الصلة بأقوي الاسباب تأييدا لما جاء في القرآن الكريم و استفادة من عموميته و تقريبه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 57
بين الأقوام وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. و من الحديث القائل (كلكم من آدم و آدم من تراب) فلم يخرجوا عن هذا الوضع … و من ثم جري تلاعب الشعراء في المعني و منها:
شرق و غرب تجد من صاحب بدلا فالأرض من تربة و الناس من رجل
أو كما قيل:
إذا كان اصلي من تراب فكلها بلادي و كل العالمين أقاربي
و لما كان اجدادهم معروفين بالوجه المذكور سابقا و بالصورة المبينة و صلوا هذه الصلة بمن عرف فربطوا ترك بيافث بن نوح (س).
لو رجعنا إلي قبائل العرب و أحوالهم التاريخية و استنطقنا
مخلفاتهم و استقينا معلوماتهم من شعرهم و مفاخراتهم من اقوالهم وجدنا متقدمي شعرائهم بالغوا في الفخر و الحماسة فلو طالعنا إحدي معلقاتهم رأينا فيها:
ملكنا البر حتي ضاق عنا و ماء البحر نملؤه سفينا
و حينئذ يتبادر إلي اذهاننا أن حكومتهم كانت من أقوي الحكومات شكيمة، و أن أمتهم من أكبر الأمم حضارة و تقدما و لكننا لو رأينا بلادنا في مواطن العرب الأصلية و لا حظنا عيشتنا لا نلبث أن تزول منا هذه الفكرة (النخوة) و يذهب هذا الاعتقاد. فتظهر لنا البداوة واضحة بحذافيرها … و أن ملوك كندة و غيرهم امراء قبائل و لو سموا بالملوك …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 58
و كذا يقال عن الترك فإننا و إن سمينا رئيس كل قبيلة بخان و كل من حكم علي بضع قبائل (بخاقان) و قلنا (قاآن) لمن لا حاكم وراءه أو فوقه و ما ماثل و رجعنا إلي حالتهم و ما هم عليه من البداوة و سكني الخيام- كالعربي- علمنا ضخم الألقاب و عظم الاسم دون أن يكون وراء ذلك ما يدعو للانتباه.
و لا ينسي أن الترك لا يماثلون العرب من كل وجه فلكل من القومين مزايا و خصائص و عوائد قد لا توجد في الأخري منها ما هو من مزاياهم الخلقية و منها ما هي نتائج المناخ و المحيط الذي عاشوا فيه …
سواء في حره و برده و ما يلتزمانه فيه … فأثر ذلك في التحول و الانتقال لكل من القومين و حينئذ يقرب الواحد من الآخر نوعا.
و علي كل حال إن أمة الترك و في ضمنها المغول في الأصل قبائل رحل موصوفة بالشجاعة و الصبر علي المكاره و تحمل المشاق، سكناها الخيام
و مولعة بالصيد و مواطنها الاصلية مغولستان و تركستان و هما معروفان و ما ذكر عن ملوكهم القدماء و أحوالهم فلا يخرج عن كونهم رؤساء قبائل و يتفاوتون في التسمية بين من يسيطر علي قبيلة أو قبائل متعددة أو قوم عظيم من اقوامهم كما ان ما ذكر عن ملوكهم القدماء لا يعوّل عليه كحقيقة ناصعة. و إنما هو روايات و أخبار تناقلوها حسب ما هو معهود بين الأمم الأمية و إن كان تثبيت ذلك قد اتخذ وسائل للإشادة و الفخر … و أن خير المدونات و أصدقها عنهم ما كان في زمن المسلمين أثناء الفتوح و ما بعدها. فتاريخهم الحقيقي عرف من ذلك الوقت. و حينئذ تكاثرت التتبعات و زاد البحث وضوحا و لا يعتمد علي ما قبله من الروايات إلا لإيجاد الصلة و الاطلاع علي الماضي حسب المحفوظات و إن كان خرافيا و قد يعرف الوضع من خلاله فلا يخفي علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 59
المتدبر ما يجري في مطاويه رغم ما جري علي اللسان من وقائعه التي داخلتها الأساطير و الخرافات و الابطال التاريخيون …
و لم يزد الأوروبيون علي ما ذكره العرب و العجم رغم سياحاتهم و تتبعاتهم الأخيرة عن الماضي إلا قليلا يتعلق بتحقيق بعض الأعلام و هذه أيضا فيها نظر و لا يكاد يعول الواحد علي تلفظ لهم … و وصف الأقوام و تدقيق اللغات و نعت الأقاليم و تدوين الهجرات. و هذا كشف نوعا و زال عنه الغموض و إن لم يعثر علي وقائع الماضي. أما الآثار فهي قليلة جدا، و المعلوم من الوقائع سد فراغا مهما في المعرفة …
و من المراجع المهمة لمعرفة أوصافهم و مزاياهم رسالة
الجاحظ في (تفضيل الترك) و (كتاب تلفيق الأخبار، و تلقيح الآثار، في وقائع قزان و بلغار و ملوك التتار)، و (كتاب اخبار الزمان للمسعودي)، و غيرها من الكتب و المراجع …
و بعد ملاحظة ما تقدم نبين حالة الترك القدماء باعتبارها قصصا منقولة إلي تكون المغول و التتر حسب ما هو معروف عن علماء الترك و مؤرخيهم كأساطير و روايات شفهية …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 60
يقول أبو الغازي في شجرة الترك إنهم من نسل يافث بن نوح و يوصلهم بآدم علي ترتيب التوراة أو كتب الأنساب العربية و يعدد أولاد يافث بأنهم ترك (و منه الترك)، و خزر (و منه الخزر)، و صقلب (و منه الصقلب)، و روس، و منيغ وصين (يلفظ چين)، و كيماري، و تارنج. و هم أمم من نجار تركي فجعلوها اسماء أجداد. و الظاهر أن التسمية إنما نشأت من مراعاة كتب الانساب و تحديها. و لعل الأصل كذلك فلا يخرج عن التخمين. و لما كان باقي أولاد يافث لا يكونون موضوعا لنا أضربنا عن ذكرهم و إن كانت قد تألفت منهم أقوام. هذا و يلاحظ أن أبا الغازي بهادرخان لم يخل من التأثر بالآداب العربية و أنسابها كما مر يقصّ عن نفسه أنه شاعر مفلق في لغات منها العربية و الفارسية … قال:
إن ترك خلف أباه في حكومته و لقب بابن يافث. و كان عالما، عاقلا و مدبرا، ارتاد المواطن الكثيرة فاختار أحسنها و هو المسمي (ببحيرة ايسيغ) فأقام بها. و يقال إنه أول من نصب خيمة. و أن بعض عوائد الترك الموجودة لحد الآن قد انتقلت منه. و قد توفي عن أربع بنين خلفه في حكومته منهم
(طوطوق خان).
و هذا أيضا كان عاقلا، قديرا و عدلا. و من هذا تأصلت عوائد كثيرة أيضا. و يعاصره أول سلاطين العجم (كيومرث). و يحكي عنه أنه ذهب مرة للصيد فصاد (ظبيا) فشواه. ثم سقطت منه قطعة علي الأرض
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 61
فتناولها و أكلها فوجد طعمها قد صار لذيذا و كانت الأرض ملحا. و من ثم صار يوضع الملح في الطعام فهو أول مكتشف له. عاش 240 سنة.
و خلفه ابنه (ايليجه خان) ثم خلف هذا ابنه (ديب باقوي خان) و مضت له أيام سعيدة و هنيئة. ثم صار ابنه (قويرخان) فحكم بالعدل.
و من ثم توفي فأعقبه في حكمه (النجه خان). و هذا دام ملكه طويلا.
و كان أولاد يافث إلي حكومة ألنجه خان هذا علي (دين الحق) أي (ديانة التوحيد). و في زمنه عمرت المملكة و نال هؤلاء ثروة و غني فأبطرهم ذلك و اعتادوا أن يتخذوا هياكل لأعز أولادهم سواء كان الكبير منهم أو الصغير أو أيا كان محبوبا لديهم فيحفظونه في بيوتهم تذكارا لمن يموت منهم. فيقولون هذه صورة فلان و يقبلونها و يمسحون بوجهها و ما ماثل من أنواع التلطف و إظهار الحب كما أنهم اعتادوا أن يضعوا أمام الهياكل اللقمة الأولي من اكلاتهم و يمسحون وجوههم و عيونهم بها و ينحنون لها إلي الأرض (يسجدون). و بهذه الوسيلة و دون أن يشعروا عبدوا الاصنام و تظاهروا بعبادتها …
و هذا و غيره في الأمم الأخري مما دعا علماء الأديان إلي القول بأن الأديان في الأصل موحدة ثم طرأ عليها الفساد و داخلها الشرك و عبادة الاصنام كما أن التدقيقات الدينية و مراجعة نصوص الديانات لكل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 62
أمة
تؤدي الباحث إلي أن الأصل التوحيد مما يقطع فيه بأن الدين الحق يتضمن الإيمان بمبدع الكائنات و أنه واحد لا شريك له … و علي كل حال اكتفي بذكر من نال الرئاسة و قام ببعض الأمور من الأولاد و الأحفاد و هكذا.
إن النجةخان قد ترك ولدين توأمين أكبرهما اسمه (تتر) أو (تاتار) أو (تتار) و اللفظان الأول و الأخير هما المعروفان في الأكثر …
و الأصغر يقال له (مغول) و أحيانا يلفظ في التواريخ العربية (مغل) فقسم النجه خان ملكه بين ولديه المذكورين. و علي هذا القول أن منشأ انقسام الترك يبتدي ء من هذين. و الظاهر أن قدم الانفصال بين هذين القومين المنتسبين إلي فصيلة الترك أدي إلي هذا القول. و يحكي أنهما عاشا لمدة عيشة هادئة. فلم يتنافرا و لا حصل بينهما خصام. و يلاحظ أن التباعد و الافتراق لمدة طويلة هو الذي أدي إلي اختلاف في اللغتين أو بالتعبير الأصح أن كل قبيلة منهما يظن أنها انفصلت عن الأخري من مدة طويلة بحيث تباعدت الواحدة عن الثانية و لا كبعد العبرية عن العربية أو السريانية عنهما كما أن الاشتراك ظاهر و الأخوة النسبية من طريق اللغة و السحنات متوضحة و لذا نري علماء العرب لا يسمونهم في الأكثر إلا بالتتر و يقولون (طاغية التتر) عن جنگيز و حكومة التتر و وقائع التتر …
فلم يفرقوا بين التتر و المغول. و قد أشار في جامع التواريخ أن لغتهم في الأصل واحدة …
و لا ينكر أن اللغة تباعدت و لكنها أبعد مما بين تيمور و دمير أي التفاوت بين التركية الحديثة و التركية القديمة أو تركية الاستانة و تركية تركستان … أو هي قريبة منهما. فالمقاربة
في الأصل اللغوي واضحة. فاللغة طورانية النجار و إن احتاج التفاهم إلي ترجمان. و كذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 63
يقال عن المسموع و المحفوظ أنهما أقارب …
إن تتر خان حكم مدة طويلة ثم مات فخلفه أعقابه من نسله:
1- ابنه بوقاخان. و هذا طال حكمه.
2- «يلنجه».
3- آدلي. و كان مشغولا بالملاهي و الملاذ.
4- «آتسز». قضي عمره بالصيد.
5- «اردو» سلك طريق والده.
6- «بايدو».
و يحكون أنه إلي زمن بايدو لم يقع ما يكدر الصفو و الألفة بين المغول و التتر أو يشوش بينهما. فكان كل منهما حاكما في جهته. و لكن (بايدو) المذكور كان شابا طائشا لا يفكر في عواقب الأمور. و فيه خفة و تسرع. ففتح حربا بينه و بين المغول و هاجم مملكتهم. و قد هلك هو في هذه الحرب.
ثم خلفه ابنه سوينج خان. و في زمنه استعرت نيران الحروب لدرجة أنها ولدت اعتقادا مؤداه أن مياه جيحون لو صبت عليها لما أطفأتها. و في كل هذه الحروب و المقارعات كان النصر حليف المغول.
و كان سوينج خان معاصرا لإيلخان المغولي. و قد تغلب المغول علي التتر في زمنه فاستعان بقرغيزخان و دامت الحرب عشرة أيام. و في هذه كانت الغلبة لجهة المغول …
ثم تداولوا في الأمر فأصبحوا و قد تركوا مواشيهم و أثقالهم خدعة و فروا. فطمع اعداؤهم و ظنوا أنهم هربوا فتابعوهم في هزيمتهم و تقدموا نحوهم. و لكنهم لم يشعروا إلا و قد رجعوا عليهم و عادوا الكرة. و كان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 64
الأمر مدبرا ليلا فنكلوا بهم و استولوا علي خيامهم و لم يدعوا منهم كبيرا إلا قتلوه و لا صغيرا و لا امرأة إلا اسروهما. و من ذلك
الحين قضي علي المغول. و انهزم من بقي فأخذوا بعض المواشي معهم و ذهبوا وراء الجبل بحيث لا يصل إليهم احد. و أضاعوا الطريق (المضيق) فلم يتيسر لهم العودة إذ إنه كان لا يمكن لأحد المرور منه إلا منفردا كما يأتي فبقوا هناك تائهين نحو أربعمائة سنة تكاثروا في خلالها و تيسر لهم الخروج فخرجوا و حاربوا التتر فتغلبوا عليهم و أخذوا بثأرهم و محوا الكثير من قبائل التتر كما أن بعض قبائل التتر لحقت بهم و صارت تعد منهم مع أنها خارجة عنهم و صار الكل بمثابة قبيلة واحدة للائتلاف الحاصل. و سيأتي في بحث المغول الكلام عن حروبهم.
و في هذا الأوان سكن التتر قرب جورجيت. و هي أراضي واسعة و فيها المدن و القري حتي مشي عليهم أوغوزخان و استظهر عليهم. و قد اشتهروا باسم (تتر) قديما. و كانوا عدة قبائل و كل قبيلة تعيش مستقلة عن الأخري. و أهم قبائلهم يقطن قرب الخطا (خيتاي) في الأماكن المسماة (بويور- ناور). و هم تابعون لسلاطين خيتاي. و أحيانا يعصون عليهم.
و قد هاجموهم مرة بجيش جرار فأخضعوهم.
و أكثر هذه القبائل تقيم قرب نهر آنقارا موران علي شواطئه. و لهم مدن في تلك الأنحاء و قري عدا سكني البادية.
1- أويرات. و هذه أطاعت لجنگيز.
2- بولغاچين
3- كيره موجين كانتا متنافرتين و هما قريبتان من القرغز و قد دخلتا في طاعة جنگيز.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 65
4- لوله نكون.
5- أوراسوت.
6- كدره موچين.
7- نايمان.
8- كرايت.
9- أونغوت.
10- خيتاي. و هؤلاء منهم السود انفصلوا من قومهم و ذهبوا إلي قرغز و لكنهم سلبوهم أموالهم ففروا منهم و رحلوا إلي محل يقال له (ايميل) فبنوا مدنا و أقاموا هناك
و تكاثروا حتي صاروا قبيلة كبيرة بلغت أربعين ألف بيت. و يقال إن هذه القبيلة هاجمتها قبيلة الجورجيت فدمرتها و حكمتها سنة 513 ه ففر من الخيتاي قبيلتان التحقنا بالقرغز.
11- توقاق. قبيلة لا يعرف أنها من أي قبيلة من قبائل الترك أي من نوع القبائل المتحيرة عند العرب …
المغول. و يقال لهم عند الغربيين مونغول و يلفظهم العرب (مغول و مغل) و جاءت في تواريخ كثيرة بهذين اللفظين و الغالب يسمون بالمغول و يقال إن أصل هذه اللفظة مونغول أو (مونغ أول) فتغيرت علي لسان العوام (مون) بمعني الغم و الغائلة و (أول) الرجل البسيط فيكون معناها البسيط المضطرب. و لا يعول علي أمثال هذه التحليلات كثيرا أولهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 66
مغول خان. و آخرهم إيل خان. و يقال إن مغول خان استمرت حكومته طويلا. ثم خلفه أكبر أولاده (قاراخان). و هذا حكم في جميع مملكته المسماة اليوم (أولوطاغ). و في زمنه صار المغول جميعهم كفارا حتي أنهم لم يكن فيهم من يعرف اللّه تعالي. ثم خلفه ابنه اوغوز خان.
و هذا ابن قاراخان من زوجته الكبيرة. أعطاه اللّه ما شاء من جمال. و يحكي عنه أنه بقي ثلاثة أيام بلياليها لا يرضع ثدي أمه.
و كانت أمه في كل ليلة من هذه الليالي تري رؤيا يدعوها فيها ابنها إلي الدين الحق و إلا فلا يمتص ثديها. أما أمه فإنها لم تعاند في مخالفة ابنها بل آمنت بوحدانية اللّه تعالي. و لذا أخذ يرضع ثديها. و لكن أمه لم تبح بسرها هذا لأحد.
و الناس كانوا في السابق علي (دين التوحيد) إلا أنهم اغتنوا أيام النجه خان فاستأسرتهم الثروة و أبطرهم الغني فنسوا اللّه و صاروا كفارا حتي أنهم بلغوا من ذلك أنهم إذا سمعوا بأحد أقاربهم قد اعتقد باللّه قتلوه في الحال.
ثم إن هؤلاء القوم كانوا قد اعتادوا أن لا يسموا المولود إلا بعد مضيّ سنة علي ولادته، فما لم يحل الحول لا يدعونه باسم. و حينئذ أراد قاراخان أن يضع لابنه
اسما عند بلوغه الحول و اتخذ له ضيافة أذيع خبرها. فلما احتشد الجمع قال الأب يخاطب الحاضرين: «إن ابني بلغ عاما كاملا فماذا ترون أن أسميه؟!» و قبل أن يجيبوا و يبدوا رأيهم نطق الولد قائلا «اسمي اوغوز» و حينئذ صاروا في حيرة مما سمعوا و شهدوا.
قالوا: (لما كان الصبي اختار لنفسه هذا الاسم فلا يرجح عليه اسم آخر أحسن من هذا. فعرف بهذا الاسم. و قد أخذ العجب و الاستغراب مأخذهما من الجماعة لما نطق به و هو في المهد. لذا تفاءلوا به خيرا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 67
و أن يكون ذا دولة عظيمة و عمر طويل و حياة سعيدة هنيئة مع سعة ملك.
أما الصبي فإنه نطق (اللّه! اللّه) و لكن السامعين صرفوا ذلك إلي أن الصغير لا يعلم ما يقول، لأن لفظة الجلالة (اللّه) عربية و لم تكن معروفة لدي أحد من المغول. و مع هذا صاروا يعتقدون أنه خلق صالحا و سيكون له شأن. و لذا جري لفظ الجلالة علي لسانه و قلبه.
ثم إن والده زوّجه بابنة عمه (اوزخان). و لما خلا بها دعاها إلي القول بأن للخلق خالقا هو اللّه و أن تعتقد به و أنه واحد، لا شريك له فلا تخرج عن أمره فلم تقبل. فهجرها و لم يتصل بها. فأعلموا أباه أنه لا يحبها و أنه لم يقربها من حين تزوجها إلي اليوم … فزوجه بابنة عمه الآخر و هو: (كوزخان) فحملها علي الاعتقاد باللّه و أنه واحد أحد فلم توافق فترك مضجعها أيضا …
و بعد سنة خرج للصيد. و لما رجع و وصل إلي شاطي ء نهر هناك رأي نساء كثيرات يغسلن أثوابا فرأي بينهن ابنة عمه
(كورخان) فدعاها لجانبه و باح لها بسره بعد أن أخذ عليها المواثيق أن لا تفشي سره فآمنت بما آمن به و وافقته علي طريقته …
ثم أن اوغوز خان أخبر أباه و طلب أن يعقد له عليها فأجري احتفالا عظيما و تزوجها. مضت سنون و أعوام علي تلك الحادثة. ثم إنه ذهب أوغوزخان إلي الصيد لمحل بعيد. فدعا قاراخان جميع زوجات ابنه فسألهن عن سبب حبه لزوجته الأخيرة دونهن فلم تقبل الوسطي أن تفشي أمره فتقدمت الكبري و قالت إن ابنك يعتقد بإله واحد و يحاول أن يسوقنا إلي هذا المعتقد و يكرهنا عليه. فلم نقبل ذلك منه. و لذا يحبها دوننا.
و علي هذا دعا قراخان اعيانه و أمراءه و عقد مجلسا (كنگاش) و تفاوض فكانت النتيجة أن قرروا لزوم القبض عليه في الصيد و أن يقتل.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 68
فأعطي والده الأوامر الصارمة … لتنفيذ ما قرروا.
و لما سمعت زوجة اوغوز الصغري بذلك بادرت بسرعة في ايصال الخبر إليه و إعلامه بما جري فعرفته بالأمر. أما اوغوزخان فإنه طير الخبر إلي اعوانه و أعلمهم بما عزم عليه والده من أنه يريد قتله و قال لهم: من كان يحبني فليتبعني و من اختار أبي فليلتحق به. و قد تبع القسم الأكبر أباه و لم يبق معه إلا القليل. و لكن لحق به أكثر ابناء اعمامه مما لم يخطر ببال أحد فسماهم (اويغور) أي المؤتلفين معه (الأنصار و الأعوان). و معني ذلك أنهم صاروا ألصق الناس به و أكثرهم تفاديا في سبيله.
و حينما اشتبكوا في القتال كان النصر حليف اوغوزخان و قد فر خصومه. و في أثناء الحرب أصاب قاراخان والد اوغوزخان سهم طائش
فأرداه قتيلا. و حينئذ جلس اوغوزخان علي تخت أبيه.
و إثر ذلك دعا قومه إلي الدين الحق فمن دخل في دينه نجا و من تخلف حاربه و أسر أولاده. و كانت قبائل أخري لأمراء آخرين تتجمع عليه فمن تبعه سلم و من ناوأه التحق بأولئك. فصار يضايقهم و يقاتلهم سنة بعد سنة فيظفر بقسم منهم كل حين إلي أن استولي علي الكل.
إن الذين لم يدينوا بدينه فروا إلي التتر و لجأوا إليهم. و كان التتر آنئذ يسكنون قرب جورجيت كما تقدم فقاتلهم اوغوزخان فكان النصر حليفه. فحصل علي غنائم تفوق الحصر حتي أنه لم يجد من الدواب ما يحملها فاتخذ بعض رجاله العربة و تسمي (قانق). و للآن تسمي القبيلة التي اخترعتها بقبيلة (قانقلي).
إن اوغوزخان كافح لمدة طويلة حتي أطاعه الجميع من التتر.
و كذا اكتسح الأقوام المجاورة كالأفغان و الغور و لم يغلب إلّا في جهة الهند. و بعد نحو 17 سنة أعاد الكرة عليهم فانتصر و قتل ملكهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 69
(ايت باراق) و استولي علي مملكتهم.
ثم إنه أرسل قائده المسمي (قبچاق) إلي الروس و الأولاح و المجر فأذعنوا له. و أما من لم يذعن للدين الحق منهم فقد قتله و أسر النساء و الأطفال. و لا تزال الأماكن التي استولوا عليها تسمي صحراء قبچاق (دشت قيپچاق) و لا يوجد فيها أحد غيرهم.
و كذا حارب تركستان (التتر) فضبط سمرقند و بخارا و سيرام و بلخ و عين لها ولاة كما أنه ضبط غور و بعدها استولي علي كابل و غزنة.
و تقدم إلي الهند فضبط كشمير و غنم غنائم و فيرة جدا و عاد إلي وطنه مغولستان.
و بعد سنة تأهب لحرب ايران فأصابه
عناء من جراء ذلك لضياعه الطريق. و في هذه الأثناء لم يحكم ايران (شاه كبير) إذ كان (كيومرث) قد توفي و لحد ذلك التاريخ لم يتخذ هوشنك ملكا.
أما العرب فكانوا طوائف و قبائل لكل قبيلة أو عشيرة رئيس لا تعرف سواه و لا جامعة هناك تجمع القبائل و توحد بينها و لما كانت حال ايران بهذا الوضع استولي اوغوزخان علي خراسان ثم علي العراق و آذربيجان و ارمينية و الشام و مصر. و قد اكتسح بعض هذه الممالك حربا و القسم الآخر اذعن له بلا جدال و لا حرب و عين ولاة يقال لهم (داروغا) و هؤلاء ضباط عسكريون أوما يسمي اليوم (بالحاكم العسكري).
و لما حصل علي هذا الظفر عاد لمملكته بسرور و احتفال عظيمين لا مزيد عليهما. و قد وسعوا ذلك أيضا ببعض الخرافات بل إن هذه الوقائع مما يبعد وقوعها من شخص أو قوم إلا شذوذا …
و يحكي أنه كان لأوغوزخان ستة أولاد وزع عليهم ممالك و مدنا و نصحهم بنصائح نافعة. و بعد أن حكم 116 سنة [لعل هذه السنين أقل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 70
من سنتنا المعروفة و علي كل حال فيها نظر] توفي. و كان وزيره و وكيله ابرقيل خوجا من اويغور. و كان عالما عاقلا و مدبرا. عمر طويلا و بقي وزيره مدة حياته. و علي كل حال لا يخلو عصره من اساطير. بل هو مملوء بها و قد عده بعض المؤرخين من الاشخاص الخياليين و أنه لا وجود له. و لعل وجوده يصادف زمن السمريين و العيلاميين و يقال عنه إنه هو الذي ألف مجلس الشوري المسمي (قورلتاي) و كان بمقام مجلس الأمة أي أنه لم
يكن من اختراع جنگيز. و هو الذي جعل الأمة ضباطا (نوكر) (وجندا).
و هذا لم يخالف الوزير المذكور و أبان له أنه موافق علي كل ما يراه حسنا. و كان يذكر وصايا أبيه بأن لا يخالف إخوته و أن الخلاف مدمر الممالك و موجب لضياعها و استيلاء الأجانب عليها. و بناء علي وصية الوزير فرّق الأموال و الذهب الموروث علي إخوته. و حكم هذا 70 سنة (كذا).
ثم خلفه أخوه (آي خان) و كان عالما عدلا و حكمه صارم مشي علي نصائح أبيه و وزيره. ثم حكم حفيده ييلديز خان و هو خير ملك.
و بعده ابنه منكلي خان و كان ملكا فاضلا و قد خلفه (دكزخان) (و هذا جد السلجوقيين). حكم كثيرا و عمر طويلا. و قد أعطي في حياته الملك إلي ابنه (ايلخان) لما رأي نفسه قد طعن في السن و لم يطق القيام بأعباء الملك فقضي بقية أيامه في العبادة و الطاعة.
إن ايلخان هذا كان معاصرا إلي (سوينج خان) الملك التاسع من ملوك التتر فحدث بينهما الحرب و النضال العنيفان فكان النصر حليف ايلخان. و حينئذ استعان سوينج خان بقرغزخان فأعانه كما تقدم و اتخذ خدعة حربية بأن فر من أمامه حتي أخرجه من الحصار بإظهار أنه كسر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 71
فعاد الكرة و دمرهم و استولي علي مواطنهم و خيامهم و لم يدعوا كبيرا إلا قتلوه و أسروا صغارهم و سبوا نساءهم و من ذلك الحين قضي علي المغول.
و إثر هذه الوقعة رجع ايلخان إلي وطنه و قد قتل ابناؤه و بقي أصغرهم و هو (قييان) و كان تزوج في هذه السنة. و كذا كان تزوج ابن بنته و هو (نكون) ففر هؤلاء
مع نسائهما و أخذا معهما بعض المواشي من بقر و غنم و إبل و خيل و لجأوا إلي محل بعيد وراء الجبل المسمي (أركنه قوي).
و قد تكررت في تواريخ عديدة بهذه الصورة. و قال في لغة جغتاي:
«اسم جبل في تركستان كان سكنه قيان دنكوز، و سد بابه سونج خان.
ثم فتح هذا السد و انتشروا في العالم» أي انهم تاهو في هذا الجبل مدّة كبني اسمائيل في ارض التيه ثم ظهروا.. و جاء في (ترك بيو گلري) تفصيلات اساطيرية، و حكايات خرافية عنه، و حلل صاحب الكتاب المذكور لفظها إلي معان كلها لا تتجاوز الحدس و التخمين.. و لكنه ضبط اللفظ بالوجه المشروع فلم يبق محل للتردد فيه.
تكاثروا هناك و لم يصلهم أحد فأضاعوا الطريق (تاهوا) و كان لا يسع أكثر من واحد فعاشوا وراءه بأرض خصبة واسعة. و بعد اربعمائة سنة أقاموها و تكاثروا خلالها اتخذوا طريقا للخروج. و حينئذ حاربوا التتر فانتصروا عليهم و أخذوا بثأرهم و محوا من عصاهم من التتر و أطاع الباقون. فصارت طوائف المغول هي الغالبة حتي أن بعض القبائل التترية التي لحقت بهم و عاشت معهم عادت تعتبر منهم و إن كانت خارجة عن جذمهم كما مرّ.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 72
إن قبائل المغول هذه تكونت في اركنة قون. لأن قييان بن أيل خان و ابن اخته (نكون) تكاثروا هناك فصار يسمي أولاد قييان باسمه و أولاد نكون باسم (دورلگن) أو (دورليگن).
و من هاتين القبيلتين تفرعت قبائل فأهمل اسمهما الأصلي. فمن قبيلة قييان تفرعت طائفة (قورلاس) و هي الأكثر نفوسا. و بيدها كانت السلطة و الرياسة فهي منها الأمراء. و لكن لم يعرف اسماء رؤسائهم أو امرائهم
أو كما يقولون (خاناتهم) و من هذه الطائفة يقصون أن قد ظهرت امرأة تدعي (الانقووا) قد ولدت ثلاثة بنين اثنين منهم من زوجها الأول قبل أن يتوفي و الآخر ولدته دون أن يتصل بها امرؤ. و سيأتي تفصيل الخبر عند ذكر ملوكهم في هذا الزمن.
كبر هؤلاء و تكاثر نسلهم و من الابن الأخير تكونت طائفة يقال لها (نيرون) و معناه النسل الطاهر. و سبب تسميتهم أن المغول يعتقدون أنهم خلقوا من نور.
إن جد جنگيزخان الثالث من هذه الفرقة و هو (قابول خان) قد ولد له ستة بنين كلهم اشتهروا بالشجاعة و البطولة. و صاروا يسمون (قييات) و معناه السيول المنحدرة من الجبال.
و كان أكبر أولاد قابول خان (نارتان خان) و ابنه يسمي (يه سو كه ي بهادرخان) و هو والد جنگيزخان و قد ولد اشهل العيون. و يقال له في لغتهم (بورجاغين) و لذا يقول جنگيزخان نحن نسل بورجاغين يه سوكه ي بهادر. و بهذه الصورة تجدد اسم قييات (جمع قييان) فصار يطلق علي أولاد قابول خان فتكررت التسمية به.
و ليس في الوسع احصاء قبائل المغول و تعدادهم كما يقول صاحب شجرة الترك و أشهرهم:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 73
1- مركيت أو مكريت. و هذه حاربت جنگيزخان و تغلبت عليه و قد اسرته مرة ثم اطلقته بفداء.
2- ايكراس.
3- آلقنوت، و هما أخوان. فصار كل منهما جد قبيلة. و إن أم جنگيز منهم.
4- قارنوت.
5- قورلاس.
6- ايلجيگن هما أخوان فصارا لقب قبيلتين.
7- اورماووت. و يقال لها اويماووت. و من هذه تفرعت قبيلة (قونقومار) سميت باسم أحد افرادها و كان يلقب بهذا اللقب و معناه كبير الأنف. و من هذه القبيلة تولد (مينكيليك ايچيگه). و اللفظ الأول من هذه الكلمة
وصفه أبوه به و الثاني يعني الجد و هو دليل الاحترام. كان زوج أم جنگيز. و سيأتي الكلام عنه.
8- ارلات.
9- باداي.
10- قيشاق هذان أخوان فصار كل منهما لقب طائفة. و مما يحكي عن أحدهما (باداي) أنه كان يرعي قطعان سيده (بيكه) أحد بيكات أونغ خان و كان هذا قد اكتشف اغتيالا دبر علي جنگيز فأخبره به هو و أخوه دون أن يشعر احد فنالا مكانة عنده و حصلا علي امتياز و لقب (ترخان).
11- اويشان.
12- سولدوس. اوسلدوز و النسبة إليه سلدوزي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 74
13- ايلدور كيت.
14- كيتكيتلر.
15- دوريان.
16- بارين.
17- سوقوت (أولاد الخادمة).
18- كورلوت.
19- بارقوت.
20- جويرات (جاجيرات).
21- بابا اوت. و لها فروع كثيرة جدا.
22- جلاير. و هذه قبيلة قديمة، و نفوسها كثيرة فلما تحاربوا مع الخيتاي اجتمعوا و كونوا نفوسا و فيرة. فصارت خيامهم 70 (كورن) و [الكورن ألف خيمة]. و لهم شعب كثيرة و كل واحدة مستقلة عن الأخري. ففي بعض الأيام هاجمهم الخيتاي علي حين غفلة فأنزلوا عليهم ضربة قاضية و أسروا الباقين منهم. و لم يبق منهم إلا قبيلة (چابولغان). و هذه عاشت عيشة بدوية و علي البصل البري.
ففي هذا الأوان قد مات الجد السابع لجنگيزخان «دوتومينين».
و كان له تسعة أولاد و أمهم «مونولون» و أكبر الأولاد قايدوخان. و هذا خطب بنتا فكان ذاهبا إلي صهره و قرب دار أبي الأولاد صحراء واسعة كان يتطارد فيها أولاده و يصيدون فيلعبون علي ظهور الخيل. و لهذه الأرض بصل بري كثير.
أما القبيلة المسماة چابولغان فإنها اصابتها مجاعة فحفرت الأرض و أكلت بصلها فصارت الأرض لا تصلح للطراد فشكوا ذلك لأمهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 75
فغضبت من ذلك و ركبت فرسها فرأتهم
يحفرون فأمرت بضربهم. و حينئذ اجتمع الجلاير فصارت معركة قوية قتل فيها منهم بضعة أشخاص أما من الجهة الأخري فقتلت أمهم مونولون مع قسم من خدمها. و علي هذا هاجم الجلاير خيامها و نهبوها. و قد وصل إلي يدهم ثمانية من أولادها فقتلوهم جميعا و نهبوا ما عندهم، و غنموا غنائم كثيرة.
و لما عاد قايدوخان من صهره و سمع بما جري … جمع أقاربه و قبائله و عساكره و أرسل إلي الجلاير يسألهم عن فعلتهم هذه. و حينئذ عدوا من اشتبك بهذه الوقعة فكانوا خمسمائة فأمسكوهم بنسائهم و أولادهم و سلموهم إلي قايدوخان ترضية له و قالوا له: «اصنع بهم ما شئت!».
و علي هذا تشاور قايدوخان مع اقاربه و قبيلته فقال أحد الحضار:
«إن دماءكم لا تكافأ بدماء هؤلاء. فالأولي أن تستخدموهم موالي لكم مدي بقاء نسلهم.». فاستصوب الجميع هذا الرأي و حسنوه فعمل بموجبه. فتكاثر نسلهم. و صاروا يسمون ابناء قييان إذ كان معتادا أن يسمي القن باسم سيده علي حد ما هو معروف عندنا من القول المشهور (مولي القوم منهم).
و عند ما حكم جنگيز و صار ملكا عظيما اتصل باقي الجلاير بهؤلاء و صاروا مثلهم يحملون اسم ابناء غلمان مغول قييان. فبقوا خدما له و لنسله إلي عشرة بطون أو أحد عشر بطنا. و كان يستخدم لكل (تورة) (ألف بيت) عشرة إلي عشرين من خيام الجلاير.
و أصل نسب الجلاير أنهم من نسل المغول من أولاد نكون من قبيلة (دور ليگين).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 76
لما كان المغول في اركنة قون تكاثروا هناك و من (قييان) و (نكون) تكونت عدة قبائل. و أكثر هذه الطوائف (قبيلة قورلاس). و هذه نصبت عليها اميرا
(پادشاه) فصار يحكم عليها جميعها و لكنه لم يعلم اسمه.
و لا عرف الملوك الذين خلفوه.
و حين خرجوا من اركنة قون كان ملوكهم بالتوالي:
1- برته چينه.
2- قوي مارال.
3- بيچين قييان.
4- نيماج.
5- قيچي مه ركه ن.
6- قوجوم بورول.
7- بوكه بندون.
8- سام سائوجي.
9- فاليماجو.
10- تيمور طاش.
11- مينكيلي هوجا.
12- يولدوز.
فهؤلاء الأمراء (يادشاه) الواحد ابن الآخر. تعاقبوا بهذا الترتيب.
و لهذا الأخير ولدان توفيا قبله، لأحدهما ابن اسمه (دو بون بايان).
و للآخر بنت اسمها قووا فتزوج الولد من البنت. و لما توفي يلدوزخان خلفه:
13- دو بون المذكور. و هذا قبل أن يصل إلي 30 عاما من العمر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 77
توفي و له ولدان أحدهما و هو الكبير (بلكوداي) و الصغير (بوكجه داي) و لا يتجاوز عمرهما السابعة و السادسة. و في بعض النسخ يسمون (بولگونوت و بوكونوت).
و نظرا لصغر الولدين صارت أمهما وصيا عليهما. فزاولت شؤون القبيلة … متربصة أن يكبر أولادها و يتولوا الحكم. و في خلال ذلك طلب منها إخوة زوجها و غيرهم أن يتزوجوها فلم تقبل معتذرة بأنها تدير أمور القبيلة إلي أن يبلغ ابناؤها أشدهم و لا ترغب بسوي ذلك. مضت بضع سنوات علي ذلك و لكنها- كما يحكي- في ليلة وقت السحر رأت نورا من أعلي الخيمة قد دخل عليها ثم تمثل لها بشرا سويا أبيض الوجه أصفر الشعر أشهل العينين. فحاولت أن توقظ النساء حولها فتصيح إلا أنها أحست بأن لسانها قد أمسك و أرادت أن تنبه من حولها فترفسه برجلها فلم يتيسر لها ذلك و مع هذا كانت تملك عقلها. فتقرب منها ذلك النور و اتصل بها ثم خرج لم تبيّن ذلك لأحد بل كتمته خشية أن لا تصدق.
و بعد خمسة أيام أو ستة ظهر عليها ذلك الشخص ثم صار يتردد عليها فحملت منه من أول ليلة. ثم بعد بضعة أشهر ظهرت عليها علائم الحبل فسألوها عن السبب فقالت:
«لو أردت زوجا لحصل بسهولة. و قد صرت أميرة برغبة القبيلة.
و لكني لم أعدل أحدا بقومي و لا بأولادي. و لم آت امرا منكرا. و إنما جاء النور فتمثل لي رجلا. و إذا أراد اللّه أن لا يخذلني و لا ينالني خجل فسوف تظهر قدرته و سترون الولد عند الولادة هذا و للّه الحكم».
فاعتقد حتي اعداؤها بصدق قولها. لأنهم يعلمون صحة لهجتها و أنها لا تكذب و أنها طاهرة الذيل. ثم إنهم شاهدوا النور يدخل خيمتها. فتحقق لهم صدق ما نطقت به.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 78
1- (بو- قوق- قاتاغين). و هو أكبرهم. و من أولاده قبيلة تسمي بهذا الاسم.
2- (بوسقين جالجي). و بهذا الاسم قبيلة تنسب إليه.
3- (بودانجار موناق). و هذا صار خانا عليهم.
13- (بودانجار موناق) المذكور. فجنگيزخان و كثير من قبائل المغول من نسله و تنسب إليه. و إن القبائل التي تفرعت من هؤلاء الثلاثة يقال لها (نيرون) و معناه الأطهار الأصل. لأن المغول يعتقدون أن هؤلاء ولدوا من نور. و لهذا ولدان (بوقا) و هو الأكبر و (توقا) و هو الأصغر و قد خلفه ابنه الأكبر:
14- بوقا. و لم يعرف عن الصغير شي ء. فلم يدر هل له ذرية أو ليس له. و أما الأكبر فخلفه:
15- دوتوم- مه نين خان. و لهذا تسعة أولاد قتل الجلاير ثمانية منهم و بقي الأكبر فخلف أباه في الخانية و هو:
16- قايدوخان. و لهذا ثلاثة أولاد. أكبرهم (باي سونقور) و أوسطهم (چارقا- له ن- قوم)
و منه تكونت قبيلة تايجوت. و قد تحارب (بارغو قايدي) من امراء هذه القبيلة مع جنگيز كثيرا.
و (جاوچين) و هو الابن الثالث و منه تفرعت قبيلتا چاجوت وايرته كين.
و قد خلف قايدو في حكومته ابنه الأكبر:
17- باي سونقور. و كان عاقلا مدبرا و عادلا. و قد تبعته قبائل كثيرة. ثم خلفه:
18- تومه نه. و حكم هذا علي جميع قبائل نيرون سنين عديدة.
و نالت مملكته في أيامه ثراء وراحة. و لهذا تسعة أولاد تكون من كل منهم قبيلة أو قبيلتان فأكثر. و هؤلاء:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 79
(أولهم) چاقسو و له ثلاثة أولاد: (نرتاقين) و (اوروت) و (مانقوت) فتفرعت منهم ثلاثة قبائل عرفت بهذه الأسماء.
(و ثانيهم) ياريم شير بوقانجو صار جد قبيلة عرفت باسمه.
(و ثالثهم) قاجولي و منه تولد ابن اسمه (ايرومجي) أو ارده مجي بارولاس فقبيلة بارولاس منه. و أن (آقساق تيمور) من هذه القبيلة [و يقال له تاراغاي أوغلي تيمور، أمير تيمور، تيمور كوركان] و يعرف عندنا بتيمور لنك.
(و رابعهم) سام قاجون. و إن قبيلة ادور كين من نسله.
(و خامسهم) بات كه لكي. و منه قبيلة بودات.
(و سادسهم) قابول خان. و أن جنگيزخان مع قبائل كثيرة من نسله.
(و سابعهم) اودوربايان. و منه قبيلة كيقوم.
(وثامنهم) بولجا دوغلان. و منه قبيلة دوغلات.
(و تاسعهم) چنتاي. و منه قبيلة ييسوت. و هؤلاء مشهورون بالشجاعة و منهم چبه چنتاي الذي أمره جنگيزخان بتعقيب سلطان محمد خوارزمشاه و أعطاه ثلاثين ألف مقاتل و هو الذي أسر أولاد خوارزمشاه و ضبط خزائنه و اكتسح جميع ايران و آذربيجان و كرجستان حتي وصل إلي داغستان و الچركس و ذلك في خلال أربع سنوات و عاد إلي جنگيز.
و بعد وفات الملك خلفه
ابنه.
19- قابول خان. و هذا له ستة أولاد خلفه منهم:
20- به رتان. و لهذا أربعة أولاد. و من أولاده تكونت قبيلة قييان و قد خلفه ابنه:
21- يسوكي. و له خمسة أولاد أكبرهم (جنگيزخان) و كان سماه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 80
جندي مغولي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 81
أبوه (ته موچين). و يقال لأولاد يسوكي و من تناسل منهم بورجيكين قييان. لكونهم شهل العيون و بيضا. و قد خلفه من أولاده ابنه الأكبر و هو جنگيزخان و بهذا انتهت (امارات المغول) و ابتدأت (حكومتهم العظمي).
و لذا أفردت بالبحث.
وضع له أبوه اسم (تموچين) و في تحفة النظار: أنه كان حدادا بأرض الخطا و كان له كرم نفس و قوة و بسطة في الجسم و كان يجمع الناس و يطعمهم ثم صارت له جماعة فقدموه علي أنفسهم و غلب علي بلده و قوي و اشتدت شوكته و استفحل أمره فغلب علي ملك الخطا ثم علي ملك الصين و عظمت جيوشه و تغلب علي بلاد الختن و كاشخر (كاشغر) و المالق و كان جلال الدين … خوارزمشاه له قوة و شوكة فهابه تنكيز و أحجم عنه و لم يتعرض له. و مثلها في غيرها. و لما صار خانا لقب (بجنگيزخان). و يقال له و لإخوته و لمن تناسل منهم قبيلة (بورجكين قييان) لكونهم بيض البشرة و شهل العيون. و هذا ما توسمته فيهم جدتهم العليا الانقووا في البطن التاسعة.
إن جنگيز ولد سنة الخنزير (549 هجرية) في المغول في محل يقال له ييلون بيلدوق (ديلون بولداق). و كانت إحدي يديه وجدت مقبوضة علي قطعة دم. و كان أحد الحضار في مجلس والده- حين تداولوا في غرابة ذلك-
أبدي أن هذا يدل علي أنه سيكون ملكا عظيما.
وأبوه يسوكي بهادور. و قد مر القول عن أجداده سوي أن المغول يقفون
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 82
عند الجد السابع و لا يعدون ما بعده. و في المثل عند الترك في الاناضول إلي الآن يقال: [هو حداد من سابع ظهر] كما أن عندنا ما يشابه هذه العادة فإذا سب أحدنا الآخر يشتمه إلي [سابع ظهر].
و لما توفي يسوكي (والده) كان له من العمر عشر سنوات و كان إخوته صغارا و أن نسل بودانجار كلهم كانوا تابعين ليسوكي خان فيأخذ منهم العشر من أموالهم. و أن الأموال التي يؤخذ عليها العشر: هي الخيل و الإبل و البقر و الغنم. و من عوائدهم أن الخان إذا مات و ترك أولادا ينصبون أحدهم. و أما الباقون فيختلطون بالأهلين فيكونون كأحدهم. و في كل سنة يؤدون للخان فرسا أو بعيرا. و لكن هؤلاء إذا ماتوا و قد خلفهم أولادهم فحينئذ يؤدون العشر كسائر أفراد العشيرة بلا فرق.
فالذين يؤدون إلي يسوكي الخراج نحو 30 أو 40 ألف بيت. و لما مات و خلفه ابنه و كان صغيرا صار الناس لا يخشون بطشه. و لذا حلا المال بأعينهم و صار يصعب عليهم إعطاؤه ففروا منه و لم يبايعوه و ذهبوا إلي مواطن بعيدة بقصد التخلص من القيود …
افترقت قبيلة أبيه بعد موته و هي من عشائر التايجوت و تبعثرت أمورها و انقسمت إلي فريقين أحدهما و هو ثلاثة أرباعها قد اتفق مع التايجوت و الفريق الآخر بقي مع جنگيز. و أيضا بقي معه من القبائل الأخري البيت و البيتان و الثلاثة أو الأربعة إلي الخمسة و الباقون انفصلوا عنه فوقعت حروب
دامية بين الفريقين و أما القبائل الأخري فقد مالت إلي التايجوت.
إن أم جنگيزخان كانت تسمي اولون، و هي من قبيلة اولقنوت و كانت عاقلة مدبرة، و هذه إثر وفاة والده تزوجت من (مينكيليك) الملقب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 83
(ايچيكه)، و بهذه الوسيلة قد التحقت قبيلته المسماة (قونغ قومار) بجنگيزخان فصارت تابعة له، و هذا مما ساعد جنگيزخان كثيرا في نجاحه علي مناوئيه و تسلطه عليهم …
و لما بلغ جنگيزخان ثلاث عشرة سنة من عمره حارب قبيلة تايجوت و نيرون اللتين من قبيلة والده في أكثر أحيانه حروبا وبيلة، و عديدة، فلم يظهر الغالب تماما فكانت سجالا بين الفريقين.
و في سنة 590 للهجرة (1193 م) بلغ جنگيز الإحدي و الأربعين سنة من عمره. و حينئذ اتحدت القبائل و اتفقت علي مقارعته و القضاء عليه …
و في هذا الحين عرك الدهر بتجاربه فعرف حلوه و مره و حلب أشطره فمخض شؤونه و قد تمرن علي الكفاح و نال مهارة، فلما سمع بالخبر جمع أمواله و قبائله. فكان معه في ذلك الوقت 13 قبيلة (أوروق) فاتخذ ثلاثة عشر مقرّا (كوران) لجيوشه علي عدد قبائله و قرب الواحد من الآخر فجعلهم بشكل دائرة و وضع في وسط هذه الدائرة نفائس أمواله، و شد أحمالها، و أما الردي ء و التافه من الأموال فقد وضعه خارج الفيالق …
و لما جاءته الأعداء أركب خيالته و جعلهم صفوفا لمحافظة الكتائب و الجيوش من الوراء. أما جنگيز فقد كان معه عشرة آلاف في حين أن أعداءه كانوا ثلاثين ألفا فاشتبك القتال بين الطرفين و نالت الحرب شدة وقوة. فتغلب جنگيز علي اعدائه و قد فقد من جيوشه خمسة آلاف إلي ستة
آلاف.
أما الذين قبض عليهم من قبيلة تايجوت فقد أغلي لهم الماء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 84
بمراحل و رماهم فيه أحياء فقتلهم بهذه الطريقة و أبقاهم حتي نضجوا.
و حينئذ تقدم إلي مواطنهم فاستولي عليها و انتهب ما فيها من أموال و اتخذ أبناء الرؤساء أسري و موالي و الباقين ألحقهم بقبيلته.
و بهذا النصر نال غلبة وقوة فاكتسح بعد هذه الوقعة جميع انحاء مغولستان. و هذه الحروب و إن كان غاية ما يقال عنها إنها قبائلية و لم تكن مقارعة حكومة بحكومة إلا أنها تعلق عليها أهمية كبري أولا من ناحية تمرنه علي الحروب و ممارسته لها و ثانيا من حيث توحيد أمة المغول و توجيهها نحو وجهة واحدة، معلقة به قلبا و قالبا. و تظهر نتائج هذه و أهميتها في غلبته علي الأقوام الأخري. و ظهوره بمظهر فاتح …
إن چاموقا چچن (و معني چچن العاقل المدبر) جاء يوما إلي سنكون بن أونغ (أونك) خان الكبير و قال له: إنكم تعرفون جنگيز صديقا لكم. و الحال أنه اتفق مع تايانك خان و بويوروق خان خفية لمحوك و أباك و إزالة أثركما. و لم يكن أحد واقفا علي أسرار جنگيز مثلي لأني من أقاربه و ألصق الناس به خصوصا أنا عشنا سويّة …
و بتأثير من قوله هذا حدثت منافرة بين المتجاورين كرايت و نايمان و اشتد العداء بينهما فالكل اعتقدوا بصحة ما قاله چچن إلا أن الأب قال لابنه: «ان يسوكي، و ابنه جنگيز، قد صنعا جميلا معنا فإذا لم يتجاوزوا علينا فلا نقدر أن نعتدي عليهما و إن چاموقا چچن كثير الكلام و مفسد.
فلا أعتقد بكلامه و لا أشتري عداوة صديقي و من له لطف علي
فليس ذلك مني بصحيح».
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 85
و سبب الصداقة القديمة هو أن قبيلة كرايت كان يملكها (مارغوزخان). و لهذا ابنان (قوجاقور) و (كور). و لما مات أبوهما اقتسما المملكة بينهما. و كان لقوجاقور خسمة أولاد أونغ خان (اونك)، و أركه قارا، و باي تيمور، و ما ميشاي، و جاكه مبو. و لما مات أبو هم لم يقسم في حياته الملك بينهم فصارا اونغ خان مع جاكه مبو في جهة واركه قارا مع باقي أخويه في جهة أخري فتحارب الفريقان، فتغلب اونغ خان فاضطر اركه قارا علي الفرار و التجأ إلي نايمان فأمده. و علي هذا تمكن من الوقيعة باعدائه «أخوته» و حلوله محلهم. أما اونغ خان فأنه التجأ إلي يسوكي و هذا هاجم اركه قارا فهزمه و أقام أونغ مقام أبيه. ثم أن اركه قارا التجأ إلي عمه كورخان و أراد أن يتوسط الأمر صلحا فلم يقبل اونغ خان و لذا مشي عليه عمه و تحارب معه و في هذه المرة أعانه يسوكي أيضا بعد أن ذهب عنه جميع من معه و ألتحقوا بأخيه فتغلب علي الكل و قتل أخاه و استقل بالخانية و من ذلك الحين لم يطرأ علي دولته خلل بل زادت و تكاملت بمرور الأيام.
و الحاصل أن اونغ خان نسي هذا الجميل مؤخرا و هو الذي دبر قتل جنگيزخان بحيلة و ذلك أنه أعطاه ابنته فدعاه إلي بيته بأمل أن يأتيه فيقتله و كان اسم بنته چاأور بيكي، و دعا جنگيز بواسطة «بوقداي قونجات» و يسمون الداعي «چاقيرنا»، و كانت البيوت متقاربة. أما چنكز فانه كان غافلا عما دبروه من الحيلة للوقيعة به، و لذا أخذ معه أثنين من أعوانه و خرج للذهاب
إلي بيت اونغ خان. و لكن صادفه في طريقه (مينكيليك ايچيكه) و هذا أطلع جنگيز علي الحيلة و ما ينويه اونغ خان. و لهذا عاد جنگيز و أبدي أن فرسه متعب و لا يستطيع الذهاب. و أنه بعد أيام سيرسل خبرا بذلك معتذرا عن حسن معاملته.
و بعد بضعة أيام جاء إلي جنگيز شابان اسم الكبير منهما (باداي) و الآخر (قيشاق) فأخبرا جنگيزخان أن (بوكه چه ران) الذي يرعيان بقره
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 86
حينما جاء كبيرهما بحليب إلي بيته و قبل أن يدخل سمعه يكلم زوجته أن بوقداي حينما عاد من جنگيز عقد الخان مجلس شوري (كنكاش) و الظاهر أن جنگيز اطلع علي الحيلة و لذا لم نتمكن من الوقيعة به. فليلة غد نركب خيولنا و نخرج وقت السحر و سنفاجئهم علي غرة … و لما سمعت هذا القول منه قدمت لهم الحليب و رجعت توا إليك لأخبرك بما جري.» ا ه.
و لما سمع جنگيز بهذا الخبر أرسل علي أفراد قبيلته و أمر أن يرحلوا إلي عين بالجونا و أرسل رجاله إلي هناك و بقي أعوانه المسلحون معه. و كانوا كلهم 2500 رجل فانتظروا الليل كله و أعنة خيولهم بأيديهم و تأهبوا للطواري ء يتربصون الوقت المنتظر للهجوم. و قبل أن ترتفع الشمس نحو رمح أو رمحين جاءهم الأعداء و كانوا اثني عشر ألفا فتقارعا.
ثم إن جنگيز تشاور مع قو يولدار چچن رئيس قبيلة مانقوت فأبدي له أنه بقبيلته يهاجم الأعداء و يركز علمه (توغه) وراء الأعداء و أن يلازم جنگيز الجبهة و يهاجم من ناحيتها و علي هذا هاجم قو يولدار من الخلف وصال جنگيز من الأمام.
أما الكرايت فإنهم هاجموا بجماعاتهم ثلاث هجومات و
في الرابعة هاجم (سنكون) ابن اونغ خان فاخترق صفوف المغول و لكنه في هذه الأثناء جرح في وجهه. و هذا ما دعا أن يقتل من الكرايت كثيرون و ينسحب الباقون لما نالهم من الجروح.
و بعد هذا النصر قال جنگيز: «إننا لو بقينا في مواطننا تضررنا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 87
لأن الكرايت سوف يأتيهم مدد كبير. فينبغي أن ننسحب بانتظام إلي المواطن التي فيها رحالنا». و علي هذا تركوا الأعداء في مواقعهم و رحلوا لمكانهم الأول. أما الأعداء فإنهم كانوا قد ذهبت منهم ضايعات كثيرة. فلم يستطيعوا اللحاق بالجيش و تعقب أثره فبقوا في مواطنهم.
وصل جنگيز و من معه إلي عين (بالجونا) [بالجونا بولاق] حيث كانت رحالهم، و لكن لم يكن هناك من الماء ما يكفي لسد حاجتهم فرحلوا منه إلي ساحل نهر قولا فأقاموا فيه و نزلوا علي طول النهر قليلا.
و هناك صادفوا قبيلة قونقرات، و حينئذ بعثوا إليهم خبرا بأننا جئنا إلي هنا فإن كنتم حربا معنا- رغم أننا لم تكن بيننا و بينكم أمور تستوجب ذلك- فبينوا رأيكم و صارحونا، و إن كنتم سلما معنا فعرفونا الصحيح. و علي هذا وافي الرؤساء إليه و أبدوا الطاعة و بايعوا جنگيزخان، ثم إن جنگيزخان رحل من هناك أيضا و ترك نهر قولا و توجه نحو نهر تونقانور فجاؤوا إلي ساحله و حلوا به فنزلوا فيه براحة و طمأنينة.
ثم إن جنگيزخان أرسل سفيرا إلي اونك (اونغ) خان ملك كرايت مذكرا له بالحقوق القديمة و هذا أحال الأمر إلي ابنه سنكون فأجابه أننا سوف نصطدم و سيجعل اللّه الفوز لواحد منا و لا جواب لنا غير ذلك، و مع هذا كرر جنگيز إرسال السفراء لعدة مرات
و كلفهم بالصلح فلم يوافقوا. و لما لم يبق له أمل في الصلح هاجم اونك (اونغ) خان فكانت المعركة قوية و دامية جدا فتغلب فيها جنگيز، و إن اونغ خان و ابنه سنكون فرّ كلّ منهما لجهة مع بضعة أفراد، فتمكن جنگيز من الاستيلاء علي أموالهم و مواشيهم و مزارعهم، و كانت الغنائم وافرة جدا.
و كانت وجهة اونغ خان الهزيمة إلي ملك نايمان و هو تيانغ خان، و لكنه حينما وصل إلي قريب من هناك صادفه بعض الأمراء و هما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 88
قوروسوماجو و تانيكا فهؤلاء حاذروا أن يأتوا به إلي ملكهم فيغضب عليهم نظرا للعداء السابق بينه و بينهم فقتلوه و قدموا رأسه إلي خانهم (تيانغ خان) المذكور، و كذا من كان معه، فلما جاؤوا برأسه غضب و أسف لقتل ملك عظيم مثل أونغ.
أما سنكون فإنه ذهب إلي تيبت و بقي هناك بضع سنوات، و قد حاول التيبتيون مرة قتله فعلم بذلك و هرب إلي خوتان (ختن)، و هناك كان الملك (قليچ قارا) ملك قبيلة قالاچ في ختن فألقي القبض عليه و قتله، و أرسل رأسه مع عائلته و صغاره من أولاد و غيرهم إلي جنگيزخان.
و قد أشار في تاريخ العبري في وقائع سنة 599 ه 1203 م إلي هذه الوقائع بين ملك كرايت أونك خان (اونغ خان) و بين تموچين (قبل أن يتسمي جنگيز)، و قال عن الكرايت إنها تدين بالنصرانية و إن تموچين كان في خدمته و هو من قبيلة أخري و قد ابرز من سن الطفولية إلي أن بلغ حدّ الرجولية بأسا و قهرا للأعداء فحسده الأقران وسعوا به إلي اونك خان، و ما زالوا يغتابونه حتي اتهمه و تغيرت نيته و هم
باعتقاله و القبض عليه فانضم إليه غلامان من خدم أونك خان فأعلماه القضية و عينا له الليلة التي يريد فيها اونك خان اغتياله و كبسه و في الحال أمر تموچين أهله بإخلاء البيوت و كمن هو و رجاله بالقرب منها فلما هاجم اونك خان و أصحابه البيوت لقيها خالية من الرجال و كر عليه تموچين و أصحابه من الكمين و أوقعوا بهم و هزموهم، و بعد هذه حاربوه مرتين حتي قتلوه و أبطاله و سبوا ذراريه.
و في ابن العبري أيضا أنه «أنعم علي ذينك الغلامين و ذريتهما بأن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 89
جعلهم (ترخانية) و الترخان هو الحر الذي لا يكلف بشي ء من الحقوق السلطانية و يكون ما يغنم من الغزوات له مطلقا لا يؤخذ منه نصيب للملك و زاد لهؤلاء أن يدخلوا علي الملوك بغير إذن و لا يعاقبوا علي ذنب إلي تسعة ذنوب» و ذلك حينما انتصر علي الأقوام و علا شأنه.
و علي كل حال إن مصادرنا القديمة أخذت الوقائع بصورة موجزة كما تقدم في أبي الفداء و العبري فلم تبين حقيقة الوضع، و من هذا القبيل الوقائع التالية الموجودة في تاريخ العبري و سائر التواريخ إلي أيام مقارعتهم مع المسلمين … و لكن يقطع بالصحة من حيث الأساس رغم الاختصار، و رغم الغلط في الإعلام سواء من النساخ أو من التلقي لبعد الاتصال، أو صعوبة التلفظ ببعض الأعلام …
في هذه الحروب و الانتصارات حصل جنگيزخان علي ملك عظيم، و لكن مع هذا كانت هناك قبائل أخري لا تزال غير منقادة له خصوصا القبائل ذات الحول و الطول منها. فلم يلتفت لمخالفة هؤلاء و أعلن خانيته (ملوكيته) سنة 599 ه اي
في تلك السنة (1203 م) التي تغلب بها علي كرايت. و كان عمره آنئذ 49 عاما و ذلك في محل يقال له [نيمان كهره].
و حينئذ أجري له احتفال عظيم بأبهة و زينة لا مثيل لهما، و قد جاء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 90
[كوكجه] ابن مينكليك ايچيگه الذي هو من قبيلة [قونقامار]. و هذا يدعوه الناس (صنم اللّه) (تكري بتي) فقال لجنگيز: «أمرت من جانب اللّه تعالي أن آتيك و أنبئك و سائر الناس بأن لا يدعوك تموچين. و ليكن اسمك جنگيز و أن اللّه أعطاك كافة أقطار الأرض». [و چنيك مفرد چنكز بمعني العظيم أو القهار أو الفظ القاسي]. و كان كوكجة هذا يتجول في البراري و الجبال من أرض المغول و في شتائها القارس حافيا عاريا و يغيب أياما ثم يأتي و كان يقول إنه يأتيه فرس أدهم من الغيب فيركبه و يسري به إلي السماء فيكلمه اللّه هناك ثم يرجع» و قد تفاءل تموچين خيرا بهذه التسمية فلم يعدل عن قوله. و مثل هذه القصة ما جاء في ابن العبري و لكنها غير واضحة بهذه الصورة: (ص 394: 395).
و حينئذ أرسل الرسل إلي جميع شعوب الترك فمن أطاعه و تبعه نجا و من خالفه خذل و ذل (ص 395 العبري). و إن أول من عارضه (تيانك خان) [تيانغ] ففي سنة 600 ه (1203 م) حاربه و كانت من أعظم الحروب التي صادفت جنگيز و كان هولها خطيرا.
و هذه المحاربة الدموية طالت من وقت السحر إلي الغروب جرح فيها تايانك (تيانغ) و كسر جيشه و قد فر مجروحا فمات في الطريق فانتصر عليهم جنگيز و تغلب بصورة باهرة و ذلك لأن
جنگيز علم بتأهبه من رئيس قبيلة اونغوت التي كتب لها أن لا تتابع جنگيز و هذه أخبرته،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 91
و أما ابنه و هو (كوچلو) فقد سلم و ذهب إلي عمه الأكبر بويروق خان.
و هذه الفتن و الأحوال الحربية كان منشأها و سببها الوحيد چاموقا چچن المار الذكر فإنه أوهم اونك خان حتي وقع فيما وقع و في هذه المرة أهلك تيانك خان (تيانغ) و لذا اتفق الجويرات فألقوا القبض عليه و سلموه إلي جنگيزخان خلاصا من شره فقتله.
و مما يحكي عنه حين قتله و تعذيبه أنه قال: لو كنت قبضت علي جنگيز لفعلت به هذه الفعلة.
و بعد أن قضي جنگيز الشتاء لدي أهله عزم في الصيف علي مركيت، و كانت تحت امارة توقتا، و هذا اتفق مع تيانغ و تقاتل مع جنگيز، فأحس بضعفه فانهزم و ذهب إلي بويوروق خان ملك نايمان، فاكتسح جنگيز ملكه و ألحقه بممالكه.
و من هناك ذهب إلي تانغوت و كانوا قد تحاصروا في القلعة و في مدة قليلة تمكن من الاستيلاء عليهم و جعل القلعة قاعا صفصفا و قتل رئيسهم و جعل علي ولاياتهم حاكما، و رجع عنهم.
قضي الشتاء في هذه المرة أيضا ثم ذهب في الصيف المقبل علي ملك نايمان و هو بويوروق خان و حينما قارب نايمان في الربيع لم يكن ل (بويوروق خان) علم و كان قد ذهب للصيد فصادفه جنگيزخان فقتله حالا. (و كانت مواطنهم سلطنة (هيا) و عاصمتهم (هياچه أودي) (و الآن هينغ هيا). فهم في اولوداغ في شمال بحيرة بالقاش و هي الأراضي التي تفصل تركستان القديمة عن سبيريا). أما كوچلو بن تيالغ و أمير مركيت و أولادهم فلم يكونوا قد ذهبوا معه للصيد
و بقوا في الخيام. و لكن قد فرّ أحدهم و قص الخبر عليهم ففرّ كوچلو مع توقتا و ذهب إلي (ايرتيش).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 92
فضبط جنگيزخان خيامهم و قبائلهم و رجع، ثم إنه بايعه القرغز و قدم له أميرهم أوروس اينال الهدايا الفاخرة.
و في السنة التالية ذهب جنگيزخان لتعقب أثر كوچلو و توقتا بك فصادف في طريقه قبيلة أويرات و قبيلة قارلوق فبايعتاه و صارتا تريانه الطريق و تدلانه كخريت له، و بصعوبة و علي ساحل ايرتيش عثروا علي توقتا فقتلوه. أما كوچلو فقد نجا و التجأ إلي تركستان إلي كورخان ملك الخيتاي (الخطا هكذا يلفظه مؤرخو العرب). و قد أكرمه كورخان و أعطاه بنته و جعله كاتبه … و من ثم رجع جنگيزخان إلي فيلقه.
إن ملكهم ايديقوت كان تابعا إلي گورخان ملك قراخيتاي (قراخطا) و يؤدي له الخراج. و أن كورخان كان قد أرسل واليا (داروغا) عليهم أحد أعوانه و هو شادكه م و هذا شرع يظلمهم و يتعدي عليهم بحيث صار الأويغور لا يتحملون ظلمه و قسوته، و في هذه الأثناء ذاع صيت جنگيز في كافة الأقطار و زيادة علي هذا فإن ايديقوت قتل شادكه م و حينئذ أرسل إلي جنگيزخان رسولا يعرفه بأنه مخلص له و أنه في طاعته إلي أن يموت؛ و أن جنگيزخان أيضا بالمقابلة أرسل إليه سفيرا من قبله يسمي (دورباي).
ثم إن ايديقوت أعد هدايا عظيمة و ذهب بنفسه لزيارة جنگيزخان سنة 606 ه (ابن العبري) فرأي التفاتا كبيرا من الخان و علي هذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 93
عرض ايديقوت عليه قائلا: «آمل من كرم الخان الأعظم أن أكون خامس أولاده». فانتبه الخان
إلي أنه يقصد التزوج ببنته فأعطي إحدي بناته إليه.
و هذه ظروف جديدة و مسهلات لاكتساح الممالك الأخري.
و بهذه الحادثة قد تم لجنگيزخان الاستيلاء علي كافة أنحاء المغول «مغولستان» و لم يبق له فيها مناوي ء أو منازع.
إن جنگيزخان بعد استيلائه علي كافة أنحاء المغول كما تقدم جمع أمراء المغول كلهم و قال لهم: «إن آلتان خان: ملك الخيتاي (الخطا) كان قد عامل أجدادي و أقاربي معاملة قاسية و رديئة، فأنا عازم علي أخذ الثأر منه و لكني مرسل إليه قبل ذلك رسولا يدعوه للطاعة لئلا تبقي له حجة». فوافقه الحضار و أرسل ضابطا (نوكرا) مدربا و زوده بمعلومات كافية للمفاوضة و للاطلاع علي الحالة و معرفة الطرق و الأوضاع الحربية فلما ورد إليه و قص عليه القصص أجابه بأني متأهب للنضال فليأت بسرعة.
و حينئذ وافاه جنگيزخان بجيش قوي كما أن الطرف الآخر قام بتأهبات حربية كافية و كل من المتنازعين عبّي جيشه، أما جنگيز فإنه تقدم و صار يهلك ما وجده أمامه و لم يبق و لم يذر من قتل و حرق … و أرسل آلتان خان أيضا قوة كبري مع أحد أمرائه لإيقافه عند حده. و في هذا الحين فر واحد من جيش جنگيزخان و عرف آلتان خان بأنه جاءهم بقوة كبري و أنه استولي علي إحدي المدن فقتل أهليها قتلا عاما و حرق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 94
المدينة، و ها إني جئتك منه و هو في هذه الحالة. و قد فررت منه. و علي هذا تقدم الأمير من قبل آلتان خان و كذا جنگيز سار عليه فتلاقي الجمعان و تناضلا فظهر جنگيز علي عدوه و استولي حينئذ علي كثير من ممالك الخيتاي (الخطا) و
حينئذ وصل جنگيزخان إلي المضيق الذي فيه آلتان خان فصارت المحاربة هناك، و في هذه الحرب أيضا أضاع آلتان خان نحو ثلاثين ألفا من جيشه كما فقد جيشه المرسل مع أحد أمرائه.
و علي هذا انسحب آلتان خان إلي طريق خان باليق [پكين، يه كينگ]، و أن الأمراء في خان باليق كانوا يحملون اسم آلتان خان، و في هذا قد ضبط جنگيزخان ولايات كثيرة أخري من بلاد الخيتاي.
إن آلتان خان بعد أن وصل إلي خان باليق سمع بأن جنگيزخان اكتسح بلادا كثيرة منه و استولي علي قري عديدة و علي هذا عقد مجلس شوري (كنكاش) في ترجيح ما إذا كان يتحارب أو يتصالح مع جنگيز الذي هو متوجه نحو خان باليق فأشار عليه وزيره (چينغ سانغ بولاداغا) بترجيح الصلح لأنه من المأمول أن يعود جنگيزخان إذا تم الصلح و يرجع إلي بلاده، فرأي الملك أن فكرة الوزير هي الصواب فأرسل رسولا إلي جنگيزخان، و قدم بنته هدية له مع تقدمات أخري ثمينة، فلما رأي الرسول رحب به و أعزه و تزوج البنت و أمضي الصلح.
أما آلتان خان فإنه وجد مملكته قد تخربت كثيرا، و لذا انسحب إلي تمينگ، و كانت هذه المدينة قد بناها أبوه و جعلها محكمة و هي علي الساحل و قد اتخذ في أطرافها ثلاثة استحكامات أخري، و قد جعل ابنه في خان باليق و أقام هو في تمينك و لكنه حينما تحرك من خان باليق كان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 95
قد قتل قائد قراخيتاي لجريرة ارتكبها، و لهذا فإن امراء قراخيتاي و شجعانها قد انتهبوا الخيول و البغال و الحمير و الأغنام و الإبل و البقر …
العائدة إلي ابن آلتان خان فساقوها معهم و
التحقوا بجنگيزخان، ثم ظهر من قراخيتاي بطل فاستولي علي عدة ولايات و أرسل رسولا إلي جنگيزخان فبايعه.
و علي هذا قبل جنگيزخان منهم ذلك بل تلقاه منهم بقبول حسن.
و لهذا و لأدني سبب قد ألتحق أمراء آلتان خان بجنگيزخان. و بعد ستة أشهر رأي الابن- ابن آلتان خان- أن الحالة مضطربة هناك و هي في تشوش فترك خان باليق لبعض امرائه و ذهب إلي أبيه.
أما جنگيزخان فإنه تحقق لديه عجز آلتان خان و ابنه و لذا سير أميرين من امرائه و هما (ساموقا بهادر و مينكار بهادر) مع جيش عظيم إلي خان باليق، و في أثناء سيرهما قد التحق بهما خلق كثير من أهالي خيتاي، و حينئذ سمع آلتان خان بأنه في خان باليق مجاعة و لذا لم يرسل جيشا كبيرا إلي هناك بل أرسل بمقدار الحاجة و هذا الجيش لأول ملاقاة قد تشتت شمله و قضي عليه، فلما علم آلتان خان بالقضاء علي جيشه انتحر بشرب السم، و علي هذا ضبط جيش جنگيزخان عاصمته خان باليق، و هناك كانت خزائن لآلتان خان فأوصلت إلي جنگيزخان بما فيها.
إن جنگيزخان في خلال خمس سنوات استولي علي أكثر مدن الخيتاي و عين فيها ولاة (داروغا) و عاد لبلاده. و ضبط هناك بلادا أخري.
و كان في نية جنگيز أن يستولي علي البلاد الباقية من الخيتاي و لكنه عدل عن ذلك لسبب أن تيانغ خان بعد أن توفي قد هرب ابنه كوچلو إلي تركستان، و هناك اتفق مع بعض اعداء جنگيزخان فأعلنوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 96
كوچلو (خانا أي ملكا عظيما، يادشاه)، و أن كوچلو هذا أرسل سفيرا إلي سلطان محمد (خوارزمشاه) و ساقه علي حرب گورخان، و في ذلك الوقت كانت تركستان
تابعة إلي كورخان ملك قراخيتاي، و أن كوچلو قد ضبط نحو نصف تركستان منه …
فلما علم جنگيزخان ذلك قال في نفسه: «ليس من المصلحة أن أدع عدوا عظيما يتوسع في جواري و أنا أتوغل في الممالك النائية البعيدة»، فترك السفر إلي الخيتاي و عدل عن مهاجمتهم.
و في هذه الأثناء ظهر من أمراء مركيت و هو قودو (عم الأمير الأصلي توقتا) مع اولاده فمضي إلي مملكة نايمان فصار يعيث هناك و يفسد علي جنگيزخان، و لأجل القضاء علي هذه الحركة أرسل عليهم جنگيز قوة. و لما صادفوا عسكر قودو كسروه قرب ساحل نهر جم موران و ذلك سنة 613 (1216 م). و هذه الحرب قضت علي سلطنة مركيت.
و في هذا الحين عصت قبيلة نومان فأرسل عليها سرية فكسرتها و عاد قائد جنگيز بغنائم و فيرة.
إن كوچلو كان قد التجأ إلي كورخان في قراخيتاي و هناك قد اختل ما بينهما فاستولي علي بعض ولايات كورخان و جمع اعداء جنگيزخان إليه. فلما سمع جنگيزخان بذلك أرسل إليه چپه نويان من قبيلة ييسوت و جهزه بفيلق عظيم، و لما اشتبك القتال العظيم بينهما غلب كوچلو علي أمره و قد فر بجيش قليل كان معه، فاستولي علي عائلته و أولاده فأسرهم بعد أن قتل الباقين. ثم إنه عقب كوچلو فتمكن من اللحاق به و قتل عساكره و ضباطه، و مع هذا قدر أن يفر كوچلو مع ثلاثة من أصحابه فوصل وادي بدخشان إلي محل يقال له (صاري قول) فاستمر علي تعقبه حتي ألقي القبض عليه فقتله و قطع رأسه فأتي به إلي جنگيزخان، فأنعم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 97
عليه جنگيزخان و أكرمه بل بالغ في الإحسان إليه
جزاء ما أبداه في هذه الحرب و قتله كوچلو.
كل هذه الوقائع جرت و هذه الحروب الطاحنة مضت بين جنگيز و أعدائه حتي تمكن من الكل و سيطر علي الجميع و مع هذا كان المسلمون في مأمن حتي أنهم لم يشعروا بهذه الحروب، و لم يعلموا عنها كثيرا إذ إنها لا تهمهم لبعد الشقة و انقطاع المواصلة … و لكن الوقائع المهمة بالنظر إلينا هي التي تخص المسلمين، و وقعت بينه و بينهم، و هي ما يتلو هذه الحوادث سوي أنني هنا أقول إن جنگيز قضي علي امارات صغيرة و حكومات مفرقة و مشتتة الحالة سواء في المغول أو في الترك. و بذلك تمكن من السيطرة علي تلك الأنحاء لعلمه بأنه لا يتم له الأمر، و لا يستطيع أن يوسع سلطته، فيحارب المجاورين و الخارج بصورة عامة. إن لم يؤمن جماعته له حتي لا يبقي منهم معارض فتيسر له القضاء علي السلطات و الامارات الصغيرة، و الكبيرة و استقل في كافة هذه الأنحاء استقلالا تاما، و وحد وجهته و استقامته بعد ذلك إلي خارج بلاد الترك فهاجم العالم الإسلامي.
و هذا ما دعا ابن الطقطقي أن يقول عن المغول بعد أن توحدت قبائلهم:
«لم ينقل في تاريخ، و لا تضمنت سيرة من السير أن دولة من الدول رزقت من طاعة جندها و رعاياها ما رزقته هذه الدولة القاهرة المغولية، فإن طاعة جندها و رعاياها لها طاعة لم ترزقها دولة من الدول … » ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 98
و في هذا ما يبين عن هذه الوحدة و لكنها علي كل حال لم تكن كما حصل للعرب من الألفة إبان ظهور الشريعة الإسلامية الغراء …
و
قد قال ابن السبكي: «كانوا ببادية الصين و هم من أصبر الناس علي القتال و أشجعهم فملكوا جنگيزخان عليهم و أطاعوه طاعة العباد المخلصين لرب العالمين» ا ه.
نظرا للبعد و وجود حكومات أو إمارات بين جنگيز و البلاد الإسلامية الكبري كانت بطبيعة الحال العلاقات مفقودة و لكن بعد أن استولي المغول علي البلاد المجاورة نشأت العلاقات و ذلك أن كشلوخان بعد مفارقته جنگيزخان مال إلي حدود قيالق و المالق فصالحه صاحبها ممدو خان بن ارسلان خان علي أن تكون الأيدي واحدة و متفقة و في هذه الأثناء كانت هزيمة كورخان ملك الخطا (خيتاي) من وقعة جرت بينه و بين السلطان خوارزمشاه و هي آخر الوقائع بينهما فوصل إلي حدود كاشغر فأخذ ممدوخان يزين لكشلوخان قصد كاشغر و الاستيلاء علي كورخان فنهضا من قيالق و كبساه بحدود كاشغر و اقتنصاه و أجلساه علي سرير الملك و صارا لا يعملون بأوامره إلا قليلا.
و لما سمع السلطان بذلك هدد كشلوخان بلزوم تسليمه إليه و ما معه من نفائس و أن يأتيه ببنته و خزانته و أوعده فيما إذا امتنع فقدم له طرفا نفيسة جدا و تشفع مستعفيا من إرسال كورخان و كان السلطان يلح و هذا يطاول و آخر رسول بعثه السلطان هو الأمير محمد بن قرا قاسم النسوي و أمره بمخاشنة كشلوخان ففعل فقيده كشلوخان ثم نجا بوقعة جرت
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 99
لسرية السلطان مع كشلوخان فأنعم عليه السلطان برياسة عامة علي خراسان فمني منه الرؤساء بداهية دهياء و خطة نكراء و أما كشلوخان فإن السلطان جهز عليه جيشا بلغت عدته ستين ألفا و ذلك بعد أن بعث إليه عدة سرايا. هذا من
جهة و من أخري هاجمه جنگيزخان فوقع بين نارين لا مخلص له منهما فقضي عليه و من ثم نشأت العلاقات و صار جنگيزخان مجاورا لبلاد المسلمين فاقتضي التطلع علي أحوال التتر ففي سنة 609 ه 1213 م قصد ثلاثة نفر من تجار البخاريين ديار التتر و معهم البضائع من الثياب المذهبة و الكرباس و غيرهما مما يليق بالمغول لما سمعوا أن للمتاع عندهم قيمة وافرة … ذهبوا إلي هناك بقصد التجارة ظاهرا و لكن لا يغب عن اذهاننا أن استيلاء جنگيزخان علي المجاورين و قيامه بهذا الفتح العظيم مما دعا إلي التطلع علي أحواله و الوقوف علي نواياه و التجسس عن أخباره. فكانت هذه القافلة الأولي التي ارسلها خوارزمشاه باسم تجار لنفائس البضائع، فلم يضع الفرصة و لم يدع هذا الفاتح الجديد يتوغل و هو في جهالة عنه، و إهمال لشأنه و إنما راعي الحيطة بأقصي ما يمكن …
إن هؤلاء التجار وجدوا الطرق محروسة قد أقام بها جنگيزخان جماعة يسمونهم (قراقجية) أي مستحفظين يخفرون المترددين إليهم أو أنهم يراقبون الحدود و يترصدون المارة كما هو معلوم اليوم من تفتيش المارة علي الحدود و طلب جواز منهم و مراقبة أحوالهم. فقوي عزمهم و ساروا نحوهم. و لما وصلوا إلي نواحيهم وافاهم المستحفظون و وقفوا علي ما معهم من السلع (و لم تكن السلع هي الغرض الوحيد من التحريات) فرأوا قماش واحد منهم اسمه أحمد لائقا للخان فسيروه مع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 100
صاحبيه إليه. و الغرض في التسيير معلوم فعرض أحمد متاعه علي الحجاب و طلب الثمن عن كل ثوب كل مشتراه عليه عشرة دنانير إلي عشرين دينارا ثلاثة بواليش. فغضب لذلك جنگيزخان و
قال: هذا الغافل كأنه يظن أننا ما رأينا ثيابا قط و أمر الخازن فأراه من الأقمشة التي اهداها إليه ملوك الخطا أشياء نفيسة و تقدم أن يكتب ما معه و أنهبه لمن حضر من الحاشية و اعتقل أحمد، إلا أن تمنع هذا و طلبه ثمنا غاليا مغزاه معلوم أيضا إذ الغرض ليس بيع السلعة و الربح بها و العودة بسرعة و طلب موظف جنگيز أو خازنه صاحبيه فعرضا عليه متاعهما برمته و قالوا: هذا كله إنما أتينا به لنقدمه خدمة للخان لا لنبيعه عليه، فألحوا عليهما أن يثمناه فلم يفعلا. فأمر جنگيزخان أن يعطيا لكل ثوب مذهب باليش من ذهب و لكل كرباسين باليش من فضة. و عوض لأحمد أيضا مثل ما اعطاهما … و من مجري هذه الوقعة يفهم أنهم لم يتمكنوا من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 101
المضي إلي مملكة جنگيز و التطلع علي أحوالها بشراء جنگيز أموالهم …
ثم إن جنگيزخان تقدم إلي الأولاد و الخواتين و الأمراء أن ينفذوا مع هؤلاء بجماعة من أصحابهم. و معهم بواليش الذهب و الفضة ليجلبوا لهم من طرائف البلاد و نفائسها ما يصلح لهم فامتثلوا ما أمرهم فاجتمع معهم مائة و خمسون تاجرا من مسلم و نصراني و تركي و في رواية شجرة الترك 450 شخصا و أرسل معهم رسولا إلي السلطان محمد يقول له:
«إن التجار و صلوا إلينا و قد أعدناهم إلي مأمنهم سالمين غانمين، و سيرنا معهم جماعة من غلماننا ليحصلوا من طرائف تلك الأطراف، فينبغي أن يعودوا إلينا آمنين ليتأكد الوفاق بين الجانبين و تنحسم مواد النفاق من ذات البين». و هؤلاء جيش لجب من الجواسيس يخشي طبعا منهم و يحسب
لهم الحساب العظيم … إذ إنهم سوف يجوسون خلال الديار فيقفون علي كافة أسرارها و ظواهرها، في حين أن جماعة خوارزمشاه الذين ذهبوا لم يتمكنوا من الاطلاع علي الوضع و الحالة و علي كل كان الملك الواحد منهما مستوحشا من الآخر و حذرا منه …
جاء هؤلاء التجار مدينة (أوترار) و كان أميرها (اينالجق) و هو خال السلطان محمد خوارزمشاه و كان قد لقبه السلطان خوارزمشاه بلقب (غايرخان) فوردوا إليه و طمع هذا الأمير غاير خان فيما معهم من الأموال و الصحيح اشتبه منهم بل قطع في أنهم جواسيس فطالع السلطان في أمرهم و حسن له إبادتهم و اغتنام أموالهم فأذن له في ذلك فقتلهم طرا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 102
إلا واحدا منهم فإنه هرب من السجن. و لما رأي ما جري علي اصحابه لحق بديار التتار و أعلمهم بما وقع.
و في ابن بطوطة: إن ملك خوارزم له قوة عظيمة و شوكة فهابه جنگيزخان و أحجم عنه و لم يتعرض له، فاتفق أن بعث جنگيزخان تجارا بأمتعة الصين و الخطا من الثياب الحريرية و سواها إلي بلدة أطرار آخر عمالة جلال الدين فبعث إليه عامله عليها معلما بذلك و استأذنه ما يفعل في أمرهم فكتب إليه يأمره أن يأخذ أموالهم و يمثل بهم و يقطع اعضاءهم و يردهم إلي بلادهم … فلما فعل ذلك تجهز جنگيز بنفسه في عساكر لا تحصي كثرة برسم غزو بلاد الإسلام.
و في شجرة الترك ضعف هذه الرواية و عول علي أن جنگيزخان أرسل محمود يالواجي و قال للسلطان محمد خوارزمشاه عن لسان جنگيزخان: «إن اللّه اعطاني ملك الشرق إلي حدود ملكك، فأنت ابني، فاجهد علي الجميل يكن المسلمون في
راحة و طمأنينة!». و قد عرض رسالته هذه علي السلطان محمد، ثم إن السلطان قدم لؤلؤة إلي محمود يالواجي ثم جرت بينهما محادثة … قال: «إني سائلك فاصدقني هل كان أخذ خانك للخيتاي (الخطا) صحيحا؟ فأجابه: «و حق اللّه إن خاني ينطق بالصدق، و سيأتيكم نبأ صدقه قريبا»، أما السلطان محمد فقد قال له بحنق و غضب: «إنك تعلم يا محمود سعة ملكي و قوة سلطاني، و من خانك ليعد نفسه أكبر مني فيقول لي ابني؟ و ما مقدار عسكره ليري نفسه أعلي مني؟».
و حينئذ خاف محمود يالواجي من توسع الموضوع فكان جوابه:
«إن جند جنگيز تجاه عسكرك كضياء القمر حيال نور الشمس!». فانتهي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 103
القول بينهما و انقطع بهذه الصورة و نجا يالواجي من غضب السلطان.
و بهذه الصورة دامت الصداقة و الوفاق بينهما فصار عدو أحدهما عدو الآخر، و صديقه صديقه فتعاهدا علي أن لا يضر الواحد الآخر.
و علي هذا ذهب سفراء جنگيزخان إليه فسر، و عزم أن لا يتجاوز علي السلطان محمد ما لم يتعد عليه و في هذه الأثناء جاءه سفير الخليفة الناصر فلم يلتفت إليه، أو بالتعبير الأصح أظهر طرد سفير الخليفة و لم يقبله حبا في المصافاة … و في هذا من التكتم ما فيه … حتي دعا ذلك أن يقال إنه لم يفكر في الإخلال في المعاهدة كما في (شجرة الترك) هذا في حين أننا نري صحبة الطرفين علي دخل و لم يهمل واحد منهما الطريقة اللازمة للتزود من المعرفة و وقوف كل علي احوال الآخر. و ما يحكيه صاحب الشجرة من أن التجار حين وردوا إلي غايرخان عرفه أحدهم و كان يعرف اسمه
الأصلي (أينالجق) فدعاه به فغضب و كان هذا التاجر لا يعرف اللقب الجديد فكتب الوالي إلي السلطان محمد بأنه وردنا جواسيس فاستطلع رأيه فيهم … فهذا غير صحيح و لا يعول عليه بوجه. فلا يكون مغفلا لهذا الحد و لكن الغلط كان فيما أجراه من قتل التجار و الرسل فكان الواجب عليه أن يعاملهم بالحسني و يعيدهم دون أن يدعهم يتوغلون في المملكة أو يؤخر أمرهم إلي أن يستأذن فلم يؤذن لهم إلا إلي وقت آخر و أن يعين الطريق الذي يجب أن يسيروا فيه تحت مراقبة و ترصد تامين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 105
و مهما كانت الروايات فإن الذي دعا لهذه النفرة و الاشتباه من هؤلاء القوم (جنگيزخان و قومه) وصول سفير الخليفة الناصر لدين اللّه العباسي يغريه علي القيام و مناصرة الخليفة له و يروي أنه لم يقبله أو تظاهر بذلك. و قد شاعت هذه القضية حتي أن ابن الأثير لم يستطع كتمانها و هو يدون التاريخ لذلك الحين و إنما قص قضية قتل التجار و نهب أموالهم و أن ذلك هو السبب و قال: «و قيل في سبب خروجهم إلي بلاد الإسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر:
فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا و لا تسأل عن الخبر» انتهي
فتراه يخشي من تدوينه في بطون الدفاتر كما أن في قوله (فكان ما كان مما لست أذكره) تأييدا لصحة هذه الشائعة و ترجيحا لصدقها و إن لم يبينها. و الكناية أبلغ من التصريح في مثل هذا المقام … و منها يتبين أن مهمة رسول الخليفة هي حث جنگيزخان علي الخروج علي خوارزمشاه …
و جاء في ابن السبكي
ما يوضح ذلك قال: «و كان السلطان الأعظم للمسلمين- أيام جنگيز- هو السلطان علاء الدين خوارزمشاه محمد بن تكش … اتسعت ممالكه و عظمت هيبته و أذعنت له العباد و دخلت تحت حكمه، و خلت الديار من ملك سواه … فتجبر و طغي و أرسل إلي خليفة الوقت الناصر لدين اللّه الذي لا يصطلي لمكره بنار، و لا يعامل في احواله بخداع يقول له: كن معي كما كانت الخلفاء قبلك مع سلاطين السلجوقية … فيكون أمر بغداد و العراق لي و لا يكون لك إلا الخطبة فيقال- و اللّه أعلم- إن الخليفة جهز رسله
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 106
إلي جنگيزخان يحركه عليه … » ا ه.
و في الفخري: «كان كل أحد من أرباب المناصب يخافه- الناصر و يحاذره بحيث كأنه يطلع عليه في داره، و كثرت جواسيسه و أصحاب أخباره عند السلاطين و في أطراف البلاد و له في مثل هذه قصص غريبة … » ا ه مما لا يسع المقام إيراده …
و علي كل حال إن السلطان محمد أمر بقتل السفراء و التجار و وجد أن مطالعة أميره ملحوظة و واردة فحاذر أن يختبروا المسالك و الطرق و يعرفوا الوضع السياسي و العسكري فأوقع فيهم غايرخان. و يؤيد هذا الحكاية التالية:
قال ابن الأثير: فلما قتل نائب خوارزمشاه (أميره غايرخان المذكور) أصحاب جنگيزخان أرسل جواسيس إلي جنگيزخان لينظر ما هو و كم مقدار ما معه من اليزك و ما يريد أن يعمل فمضي الجواسيس و سلكوا المفازة و الجبال التي علي طريقهم حتي وصلوا إليه. فعادوا بعد مدة طويلة و أخبروه بكثرة عددهم و أنهم يخرجون عن الإحصاء و أنهم من أصبر خلق
اللّه علي القتال لا يعرفون هزيمة و أنهم يعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيديهم. و مثل هذا جاء في تحفة النظار قال: «لما سمع عامل اطرار (أو ترار) بحركة جنگيزخان بعث الجواسيس ليأتوه خبره فذكر أن أحدهم دخل محلة بعض امراء جنگيز في صورة سائل فلم يجد من يطعمه و نزل إلي جانب رجل منهم فلم ير عنده زادا و لا اطعمه شيئا فلما أمسي أخرج مصرانا يابسة عنده فبلها بالماء و قصد فرسه و ملأها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 107
بدمه و عقدها و شواها بالنار فكانت طعامه فعاد إلي أطرار (أو ترار) فأخبر عاملها بأمرهم و أعلمه أن لا طاقة لأحد بقتالهم فاستمد ملكه جلال الدين (خوارزمشاه) … » ا ه.
و يريد أن يقول إن الصائل قوي، متعود علي شظف العيش، و متمرن علي الكفاح و يحاول أن يهتم القوم للأمر، و هذا ما دعا أن تكون الحروب طاحنة، و الوقائع بين الفريقين دامية و مهولة …
«إن خوارزمشاه كان قد ندم علي قتل اصحاب جنگيز و أخذ أموالهم. و حصل عنده فكر آخر، فأحضر الشهاب الخيوفي و هو فقيه فاضل كبير المحل عنده لا يخاف ما يشير به فحضر عنده فقال له: قد حدث أمر عظيم لا بد من الفكر فيه فآخذ رأيك في الذي نفعله و ذاك أنه قد تحرك إلينا خصم من ناحية الترك في كثرة لا تحصي فقال له في عساكرك كثرة و نكاتب الأطراف و نجمع العساكر و يكون النفير عاما. فإنه يجب علي المسلمين كافة مساعدتك بالمال و النفس ثم نذهب بجميع العساكر إلي جانب سيحون (هو نهر كبير يفصل بين بلاد الترك و بلاد
الإسلام) فنكون هناك. فإذا جاء العدو و قد سار مسافة بعيدة لقيناه و نحن مستريحون و هو و عساكره قد مسهم النصب و التعب. فجمع خوارزمشاه أمراءه و من عنده من أرباب المشورة فاستشارهم فلم يوافقوه علي رأيه بل قالوا نتركهم يعبرون سيحون إلينا و يسلكون هذه الجبال و المضايق فإنهم جاهلون بطرقها و نحن عارفون بها فنقوي حينئذ عليهم و نهلكهم فلا ينجو منهم أحد. فبينما هم كذلك إذ ورد رسول من جنگيزخان معه جماعة يتهدد خوارزمشاه و يقول اتقتلون اصحابي و تأخذون أموالهم!؟ استعدوا للحرب فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به!؟» انتهي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 108
أما جنگيزخان فإنه عند ما سمع قتل أصحابه عظم ذلك عليه و غضب منه غضبا كبيرا جدا و هجر النوم و صار يحدث نفسه و يفكر فيما يفعله. و قيل إنه صعد إلي رأس تل عال و كشف رأسه و تضرع إلي الباري تعالي طالبا نصره علي من بادأه بالظلم و بقي هناك ثلاثة أيام بلياليها صائما. و في الليلة الثالثة رأي في منامه راهبا عليه السواد و بيده عكازة و هو قائم علي بابه يقول له: لا تخف افعل ما شئت فإنك مؤيد.
فانتبه مذعورا ذعرا مشوبا بالفرح و عاد إلي منزله و حكي حلمه إلي زوجته و هي ابنة أونك خان فقالت له: هذا زي أسقف كان يتردد إلي أبي و يدعو له و مجيئه إليك دليل انتقال السعادة إليك. فسأل جنگيزخان من في خدمته من نصاري الأويغور: هل هنا أحد الأساقفة فقيل له عن ماء دنحا. فلما طلبه و دخل عليه بالبيرون الاسود قال هذا زي من رأيت في منامي لكن
شخصه ليس ذاك. قال الأسقف: يكون الخان قد رأي بعض قديسينا. قال العبري بعد أن أورد هذه الحكاية و عبر عنها بلفظ قيل إن استمر في قوله: و من ذلك الوقت صار يميل إلي النصاري و يحسن الظن بهم و يكرمهم.
هذا و إن جنگيزخان أراد في سياسته أن يستفيد من العناصر الضعيفة و المخالفة للمسلمين و المذاهب المستضعفة من المسلمين فقرر لزوم رعايتهم ليحصل علي المعلومات الكافية و ليدلوه علي خفايا المسلمين و بواطنهم و كافة أحوالهم في الوقت الذي هم عائشون معهم و أعرف بهم، و يظهر أثر ذلك بوضوح في فتح بغداد علي يد هولاكو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 109
خان، فقد مشي أولاده علي هذه الفكرة و لم يشذوا عنها و هذه الحكاية قد اختلقت بعد أن وقع الأمر ففسرت أعماله بهذه الحكاية، و ميله للنصاري يؤوّل بما ذكرت من الاستعانة.
و المعلوم أن المغول قد تعاطوا المخابرات السياسية بينهم و بين الافرنج فكانت الحماية لهذا الغرض و من طريق القسوس … و كانت السلطة السياسية بأيدي القسوس فهم هناك ليسوا دعاة دين و إنما هم سياسيون … و الوقائع التاريخية تبرهن علي وجود المخابرات علي يد سواح الغربيين و ترددهم لهذا الغرض … و مثل ذلك يقال عن اعتناقهم النصرانية فإنه لا صحة له و إنما العلاقة سياسية لا غير و يفسر بتكاتف الأمتين علي الهجوم و القضاء علي العالم الإسلامي و التناصر علي توهين قواه و اكتساحه …
إن حكومة خوارزمشاه كانت في ذلك العصر من أقوي الحكومات الإسلامية. و كانت في أمل الاستيلاء علي الخلافة أو جعلها منقادة إليها كما كانت طوع أمر السلاجقة و الصحيح أن المساعي مصروفة
لإلغائها … فهي ذات الحول و الطول. و ملكها المعاصر لجنگيزخان هو محمد علاء الدين. و كان لقبه قطب الدين فغيره.
استقر في الحكم حين توفي والده خوارزمشاه تكش بن ارسلان في 20 رمضان سنة 596 ه 1200 م. و كان والده عادلا حسن السيرة يعرف الفقه و الأصول علي مذهب الحنفية. و حكومتهم في خوارزم و بعض خراسان و الري و غيرها من البلاد الجبلية و كان ضبطها طغرل بك السلجوقي من آل سبكتكين ثم جعلها سنة 434 ه 1043 م إلي ابريقداره و بعدها وجهت حكومتها إلي انوشتكين من عتقاء السلاجقة و بوفاته سنة 490 ه 1097 م توالي عليها أولاده المعروفون بالخوارزمشاهية و هم:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 110
1- قطب الدين محمد بن انوشتكين (490 ه 1097 م: 521 ه 1128 م).
2- اتسز خوارزمشاه بن محمد (521 ه 1128 م: 551 ه 1157 م).
3- ايل ارسلان بن محمد (551 ه 1157 م: 568 ه 1173 م).
4- سلطان شاه بن ايل ارسلان (568 ه 1173 م: 589 ه 1194 م).
5- علاء الدين تكش بن ايل ارسلان (589 ه 1194 م: 596 ه 1200 م).
6- علاء الدين محمد بن تكش (596 ه 1200 م: 617 ه 1221 م).
و هذا الأخير عند ما خلف والده هرب ابن أخيه هندوخان بن ملكشاه بن تكش منه و ذهب إلي ملك الغورية و هو غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام بن الحسين الغوري صاحب غزنة و بعض خراسان و غيرها يستنصره علي عمه فأكرمه و وعده بالنصر. و من ثم تولدت الحروب بين الطرفين إلي أن توفي غياث الدين في جمادي الأولي سنة 599 ه 1203
م و كان غياث الدين هذا مظفرا منصورا لم تنهزم له راية قط، و كان له دهاء و مكر، و كان حسن الاعتقاد كثير الصدقات فيه فضل غزير و أدب مع حسن خط و بلاغة، و كان ينسخ المصاحف بخطه و يقفها في المدارس التي بناها. و كان علي (مذهب الكرامية) ثم تركه و صار شافعيا.
فخلفه ابنه محمود و لقب غياث الدين بلقب والده و لم يحسن عمه شهاب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 111
الدين الخلافة علي ابن أخيه و لا علي غيره من أهله.
و في سنة 600 ه 1204 م كان بين شهاب الدين ملك الغورية و بين خوارزمشاه محمد قتال انتصر فيه ملك الغورية و استنجد خوارزمشاه بالخطا فساروا و تحاربوا مع شهاب الدين فهزموه ثم عاد و وصل إلي غزنة و تراجعت الأمور إليه علي ما كانت عليه. و في أول ليلة من شعبان سنة 602 ه 1206 م قتل شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام بن الحسين الغوري ملك غزنة و بعض خراسان، قيل أنه قتله الإسماعيلية.
و كان شجاعا كثير الغزو عادلا في الرعية. و كان الإمام فخر الدين الرازي يعظه في داره.
و لما قتل كان صاحب باميان بهاء الدين سام بن شمس الدين محمد بن مسعود عم غياث الدين المذكور، فسار بهاء الدين ليمتلك غزنة و معه ولداه علاء الدين و جلال الدين، فأدركت بهاء الدين الوفاة قبل أن يصل إلي غزنة و عهد بالملك إلي ابنه علاء الدين محمد فوصل غزنة و دخلها هو و أخوه و تملكها. و كان تاج الدين يلدوز مملوك غياث الدين ملك الغورية كبير الدولة و كانت كرمان اقطاعه و مرجع الأتراك
إليه، فسار هذا علي غزنة و من ثم انسحب علاء الدين و جلال الدين ولدا بهاء الدين إلي باميان و جمعا عليه العساكر فكانت النتيجة أن انتصرا عليه، فاستقر علاء الدين في غزنة و ذهب أخوه جلال الدين إلي باميان، ثم إنه لم تستقر الأحوال و دام النضال بينهما حتي انتصر يلدوز فألقي القبض عليهما و علي هندوخان ابن أخي ملك خوارزم المار الذكر فحبسهم، ثم ظهر غياث الدين محمود بعد قتل عمه في (بست) فسار إلي فيروزكوه و تملكها و جلس في دست أبيه و تلقب بألقابه و قد حاول استمالة يلدوز مملوك أبيه فلم ينجح و الحاصل كانت مملكة الغورية في اضطراب بالغ أشده.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 112
و في سنة 604 ه 1208 م كاتب ملوك ما وراء النهر مثل ملك سمرقند و ملك بخاري خوارزمشاه يشكون ما يلقونه من الخطا و يبذلون له الطاعة و الخطبة و السكة ببلادهم إن دفع الخطا فعبر علاء الدين محمد خوارزمشاه نهر جيحون و اقتتل مع الخطا. و حدثت عدة وقائع و الحروب بينهم و بينه سجال. فاتفق أن خوارزمشاه انهزم و أخذ اسيرا و لكن شخصا من أصحابه و هو ابن شهاب الدين مسعود احتال في خلاصه باستخدامه له كغلام فقال للخطا إنه فلان و يخشي أن ينقطع خبره فأراد أن يعلمهم بحاله و طلب ذلك منهم فأجابوه إلي سؤاله فأرسل خوارزمشاه فعاد إلي مملكته و تراجع إليه عسكره.
و كان لخوارزم شاه أخ يقال له (علي شاه) بن تكش و كان نائب أخيه بخراسان فلما بلغه موت أخيه في الوقعة مع الخطا دعا إلي نفسه بالسلطنة و اختلف الناس بخراسان و
جرت فيها فتن كثيرة.
فلما عاد خوارزم شاه محمد إلي ملكه خاف أخوه (علي شاه) فسار إلي غياث الدين محمود ملك الغورية فأكرمه و أقامه عنده (بفيروزكوه). و بعد أن استقر خوارزم شاه في ملكه و بلغه ما فعله أخوه علي شاه أرسل عسكرا إلي قتال غياث الدين محمود الغوري و كان مقدم عسكره (أمير ملك) فسار إلي (فيروز كوه) و بلغ ذلك غياث الدين محمودا فأرسل يبذل الطاعة و يطلب الأمان فأعطاه (أمير ملك) الأمان فخرج غياث الدين مع علي شاه فقبض عليهما و أرسل يعلم خوارزم شاه بالحال فأمره بقتلهما فقتلهما في يوم واحد. و استقامت خراسان كلها لخوارزم شاه و ذلك سنة 605 ه 1209 م بانقراض دولة الغورية بقتل آخر ملوكهم. و كانت دولتهم من أحسن الدول. و كان محمود هذا عادلا كريما.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 113
لما خلا الجو لخوارزمشاه في جهة خراسان عبر (نهر جيحون) و سار إلي الخطا، و كان وراء الخطا المغول في حدود الصين و كان هناك ملك يقال له كشلي خان (كوچلو) (و قد مر ذكره في مقارعاته مع جنگيزخان). و كان بينه و بين الخطا عداوة مستحكمة فأرسل كل من كشلي خان و من الخطا يسأل خوارزم شاه أن يكون معه علي خصمه.
فاجابهما بالمغلطة و انتظر ما يكون منهما فتقارعا بينهما فانهزمت الخطا فمال عليهم خوارزم شاه و فتك فيهم و كذلك فعل كشلي خان بهم فانقرضت الخطا. و لم يبق منهم إلا من اعتصم بالجبال أو استسلم و صار في عسكر خوارزم شاه.
و هذه الوقعة من الظروف الكبري المسهلة لجنگيزخان في فتحه و امتلاكه لهذه (المملكة الكبري) بحيث صار مجاورا لخوارزمشاه بعد ما قضي
عليها و اكتسحها …
و في شعبان سنة 612 ه 1215 م ملك خوارزم شاه محمد مدينة (غزنة) و أعمالها. و أخذها من يلدوز مملوك الغوري فهرب يلدوز إلي لهاوور من الهند و استولي عليها ثم سار يلدوز من لهاوور و استولي علي بعض بلاد الهند الداخلة تحت حكم قطب الدين أيبك خشداش. فجري بينه و بين عسكر قطب الدين مصاف فقتل. و كان حسن السيرة في الرعية كثير الإحسان إليهم.
و في سنة 614 ه 1218 م سار خوارزم شاه إلي بلاد الجبل و غيرها فملكها. و منها ساوه و قزوين و زنجان و أبهر و همذان و اصفهان و قم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 114
و قاشان. و دخل ازبك بن بهلوان صاحب اذربيجان و أران في طاعة خوارزم شاه و خطب له ببلاده.
ثم عزم خوارزم شاه علي المسير إلي بغداد للاستيلاء عليها (سنة 614 ه 1218 م) و قدم بعض العسكر بين يديه و سار خوارزم شاه في أثرهم عن همذان يومين أو ثلاثة. فسقط عليهم من الثلج ما لم يسمع بمثله فهلكت دوابهم، و خاف من حركة التتر علي بلاده. فولي ولاة علي البلاد التي استولي عليها، و عاد إلي خراسان، و قطع خطبة الخليفة الإمام الناصر من بلاد خراسان سنة 615 ه 1219 م، و كذلك قطعت خطبة الخليفة من بلاد ما وراء النهر. و بقيت خوارزم و سمرقند و هراة لم تقطع الخطبة منها، فإن أهل هذه البلاد كانوا لا يلتزمون بمثل هذا بل يخطبون لمن يختارون …
و هذه الحادثة فاتحة المناوشات الكبري بين الخليفة و خوارزمشاه؛ و أشار ابن الأثير و غيره إلي ما شاع عن الخليفة في إغراء التتر للهجوم علي خوارزم شاه، و لكن أبا الفداء لم يتعرض لذلك و إنما اكتفي بقوله:
«إن جنگيزخان راسل خوارزمشاه في الصلح فلم ينتظم فجمع جنگيزخان عساكره و التقي مع خوارزمشاه محمد، فانهزم خوارزمشاه فاستولي جنگيزخان علي بلاد ما وراء النهر، ثم تبع خوارزمشاه محمدا و هو هارب بين يديه حتي دخل بحر طبرستان. ثم استولي علي البلاد … » انتهي و علي كل حال وقوع الاغراء من الخليفة
ليس بالمستبعد و قد استعان خوارزمشاه محمد بالخطا علي الغورية بمثل ذلك. و مع هذا لا تصلح أن تكون سببا رئيسيا يعول عليه … فالواحد يخشي الآخر بل إن جنگيز متأهب للوثوب …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 115
إن خوارزمشاه محمد علاء الدين قضي علي حكومات صغيرة و خرب فيها و انتهب و قارع الخلافة و الحكومات مبعثرة، لم تكن كتلة واحدة، و لا استقرت حكومة خوارزمشاه بعد الحروب الدامية و لا اكتسبت انتظاما و لا قويت سلطتها علي الممالك المفتوحة … فهي في حالة تأسيس إدارة قوية ففاجأها التتر، و لم تبق حكومة قوية تخلفها في انكسارها. و هذه الممالك انهكتها الحروب و تبعثرت أحوالها …
و عن هذه قال ابن الأثير: «إن هؤلاء التتر إنما استقام لهم هذا الأمر لعدم المانع، و سبب عدمه أن خوارزمشاه محمدا كان قد استولي علي البلاد، و قتل ملوكها و أفناهم، و بقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم منهم لم يبق في البلاد من يمنعهم و لا من يحميها … » انتهي.
و هذا السبب المسهل يضاف إلي قوة جنگيزخان التي قضت علي حكومات و أقوام كثيرة، و أنهم من أهل البداوة و الاعتياد علي شظف العيش و البساطة، و الاكتفاء بما حصل و أن الكل محاربون، و نساؤهم و أولادهم عون لهم في غزوهم و حروبهم … و هذه الأسباب و الظروف المتقدمة لا تخرج عن كونها مسهلات و إلا فالقوة في الأصل عظيمة و مدربة، و قانونها (الياساق) قاطع لا يقبل التردد، أو الافتكار، بل هو واجب التنفيذ، و أمراؤهم منقادون لرأس واحد و لا يسوغ لهم الاختلاط بأحد، و المراجعة مع آخر
أو التدخل في سياسة، (فالطاعة) أصل الآمرية و المأمورية … و الجيش منسق و منظم تنظيما لا يكاد يتيسر لمن قبله …
و أقوي من كل مقارع له من أي قوم و أمة، و ليس هناك سر من الأسرار أو شي ء خارق للعادة، فمن ملك هذا الجيش المنقاد و دبره هذا التدبير،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 116
و حصل علي مثل هذه الظروف … نال مبتغاه قطعا … و لم يكن ذلك إلا نصيب القليل من الفاتحين و أعاظم الرجال …
في سنة 616 ه كان ظهور المغول و فتكهم في المسلمين و كذا في هذه السنة كان تمكن الافرنج و تملكهم لدمياط و قتلهم أهلها و أسرهم … و كأن هذه الأقوام في صلة و تآزر للقضاء علي المملكة الإسلامية استفادة من تذبذب الحالة فلم ينكب المسلمون بأعظم مما نكبوا في هذه السنة. و المصيبة الكبري هي (ظهور التتر) و تملكهم أكثر بلاد الإسلام و سفك دمائهم و سبي حريمهم و ذراريهم. و لم يفجع المسلمون منذ ظهر دين الإسلام بمثل هذه الفجيعة … أما الذي سلم من هاتين الطائفتين (الافرنج و التتر) فالسيف بينهم مسلول و الفتنة قائمة علي ساق.
و إن خطر هؤلاء التتر كان أعظم فإنهم لم يبقوا علي أحد بل قتلوا النساء و الرجال و الأطفال و شقوا بطون الحوامل و قتلوا الأجنة. فهذه الحادثة استطار شررها و عظم ضررها و سارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح و لا يزال صداها يرن في الأذان حتي الساعة فإن قوما خرجوا من اطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر و بلاساغون. ثم منها إلي بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند و بخاري و
غيرهما فيملكونها و يفعلون بأهلها الأفاعيل علي الوجه الذي سيذكر ثم تعبر طائفة منهم إلي خراسان فيفرغون منها ملكا و تخريبا و قتلا و نهبا ثم يتجاوزونها إلي الري و همذان و بلد الجبل و ما فيه من البلاد إلي حد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 117
العراق ثم يقصدون بلاد اذربيجان وارانية و يخربونها و يقتلون أكثر أهليها و لم ينج إلا الشريد النادر في أقل من سنة … هذا ما لم يسمع بمثله.
ثم لما فرغوا من اذربيجان و أرانية ساروا إلي دربند شروان فملكوا مدنه و لم يسلم غير القلعة التي بها ملكهم و عبروا عندها إلي بلد اللّان و اللكز و من في ذلك الصقع من الأمم المختلفة فأوسعوهم قتلا و نهبا و تخريبا. ثم قصدوا بلاد قفچاق. و هم من أكثر الترك عددا فقتلوا كل من وقف لهم فهرب الباقون إلي الغياض و رؤوس الجبال و فارقوا بلادهم و استولي هؤلاء التتر عليها … فعلوا هذا في أسرع زمان لم يلبثوا إلا بمقدار مسيرهم لا غير.
و مضت طائفة أخري غير هذه الطائفة إلي غزنة و أعمالها و ما يجاورها من بلاد الهند و سجستان و كرمان ففعلوا فيها مثل فعل هؤلاء و أشد.
هذا ما لم يطرق الأسماع مثله. فلم يبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا و هو خائف يتوقعهم و يترقب وصولهم إليه.
و الغريب في هؤلاء أنهم لا يحتاجون إلي ميرة و مدد يأتيهم. فإنهم معهم الأغنام و البقر و الخيل و غير ذلك من الدواب يأكلون لحومها لا غير. و أما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر الأرض بحوافرها و تأكل عروق النبات لا تعرف الشعير. فهم إذا نزلوا
منزلا لا يحتاجون إلي شي ء من خارج. كذا قال ابن الأثير، لخص وقائعهم و بين أوصافهم و الرعب الذي استولي علي القلوب من جراء هجومهم ثم ذكر التفصيل …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 118
إن جنگيزخان حينما سمع بقتل التجار و الوفود أرسل رسولا اسمه ابن كفرج بغرا مصحوبا باثنين من التتر إلي خوارزمشاه يتهدده و يقول:
«تقتلون اصحابي و تأخذون أموالهم، استعدوا للحرب فإني و اصل إليكم بجمع لا قبل لكم به» و كان جنگيزخان قد سار إلي تركستان فملك كاشغر و بلاساغون و جميع البلاد و أزال عنها التتر الأولي، فلم يظهر لهم خبر و لا بقي لهم أثر بل بادوا كما أصاب الخطا و أرسل الرسالة المذكورة إلي خوارزمشاه، فلما سمعها خوارزمشاه أمر بقتل رسوله فقتل و أمر بحلق لحي الجماعة الذين كانوا معه و أعادهم إلي صاحبهم جنگيزخان يخبرونه بما فعل بالرسول و يقولون له إن خوارزمشاه يقول لك أنا سائر إليك و لو أنك في آخر الدنيا حتي أنتقم و أفعل بك كما فعلت بأصحابك فتجهز خوارزمشاه و سار بعد الرسول مبادرا ليسبق خبره و يكبسهم. فأدمن السير فمضي و قطع مسيرة أربعة أشهر فوصل إلي بيوتهم فلم ير فيها إلا النساء و الصبيان و الأطفال فأوقع بهم و غنم الجميع و سبي النساء و الذرية …
و كان سبب غيبتهم عن بيوتهم أنهم ساروا إلي محاربة أحد ملوك الترك كشلوخان (كوچلوخان) فقاتلوه و هزموه و غنموا أمواله و عادوا فلقيهم في الطريق. فوصل إليهم الخبر بما فعل خوارزمشاه بمخلفيهم فجدوا السير فأدركوه قبل أن يخرج من بيوتهم فلما رآه جوجي خان تذاكر مع أمرائه فنهوه عن الدخول بالحرب إذ لم
يأمر جنگيزخان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 119
بالمقاتلة و الحرب مع السلطان محمد خوارزمشاه خصوصا أنهم قليلون و هم كثيرون و لكن لو عقبهم خوارزمشاه حاربوه اضطرارا. أما جوجي خان فلم يوافق علي هذه الفكرة و قال لا يبقي لي وجه لملاقاة أبي و إخواني و تصافوا للحرب فاقتتلوا اقتتالا لم يسمع بمثله فبقوا في الحرب ثلاثة أيام بلياليها، فقتل من الطائفتين ما لا يعد، و لم ينهزم أحد منهم … و هاجم جوجي خان (دوشي خان) بنفسه لبضع مرات حتي وصل إلي صاحب اللواء و موكب السلطان.
أما المسلمون فإنهم صبروا حمية للدين و علموا أنهم إن انهزموا لم يبق للمسلمين باقية و أنهم يؤخذون لبعدهم عن بلادهم، و أما التتر فصبروا لاستنقاذ أهليهم و أموالهم و اشتد بهم الأمر حتي إن أحدهم كان ينزل عن فرسه و يقاتل قرنه راجلا و يتضاربون بالسكاكين و جري الدم علي الأرض حتي صارت الخيل تزلق من كثرته و استنفذ الطائفتان وسعهم في الصبر و القتال …
هذا القتال جميعه مع ابن جنگيزخان. و لم يحضر أبوه الوقعة و لم يشعر بها فأحصي من قتل من المسلمين في هذه الوقعة فكانوا عشرين ألفا، و أما من المغول فلا يحصي، من قتل منهم، فلما كان الليلة الرابعة افترقوا فنزل بعضهم مقابل بعض، فلما أظلم الليل أوقد التتر النيران و تركوها بحالها و ساروا، و كذلك فعل المسلمون، كل منهم سئم القتال، فأما التتر فعادوا إلي ملكهم جنگيزخان ففرح جنگيز بما فعله ولده و أنعم عليه بإنعامات كبيرة …
و أما المسلمون فرجعوا إلي بخاري. فاستعد خوارزمشاه للحصار لعلمه بعجزه، لأن طائفة من عسكره لم يقدر أن يظفر بهم فكيف إذا
موسوعة تاريخ العراق
بين احتلالين، ج 1، ص: 120
جاؤوا جميعم مع ملكهم؟ فأمر أهل بخاري و سمرقند بالاستعداد للحصار و جمع الذخائر للامتناع. و جعل في بخاري عشرين ألف فارس من العسكر يحمونهم، و في سمرقند خمسين ألفا. و قال لهم احفظوا البلد حتي أعود إلي خوارزم و خراسان و أجمع العساكر و أستنجد بالمسلمين و أعود إليكم.
فلما فرغ من ذلك رحل عائدا إلي خراسان فعبر جيحون و نزل بالقرب من بلخ فعسكر هناك.
في سنة 615 ه (قال العبري سنة 610 ه و ليس بصحيح) قصد جنگيزخان بلاد السلطان محمد فهاجم مدينة أوترار من نواحي تركستان و التحق به خان قارليق و هو ارسلان خان بعساكر كثيرة و كذا أيدي قوت بقبائل الأويغور من بيش باليق، و ساغناق بقبيلة تكين من الماليق فالتفوا حول جنگيزخان. و قال ابن العبري و لما وصل أعني جنگيزخان إلي نواحي تركستان أتاه الأمير ارسلان خان من غياليق (صحيحها قارليق) و الأمير أيدي قوب (صحيحها أيدي قوت) من بيش باليغ (باليق) و الأمير سفتاق (ساغناق أو بالتخفيف سغناق فالتحريف ظاهر) من الماليغ (الماليق) و ساروا بعساكرهم.
و لما اجتمعت العساكر جميعها بقرب مدينة أوترار رتب جنگيزخان علي محاصرة أوترار ولديه اوكه داي (اوكتاي) و چاغاتاي (جغاتاي) فابتدرا بمحاصرتها و سير جوجي خان (دوشي خان) إلي مدينة خجند
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 121
(و في العبري) أنه سير ابنه الكبير في تومانين من العساكر إلي جانب خجند و الآقانويان و سه كتو بوغا بخمسة آلاف علي فناكت (بناكت) و خجند و ذهب هو بالباقي من الجيش مع ابنه تولي خان إلي بخارا.
دام القتال علي او ترار مدة خمسة أشهر. لأن السلطان محمدا كان قد سير إليها غايرخان في خمسة آلاف فارس (و في الشجرة كان معه خمسون ألفا لمحافظة المدينة) ثم لما علم أن المغول سوف يهاجمون المدينة سير من ضباطه قراجا خان حاجب و أمدّه في عشرة آلاف و كانوا كلهم بها. و لما ضاقت الحيلة بمن في المدينة و عجزوا عن المقاومة شاور قراجاخان و أشار إلي غايرخان في لزوم الصلح و تسليم البلد فأبي غايرخان إلّا المجاهدة حتي الموت، لعلمه أن المغول لا يبقون عليه،
فلم ير في المصالحة مصلحة، فتوقف قراجا إلي هجوم الليل و خرج في أكثر عسكره إلي الخارج من باب الصوفي فأخروه إلي الصبح، ثم حمل إلي ابني جنگيزخان فاستنطقاه و استعلما منه كنه أحوال البلد و أمر بقتله و قتل كل من معه، قائلين: إذا كنت لم تبق علي مخدومك و ولي نعمتك فلا تبق علينا، و زحف العسكر إلي المدينة فدخلوها و أخرجوا أهلها جميعهم إلي ظاهرها و أغاروا علي ما فيها، و بقي غايرخان في عشرين ألفا من عسكره متفرقين في دروب المدينة لم يتمكن منهم المغول، و كانوا يخرجون خمسين خمسين يكاوحون و يطعنون في عسكر المغول و يقتلون ثم يقتلون.
و كان هذا دأبهم شهرا إلي أن بقي غابر خان و معه نفران يجالدون
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 122
في سطح دار السلطنة و كان قد برز مرسوم الخان أن لا يقتل غايرخان في الحرب و طلب أن يحمل حيا إليه. فلذلك كثر التعب معه، و قتل صاحباه و بقي وحده يقاتل بالآجر الذي كان الجواري يناولنه من الجدار، فلما عجز عن المناولة أحاط به المغول و قبضوه و حملوه إلي جنگيزخان بعد عودته من بخاري إلي سمرقند، و قتل هناك في كوي سراي.
و لو أن كل مدينة قاومت هذه المقاومة و ناضلت هذه المناضلة لما تمكن المغول من الوقيعة العظمي بالبلاد لهذا الحد، و بعد أن ذكر ذلك العبري بين أنه في شعبان سنة 612 ه 1215 م ملك السلطان محمد مدينة غزنة. و كان استولي علي عامة خراسان و ملك باميان. و لذا يلاحظ الفرق في تاريخ الهجوم بين 610 و 615 ه في شجرة الترك و العبري مع
أن العبري يسلسل الحوادث و لكنه خرج عن كافة المؤرخين مثل أبي الفداء و ابن الأثير و سيرة منكبرتي و الشجرة و الصحيح ما جاء في الشجرة فإنه يتفق و منكبرتي.
إن جنگيزخان توجه من اوترار علي بخاري. و لذا وافي علي حين غرة علي قلعة يقال لها زرنوق فلما رأي الأهلون جنگيزخان قد حاصر القلعة استولي عليهم الرعب و خافوا كثيرا، فغلقوا الأبواب، أما جنگيزخان فإنه كان له عالم يقال له (حاجب) و هو مسلم، فبعثه إلي المدينة سفيرا و هذا نصح الأهلين و حذرهم، و علي هذا أخذ جميع الأهلين هناك هدايا و قدموها إلي جنگيزخان، فعاملهم بالحسني و سمي مدينتهم قوتليق باليق و معناه في لغة المغول المدينة المباركة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 123
و حينئذ أخذ شبان المدينة و ترك شيوخها و استمر في طريقه فجاء مدينة نور، و هؤلاء أيضا حاصروا في المدينة فأرسل عليهم جنگيزخان رسولا. و بعد تعاطي السفراء الكثيرين جاء الأهلون بهدايا إلي الخان و رأوا منه حسن معاملة، فأمر أن يأخذ الأهلون ما يتمكنون علي أخذه من بذور و بقر و غيرها و أن يخرجوا بها، و الباقي ترك جيشه ينتهبه فانتهبه.
و في سنة 616 ه (و في العبري في اوائل المحرم سنة 617 ه 1220 م) جاء إلي بخاري فأحاط بها، و في منتصف الليل هاجم كوك خان، و سوينج خان و كوچلوخان بعشرين ألفا من العساكر، فعلم بذلك جنگيزخان فاتخذ لذلك الترتيبات اللازمة فتقاتل الفريقان بشدة و كانت الحرب طاحنة. و في النتيجة تمت الغلبة لجنگيزخان فنكل بالعشرين ألفا.
(و في ابن العبري أن هؤلاء تحققوا عجزهم عن مقاومة المغول فخرجوا من الحصار بعد غروب
الشمس فأدركهم المحافظون من عسكر المغول علي نهر جيحون فأوقعوا فيهم و قتلوهم كافة و لم يبقوا منهم أثرا). و في وقت السحر؛ قد فتح مفتي المدينة و علماؤها الأبواب فجاؤوا إلي الخان، فدخل جنگيزخان بنفسه المدينة، و قد قال ابن الأثير إن دخول جنگيز المدينة كان يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة 616 ه 1220 م و ذلك أنهم حصروا بخاري و قاتلوا أهلها ثلاثة أيام قتالا شديدا متتابعا.
فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة ففارقوا البلد عائدين إلي خراسان.
(و لم يدر ابن الأثير بما اصابهم بعد خروجهم و لا حكي ذلك). فلما أصبح أهل البلد و ليس عندهم من العسكر أحد ضعفت نفوسهم فأرسلوا القاضي بدر الدين قاضيخان ليطلب الأمان للناس فأعطوهم الأمان.
و كان قد بقي من العسكر طائفة لم يمكنهم الهرب مع أصحابهم فاعتصموا بالقلعة. فلما أجابهم جنگيزخان إلي الأمان فتحت أبواب المدينة في اليوم المذكور فدخل التتر بخاري و لم يتعرضوا إلي أحد بل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 124
قالوا لهم كل ما هو للسلطان عندكم من ذخيرة و غيرها أخرجوه إلينا و ساعدونا علي قتال من بالقلعة، و أظهروا عندهم العدل و حسن السيرة و دخل جنگيزخان بنفسه و أحاط بالقلعة و نادي في البلد أن لا يتخلف أحد و من تخلف قتل فحضروا جميعهم فأمرهم بطمّ الخندق فطموه بالأخشاب و التراب و غير ذلك … ثم تابعوا الزحف إلي القلعة و بها نحو اربعمائة فارس من المسلمين فبذلوا جهدهم، و منعوا القلعة اثني عشر يوما يقاتلون التتر و أهل البلد، فقتل بعضهم و لم يزالوا كذلك حتي زحفوا إليهم و وصل النقابون إلي سور القلعة، فنقبوه و اشتد حينئذ
القتال، و من بها من المسلمين يرمون بكل ما يجدون من حجارة و نار و سهام، ثم باكروهم في اليوم التالي فجدوا في القتال، و قد تعب من بالقلعة و جاءهم ما لا قبل لهم به فقهروا و دخل التتر القلعة و قاتلهم المسلمون. الذين فيها حتي قتلوا عن آخرهم …
فلما فرغ جنگيزخان من القلعة أمر أن يكتب له رؤوس البلد و رؤساؤهم ففعلوا ذلك فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم فحضروا فقال أريد منكم (النقرة) التي باعكم خوارزمشاه فإنها لي و من اصحابي أخذت و هي عندكم فأحضر كل من كان عنده شي ء منها بين يديه، ثم أمرهم بالخروج من البلد فخرجوا مجردين من أموالهم ليس مع أحد منهم غير ثيابه التي عليه، و دخل الكفار البلد فنهبوه و قتلوا من وجدوا فيه و أحاط بالمسلمين فأمر اصحابه أن يقتسموهم فاقتسموهم و كان يوما عظيما من كثرة البكاء من الرجال و النساء و الولدان و تفرقوا أيدي سبا و تمزقوا كل ممزق و اقتسموا النساء أيضا و أصبحت بخاري خاوية علي عروشها كأن لم تغن بالأمس و ارتكبوا من النساء العظيم، و الناس ينظرون و يبكون و لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئا مما نزل بهم فمنهم من لم يرض بذلك و اختار الموت علي ذلك فقاتل حتي قتل، و ممن اختار ذلك الإمام ركن الدين إمام زاده و ولده و القاضي صدر الدين خان و من استسلم أخذ
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 125
أسيرا و ألقوا النار في البلد و المدارس و المساجد و عذبوا الناس بأنواع العذاب من طلب المال، ثم رحلوا نحو سمرقند، و قد تحققوا عجز خوارزمشاه عنهم و
هم بمكانة بين ترمذ و بلخ و استصحبوا معهم من سلم من أهل بخاري أساري فساروا بهم مشاة علي أقبح صورة فكل من أعيا و عجز عن المشي قتل.
فلما قاربوا سمرقند قدموا الخيالة و تركوا الرجالة و الأساري و الأثقال وراءهم حتي تقدموا شيئا فشيئا ليكون أرعب للقلوب، فلما رأي أهل البلد سوادهم استعظموه، فلما كان اليوم الثاني وصل الأساري و الرجالة و الأثقال و مع كل عشرة من الأساري علم فظن أهل البلدان الجميع عساكر مقاتلة و أحاطوا بالبلد و فيه خمسون ألف مقاتل من الخوارزمية، و أما عامة البلد فلا يحصون كثرة …
و حينئذ خرج إليهم شجعان أهل سمرقند و أهل الجلد و القوة رجالة (مشاة) و لم يخرج معهم من العسكر الخوارزمي أحد لما في قلوبهم من خوف هؤلاء التتر فقاتلهم الرجالة بظاهر البلد فلم يزل التتر يتأخرون و أهل البلد يتبعونهم و يطمعون فيهم. و كانوا قد كمنوا لهم كمينا. فلما جاوزوا الكمين خرجوا عليهم و حالوا بينهم و بين البلد و رجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولا فبقوا في الوسط و أخذهم السيف من كل جانب فلم يسلم منهم أحد. قتلوا عن آخرهم و كانوا سبعين ألفا علي ما قيل.
فلما رأي الباقون من الجند و العامة ذلك ضعفت نفوسهم (عزائمهم) و أيقنوا بالهلاك، فقال الجند و كانوا أتراكا نحن من جنس هؤلاء و لا يقتلوننا فطلبوا الأمان فأجابوهم ففتحوا أبواب البلد، و لم يقدر العامة علي منعهم و خرجوا إلي التتر بأهليهم و أموالهم، فقال لهم التتر ادفعوا إلينا سلاحكم و أموالكم و دوابكم و نحن نسيركم إلي مأمنكم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 126
ففعلوا ذلك، فلما أخذوا
أسلحتهم و دوابهم وضعوا السيوف فيهم و قتلوهم عن آخرهم و أخذوا أموالهم و دوابهم و نساءهم.
و في اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم و من تأخر قتلوه فخرج جميع الرجال و النساء و الصبيان ففعلوا مع أهل سمرقند مثل فعلهم مع أهل بخاري من النهب و القتل و السبي و الفساد و دخلوا البلد فنهبوا ما فيه، و أحرقوا الجامع و تركوا باقي البلد علي حاله، و افتضوا الأبكار و عذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال و قتلوا من لم يصلح للسبي و كان ذلك في المحرم سنة 617 ه 1220 م.
إن أمثال هذه الأعمال لا تزال مشهورة عن المغول و مدونة في منشوراتهم للتهديد، فعلوها باتفاق من عامة المؤرخين. و إليك أيها القاري ء ما قصه ابن العبري قال:
و فيها (سنة 617 ه 1220 م) في ربيع الأول نزل جنگيزخان علي مدينة سمرقند و كان قد رتب السلطان محمد فيها مائة ألف و عشرة آلاف فارس يقومون بحراستها. فلما نازلها منع أصحابه عن المقاتلة و أنفذ سنتاي نوين و معه ثلاثين ألف محارب في أثر السلطان محمد، و غلاة نوين و بسور نوين إلي جانب طالقان، و أحاط باقي العسكر بالمدينة وقت السحر فبرز إليهم مبارزو الخوارزمية و نازعوهم القتال، و جرحوا جماعة كثيرة من التاتار، و أسروا جماعة و أدخلوهم المدينة فلما كان من الغد ركب جنگيزخان بنفسه و دار علي العسكر و حثهم علي القتال، فاشتد القتال ذلك اليوم بينهم و دام النهار كله من أوله إلي أول الليل و وقف الأبطال من المغول علي أبواب المدينة و لم يمكنوا أحدا من المجاهدين من الخروج فحصل عند الخوارزمية
فتور كثير، و وقع الخلف بين أكابر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 127
المدينة، و تلونت الآراء فبعض مال إلي المصالحة و التسليم، و بعض لم يأمن علي نفسه و إن اؤمن خوفا من غدر التاتار، فقوي عزم القاضي و شيخ الإسلام علي الخروج فخرجا إلي خدمة جنگيزخان و طلبا الأمان لهما و لأهل المدينة فلم يجبهما إلا إلي أمان أنفسهما و من يلوذ بهما.
فدخلا إلي المدينة و فتحا أبوابها فدخل المغول و اشتغلوا ذلك اليوم بتخريب مواضع من السور و هدم بعض الأبرجة و لم يتعرضوا إلي أحد إلي أن هجم الليل فدخلوا إلي المدينة و صاروا يخرجون من الرجال و النساء مائة مائة بالعدد إلي الصحراء، و لم ينكفوا إلا عن القاضي و شيخ الإسلام و عمن التجأ إليهما، فاحتمي بهما نيف و خمسون ألفا من الخلق، و لما أصبح الصباح شرع المغول في نهب المدينة، و قتل كل من لحقوه مختبئا في المغائر و متواريا بالستاير، و قتلوا تلك الليلة نحو ثلاثين ألف تركي و قنقلي، و قسموا بالنهار ثلاثين ألفا علي الأولاد و الأمراء و أطلقوا الباقي ليرجعوا إلي المدينة و يجمعوا من بينهم مائتي ألف دينار ثمن أرواحهم، و كان المحصل لهذا المال ثقة الملك و الأمير عميد و هما من أكابر سمرقند و الشحنة طايغور (و يروي كايغور).
و من هناك توجه جنگيزخان بعساكره إلي نواحي خوارزم و أنفذ الرسل إليهم يدعوهم إلي الايليه، و الدخول في طاعته».. الخ انتهي.
و كان خوارزمشاه بمنزلته كلما اجتمع إليه عسكر سيره إلي سمرقند فيرجعون و لا يقدمون علي الوصول إليها فاستولي عليهم الخذلان حتي ضبطها جنگيزخان فقد سيّر مرة عشرة آلاف فارس فعادوا
و سيّر عشرين ألفا فعادوا أيضا …
و في الشجرة أن خانات السلطان محمد قد قتلوا جميعهم مع جيشه في محاربة سمرقند بعد أن خرجوا و حاربوا بشدة و أسروا قسما من المغول في اليوم الأول، و في اليوم التالي هاجمهم جنگيز بنفسه فكانت
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 128
الحرب طاحنة فلم يجسر أحد من الخوارزميين أن يخرج إلي المحاربة خارج البلد و لكن تحاربوا علي السور بشدة أيضا …
و عند الغروب ذهب شيخ الإسلام و القاضي و أتوا إلي جنگيز يطلبون منه الأمان فعاملهم بالحسني و فتحوا أبواب البلد، فتحوا باب المصلي، و حينئذ هجم المغول و دخلوا من الباب و انتهبوا ما في المدينة … سوي أن ألب خان قاتل و تضارب مع جيش جنگيز حتي تمكن من النجاة بألف جندي …
ثم إن جنگيز وزع ثلاثين ألفا من الأهلين علي النويان و عفا عن خمسين ألفا لشيخ الإسلام و القاضي و أخذ من الباقين مائتي ألف دينار.
و هذه الوقعة جرت في 616 ه (1219 م).
لما ملك التتر سمرقند عمد جنگيزخان و سير عشرين ألف فارس (و في رواية الشجرة ثلاثين ألفا) تحت قيادة چيه نويان، و سو بوداي بهادر، و دوغاچار القونقراتي و هذا الأمير قتل من قبل تيمور ملك في نيسابور و الرواية المعول عليها: أنه قتل في بلخ و قال لهم اطلبوا خوارزمشاه أين كان و لو تعلق بالسماء حتي تدركوه و تأخذوه و هذه الطائفة تسميها التتر المغربة لأنها سارت نحو غرب خراسان ليقع الفرق بينهم و بين غيرهم.
فلما أمرهم جنگيزخان بالمسير ساروا و قصدوا موضعا يسمي فنج آب (و في أبي الفداء پنج آب) و معناه (خمسة مياه أو
خمسة أنهار) فوصلوا إليه فلم يجدوا هناك سفينة فعملوا من الخشب مثل الأحواض الكبار و ألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماء و وضعوا فيها سلاحهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 129
و أمتعتهم و ألقوا الخيل في الماء و أمسكوا أذنابها و تلك الحياض التي من الخشب مشدودة إليهم فكان الفرس يجذب الرجل و هو يجذب الحوض المملوء من السلاح و غيره فعبروا كلهم دفعة واحدة …
و كان المسلمون قد ملئوا منهم رعبا و خوفا. و قد اختلفوا فيما بينهم و ظنوا أنهم كانوا يتماسكون بسبب أن النهر بينهم فلما عبروه إليهم لم يقدروا علي الثبات و لا علي المسير مجتمعين بل تفرقوا أيدي سبا و طلبت كل طائفة منهم جهة، و رحل خوارزمشاه لا يلوي علي شي ء في نفر من خاصته و قصدوا نيسابور، فلما دخلها اجتمع عليه بعض العساكر فلم يستقر حتي وصل اولئك التتر إليها، و كانوا لم يتعرضوا في مسيرهم لشي ء لا بنهب و لا قتل بل يجدون السير في طلبه لا يمهلونه فيجمع لهم، فلما سمع بقربهم منه رحل إلي مازندران، و هي له أيضا فرحل التتر المغربون في أثره و لم يعرجوا علي نيسابور بل تبعوه، فسار منها و وصل الري. ثم منها إلي همذان و التتر وراءه ففارق همذان في نفر يسير جريدة ليستر نفسه و يكتم خبره و عاد إلي مازندران و منها وصل الساحل المعروف بالسكون (آبسكون) و ركب البحر المسمي ببحر طبرستان إلي قلعة البحر. فلما نزل هو و أصحابه في السفن وصلت التتر فرأوا خوارزمشاه قد دخل البحر فوقفوا علي الساحل. فلما يئسوا من اللحاق به رجعوا.
و هؤلاء هم الذين قصدوا الري و ما
بعدها. و ذلك أنهم رجعوا إلي قاراندار فضبطوها و أسروا زوجته و أولاده الذكور هناك و منها توجهوا إلي ايلال. و كان أولاد السلطان محمد الصغار هناك فحاصروها. و يروي أنها في تلك السنة لم تأتها المياه مع أنها كانت كثيرة فلم تصبها الأمطار. و في مدة 15 يوما نفدت مياهها. فاستولوا عليها. و هذه الوقعة كانت سنة 617 ه 1221 م و يحكي أنه حين سمع بسقوط هذه المدينة أغمي عليه فمات. و بعدها استولوا علي نخچوان و آذربيجان فخربوهما،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 130
جنگيز خان عظيم المغول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 131
و جاؤوا إلي شروان و مضوا من دربند، فاتفقوا مع القفچاق بداعي أنهم منهم و سحقوا اللان. و حينئذ و بعد سحق اللان و تحققهم من ضعف القفچاق تحاربوا معهم و عادوا ظاهرين. و علي هذا اكرمهم جنگيزخان بإنعامات كبري …
أما خوارزمشاه فإنه حين وصل القلعة المذكورة مرض بذات الجنب في الجزيرة الكائنة في البحر فأقام بها طريدا لا يملك طارفا و لا تليدا، و المرض يزداد حتي توفي سنة 617 ه 1221 م.
و كانت مدة ملكة 21 سنة و شهورا تقريبا. اتسع ملكه و عظم محله و أطاعه القاصي و الداني و لم يملك بعد السلجوقيين أحد مثله فإنه ملك من حد العراق إلي تركستان و ملك بلاد غزنة و بعض الهند و ملك سجستان و كرمان و طبرستان و جرجان و بلاد الجبال و خراسان و بعض فارس و فعل بالخطا الأفاعيل العظيمة و ملك بلادهم، و كان فاضلا عالما بالفقه و الأصول و غيرهما، و كان مكرما للعلماء محبا لهم محسنا إليهم، يكثر مجالستهم
و مناظراتهم بين يديه، و كان صبورا علي التعب و إدمان السير غير متنعم و لا مقبل علي اللذات، إنما همه في الملك و تدبيره و حفظه و حفظ رعاياه، و كان معظما لأهل الدين، مقبلا عليهم متبركا بهم …
و هذه خصال عددها ابن الأثير و هي كافية لبيان مكانة الرجل و مقدرته، و أقول إنه لم يدخر وسعا في تدبير المملكة، و لو لم يقتل التجار و السفراء و لم يعاملهم بهذه المعاملة القاسية و اتخذ الطريقة التي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 132
راعاها جنگيزخان مع تجاره لكان أكبر ملك حقيقة مهما كانت نتائج مقدراته، كما أن غلطته في مقاومة الخلافة و قطع الخطبة و ضرب النقود … مما هيجت عليه الرأي العام و أحبطت مساعيه أكثر مما لو صحت مكاتبة الخليفة الناصر للتتر و دعوتهم للتسلط علي خوارزمشاه …
و له أغلاط كبري غير هذه مثل قتلة الشيخ مجد الدين العالم المشهور. و كانت حروبه شديدة و طاحنة و لو لا هذه الحروب و توقف جنگيز من أجلها لما صده صاد … فقد رأي الهول منه و كاد ينتصر عليه … و علي كل كانت عظمته تفوق سائر الملوك و موكبه فخما و علامات أعلامه لا تشبه غيرها … و من أراد التفصيل أكثر فليرجع إلي أبي الفداء و إلي المنشي النسوي فإنهما نقلا أمورا مستقصاة لا يسعها بحثنا هذا فقد التزمنا الاختصار لبيان الأوضاع بين الحكومتين و المقارعات الحاصلة بينهما …
سار جلال الدين منكبرتي بعد موت أبيه السلطان محمد من الجزيرة إلي خوارزم ثم هرب من التتر و لحق بغزنة و جري بينه و بين التتر قتال فهرب جلال الدين من
غزنة إلي الهند فلحقه جنگيزخان إلي ماء السند و تصافقا صبيحة يوم الأربعاء لثمان خلون من شوال سنة 618 ه 1222 م و كانت الكرّة أولا علي جنگيزخان ثم عادت علي جلال الدين وبالا و حال بينهما الليل و ولي جلال الدين الأدبار منهزما و أسر ولد جلال الدين و هو ابن سبع سنين أو ثمان و قتل بين يدي جنگيزخان صبرا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 133
و لما عاد جلال الدين إلي حافة ماء السند كسيرا رأي والدته و أم ولده و جماعة من حرمه يصحن باللّه عليك اقتلنا أو خلصنا من الأسر فأمر بهن فغرقن …
ثم اقتحم جلال الدين و عسكره ذلك النهر العظيم فنجا منهم إلي جانب البر الآخر نحو أربعة آلاف رجل حفاة عراة … ثم جري بين جلال الدين و بين أهل تلك البلاد وقائع انتصر فيها جلال الدين و وصل إلي لهاوور من الهند. و لما عزم جلال الدين علي العودة إلي جهة العراق استناب بهلوان أزبك علي ما كان يملكه من بلاد الهند و استناب معه حسن قراق و لقبه (وفاء الملك). و في سنة 627 ه 1230 م طرد (وفاء الملك) بهلوان أزبك و استولي وفاء الملك علي ما كان يليه البهلوان من بلاد الهند.
و كان جلال الدين قد عاد من الهند و وصل كرمان في سنة 621 ه 1225 م و قاسي هو و عسكره في البراري بين كرمان و الهند شدائد.
و وصل معه أربعة آلاف رجل. ثم سار جلال الدين إلي خوزستان و استولي عليها ثم علي اذربيجان ثم كنجه و سائر بلاد أران.
و عند ذلك نقل جلال الدين أباه من الجزيرة إلي قلعة
ازدهن و دفنه بها. و لما استولي التتر عليها نبشوه و أحرقوه. و كذا فعلوا في محمود سبكتكين حين استولوا علي غزنة.
و في هذه الأثناء تمكن التتر من اذربيجان فسار يريد ديار بكر ليذهب إلي الخليفة و يلتجي ء إليه و يعتضد بملوك الأطراف علي التتر و يخوفهم عاقبة أمرهم، و طلب النجدة من الملك الأشرف فلم ينجده، و عزم علي المسير إلي اصفهان، ثم انثني عزمه و بات بمنزله …، و حينئذ أحاط به التتر و صبحوا عسكره:
فمساهم و بسطهم حرير و صبحهم و بسطهم تراب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 134
و من في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب
فلم يشعر إلا و أحاطت به أطلاب التتر بمخيم جلال الدين و هو نائم … فحمل بعض عسكره و هو اورخان و كشف التتر عن المخيم و دخل بعض الخواص و أخذ بيد جلال الدين و أخرجه و عليه طاقية بيضاء فأركبه الفرس و ساق أورخان مع جلال الدين و تبعه التتر فقال جلال الدين لأورخان انفرد عني بحيث تشغل التتر بتتبع سوادك. و كان ذلك خطأ منه. فإن أورخان تبعه جماعة من العسكر يقدرون بأربعة آلاف فارس و قصد أصفهان و استولي عليها مدة.
و لما انفرد جلال الدين عن أورخان ساق إلي انحاء آمد فلم يمكن من الدخول، فسار إلي قرية من قري ميافارقين طالبا شهاب الدين غازي ابن الملك العادل صاحب ميافارقين، ثم لحقه التتر في تلك القرية فهرب إلي جبل هناك و به أكراد يتخطفون الناس فأخذوه و سلبوه ثم قتلوه.
و يحكي عنه المنشي النسوي أنه كان اسمر قصيرا تركي الشارة و العبارة، يتكلم الفارسية، و أنه كان يكاتب الخليفة
علي مبدأ الأمر علي ما كان يكاتبه به أبوه. فكان يكتب (خادمه المطواع منكبرتي) و بعد أخذ خلاط كاتبه بعبده. و يكتب إلي ملك الروم و ملوك مصر و الشام اسمه و اسم أبيه و كانت علامته علي توقيعه (النصر من اللّه وحده). و كان جلال الدين يخاطب ب (خداوند عالم) أي صاحب العالم.
و قال المنشي: «كان اسدا ضرغاما، اشجع فرسانه اقداما، و كان حليما لا غضوبا و لا شتاما، و قورا لا يضحك إلا تبسما، و لا يكثر كلاما، و كان يحب العدل غير أنه صادف أيام الفتنة فغلب، و يحب الترفيه علي الرعية لولا أنه ملك في زمان الفترة فغصب..» و علي كل «فتقلبات الأيام بجلال الدين من إهباط و إصعاد، و إطفاء شعلة نار
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 135
و إيقاد، يوما نفاذ حد و إيراء زند، و آخر ضرع خد، و سقوط جد، بينا تملكه، إذ تكاد تهلكه، و حال تعليه، إذ رأيته تبتليه، لبلغ افادة الغرض، إذ في تصاريف أحوال الزمان به عجائب لم توجد أخواتها … لفظته بلاد الترك إلي أقاصي الهند و أقاصي الهند إلي أواسط الروم من مليك مطاع، و طريد مرتاع … الخ» مما يعين روحيته و يبين مقدرته … و له أربع عشرة وقعة مع المغول في إحدي عشرة سنة فصلها النسوي المذكور …
و كان مقتله في منتصف شوال سنة 628 ه 1231 م و محمد المنشي ء النسوي ممن كان في خدمة جلال الدين و ملازمته في جميع اسفاره و غزواته إلي أن قتل. و كان كاتب الإنشاء و محظيا متقدما عنده فهو أخبر بأحوال جلال الدين و والده.
و قد مر الكلام علي كتابه
(سيرة منكبرتي) و وقائعه و بعض النقول عنه … و كان قد ذكر في أواخره أنه كتبه سنة 639 ه. و أما النسخة المطبوع عليها فقد نجزت سنة 667 ه.
ثم إن الخوارزمية عاثوا في البلاد في انحاء حلب و حصلت منهم غارات نهب و سفك دماء ما لا يقل عن أعمال التتر كما في أبي الفداء و ابن الفوطي مما يلي المباحث المتقدمة.
إن جنگيزخان بعد أن ضبط سمرقند توجه بعساكره إلي نواحي خوارزم و أنفذ الرسل إليهم يدعوهم إلي الايليّة و الدخول في طاعته.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 136
و شغلهم أياما بالوعد و الوعيد و التأميل و التهديد إلي أن اجتمعت العساكر و رتب آلات الحرب من منجنيق و ما يرمي بها فأنشبوا الحرب و القتال علي المدينة من جميع جوانبها حتي عجز من فيها عن المقاومة فملكوها بعد قتل و نهب و أسر …
و في أوائل سنة 618 ه 1221 م عبر جنگيزخان نهر جيحون و قصد مدينة بلخ فخرج إليه أعيانها و بذلوا الطاعة و حملوا الهدايا و أنواعا من (الترغو) فلم يقبل منهم بسبب أن السلطان جلال الدين كان في تلك النواحي يهيئ أسباب الحرب و يستعد للقتال. و لذا أمر بخروج أهل بلخ فقتل فيهم أكثر الأهلين و أسر …
و من هناك توجه نحو الطالقان و فعل بأهليها مثل ما فعل بأولئك و أبقي البعض و منها سار إلي باميان فعصي أهلوها و قاتلوا قتالا شديدا و اتفق أن أصيب بعض أولاد جغاتاي بسهم فقضي نحبه، و كان من احب أحفاد جنگيزخان إليه فعظمت المصيبة بذلك و اضطرمت النيران في قلوب المغول وجدوا في القتال إلي أن فتحوها
و قتلوا كل من فيها حتي الدواب و البقر و الأجنة و لم يأسروا منها أحدا قط و تركوها أرضا قفرا، لم يسكنها أحد اليوم (كذا قال ابن العبري) و سموها ما و باليغ أي مدينة البؤس.
و لما فرغ جنگيزخان من تخريب بلاد خراسان سمع أن السلطان جلال الدين قد استظهر بالعراق فسار نحوه ليلا و نهارا بحيث إن المغول لم يتمكنوا من طبخ لحم إذا نزلوا فحين و صلوا إلي غزنة أخبروا بأن جلال الدين قد رحل عنها منذ خمسة عشر يوما و هو عازم علي أن يعبر نهر السند فلم يستقر جنگيزخان و رحل في الحال و حمل علي نفسه بالسير حتي لحقه في اطراف السند فأحاط به العسكر من قدامه و من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 137
خلفه و داروا عليه دائرة وراء دائرة و هو في الوسط و بالغ المغول في المكاوحة و تقدم «1» الأقمشة الحريرية. أو النفائس الأخري «لغة الجغطاي ص 116». جنگيزخان أن يقبض حيا و وصل جغاتاي و أوكتاي أيضا من جانب خوارزم. فلما رأي جلال الدين حراجة الموقف حمل عليهم حملات و شق صفوفهم مرة بعد مرة وطال الأمر بذلك و أبدي من البطولة و الشهامة ما لا يوصف …
و عند ما رأي التضييق عليه و أن لا نجاة بهذا الديدن همّ بالعبور و أقحم فرسه النهر بعد أن ودع أولاده و خواصه فانقحم و عام و خلص إلي الساحل و جنگيزخان و أصحابه ينظرون إليه و يتأملونه حياري …
فتعجب جنگيزخان من ذلك و قال لولديه: من مثل أبيه ينبغي أن يلد ابنا مثله فإذا نجا من هذه الوقعة جرت علي يديه وقائع كثيرة، و
من كلامه: لا يغفل من يعقل. و أراد جماعة من البهادرية أن يتبعوه فمنعهم جنگيزخان قائلا إنكم لستم من رجاله. و ذلك لأنه كان يرامي المغول بالسهام و هو في وسط الشط و حينئذ أمر جنگيزخان بقتل جميع الذكور من أولاده. و كان ذلك قد حدث في شهر رجب و لذا قيل في المثل، عش رجبا تر عجبا. و قال أبو الفداء إنه غرق أهله كما مر ذلك عند الكلام علي جلال الدين … و إنما ذكرناها هنا و بنص آخر لاطراد وقائع جنگيز …
و في سنة 624 ه 1227 م قفل جنگيزخان من الممالك الغربية إلي منازله القديمة الشرقية. ثم رحل من هناك إلي بلاد تنكوت (تنغوت) (و هي بلاد شرقي التبت و غربي نهر الصين المسمي (هو) أي النهر الأصفر و هنالك عرض له مرض من عفونة الهواء الوخيم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 138
و لما اشتد مرضه استدعي أولاده: جغاتاي و اوكتاي و الغ نوين و كلكان و جورختاي و أوردجار (و في رواية اوروجان و في نسخة أخري اردوجار) فأوصاهم أن يخلفه ابنه اوكتاي لمزية رأيه المتين و عقله الرزين فجعله ولي عهده فوافقوه علي اختياره. و هذا نص وصيته لأولاده:
«اعلموا يا أولادي الجياد أنه قد قرب سفري إلي دار الآخرة و دنا أجلي، و أنا بقوة الإله؛ و التأييد السماوي استخلصت مملكة عريضة، بسيطة بحيث يسلك من وسطها إلي طرف منها مسيرة سنة من أجلكم يا أولادي، و هيأتها لكم فوصيتي إليكم أنكم تشتغلون بعدي بدفع الأعداء و رفع الأصدقاء، و تكونون جميعا علي رأي واحد حتي تعيشوا في نعمة و عز و دلال، و تتمتعوا بالمملكة» ا ه.
و
قد أورد هذه الوصية صاحب جامع التواريخ بنص عربي و نقلتها من تاريخه العربي. و كان يوصي أولاده بالصيد و القنص و مطاردة الوحش عند ركود الحروب و هدنة القتال كأنه يريدهم أن يكونوا في تمرن دائم للحروب مع الناس، أو مع الحيوان …
ثم اشتد وجعه فتوفي في 4 رمضان 624 ه 1227 م (و في شجرة الترك أنه توفي بتاريخ 14 رمضان و قد عاش 73 سنة و في تواريخ الصين أنه عمر 66 سنة وطالت حكومته 25 عاما).
و حينئذ شكلوا مجمعا كبيرا يسمي عندهم (قور يلتاي) (و هذا هو الصحيح و لا يلتفت إلي القول بأنه القعر يلياي فإنه غير معروف و لا صحيح). فكان اجتماعهم سنة 626 ه 1229 م و أجمعوا علي أوكتاي حسب الوصية فألحوا عليه بالقبول و هو يتمنع لمدة 40 يوما حتي قبل.
فلقبوه (قاآن) أي ملك أو سلطان و أجلسوه علي سرير المملكة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 139
إن هذا الملك كانت ادارته أشبه بحكومات اليوم. فلم يضع عقلا و لم ينتهج غيا. فهو صاحب حكومة مدنية لم يؤسس عمادها علي دين و شكلها استعماري، استخدم جماعات من العناصر المختلفة و الأمم المستضعفة لترويج غرضه و تمشية منهاجه. و إن كان الأقوام الذين معه سلكوا المحرمات و أباح هو المنهيات لأمور لا تخفي علي العاقل مغازيها بالنظر لأوضاع الاجتماع آنئذ … و لكنهم احترموا ضعفاء الأقوام و جعلوهم احرارا في كل مراسمهم الدينية فصار يظن لأول وهلة أنهم نصاري من قبل النصاري و هكذا … و لكن المفهوم أنهم يقدسون الشمس فتراهم في تولية اوكتاي السلطنة مقام أبيه قد جثوا علي ركبهم تسع مرات دلالة علي
التعظيم له. ثم خرجوا من المخيم و جثوا ثلاث مرات حيال الشمس … و من هذا يفهم أنهم يعظمون الشمس و يخضعون لإشراقها …
قال ابن السبكي في الطبقات: «كان من أعقل الناس، و أخبرهم بالحروب و وضع له شرعا اخترعه، و دينا ابتدعه … سماه (الياسا) لا يحكمون إلا به، و كان كافرا يعبد الشمس … » ا ه و قد مر النقل عنه أن قومه أطاعوه طاعة العباد المخلصين لرب العالمين …
و إن القصة التالية توضح عقيدة جنگيزخان:
«إن جنگيزخان بعد أن ضبط طوران و إيران و بعد أن أتم أمراؤه و أبناؤه ما عهد إليهم من تخريب أنحاء غزنة من قبل اوكتاي و تعقيب أثر السلطان جلال الدين من قبل جغتاي خان فانعدم أثره و عاد بغنائم وفيرة و أسري كثيرين … جاء إلي سمرقند و عين في الولايات حكاما عسكريين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 140
(داروغا) و مضي من نهر آمو و جاء إلي بخاري. و إن أولاده الذين بعثهم إلي الأطراف عادوا جميعا و التحقوا به.
و حينئذ أرسل إلي أهليها أن يبعثوا إليه أحد علمائهم يسأل منه بعض الأمور فبعثوا إليه القاضي أشرف و معه واعظ آخر فجرت بينهما المحاورة الآتية:
جنگيزخان- ما المسلمون؟ و لماذا انتم مسلمون؟
الجماعة- المسلمون عبيد اللّه. و اللّه واحد، و ليس له مثل و لا شريك.
/- أنا أيضا اعتقد أن اللّه واحد!
هم- و للّه رسل. هم سفراء اللّه. ارسلهم ليبينوا أوامره و نواهيه.
ج- و هذا مقبول.
هم- و نحن نصلي خمس أوقات نعبد اللّه بها.
ج- و هذا حسن.
هم- و نصوم شهرا في السنة.
ج- و هذا حسن أيضا.
هم- إن للّه بيتا في مكة. فإذا تمكنا من الذهاب إليه فعلنا.
ج- لا
أوافق علي هذا فالعالم كله بيت اللّه. فلما ذا يخصص في محل معين؟ ثم انتهت المحاورة بهذا الوجه.
و لم يبين له هؤلاء العلماء السبب الذي أورده القرآن الكريم نفسه و هو أنه أول بيت وضع للناس و أنه واسطة التعارف بين المسلمين و موطن التكبير للّه علي الهداية باعتبار أنه موطن الهداية و الدعوة الأولي …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 141
فأذن جنگيزخان لهما بالعودة و لكنهما طلبا أن يعفو عنهم فلطف بهم و أعطاهم طرخانا. و من هناك توجه إلي سمرقند و منها ذهب إلي صحراء قبچاق. هناك أمر أن يجروا الصيد. و بعدها عاد لوطنه و نصح أولاده و أوصاهم ببعض الوصايا في ادارة الممالك و كيفية المحاربة و بأي صورة يعامل الناس و ما ماثل … ».
و من وصاياه: لا يؤذ بعضكم بعضا علي أمور الدنيا فإذا شعر بعضكم بألم من الآخر فليسارع لإزالته حالا لتكونوا بمأمن من شرور الأعداء، اجعلوا اوكتاي ملكا بعدي، أطيعوه و كونوا دائما في جانبه، اقتلوا شيدورقو و كافة من معه قبل أن يعلم بوفاتي (و هذا كان قد عصي ثم طلب الأمان و هو والي تنغوت)، ثم أعلنوا وفاتي للناس.
و إن أقواله و قوانينه و التقاليد التي وضعها تبين بوجه الإجمال إدارته زيادة علي ما مرّ من أعماله و تدابيره و هي:
1- أنه قسّم جيشه إلي أقسام كل قسم عشرة آلاف نسمة سماه (تومانا) و هو المعروف عندنا اليوم (بالفرقة) و جعل عليه قائدا يقال له (نويان) أو (نوين) و هو (آمر الفرقة) ثم قسم هذا فجعل لكل ألف منه قائدا يقال له بيكباش أو ما يسمي عندنا (آمر فوج) و قسم هؤلاء إلي
مئات جعل قائدا علي كل مائة يدعي يوزباش و عندنا (آمر السرية). فرّقه إلي عشرات فجعل علي كل عشرة مقدما (أو نباشي) يسمي عندنا (آمر حضيرة) كما أنه اعتبر علي الخمسين مقدما يدعي عندنا (آمر فصيل)،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 142
و منع أن يتصل قائد النومان (النويان) بآخر مثله و ليس له أمر علي الغير كما أنه يجب أن تراعي السلسلة في الآمرية فالنفر لا يراجع إلا آمره و هكذا من فوقه علي مراتبهم.
2- ألزم بقانونه أن لا يقصر فرد في لوازمه من الخيط إلي الإبرة إلي قطعة الخام فكل لوازمه ينبغي أن تكون جاهزة بلا نقص … و من لا يراعي ذلك يعاقب بأشد العقوبة.
3- و كان يعاقب بشدة كل من لم يسمع كلام أبيه من الأولاد و الأخ الأكبر من بين باقي الإخوة و الزوجة من زوجها …
4- يعاقب كل من يسرق و يقطع الطريق أو يعمل الشر بعقوبة شديدة، لذا لم توجد في زمنه أمثال هذه الأمور.
5- إن جنگيزخان كان يقدم للقيادة من كان عاقلا، شجاعا، و يجعل الأفراد من سائر الناس. و أما الضعفاء و العجزة فإنه يتخذهم رعاة فيوزع الأعمال بهذه الصورة. و الأمم المتمدنة اليوم تراعي هذا القانون تقريبا في جنديتها..
و هكذا قضي أشغاله بنجاح وقويت دولته و حكومته و ازداد شأنها يوما فيوما.
6- و من قوانينه أن يأتيه القواد كل سنة من أونباشي (آمر حضيرة) إلي النويان (آمر الفرقة) فيواجهونه و يتلقون منه الأوامر و يصغون إلي نصحه. و قال: إن من فعل ذلك تمكن أن يصير قائدا لجيش عظيم و من لم يفعل فلا يصلح للقيادة. لأن هؤلاء في نظره يشبهون الصخرة التي لو طرحت
في ماء عميق أبقت بعدها اثرا و ذهبت عن العيان.
7- كان جنگيز يقول: إن من يدبر بيته أحسن تدبير يتمكن من إدارة المملكة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 143
8- و كان يقول: من تمكن علي إدارة عشرة أفراد و أحسن سوقهم تيسر له سوق جيش عظيم.
9- من تمكن من نظافة بيته يستطيع أن يحرس حكومته من السراق و أهل الشقاء.
و له أقوال كثيرة أمثال هذه. فلو كتبناها كلها لكونت كتابا ضخما و لذا اكتفينا ببعضها … و قد شاعت قوانينه هذه و انتشرت بين الأمم، و قد تعرض لها مؤرخو الإسلام و لكن صاحب فوات الوفيات سماها (النسق) و الحال أنها (اليساق) أو (الياسا) و معناها النواهي أو المحرمات و الزواجر أو الواجبات التي لا يصح التهاون بها … و قد بالغ الناس في التشديد بخصوصها و قد أورد صاحب الخطط (المقريزي) الكثير منها.
و قال: «أخبرني … أبو هاشم أحمد بن البرهان … أنه رأي نسخة من الياسه (الياسا) بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد». ا ه ثم بين جملة مما شرعه هاشم خان فيها …
و كذا صاحب جامع التواريخ وجها نكشا للجويني و (تيمور و تزوكاتي) … و الظاهر أن الذين نقلوها لم يجدوها مدونة و مكتوبة و إنما هي محفوظة. لأن الأمة كانت أمية و تتلقي هذه الأوامر فتحفظها و هي أوامر مختصرة أو قوانين كلية و قواعد معتادة. و لا يزال العراقيون يطلقون علي منع الدخول (بيسق) أو كما يقول العوام (يصغ) و كذا الترك يلفظونها بهذا اللفظ و لعلها وصلتنا منهم أو من الترك سكان العراق القدماء.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 144
و علي كل حال أوامره تعني التزام النظام و
الطاعة و لا تقبل التساهل أو التهاون بوجه فالشدة مرعية في تطبيقها و العقوبة علي المخالفة صارمة جدا … و أما النظر إلي التخريبات و اعتبارها هدما للنظام فهذا غير صحيح. لأن المراد من ذلك امحاء قوة العدو و أن لا يتبدل عليهم الأهلون فيكونوا بلاء، و فيها ترهيب للناس و قسر علي الطاعة. فالغاية في نظرهم تبرر الواسطة و مع هذا فالخوف و الاحتراس ضروري و الحساب للأمور شأن العقلاء و أكابر الفاتحين … و لكن هذا القائد أفرط في الاحتراس فأبقي له سمعة سيئة في التاريخ فصار مضرب المثل في الظلم و العدوان و كل ما جاوز حده انقلب الغرض منه و صار إلي ضده. فالبشرية جربت هذه التجربة المرة و سجلتها في أعمالها و فيها عبرة لمن جاء بعده من القواد و الفاتحين و لا يزال اللوم و التنديد موجهين علي من يخرج عن الطريق المعروف. و اكتسبت الحروب في هذه الأيام (أيامنا أثناء تحرير هذا التاريخ) شكلا مؤسسا علي حقوق الحرب و أسباب صحيحة و قطعية و المخالف يقبح و يطعن من أجله بشرف الأمة التي قام باسمها من جراء عمله … و مع هذا فلا تفترق بعض الحكومات عن سابقاتها من أنها عصابات منظمة فلم تكتف بما لديها … و لكنها سائرة من حيث العموم إلي أن تكون جماعة لإدارة الأمة إدارة رشيدة …
اتفق مؤرخو الإسلام علي تلفظ هذا الاسم بالوجه المذكور في صدر هذا المقال. و في شجرة الترك ينطق به هكذا (اوكه داي) و ليس هناك تفاوت كبير. و إنما هو من جهة ضبط الكلمة و إظهار حركاتها الحرفية بإشباع الحركات لا غير. و لذا راعينا تلفظه
الشائع. و هذه اللفظة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 145
جلوس اوكتاي قاآن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 146
تعني الصاعد، أو المعتلي …
إن اوكتاي ثالث أولاد جنگيزخان تولي زمام الحكم سنة 626 ه 1229 م أي بعد أبيه بسنتين و ذلك أن الأولاد و الأمراء ارسلوا الرسل إلي باقي الأولاد و الأمراء ليجتمعوا في القوريلتاي (المجلس العام و يعقد للأمور المهمة و القضايا الكبري المدلهمة و يتألف من أهل الحل و العقد لا تخاذ القرار فيما يمكن عمله).
و في سنة 626 ه 1229 م (و في شجرة الترك سنة 627 ه 1230 م) تم اجتماع الأولاد و أمراء المغول فوصل من جهة القفچاق (قپچاق) الأولاد دوشي (جوجي خان) و أولاده. و من جانب اتميل أوكتاي و من ناحية المشرق عمهم أوتكين و بلكتاي نوين و الجتاي نوين و الغ نوين.
و أما الأولاد الصغار فكانوا في أوردو جنگيزخان.
و في زمن الربيع حضروا كلهم في عساكرهم و اتخذوا الأفراح لمدة ثلاثة أيام متوالية ثم شرعوا فيما تقدم به جنگيزخان من الوصية و العهد بالمملكة إلي اوكتاي فامتثلوا الأوامر الجنگيزية، و اعترفوا بأهليته لذلك فاستقالهم اوكتاي الولاية قائلا: إن أمر الوالد و إن كان لا اعتراض عليه و لكن ههنا أخ أكبر مني و أعمام أولي مني بها. فلم يقبلوا منه و أصروا علي أنه لا بد من امتثال مرسوم الوالد و داموا علي اصرارهم أربعين يوما و ما زالوا يتضرعون إليه و يلحون عليه بالمسألة حتي أجاب إلي ذلك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 147
فكشفوا رؤوسهم و رموا مناطقهم علي اكتافهم و أخذ جغاتاي (أخوه الكبير) بيده اليمني و أوتكين عمه بيده اليسري فأجلساه علي سرير
المملكة و لقباه (قاآن) و أمسك له الغ نوين كأس شراب فسقاه و جثا كل من كان حاضرا داخل المخيم و خارجه علي ركبتيه تسع مرات و دعوا له، ثم برزوا كلهم إلي الخارج و جثوا ثلاث مرات حيال الشمس.
و إنما اختص الغ نوين بمسك الكأس لأنه أصغر أولاد جنگيزخان.
و من عادة المغول أن الابن الصغير لا يقتسم و لا يخرج عن بيت أبيه.
و إذا مات الأب فهو يتولي تدبير المنزل ففي تلك الأربعين يوما كان يقول اوكتاي: إن الغ نوين هو صاحب البيت و أكثر مواظبة لخدمته و أبلغ مني تعلما لسياسته. فالمصلحة تفويض هذا الأمر إليه. فلذلك سبق الجميع بتصريح الطاعة.
و أما الأمراء فانتخبوا من بناتهم الأبكار الصالحة لخدمة قاآن أربعين بنتا و حملوهن مزينات بالحلي الفاخرة و الخيول الرائعة إلي خدمته.
و لما فرغ من هذه الأمور صرف همته إلي ضبط الممالك و جهز جورماغون في ثلاثين ألف فارس و سيره إلي ناحية خراسان لتعقب السلطان جلال الدين لأنه كان أتي من الهند و استولي علي كرمان و شيراز و أذربيجان و تبريز و علي مدن أخري و جمع له جيوشا عظيمة. فلما سمع جلال الدين بسوق الجيوش عليه انسحب إلي انحاء ديار بكر فكردستان بالوجه المنوه عنه فقتله الأكراد رغبة في فرسه و كركه و قيل إنه ترك لباسه و اكتسي أثواب درويش و لم يبق له خبر فطمس أثره. و أنفذ سنتاي بهادر (و يروي سيناي بهادر) في مثل ذلك العسكر إلي جانب قفچاق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 148
و سقسين و بلغار. و جماعة أخري ذهبت إلي التبت و قصد هو بنفسه بلاد الخطا و ذلك في ربيع الأول
627 ه 1230 م فكانت الحروب سجالا بين الطرفين و بالنتيجة أكمل فتحها و في هذه الأثناء توفي تولي خان لمرض أصابه في حين أنهم كانوا مسرورين بفتح بلاد الخطا و كان أحب الإخوة إلي قاآن فاغتمّ لذلك كثيرا. و أمر أن تتولي زوجته سرقوتني بيكي (بنت أخي اونك خان هي سورقوقتي) تدبير عسكره و كان لها من الأولاد أربعة بنين أحدهم منگو قاآن و الآخر هلاكو فأحسنت تربيتهم و إدارة أصحابه.
و كانت تدين بالنصرانية.
و بعد قليل مات أيضا الأخ الكبير و هو توشي (دوشي) و خلف سبعة بنين كان أحدهم باتو تسلم بأمر القاآن البلاد الشمالية و هي بلاد الصقالبة و اللان و الروس و البلغار و جعل مخيمه علي نهر أتل و غزا هذه النواحي فانتصر انتصارات باهرة … و نالته في الأخير مغلوبية فاحشة و لكن لم تفلّ من غرب المغول و لا فترت من عزمهم و في سنة 633 ه 1236 م غزا التاتار بلد أربل و عبروا إلي بلد نينوي و نزلوا علي ساقية ترجله (لفظها ابن العبري ترجلي) و كرمليس فهرب أهل كرمليس و دخلوا بيعتها. و كان لها بابان فدخلها المغول و قعد أميران منهم كل واحد علي باب و أذنوا للناس في الخروج عن البيعة فمن خرج من أحد بابيها قتلوه و من خرج من الباب الآخر اطلقه الأمير الذي علي ذلك الباب و أبقاه فتعجب الناس لذلك.
و في سنة 634 ه 1237 م في شهر شوال غزا التاتار بلد أربل و هرب أهل المدينة إلي قلعتها فحاصروها أربعين يوما. ثم أعطوا مالا فرحلوا عنها في 6 ذي الحجة لأنهم سمعوا أن قد جاء المدد من بغداد.
موسوعة
تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 149
و في سنة 635 غزا التاتار العراق و وصلوا إلي تخوم بغداد إلي موضع يسمي زنكاباد و في ابن الفوطي إلي دقوقا، و إلي سر من رأي فخرج إليهم مجاهد الدين الدويدار و شرف الدين اقبال الشرابي في عساكرهما فلقوا المغول و هزموهم و خافوا من عودهم فنصبوا المنجنيقات علي سور بغداد.
و في آخر هذه السنة عاد التاتار إلي بلد بغداد و وصلوا إلي خانقين فلقيهم جيش بغداد فانكسر جيش الخليفة و عادوا منهزمين إلي بغداد بعد أن قتل منهم خلق كثير و غنم المغول غنيمة عظيمة و عادوا. و كانت هذه الوقعة في 3 ذي القعدة. و قد اضطرب أمر بغداد بسببها.
و يلاحظ أن المغول في حروبهم إذا أصابتهم نكبة لا يفتر عزمهم و لا تقلل من مقدرتهم و إنما يراعون الدواعي و يتخذون التدابير لإعادة الكرة … و هذا من العقل بمكانة، كما أن التزام الحكومة العراقية بالجيش و بذل المصاريف و ايجاد الشغب و الاطلاع علي الحالة و جسّ النبض … مما يعرف بحقيقة الوضع، فالقوم ليسوا غزاة طالبين الاستفادة المؤقتة و إنما هم عارفون و منتهجون خطة سليمة للفتح و اتخذوا الارهاب و القسوة وسائل لتأمينها و القضاء علي الشعب و الحكومة معا …
و بعد هذا التاريخ جرت للمغول حروب عظمي سواء في الاناضول أو الكرج و الأرمن و أذربيجان و كانوا المنتصرين فنهبوا و سلبوا و قتلوا …
ثم مضوا فلم يسلم منهم المسلمون و لا النصاري فقد عم أذاهم الطوائف جميعها …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 150
و في سنة 642 ه 1245 م أغار التتر علي بغداد و لم يتمكنوا من منازلتها
… أو بالتعبير الصحيح عادوا بعد أن قتلوا و نهبوا و منهم كان فريق عبر دجيل و فعل هناك مثل هؤلاء …
و في سنة 643 ه 1246 م مرض القاآن. و لما اشتد مرضه سير رسولا في طلب ابنه كيوك فلم يمهله القضاء للاجتماع به فأقام بالمكان الذي بلغه فيه وفاته. و كانت والدته توراكنه خاتون ذات دهاء كاف و فطنة فاتفق جغاتاي و باقي الأولاد علي أنها تتصرف في تدبير الممالك إلي وقت القوريلتاي (مجلس الشوري) لأنها أم الأولاد الذين لهم الاستحقاق في الخانية.
و في و زمن هذا القاآن نري المحاربات شديدة و لكنها لا تخرج عن كونها غزوا و نهبا و سلبا لحد هذا التاريخ و لم تستقر الحكومة و تكتسب شكلا مدنيا منظما، أو أنها لم تتيسر لها إدارة الممالك المضبوطة و الوقوف مع المجاورين عند حد دولي معروف، و أن إرسال الرسل و المخابرات لم تدعهم يركنون إلي مسالمة فلا يرضون بغير التسليم و الانقياد التام …
هذه هي الحالة العامة لحكومة المغول، و لا يفوتنا أن نذكر لهذا القاآن خطته الدالة علي التعديل نوعا في الأوضاع السياسية و تطييب قلوب المسلمين و هي:
1- يحكي أنه جاء رجل لا يؤمن بالدين الإسلامي فقال له: «إني
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 151
رأيت رؤيا، قال لي جنگيزخان فيها في الحلم: أخبر اوكتاي أن يقتل المسلمين!» فقال له هل هو الذي قال لك أو ترجمانه. فقال هو قال لي من لسانه ثم سأله اوكتاي عن معرفته اللغة المغولية فأجاب بالسلب.
و حينئذ قال: اقتلوه! تكلم بالكذب. لأن جنگيزخان لا يعلم لغة سوي لغته.
2- و يحكي أنه كان اوكتاي قاآن أمر أن تذبح الشياه بشق
صدرها لا بذبحها من مذبحها. فأخذ أحد المسلمين شاة و أغلق بابه فذبحها بالوجه الشرعي عند المسلمين. و حينئذ جاءه مغولي فدخل عليه و أخبر الملك بذلك. فقال إنه أطاع الأمر بغلقه الباب فلا يستحق عقوبة، و أمر بقتل المغولي لانتهاكه حرمة دار المسلم.
و القصص و الحكايات تنقل عن لطفه و كرمه … بكثرة و كان له أربع زوجات و 60 سرية، و له من الأولاد سبعة منهم خمسة من زوجته توراكنه و اثنان من السرايا. و ولي عهده حفيده شيرامون كوجو [و نظرا لقول الخواجه رشيد الدين هو كوجر].
و قد خلفه ابنه كيوك رغم وصيته بأن يكون ابن ابنه شيرامون كوجو.
في سنة 644 ه 1247 م تم اجتماع الأولاد و الأحفاد و أمراء المغول في وقت الربيع. و حضر في المجمع من غير المغول جماعة مما وراء النهر و تركستان الأمير مسعود بيك، و من خراسان الأمير أرغون آغا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 152
و صحبته أكابر العراق و اللور و اذربيجان و شروان و وفود آخرون من الروم، و من الأرمن، و من كرجستان، و من الشام، و من بغداد فخر الدين قاضي القضاة، و من علاء الدين صاحب الالموت محتشمو قهستان …
فلما تم هذا المجمع الذي لم يعهد مثله وقع الاتفاق علي گيوك.
و إنما اختير هو دون إخوته لكونه مشهورا بالغلبة و الشطط و الاقتحام و التسلط. و كان هو أكبر الإخوة فأهل للولاية و أجلس علي سرير الملك و خدموه و دعوا له كالعادة و سموه گيوك قاآن و كان قد حضر حفلة سلطنته اثنان من قسوس الافرنج.
و في سنة 645 ه 1248 م ولي گيوك خان علي بلاد
الروم و الموصل و الشام و الكرج (و في رواية و الأرمن) نوينا اسمه ايلجيكتاي؛ و علي ممالك الخطا الصاحب محمود يالواجي و علي ما وراء النهر و تركستان الأمير مسعود، و علي بلاد خراسان و العراق و اذربيجان و شروان و اللور و كرمان و فارس و اطراف الهند الأمير ارغون آغا …
و أما رسول الخليفة فخاطبه خطاب واعد و موعد بل واعظ و منذر.
و أما رسل الملاحدة فصرفهم مذلين مهانين …
و كان بمقام الاتابكية لكيوك خان أمير كبير اسمه قداق و شاركه أمير آخر اسمه جنيقاي (و يروي تجنيفاي) قال العبري و هذان أحسنا النظر إلي النصاري و حسنا اعتقاد كيوك خان في النصرانية و والدته و أهل بيته فصارت الدولة مسيحية …
و قال صاحب الشجرة إن هذا الملك وزع الخزائن علي الناس بصورة لم يسبقه إليها أحد قبله و كان يراعي النصاري و مبني هذا الاتفاق … دامت سلطنته سنة واحدة.
و بهذا وزع الأعمال و شرع في تنظيم الحكومة و ترتيبها. و في سنة 647 ه 1249 م توفيت توراكينه خاتون أم كيوك خان فتشاءم كيوك خان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 153
و رحل إلي البلاد الغربية. و لما وصل إلي ناحية قمستكي و بينها و بين مدينة بيش باليغ خمس مراحل ادركه أجله في تاسع ربيع الآخر من السنة المذكورة. فأرسلت زوجته المسماة قاميش و في العبري (أغول غانميش) رسولا إلي باتو بن تولي و أعلمته بالقضية و توجهت هي إلي جانب قوناق و ايميل و أقامت بالمكان الذي كان يقيم به كيوك خان أولا. فسيرت سورقوقتي بيكي زوجة تولي خان و هي أكبر الخواتين يومئذ إليها رسولا تعزيها و حمل إليها
ثيابا و بوقتاقا (و يروي و بوقتايا).
أما باتو فإنه سار من بلاده الشمالية متوجها إلي المشرق ليجتمع بكيوك خان لأنه كان يلح عليه بالمسير إليه. فلما وصل إلي موضع يقال له الاقماق و بينه و بين مدينة فياليق ثماني مراحل بلغه وفاة كيوك خان. فأقام هناك و سير رسولا إلي قاميش (اغول غانميش) زوجة كيوك خان و أذن لها بالتصرف في الممالك إلي أن يقع الاتفاق علي من يصلح للأمر و أرسل أيضا إلي الجوانب ليجتمع الأولاد و العشائر و الأمراء.
هو ابن تولي خان من زوجته الكبري سورقوقتي بيكي بنت
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 154
جاكمپو، أخ اونك خان ملك كرايت. و للمترجم زوجات و سراري (قوما) كثيرة.
ففي سنة 648 ه 1251 م اجتمع أولاد الملوك و أمراء المغول.
فوصل من حدود قراقروم مانگو بن تولي خان و أما سيرامون و باقي احفاد و خواتين القاآن فسيروا قونقو رتقاي و كتبوا خطهم أنه قائم مقامهم و أن باتوهو أكبر الأولاد و هو الحاكم و هم راضون بما يرضاه.
و أما اغول غانميش خاتون (قاميش) زوجة كيوك خان و من معها من أولاد الملوك فوصلوا إلي خدمة باتو و لم يقيموا عنده أكثر من يوم بل رجعوا إلي معسكرهم و استنابوا أميرا منهم يقال له تيمور نوين و أذنوا له أن يوافق علي ما يتفق عليه الجمع كله و إن اختلفت الأهواء فلا يطيع أحدا حتي يعلمهم كيفية الحال. فبقي جغاتاي و مانگو و سائر من كان حاضرا من الأولاد و الأحفاد و الأمراء يتشاورون أياما في هذا الأمر و فوضوا الأمر إلي باتو لأنه أكبر الجماعة و أسدّهم رأيا. فبعد ثلاثة أيام من يوم التفويض قال:
إن مثل هذا الخطب الخطير
ليس فينا من يفي بحق القيام به غير مانگو. فوافقوه كلهم علي ذلك و أجلسوه علي سرير المملكة في قراقروم و كلوران أصل وطن جنگيزخان. و باتو مع باقي الأولاد و الأكابر خدموه جاثين علي ركبهم كالعادة. ثم انصرف كل واحد إلي محله بناء علي أنهم يجتمعون في السنة المقبلة يعقدون مجمعا كبيرا (قوريلتاي) ليحضره الأولاد و الأكابر ممن لم يحضر الآن إتماما للبيعة العامة.
و في سنة 649 ه 1251 م وقت الربيع حضر أكثر الأولاد مثل بركه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 155
اغول و أخيه بغاتيمور و عمهم الجتاي الكبير و الأمراء المعتبرين من أردو جنگيزخان. و في اليوم التاسع من ربيع الآخر كشفوا رؤوسهم و رموا مناطقهم علي اكتافهم و رفعوا مانگو علي سرير المملكة و سموه مانگو قاآن و جثوا علي ركبهم تسع مرات. و كان له حينئذ سبعة من الإخوة منهم قبلاي و هلاكو … فترتبوا جالسين علي يمينه و الخواتين علي يساره و أقاموا الاحتفال و المهرجان لمدة سبعة أيام.
و حينئذ نظم مانگو قاآن أمور حكومته و أرسل بعض الجيوش إلي الثغور و صار يرعي شؤون البلاد التي تحت سلطته و يقضي حاجات اتباعه و أعوانه من قريبين و بعيدين.
و أول فكرة عرضت له بعد أن تمت مراسم جلوسه و انفضاض المهنئين الذين جاؤوه للتبريك أن أرسل بايجو نويان مع جيش جرار لمحافظة ايران. و هذا حينما وصل إلي محل مأموريته بعث رسولا إلي الخليفة يعرض فيه شكواه من الملاحدة و حينئذ قدم إليه قاضي القضاة شمس الدين القزويني طاعته و المثول بين يديه. و كان القاضي لابسا درعا. و بين إلي بايجو نويان أنه يخشي من الملاحدة أن
يظفروا به و يقتلوه. و لذا لبس الدرع. ثم أخذ يظهر تألمه من تغلب هؤلاء الملاحدة. و أن هذا القاضي طلب أن تعرض شكواه إلي القاآن.
و في سنة 650 ه 1252 م توجهت قاميش (اغول غانميش) و جماعتها في عساكرهم نحو فيلق مونگو قاآن (مانگو). و كان المقدم علي جيوشهم سيرامون و نافوا. و لما قربوا اتفق أن رجلا من اردو مانگو قاآن من الذين يربون السباع لأولاد الملك هرب منه أسده فخرج في طلبه متحريا عنه في الجبال و الصحاري فاجتاز بطرف من عسكر سيرامون فوجد صبيا منهم قد انكسرت عجلته و هو جالس عندها فلما رأي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 156
المذكور مجتازا استدعاه ليستعين به في ترميم عجلته. فأجابه إلي ذلك و نزل عن فرسه و أخذ يصلح معه العجلة فوقع بصره علي أسلحة مستورة في باطن العجلة فسأل الغلام عنها فقال له ما أغفلك كأنك لست منا كيف لا تعرف أن كل العجلات التي معنا كهذه مشحونة بآلات الحرب.
فلما تحقق ذلك ترك الأسد الآبق و سار مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد عائدا إلي اصحابه و أعلمهم بما رأي و سمع. فأمر مانگو قاآن أن يمضي إليهم (منكسار) في ألفي فارس و يستطلع حالهم. فمضي و ذكر ما نقل عنهم فلم يتمالكوا توجيه أمرهم و داخلهم الرعب و لم يسعهم إلا التسليم لما يقضي به القاآن عليهم.
و لما حضر الكبير منهم و الصغير وقع السؤال و ثبتت الجريمة عليهم فعوقبوا بما استوجبوا من الهلاك و تقسيم عساكرهم علي الأولاد و الأمراء. فتم القضاء علي أمر المخالفين.
بعد أن قضي علي المخالفين شرع في ترتيب العساكر و ضبط الممالك. فأقطع بلاد
الخطا و ما چين و قراجائك (الظاهر قراخطا) من حد الميري إلي سليكاي [سولنقا] و تنكوت [تنكقوت] و تبت و جورجه و كولي لقبلاي اغول (و في الرشيدي قوبلاي). أخيه، و البلاد الغربية و تحصيل الأموال لهلاكو أخيه، و ولي علي البلاد الشرقية من شاطي ء جيحون إلي منتهي بلاد الخطا الصاحب المعظم يلواج (هو محمود يالواجي) و ولده مسعود بيك، و علي ممالك خراسان و مازندران و هندوستان و العراق و فارس و كرمان و لور و أرّان و أذربيجان و كرجستان و الموصل و الشام الأمير ارغون آغا (كذا في العبري … ) و أمر أن يؤدي المتمول الغني في بلاد الخطا في السنة 15 دينارا و الوضيع الفقير دينارا واحدا. و ببلاد خراسان يزن المتمول في السنة 10 دنانير و الفقير دينارا واحدا. و عن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 157
ذوات الأربع مما يسمونه [قويجور] يؤخذ واحد عن مائة رأس من جنس واحد و من ليس له مائة لا يؤخذ منه شي ء.
و أطلق العباد و أرباب الدين من الوثنيين و النصاري و المسلمين من جميع المؤونات و الأوزان و التكاليف …
إن القاآن كان يري في سيماء أخيه هلاكو خان إمارات الفتح و الغلبة و يتفرس في عزائمه أنه سيستولي علي العالم كما أنه يفكر في أن بعض الممالك الآن في حوزة آل جنگيزخان و البعض الآخر لا يزال في تصرف غيرهم و لم تدخل بعد في حوزتهم و تحت سلطتهم و أنه يلاحظ أن فسحة العالم واسعة الأرجاء فعزم أن يدع كل صوب و إقليم إلي إدارة واحد من إخوته و أمرته فيجعلها تحت سلطانهم و يكون هو في وطنه مترفها
و رئيس الكل في منتصف الممالك فيقرر العدل كما يجب …
نضج هذا الفكر عنده و تم له تدبيره فجهز إخوته تنفيذا لما ارتآه و لا يهمنا تفصيل القول عن وقائع الأقاليم الأخري و ما أحرز فيها من نصر و ما تأسست من حكومة إذ لا تعلق لها بنا سوي أننا نقول إن هذه الحكومة كان حليفها النصر حيثما توجهت و نكتفي ببيان طراز قيامهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 158
و الخطة التي مشوا بمقتضاها لفتح العالم.
و ذلك أنه بعد أن نضج هذا الفكر و تم التدبير جهز أحد إخوته و هو قبلاي قاآن بجيش إلي ممالك خيتاي و ماچين و قراجائك و تنكقوت و تبت و جورجه و سولنقا و كولي و بعض اقاليم الهند التي تتصل بخيتاي و ماچين.
و من ثم انقطعت عنا أخبار الحكومة الأصلية إلا قليلا فصرنا لا ننظر إلا إلي وقائع هذا القائد و الفاتح العظيم (هلاكو) خان فإنه انفصل رويدا رويدا عن أصل حكومته التي أسسها جنگيزخان. و لذا نري البعض يزعم أنه الملك المطلق و الخان الأعظم.
ففي سنة 651 ه 1253 م توجه هلاكوخان من نواحي قراقروم إلي الأقطار الغربية و سير معه منگو قاآن خمس الجيوش و صحبه أخوه الصغير سنتاي أوغول، و من جانب باتو يلغاي ابن سبقان و قورنار اوغول و قولي (و يروي بلغاي عوض يلغاي و تولا عوض قولي) في عساكر باتو، و من قبل جغتاي تكودار (و يروي توكدار) اوغول ابن بوخي اغول، و من جانب جيجكان بيكي بوقا تيمور في عسكر الاويرات، و من ناحية الخطا ألف بيت من صناع المنجنيقات و أصحاب الحيل في إصلاح آلات الحرب. فكان أمير الترك
كيدبوقا الباورجي، و كان القائم مقام هلاكو بجيش منگو قاآن ولده جومغار بسبب أن أمه أكبر خواتين أبيه هلاكو.
و من الأمراء الذين رافقوا هلاكو خان: دوقوز خاتون و هي أعظم الخواتين. و اولجاي خاتون، و الابنان الكبيران: آباقا، و يشموت [و ما ورد في العبري من أنه يسمون فغير صحيح].
فالقاآن كان أمره أن يتوجه أولا لجهة غربي ايران ثم يذهب إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 159
سورية و مصر و الروم و أرمينية، فباشر في العمل و استصحب معه الجيوش التي كانت أرسلت من قبل مع بايجو نويان كما أن القاآن عززه بجيوش أخري، فهاجم بهم الغرب.
و كان منگو قاآن قد وصي هلاكو بالوصية التالية قائلا ما مؤداه:
«إني مرسلك مع هذا الجيش الجرار من ملك توران (طوران و لا يزال العرب و الغرب يقولون اللغات الطورانية) إلي مملكة ايران و موصيك ان تعمل بمقتضي يوسون (تعاليم أو بالتعبير الأصح قواعد) و ياسا جنگيزخان في كليات الأمور و جزئياتها، نفذ تعاليم جنگيزخان بحذافيرها و لا تتهاون بها، و اعلم أن من أطاعك و انقاد لأمرك و نهيك من هنا إلي أقصي بلاد مصر فاخفض له جناحك و أظهر له حبك، و من عصاك أو خالفك فاسحقه و أذله مع زوجه و ولده و سائر أقربائه و متعلقاته و نكّل بهم جميعا.
«ابدأ بهدم القلاع و الأسوار و الاستحكامات و خرّبها من أول قهستان إلي منتهي خراسان، فإذا أنهيت ذلك و تم لك الفوز في ايران فتوجه نحو العراق، و أهلك من انتصب لمناوأتك و أراد أن يكون عثرة في طريقك من لرّ و كرد و غيرهما ممن يعادونك أو يعارضونك.
«و لا تتعرض للخليفة ببغداد إن
كان أظهر لك الطاعة و انقاد لخدمتك. و أما إذا أبدي غرورا و كبرا و لم يخلص لك قلبا و لسانا فعامله كغيره ممن سبق.
«و عليك أن تجعل العقل رائدك و الرأي الصائب مقتداك و نهجك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 160
في كل الأحوال و لا تزغ عن ذلك، و أن تراعي الحيطة و الرزانة و تكون يقظا متنبها في جميع الأحوال.
«و لا تكلف الرعايا بتكاليف باهظة لا يطيقونها و لا يستطيعون القيام بها، و عليك أن ترفه عليهم، و أن تعمر البلاد التي كنت استوليت عليها و هدمتها في حينها، و أعد لها عمارتها ثانية.
«و عليك أن تفتح ممالك الطغاة بالقوة الإلهية لتكون الممالك المفتوحة ميدانا فسيحا للمربع و المشتي و أن تشاور في جميع القضايا دوقوز خاتون و تعقد معها مجلسا». انتهي.
و كان في نية منگوقاآن أن يرسل هلاكو بجيش عظيم ففعل و عززه بغيره و أمله أن يبقي في ايران بعد الاستيلاء عليها و يكون سلطانا مطلقا فيها، و لكنه أمره ظاهرا أن يرجع إليه إذا تم له الفوز.
و بعد أن أتم وصاياه و نصائحه بهذا الوجه أكرمه و من تبعه من الخواتين و الأولاد كلّا علي حدة في الذهب و اللباس و الخيل ما يليق بهم من وافر العطايا و أنعم علي بقية الأمراء و الأتباع الذين كانوا بصحبته …
و لما وصلوا حدود تركستان استقبلهم صاحب تركستان و ما وراء النهر أمير مسعود بك و أمراء تلك الأنحاء. و قاموا بخدمات جلي نحوهم و قدموا الهدايا اللائقة.
و الحاصل أن هلاكوخان ذهب إلي معسكره في أواخر سنة 650 ه 1253 م في ذي الحجة و في ذي الحجة من سنة 651
ه 1254 م توجه لغربي ايران. فكانوا أثناء ذهابهم يسهلون الطرق و المعابر للمرور و ينشئون الجسور علي الانهار و كل واحد من الأمراء و الأولاد يدبر الجيش الذي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 161
في عهدته و تحت قيادته و يسعي في نظامه و ترتيبه لئلا يتشوش انتظامه.
و في سنة 652 ه 1254 م تواردت (الرسل) في طلب السلطان عز الدين صاحب الروم ليحضر بنفسه في خدمة منگو قاآن. فاعتذر بظهور أعداء له من ناحية المغرب. و قد أوضح أبو الفداء العلاقة معهم في حوادث سنة 641 ه و ما بعدها، فنكتفي بالإشارة هنا.
: و في شعبان سنة 653 ه 1255 م نزل هلاكو بمروج مدينة سمرقند، أقام بها أربعين يوما و حينئذ استقبله الملك شمس الدين كرت و نال حظوة عند الخان أكثر من غيره من سائر الذين استقبلوه و هناك أدرك أخاه سنتاي اوغول اجله و أخبر بوفاة أخيه الآخر في طرف بلاذر فتكدر خاطره لهاتين الوقعتين فوصل إليه الأمير أرغون و أكثر اكابر خراسان و قووا عزمه.
ثم و صلوا خراسان و عسكروا هناك. فأقاموا شهرا واحدا في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 162
خلاله نشروا أوامر (يرليغات) إلي ملوك الطوائف تشعر بنواياهم و أنهم لم يأتوا بقصد التسخير. و إنما جاؤوا لإبادة (الملاحدة) و القضاء علي هذه الطائفة المفسدة. و من سلم و أتي إلي المعسكر و ساعد بالعدد و العدة بقي له وطنه و حافظ علي جيوشه و أهليه و قبلت طاعته …
و من أبدي التهاون و الإهمال في امتثال الأمر فحينئذ و إثر أن نسحق تلك الطائفة بقوة الباري تعالي نتوجه علي العاصي و لا نسمع منه عذرا
و نعامله آنئذ بما نعامل به الطائفة المذكورة.
و أرسل هلاكو لتبليغ هذه الأوامر سفراء سريعي السير. و حين سمعوا بالخبر وافت الوفود من أنحاء كثيرة لعرض الطاعة. فورد من الروم السلاطين عز الدين و ركن الدين، و من فارس سعد ابن اتابك مظفر، و من العراق و خراسان و أذربيجان آخرون. و كذا من كرجستان و غيرها. فأبدوا الطاعة و الانقياد.
و في غرة ذي الحجة سنة 653 ه 1256 م انشأوا جسرا علي نهر جيحون و عبروا. و كان الوقت شتاء شديد البرد لا يقشع غيمه و لا ينقطع وقوع الثلج، و هناك قضي جيشه الشتاء فلم يستطع المضي لتلف الخيول الكثيرة. فأمر الأمراء أن يقصدوا في عساكرهم قلاع الملاحدة …
و كان مقدم الإسماعيلية يومئذ ركن الدين خورشاه بن علاء الدين و أخربت خمس قلاع من قلاعه التي لم يكن فيها ذخائر للحصار و أقبل رسول هلاكو إلي حد قصران و كان أرسل كيتو بوقا نويان قائدا بتاريخ جمادي الثانية سنة 650 ه 2652 م إلي حرب الملاحدة فذهب إلي هناك.
و في اوائل المحرم لسنة 651 ه 1253 م عبر نهر جيحون و أخذ يغزو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 163
ولايات قهستان. و كان معه خمسة آلاف من الخيالة و مثلهم من المشاة و وصل إلي كردكوه.
و في خلال المدة بين ربيع الأول لسنة 651 و صفر سنة 655 ه 1257 م استولي علي بقاع عديدة حتي حدود زاوه … فتمرض هناك، من ثم أرسل كوكا ايلكا و كيتوبوقانويان مع سائر الأمراء لفتح باقي المدن.
و في 7 ربيع الأول و صلوا إلي بلدة تون و في 19 ربيع الآخر استولوا علي بلدة شهرستان و
توجهوا نحو طوس ففتحوها و توجهوا إلي دامغان و خربوا الموت (عاصمة الإسماعيلية).
و في هذه الأثناء لازم الخواجه نصير الدين الطوسي هلاكوخان و كان في خدمة علاء الدين محمد بن الحسن الإسماعيلي فحظي عنده و أنعم عليه فعمل الرصد بمراغة. ثم توجه نحو خورشاه ملك الإسماعيلية للاستيلاء علي قلاعه و بلاده و كان من محاسن الصدف- كذا قال الخواجه رشيد الدين- مرافقة نصير الدين الطوسي لهلاكو في هذه الحملة. و كان هو السبب في حقن الدماء و تسليم البلاد لهلاكو. لأن الناس كانوا لا يستطيعون الحرب معه فسعي في المسالمة و أخذ ينصح خورشاه لطاعة هلاكو و الانقياد له. فقبل خورشاه النصيحة. و كان يتماهل في إظهار الطاعة إلي أن حاصروه من جميع الجهات في قيادة بوقاتيمور و كوكا ايلكا و ذلك في 14 شوال سنة 654 م 1256 م حتي اضطروه إلي التسليم في اواخر ذي القعدة من السنة المذكورة. و قتل سنة 655 ه. فافتتحت بلاد الملاحدة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 164
هذه الحكومة من حكومات الإسماعيلية، دامت من سنة 473 ه (و علي قول صاحب جامع التواريخ من سنة 477 ه) إلي سنة 654 ه ولي أمرها ثمانية امراء أولهم الحسن بن علي بن محمد الصباح الحميري و آخرهم ركن الدين خورشاه؛ و كانت قاسية في حكمها و أنتهكت حرمات و قتلت علماء و أمراء، و أجرت مظالم سجلها التاريخ عليها …
و هذه قائمة بأسماء حكامها:
1- الحسن بن علي بن محمد الصباح (473 ه 1081 م: 518 ه 1125 م).
2- كيابزرك أميد (518 ه 1125 م: 533 ه 1139 م).
3- كيا محمد بن كيابزرك أميد (533 ه 1139 م: 557
ه 1162 م).
4- الحسن بن كيا محمد (557 ه 1162 م: 561 ه 1166 م).
5- خواند محمد بن الحسن (561 ه 1166 م: 607 ه 1211 م).
6- خواند جلال الدين حسن ابن خواند محمد (607 ه 1211 م:
618 ه 1222 م).
7- خواند علاء الدين محمد ابن خواند جلال الدين حسن (618 ه 1222 م: 653 ه 1256 م).
8- خواند ركن الدين خورشاه بن علاء الدين محمد (653 ه 1256 م: 654 ه 1257 م).
و هذا الأخير و والده قتلهما المغول و قضوا علي ادارتهم …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 165
و قال في جامع التواريخ ملوكهم سبعة بإغفال جلال الدين حسن السادس من المذكورين في القائمة.
و أوضح عقائدهم ناصر خسرو في كتبه (وجه دين)، و (زاد المسافرين)، و (سفر نامة)، و (روشنائي) و غيره و كان هذا قد تلقي تعاليمه من مصر مركز الدعوة، و من نفس قرامطة البحرين فصارت أساسا لهؤلاء …
و يعتقدون ما يعتقده غلاة التصوف من الوحدة و الاتحاد و الحلول و هم منهم، و يتمسكون بالفلسفة اليونانية، و بأمور من شأنها ابطال الشريعة الإسلامية بالركون إلي تأويلات خرجوا بها عن مدلول اللفظ، و صرفوها عما يفهم منها إلي معاني الحروف، و الرموز المكنونة فيها و هي من اختراعهم لتوجيه الناس إليها دون الالتفات إلي معاني الآيات …
و منهم اشتقت عقائد (غلاة التصوف)؛ و (الحروفية)، و (الدروز)، و الأغاخانية و الكشفية و البابية، و البهائية … في أزمنة مختلفة، و أشكال متنوعة …
و أصل عقيدتهم تسليم القياد للأشخاص بحيث يعدونهم تارة آلهة، و أخري أئمة أو دعاة، أو دعاة الدعاة و هكذا … فيتمسكون بالأشخاص تمسكا ليس وراءه حد …
و قد
تكلم كثيرون عن عقائدهم، و أظهروا بعض ما أبطنوا منها، و لا تزال المجاهيل عديدة، و اشتهر من كتبهم (رسائل إخوان الصفا)، و كتب، (ناصر خسرو)، و في كتب الملل و النحل بيانات كثيرة عن عقائدهم، و في (كتاب الفرق) و عندي مخطوط منه تفصيل كثير عن عقائدهم، و طريق دعوتهم، و مؤلفه أبو محمد لا نعرف عنه أكثر من أنه يمان، مجاور لهم، اطلع علي مؤلفاتهم و نقل عنها عازيا كل قول لصاحبه …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 166
و عند استئصال هذه الفرقة من قبل هلاكوخان طلب علاء الدين الجويني من هلاكو حينما كان في (لمسر) أن يطلع علي مكتبتهم المشهورة في بلدة (الموت) فوافق و حينئذ ذهب إليها و أخرج منها المصاحف و الكتب النفيسة، و الكراسي و كتاب الحلق، و الاسطرلابات و غيرها فانتقاها من بين كتبهم، و حرق الباقي مما يتعلق بضلالاتهم مما لا يستند إلي معقول أو منقول … حكي ذلك كله الجويني و نشر لهم ملخص ما يسمي عندهم ب (سيرة سيدنا) (سركذشت سيدنا) في مناقب الحسن ابن الصباح مؤسس حكومة الملاحدة، ذكر ذلك في الجلد الثالث من كتابه (جهان گشا)، ثم بسط القول أكثر الخواجه رشيد الدين في كتابه جامع التواريخ في المجلد الثاني منه …
و لا تزال كتب الإسماعيلية موجودة في الهند و اليمن. و قد عثرنا مؤخرا علي رسالة منظومة في عقائدهم تسمي (سمط الحقائق) للداعي علي بن حنظلة بن أبي سالم …
و علي كل ما زالت و لا تزال النشرات عنهم متوالية …
و في شوال سنة 654 ه كان توجه هلاكو نحو مدينة طالقان، و منها توجه نحو قهستان.
و في ربيع الأول
سنة 655 ه أتم هلاكوخان أمر الملاحدة و توجه من قزوين إلي همذان و حينئذ وصله القائد باجونويان من حدود آذربيجان. فعاتبه هلاكوخان و قال إني لولا كثرة الجيوش و وعورة الطرق لافتتحت بغداد. و أنقذتها من أيدي الكفار (يقصد الخلفاء). ثم ذهب بايجو نحو الروم و حارب الأمير غياث الدين بن علاء الدين في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 167
قبلاي قاآن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 168
مكان يسمي كوسه داغ فكان المنتصر.
أما هلاكو خان فإنه مع سائر أمراء الجيش أخذ يهيي ء العدد في صحراء همذان بقرب كردستان و يستعد للكفاح.
و في هذه الأثناء سيّر السلطان عز الدين رسولا إلي خدمة هلاكو خان شاكيا علي باجو نويان أنه ازاحه من ملكه فأمر هلاكوخان أن يقتسم الممالك هو و أخوه ركن الدين …
ثم خرج بايجو نويان من حدود الروم طالبا العراق. و لما وصلوا ملطية خرج أهلها إلي خدمة بايجو نويان بأنواع الهدايا (الترغو) و التحف …
توجه هلاكو علي بغداد- تردد الرسل: في 9 ربيع الآخر سنة 655 ه 1257 م وصل هلاكو خان إلي دينور قاصدا بغداد و من هناك رجع إلي همذان في 12 رجب من تلك السنة.
و في 10 رمضان أرسل رسولا إلي الخليفة مزودا بالتهديدات و الوعيد و معاتبا له في عدم نصرته له في حرب الملاحدة (الإسماعيلية) قائلا:
«كلما استنجدت بك اعتذرت و لم تبعث لنا مددا مع أنك من عائلة قديمة و سلالة نبيلة. أما سمعت بأننا من ظهور جنگيزخان إلي يومنا هذا قد أصبنا العالم ما أصبناه بجيشنا المغولي و ألحقنا بالأسرة الخوارزمية و السلجوقية و ملوك الديالمة و الاتابكية و غيرهم ما ألحقنا مع ما كانوا
عليه من الكبرياء و العظمة و المقدرة … أما رأيتم ما نالهم الآن من الذل و الهوان …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 169
و لم تكن بغداد في يوم مسدودة علي هؤلاء الأمراء. و إنما كانت مفتحة الأبواب لهم فكيف تكون مغلقة في وجوهنا و موصدة عنا مع ما لنا من الحول و السلطة و العظمة …
إننا نحذرك مغبة المناوأة و العداء و أن تتقي الحرب و إلا تضرب …
فالشمس لا تستر بغربال … هذا و قد مضي ما مضي فعليك أن تهدم القلاع و تطمّ الخنادق و تسلم البلدة و الممالك إلي أحد أولادي، و أن تتوجه لملاقاتنا، و إذا صعب عليك المجي ء فأرسل إلينا الوزير و سليمان شاه و الدواتدار ليأخذوا العهد منا و يوصلوه إليك بلا زيادة و لا نقصان.
و إذا لم تفعل ذلك و لم تراع ما انطوي عليه هذا الكتاب فتأهب للقتال و استعد للنضال و جهز جيشك و عين جبهة القتال. فإنا متهيئون للكفاح، و مستأنسون به …
فإذا جهزت العساكر و غضبت عليك فاعلم أنك لا تنجو مني و لو صعدت إلي السماء أو اختفيت في باطن الأرض فلا واقي لك … و إن أردت أن تبقي رئيسا لأسرتك القديمة النبيلة فاسمع نصيحتي … و إلا فنري ما يريد اللّه بنا و بكم». انتهي.
هذا و كان أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سير رسولا إلي الخليفة المستعصم يطلب منه نجدة- كما أشار في هذا الكتاب- فأراد الخليفة أن يسير إليه فلم يمكنه الأمراء و قالوا:
إن هلاكو رجل صاحب احتيال و خديعة. و ليس محتاجا إلي نجدتنا. و إنما غرضه إخلاء بغداد من الرجال ليملكها بسهولة …
فتقاعد الخليفة بسبب ذلك
عن إرسال الرجال. و لما فتح هلاكو تلك القلاع أرسل رسولا آخر إلي الخليفة و عاتبه علي إهماله تسيير النجدة بكتابه المدون اعلاه فوصل الرسل إلي بغداد و أنذروا الخليفة و حينئذ شاور الوزير فيما يجب أن يفعلوه فقال:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 170
- لا وجه لإرضاء هذا الملك الجبار إلا ببذل الأموال و الهدايا و التحف له و لخواصه …
و عند ما أخذوا في تجهيز ما يسيرونه من الجواهر و المرصعات و الثياب و الذهب و الفضة و المماليك و الجواري و الخيل و البغال و الجمال قال الدويدار الصغير و أصحابه:
إن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التتار و هو يروم تسليمنا إليهم.
فلا نمكنه من ذلك!!
و حينئذ أبطل الخليفة تنفيذ الهدايا الكثيرة و اقتصر علي شي ء نزر لا قيمة له و أرسله مع شرف الدين عبد اللّه ابن استاذ الدار محيي الدين يوسف ابن الجوزي و كان رجلا فصيحا و جعل صحبته جماعة سيرهم مع رسل هلاكو، و زود الخليفة رسله بجواب إلي هلاكو و هو:
أيها الولد الغر الذي لم يبلغ الحلم أظن أنك تريد أن تذهب بحياتك و تتطلب قصر الأجل، تتخيل أن اقبال الأيام و مساعدة الظروف تدوم لك، كأنك تحاول أن تسيطر علي العالم، و تحسب أن أمرك قضاء مبرم، و إرادتك حكم محتم، فأراك تطمع بما لا يتيسر … !
أما تعلم أن أهل المشرق و المغرب من غني و فقير و شيخ و شاب ممن يدينون بدين اللّه يذعنون لي بالطاعة، و إذا أشرت عليهم أن يجمعوا شملهم فعلوا و استولوا علي ايران و توجهوا من هناك إلي توران فاكتسحوا ممالككم إلا أني لا أرغب في ايجاد
البغضاء و لا أود أذي الخلق فلا أحب أن يفتح لسان الوري من هيبة جيوشي و رهبتهم بتحسين أو استياء … !!
و أنت لو كنت تزرع بذر المحبة و السلم في قلبك لما كنت تكلفنا بهدم القلاع و طمّ الخنادق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 171
و الحاصل أدعوك أن ترجع إلي خراسان! و إلا فإن جيشنا كبير يحجب غبار خيله نور الشمس». انتهي.
و أرسل معهم بعض الهدايا و التحف كما تقدم.
و لما صار رسل هلاكو خارج بغداد كانت الصحراء مملوءة من عوام الناس و أخذوا يسبون الرسل و يظهرون السفه. و كانوا يأخذون بأثواب الرسل و يمزقونها و يشتمونهم و يتفوهون بما يؤذونهم به … فلما علم الوزير بذلك أرسل من يفرقون هؤلاء السفهاء عنهم.
و حينما وصل الرسل إلي هلاكو عرضوا عليه ما شاهدوه و ما نالهم فغضب هلاكو و قال:
تبين أن الخليفة ليس له كفاءة. فإذا ساعدني اللّه و أمدني بمدد منه فسأقوم معوجّه!!.
ثم وصل رسل الخليفة إلي هلاكو عقيب ذلك و هم ابن الجوزي المذكور و بدر الدين وزنكي و بلغوا الرسالة فغضب هلاكو من كلمات الخليفة و قال في نفسه:
يظهر أن اللّه يريد السوء بهؤلاء القوم!
و أذن هلاكو بانصراف رسل الخليفة و قال لهم:
إن الخالق القديم منذ نشر لواء جنگيز و هبنا وجه الأرض من الشرق إلي الغرب فكل من كان مخلصا لنا حفظ ماله و أهله و أولاده و نجا من مخالب الموت و من خالفنا فليس له أمان و لا أمن.
و أخذ يعاتب الخليفة و كتب له:
إن حب الجاه و المال و الغرور قد أثر ببصيرتك بحيث لم تسمع نصائح المصلحين و مريدي الخير و لم تعد تسمع أذناك
كلام المشفقين فانحرفت عن طريق آبائك و أجدادك فعليك أن تستعد للقتال فإني سائر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 172
عليكم نحو بغداد بجيوش عدد النمل و الجراد. و إذا تبدلت الأحوال فذاك للّه … !
و في سنة 655 ه تجاوز هلاكو حدود همذان بجيوشه الكثيرة …
و لما وافي رسل بغداد بعدما أدوا الرسالة إلي الخليفة و قرروا ما قاله هلاكو برمته و عرضوها علي الخليفة استطلع الخليفة رأي وزيره و أمرائه في دفع هذا الخصم القاهر، و العدو القادر فقال له الوزير:
إن ساعدي الخصم لا تغلان إلا ببذل المال، و النصرة علي الأعداء لا تحصل إلا بالصرف، لأن المال إنما يدخر لوقاية العز و الشرف. فعلينا أن نرسل إليهم ألف حمل من الأموال النفيسة محمولة علي ألف من كرائم الإبل و ألف حصان عربي نجيب و أن نقدمها مع موسيقي تعزف أمامها، و أن نبعث للأمراء لكل منهم تحفا و هدايا تليق بمقامهم …
و هذه تقدم مع رسل دهاة كفاة و أن نعتذر عما بدر و أن تقرأ الخطب، و تضرب النقود باسمه». انتهي.
فقبل الخليفة رأي الوزير. ثم أمر بتنفيذ ما ذكره الوزير، و كان بين مجاهد الدين ايبك و يسمي الدواتدار الصغير و بين الوزير عداوة مستحكمة و كدورة قديمة فانتهز الدواتدار الفرصة للفتك بالوزير فذهب إلي الخليفة و معه الأمراء و ذوو الأغراض و قالوا: إن رأي الوزير و تدبيره ناشي ء عن مصلحة شخصية و يريد بذلك أن يحبب نفسه إلي هلاكو ليفتك بنا و بجيشنا فيوقعنا بمحن. فيجب أن نرسل الجيش و نستعد للنضال …
فخدع الخليفة بهذه الكلمات و عدل عن رأيه بحمل الأموال و قال
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،
ص: 173
لا خوف من المستقبل. لأن بيني و بين هلاكوخان و أخيه منگو قاآن روابط و دية و محبة صميمة لا عداوة و نفرة. و حيث إني أحبهم فلا شك أنهم يحبونني و يميلون إلي و أحسب أن الرسل قد بلغوني عنهم كذبا.
و إذا ظهر خلاف فلا خشية منه. لأن كل الملوك و السلاطين علي وجه الأرض بمنزلة جنود لنا فهم مطيعون و منقادون فلا خوف من تهديد المغول و وعيدهم و لو أنهم ممتعون بقوة و شوكة … فهم بالنسبة للعباسيين لا أهمية لهم …
فاضطرب الوزير من هذه الكلمات و أيقن بالوبال عليهم و علي الخلافة. و كان يري انقراض الخلافة و سقوط العباسيين في وزارته صعبا عليه و هو يراه مجسما في ذهنه و مخيلته و كان يتألم جدا من هذه الأحوال فهو كالملدوغ فلم يدخر وسعا من السير الحثيث و التدبير الصائب لسلامة هذه العائلة …
و كان أعاظم بغداد كسليمان شاه بن برجم و فتح الدين ابن كره و مجاهد الدين الدواتدار الصغير … قد اجتمعوا عند الوزير و فتحوا ألسنتهم بالطعن علي الخليفة، و قالوا إنه مولع بالمطربين و منهمك باللهو و يبغض العسكريين و أمراء الجيش …
قال سليمان شاه: إن الخليفة إذا لم يقدم علي دفع العدو و لم يبادر إلي رتق الخلل فلا يؤمل أن يجلب خواطر الناس إليه، و عما قريب نري الجيش المغولي مسلطا علي بغداد لا يرحم احدا كما فعل بسائر البلاد و فتك بأهلها و هتك الحرمات و تجاوز علي عصمة المخدرات … و لما لم يستول المغول علي كافة المواطن فإننا نتمكن من مهاجمتهم ليلا و مداهمتهم علي حين غرة خصوصا أنهم لم يضيقوا
علينا بعد و لم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 174
يحصرونا من كل جانب … فلو جمعنا جيشا و فتكنا بهم ليلا و علي غفلة لاستطعنا تفريق شملهم. و إذا وقع خلاف ذلك فنكون قد أدينا الواجب في المقاومة و الدفاع لآخر نفس.
فلما سمع الخليفة بذلك قال: إن رأي سليمان شاه و تدبيره مصيب فاستعرضوا الجيوش حسبما قرره … ! لأراهم و أبذل لهم ما يحتاجون.
أما الوزير فإنه يعلم أن الخليفة لا يبذل المال و لكنه لا يظهر ذلك خشية من اعدائه و قال لرئيس الاستعراض (التجهيزات) أن يجهز الجيش تدريجا ليذاع صيت تجمعهم في القريب و البعيد من الأماكن و ليتشجع في البذل و لئلا يحصل فتور في قصده و إرادته.
و بعد خمسة أشهر أعلم رئيس التجهيزات الوزير بأنه جمع فرقا عظيمة و جيوشا كثيرة، و أنهم يحتاجون إلي المال من الذهب و الفضة فعرض الوزير ذلك علي الخليفة فاعتذر.
و حينئذ يئس الوزير من مواعيده تماما و رضي بالقضاء و وجه عيون الانتظار إلي أبواب الاصطبار …
و كانت العلاقة لا تزال سيئة في هذه الفترة بين الدواتدار و الوزير فأخذ اراذل البلد و الأوباش المشايعين للدواتدار يشيعون علي أفواه الناس أن الوزير متفق مع هلاكوخان و يريد نصرته و خذلان الخليفة فأرسل الخليفة إلي هلاكوخان قليلا من التحف و الهدايا مع بدر الدين و زنكي و القاضي البندنيجي و بلغهم أن يقولوا لهلاكو:
إننا مع علمنا أن هلاكو لا يقصد لنا السوء و لكنه يسأل من الواقفين علي الأحوال بأن ما من ملوك و سلاطين قصدوا السلالة العباسية و دار السلام إلا كانت عاقبتهم و خيمة مع ما كان لهم من الصلابة و القوة، لأن
بناء هذا البيت محكم للغاية و سيبقي أبد الدهر، و أن يعقوب الصفاري قصد الخليفة بجيش عظيم و توجه إلي بغداد و لم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 175
يصل إلي غرضه فابتلي بوجع البطن و قبل أن يتحقق غرضه مات من الوجع المذكور و كذا أخوه عمرو عزم علي الوقيعة بالخليفة فألقي القبض عليه إسماعيل بن أحمد الساماني و سجنه و أرسله إلي بغداد ليري جزاء ما كسبت يداه. و كذا البصاصيري توجه إلي بغداد و معه جيش لجب من مصر فوصلها و ألقي القبض علي الخليفة و حبسه في حديثة و أمر الناس أن يخطبوا باسم المستنصر (أحد خلفاء الإسماعيلية بمصر) و تضرب النقود باسمه. فاطلع طغرل بيك السلجوقي علي ذلك و توجه بعسكر جرار من خراسان لنصرة الخليفة فنكل به و أخرج الخليفة من الحبس و أجلسه علي مقر خلافته، و كذلك السلطان محمد السلجوقي قصد أيضا بغداد فانهزم في أثناء الطريق كما أن السلطان محمدا خوارزمشاه عزم علي إبادة هذا البيت بجيش عظيم و من أثر غضب اللّه نزل عليهم امطارا غزيرة و صواعق فرجع خائبا خاسئا بعد ان هلك أكثر جيوشه و رأي جزاء أعماله من جدك جنگيزخان في جزيرة (آبسكون).
لذا كان قصدكم هذا البيت ليس من مصلحتكم فاعتبر بهذا الزمان الغدار» انتهي.
فغضب هلاكو من هذه الكلمات غضبا شديدا و أرجع الرسل من حيث أتوا، و علي كل حال لا يري هلاكو قيمة للبيت العباسي و لا يعرف له شأنا، و أن الوقائع أمثال هذه كان لها عوامل و أسباب لم تقترن بنتيجة لا أن تولد اعتقادا مثل هذا خصوصا في من يعتقد أن الخلفاء كفار. فلا يصد جيش العدو
إلا بمثله و لا يقارع بالبيان و اللسان. فالحجة للقواضب و للعدة الكافية الكافلة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 176
و مع هذا نري النقول جاءتنا من رجال المغول و كتابهم …
و الأقلام بيد اعداء الخلافة العربية يكتبون بها ما شاؤوا …
و كل هذه الأقوال مصروفة لتبرئة ساحة الوزير و بيان الوضع السيي ء للخليفة باسناد كل خرق له …
إن هلاكو حينما رجع رسل الخليفة أخذ يوجس خيفة علي نفسه من كثرة جيوش بغداد. ثم أمر بتجهيز الجيوش و التأهب بنية أن يستولي أولا علي اطراف بغداد و نواحيها ليسهل عليه دخولها في يده نظرا للاستحكامات المنيعة التي كانت تعترضه في طريقه.
و عليه أرسل إلي حسام الدين عكة. و كان هذا حاكما علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 177
درتنك و نواحيها من قبل الخليفة و كان متألما من الخليفة فلبي دعوة هلاكو بلا تردد ففوض ما تحت يده من الممالك إلي ابنه أمير سعد و ذهب بنفسه لخدمة هلاكو فرأي منه كل عطف و لطف فأمره بالرجوع و جعل تحت تصرفه نواحي أخري مثل ذر وروده، و دزمرج، و نواحي أخري.
سخر هذا دزا و أطاعه الدزيون و انقادوا له. و لما رأي أنه نال ما كان يأمله بالأمس و اجتمع تحت أمرته جيوش سليمان شاه و قبلوا طاعته أخذه الكبر و الغرور (كذا في خواجه رشيد الدين) و أرسل إلي حاكم اربيل تاج الدين محمد ابن صلايا العلوي و قال له إني زرت هلاكوخان و اطلعت علي كفاءته و كياسته. و إني رأيته رجلا مهيبا و ذا أنفة. و لكن لم أخش سطوته و ليس هو ذا قدر و منزلة في نظري فإن
الخليفة أكرمني و شجعني و أرسل إليّ جيشا لتأييدي و نصرتي فأنا أيضا أتمكن أن أبرز جيشا من الكرد و التركمان ما يقرب من مائة ألف مقاتل و أسد الطرق في وجه هلاكو و عساكره و لا يستطيع مخلوق حينئذاك من دخول بغداد.
و علي هذا أعلم حاكم أربيل ذلك للوزير فعرض هذا الأمر إلي الخليفة فلم يلتفت الخليفة إليه فوصل الخبر إلي مسامع هلاكو و ثار ثائره و زاد حنقه و أمر بإعزام قائد الجيش كيتو بوقا نويان بثلاثين ألف مقاتل للتنكيل بهم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 178
و لما تقدم الجيش المغولي إلي تلك النواحي أرسل القائد إلي حسام الدين يخبره أنهم متوجهون إلي بغداد و يحتاجون إلي مشورته و لم يدر أنها خدعة و حيلة للوقيعة به فعزم علي الذهاب بلا تدبر و لا تفكر.
فجاء إليهم فأمره القائد بأن يخرج زوجته و أسرته و أولاده و سائر متعلقاته و عساكره … إن كان يريد النجاة و أن يعرضوا أنفسهم أمامه للإحصاء ليقرر لهم الرواتب طبق عددهم.
فلم ير بدا من الامتثال و حينئذ أخرج هؤلاء فقال له القائد إنك إن تخلص لنا و تكون في صفاء مع السلطان هلاكو خان فعليك أن تأمر اصحابك بهدم القلاع و الحصون ليتحقق لنا حسن نيتك … فأحس حسام الدين بأنهم اطلعوا علي منوياته (مذكراته مع الخليفة و المكاتبات معه) فيئس من حياته و أمر الأصحاب بهدم القلاع.
و بعد أن امتثلهم فيما أمروه و أصحابه إلا ابنه أمير سعد الذي امتنع عن طاعتهم و كان متحصنا في القلعة مع اعوانه فأنذروه بالتهديد فلم يجب لذلك و قال:
إنكم أناس لا وثوق بمواعيدكم و لا اعتماد عليكم. و ما
مواعيدكم إلا دسائس وحيل.
و بقي متواريا في الجبال و الوديان ثم ذهب إلي بغداد فلقي حين قدومه إكراما من صاحب الديوان. و أقام بها إلي أن قتل في الحرب.
ثم رجع القائد كيتوبوقا نويان ثملا بخمرة النصر و جاء إلي هلاكو خان و هذا الذي أوقعوا به هو حسام الدين خليل بن بدر الكردي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 183
الوارد ذكره في حوادث سنة 653 ه من ابن الفوطي إلا أنه بينهما تخالف و ما جاء في جامع التواريخ يفصل الوقعة، و الشخص واحد، و بعض العبارات تتفق تماما …
و كان هلاكو يستشير أركان دولته و أعيان حاشيته عن فتح بغداد.
فكل واحد كان يبدي رأيه حسب اعتقاده فطلب حضور حسام الدين المنجم الذي كان مصاحبا لهلاكو خان بأمر القاآن. و هذا لم يقدم علي أمر ما إلا برأيه و مشورته فقال له:
بيّن لنا رأيك بلا تردد و لا مداهنة فيما تراه من الحوادث الدالة علي وقوع ذلك استطلاعا من سير الكواكب و مطالع النجوم فقال له المنجم بلا تردد و لا خوف:
إني لا أري من المصلحة أن تقصد الخلافة العباسية و أن تدفع بجيشك إلي بغداد إذ ما من ملك مقتدر و سلطان قاهر أراد سوءا بالعباسيين بقصد الاستيلاء علي بغداد إلا كان نصيبه الخيبة و الخذلان و انسلاب الملك من يده و انقطاع حياته. و إذا لم يسمع الملك بما نصحته و قصد بغداد و أساء إلي العباسيين فسيقع من عمله هذا ست حوادث:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 184
1- هلاك الدواب و الحيوانات و مرض الجنود.
2- لا تطلع الشمس من مشرقها.
3- تقطع الأمطار.
4- تهب ريح صرصر أو عاصفة شديدة و يقع زلزال
يخرب العالم.
5- لا تنبت الأرض نباتا.
6- يموت في تلك سلطان عظيم.
فطلب هلاكو منه أدلة قاطعة و حججا دامغة و براهين ساطعة يأتي بها إثباتا لما بينه فعجز عن ذلك.
ثم أخذ الأمراء و قواد الجيوش يحثون هلاكو بالمسير و يقوون عزمه و يقولون له: إن توجهنا إلي بغداد عين الصلاح و الصواب.
و حينئذ أمر أن يحضر الخواجه نصير الدين الطوسي فاستطلع رأيه في القضية فتوهم الخواجه أن هذا الطلب علي سبيل الامتحان له فقال مبديا رأيه بأن ما بينه حسام الدين المنجم غير صحيح و لا تقع حادثة ما، فقال هلاكو: فماذا يكون؟ قال له:
إنما تكون أنت خليفة بمكانه.
اتفق جمهور علماء الإسلام بأن أكثر الصحابة قتلوا و لم يقع فساد في الكون. و إذا قالوا إن هذه الحوادث سوف تقع لأجل العباسيين و من خصائصهم فإن طاهرا قد ذهب بأمر المأمون من خراسان و قتل أخاه محمدا الأمين، و أن المتوكل قد قتل بتحريك من ابنه أو أن ابن المتوكل اتفق مع الأمراء و قتل أباه، و أن المنتصر و المعتز قتلا من قبل الحراس و الحجاب بتحريك من الأمراء … و قد قتل من الخلفاء عدد كثير و لم يقع خلل في الكون.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 185
ثم إنه بعد الاطلاع علي ما تقدم و سماع الأقوال و تدبرها من قبل هلاكو استعد للزحف و عزم عزما جازما لفتحها و جيّش جيوشا من الأطراف و الجوانب. و أمر بعض القطعات المغولية المرابطة في جهة الروم التي كانت تحت قيادة جرماغون و بايجونويان أن تسير علي ميمنته من أطراف أربيل و تتوجه نحو مدينة الموصل و تعبر جسرها و تعسكر في الجانب الغربي من بغداد و عين لمسيرهم إلي غرب بغداد وقتا معينا يصادف وقت مجي ء الرايات المغولية من المشرق و أمر أيضا قوادا آخرين من المغول أن يسيروا إلي ميمنته و هم:
(بلغا بن شيبان بن جوجي)، و (توتار بن سنقور بن جوجي)، و (قولي بن أورده بن جوجي)، و (سونجاق نويان)، و (بوقا تيمور نويان)، و أمر (كيتو بوقا نويان) و (قدسون) و (ترك ايلكا) أن يسيروا علي الميسرة من حدود لورستان و بيات و تكريت و خوزستان و كانت جبهتهم ممتدة إلي سواحل عمان.
ثم توجه هلاكوخان من أرياف همدان و وضع علي رأسه التاج
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،
ج 1، ص: 186
المغولي المسمي [قباق نويان] و يعني (تاج القيادة) أو (تاج الإمارة).
و في أواخر المحرم لسنة 655 توجه و معه جيش عظيم و سار من طريق كرمنشاه و حلوان و برفقته من أعاظم الأمراء:
كوكا ايلكا، و ارقنو، و ارغون آغا، و قراتاي بتيكجي (بمعني كاتب)، و سيف الدين بتيكجي.
و كانوا من مدبري مملكته. و كذا كان معه الخواجة نصير الدين الطوسي و الصاحب علاء الدين عطا ملك مع أعاظم ايران و كتابها.
و لما وصلوا إلي أسد آباد أرسل أيضا رسولا إلي الخليفة يبلغه لزوم حضوره إلي هلاكوخان. و جاءهم أيضا من بغداد إلي دينور ابن الجوزي للمرة الأخري حاملا كتاب الخليفة ممزوجا بالوعد و الوعيد و التضرع و الالتماس طالبا رجوع هلاكوخان مع جيشه و انصرافه عن التوجه إلي بغداد مبينا انقياد الخليفة لما يقرره هلاكو و ما يطلب إرساله من المال في كل سنة إلي خزانة هلاكو.
تدبر هلاكو في الأمر و ظن أن الخليفة ينوي بهذا أن يرجع مع جيشه ليستعد هو و يكتب للأطراف فقال:
نظرا لقطعنا المسافات البعيدة لا يسعنا أن نرجع بلا ملاقاة الخليفة و مواجهته. ثم بعد الحضور و المشافهة نرجع بإجازته.
و من هناك توغلوا في جبال كردستان.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 187
و في 27 من الشهر المذكور نزل في كرمانشاه فتطاولت أيديهم بالسلب و الغارة للأطراف …
ثم أمر هلاكو بإحضار الأمراء (الشهزادية) و سونجاق و بايجو نويان و سونتاي علي وجه السرعة و أن يصلوا إليه قرب طاق كسري، فألقوا القبض علي (ايبك الحلبي) و (سيف الدين قلج) و أتوا بهما إلي هلاكو فعفا هلاكو عن ايبك و تعهد هذا أن يعرض له الأمر علي وجه الصحة.
ثم
عينه هلاكوخان ضابطا ليزك المغول.
و في الحوادث الجامعة: «سار السلطان حينئذ نحو بغداد، و أمر الأمير سوغو نجاق أن يسير بقطعة من الجيوش علي اربل، و يعبر دجلة ففعل و سار السلطان في باقي الجيوش. فلما بلغ الخليفة مسيره أمر الدويدار أن يخرج من بغداد بالعساكر فخرج و نزل قريبا من بعقوبا. فلما بلغه وصول سوغو نجاق و ابيجو عبر دجلة و نزل حيال حربي، و أرسل أميرا يعرف بايبك الحلبي في مقدمته فمضي و اتصل ببايجو و أقبل بين يدي العسكر يعرفهم الطرق و يهديهم.» ا ه.
ثم أنعم هلاكو علي الأمراء و أمرهم أن يعبروا دجلة و يتوجهوا نحو غربي بغداد. و كانت لهم عادة أن يحرقوا الصوف الذي في كتف الأغنام فأحرقوه و عبروا دجلة و توجهوا نحو غربي بغداد.
و كانت جيوش بغداد معسكرة في تلك الجهة تحت قيادة قراسنقور القبجاقي و لما كان سلطان جوق من الخوارزميين بمعية المغول (في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 188
يزكهم) و هو في خدمة هلاكو أرسل رسالة إلي قراسنقور يخبره بأننا و إياكم من جلدة واحدة و قوم واحد و نحن بعد الدفاع الكثير عجزنا و اضطررنا إلي طاعة هلاكو و الآن نحن في خدمته و هو يحسن إلينا.
و أنتم أيضا ارأفوا بأرواحكم و أشفقوا علي أولادكم و أطيعوا المغول حتي تكونوا في مأمن منهم علي أنفسكم و أموالكم و أولادكم. فأجابهم قراسنقور:
إن المغول أعجز من أن يتمكنوا من الفتك بالبيت العباسي. لأن هذا البيت رأي أمثال جنگيزخان كثيرا. فأساسه أحكم من أن يمسه جنگيز و أتباعه بسوء و لا يتزلزل لكل عاصفة مهما كانت شديدة. و هم منذ أكثر من خمسمائة سنة يحكمون كابرا
عن كابر. و كل من قصدهم بسوء نال جزاءه، و لا يأمن سطوات الدهر.
و لما كنت تكلفني بالطاعة لدولة المغول الحديثة العهد فقولكم هذا بعيد عن الكياسة. و من لوازم القرابة و الصداقة أنكم لما رأيتم هلاكو خان فتح قلاع الملاحدة أن تصدوه و ترجعوه إلي الري و ترجعوا إلي مواطنكم تركستان و خراسان.
فالخليفة متألم من تطاول هلاكوخان. و أن هلاكوخان إذا كان ندم عن فعله وجب عليه أن يرجع بجيشه إلي همذان حتي يتشفع الدواتدار له عند الخليفة ليعفو عن هلاكو و يقبل الصلح فيسد باب القتال و الجدال.
و هذا الكتاب قدمه (سلطان جوق) إلي هلاكوخان.
و حينما اطلع هلاكو علي مضمون هذا الكتاب ضحك بسخرية و قال:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 189
- إن قوتي و عظمتي نتيجة فعلي و إرادتي و لم تكن بدرهم و لا دينار. و إذا يسر اللّه نصرتي و أعانني فلا أخشي من الخليفة و جيشه.
ثم إنه أرسل رسولا آخر يبلغ الخليفة أنه يدعوه بالحضور إليه قبل سليمان شاه و الدواتدار حتي يسمع نصيحته. و توجه في اليوم التالي إلي اطراف نهر حلوان. فأقام هناك من 9 ذي الحجة إلي 22 منه و في تلك الأثناء ورد إليه كيتو بوقا نويان آتيا من لورستان و كان قد استولي علي الكثير منها طوعا و كرها. و في 9 المحرم سنة 656 ه توجه بايجو نويان و بوقا تيمور و سونجاق علي الموعد من طريق دجيل فعبروا دجلة و منها مضوا حتي وافوا إلي حدود نهر عيسي.
و قد التمس سونجاق نويان من بايجو أن يكون في مقدمة العسكر المتوجه إلي غربي بغداد فوافق و سار مع جيشه و وصل إلي
حربي.
و كان مجاهد الدين ايبك الدواتدار قائد جيش الخليفة هناك مع فتح الدين بن كر القائد و عسكروا بين بعقوبة و باجسري. و لما سمعوا بوصول المغول إلي غربي بغداد غيروا وجهتهم و ساروا من دجلة إلي حدود الأنبار علي ابواب قصر المنصور في صدر المزرفة و يبعد تسع ساعات عن بغداد و رتبوا صفوفهم و استعرضوا الجيوش مع عساكر سونجاق نويان و بوقا تيمور، أما جيش المغول فإنه عطف عن المصاف و انحاز إلي نهر بشير من بز الدجيل فرأوا بايجو و اتصلوا به فقال لهم ارجعوا. و في هذا المكان كسروا سدة النهر من هناك ليغرقوا جيش بغداد و لتغمر المياه تلك الصحراء …
و في يوم الخميس وقت طلوع الفجر من يوم عاشوراء هاجم بايجو و بوقا تيمور جيوش الدواتدار و ابن كر و هزموهم شر هزيمة. و قتل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 190
في هذه الحرب قراسنقور و فتح الدين بن كر و هما قواد الجيش مع اثني عشر ألفا من الجيش. و هؤلاء عدا من غرق في النهر. و انهزم إلي نواحي الحلة و الكوفة و بقوا متفرقين مدة.
و في يوم الثلاثاء منتصف المحرم استولي بوقا تيمور و بايجو و سونجاق علي الجانب الغربي من بغداد و نزلوا في ساحل دجلة في اطراف البلدة.
و وصل في هذه الأثناء من أطراف نحاسية و صرصر القائد كيتو بوقا نويان مع امراء آخرين بجيش عظيم.
«ذكرنا في سنة 55 مسير السلطان هلاكو قاآن من بلاده نحو بغداد، و أنه أمر الأمير بايجو بالمسير إلي اربل و أن يعبر دجلة و يسير إلي بغداد من الجانب الغربي ففعل ذلك، فلما بلغ الخليفة وصوله تقدم
إلي الدويدار الصغير مجاهد الدين ايبك و جماعة من الأمراء بالتوجه إلي لقائه، فعبروا دجلة فلما تجاوزوا قنطرة باب البصرة بفرسخ واحد رأوا عساكر المغول قد أقبلت كالجراد المنتشر فالتقوا و اقتتلوا يوم الأربعاء تاسع المحرم، فانكسرت عساكر المغول قصدا و خديعة، فتبعهم الدويدار و قتل منهم عدة كثيرة و حمل رؤوسهم إلي بغداد، و ما زال يتبعهم بقية نهاره فأشار عليه الأمير فتح الدين بن كر بأن يثبت مكانه و لا يتبعهم،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 191
فلم يصغ إليه، فأدركه الليل و قد تجاوز نهر بشير ببز دجيل فباتوا هناك فلما أصبحوا حملت عليهم عساكر المغول و قاتلوهم قتالا شديدا، فلم يثبت عساكر الدويدار، فانكسروا و كروا راجعين إلي بغداد فوجدوا نهر بشير قد فاض من الليل و ملأ الصحراء فعجزت الخيول عن سلوكه، و وحلت فيه، فلم يخلص منه إلا من كانت فرسه شديدة، و ألقي معظم العسكر نفسه في دجلة فهلك منهم خلق كثير، و دخل من نجا منهم بغداد مع الدويدار علي أقبح صورة، و تبعهم الأمير بايجو و عسكره يقتلون فيهم، و غنموا سوادهم و كل ما كان معهم، و نزلوا بالجانب الغربي، فشرعوا بالرمي بالنشاب إلي الجانب الشرقي، فكانت سهامهم تصل الدور الشطانية ا ه.
أما هلاكو فقد توجه من خانقين إلي بغداد و نزل في شرقيها في 11 المحرم سنة 656 ه 1258 م و كان العسكر المغولي منتشرا في اطراف بغداد كالجراد و قد توغل في هذه الأنحاء و نصبوا المنجنيقات حوالي بغداد.
و في يوم الثلاثاء 22 المحرم ابتدأوا بالحرب و اشتبكوا في القتال.
و كان جيش هلاكو قد اتخذ مقره و سار هلاكو من (طريق خراسان)
من نواحي الخالص متوجها علي ميسرة المدينة و هدفه (برج العجمي).
و كان هدف ايلكا نويان، نحو باب كلواذي، و قولي، و بلغا، و توتار، و شيرامون، و أرقيو، كانت وجهتهم وسط المدينة باب سوق السلطان (الباب الوسطاني).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 192
و بوقا تيمور متوجه من أطراف القلعة من جانب القبلة في موضع دولاب. و توجه بقل و بايجو و سونجاق من جانب غربي بغداد نحو البيمارستان العضدي.
و كان هؤلاء قد اشتبكوا مشتركا و نصبوا مقابل (برج العجمي) مجانيق متعددة و ضعضعوا البرج المذكور.
و في هذه الأثناء أرسل الخليفة الوزير و معه الجاثليق و قال لهم بلغوا هلاكو بأن الخليفة أوفي بعهده و أرسل لك الوزير الذي أردته قبلا فيكون بعمله هذا قد نفذ أمر السلطان فقال هلاكوخان:
إن هذا قد اشترطته علي أبواب همذان حينما كنت هناك. و في هذا الوقت وصلنا بغداد و تلاطمت الفتن و الانقلابات. فلا يسعني أن اكتفي أو أقنع بوصول وزير واحد فأريد أن يأتوا إلي ثلاثتهم: الدواتدار و سليمان شاه و الوزير فرجع الرسل إلي المدينة و دخلوها.
و في اليوم التالي توجه الوزير و صاحب الديوان و جماعة من مشاهير البلدة و أعيانها إلي هلاكو فخرجوا من بغداد فأرجعهم الجيش المغولي. و دامت الحرب ستة أيام متوالية. و أمر السلطان هلاكو أن يرسلوا يرليغات (فرامين سلطانية) إلي القضاة و العلماء و الشيوخ و العلويين و الأعيان (أو التجار) و الذين ليسوا معهم في حرب … يؤمنونهم بها علي أرواحهم و شدوا هذه الكتب بألواح و نشروها في أنحاء المدينة (رموها) للإعلام بها و إعلانها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 193
و لما لم يكن لديهم أحجار للرمي
صاروا يجلبون الأحجار من جبل حمرين و جلولاء فصاروا يرمونها بواسطة المنجنيقات في المدينة.
و كانوا يقطعون النخيل و يجعلون ذلك مكان الأحجار للرمي.
و في يوم الجمعة 25 المحرم هدموا (برج العجمي).
و في يوم الاثنين 28 منه تقابلت الجيوش قرب (برج العجمي) و أخذ التتار يستولون علي البرج و ينسحب الناس من داخلها. و كذا اشتد الأمر من جانب سوق السلطان.
و لما كان القائدان بلغا و توتار اللذان كان هدفهما جانب السوق السلطاني لم يتمكنا بعد من الاستيلاء عليه وافاهما السلطان هلاكو و شد عزمهم بتحريك نخوتهم. و كانوا طول الليل يحاولون الاستيلاء علي سور المدينة.
ثم إن هلاكو أمرهم أن ينصبوا جسرين أحدهما في أعلي بغداد و آخر في أسفلها فأعدوا السفن لها و المجانيق و قطعوا طريق المدائن و البصرة.
و هؤلاء كانوا تحت قيادة بوقاتيمور و معه تومان أي فرقة (عشرة آلاف من الجيش) فأقاموا علي طريق المدائن و البصرة. و كان قصدهم من قطع الطريق أن يمنعوا كل من يريد الفرار من بغداد و يحاول الهزيمة.
في هذا الموقف اشتد الحرب في بغداد و ضاق الأمر بالناس و حينئذ أراد الدواتدار أن يركب في سفينة و ينهزم إلي جانب السيب.
و لما مر من قرية (العقابية) أحاطه جيش بوقاتيمور و أخذوا يرمون السفينة بالأحجار و السهام و قوارير النفط بواسطة المنجنيقات و استولوا علي ثلاث سفن و أهلكوا من فيها فرجع الدواتدار حينما رأي الفرار
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 194
صعبا عليه. فاطلع الخليفة علي هذه الحالة فيئس من حكومة بغداد و ملكها يأسا كليا. لأنه لم ير مفرا و لا ملجأ لنفسه فقال: ليس لي بد من طاعتهم.
و علي هذا أرسل الخليفة فخر الدين
الدامغاني و ابن الدرنوس و معهما تحف قليلة. لأنه حاذر أن يرسل تحفا كثيرة فتدل علي خوفه منهم فيحصل بذلك تعنت من العدو و عناد. فلم يلتفت هلاكو إلي التحف المرسلة و من ثم رجعوا خائبين.
و في يوم الثلاثاء 29 المحرم خرج أحد أولاد الخليفة و هو المتوسط منهم أبو الفضائل (الفضل) عبد الرحمن و معه الوزير و صاحب الديوان و جمع من الأعاظم و معهم أموال كثيرة فلم يقع ذلك كله موقع القبول من هلاكو خان …
و في سلخ المحرم خرج ابن الخليفة الأكبر و الوزير و جمع من المقربين بقصد الرجاء و الشفاعة فلم يجد ذلك نفعا. و حينئذ أرسل هلاكو الخواجة نصير الدين و ايتيمور بصفتهما رسلا إلي الخليفة و بصحبتهما صاحب الديوان فخر الدين الدامغاني و ابن الجوزي و ابن درنوس و كانوا يقصدون جلب سليمان شاه و الدواتدار.
و في غرة صفر دخلوا بغداد و جاؤوا بيرليغ (أمر سلطاني) و عهد (بايزه) ليطمئنوهما و قالوا:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 195
- إن الخليفة إذا أراد أن يخرج فليخرج. و إلا فالرأي له.
و أمر هلاكو الجيش المغولي أن يستقر في أطراف بغداد إلي أن يرجع الرسل و يبلغوه النتيجة.
و في يوم الخميس غرة صفر تمكنوا من إقناع الدواتدار و سليمان شاه فخرجوا بمعيتهم. و لما وصلوا إلي المعسكر أمرهما أن يرجعا ثانيا و يخرجا متعلقاتهما من بغداد حتي يكونوا في مأمن من الفتك. فلما رأي الأهلون في بغداد ذلك عزموا أن يتبعوهما. و حينئذ أحاط بهم الجيش المغولي و قسموهم ألفا و مائة و عشرا إلي العسكر و قالوا لهم هؤلاء سهامكم فاقتلوهم فقتلوهم عن آخرهم.
و من بقي في المدينة أخذوا
يختفون في الزوايا و التكايا و الأماكن غير المنظورة كالثقوب و السواقي و الآبار … ليبعدوا عن الأنظار فخرج جماعة من أعيان بغداد و أرادوا نجاة منهم و قالوا إن خلقا كثيرا يطلب الأمان و يظهر الطاعة. و إن الخليفة و أولاده سيخرجون فأمهلونا.
و في هذه الأثناء أصاب سهم عين أحد أكابر أمراء هلاكو و هو (هندوي بتيكجي) فغضب هلاكوخان و سخط علي الأهلين فاستعجل في الاستيلاء علي بغداد و أمر الخواجة نصير الدذين أن يقف عند باب الحلبة و يؤمن الناس للخروج من هذا الباب فأخذ الناس يخرجون جماعات كثيرة.
و في يوم الجمعة ثاني صفر قتلوا الدواتدار فاحتال سليمان شاه للخلاص فجمع نحو سبعمائة نسمة من أقاربه و قد حضروا كلهم لدي هلاكوخان مكتفين (مغلولي الأيدي) فعاتبه هلاكوخان و قال له: إن لك علما في التنجيم و سير الكواكب و تعلم حالات السعود و النحوس. أما كنت تري هذا اليوم الأسود، اليوم الذي تكون عاقبته سيئة عليك فلم لم تنصح مولاك؟! ليبادر لخدمتنا من طريق الصلح!
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 196
فقال له سليمان شاه (هو شهاب الدين الأمير ابن برجم):
إن الخليفة مستبد و لم يكن رجلا سعيدا (موفقا) ليسمع نصائح المصلحين الذين يريدون له خيرا!!
فأمر بقتلهم و أتباعهم تماما. و قتلوا أيضا ابن الدواتدار الكبير و هو الأمير (تاج الدين) ابن علاء الدين الطبرسي و قطعوا رؤوس هؤلاء الثلاثة و سلموها إلي الملك الصالح بن بدر الدين لؤلؤ فأرسلها إلي الموصل.
فبكي بدر الدين للصداقة بينه و بين سليمان شاه و لكن لم ير بدّا من تعليق رؤوسهم فعلقت حذرا من أن تصيبه نقمة من هلاكوخان.
ثم إن الخليفة لما رأي الأمر قد تضايق
عليه من كل الجوانب و أنه خرج الأمر من يده دعا الوزير و سأله تدبيرا فأجابه:
يظنون أن الأمر سهل و أنما هو السيف عدت للقاء مضاربه
و في يوم الأحد 4 صفر سنة 656 ه خرج الخليفة من بغداد و معه ابناؤه الثلاثة و هم أبو الفضل عبد الرحمن و أبو العباس أحمد أبو المناقب مبارك مع ثلاثة آلاف من السادات و الأئمة و القضاة و الأكابر و الأعيان فوصلوا إلي هلاكو خان فلم يبد هلاكو خان أثرا من الغضب عليهم و أخذ يسأل أحوالهم بكلمات طيبة ثم قال للخليفة:
مر الناس أن يلقوا السلاح و يخرجوا من المدينة حتي أحصيهم فرجع الخليفة إلي المدينة و نادي المنادي بأمر الخليفة أن يلقوا السلاح و يخرجوا فألقوا اسلحتهم و أخذوا يخرجون من المدينة. و كان الجيش المغولي يقتلهم عند خروجهم.
ثم أمر أن يخيم الخليفة و أولاده و متعلقاته محاذيا لباب كلواذي و هو محل معسكر كيتو بوقا نويان فنزلوا هناك و عين بعض أفراد المغول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 197
لحراستهم و كان الخليفة يري أنه سيهلك قطعا فلم يبق له ارتياب. و كان يأسف علي إبائه قبول النصائح …
ثم بتاريخ 5 صفر سنة 656 ه استولي المغول علي بغداد و دخلوها و قد مرّ الكلام علي ذلك في أول الكتاب …
و قد أوقعوا بالأهلين ما لم يخطر ببال، و قد اتفق المؤرخون في حكاية الحادث و عظم المصاب …
و في يوم الأربعاء 7 صفر باشر المغول بالقتل العام و سلب الأموال فهجم الجيش المغولي دفعة واحدة و كانوا يحرقون الأخضر و اليابس فلم يسلم منهم أحد إلا البيوت الحقيرة للغرباء و الزراع … فكان الهول
عظيما …
و في يوم الجمعة 9 صفر دخل هلاكو المدينة و توجه إلي مقر الخليفة و جلس في الميمنية و أمر أن يحضر الأمراء و أشار بإحضار الخليفة و قال له:
إننا ضيوف و أنت رب المنزل فأت إلينا بما يليق لضيافتنا. فزعم الخليفة أن ذلك صحيح و كان يرتجف من الخوف و مندهشا لدرجة أنه عاد لا يعلم مفاتيح خزائنه فأمر أن يكسروا الأقفال فأخرجوا ما يقدر بألفين من الثياب و عشرة آلاف دينار و نفائس و مرصعات و جواهر عديدة … فلم يلتفت هلاكو خان إلي هذه الأشياء و وزعها علي الأمراء الحاضرين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 198
ثم خاطب الخليفة بأن الأموال الموجودة في سطح الأرض ظاهرة فنريد أن تبين الدفائن و موضعها و ماهيتها فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء من الذهب في وسط السراي (البلاط الملكي أو القصر الملكي) فأخذوا يحفرون المكان الذي عينه فوجدوه مملوءا من الذهب الإبريز (الخالص). و كانت كل قطعة منه بزنة مائة مثقال.
ثم أمر أن يحصوا حرم الخليفة فوجدوا 700 من النساء و السرايا و ألفا من الخدم …
فلما اطلع الخليفة علي احصاء حرمه تضرع و قال إن حرمي لم تكن الشمس و القمر تطلع عليها فقال له هلاكو: إن عليك أن تختار مائة منهن و خل الباقين فجمع الخليفة مائة من النساء اللآتي لهن علاقة به من أقاربه و الخاصين به فجمع منهن مائة و هن القريبات إليه فأرسلهن خارج بغداد و رجع هلاكوخان إلي معسكره ليلا و أمر القائد سونجاق أن يذهب إلي المدينة (بغداد) و يضبط أموال الخليفة و يخرجها فجمع هذا ما كان ادخره الخلفاء في مدة خمسمائة سنة فلفها بأقمشة و
أخرجوها …
و قد أحرقت أكثر المواقع الشريفة في هذه الوقعة كجامع الخليفة و مشهد موسي الجواد و مراقد الخلفاء.
و حينئذ التمس الناس من شرف الدين المراغي و شهاب الدين الزنجاني و (ملك دل راست) ليذهبوا إلي هلاكوخان و يطلبوا الأمان فتشفع هؤلاء فشفعهم و أمر أن يكفوا عن القتال و سلب الأموال. و أمر باستقرار الناس و اشتغالهم بكسبهم. و عليه أمن من بقي من الناس ممن نجا من سيوفهم …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 199
«و أما حال العسكر السلطاني فإنه يوم الخميس رابع المحرم من سنة 656 ه … قد طبق وجه الأرض و أحاط ببغداد من جميع جهاتها، ثم شرعوا في استعمال أسباب الحصار، و شرع عسكر الخليفة في المدافعة و المقاومة إلي يوم 29 المحرم فلم يشعر الناس إلا ورايات المغول ظاهرة علي سور بغداد من برج العجمي … و تقحم العسكر السلطاني هجوما و دخولا، فجري من القتل الذريع، و النهب العظيم، و التمثيل البليغ ما يعظم سماعه جملة فما الظن بتفصيله … » ا ه و لا محل لإيراد جميع النصوص المنقولة و استيعابها …
في يوم الأربعاء 14 صفر رحل هلاكو خان من بغداد نظرا لعفونة هوائها بسبب القتلي و نزل في قرية الوقف و الجلابية. و أرسل الأمير عبد الرحمن لفتح ولاية خوزستان و طلب إحضار الخليفة فكان يري الخليفة أمارات سيئة مما سيصيبه و اشتد خوفه فقال للوزير:
ما التدبير لنجاتنا!
فأجابه:
لحيتنا طويلة! (و كان قصده من ذلك أنه لما دبر أول الأمر و أبدي رأيه بإرسال تحف كثيرة لدفع هذه المصيبة قال الدواتدارآنئذ: لحية الوزير طويلة!) و كان قد أفسد تدبيره بهذه الكلمة فقنع الخليفة بقوله.
و الخلاصة أن الخليفة لم يبق له أمل في الحياة و طلب رخصة أن يدخل الحمام و يجدد غسله. فأمر هلاكو أن يصحبه خمسة من المغول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 200
و كان الخليفة يكره صحبة هؤلاء الخمسة الذين عينوا لحراسته و كان يكرر:
و أصبحنا لنا دار كجنات و فردوس و أمسينا بلا دار كأن لم نغن بالأمس
و في آخر يوم الأربعاء 14 صفر صنة 656 قضوا علي الخليفة و علي أولاده و خمسة من خدمه و ملازميه في (قرية الوقف).
و في اليوم التالي قتلوا من كان اتبع الخليفة و خرج معه و أقام في باب كلواذي. و لم يبقوا ممن وجدوا من العباسيين إلا نفرا معدودا ممن لم يدخل في الحساب.
و وهبوا مبارك شاه ابن الخليفة الأكبر إلي اولجاي خاتون. و هذه ارسلته إلي مراغة و كان مع الخواجة نصير الدين فزوجوه بامرأة مغولية فولد لها منه ولدان.
و في يوم الجمعة 16 صفر استشهد ابن الخليفة المتوسط، قضي عليه و ألحق بأبناء الخليفة الآخرين و كانوا قد قتلوا في باب كلواذي فتم أمر آخر الخلفاء العباسيين و انقرضت حكومتهم و
بهذا خلصت بغداد للتتر …
هو أبو أحمد عبد اللّه ابن الخليفة المستنصر باللّه أبي جعفر. و لما توفي والده بكرة الجمعة 10 جمادي الثانية لسنة 640 ه 1242 م لم يكن حاضرا فاستدعاه شرف الدين إقبال الشرابي من مسكنه بالتاج سرا من باب يفضي إلي غرفة في ظهر داره فحضر و معه خادمه مرشد الهندي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 201
فسلم عليه الشرابي بالخلافة و أجلسه علي سرير الخلافة و كان والده مسجّي، و كتم الأمر إلي ليلة السبت 11 من الشهر المذكور، ثم استدعي الوزير ابن الناقد فحضر في محفة لعجزه عن المشي و أحضر أستاذ الدار ثم حضر عمه أبو الفتوح حبيب و جماعة من بيت الخلافة و من أولاد الخلفاء فبايعوه ثم بايعه الوزير و أستاذ الدار ثم تقدم بتعيين الأمراء لحراسة البلد.
أصبح الناس يوم السبت فشاهدوا أبواب دار الخلافة مغلقة و قد أمر عبد اللطيف بن عبد الوهاب الواعظ أن يشعر الناس بوفاة الخليفة المستنصر باللّه و جلوس ولده المستعصم.
ثم استدعي إلي دار الوزارة المدرسون و مشايخ الربط و الولاة و الزعماء و أعيان الناس و فتح باب العامة فدخل منه من استدعي الدخول و عليهم ثياب العزاء فبايعوا علي اختلاف طبقاتهم و تفاوت درجاتهم.
و أستاذ الدار يلقن الناس لفظ البيعة.
ثم أسبلت الستارة و انفصل الناس. و كانت الحال ساكنة و الناس علي اشغالهم. ثم جلس في اليوم الثاني فدخل كافة الأمراء و المماليك و بايعوه. و في اليوم الثالث كانت البيعة العامة حضرها من تخلف من الأمراء و الغرباء و ضروب الناس كالتجار و غيرهم …
ثم أمر الناس بالخروج و مضي الوزير و أستاذ الدار …
هذا و لا
محل لتفصيل كل ما جري من مراسم أبهة، و أشكال عظمة …
ثم تقدم الخليفة بالإفراج عمن كان محبوسا بحبس الجرائم و ليس في قتله حد شرعي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 202
و في يوم الجمعة 17 جمادي الآخرة قد نثرت مبالغ كثيرة من النقود في الجوامع عند ذكر الخليفة.
ثم جاءت الوفود من الجهات القريبة و النائية للعزاء و التبريك. و في 2 رجب أمر الخليفة بتغيير ثياب العزاء و خلع علي الأمراء و الأعيان و نفذت خلع إلي ولاة الأطراف أيضا.
و هنا نقول لم تكن الخلافة و البيعة في الحقيقة إلا من قبل مملوكه الشرابي … ثم استدعي بعض أهل الحل و العقد … و ما هذه المراسم و الترتيبات إلا بقايا عن الفرس و الأعجام، و مثلها ما مر عن تتويج ملوك المغول و الأبهة و العظمة … لمن لا يستحق أن يستعظم لهذا الحد …
فإننا أمرنا بطاعة الخليفة للقيام بواجب الخلافة و مراعاة لوازمها … و إن هي إلا الإدارة الرشيدة بتطبيق الشرع و تأمين العدل و المحافظة علي بيضة الإسلام … و من حين دخلت هذه الظواهر و المظاهر و استعظام الأمور إظهارا للكبرياء و الأبهة … دب دبيب الضعف و الانحطاط و حاول القوم بهذه و أمثالها أن يبرزوا لأعين الرائين …
و غالب من تكلموا علي الخليفة من كتاب المغول و مؤرخي عصورهم فلا يعول علي ما يقولون من وصفه الشخصي، و لنورد بعض النصوص، قال ابن الطقطقي:
«كان … شديد الكلف باللهو و اللعب و سماع الأغاني لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة، و كان ندماؤه و حاشيته جميعهم منهمكين معه علي التنعم و اللذات لا يراعون له
صلاحا … و كتبت له الرقاع … في ابواب دار الخلافة فمن ذلك:
قل للخليفة مهلا أتاك ما لا تحب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 203
ها قد دهتك فنون من المصائب غرب
فانهض بعزم و إلا غشاك و يل و حرب
كسر و هتك و أسر ضرب و نهب و سلب
كل ذلك و هو عاكف علي سماع الأغاني … » إلي آخر ما جاء … مما كتب إرضاء للقوم و أمرائهم … و كان قد نقل عنه حكاية عبد الغني بن الدرنوس و تقبيح رأي المستعصم مما لا يسع المقام ذكر أمثالها … و قص ترجمته الواسعة عند بيان الخلفاء …
«و كان صاحب لهو وقصف، و شغف بلعب الطيور و استولت عليه النساء و كان ضعيف الرأي، قليل العزم، كثير الغفلة عما يجب لتدبير الدول. و كان إذا نبه علي ما ينبغي أن يفعله في أمر التتار إما المداراة و الدخول في طاعتهم و توخي مرضاتهم، أو تجييش العساكر و ملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم و استيلائهم علي العراق فكان يقول: أنا بغداد تكفيني و لا يستكثرونها عليّ إذا نزلت لهم عن باقي البلاد و لا يهاجمونني و أنا بها و هي بيتي و دار مقامي. فهذه الخيالات الفاسدة و أمثالها عدلت به عن الصواب فأصيب بمكاره لم تخطر بباله … » ا ه.
و في تواريخ المغول الأخري ما يؤيد هذه و قد مر ذكر بعضها …
و في خلاصة الذهب المسبوك المختصر من سير الملوك لعبد الرحمن سنبط قنيتو الاربلي ما نصه:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 204
«قال ابن الساعي: شاهدته يعني الخليفة المستعصم و هو اسمر اللون مسترسل اللحية، ربعة، ليس بالطويل، ظاهر الحياء،
لين الكلام، سهل الاخلاق، سليم الصدر …
كان حافظا للقرآن المجيد، عاكفا علي تلاوته مواظبا علي الصلوات في أوقاتها و صوم الأثنين و الخميس من كل شهر و صوم شهر رجب دائما لا يخل بذلك مدة خلافته و قبل خلافته و له جاريتان قبل الخلافة له من إحداهما ثلاثة بنين و بنت و من الأخري أربع بنات فلما أفضت الخلافة إليه لم يتغير عليهما و لا اغارهما بل راعاهما حفظا لعهدهما. ثم طلبت منه أم البنين أن يعتقها و يتزوجها ففعل ذلك فلما ماتت استجد أخري و حظيت عنده فلم يعترض بغيرها و جاء منها بولد ذكر و طلبت منه أيضا أن يعتقها و يتزوجها ففعل ذلك. هذا فيما يرجع إلي حسن العشرة و حفظ العهد و مراعاة الصحبة و الوفاء. و كان عفيف الفرج لم ينكشف ذيله علي حرام قط، و لا شرب مسكرا و لا وقعت عينه عليه، و لم يعلم أنه عصي اللّه بفرجه و لا فمه غير أنه لم ينزه سمعه من سماع المحرم فإنه كان مغرما بسماع الملاهي محبا للهو و اللعب، يبلغه أن مغنية، أو صاحب طرب في بلد من البلاد فيراسل سلطان ذلك البلد في طلبه.
ثم و كل أموره الكليات إلي غير الأكفاء و أهمل ما يجب عليه حفظه و النظر فيه فأنفذ اللّه فيه قضاءه و قدره و أجري عليه ما قدره فقتل … فكانت مدة خلافته 16 سنة و 7 أشهر و 4 أيام و عمره 46 سنة … و كان ولد يوم 11 شوال سنة 609 و أمه أم ولد و اسمها هاجر.» ا ه.
و الظاهر كما يفهم من الاستدلال ببعض الحوادث و النقول المارة أنه
كان مغلوبا علي أمره، و أمراؤه متخالفون، فهو مضطر للمماشاة و توجيه الإدارة بقدر الإمكان …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 205
و كان الأمراء قد ضربوا علي يد الخليفة باستخدام العوام و الإذاعة في تقبيح عمل الوزير. و بالنتيجة توجيه اللائمة علي الخليفة من جراء التزامه الوزير و قسره علي متابعة اولئك … مما دعا إلي تذبذب الإدارة و سقوط المملكة …
و الأمراء كلهم أو أكثرهم كانوا من المماليك الترك أو كان أهل السلطة منهم و كانوا يتناوبونها و يتنازعون عليها من مدة طويلة و يتحكمون في غيرهم … فانحلت الإدارة أو بالتعبير الأصح صارت منقادة طوع ارادتهم و تسييرهم، و كان منهم إقبال الشرابي و قد تنازع علي السلطة قبل هذا مع رشيق فالخليفة من حين تسنم عرش الخلافة قربه و كان شرابيا له … فنال مكانة لحد أنه ولي زمام القيادة للخيالة (سرخيل العسكر) أو قل إنه صار أكبر أهل العقد و الحل، و غالب رجال الجيش من الترك.
و مهما كان الأمر أو تعدد الأمراء العرب أو كثروا … فالعروة بيد الكواز، و الحكومة حقيقة بيد الجيش التركي …
و من الأدلة التاريخية المذاكرات و المعارضات الجارية عند الحوادث المهمة كحوادث المغول العديدة و المداولات من أجلها و الاستفادة من الأوضاع السياسية و حوادث العزل و النصب … فكان الخلفاء فداء هذا الإصرار و العناد الذي قام به الأمراء و الوزير دون انصياع إلي الصواب أو محافظة للاعتدال و لا مراعاة الغرض و كانت الحزبية بالغة غايتها … و كانت الفتن تجري و منها ما وقع بين الدواتدار الصغير و بين الوزير، و مثلها ما جري بين محلة أبي حنيفة و الخضريين و
بين أهل الرصافة، و منها ما وقع بين أهل الكرخ الشيعة، و السنة …
و هكذا أهمل البلد بوقوع الغرق العظيم و تلف أكثر عماراته … و من ثم زادت النقولات و كثرت علي الخليفة و علي وزيره و أمرائه التنديدات، و أهمها أن الخليفة أهمل حال الجند و منعهم أرزاقهم بميله لرأي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 206
الوزير … فآلت أحوالهم إلي سؤال الناس و بذل وجوههم في الطلب في الأسواق و الجوامع …
هذه الحالة من وسائل توليد العداء بين أفراد الشعب، و عدم سماع الأقوال النافعة … يضاف إلي هذه فقدان الأقوات بحدوث الغلاء، و العدو علي الأبواب توجه نحو العراق … قال المجد النشابي متألما لما وقع و لما ستؤدي إليه التذبذبات في الإدارة و قلة الحزم و لم يستثن أحدا:
يا سائلي و لمحض الحق يرتاد اصخ فعندي نشدان و إنشاد
***
عن فتية فتكوا في الدين و انتهكوا حماه جهلا برأي فيه إفساد
إذا ترامت أمور الناس ليس لهم فيها رواء و لا حزم و انجاد
أما الوزير فمشغول بعنبره و العارضان فنساج و مداد
و حاجب الباب طورا شارب ثمل و تارة هو جنكي و عواد
و شيخ الإسلام صدر الدين همته مقصورة لحطام المال يصطاد
***
إن جئت يثرب أو شارفت ساحتها فقل لمن انزلت في حقه صاد
الكفر أضرم في الإسلام جذوته و ليس يرجي لنار الكفر اخماد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 207
و اضيعة الملك و الدين الحنيف و ما تلقاه من حادثات الدهر بغداد
أين المنية مني كي تساورني فللمنية إصدار و إيراد
من قبل واقعة شنعاء مظلمة يشيب من هولها طفل و أكباد
و مع هذه الآلام و المصائب علي الأهلين و الجند لا يؤمل ضبط
الإدارة و تحسين الحالة فضلا عن صد غائلة العدو الذي جاء بجيوش تملأ الفضاء و استصحب آلات الحصار و غيرها و أجفل أهل السواد من بين يديه إلي بغداد حتي ضاقت علي سعتها و امتلأت شوارعها و نال الناس الخوف الشديد …
و لا نطيل القول بأكثر فقد مر بنا بعض الحوادث الخاصة بالمغول و التدابير المتخذة ضدهم … مما يعين حقيقة الحالة … كما أن الوضع الراهن بالنظر لحدود سلطة الخليفة جغرافيا صريح في الاستدلال علي ضعف إداراته، و الأهواء تتجاذبه، و الأمواج السياسية تتقاذفه … و تكاد تقضي عليه قبل أن يتصادم مع جيش قوي قد اتخد كل أهبة، و احتاط بكل ما وسعه من تبصر و حساب للأمر …
قتل الخليفة بالوجه المشروح، و الأسف مل ء القلوب علي انقراض هذه الأسرة و علي تسلط حكومة أجنبية لا علاقة للأهلين بها و لا رابطة لهم معها سوي القدرة الحربية التي قضت علي جيش المسلمين … فاستولي اليأس علي القلوب، و ماتت السجايا العالية …
و العوامل في إمانتها كثيرة و منها ما وقع علي يد نفس الحكومة المنقرضة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 208
حبا في الاحتفاظ ببيتها و إشادته … خذلت العرب في مواطن عديدة، و حوادث كثيرة إلي أن وصلوا إلي حالة لم تعد فيهم معها قدرة أن يقودوا الجيوش و أن يناضلوا عن الكيان و يحرصوا علي حفظ بيضة الإسلام … و اليأس قتال و لا أضر منه علي النفوس … و قد استولي علي الكل … و لعل أكبر عامل فيه الوزير فإنه لم يتخذ تدبيرا و إنما كان يخذل … فلم تظهر منه مساعدة، و لا أي عمل من شأنه أن
يدفع العدو و كل ما عرف التخذيل لكل تدبير و إظهار التألم منه و تقوية اليأس …
و هكذا قضي الأمر. و لم تفرح النفوس، و تنتعش لمدة قصيرة إلا عند ما قبل المغول الشريعة الإسلامية و مالوا إليها رغبة فيها … و لكن هذه لم تفد لإحياء الروح العربية و إنعاشها بإعادة قدرتها الأولي و سجاياها الماضية …
في عام 17 ه 638 م- علي أصح الروايات- خلص العراق للعرب المسلمين و اختطوا الكوفة و عسكروا فيها بتاريخ المحرم لسنة 17 ه بعد مقارعات دامت بضع سنوات من المحرم 12 ه 633 م يتخللها بعض فواصل قليلة آخرها وقعة جلولاء، و كان في أيدي الفرس الساسانيين و شعوبه مختلفة من فرس و عرب و كلدان و كرد …
و أذلت هذه الحروب الساسانيين و عركتهم عركة قطعت أوصالهم.
و مزقتهم أي ممزق. و عاون العرب المسلمين جماعات من عرب العراق من الشيبانيين و رئيسهم المثني و غيرهم و العرب آنئذ في ضواحي الفرات و في الحيرة و مواطن أخري كثيرة حتي خليج فارس (الأبلة). و أساسا عهدهم قديم في سكني العراق فاندغموا في العرب المسلمين سواء منهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 209
من قبل الاسلامية أو من بقي علي دينه الأصلي و غالبهم آنئذ نساطرة …
رأي الفرس من العرب و فيهم من كان تحت نير سلطتهم و إدارتهم ما لم يروه من قوم، و لا شاهدوا كحروبهم من أمة ما … و المدة التي قضوها لتخليص العراق و فتحه قليلة جدا لم تتيسر لأمة حتي في هذه الأيام … مع ملاحظة الفواصل، و الحروب الأولي و هي أشبه بحروب عصابات لغرض التشويش في الإدارة و التزام
جيوش كثيرة في أنحاء عديدة و المطاولة في ذلك …
و كان الميل إلي الدين الإسلامي و اعتناقه كبيرا جدا. دخل الناس فيه أفواجا … و بعد استقراره للعرب المسلمين جاءته الفرس. و قد قبلت الإسلامية كما أن أقواما جديدة أخري دخلت في الإسلامية و أهم عناصرها الترك و لا تزال بقاياهم إلي اليوم … و موضوعنا يتناول:
من أوضح العناصر العراقية الشعب العربي فهو أكثرها دائما و تغلب علي سائر الأقوام … و عناصره القحطانية و العدنانية. و كانت الإسلامية ظهرت في الحجاز عام البعثة في مكة المكرمة و أكثر الأهلين هناك حتي صاحب الدعوة عليه الصلاة و السلام من الجذم العدناني و أهل المدينة من القحطانية و مثلهم أهل اليمن …
و أهل المدن في ذلك العهد من العرب عامة اصحاب إمارات صغري محددة سلطتها في مدنها، و في بعض القبائل المجاورة لها …
و أهل البادية قبائل تمتّ إلي أحد الجذمين و لها رؤساء يديرون شؤونها و هم في حالة مبعثرة، مشتتة لا تجمعهم جامعة، و في الغالب لا علاقة لقبيلة مع أخري و لا ارتباطا سياسيا أو قوميا إلا بعض الحلوف و العهود
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 210
بنتيجة المجاورة أو القربي … و الإمارات لديهم قليلة جدا، و لا يلتفت إلي دعاوي بعض امرائهم. أو شعرائهم في حماستهم من أنهم أقوي الأمم، و أنهم تخر لهم الجبابرة ساجدين، و أنهم ملكوا البر و البحر …
و من شاهد القوم في باديتهم لأول وهلة، و رأي إدارتهم بنظرة بسيطة قطع أنهم أهل بداوة … و الأمر بين ذاك الغلو في الدعوي و المبالغة في الذم من المجاورين (الفرس خاصة) … فللعرب نظام اجتماعي لكل
قبيلة و يكاد يتشابه في القبائل بتفاوت قليل مما أصله معروف و متعين …
يضاف إلي هذا ما لديهم من أخلاق نبيلة في كثير من أحوالهم كالشمم و الإباء، و حفظ الجوار و الوفاء … و الصلاح لكل ما يستطاع من المكانة الاجتماعية. و الفضائل النفسية …
كان يفقدهم التضامن، و الاجتماع العام نظرا إلي تأصل العداء و تمكنه منهم، و من ظواهره الأخذ بالثأر و لو تقادم العهد … و النهب و السلب (الغزو)، و التباعد من بعضهم البعض بحيث تكاد كل قبيلة أن تنفصل عن غيرها و تستقل في كافة شؤونها … يدل علي ذلك التفاوت نوعا في لغاتهم، و التباين في أديانهم، و التخالف في عوائدهم، و غزو بعضهم بعضا، و قتالهم سواء في حلهم و ترحالهم … لم تؤلف بينهم جامعة، و تغلب عليهم الفوارق أكثر من التشابه، و لم يتفقوا إلا بعض الاتفاقات كما في (التنوخ) المعروف تاريخيا … و هؤلاء حلوا البحرين.
ثم مالوا إلي ضواحي العراق و تملكوا بعض أنحائه … و كونوا إمارات صارت ملجأ للعرب الذين هاجروا إليهم بعد ذلك؛ و كان قد سبقهم إلي التوطن (الحضر) في العراق. و (الغسانيون) في سورية، و لهؤلاء تاريخ معروف اجمالا. و تنقل عنهم مبالغات زائدة مثلما ينقل بفخر و حماسة عن امراء البادية … المجاورون- خصوصا الفرس- تجاوزا الحد في الذم و نبزوهم بشر الأوصاف، و عدوها خصائص لازمة قطعا، و غير منفكة … و لم يدروا أن الأقوام في تبعثرها الاجتماعي و أوضاعها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 211
المشتتة لا تختلف عن العرب، و أنها تحتاج إلي من ينفخ فيها روح الشجاعة و البطولة، و الدعوة إلي الاصلاح …
و العرب أقرب الأمم لقبول الحضارة، و أكثر استعدادا للحصول عليها …
و بينا هي في هذه الحالة، أو ما يقاربها إذ ظهر المبدأ الإسلامي الجليل، و الدين القويم فأصلح العقيدة و وحد الأمة، و نظم شؤون العائلة، و القبيلة؛ و سير كافة أقسام الشعب نحو نظام اجتماعي عام أساسه الأخوة الدينية، و هذب الكل، و ألف بين شؤونهم، و ساقهم إلي الوحدة في كل معانيها، و جعل أساسها الاخلاص في العقيدة و الأخوة التامة، و التبشير بالاخلاق الفاضلة الشريفة … و بعث فيهم روحا جديدة لها علو همتها، و قرر التعاون علي البر و التقوي و الإصلاح ما استطاع إلي ذلك سبيلا و منع من الإثم و الفسوق و التنابز بالألقاب مما شأنه أن يولد البغضاء. و الحاصل جعل الأساس الاخلاص للّه وحده، و أن يراعي الخير لصلاح الجماعة و الأمة و نفعها بل هو إصلاح لجميع الشعوب … مما لم تألفه البشرية في عصورها البائدة …
نهض هذا المبدأ السامي بهؤلاء القوم؛ و بشر و دعا أن يترك أكثر ما كان عليه القوم، و ما كانوا تلقوه عن آبائهم من الرذائل و الشرور فصاروا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر …
فنالته مصاعب كبري و مخالفات شديدة في سبيل هذه الدعوة شأن الجديد الذي لم يجرب و لم تعرف نتائجه … أو لغرابته و عدم مألوفيته …
خصوصا في جزيرة العرب حتي اذعن الكل … و من ثم دعا هؤلاء القوم مجاوريهم فعارضوهم أيضا و جادلوهم بل جالدوهم حتي استظهر العرب المسلمون عليهم …
قوم عمائمهم ذلت لعزتها ال قعساء تيجان كسري و الأكاليل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 212
و من الأقطار التي
أذعنت بالطاعة: العراق و كثير من أهليه عرب فإنه جادل مدة قليلة و حكومته فارسية فأذعن بالطاعة و ولي القوم الأدبار … و من ثم تغلب العنصر العربي و خلص العراق بالوجه المذكور آنفا …
و حينئذ كون حكومة عربية، و أسس حضارة علي يد الخلفاء الراشدين و من وليهم و كانت حكومته مستقلة في إدارتها إلا في بعض الشؤون كالولاية، و القضاء، و الاستشارة في المهمات و عظائم الأمور و هي من خير الإدارات، و حكومته من أفضل الحكومات … لم تدع مجالا للتدمير و التخريب و لا محلا للقسوة و الظلم …
1- و حكوماته من زمن عمر (رض) إلي آخر أيام الإمام علي (رض) تدعي (حكومة الخلفاء الراشدين). و هذه بشرت بالمبدأ الإسلامي الجليل و رأت من الناس قبولا كبيرا و لم يصبها خلل إلا في أواخر أيام عثمان (رض) و أيام الإمام علي (رض) فصار العراق فيها موطنا لوقائع مهمة مثل وقعة الجمل و صفين و النهروان … حدثت من جراء نزاع الخلافة و القيام عليها من جوانب مختلفة و في هذا الحين صار العراق موطن الخليفة الإمام علي (رض) حتي كان مشهده الأخير فيه …
2- و قد تلتها (الحكومة الأموية) و بهذه انقاد العراق إلي الشام ببيعة الحسن (رض) عام 40 ه لمعاوية (رض) و من ثم انقطع النزاع علي الخلافة نوعا و لأمد قصير، تخلص الحكم للأمويين و صارت مملكة العراق تابعة للشام بعد أن كانت منقادة للحجاز أولا و عاصمة للخليفة الإمام علي (رض) ثانيا … و دامت سلطة الأمويين إلي عام 132 ه و في أيامها نالت الخلافة الإسلامية مكانة عظمي و رسوخا وسعة في الملك.
موسوعة تاريخ العراق
بين احتلالين، ج 1، ص: 213
و في خلال الحكم الأموي حدثت وقائع سياسية و حربية مهمة …
و نهضات علي الحكم الأموي من كثيرين و الكل يري أنه الأهل للحكم و الأحق به … و لكن هذه الحوادث كلها لم تؤثر علي الروح الإسلامية في فتوحها و انتشارها … و لم تقض علي وضعها و إدارتها القويمة رغم تلاعب الأهواء و اختلاف النزعات و الحزبية القاسية في وضعها، و القاهرة في نكايتها بعدوها و المتصلبة في سائر أحوالها …
و توالي علي العراق سواء في عهد الخلفاء أو في عهد الأمويين أمراء كثيرون و حدثت وقائع ذات بال أهمها قتلة الحسين (رض)، و حوادث المختار، و وقائع الحجاج، و ما أعقبها من حوادث العلوية و العباسية … إلي آخر ما هنالك مما لا طريق فيه للتوسع …
3- الخلافة العباسية و هذه نتيجة تشويش في الإدارة، و ثورة علي الأمويين بصورة متوالية و من كل فج، و أحزاب قوية … فكان العراق و خراسان موطن النشرات و الإذاعات و الترتيبات المختلفة علي الأمويين لبعده عن العاصمة حتي تغلب الحزب العلوي و العباسي فاتفقا علي الوقيعة بالأمويين، و القضاء علي حكومتهم فتمكن القوم من مرادهم …
تكونت الحكومة العباسية. و هذه قد صفا لها الجو و سارت أمورها بنجاح و قويت في أيامها ثقافة المسلمين و نشطت عقيدتهم نشاطا تاما إلا أنها بعد قليل وجدت من العلويين نفرة، و صار دينهم الدعوة و التكتم و مراعاة الحزبية تارة و الظهور أخري فشوشوا علي العباسيين أمرهم …
فلم تقو الدعوة العلوية علي قلب هذه الحكومة و السيطرة علي الإدارة … و لكنها لم تخل من ازعاج و نفرة، و من تكدير الصفو، أو
الخوف أو التخوف من جانب العباسيين بانضواء الأحزاب المعارضة إلي العلوية و غالبهم فارسي النزعة … و قد وقعت فتن أدت إلي استقلال العلويين في مصر و المغرب، و تكوين حكومة أيضا باسم العلويين في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 214
اليمن و أخري في نجد (الإحساء و البحرين)، و في ايران بأنحاء قهستان و الموت … و كل هذه لم تفلّ من غرب العباسيين، و لا استطاعت القضاء عليهم و لم يتم ذلك إلا علي يد هلاكو عام 656 ه و الخلافة العباسية في آخر رمق من حياتها … و خلصت المملكة العراقية للتتر بعد أن دامت حكومتها للعباسيين من 12 ربع الأول عام 132 م 749 م إلي 5 صفر 656 ه 1258 م.
و بهذا فقد العراق الحكم العربي في البلاد. و في الحقيقة كان فقدانه لاستقلاله و حكمه من أمد بعيد، فالاسم كان للعباسيين و الواقع أن العباسيين كانت حكومتهم فارسية في اوائل أمرها، تركية في اواخرها … و لم يكن حكم للعباسيين عربيا فالحربية بيد أهلها و الوزارة منقادة للسيف و كفي … و إن كانت المدونات عربية.
هذا و لا مجال للتفصيل و الإطالة … و علي كل دام الحكم في العراق للعرب المسلمين من سنة 17 ه إلي سنة 656 ه.
إن الأقوام العراقية بعد الفتح الإسلامي تغلبت عليهم العربية و العرب منهم يمتون إلي العنصر القحطاني و يتلوهم في الكثرة الجذم العدناني. و أول من مال إلي العرب المسلمين من غير العرب الديلم فإنهم انحازوا إلي العرب و قاتلوا معهم … أيام الفتوحات الإسلامية الأولي و هناك و إثر تأسيس الحكم المدني أو بالتعبير الأصح بعد انقراض الفرس مالت
ايران إلي العراق و عاودته مسلمة و تكاثر فيه الفرس و حصل علي ثقافة جديدة، هي الثقافة العربية و لكنها كانت تنزع إلي حضارتها الفارسية الأولي بتلقينات و بلا تلقينات، أو بذكري الماضي و الميل إليه … خصوصا إن بعض القوم لا يزال علي ديانته الأولي و صار هؤلاء يبشرون بالوطنية الإيرانية و يدعون إليها حينما رأوا أن لا قدرة لهم و لا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 215
قوة علي المناضلة عن كيان دينهم … و هكذا فعل باقي أعداء المسلمين ممن دخلوا في الذمة، و صاروا من المعاهدين … يبثون ما من شأنه التشويش و يروجون إذاعة روح التفرقة سواء في كلماتهم، أو أعمالهم، أو سائر أحوالهم حتي مدوناتهم التاريخية … إلا أن قلة العناصر الأخري من أكبر دواعي خذلانها و عدم الاستطاعة في التأثيرات الكبري علي الدين و الثقافة، و تغلبت الأخوة الدينية في الأكثرية الساحقة …
و أن كان الأثر مشاهدا في السياسة و ملموسا … و لا تعاب الحكومة إلا من جهة تعصبها الشديد للعرب بزيادة عن غيرهم …
لم ينتبه العرب في الدور الأموي لتغلب الفرس من طريق الاعتصام بالمخالفين إلا و قد انقلب الحكم و زالت الأموية من العراق و غيره …
و قد جربت تجارب عديدة أو اكتشفت مؤامرات كثيرة لقلب الحكومة العباسية في عين الطريقة التي قضي بها علي الأموية بل أشد و أقوي فذهبت التدابير عبثا و بلا جدوي و إن كلفت بما لا يستهان به بل تعد من البواعث الكبري للقضاء علي الحكومة العباسية … لما نالها من التأثير المتوالي … و نجاحها في هذه ظاهري …
أما التدابير الأخري التي قامت بها العباسية كالقضاء علي أبي مسلم
الخراساني أولا و علي البرامكة ثانيا، و جلب الأتراك لإيقاف تغلب الفرس عند حد و السيطرة عليهم … فهي مما كون بلاء آخر و حول الحكومة من فارسية إلي تركية …
و ذلك أن القوم لم يحتاطوا دائما و في غالب أحوالهم لقهر اعدائهم، أو المناوئين لهم، أو المتغلبين من رجالهم … كما فعل أسلافهم و أوائلهم الذين كانوا يفكرون في الأخطار و ما ينجم من بوادر الحوادث و الإشارة الخفيفة تكفي للتنبه … و أن يتداركوا الخلل و توقع المصائب ببصيرة …
و إنما استهوي القوم النعيم و تركوا الحزم و فاتتهم اليقظة للحوادث و أبطرهم المال، و انغمسوا في الملاذ و اتبعوا الشهوات و الأهواء …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 216
فلما استخدم القوم الترك و خلفهم ابناؤهم و لم يلقنوا السياسة و منطوياتها. أو أنهم أهملوا أمرها لانهماكهم في ملذاتهم، و لأنهم أمنوا الطواري ء بخدامهم الصادقين فأمّروهم و باتوا بطمأنينة كاملة … و من هنا داهمهم الخطر و تسرب إليهم الضرر، و نالهم المكروه من جراء الإهمال … أو قل سلموا مقاليد الأمور إليهم، بل إنهم استرسلوا في الأهواء فناب عنهم خدامهم و أعوانهم فصاروا هم الأمراء بل الخلفاء و أودع إليهم الحل و العقد و صارت الدولة في أيديهم …
عرف هؤلاء الأمراء خلفاءهم. و لما استقر لهم المقام في ادارتهم، و نالوا الإمارة؛ تسلطوا … و تدخلوا في كافة الشؤون حتي في أمور الخلافة، و لم تدر الخلفاء ماذا يفعل بهم … فعهدت الأمور إلي هؤلاء المماليك من حوط الثغور و النظر في السياسة … و لما شعر بعض الخلفاء بما جري حاول القيام فلم يتمكن و هو في حالة من يصحو
من سكرته قليلا فقام المماليك في وجههم علنا. و طغوا علي ملوكهم …
فأصاب الخلفاء منهم ما أصابهم، و قد يكون ما أصاب بعض الخلفاء بلا علم منه و لا معرفة بما وقع … ذلك لأن الأمراء تقارعوا فيما بينهم فكانت العاقبة أن سخط هؤلاء علي الخليفة للسخط علي مملوكه و هو أمير آخر … و هكذا.
و من ثم قوي أمرهم كثيرا و استمروا في الإدارة و لم يستطع في هذه الحالة الخلفاء أن يستعينوا بغيرهم للقضاء عليهم … إلي أن قضي علي الخلفاء و عليهم … بالصورة المشروحة عند الكلام علي الخليفة المستعصم. لذا نري قادة جيشنا في محاربة المغول تركا و تترا و المخابرات السياسية و الاستهواء كان من هذه الناحية و حادثة ايبك الحلبي من جملة هذه، فقد مال للجيش المغولي و صار هاديه في سيره … و لعل أكبر دواعي تمكن المغول هو أن الترك كانوا منبثين في كل الأنحاء فلم يجد المغول غرابة أو عدم ألفة معهم بل التفاهم سهل جدا … و هكذا وقع …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 217
و العامل المهم في التسلط لم يكن في تغلب العناصر وحدها فقد رأينا الأمة اليقظة لا تبالي بتغلب عنصر أو أكثر … و إنما تستفيد من هذا التغلب لتجعلهم في تطاحن … أو كما فعلت الإسلامية بأن سوت بين الجميع … و إنما كان الخلل في سوء الإدارة فالعباسيون شغلوا بالملاذ و الملاهي و لم يكن لهم من الوقت ما يبصرهم بإدارة المملكة و لم ينظروا إلا لنعيم أنفسهم و تنعمهم فساق ذلك إلي قهر الأهلين و ظلمهم … و من ثم تدخل المماليك في الإدارة و ذاقوا حلاوتها
فسيطروا و هكذا استمروا حتي انتزعوها من أهليها … و كان الانتباه أحيانا من بعض العباسيين بعد أن قضي الأمر و سبق السيف العذل يعد في غير أوانه و لم يعدل في الوضع، و لا في التغلب علي العنصر القابض علي أزمة السلطة … و من العدل الإلهي أن لا يدوم ملك بلا نظر، و حسن إدارة …
و الأمة في الحقيقة لا تدري إلا بقيام خليفة مكان آخر و هي في حالاتها تئن من ظلم السابق و تتوقع عتوّ اللاحق … و كانت السلطة تتناوبها المماليك و أمراء الترك الواحد إثر الآخر، و الحكم للأقوي …
و الخليفة تابع لمراسم يجريها فكأنه آلة ميكانيكية تابعة لحركة غيرها ليس له من الأمر شي ء … و يكفيه الجواري الكثيرة، و الملاذ النفسية و لا تهمه الإدارة و لا الشعب …
و الأولي لحكومة مثل هذه أن تموت أولا لأنها ساعدت علي سحق الشعب فلم تسوّ بين أفراده، و ثانيا لم تبق فيه من المقدرة للنهوض في وجهها و محاسبتها علي اعمالها … و هذه الغلبة أي انتصار الحكومة علي الشعب لم يسبق له نظير في أمة … و المأسوف عليه أنها لم تستبدل بما هو اصلح منها. و إنما الحالة سارت إلي التسافل و التدني يوما فيوما إلي أن قضي عليها و علي الأهلين و لم يبق فيهم من يعرف للحرية قيمة و لا للحياة الاجتماعية مكانة فهم مسيرون لا يدرون ماذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 218
يفعل بهم أو يراد … يسومهم الملوك و الأمراء سوء العذاب يذبحون ابناءهم و يستحيون نساءهم … و لا بلاء أكبر من هذا …
و يتبادر إلي الذهن أن تبديل الإدارة إلي
الترك أو استبدالها بهم كان غير صواب و الأمر لم يكن كذلك و إنما كان تدبيرا صالحا إلا أن هذا العنصر ترك و شأنه و مال الخلفاء إلي الانهماك بالملذات و تسليم الإدارة إلي الخدم و الحشم من هؤلاء … دون علم بما ستصير إليه الحالة فساق ذلك إلي نتائج مؤلمة و إلا فلم يعوز حل و لم يعص تدبير لو كانت الادارة استمرت علي رشدها و يقظتها … و اللوم في التدبير الأول فإنه الذي ساق إلي الانهماك في الملاذ النفسية أي أن القوم لم يعلموا بما ستجري عليه الحالة و أن الملوك لم تطرد فيهم المزايا … و كان الأولي أن يقووا العنصر العربي و يعتمدوا عليه و لكنهم كانوا حاربوه للقضاء علي الأموية فلم يعد لهم أمان منه فكأنه عدو ألد لا يصير يوما صاحبا و حبيبا … و كانوا يخشون أن يتقدم قائد عربي خوفا أن ينتزع السلطة، أو يشمخ عليهم بأنفه و لم يروا متسعا من الوقت إلي أن يفكروا في الذي أمنوا منه أو اطمأنوا به و نالوا الانتصار به علي عدوهم أنه سيعاديهم يوما ما، أو ينازعهم السلطة و الإدارة … و هذا من نقص التدبير فكانوا محل العبرة و الاستبصار، و حديثا لمن بعدهم و خير مزدجر للملوك أمثالهم …
نعم إن الأقوام الأخري من العناصر السائرة ممن جعلوهم آلة لتدمير عدو … ملتفة حولهم لا يتحاشون من تقبيل الأقدام، و إبداء كل ذل و خضوع للتوصل إلي الإدارة أو الدخول في الخدمة من أي فرجة وجدت … مما لا يأتلف و النفس العربية الشماء، و الروح الأبية المجبولة علي الحرية، و النفسية الكاملة لا الذليلة المقهورة …
و
الحاصل أن التنازع صار أخيرا و بعد انعزال العرب عن الإدارة بين العناصر غير العربية، و أهين الشعب العربي و لكنه لم يستكن لهذه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 219
الإهانة و رجح شظف العيش و العري علي الذل و الخنوع … و صار في الانزواء أو في الانحياز التام عن التدخلات الإدارية … و استغني عن الحكومة و رضي بالميسور إذ لم يجد له ناصرا … بل طارده القوم حتي في خصه و بيت شعره، أو خيامه الخلقة … فلم يبال … و أصاب اولئك الخلفاء من الذل و المسكنة ما لا يقل عن أي ذل رغم ظواهر السلطان. و بهرجة الديوان، و ضخامة البنيان … هذا و لا يكاد يقف القلم عن جريه فالشجي يبعث الشجي و الحديث ذو شجون و شؤون بل آلام و أوجاع … و نكتفي بهذا.
و هم المسلمون و فيهم النصاري و لا تزال جزيرة العرب تفيض بعشائرها العربية المسلمة كلما ضاق موطنها بهم. و قد مر القول عنهم.
و غالبهم المسلمون و فيهم المجوس و المزدكية …
و أكثر الإفسادات كانت من غير المسلمين منهم، و المسوق بآرائهم من المسلمين قليل.
و فيهم التتر و غيرهم و من بقاياهم اليوم البيات.
و هؤلاء من العناصر الفعالة في العراق و كلما زادت نفوس سكان الجبال منهم مالت إلي المدن.
و في وقائع كثيرة خدموا الإسلامية، و ناصروها، فكانوا عضدها القوي و ساعدها المكين … و هم من أقدم سكان العراق و من أوضح العناصر فيه … و قد برز منهم علماء، و أمراء كثيرون …
و هم نصاري و لهم كيانهم الديني و لم يكن لهم من الكثرة ما يترك أثرا كبيرا إلا أنهم كلما زادت نفوسهم مالوا من القري
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 220
إلي المدن و ما زالوا و لا يزالون في قلة … و لا يفرقون عن العرب في احوالهم و عاداتهم …
أرباب دين و كيان معا. و هم من أقل العناصر العراقية.
و هم أهل دين و سكناهم قديمة … و هم في قلة أيضا.
إن حادثة بغداد شوشت الإدارة و بعثرت الأمور و غيرت المعالم، و هذا أمر طبيعي، بقيت الحالة العسكرية و الحربية إلي اليوم الذي قتل فيه الخليفة (14 صفر) و من ثم عين لإدارة بغداد و ترتيب شؤونها الوزير مؤيد الدين محمد ابن العلقمي فقد جعل وزيرا.
فهو آخر وزير للعباسيين و أول وزير للمغول في بغداد و اختير معه من الموظفين في الإدارة:
فخر الدين ابن الدامغاني صاحب الديوان نصب للديوان أيضا، و الأمير علي بهادر للشحنة، و أرتاقان و أوزان كمرشحين له (ردء) و نائبين لقراتاي عماد الدين عمر القزويني و (الأعمال الشرقية) كالخالص و طريق خراسان و البندنيجين فوضت إلي نجم الدين أبي جعفر أحمد بن عمران الذي كان يسمي بالوزير الصادق أو المخلص (راست دل)، و هو من أهل باجسري، و كان يخدم زمن الخليفة عاملا فاتصل ببعض الأمراء أيام الحرب و حضر بين يدي السلطان هلاكو خان و أنهي إليه من حال العراق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 221
ما أوجب تقديمه و تشريفه، فعهد إليه أن يتفق مع الوزير و صاحب الديوان في الحكم و لقب ب (الملك)، و نجم الدين عبد الغني بن درنوس، و شرف الدين العلوي المعروف بالطويل، و جعل تاج الدين علي ابن الدوامي حاجب الباب (صدر الأعمال الفراتية)؛ كان قد خرج مع الوزير إلي حضرة السلطان فأمر أن يكون صدر الأعمال الفراتية فلم تطل مدته و توفي في ربيع الأول فنصب ولده مجد الدين حسين مكانه.
و حضر (قاضي القضاة) نظام الدين عبد المنعم و جاء في جامع التواريخ أنه (عبد المؤمن) البندنيجي و لما
صار بين يدي هلاكو خان أقره علي القضاء. و كان قاضي القضاء في زمن الحكومة العباسية إلي أواخر أيامها، قد عين لهذا المنصب سنة 655 ه نقل إليها من قضاء الجانب الغربي.
فلما عاد الوزير و الجماعة المذكورة من السلطان هلاكوخان قرروا حال البلاد و مهدوا قواعدها و عينوا بها الصدور و النظار و النواب فعينوا:
سراج الدين بن البجلي في الأعمال الواسطية و البصرية.
و نجم الدين بن المعين صدر الأعمال الحلية و الكوفية.
و فخري الدين مبارك ابن المخرّمي صدر دجيل و المستنصري.
و عز الدين بن أبي الحديد كاتب السلة. فلم تطل أيامه و توفي فرتب مكانه ابن الجمل النصراني.
و عز الدين بن الموسوي العلوي نائب الشرطة.
و الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش إمام مسجد قمرية خازن الديوان.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 222
و رتبوا في جميع الأعمال نوابا و شرعوا في عمارتها.
و وصل الأمير قيراغا (و في جامع التواريخ قرابواقا) و ايلكان نويان إلي بغداد مع ثلاثة آلاف من المغول ليعمروا ما كانوا هدموه و أن يقبضوا علي نواصي الأمور.
و عين الأمير قراتاي عماد الدين عمر بن محمد القزويني نائبا عن الوزير. فكان يحضر الديوان مع الجماعة. و كان ذا دين و مروءة و عين شهاب الدين بن عبد اللّه صدرا للوقوف و تقدم إليه بعمارة جامع الخليفة.
و كان قد أحرق و كذا مشهد موسي الجواد (مشهد الكاظمين) ثم فتح المدارس و الربط و أثبت الفقهاء و الصوفية و أدرّ عليهم الأخباز و المشاهرات و سلمت مفاتيح دار الخليفة إلي مجد الدين محمد بن الأثير و جعل أمر الفراشين و البوابين إليه.
و حينئذ أخذ الناس يدفنون قتلاهم و رفعوا جثث الدواب المطروحة في الأسواق و
الأزقة و شرعوا في تعمير الأسواق …
و مما نقله الفوطي أن الجاثليق تقدم بسكني دار علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير التي علي شاطي ء دجلة فسكنها و دق الناقوس علي اعلاها و استولي علي (دار الفلك) التي كانت رباطا للنساء تجاه هذه الدار المذكورة، و علي الرباط البشيري المجاور لها، و هدم الكتابة التي كانت علي البابين و كتب عوضها بالسرياني …
هؤلاء موظفو العراق آنئذ، و إن التشكيلات الإدارية أبقيت علي ما هي عليه و أهم أوصافها أن الوزير في الحقيقة لم يكن مستقلا في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 223
الحكم، و هذا طبيعي في حكومة أجنبية لم تعرف حقيقة الأشخاص و مع هذا راعت الترتيبات السابقة بمقياس صغير فأضافت إلي الوزير من يراقب أعماله مراقبة عامة …
نعم إن حكومة هلاكو لم تتول ادارة العراق رأسا و إنما استعانت بنا و لو كانت تدار رأسا من قبل الفاتحين لامّحت كافة نضاراتها، و لذهب حسنها بمدة و جيزة و ما أصابها حين الفتح من دمار فكان أشبه بالمرض يعتري البدن ثم يزول … سوي أن هؤلاء كانوا أبصر بالمضرة، و أعلم بطرق افادة الأجنبي فثبّتوا مواقعهم و استفادوا و قد قرروا الادارة السالفة باختصار …
و الحكومة المركزية كانت تودع شؤونها لأمير مغولي بمقام مراقب حذرا من اختلاس الأموال، أو التدخل في شؤون السياسة المضرة بصالحهم … لكنها رأت من القوم الفساد الأخلاقي و التنازع بين الأفراد علي الوظائف بحيث صار كلّ يسند الخيانة لصاحبه و يظهر الخدمة و الإخلاص … فلم تقف الحكومة علي حقيقة الأقوال من كل جانب فولت الإدارة إلي غيرهم … إلا أنها لم تنزع كل الوظائف و إنما احتفظت ببعضها و
استخدمت الباقين من أهل العراق.
1- بغداد. و فيها الوزير و في الغالب له مشرف و نائب و صاحب الديوان و الشحنة و نائب الشرطة و خازن الديوان.
2- الأعمال الشرقية (الخالص و طريق خراسان و البندنيجين).
3- الأعمال الفراتية.
4- الأعمال الواسطية و البصرية.
5- أعمال دجيل و المستنصري.
6- الأعمال الكوفية و الحلية.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 224
7- أعمال الأنبار.
8- أعمال داقوقا.
و الأخيرتان لم ينظر في هذه الأيام في أمر إدارتها، و لا عدتا ضمن الأعمال التي جري التوظيف من أجلها للقيام بشؤونها …
و أما إربل فإنها لا تزال خارجة عن حدود هذه المملكة … و كان يعين لهذه الأعمال الصدور و الصدر هنا بمقام (متصرف) و كل منطقة من هذه الأعمال بمنزلة (اللواء)، و قد يسمي القائم بإدارته الملك و هذا اللقب يناله من كانت له خدمة يستحق عليها هذا اللقب مثل نجم الدين أبي جعفر أحمد بن عمران الباجسري و غيره و معهم النواب و النظار حسب الحاجة وسعة الأعمال …
و علي هذا اكتسبت الإدارة استقرارا نوعا و أبقيت المملكة علي إدارتها السابقة و قوانينها … إلا أنها لم تبقها علي اتساعها بل صغرت الإدارة و جعلتها متناسبة مع القابلية الحاضرة …
و لنرجع إلي ذكر وقائع بغداد. فبعد أن رتبت أمور بغداد و وجهت الأعمال أي في يوم الخميس 29 صفر توجه عز الدين ابن الوزير و صاحب الديوان إلي اعتاب السلطان هلاكوخان لإطلاعه علي الأحوال فسمعوا أوامره و رجعوا إلي بغداد.
و كان في يوم الجمعة 23 صفر رحل هلاكو و نزل بجوار قبة الشيخ مكارم و من هناك رحل حتي وصل مع معسكره إلي خانقين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 225
و أثناء حصار بغداد كان قد
أتي نفر من العلويين و أعاظم أهل الحلة و علمائها فالتمسوا أمانا من هلاكو فأرسل إليهم (بوكله) و (أمير نجلي النخچواني) و أرسل في أثرهم بوقا تيمور و هو أخ اولجاي خاتون ليمتحنوا إخلاص أهل الحلة و الكوفة فاستقبلوهم و جيوشهم استقبالا باهرا و نصبوا جسرا علي الفرات لعبورهم و فرحوا بوصولهم و أظهروا مزيد السرور …
رأي بوقا تيمور إخلاصهم و ثباتهم فرحل في 10 صفر و توجه إلي واسط. و في اليوم 17 منه وصلها فلم يطعه الأهلون هناك و شرع في قتالهم و محاربتهم و قتل منهم ما يقارب الأربعين ألفا.
و من هناك توجه إلي خوزستان و اصطحب معه شرف الدين ابن الجوزي فأطاع أهل تستر و قتل من بقي من جيش الخليفة هناك و انهزم بعضهم و أظهر الطاعة البعض الآخر ممن كان قد فر إلي حدود البصرة.
ثم إن الأمير سيف الدين البتكيچي (البيتكچي) التمس أن يرسل معه مائة من المغول إلي النجف لمحافظة مشهد أمير المؤمنين علي (رض) و أهليه و من جاوره.
و في 12 ربيع الأول عاد بوقا تيمور إلي معسكر هلاكو في سياه كوه. و في 19 منه ارجع رسل حلب الذين جاؤوا إلي بغداد.
و هذا نص الكتاب الذي كتبه الخواجة نصير الدين الطوسي بأمر من هلاكوخان:
«أما بعد فقد نزلنا بغداد سنة 656 ه فساء صباح المنذرين فدعونا مالكها و أبي فحق عليه القول فأخذناه أخذا وبيلا. و قد دعوناك إلي طاعتنا فإن أتيت فروح و ريحان و إن ابيت فخزي و خسران. فلا تكن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 226
كالباحث عن حتفه بظلفه، و الجادع مارن أنفه بكفه … فتكون من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم
في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. و ما ذلك علي اللّه بعزيز. و السلام علي من اتبع الهدي.» انتهي.
و في يوم الأربعاء 11 ربيع الآخر وصل هلاكوخان إلي معسكره في حدود همذان و سياه كوه. فاستراح هناك من عناء السفر و انحرف مزاجه اسبوعا كاملا ثم كسب الصحة.
و في 16 منه إلي 20 منه توالي وصول الأمراء إلي هلاكوخان و هم (ايلكا نويان) و آخرون.
لم تطل أيام هذا الوزير و لم يبق في الادارة إلا قليلا و غاية ما عمله أن أبقي الإدارة كما كانت تقريبا بعد أن زال من البين مناوئوه علي يد هلاكو و بعد أن نالت المملكة مكانتها الحقيقية فاكتسبت شكلها المصغر … و حينئذ عاجلته المنية في مستهل جمادي الثانية من هذه السنة فخدم حكومة العباسيين و المغول معا و نال رضاهما رغم الشغب الموجه عليه … و دفن في مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام (الكاظمية). فخلفه ابنه عز الدين أبو الفضل فصار وزيرا.
إن غالب ترجمة الرجل، و تاريخ حياته رسمي و حكومي أي أنه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 227
سياسي أوضح من غيره. و هو آخر وزير للعباسيين و أول وزير للمغول.
هو أسدي أصله من النيل (قرب الحلة) و قيل لجده العلقمي لأنه حفر النهر المسمي بالعلقمي، ثم سمي الغازاني. اشتغل في صباه بالأدب ففاق فيه، و كتب خطا مليحا». ا ه.
كان إلي سنة 629 مشرف دار التشريفات للخليفة المستنصر، …
و في يوم الاثنين 19 شوال من السنة المذكورة ولي استاذية الدار و بقي في هذا المنصب إلي آخر أيام المستنصر و من بعده في أيام المستعصم حتي سنة 643 ه و فيها نال الوزارة آخر نهار الاثنين 13 صفر و استمر فيها إلي آخر أيام العباسيين …
و هذا الوزير كان كاملا في العلوم و الآداب و قد نقلت عنه جملة صالحة من الآثار الأدبية عن مؤرخين عديدين منهم الفوطي، و ابن أبي الحديد في شرح النهج، و فوات الوفيات، و الوافي بالوفيات و فيها النثر و النظم في ساعات خطرة و حالات حرجة و آنية مما يدل علي غزارة أدبه و فضله …
و في الفخري «و اشتملت خزانته علي عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب، و ممن صنف له الصغاني اللغوي صنف له (العباب) في اللغة، و ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 228
و كان خواص الخليفة جميعهم يكرهونه و يحسدونه، و كان الخليفة يعتقد فيه و يحبه، و كثروا عليه عنده فكف يده عن أكثر الأمور، و نسبه الناس إلي أنه خامر، و ليس ذلك بصحيح.» ا ه.
فالحوادث أثرت تأثيرا كبيرا علي سمعته في الداخل و
الخارج و لا تزال باقية ما بقي التاريخ و بقيت آثاره …
و من نظر قدرة الحكومة العباسية آنئذ و درجة سلطتها و شاهد وضعها السياسي و العسكري و أنها لم تكن لها من المكانة ما تستطيع أن تدفع عنها الملوك الذين هاجموها قبل المغول … قطع بأن منزلتها كانت اسمية أكثر منها فعلية … خصوصا بعد أن عرفنا أن حكومة المغول بقوتها القاهرة قد قضت علي حكومات جمة، و أرعبت العالم بما أحدثته من دويّ و ضجة … فليس في وسع الحكومة العباسية أن تقاوم، و كان وزيرها أعلم بالوضع فأبدي لزوم المسالمة فلم يسمع منه قول.
و كان قد أنشد:
كيف يرجي الصلاح من أمر قوم ضيعوا الحزم فيه أي ضياع
فمطاع الكلام غير سديد و سديد المقال غير مطاع
و كان بينه و بين أمراء بغداد مشاحنة و استفادة من وقائع المغول نسبوا إليه الخيانة و أتخذوها وسيلة للوقيعة به كما أنه نسب إليهم محاولة خلع الخليفة … فكانت نتائج هذا الخلاف بين الطرفين و خيمة …
فاتخذ مناجزوه آراءه هذه وسيلة للوقيعة به و التنديد بها و تفنيدها و الإذاعات المرة عنها بنسبة الخيانة إليه … و قد ذكرها غالب المؤرخين ففي التاريخ المسمي بالفوطي قال:
«توفي الوزير … و عمره 63 سنة و كان عالما، فاضلا أديبا، يحب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 229
العلماء و يسدي إليهم المعروف إلا أن خيانته لمخدومه تدل علي سوء أصله.» ا ه.
«بينا هلاكو سائرا نحو الإسماعيلية بلغه في طريقه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب إربل يستحثه للمسير إلي بغداد و يسهل عليه أمرها لما كان ابن العلقمي رافضيا هو و أهل محلته
بالكرخ، و تعصب عليهم أهل السنة و تمسكوا بأن ابن الخليفة و الدوادار يظاهرونهم و أوقعوا بأهل الكرخ و غضب لذلك ابن العلقمي و دس إلي ابن الصلايا بإربل و كان صديقا له بأن يستحث التتر لملك بغداد و أسقط عامة الجند يموه أنه يصانع التتر بعطائهم … و سار هلاكو و التتر إلي بغداد و استنفر بنحو (هوبايجو) مقدم التتر ببلاد الروم فيمن كان معه من العساكر فامتنع أولا ثم اجاب و سار إليه (الخ ما هناك من حوادث الفتح حتي قال): و استبقي ابن العلقمي علي الوزارة و الرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصاري أمره إلا الكلام في الدخل و الخرج متصرفا من تحت آخر أقرب إلي هلاكو منه فبقي علي ذلك مدة ثم اضطرب و قتله هلاكو.» انتهي.
و مثله في تواريخ أخري عديدة و لا نرانا في حاجة إلي نقل كل ما شاع من هذا النوع … و إنما نكتفي بملخص ما قصه صاحب كتاب (الوافي بالوفيات) قال:
«أبو طالب الوزير المدبر مؤيد الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن العلقمي البغدادي الرافضي وزير المستعصم، ولي الوزارة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 230
14 سنة فأظهر الرفض قليلا، و كان وزيرا كافيا، خبيرا بتدبير الملك، و لم يزل ناصحا لأستاذه حتي وقع بينه و بين الدوادار، لأنه كان يتغالي في السنة، و عضده ابن الخليفة، فحصل عنده من الضغن ما أوجب له أنه سعي في دمار الإسلام، و خراب بغداد علي ما هو مشهور لأنه ضعف جانبه و قويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة حتي قال في شعره:
وزير رضي من بأسه و انتقامه بطيّ رقاع حشوها النظم و النثر
كما تسجع الورقاء و هي
حمامة و ليس لها نهي يطاع و لا أمر
و أخذ يكاتب التتار إلي أن جرّ هولاكو و جرأه علي أخذ بغداد، و قرر مع هولاكو أمورا انعكست عليه و ندم حيث لا ينفعه الندم، و كان كثيرا ما يقول عند ذلك:
و جري القضاء بعكس ما أملته.
لأنه عومل بأنواع الهوان من اراذل التتار و المرتدة … و لم تطل مدته حتي مات غما و غبنا في أوائل سنة 657 ه، و مولده في شهر ربيع الأول سنة 591 ه … (إلي أن قال): و اشتغل بالحلة علي عميد الرؤساء أيوب و عاد إلي بغداد، و أقام عند خاله عضد الدين أبي نصر المبارك بن الضحاك و كان أستاذ الدار».
و علي كلّ إن الحكومة كانت ضعيفة و محكومة الزوال قطعا، و ليس لها قدرة علي المقاومة بوجه و لكن اللوم إنما يوجه علي الوزير من جراء تخذيل الخلافة و الشعب بإضاعته قسرا لآراء الآخرين التي استقر عليها رأي حكومته بالوجه المذكور دون أن يتخذ معها تدبيرا حازما، و إن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 231
الترجيح أو المتابعة لآراء الآخرين و القطع به يجب أن يكون مقرونا بقوة و مساعدة قلبا و قالبا ما دام القوم رجحوا غير رأيه … فلم يقم بعمل، و لا شوق الخليفة علي الدوام في الحرب و اتخاذ لوازمها.
و في هذا جريرة عظمي إلا أن مؤرخي المغول مثل صاحب جامع التواريخ و الفخري و جهوا اللوم مباشرة علي الخليفة من جهة أنه لم يتمكن من الوزير و لم يتسلط عليه في أمور المال و الصرف علي الجند، و الحال أن هذا الإهمال إنما ينسب إلي الوزير المسؤول عن الحكومة فكان الأولي به
أن يعتزل المنصب أو يقوم بواجباته لا أن يمنع ارزاق الجند، و يسقط أكثرهم من ديوان العرض بحيث آلت أحوالهم إلي سؤال الناس و بذل وجوههم للطلب في الأسواق و الجوامع … مع أن العدو علي الأبواب …
و تابع هؤلاء المؤرخين آخرون في هذه الفكرة و التزام التوجيه بموجبها …
و مدة وزارته- أيام الحكم المغولي- قليلة جدا، و فيها بعد قتل الخليفة عاد و الجماعة الذين معه من خدمة هلاكو، فقرروا حال البلاد؛ و مهدوا قواعد الحكومة و عينوا لها الصدور و النظار و النواب … و رتبوا جميع الأعمال، و شرعوا في عمارة المدينة … و كان يندد به من جهة قبوله الوزارة بعد قتل الخليفة، … و من جراء لومه الخليفة و تسفيهه لرأيه بعتاب و تقريع … و أمثال ذلك مما كان يتمثل به من البيت المشهور و المنقول سابقا … و مهما يكن فالآراء متضاربة في أمره، و وضعه ما حكيناه، و التقصير موجه علي الكل فلا يسلم منه أحد …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 232
يوم الخميس 2 جمادي الثانية و جهت وزارة بغداد بأمر من السلطان هلاكو إلي عز الدين أبي الفضل بن مؤيد الدين العلقمي و قد جاء في جامع التواريخ أنه شرف الدين و الصحيح المنقول عن التاريخ المنسوب للفوطي و كتاب الوافي بالوفيات أنه ما قدمنا. فصار وزيرا مكان أبيه الوزير المتوفي.
إن إربل من ألوية العراق و كان يعين لها صدر فلما عزم هلاكو علي فتح بغداد كان قد أرسل ارقيو نويان لفتح هذه المدينة (اربل) و هي قلعة حصينة يكاد لا يكون لها نظير في البلاد فزاول ارقيو نويان محاصرتها و فتحها و لكن سكانها الأكراد قاوموه مقاومة الأبطال …
و في هذه الأثناء انفرد بإظهار الطاعة تاج الدين أبو المعالي محمد ابن الصلايا العلوي و وصل إلي القائد ارقيو نويان فقال له:
إنما يصح إظهار الطاعة بتسليم القلعة:
فرجع تاج الدين إلي باب القلعة و بذل جهودا لإقناع الأكراد فلم ينل مطلوبه منهم و لم يسمعوا قوله فأخذ يبالغ في الإلحاح و التماس العفو فلم يفده ذلك فاضطر للذهاب إلي ارقيو نويان و هذا أرسله إلي هلاكو خان فلم ينل قبولا منه و أمر بقتله فقتل في سياه كوه، و كان كريما، جوادا، فاضلا متدينا يبالغ في عقوبة من يفسد أو يشرب الخمر. و هذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 233
هو الصاحب تاج الدين أبو المكارم محمد بن نصر بن يحيي الهاشمي العلوي المدائني نائب الخليفة بإربل كان من رجال الدهر عقلا و ورأيا و هيبة … قتله هلاكو في ربيع الآخر …
ثم إن القائد ارقيو نويان حاصر قلعة إربل مدة فلم ينقادوا له بل بقوا في الحصار. فاستعان عليهم بالسلطان بدر الدين لؤلؤ ليرسل
جيشا إليه فأرسل. و إن سكان أهل القلعة نزلوا ليلا و باغتوا المغول و قتلوا منهم خلقا كثيرا و أحرقوا منجنيقاتهم ثم رجعوا إلي المدينة مقرهم.
فعجز القائد ارقيو نويان من مقاومتهم الشديدة و دعا إليه بدر الدين لؤلؤ و استشاره فقال له بدر الدين لؤلؤ:
التدبير هو أن تترك مهمة الفتح إلي موسم آخر. لأن الأكراد عاجزون عن الحروب و يملون منها. و في زمن المعركة يفرون إلي الجبال حيث إن هذا الموسم طيب الهواء. و لهم ذخائر كثيرة و مؤن كافية، و القلعة في غاية الإحكام … و لذا يتعذر فتحها إلا بالحيلة.
ثم إن القائد المذكور فوض مهمة فتح القلعة- مدينة إربل- إلي السلطان بدر الدين لؤلؤ و هذا قد هدم سور القلعة. و بهذه الوسيلة و التدبير استولي علي المدينة.
و علي كل تسلط العدو علينا بتدبير منا و حيل احتلناها لمصلحته، فالكل عاونوه و ساعدوه بأمور لا تخطر علي بال …
و كانت إربل لزين الدين علي المعروف بكوچك من التركمان ملك إربل و بلادا كثيرة في تلك النواحي و فرقها علي أولاد أتابك قطب الدين ابن مودود بن زنكي صاحب الموصل و لم يبق له سوي إربل و انقطع بها إلي أن توفي ليلة الأحد 11 ذي القعدة سنة 563 فولي بعده ولده مظفر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 234
الدين أبو سعيد كوكبوري (كوكبري) و كان عمره (14 سنة) فأقام مدة ثم تغلب عليه أتابكه مجاهد الدين قايماز، و كتب محضرا أنه ليس أهلا، و أقام أخاه زين الدين أبا المظفر يوسف و كان أصغر منه، ثم أخرج مظفر الدين من البلاد، فتوجه إلي بغداد فلم ينل بها مطلوبه، ثم سار إلي الموصل
فأقطعه مالكها سيف الدين غازي بن مودود مدينة حران فانتقل إليها و أقام بها مدة.
ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين و حظي عنده و تمكن منه وزاده في الإقطاع الرّها سنة 578 ه أخذها صلاح الدين من ابن الزعفراني و أعطاها مظفر الدين مع حران. و أخذ الرقة من ابن حسان و أعطاها ابن الزعفراني. ثم اعطاه سميساط و زوجه اخته الست ربيعة خاتون بنت أيوب. و شهد مظفر الدين مع صلاح الدين مواقف كثيرة و أبان فيها عن نجدة و قوة نفس و عزة و ثبت في مواضع لم يثبت فيها غيره.
ثم لما كان السلطان صلاح الدين منازلا عكا بعد استيلاء الفرنج عليها وردت إليه ملوك الشرق تنجده و تخدمه و كان في جملتهم زين الدين يوسف أخو مظفر الدين و هو يومئذ صاحب إربل فأقام قليلا، ثم مرض و توفي في 28 رمضان سنة 586 ه بالناصرة فلما توفي التمس مظفر الدين من السلطان أن ينزل عن حران و الرّها و سميساط و يعوضه إربل فأجابه إلي ذلك و ضم إليه شهر زور فتوجه إليها و دخل إربل في ذي الحجة سنة 586 ه و بقي فيها إلي أن توفي 8 رمضان عام 630 ه و كانت ولادته بالموصل ليلة الثلاثاء 27 من المحرم سنة 548.
و كان قد جاء إلي بغداد عام 628 ه فاحتفل به احتفالا باهرا و لم يكن قدم بغداد قبل ذلك.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 235
و في 17 رمضان لسنة 630 ه ورد الخبر بوفاة مظفر الدين أبي سعيد كوكبري (ورد في ابن خلكان كوكبوري و ضبطه كذلك) فتقدم الخليفة بتعيين جماعة من الأمراء للتوجه إلي إربل
و كان بها خادمان أحدهما برنقش و الآخر خالص فامتنعا من فتح البلد فحصلت معركة ثم افتتح و جاءت البشائر إلي بغداد فأمر الخليفة بإحضار الأمير شمس الدين باتكين أمير البصرة فورد بغداد في 14 ذي القعدة فوجهت إليه، و سار فوصلها في 19 منه.
و هكذا توالي الأمراء عليها، إلي أن جاء هلاكو فاستولي عليها و كان ناظرها ابن الصلايا فقتله … و ليها بعد الوقيعة من التتار في سنة 635 ه و بقي إلي أن قتل سنة 656 ه بالوجه المشروح.
أما الأمير شمس الدين باتكين فإنه عاد إلي بغداد و بقي فيها إلي أن توفي سنة 640 ه.
إن هلاكو أمر بإرسال الخزائن و الأموال الوافرة المستحصلة حين فتح بغداد إلي اذربيجان بصحبة الملك ناصر الدين بن علاء الدين صاحب الري. و كذا الأموال التي حصلوا عليها حين استيلائهم علي قلاع الملاحدة و بلاد الروم و الكرج و الأرمن (و اللر) و الكرد و أمر الملك مجد الدين التبريزي بإنشاء عمارة عالية و محكمة علي الجبل الذي هو في ساحل بحيرة أورمية و سلماس.
و هذا قد بني عمارة عالية في غاية الإحكام و المتانة و أخذوا من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 236
هناك جميع النقود و الأموال و وضعوها في العمارة بعد أن صيروا الذهب و الفضة قطعا.
كذا في جامع التواريخ. و جاء في غيره أن هلاكو أمر أن تبني عمارة عالية داخل جزيرة في بحيرة اورمية (بحر كبودان) ما بين مدينة سلماس و أورمية فتمت كما اراد و وضعت فيها الأموال و قطع الذهب و الفضة، و أن هذه الجزيرة غارت سنة 681 ه في السنة التي مات فيها ابقا خان.
و أرسل
هلاكو خان إلي أخيه منگوقاآن من هذه الأموال تحفا و هدايا مع بشائر ظفرهم و فتحهم و أطلعه علي كيفية استيلائهم علي ممالك ايران، ثم عاصمة الخلافة، و أعلمه أنه عازم علي الذهاب إلي ديار مصر و الشام إذ تم له فتح بغداد.
و كان حامل هذه الرسالة الأمير هولاجو.
أما القاآن فإنه قد فرح بهذا الفتح و سر كثيرا لنبأ هذه البشارة العظمي … !
بتاريخ 29 رجب سنة 656 ه و فد بدر الدين لؤلؤ إلي هلاكو بإشارة من حضرته فوصل إليه في حدود مراغة. و كان تجاوز من العمر 90 عاما. فبالغ هلاكوخان بإكرامه و إعزازه و رجع في 6 شعبان من السنة المذكورة.
و في 7 شعبان من تلك السنة و فد إليه اتابك سعد بن أبي بكر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 237
اتابك فارس ليهني ء هلاكوخان بفتح بغداد وصل إلي اعتابه فرأي منه كل لطف و إنعام، ثم رجع.
و في 4 منه وصل إليه السلطان عز الدين ملك الروم في حدود تبريز ثم وصل إليه السلطان ركن الدين يوم الأربعاء 8 منه.
و كان هلاكوخان متألما من السلطان عز الدين لعدم التفاته إلي أحد قواده بايجونويان و محاربته له. و بعد استيلاء المغول علي بغداد أحس عز الدين بالخطر الحائق به فدبر حيلة ينقذ بها نفسه و يتذرع بها للخلاص فركن إلي المثول بين يدي هلاكوخان و اغتنم فرصة الوفادة بصنع نعل جعل صورته مصورة فيه و قدمه إلي هلاكو و قال له:
إن صورتي التي تحت نعلك آمل أن تكون شفيعا لي و تجعلني مفتخرا بلطفك.
فاستذل لهذا الحد فتعسا له و لما صنع …
و حينئذ رق عليه هلاكوخان و بتوسط دوقوز خاتون عفا
عنه.
لا نري فائدة في استيعاب أحوال هذا الفاتح و ذكر وقائعه مما ليس له تعلق بالعراق و أحواله. فهو بالإجمال فاتح عظيم،- و القصة الآتية تبين سياسته و خطته.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 238
يحكي أن الخواجه نصير الدين الطوسي عرض علي هلاكوخان أن السلطان جلال الدين خوارزمشاه الذي كان قد انهزم من استيلاء المغول و لما وصل إلي تبريز أخذ جنده يمدون الأيدي و يتطاولون علي الرعايا فطلب منه لزوم تأديبهم و عرض له عن هذه الحالة فقال:
إننا في هذا الوقت نشتغل في الفتح و الاستيلاء لا في حراسة الملك و إن حالة الاستيلاء لا يلتفت فيها إلي أحوال الرعايا … و لما كنا لم نتم الاستيلاء فلا نراعي ذلك. و لكننا بعد أن تنتهي الفتوح نصغي إلي سماع شكاوي الناس و تظلمهم.
«أنه بحمد اللّه تعالي قد استولي و ملك و لا يزال مع الطغاة في حالة الحرب و مع المطيعين في حالة العدل»، لا كجلال الدين فإنه في حالة ضعف و عجز لم يكن فاتحا (جهانكير) فحسب، و لا مالكا لزمام الادارة وحدها (جهاندار) …
و هذه توضح أوضاعهم و حالاتهم السياسية و الحربية بصورة جلية.
و الحاصل أن هلاكو خان بعد هذا توجه إلي ديار الشام و استولي علي حلب و مدن كثيرة من سورية و كل هذا الدور هو زمن حروب و استيلاء كما تقدم …
كانت بغداد إلي حين سقوطها علي يد هلاكو تعتبر عاصمة العالم الاسلامي و مركز خلافته لمدة تزيد علي خمسمائة سنة و لم تفقد مكانتها العظمي و سيطرتها الدينية و العلمية و الصناعية و الأدبية و إن حصل اعتلال في السياسة في غالب الأحيان و كان قد حاول خوارزمشاه محمد إلغاء الخلافة، و رفع الخطبة … فلم يفلح كما مرّ ذلك فيما سبق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 239
مزاياها العلمية لم تعتل بوجه و إن كانت تأسست مواطن علمية كبري في الأقطار الإسلامية النائية و المستقلة عنها … فهي في احتكاك معها دائما و اتصال بها و لو علي طريق الحج و الزيارة أو علي سبيل الأخذ و التلقي للدراسة من جانب رجال المدارس الأخري و سائر العلماء …
هي السوق الأعظم لتجارة العلوم و عرضها و المعهد الأكبر للمعارف و الثقافة و الحضارة، كانت غنية برجالها لا يضارعها قطر ما، و مركز اساسي للحضارة بأنواعها و البواقي فروع قد تفرعت منه و لم تستغن عنه … و غالب من رحل عنها من علمائها نال المكانة السامية في القطر الذي حل
فيه …
هذه المكانة من دينية و علمية و سياسية و أدبية و صناعية إنما يستدعي فقدانها و ضياعها الحزن العظيم و الألم الكبير. فإنها صارت مدينة عادية يعين لها وال أو وزير و تابعة لغيرها بعد أن كانت رأس المدن و أم البلاد و عادت لا قيمة لها سياسية و لا منزلة علمية …
ناهيك مما اصابها في النفوس و الأموال، و (حادثة الضياع الكبري) هي في الحقيقة ضياع الاستقلال و الإدارة و المركز الديني، فالأهلون و إن كانوا في تذمر من إدارة العباسيين بسبب ما كانوا يرون من أنواع الجفاء و الظلم علي يد المسيطرين من الاتراك فإن رأسها (خليفتها) منهم، و صبغتها صبغتهم و طابعها طابعهم، و إدارتها- و إن كانت قاسية و مؤلمة- تعد منهم. فلا يودون الأجنبي و لو ملك خير الصفات و لا يرغبون في سيطرة الأغيار و إن جاؤوا من السماء …
هذا ما دعا الشعراء أن قالوا قصائد كثيرة أبدوا فيها احساسهم، و ما نالهم من آلام في هذه الوقعة التي لم تضارعها وقعة اصابت البلاد إلا حادثة (ضياع بغداد) علي يد الانجليز …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 240
و علي كل حال إن النفوس لا تريد أن تحكم إلا بما شاءت و طبق رغبتها، و لا تود أن يسيطر عليها إلا من تهواه و تميل إليه من رجالها المخلصين و أبنائها البررة …
و الأمم اليوم لم يأت لها الوقت أن تدقق فيه المبادي ء فتختار أحسنها، و أن تراعي الإدارات فتنتقي خيرها … فلا تزال تنظر إلي الطوابع الخاصة و العلائم الفارقة فلا لوم عليها أن تحزن و أن يذكر شعراؤها المصاب …
فاض علي لسان شعرائها ما كان يشعر
به الكل. فهلاكو لم يغير في الإدارة و لا في رجال الحكومة إلا قليلا و لكنه بدل السلطة و غير الرأس (رأس الحكومة) و إن كان أبقي الشرائع علي مجراها و ترك الشؤون تجري بمقتضي حالتها … بعد أن انتهب خزائنها و أموالها و قتل في نفوسها …
و لا محل لإيراد جميع ما قيل من شعر عن هذه الحادثة و ما ولدته من ضجة في العالم الإسلامي و إنما أكتفي بما قيل إثر المصاب قال شمس الدين محمد بن عبد اللّه الكوفي الواعظ:
بانوا ولي أدمع في الخد تشتبك و لوعة في مجال الصدر تعترك
بالرغم لا بالرضي مني فراقهم ساروا و لم أدر أي الأرض قد سلكوا
يا صاحبي ما احتيالي بعد بعدهم أشر عليّ فإن الرأي مشترك
عزّ اللقاء و ضاقت دونه حيلي فالقلب في أمره حيران مرتبك
يعوقني عن مرادي ما بليت به كما يعوق جناحي طائر شرك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 241
أروم صبرا و قلبي لا يطاوعني و كيف ينهض من قد خانه الورك
إن كنت فاقد إلف نح عليه معي فإننا كلّنا في ذاك نشترك
يا نكبة ما نجا من صرفها أحد من الوري فاستوي المملوك و الملك
تمكنت بعد عزّ في احبتنا أيدي الأعادي فما أبقوا و لا تركوا
لو أن ما نالهم يفدي فديتهم بمهجتي و بما أصبحت أمتلك
ربع الهداية أضحي بعد بعدهم معطلا و دم الإسلام منسفك
أين الذين علي كل الوري حكموا أين الذين اقتنوا أين الألي ملكوا
وقفت من بعدهم في الدار اسألها عنهم و عما حووا فيها و ما ملكوا
أجابني الطلل البالي و ربعهم ال خالي نعم ههنا كانوا و قد هلكوا
لا يحسبوا الدمع ماء في الخدود جري و إنما هي روح الصب
تنسبك
و لما شاهد هذا الشاعر ترب الرصافة و قد نبشت قبور الخلفاء و أحرقت تلك الأماكن و أبرزت العظام و الرؤوس علي بعض الحيطان قال:
إن ترد عبرة فتلك بنو العباس حلت عليهم الآفات
استبيح الحريم إذ قتل الأحيا ء منهم و أحرق الأموات
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 242
و مما قاله أيضا:
يا عصبة الإسلام نوحوا و اندبوا أسفا علي ما حل بالمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه لابن الفرات فصار لابن العلقمي
و لهذا الشاعر مراث أخري في خراب بغداد و انقراض الخلفاء.
و ما قاله غيره من هذا النوع كثير و من هؤلاء سعدي الشيرازي فقد أبدي تألمه لهذا الحادث الجلل بما نظمه في العربية و الفارسية …
و لم يكن أثر هذه الوقعة مقصورا علي موقع، أو مختصا بزمن و إنما أثر في نفوس شعرائنا في عصور مختلفة و مواطن عديدة فلا نري فائدة في ذكرها سوي إعادة الأسي و تحريك الأشجان و تهيج الأحزان، مما لا يفيد في التربية و السجايا القويمة بل ذلك لم يكن شأن الرجال، و العاقل من فكر في طريقة الخلاص دون أن يستولي اليأس علي قلبه و يأخذ القنوط منه مأخذه … و المطلوب تعمير المغلوبية، استفادة مما حدث بأن ننهض من الكبوة لا أن نجعل البكاء دينا و الندب ديدنا …
و لا ينكر أن المرء تفيض نفسه، و تشتد آلامه و أحزانه من عظم المصاب، أو ينفد صبره و يظهر أثر ذلك علي لسانه أو وجهه.
هو الدهر لم يرحم إذا شدّ في حرب و لم يتئد إما تمخض بالخطب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 243
يزمجر أحيانا و يضحك تارة فيظهر في بردين للجد و اللعب
فلا هو في سلم
فنأمن بطشه و لا هو في حرب فنقعد للحرب
يسالم حتي تأخذ القوم غرة فيهجم زحفا في زعازعه النكب
أري الدهر كالميزان يصعد بالحصي و يهبط بالموزون ذي الثمن المربي
أدال من العرب الأعاجم بعدما أدال بني عباسها من بني حرب
و لم أر للأيام أشنع سبة لعمرك من ملك العلوج علي العرب
***
صفت لبني العباس أحواض عزهم زمانا و عادت بعد مخلبة الشرب
عنت لهم الدنيا فساسوا بلادها بعدل أضاء الملك في سالف الحقب
فكانوا طفاح الأرض عزا و منعة خلائف ساسوا بالسيوف و بالكتب
لقد ملكوا ملكا بكت أخرياته بدمع علي المستعصم الشهم منصب
تشاغل باللذات عن حوط ملكه فدارت علي ابن العلقمي رحي الشغب
أطال هجودا في مضاجع لهوه علي ترف و الدهر يقظان ذو إلب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 244
لقد غره أن الخطوب روابض و لم يدر أن الليث يربض للوثب
فكان كمروان الحمار إذ انقضت به دولة مدت يد الفتح للغرب
***
جرت فتنة من شيعة الكرخ جلّحت علي شيعة في الكرخ بالقتل و النهب
فقامت لدي ابن العلقمي ضغائن تحجرن من تحت النياط علي القلب
فأضمر للمستعصم الغدر و انطوي علي الحقد مدفوعا إلي الغش و الكذب
و خادعه في الأمر و هو وزيره مواربة إذ كان مستضعف الإرب
فأبعد عنه في البلاد جنوده و شتتهم من أوب أرض إلي أوب
و دسّ إلي الطاغي هلاكو رسالة مغلغلة يدعوه فيها إلي الحرب
و قال له إن جئت بغداد غازيا تملّكتها من غير طعن و لا ضرب
فثار هلاكو بالمغول تؤمه كتائب خضر تضرب السهل بالصعب
و قاد جيوشا لم تمرّ بمخصب من الأرض إلا عاد ملتهب الجدب
جيوش تردّ الهضب في السير صفصفا و تعرك في تسيارها الجنب بالجنب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 245
فما عتمت حتي بنت
بغبارها سماء علي أرض العراق من الترب
و لما أبادت جيش بغداد هالكا علي رغم فتح الدين قائده الندب
أقامت علي اسوار بغداد برهة تعض بها عض الثقاف علي الكعب
فضاق عليها بالحصار خناقها و غصت بكرب يا له اللّه من كرب
و قد حمّ فيها الأمن بالرعب فانبرت له رحضاء من عيون أولي الرعب
هناك دعا المستعصم القوم باكيا بدمع علي لحييه منهمل سكب
فأبدي له ابن العلقمي تحزنا طوي تحته كشحا علي المكر و الخلب
و قال له قد ضاق بالخطب ذرعنا و أنت تري ما للمغول من الخطب
فكم نحن نبقي و العدو محاصر نذل و نشقي في الدفاع و في الذب
و ماذا عسي تجدي الحصون بأرضنا و هم قد أقاموا راصدين علي الدرب
فدع (يا أمير المؤمنين) قتالهم علي هدنة تبقيك ملتئم الشعب
و لسنا (و إن كانت كبارا قصورنا) نردّ هولاكو بالقتال علي العقب
و إلا فإن الأمر قد جدّ جدّه و ليس سوي هذا لصدعك من رأب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 246
تولي خان وزوجته سورقوقتي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 247
فلما رأي المستعصم الخرق واسعا و أن ليس للداء الذي حل من طب
مشي كارها و الموت يعجل خطوه يؤم لفيفا من بنين و من صحب
وراح بعقد الصلح يجمع شمله كمن راح بين النون يجمع و الضب
فأمسكه رهنا و قتل صحبه هلاكو و لم يسمع لهم قط من عتب
و أغري ببغداد الجنود كما غدا بادماء يغري كلبه صاحب الكلب
فظلت بهم بغداد ثكلي مرنّة تفجع بين القتل و السبي و النهب
و جاسوا خلال الدور ينتهبونها و صبوا عليها بطشهم أيما صب
و أمسي بهم قصر الخلافة خاشعا مهتكة استاره خائف السرب
و باتت به من واكف الدمع بالبكا عيون المها شتراء منزوعة
الهدب
و راحت سبايا للمغول عقائل من اللآء لم تمدد لهنّ يد الثلب
لقد شربوا بالهون أوشال عزّها و ما أسأروا شيئا لعمرك في القعب
فقلص ظلّ كان في الملك وارفا و أمحل ملك كان مغلولب العشب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 248
لقد بات إذ ذاك الخليفة جاثما علي الخسف مرقوبا بأربعة غلب
و خارت قواه بالسعار لمنعه ثلاثة أيام عن الأكل و الشرب
فقال و قد نقت ضفادع بطنه ألا كسرة يا قوم أشفي بها سغبي
فقال هلاكو عاجلوه بقصعة من الذهب الإبريز و اللؤلؤ الرطب
و قولوا له كل ما بدا لك إنها لآلي ء لم تعبث بهن يد الثقب
ألست لهذا اليوم كنت ادخرتها فدونك فانظر هل تنوب عن الحب
و كنت بها دون الممالك معجبا و فاتك أن المقت من ثمر العجب
و لو كنت في عز البلاد أهنتها و أنزلت منها الجند في منزل خصب
لما اكلتك اليوم حربي و إن غدت تذيب لظاها عنصر الحجر الصلب
سأبذلها دون الجنود ازيدهم صيالا بها فوق المطهمة القبّ
و سوف و إن لم يبق إلا حديثنا تميز ملوك الأرض دأبك من دأبي
***
هنالك و الطوسي أفتي بقتله قروه بقتل آدب أفجع الأدب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 249
أشار هلاكو نحو علج فتلّه فخرّ صريعا لليدين و للجنب
فأدرج في لبد و ديس بارجل إلي أن قضي بالرفس ثمة و الضرب
و قد اثخنت بغداد من بعد قتله جروح بوار جاء بالحجج الشهب
و ما اندملت تلك الجروح و إنما ببغداد منها اليوم ندب علي ندب
و إلي مدة قريبة اعتدنا المصائب و استولي اليأس و كادت تزول من اذهاننا فكرة الاستقلال …
لولا أننا نري النفوس اليوم طافحة بالأمل، و الانتعاش باد، و الصدور منشرحة …
توفي بالموصل في شعبان
سنة 656 ه و جاء في جامع التواريخ أنه توفي سنة 659 ه و في تاريخ ابن خلكان أنه توفي يوم الجمعة 3 شعبان سنة 657 ه بقلعة الموصل و دفن بها في مشهد هناك و عمره نحو ثمانين سنة، و كان قد توجه إلي السلطان هلاكو بعد واقعة بغداد فأنعم عليه و أعاده، فلما دخل الموصل مرض أياما و مات و عمره ثمانون سنة و في جامع التواريخ بلغ 96 عاما، ملك الموصل خمسين سنة و دفن بالقلعة ثم نقل إلي مدرسة انشأها علي شاطي ء دجلة تعرف بالبدرية. و كان عاقلا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 250
حازما لبيبا جوادا كريما، ذا دهاء و حيلة. مدحه ابن سنان الخفاجي فأجازه بألف دينار و خلع عليه و طلب من الشيخ عز الدين ابن الأثير أن يجمع تاريخا و يجعله باسمه ففعل و عمل التاريخ الكامل فأجزل صلته.
و كرمه وجوده و صنائعه و حسن سيرته مشهور. كان كثير الإحسان إلي الرعية، مائلا إلي رغباتهم عادلا شهما، حسن السياسة، كثير القتل و التشويه و المواخذة و قيل كان موته سنة 57، و قام بعده ابنه الملك الصالح إسماعيل و هذا ملك الموصل كما أن ابني بدر الدين الآخرين تملك المظفر علاء الدين منهما سنجارا و المجاهد إسحق تملك جزيرة ابن عمر فأبقاهم هلاكو عليها مدة ثم استولي عليها و لحقوا بمصر فانقرضت حكومتهم و لم يبق لها ذكر …
و من الغريب أن صاحب و فيات الأعيان لم يعقد له ترجمة خاصة مع أنه معاصر له و كذا في فوات الوفيات، و خلاصة ما علم من الآثار التاريخية أنه كان ممن تربي في احضان اتابكة العراق المعروفين بأتابكة
الموصل من الأمراء الذين كانوا تبعا لحكومة السلاجقة و برزوا في خدمات كبري و نالوا الإمارة و أولهم عماد الدين زنكي ولي عام 521 ه 1137 م و دامت حكومتهم إلي سنة 631 ه 1234 م و من ثم استقل بدر الدين لؤلؤ في دار المملكة، و كان ارمنيا مملوكا لنور الدين ارسلان شاه ابن عز الدين مسعود صاحب الموصل، دبر دولة استاذه و دولة ولده الملك القاهر عز الدين مسعود فلما مات القاهر سنة 615 ه 1219 م، أقام بدر الدين ولد القاهر و هو نور الدين ارسلان شاه و يسمي عليّا صورة و بقي اتابكه إلي آخر السنة، فمات فاستقل هو بالسلطنة …
و في الحقيقة أنه استقل بالإدارة من وفاة نور الدين عام 607 ه 1211 م و لذا لم يخطي ء من قال إنه ملك خمسين عاما. و كانت حكومته تضيق و تتسع إلي أن زحف هلاكو علي العراق فاستولي علي بغداد ثم عاد إلي آذربيجان و حينئذ أتاه بدر الدين لؤلؤ و أذعن له بالطاعة فأقره
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 251
علي الموصل و قد توفي عام 657 ه أو 656 ه علي اختلاف في ذلك و ترجمته مذكورة في قاموس الأعلام و دائرة المعارف للبستاني و تاريخ الفوطي و الشذرات … و قد خلفه أولاده بالوجه المشروح.
مضي الكلام عن أشهر الوفيات، و الآن نذكر سائر المعروفين ممن توفي:
أخو الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي. توفي بعد أخيه بقليل.
كان حاجب الباب، و لاه هولاكو صدرية الأعمال الفراتية. و كانت وفاته في 13 ربيع الأول.
الفقيه الشافعي كان رئيس الشافعية ببغداد، و كان قاضي القضاة فعزل.
قتل شهيدا في وقعة التتار. و هو والد عز الدين أحمد بن محمود الذي كان قد ولي قضاء الجانب الغربي ببغداد سنة 655 ه. قال عنه في طبقات السبكي: «برع في المذهب و الخلاف و الأصول و درس بالنظامية و عزل و درس بالمستنصرية و صنف تفسير القرآن … » ا ه.
توفي في جمادي الثانية. و في الشذرات توفي ببغداد في رجب و قال: كان متكلما أشعريا، كاتبا، منشئا بليغا، و فقيها أديبا، شاعرا، محسنا، مشاركا في أكثر العلوم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 252
توفي بعده بأربعة عشر يوما، كذا في الحوادث الجامعة. و في فوات الوفيات أنه توفي سنة 655 ه، و في آخر شرح نهج البلاغة من مصنفاته ترجمة منقولة عن ابن الفوطي من كتابه (مجمع الآداب في معجم الألقاب) و فيها أنه لما أخذت بغداد كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مؤيد الدين مع أخيه و الشيخ تاج الدين علي بن انجب الخ.
و هو معتزلي، فقيه، شاعر …
(1) الفلك الدائر علي المثل السائر.
(2) نظم فصيح ثعلب.
3) شرح نهج البلاغة. كتبه باسم الوزير ابن العلقمي و هو كتاب مفيد في موضوعه و فيه تكلم عرضا عن وقائع المغول قبل تسلطهم علي بغداد و اكتساحها، و مباحثه عنها مهمة، أوضح وقائع المغول و هجومهم علي الممالك الإسلامية، و غارتهم علي بغداد و إربل بتفصيل زائد و تقف حوادثه عند سنة 643 ه أيام وزارة مؤيد الدين ابن العلقمي، و مدحه هناك بقصيدة …
طبع بمصر سنة 1329 ه و لا تخلو هذه الطبعة من اغلاط فاحشة، منها أنه سمي (اترار) المدينة المشهورة (اتران) غلطا. و ضبطها صاحب الوافي بالوفيات (اطرار) بضم الهمزة و سكون الطاء و بألف بين راءين و قال: فاراب من بلاد الترك و تسمي الآن اطرار …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 253
و للمترجم تعليقات علي كتابي المحصول و المحصل للرازي و غيرها …
قال ابن الساعي: كان إماما ثقة، أديبا، فاضلا، حافظا للقرآن، عالما بالعربية، و اللغة، و النجوم، كاتبا شاعرا، صاحب أمثال … ولي كتابة (ديوان العرض)، و قتل صبرا في الواقعة ببغداد.
أحد مشايخ العراق، له زاوية و أتباع، و أحوال و كرامات قتله التتار و ألقي علي مزبلة بباب زاويته ثلاثة أيام حتي أكلت الكلاب من لحمه.
هو أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن محمد الموصلي المقري ء العلّامة قرأ القرآن علي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الإربلي و غيره و تفقه، و له معرفة تامة بالعربية، و برع في الأدب و القراءات، و شعره في غاية الجودة. و من مؤلفاته:
(1) نظم كتاب الشمعة في القراءات السبعة.
(2) شرح الشاطبية.
(3) كتاب الناسخ و المنسوخ.
(4) كتاب فضائل الائمة الأربعة توفي في صفر بالموصل.
سمع من والده و من الحسن بن علي بن المرتضي العلوي و غيرهما. كان عالما؛ ورعا زاهدا، يدرس
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 254
بمدرسة جده و يلازم الاشتغال بالعلم إلي أن توفي. ولي أبوه قضاء القضاة في خلافة الظاهر بأمر اللّه و لم يقلد قضاء القضاة سواه عن الحنابلة و عزل سنة 623 ه و ولاه والده القضاء و الحكم بدار الخلافة فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا و حكم، ثم عزل نفسه و ترك القضاء تورعا و لازم مدرستهم بباب الأزج. توفي ليلة الاثنين 12 شوال ببغداد و دفن إلي جنب جده الشيخ عبد القادر بمدرسته، و كانت وفاته بعد انقضاء الواقعة. و كانت وفاة والده سنة 633 ه.
ولد سنة 561 ه، و قرأ القراءات علي أبي بكر الباقلاني و أتقنها و تفقه، و كان آخر من روي وحدث عن أبي طالب الكتاني.
الشاعر المادح الحنبلي، الضرير البغدادي، و شعره في مديح الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم مشهور، كان حسان زمانه، و ديوانه معروف. كان إليه المنتهي في معرفة اللغة، و يقال إنه حفظ صحاح الجوهري، و صحب الشيخ علي بن إدريس البعقوبي تلميذ الشيخ عبد القادر الجيلي، و كان ذكيا يتوقد ذكاء، ينظم علي البديهة و له:
1- نظم الكافي للشيخ موفق الدين بن قدامة.
2- نظم مختصر الخرقي.
قتله التتار حينما دخلوا بغداد برباط الشيخ علي الخباز و حمل إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 255
صرصر و دفن بها.
كان أولا مؤدبا للخليفة المستعصم باللّه فلما صارت إليه الخلافة نال رفعة عظيمة و ولاه مشيخة الشيوخ ببغداد. ثم إنه ذبح بدار الخلافة كما تذبح الشاة في وقعة التتار.
أخو شيخ الشيوخ.
توفي منهم الصاحب العلّامة محيي الدين أبو المحاسن يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي، أستاذ دار المستعصم باللّه. ولد سنة 580 ه، سمع من أبيه و ذاكر ابن كامل و ابن برش و طائفة و قرأ القرآن بواسطة علي ابن الباقلاني، و كان كثير المحفوظ، قوي المشاركة في العلوم، وافر الحشمة، لبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين ابن سكينة، و اشتغل بالفقه و الخلاف و الأصول و برع في ذلك و كان أشهر فيه من أبيه، و ولي الولايات الجليلة ثم انقطع في داره يعظ و يفتي و يدرس …
و له من المصنفات (معادن الابريز في تفسير الكتاب العزيز) و (المذهب الأحمد في مذهب أحمد) و (الايضاح) في الجدل. قتل مع أولاده الثلاثة و هم الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن. و كان فاضلا بارعا واعظا له تصانيف قتل و قد جاوز الخمسين.
و شرف الدين عبد اللّه. ولي الحسبة ثم تزهد عنها و درّس.
و تاج الدين عبد الكريم ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه و درس.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 256
قتل و لم يبلغ عشرين سنة.
هو شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد ابن أبي الوفاء الهزبر، له فضيلة تامة، و شعره في غاية الجودة و الرقة.
مدح الملوك و الكبار، عاش 53 سنة، و كان في خدمة صاحب الموصل.
في هذا العام توجه فخر الدين ابن الدامغاني (صاحب الديوان) إلي (السلطان هلاكو) و معه (صدور أعمال العراق). فأنعم السلطان عليه و أراد أن يفوض أمر العراق إليه فوقع نجم الدين بن عمران عليه و نسب إليه أنه أطلق من السجن بالمدائن رجلا من انساب الخليفة المستعصم فتوجه إلي الشام … فانتقض أمره و اعتقل. فتوفي بنواحي اشني (اسني) من أعمال اذربيجان. و كان عمره نحوه 65 سنة … و رتب نجم الدين ابن المعين (صاحب ديوان بغداد) فسار إليها و جماعة الصدور صحبته.
فلما دخلها مرض و توفي بها.
و كان من جملة من توجه إلي الاردو سراج الدين ابن البجلي صدر واسط و البصرة فأثبت عليه أنه أخربها و أهمل مصالحها فأمر بقتله فقتل.
و رتب في واسط مجد الدين صالح بن الهذيل نقلا من صدرية نهري عيسي و ملك و لقب (بالملك). فلما وصل إليها و قرر قواعدها عمل لها جسرا فتم في أمد يسير و لم يكن لها من حين عمرت جسر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 257
و في هذه السنة تقدم بجمع أهل بغداد و كتبت اسماؤهم و جعل عليهم امراء ألوف و مئات و عشرات و قرر علي كل واحد منهم ما يؤديه في كل سنة علي قدر حاله ما عدا الشيخ الكبير و من هو غير بالغ إلا أنه لم يعين إحصاء عنهم مجموعا … فما زالوا علي ذلك إلي أن ولي الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني العراق فأسقط ذلك عنهم.
وفاة الوزير و بعض احواله: في ذي الحجة سنة 657 ه توفي عز الدين أبو الفضل محمد ابن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي. ولي الوزارة بعد وفاة أبيه. و كان علي القاعدة التي كانت زمن الخليفة في الملبوس و المركوب.
دخل يوما فقيل لعلي بهادر شحنة بغداد أن فرس الوزير علي الباب و في حلقها مشدة و عليها كنبوش ابريسم فقام و مضي و شاهدها فعجب من ذلك فقيل له هذه كانت علي قواعد الوزراء و العظماء في زمن الخليفة فبال قائما علي المشدة و أمر بإخراج الفرس من الدرگاه و عاد و هو مغتاظ، منكر لهذه الحال.
و كان عمر عز الدين نحو أربعين سنة قال في الوافي بالوفيات:
«قرأ القرآن و العربية علي التقي حسن ابن الباقلاني الحلي النحوي، و اللغة علي رضي الدين الصغاني، و كتب التقاليد عن الخليفة أيام والده.
و له النظم المتوسط، كتب علي كتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 258
سماء انارت للفضائل انجما و بحر أثار الدر فذّا و توأما
جلا أوجه الآداب زهرا مضيئة فثقف عود العلم حتي تقوّما
آثار خفيات الفضائل فانثني سناها مضيئا بعد أن كان مظلما
و ألف من بعد التفرق شملها علي أن فيه حسنها متقسّما
تضمن
أسماء ينير بها الدجي و يهدي بها الغاوي و يجلي بها العمي
و لا يعلم عن أحواله و مقدرته في الإدارة و غاية ما نعلمه أنه كان تزوج بنت القمي و أنه ولي الوزارة بعد أبيه. و في الحقيقة اليد للفاتح فكانت ولايته اسمية نوعا و لم يبد منه عمل يدل علي مقدرة أو يبين عن مهارة … و الغرض من نصب هذا و أمثاله الاطلاع علي الحالة و التبصر في الادارة و طريق الجباية و معرفة من لهم و عليهم …
في هذه السنة في ذي الحجة ولي بغداد علاء الدين عطا ملك الجويني و جعل معه عماد الدين عمر بن محمد القزويني، و من ثم انقطعت الوزارة من البغداديين و صارت لصنائع المغول و موظفيهم من الايرانيين و لهم حق السبق في الطاعة … و لذا نري بعض المؤرخين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 259
يتهمون الايرانيين في تشويق هلاكو للاستيلاء علي بغداد … من جراء قبضهم علي إدارة بغداد …
و علاء الدين هذا من أسرة عريقة في الآداب و الادارة، و لها مكانتها في ايران … و من أفراد هذه الأسرة من استخدم عند الخوارزميين و المغول، و أول من انتسب إلي المغول منهم بهاء الدين محمد بن شمس الدين الجويني أيام امارة چينتمور علي خراسان و مازندران فجعله صاحب ديوان خراسان و مازندران … و أظهر كفاءة تامة و مقدرة وافرة.
و في سنة 633 ه ذهب إلي قراقروم بصحبة گرگوز إلي اوكتاي قاآن فنال التفاتا منه و لقبه (صاحب الديوان) و هذا اللقب لازمهم، و منحه (بايزه) و (يرليغا) مختوما بختم احمر، و بقي في خدمة المغول في ايران أيام گرگوز و
أيام الأمير (ارغون) و توفي بهاء الدين سنة 651 ه عن عمر 66 سنة. و له من الأولاد شمس الدين صاحب ديوان الممالك و المترجم علاء الدين.
و قد اضطربت الآراء في أصل هذا البيت، يقال إنهم يمتون إلي امام الحرمين الجويني لمجرد الموافقة في الانتساب إلي جوين كما هو رأي صاحب مجالس المؤمنين، و صاحب مجمع الفصحاء إلا أن هذا غير معروف لمعاصريه. و بعضهم جعل أنه ينتمي إلي الفضل بن الربيع الوزير و من القائلين بهذا شمس الدين الذهبي صاحب التاريخ نقلا عن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 260
ابن الفوطي فاتخذ صاحب تاريخ الفخري هذه الاشاعة المذكورة وسيلة للطعن به اظهارا لغضاضته بسبب قتلة والده علي ما سيبين …
و مهما يكن فالمترجم ولي بغداد و كان قد ولد سنة 623 ه و صار كاتبا خاصا للأمير ارغون (والد الأمير نوروز الذي كانت له اليد البيضاء و المساعي العظيمة في إسلامية السلطان غازان من سلاطين المغول في العراق و ايران)، فذهب إلي مغولستان مرارا و شاهد بنفسه بلاد الترك و اتصل بالقوم اتصالا مباشرا فتمكن أن يجمع مادة تاريخه … اطلع علي الأقوام هناك، و شاهد البلدان، و عرف الأمراء كما أوضح ذلك في مقدمة كتابه (جهانگشا)، و هذا الكتاب كان المرجع المهم لتاريخ المغول إلا أنه وقف به عند حكومة الملاحدة فلم يتجاوزها، و اشترك الجويني مع هلاكو في حرب الملاحدة مما مرّ البيان عنه و هكذا لازمه إلي أن أودع إليه منصب بغداد.
و في جامع التواريخ أنه ولي بغداد عام 661 ه حينما قتل هلاكو وزيره الأمير سيف الدين بيتكجي و وجه منصب الوزارة إلي شمس الدين الجويني … و هذا غير
صحيح لما جاء في ابن الفوطي من أن ذلك كله كان سنة 657 ه، و لما جاء عن علاء الدين نفسه في رسالة له يقال لها (تسلية الإخوان) أنه عين لهذا المنصب عام 657 ه قال فيها ما معناه:
«إن القادر تعالي … انتزع ممالك العراق و بغداد و خوزستان من أيدي بني العباس و تصرفهم، و أودعهم ليد السلطان هلاكو … و في شهور سنة 657 ه أي بعد وقعة بغداد بسنة قد أسندت هذه المملكة، و فوضت إليّ لأقوم بمهماتها … » ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 261
و باقي احواله سيأتي الكلام عليها في حينها …
و في هذه السنة وصل بهاء الدين علي بن الفخر عيسي الإربلي إلي بغداد و رتب كاتب الإنشاء في الديوان. و أقام ببغداد إلي أن مات، و ستأتي ترجمته عند بيان و فيات سنة 692 ه.
في هذه السنة اتفق علي بهادر شحنة بغداد و عماد الدين القزويني و جماعة من صدور العراق و قصدوا السلطان هلاكوخان حيث كان في الشام (كان سار إلي حلب و الشام في أواخر سنة 657 فافتتحها و بلادا أخري من سورية) و رفعوا علي علاء الدين صاحب الديوان أشياء اعتمدوها و أثبتوا ما استوعبه من الأموال فأعاده معهم إلي بغداد ليقابل علي ذلك. فلما قوبل و ثبت عليه ما نسب إليه أنهوا ذلك إلي السلطان فأمر بقتله فسئل العفو عنه فأمر بحلق لحيته فحلقت و كان يجلس في الديوان و يستر وجهه.
و في هذه السنة ولي الصاحب علاء الدين عز الدين أحمد بن محمود الزنجاني قضاء القضاة ببغداد نقلا من الجانب الغربي و خلع عليه. و كان قضاء الجانب الغربي يقوم به قاض، و الجانب الشرقي يقوم به قاضي القضاة. و هذا الترتيب كان جاريا زمن الخلفاء العباسيين فلم يتغير الحال في القضاء … و كانت المراسم لا تزال مرعية. و كان يخلع علي قاضي القضاة عند توجيه المنصب إليه …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 262
و كان عز الدين أحمد بن محمود الزنجاني قد عين لقضاء الجانب الغربي زمن العباسيين سنة 655 ه و هو ابن محمود بن أحمد الزنجاني و قد مرّ الكلام علي وفاة والده المذكور في السنة الماضية.
إن الملك الصالح نظرا للحوادث التي وقعت أخيرا في سورية من انخذال عساكر المغول انتقض علي هلاكو و ذهب إلي دمشق و اتفق مع الملك الظاهر ثم عاد إلي الموصل و سيأتي تفصيل ذلك …
و في هذه السنة وصل صاحب الديوان شمس الدين إلي بغداد و معه (يرلينغ) يتضمن براءة أخيه علاء الدين مما نسب إليه و ولايته العراق و بسط يده فيها فلما قري ء في الديوان قال الصاحب شمس الدين لعلي بهادر شحنة بغداد (الشعر إذا حلق نبت و الرأس إذا حلق لم ينبت) و دبر في قتله و قتل عماد الدين القزويني علي ما نذكره.
و في هذه السنة أيضا رتب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ مدرس طائفة الحنابلة بالمدرسة المستنصرية نقلا من الاعادة بها و حضر درسه الصاحب علاء الدين و الأكابر و العلماء فخلع عليه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 263
في رجب بويع بمصر المستنصر باللّه أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين اللّه العباسي الأسود و فوض الأمور إلي الملك الظاهر بيبرس ثم قدما دمشق ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد و يقيم بها و كان في آخر العام مصاف بينه و بين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة و انهزم الحاكم قبجا. و المستنصر هذا كان محبوسا ببغداد حبسه التتار فلما اطلقوه التجأ لعرب العراق فأحضروه إلي مصر و بايعوه، و كان شديد القوي عنده شجاعة و إقدام.
كان محبوسا ببغداد، فلما أخذت التتار بغداد أطلق فهرب و صار إلي عرب العراق اختبأ في قبيلة طيّي ء فأوصله أميرها عيسي بن مهنا إلي ملك مصر الظاهر بيبرس وفد عليه و معه عشرة من بني مهارش، و شهد الأمير عيسي و قومه أنه من نسل العباسيين فبويع له بالخلافة في رجب سنة 659 ه و لقب بالمستنصر باللّه و جرت له البيعة و احتفل به احتفالا باهرا قال الذهبي و لم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا هذا و المقتفي، و نقش اسمه علي السكة، و خطب له …
إن المستنصر هذا عزم علي التوجه إلي العراق فخرج معه السلطان يشيعه إلي أن دخلوا دمشق فجهز السلطان الخليفة و أولاد صاحب الموصل و غرم عليه و عليهم من الذهب ألف ألف دينار و ستة و ستين ألف درهم فسار الخليفة و معه ملوك الشرق،
و صاحب الموصل، و صاحب سنجار و الجزيرة … ففتح المستنصر حديثة، ثم هيت فجاءه عسكر من التتار فتصافوا له فقتل من المسلمين جماعة و عدم الخليفة المستنصر فقيل قتل و هو الظاهر، و قيل سلم و هرب فأضمرته البلاد و ذلك في الثالث من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 264
المحرم سنة 660 ه.
ثم ولي الخلافة بعد المستنصر باللّه بسنة أبو العباس أحمد بن أبي علي القبيّ ابن علي بن أبي بكر ابن الخليفة المسترشد باللّه بن المستظهر باللّه. و هذا كان قد اختفي وقت أخذ بغداد و نجا ثم خرج منها و في صحبته جماعة فقصد حسين بن فلاح أمير بني خفاجة فأقام عنده مدة ثم توصل مع العرب إلي دمشق و أقام عند الأمير عيسي بن مهنا مدة فطالع به الناصر صاحب دمشق فأرسل يطلبه فبغته مجي ء التتر فلما جاء الملك المظفر دمشق سير في طلبه الأمير فلج البغدادي فاجتمع به و بايعه بالخلافة، و توجه في خدمته جماعة من امراء العرب فافتتح الحاكم عانه بهم و حديثة، و هيت، و الأنبار، و صاف التتار و انتصر عليهم ثم كاتبه علاء الدين طيبرس نائب دمشق يومئذ و الملك الظاهر يستدعيه فقدم دمشق في صفر فبعثه إلي السلطان و كان المستنصر باللّه قد سبقه بثلاثة أيام إلي القاهرة فما رأي أن يدخل إليها خوفا من أن يمسك فرجع إلي حلب فبايعه صاحبها الأمير شمس الدين أقوش و رؤساؤها … فلما رجع المستنصر وافاه بعانه فانقاد الحاكم له و دخل تحت طاعته. فلما عدم المستنصر في الوقعة المذكورة في ترجمته قصد الحاكم الرطبة و جاء إلي عيسي بن مهنا فكاتب الملك الظاهر بيبرس
فيه فطلبه فقدم إلي القاهرة و معه ولده و جماعة فأكرمه الملك الظاهر و بايعوه بالخلافة يوم الخميس 8 المحرم سنة 661 ه و امتدت أيامه … فمات في 18 جمادي الأولي سنة 701 ه فخلفه ابنه المستكفي باللّه أبو الربيع سليمان في جمادي الأولي من هذه السنة. و هذا في سنة 736 ه وقع بينه و بين الملك الناصر أمر فقبض عليه و اعتقله بالبرج و منعه من الاجتماع بالناس، ثم نفاه في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 265
ذي الحجة سنة 737 ه إلي قوص هو و أولاده و أهله و رتب لهم ما يكفيهم و هم قريب من مائة نفس، و استمر المستكفي بقوص إلي أن مات بها في شعبان سنة 740 ه و دفن بها …
و هكذا استمروا إلي أن انقرضوا علي يد السلطان سليم العثماني المعروف ب (ياوز).
و هذه قائمة بأسماء الخلفاء منهم:
1- المستنصر المذكور (659 ه: 660 ه).
2- الحاكم بأمر اللّه (661 ه: 701 ه).
3- المستكفي باللّه (701 ه: 740 ه).
4- الواثق باللّه إبراهيم بن محمد بن الحاكم (740 ه: 742 ه).
5- الحاكم بأمر اللّه أحمد بن المستكفي (742 ه: 753 ه).
6- المعتضد باللّه أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي (753 ه:
763 ه).
7- المتوكل علي اللّه أبو عبد اللّه محمد بن المعتضد (763 ه:
785 ه).
8- الواثق باللّه عمر بن إبراهيم المذكور (785 ه: 788 ه).
9- المستعصم باللّه زكريا بن إبراهيم المذكور (788 ه: 791 ه).
10- المستعين باللّه أبو الفضل العباس بن المتوكل (808 ه:
815 ه).
11- المعتضد باللّه أبو الفتح داود بن المتوكل (815 ه: 824 ه).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 266
12- المستكفي باللّه أبو الربيع سليمان بن
المتوكل (824 ه:
854 ه).
13- القائم بأمر اللّه أبو البقاء حمزة بن المتوكل (854 ه:
859 ه).
14- المستنجد باللّه أبو المحاسن يوسف بن المتوكل (859 ه:
865 ه).
15- المتوكل علي اللّه أبو العز عبد العزيز بن يعقوب بن المتوكل (865 ه: 902 ه).
16- المستمسك باللّه بن المتوكل (902 ه: 923 ه).
و هذا الأخير انقرضت الخلافة علي يده و كان طاعنا في السن، و أن ولده المتوكل علي اللّه محمد ذهب به ياوز سلطان سليم و سجنه في (يدي قله) و أطلق في سنة 926 فتوفي بعد سنة و كان له من الأولاد عمر و عثمان و كانت قد أجريت لهم المخصصات من خزانة الدولة و بوفاتهم لم يبق أثر للخلافة العباسية.
تقدمت الإشارة إلي أن السلطان هلاكوخان قد سار في أواخر سنة 657 ه بعساكر عظيمة إلي الشام و كان في أول الاستيلاء كتب إلي الاطراف يهددها و يدعوها لطاعته … و كان استدعي ملكها الملك الناصر صاحب الشام فأنفذ ولده الملقب بالملك العزيز و أصحبه التحف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 267
و الهدايا فأنعم عليه و أعاده و قال له نحن طلبنا أباك و حيث لم يحضر نحن نسير إليه، فلما بلغه ذلك حار في أمره و سار بأهله و أولاده إلي الكرك.
ثم إن السلطان هلاكو خان أمر بعمل ثلاثة جسور علي الفرات و سار بجيوش لا تحصي فعبروا، و توجه إلي حلب فحصروها و قاتلوا من بها و فتحوها في 5 صفر، ثم ملك الشام جميعها عنوة و صلحا لمن سأله الأمان. ثم إن السلطان أحكم ثغور الشام و ترك هناك جيشا عليه الأمير كتبغا و رحل عنها فترك علي ماردين صاحبها نجم الدين غازي
فأرسل إليه ولده قرا أرسلان الملقب بالملك المظفر فأنعم السلطان عليه و أمره أن يحسن لأبيه الطاعة فلما عاد إليه و أبلغه الطاعة اعتقله خوفا منه أن يقبض عليه فدام حصار ماردين و وقع فيها و باء كاد يفني من بها فمات صاحبها نجم الدين غازي فخرج ابنه الملك المظفر من الحبس و نزل إلي عبودية السلطان فخلع عليه و أعاده ثم رحل قاصدا مقرّ ملكه.
و أما كتبغا فإنه نزل علي الكرك و استنزل الملك الناصر بأمان و سيره إلي عبودية السلطان فأكرمه و وعده أنه إذا ملك مصر أعاده إلي الشام.
و في سنة 659 سار الملك المظفر قطز صاحب مصر إلي الشام لما عرف أن السلطان هلاكوخان قد عاد إلي بلاده فخرج إليه الأمير كتبغا و من معه من العساكر و التقوا و اقتتلوا عند (عين جالوت) فقتل كتبغا و عدة من أولاده و جمع كثير من عسكره و انهزم الباقون و تعد هذه الوقعة من الانتصارات المهمة و من أكبر العوامل لصد التتار عن التقدم …
و فرح بها المسلمون و كانوا يظنون أن لن تكسر راية للمغول. و من العوامل الأخري التي صدت تيار المغول الخلاف بين هلاكو و ابن عمه بركة (بركاي) فإنه مما فلّ من قوتهم و شغلهم … ثم إنه دخل الملك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 268
المظفر قطز دمشق و استولي علي الشام جميعه و أحكم أموره و قرر قوانينه و عاد إلي مصر.
فلما كان بنواحي غزة وثب البندقدار في عدة من مماليك الصالح ايوب فقتلوه و اتفق الأمراء عليه فجعلوه سلطانهم و لقب الملك الظاهر فسار في الجيوش حتي دخل مصر. فلما استقر بها شرع في قتل
كل من توسم فيه الرئاسة حتي توطد ملكه …
فلما بلغ السلطان هلاكوخان ذلك أمر بقتل الناصر و أخيه و أصحابهما و كانوا عنده ثم أمر ايلكانوين بالمسير إلي الشام فسار بخلق كثير من العسكر. فلما قرب من دمشق بلغه أن الملك الظاهر قد تجهز للقائه و وصل إلي دمشق فعاد إلي بلاد الروم.
كل ذلك بلغ الملك الصالح إسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ ففارق الموصل و قصد الملك الظاهر و هو بدمشق و طلب منه جيشا يمنع به المغول عن قصد الموصل فوعده بذلك.
و عند ما عاد ايلكانوين عين له جماعة من العسكر فسار بهم إلي الموصل و أنفذ سنجر مملوك أبيه علي مقدمته فلما بلغ الموصل منع عن دخولها أياما فوثب محيي الدين بن زيلاق في طائفة من العوام و فتحوا له باب الجسر فدخل منه و وضع السيف في النصاري فقتل أكثرهم و نهب أموالهم فبلغه أن عسكر المغول و اصل إليه فخرج و معه ألف فارس و سار نحو نصيبين فالتقي به عسكر المغول فقتلوه و قتلوا أكثر من معه.
فلما بلغ السلطان هلاكوخان ذلك سير الأمير سمداغو نوين إلي الموصل و أما الملك الصالح بن بدر الدين فإنه وصل الموصل و دخلها فلما استقر بها وصل الأمير سمداغو نوين و حصره و نصب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 269
المجانيق علي سور الموصل و خندق عليها و واصل الزحف و القتال مدة اثني عشر شهرا و كان أهلها قد أبلوا في الجهاد بلاء حسنا و قام الملك الصالح في ذلك قياما تاما و نصب حيال مجانيق المغول بباب الميدان و الجصاصين ثلاثين منجنيقا ترمي ليل و نهار.
فلما طال الحصار و رأي سمداغو أن
القتال و الزحف لا يجديان نفعا أمسك عن ذلك إلي أن فنيت ميرة أهلها و تعذرت الأقوات عليهم و اشتد بهم الأمر حتي أكلوا الميتة و لحوم الكلاب …
فحينئذ طلب الملك الصالح من سمداغو الأمان له و لأهل البلد و ترددت الرسل بينهما فاجابه إلي ذلك فلما خرج إليه قبض عليه و علي ولده و أتباعه و دخل العسكر إلي البلد و قتلوا و نهبوا و سبوا و أسروا …
ثم أمر بقتل ولده الملقب علاء الملك فقتل و علق رأسه علي باب الجسر و سير الملك الصالح و أخاه الملك الكامل إلي السلطان هلاكو خان. فأمر بالملك الصالح فسلخ وجهه و هو حي ثم قتل و قتل أخوه و كان طفلا و قتل أصحابهم و أتباعهم.
و كان الملك الصالح لما اشتد حصار الموصل كاتب سلطان الشام يسأله مساعدته فأرسل لنصرته أميرا اسمه ايلبرلك في جماعة فلما وصل سنجار كتب علي الجناح إلي الملك الصالح يعرفه وصوله فاتفق أن بعض المغول رمي ذلك الطائر بسهم فوجد الخط فحمله إلي سمداغو فأرسل جماعة من عسكره نحو ايلبرلك فساروا إليه و قاتلوه بظاهر سنجار فقتلوه و قتلوا معظم اصحابه و انهزم الباقون.
و من جملة من قتل بالموصل في هذه الوقعة محيي الدين محمد بن يوسف بن زيلاق و كان من الفضلاء و شاعرا مجيدا حسن المعاني و له
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 270
رسائل و أشعار مشهورة. منها قوله يعتذر إلي من يستدعيه:
أنا في منزلي و قد وهب اللّه نديما وقينة و عقارا
فابسطوا العذر في التأخر عنكم شغل الحلي اهله أن يعارا
و ترجمته و بعض شعره مذكور في الشذرات و بلفظ زيلاق.
ثم رتب ابن يونس الباعشيقي واليا بالموصل. و رتب معه الأمير نوروز شحنة.
و في هذه السنة ابطلت الدراهم السواد بالموصل و كانت نحو أربعين درهما بدينار و ضرب بها دراهم نقرة و فلوس.
و لما فرغ سمداغو من فتح الموصل سار إلي جزيرة ابن عمر ففتحها بأمان و قتل حاكمها و استعمل عليها رجلا نصرانيا اسمه مارحيا.
ثم عاد إلي السلطان.
و في سنة 660 ه قتل عماد الدين القزويني أحد الحكام ببغداد.
و سبب ذلك ما تقدم ذكره في وقائع السنة الماضية. فلما كان الصاحب شمس الدين بالعراق أخذ خطوط الولاة و الأكابر بما صار إليه من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 271
الأموال و عرض ذلك علي السلطان هلاكوخان فأمر بالفحص عنه فثبت عليه أكثره فأمر بقتله.
و في هذه السنة أيضا قبض الصاحب شمس الدين علي مجد الدين صالح ابن الهذيل ملك واسط و طولب بالبقايا و شدد عليه. ثم دوشخ و ضرب و طيف به في واسط و استوفي منه قدر يسير ساعده به الناس و قبض علي اصحابه و نوابه و طولبوا بالأموال و ضربوا …
ثم سلمت الأعمال الواسطية إلي الملك فخر الدين منوجهر ابن ملك همدان فانحدر إليها و استصحب فخر الدين مظفر ابن الطرّاح و جعله نائبا عنه في تدبيرها. و هذا جاء ذكره في فوات الوفيات عند الكلام علي أخيه الصاحب قوام الدين الحسن بن محمد و قال:
«من بيت رياسة و حشمة و علم و حديث … و كان لأخيه فخر الدين المظفر بن محمد تقدم عند التتار … » ا ه.
في هذه السنة قتل علي بهادر شحنة بغداد و العلوي المعروف بالطويل و كانا ممن سعي في الصاحب علاء الدين كما تقدم فأخذ الصاحب شمس الدين خطوط حكام بغداد بما صار إليهما من الأموال و ما اعتمدا في العراق و عرض ذلك علي السلطان فأمر بقتلهما. فأرسل الايلچية في طلبهما من بغداد فلما سارا عنها أنفذ من قتلهما …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 272
و عين الأمير قرابوقا شحنة بغداد.
و كان علي بهادر حسن السياسة مظهرا للخير ملازم الصلوات في الجمع و التراويح و غيرهما فلما قتل قبض علي شهاب الدين داود بن عبدوس وكيله و ثقل بالحديد و طولب بالأموال فأدي عشرة آلاف دينار.
ثم إن الصاحب علاء الدين خاطب في أمره فتقدم بإعادة ذلك عليه.
و في هذه السنة ولي السيد رضي الدين علي بن طاوس نقابة الطالبيين بالعراق.
1- توفي عز الدين عبد الرحمن بن الناقد و عمره إحدي و خمسون سنة و خمسة أشهر.
2- الرسعني. نسبة إلي رأس العين و هو العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق اللّه بن أبي بكر المحدث، المفسر، الحنبلي، ولد سنة 589 ه و سمع بدمشق من الكندي، و ببغداد من ابن منينا، و صنف تفسيرا جيدا سماه رموز الكنوز، و كان شيخ الجزيرة في زمانه. ولي مشيخة دار الحديث بالموصل، و كانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل و غيره من ملوك الجزيرة، و من مصنفاته (كتاب مصرع الحسين) ألزمه بتأليفه صاحب الموصل فكتب فيه ما صح من المقتل دون غيره و كان متمسكا بالسنة و الآثار و له نظم حسن توفي 12 ربيع الآخر من هذه السنة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 273
لأول وهلة كنا ظننا أن هذا المترجم غير المذكور في المجلد الثاني من كتابنا هذا و قلنا إن المشابهة في الاسم و الأب لا يدل علي العينية إلا أن الذي جلب انتباهنا أننا رأينا صاحب الفوائد البهية يذكر له عين المؤلفات المنسوبة إلي ذاك و بين أنه ولد في شعبان سنة 561 ه و قال أخذ عنه ابن الساعاتي صاحب المجمع. و في كشف الظنون أنه توفي سنة 661 ه أو سنة 700 ه.
و قد راجعنا كتبا كثيرة بقصد التوصل إلي الصحيح خصوصا أن آل السباك اشتهر منهم جماعة و قد ذكر منهم محمد بن علي ابن السباك و كان ممن أخذ عنه الفيروز آبادي و مضي البيان عنه في المجلد الأول من تاريخ العراق و لكن التراجم التي عثرنا عليها لم تبق شكّا في أن المترجم هو نفس المذكور
في تاريخ الجلايرية و يتوضح ذلك من النصوص التالية:
1- جاء في طبقات الحنفية لعلي بن سلطان محمد القاري: أنه عالم بغداد له ارجوزة في الفقه، و شرح الجامع الكبير. و هو القائل:
هل أري للفراق آخر عهد ان عمر الفراق عمر طويل
طال حتي كأننا ما اجتمعنا فكأن التقاءنا مستحيل
2- جاء في معجم ابن رافع: علي بن سنجر بن عبد اللّه البغدادي المعروف بابن السباك. سمع من الرشيد محمد بن عبد اللّه بن أبي القاسم … و من الكمال محمد ابن المبارك المخرمي … و من محمد بن عبد اللّه المالحاني، و من ست الملوك بنت أبي البدر …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 274
و كل هذه التراجم لم تعين تاريخ وفاته و لا فصلت من أخذ عنهم لنتحقق صحة ما جاء في الفوائد و في كشف الظنون.
3- جاء في المنتخب المختار عنه ما نصه: «علي بن سنجر بن عبد اللّه البغدادي أبو الحسن بن أبي اليمن الحنفي الملقب تاج الدين بن قطب الدين المعروف بابن السباك».
سمع من الرشيد محمد بن عبد اللّه المعروف بابن أبي القاسم، و من كمال الدين محمد بن المبارك المخرمي، و من صفي الدين محمد ابن عبد اللّه بن إبراهيم المالحاني و من ست الملوك فاطمة بنت أبي نصر علي بن علي بن أبي البدر، و أجاز له أبو الفضل محمد بن محمد الدباب و أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن المرنج (كذا لم تقرأ تماما) و علي ابن محمد بن عبيد اللّه الخالدي بن مشرف.. و حفظ القرآن و أخذ القراءات عن امين الدين المبرز بن عبد اللّه الموصلي المعري و منتجب الدين الحسين.. التكريتي و قرأ علم الشريعة
علي الشيخ ظهير الدين محمد بن عمر البخاري قرأ عليه من فقه المذهب وحدث. سمع منه ابن المطري و الدهلي، و علي مظفر الدين أحمد بن علي ابن تغلب ابن الساعاتي مصنفه المسمي بمجمع البحرين و الهداية، و قرأ الفرائض علي الشيخ شهاب الدين عبد الكريم بن بلدجي، و أصول الفقه علي العفيف ربيع بن محمد و قرأ السراجية علي الشيخ شمس الدين محمود بن أبي بكر البخاري، و العروض و علم الأدب علي الحسين بن أبان … و صار ببغداد رئيس الحنفية و عالم العراق و مدرس المستنصرية، له الكتابة الفائقة و الاشعار الرائقة قال الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني له ارجوزة في الفقه و شرح قريبا من ثلثي الجامع الكبير و خطه يشبه خط الرشيد بن أبي القاسم، و درس بمشهد الإمام أبي حنيفة مضافا إلي تدريس المستنصرية. و له من الفصاحة و البلاغة أوفر نصيب. ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 275
سئل عن مولده فقال في شعبان سنة ستين أو إحدي و ستين و ستمائة و له:
الأمر أعظم مما يزعم البشر لا عقل يدركه منا و لا نظر
فانظر بعينك أو فاغمض جفونك و أحذر أن تقول عسي أن ينفع الحذر
فكل قول الوري في جنب ما هو في نفس الحقيقة إن هم فكروا هذر
و له:
يا نهار الصيام طلت و صالا مثلما طال ليل هجر الحبيب
ذاك قد طال بانتظار طلوع مثل ما طلت بانتظار مغيب
و قد علم من هذا أن صاحب الفوائد غلط في تاريخ ولادته كما يظهر من المقارنة بين النص المنقول عن المنتخب المختار و هو مخطوط في القرن التاسع و بين الفوائد و كذا يفهم من مقابلة
النص المذكور بسابقه أن المترجم أخذ عن ابن الساعاتي لا أنه أخذ عنه و هكذا. فزال الغموض الذي وقع فيه صاحب كشف الظنون و صاحب الفوائد تبعا، و التراجم لواحد و المؤلفات المذكورة له فلم يبق إشكال، و علي هذا لا محل لذكره في و فيات هذه السنة. و إنما ذكر هنا للتنبيه إلي الغلط الواقع لئلا يتكرر..
هذا و إن للمترجم ابنا فاتنا أن نذكره في المجلد الثاني و هو عبد الكريم بن علي بن سنجر البغدادي أبو محمد ابن الشيخ تاج الدين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 276
المعروف بابن السباك الحنفي سمع من أبي عبد اللّه محمد بن عبد المحسن الدواليبي مسند أحمد بن محمد بن حنبل و الأحكام للشيخ محيي الدين بن تيمية و علي جماعة، منهم: الكمال عبد الرزاق ابن الفوطي، و تفقه و اشتغل و أعاد ببعض المدارس … مولده سنة 709 ه و توفي سنة 749 ه …
في هذه السنة وصل نصير الدين الطوسي إلي بغداد لتصفح الأحوال و النظر (في أمر الوقوف) و البحث عن الأجناد و المماليك …
ثم انحدر إلي واسط و البصرة و جمع من العراق كتبا كثيرة لأجل الرصد.
و وصلها أيضا جلال الدين ابن مجاهد الدين ايبك الدويدار الصغير.
قبض علي نجم الدين أحمد بن عمران الباجسري و أخرج مكتوفا راجلا إلي ظاهر بغداد و قد نصبت هناك خيمة بها:
صاحب الديوان علاء الدين
و الخواجة نصير الدين الطوسي
و ابن الدواتدار
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 277
و جماعة من الأمراء.
فعمل (يارغو) و قوبل علي أمور نسبت إليه فوجب عليه القتل فقتل و أخذ ابن الدواتدار مرارته. ثم طيف برأسه علي خشبة و نهبت داره …
و كان حسن السيرة ذا مروءة، كان من متصرفي السواد ببغداد فلما وصل السلطان هلاكو العراق توصل حتي مثل في حضرته و أنهي إليه من الأحوال ما أوجب الإنعام عليه و تقديمه حتي صار من جملة الحكام ببغداد. و شارك في تدبير الأعمال و خوطب بالملك. فقال في حق علاء الدين صاحب الديوان و عاداه فأفضت حاله إلي ما جري عليه … و كان قد وقع في كثيرين فأصابه ما أصابهم …
ثم إن ابن الدواتدار شرع في بيع ماله من الغنم و البقر و الجواميس و غير ذلك و اقترض من الأكابر و التجار مالا كثيرا و استعار خيولا و آلات السفر و أظهر أنه يريد الخروج إلي الصيد و زيارة المشاهد و أخذ والدته و قصد مشهد الحسين عليه السّلام ثم توجه إلي الشام فتأخر عنه جماعة ممن صحبه من الجند لعجزهم.
فلما عادوا إلي بغداد أخذهم قرابوقا شحنة بغداد و قتلهم و قبض علي كل من كان ببغداد و واسط و غيرها من الجند فقتلهم …
و في هذه السنة قبض قرابوقا شحنة بغداد علي علاء الدين صاحب الديوان و اعتقله و نسب إليه أشياء قد عزم علي أن يعتمدها فأرسل إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 278
أخيه الصاحب شمس الدين و هو بأذربيجان يعرفه ذلك فعرض أمره علي السلطان فأمر أن يأتي إليه باختياره و معه كل من قال عنه وسعي به إلي قرابوقا تحت الاستظهار …
فلما وصلوا و عمل (اليارغو) لم يثبت علي الصاحب علاء الدين ما نسب إليه فأمر بقتل من سعي به و عزل قرابوقا عن العراق و أعيد الصاحب علاء الدين علي قاعدته إلي بغداد … و رتب (توكال بخشي) شحنة بغداد (هوشتاي) توكره (و جاء بلفظ هوشتكتاي) … كذا في ابن الفوطي و فيه نظر علي ما سيجي ء في حوادث سنة 665 ه.
في 19 ربيع الآخر توفي السلطان هلاكو خان و في ابن خلدون أنه توفي سنة 662 ه و دفن في قلعة تلا من أعمال مراغة عن نحو خمسين سنة من العمر، كان عالي الهمة عظيم السياسة عارفا بغوامض الأمور و تدبير الملك. فاق من تقدمه بالرأي السديد و البأس و السياسة القاهرة …
كان يحب العلماء و الفضلاء و يحسن إليهم و يجزل صلاتهم و يشفق علي رعيته و يأمر بالإحسان إليهم و التخفيف عنهم و لم يثقل عليهم و لا كلفهم ما جرت عادة الملوك به من التكليفات و التوزيعات و غير ذلك …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 279
و لم يكن هو القاآن أي الملك الأعظم للمغول كما تقدم و إنما أرسله أخوه منكو قاآن لاكتساح ايران و بلاد الملاحدة و العراق و سورية … إلا أنه كان مستقلا
في إدارته كما أن أخاه ليس له الأمل أن يكون هلاكو تحت ادارته و إنما غرضه ان يستقل …
و الحق أنه بالنظر لما مر من الحوادث لم يقبل بالظلم و التعدي، و لم يغمض عينا أو يتهاون لأحد في سوء الادارة و لا رضي باختلاس … و من أهم ما يذكر عنه أنه ساوي بين العناصر وراعي الحرية لكل دين و مذهب في تقاليده و مراسمه و لم يطلب من أحد سوي الصدق و الاخلاص و العقل القويم … و بعدها جعل الحرية في أن يعتقد كلّ بما شاء و رغب، يضاف إلي ذلك أنه حافظ علي مؤسسات كل طائفة و موقوفاتها و راعي ما أرصدت لأجله …
و في تاريخ دول الأعيان شرح قصيدة نظم الجمان في ذكر من سلف من أهل الأزمان للعلّامة الأثري المؤرخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر المقدسي الشافعي الشهير بابن أبي عذيبة ما نصه:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 280
«كان هلاكو … من أعظم ملوك التتر، و كان شجاعا، مقداما، حازما، مدبرا، ذا همة عالية، و سطوة مهابة، و خبرة بالحروب، و محبة في العلوم العقلية من غير أن يعتقل منها شيئا، اجتمع له جماعة من فضلاء العالم، و جمع حكماء مملكته، و أمرهم أن يرصدوا الكواكب، و كان يطلق الكثير من الأموال و البلاد و هو علي قاعدة المغل في عدم التقييد بدين من الأديان، و كان سعيدا في حروبه طوي البلاد، و استولي علي الممالك في أيسر مدة … قال الظهير الكازروني حكي النجم أحمد ابن البواب النقاش نزيل مراغة قال: عزم هلاكو علي زواج بنت ملك الكرج فأبت حتي يسلم فقال عرفوني ما أقول
فعرضوا عليه الشهادتين فأقربهما و شهد عليه بذلك خواجة نصير الدين الطوسي و فخر الدين المنجم فلما بلغها الفخر المنجم أنعمت بالزواج و عقدوا العقد باسم تامار خاتون بنت الملك داود علي ثلاثين ألف دينار. قال ابن البواب و أنا كتبت الكتاب في ثوب اطلس أبيض.» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 281
كان قد ذكره الأديب الفاضل الشيخ كاظم الدجيلي في المجلد 28 من مجلة الهلال صحيفة 617 و وصف تاريخه وصفا كافيا بعنوان (تاريخ ابن أبي عدسة) و نقل الترجمة المذكورة علي ظهر الكتاب من تاريخ أنس الجليل في أخبار القدس و الخليل. ثم تعقب البحث الأستاذ عيسي المعلوف و بين أنه وقف علي نسخة من التاريخ في مكتبة (آل الحسيني) في دمشق، و رجح أن الأرجوزة التي شرحها المؤرخ للشيخ عبد الرحمن بن علي بن أحمد البسطاحي الحنفي المتوفي سنة 843 ه.
ثم أن الأستاذ عبد اللّه مخلص صحح اسم المؤرخ بأنه ابن أبي عذيبة كما جاء في الهلال في المجلد 30 ص 862 فكان لتحقيقه قيمته العلمية و نبه إلي أن للمؤلف (كتاب قصص الأنبياء) عليهم السلام.
و أقول قد ذكرت عنه بعض الملاحظات في صحيفة 279 من هذا الكتاب و ترجمه صاحب الضوء اللامع قال و يعرف بابن أبي عذيبة. ولد سنة 819 ه ببيت المقدس و توفي سنة 856 ه و ترجمته مبسوطة هناك، و قال: «ولع بالتاريخ و جمع من ذلك جملة لكنه تتبع مساوي الناس فتفرق لذلك بعده و لم يظفر مما كتبه بطائل مع ما فيه من فوائد و أن كان ليس بالمتقن، و جمع لنفسه معجما وقفت علي جلد بخطه و فيه أوهام كثيرة جدا، و
مجازفات تفوق الحد بل من أجل ما سلكه كان القدح فيه بين كثيرين» ا ه.. و كان لقي ابن قاضي شهبة فاستمد منه و انتفع بتاريخه و تراجمه و أذن له بالتاريخ و قال له أنت حافظ هذه البلاد بل و غيرها..
و بهذا زال الشك عنه و عرفت ترجمته و من اراد التفصيل فليرجع إلي الضوء اللامع.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 282
و لا نري فائدة في النقل عن مؤرخين كثيرين فتكاد الأقوال تتفق في الاعجاب مما قام به مما لم يتيسر لفاتحين كثيرين … و لم يعترضه في طريقه إلا معاداة بركة خان ابن جوجي بن جنگيز فإنه ناصبه الحرب و صارحه القتال و كان ملك (قبجاق) و أراد أن يذل هلاكو لما قام به من القسوة في المسلمين و في الخليفة دون عقد شوري فجهز جيشا عظيما لمقارعته و في شوال سنة 660 ه تقاتلا فانتصر هلاكو عليه، و أرسل ابنه ابقاخان بجيش قوي عليه و تأهب هو أيضا للمرة الثانية فالتقي الجمعان فتغلب بركةخان علي عدوه و ولي الأدبار في جمادي الأولي سنة 661 ه، و كذلك وقعة (عين جالوت) أثرت علي الوضع وضعضعت من القوة … ما دعا أن تتوقف الفتوح و يفتر العزم بل تخور القوي فلم تتحقق الأماني و الاتفاقات مع الصليبيين …
و لولا أن الخوف لا يزال مستوليا علي النفوس لهاجت عليه البلاد من كل صوب … و لكنه لم يخل من الحساب للأمر، يقال إنه السبب الوحيد لوفاته … قال ابن أبي عذيبة المذكور:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 283
فلما بلغ هلاكو قتل كتبغا و عسكره و ما جري لهم (في عين جالوت) حنق و
طلب الملك الناصر … و قتله … ثم لما انكسر عسكر التتر جرد قطز في أثرهم بيبرس البندقداري فتبعهم إلي أطراف البلاد و قتلوا عن آخرهم. فلما سمع هلاكو بهذه القضية و كان متوجها إلي العراق لحقه خناق و مات بعلة الصرع … » ا ه.
و الظاهر أن السببين اجتمعا أو بالتعبير الأصح تواليا فأوديا بحياته غما … و كان قد اشغله هم القضاء علي بركة خان و تأهب لمناضلته مرة أخري إلا أنه مرض في ربيع الأول سنة 663 ه قال في جامع التواريخ و توفي في 19 ربيع الآخر في شاطي ء نهر جغاتو الكائن في جنوب بحيرة اورمية و دفن في جبل شاهو تجاه قرية خوارقان (دهخواركان).
و كان محبا للعمارات و أقام الكثير منها في حدود مراغة، و بحيرة اورمية و نهر جغاتو، و جبل الآتاع (طاغ) و ميله إلي التنجيم، و الفلك و الكيمياء كان كبيرا، و يقال إنه بذل ما انتهبه من ثراء في سبيل الكيمياء، كا بني الرصد في مراغة و بذل له الأموال الوافرة و اتخذ له مكتبة كبري …
و كان علي مذهب البوذية، و في خوي بني دارا للأصنام … و لكن زوجته دوقوز خاتون بنت ابن اونك خان من الكرايت كانت علي النصرانية، و هذه كانت زوجة والده تولي خان، و بعد وفاته تزوج بها و كان لها نفوذ عظيم عليه و رأي النصاري بسببها توجها زائدا … و كان ذلك مما أدي إلي اتفاقات مهمة بين المغول و الحكومات المسيحية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 284
الغربية للقضاء علي الإسلامية … فخذل المغول في الوقائع السالفة فصارت من البواعث الرئيسية لتوقفهم، و حبوط مساعيهم في تحقيق امانيهم …
خصوصا كانت الإسلامية قد تجدد نشاطها بإسلام مملكة القبجاق علي يد بركةخان رأس حكومتها و هناك سبب آخر و هو أن امراء ايران كان لهم النفوذ الكبير لمنع توسيع سلطة الأرمن و توقيف نفوذهم عند حده … و ماتت (دقوز خاتون) بعد قليل أي في 5 جمادي الثانية 663 ه و يعزو صاحب جامع التواريخ تأثره من حادث ابن الدواتدار الصغير و ما فعله في بغداد و ذهابه إلي سورية هاربا من حكم المغول … و هذا أيضا يعد سببا آخر لاضطرابه …
و كان قد رثاه الطوسي بأبيات فارسية مبينا فيها تاريخ وفاته …
خلفه ابنه اباقاخان في 8 جمادي الثانية من السنة المذكورة …
و الحاصل أن حكومته أشبه بالحكومات المتمدنة التي تراعي الحرية الدينية بحذافيرها و لم تتقصد النكاية بأهل نحلة أو دين … ! بل هو أوسع صدرا.
لم يحارب إلا المحارب و مهمته سياسية حربية صرفة … و ما قام به الجيش من سوء الأحوال و انتهاك الحرمات فلا يعذر من أجله و الظاهر أنه كان هذا منهاجه، أو أنه لا مندوحة له من وقوعه و لا يتيسر صده قضاء علي النزعات و استئصالا لها من أساسها مما دعا أن يعد من أكبر السفاكين … و علي كل كان من السياسة المدنية بمكان …
و لو كانت الحكومة العباسية طبقت الخطة السياسية الإسلامية في منتهاها كما راعتها في أولاها لما تسلطت عليها الأقوام، و لا خشيت بطش الزائغين، و لما ركنت إلي العصبية الحزبية التي أدت إلي الخلاف أكثر و إلي الثورات أعظم، و لما فزعت إلي التوسل بالعنصرية، أو المذهبية و ما شاكل …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 285
و معلوم أن تطبيق
هذا المبدأ يحتاج إلي قوة و سلطة قهارة تدع كلّا يقف عند حده و يراعي غيره كما يراعي نفسه و لكن المبدأ العباسي تداعي بنيانه و هوت حيطانه و لم يعد يصلح للحياة بل البقاء في جانبه خطر و مهلكة …
و هنا يلاحظ في حكومات ذلك العصر أنها أصل الجماعة و سائر الأقوام الذين تحت سلطتها خلقوا لتعيش هي برفاه و سعادة و اطمئنان دون أن يلتفت إلي ما يؤدي إلي ثراء الشعب و نعيمه و رفاهيته. فتري الخليفة يخزن أموال الأمة و يجعلها لنفسه و لم تستفد الأمة ما يعود لمصلحتها بالخير شيئا يذكر … و كذا هلاكو يهاجم الأمة و يسلبها أموالها و يغتنم ما خزنه الخليفة غنيمة باردة … فلم تبق للأمة مؤسسات نافعة، و مفيدة اللهم إلا ما يساعد علي مصلحة اعدائها و أعمالهم العسكرية من صنع جسور و تسهيل طرق … و الحاصل لم تدع هذه الحكومات من قوتها لسلب أموال الأمة و التنعم بها … إلا فعلته …
و حكاية نصير الدين الطوسي المارة آنفا عنه كاشفة لحقيقة خطته رغم المبالغة فيها كما أنها مطابقة لنهج جنگيزخان و وصاياه لأولاده و سلوكه مع الأقوام … فهو فاتح (جهانكير) و مدبر (جهاندار) مما يعبر به عنه … و علي كل هي تعديل في الخطط …
أما سياسته في العراق بعد الفتح فإنه لم يداج أحدا و لم يراع جانبا و لا أغمض عن عات و لا تغافل عن ظالم أو ناهب و همه إقامة العدل و مراعاة السياسة الحكيمة فكانت أذنه صاغية و محاكمة الموظف المنسوبة إليه الخيانة حاسمة … لم يتردد في إقامة العدل و تنفيذه في حق من استوجب العقوبة
و لو كان أعز الناس إليه أو أكبر من قام بخدمة له …
و هذه سجايا لا نكاد نراها في حكومة و لا نعرفها عند أحد من معاصريه و من بعدهم … حكومة رشيدة و لكن النفوس فاسدة و السلوك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 286
ردي ء و الناس منطوون علي سيي ء الأعمال و خبيث الأفعال … و تكاد تضارع إدارته خطة العرب المسلمين لو لا قسوتها و فظاعتها …
و مما ينكر عليه نهجه الديني أيضا فهو غير مسلم، و أعماله ليست مصروفة لخير الجماعة و صلاحها … و أنه أول كافر وطأ هذه الأرض مذ زمن عمر بن الخطاب (رض) فنفرته الأمم الإسلامية جمعاء من جراء هجومه علي بغداد و نكايته بالخلفاء و القضاء عليهم و سفكه الدماء الوفيرة و سيطرته علي هذه البلاد، و جعلها منقادة له، مما أوجب استياء كافة المسلمين في شرق البلاد و غربها … و لا يزالون يذكرونها و الحزن رفيقهم و الهمّ حليفهم …
ذلك أمر أراده اللّه تعالي ليعلموا أن دعوي الإسلامية وحدها لا تجديهم نفعا ما لم يسلكوا طريقها الحق و منهجها القويم، و أهم ما في هذا الايمان الخالص و الاستقامة التامة و مراعاة العدل و لو مع من نكره … و هذه مقومات الاجتماع و وسائل حسن الارتباط بين القوم و الأمة أو الأمم قلبا و قالبا …
و علي كل حال إن الحوادث الجزئية المارة و غيرها مما هو معروف عنه تنبي ء عن مقدرة هذا الفاتح العظيم و السياسي الخطير الذي في وسعه ادارة عالم لا أمة أو بضعة أمم بسياسة حكيمة و عقل مدبر و فكر كامل … و من أهم ما قام به ضدنا
أنه أضاع مزايا العراق باتخاذه عاصمة الملك في موطن بعيد عن العراق … مما قلل من مكانته …
و جعله مملكة أصغر شأنا من غيرها …
و مهما يكن الأمر فهو ليس فاتحا فحسب و إنما هو سياسي خطير و لا تزال الأمم تري الصعوبات الجمة في تطبيق خطته لأنها لا تزال تمشي بمقتضي الحزبية (هذا من شيعته و هذا من عدوه) و لكنها تتضاءل أمام عظمة الإسلامية و اعتدال دمها مع كافة الأقوام بنهجها القويم الأقوم و العام الشامل …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 287
أسس حكومة عظمي في ايران و انقاد له العراق من الموصل إلي بغداد فالبصرة و قارع الأطراف و أهم حروبه كانت في سورية و في القفجاق (قبجاق) حينما نازعه بركةخان و أراد أن يقضي عليه من جراء حنقه و غضبه علي الخليفة و تألمه لمصابه … فلم ينجح في حروبه معه و مقارعاته له … فتم لهلاكو الفوز و استقل بإيران و ما والاها و أحكم إدارة العراق، و بعث بكتبه ثم سار بجيشه القوي إلي الاطراف إلا أنه شعر بالخطر مؤخرا لما رأي من الأوضاع.
دام حكمه ببغداد من 5 صفر سنة 656 ه و استمرت ادارته إلي تاريخ وفاته في 19 ربيع الآخر سنة 663. و هو الذي قارع العباسيين و قضي عليهم و قتل الخليفة المستعصم و لم يبق منهم احدا إلا ابن الخليفة و أخاه. أما الأخ فكان استنجد و جمع و حشد عساكر الشام و مصر و جاؤوا علي طريق الانبار فقتلهم المغول عن آخرهم و قتلوا أخا الخليفة. و بقي الابن في مصر فأعلنوا خلافته و سموه (ابن البركة) فتحولت الخلافة إلي هناك و لم
تخرج من كونها خلافة بالاسم و مراعاة مراسم دون قيام بأعبائها و مهماتها … فلا يجلس السلطان بمصر إلا بإذنهم و بيعتهم ظاهرا إلي أن انقرضوا الانقراض الأخير علي يد السلطان سليم المعروف بياوز فنقل الخلافة إليه و سمي نفسه بالخليفة. و تلك الأيام نداولها بين الناس.
و في 25 ربيع الآخر لسنة 663 ولي آباقاخان و أجمع الأمراء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 288
و العساكر علي طاعته و ذلك بعد أبيه السلطان هلاكوخان و كان حين توفي والده حاكما في مازندران فتحرك علي وجه السرعة و العجلة فجاء إلي تبريز و حلّ محل أبيه.
و في زمن والده كان يذكر في عناوين الأحكام اسماء منگوقاآن، ثم قبلاي قاآن أما أباقا فلم يوافق علي ذكر اسم قوبيلاي و إنما ذكر اسمه أصالة و أعلن نفسه ملكا علي ايران مستقلا.
و ذلك أن مانگوقاآن كان قد توفي في مملكة الصين بعد أن اكتسح غالبها فولي بعده قوبيلاي قاآن و قد وقع خلاف في ملوكيته إلا أنه تمكن من إخضاع المخالفين و اذعن الجميع له بالطاعة، و فتح مملكة الصين بتمامها، ولي الحكم 35 عاما، و علي ما جاء في خلاصة الاخبار أنه توفي سنة 693 ه …
و قد عمرت بلاد ايران و الروم بحسن سيرته. و كان مدار ملكه علي الأمير سوغنجاق، و الوزير الخواجة شمس الدين صاحب الديوان و هو ابن الصاحب بهاء الدين الجويني. و كانوا أبا عن جد اصحاب ديوان خراسان و كانوا قائمين بأنواع الكمالات، و حازوا فنون العلم، و فازوا بالنصيب الكامل، و أحرزوا قصب السبق في تربية العلماء الأفاضل، و نالوا من حسن السيرة و العدل ما لم يصل إليه همم
الأواخر و الأوائل،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 289
و كانوا ملجأ لسلاطين ايران و ملاذا و موئلا للملوك و معاذا في ذلك الزمن.
أقر السلطان آباقاخان ولاية الصاحب علاء الدين ببغداد، وصله يرليغ منه و خوله به أن يكون حاكما مطلقا لا يكون فوق يده يد و كان شحنة بغداد قرا بوغا و نائبه إسحق الارمني … كذا في ابن العبري و فيما يلي ما يخالف هذا … و قد نسبا إليه الممايلة إلي سورية فلم يثبت ذلك عليه.
و في هذه السنة (سنة 663) عين رضي الدين المعروف بالبابا واليا بالموصل و في تاريخ الموصل أنه ناصر الدين الفأفأ فدخلها و قبض علي الزكي الإربلي الذي كان و اليها و طالبه بالبقايا التي ساقها الحساب عليه و استوفي منه معظمها ثم قتله، و الزكي الإربلي هذا كان من اجناد الموصل و بعد ان استولي سمداغو علي الموصل و جعل حاكمها الأمير شمس الدين محمد بن يونس الباعشيقي نظرا لخدمته في ايصال الكتاب الوارد إلي الملك الصالح من أخيه علاء الدين يدعوه أن يكون مع البندقدار سعي الزكي الإربلي في الامير المذكور و قال عنه إنه جمع الأموال و الجواهر من خزائن بيت بدر الدين … فأنكر فضربوه أشد الضرب ليقر و قتل و تولي الموصل الزكي سنة 661 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 290
و في هذه السنة قبض مليخا الجاثليق علي نصراني من أهل بغداد قد اسلم فاعتقله بداره المعروفة (بدار الدويدار الكبير) علي شاطي ء دجلة و عزم علي تغريقه فبلغ العوام ذلك فاجتمعوا و نهبوا سوق العطارين برأس درب دينار و غيره من محال النصاري و حصروا الجاثليق و أحرقوا باب داره و قابلوا اصحابه فنزل في سفينة و قصد صاحب الديوان علاء الدين و استجار به فأمر (الكلخية) بكف العوام و ركب (توكال بخشي) شحنة بغداد و أخذ نفرا من العوام و قتل منهم و حبس جماعة فسكنت الفتنة.
ثم إن الجاثليق توجه إلي الاردو السلطاني و عاد إلي إربل و بني بقلعتها بيعة. ثم قدم بغداد و أقام بها إلي أن مات و رتب في منصبه (ماردنحا) الإربلي.
و فيها وصل إلي بغداد رجل معه فيلان أفرد الديوان لهما دارا فأقام أياما ثم توجه بهما إلي السلطان.
في هذه السنة توفي فخر الدين أبو سعيد المبارك بن المخرمي.
توفي فخر الدين أبو سعيد المبارك ابن المخرمي و كان قد خدم الخلفاء في عدة خدمات منها القضاء و منها نيابة ديوان الزمام ثم رتب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 291
وكيل باب طراد و النظر بدار التشريفات عوض علي ابن العنبري نقلا من نيابة ديوان الزمام.
و في ربيع الآخر سنة 633 ه نقل إلي صدرية المخزن و خلع عليه و أعطي مركوبا بعدة كاملة و أنعم عليه بألف دينار و أسكن في الدار المنسوبة إلي الوزير عبد اللّه بن يونس المجاورة للديوان، ثم نقل فخر الدين ابن المخرمي إلي صدرية ديوان الزمام في تلك السنة.
و في سنة 637 ه توفي والده عز الدين أبو زكريا يحيي و هو شيخ خير، دين من بيت معروف بالرواية و الدراية و القضاء و العدالة و التنابه و التصوف و الولاية … قد تصرّف في أعمال السواد نظرا و إشرافا، و كان مشكور السيرة، كيسا، متواضعا. ركب في 12 رمضان سنة 637 إلي الجامع فصلي الجمعة و خرج ليركب فلما قارب الباب وقع إلي الأرض و مات فحمل إلي دار ولده فخر الدين أبي سعيد المبارك صاحب ديوان الزمام و لم يكن حاضرا ببغداد فغسل وصلي عليه في جامع القصر و حضر جنازته الولاة و أرباب الدولة و الأمراء و الأعيان و شيعوه إلي دجلة و حمل إلي مقبرة باب حرب فدفن بالقرب من قبر أحمد (رض) و قد جاوز الثمانين و قدم ولده فخر الدين بعد وفاته بثلاثة أيام.
و بقي المترجم فخر الدين في منصبه إلي سنة 643 ه و حينئذ كفت يده فانقطع إلي داره
إلي أن ملك السلطان هلاكو بغداد فلما تقرر حال الحكام بها ولاه صدرا بدجيل ثم نقل إلي مشيخة رباط الحريم بموجب التماسه و إيثاره العزلة و العبادة فبقي علي ذلك إلي أن مات و دفن بحضرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه.
و قد ورد في حوادث عزله عن ديوان الزمام أن له ابنا اسمه كمال
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 292
الدين محمد، و أخا اسمه شمس الدين عبد الرحمن و آخر جمال الدين علي، و ابن عم اسمه رضي الدين علي ابن المخرمي.
و المترجم من أسرة قديمة السكني ببغداد فإن والده عز الدين أبا زكريا يحيي بن المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي، وجده بندار المخرمي كان اعجميا قدم بغداد و استوطنها و سكن المخرّم (محلة أعلي البلد) فنسب إليها. و أما جده المبارك بن علي فكان فقيها فاضلا عالما: عدلا ثقة اشتغل بالفقه حتي برع و درس و أفتي و بني المدرسة المنسوبة إلي تلميذه الشيخ عبد القادر الجيلي رحمه اللّه، و شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني سنة 488 ه ثم ولي قضاء باب الازج و كان نزها في ولايته.
و من هذا تعرف مكانة هذه الأسرة و قيمتها الادبية و العلمية و شهرتها بالصلاح و حسن السلوك و آخرها بالنظر لحوادث هذه الأيام مترجمنا.
توفي السيد النقيب الطاهر رضي الدين علي بن طاوس و حمل إلي مشهد جده علي بن أبي طالب عليه السّلام قيل كان عمره نحو ثلاث و سبعين سنة. و قد مر بيان توليه النقابة … و قال عنه ابن الطقطقي:
«لما فتح السلطان هلاكو بغداد سنة 656 ه أمر أن يستفتي العلماء أيما أفضل السلطان الكافر
العادل، أو السلطان المسلم الجائر، ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك فلما وقفوا علي الفتيا احجموا عن الجواب، و كان رضي الدين عليّ بن طاوس حاضرا هذا المجلس و كان مقدما محترما، فلما رأي احجامهم تناول الفتيا و وضع خطه فيها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 293
بتفضيل العادل الكافر علي المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده.» ا ه.
و لا مجال لقبول هذه الفتوي بعد العلم بأن السلطان المسلم مهدد بالأمة و سخطها عليه و خلعه و الملتزم أن لا تقبل حكومة الكافر و ولايته … و اليوم- بصورة عامة- لا ترضي الأمة أن تحكم إلا بنفسها، و الإدارة أو الارادة للأمة و تختار رئيسها ليمثل رغبتها و يمضي طبق ما تريد … و التهديدات الإلهية كثيرة في لزوم اتباع المسلم دون سواه … و تقييده بما قيده الشارع …
و المترجم من العلماء المشاهير و رجال الشيعة المعروفين و له مؤلفات عديدة ذكرها صاحب روضات الجنات، و صاحب أمل الآمل، و صاحب لؤلؤة البحرين … و المطبوع منها كتاب الاقبال و مهج الدعوات و غيرها … و كان بينه و بين الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي و أخيه و ابنه صداقة متأكدة أقام ببغداد نحوا من 15 سنة ثم رجع إلي الحلة ثم سكن المشهد الشريف برهة ثم عاد في دولة المغول إلي بغداد إلي أن توفي في 5 ذي القعدة و كانت ولادته في المحرم سنة 589 ه.
هو الشيخ المعمر أبو بكر ابن إبراهيم الشيباني البغدادي الصوفي بخانقاه سعيد السعداء. مات ليلة 22 ذي القعدة و دفن بالسفح المقطم، و كان قد ولد سنة 551 ه و هو شيخ صالح، صوفي، من اكابر المعروفين
…
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 294
إن السلطان آباقاخان أول من انفصل من حكومة جنگيزخان الأصلية و أعلن استقلاله كما تقدم فكانت نتيجة ذلك ان هاجمه في هذه السنة (665 ه) براق بن جغتاي بن قبلاي قاآن فعبر النهر إلي غربيه بعساكر كثيرة … فسار آباقاخان للقائه فالتقوا بنواحي هراة و اقتتلوا قتالا شديدا استظهر فيه براق خان ثم صار النصر حليف آباقاخان فانهزم براق خان و عسكره و تمت هزيمتهم إلي جيحون و تبعهم عسكر السلطان آباقاخان يقتلون فيهم و ينهبون و يأسرون و غرق منهم خلق كثير في جيحون و نجا براق خان و بعض عسكره …
هذه هي حادثة الانفصال و من ثم اعتبر آنئذ الاستقلال و انفردت الحكومة بالادارة و تدبير شؤون الحكومة باسمها …
1- فيها عزل توكال بخشي عن نوكرية هوشتكتاي شحنة بغداد و جعل عوضه (تتارقيا).
2- و فيها وصل شمس الدين محمد الكبشي إلي بغداد و عين مدرسا بمدرسة النظامية و حضر درسه الحكام و العلماء فلم يزل علي ذلك إلي أن خطر له التوجه إلي بهاء الدين ابن الصاحب شمس الدين الجويني فسار إليه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 295
أمر علاء الدين صاحب الديوان ببناء رباط بمشهد الإمام علي (رض) ليسكنه المقيمون المجاورون هناك و وقف عليه وقوفا كثيرة، و أدرّ لمن يسكنه ما يحتاج إليه.
أمر بضرب فلوس من المس (النحاس) ليتعامل بها الناس ببغداد و غيرها و جعل كل أربعة و عشرين فلسا بدرهم و بكل دينار خمسة أرطال …
أمر الناس بالتأهب للحج و أحضر (عرب الطريق) و أطلق لهم من ماله شيئا كثيرا و أخذ منهم الرهائن علي أن يسيروا الحجاج و يعيدوهم …
و لما توجه الناس مضي الصاحب معهم إلي الكوفة، و جهز الفقراء و زوّدهم و عين للناس من يتأمّر عليهم في السفر فحجوا و عادوا سالمين …
أمر الصاحب بقتل (ابن الخشكري) النعماني الشاعر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 296
شيخ رباط المرزبانية.
شيخ رباط الشونيزي.
ولد سنة 583 ه و توفي في 9 شوال سنة 666 ه و كان علامة تصدر بجامع الصالح، و كان من اذكياء بني آدم و أحد الائمة المشهورين بمعرفة الأدب و له مصنفات … و ترجمته في فوات الوفيات.
مات بثغر الاسكندرية في 5 صفر. و مولده بالغراف … (عقد الجمان ج 19).
و في هذه السنة ولي علي الموصل رجل نصراني اسمه مسعود.
و هو من قري إربل اسمها برقوطا. و عزل عنها البابا. و رتب معه شحنة من المغول اسمه اشموط.
و مسعود هذا كان ابوه أعلم الدين يعقوب التاجر من أخص ثقات آباقا و أعز المقربين إليه و كان في هذه السنة جاء لزيارة اباقا و في عودته أدركته المنية فكافأ ولده الأكبر بولاية الموصل و إربل … و عزل (البابا).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 297
في هذه السنة قدم السلطان آباقاخان إلي بغداد و في خدمته الأمراء و الوزراء و العساكر فأقام إلي زمن الربيع و عاد و اعتمد الصاحب علاء الدين في الخدمة بالتحف و الاعلاق النفيسة ما يجب.
و في هذه السنة رتب السيد النقيب تاج الدين علي ابن الطقطقي العلوي صدرا بالأعمال الحلية.
و دفن في صفة الشيخ جنيد. و بلغ 76 سنة. و كان ورعا، تقيا، حسن السيرة اشتغل في عنفوان شبابه بمدرسة دار الذهب ببغداد حتي برع، و أفتي ثم رتب معيدا بالمدرسة المستنصرية، ثم شهد عند اقضي القضاة كمال الدين عبد الرحمن ابن اللمغاني، ثم جعل في ديوان العرض … ثم عين قاضيا في الجانب الغربي سنة 52 ثم نقل إلي الجانب الشرقي و خوطب بأقضي القضاة سنة 55 فاستمر علي ذلك … فلما توفي رتب قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي الشافعي نقلا من التدريس بالمدرسة البشيرية …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 298
و دفن في رباطه بناحية المباركة من الخالص. و التفصيل عنه في ابن الفوطي. و مرقده معروف اليوم قرب الجديدة من انحاء الخالص.
1- سقط في هذه السنة و فر كثير كان سمكه في السطوح دون الشبر.
في هذه السنة رفع البابا علي مسعود البرقوطي والي الموصل و أشموط الشحنة بما وصل من الأموال إليهما فأخذا و حوسبا و عزلا و سلمت الموصل إلي البابا و جعل معه بعض امراء المغول شحنة.
1- تقدم علاء الدين صاحب الديوان بعمل دولاب تحت مسناة المدرسة المستنصرية يقبض الماء من دجلة و يرمي إلي مزملتها ثم يجري تحت الأرض إلي بركة عملت في صحن المدرسة. ثم يخرج منها إلي مزملة عملت تجاه ايوان الساعات خارج المدرسة و جدد تطبيق صحنها و تبييض حيطانها و كان المتولي لذلك شمس الدين الخراساني (صدر الوقوف).
2- ثم أمر بعمارة مسناة مسجد قمرية بالجانب الغربي و كانت قد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 299
خربت في زمن الخليفة المستعصم عند زيادة دجلة و غرق بغداد و عمل موضعها سكرا من الخشب و بقي إلي الآن فتقدم بتجديده و عمله كما كان أولا.
3- تقدم بترتيب الشيخ نور الدين علي بن الاطلبي الحنفي مدرسا بالبشيرية عن فخر الدين الطهراني المتوفي في السنة الماضية.
في 15 جمادي الآخرة ركب علاء الدين صاحب الديوان لصلاة الجمعة فلما وصل إلي المسجد الذي عند عقد مشرعة الابريين نهض عليه رجل و ضربه بسكين عدة ضربات فانهزم كل من كان بين يديه من (السرهنكية) و هرب الرجل أيضا. فعرض له رجل كان قاعدا بباب غلة ابن تومة و ألقي عليه كساءه و لحقه السرهنكية فضربوه بالدبابيس و قبضوه.
و أما الصاحب فإنه أدخل دار بهاء الدين بن الفخر عيسي و كان يومئذ يسكن في الدار المعروفة (بديوان الشرابي) و لما عرف بذلك خرج حافيا و تلقاه و دخل بين يديه و أحضر الطبيب فسبر الجرح و مصه فوجده سليما من السم و أحضر الجارح و سئل من وضعه فلم يقل شيئا و عاجله الموت. لكن توهموا أن ذلك بوضع بعض النصاري.
كان شيخا ورعا يقول الشعر. و له ديوان مشهور …
و جاء عنه في عقد الجمان أنه الشيخ أبو نصر محمد بن الحسن الحوار الصوفي … كان جميل المعاشرة حسن المذاكرة و له:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 300
نهض القلب حين اقبلت أجلا لا لما فيه من صحيح الوداد
و نهوض القلوب بالود أولي من نهوض الأجساد للأجساد
و كان فاضلا، شاعرا.
في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد حتي بلغ الكر من الحنطة مائة و خمسين دينارا و كان الخبز يتعذر في الأسواق أكثر الأوقات.
في هذه السنة قتل العدل نجم الدين يحيي بن عبد العزيز الناسخ، و سبب ذلك أنه نسب إلي مكاتبة ملوك الشام فحبس و قرر فاعترف بذلك فأمر بقتله. و كان فاضلا ورعا تقيا. و الاتهامات في هذه مما يلتفت إليه دائما.
كان أديبا فاضلا، ظريفا، خليعا حسن الأخلاق طيب المحاضرة. من شعراء الديوان أيام الخليفة، و له أشعار حسنة.
مدرس المستنصرية، و كان عالما كثير العبادة. ورد زمن الخليفة المستنصر و معه أخوه علم الدين أحمد، فلما توفي عين أخوه علم الدين موضعه نقلا من تدريس البشيرية.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 301
في هذه السنة وصل الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد الجويني صاحب ديوان الممالك و سأل من الصاحب علاء الدين عمه تزويجه بابنة أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم و هي رابعة فأحضر قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي و جماعة العدول و المشائخ فاشترطت والدتها و هي زوجة علاء الدين قبل العقد أن لا يشرب الخمر و أجاب إلي ذلك فعقد العقد و كتب (كتاب الصداق) بخط بهاء الدين أبي الفخر عيسي الإربلي المنشي فشهد فيه قاضي القضاة و عدلان. و هذه صورته:
«الحمد للّه الذي جمع الشمل و نظمه، و قوّي عقد الألفة و أحكمه، و أوثق حبل الاجتماع و أبرمه، و صلواته علي سيدنا محمد الذي شرفه و عظمه، و رفع قدره و كرمه، و علي آله و صحبه الذين أوضحوا منار الايمان و علمه، و أظهروا برهانه و أناروا ظلمه، و كشفوا لبسه و خصصوا مبهمه.
هذا ما أشهد عليه المولي الصاحب المعظم، شرف الدولة و الدين، ملك الوزراء مفخر الدنيا، هارون بن المولي الصاحب (المعظم شرف الدولة و الدين) الأعظم العادل المؤيد المجاهد المرابط، شمس الدين اصف العهد، ملك وزراء الآفاق، مالك رق المعالي بالاستحقاق، فريد العصر في شرف الخلال و كرم الاخلاق، محمد بن الصاحب المعظم بهاء الدين محمد. أطال اللّه عمر الخلف، و أهدي الرضوان إلي السلف، في صحة من رأيه الكريم، و نفاذ من تصرفه القويم، و مضاء
من سداده المستقيم أن عليه و قبله و في ذمته، و خالص ماله لزوجته السيدة الجليلة المعظمة المكرمة المقدسة الطاهرة الزكية أمة اللّه المباركة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 302
المدعوة رابعة اخت البتول الزهراء في طهارة الميلاد و ابنة عمها في نسب الآباء و الاجداد بنت الأمير الكبير السعيد الشهيد أبي العباس أحمد ابن الإمام السعيد الشهيد أبي أحمد عبد اللّه الإمام المستعصم باللّه أمير المؤمنين (و ذكر نسبه إلي العباس عم النبي صلّي اللّه عليه و سلّم) من العين مائة ألف دينار ذهبا عينا صحاحا و ذلك بحق صداقها الذي تزوجها عليه تزويجا صحيحا شرعيا تولي مرشد و شاهدي عدل و تولي هذا العقد الميمون قاضي القضاة شرقا و غربا و بعدا و قربا سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي بإذنها و رضاها فصار المبلغ المشار إليه دينا لها عليه و حقا واجبا ثابتا لازما و صداقا حالّا غير مؤجل يؤديه إليها متي شاءت من ليل أو نهار، من غير دفع و لا منع و لا اعتذار، أقر المولي الصاحب المعظم شرف الدين المشهد علي نفسه أنه ملي ء بالنقد المذكور و هو مائة ألف دينار من النقد المعين فيه و فيّ به قادر عليه و قبل ذلك و صحّ قبوله و بذلك جميعه أشهد علي نفسه الكريمة في جمادي الآخرة سنة 670 ه» انتهي.
و في ابن أبي عذيبة و تعرف بالسيدة النبوية توفيت معه في سنة واحدة علي ما سيجي ء و لها منه المأمون عبد اللّه و الأمين محمد و زبيدة قال «قتل زوجها هارون فلم يعلم أحد منهما بموت الآخر و كان صداقها مائة ألف دينار و هذا ما سمع بمثله
إلا لملك فإن القائم بأمر اللّه أصدق خديجة السلجوقية مائة ألف دينار و كذلك المكتفي زوج ابنته زبيدة بالسلطان مسعود بن محمد ملكشاه علي صداق مائة ألف دينار.» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 303
منارة جامع الخليفة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 304
و في هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بتجديد منارة جامع الخليفة، و كان صدر الأوقاف يومئذ شهاب الدين علي بن عبد اللّه فشرع في ذلك و انتجزت في آخر شعبان. ثم سقطت في شهر رمضان بعد فراغ الناس من صلاة التراويح و لم يتأذّ أحد ممن كان هناك.
و في هذه السنة وقع حريق بسوق المدرسة النظامية فاحترق جميعه و هلك فيه خلق كثير ممن كان في الغرف. و ذهب من أموال الناس شي ء كثير. فأمر الصاحب علاء الدين بعمارته من حاصل وقف المدرسة.
و في هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمارة موضع في نهر جعفر من أعمال واسط سماه (المأمن) و بني فيه ديوانا و جامعا و خانا و حماما و سوقا و انتقل إليه خلق كثير. و كان التجار المنحدرون إلي البصرة و المصعدون منها يصعدون متاعهم إليه فانتفعوا به و أمنوا علي أموالهم و بني فيه ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي مدرسة.
و دفن في الضفة التي تقابل ضريح الشيخ معروف (ر)؛ كان في مبدأ أمره فقيها، ثم ولي مدرسا في المدرسة البشيرية، ثم نقل إلي القضاء و ولي القضاء بعده عز الدين أحمد الزنجاني.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 305
جلوس منكوقاآن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 306
قدم معه من خراسان فأثبته فقيها بالمدرسة المستنصرية و فوض إليه أمر و كالته في خاصته و قدمه و أعلي مرتبته حتي صار المشار إليه في بغداد و حصل أموالا عظيمة ثم كفر النعمة و استعد للقول في الصاحب فبلغه ذلك، فقبض عليه و حبسه في داره فنقب الحبس و خرج منه ليلا و التجأ إلي بعض امراء المغول و ضمن له مالا علي أن يوصله إلي السلطان فأدركه الصاحب و قتله …
في هذه السنة تكاملت عمارة المدرسة التي أمرت بإنشائها زوجة علاء الدين صاحب الديوان مجاور مشهد عبيد اللّه عليه السّلام ظاهر بغداد و سميت العصمتية و وقفتها علي الطوائف الأربعة و بنت إلي جانبها تربة لها و رباطا للمتصوفة و فتحت في هذه السنة و رتب بها القاضي عز الدين أبو العز محمد بن جعفر البصري مدرس الطائفة الشافعية و عفيف الدين ربيع بن محمد الكوفي مدرس الحنفية و شرف الدين داود الجيلي مدرس الحنابلة، و مجد الدين المعروف بشقير الواعظ مدرس المالكية و خلع علي الجميع و عمل بها وليمة و جعلت النظر فيها إلي شهاب الدين علي ابن عبد اللّه و الإشراف عليه إلي من ولي قضاء القضاة ببغداد.
و فيها عين تاج الدين عبد الرحيم بن يونس الموصلي الشافعي قاضيا بالجانب الغربي ببغداد و أضيف إليه الدرس بالمدرسة البشيرية.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 307
و كان رجلا فاضلا عالما. له مصنفات مشهورة. فلم تطل أيامه و توفي في آخر هذه السنة.
و في هذه السنة توفي أيضا القاضي مجد الدين أحمد الدوري فجأة.
و في هذه السنة جلس الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين بن الجويني صاحب ديوان الممالك علي السدة (بالمدرسة النظامية) و ألقي دروسا و حضر علاء الدين صاحب الديوان عمه و كافة أرباب الدولة و المدرسون و العلماء و الفقهاء تحت سدته. و أنشد الشعراء بعد فراغه.
في هذه السنة رتب قاضي القضاة عز الدين أحمد ابن الزنجاني عز الدين أبا العز أحمد بن جعفر البصري نائبا عنه في القضاء ببغداد و قد توفي بعد ذلك بقليل أي لم يكمل السنة و دفن عند الجنيد و كان عالما فاضلا ولي تدريس النظامية بعد واقعة بغداد ثم نقل إلي تدريس مدرسة الأصحاب و درس في المدرسة العصمتية عند فتحها و ناب في الحكم و القضاء كما تقدم.
توفي تاج الدين عبد الرحيم بن محمد الموصلي من بيت الفقه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 308
و الرياسة. ولد سنة 598 ه و سمع وحدث و صنف، و اختصر الوجيز و المحصول، و له طريقة في الخلاف …
في هذه السنة وصل السلطان آباقاخان إلي بغداد و في خدمته الأمراء و العساكر و الخواجة نصير الدين الطوسي و عبر دجلة و تصيد في أراضي قوسان حتي بلغ قريبا من واسط. ثم عاد إلي بغداد و نزل بالمحوّل.
و أمر بالإحسان إلي الرعايا و تخفيف التمغات و حذف الأثقال عنهم و كتب ذلك علي حيطان باب جامع المستنصرية.
ثم أقطع المحول بلغان خاتون.
فلما انقضي الشتاء عاد إلي مقر ملكه.
و أما الخواجة نصير الدين الطوسي فإنه أقام ببغداد و تصفح أحوال الوقوف و ادرّ أخباز الفقهاء و المدرسين و الصوفية و أطلق المشاهرات و قرر القواعد في الوقف و أصلحها بعد اختلالها.
و أمر السلطان بإضافة تستر و أعمالها إلي علاء الدين صاحب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 309
الديوان و كانت أيام الخلافة مرتبطة ببغداد و تعد من أعمالها فتوجه الصاحب إليها و تصفح احوالها و عين بها نوابا و بهذا صارت إحدي ألوية العراق فذكروا له أن بها رجلا يدعي النبوة و قد أتفق معه جماعة و قد نقص لهم من الفروض صلاة العصر و عشاء الآخرة فأمر بإحضاره و سأله عن هذه الحال فرآه ذكيا عارفا ببعض العلوم فأمر بقتله فقتل و سلم إلي العوام و أخذ أكثر من كان قد اتبعه. و هذا كان صبيا من ابناء التجار اسمه كي اشتغل بحفظ القرآن و الفقه و الاشارات و النجوم و كان ينظم شعرا بالفارسية فادعي أنه عيسي ابن مريم و قال إن بلغت من العمر ثماني و ثلاثين سنة تم امري. و نظم شعرا يتضمن ذلك فقيل و لم يبلغ ما ذكره من العمر.
و في هذه السنة عين نجم الدين محمد بن أبي العز البصري مدرس الطائفة الشافعية بمدرسة الأصحاب، و نصير الدين الفاروقي مدرس المدرسة النظامية.
و في هذه السنة انحدر علاء الدين صاحب الديوان إلي واسط و قبض علي فخر الدين مظفر ابن الطراح و أصحابه و نوابه و أخذ منهم أموالا كثيرة و عزله و رتب عوضه شمس الدين محمد ابن البروجردي.
و فيها أحضر عماد الدين محمد بن حسن الأبهري المعروف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 310
بالزمهرير تقدم بعض الخواتين إلي الخواجة نصير الدين الطوسي بمشيخة رباط الخلاطية فرتبه عوضا عن شمس الدين ابن اليزدي. و كان شيخا لم يخالط الصوفية و لا عرف قواعدهم و لا تأدب بآدابهم و كان الناس يولعون به فقال له يوما شمس الدين الكوفي الواعظ أنا و أنت لا نري الجنة فتأثر لذلك و اغتاظ منه فقال له إن اللّه تعالي يقول لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً. و لم يزل شيخا بالرباط إلي سنة 677 ه ثم سافر و أعيد ابن اليزدي إلي الرباط.
وثب عليه جماعة من أهل الحلة و ضربوه بالسيوف و كان السلطان ببغداد فلم يزل الصاحب علاء الدين يفحص عن قاتليه حتي حصلهم و قتلهم ثم أخذ أملاكه بشبهة ما بقي عليه من ضمان الأعمال الحلية.
و الطقطقي من آل طباطبا علوي و هو والد صفي الدين محمد صاحب (تاريخ الفخري) كما عليه أهل الأنساب قتله علاء الدين عطا ملك الجويني بتحريض من أخيه شمس الدين الجويني حينما علم منه أنه شكا أحواله لدي السلطان فأرسل إليه الشكوي بعينها، و حينئذ عزم علي الوقيعة به و دبر ما يلزم فكانت القاضية عليه قال في عمدة الطالب:
«تاج الدين علي بن محمد بن رمضان يعرف بابن الطقطقي، ساعدته الأقدار حتي حصل من الأموال و العقار و الضياع ما لا يكاد يحصي، و من غرائب الاتفاقات التي حصلت له أنه زرع في مبادي ء احواله زراعة كثيرة في أملاك الديوان و هو إذ ذاك صدر الأعمال الفراتية، و أحرز ما تحصل له من الغلات في دار له كان
قد بناها و لم يتمها و فصل حسابه مع الديوان و قد بقي له بقية صالحة من الغلات،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 311
فأصاب الناس فحط شديد، و سعر النقيب تاج الدين في بيع الغلات فباع بالأموال ثم بالاعراض، ثم بالاملاك، و كان يضرب المثل بذلك الغلاء فيقال غلاء ابن الطقطقي نسب إليه لأنه لم يكن عند أحد شي ء يباع سواه … و ترقي أمره إلي أن كتب إلي السلطان أبقا بن هلاكو في عزل صاحب الديوان و اقامته عوضه و وعده بأموال جزيلة و إشارة كفايات غريبة فوقع كتابه إلي الوزير شمس الدين الجويني فأخذ قرطاسا و كتب فيه:
كم لي انبه منك مقلة نائم يبدي سباتا كلما نبهته
فكأنك الطفل الصغير بمهده يزداد نوما كلما حركته
و جعل كتاب النقيب فيه و أرسله إلي أخيه فاستعد صاحب الديوان و تقرر أمره عنده علي أن أمر جماعة بالفتك به ليلا ففتكوا به و هربوا إلي موضع ظنوه مأمنا أمرهم بالمصير إليه صاحب الديوان فخرج إليه من ساعته إلي ذلك الموضع فقبض علي اولئك الجماعة و أمر بهم فقتلوا و استولي علي أموال النقيب و أملاكه و ذخائره … » ا ه.
و بهذا نجا للمرة الأخري من الشكاوي الموجهة إليه و التدابير المرتبة لإسقاطه و الوشايات عليه …
و سيأتي الكلام علي ابنه صفي الدين محمد صاحب الفخري و بيان علاقته بالجويني … في حوادث سنة 701 ه.
و كان شيخا جوادا مواصلا لكل من يسترفده و اشتهر ذكره بالكرم. تولي شحنكية واسط و البصرة و كان حسن السيرة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 312
عظيم الناموس و دفن في مشهد علي (رض) و رثاه الشعراء بأشعار كثيرة
منها قول ابن الكبوش البصري من قصيدة هذا منها:
يزدحم القول حين أمدحه كجوده و الوفود تزدحم
كأنما النظم من سهولته ينظمه قبل نظمه الكلم
و القصيدة طويلة راجع عنها الفوطي.
و دفن في مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام (الكاظمية) في سرداب قديم البناء، خال من دفن قيل إنه كان عمل للخليفة الناصر لدين اللّه.
اشتهر هذا الرجل كاشتهار هلاكوخان ورافق في الغالب اسمه في حادث بغداد اسمه اتصل بهلاكو خان إثر القضاء علي الملاحدة الإسماعيلية و يقال إنه كان سجينا عندهم. و قد ترجمه علماء كثيرون منهم صاحب فوات الوفيات و صاحب الوافي بالوفيات و صاحب عقد الجمان و صاحب الشذرات و غيرهم جماعة. و الكل شهد بسعة علمه و بمقدرته البارزة سواء في مؤلفاته، أو في استهوائه لهذا الرجل القهار (هلاكو) أو بنائه الرصد بمراغة، و قصة بناء الرصد و اعتراض هلاكو عليه في المقادير و جوابه عنها مفصل في فوات الوفيات و غيره، و استخدامه علماء كثيرين لهذه المهمة …
و غالب ما يوجه عليه اللوم و التنديد من جراء مناصرته لكافر و تحبيذه اكتساح بغداد استنادا إلي ما اوحاه له علم الطالع و وقيعته بالخليفة، و إيعازه بقتله و تسليطه علي بلاد المسلمين …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 313
و لا أري ما رآه صاحب الوافي بالوفيات من أنه نصيري و يعتقد ما يعتقدون و أنه كتب رسالة في النصيرية فلم تعرف هذه عنه و إنما هو مشبع بعقائد غلاة المتصوفة أمثال الحلاج و ابن سبعين و أبي يزيد البسطامي ففي رسالته (أوصاف الأشراف) صراحة بذلك، يري الاتحاد و الوحدة، أو الظهور بصورة لا تقبل الارتياب … و في كتابه (اخلاق ناصري) نراه إلي الباطنية أقرب و ذلك أنه كان في خدمة علاء الدين محمد بن حسن الإسماعيلي و محتشم قهستان ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور و لهذا الأخير
ترجم كتب الحكمة و الأخلاق من العربية إلي الفارسية فكان محترما عنده و بمؤلفاته أيد مذهب الإسماعيلية و تعاليمهم و قد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 314
ترجم له تطهير الاعراق و كتاب الطهارة و أبرزهما بشكل (اخلاق ناصري) و هو مطبوع مرارا في ايران.
و أساسا أنه لم يحصل بينه و بين الإسماعيلية خلاف فهو متصل بهم … و ما ينسب إليه من الخلاف السياسي فلم نعثر له علي أصل صحيح.
أما مؤلفاته في عقائد الشيعة كالتجريد فإنها تعين معتقده و أن كان يرمي بأنه ممن يكتبون تبعا لرغبات الآخرين … و مؤلفاته كثيرة …
و المطبوع منها أوصاف الأشراف، و التجريد، و زبدة الهيئة (فارسي)، و أخلاق ناصري …
و في القسم الأدبي و العلمي من هذا التاريخ سوف نناقش هذه النواحي و نتحري المعتقد بالاستناد إلي نصوص قطعية و ثابتة … و نبدي قولنا الفصل فيه … فلا نلتفت لما قيل دون تمحيص.
و هنا نقول إن أعمال هذا الرجل مصروفة إلي مناصرة العلماء و الحكماء، و أنه حينما ورد بغداد عام 662 ه تصفح أحوال بغداد، و نظر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 315
أمر الوقوف و البحث عن الاجناد و المماليك … و في هذه المرة جمع من العراق كتبا كثيرة لأجل الرصد الذي وضعه بمراغة عام 657 ه و عين فيه جماعة يتولون عمله إلي أن انتجز سنة 672 ه؛. و تنسب إليه رسالة في واقعة بغداد و حوادثها لا تفترق عن الوقائع المعلومة …
و قد وصفه الفوطي بقوله:
«كان فاضلا، عالما، كريم الأخلاق، حسن السيرة، متواضعا، لا يضجر من سائل، و لا يرد طالب حاجة. ولد سنة 597 ه و رثاه الشعراء فمما قاله
بهاء الدين ابن الفخر عيسي الإربلي المنشي فيه و في الملك عز الدين عبد العزيز النيسابوري المذكور:
و لما قضي عبد العزيز بن جعفر و أردفه رزء النصير محمد
جزعت لفقدان الاخلاء و انبرت شؤوني كما ارفض الجمان المبدد
و جاشت إليّ النفس حزنا ولوعة فقلت تعزّي و اصبري فكأن قد
و ترجمته مبسوطة في روضات الجنات أيضا … و له المكانة الكبري لدي الشيعة و أساسا فضله و قدرته العلمية مما لا ينكر …
ظهر جراد كثير و أكل الغلات و سائر الزروع و خوص النخل و ورق الأشجار في الحلة و الكوفة و بغداد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 316
في هذه السنة رتب فخر الدين مظفر ابن الطراح صدر الحلة و الكوفة و السيب.
و في هذه السنة أيضا رتب الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي مدرسا بالمدرسة المغيثية.
و عين القاضي نظام الدين محمود الهروي المعروف بشيخ الإسلام قاضيا بالجانب الغربي من بغداد. فعين الشيخ محيي الدين المذكور نائبا عنه في القضاء.
و دفن عند جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.
و في روضات الجنات أنه أحمد بن طاوس عالم مشهور صاحب مؤلفات و هو أخو السيد رضي الدين علي المذكور سابقا. و لعله اشتهر بلقبه فالتبس اسمه … أخذ عن فخار بن معد، و عن الشيخ نجيب الدين ابن نما و غيرهما و من تلاميذه الحسن بن داود صاحب الرجال و تفصيل القول عنه مبسوط في كتب الرجال العديدة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 317
كان يخدم في زمن الخليفة ناظرا بالحجر البر و رتب بعد واقعة بغداد في الديوان مشاركا للنواب و لم يزل علي ذلك إلي الآن. و كان حسن السيرة مشكور الطريقة.
و هو مدرس المالكية بالمستنصرية.
في هذه السنة عين الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي خطيبا بجامع المدينة المعروف (بجامع السلطان) و لصلاة العيدين بالمدرسة المستنصرية. و شرط الواقف أن لا يخطب بها إلا هاشمي عباسي. و لم يخطب بالعراق بعد الواقعة خطيب هاشمي سواه.
و فيها عزل أمين الدين مبارك الهندي الجوهري من نقابة مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام و عين في النقابة نجم الدين علي ابن الموسوي.
و لما كان مبارك المذكور نقيبا قال فيه بعض الشعراء:
رأيت في النوم إمام الهدي موسي حليف الهم و الوجد
يقول ما تنكبني نكبة إلا من الهند أو السند
تحكم السندي في مهجتي و حكم الهندي في ولدي
فلعنة اللّه علي من به تحكم السندي و الهندي
و فيها رتب الشيخ جمال الدين عبد اللّه ابن العاقولي مدرس مدرسة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 318
الأصحاب و رتب نجم الدين بن أبي العزّ البصري نائبا عن قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاء ببغداد.
في هذه السنة توفي تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان ابن عبيد اللّه البغدادي السلامي المعروف (بابن الساعي) المؤرخ.
ولد سنة 593 ه و كان اديبا فاضلا و إماما حافظا له مصنفات كثيرة جدا آخرها (كتاب الزهاد) وجد عليه بخط الشيخ زكي الدين عبد اللّه بن حبيب الكاتب:
ما زال تاج الدين طول المدي من عمره يعنق في السير
في طلب العلم و تدوينه و فعله نفع بلا ضير
علا عليّ بتصانيفه و هذه خاتمة الخير
كان خازن كتب المستنصرية و من مؤلفاته (مشيخته بالسماع و الإجازة) في عشر مجلدات. قرأ علي ابن النجار تاريخه الكبير ببغداد و قد تكلم فيه. قال الكازروني و له أوهام انتهي. و في تذكرة الحفاظ أن الظهير الكازروني قد طول في ترجمته و سرد تصانيفه و هي كثيرة …
و قال صاحب الشذرات هو شافعي المذهب و نقل عن ابن شهبة في طبقاته أنه كان فقيها، بارعا، قارئا بالسبع، محدثا، مؤرخا، شاعرا لطيفا؛ كريما له مصنفات كثيرة في التفسير و الحديث و الفقه و التاريخ منها تاريخ في ستة و عشرين مجلدا …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 319
و نجد ترجمته في الفوطي و الشذرات و غيرهما كالذهبي و عقد الجمان … و هو من مشاهير المؤرخين و أكثر النقول عن وقائع بغداد أيام حوادث التتر عنه و عن الفوطي و الكازروني … ممن له مكانته المعروفة في التاريخ …
و قد طبع ببولاق مصر عام 309 ه مختصر أخبار الخلفاء كما أن مختصر سير الملوك قد طبع في بيروت و مر النقل عنه … و قد طبعت من تاريخه الكبير قطعة تحتوي علي الحوادث من سنة 595 ه إلي سنة
606 و كان طبعها ببغداد سنة 1353 ه (1934 م) طبعة معتني بها في تعليق هوامش و عمل فهارس مترجمة ضافية للمؤلف …
و كان مجتازا علي الجسر …
كان من كبار المتصرفين ببغداد.
كان من كبار علماء الشيعة عارفا بمذهبهم و له صيت عظيم بالحلة و الكوفة و عنده دين و أمانة.
عبد اللّه بن علي بن مكي بن جراح بن علي بن ورخز البغدادي.
أبو محمد بن أبي القاسم الخباز أبو عبد الرحيم سمع من عبد العزيز..
و من أبي الفتح أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي و من أبي أحمد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 320
الأكمل بن أحمد بن مطر العباسي و أبي محمد عبد العزيز بن سعود بن الناقد و أبي العز مشرف بن علي الخالصي و أبي زيد بن يحيي بن هبة اللّه و من الشيخ محيي الدين أحمد بن صالح البريدي و من الانجب بن أبي السعادات الحمامي وحدث. سمع منه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ببغداد و ذكره في معجمه، و نجم الدين عبد العزيز بن عبد القادر البغدادي بالنظامية ببغداد سنة 672 ه. و أجاز لأبي العباس أحمد بن محمد الكازروني. و كان رجلا صالحا. مولده في يوم السبت خامس المحرم سنة 603 ه و توفي في ليلة السبت السادس و العشرين من شهر رمضان سنة 674 ه و دفن بمقبرة الإمام أحمد.
و هبت ريح شديدة و اظلم الجو فخاف الناس و انزعجوا و عادوا بالتضرع إلي اللّه تعالي و الاستغفار حتي انشكف و تأخر وقوع الغيث في هذه السنة فخرج الناس إلي ظاهر بغداد للاستسقاء مشاة يتقدمهم قاضي القضاة عز الدين أحمد ابن الزنجاني و خطب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ. ثم خرجوا من الغد كذلك و خطب الشيخ عماد الدين ذو الفقار مدرس الشافعية بالمستنصرية. ثم خرجوا في اليوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 321
الثالث و خطب الشيخ ظهير الدين محمد بن عبد القادر فلم يسقوا ماء الغيث إنما زادت الفرات
عقيب ذلك و سقت الزروع.
و وقع في نيسان ببغداد برد كبار أهلك الزروع و قتل المواشي و الغنم و الطيور.
في هذه السنة سار الملك الظاهر البندقدار بعساكره إلي بلاد الروم فخرج المغول إلي لقائه و كانوا نحو ثلاثة آلاف فارس فالتقوا به في قيسارية و قاتلوه فاستظهر عليهم و قتل أكثرهم و انهزم الباقون.
في هذه السنة تكرر وقوع النار في أسواق بغداد و مساكنها من منتصف المحرم إلي آخر صفر فلم يخل الانذار بوقوعها ليلا و نهارا.
و اشتد خوف الناس لذلك. و أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمل حياض في دروب بغداد و أن تملأ ماء و يستعد الناس في السطوح بالماء لإطفاء النار و لم يعلم سبب ذلك. إنما كان الإنسان يري النار في كيسة داره أو خصها …
و حكي أن بعض الفقراء كان نائما علي الجسر فاستيقظ و النار في خلقانه و اشتغل الناس بحفظ مساكنهم و لم يبق لهم اهتمام بغير الرصد لما يقع من الحريق و إطفائه.
و هو من مشاهير شعراء هذا العصر و في الفوطي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 322
كثير من قصائده و مقطوعاته و قد تقدم ذكر بعضها أثناء الكلام علي مصاب بغداد … و كان ولي التدريس بالمدرسة النششية …
و جاء في فوات الوفيات بلفظ شمس الدين محمود و أورد جملة صالحة من شعره.
هو عبد السلام بن يحيي بن القاسم بن المفرج التكريتي أخو أحمد ابن عبد الرحمن و هو الأكبر تفقه علي والده و حفظ القرآن و قرأ الأدب و برع فيه. و له النظم و النثر و الخطب و المكاتبات و المصنفات الأدبية.
ولد سنة 570 ه و توفي سنة 675 ه و قد ذكر في فوات الوفيات جملة من شعره.
الأديب البارع شهاب الدين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني التلعفري الشاعر المشهور. ولد في الموصل سنة 593 ه و اشتغل بالأدب و مدح الملوك و الأعيان و كان خليعا، معاشرا، امتحن بالقمار … توفي سنة 675 ه و ديوانه طبع في بيروت سنة 1326 ه.
إبراهيم بن أحمد أبي المفاخر الازجي أبو إسحق الخياط المنعوت بالبرهان. سمع من أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي، و علي ابن أبي بكر بن روزبة و أبي النجا عبد اللّه بن عمر بن اللتي، و من محمد ابن محمد بن السباك، و من عبد اللطيف بن محمد القبيطي، و حدث
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 323
سمع منه أبو محمد عبد العزيز بن أبي القاسم بن عثمان البغدادي البابصري، و أجاز لشيخنا أبي إسحق إبراهيم بن عمر الجعبري، و أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الكازروني. توفي هذا الشيخ في ليلة الجمعة خامس محرم سنة 675 ه ببغداد و مولده سنة 606 ه.
في هذه السنة أنهي مسعود البرقوطي والي الموصل و أشموط الشحنة بها إلي السلطان آباقاخان أنهما ظلما في المحاسبة علي ضمان الموصل فأمر بتحقيق ذلك. فلما علموا حسابهما أثبتوا أن البابا كان علي الباطل فيما اعتمده معهما فأمر بقتله فقتل و ولاهما الموصل و إربل فعادا برأسه و طافا به و علق علي باب الجسر.
في هذه السنة زادت دجلة و غرق ببغداد عدة أماكن و انفتح في القورج فتحة عظيمة فخرج علاء الدين صاحب الديوان و كافة الولاة و الأكابر و العوام و أخذ الصاحب باقة شوك وضعها علي فرسه فلم يبق أحد إلا و فعل مثله و نزل الصاحب و عمل بيده و تكاثر الناس و تساعدوا فاستدركوها و سدوها.
و في آذار وقع برد كبار أتلف كثيرا من الزروع في الحلة و نهر ملك و نهر عيسي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 324
و في هذه السنة تحاكم نفران عند قاضي بغداد في ثلاثة فلوس.
و قيل إنه في سنة 652 تحاكم رجلان عند قاضي تكريت في نصف درهم.
كان حمالا ثم صار بائعا للغلة و التمور في الخانات. كان أميا، ثم تولي (تمغات بغداد) فأثرت حاله مع الناس و المتصرفين و أهل البيوتات و المروءة و واصلهم و أحسن إليهم، و تجمل تجملا ظاهرا و صار له المماليك …
و بقي علي ذلك مدة، ثم رتب صدر الأعمال الحلية و الفراتية، فلما قدم ششي بخشي و الأمراء لتصفح حال العراق قال في علاء الدين صاحب الديوان أشياء، فلما انتصر الصاحب و عاد إلي منصبه عزله و أخذ أمواله، فرقت حاله و سافر إلي توريز (تبريز) فمات بها.
ثم نقل إلي مشيخة رباط دار سونيسان و بعد واقعة بغداد رتب خازنا بالديوان، ثم أعيد إلي مسجد قمرية. ولد سنة 593 ه.
سكن في آخر وقته في المدرسة النظامية، و كان مولعا بالكيماء و قد أورد له الفوطي جملة من شعره.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 325
عاش 60 سنة و هو واعظ مشهور، حسن الإيراد، و له لطف شمائل، و بهجة محاسن، توفي في رجب.
في هذه السنة ورد تقدم إلي علاء الدين صاحب الديوان باستيفاء خمسين ألف دينار بالعسف و القهر. ثم أمر بإثبات الادؤر ببغداد فأثبتت جميعها و طالبوا أربابها بالأجرة عنها عن شهرين. فبينما هو علي ذلك وصل من طلبه إلي الأردو المعظم للموافقة علي ما نسب إليه من مكاتبته سلطان مصر و الشام، و قبض علي شرف الدين علي بن اميران كاتب الإنشاء و طوق و حمل صحبته. و قبض علي حمزة التكريتي التاجر و نهبت داره و طوق و حمل صحبته أيضا.
و انفرد مجد الدين ابن الأثير باستيفاء ما قرر علي الناس فغلقت الأسواق و اختفي أكثر الناس فطولب النساء بما قرر علي رجالهن، و لم يخلص من هذا أحد حتي أن العلويين و القضاة و العدول استوفي منهم بالقهر و المضايقة العنيفة …
و كذلك جري في أعمال بغداد جميعها.
أما الصاحب علاء الدين فإنه حيث قوبل علي ما نسب إليه ظهر كذب القائل فأمر بقتله و حملت اطرافه إلي البلاد. و كتب الصاحب إلي بغداد مع الواصلين برأس المذكور كتابا قري ء ببغداد في الجامع بعد صلاة الجمعة مضمونه:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 326
«ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمت عليّ و علي والدي و أن أعمل صالحا ترضاه»، إن للّه تعالي ألطافا خفية تري في أول الأمر خشنة جفية، و يحسب الجاهل أنها نقمة، فإن انتهت عرف كل احداثها نعمة، و معني هذا الكلام، لا يخفي علي الخاص و العام، و ذلك فضل اللّه في إيراد كل امر و إصداره، و قد اردنا أن
نوضح من أول الأمر إلي آخره كيفية الحال جليا، و نتلو عليكم آيات رحمته التي انزلها علينا بفضله بكرة و عشيّا، فألهمنا اللّه العظيم قوله الكريم الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ … فهذه الآية قضية امورنا التي جرت، و عنه الحال أسفرت، فكأنما انزلت في هذا الشأن، فما احتجنا معها إلي زيادة تفصيل و برهان، و في الساعة التي قدم الكذاب المزور بين يدي الامراء ظهر من فلتات لسانه أنه كذب و افتري، فما احتجنا في تكذيبه إلي شاهد يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعلمون:
و هبني قلت هذا الصبح ليل أيعمي العالمون عن الضياء؟
فلما عرضوا كلامه علي الآراء الشريفة برز التقدم المطاع لا زال نافذا بعرضه علي السيف علي ملأ من الناس و أنفذوا يديه إلي بغداد و إلي الروم الرأس، و نادوا في الأسواق هذا جزاء من يقدم علي عبيدنا المخلصين بالزور و الالتباس، فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد للّه رب العالمين.
و حيث نعرف التفات قلوب أهل بغداد حفظهم اللّه من كل سوء و فساد أنفذنا الأمير محمدا يبشر بطيبة نفوسنا ليعلموا خلو بالنا من كل ما يكدر بواطنهم و يشوش خواطرهم و يعلم أن كل ما يصل من خير و فضل هو بصالح دعاء أهل بغداد و حسن نيتهم و صفاء قلوبهم فليقابلوا هذه المراحم بإعلان الدعوات الصالحات لهذه الدولة القاهرة التي ما اندحض فيها حق و لا غلب فيها باطل و نحن و اصلون عقيب هذا إن شاء اللّه». انتهي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،
ص: 327
و وصل بعد ذلك شرف الدين بن اميران و الصاحب علاء الدين بعده.
و في هذه السنة التجأ إلي تتارقيا شحنة بغداد رجل يعرف بالمنجم ابن حسين و يلقب بالكيباية كان من دلالي العقار يتمسخر و يضحك بنفسه و يضحك عليه من يعاشره …
و كان سبب قربه من الشحنة التزامه بأحمد الشربدار. و هذا أحمد من أهل واسط يعرف بابن بقا أسر في الواقعة ثم خلص و خدم في بغداد في اسطبل اليام ثم صار يتولي عصر الشراب في شرابخانة الديوان فصار له قرب بالشحنة و التزام تام فأثرت حاله و اشتهر اسمه فشرع في البحث عن أحوال صاحب الديوان و عرف باطن حاله و ما يعتمده. ثم إنه اتفق هو و الكيباية علي أن نسبا أكابر أهل بغداد إلي مكاتبة سلاطين الشام باتفاق صاحب الديوان فتحدث الكيباية بذلك عند الأمراء و الحكام فأحضروا صاحب الديوان و جماعة من الأكابر الذين نسبهم إلي المكاتبة و استعادوا كلامه فقال أشياء كثيرة فطولب بالبرهان علي صحتها فلم يقدر علي ذلك. فلما شدد عليه و ضويق قال إني كاذب في كل ما قلته و الذي بعثني علي الكلام نصرة الدين ابن أرغش و أخوه و ولده فأحضروا و سئلوا عن ذلك فاعترفوا به و قالوا إن تتارقيا الشحنة وضع القائل علي ما قاله فأمروا بحبس الجميع و احضر ابن بقا الشربدار و سئل عن الحال فاعترف بها فسلم إلي صاحب الديوان فأمر بحبسه فحبس أياما ثم عمل له حجلة و سمر عليها و جعل علي رأسه مسخرة كان ببغداد يعرف بالموصلي يصفعه بنعل و يروحه به ثم يبول عليه و الناس يمدون الحجلة بالحبال في الأسواق و
الدروب في جانبي بغداد فأخذ في سب الصاحب و بسط لسانه فيه فنفذ إليه من قال له إن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 328
الصاحب قد عفا عنك و أمر بتخليصك من الحديد علي أن يقطع لسانك فإن آثرت ذلك فأخرج لسانك لنقطعه فأخرجه فوضعوا فيه مسلة فامتنع من الكلام. و ما زالوا يعذبونه بمد الحجلة و اضطرابها إلي آخر النهار ثم قطع رأسه و وضع مكانه رأس معز بأسلحته و طيف به و أحرق العوام جثته و رفع رأسه علي خشبة و طيف به.
ثم إن ابن أرغش أحضر رجلا من العرب و أعطاه كتبا ملصقة و أشار إليه ان يقول هذه سلمها إلي صاحب الديوان. فلما قال ذلك اخذ و حبس. أما الكيباية فإنه قال إن فخر الدين بغدي بن قشتمر كان أيضا من جملة الجماعة الذين اتفقوا علي المكاتبة مع ابن ارغش فأحضر و سئل عن ذلك فأنكر فوكل به فقال الكيباية إن العدل جمال الدين أحمد ابن عصية هو كان يكتب عن بغدي فأحضر و سئل فأنكر فوكل به.
ثم إن الصاحب عرف صدق العدل و براءة ساحته فأفرج عنه و خلع عليه و تقدم له بمال و لم يزل الكيباية و البدوي في السجن إلي أن توجه الصاحب إلي الأردو المعظم و أخذ بهما صحبته و قتلا هناك. و في هذه و سوابقها لسان حاله يقول: «و كم مثلها فارقتها و هي تصفر».
و في هذه السنة ظهر ببغداد صبيّان من الشطار يعرف أحدهما (بابن الحماس) و الآخر (بالتاج الكفني) و انضم إليهما جماعة من الجهال و قويت شوكتهم و انتشر ذكرهم فأعمل صاحب الديوان الحيلة حتي احضر ابن الحماس إليه و
عين عليه واليا في الشرطة فبقي علي ذلك أياما و استعفي فعفاه و جعله ملازما باب داره ثم أشار إليه بإحضار التاج الكفني فأحضره و طيب قلبه و جعله رفيقا له فكبس جماعة من اهل الحلة بباب الصاحب في بعض الليالي عليهما فلم يظفروا بهما و لا يمكن الصاحب من تحصيلهم.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 329
ثم إن قتادة نائب الشرطة حكي لصاحب الديوان عن ابن الحماس و الكفني أشياء من الفساد و التجري ء علي الناس و تكليفهم سرا و تخويفهم إن امتنعوا عن مساعدتهم فجمع بينهم و سئل قتادة عما قاله عنهما فقال أشياء أثبتها عليهما فأمر بقتلهما و طيف برأسيهما. فكبس علي قتادة بعض اصحابه فأمر صاحب الديوان بنبش جثتي ابن الحماس و الكفني و حرقهما.
و في هذه السنة عزل الملك ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي من الأعمال الواسطية و رتب بها فخر الدين مظفر بن الطراح.
و فيها أعيد صدر الدين محمد بن شيخ الإسلام الهروي إلي القضاء بالجانب الغربي من بغداد و تدريس المدرسة البشيرية فبقي علي ذلك مدة شهرين و أصبح ميتا فقال أكثر الناس إن ابنه خنقه. و كان قد ولي القضاء قبله و التدرس بالبشيرية ابن يونس الموصلي. و توفي بعد ذلك بشهور قليلة فقال زين الدين ابن الدهان:
اظن قاضي القضاة ايده اللّ ه إلي كردكوه ينتسب
إذ كل قاض يقضي إلي الجا نب الغربي يقضي و ماله سبب
يا صاحب الملك يا عطا ملك يا من به المكرمات تكتسب
ولّ الأعادي اللئام لجانب الغر بي فصل القضا و قد نكبوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 330
في هذه السنة رأي الناس في الليلة التاسعة من شهر رمضان بظاهر بغداد نورا متصلا بالسماء و في صبحها قال بعضهم إنه رأي قبرا فيه أحد أولاد الحسن بمحلة الهروية فانهال الناس لزيارته ثم شرعوا في عمارته و تواترت بعد ذلك أخبار العوام يرون المنامات و كثرة الظواهر و تحدثوا بقيام الزمني و المرضي و فتح أعين الأضراء و نقل قوم عن قوم أشياء لا أصل لها غير أهوية العوام و بطل الناس من معايشهم و أشغالهم بسبب ذلك فتقدم صاحب الديوان بنقل كل من يوجد له قبر إلي مشهد موسي ابن جعفر عليه السّلام ففعلوا ذلك و سكن العوام.
ثم حضر بعض من يدعي أنه علوي و زعم أنه رأي في منامه ما يدل علي ظهور قبر بعض أولاد الائمة عليهم السّلام بتل الزبيبة فانهرع العالم إليه فلما كشفوا التراب عنه وجدوا صبيا مقتولا و عليه قميص و في جيبه كعاب كان يلعب بها فعرفه بعض الناس و قال هذا ولدي و إني فقدته منذ أيام و ذكر فيه علامات فلما لمح بان صدقه و وجدوا عند رأسه صخرة عليها مكتوب هذا قبر عمر بن عبد اللّه فلما أخبر صاحب الديوان بذلك عزم علي قتل العلوي الذي اخبر به فسأله أكابر الناس الصفح عنه فأجابهم إلي ذلك و افتضح المشار إليه بين العالم و عرفوا قلة دينه و فساد عقله.
و هذه نقلها صاحب (غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة عن الغبار) بشكل آخر قال «ظهر ببغداد سنة 675 ه بتل الزبيبة و هي محلة من محال مدينة السلام قبر زعم جماعة أنه قبر عبد اللّه الباهر … و بنوا عليه الأبنية الجليلة و
وضعوا عليه ضريحا … و ها هو إلي اليوم من المشاهد المعتبرة و ليس بصحيح ما زعموه فإن عبد اللّه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 331
الباهر مات بالمدينة و دفن بها …
و دفن في داره و كان في مبدأ أمره يعمل في (الكلة) مع ارباب تنانير الآجر و هو الذي ينقل اللبن إلي التنور ثم يحطه بعد طبخه ثم ولع بالطيور الحمام فكتب في جملة البراجين بدار الخليفة ثم ترقت حاله إلي أن صار مقربا عند الخليفة يراسل به الوزير و يشاوره في الأمور و يعمل برأيه و لقب (نجم الدين) و رتب بعد واقعة بغداد خازنا بالديوان ثم نقل خازنا إلي الكارخاناه فبقي علي ذلك إلي أن مات.
ذكره صاحب عقد الجمان.
فسد الهواء في أكثر بلاد العجم و الموصل و بغداد و الحلة و الكوفة و واسط و البصرة و جميع نواحي العراق. فأصاب الناس السعال و كثر ذلك فيهم حتي صار الطباخون في الأسواق يعملون المزاوير حسب و غلا الماش و العدس و الحمص و السلق و دام ذلك شهورا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 332
نسب جماعة من أهل بغداد إلي ضرب الدراهم الزيوف فأخذ بعضهم و ضرب فأقر علي جماعة منهم نجم الدين حيدر بن الايسر و كان من أعيان المتصرفين و أمر الصاحب بقطع ايدي جماعة منهم ابن الاخضر كان ينقش السكة، و قرر علي ابن الايسر مالا فأدّاه.
انقطعت الغيوث في هذه السنة و غلت الأسعار و تعذرت الأقوات و مات أكثر المواشي.
تمت عمارة جامع الخليفة و كانت قد سقطت في شهر رمضان سنة 670 ه و هذا هو المعروف بجامع الخلفاء و قد سبق الكلام عليه و الآن أعيد بناؤها بإتقان و هي المعروفة بمنارة سوق الغزل و قد أشير إلي النقل عن تاريخ الغياثي و اسمها لا يزال معروفا بالسوق المجاور لها (الايكجية) و هو سوق الغزل أو المغازل … و لا يزال سوق الغزل و المغازل معروفا إلي اليوم … و الجامع كان كبيرا فصغر …
و كملت عمارة الشيخ معروف الكرخي بالجانب الغربي من بغداد علي شاطي ء دجلة أمر بعمارته شمس الدين محمد ابن الجويني صاحب ديوان الممالك. و كان قد خرب لما غرقت بغداد سنة 653 ه. كذا في التاريخ المعروف بابن الفوطي مع أن المشهور إلي اليوم أنه خارج البلد من جانب الكرخ …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 333
فدفنت في التربة التي انشأتها مجاور مدرستها المعروفة بالعصمتية ظاهر بغداد عند (مشهد عبيد اللّه) و كانت كثيرة الصدقات و الإحسان و المبرات كانت تحب أهل بغداد و تري مصالحهم و تقوم في حوائجهم و تساعدهم. كانت أولا لأبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم باللّه و هي والدة ابنته رابعة التي تزوجها الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد ابن الجويني. و رابعة هذه لها من هارون ثلاثة أولاد زبيدة و الأمين و المأمون … و زبيدة هذه سيأتي الكلام عليها في حوادث سنة 706 ه عند وفاة ظهير الدين محمد بن الحسن الصرصري زوجها …
و لشمس الضحي من علاء الدين بنات إحداهن زوجة الشيخ صدر الدين الجويني …
و كان ملكا بأصفهان ظالما سيي ء السيرة متفننا في الظلم جدد القتل بالقنارة التي كان وضعها البساسيري في ايامه و قد نسيت لطول العهد بها.
كان قد ولي نهر ملك فالتقاه جماعة من المغول و معه نفر قليل من اصحابه فقتلوهم و كتفوه و ألقوه في دجلة فسار نحو فرسخ فوجده بعض صيادي السمك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 334
فأخرجه و به رمق و كان الزمان شتاء فدثروه و حملوه إلي المدائن فعاش بعد ذلك عدة سنين و ظهر عليه رمد فكان سبب وفاته.
و في هذه السنة حج جماعة من العراق و عادوا سالمين.
في هذه السنة اتصل مجد الدين اليزدي الذي كان ينوب عن عماد الدين القزويني ببغداد بعد فتحها بالسلطان (أباقاخان) و تحدث في الصاحبين شمس الدين و علاء الدين فرتبه مشرفا (في جميع الممالك) و عين بها نوابا و كانت علامته مشرف الممالك.
و في هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمل جسر و حمله إلي تستر مكملا بسلاسله و آلاته فنصب تحت البند عند دزدبول.
و في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد و اشتد الغلاء و انسلخ العام علي ذلك.
و فيها دخل تاج الدين عمر الهمذاني كاتب الكارخانة إلي علاء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 335
الدين صاحب الديوان و بين يديه مسخرة اسمه علي فادعي علي المذكور بمال فأنكر ذلك فقال للصاحب لي عليه بينة ولي فيه علامة و قد كنت طالبته من قبل فجحد فلكمته و كسرت بعض أسنانه فتقدم إليه ان يريني فمه فلما فتح فاه لطمه المسخرة بدقيق كان في يده فطار في خياشيمه فاختنق في الحال.
هو الشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني صاحب شرح نهج البلاغة. كان من العلماء المبرزين في فنون عديدة، و شهد له النصير الطوسي بالتبحر في الحكمة و الكلام … صنف شرح نهج البلاغة للصاحب الخواجة عطا ملك الجويني. كان ورد بغداد و من مصنفاته شرحه الصغير علي نهج البلاغة، و كتاب الاستعانة، و كتب النجاة في الإمامة، و كتاب شرح الإشارات للشيخ علي بن سليمان البحراني و هو استاذه مات في البحرين سنة 679 ه في قرية هلتا من قري الماخونة و قبر جده ميثم في قرية الدونج.
في هذه السنة قدم السلطان آباقاخان إلي بغداد. و كان قد ارسل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 336
أخاه منكوتمر وعدة من الجند في آخر السنة الماضية إلي الشام حيث كاتبه سنقر الاشقر يسأله انفاذ جيش ليأخذ به الشام و مصر و كان الاشقر المذكور قد حارب الملك المنصور الألفي فجهز عليه الألفي ستة آلاف فارس مقدمهم أيبك الحلبي فلما قرب من دمشق خرج سنقر الاشقر لقتاله في اثني عشر الفا فالتقوا و اقتتلوا ساعة فانهزم اصحاب الاشقر.
و مضي الاشقر في خواصه إلي عيسي بن مهنا بنواحي الرطبة فأقام هناك و راسل السلطان أباقاخان، فجهز إليهم خمسين ألف فارس جعل عليهم أخاه منكو تمر فدخل بهم الشام أما الاشقر فإنه لما بلغه مسير منكو تمر إليه ندم علي ما فرط منه و أخذ عياله و أصحابه و لحق بقلعة صهيون و تحصن بها. فنزل منكوتمر علي الرطبة و حصرها مدة أربعين يوما و لم يحضر سنقر الاشقر إليه و تحصن بقلعة صهيون. فلما رأي ذلك بالغ في القتل و النهب و الخراب. ثم سار
يريد دمشق فخرج الألفي منها في جيوشه و نزل إليه سنقر الاشقر من القلعة و سار معه فالتقوا بالقرب من حمص و اقتتلوا فانهزمت المغول و قتل منهم خلق كثير و عادوا إلي بغداد ثم انحدروا إلي السيب و أطراف بلاد واسط فنهبوا من الاعراب المفسدين خلقا كثيرا و عادوا إلي بغداد و معهم الاسري و الأموال …
و نزل من الجيش في هذه السنة خلق كثير في الأدؤر ببغداد و أخرجوا أهلها منها و قبض السلطان علي علاء الدين صاحب الديوان و أصحابه و نوابه و أتباعه و سلم الصاحب إلي (مجد الملك) فاستوفي منه أموالا كثيرة و بيع من اعلاقه و أسبابه جملة طائلة و دوشخ و ألقي تحت
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 337
(دار المسناة) التي بأعلي بغداد علي شاطي ء دجلة مكتوفا عليه قميص واحد و كان البرد شديدا جدا و ضرب خواصه و خدمه و أتباعه و استوفيت الأموال منهم.
و كان قد انضم إلي مجد الملك في الرفع علي الصاحب علاء الدين رجلان نصرانيان احدهما من بيت الجمل بغدادي اسمه عبد اليشوع و الآخر من ماردين اسمه يعقوب. و قالا فيه قولا كثيرا و كشفا من أحواله و أموره أشياء.
و قد حكي علاء الدين ذلك كله مفصلا في رسالته (تسلية الإخوان) و بين الإهانات من ضرب و قيد و تحكم فيه ما يقشعر منه بدن الإنسان إلا أنه أفرج عنه في 4 رمضان لسنة 680 ه و بهذا التاريخ ختم رسالته المذكورة …
أما السلطان فإنه توجه إلي بلاد الجبل. فلما وصل همذان مرض فعهد بالملك إلي ابنه ارغون و كان بخراسان و اشتد مرضه فتوفي في ذي الحجة فسارت الرسل إلي أخيه (منكوتيمور) بالخبر فصادفوا الرسل من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 338
اصحابه تخبر السلطان آباقاخان بوفاته و هذا من غريب الاتفاق و كانت وفاته بسبب انهماكه في الشرب في مرض هذيان السكاري. و في دائرة المعارف الإسلامية أنه توفي في أول نيسان سنة 1282 م.
قد مر من الوقائع ما ينبي ء عن ناحية من حياته و قد كتب عنه مؤرخون كثيرون من معاصريه فمنهم من أوضح وقائعه في سورية و بلاد الروم مثل ابن العبري، و منهم من بسط القول عن وقائعه في العراق كالتاريخ المنسوب للفوطي، و منهم من اشبع وقائعه و فصلها عن حوادث المغول و القفجاق كالخواجة رشيد الدين، و وصاف و كانت طاحنة جدا … و قد أوضحت دائرة المعارف الإسلامية علاقاته مع الغربيين كما أن البستاني و صاحب شجرة الترك قد بينا وقائعه بصورة عامة …
و من هذه كلها أو مجموعها نحصل علي فكرة صادقة و صحيحة عن حياة هذا السلطان …
و حاصل ترجمته أنه ولي الحكومة لمدة ثماني عشرة سنة في خلالها قام بأعمال كبري من اصلاحات كتخفيض الضرائب. و من حروب كبري أهمها انفصاله عن حكومة المغول الاصلية و وقائعه مع القفجاق، و اتخاذه الوسائل السياسية المهمة للانتصار علي سورية و مصر فأنشأ علاقات مع الغربيين ففي سنة 673 ه (1274 م) وصلت وفوده إلي ليون و في سنة 1277 م إلي روما فنالوا مكانة لدي الغربيين و من ثم راسله كل من ادوارد الأول ملك انكلترا عام
1274 م و البابا كلمنت الرام سنة 1267 م و غريغوار العاشر (1274 م) و نقولا الثالث (1277 م) و مع كل هذا لم يتمكن من الانتصار علي حكومات مصر و سورية بل خذل في بعض هذه الحروب بمخذولية كبري … و كان قد تزوج ابنة ملك القسطنطينية التي كان ابوه خطبها و توفي قبل وصولها إليه فبني بها آباقا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 339
خان سنة 1265 م و كان في أيامه و أيام والده علماء كثيرون ذاع صيتهم مثل الخواجة نصير الدين الطوسي و غيره. و قد مضي ذكر جماعة من المؤرخين و العلماء في العراق كما أنه سيأتي القول عن الباقين في بغداد و سائر انحائها فلا تزال بقايا رجال العباسيين و علمائهم و من تلقي العلوم عنهم في العراق و في خارجه … و قد رأي العلماء توجها زائدا و حماية كبري بسبب شمس الدين الجويني و أخيه علاء الدين … إلا أن هؤلاء رأوا نكبة في أواخر أيامه بوشاية من مجد الملك اليزدي الذي توصل إلي ارغون بها …
و في البستاني أنه توفي يوم الأربعاء 20 ذي القعدة بخلاف ما جاء عن الفوطي.
و قال الفوطي عنه إنه كان عمر السلطان آباقاخان نحو خمسين سنة … و كان عادلا حسن السيرة محبا لعمارة البلاد، و لا يري سفك الدماء، عفيفا عن أموال الرعية و في الشذرات له ترجمة مختصرة و سماه (أبغا). و لا يسع الكلام فيما يتعلق بالعراق بأكثر من هذا …
و في هذه السنة عمر ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي رباطا للفقراء في مشهد سلمان الفارسي رضي اللّه عنه و أسكن فيه جماعة و وقف عليه قري
بواسط وعدة مواضع ببغداد.
توفي مجد الدين صالح بن الهذيل بواسط و كان عمره نيفا و ستين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 340
سنة و كان جوادا كريما ذا معرفة و كفاءة و مروءة من أكابر المتصرفين بواسط و غيرها خدم بها نائبا في ديوانها في زمن الخليفة و رتب بعد واقعة بغداد صدرا في نهر ملك و نهر عيسي ثم نقل إلي صدرية واسط و لقب (بالملك) ثم اخذ و دوشخ و طولب بأموال واسط و استوفي منه جملة كبيرة و بيعت أملاكه و أسبابه، ثم رتب بعد ذلك حاكما في إربل، ثم عزل و رتب صدرا في طريق خراسان ثم اخذ و خزم انفه و طيف به ببغداد ثم رتب بعد ذلك ناظرا بقوسان. ثم عزل فرتبه شمس الدين محمد بن البروجردي نائبا عنه في ديوان واسط و فوض إليه تدبير الأعمال فبقي علي ذلك إلي أن توفي شمس الدين المذكور و أعيد فخر الدين ابن الطراح إلي صدرية الأعمال الواسطية فرتبه علاء الدين صاحب الديوان مشرفا عليه فبقي إلي أن توفي …
علي بن محمد بن حسن بن نبهان بن سند اليشكري الربعي البغدادي الأصل البصري المولد، الشاعر المنجم، ولد سنة 575 ه و توفي سنة 680 ه كانت له اليد الطولي في علم الفلك و حل التقاويم مع النظم و حسن الخط. و كانت وفاته بدمشق. و له شعر أورده صاحب فوات الوفيات.
(نسبة إلي كواشة قلعة بالموصل) و هو أبو العباس أحمد بن يوسف الشيباني الموصلي الشافعي. ولد بكواشة سنة 591 ه كان منقطع القرين … و له تفسير صغير و كبير. أخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي و غيره. توفي في 17 جمادي الآخرة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 341
مسند العراق شهاب الدين أبو سعد محمد بن يعقوب ابن أبي الفرج البغدادي. و في تذكرة الحفاظ ورد أنه ابن أبي الدثنة. ولد سنة 589 ه. ولي مشيخة المستنصرية إلي أن توفي في 18 رجب.
كان قد سمع وحدث بالموصل، و تفقه بدمشق علي الحصيري.
مات سنة 680 ه و هو أخو عبد اللّه بن محمود المذكور في صحيفة 374 باسم عبد اللّه بن بلدجي.
عبد العزيز بن الحسين بن الحسن بن إبراهيم بن سنان بن موسي ابن حسن بن بشر بن إبراهيم التميمي الداري، أبو محمد المنعوت بالمجد المعروف بابن الجليلي. سمع ببغداد سنة 620 ه و بعدها من الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي كتاب عوارف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 342
المعارف … و من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه … و محمد ابن النفيس بن عبد الوهاب بن سكينة و محمد بن النفيس بن عطاء و عمر ابن كرم، و الأنجب الحمامي. توفي سنة 680 ه.
إن السلطان آباقاخان كان قد توفي بالوجه المذكور آنفا و لم تتفق الآراء علي من يخلفه و حينئذ اجتمع الأمراء و الصاحب شمس الدين الجويني علي رفع ارغون عن التخت و تسليمه إلي أحمد و هذا اسمه في الأصل تكودار ابن السلطان هلاكو خان و قد أسلم فجعل اسمه أحمد و هو أول من اسلم من أولاد هلاكوخان. و من ثم اطلقوا الصاحب علاء الدين من الاعتقال و اعتقلوا مجد الملك اليزدي و بعثوا الرسل (الايلچية) إلي بغداد للقبض علي الأمير (علي جكيبان)، و (صفي الدولة ابن الجمل كاتب السلة) و غيرهما، ثم ساروا إلي الطاق ليجلسوا السلطان أحمد علي التخت فوصلوا إليه و أجلسوه علي تخت الملك في 16 المحرم قال في الشذرات: اسلم و هو صبي و يسر له قرين صالح و هو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا و سعي في الصلح …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 343
و لما استقر في الحكم أمر بتفريق الأموال المدخرة في الخزائن علي أهل بيته و علي الأمراء و أعاد الصاحبين شمس الدين و
علاء الدين إلي منصبهما و سلم مجد الملك إلي الصاحب علاء الدين فقتله في يوم الاربعاء 7 جمادي الأولي سنة 681 ه علي ما جاء في جامع التواريخ و قد حكي علاء الدين الجويني ما جري بالوجة المتقدم فلم تكن امارة مجد الملك إلا مدة يسيرة فناله جزاء غدره … و مجد الملك هذا هو ابن صفي الدين اليزدي. و كان قد انتسب إلي بهاء الدين بن شمس الدين الجويني في اصفهان ثم توصل إلي ان استخدم لدي شمس الدين الجويني إلا أنه رأي منه ما يكره فاضطر أن يعود إلي يزد، ثم ذهب إلي اصفهان و عاد إلي بهاء الدين ثم صار إلي شمس الدين فأرسله إلي بلاد الروم. و كان رجلا مفسدا اتخذ الوسائل للقضاء علي آل الجويني، فلم يدخر وسعا في الوقيعة بهم … و في آخر مرة توصل إلي ارغون بواسطة أحد المقربين من أمرائه و هو (اباجي) و فعل فعلته … !
و في كلشن خلفا أنه أغري بقتله فقتله قتلة شنيعة فولي ذلك شرف الدين هارون ابن أخيه و حملت أطرافه إلي البلاد و سلخ رأسه و حمله إلي بغداد و شوي الخربندية لحمه و أكلوا منه و شربوا الخمر في قطعة من رأسه … و انتقم منه.
ثم إن السلطان أحمد ارسل القاضي قطب الدين محمود الشيرازي إلي الملك المنصور الألفي رسالة خلاصتها: إن اللّه تعالي حبانا بالايلخانية و أمرنا بالعدل و حقن الدماء فإن اردت الموادعة فنحن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 344
هلاكو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 345
نكف عسكرنا عن قصد بلادك و نفسح للتجار في السفر كيف شاؤوا آمنين فإن فعلت ذلك و إلا
فعين للقتال موضعا و اعلم أن اللّه يطالبك بما يسفك بيننا من الدماء فسار قطب الدين فلما وصل البيرة سير إلي مصر و لم يدخل الشام و أدخل إلي الألفي ليلا فوقف بين يديه و أدي الرسالة فقال له الترجمان نحن نجيب إلي ذلك و أمر في الحال بإنشاء الكتب إلي سائر البلاد ليتمكن التجار من السفر، ثم أذن لقطب الدين في العود و أمر له بمال و أعيد إلي البيرة.
ثم توجه علاء الدين نحو العراق. فلما وصل اشني بلغه أن أرغون سار من خراسان لما بلغه وفاة أبيه السلطان آباقاخان يريد العراق.
فأقام في اشني فأنفذ الكرزدهي و الجلال بخشي و نجم الدين الأصغر و مجد الدين ابن الأثير و جماعة من أصحابه و معهم راس مجد الملك و كتب معهم كتابا.
و هذه صورته: «من صاحب الديوان أضعف عباد اللّه تعالي.
أما بعد حمد اللّه منقذ العباد من الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 346
السلام عليكم يا أهل بغداد! أهل الوفاء و الوداد. أردنا أن نعرفكم حيث نعرف منكم صدق المحبة و حسن الصفاء و الاعتقاد و نطلعكم علي ما يرد من جانبنا من بلوغ المرام و المراد و ما أسفر الحال من جلية الأمور فيدخل بها بعد الترح علي القلوب و الصدور ايراد الفرح و السرور فألهمنا إلهام الصدق و الصواب ما قاله اصدق القائلين في محكم الكتاب: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ. وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ فأغنانا عن الجمل و التفصيل، و كفانا تعب الاطناب و التطويل، و ستسمعون من العين و الرأس ما لا ريب فيه و لا التباس. و تبيان ذلك ما عرضنا بذكره من حال المسكين المنبوز بمجد الملك الذي أورده سوء نيته و فساد سريرته مورد الهلك فرحم اللّه امرأ عرف قدره و لم يتعد طوره. وفقنا اللّه تعالي للقيام بشكر الائمة الصمدانية الأحدية، و دعاء الدولة القاهرة الايلخانية الأحمدية، التي نشرت ألوية الشريعة المحمدية و بسطت يد العدل في الارضين، و كفت عن البلاد و العباد أكف أمثاله
من الظالمين، و الحمد للّه رب العالمين. و قد نفذ ملك الأمراء و النواب جلال الدين و الصدر فخر الدين الكرزدهي و النوكرية ليشافهوكم بما شاهدوا من نعم اللّه تعالي التي تدور علينا من قديم كؤوسها و الانعام الصادر عن الحضرة الشريفة الايلخانية التي طلعت من أفق الميامن شموسها. أعز اللّه سلطانها و أعلي في الخافقين شأنها» ا ه.
و كان وصولهم بغداد في رجب و قري ء هذا الخط في جامع الخليفة قرأه جلال الدين بن عكبر الواعظ و طيف براس مجد الملك في بغداد و شوارعها. ثم دخلوا دار مجد الملك و نهبوا ما كان بها.
و قبضوا علي صفي الدولة ابن الجمل كاتب السلة و أصحابه و نهبوا داره و طلبوا الامير علي جكيبان فلم يوجد. و كان قد اتصل به الخبر فانهزم و كان قد وصل مع الجماعة فخر الدين عبد العزيز ابن النيار و في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 347
حلقه طوق من حديد فوكلوا به في داره. و كان معهم أيضا صبي مثقل بعتلة من اهل إربل كان يخدم دلالا في العقار يعرف بعلوش كان قد ادخل نفسه في الشنقصة و اذي الناس، و عبد يشوع و يعقوب النصرانيان اللذان تقدم ذكرهما. كانا قد خدما مع مجد الملك و تجردا للقول في صاحب الديوان و أكثرا من ذلك فطيف بهم في بغداد عراة و العوام يصفعونهم و يضربونهم بالآجر. ثم قتلوا بقية اليوم و جر العوام جثتهم و أحرقوهم بباب قلاية النصاري.
ثم وصل الامير منصور ابن الصاحب علاء الدين و أخوه مظفر الدين و نجم الدين الاصغر و معهم رأس النجم الدلال المعروف بالكيباية. و قد سبق ذكر ما وقع منه،
من القول في الصاحب ففرح أهل بغداد بوصولهم و علق رأس الكيباية بباب النوبي. و كان قتله في إربل.
ثم إن الامير منصور اخرج فخر الدين النيار من السجن ليلا و قتله في النوفلية ظاهر بغداد فأصبح الناس و وجدوه مقتولا و كان شابا مليح الصورة اتصل بمجد الملك و خدمه، و قال في صاحب الديوان أشياء كثيرة. و كان قبل ذلك قد اخذه الصاحب و ضربه ضربا عظيما. و سبب ذلك ما بلغه عنه من الزيادة في الكلام و الغيبة و أنه كان في جماعة منهم رجل من أهل الحلة يعرف بابن الدربي و جري بينهم حديث نجم الدين بن الدرنوس و حكمه في زمن الخليفة، و إن نجم الدين الاصغر قد استولي في هذه الدولة كما استولي هو فأنشد ابن الدربي أبياتا لنفسه و هي:
نجمان كل منهما في بلدة لا ناصح فيها و لا مأمون
و كلاهما ساسا العراق فذاك قد كان الخراب به و ذا سيكون
إن كان تأثير الكواكب هكذا هذا جنون و الجنون فنون
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 348
فأمر الصاحب بتحصيل الجماعة فاختفوا أياما و أمسك الصاحب عنهم و استمر حكم نواب الصاحب علاء الدين في بغداد شهورا من السنة.
ثم اختلت الأحوال و اضطربت الأمور و توفي نجم الدين الاصغر نائبه في بغداد في شعبان و توفي بعده الصاحب في ارّان (مغان) في 4 ذي الحجة و حمل إلي تبريز فدفن بها، و أن السلطان أحمد نصب ابن أخيه الخواجة هارون ابن شمس الدين مكانه.
و قد اختلفت الأقوال في تاريخ وفاة علاء الدين الجويني سواء في كشف الظنون أو في أبي الفداء و ابن الفوطي و جماعة من المؤرخين و
المعول عليه ما ذكرناه من تاريخ الوفاة فإنه موافق لما جاء في وصاف و جامع التواريخ و هما من المعاصرين … و يعزي سبب وفاته إلي ما أصابه من تأثر لما قام به ارغون من القسوة بنوابه ببغداد حتي أنه امر أن ينبش نجم الدين الاصغر من قبره و يرمي في قارعة الطريق … بقصد الإهانة …
هو علاء الدين عطا ملك بن محمد بن محمد الجويني صاحب ديوان خراسان أخو الصاحب شمس الدين كان قد ولد في 10 ربيع الأول سنة 623 ولي العراق 21 سنة و شهورا. و كان عادلا حسن السيرة اديبا فاضلا. جمع تاريخا للمغول سماه (جهانگشاي) و يعرف بجهانگشاي جويني و له رسائل جيدة منها (تسلية الإخوان) و ذيلها و أشعار حسنة.
كان له الحل و العقد- كما لأخيه- في دولة آباقا، و نال من الجاه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 349
و الحشمة ما يجاوز الوصف. و قد مرّ من وقائع بغداد ما يتعلق به أيام ولايته عليها. و في سنة 680 ه قدم بغداد مجد الملك اليزدي فأخذ علاء الدين و غله و عاقبه و أخذ امواله و املاكه و عاقب سائر خواصه بتهمة نهب أموال الدولة و اخفائها فصادروا كل ما ملك و تحروا عن جميع ما عنده و رموه بالممايلة إلي حكومة سورية و الاتفاق معها، و أن المغلوبيات و الوقائع علي المغول جرت بسببه … و اختلقوا عليه أمورا كثيرة …
و لعل العلاقة الصهرية بالبيت العباسي مما قوي التهمة و أيد القول …
ثم إن السلطان أحمد اطلقه و أعاد له سلطته فتمكن من الوقيعة بمجد الملك اليزدي و من معه … و اختفي البعض من مناوئيهم
و هرب …
فلما ملك ارغون اختفي الاخوان و توفي علاء الدين بعد الاختفاء بشهر سنة 681 ه و قد ذكر الذهبي أن علاء الدين في ولايته علي بغداد قد عمر ما خربه المغول، و أزال عنهم ما نالهم، و أعاد إلي بغداد … عمارتها، و راحتها … و سعي سعيا بليغا لذلك و كذلك في تاريخ و صاف و عد من عماراته أنه أجري نهرا من قصبة الانبار إلي النجف الأشرف و صرف له مبالغ وافرة قدرها بمائة الف دينار ذهبا فتأسست عمارات و قري في جانبيه و عددها مائة و خمسون قرية فانقلبت تلك الأراضي القاحلة إلي مزارع متصلة … هذا عدا ما مر بيانه. و الظاهر أن النهر المذكور هو المعروف اليوم ب (كري سعده). كما أنه أسس رباطا في النجف و قد مر القول عنه … و قال صاحب فوات الوفيات:
«كان علاء الدين و أخوه فيهما كرم و سؤدد و خبرة بالأمور و عدل و رفق بالرعية و عمارة للبلاد. و بالغ بعض الناس فقال كانت بغداد أيام الصاحب علاء الدين أجود مما كانت أيام الخليفة. و كان الفاضل إذا عمل كتابا و نسبه إليهما تكون جائزته ألف دينار. و كان لهما إحسان إلي العلماء و الفضلاء. لهما نظرة في العلوم الادبية و العقلية.
و قد مرّ البيان عن بعض شعره و ما رثاه به أخوه شمس الدين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 350
الجويني عند الكلام علي المراجع التاريخية …
و أكبر اثر له التاريخ المعروف ب (جهانگشاي جويني) و هذا التاريخ قد اخذ عنه مؤرخون عديدون و بين هؤلاء ابن الطقطقي و إن لم يصرح بالنقل عنه.. و هو خير صفحة كاشفة
عن المغول بقلم أحد ولاة بغداد و مؤرخيها و قد مر بنا أن وصفنا الكتاب في المراجع التاريخية و كنا نأمل أن يدون عن قطرنا أيام حكومته فيكون اساسا لغيره خصوصا جرت وقائع مهمة تدعو للبحث و التدقيق عن صفحة خفية و إن كان تاريخه عاما يتعلق بالحكومة الاصلية … و المؤرخون مثل و صاف و إن كان يعد بمثابة ذيل لهذا التاريخ إلا أنه لم يكن صادرا من أهله، و ذو صلاحية في التدوين …
و علي كل فقد جمع المؤلف بين السياسة و العلم و تدوين الوقائع و الدوبيت المذكور سابقا يعين علاقته بهذا المحيط و حبه له رغم تظاهره بأنه كلف بحاضرة الأتراك و ما فيها من جمال و يكفي للدلالة علي ذلك أنه لم يشأ ان يبرح العراق و يفارق بغداد … و الأهلون محبون له و راغبون فيه علي خلاف ما رأوه من سائر أمراء العجم ممن سيجي ء القول عنهم … و قد قال صاحب الشذرات عنه أن امر العراق كان راجعا إليه فساسه أحسن سياسة. طلب في هذه السنة (سنة 683 ه) فاختفي و مات في الاختفاء. و الصحيح عن وفاته ما أسفلنا.
و كان قد تزوج بنته الإمام الجليل و الصوفي الزاهد الشيخ صدر الدين أبو المجامع ابراهيم ابن الشيخ سعد الدين محمد ابن المؤيد بن أبي بكر بن محمد ابن حمويه الجويني الشافعي. و هو الذي اسلم علي يده السلطان غازان بمساعدة من امير نوروز فتابعه المغول في اسلامه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 351
فدخلوا افواجا في الدين الإسلامي و نال أيام هذا السلطان حرمة عظمي و توفي سنة 722 ه.
و الحاصل، نري أكثر المؤرخين يلهجون بالثناء علي
علاء الدين و ما جاء في وقائع العراق من التنديد به من بعض المغرضين فإنه ناشي ء عن عداء و حزبية و إلا فإن الأهلين حينما سمعوا برجوعه إلي بغداد أيام السلطان أحمد سمع لهم دوي فرح و سرور بل عيد و ابتهاج … و كان يرعي العلماء و يلحظ المدارس … و قد مدحه شعراء كثيرون بينهم سعدي الشيرازي، و مما مدح به من عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيسابوري:
عطا ملك عطاؤك ملك مصر و بعض عبيد دولتك العزيز
تجازي كل ذي ذنب بعفو و مثلك من يجازي أو يجيز
و نسبها الفخري إلي ابن الكبوش البصري توصلا لذم قائلها و لذم علاء الدين للغضاضة القديمة بينهما …
أما ارغون فإنه لما بلغه وفاة أبيه السلطان آباقاخان أقبل من خراسان فاتصل به جلوس السلطان أحمدخان علي التخت فتمم المسير إليه و حضر عنده.
ثم رحل إلي بغداد فدخلها في شعبان و الأمير علي جگيبان بين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 352
يديه و استنقذ صفي الدولة ابن الجمل كاتب السلة من اصحاب علاء الدين صاحب الديوان و خلصهما مما كانا فيه …
ثم أمر بعمل حساب العراق فعمل و تخلف علي الضمناء شي ء كثير فطولبوا به و ضويقوا عليه. و ألزم أهل بغداد بالمساعدة. و أحضر قاضي القضاة عز الدين الزنجاني و قرر عليه و علي العدول عشرة آلاف دينار و استوفي ذلك بالعسف و كان كل من اختفي من الناس نهبت داره و بيع ما فيها و ألزم نواب الأعمال الحلية و الواسطية و البصرية و غيرهم بمثل ذلك.
ثم طولب اهل بغداد بأجرة املاكهم عن ثلاثة أشهر فاستوفي من اكثرهم ثم تقدم باعفاء الناس كافة. ثم عاد
إلي خراسان في الربيع.
الغزو علي بغداد و نهب ما يتيسر نهبه و القسوة بالناس صار معتادا فكأن المدن العراقية خلقت لإعاشة الأشخاص الملقبين بالسلاطين و بالأمراء فلم يلتفت إلي حالهم و لم ينظر إلي ضرورة عمارة المملكة و تفقد أحوال اهلها و ضعفائها و النظر في مصالح القوم و راحتهم …
و لم يعلم حقيقة حاله و أتهم به أولاد كديدا فوجد سنة 686 في بئر داره التي في مدرسة جده. و عرف بخاتم كان في يده.
حكي بعض اصحابه أنه رآه في المنام بعد فقده بثلاثة أيام فسأله عن حاله فقال له يضرب المثل بمن يده تحت الرحا فكيف بمن حصل كله تحت الرحا.
مدرس
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 353
الحنابلة بالمستنصرية و كان عالما، فاضلا، و رعا، زاهدا … جلس للوعظ بباب بدر في زمن الخليفة و بقي علي ذلك إلي واقعة بغداد، ثم جلس في جامع الخليفة و استمر إلي أن مات و كان له قبول عند العالم.
ولد هو و الشيخ جلال الدين في يوم واحد و ماتا في يوم واحد.
. و كان فاضلا عالما تولي القضاء بمصر و الشام و له مؤلفات جليلة منها و فيات الاعيان من اشهر الآثار ولد في 11 ربيع الآخر سنة 608 بإربل.
الضرير النحوي المقري ء الحنبلي الفرضي كان شيخ القراء ببغداد ولد 7 رجب 606 ه بالقصص من أعمال بغداد، انتفع به الناس في العربية و القراءات و الفرائض و اللغة و في الذهبي أنه توفي سنة 682 ه.
محمد بن محمد بن محمود بن النجيب الواسطي الشرقي أبو البدر بن أبي طالب الشافعي المعدل كمال الدين نزيل بغداد. سمع من أبي بكر محمد بن مسعود ابن بهروز، و من أبي بكر محمد بن سعيد بن الموفق الخازن. حدث، سمع منه أبو العلاء الفرضي. و قال: كان شيخا فقيها عالما فاضلا عدلا. سمع بواسط جماعة و قدم بغداد في سنة 625 ه و تفقه بالمدرسة النظامية. ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 354
و قال ابن الفوطي لم أسمع منه شيئا و أجازني جميع مسموعاته مولده سنة 603 ه و توفي في 3 ذي الحجة سنة 681 ه و صلي عليه من الغد بجامع القصر الشريف و دفن بمشهد باب التبن بمقابر قريش غربي بغداد.
علي بن أبي بكر بن الكردي الشهرزوري، أبو الحسن البغدادي … شيخ صالح عمل علي طريقة السلف الصالح. قليل الكلام، كثير التلاوة، دائم الفكر.. قدم بغداد في صباه … مولده في شهرزور سنة 612 ه و توفي سنة 682 ه.
في رجب من هذه السنة وصل شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد ابن الجويني صاحب ديوان الممالك إلي بغداد. و قد فوض إليه تدبيرها و جعل (صاحب ديوانها) علي قاعدة عمه علاء الدين فاستبشر الناس بقدومه و حضر الشعراء بين يديه و أنشدوه المديح. فمما قاله جمال الدين ياقوت المستعصمي الكاتب:
الحمد للّه قد مضي الترح و قد أتانا السرور و الفرح
و جاء صرف الزمان معتذرا فكل ذنب جناه مطرح
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 355
لا تعيبوا الدهر بعدها فبنو الدهر و أحداثه قد اصطلحوا
لئن عراهم من صرفه محن لقد تلتها الهبات و المنح
و قد أتاهم بكل ما طلبوا منهم و وافاهم بما اقترحوا
فهمهم بعد ضعف همته يبدو عليه النشاط و المرح
***
و كل حزب يسر حزبكم يربح في سعيه الذي ربحوا
إن ينج من بطشكم بجثته جان فلم ينج قلبه القرح
أو يتخلف من العدي شبح فسوف ينزاح ذلك الشبح
يا شرف الدين و الذي شرفت بمدحه المادحون و المدح
ما خلق اللّه من عطا ملك بابا لملك عليك ينفتح
آنست بغداد بعد وحشتها فصدرها باللقاء منشرح
قد جليت بعد طول عطلتها و زينتها القباب و الملح
فدم لأهل العراق ملتجأ تأسو بجدوي يديك ما جرحوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 356
و ابق مدي الدهر ما بدا قمر و ما دنا بالإياب منتزح
و عين شمس الدين زرديان نائبا عنه.
خلع علي القاضي بدر الدين علي بن محمد بن ملاق الرقي و فوض إليه أمر القضاء بالجانب الغربي إضافة إلي ما كان يتولاه (من الحسبة) بجانبي بغداد و التدريس بمدرسة سعادة، و عين الشيخ نصير الدين عبد اللّه ابن عمر الفاروثي مدرس الشافعية بالمدرسة المستنصرية و سلك طريقة عمه في
تدبير العراق.
و وصل بعده نظام الدين عبد اللّه ابن قاضي البندنيجين و قد رتب كاتب السلة بالديوان.
أحضر مجد الدين محمد ابن الأثير و طالبه الوزير بما وصل إليه من أموال الديوان و دوشخ و وكل به أياما كثيرة و استوفي منه مقدار خمسين ألف دينار. ثم وصل في المحرم سنة 83 من طلبه إلي الاردو و أعيد عليه كل ما اخذ منه ثم ندب للنيابة عن الخواجة شرف الدين هارون فأجاب إلي ذلك و عاد إلي الحكم في الديوان علي ما كان عليه فبقي علي ذلك مدة شهرين. ثم اخذ و طوق بالحديد و ضويق و طولب بمال كثير و استوفي منه مبلغ مائة ألف دينار و حمل إلي الاردو.
و في هذه السنة ألزم التجار ببغداد بالقرض و المساعدة و ضويقوا علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 357
ذلك و ألزم الناس بأجرة مساكنهم عن ثلاثة شهور و طولب ارباب الأموال بإقامة عسكر و قرر عليهم علي قدر أحوالهم و استوفي ذلك بالقهر و العسف.
في هذه السنة ابطلت الفلوس النحاس و ضرب عوضها فلوس فضة و جعلت كل اثني عشر فلسا بدرهم و سميت دناكش. ثم ابطلت في سنة 83 و أعيدت الفلوس المس (النحاسية) و تعامل الناس بها كل ثلاثين فلسا بدرهم.
في هذه السنة أعيد تتارقيا إلي شحنكية بغداد.
و عزل سعد الدولة ابن صفي الدين عن نظر وقف المارستان العضدي و سلم إلي العميد زين الدين ضامن تمغات بغداد فقام فيه أحسن قيام و أجري أموره علي أحسن القواعد.
و فيها نقل مجد الدين علي بن جعفر من التدريس بالمدرسة النظامية إلي المدرسة البشيرية و رتب في المدرسة النظامية نور الدين أبو البيان الحلبي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 358
في هذه السنة ارسل السلطان أحمد الشيخ عبد الرحمن إلي الشام لتقرير ما كان التمسه من الملك المنصور قلاوون لما ارسل إليه قطب الدين الشيرازي في السنة الماضية فلما وصل إلي دمشق حبس بها، و لم يعلم عنه شي ء بعد.
و كان ابوه مملوكا روميا للخليفة المستعصم، فلما نشأ عبد الرحمن جعل من جملة فراشي السدة، و أسر في واقعة ببغداد، و قد ظفر بأشياء نفيسة من الجواهر و غيرها فجعل من فراشي الاردو، فأظهر الزهد و الناموس حتي صار يعرف بالشيخ فدفن ما كان معه في قلعة (تلا)، ثم تنقلت به الأحوال حتي صار إلي الموصل، و اتصل بعز الدين ايبك دزدار العمادية، و كان مولعا بصناعة الكيمياء مهوسا بها فمخرق عبد الرحمن عليه بشي ء من ذلك فحظي عنده و قربه، ثم سار عز الدين إلي السلطان و عبد الرحمن صحبته. فقال للسلطان إني رأيت في المنام في موضع من قلعة (تلا) دفينا فيه جواهر و مال كثير فسيره إلي هناك فأظهره و عاد به إلي السلطان. و من ثم قربه و عمل له بعض المخاريق فزاد اعتقاد السلطان فيه، ثم اتصل بالسلطان أحمد و حسن له الإسلام فأسلم و تسمي بأحمد و وعده بانتقال الملك إليه فلما ملك خدمه الأمراء و الوزراء و عظمت منزلته عندهم. فلما ارسل الآن إلي سلطان الشام عرف حاله فأمر بحبسه من غير ان يجتمع به … و جاء في الشذرات أنه مات في الاعتقال بقلعة دمشق
سنة 683 ه بعد السلطان أحمد.
قاضي واسط بها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 359
و هو صاحب كتاب عجائب المخلوقات حمل إلي بغداد و دفن بها في الشونيزية و كان عالما فاضلا، و يكتب خطا جيدا، تولي قضاء الحلة سنة 650 ه ثم نقل إلي قضاء واسط سنة 652 ه و أضيف إليه التدرس بمدرسة الشرابي … و ترجمته معروفة فلا نطيل القول بها.
و كان طبيبا حاذقا عمره زيادة عن مائة سنة، يكتب خطا حسنا …
و دفن تحت أقدام الشيخ علي بن ادريس. و كان زاهدا ورعا.
في هذه السنة قبض أرغون علي وجيه الدين زنكي بن عز الدين طاهر والي خراسان و استصفي أمواله. ثم اخذ من أعيان خراسان أموالا كثيرة. فلما بلغ ذلك السلطان أحمد جهز إليه جماعة مع (علي ناق) فالتقوا بظاهر قزوين و اقتتلوا اقتتالا شديدا حتي كثرت القتلي بين الفريقين و حجز الليل بينهما فانهزم علي ناق و أصحابه و عاد أرغون إلي خراسان. فلما وصل علي ناق إلي السلطان أحمد عظم ذلك عليه و سار بعساكره إلي خراسان فمال أكثر من كان مع أرغون إليه و التحقوا به فعند ذلك راسله السلطان أحمد يدعوه إلي طاعته و ترددت الرسل بينهما فجمع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 360
أرغون أهله و خواصه و سار إلي بلد (كلات) في جبل فسيح قريب من طوس ليس له طريق إلا من جهة واحدة و لا سور عليه فسار في أثره الأمير بوقا و أحاط به فاستسلم حينئذ و نزل فحمله بوقا إلي السلطان أحمد فسلمه إلي علي ناق فجعل معه جماعة يحفظونه و قتل اصحابه و كل من كان معه من الأمراء …
ثم رحل السلطان يريد آذربيجان. و تخلف بعده الأمير بوقا و علي ناق أياما. فخلا الأمير بوقا بجماعة من الأمراء و أجمعوا رأيهم علي تسليم الملك إلي أرغون. فلما اتفقوا علي ذلك مضي بوقا إلي ارغون ليلا و ركب معه جماعة من الأمراء و قبضوا علي أصحاب علي ناق و استخلصوا ارغون منهم و عرفوه ما اتفقوا عليه فركب أرغون في جماعة من العسكر و قصد علي ناق و كبس عليه و قتله و قتل جماعة
من اصحابه فاضطربت العساكر.
و لما اسفر الصبح صعد الأمير بوقا تلّا و أمر فنودي في الجيش هذا ارغون هو السلطان. و أما علي ناق فقد قتل و هذا رأسه. فلما رأوا الرأس سكنوا …
ثم أجلسوا أرغون علي التخت و أرسلوا من يقبض علي السلطان أحمد فانتهت حكومة السلطان أحمد يوم الاربعاء 11 جمادي الأولي سنة 683 ه فلما بلغه ذلك ركب قاصدا (بركةخان) فلم يتمكن من ذلك و عاجلوه و أحاطوا به و قبضوا عليه و أرسلوا إلي السلطان أرغون يعرفونه ذلك فأمر بتسليمه إلي أولاد قنقورتاي فسلم إليهم فقصفوا ظهره فمات ليلة الخميس 26 جمادي الأولي سنة 683 ه و في ابن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 361
العبري الاربعاء 2 جمادي الثانية و يعزي سبب القيام عليه من أمرائه ميله إلي الإسلامية و محاذرتهم ضياع حكومتهم و ديانتهم فتعصبوا عليه و علي أمرائه … و أساسا ناصب السلطان ارغون العداء لكل من كان مع السلطان أحمد … و الملحوظ هو في الحقيقة النزاع بين الأمراء علي السلطة، و الأمور الأخري من مسهلاتها و أسباب نجاحها …
و من النص الصريح المذكور أعلاه يفهم أن بركه خان ملك القفجاق لا يزال حيا سنة 683 و أن السلطان أحمد حاول الالتجاء إليه لما رآه من أمرائه و ميلهم إلي ارغون خان في حين أن ما جاء في شجرة الترك عن وفاته أنها وقعت عام 664 ه و أنه حكم 25 سنة و كان جلوسه بعد سنة 654 ه و لعل التاريخ كان عام 684 ه.
و هذا هو ابن جوجي خان و قد نصبه القاآن خانا علي القفجاق.
و كان والده جوجي خان بن جنگيزخان قد توفي في حياة
أبيه فصار ابنه باتوخان بعده خانا في صحراء القفجاق و هذا توفي سنة 654 ه 1256 م فخلفه سارتاق أوغلاني ابن باتوخان و لكنه توفي قبل ان ينال السلطنة و من ثم نصب القاآن أخاه اولاقجي (اولاقيچ) خانا فلم يطل أمده و إنما
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 362
توفي بعد قليل فصار (بركه خان) سلطانا علي القفجاق و من ثم صارت تسمي (صحراء بركة) و ذلك لأنه أول مسلم من ملوك المغول. و كانت إسلاميته عن اعتقاد قوي و لذا أعلنها و قاتل من بقي علي كفره من قومه و غيرهم. و من ثم تكونت حكومة المغول المسلمة في القفجاق. ثم توفي بمرض القولنج عام 664 ه (و في الشجرة أنه حكم 25 سنة مع أنه نظرا لجلوسه و وفاته لم يحكم أكثر من عشر سنوات) فخلفه منكو تيمور خان و علي يد تيمور توقاي (في خلاصة الأخبار ورد توقان أو طوغان) هاجم آباقاخان بجيش عظيم حتي وصل ايران فتصالح مع آباقاخان و من ثم دام الصلح بين الحكومتين ثم إن آباقاخان توفي عام 680 ه فخلفه أحمدخان (و هو ابن هلاكو السابع توقودار أو تكودار و قد اسلم و سمي نفسه السلطان أحمد) و لما استشهد هذا علي يد ارغون و خلفه هذا في حكومته سار منكو تيمور الآنف الذكر علي ارغون بجيش عظيم يبلغ الثمانين ألفا تحت قيادة طوغان و تورك تاي من أكابر قواده؛ و أن أرغون قابله بفيلق تحت قيادة اميره طوغاجار و تأهب هو لإمداد قائده و عقب أثره فتصادم الفريقان في قاراباغ و هناك اصابت الهزيمة جيش منكو تيمور فكان لهذه المغلوبية وقع كبير في نفس منكو تيمور فأدت
إلي وفاته لشدة ما أصابه من الألم. فخلفه تودا منكو بن توقاي بن باتوخان و هذا خلفه توقناغو بن منكو تيمورخان ثم أوزبك خان بن طوغرول
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 363
خان بن منكو تيمور بن باتوخان بن جوجي خان بن جنگيزخان و هكذا تولوا مما لا يسع المقام استقصاء أخبارهم.
ثم إن السلطان ارغون اختص الأمير بوقا و سماه (چينكسانك) و معناه أمير الأمراء و جعل إليه تدبير ممالكه.
ثم إن السلطان ولي أخاه (أروق) العراق و ديار بكر فعين علي بدر الدين خاص حاجب صاحب ديوان بغداد و رتب سعد الدين مظفر ابن المستوفي القزويني مشرفا عليه …
فسار إليها و معه الأمير تمسكاي شحنة، و مجد الدين ابن الأثير مشارك في الحكم. فأرسلوا بعض مماليك مجد الدين ابن الأثير و جماعة من المغول إلي بغداد فوصلوها في 10 جمادي الأولي و أعلموا الأمير تتارقيا بصورة الحال و قبضوا علي الخواجة هارون صاحب الديوان و شمس الدين زرديان نائبه و عز الدين جلال المشارك في كتابة السلة و نظام الدين عبد اللّه ابن قاضي البندنيجين و طلبوا مجد الدين إسماعيل ابن الياس نائب الخواجة هارون في خاصته فلم يجدوه فأخذوا هؤلاء و وكلوا بهم و دوشخوا و طوق الخواجة هارون و حملوا جميعهم إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 364
العصمتية المجاورة لمشهد عبيد اللّه و حبسوا هناك.
ثم اخرج نظام الدين ابن قاضي البندنيجين من الغد في (دوشاخة) و قد سود وجهه و أركب علي بهيم و شهر في سوق بغداد و العوام يطرقون بين يديه استهزاء به.
ثم أعيد إلي موضعه و قبض علي شرف الدين محمد بن بصلا وكيل الديوان و دوشخ أيضا و طولب
بمال كثير. و كان زوج أخت النظام المذكور (نظام الدين عبد اللّه) و كل ما كان يفعله النظام من الحيف و الظلم كان بإشارته لأنه كان داهية خبيثا ذا شر غير محمود السيرة في تصرفاته.
و وصل تقدم من مجد الدين ابن الأثير إلي مهذب الدولة نصر بن الماشعيري اليهودي بأن ينوب عنه في الديوان فصار هو المشار إليه و تولي الأمور فقال يوما للأمير تتارقيا الشحنة و قد أحضر النظام و ابن بصلا بين يديه: هذا و ابن بصلا مع النظام مثل الوزغة مع الأفعي. قال له ما معني هذا قال: إن الوزغة تسقي الأفعي السم طول الليل فإذا كان النهار ألقت الأفعي ذلك السم علي الناس فضحك تتارقيا و أمر بضربهما فضربا ضربا كثيرا و أدي ابن بصلا ألف دينار في عدة دفعات و عزل من الوكالة و رتب عوضه نجم الدين حيدر بن الأيسر. و أما النظام فإنه أدي مالا كثيرا و عوقب معاقبة عظيمة و قصفت رقبته بدوشاخة فمات.
و أما الخواجة هارون فإنه لم يزل موكلا به إلي أن وصل الأمير (أروق) إلي العراق فحمل إليه و هو بطريق خراسان و الطوق في حلقه فأمر بإزالته و سلم إليه ما اخذ منه من الدواب و غيرها و عاد إلي داره علي اختياره و ظهر أصحابه الذين اختفوا و مجد الدين إسماعيل بن الياس وكيله …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 365
أما شمس الدين صاحب ديوان الممالك فإنه لما بلغه جلوس السلطان أرغون علي التخت فارق السلطان أحمد و التحق بأتابك يوسف شاه بلرستان و استتر عنده. ثم عرف أنه لا ينجيه ذلك و لا يعصمه فحضر بين يدي السلطان و
تنصل مما فرط منه و اعتذر بما أمكنه و ضمن القيام بأمر الدولة و عمارة الممالك فهم باستبقائه ورق له فأشير عليه بقتله فأمر بتسليمه إلي من يحفظه و استيفاء الأموال منه فضرب و عوقب فقال:
ضرب مثلي غير لائق و مهما طلب مني من الأموال قمت به.
فعرضوا ذلك علي السلطان فأمر بالتخفيف عنه فأخذ في جمع الأموال و القرض من التجار و غيرهم فأشار اعداؤه بقتله علما بما في تأخر ذلك من الضرر فأمر بقتله فلما احضر ليقتل سأل المهلة ساعة ليوصي فأمهل فكتب بخطه وصية بالفارسية قال في آخرها:
فإن وجد الناظر فيها خللا فلا غرو أني سطرتها و أنا عريان و السيف مشهور! فلما فرغ من ذلك قتل في محل يقال له (أهر) بجوار قره طاغ من توابع اذربيجان و ذلك يوم الثلاثاء 15 شعبان سنة 683 ه و حملت جثته إلي تبريز و دفن إلي جانب أخيه علاء الدين في مقبرة يقال لها (چرنداب) معروفة هناك.
قد مرت ترجمة أخيه علاء الدين صاحب الديوان و هذا من أكبر وزراء المغول، و أعظم رجالها، و قد لعب دورا مهما، و نال مكانة لم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 366
ينلها أحد قبله في هذه الحكومة و أصابته أخطار و مصائب كثيرة لم يبال بها، و أكبرها هذه التي أدت إلي قتله، و كانت مقدرات ايران في قبضته و هو رئيس ديوانها … و به نال الفرس مكانتهم و حصلوا علي نفوذهم …
«كانت هذه آخرة مثل ذلك الرجل العظيم الهيوب الحكيم الذي كانت الدولة بأسرها معلقة بخنصره، و كان عنده العقل و الخبرة، و كان كاملا بجميع السياسات و التدابير و التواضع الحسن، و يقولون عنه إنه ما سبقه أحد بالسلام. بل هو كان يبتدي ء من تقدم إليه» ا ه.
و قد ترجمه جماعة منهم الكتبي في فوات الوفيات ذكره مع أخيه علاء الدين بترجمة واحدة عند ذكر عطا ملك علاء الدين الجويني و قد سبق النقل عنه و أورد ما قاله شمس الدين محمد الجويني المذكور في أخيه عطا ملك، و لا محل للإطالة بترجمته فإنها تحتاج إلي مؤلف خاص بها … و أهم ما فيها أن إدارة المغول منغصة بل هي بلاء أكبر لولاه و قد رأف بالناس، و له أعمال بر، و مناصرة للعلماء و مشاركة لهم، و لا تذكر حكومة هلاكو و أخلافه إلا و اسمه معروف و ذكره شائع …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 367
و بعد قتله أمر السلطان بقتل أولاده يحيي، و فرج اللّه، و مسعود، و أتابك و لم يبق منهم إلا القليل فقضي عليهم و ماتت أسرتهم … و قد تألم (و صاف)
لما نالهم تألما كبيرا و نقل ما وجد مكتوبا في مقابرهم..
و عد ذلك من أكبر المصائب علي ايران بفقدان أعاظم رجالها …
و الحق أن المترجم و أخاه خدموا ايران و العلم و بروا بالعلماء و ناصروهم و مكنوا ما يجب لإحياء العلم … و نظم سعدي الشيرازي الشعر الكثير في هذين الأخوين … و كان قد اتهم المترجم بأنه سمّ أباقاخان و الصحيح أنه كان من مناصري السلطان أحمد فناصبه ارغون خان العداء … و علي كل لا تزال سلطة هؤلاء قوية، و فيهم من يستعينون به حفظا للملك و السلطنة من التغلب … و في دستور الوزراء بين أنه من أولاد إمام الحرمين حجة الإسلام عبد الملك الجويني بصورة القطع دون الترجيح و بسط القول عن ترجمته بتفصيل زائد … و أثني علي خدماته للإسلامية و تقويتها أيام المغول … كما أنه ساعد لانتشار العلوم و تقوية أربابها و معاونتهم … الخ.
و لما تم لأرغون السلطان و قضي علي مناوئيه ممن كان قد ركن إلي السلطان أحمد … جعل ابنه غازان في خراسان و ولاه الثغر. و من هذه نري أن السلطنة لا حكم لها. و إنما الحكم للمتنفذين و المسيطرين من الأمراء دون الملوك و السلاطين. فهم في الحقيقة أرباب السلطة و لا يخرج السلطان عن ايعازهم فهم الآلة الميكانيكية للأوامر و هي صادرة من أصحابها الأمراء. فإن النزاع إنما كان بين الأمراء بعضهم مع بعض
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 368
و أن امراء ارغون كانوا قد قتلوا و لم يبق معه عضد يشد ازره و لكن امراء السلطان أحمد كانوا في مشادة فيما بينهم مما دعا إلي هذا التبدل.
و أحدث تغيرا
في كل الإدارات للملحقات المهمة و لم يقف الأمر عند ذلك بل أدي إلي التنكيل بالامراء السابقين و لم يكن ناشئا عن اتفاق أو افتراق يؤدي إلي اختيار السلطان ما يراه مناسبا فلا اختيار له و لا رأي بل هو مغلوب علي أمره، و النزاع واقع دائما بين الأمراء و إنما كان فيهم القتل و المحو إلي أن أدت هذه الأحوال إلي هلاك الشرق و اضمحلال أكابر رجاله و انقراضهم و تسلط زعانفته و شياطينه و قضوا علي حسن الإدارة و النظام و تولي الطغام، الأشرار و الجهال و الفجار … !!!
و قد شاهدنا هذه الحالة بعينها في حكومة الترك العثمانيين أيام اضمحلالهم و انحلال حكمهم و ما وليها من الإدارات الحكومية عندهم و عند غيرهم ممن قام مقام المغول. و مبدأهم الاقصاء، و القتل، و التبعيد و تسليم الإدارة بيد الجهال و الحمقي و المغفلين و الأشرار الفساق …
و سيتضح الوضع أكثر فيما يلي من الحوادث …
في شهر رمضان من هذه السنة ظهر في سواد الحلة رجل يعرف بأبي صالح ادعي أنه (نائب صاحب الزمان) و قد ارسل ليعلم الناس أنه قد قرب ظهوره و استغوي الناس بذلك فكثر جمعه و انضم إليه خلق كثير من الجهال فقصد بلاد واسط و نزل في موضع يسمي (بلد الدجلة) من أعمالها و أخذ من أموال الناس شيئا كثيرا و سار إلي قرية قريبة من واسط تعرف (بالارحا) و أرسل صدر واسط فخر الدين ابن الطراح بأن يخرج إليه فقال لرسوله: قل له يرحل عن موضعه و يحفظ نفسه و متي تأخر انفذت العسكر لقتاله فرحل و قصد الحلة فأرسل إلي صدرها … ابن محاسن يستدعيه
إليه فأخرج ولده في جماعة من العسكر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 369
فالتقوا و اقتتلوا قتالا شديدا فقتل ابن محاسن و جماعة من أصحابه و انهزم الباقون فكاتب والده الحكام ببغداد يعرفهم ذلك … فركب (شحنة العراق) و سار إليه.
و أما أبو صالح فإنه قصد قبة الشيخ ابن البقلي بناحية النجمية من أعمال قوسان فقتل كل من بها من الفقراء و الصالحين و نهب أموال أهل الناحية فوصل شحنة العراق بعساكره إليه و أحاط به و بأصحابه و وضع السيف فيهم فلم ينج منهم إلا نفر يسير و حمل رأس أبي صالح و أصحابه إلي بغداد و علق بها.
و لما رحل أبو صالح من واسط ظهر في قرية من قراها تعرف (بقرية الشيخ) رجل اسمه شامي ادعي ما ادعاه أبو صالح و أمر الناس بالمعروف و نهاهم عن المنكر فمال الناس إليه و تاب خلق كثير علي يده و اعترف قوم بالقتل و غيره و سأل أن يقتص منه. و اعترف آخرون أنهم سرقوا مال فلان و فلان يوم كذا. فكثر جمعه فأرسل فخر الدين ابن الطراح صدر واسط إليه ينهاه عن فعله و يتهدده بالقتل …
فلما اتصل به ما جري لأبي صالح هرب و التجأ إلي العرب و تفرق جمعه.
في هذه السنة أيضا اشتهر ببغداد عز الدولة (ابن كمونة) اليهودي صنف كتابا سماه (الأبحاث عن الملل الثلاث) تعرض فيه بذكر النبوّات و قال ما نعوذ باللّه من ذكره فثار العوام و هاجوا و اجتمعوا لكبس داره
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 370
و قتله فركب الأمير (تمسكاي) شحنة العراق و مجد الدين ابن الأثير و جماعة الحكام إلي (المدرسة المستنصرية) و استدعوا قاضي القضاة و المدرسين لتحقيق هذه الحال و طلبوا ابن كمونة. فاختفي و اتفق ذلك اليوم يوم جمعة فركب قاضي القضاة للصلاة فمنعه العوام فعاد إلي المستنصرية فخرج ابن الأثير ليسكن العوام فأسمعوه اقبح الكلام و نسبوه إلي التعصب لابن كمونة و الذب عنه فأمر الشحنة بالنداء في بغداد بالمباكرة في غد إلي ظاهر السور لإحراق ابن كمونة فسكن العوام و لم يتجدد بعد ذلك له ذكر …
و أما ابن كمونة فإنه وضع في صندوق مجلد و حمل إلي الحلة.
و كان ولده كاتبا بها فأقام اياما و توفي هناك.
و جاء في كشف الظنون عند الكلام علي (شرح الاشارات) أنه
لعز الدولة سعد ابن منصور المعروف بابن كمونة المتوفي سنة 676 ه.
و الوفاة فيها نظر و سمي الشرح المذكور «شرح الأصول و الجمل من مهمات العلم و العمل» قدمه لشمس الدين صاحب ديوان الممالك …
و في مكتبة الأوقاف العامة في خزانة المرحوم نعمان الآلوسي (كتاب شرح الاشارة) خط في مجلد واحد، شرح به اشارات الرئيس. أوله:
أحمد اللّه علي حسن حسن توفيقه الخ. و النسخة برقم 3076.
هذا و سيأتي الكلام علي كتاب (الابحاث عن الملل الثلاث) و أنه يسمي (كتاب تنقيح الابحاث عن الملل الثلاث) و الرد عليه في ترجمة أحمد ابن الساعاتي..
و قد ذكر شاعرنا الأستاذ جميل صدقي افندي الزهاوي أن لديه كتابا في الحكمة لابن كمونة المذكور سماه (الجديد في الحكمة).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 371
و في هذه السنة اجتمع الفقهاء بالمستنصرية علي جمال الدين الدستجردي صدر الوقوف و نالوا منه و اسمعوه قبيح الكلام فحماه منهم الشيخ ظهير الدين البخاري المدرس و خلصه من أيديهم فاتصل ذلك بالحكام فعزلوه و رتبوا رضي الدين ابن سعيد فلم ينهض بأمور الوقف فأعيد جمال الدين الدستجردي و وصل بعد ذلك فخر الدين أحمد ابن الخواجة نصير الدين الطوسي و قد أعيد أمر الوقوف بالممالك جميعها إليه و حذفت (حصة الديوان) من الوقوف و وفرت علي أربابها فعين مجد الدين إسماعيل بن الياس صدرا بالوقوف عوضا عن جمال الدين الدستجردي فعين عز الدين محمد بن شمام نائبا عنه فيها.
و في هذه السنة قلد قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني جمال الدين عبد اللّه ابن العاقولي القضاء نيابة عنه و جعله مقدما علي كل النواب منفردا (بالشبال) و أضاف إليه (الحسبة) عوضا عن القاضي بدر الدين الرقي و أقر علي القضاء (بالجانب الغربي).
و فيها رتب نور الدين أحمد بن الصياد التاجر صدر الأعمال الواسطية عوضا عن فخر الدين مظفر ابن الطراح فأنفذ خادما له اسمه (إقبال) لينوب عنه فأصعد فخر الدين إلي بغداد و تحدث في ضمان أعمال واسط فعقد ضمانها عليه فانحدر إليها و كانت مدة ولاية ابن الصياد شهرا واحدا.
و فيها زادت دجلة زيادة عظيمة غرق في الجانب الغربي من بغداد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 372
عدة نواح و وصل الماء إلي قباب (دير الثعالب) و الجنثة و معروف الكرخي و تهدمت حيطان البساتين و الادؤر الرقيقة و هلكت الأشجار و ظهر بعد ذلك (جراد دباب) اتلف أشياء كثيرة من الزروع و الغلات و الكروم و غير ذلك.
مضي في حوادث سنة 680 ه الكلام عن أمير العرب عيسي بن مهنا رئيس آل فضل. و في هذه السنة توفي في ربيع الأول و خلفه ابنه الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر و هؤلاء لم تنقطع علاقتهم من العراق و ستظهر فيما يلي بوضوح أكثر … و آل فضل بن ربيعة هؤلاء أمراء طي ء و هم بنو عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبة بن فضل و فضل هذا ينتهي إلي فضل بن ربيعة. و هم عدة بطون اعظمهم شأنا و أرفعهم قدرا (آل عيسي). و أميرهم أعلي رتبة عند الملوك و غيرهم من سائر أمراء العرب. و منازلهم من حمص إلي قلعة جعبر إلي الرطبة آخذين علي شقي الفرات و أطراف العراق حتي أن حدهم قبلة بشرق الوشم آخذين يسارا إلي البصرة … و (آل علي) منهم نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلي عيسي بن مهنا و بقي هذا جار الفرات في تلابيب التتار و لهذا يضاعف إكرامهم و يوفر لهم الإقطاعات و صاروا الآن بيتين:
بيت مهنا بن عيسي و بيت فضل بن عيسي و تقسمت بقية بني عيسي قسمين مع كل أهل بيت منهما قسم و (آل ملحم) ابن مهنا من بقية أمراء طيي ء الأول و هم أهل السابقة
من إمارة عرب الشام و أصحاب الذروة الشامخة فيهم … و أما جماعاتهم فمن أشتات العرب علي اختلاف الشعوب و القبائل مستخدمون معهم أو منضمون إليهم … و قد ورد ذكر عمود نسبهم بصورة أخري تختلف عن هذه قليلا …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 373
و كان سبب موته أنه أحيل به فكبس داره فارتقي إلي سطحها فسقط من الكبسة فمات و عمره 74 سنة و كان من أكابر المتصرفين خدم في عدة خدمات في زمن الخلفاء و ما زال محترما مقدما ذا رأي سديد و تدبير جيد.
كتب علي طريقة (ابن البواب). و كان عالما فاضلا رتب شيخ الصوفية برباط الأصحاب سنة 57 و أضيف إليه مشيخة رباط مجد الدين ابن الأثير سنة 72 و كان عمره 76 سنة.
كان يتولي تدبير الساعات التي تجاه المستنصرية. كان مولده سنة 601 ه. و هو الذي عمل الساعات المشهورة علي باب المستنصرية ببغداد، و كان مشتهرا بالهيئة و النجوم و عمل الساعات …
و كان مولده في شعبان سنة 620 ه و هو من البيت الاثيل المشهور خدم والده وجده الخلفاء. و كانوا مقربين عندهم و كان تاج الدين والده (حاجب الباب) يحضر دائما عند الخليفة في الخلوات. و لما ملك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 374
السلطان هلاكو خان بغداد حضر عنده و أمره أن يتولي تدبير (الأعمال الفراتية) فلم تطل أيامه و توفي قبل عود السلطان إلي بلاد الجبل. فأمر أن يتولاها ولده مجد الدين فبقي علي ذلك مدة و نقل إلي (أشراف الحلة) و غير ذلك من الخدم الجليلة. و كان أديبا فاضلا عفيفا يقول شعرا جيدا.
و عمره ثلاث و ثمانون سنة. و دفن بالمشهد المذكور. و كان فاضلا مبرزا في العلوم الدينية.
سماه في الفوائد البهية عبد اللّه بن محمود بن مودود بن محمود أبو الفضل مجد الدين الموصلي. ولد بالموصل سنة 599 ه و حصل عند أبيه أبي الثناء محمود المتوفي سنة 633 ه مبادي ء العلوم و رحل إلي دمشق فأخذ عن جمال الدين الحصيري و تولي القضاء بالكوفة، ثم عزل و دخل بغداد و رتب الدرس بمشهد أبي حنيفة و لم يزل يفتي و يدرس إلي أن مات يوم السبت 19 المحرم سنة 683 ه. و كان من أفراد الدهر في الفروع و الأصول … صاحب (المختار) المتن الفقهي المعروف من المتون الأربعة المعتبرة عند الحنفية و هي المختار و الكنز و الوقاية و مجمع البحرين و منهم من يعتمد علي الوقاية و الكنز و مختصر القدوري. و له (شرحه) المسمي ب (الاختيار) من الكتب المعتبرة. و عندي مخطوط قديم من المختار و نصف من الاختيار قديم أيضا.
و له ثلاثة إخوة هم:
1-
عبد الدائم. مر ذكره في هذا الملحق.
2- عبد العزيز.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 375
3- عبد الكريم.
و هذان الأخيران اشتغلا بالعلوم و كانا فقيهين مدرسين بالموصل.
و لم يعين تاريخ وفاتهما..
و قد جاءت ترجمة مجد الدين عبد اللّه المذكور في منتخب المختار قال:
«عبد اللّه بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي (بضم الأول و الثالث) الموصلي أبو الفضل و قال الدمياطي أبو محمد بن أبي الثناء الحنفي الملقب مجد الدين ابن الإمام شهاب الدين المفتي سمع بالمدرسة الصارمية في الموصل من عمر بن محمد بن طبرزد و من مسمار ابن عمر بن العويس التيار و من والده محمود بن أبي العز الواسطي و أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، و من الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي و أبي النجا عبد اللّه بن عمر اللتي و نصر بن عبد الرزاق الجبلي و عثمان بن إبراهيم … و أجاز له جماعة … قال الفرضي كان شيخا فقيها إماما عالما فاضلا له مصنفات في الفقه عدة و في الخلاف و معرفة الرجال و رجع إلي بغداد في سنة 667 ه و لم يزل يفتي و يدرس و سمع الحديث إلي حين وفاته …
و من مصنفاته المختار في الفتوي، و الاختيار لتعليل المختار، و المشتملة علي مسائل المختصر … و مولده في يوم الجمعة سلخ شوال سنة 599 ه بالموصل و توفي ببغداد في بكرة السبت 19 المحرم.
قال ابن الفوطي يوم السبت العشرين منه سنة 683 ه و صلي عليه من يومه بجامع القصر و بالمستنصرية و خارج باب سوق السلطان و بمشهد الإمام أبي حنيفة. و دفن بالمشهد المذكور إلي جانب القبر. و
كان يوما مشهودا» ا ه..
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 376
قال في منتخب المختار: «المبارك بن المبارك بن عمر الأواني أبو منصور المنعوت بالشمس طبيب المستنصرية المعروف بابن الصباغ، كان عالما بالطب، ماهرا في صناعته، له فيه تصانيف، و كان ناهز المائة و نيف عليها. قاله ابن الفوطي، و كان ممتعا بسمعه و بصره. توفي سنة 683 ه.
توفي شمس الدين الصباغ:
الطبيب المشهور. و عمره 106 سنين و كان بارعا في علم الطب.
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم البكري. أبو إسحاق الزنجاني ثم الشيرازي الملقب شرف الدين الشافعي. قدم بغداد حاجا، و صنف كتابا علي طريقة جامع الأصول لابن الأثير، و حدث بمراغة و تبريز بكتاب الانوار اللمعة في الجمع بين الصحاح السبعة تأليف تاج الدين الساوي.
سمع منه الصاحب شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجويني و أولاده، توفي بشيراز سنة 683 ه.
في المحرم من هذه السنة وصل الأمير (تاج الدين علي جكيبان) إلي بغداد و قد عين مشرفا بالعراق بدل سعد الدين مظفر ابن المستوفي القزويني. و عين المذكور كاتب سلة بغداد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 377
و في هذه السنة ابطلت الدراهم. و تعطلت أمور العالم لذلك و بطلت معايشهم و ضرب دراهم غيرها و قرر سعرها ثمانية مثاقيل بدينار.
و اختلفت قيمة الدراهم الأولي. فكان منها عشرة مثاقيل و منها اثنا عشر مثقالا بدينار فذهب من الناس شي ء كثير.
ثم ضرب في بقية السنة دراهم مثل الدراهم الآبقائية و تقدم ان يتعامل الناس بها عددا كما تعاملوا بالآبقائية.
ثم غلت الأسعار فبلغ الكرّ من الحنطة مائة و ثمانين دينارا، و كر الشعير مائة دينار، و بيع الخبز ثلاثة ارطال بدرهم، و وصل من الموصل دقيق و خبز مرقق بيع بالحجر و أخذت تمغته و لم يسمع قبل هذا أنه بيع في الحجر خبز و لا جلب إلي بغداد إلا بعد الواقعة فإن أهل الحلة أمنهم السلطات علي نفوسهم و أموالهم كما ذكرنا فكانوا يحملون الغلة و الخبز و التمر و السمك و غير ذلك، و باع القوم الضعفاء أولادهم و ألقت امرأة نفسها في دجلة قيل إنها كانت علي الجسر تطلب فلم يعطها أحد شيئا فآثرت إتلاف نفسها، و أكل الناس ورق الجزر و السلجم و البصل و نبات الأرض كعروق القصب و البردي و الحلفاء و غيره و انقضت السنة و الناس علي ذلك و لقوا شدة عظيمة من الغلاء و كسر الدراهم.
أغارت طائفة من عسكر الشام علي ديار بكر و الموصل و إربل و قتلوا و نهبوا و سبوا و أخذوا أموال التجار من قيسارية الموصل و قتلوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 378
كثيرا من النصاري في إربل. و نهبت الاكراد بلد البوازيج منهم و باصيدي و قتلوا من النصاري و نهبوا الأموال و هرب شحنة البوازيج منهم و قصد بغداد.
و في تاريخ الموصل أنها جرت في السنة التالية و أن والي الموصل الذي كان أعاده ارغون و هو مسعود البرقوطي خرج عليهم في 22 ربيع الأول سنة 685 ه (1286 م) فلم يتمكن منهم و هرب و انتهبت الموصل.
ثم عاد مسعود البرقوطي إلي الموصل …
أعيد التدريس في البشيرية إلي جمال الدين عبد اللّه بن العاقولي و عزل عنه صدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام و رتب مدرسا بمدرسة الأصحاب.
و كان رجلا صالحا. خطب بجامع الخليفة إلي أن أضرّ فاستناب ولده مكانه.
و كان شابا اديبا فاضلا شاعرا؛ و له ديوان مشهور.
و كان حاذقا في علم النجوم فقيها شافعيا.
عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصري أبو طالب العبدلياني الحنبلي الملقب نور الدين الضرير سمع من أبي بكر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 379
محمد بن سعيد بن الخازن، و من محمد بن علي بن أبي السهل.. قال الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني ليس له سماع قديم فيما علمت بل كان سمع بعد الواقعة و قيل إنه سمع علي جماعة من أهل البصرة ا ه … و كان عالما فاضلا درس بالمدرسة البشيرية سنة 662 ه و نقل إلي تدريس المستنصرية بعد وفاة جلال الدين بن عكبر.
و له تصانيف مفيدة منها جامع العلوم في تفسير كتاب اللّه الحي القيوم، و الحاوي في الفقه و الكافي شرح الخرقي، و الواضح في شرح الخرقي، و الشافي في المذهب، و مشكل كتاب الشهاب. و له طريقة في علم الخلاف تحتوي علي عشرين مسألة.
مولده يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 624 ه بناحية عبدليا من نواحي البصرة … و توفي ليلة السبت غرة شوال سنة 684 ه و دفن بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل بباب حرب. كذا في منتخب المختار.
في المحرم فوض الأمير اروق أمر (العراق) إلي عز الدين الإربلي و مجد الدين إسماعيل بن الياس و خلع عليهما و عزل مجد الدين محمد ابن الأثير و الأمير تاج الدين علي جكيبان المشرف و سعد الدين القزويني الكاتب و سلموا إلي عز الدين و مجد الدين و أمر بمحاسبتهم و مطالبتهم بما تعهدوا به من المال فطولبوا و ضويقوا ثم حملوا إلي الأردوا فأمر بقتلهم فقتلوا و حملت جثة ابن الأثير إلي بغداد و دفن في تربة له في مدرسته
و حملت جثة الأمير علي جكيبان إلي بغداد أيضا و دفن في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 380
تربة له مجاورة داره و جثة سعد الدين حملت إلي بلده و وصل الملك ناصر الدين قتلغ شاه مملوك الصاحب علاء الدين بعد ذلك و قد رتب مشرفا بالعراق و عزل فخر الدين مظفر بن الطراح من الأعمال الواسطية و رتب بها نور الدين ابن الصياد ثم رتب فخر الدين صدر الأعمال الحلية.
و في هذه السنة استناب قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاء ببلاد الحلة العدل الفقيه تاج الدين محمد ابن محفوظ بن و شاح الحلي.
رتب نجم الدين محمد بن العز البصري الشافعي مدرسا بالمستنصرية.
و في هذه السنة أيضا كانت الأسعار علي ما كانت عليه و الضعفاء في ويل عظيم من تعذر القوت. و كثرت الأمراض ببغداد و الموت.
و لطف اللّه بخلقه فتراخت الأسعار في جمادي الأولي و رخصت الأشياء في آخر السنة و زادت الفرات زيادة عظيمة غرقت أعمال الكوفة و الحلة و نهر ملك و نهر عيسي و الأنبار و هيت. و ذهب من الأموال شي ء كثير.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 381
زوجة الخواجة هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد بن الجويني ببغداد و دفنت في تربة والدتها التي بمشهد عبيد اللّه. و قد مر ذكر أولادها.
ورد الخبر بعد ذلك أن السلطان أمر بقتل الخواجة هارون في حدود الروم. قيل كان قتله بعد وفاة زوجته رابعة المذكورة بسبعة أيام.
و قد نقلنا فيما سبق حادثة تزوجه برابعة و بيان أولاده منها، و ولايته علي بغداد … و كان مهذبا، كاملا درس في عنفوان شبابه العلوم و حصل الفضائل و الكمالات النفسية و يعد من المتبحرين في ضروب الفنون، و تعلم الموسيقي من استاذه صفي الدين عبد المؤمن و لأستاذه الموما إليه رسالة في الموسيقي سماها باسمه «الرسالة الشرفية» …
و كان من أكابر المتصرفين ببغداد خدم في آخر وقته وكيل الديوان ببغداد. و كان حسن السيرة مشكورا في تصرفاته بلغ من العمر 75 سنة.
محمد بن محمد بن علي ابن أبي الفرج بن أبي المعالي البغدادي البابصري أبو الفضل بن أبي الفرج بن أبي الحسن الحنبلي الواعظ جمال الدين المعروف بابن الدباب و يقال بن الزراد أيضا. سمع من جماعة … و سمع منه أبو عبد اللّه محمد بن عبد الرحيم و كمال الدين عبد الرزاق ابن الفوطي و أبو العلاء محمود و هذا الأخير ذكره في معجمه و قال: و كان من جملة المعدلين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 382
ببغداد و كان جده عرف بالدباب لأنه كان يمشي رويدا و الدبيب المشي الرويد. و كان والده من أهل باب البصرة و هي مدينة المنصور. بغربي بغداد و بظاهرها جامع المنصور. و كان شيخا عالما، زاهدا، عابدا، عارفا ثقة، عدلا، مكثرا، مسندا، صحيح السماع، من بيت الحديث و الزهد … ولد بباب البصرة في 23، أو 24 من صفر سنة 603 ه و توفي ليلة الخميس آخر يوم من سنة 685 ه.
عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن راضي العلثي البغدادي أبو محمد بن أبي عبد اللّه الحنبلي المنعوت بالعفيف المحدث المعروف بابن الزجاج عم عبد الحميد بن أحمد المقدم ذكره من أهل المأمونية شرقي بغداد و كان شيخا، عالما، فقيها. محدثا، مكثرا، مفيدا، زاهدا، عابدا، ابن بيت الحديث، متبعا السنة، شديدا علي المبتدعة، ملازما لقراءة القرآن و العبادة …
كان مولده بالمأمونية في سنة 612 ه توفي في طريق الحج سنة 685 ه؛.
هو علي بن عبد اللّه بن هبة اللّه بن المنصور باللّه المنصوري، أبو الحسين بن أبي محمد و أبي المنصور بن أبي القاسم المعدل الملقب شرف الدين ابن الخطيب فخر الدين أخو الجلال محمد. سمع من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، و من اسماعيل بن يحيي المقري و سمع منه ابن الفوطي. و كان من اعيان المعدلين و خطيبا بجامع السلطان أيام الخلفاء. مولده في المحرم سنة 624 ه و توفي سنة 685 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 383
في السنة الماضية كان الأمير أروق قتل جماعة من الحكام (بالعراق). و في هذه السنة جعل عوضهم الملك (ناصر الدين) قتلغ شاه ابن سنجر مملوك علاء الدين صاحب الديوان فسأل إبعاد سعد الدولة ابن الصفي الحكيم اليهودي عنه و أن يكف يده عن الحكم معه فأجيب إلي ذلك فأقام سعد الدولة في الأردو علي قاعدة الأطباء هناك فاتفق له القرب من السلطان ارغون و الخلوة و حصل له ما لم يخطر بباله فكشف له أمور العراق و عرفه جميع الأحوال ثم أخذ في الطعن علي الأمير بوقا و أخيه أروق و بين له وجوه ارتفاقهما من الممالك فتغير قلبه عليهما.
و لما وصل قتلغ شاه إلي بغداد قسط علي الناس أموالا علي سبيل القرض و ثقل عليهم في استيفائها فنفرت الناس منه فبينما هو علي ذلك وردت الأخبار بوصول الأمير (أردوقيا) و سعد الدولة لتصفح أحوال العراق. ثم إنهما وصلا و اجتمعا بالأمير أروق فكان أول ما اعتمداه إسقاط ما قرر علي الناس من القرض. ثم أصلحا حال العراق و استرفعا حسابه و جمعا المال من وجهه و توجهوا جميعا إلي السلطان
فأنهي إليه سعد الدولة ما فعل أروق و قتلغ شاه بالرعية و ما صار إليهما من الأموال فأمر باستخراج ذلك من قتلغ شاه فعاد سعد الدولة إلي بغداد و استصحبه معه. فكان وصول الأمير اردوقيا في المحرم هو و سعد الدولة ابن الصفي اليهودي إلي بغداد و حضرا عند الأمير أروق و عرضا عليه ما معهما من الفرامين فأمر أن ينادي في بغداد أن يحضر إلي الديوان كل من معه فرمان و بايزة. فلما حضروا أخذوا ذلك منهم و عزل ناصر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 384
الدين قتلغ شاه عن الحكم ببغداد و أعيد أمر الإشراف بالعراق إلي سعد الدولة …
و تقدم بإعادة ما أخذ من الرعية في السنة الحالية من القرض. ثم طولب (ولاة الأعمال) و (الضمناء) بما عليهم من البقايا و ضويقوا علي ذلك فأدوا أموالا كثيرة و ضرب عز الدين عبد العزيز الإربلي ناظر الكوفة فباع أملاكه فلم يقم بما عليه. و كان مريضا فمات من تواتر الضرب و العقاب.
و ضرب الزين الحظائري عميد بغداد و دوشخ فأدي بعض ما قرر عليه و أخذ مجد الدين إسماعيل بن الياس و دوشخ و وكل في داره فأدي مالا كثيرا و باع أملاكه و أسبابه و قام بما تخلف عليه من ضمان الحلة فلما تكاملت الأموال في الخزانة توجه الأمير اردوقيا بها إلي السلطان و استصحب سعد الدولة معه فعين شرف الدين محمد بن أحمد السمناني (صاحب ديوان العراق) و رتب سعد الدولة ابن الصفي الحكيم مشرفا عليه فوصلا بغداد و صحبتهما ناصر الدين قتلغ شاه مطالب بما عليه من الأموال. و رتب فخر الدين مظفر بن الطراح صدرا في الحلة عوضا من
مجد الدين إسماعيل بن الياس. و سيأتي الكلام علي باقي الإدارات في السنة التالية و لنرجع إلي بقية حوادث هذه السنة 686 ه.
و في هذه السنة طولب نجم الدين أحمد كاتب الجريد بالحساب و دوشخ علي بقايا وجبت عليه. فلما عرف من نفسه العجز عما يطلب منه و خشي من العقاب قتل نفسه و كان شابا حسن الصورة.
و فيها أيضا عقد ضمان الأعمال الحلية علي مجد الدين إسماعيل ابن الياس إضافة إلي نيابة الديوان و الحكم في بغداد. و كان ذلك سببا لذهاب أمواله و أملاكه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 385
و في هذه السنة دخلت العرب يوم الجمعة إلي الجامع (بالمحوّل) فأخذوا ثياب كل من كان فيه. ثم قصدوا (ناحية الحارثية) و كبسوها ليلا و أخذوا ما قدروا عليه و قتلوا جماعة من اهلها. فلم يزل شحنة العراق يفحص عنهم حتي ظفر بأكثرهم و ضرب أعناقهم و بني رؤوسهم في قبة عند الجسر و جعل وجوههم ظاهرة ليعتبر بهم كل مفسد. و هنا لم يسم القبيلة المهاجمة.
و وقع في نيسان برد كثير كبار اتلف الزروع في أعمال بغداد. قال الشيخ ظهير الدين الكازروني في تاريخه: حكي لي (قاضي طريق خراسان) أن جماعة شهدوا عنده أنهم رأوا في (ناحية الخوزية) من أعمال (براز الروز) بردا كبارا فيه بردة عظيمة كالرجل النائم …
و المبالغة ظاهرة …
في هذه السنة كثر اهتمام العوام بقتل السباع و جري بينهم فتن كثيرة و حروب بين أهل المحال فأنكر الديوان ذلك و تقدم بمنع حرب السباع لإطفاء الفتنة و منعوا عن الخروج بعد ذلك لقتل السباع.
في هذه السنة حج الناس و عادوا طيبين و أخبروا بأمن الطريق و رخص الأشياء في مكة و المدينة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 386
في هذه السنة تمت التبدلات و الوقائع الملحقة بها مما يتعلق بالإدارة بالوجه المار …
في صفر هذه السنة وصل بغداد جماعة من اليهود من أهل تفليس و قد رتبوا ولاة علي تركات المسلمين. فأجروا الأمر علي أن لا يورثوا ذوي الأرحام. فأنكر الأمير أروق ذلك و أمر أن يعمل بمذهب (الإمام الشافعي) (رض) كما كان يعمل قديما. فاتفق وفاة بعض العوام و قد خلف ابن عم له فأنكر النواب نسبه و ختموا علي تركته. فاستغاث و استنصر بالعوام فاجتمع معه خلق كثير و وقعت فتنة أوجبت خوف النواب من القتل فاختفوا و تحصنوا في بيوتهم فنهب العوام دكاكين اليهود من المخلطين و غيرهم فكفهم الديوان عن ذلك فخرج النواب من بغداد متوجهين إلي بلادهم فصادفهم الأكراد في الجبل فقتلوهم.
في هذه السنة تزوج مبارك شاه ابن الشيخ نظام الدين محمود شيخ المشايخ بابنة فخر الدين ابن الخواجة نصير الدين الطوسي علي صداق عشرة آلاف دينار و حضر العقد قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني.
و رتب نجم الدين محمد بن أبي العزيز مدرسا بالنظامية حيث توفي مدرسها نور الدين عبد الغني المعروف بأبي البيان الحلبي إضافة إلي القضاء و خلع سعد الدولة عليه. فلما ألقي الدرس قال: هذه بضاعتنا ردت إلينا.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 387
و فيها كفت يد صدر الدين و إخوته أولاد الخواجة نصير الدين الطوسي عن النظر في وقوف العراق. و أعيد الأمر فيها إلي حكام بغداد.
ثم عاد الأمر إليهم سنة 688 ه.
حج في هذه السنة من العراق خلق كثير و أخبروا بتعذر الأقوات و عدم الأشياء هناك.
هو الشيخ برهان الدين محمد بن محمد بن محمد النسفي الحنفي المنطقي صاحب التصانيف. قال ابن الفوطي: هو شيخنا المحقق، المدقق العلّامة الحكيم، له التصانيف المشهورة، كان في الخلاف و الفلسفة أوحد، متع بحواسه، و كان زاهدا و قد لخص تفسير الإمام فخر الدين، قدم بغداد حاجا سنة 675 و اشتغل عليه هارون بن الصاحب، مولده تقريبا سنة 600 و توفي ببغداد سنة 687 ه. كذا في الوافي بالوفيات (ج 1 ص 282) و الملحوظ هنا أن النقل كان عن ابن الفوطي و في الاصل المنسوب إلي ابن الفوطي لم يتعرض لهذا الحادث، و الظاهر أنه منقول عن كتب أخري له … و النسفي المذكور يسمي تفسيره (الواضح) كما في كشف الظنون في مادة (مفاتيح الغيب) تفسير الرازي و ترجمته في الجواهر المضية، و الفوائد البهية …
عثمان بن إبراهيم بن يعقوب بن عبد الملك الآمدي المالكي أبو عبد اللّه بن أبي إسحق الملقب نور الدين استنابه القاضي بدر الدين محمد بن علي الرقي الحنفي في الحكم و القضاء بالجانب الغربي و درس بالعصمتية مجاور مشهد عبد اللّه (كذا) و كان ورعا،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 388
متدينا، توفي في الخامس عشر من ربيع الأول سنة 687 ه.
عثمان بن مسعود الواسطي أبو عمرو المالكي الملقب نور الدين.
قال ابن الفوطي سمع من شيخنا سراج الدين الشارمساحي و هو مفيد الطائفة المالكية بالمدرسة المستنصرية توفي في ذي القعدة سنة 687 ه و دفن بمقبرة معروف.
محمد بن المبارك بن يحيي بن المبارك بن علي بن المبارك بن علي بن الحسين بن بندار البغدادي، أبو نصر بن أبي سعد بن أبي الفضل بن أبي سعد الملقب كمال الدين ابن الصاحب فخر الدين المعروف بابن المخرّمي. سمع من أبي محمد الحسن بن علي بن الأمير السيد الدرة، و أبي حفص عمر بن محمد السهروردي، و عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي … و سمع منه أبو الفضل عبد الرزاق ابن الفوطي و اجاز لشيخنا احمد بن محمد الكازروني. ولد في بغداد سنة 609 ه و توفي في 25 من شهر رمضان سنة 688 ه و دفن بجنب غرفة معروف الكرخي.
في هذه السنة تقدم الملك شرف الدين السمناني صاحب ديوان العراق بإعادة الزين عميد بغداد إلي التمغات بعد أن استوفي ما عليه من بقايا الضمان بالضرب و العذاب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 389
في هذه السنة عزم الملك شرف الدين السمناني صاحب ديوان العراق علي التوجه إلي الأردو. فقصد سعد الدولة المشرف عليه مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام وزار ضريحه الشريف و أخذ المصحف متفائلا به فخرج له: يا بني اسرائيل قد انجيناكم من عدوكم و واعدناكم جانب الطور الأيمن و نزلنا عليكم المنّ و السلوي فاستبشر بذلك و أطلق للعلويين و القوام مائة دينار. فلما و صلوا إلي حضرة السلطان عزل الملك شرف الدين و رتب سعد الدولة صاحب ديوان الممالك و أمر السلطان بقتل بغانوين (بوقا) فقتل هو و أولاده و أصحابه و كان الأمير أروق أخوه في ديار بكر فأنفذ إليه من قبض عليه ثم قتله. و كان ذلك لتغير نياتهما في طاعته.
ثم إن سعد الدولة رتب في العراق أخاه فخر الدولة و مهذب الدولة نصر ابن الماشعيري و رتب معهما جمال الدين علي الدستجرداني كاتبا فوصلوا إلي بغداد و قرروا قواعد أعمالها.
ثم وصل تقدم سعد الدولة بالقبض علي الزين الحظائري ضامن التمغات و مجد الدين إسماعيل بن الياس و استيفاء ما عليهما من الأموال في ثلاثة أيام ثم قتلهما بعد ذلك فقبض عليهما و وكل بهما و عوقبا بالضرب و غيره و أخذ كل مالهما من مال و ملك. ثم قتل الزين ظاهر سوق بغداد في العشرين من جمادي الآخرة و قتل مجد الدين يوم الأربعاء في الثاني و العشرين منه تحت دار الشاطيا، و سلمت جثته إلي
أولاده. و كان قتله آخر النهار و هو صائم فطلب ماء فلما أتي به نظر إلي الشمس و قد قرب غروبها فلم يشربه. و قال للسياف اضرب ضربة واحدة فقال له نعم.
كان رحمه اللّه تعالي من محاسن الزمن عالما فاضلا أديبا جوادا سخيا كريما يكتب خطا جيدا و يقول الشعر …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 390
ثم قتل الملك ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي في تبريز و حملت جثته إلي بغداد فدفنت في رباط كان قد عمره مجاور قبر سلمان الفارسي (رض) و جعل فيه جماعة من الفقراء و وقف عليهم عدة نواح بواسط و غيرها. و كان يحب الفقراء و يواصلهم. و بني في البصرة لما كان واليا فيها رباطا و حماما و وقف الحمام و غيره عليه. و بني في المأمن الذي عمله الصاحب علاء الدين في أعمال واسط مدرسة.
ثم قتل منصور بن علاء الدين صاحب الديوان ببغداد في رجب و دفن في تربة والدته …
و في هذه السنة عزل نور الدين الصياد من واسط و رتب عوضه الملك نور الدين عبد الرحمن بن تاشان.
إن الوالي مسعود البرقوطي كان قد ألقي القبض عليه و أمسك عليه مع الأمير أروق و ذلك أن السلطان أرسل جندا مع الأمير بيتمش فقتلهما مع أصحابهما و قبض علي تاج الدين بن مختص و أوسعه ضربا و غرمه خمسين ألف دينار.
ثم أثار بيتمش اضطهادا علي النصاري الذين تظاهروا بالتصحب لمسعود و قتل منهم كثيرا في الموصل و إربل و ما جاورها من القري.
ثم ولي الموصل و سعي في توطيد الأمن إلا أنه في هذه السنة هوجمت سنجار و ما والاها من عصابات سورية فعاثوا في القري ثم إن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 391
أمير الموصل أدركهم عند الخابور و استرد منهم بعض المنهوبات.
و بعد هذا ولي الموصل أمين الدولة أخو سعد الدولة و بقي حاكما بها إلي أيام نكبة اليهود بعد قتلة سعد الدولة إلا أنه لم يبين تاريخ حكومته في الموصل بالضبط.
و دفن تحت قدمي سلمان الفارسي و كان من أكابر المتصرفين ببغداد.
و دفن في مدرسة بناها علي شاطي ء دجلة بباب الأزج. و كان ذا مال و جاه من أكبر التناة بالعراق.
كاتب السلة ببغداد.
في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد و حج من بغداد خلق كثير.
فيها سطر ببغداد محضر كتب فيه أعيان الناس يتضمن الطعن علي سعد الدولة يتضمن آيات من القرآن و أخبارا نبوية أن اليهود طائفة أذلهم اللّه تعالي، و من حاول إعزازهم أذله اللّه عز و جل فعرف سعد الدولة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 392
بذلك، فلما وصل المنفذ به أخذه منه و عرضه علي السلطان أرغون فحكمه في كل من كتب فيه فتأني في مؤاخذتهم و استعمل الحزم و حاذر عاقبة العجلة لكنه تقدم بصلب جمال الدين ابن الحلاوي ضامن تمغات بغداد فصلب بباب النوبي و ثيابه عليه و سلم إلي أهله بقية النهار.
و فيها عزل نجم الدين بن أبي العز البصري و نجم الدين عبد اللّه القوساني و عفيف الدين ربيع الكوفي من القضاء ببغداد.
و حج من العراق في هذه السنة خلق كثير و عادوا من بعض الطريق و قد نهبهم العرب.
في هذه السنة سأل السلطان عمن تخلف من أولاد شمس الدين محمد الجويني صاحب الديوان فأخبر بهم فأمر بقتلهم. و كان في تبريز منهم مسعود و فرج اللّه فقتلا و دفنا في تربة أبيهما، أما مسعود فإنه كان قد أعرس منذ ليال، و أما فرج اللّه فإنه كان صبيا في المكتب فلما أخرج ليقتل توهم أنهم يريدون تأديبه لئلا ينقطع عن المكتب فجعل يقول بالفارسية و اللّه ما بقيت أنقطع عن المكتب فرقت له الناس، و كان أخوهما نوروز في الروم فسارت الايلچية إليه فقتل هناك.
في هذه السنة انحدر مهذب الدولة ابن الماشعيري إلي واسط و قبض علي ملكها نور الدين عبد الرحمن تاشان و طوقه بالحديد و نفذه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 393
إلي بغداد علي أن يقتل بها و يحمل رأسه إليه.
و سبب ذلك أنه تحدث علي السكر أن سعد الدولة قد قتل فلما وصل بغداد و كل به في دار النيابة ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الثالث وصلت الايلچية من أردو (بايدو) و دخلوا بغداد ليلا و حضروا عند جمال الدين الدستجرداني كاتب العراق و عرفوه أن السلطان أرغون توفي و أن الأمراء قتلوا سعد الدولة قبل وفاة السلطان و أنه قد فوض أمر العراق إليه و أمر بالقبض علي فخر الدولة أخي سعد الدولة فاتفق مع الايلچية و بعض الأمراء و شحنة بغداد و قبضوا علي فخر الدولة في ربيع الآخر و أحضروا الملك نور الدين عبد الرحمن و أخرجوه من السجن و تقدموا إليه بالانحدار إلي واسط و القبض علي مهذب الدولة و حمله إلي بغداد.
فانحدر بقية الليل و قبض عليه و طوقه و أنفذه إلي بغداد.
و لما
قبض علي فخر الدولة نهب (الكلحية) و عوام بغداد داره و أدؤر اليهود كافة و أخذوا أموالهم و دام ذلك ثلاثة أيام. فركب جمال الدين في جماعة من الجنود و الكلحية و منعوا العوام عن ذلك و حبسوا جماعة منهم و قتلوا نفرين فسكنت الفتنة.
و قد فصل صاحب (تاريخ و صاف) ما جري علي اليهود من الوقائع و الانتقام منهم علي ما قام به سعد الدولة و أعوانه مما لا محل للإطناب في البحث عنه …
و لما وصل مهذب الدولة إلي بغداد حبس في دار النيابة أياما فسأل من جمال الدين أن ينقل إلي حجر البر فنقل و أحضر بعد أيام إلي الديوان و سئل عن الأموال فقال:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 394
- أما مال الديوان ففي الخزانة. و أما ما يخصني فأنت تعلم أني لم أجمع مالا … !
فأمر بضربه فضرب ثم أقعد و سئل فلم يعترف بشي ء غير الظاهر فأمروا بقتله فضرب بالسكاكين و السيوف و كان بالاتفاق في الديوان نجار قد جاء متفرجا و معه فاس فضربه عدة ضربات ثم قطع إربا إربا و تناهبه العوام فتعمم نفاط بمصرانه و طافوا به في شوارع بغداد و دروبها ثم أحرق بباب جامع الخليفة ما عدا رأسه فسلخ وحشي تبنا و طيف به في جانبي بغداد و حمل إلي واسط فعلق علي جسرها.
و قتل من اليهود شاب يعرف بابن فلالة و قطعت أعضاؤه …
و طافوا به سحبا في دروب بغداد ثم أحرق بباب جامع الخليفة أيضا.
فلما سكنت الفتنة و خرج اليهود علي عادتهم في معايشهم أشاع طائفة من العوام أن الحكام قد فسحوا في نهبهم فسارع الأشرار و السفل و الشطار في
ذلك و نهبوا دورهم و دكاكينهم فركب جمال الدين في جمع من الكلحية و كفهم عن ذلك و لم يبق بلد من بلاد العراق إلا و جري فيه علي اليهود من النهب مثل ما جري في بغداد حتي أسلم منهم جماعة ثم عادوا بعد ذلك. ثم طولب فخر الدولة و جماعة من أعيان اليهود بالأموال و ضويقوا و عوقبوا عليها فادعوا أن أموالهم نهبت من دورهم و أرسل بايدو إلي الموصل من قبض علي أمين الدولة أخي سعد الدولة و كان حاكما بها و اعتمد معه مثل ما اعتمد مع أخيه فخر الدولة. حكي أن فخر الدولة مظفر بن الطراح حرض جمال الدين الدستجرداني علي قتل مهذب الدولة و قال إن ترك لا يؤمن و خوفه من عاقبة الحال حتي أنه أوعز إليه بأن (عجل بقتله قبل أن يقتلك).
إن سعد الدولة هذا توصل إلي السلطان من طريق الطب و شرح له
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 395
أحوال بغداد، و بعد أن اقتنع منه مكنه من العراق فحصل له أموال طائلة … و عده من الناصحين له و المخلصين لمصالحه فصارت بيده خزائن المغول و نال كل سلطة و صار قوله الفصل فعين إخوته ولاة في بغداد و الموصل.. و تسلط اليهود في المملكة المغولية.. حتي إن الشعراء و الأدباء قد بالغوا في مدحه و قدموا له القصائد مملوءة بالثناء، و في خلال سنتين بلغ ما مدح به من الشعر مجلدا و أن أحد مقربيه جمعها له قال و صاف و في بغداد نسخة منه. و قد اشترك في مدحه كثيرون من عرب و عجم … و قد قيل فيه أبيات و قصائد متفرقة
لم تدخل في المجموعة و مما قيل فيه:
لا زلت يا مولي الزمان و أهله في الناس رب مواهب و منائح
سعد السعود لكل داع مخلص و لكل من يشناك سعد الدابح
و قد أضر بالمسلمين و بنفقات جوامعهم و أوقافهم فتألم الكل منه … و مما قيل من التألم منه و من توقع زواله:
يهود هذا الزمان قد بلغوا مرتبة لا ينالها فلك
الملك فيهم و المال عندهم و منهم المستشار و الملك
يا معشر الناس قد نصحت لكم تهودوا قد تهود الفلك
فانتظروا صيحة العذاب لهم فعن قليل تراهم هلكوا
و قد جري علي اليهود من المصاب عند قتله و الوقيعة بهم ما لا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 396
يحصيه قلم، أو يسعه كتاب …
كان قد توفي السلطان أرغون في 6 ربيع الأول سنة 690 ه فأرسل الأمراء إلي كيخاتوخان و كان بالروم يعرفونه وفاة أخيه فسار إليهم و جلس علي التخت يوم الأحد 23 رجب 690 ه و كان حدث خلاف بين الأمراء قبل القطع في اختيار كيخاتوخان.
كان قد جلس علي سرير الملك في 7 جمادي الأولي سنة 683 ه بالوجه المشروح …
و في الفوطي: «كان ملك السلطان أرغون نحو ثماني سنوات و كان عادلا محمود السيرة رؤوفا بالرعية» و في ابن خلدون أنه كان قد عدل عن دين الإسلام. و أحب دين البراهمة من عبادة الأصنام و انتحال السحر و الرياضة، و وفد عليه بعض سحرة الهند فركب له دواء لحفظ صحته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 397
و دوامها فأصابه منه صرع فمات …
و في الشذرات: تملك بعد عمه الملك أحمد و كان شهما مقداما، كافر النفس شديد البأس، سفاكا للدماء عظيم الجبروت. هلك في هذا العام فيقال إنه سمّ فاتهمت المغل (المغول) وزيره سعد اليهودي بقتله فمالوا علي اليهود قتلا و نهبا و سبيا …
و في دائرة المعارف الإسلامية: «استوزر أرغون بوكاي (بوقا) الذي يدين له بالعرس إلي عام 1289 م (687 ه) و في هذا العام صرف هو و جلال الدين السمنان ثم قتلا. و في غضون الأعوام التالية كانت إدارة البلاد في يد الوزير سعد الدولة … و في أثناء مرض أرغون …
قتل … و كان أرغون كأسلافه متسامحا كما كان شعوره طيبا نحو المسيحيين، و واصل أرغون المفاوضات التي بدأها آباقا مع الدولة الأوروبية … للاشتراك في محاربة مصر … » ا ه.
و قد ترجمه آخرون كثيرون و هو في الحقيقة
كانت إدارته بيد الأمراء فهو مسيّر لا مخيّر و ليس له من الأمر شي ء، و أن قتله أو سمه أسهل الأمور و قد مر من وقائعه في العراق ما يبصر بصحة ترجمته يضاف إلي ذلك أنه قتل الوزير شمس الدين الجويني و أولاده و غياث الدين كيخسرو صاحب بلاد الروم … و ليس فيها ما يشعر بالمدح و الإطراء، أو يبين عن عدل و روية بل كما قلت كان ألعوبة بيد الأمراء، تابعا لمقاصدهم و منقادا لتدابيرهم و هم أنفسهم يمثلون الحكم من خير أو شر و لو لا علي ناق و قيام الأمراء عليه لما وصل إلي الحكم … و من ثم سارت أمور
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 398
المغول علي هذه الطريقة تتدهور، و استولي عليهم أمراؤهم و تحكموا فيهم … و أوضاعها تابعة لروحية المتغلبين و سلوكهم …
و في هذه السنة وصل مظفر الدين علي بن علاء الدين عطا ملك الجويني صاحب الديوان إلي بغداد حيث اتصل به قتل سعد الدولة و كان قد هرب لما قتل أخوه منصور و التجأ إلي بعض مشايخ العرب بالسيب.
ثم توجه إلي تبريز و تزوج ببكي ابنة أرغون آغا التي كانت زوجة عمه شمس الدين. ثم جاء إلي بغداد و هي صحبته و قد استخلصت له بعض أملاك أبيه و صار بسببها ذا جاه ثم قتل بعد ذلك.
في هذه السنة أحبست الغيوث حتي انقضاء بعض شباط فاجتمع الناس عند قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني ثم خرجوا إلي مقبرة معروف (ر) يوم الخميس 27 صفر و اجتمعوا في باب المدرسة البشيرية و نصب هناك كرسي خطب عليه العدل شمس الدين ابن الهنايسي خطيب جامع الخليفة ثم تضرع الناس و سألوا اللّه عز و جل أن يعمهم برحمته و أكثروا من البكاء و الاستغفار و عادوا. ثم خرجوا يوم الجمعة إلي ظاهر سور بغداد يتقدمهم شيخ المشايخ نظام الدين محمود راجلا مستكينا و كذلك قاضي القضاة و اجتمعوا وراء جامع السلطان و خطب الخطيب المذكور، ثم تلاه الشيخ شهاب الدين عبد المحمود ابن السهروردي فأرخت السماء عزاليها و تواترت الغيوم فدخلوا بغداد و قد توحلت الطرق و دام نزول الغيث ثلاثة أيام ثم سكن وزادت دجلة بعد ذلك و انتفع العالم بما عمهم من لطف اللّه و رحمته.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 399
في هذه السنة توفي الملك المنصور قلاوون الألفي بالقاهرة و عمره (80) سنة و دفن في مدرسة بناها سماها المنصورية … و علاقته مع أصل حكومة المغول إلا أن الغوائل و الاتهامات لأمراء العراق كانت تسمع باهتمام … و تصدق في الغالب دون حاجة إلي برهان …
محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم بن القاسم بن إبراهيم المرزبان البغدادي المقري، أبو عبد اللّه بن أبي محمد الشافعي الزاز (غير منقوطة) المنعوت بالصفي المعروف بابن المالحاني.
سمع من أبي الحسن محمد بن أحمد القطيعي، و من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، و سمع من إبراهيم بن محمود بن الخير. و أجاز له إبراهيم بن إسماعيل و داود بن معمر بن الفاخر، و أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه بن أبي ياسر القطيعي المواقيتي، و أبو الفتح أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي … و حدث، سمع منه الإمام أبو العلاء الفرضي و ذكره في معجمه و قال: من أهل بغداد كان شيخا ثقة جليلا حسنا 1 ه … و قال ابن الفوطي: سمع عليه بالأنبار و كان صديق والدي كثير الترداد إليّ. مولده في شهر رمضان سنة 616 ه ببغداد..
و توفي يوم الأربعاء 26 من صفر سنة 690 ه. و دفن بالشونيزية. أجاز لأبي محمد عبد العزيز بن القادر البغدادي.
هو عبد الرحمن بن محمد بن أبي البدر ابن الأنجب القرشي الهاشمي العباسي شرف الدين بن أبي عبد اللّه البغدادي الحنبلي المعدل. سمع من جماعة. كان شيخا مقربا، ثقة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 400
جليلا عالما، عدلا، صحيح السماع. سمع منه عبد الأحد بن سعد اللّه ابن نجيح بالمظفرية شرقي بغداد. مولده في رمضان سنة 615 ه و توفي بالبيمارستان العضدي يوم الاثنين 10 رجب سنة 690 ه.
محمد بن سعد بن المظفر البغدادي أبو عبد اللّه و أبو الخير و يكني أبا سعد المنعوت بالشمس. سمع من الأعز بن العليق، و من أبي الفضل محمد بن علي بن أبي السهل المقري و من أبي بكر محمد بن سعيد بن الخازن، و من المؤتمن يحيي بن أبي السعود نصر ابن القميرة. و حدث، و سمع منه أبو العلاء الفرضي و ذكره في معجمه.. و قال: من أهل بغداد كان شيخا، زاهدا، عارفا، عابدا. حسن السمت من بيت التصوف، و كان شيخ رباط الأخلاطية غربي بغداد ا ه … مولده في حدود سنة 629 ه. توفي ليلة السبت 5 شوال سنة 690 ه و دفن في الشونيزية إلي جانب والده.
في هذه السنة أمر السلطان كيخاتوخان بإنفاذ أميرين هما ساطي و بكتمر إلي العراق لتصفح الأعمال و عمل الحساب. فقدما بغداد فقام جمال الدين الدستجرداني بين ايديهما فأقاما شهورا و اعتمدا ما أمرا به ثم عادا فمات ساطي و ولده و نساؤه جميعا في أيام قلائل. و جمع جمال الدين مال العراق ثم وجهه و حصل سلاحا كثيرا و توجه بذلك إلي حضرة السلطان فأنعم عليه و أقره علي (ولاية العراق) و رتب معه رفيقين هما أثير الدين التستري ابن أخت مجد الدين محمد ابن الأثير و تاج الدين علي تاشان و سيرهم جميعا مع أمير اسمه (نيطاق) فكانوا بالعراق إلي آخر السنة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 401
ولما توجه جمال الدين استخلف علي بغداد سعد الدين أسد ابن الأمير علي جكيبان فناب عنه إلي حين عودته.
أحمد بن علي الموصلي أبو علي الملقب شرف الدين المعروف بالشهرستاني معيد النظامية. قال ابن الفوطي سمع معنا علي مجد الدين أبي الفضل عبد اللّه بن بلدجي جامع الأصول بروايته عن مصنفه مجد الدين ابن الأثير. و كان مواظبا علي سماع الأحاديث و مجالس الذكر، متوددا جميل الاخلاق ا ه.. و كان عالما، فاضلا توفي في شوال سنة 691 ه.
ولي السلطان كيخاتو صدر الدين أحمد بن عبد الرزاق الخالدي الزنجاني ديوان الممالك و فوض إليه تدبير ملكه، و لقب (صدر جهان) كما أن أخاه قطب الدين اختير لمنصب قاضي القضاة و نعت ب (قطب جهان) و فوض إليه أمر النظر في الأوقاف و بيت المال، و أبواب البر و الصدقات و سائر المصالح الدينية و المطالب الشرعية …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 402
في هذه السنة وثب باطني علي نقاجو أمير المسلحة بالعراق علي رأس الجسر العضدي ببغداد و ضربه بخنجر عدة ضربات قتله بها و شد هاربا فمد له رجل اصفهاني رجلا علي الجسر فسقط فقبض، فجعل يقول «فداء الملك الأشرف! فداء الملك الأشرف!» فسلم إلي ابن نقاجو فمثل به و قطع أطرافه و هو حي …
أمر السلطان كيخاتوخان شمس الدين محمد التركستاني المعروف بالسكورجي بالمسير إلي العراق واليا عليه مزيلا عن الرعية ما جدد عليهم من الأثقال فلما دخل بغداد أظهر العدل و الإحسان و حسن النظر في أحوال الناس و اجراهم علي أجمل القواعد و نظر في أمر الوقوف و أجري أربابها علي شروط الواقفين و أدر عليهم الأخباز و المشاهرات و وعد الناس بأشياء يخاطب فيها السلطان و يعتمدها معهم فلم تطل أيامه و قتل علي ما نذكره.
اتصل بالسلطان أن في بلاد واسط و سوادها جماعة من الأعراب الباغية المفسدين فأمر بايدو بالمسير إلي هناك و قتلهم و نهبهم فسار من سياه كوه إلي بغداد و انحدر إلي واسط حتي وصل إلي آخر أعمالها و لم يتعرض بأحد و لا ثقل علي الرعية فلما عاد شرع في نهب القرايا و أخذ الأموال و الجواميس و البقر و أسر الذراري و سبي النساء كل ذلك من الرعية …
و أما الفئة الباغية فإنها اعتصمت بالبطائح فلم يقدر عليها و صادف عسكره سفن التجار الواصلين من البحر فنهبوا بعض ما فيها من القماش
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 403
و خرجت الأعراب من البطائح فنهبوا الباقي و أحرقوا بعض السفن فأصبح التجار عراة حفاة لا يقدرون علي شي ء.
ثم انفذ بايدو جماعة من العسكر إلي عين التمر و الكبيسات فنهبوا الرعية و سبوا و أسروا و عملوا كل منكر و عادوا إلي بايدو و قد وصل إلي بغداد فتكمل معهم زيادة علي ثلاثين ألف أسير. ثم رحل من بغداد راجعا إلي سياه كوه.
ثم توجه شمس الدين محمد السكورجي إلي السلطان و أخبره بما فعل بايدو بالرعية فأنكر عليه ذلك و أمر بحبسه فحبس في خركاه (نوع خيمة) ثلاثة أيام ثم كلم فيه فأطلقه و استخلص من العسكر بعض الأسري و سلموا إلي شمس الدين محمد السكورجي فكساهم و عاد إلي بغداد و هم صحبته فأطلقهم فتوجهوا إلي أهليهم.
و في هذه السنة وضع صدر الدين صاحب ديوان الممالك بتبريز (الجاو) و هو كاغد بشكل مستطيل عليه تمغة السلطان عوض السكة علي الدنانير و الدراهم و في أعلاه كلمة (لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه) و أمر الناس أن يتعاملوا به و دعوا للتعامل به و بعض الشعراء حبب للناس هذا و جعله فاتحة خير و سعادة … و اتخذوا لصنعه دار ضرب و عينوا لها الموظفين … و كل ما فعلته الحكومة من الدعاية له لم يجد نفعا، و لم يروا ما يقوم مقام الذهب الأحمر و لا الفضة البيضاء و كان من عشرة دنانير إلي دون ذلك حتي ينتهي إلي درهم و نصف و ربع فتعامل به أهل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 404
تبريز اضطرارا لا اختيارا بالقسر و القهر فاضطربت أحوالهم اضطرابا اضربهم و بغيرهم حتي تعذرت الأقوات و سائر الأشياء و أنقطعت المواد من كل نوع. فكان الرجل يضع الدرهم في يده تحت (الجاو) و يعطي الخباز و القصاب و غيرهما و يأخذ حاجته خوفا من أعوان السلطان.
و في لغة الجغتاي جاء بلفظ (چاو) بالچيم الفارسية و يراد به النقود القرطاسية المعروفة عندنا بالأوراق النقدية و تتداول بمقام النقود الذهبية و الفضية و الفلوس و هي شائعة عند المغول مثل الباليش كما
أن تنگة من نقودهم إلا أن تنگة من النقود الفضية أي الدراهم أو ما هو من نوعها و قد مرت في هذا الكتاب بلفظ (دناكش) و لم يألف الناس التداول بالأوراق إذ ذاك لا في العراق و لا في الممالك المجاورة له فكان من الصعب الأمر بالتداول بها و تنفيذ هذا الأمر و لا تزال المصاعب مشهودة في كل تغير من هذا النوع. و قد بين مؤرخون كثيرون مثل و صاف و جامع التواريخ ما أصاب الناس من الضيق و التضييق علي التعامل بها …
و نسب إلي الوزير اختراعه و هو مضطر علي قبوله و تنفيذ أمر الحكومة و لم يكن من عمله …
و في أيام المغول كان يستعمل في الصين (البالش أو الباليش) و قد مرت الإشارة عنه إلا أن قيمته تختلف عن الجاو. و البالش بقيمة عشرة دنانير إذا كان ورقا؛ و بقيمة خمسمائة مثقال، أو مئتي بالش ورقي و يساوي ألفي دينار و أما البالش الفضي فإنه يساوي عشرين من البالش الورقي و قيمته مائتا دينار … و قد تداول الچاو أيام بايدوخان و أيام غازان في أوائل سلطنته … كذا قيل و فيما يأتي ما يخالف ذلك فقد ألغي الچاو في سلطنة كيخاتو …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 405
ثم حمل منه عدة أحمال إلي بغداد صحبة الأمير لكزي ابن ارغون آقا فلما بلغ ذلك أهلها استعدوا بالأقوات و غيرها حيث عرفوا ما جري في تبريز فلما أنهي ذلك إلي السلطان كيخاتو أمر بإبطاله فأبطل قبل وصول لكزي إلي بغداد و كفي اللّه العالم شره.
من حين انقراض الخلافة إلي مدة ليست بالقليلة تداولت نقودها، و لا تزال دفائنها تظهر بين آن و آخر، و هي موجودة بكثرة في المتاحف و الخزائن … أما المغول فقد مر بنا القول عن بعض نقودهم، و أن الآبقائية كانت متداولة و معروفة، و كذا الباليش المتعامل به أيام جنگيز و السلطان محمد و جلال الدين منكوبرتي من الخوازرمشاهية و قد تكلمنا عن الدناكش … و اليوم لم يعرف إلا بعض النقود الفضية و النحاسية لجنگيزخان و كيوك، و مونكو (مونككا)، أو ما هو مشترك بين هذا و بين هلاكو، أو ما هو باسم هلاكو خاصة مما هو موجود في بعض المتاحف إلا أننا لم نعثر علي نقود من ضرب هلاكو في بغداد و إنما هناك ما ضرب في الموصل. و في أيام آباقاخان ضربت نقود في الموصل سنة 683 و 678 ه، و في البصرة و أما في تبريز فالمضروب كثير و في أيام السلطان أحمد كان الضرب في تبريز، و في أيام كيخاتو كان الضرب في تبريز أيضا.
و النقود في هذا العصر لا تخلو من التأثر بالنقود العباسية و أنها قريبة منها أو مماثلة … و في كلها الطابع الإسلامي بارز حتي لغير
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 406
المسلمين من ملوكهم، و فيها كلمة الشهادة، و أيام حكومة المسلمين منهم أضيف إليها اسماء الخلفاء الراشدين.
و في هذه السنة وصل بغداد الملك إمام الدين يحيي القزويني البكري و فخر الدين الرازي العلوي. و قد فوض إليهما (أمر العراق) فأقاما إلي آخر السنة ثم توجها إلي السلطان و استخلفا جمال الدين الدستجرداني علي بغداد.
و فيها وصل إلي بغداد زين الدين محمد الخالدي علي أنه قاضي القضاة متولي الوقوف و الوكالة و التركة و المقاطعات و الجوالي. فلم يمض شمس الدين محمد السكورجي له من ذلك غير القضاء و الحسبة فحكم إلي آخر السنة و عاد إلي الأردو و استخلف أحد أصحابه علي منصبه. و هو أخو صدر جهان قطب جهان …
في هذه السنة قتل الملك الأشرف ابن الألفي فخلفه الشجاعي و تلقب بالملك القاهر و بعد قليل قتل و سلطن أخو الملك الأشرف و كان صبيا ثم أعلن كتبغا سلطنته …
و كان عالما فاضلا يكتب خطا حسنا.
في مشهد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 407
موسي بن جعفر و حمل إلي جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.
هو غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن موسي المعروف بابن طاوس الفقيه النسابة النحوي العروضي. كان قد ولد في شعبان سنة 648 ه و توفي بالكاظمية في شوال سنة 693 ه. قال في كنز الأديب:
«كان جليلا ورعا». و قال ابن داود: «الفقيه، النسابة، النحوي، العروضي، الزاهد، العابد، أبو المظفر.. و كان أوحد زمانه، حائري المولد، حلي المنشأة، بغدادي التحصيل، كاظمي الخاتمة. ولد سنة 648 ه و توفي سنة 693 ه في شوال.
و له ولد اسمه أبو الفضل محمد ولد في سلخ المحرم سنة 670 ه و له ولد آخر يدعي رضي الدين أبا القاسم.
و قد أطنب صاحب روضات الجنات في ترجمته. و له كتاب الشمل المنظوم و كتاب فرحة الغري و غير ذلك.
و كان كاتبا بارعا، له شعر و ترسل، و كان رئيسا كتب لمتولي إربل ابن الصلايا، ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان ثم إنه فتر سوقه في دولة اليهود، ثم تراجع بعدهم و لم ينكب إلي أن مات، و كان صاحب تجمل و حشمة و مكارم أخلاق و فيه تشيع و كان ابوه واليا بإربل، و من مصنفاته الأدبية المقامات الأربعة و رسالة الطيف المشهورة و غير ذلك. كذا في فوات الوفيات و جاء فيه أنه مات سنة 692 ه و ذكر جملة صالحة من شعره …
صحيح اسمه أبو الحسن بهاء الدين علي بن فخر الدين عيسي بن أبي الفتح الإربلي و قد ذكره صاحب تاريخ مفصل ايران و صاحب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،
ج 1، ص: 408
روضات الجنات. و من اشهر كتبه كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة و هو معتبر في تاريخ الائمة الاثني عشر. و فيه صرح بفكره و لم يداج في عقيدته و جاهر بذلك. و الكتاب يعتمد علي كتب كثيرة ينقل منها نصوصها عينا و لا يخلو من فوائد تاريخية. و في آخر المجلد الأول ذكر أنه اتمه في 3 شعبان سنة 678 ه ببغداد و فيه اجازة من مؤلفه سنة 691 ه لمجد الدين الفضل بن يحيي بن علي بن المظفر الطيبي الكاتب بواسط و هذا ذكر من أجازهم به و هم جماعة من مشاهير العصر. و لا محل الآن للتفصيل عنهم و في آخر المجلد الثاني قال: كمل الكتاب و تم بحمد اللّه و عونه في 11 رمضان سنة 687 ه و أن الطيبي المذكور قرأه علي مصنفه.
طبع في ايران علي الحجر في رجب سنة 1294 ه.
و في تاريخ ابن أبي عذيبة ترجمة مفصلة له. قال و خلف تركة عظيمة محقها ابنه أبو الفتح و مات صعلوكا بإربل.
و عمره نحو 80 سنة كان كثير الفضائل و يعرف علما كثيرا منه العربية و نظم الشعر و علم الإنشاء كان فيه أمة و علم التاريخ و علم الخلاف و علم الموسيقي و لم يكن في زمانه من يكتب المنسوب مثله و فاق فيه الأوائل و الأواخر و به تقدم عند الخليفة و كانت آدابه كثيرة و حرمته وافرة و أخلاقه حسنة و قد حكي ترجمة نفسه للعز الإربلي الطبيب بصورة مفصلة نقلها عنه في فوات الوفيات. و مهارته في الموسيقي مشهورة كتب الرسالة الشرفية فيه و هذه الرسالة «الشرفية» أولهما: أحمد اللّه علي آلائه
… الخ منها نسخة في دار الكتب المصرية قسم الفنون الجميلة، و أخري برقم 598 منقولة بالتصوير الشمسي من كتبة طوپقپو رقم 2130 في 112
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 409
لوحة، و نسخة برقم 348 بالتصوير الشمسي أيضا (راجع نشرة الموسيقي و الغناء لدار الكتب المصرية ص 11.
و قال صاحب كشف الظنون إن صاحبها من رجال هذا الفن و من له اليد الطولي، و كذا الخواجة عبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي، فيه كتب عديدة كشف الظنون ج 2 ص 59. و للصفي من المصنفات «الاوار» ذكره في الضوء اللامع (الضوء اللامع ج 4 ص 6). و الأدوار في الموسيقي منه نسخة في مكتبة نور عثمانية رقم 3653 و أخري في دار الكتب المصرية قسم الفنون الجميلة 349 بخط عبد الكريمابن السهروردي كتبت سنة 727 ه بآخرها رسالة في الموسيقي. و كذا (شرح دائرة الأصل الأول- الراست) نقلا عن صفي الدين عبد المؤمن..
و فيها أنه توفي في صفر سنة 693 ه (راجع نشرة الموسيقي و الغناء لدار الكتب المصرية ص 11.
و قال ابن الطقطقي عنه: «كان قد صار في آخر أيام المستعصم مقربا عنده، و من خواصه، و كان قد استجد (الخليفة) في آخر أيامه خزانة كتب؛ و نقل إليها من نفائس الكتب و سلم مفاتيحها إلي عبد المؤمن فصار عبد المؤمن يجلس بباب الخزانة ينسخ له ما يريد، و إذا خطر للخليفة الجلوس في خزانة الكتب جاء إليها و عدل عن الخزانة الأولي التي كانت مسلمة إلي الشيخ صدر الدين علي ابن النيار … الخ» ا ه.
كاتب السلة.
و كان حاذقا في علم الطب محمود العلاج …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 410
قتل السلطان كيخاتو
في هذه السنة تغيرت نيات الأمراء في طاعة السلطان كيخاتو و راسلوا بايدو و كان في (دقوق) يعرفونه أنهم اتفقوا علي طاعته و تمليكه فأعاد الجواب بقبول ذلك و وعدهم بالإجابة إلي ملتمساتهم فقبضوا علي السلطان كيخاتو و قتلوه.
قتل السلطان كيخاتو بن آباقاخان في ربيع الآخر و في رواية في 6 جمادي الاولي من هذه السنة و كان عمره آنئذ نحو ثلاثين سنة و قد لفظ أبو الفداء اسمه (كيختو) مرارا و في الفوطي (كيغاتو) و شائعها (كيخاتو) و هو الصحيح. ولي السلطنة بعد أخيه و جعل وزيره الخواجة صدر الدين أحمد الخالدي الزنجاني في ذي الحجة سنة 691 ه و وصف صاحب تاريخ كزيده السلطان بأنه صاحب أهواء نفسية، لا يبالي بالمحرمات و يتعاطي الفجور بأنواعه من زنا و لواطة … قال أبو الفداء و سبب قتله أنه أفحش في الفسق في ابناء المغول فشكوا ذلك إلي ابن عمه بايدو فاتفق معهم علي قتله فعلم و هرب فتبعوه و عقبوه بسلاسلار من أعمال موغان و قتلوه بها.
و الظاهر أن السبب الذي أورده أبو الفداء- كما في تاريخ كزيده- من تعاطي المحرمات كان أحد دواعي قتله و لم يكن الغرض التشنيع عليه ليظهروه متهتكا. فالأمراء أرادوا القضاء عليه لما مرّ من الأعمال … فخرجوا عن طاعته و أساسا اتخذ ذلك وسيلة إذ من أمد خرج الحكم من أيدي ملوك المغول و صار لأمرائهم بحيث تحكموا فيهم فلا يقطعون أمرا دونهم …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 411
و من وقائعه غير ما مر من حوادث العراق أنه إثر وفاة السلطان ارغون قد خرج عن الطاعة الاتابك افراسياب الفضلوي اتابك اللر و استولي علي أصفهان
فبعث كيخاتوخان عليه جيشا فنكل به و بقي افراسياب حيا إلي أيام السلطان غازان. و هذا قتله و نصب أخاه الأتابك نصرة الدين أحمد علي مملكة اللر. و قضي علي غوائل أخري إلا أنه اشتهر بالإسراف و البذل في سبيل الأهواء لدرجة لا تطاق، و من آثار ذلك أن أصدر الجاو و شدد في لزوم التعامل به إلي أن حصلت نفرة عامة و اضطربت الحالة الاقتصادية و السياسية معا … فاتفق الأمراء علي قتله فقتلوه بالوجه المشروح …
و قد ذكر أبو الفداء و الفوطي و جامع التواريخ و تاريخ كزيده حياته في السلطنة و الحكم مما لا مجال للإطالة فيه فهو خارج عن حدود نطاق تاريخنا …
سلطنة بايدو: بعد أن قتل كيخاتوخان أرسل الأمراء وراء بايدوخان ابن طرغاي خان بن هلاكوخان يعرفونه ذلك فوافاهم و ولي السلطنة في جمادي الأولي من هذه السنة. و لم يستقر في الملك حتي ظهر (غازان) لحربه و مقارعته كما سيجي ء:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 412
ثم إن السلطان بايدوخان أرسل الأمير چارغتاي إلي بغداد و أمره بالقبض علي محمد السكورجي و حمله إليه و ولي جمال الدين الدستجرداني العراق فوصل بغداد يوم السبت 18 ربيع الأول و قبض علي محمد السكورجي و أبيه و أخيه و عمه و جميع أهل بيته و أصحابه و نهب أموالهم و كل ما في دورهم و حمل محمدا إلي بايدو و هو في نواحي (البت) فأمر بقتله فقتل و قطعت اعضاؤه و حمل رأسه إلي بغداد و يداه و علق الجميع علي الجسر.
و كان جمال الدين الدستجرداني معتقلا لإيضاح بقايا العراق مع أصحاب محمد السكورجي فأحضره الأمير جارغتاي إليه و ولاه أمر العراق فركب و سكن الناس و كانوا قد اضطربوا و انزعجوا لما قبض علي محمد السكورجي ثم جلس في الديوان و طلب فخر الدين مظفر بن الطراح صدر الحلة و كان موكلا به مع أصحاب محمد السكورجي علي بقايا الحلة فولاه قوسان و واسط و البصرة عوضا عن نور الدين عبد الرحمن بن تاشان.
و ولي الأمير دولة شاه بن سنجر الصاحبي الحلة، و رتب شمس الدين محمد زرديان مشرفا بواسط، و رتب عز الدين محمد بن شمام ناظرا لنهري عيسي و ملك، و عين النواب في سائر الأعمال …
ثم أخذ في جمع الأموال الديوانية و كلف أرباب الأموال من أهل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص:
413
بغداد و التجار و التتار و غيرهم شيئا علي وجه المساعدة و حمل ذلك إلي بايدو أولا فأولا ثم توجه إلي بايدو و عين في العراق نور الدين عبد الرحمن بن تاشان، و شرف الدين بديع. فلما وصل إلي بايدو و الأموال صحبته ولاه (ديوان الممالك) و فوض إليه تدبير الملك.
لما بلغ غازان بن ارغون خان ما جري علي السلطان كيخاتو و كان في خراسان عظم ذلك عليه و أقبل بعساكره و معه الأمير نوروز و قصد بايدو و هو بأذربيجان. فلما قرب منه أرسل إليه نوروز ينكر عليه قتل عمه. فاعتذر بالأمراء و ركب عليهم الحجة في ذلك و طلب من نوروز أن يصلح الحال بينهما فعاد إلي غازان و عرفه ذلك فترددت الرسل بينهما حتي تم الصلح إلا أن نوروز لما أقام عند بايدو أخذ باستمالة المغول فمال أكثر الأمراء إلي غازان. و لما استوثق نوروز من المغول في الباطن كتب إلي غازان بخراسان و أمره بالحركة فتحرك غازان و بلغ بايدو ذلك فتحدث مع نوروز في الأمر فقال نوروز لبايدو أرسلني إلي غازان و بلغ بايدو ذلك فتحدث مع نوروز في الأمر فقال نوروز لبايدو أرسلني إلي غازان لأفرق جمعه و أرسله إليك مربوطا فاستحلف بايدو نوروز علي ذلك و أرسله فسار نوروز إلي غازان و أعلمه بمن معه من المغول و عمد نوروز إلي قدر فوضعها في جولق و ربطه و أرسل بذلك إلي بايدو و قال و فيت بيميني حيث ربطت غازان و بعثته إليك و قازان اسم القدر بالتتري فلما بلغ بايدو ذلك جمع عساكره و سار إلي جهة غازان و التقي الجمعان بنواحي همدان فخامر اصحاب بايدو عليه
و صاروا مع غازان فولي بايدو هاربا بنفر من أصحابه فأدركوه و حملوه إلي غازان فأمر بتسليمه إلي اصحاب كيخاتو فسلم إليهم فقتلوه. و كان ذلك في شوال. و كان عمره نحو أربعين سنة و ملكه سبعة أشهر. و علي رواية تاريخ كزيده ثمانية أشهر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 414
و قتل في أواخر ذي القعدة، و في تاريخ مفصل ايران أنه قتل في 23 ذي القعدة و في أبي الفداء أنه قتل في ذي الحجة. و التواريخ متقاربة و لعل مبناها وصول الخبر و تاريخه … و سبب القيام عليه امراؤه فإنه لم يتمكن منهم بسبب خرقه و عدم تمكنه من القبض علي زمام الإدارة و قضائه علي أصحاب النزعات …
ثم جلس السلطان غازان بن ارغون علي التخت في سلخ ذي الحجة و دخل تبريز و صلي في جامعها … و ولي أخاه خدابنده خراسان علي قاعدته لما كان هناك، و جعل نائبه الأمير نوروز بن ارغون آغا و ولي الأمير طغاجار الروم فسار إليها.
قال في الدرر الكامنة: و حسن له نائبه نوروز فأسلم سنة 694 ه و نثر الذهب و الفضة و اللؤلؤ علي رؤوس الناس و فشا بذلك الإسلام في التتار … و كان إسلامه علي يد صدر الدين إبراهيم بن سعد اللّه بن حمويه الجويني و عمره يومئذ بضع و عشرون سنة و كان يوم إسلامه يوما عظيما، دخل الحمام فاغتسل و جمع مجلسا و شهد شهادة الحق في الملأ العام فكان لمن حضر ضجة عظيمة و ذلك في شعبان سنة 694 ه و لقنه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 415
نوروز شيئا من القرآن و علمه الصلاة و
صام رمضان تلك السنة … و لما أسلم قيل له إن دين الإسلام يحرم نكاح نساء الآباء و كان قد استضاف نساء أبيه إلي نسائه و كان احبهن إليه بلغان خاتون و هي أكبر نساء أبيه فهم أن يرتد عن الإسلام فقال له بعض خواصه إن أباك كان كافرا و لم تكن بلغان معه في عقد صحيح إنما كان مسافحا بها فاعقد أنت عليها فإنها تحل لك ففعل و لو لا ذلك لارتد عن الإسلام و استحسن ذلك من الذي افتاه به لهذه المصلحة …
و قد ذكر ابن بطوطة في رحلته (تحفة النظار): أن التتر يسمون المولود باسم أول داخل علي البيت عند ولادته … و قازان و قازغان هو القدر قيل سمي بذلك لأنه لما ولد دخلت الجارية و معها القدر و يلفظ في الغالب (غازان) و هو المعروف عند الترك في مؤلفاتهم و نطقهم … و إلي التسمية أو اللفظ أبهم نوروز في حلفه و أوهم أنه يريد السلطان كما تقدم …
و من حين جلس السلطان غازان أصدر يرليغا في دعوة المغول إلي قبول الإسلامية، و أن يحكموا بالعدل بين الناس، و أن تقوض دور الأصنام و الكنائس و معابد المجوس و تحول البيع إلي مساجد … و أمر بإلزام أهل الذمة الغيار فكانت علامة النصاري شد الزنار في أوساطهم و اليهود خرقة صفراء في عمائمهم فداموا علي ذلك شهورا ثم أزيل بمجرد تسلط العوام عليهم و طمع الجهال فيهم.
و تقدم السلطان بأخذ دار علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 416
النصاري فإنها كانت بأيديهم من حيث ملكت بغداد و أزيل ما بها من التماثيل و الخطوط السريانية و استعيد الرباط الذي تجاه هذه الدار المعروف بدار الفلك و كان قد جعله النصاري مدفنا لأكابرهم فأزيلت القبور منه و صار مجلسا للوعظ. جلس فيه الشيخ شرف الدين محمد بن عكبر و كان يجتمع عنده خلق كثير.
ثم ولي الأمير بوغولدار (شحنة بغداد) و رتب شرف الدين السمناني صاحب الديوان بها و رتب جمال الدين عبد الجبار البصري قاضي قضاة بغداد نقلا من قضاء البصرة و عزل عز الدين أحمد ابن الزنجاني عن قضاء القضاة حيث كف بصره …
ثم إن جمال الدين الدستجرداني تقدم إلي نور الدين عبد الرحمن نائبه ببغداد فأخذ فخر الدين مظفر ابن الطراح صدر واسط و البصرة و قتله فانحدر إلي واسط و قبض عليه و علي اصحابه ثم دوشخ و طوق و أسمع كل قبيح و أخذ خطه بأنه وصل إليه شي ء كثير من الأموال و أشهد عليه بذلك القاضي و العدول ثم حمله إلي بغداد و وكل به أياما. ثم ضرب و عوقب و قتل و حمل رأسه إلي واسط و علق علي الجسر بعد أن طيف به في شوارعها و سوقها.
و كان جوادا سخيا كريما ذا ناموس عظيم و سياسة يخافه الأعراب و سائر الرعايا. خدم في أعمال العراق، ناب في صباه عن نجم الدين ابن المعين في الحلة. ثم ولي ناظر طريق خراسان و ناب عن الملك فخر الدين منوجهر ابن ملك همذان في واسط. فلما سافر إلي بلاده استقل بالحكم فيها
و أضيف إليه قوسان و البصرة. ثم عزل و رتب صدرا في الحلة و الكوفة و السيب. ثم نقل إلي صدرية واسط و بقي مدة ثم عزل و رتب صدرا بالحلة و الكوفة و السيب ثم نقل إلي صدرية واسط و بقي مدة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 417
ثم عزل و رتب صدرا بالحلة و السيب ثم عزل و أعيد إلي واسط مرة أخري ثم عزل و أعيد إلي الحلة و السيب. ثم نقل في هذه السنة إلي صدرية واسط و قوسان و البصرة و آلت حاله إلي القتل. و دفنت جثته في مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام و كان قد تجاوز في العمر ستين سنة. و كان يقول الشعر الجيد. و له أشعار كثيرة مدح بها الصاحب علاء الدين ابن الجويني و أخاه شمس الدين. و آخر ما قاله و هو في السجن بدار النيابة ببغداد قبل أن يقتل بأيام وجدت بخطه:
القول فيما مضي من عمرنا هذر فدعه و اصبر لما يأتي به القدر
و استشعر الصبر إن تأتيك نائبة فالصبر أجمل ما حلي به البشر
إلي أن يقول:
و كل حادثة في الدهر هينة إذا غدا سالما في طيها العمر
قل للعتاة من الغايات و يحكم طيبوا فقد فقد الرهبالة الذمر
و قل لبيض السيوف المرهفات لدي الاغماد قري فقد أودي به القدر
مضي المظفر ليث الغاب عن كثب فليهن اعداءه من بعده الظفر
و كان يسلك نور الدين في أيام حكمه قاعدة بهاء الدين بن شمس الدين الجويني صاحب ديوان الممالك في التمثيل و شناعة القتل و أحدث
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 418
القنارة بواسط كما أحدثها بهاء الدين في اصفهان و كانت قد نسيت
من عهد البساسيري.
و كلستانه و بوستانه و كلياته معروفة. و له قصيدة في واقعة بغداد علي يد هلاكو قالها باللغة العربية يتألم بها للمصاب و مطلع قصيدته في واقعة بغداد:
حبست بجفني المدامع أن تجري فلما طغي الماء استطال علي السكر
نسيم صبا بغداد بعد خرابها تمنيت لو كانت تمر علي قبري
و له المكانة الأدبية في أنحاء العراق بآثاره المذكورة فالاهتمام بها كبير جدا و قد ترجم الكلستان للتركية مرارا، و للعربية أيضا … و لا تزال بقية في العراق تدرس كلستانه و كلياته …
الإمام عز الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم ابن عمر الواسطي الشافعي المقري الصوفي شيخ العراق ولد بواسط في ذي القعدة سنة 614 ه و مات بواسط في أول ذي الحجة سنة 694 و تفصيل ترجمته في الشذرات. و فاروث قرية علي دجلة.
سكن بغداد و نشأ بها، و أبوه هو الذي عمل الساعات المشهورة علي باب المستنصرية ببغداد. و كان مظفر الدين إماما عظيما، فاضلا، و له
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 419
تصانيف منها (مجمع البحرين) في الفقه، أسسه علي قواعد لم يسبق إليها، و شرحه في مجلدين كبيرين، اختصر و قد اختصر العيني هذا الشرح و سماه المستجمع في شرح المجمع و زاد فيه مذهب الإمام أحمد، و في كشف الظنون إيضاح عن تاريخ تأليف المجمع و أنه فرغ منه في 8 رجب لسنة 690 ه. و النسخة التي بخط مؤلفه رآها كاتب چلبي في مكتبة فاتح في استانبول. و الكتاب من معتبرات كتب الحنفية … و له ابن أخت هو تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب المعروف بالساعاتي أيضا المتوفي سنة 664 ه و هو من شيوخ الإجازة، و للمترجم المظفر بنت فقيهة اسمها فاطمة … و علي كل نال المترجم شهرة عظيمة في الفقه الحنفي و لا يزال كتابه يعد من الكتب المعتبرة و المعول عليها عند الحنفية …
و من مؤلفاته كتاب البديع في الأصول. جمع فيه بين أصول البزدوي و أحكام الآمدي قائلا في خطبته إنه لخصه من كتاب الأحكام، و خصه بالجواهر النفيسة من أصول فخر الإسلام، و جعله حاويا للقواعد الكلية و الأصولية، مشحونا بالشواهد الجزئية الفروعية..
و له (كتاب الدر المنضود في الرد علي فيلسوف اليهود)
و يعني بفيلسوف اليهود ابن كمونة اليهودي صاحب كتاب (تنقيح الابحاث عن الملل الثلاث). و النسبة إلي بعلبك بعلي. قال ابن رافع: و كتب المنسوب. أجاز لشيخنا أبي حيان النحوي قاله ابن رافع في تاريخه …
(منتخب المختار).
هذا و قد ورد في صحيفة 369 أنه كتاب الأبحاث عن الملل الثلاث (لا تنقيح الابحاث).. فاقتضي التنبيه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 420
أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر، روي عن ابن القسطي، و وقف كتبه علي تربته بسفح قاسيون و كان نبيلا، سريا جمع تاريخا ذيل به علي المنتظم و توفي في صفر عن 63 سنة و هو أبو الواعظ نجم الدين.
وقعت حادثة رجل أعجمي يعرف بتاج الدين الدامغاني قد قتل في درب حبيب أنه اتهم به جماعة و حبسوا فحصل الحماة بقية النهار علي قاتله فاعترف بالقتل. و لذا ضرب في يديه مسامير إلي لوح وراء ظهره و طيف به بجانبي بغداد. ثم سمر بباب السور و عمل عليه بقية الشمس ليطول عذابه فبقي أياما ثم قتل بعد ذلك علي خشبته و هو قوي الجنان فتري الفظاعة في العقوبة و الشدة في المغالاة في تنفيذها.
في هذه السنة رتب جمال الدين الدستجرداني أخاه عماد الدين نائبا عنه ببغداد حيث توفي نور الدين عبد الرحمن ابن تاشان. و كان قليل المعرفة بأحوال العراق فأعتمد علي عز الدين محمد بن شمام في ذلك فكان هو الحاكم و عماد الدين صورة.
و عزل شرف الدين السمناني صاحب ديوان الممالك و رتب عوضه جمال الدين الدستجرداني فلم تطل أيامه و قتل في سنة 696 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 421
و في رجب من هذه السنة سير السلطان غازان إلي بغداد أميرا اسمه توختاي لتصفح أعمال العراق و سير معه سعد الدين أسد بن علي مشرفا علي العراق فقدما بغداد و قبضا علي شرف الدين بديع و كان مشرفا به فهرب من الموكلين عليه بعد شهر و لحق بنوروز بخراسان.
و أما توختاي و سعد الدين فإنهما جمعا جباية وافرة من السلاح و برزا بها إلي الكوشك بظاهر باب الحلبة في شوال منها.
ففي بعض تلك الأيام ركب سعد الدولة عامد توختاي يريد داره ببغداد و ذلك وقت العتمة في نفر يسير من أصحابه غير مستظهر بسلاح و لا عدة، فلما جاز باب الظفرية تواثب عليه رجالة ملثمون من رجالة الحلة و ضربوه بالسيوف و الخناجر فجرحوه في رأسه و يده اليسري و كادوا يقتلونه فهرب أصحابه عدا غلام توختاي فجعل يضرب قطاة بغلته و يحثها و جعل سعد الدين يدافع عن نفسه بالمقرعة فنجا و لم يكد، و كانت نجاته من العجب الذي هو فرج بعد شدة، و كان ذلك بوضع جمال الدين الدستجرداني و كان المدبر لهذه القضية حسن بن مجهر، و هو من بطانته.
و هو ابن عم مجد الدين محمد ابن الأثير.
انحدر إليها فمرض و مات، و ولي بعده ولده عماد الدين قضاء القضاة ببغداد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 422
في المحرم سار السلطان غازان يريد العراق. فلما وصل همذان بلغه أن نوروز قد تغيرت طاعته في نيته و فسدت سريرته و بالتعبير الأصح أن صدر الدين الخالدي المعروف بصدر جهان قد اتهمه و وشاه لدي السلطان و بين أن جمال الدين الدستجرداني صاحب الديوان عين له يخبره بالأحوال. فأمر بقتل الدستجرداني فقتل توسطا و رتب صدر الدين الخالدي عوضه، و كانت مدة ولايته ديوانية الممالك لم تتجاوز الشهرين.
ثم توجه إلي بغداد بجيوش كثيرة و شمل الناس بالعدل و الإحسان و لم يتعرض أحد من العسكر لأهل السواد بما جرت به العادة من رعي الزروع و لا غير ذلك. و كانت الرعية تسير بينهم و معهم الأشياء المجلوبة للبيع فلا يأخذ أحد منهم شيئا إلا ابتياعا باللطف و اللين، و رأي الناس من العدل ما أوجب زيادة دعائهم لدوام دولته …
فلما دخل بغداد لم ينزل في دار إلا بالأجرة و ما أنزع أحد من منزله.
ثم دخل المدرسة المستنصرية من الدار المجاورة لها و كان يسكن بها نظام الدين محمود شيخ المشايخ و كان المدرسون و الفقهاء قد جلسوا علي عادتهم و الربعات الشريفة في أيديهم فلما عاينوه قاموا و خدموه.
فأمر رشيد الدين يقول لهم أنتم مشغولون بقراءة كتاب اللّه عز و جل كيف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 423
جاز لكم تركه و الاشتغال بغيره فقال أحد المدرسين: السلطان ظل اللّه في أرضه و طاعته و تعظيمه و الانقياد له واجب في الشرع. فدخل (خزانة الكتب) و لمحها. ثم عاد إلي الدار المذكورة فبات بها هذا ما ذكره الفوطي.
و في الدرر الكامنة: و لما دخل غازان بغداد … حضر المستنصرية و اجتمع الناس لتلقيه
و حضر الشيخ زين الدين العابر و هو علي بن أحمد ابن يوسف بن الخضر الآمدي الحنبلي فأمر غازان من معه أن يدخلوا المدرسة واحدا واحدا كل منهم يوهم الشيخ زين الدين أنه غازان امتحانا له (و كان أضر) فجعل الناس كلما وصل أمير يزهزهون له و يعظمونه و يأتون به إلي زين الدين ليسلم عليه فيرد عليه السلام و لا يتحرك حتي جاء غازان فلما سلم عليه و صافحه نهض له قائما و قبل يده و أعظم ملتقاه و بالغ في الدعاء له بالمغلي ثم بالتركي ثم بالفارسي ثم بالرومي ثم بالعربي و رفع صوته فأعجب غازان به و خلع عليه في الحال و أمر له بمال و رتب له في كل شهر ثلاثمائة و حظي عنده و عند من يليه و لم يزل علي حاله حتي مات ببغداد سنة بضع عشرة و سبعمائة. و كان مقرئا ببغداد و غيرها و صنف التبصير في التعبير و تعاليق في الفقه و تعاني تعبير المنامات و كان هو يري المنامات الصائبة و كان يتاجر في الكتب و أضر فلم يكن يخفي عليه منها شي ء و كان لا يفارق الاشغال و الاشتغال و للناس عليه قبول … أخذ عن عبد الصمد بن أبي الجيش المقري ببغداد و عن غيره و يعرف بزين الدين العابر.
و قد أورد ابن الطقطقي هذه الوقعة و بين أنها كانت سنة 698 ه قال:
لما ورد السلطان إلي بغداد في هذه السنة دخل المستنصرية لمشاهدتها و التفرج فيها و كان قبل وروده إليها قد زينت، و جلس
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 424
المدرسون علي سددهم، و الفقهاء بين أيديهم أجزاء القرآن و هم
يقرأون فيها فاتفق أن الركاب السلطاني بدأ بالاجتياز علي طائفة الشافعية و مدرسها الشيخ جمال الدين عبد اللّه ابن العاقولي و هو رئيس الشافعية ببغداد، فلما نظروا إليه قاموا قياما فقال للمدرس المذكور كيف جاز أن تقوموا و تتركوا كلام اللّه فأجاب المدرس بجواب لم يقع بموقع الاستصواب في الحضرة السلطانية … » ا ه.
ثم إنه قال يمكن أن يقال في الجواب إننا أمرنا فيه بتعظيم سلاطيننا و لم يختلف عما أورده الفوطي و هذا شأن صاحب الفخري دائما في الاعجاب بنفسه و الدعوي و النقل المغلوط و التحامل من طرف خفي فقد غلط في التاريخ و لم يؤد النقل …
ثم نزل من الغد في شبارة و قصد المحول و أقام بدار الخليفة أياما فتألم الناس من إلزامهم بالخراج ذهبا أحمر.. و كان جمال الدين الدستجرداني قد استوفاه في السنة الماضية كذلك. و قال قد كانوا في زمن الخلفاء يؤدونه ذهبا فأضر ذلك بالناس فأمر السلطان بإجرائهم علي عادتهم منذ فتحت بغداد فتوفر عليهم شي ء كثير من التفاوت فزادت أدعيتهم.
ثم توجه إلي الحلة و قصد مشهد علي عليه السّلام فزار ضريحه الشريف و أمر للعلويين بشي ء كثير. ثم قصد مشهد الحسين عليه السّلام و فعل مثل ذلك و عاد إلي أعمال الحلة و قوسان متصيدا و زار قبر سلمان الفارسي (رض)
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 425
و أمر للفقراء المقيمين هناك بمال و توجه إلي بغداد و أقام إلي أيام الربيع.
ثم سار إلي بلاد الجبل و قد تأكد عنده ما بلغه من حال نوروز. و قد جاء في الدرر الكامنة: أول ما وقع له القتال كان مع نوروز بن أرغون الذي كان حسن له الإسلام فإن نوروز خرج عليه فحاربه ثم لجأ نوروز إلي قلعة خراسان فأخذ منها و قتل ثم عاد غازان إلي الأكراد الذين اعانوا نوروز فأوقع بهم فقتل في المعركة خمسون ألف نفس و بيعت البقرة السمينة في هذه الوقعة بخمسة دراهم و الرأس من الغنم بدرهم و الصبي الحسن الصورة المراهق و البالغ باثني عشر درهما … و ذلك أنه لما وصل خانقين أمر بقتل إخوة نوروز و أهله و أصحابه و كل ما يتعلق به من نائب و غيره فقتلوا و كان من جملتهم كمال الدين كوجك و كان ببغداد فأحضر و قتل و أمر بإلزام أهل الذمة (الغيار) فألزموا بذلك في بغداد مدة شهرين ثم أزيل. ثم أمر الأمير قتلغ شاه بالمسير إلي خراسان و القبض علي نوروز و قتله فسار و أوقع ببيوته و قتل كثيرا من أهله حتي أدركه بنواحي هراة فاعتصم بها و قاتل أهل البلد عنه أياما فأرسل الأمير قتلغ شاه إليهم يتهددهم و يخوفهم عاقبة الأمر فتخاذلوا عنه فقبض عليه و
أخرج راجلا و سلم إلي قتلغ شاه فقتله في ذي الحجة بترتيب من صدر جهان و حيلة منه … و ذلك أنه اختلق كتابا يشعر بمخابرة مع سلطان مصر … و كل هذا كان لنيل الإمارة … مما يدل علي أخلاق القوم آنئذ و درجة تفسخهم حبا في الرياسة و نيل الكراسي … و أنفذ رأسه إلي السلطان فطيف به في تلك البلاد و نفذ إلي بغداد و كان هذا بمنزلة الاعلان في أمثال هذه ترهيبا للناس و تخويفا لهم. و كانت الوشايات علي أمراء المغول و رجالهم تتري إلي أن قضوا علي أكثرهم و عدمت المملكة حسن الإدارة …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 426
ثم أمر بقتل مظفر الدين علي بن علاء الجويني صاحب الديوان فنفذ إلي بغداد من قبض عليه و اعتقله أياما ثم قتل و دفن في دار المسناة التي بأعلي بغداد و عملت الدار رباطا. ثم نقل منها و دفن عند والدته في الرباط المجاور للعصمتية.
و قبض علي عز الدين محمد بن شمام نائب جمال الدين الدستجرداني ببغداد و طولب بأموال صارت إليه من الديوان ثم قتل.
و في هذه السنة عقد (ضمان العراق) علي الشيخ جمال الدين إبراهيم ابن السواملي. و الملك إمام الدين يحيي البكري القزويني.
رتب قاضي القضاة ببغداد زين الدين محمد الخالدي علي القاعدة التي تقدم ذكرها في سنة 693 فوصل إلي بغداد و جري بينه و بين قاضي القضاة عماد الدين البصري من المنافسة علي المنصب و الحكم أشياء لا يليق ذكرها. فاستظهر زين الدين عليه بمساعدة أخيه صدر الدين (صدر جهان) صاحب ديوان الممالك.
و طولب عماد الدين بحقوق ديوانية كان قد سومح بها أبوه في البصرة و غيرها و سلم إلي من يستوفي ذلك منه فأدي بعضه ببغداد ثم أحدر إلي البصرة لاستيفاء الباقي فهرب و اعتصم بالبطائح. فلما قتل صدر الدين (صدر جهان) سنة 97 ظهر من البطيحة و توجه إلي الاردو فأعيد إلي القضاء علي ما نذكره.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 427
عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عزّان المقري البصري المدني، أبو محمد بن أبي عبد اللّه المحدث عفيف الدين الحنبلي نزيل المدينة. سمع من أبي الحسن المبارك بن محمد بن مزيد بن هلال الخواص بالمستنصرية، و من أبي العباس أحمد بن عمر بن عبد الكريم الباذبيني، و من أبي الحسن علي بن عبد اللطيف ابن يحيي …
و من فضل اللّه بن عبد الرزاق الجيلي، و من المؤتمن يحيي بن أبي السعود ابن قميره، و حدث. كان إماما فاضلا، فقيها، زاهدا، عابدا، عارفا بفنون العلم و الأدب، توفي في 23 صفر سنة 696 ه.
في هذه السنة أمر السلطان غازان بقتل صدر الدين (صدر جهان) أحمد بن عبد الرزاق الخالدي (صاحب ديوان الممالك) لما ظهر من سوء حركاته و كان غير محمود السيرة ظالما أظهر (الچاو) و قسر الناس علي المعاملة به فأضر بهم و بطلت معايشهم و تعطلت أمورهم إلي أن لطف اللّه تعالي و ألهم السلطان إبطاله ثم ضاعف الخراج كما فعل جمال الدين الدستجرداني و ألزم الناس بالقيجور و زاد في قرارات التمغات و بالغ في المصادرات و التثقيلات فلما قتل أمر بقتل أخيه قطب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 428
الدين (قطب جهان) فقتل و طلب أخوه زين الدين الذي كان (قاضي القضاة) ببغداد فهرب و لحق بصاحب جيلان فسأل من السلطان العفو عنه فأجاب سؤاله فسأل أن يعاد إلي (القضاء بالعراق) فأخذ و حبس بتبريز فهرب من الحبس فأدرك و أعيد إليه ثم قتل. كذا في ابن الفوطي. و جاء في تاريخ كزيده أن السلطان غازان اطلع علي تزويرات صدر الدين (صدر جهان) فحاذر منه و قتله في
21 رجب سنة 697 و فوض الوزارة للخواجة رشيد الدين و لمحمد ساوجي الملقب (وزيرنكو) ابن الخواجه سعد الدين.
و فيها عزل الأمير (ناولدار) شحنة بغداد و سبب ذلك أن نائبه رستم أساء السيرة و تعدي الحد في الشنقصة و أنواع التأويلات علي الناس و اعتمل ما أوجب قتله و عزل ناولدار و رتب عوضه (الأمير اذينا) فمهد العراق بحسن سيرته و عظم سطوته و شدة و زعته لا تأخذه في المفسدين لومة لائم فالناس في أيامه آمنون علي نفوسهم و أموالهم في البلاد و النواحي و الطرق …
فحمله أصحابه إلي زاويته. و كان علي قاعدة جميلة من الزهد و الانقطاع و الانعكاف علي عبادة اللّه تعالي.
توفي الشيخ ظهير الدين علي بن محمد الكازروني ببغداد. و كان عالما فاضلا خدم الديوان في الاشغال
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 429
الجليلة. و جمع تاريخا. و عمل كتابا في الاختيارات سلك فيه طريقة ابن حراز في الاختيارات التي عملها لشرف الدين اقبال الشرابي و كتب خطا جيدا و تجاوز في العمر 80 سنة و كثيرا ما ينقل عنه صاحب التاريخ المنسوب للفوطي. و كذا الذهبي في مواطن كثيرة … و أكثر المتأخرين عالة عليه … و من المؤسف أن لم نقف له علي أثر، و لا عثرنا علي ترجمة ضافية له في الكتب المتداولة و المعروفة … و في طبقات السبكي قال عنه:
«مولده سنة 611 ه و سمع الحديث من الأمير أبي محمد الحسن بن علي بن المرتضي و أبي عبد اللّه بن سعد الواسطي و غيرهما، و كان حيسوبا، فرضيا، مؤرخا شاعرا، و له كتاب النبراس المضي ء في الفقه، و كتاب المنظومة الأسدية في اللغة، و كتاب روضة الأديب في التاريخ، و له شعر حسن. توفي في حدود السبعمائة.» ا ه، و أمثال هذا المؤرخ ممن له أصبع في الادارة، أو علاقة بالحكومة … يستفاد منه صحة النقل فيما يتعلق بالحكومة من جهة، و البصيرة بسير الشؤون و الإدارة من أخري …
و قال في الدرر الكامنة عنه هو ظهير الدين البغدادي الشافعي ولد سنة 611 و سمع من الحسن ابن السيد و الدبيثي و غيرهما و تمهر في الفنون و صنف التصانيف منها روضة الأديب في سبعة عشر سفرا في التاريخ و النبراس
المضي ء في الفقه و (كنز الحساب) في الحساب مجلدا، و السيرة النبوية، و الملاحة في الفلاحة.
توفي الكمال القويرة مسند العراق أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقري
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 430
البزار المكثر شيخ المستنصرية. قرأ القراءات علي الفخر الموصلي و سمع من أحمد بن صرما و جماعة و أجاز له ابن طبرزد و عبد الوهاب بن سكينة و انتهي إليه علو الاسناد في القراءات و الحديث و توفي في ذي الحجة و له ثمان و تسعون سنة و وقع في الهرم رحمه اللّه تعالي.
و هو أبو عبد اللّه ابن الظهير الإربلي الحنفي الأديب ولد بإربل في 2 صفر لسنة 602 ه و سمع ببغداد في الكهولة من أبي بكر بن الخازن و الكاشغري و غيرهما … و كان من كبار الحنفية، و هو من أعيان شيوخ الأدب و فحول المتأخرين في الشعر. و له ديوان شعر في مجلدين. و كانت وفاته سنة 697 ه.
في هذه السنة سار السلطان غازان إلي العراق و جعل طريقه علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 431
(جوخي) و سير بعض العسكر إلي بطائح واسط فحصروا الأعراب و أكثروا القتل فيهم و النهب و السبي و غنموا أموالهم و عين جماعة لملازمة أعمال واسط و منع من تخلف من العرب عن الفساد.
ثم توجه إلي الحلة و قصد زيارة المشاهد الشريفة و أمر للعلويين و المقيمين بها بمال كثير. ثم أمر بحفر نهر بأعلي الحلة فحفر و سمي (النهر الغازاني) تولي ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي و غرس الدولة …
ثم سار إلي بغداد و أمر بالإحسان إلي الرعية و زاد في العدل و الرأفة بهم و أمر أن يصفي الذهب و الفضة من الغش و يبالغ في ذلك و تضرب الدراهم متساوية الوزن ليتعامل بها الناس عددا يكون وزن الدرهم نصف مثقال و عملت دراهم وزن الدرهم ثلاثة مثاقيل و مثقال يخرج بنسبة ذلك و يكون كل مثقال من الذهب بأربعة و عشرين درهما.
و ضرب من الذهب أشياء مختلفة الوزن خمسة مثاقيل و ثلاثة مثاقيل و مثقالان و مثقال و نصف مثقال و ربع مثقال و أمر أن يعمل ذلك في جميع الممالك فعمل و انتفع الناس به …
و مما ضرب في بغداد و البصرة موجود في المتاحف و بعضها قبل هذا التاريخ أي سنة 696 و 697 ه و ما يلي من السنين و علي النقود المذكورة كلمة الشهادة و اسم السلطان محمود غازان و محل الضرب …
التبس علي صاحب الفخري الأمر فظن أن دخول السلطان المستنصرية في هذه السنة مع أنها كانت سنة 696 ه. فخلط في السنين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 432
و شوش في النقل و أبدي رأيه بالرجوع إلي صحة ما شوشه …
ثم عاد في زمن الربيع إلي بلاد الجبل …
في هذه السنة عقد (ضمان العراق) علي الملك إمام الدين يحيي القزويني البكري و استقل بالحكم فيه و كفت يد الشيخ جمال الدين إبراهيم السواملي.
و فيها أعيد جمال الدين البصري إلي قضاء القضاة ببغداد. و قد تقدم ذكر ما جري له و اعتصامه ببطائح واسط فلما قتل صاحب الديوان صدر الدين (صدر جهان) ظهر و قصد الأردو و عرض حاله علي الوزراء فأعادوه علي القضاء فوصل بغداد في صفر.
كان أديبا عالما فاضلا شاعرا بلغ من الخط غاية كما بلغها (ابن البواب) كان قد اشتراه الخليفة المستعصم صغيرا و ربي بدار الخلافة و اعتني بتعليمه الخط صفي الدين عبد المؤمن ثم كتب علي الشيخ (ابن حبيب) و كتب عليه ابناء الأكابر ببغداد. و حظي عند (علاء الدين الجويني) صاحب الديوان و كتب عليه أولاده و ابن أخيه شرف الدين هارون.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 433
و قال عنه صاحب الشذرات: «الكاتب الأديب، البغدادي، آخر من انتهت إليه رياسة الخط المنسوب، كان يكتب علي طريقة ابن البواب … » ا ه و قد عثرت علي قرآن بخطه فحصلت علي نماذج مصورة منه و ألواح خطية و لم يعدم خطه … و إليه ينتهي خطاطون مشاهير في اجاراتهم ممن جاء بعده و غالب الخطاطين من الترك العثمانيين يصلون إليه في اجازاتهم خصوصا ابن الشيخ و من أخذ عنه …
و له الأشعار المستحسنة الرائقة التي جمعت من الأوصاف ما تفرق في جميع الأشعار و ذلك قوله:
بدا بوجه مخجل شمس النهار المشرقة
في أذنه لؤلؤة كأنها و الحلقة
قد أخذا من وردة بالياسمين ملحقة
همك إسعاف و إسعاد فدمت تزدان و تزداد
ما العيد في عصرك مستظرفا جميع أيامك أعياد
اتعتقدون أن الملك يبقي و أن العيش في الدنيا يدوم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 434
و لا يجري الزوال لكم ببال كأن الموت ليس له هجوم
فهبكم نلتم ما نال كسري و قيصر و التبابعة القروم
و متعتم بذلك عمر نوح و حفتكم بأسعدها النجوم
أليس مصير ذلك إلي زوال لعمر أبي لقد هفت الحلوم
أراك فأغضي الطرف عنك مخافة عليك و عندي منك داء مخامر
يزيد علي مر الجديدين جدة و ليس ببال يوم تبلي السرائر
و قد أورد له صاحب الشذرات بعض الأبيات غير ما ذكر.
و ترجمه في المنتخب من المختار بما نصه:
«ياقوت بن عبد اللّه الرومي المستعصمي أبو الدر الملقب كمال الدين الكاتب كان بارعا في علم و أدب و ملح الشعر و الخط كتب عليه خلق من أولاد الأكابر..
صدقتم فيّ الوشاة و قد مضي في حبكم عمري و في تكذيبها
و زعمتم أني مللت حديثكم من ذا يملّ من الحياة و طيبها
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 435
و عدت أن تزور ليلا فألوت و أتت في النهار تسحب ذيلا
قلت هلا صدقت في الوعد قالت كيف صدقت أن تري الشمس ليلا» ا ه.
رعي اللّه أياما تقضت بقربكم قصارا و حياها الحيا و سقاها
فما قلت إيه بعدها لمسامر من الناس إلا قال قلبي آها
ولد سنة 626 ه و سمع ببغداد من ابن قميرة و غيره و بواسط من الشريف الداعي الرشيدي و عني بالحديث و كانت له معرفة حسنة به …
في هذه السنة سار السلطان غازان إلي بلاد الشام حيث بلغه ما فعلوا بأهل ماردين في السنة الماضية من النهر و كان قنجاق أحد أمراء الشام، اتصل بالسلطان فحسن له ذلك و عرفه ضعفهم عن لقائه فلما قرب من حلب راسل و اليها و دعاه إلي طاعته فأجاب و سأل أن يمهل إلي أن يملك الشام فتركه و سار إلي حمص. فلما قاربها لقيته الجيوش المصرية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 436
فاقتتلوا ساعة فلم يلبث المصريون أن انهزموا راجعين فغنم عسكر السلطان سوادهم و سار السلطان إلي دمشق فنزل بظاهرها و تصدق بحقن دماء أهلها و أمنهم علي أموالهم فلم يعرض أحد من العسكر للرعية بنهب و لا غيره و احتوي علي ما في القلعة من الأموال و الذخائر …
و رتب في دمشق (الأمير قنجاق) المذكور و جعل عنده الأمير مولاي في عشرين ألفا من الفرسان و عاد السلطان إلي الموصل يريد مقر ملكه. فلما عرف قنجاق أنه بعد عن الشام أرسل إلي مولاي يقول له:
إني أكلت من نعمة القاآن و شملني إحسانه و إنعامه و رحمته و لا يجوز لي الغدر بأصحابه. و قد وصلت عساكر سلطان مصر و أعرف أن لا طاقة لك بهم. و الرأي أن ترحل إلي العراق فرحل و لم يلبث فخلت البلاد لقنجاق فكاتب الأمراء بمصر يعرفهم ذلك فسيروا إليه جيشا خوفا من عود مولاي أو غيره.
فلما بلغ السلطان غازان ما اعتمده قنجاق تجهز للمسير إلي الشام في سنة 700
ه.
و كان مستترا هناك بسبب بقايا تخلفت عليه من ضمان الحلة. فلما توفي حمل إلي تربة أخيه الملك ناصر الدين قتلغ شاه بمشهد سلمان الفارسي (رض).
كان بغداديا، فقيها، مناظرا بارعا، عارفا بالفقه، صنف في أصول الفقه كتابا سماه (الحاوي)، و في أصول الدين كتابا سماه (تحرير الدلائل).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 437
في المحرم سار السلطان غازان إلي بلاد الشام في جيوش تملأ الفضاء لا تحصي كثرة فرقهم في طرق شتي و سار هو إلي الموصل و عبر الفرات. فلقيت مقدمته طائفة من عسكر الشام فقاتلوهم فانهزم الشاميون و غنم المغول سوادهم و قتلوا منهم خلقا كثيرا و أسروا …
فاتفق تواتر الغيوث و شدة البرد و دام ذلك حتي امتنعوا من الحركة و تلفت خيولهم و قلت الميرة عليهم فجعل السلطان علي الجيش الأمير قتلغ شاه و توجه إلي سنجار فأقام قتلغ شاه إلي رجب فلم يخرج إليه أحد من عسكر الشام و مصر فانتهي ذلك إلي السلطان فأذن له في العودة و رحل السلطان من سنجار عائدا إلي بلاده.
في هذه السنة أمر السلطان غازان الخواجة رشيد الدين بكتابة التاريخ المسمي أخيرا ب (التاريخ المبارك الغازاني) و الذي صار مؤخرا المجلد الأول من جامع التواريخ. و كان قد استعان المؤلف الخواجة رشيد الدين بالعالم الصيني المدعو «بولاد- چينگسنك» و بعالمين آخرين متبحرين في الطب و الفلك و التاريخ و هما (ليتاجي)، و (يكسون) من علماء الخطا فاستفاد منهما كثيرا للوقوف علي المنابع الصينية و كانا في عاصمة الايلخانيين … و كانت قد تمكنت العلاقة بين ايران و الصين منذ حلول هلاكو هذه الديار كما مر في التعليق علي ترجمة النصير الطوسي …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 438
توفي الملك امام الدين يحيي البكري القزويني صاحب ديوان بغداد في الحلة و حمل إلي بغداد و دفن في تربة عملها في مدرسة بدرب فراشا و أقيم ابنه افتخار الدين في العراق مقامه.
وقفت حوادث التاريخ المنسوب للفوطي هنا. و عليه اعتمدنا في الغالب عن هذا العصر مع مراعاة النصوص الأخري للمؤرخين الآخرين مما مر النقل عنه بقدر الحاجة و ما سمحت به الوقائع و في الغالب لا حظنا نص عبارته نظرا لعلاقته الخاصة بقطرنا …
الفقيه الحنبلي، معيد الحنابلة بالمستنصرية، سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية و غيره و كان من أكابر الشيوخ و أعيانها عالما بالفقه، و العربية، و الحديث، قرأ عليه الفقه جماعة، و سمع منه الدقوقي و غيره.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 439
محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء بن علي بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي أبو العلاء الحنفي الصوفي الملقب شمس الدين المحدث المعروف بالفرضي. تفقه ببخارا و سمع بها الحديث في سنة بضع و سبعين … ثم قدم العراق في سنة بضع و سبعين فسمع بها من أبي الفضل محمد بن محمد بن الدباب، و محمد ابن يعقوب ابن أبي الدنية و محمد بن عمر بن المريخ، و أبي الفضل عبد اللّه بن محمود بن يلدجي و غيرهم، و بالموصل من الشيخ موفق الدين احمد بن يوسف بن الحسن الكواشي المفسر ثم صار إلي ماردين فدخل مصر.. و كتب بخطه الحسن كثيرا … و كان إماما، فقيها، و أديبا ورعا، متبحرا، كثير المعارف، حسن المعاشرة، كثير الإفادة و بلغ في الفرائض الغاية … و له ضوء السراج (شرح السراجية في الفرائض).
توفي في أوائل شهر ربيع الأول سنة 700 ه عن 56 سنة.
في هذه السنة وضع التاريخ الايلخاني و صار يعمل في الممالك التي تحت حكم السلطان غازان محمود … و هو مؤسس هذا التاريخ و كان قد وضعه في 12 رجب لسنة 701 ه. و به طبق التاريخ الهجري القمري علي الشمسي و حاول أن يجمع بينهما إلا أنه لم يدم العمل به طويلا و إنما أهمل بعد أمد قليل … و كان قبل هذا قد حاول العباسيون اعتبار السنة الشمسية أيام الخليفة المطيع للّه … و قد اطنب و صاف في ذكر تطور هذه القضية …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 440
في هذه السنة صدر الأمر إلي كافة الممالك المغولية بلزوم توحيد الموازين و المكاييل و ذلك لما دعته الحالة من التذبذب و الاختلاف و ما جرت إليه من الاضرار بالأهلين و التعديات عليهم … و قد اتخذ ما يجب مراعاته لتنفيذ الأمر المذكور …
في هذه السنة كتب صفي الدين محمد بن علي ابن طباطبا المعروف بابن الطقطقي تاريخه المسمي ب (تاريخ الفخري) و جاء في آخره: «فرغ من تأليفه و استنساخه مؤلفه في مدة أولها جمادي الآخرة من سنة 701 و آخرها خامس شوال من السنة المذكورة بالموصل الحدباء … » ا ه.
أتم حوادثه باحتلال بغداد علي يد هلاكو حتي وفاة الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي إلا أنه خلال سطوره تعرض للوقائع بعد هذا التاريخ بكثير تكلم فيه عن حكومة الخلفاء و الأمويين و العباسيين إلي آخر أيامهم … و في أثنائها، و في مقدمته قارن بين الوقائع، و فضل حكومة المغول علي سائر الحكومات غير حكومة الخلفاء الراشدين خشية القيام عليه، و كان قد كتبه بشكل ليقدمه لملك المغول، أو لوزيره ثم عدل عن ذلك فحور في شكله، و أبرزه بوضعه الحاضر … و الدعوي بأنه ألفه في هذه المدة الوجيزة ظاهرة البطلان … و قال في مطاوي مقدمته:
«التزمت فيه أمرين: أن لا أميل فيه إلا مع الحق، و أن لا انطق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 441
فيه إلا بالعدل، و أن أعزل سلطان الهوي، و أخرج عن حكم المنشأ و المربي، و أفرض نفسي غريبا منها و أجنبيا بينهم، أن اعبر عن المعاني بعبارات واضحة تقرب من الافهام لينتفع بها كل احد … » ا ه.
قدمه لوالي الموصل آنئذ و هو
فخر الدين عيسي بن إبراهيم و قد أثني عليه و غالي في مدحه و بيان أوصافه، و كان عزمه أن يذهب إلي تبريز … فعدل و أهدي كتابه إليه و جعله باسمه و اشتهر الكتاب باسم (تاريخ الفخري) إضافة إلي اسم الوالي و أصل اسمه (منية الفضلاء في تواريخ الخلفاء و الوزراء) كما أشار إلي ذلك هندوشاه النخچواني و هذا كان ترجمه إلي الفارسية سنة 724 ه باسم (تجارب السلف) و أضاف إليه اضافات و قدمه إلي الاتابك نصرة الدين أحمد اللري …
و هذا الوالي لم يعرف عنه أكثر مما جاء في الفخري بل لولاه لما عرف واحد منهما و مبدأ ولايته، و مدة بقائه مجهولان …
و نري ابن الطقطقي ينوه بالمغول، و يمدحهم مدحا زائدا، و يدعو لهم بالدوام و التوفيق، و يبين رجحان حكومتهم و فضلها علي غيرها من سائر الحكومات … و ليس لدينا ما يميط اللثام عن حياته الشخصية، و وقائعه الذاتية، و لكن تاريخه خير مرآة لمعرفة روحيته، و هو جليل في موضوعه … و لو لا أن كتاب عمدة الطالب يفتضح ما كان بينه و بين علاء الدين الجويني من العداء لما مر في حادث قتلة والده لظننا أن ما قاله عنه صحيح و ما أورده لا يعدو شاكلة الصدق و أن ما اشترطه علي نفسه قد تابعه و التزمه … فعرفنا تحامله، كما أننا أشرنا إلي نفسيته في قلب بعض الحقائق و نقوله عن السلطان غازان حينما شاهد المستنصرية … و هكذا يقال عن تحامله علي حكومات الإسلام إرضاء للمغول أو تشفية لغرض في نفسه بحيث صار لا يري سوي مساوي ء الحكومات الإسلامية، أو لم ينقل إلا ما
أشاعه المغرضون، و أعداء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 442
النظام، و أرباب الخصومات … كأن هذه و أمثالها هي التاريخ دون غيره … فاتخذها بعض أعداء الإسلام وسيلة لإظهار المعايب خاصة، و نوهوا بذكره، و بالغوا في الثناء العاطر عليه لأنه أعد لهم ما كانوا يأملون، فوافق مذاقهم … من الطعن في الحكومات الإسلامية و التنديد بها و ترجيح حكومة المغول عليها … !!
و لا يفوتنا أن رجال الادارة، و وزراء الحكومة نسمع عنهم أشياء، و يندد بهم كثيرون من المتضررين بحق أو بغير حق، و أرباب الحزبية أو العداء الشخصي دون مراعاة للواقع … فمؤرخنا لم يراع هذه الظروف و لا بالي بها فدون كل ما سمع من طعن، و أغفل غيره، أو لم يلاحظ حقيقة الوضع بنظرة صادقة فخالف ما التزمه و جاري أهواءه دون تحاش من باطل، أو اتباعا لرغبات الآخرين … قال:
«و أما الدول الإسلامية فلا نسبة لها إلي هذه الدولة حتي تذكر معها» ا ه.
و علي كل لا تنكر قدرته و لا يبخس تلاعبه في البيان لاستهواء القاري ء و جذبه لناحيته … مما يدل علي وفور مادة، و تتبع قويّ …
و لا يضره الغمز المتوجه عليه فلا يخفي عند المقارنة … و لا تمكن هو من ستر مدحه و غلوّه في ترويج سياسة المغول، و قد كتب لهذه الغاية و تلك المصلحة … و لا يكتم ذمه للجويني مع تحقق الغضاضة …
و المؤلف و إن كان قد قسا في حكمه علي الجويني فقد أخذ الكثير من آرائه و نصوصه و جعلها مادته التي عوّل عليها و كتب عنها و اتخذ الوقت المناسب للنشر أيام نكبة آل الجويني، و هو
يعرف الفارسية، و أسلوب كتابه يضارع أسلوب الجويني و قد حذا حذوه بصورة عامة … و استفاد من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 443
الآداب العربية و غزارة معينها و الاستقاء من ذلك الأدب الجم …
و مما استشهد به من الشعر الفارسي و يدل علي المعرفة في هذه اللغة قوله:
شاها زمي گران چه برخواهد خواست و زمستي هر زمان چه برخواهد خواست
شه مست و جهان خراب و دشمن بس و پيش پيداست كه ازين ميان چه برخواهد خواست
و قد نقل صاحب معجم المطبوعات عن لويس شيخو أنه توفي سنة 709 ه و لا سند يعضده و عمر المؤلف تقريبي نظرا أن والده توفي سنة 672 ه و من المحتمل أن عمره كان نحو العشرين فيكون عمره آنئذ نحو خمسين سنة حينما ألف كتابه …
طبع هذا التاريخ آهلوارد ثم درانبورغ في بلاد الغرب، و بعد ذلك جري طبعه في مصر بمطبعة الموسوعات سنة 1317 ه.
1- وفاة يحيي بن محمد بن علي: بن زيد بن هبة اللّه الحنفي رشيد الدين أبي طالب الشاعر البغدادي.
و من شعره:
إن كنت من أهل الصبابة و الهوي فاسمع و لا تبخل بنفسك في الجوي
من لا يذل لمن يحب فحظه من حبه إما الصدود أو النوي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 444
مات سنة 701 ه.
2- أحمد بن يوسف بن أبي البدر البغدادي: هو مجد الدين ابن الصيقل التاجر السفار كان من كبار التجار. دخل الهند مرارا و المعبر (المغبر) و الصين و أقام أكثر من عشرين سنة و كان يحكي عن العجائب التي شاهدها. مات بحلب في مستهل صفر 701 ه.
في هذه السنة توجه السلطان غازان بعسكره إلي الشام، رأي من
ملك مصر ما يغضب له لما سمع من الكلمات الخشنة و الأمور التي هي خلاف مرغوبه. جاء البحث عن الرسل في أبي الفداء في حوادث سنة 700 ه قال: «وصلت رسل غازان ملك التتر و كان مضمون رسالتهم التهديد و الوعيد فأعيد جوابه علي مقتضي ذلك. و لكنه اكتفي بإرسال بعض المشاهير من قواده مع قوة جيش و ذهب هو إلي انحاء تبريز …
أما الجيش الذي ارسله فقد سمع أخيرا أنه انكسر و فر هاربا و قد فصل أبو الفداء هذه الوقعة و أطنب فيها في حوادث سنة 702 ه فغضب السلطان لذلك و اغتم و لما علم بقرب الأجل و أنه نوي الرحيل إلي الدار الآخرة جعل ولاية العهد إلي أخيه الجايتو خان و هو خدابنده محمدخان بن ارغون خان.
و قد ذكر صاحب الشذرات عن هذه الوقعة ما نصه:
«فيها- سنة 702 ه- طرق غازان التتري الشام فالتقاه يزك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 445
الإسلام و فيهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية، التقوا علي مرج الصفر فقتل من التتار خلق عظيم و أسر منهم جماعة و لكن استشهد من المسلمين جماعة» ا ه. و هكذا نري (كتاب دول الإسلام) للذهبي قد أطنب في تفصيل الوقعة كغيره … ا ه و تسمي هذه الوقعة بوقعة (شقحب).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 446
كانت الضرائب في بغداد جارية من أمد بعيد علي طريقة استيفاء الخراج، أو علي سبيل الضمان، أو أصل الأمانة و هكذا يقال في التمغة و سائر المقاطعات و أن كل واحد من هؤلاء كان يقوم بما عهد إليه مستقلا و في 22 رجب من هذه السنة ألغيت الضمانات لتحقق ما تولد منها من
أضرار علي الملتزمين من جهة و علي الأهلين من أخري.
هو معتوق بن محفوظ بن معتوق بن أبي بكر البغدادي الواعظ ولد سنة 615 و تعاطي الوعظ فبرع فيه و كان ينظم الشعر في الحال.
في هذه السنة يوم الأحد 11 شوال توفي السلطان غازان خان بأجله الموعود فانتقل إلي دار البقاء. مات و لم يكتهل … و كانوا قد اشاعوا موته مرارا فلم يصح ثم تحقق فقال الوداعي:
قد مات غازان بلا مرية و لم يمت في المدد الماضية
و كانت الأخبار ما أفصحت عنه فكانت هذه القاضية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 447
هو ابن ارغون خان و من المؤرخين من يسميه (محمود غازان) و هكذا ذكر في نقوده المضروبة … و بعضهم يدعوه (غزن) و قال في الدرر الكامنة غازان و اسمه محمود و تقول العامة قازان بالقاف عوض الغين … و قد مر النقل عن ابن بطوطة في سبب تسميته.. بلغ من العمر 33 عاما و مدة حكمه عشر سنين. و في تاريخ كزيده (ص 595) أنه توفي بتاريخ 10 شوال سنة 703 بحدود قزوين فنقل إلي تربته بتبريز و أظهر قبره و لم يكن المغول يظهرون قبورهم … و بلغ من العمر 30 سنة، سم في منديل يمسح به بعد الجماع (الشذرات).
و لما شرفه اللّه بالإسلامية صارت له من العظمة و السطوة ما لا يوصف و أحبه المسلمون ورأوا منه كل خير مما فاق به مآثر القدماء و أنسي ذكر السلاطين العادلين. و سماه صاحب تاريخ كزيده (سلطان الإسلام).
و في شجرة الترك ما نصه:
«هو أول من أسلم من ذرية تولي خان، و قد بذل جهودا كبري لنشر الدين الإسلامي و بسعيه و اهتمامه أسلم كل المغول الذين في ايران … » ا ه فكان تأثيره علي المغول في نشر الإسلامية كبيرا جدا …
و في الدرر الكامنة: «و كان هلاكو و من بعده يعدون أنفسهم نوابا لملك السراي
فلما استقرت قدم غازان تسمي بالقاآن و قطع ما كان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 448
يحمل إليهم و أفرد نفسه بالذكر و الخطبة و ضرب السكة و طرد نائبهم من بلاد الروم (العراق) و قال أنا أخذت البلاد بسيفي لا بغيري».
و قال الذهبي عنه: «كان شابا عاقلا شجاعا، مهيبا، مليح الشكل … و في غيره كان اشقر، ربعة، خفيف العارضين، غليظ الرقبة، كبير الوجه، يعف عن الدماء …
أما حروبه مع سورية فإنها كانت طاحنة و يلام من جرائها لاراقته دماء المسلمين. و مخابراته السياسية و طلبه الصلح و الدخول في المفاوضة لا يبرر ذلك. و مخذوليته كانت أكبر سبب في توقف المقارعات بين الطرفين …
و لا ننسي قضاءه علي وزراء كثيرين بقصد استعادة السلطة لملوكهم من أيدي الأمراء فلم ينجح …
و جاء في الدرر الكامنة عنه: «و لما ملك أخذ نفسه بطريق جده الأعلي جنگيزخان و صرف همته إلي اقامة العساكر و سد الثغور و عمارة البلاد و الكف عن سفك الدماء … و كان يتكلم بالفارسية مع خواصه و يفهم أكثر ما يقال باللسان العربي … ».
و من آثاره (في العراق و غيره):
1- نهر أخرجه من الفرات ما بين دجلة (الظاهر الحلة) و بغداد و عمل عليه كثيرا من العمارة و سمي النهر الغازاني.
2- نهر من الفرات أجراه إلي مشهد الشيخ أبي الوفاء.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 449
3- قرر في كل مدينة كبيرة مثل بغداد و الحلة و تبريز و أصفهان و شيراز و الموصل مكانا سماه (دار السيادة) و جعل وقفه يصل إلي الفقراء و المساكين من العلويين و تصرف غلته كلها في وظائفهم.
و علي كل كانت خيراته عميمة و
عماراته في العراق و الخارج كثيرة و اتخذ له مدفنا في ظاهر تبريز و هو ما تعجز العبارة عن بيانه و جعل فيه من ابواب البر ما لا يوصف من مدرسة و خانقاه و دار الحديث و دار القرآن و مستشفي و مكتب للأيتام و له عمارات أخري منها (رباط سبيل) في حدود همذان و جعل له من الأوقاف للمارة، و منها مدينة اوجان، و منها سور مدينة تبريز و بساتينها و جملة عمارتها و لكنه لم يتمها و كلها تدل علي علوّ الهمة.
و من أهم إصلاحاته أن لا يصدر يرليغ، أو بايزه إلا بنظام خاص، و أصدر يرليغا في إصلاح المرافعات و انتخاب القضاة و الاعتناء بأمر العدل و تثبيت ما يجب أن تسير عليه المحاكم، و مراعاة مرور الزمان في القضايا، و في ملكية العقارات … و توحيد الموازين و المكاييل، و قرر العقوبات علي من يظهر في حالة السكر في المحال العامة … و هكذا منع من التعديات علي التجار و المارة باسم (تسيير) أو أجرة (محافظة طرق) و ما ماثل … إلي آخر ما هنالك من المآثر الجميلة و النافعة …
و لا محل للتفصيل الآن و الإطالة في أمرها و من اراد التبسط فليرجع إلي جامع التواريخ و حبيب السير و غيرهما من الكتب و ذلك لأنها تخص حكومتهم العامة.
و أهم ما قام به من الاصلاحات النافعة (إلغاء الضمان) للبلاد و الألوية … و ذلك لظهور الاضرار الناجمة من جراء قسر الناس و التعديات عليهم لإيفاء ما التزمه الضمان. أو التهاون في ذلك و التعرض
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 450
للمسؤولية و غالب ما يعاقب الموظفون لهذا السبب، أو للسبب
الأول … فلا يسلم من هذين إلا القليل من الملتزمين … و لا تزال آثار هذه البدعة باقية و تعرف أيضا ب (الالتزام) و هو ضمان الميري بأنواعه … فلم يتمكن من تسيير الناس علي الأمانة بأن تقوم الحكومة رأسا بالجباية دون توديعها إلي ضمان …
و من حسنات أيامه الوزير الخواجة رشيد الدين فقد عهد إليه بتدوين تاريخ للمغول فاستعان بالوثائق الرسمية، و شيوخ المغول و كبار رجالهم ممن له علم بأخبارهم و قبائلهم و مواطنهم … فكتب تاريخه المسمي (بالتاريخ الغازاني) نسبة للسلطان فخلف أكبر أثر في تاريخ المغول و لولا أنه قد مسخت ألفاظه المغولية و تناولتها يد النساخ بالتبديل و التحريف … لكان خير أثر. و نري صاحب شجرة الترك يعتذر لذلك و ينسب الغلط إلي العجز عن تلفظ الكلمات المغولية، أو عسر النطق بها … و مهما يكن فالأثر لم يفقد جدته: و لم تقل قيمته و نسخته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 451
الفارسية مبذولة. و أما العربية فإن الوحيدة منها موجودة و من فلتات الدهر أن بقيت إلي اليوم … فقد رأينا منها نسخة في مكتبة أيا صوفيا في استانبول و قد مر وصفها و في المكتبة المصرية نسخة منقولة في التصوير و لم يعين محل وجود اصلها كما يستفاد من مطالعة دفتر المكتبة، و الظاهر أنها منقولة منها.
ثم ابرزه المؤلف في عهد (اولجايتوخان) المعروف (بخدابنده) أو (خربنده) و سيأتي باقي الكلام عليه في حينه …
لما توفي السلطان غازان في 11 شوال سنة 703 ه بحدود قزوين أوصي لأخيه بولاية العهد و كان أخوه الجايتو بخراسان و في الشذرات أنه كان في سنجار و ابنه بسطام بن غازان
عنده فأراد جماعة الأمراء أن يولوا بسطاما فكتبوا إليه خفية ليصل إليهم و لما جاء القاصد إلي الاردو قصد خدابنده و سلم إليه الكتاب فوقف عليه و من ثم نفذ في الحال من قضي أمر بسطام و رفعه من البين فلم يجسر بعد ذلك أحد علي مخالفته و ظهر تمكنه و أجريت له المراسم المطلوبة و وافي حاضرة الإسلام أو جان بموكبه العظيم و ذلك يوم الاثنين 2 ذي الحجة من هذه السنة فاحتفل به و حضروا إليه لعرض الإخلاص له و الطاعة … فابتدأ أمره بالدخول في الدين الإسلامي و سمي نفسه محمدا خدابنده و لقب بغياث الدين و أقر قتلغ شاه علي نيابته …
و في ابن خلدون و في كتب أخري كثيرة جاء بلفظ (خربنده)، و نائبه قطلو شاه و لكن في تاريخ كزيده و كلشن خلفاء ورد (خدابنده) كما دعي نائبه قتلغ شاه. و في ابن بطوطة جاء أن اللفظين شائعان و أن خدابنده معناه عبد اللّه، و أما خربنده فإن المغول كانوا قد اعتادوا أن يسموا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 452
المولود باسم أول داخل للبيت فصادف دخول زمال (حمار) يقال له بالفارسية (خر) أي عبد الحمار.
و التدقيقات الأخيرة أماطت اللثام عن حقيقة اسمه و تبين أن خدابنده من استعمال الايرانيين، أما غيرهم من الترك كأبي المحاسن تغري بردي في تاريخه النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة فقد عبر عنه بخربندا و هكذا قال الذهبي و هو في الأصل من كلمات الترك و هذا اللفظ بمعني الثالث في لغة المغول و هو عين (خوربندا). و هكذا نري الصينيين يدعون الجايتو (هو- أول- يان) مما يدل علي أن اللفظ مأخوذ
من المغولية بهذا المعني و يراد به الثالث … مما يؤيد أن العجم حرفوا اللفظ و استعمله علي الأصل مؤرخون كثيرون و أيد ذلك ما جاء في التعليق علي مادة محمد خدابنده في الدرر الكامنة …
و من ثم شرع في تدبير الأمور و تنظيمها، و التزم التيقظ و التحرس لحسن الإدارة إذ كانت الأمور في اضطراب و الإدارة في تشتت و انحلال و الحكومة متداعية البنيان إلا أنها بهمة هذا السلطان الجديد قد اكتسبت كل هدوء وراحة و انتظام لم يسبق أن نالته فيما قبل فأزيلت المشاكل و الصعاب و أخمدت الثورات و استقرت شؤون المملكة و من جملة ما قام به أن أمر بإبقاء ما كان علي ما كان أيام أخيه من الموظفين و الأمراء … و أن يمضي علي طريقة أخيه و نهجه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 453
في هذه السنة حدث و باء عام في البهائم.
في هذه السنة جاء من مصر رسول اسمه عماد الدين بن مجد الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين و كان من مشيخة الإسماعيلية و مشهورا بالعقل و الديانة و رشح مرة للوزارة. جهز في هذه السنة (703) رسولا فأحسن السفارة و رجع في جمادي الأولي. و مما اتفق له أنه لما وصل وجد غازان قد مات علي ما قيل مسموما و استقر بعده أخوه خربندا فلما اجتمعا خلع عليه و أعطاه قدح خمر فأخذه بيده و لم يشربه فسئل عن ذلك فقيل له إنه فقيه و ما يقدر أن يشرب هذا فأخذه منه و ناوله رغيفا فأخذه و جذمه و أكله فأعجبه ذلك و كتب جوابه و أرسل معه رسولا فطلب الصلح سنة 705 ليعمر البلاد هذا و قد اطنب صاحب الدرر في ترجمته و قال كان عنده عقل وافر و ديانة …
و من حوادث هذه السنة ولد للسلطان محمد خدابنده ابن سمي علاء الدين أبا سعيد بهادر و ذلك ليلة الأربعاء ثامن ذي القعدة و هو الذي ولي السلطنة بعد أبيه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 454
ولد في جمادي الآخرة سنة 640 ه و عني بالحديث سمع الكثير و تفقه و كتب الكثير بالخط الجيد المتقن و خرج لغير واحد من الشيوخ و حدث بالقليل و سمع من جماعة و أجاز لجماعة منهم الحافظ الذهبي و توفي في رجب ببغداد و دفن في باب حرب.
عبد اللّه بن عبد المؤمن بن الوجيه بن هبة اللّه الواسطي. أبو محمد الملقب نجم الدين المقري التاجر. قرأ بالروايات علي العماد أحمد بن المحروق و ابن غزال و أخيه.. نظم في العشرة كتابا نفيسا سماه الغاية … ولد سنة 671 ه و توفي سنة 704 ه ببغداد.
و نيابة عن الأمير سونج اتابك فخالفه و من ثم أمر بقتله في التاريخ المذكور.
و في ابن خلدون أن حربه كان مع الأكراد هناك … و لعل هذه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 455
الوقعة غير ما حدث سنة 710 ه و أما في تاريخ كزيده فإنه بين أن هذه الوقعة جرت في ذي الحجة سنة 706 ه و أن السلطان عزم علي الوقيعة بأهالي گيلان فحاربهم و سخر القطر و في هذه الحرب قتل القائد قتلغ شاه و كان أمير الوس فقتل في هذه الحرب و وضعت ضريبة علي الأهلين كمية وافرة من الحرير و بعد أن قتل قتلغ شاه فوضت إمارة خراسان إلي بسلودل … أما السلطان فقد ولي مكان قتلغ شاه الأمير چوبان.
و جاء في دول الإسلام للذهبي أن هذه الواقعة كانت قد حدثت سنة 707 ه و أن قتلغ شاه أصابه سهم فقتل. و ورد فيه بلفظ (خطلو شاه) كان قتله سلطان جيلان شمس الدين دوباج رماه بسهم، و كان قتلغ شاه هذا مقام التتار في ملحمة شقحب.
الحنفي، سيف الدين المنطقي ولد في حدود 630 ه أخذ عن البدر الطويل و الفخر بن البديع و برع في المنطق … و أملي علي الموجز للخونجي شرحا، و علي الإرشاد كذلك و ارتحل إلي القاهرة … مات في جمادي الأولي سنة 705 و له سبعون سنة و نقل عنه أنه قال: كان لي وقت بناء المستنصرية سبع أو ثمان سنين.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 456
1- مات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد ابن السواملي العراقي كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم ثم اتجر و سار إلي الصين فتمول و عظم و ضمن العراق من القاآن و رفق بالرعية و صار له أولاد مثل الملوك ثم صودر و أخذ منه أموال ضخمة و مات فجأة بشيراز عن ست و سبعون سنة.
و قد مرّ الكلام عليه في هذا الكتاب.
2- العلّامة نصير الدين أبو بكر عبد اللّه بن عمر بن أبي الرضا الفاروثي الشافعي. قال البرزالي في تاريخه قدم علينا دمشق و كان يعرف الفقه و الاصلين و العربية و الأدب و كان جيد المناظرة. ولد بفاروث و هي قرية من عمل شيراز و سكن بغداد و مات بها و درس بالمستنصرية و غيرها من المدارس الكبار.
3- ظهير الدين محمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن عبد السيد ابن محاسن الصرصري الحنبلي ظهير الدين. كان رئيس العراق في دولة ابغا و من بعده، وافر الجلالة، محترم الجناب. ولد سنة 652 و كان ذا مروءة وجود و كرم و جاه و له مطالعة في العلم و مشاركة. كان يتردد إليه حكام البلد فيتحفهم و يتفضل و كان يفطر في رمضان كل ليلة مائة فقير
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 457
و فقيرة و كانت له نحو عشرين ضيعة لا يؤدي عنها شيئا و كان علي بابه نحو عشرة خدام. و بلغ من رياسته أنه تزوج زبيدة بنت هارون ابن الوزير الجويني فأصدقها اثني عشر ألف مثقال ذهبا و اتفق أنه كان وعد غلاما له بزواج بنت جارية له ثم بدا له فزوجها لغيره فبادر المذكور و قتل الزوج فبلغ ذلك ظهير الدين فخرج فضربه القاتل بسكين في خاصرته فعاش بعدها ليلة واحدة و مات عن توبة و إنابة في شوال سنة 706 ه.
و تعرف (بالست زبيدة) و هذه بنت هارون الجويني من زوجته رابعة بنت أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم. و التربة المعروفة باسم ست زبيدة نقطع بأنها لها، إذ لم نر من نال مكانة مثل هذه في عصرها و لا مثل أبيها و أمها و زوجها … فلا غرابة أن تكون لها هذه التربة …
و قد مرّ بيان صداقها …
و ما ذكره الأستاذ المرحوم السيد محمود شكري أفندي الآلوسي من التشكيك في نسبة هذه التربة إلي زبيدة العباسية كان في محله …
و الذي دعا الناس إلي الاشتباه أولا العلاقة الموجودة فهذه عباسية من جهة أمها، و ثانيا الاشتراك في
الاسم فإن هذه زبيدة و تلك زبيدة، و ثالثا الصلة الصهرية … يضاف إلي ذلك أن إخوتها سموا بالأمين و المأمون … و أبوها هارون …
و قد ذكرنا جدتها لأمها شاهلتي زوجة علاء الدين الجويني، و أمها رابعة و زواجها بهارون الجويني و إخوتها … و لا أظن أنه بقي خفاء بعد ما أوردنا من النصوص المارة عن زواج هارون الجويني بالعباسية، و عن أولاده منها، و عن زواج بنته زبيدة هذه …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 458
و قلة النصوص و إن كانت حالت دون معرفة أمور أخري عن المترجمة و لكني أري الغامض قد انجلي نوعا …
في هذه السنة أظهر السلطان خدابنده شعار الشيعة و ذلك بسعي ابن مطهر … و كان إلي هذا التاريخ يراعي عامة الخلفاء الراشدين و يعظمهم و يضرب النقود بأسمائهم …
و لما ركن إلي مذهب الشيعة حذف ذكر الشيخين من الخطبة و نقش اسماء الائمة الاثني عشر علي نقوده و ذلك اعتبارا من هذه السنة كما يستفاد من النقود المضروبة و الموجودة في المتاحف و بين هذه ما ضرب في بغداد … و في ابن بطوطة:
«كان ملك العراق السلطان خدابنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الروافض الإمامية يسمي جمال الدين بن المطهر فلما أسلم السلطان المذكور و أسلمت بإسلامه التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه فزين له مذهب الروافض و فضله علي غيره و شرح له حال الصحابة و الخلافة و قرر لديه أن أبا بكر و عمر كانا وزيرين لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أن عليا ابن عمه و صهره فهو وارث الخلافة و مثل له ذلك بما هو مألوف
عنده …
فأمر السلطان بحمل الناس علي الرفض و كتب بذلك إلي العراقين و فارس و أذربيجان و أصفهان و كرمان و خراسان و بعث الرسل إلي البلاد فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد و شيراز و أصفهان فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الازج منهم (محلة باب الشيخ) و هم أهل السنة و أكثرهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 459
علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل و قالوا لا سمع و لا طاعة و أتوا المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح، و به رسول السلطان فلما صعد الخطيب المنبر قالوا له و هم نحو اثني عشر ألفا في سلاحهم و هم حماة بغداد و المشار إليهم فيها فحلفوا له أنه إن غير الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فإنهم قاتلوه و قاتلو رسول الملك و مستسلمون بعد ذلك لما شاء اللّه.
و كان السلطان أمر بأن تسقط اسماء الخلفاء و سائر الصحابة من الخطبة و لا يذكر إلا اسم علي و من تبعه كعمار رضي اللّه عنهم فخاف الخطيب من القتل و خطب الخطبة المعتادة.
و فعل أهل شيراز و اصفهان كفعل أهل بغداد فرجعت الرسل إلي الملك فأخبروه بما جري في ذلك فأمر أن يؤتي بقضاة المدن الثلاث فكان أول من أتي به منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز و السلطان إذ ذاك في موضع يعرف بقراباغ و هو موضع مصيفه فلما وصل القاضي أمر أن يرمي به إلي الكلاب التي عنده و هي كلاب ضخام في أعناقها السلاسل معدة لأكل بني آدم فإذا أتي بمن يسلط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفر أمامها
و لا مفر له فتدركه فتمزقه و تأكل لحمه. فلما ارسلت الكلاب علي القاضي مجد الدين و وصلت إليه بصبصت إليه و حركت اذنابها بين يديه و لم تهجم عليه بشي ء فبلغ ذلك السلطان فخرج من داره حافي القدمين فأكب علي رجلي القاضي يقبلهما و أخذ بيده و خلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب و هي أعظم كرامات السلطان عندهم و إذا خلع ثيابه كذلك علي أحد كانت شرفا له و لبنيه و أعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شي ء منها و أعظمها في ذلك السراويل. و لما خلع السلطان ثيابه علي القاضي مجد الدين أخذ بيده و أدخله إلي داره و أمر نساءه بتعظيمه و التبرك به و رجع السلطان عن مذهب الرفض و كتب إلي بلاده
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 460
تربة السيدة زبيدة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 461
أن يقرّ الناس علي مذهب أهل السنة و الجماعة … » ا ه.
و قد جاء في الدرر الكامنة عن هذه الحادثة «كان حسن الإسلام لكن لعبت بعقله الإمامية فترفض و أسقط من الخطبة في بلاده ذكر الائمة إلا عليا … و كان فيما يقال قد رجع عن الرفض و أظهر شعار أهل السنة فقال بعضهم في ذلك:
رأيت لخربندا اللعين دراهما يشابهها في خفة الوزن عقله
عليها اسم خير المرسلين و صحبه لقد رابني هذا التسنن كله
و قد نقل بعض المؤرخين أن السلطان كان اسمه خدابنده فصار يسميه أهل السنة (خربنده) تحقيرا له من حين قبل مذهب التشيع … و قد نقلنا ما يخالف ذلك في سبب تسميته و لا يعوّل علي أمثال هذه الإشاعات استفادة من قرب اللفظ …
و في
عقد الجمان أنه أظهر الرفض في بلاده سنة 709 ه و أمر الخطباء أن لا يذكروا في خطبهم إلا عليّ بن أبي طالب (رض) و ولديه و أهل البيت …
و في تاريخ كزيده يعزو سبب عدوله عن مذهب أهل السنة إلي غير ابن المطهر فقد ذكر أنه السيد تاج الدين علي ما سيأتي.
و في تقويم التواريخ في حوادث عام 716 ه أن خدابنده توفي و ولي بعده ابنه أبو سعيد و هذا أبطل شعار الشيعة و هذا هو المعول عليه نظرا للنقود المضروبة في أيامه و استمرارها إلي حين وفاته … و غاية ما يفسر من النصوص أنه ترك الناس و ما يدينون وراعي عقائدهم و خطبهم و لم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 462
يقسرهم علي أمر مما يؤثر علي معتادهم المذهبي … و في بغداد ما يأتي من الحوادث أنه كان يراعي جانبهم بسبب بعض ما وقع من السياسة الداخلية …
و مهما كان الأمر فلا نري مجالا للبحث في النضال بين الشيعة و السنة و لا في تاريخ هذه الناحية أي درجة نطاق هذا المذهب و انتشاره في الاقطار و أثره أو تأثيره … خصوصا أننا نعلم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ و أن السياسة هي التي نفرت بين الإخوان و باعدت ما بينهم و استخدمت علماء كل فريق و تقويته علي الآخر حبا في الاستفادة للحصول علي نيل مكانة … فكان اولئك العلماء آلة شحناء و واسطة بغضاء بين الإخوان في الدين ترويجا لمطالب السياسة و مرغوباتها …
ولد ليلة الثلاثاء 13 ذي القعدة سنة 623 ه و سمع الكثير من ابن روزبه و السهروردي و ابن الخازن و ابن اللتي و غيرهم و
عني بالحديث و سمع الكتب الكبار و الأجزاء كان عالما صالحا من محاسن البغداديين و أعيانهم ذا لطف و سهولة و حسن أخلاق من اجلاء العدول و لبس خرقة التصوف من السهروردي و حدث بالكثير و سمع منه خلق كثير من أهل بغداد و الرحالين و انتهي إليه علو الاسناد. و توفي في جمادي الآخرة ببغداد و دفن بمقبرة الإمام أحمد.
و زاد في الدرر الكامنة أنه باشر مشيخة المستنصرية بعد الكمال ابن القويرة و ذكر أنه توفي في رجب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 463
هو بهاء الدين. كان أراد القدوم إلي مصر في أيام الصالح أيوب فلما خرج المظفر قطز إلي قتال التتار شهد معه (وقعة عين جالوت) و معه جمع كثير من الشهرزورية و أبلوا بلاء حسنا ثم قبض عليه المنصور و حبسه ثم أفرج عنه الاشرف خليل و أمّره و كان من الأكابر، له مكارم و أتباع. مات في أواخر سنة 707 ه.
ولد في رمضان سنة 627 و تعاني القراءات إلي أن مهر فيها و اشتهر بها فصار شيخ الاقراء بواسط و كان قد سمع كثيرا من ابن شقيرة و غيره. مات في شهر رجب سنة 707 ه بواسط.
كان مقدم العسكر في أيام غازان و فعل بدمشق الافاعيل ثم كان مقدمهم في وقعة شقحب فعاد مكسورا ثم جهزه غازان إلي كيلان ففتكوا به و قتلوه في أول سنة 707 ه. و قد مرّ الكلام عليه.
سمع من محمد ابن الحصري و ابن شاتيل وحدث. مات في 16 شعبان سنة 707 ه.
هو شيخ المنيع بالشام. كان لبيدرا حال نيابته عن الديار المصرية فيه اعتقاد. و كان أصله من بلاد العراق. و لما دخل التتار دمشق في وقعة غازان عرفه جماعة منهم فأكرموه و نزل عنده قطلو و أحد أكابر أمرائهم و كانت له شهرة بين طائفته
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 464
و مات 2 جمادي الآخرة سنة 707 ه.
ولد سنة 650 تقريبا و سمع الحديث من عم والده فضل اللّه بن عبد الرزاق و مات في 7 شوال سنة 707 ه.
في هذه السنة التجأ إلي السلطان الجايتو (محمد خدابنده) كل من شمس الدين آق سنقر صاحب حماة و جمال الدين الأفرم صاحب حلب و بعض أمراء الشام و أظهروا له الطاعة فرحب بهم الجايتو و أكرمهم و أعزّهم و منح لكل واحد منهم مدينة في ايران ليحكم فيها …
و لم نجد أثرا لهذا الخبر في أبي الفداء أو غيره في حين أننا نري بعد هذا التاريخ وقائع و أوضاع لجمال الدين اقوش الأفرم في أبي الفداء و لم يتعرض لهذه الناحية بل نراه نائبا في الكرك في هذه السنة سنة (708 ه). إلا أن الوقعة التالية تعين حقيقة الأوضاع آنئذ …
إن أحمد بن عميرة هو من آل فضل و كان بينه و بين ابن عمه مهنا ابن عيسي نزاع. و قد زوج هذا اخته من ثابت بعد أن كان اعطاها لعميرة … فكانت نتيجة الخلاف بينهما أن التجأ أحمد بعد وفاة والده في الحبس إلي التتار و كان أمير الموصل آنئذ ايليا حميش: و هذا الأمير بعد وقعة أحمد و انكساره عزل و كان نازلا علي الموصل و يحكم في تلك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 465
البلاد نيابة عن خربندا. و لما عزله ولي اميرا آخر يقال له (سوتاي) و كان من أمكر المغل و أخبثهم و أفرسهم. و هذا واقع سورية و الحروب في هذا الحين متوالية بين الطرفين و كان أحمد مجروحا فشفي و صار معه …
جرت حروب دموية قد غلب في آخرتها …
هذا ما ورد في عقد الجمان و قد فصل القول فيه عن أحمد و التجائه إلي خربنده و الوقائع الجارية هناك … و الملحوظ أن السياسة العشائرية لعبت
دورها في هذا الوقت، و هذه و إن كانت في الحقيقة لا تعد الحروب فيها مع العراق مباشرة و لكنه لا يخلو من علاقة، و التفاهم غالبا إنما يكون مع أمراء العراق … و في هذه الأيام نري الاهتمام بالعشائر بالغا حده و من مراجعة وقائعهم نعلم دخائل السياسة مع المجاورين و درجة مجاريها …
ابن الشيخ الزاهد أبي الحسن علي بن البطال (الطبال) الازجي شيخ المستنصرية سمع من عمر بن كرم و ابن القطيعي، و ابن روزبة و جماعة وحدث بالكثير و لم يخلف بالعراق مثله و تفرد و مات ببغداد.
الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة بن كوكب الطائي السواري الحكمي- و حكم بالفتح قرية من قري السوار- الحنبلي الحافظ الزاهد. ولد في رجب سنة 662 ه و سمع من احمد بن أبي الخير و ابن أبي عمر و غيرهم و رحل سنة 83 إلي مصر و سمع بها من العز الحراني و ابن خطيب المزة و غيرهما، و بالإسكندرية من ابن طرخان و جماعة و ببغداد من ابن الطبال و خلق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 466
و بأصبهان و البصرة و حلب و واسط عني بهذا الفن و حصل الأصول و كتب العالي و النازل.
قال الحافظ عبد الكريم الحلبي: كان إماما عالما فاضلا حسن القراءة فصيحا، ضابطا، متقنا قرأ الكثير و سمع من صغره إلي حين وفاته.
قال البرزالي: خالط الفقراء و صارت له أوراد كثيرة و تلاوة و استوطن ديار مصر و تزوج و صارت له بها حظوة و شهرة بالحديث و القراءة و كان معمور الأوقات بالطاعات.
قال الذهبي في معجمه: أحد الرحالين و الحفاظ و المكثرين و دخل اصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا و لا طلبة فرجع و كان ثقة صحيح النقل عارفا بالأسماء من أهل الدين و العبادة.
قال ابن رجب: سمع منه البرزالي و الذهبي و عبد الكريم الحلبي و ذكروه في معاجمهم.
توفي يوم الثلاثاء 14 ذي القعدة و دفن بالقرافة بالقرب من الشافعي.
و جاء في تاريخ گزيده أنها ايلدوزش خاتون.
هو ابن عبد اللّه بن محمد بن أبي الغنائم بن فضل البندنيجي البغدادي سمع من ابن أبي النجا اللتي. و سمع منه أبو العلاء النجاري
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 467
وحدث. مات في جمادي الأولي سنة 708.
هو محيي الدين أبو عثمان المعروف بابن شيخ النجل ولد سنة 628 (627) و سمع من الكاشغري و غيره. و مات في جمادي الآخرة سنة 708 ه.
حدث ببغداد و مات في شعبان سنة 708.
1- في هذه السنة أمر السلطان خدابنده ببناء مدينة سلطانية.
2- و فيها تزوج السلطان خدابنده ملك التتار ببنت الملك المنصور نجم الدين غازي ابن المظفر قره ارسلان الارتقي صاحب ماردين المتوفي سنة 712 ه و هو ابن قره ارسلان الارتقي.
كان ممن سار إلي بلاد الططر (التتار) و آذي الناس ثم رجع عن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 468
ذلك و تاب و دخل الشام بالأمان في صفر سنة 709 ه.
المجاور من زمان بمكة بحيث صار مسندها أخذ عنه ابن مسلم القاضي و شمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية و أجاز لأبي عبد اللّه الذهبي و توفي بمكة في جمادي الآخرة عن بضع و ثمانين سنة.
ولد سنة 24 و سمع أبا نصر بن عساكر و ابن اللتي و ابن المقير و غيرهم. أجاز له أبو الوفاء ابن مندة و الناصح ابن الحنبلي و جعفر و آخرون و تفرد و روي الكثير و كان حسن الأخلاق يؤم بمسجد و يقري ء الصغار و أخذ عنه المزي و البرزالي و ابن المحب و السبكي و آخرون.
مات في شهر رمضان.
هو أبو العباس أحمد البغدادي الحمامي نزيل مكة سمع من قرابته الأنجب الحمامي و حدث عنه و كان الدباهي يثني علي دينه و مروءته مات بمكة و قد قارب التسعين.
كان شحنة بغداد من قبل التتار، عادلا، صارما. ولي بغداد فمهدها من المفسدين و قمع من بها من المعتدين و خفف ظلما كثيرا، و حمدت سيرته إلي أن مات في اوائل سنة 709 ه بناحية الكوفة و كان دينا حسن الإسلام، يمشي إلي صلاة الجمعة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 469
النوين خال أبي سعيد كان اتفق مع أبي سعيد علي إمساك چوبان و قتله فتحيل عليه هو و قرمش و دقماق و جماعة ففطن لهم فهرب فطلبوه و حرجوه فلجأ إلي قلعة مرند ثم توجه إلي أبي سعيد فدخل عليه و معه كفنه فقال قتلت رجالي و نهبت أموالي فإن كنت تريد قتلي فها أنا بين يديك فتبرأ أبو سعيد من ذلك فاستخدم رجالا و أوقع بايرنجن و من معه فانكسر ثم أسر هو و قرمشي و دقماق فعقد لهم مجلس فقالوا ما فعلنا شيئا إلا بإذن القاآن فأنكر أبو سعيد فقال ايرنجن هذا خطك معي فضربه بسيخ (سهم) في فمه فقتله و طيف برأسه و تمكن جوبان و أباد أضداده و ذلك سنة 709 ه و قتل دقماق و قرمشي.
في هذه السنة ذكر الغياثي أن جماعة في أرض كيلان تمردوا و قال ابن خلدون هم الأكراد فجهز عليهم نائبه قتلغ شاه فحاربهم في جبال كيلان فهزموه و قتلوه و ولي مكانه الأمير چوبان و قد مرّ ذلك في الحوادث الماضية و الظاهر أنه بعد قتله قتلغ شاه انتصر عليهم في هذه السنة تأليفا بين النصوص المختلفة في تواريخها …
في هذه السنة حدث بين الوزيرين الخواجة رشيد الدين و الخواجة سعد الدين مخالفة فانقلبت الصداقة إلي بغضاء فكان الخواجة رشيد الدين يستفيد من كل فرصة ليبغض السلطان علي الخواجة سعد الدين إلي أن غير طبع السلطان عليه و جعله ينفر منه و بلغ تشنيعه عليه امرا كبيرا حتي أنه لم يقف عند هذا الحد و إنما لقن السلطان أن جماعته و أعوانه أيضا علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 470
شاكلته و علي وفاق معه و اتفاق … و ساعده علي ذلك علي شاه …
و في عاشر شوال قتل هو و من معه في بغداد من نوابه أمثال الأمير ناصر الدين يحيي بن جلال الدين الطبري و الخواجة زين الدين الماستري و الخواجة شهاب الدين مباركشاه السباوي و داود شاه فاستشهدوا في المحول من بغداد جميعا و ذلك بفرمان من السلطان بعد أن أجريت محاكمتهم. و صارت الوزارة بعده للخواجة تاج الدين علي شاه التبريزي و هو الوزير الذي انضم إلي الوزيرين و اتفق مع الخواجة رشيد الدين علي خصمه … و فوضت إليه الوزارة علي أن لا يخرج عن أمر الخواجة رشيد الدين و لا يتجاوز مرسومه …
و أن علي شاه كان قد عرف مواطن الضعف في الخواجة سعد الدين و ذلك أن
أعوانه كان قد أعماهم الطمع فساقوا الوزير في الهاوية و لم يقف الأمر عند هؤلاء من رجال السوء فإن الخواجة سعد الدين كانت له زوجة يقال إنها في الأصل يهودية و قد ملكت لبه فلم يستطع مخالفتها، و كانت تطلب منه أمورا هي من جملة أسباب نكبته … و قد أثني علي سلوكه و حسن سيرته أبو القاسم عبد اللّه بن محمد القاشاني في تاريخه المعروف ب (تاريخ الجايتو) و بين مواطن ضعفه في الناحيتين المذكورتين و قد نعتت زوجته بأنها شيطان في صورة إنسان و أنها رمته في ورطة … أما الموظفون عنده فقد عرف حالتهم علي شاه و كشف مخبآت … فأوجب سقوط الخواجة سعد الدين سقوطا هائلا …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 471
و لكن الأمور لم تجر وفق المطلوب و إنما اضطربت الحالة و ساءت بسبب التقيد الزائد، و الاحتياط الكبير فكانت داعية التخوف البليغ أدت إلي الخلل العظيم و صار الوزير الجديد يعارض في كل أمر و لا يلتفت إلي أوامر الخواجة رشيد الدين هذا و أن زوجة الخواجة سعد الدين كانت قد اتفقت مع نجيب الدولة من أطباء البلاط و هذا أيضا كان ممن اعتنق الإسلامية و هو في الأصل من اليهود فلعب في أيام الجايتو و أبي سعيد هو و أمثاله من اليهود الذين قبلوا الإسلامية لمصلحة ادوارا هائلة و كانت تقع علي أيديهم وقائع فجيعة كادوا بها يقضون علي جميع الوزراء بل قضوا و دمروا الحكومة …
و علي كل حال أوضح هذه النواحي القاشاني و فصل ما جري …
و في ثالث ذي الحجة من هذه السنة قتل السيد تاج الدين اللوحي و هو من متقدمي
رجال الشيعة و رؤسائهم و كان من أهل الغلو العظيم في الرفض فهذا كان قد حرض السلطان الجايتو علي هذا المذهب. و قتل ابن السيد تاج الدين و جماعة آخرين بسبب اتفاقهم مع الخواجة سعد الدين فقضي عليهم جميعا … و أن السيد عماد الدين علاء الملك السمناني قد سمل بسبب ميله إلي جانبهم …
و في هذه الوقعة و الخلاف بين الوزراء ما يؤيد وجهة نظر كلّ فضاع التدبير في تدارك الخلل و جاء في ابن بطوطة كما في النص
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 472
المنقول ما يؤيد الحالة و الوضع و أساسا إن الأوضاع السياسية و الحالة الراهنة مضطربة فلا أمل في إصلاحها و التنافس بين الوزراء قائم …
«من بني زيد ابن الداعي السيد الجليل الشهيد تاج الدين أبو الفضل محمد بن مجد الدين الحسين بن علي بن زيد المذكور. كان أول أمره واعظا و اعتقده السلطان الجايتو محمد و ولاه نقابة نقباء الممالك بأسرها العراق و الري و خراسان و فارس و سائر ممالكه و عانده الوزير رشيد الدين الطبيب. و أصل ذلك أن مشهد ذي الكفل (ع) بقرية بئر ملاحة علي الشط بين الحلة و الكوفة و اليهود يزورونه و يترددون إليه و يحملون إليه النذور فمنع السيد تاج الدين اليهود من قربه و نصب من صبيحته منبرا و أقام فيه جمعة و جماعة فحقد ذلك الرشيد مع ما كان في خاطره منه بجاهه العظيم و اختصاصه بالسلطان، و كان السيد تاج الدين (ابنه) هو المتولي لنقابة العراق و كان فيه ظلم و تغلب فأحقد سادات العراق بأفعاله فتوصل الرشيد … و استمال جماعة … و أوقعوا في خاطر السلطان..
فقتلوهم عتوا و تمردا موافقة لأمر الرشيد …
و كان ذلك في ذي القعدة سنة 711 ه و أظهر عوام بغداد و الحنابلة التشفي … » ا ه.
خطيب جامع المنصور و شيخ المستنصرية:
خطيب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 473
جامع المنصور و شيخ المستنصرية بعد ابن الطبال (و في عقد الجمان ابن البطال) سمع ابن بهروز و الأنجب الحمامي و أحمد بن المارستاني.
و مات ببغداد في رمضان عن اثنتين و ثمانين سنة.
روت كتابي الدارمي و عبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب و توفيت ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر.
هو الملقن بالجامع الأموي كان عارفا بالتجويد حسن الأداء مات في شهر رجب سنة 710 ه.
حنبلي مقري ء نزل دمشق و كان عارفا بالقراءات أخذ عن عبد الصمد ابن أبي الجيش و غيره. و كان فصيحا عارفا توفي سنة 710 ه و قد قارب الستين.
هو الحكيم شمس الدين الكحال الفاضل الأديب تعاني الآداب ففاق في النظم و سلك طريق ابن حجاج و مزجها بطريقة متأخري المصريين يأتي بأشياء مخترعة و صنف طيف الخيال الشاهد له بالمهارة في الفن و له أرجوزة سماها عقود النظام في من ولي مصر من الحكام و كان كثير النوادر و الرواية … (أورد له جملة من الشعر). مات في 12 جمادي الآخرة سنة 710 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 474
و نعته في عقد الجمان بالحكيم الأديب الخليع، صاحب النكت الغريبة و النوادر العجيبة … كان كثير المجون و الخلاعة، و كان أعجوبة في النوادر و الأجوبة … ولد بالموصل سنة 647 ه و من شعره:
قد عقلنا و العقل أي وثاق و صبرنا و الصبر مرّ المذاق
كل من كان فاضلا كان مثلي فاضلا عند قسمة الأرزاق
في هذه السنة كملت عمارة مدينة سلطانية و هي بين قزوين و همذان فنزلها السلطان خدابنده و اتخذ بها بيتا لطيفا بني بلبن الذهب و الفضة و أنشي ء بإزائها بستان فيه أشجار الذهب بثمر اللؤلؤ و الفصوص و أجري فيه اللبن و العسل انهارا و أسكن فيه الغلمان و الجواري تشبيها له بالجنة و أفحش السلطان في التعرض لحرمات قومه.
و جاء في عقد الجمان أن السلطان كان قد طلب من تبريز و بغداد صناعا و مهندسين لعمارتها. و السلطانية هذه هي (قنغرلان) و جعلها عاصمة ملكه …
جاء في عقد الجمان أن في هذه السنة توجه الأمير قراسنقر المنصوري إلي خربندا ملك التتار و كان نائب حلب، توجه إلي الحجاز
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 475
مشهد ذي الكفل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 476
و من هناك مال إلي العراق … فتمكنت حكومة المغول من استهوائه و استهواء غيره مثل الأفرم، و العشائر بجلب رؤسائهم … و قد اطنب في ذلك مما لا نري الآن محلا للإطالة فيه و إنما نلاحظ الأوضاع العشائرية في مبحث خاص … و علي كل كانت الحالة تدعو للارتياب و كل واحد من المتجاورين لم يقصر في تدبير و يحاول ربح قضيته …
في هذه السنة في شعبان أتم عبد اللّه بن فضل اللّه الشيرازي كتابه المعروف بتاريخ (وصاف) و قد مرّ القول عنه.
إن محمد العجمي كان من الكبار بالعراق و أنشأ ببغداد جامعا غرم عليه ألف ألف، غضب عليه خربندا فأمر بقتله و قتل الوزير مبارك شاه و يحيي بن إبراهيم ابن صاحب سنجار فقتلوا جميعا في شوال سنة 711 ه بسبب أن الشريف تاج الدين رفع عليهم عند خربندا أنهم توطؤوا علي قتله … و قد مرّ خبر ذلك.
هو ابن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي العراقي. ولد سنة 652 ه و عني بالحديث فسمع من الرضي ابن البرهان و النجيب و عبد اللّه بن علاق و طبقتهم، و بدمشق من أحمد بن أبي الخير و الجمال ابن الصيرفي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 477
و ابن أبي عمرو، سمع الكثير و اتسعت معارفه في الفن و كان ولي مشيخة الحديث النورية بدمشق ثم تركها و رجع إلي مصر. و كان أبوه تاجرا فنشأ هو في رياسة و بزة فاخرة و حرمة وافرة. قال الذهبي و كان رئيسا فصيح الايراد، عذب العبارة، قوي المعرفة بالمتون و الأسانيد، صيّنا و درس بالصالحية و جامع ابن طولون ثم ولي القضاء في ربيع الآخر سنة 709 ه بعد موت عبد الغني بن يحيي الحراني من قبل المظفر بيبرس فاستمر إلي أن مات و كان متيقظا، محتاطا و قدم الفضلاء من كل طائفة. و كان ابن دقيق ينفر منه لقوله بالجهة، و يقال إنه الذي تعمد إعدام مسودة كتاب الإمام لابن دقيق العيد بعد أن كان أكمله فلم يبق منه إلا ما كان يبيض في حياة مصنفه … مات في 14 ذي الحجة سنة 711 ه.
ولد سنة 657 و تفقه علي مذهب الشافعي و تعبد و انقطع و كان يرتزق من النسخ و خطه حسن جدا. و له اختصار دلائل النبوة و تسلك به جماعة و كان يحط علي الاتحادية. قال الذهبي تفقه و كتب المنسوب و تزهد و تجرد و تعبد و صنف في السلوك و شرح منازل السائرين. و كان منقبضا عن الناس حافظا لوقته لا يحب الخوانك تسلك به جماعة و كان ذا
ورع و إخلاص.
و له نظم حسن. مات في شهر ربيع الآخر سنة 711 ه.
هو وزير خربندا قتل في شوال سنة 711 هو قد مر الكلام عنه في ترجمة محمد بن علي الساوجي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 478
هو محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي البغدادي الحنبلي كان تاجرا ثم ترك و تزهد و لقي المشايخ و تكلم علي الناس و قدم دمشق فلازم ابن تيمية قال الذهبي كان ذا صدق و تأله و ديانة جاور مدة و لقي المشايخ و له مواعظ نافعة و كان ممن يقول الحق و إن كان مرا و فيه صفات حميدة مات في شهر ربيع الأول سنة 711 ه.
في شوال سنة 712 ه عزم السلطان علي الذهاب إلي الشام و إفتتح قلعة الرطبة بعد معركة حصلت هناك و رأف بالصلح معهم و في هذه الأثناء صال علي خراسان كپك و ميسور من أمراء الجغتاي و بعد أن أحدثوا أضرارا كبري عادوا … و أن السلطان الجايتو لما سمع بذلك سير الأمير علي القوشجي بجيش عظيم عليهم لينتقم و من ثم عبر الفيلق نهر جيحون و خرب انحاء ترمذ و ما وراء النهر فأخذ الحيف و عاد إلي السلطان و حينئذ نصب السلطان ابنه أميرا علي خراسان و جعل الأمير سونج معه كأتابك له كما أنه أنفذ بصحبته أمير أمراء خراسان … أما أهل ما وراء النهر فإنهم قد أحدثوا اختلافا بين ميسور و كپك فمال الأمير ميسور إلي السلطان و أبدي له الطاعة و من ثم لطفه السلطان و كتب له كتابا يناصره فيه أما الأمير كپك فقد تأهب لحرب الأمير ميسور و قد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 479
أمدّ الايرانيون الموما إليه فكانت النتيجة أن انهزم كپك …
«و كان خربندا نازل الرطبة بجموع المغل (المغول) في آخر شعبان من هذه السنة (سنة 712 ه) … و استمر خربندا محاصرا للرطبة و أقام عليها المجانيق و أخذ فيها النقوب و معه قراسنقر و الأفرم و من معهما و كانا قد اطمعا خربندا أنه ربما يسلم إليه النائب بالرطبة و هو بدر الدين بن اركش الكردي لأن الأفرم هو الذي كان قد سعي للمذكور في النيابة بالرطبة فطمع الأفرم بسبب تقدم إحسانه إلي المذكور أن يسلم إليه الرطبة و حفظ المذكور دينه و ما في عنقه من الأيمان للسلطان و قام بحفظ
القلعة أحسن قيام و صبر علي الحصار و قاتل أشد قتال.
و لما طال مقام خربندا علي الرطبة بجموعه وقع في عسكره الغلاء و الفناء و تعذرت عليه الأقوات و كثر منه المقفزون إلي الطاعة الشريفة و ضجروا من الحصار و لم ينالوا شيئا و لا وجد خربندا لما أطمعه به قراسنقر و الأفرم صحة فرحل خربندا عن الرطبة راجعا علي عقبه في 26 رمضان من هذه السنة … و تركوا المجانيق و آلات الحصار علي حالها … » ا ه.
و في ابن الوردي: « … حاصروها ثلاثة و عشرين يوما و رموها بالمجانيق و أخذوا في النقوب ثم أشار رشيد الدولة علي خربنده بالعفو عن أهلها و أشار عليهم بالنزول إلي خدمة الملك فنزل قاضيها و جماعة و أهدوا لخربندا خمسة أفراس و عشرة اباليج سكر فحلفهم علي الطاعة له و رحل عنهم … » ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 480
و في عقد الجمان تفصيل عن هذه الوقعة و عن وصول خربندا إليها و رحيله ثم نزوله الموصل … و عند ذلك جاءته التقدمات و الوفود من كل صوب ثم رحل إلي تبريز. و هناك جاءه رسول من ملك الترك (ولدي) و طلب منه الحمل لانقطاعه لمدة ثلاث سنوات فجمع خربندا المجلس ثم انتظر چوبان فأجابه ليس سوي الحرب و ضرب الرسول ضربا مبرحا …
و من ملخص الأسباب الصحيحة أن القوم تركوا الحصار لأن المغول في ما وراء النهر عانوا في خراسان و ما والاها فلا معني لبقائهم علي حصار الرطبة. و أن الصلح وقع لهذا السبب و انسحب الجيش للأمر الأهم … كما أنه التجأ الأفرم و قراسنقر إلي خدابنده بعد
التاريخ الذي بيناه و قد حكي ابن بطوطة ذلك بصورة مفصلة قال:
«كان قراسنقر من كبار الأمراء و ممن حضر قتل الملك الأشرف أخي الملك الناصر و شارك فيه. و لما تمهد الملك للملك الناصر و قرّ به القرار و اشتدت أواخي سلطانه جعل يتتبع قتلة أخيه فيقتلهم واحدا واحدا إظهارا للأخذ بثأر أخيه و خوفا أن يتجاسروا عليه بما تجاسروا علي أخيه و كان قراسنقر أمير الأمراء بحلب فكتب الملك الناصر إلي جميع الأمراء أن ينفروا بعساكرهم و جعل لهم ميعادا يكون فيه اجتماعهم بحلب و نزولهم عليها حتي يقبضوا عليه. فلما فعلوا ذلك خاف قراسنقر علي نفسه. و كان له ثمانمائة مملوك فركب فيهم و خرج علي العسكر صباحا فاخترقهم و أعجزهم سبقا و كانوا في عشرين ألفا و قصد منزل (أمير العرب) مهنا بن عيسي و هو علي مسيرة يومين من حلب و كان مهنا في قنص له فقصد بيته و نزل عن فرسه و ألقي العمامة في عنق نفسه و نادي الجوار يا أمير العرب و كانت هناك أم الفضل زوج مهنا و بنت عمه فقالت له قد أجرناك و أجرنا من معك فقال إنما اطلب أولادي و مالي فقالت له لك ما تحب فانزل في جوارنا ففعل ذلك و أتي مهنا فأحسن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 481
نزله و حكمه في ماله فقال إنما أحب أهلي و مالي الذي تركته بحلب فدعا مهنا بإخوته و بني عمه فشاورهم في أمره فمنهم من أجابه إلي ما اراد و منهم من قال له كيف نحارب الملك الناصر و نحن في بلاده بالشام فقال لهم مهنا: أما أنا فأفعل لهذا الرجل ما يريده
و أذهب معه إلي سلطان العراق. و في أثناء ذلك ورد عليهم الخبر بأن أولاد قراسنقر سيروا علي البريد إلي مصر فقال مهنا لقراسنقر أما أولادك فلا حيلة فيهم و أما مالك فنجتهد في خلاصه فركب فيمن أطاعه من أهله و استنفر من العرب نحو خمسة و عشرين ألفا و قصدوا حلب فأحرقوا باب قلعتها و تغلبوا عليها و استخلصوا منها نحو مال قراسنقر و من بقي من أهله و لم يتعدوا إلي سوي ذلك و قصدوا ملك العراق و صحبهم أمير حمص الأفرم و وصلوا إلي الملك محمد خدابنده سلطان العراق و هو بموضع مصيفه المسمي (قراباغ) و هو ما بين السلطانية و تبريز فأكرم نزلهم و أعطي مهنا عراق العرب و أعطي قراسنقر مدينة مراغة من عراق العجم و تسمي (دمشق الصغيرة) و أعطي الأفرم همذان و أقام عنده مدة مات فيها الأفرم.
و عاد مهنا إلي الملك الناصر بعد مواثيق و عهود أخذها منه و بقي قراسنقر علي حاله. و كان الملك الناصر يبعث له الفداوية مرة بعد مرة و منهم من يدخل عليه داره فيقتل دونه و منهم من يرمي بنفسه عليه و هو راكب فيضربه و قتل بسببه من الفداوية جماعة و كان لا يفارق الدرع أبدا و لا ينام إلا في بيت العود و الحديد. فلما مات السلطان محمد و ولي ابنه أبو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 482
سعيد وقع ما سنذكره من أمر الچوبان كبير أمرائه و فرار ولده الدمرطاش إلي الملك الناصر و وقعت المراسلة بين الملك الناصر و بين أبي سعيد و اتفقا علي أن يبعث أبو سعيد إلي الملك الناصر برأس قراسنقر و يبعث إليه
الملك الناصر برأس الدمرطاش فبعث الملك الناصر برأس الدمرطاش إلي أبي سعيد فلما وصله أمر بحمل قراسنقر إليه. فلما عرف قراسنقر بذلك أخذ خاتما كان له مجوفا في داخله سمّ ناقع فنزع فصه و امتص ذلك السم فمات لحينه فعرف أبو سعيد بذلك الملك الناصر و لم يبعث له برأسه.» ا ه.
إن هذا الأمير و هو مهنا بن عيسي لما اعتمد المساعدة من قراسنقر و لغير ذلك من الأمور التي استوحشها من سورية كاتب السلطان خربنده ثم أخذ منه إقطاعا بالعراق مدينة الحلة و غيرها و استمر إقطاعه من السلطان بالشام و هو مدينة سرمين و غيرها علي حاله و عامله بالتجاوز و لم يؤاخذه بما بدا منه و حلف علي ذلك مرارا فلم يرجع عما هو عليه و جعل مهنا ولده سليمان منقطعا إلي خدمة خربندة و مترددا إليه و استمر ابنه موسي في صداقة السلطان و مترددا إلي الخدمة و استمر علي ذلك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 483
بأخذ الإقطاعين بالشام و العراق و تصل إليه الرسل من الفريقين و خلعهما و إنعامهما و هو مقيم بالبرية يتنقل إلي شط الفرات من منازله لا يصل إلي إحدي الفئتين. و هذا أمر لم يعهد مثله و لا جري نظيره فإن كلّا من الطائفتين لو اطلعوا علي أنه يكتب إلي الطائفة الأخري سطرا قتلوه لساعته و لا يمهلونه ساعة و وافق مهنا في ذلك سعادة خارقة.
و قد ذكر ابن بطوطة عن أمراء العرب في طريق الحج بين العراق و مكة المكرمة أنه كان أمير الحج يخشي العربان فلما قرب منهم صار علي أهبة من الحرب و صادفوا في هذه الأثناء فياضا و حيارا
ابني الأمير مهنا بن عيسي المذكور و معهما من خيل العرب و رجالهم من لا يحصون كثرة فظهر منهما المحافظة علي الحاج و الرحال و الحوطة لهم و أتي العرب بالجمال و انضم فاشتري منهم الناس ما قدروا عليه … قال ثم رحلنا و نزلنا بالموضع المعروف بالأجفر …
و في ابن الوردي أن مهنا المذكور توفي سنة 735 و كان قد أناف علي الثمانين فأقيم له مأتم و لبس عليه السواد و له معروف من ذلك مارستان جيد بسرمين و لقد أحسن برجوعه إلي طاعة السلطان قبل وفاته.
و كانت وفاته بالقرب من سلمية ا ه. و هو من آل فضل أمراء قبيلة طيي ء و في صبح الأعشي أنهم تشعبوا شعبا كثيرة منهم آل عيسي و آل فرج و آل سميط و آل مسلم و آل علي. و من المشهورين من أولاد مهنا غير من ذكرنا نعير بن حيار بن مهنا المتوفي سنة 808 ه و له ابن اسمه عجل بن نعير توفي سنة 816 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 484
و كان لهذه الإمارة شأن كبير وصيت ذائع و سلطة واسعة في جزيرة العرب. و ستأتي بقية حوادثهم في حينها من ناحية علاقتها بالعراق.
و من هذا تتعين درجة قدرة هؤلاء الأمراء و نفوذهم علي العشائر نفوذا كبيرا و لا يستغرب أن يداريهم الملوك المجاورون في العراق و سورية و يماشونهم في رغباتهم …
و في أيام المغول الأولي نظرا لقدرة الحكومة و قوتها لم يذكر للعشائر شأن أو لم تعرف لهم مكانتهم و في عهدها الأخير ضعفت فصارت تلجأ إلي السياسة العشائرية أو أنها لم تشعر بسطوتها آنئذ و طريق الاستفادة منها … و من
ثم عادت العشائر لميدان السياسة و صار يحسب لها وزنها …
هدية بنت علي بن عسكر البغدادية: اللبان أبوها، و الهراس جدها الصالحية ولدت سنة 626 ه و روت عن الزبيدي حضورا و عن ابن اللتي كثيرا و عن جعفر الهمذاني و غيرهم و كانت صالحة، كثيرة الصلاة تحولت إلي القدس إلي أن ماتت هناك في جمادي الأولي سنة 712 ه.
في هذه السنة في ربيع الآخر مات صاحب ماردين الملك المنصور غازي ابن المظفر قره ارسلان الأرتقي في عشر السبعين و دولته نحو عشرين سنة و ملك بعده ابنه العادل علي فعاش بعده سبعة عشر يوما و مات فملك أخوه الملك الصالح.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 485
في هذه السنة تصيد السلطان خربندا، و كان الصيد باليد و كان قد صاد صيدا لم يسبقه أحد إليه … و كان خربندا من الفرسان المعدودين، و الأبطال المشهورين … بقي أياما في الصيد بصحراء واسعة …
في هذه السنة حدث الطاعون بالعراق خاصة. كذا قاله صاحب الدرّ المكنون في المآثر الماضية من القرون.
محمد بن أحمد بن شبل الحريري البغدادي:
مالكيّ. ولد سنة 647 ه و أسره التتار صغيرا فنشأ ببغداد و تفقه لمالك و كان كثير الاشتغال و الأشغال و أفتي و درس و عرض عليه نيابة الحكم فامتنع و قال: الشهادة أسلم. و مات في شعبان سنة 713 ه.
مات بقباقب من ناحية تدمر و نقل فدفن بقاسيون و عملت له تربة حسنة و عاش 54 سنة مات في طريقه للحج. و هذا هو الذي رمي قتلغ شاه في حرب كيلان بسهم فقتله و انهزم التتر و هلك قتلغ شاه علي الكفر و هو مقدم التتر في ملحمة شقحب.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 486
و خلف نعمة جزيلة و كان عالما واعظا حدث عن جده. و سيمر بنا الكلام عن ولده في حوادث سنة 737 ه.
هو المعمر الصالح الزاهد. كان يقال إنه عاش 160 سنة. مات بمصر سنة 714 ه.
تاجر مشهور، له معروف و بر، و هو عم والد أبي جعفر و أبي اليمن المحدثين ولدي عبد اللطيف بن أحمد بن محمود مات في 28 ذي القعدة سنة 714.
الشافعي الأديب جلال الدين بن ظهير الدين كان جده محمد أصوليا وجد أبيه محمود شيخا قدوة و ولد الجلال سنة 51 و تفقه و اشتغل و كان لغويا أديبا بارع الخط يكتب الكوفي و يذهّب و سمع أباه و عبد الصمد بن أبي الجيش، و كان إلي حسن تذهيبه المنتهي، و كان متصوفا خيرا حلو المحاضرة، و كف بصره في الآخر توفي بخانقاه الطاحون في رمضان سنة 714.
و قال في عقد الجمان، «البغدادي الكاتب، مات بدمشق و دفن بمقابر الصوفية، و كان له دكان بالجسر باللبادين و يذهّب المصاحف و الهياكل، و عنده أدب و أضرّ في آخر عمره و رتب صوفيا بخانقاه الطاحون و كان أبوه من عدول بغداد و أكابرها …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 487
و من شعره:
قال لي صاحبي و قد بان شيبي بعذاري و بان مني شبابي
هصر الشيب منك غصنا نضيرا مستسرّا يانعا فلذ بالخضاب
قلت أن الشباب مع صدقه خان فماذا يرجي من الكذاب» اه
في هذه السنة سار الملك الصالح و اسمه صالح ابن الملك المنصور غازي ابن الملك المظفر قرا ارسلان صاحب ماردين إلي خدمة خربنده ملك التتر بالتقادم علي عادة والده فأحسن إليه خربنده. ثم عاد الملك الصالح المذكور إلي ماردين في جمادي الآخرة من هذه السنة.
و في هذه السنة أفرج السلطان عن جمال الدين أقوش الذي كان نائبا بالكرك ثم صار نائبا بدمشق و أحسن إليه و أعلي منزلته.
و جاء في الدرر الكامنة أنه تقلب في مناصب عديدة في سورية ثم عمل الناصر علي إمساكه ففر إلي ابن عيسي ثم إلي خربنده ملك التتار فأنعم عليه بأمرة همذان فأقام بها و ترددت إليه الفداوية مرات فلم يقدروا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 488
عليه إلي أن مات و قد أصابه الفالج بعد سنة 720 و كان فارسا بطلا عاقلا جوادا يحب الصيد و كان خليقا للملك لما فيه من المهابة و الحماية و كان خيرا عديم الشر و الأذي يكره الظلم و كان يعاشر أهل العلم …
و فيها: وصل قراسنقر إلي بغداد في رمضان هذه السنة و تقدم مرسوم إلي التتر الذين ببغداد و ديار بكر و تلك الأطراف بالركوب مع قراسنقر إذا قصد الاغارة علي بلاد الشام و كان خربنده مقيما بجهة موغان و أقام قراسنقر و قدم عليه بها فداوي و سلم قراسنقر.
و في مستهل المحرم سنة 716 توجه قراسنقر من بغداد إلي جهة خربنده.
و في أواخر ذي القعدة أغار سليمان بن مهنا بن عيسي بجماعة من التتر و العرب علي التركمان و العرب النازلين قرب تدمر و نهبهم و أخذ لهم اغناما كثيرة و وصل في اغارته إلي قرب البيضاء بين القريتين و تدمر و عاد بما غنمه إلي الشرق و كثيرا ما كان يستعان بهؤلاء العشائر للتشويش و توليد الاضطراب في الجهة المقابلة أو المعادية لهم …
إلي هذه السنة يسكنون سورية و إن رئيسهم نجاد بن أحمد بن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 489
حجي بن زيد ابن شبل امير آل مرا قد توفي و كانت وفاته في آخر هذه السنة. و استقر بعده في امرة آل مرا ثابت بن عساف بن أحمد بن حجي المذكور و بقي ثابت المذكور و توبة بن سليمان بن أحمد يتنازعان في الأمرة.
و لهؤلاء تنسب الوقعة المعروفة (بذبحة المرا) و هم فرقة من طيي ء و الإمارة كانت فيهم فانتزعها آل فضل من طيي ء أيضا.
في هذه السنة في جمادي الأولي توفي موسي بن محمد بن موسي ابن يونس الإربلي القاضي كمال الدين (جمال الدين) ابن الرضي بن يونس تفقه ببلاده و ولي قضاء الموصل و هو من بيت كبير و كان فاضلا علامة. و حضر رسولا إلي الناصر من عند غازان و معه جماعة في معني الصلح فقري ء الكتاب و خطب خطبة بليغة و هو قائم بحضرة الناصر فأكرم و أعيد جوابه و جهز صحبته حماد الدين علي بن السكري خطيب الجامع الحاكمي …
الاسترابادي ركن الدين عالم الموصل كان من كبار تلامذة النصير الطوسي و كان مبجلا عند التتار، وجيها متواضعا حليما … تخرج به جماعة من الفضلاء و له شرح المختصر و المقدمتين جميع ذلك لابن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 490
الحاجب و شرح الحاوي شرحين. مات سنة 715 ه و كان من ابناء السبعين.
هو مجد الدين الطبيب البغدادي غلام ابن الصباغ. كان ماهرا في صناعة الطب و ولي المستنصرية ببغداد و غير ذلك و مات في أوائل شعبان سنة 715 ه.
سمع علي الشمس بن العماد الحنبلي وحدث. مات في 12 صفر سنة 715 ه.
عالي الهمة، كبير القدر في دولة غازان. وصل مع غازان إلي الشام و رجع معه إلي بلاده، و لما تولي خربندا و وزر تاج الدين علي شاه قرب أصيل الدين إليه حتي ارضاه فولاه نيابة السلطنة ببغداد، ثم عزل و صودر. و كان كريما، رئيسا، منجما، عارفا، و كان له فهم و نظر في الأشعار، و صنف كتبا كثيرة، و كان فيه خير و شر، و ظلم و جور. مات ببغداد.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 491
لما قضي علي الوزير سعد الدين نال الوزارة تاج الدين علي شاه و قد اشترط أن لا يخرج عن رأي الوزير الخواجة رشيد الدين … و كان المأمول أن يتم الصفاء بين هذين الوزيرين فقد خلا الجو لهما و نجا كلاهما من أكبر عدو، مزاحم لهما … إلا أن الحوادث الماضية بعد قتلة سعد الدين برهنت علي أن تاج الدين علي شاه لم يكن قد تخلص من سلفه إلا لأمر الوقيعة بالآخر و ليخلو له الأمر و يستقل بالإدارة …
فالحرص يبلغ بالمرء أكثر من هذا و لم تقف الآمال عند حد محدود فصار يعادي متفقه بالأمس و ينصب له الحيل و الخدع للوقيعة، و يتوسل بأنواع الوسائل للوصول إلي غرضه …
و كذا زوجة المقتول سعد الدين لم تقف عند المصاب و إنما كانت تتحين الفرص و تترقب حصول الخلل لتثأر من الوزير الخواجة رشيد الدين كما أشير إلي ذلك فيما مرّ و استخدمت كل ما في وسعها بجد و نشاط و يقال هي في الأصل يهودية و امرأة فتانة فلم تدع طريقا إلا ولجته. و كان جل معولها أن تري ما يحدث بين الوزراء من برودة أو
نفرة، أو تصادم في المطالب و اختلاف في الأهواء … و كانت تستعين بامري ء آخر كان يهوديا فأسلم و هو أحد أطباء البلاط نجيب الدولة … فكانوا جميعا يسعون في أن يشعلوا الجذوة و يزيدوا في الفتنة … و أساسا نري تاريخ المغول مملوءا من حوادث الخدع و غالبها ينسب إلي اليهود و تسويلاتهم و ألعابهم في هذه الحكومة باطنا و ظاهرا سواء في أيام الجايتو أو في زمن ابنه أبي سعيد فقد كان نفوذهم واسع النطاق جدا …
و يقال إن الخواجة رشيد الدين كان قد استخدمهم لصالحه في بادي ء الأمر و نكل بخصومه الأولين و قضي بهم لوازمه فكانوا القاضية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 492
عليه لحد أن بعضهم نظرا لاستخدامه لهؤلاء اليهود و اعتماده عليهم في أموره … عده منهم و اعتبره يهودي الأصل … و هكذا وجدنا في ابن بطوطة ما يؤيد هذه الفكرة و أخذ بتيارها و كان آنئذ اعداؤه القابضين علي زمام الأمور (اصحاب الكلمة) فقد قال إنه من مهاجرة اليهود.
و علي كل حال إن تاج الدين نصب نفسه لمخالفة الخواجة رشيد الدين و معارضته و علي ما جاء في حبيب السير أنه لم يبق له سلطة رغم ما بذل الخواجة له من المساعي و المناصرة … فلما رأي الوزير رشيد الدين أن قد عادت الوسائل لا تنجع و أن الأمور قد اضطربت و انحل ما بينهما … شكاه للسلطان و من ثم صدر الأمر بعزله و ذلك في سنة 715 ه فعزل إلا أنه لم تدم مدة عزله فأعيد بعد قليل إلي الوزارة و أيضا عاد الخلاف بل زاد فأراد السلطان أن يؤلف بينهما و فرق الوظائف بين
الاثنين و عين لكلّ ما يجب أن يقوم به فجعل الوزارة مشتركة فكانت الإدارة للخواجة و المالية للآخر … فاستعاد نفوذه رغم قوة خصومه أمثال طوقماق و الوزير رشيد الدين … و هذه أيضا كانت من أكبر الغوائل التي مرت علي الخواجة و كم كان يتمني لو قبل استعفاؤه و عاش منزويا و مجردا عن كل ما ملك … !
و علي كلّ لم ينته الخلاف بعودته و لا زال تاج الدين علي شاه مخالفا الوزير رشيد الدين و لا يلتفت إلي أقواله و إنما يعمل الأعمال من تلقاء نفسه … و دام ذلك ما بينهما إلي أيام وفاة الجايتوخان (محمد خدابنده).
ابن محمد بن محمد بن عبد المؤمن المدايني
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 493
البغدادي ثم الصالحي سبط الشيخ أبي عمرو. سمع علي أحمد بن المفرج (فرج) و البلخي و المرسي و غيرهم و أجاز له أحمد بن يعقوب المرستاني و إبراهيم بن عثمان الكاشغري و ابن القبيطي و غيرهم. مات في 26 شعبان سنة 716 ه.
في 22 ربيع الأول من هذه السنة وصل إلي حماة من ديار مصر الأمير بهاء الدين ارسلان الدواداري و أوقع الوصية علي أخبار آل عيسي. ثم استقرت الوصية علي خبر مهنا و محمد ابني عيسي و أحمد و فياض ابني مهنا المذكور … و سار إلي مهنا و اجتمع به علي مربعة و هي منزلة تكون يوما تقريبا من السخنة يوم الاثنين سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة و تحدث معه في انقطاعه عن التتر و لم ينتظم حاله فعاد الأمير بهاء الدين المذكور إلي دمشق ثم عاد إلي موسي بن مهنا بالقرب من سلمية ثم عاد إلي دمشق و توجه هو و فضل بن عيسي إلي الأبواب الشريفة و استقر فضل اميرا موضع أخيه مهنا و وصل إلي بيوته بتل اعدا في اوائل جمادي الأولي من هذه السنة.
و من هذه الحادثة تعرف درجة الاهتمام بالعرب و الخوف من أن يميلوا مع التتر. و قد أدرك سلاطين التتر هذه الجهة و سبقوا بها أمراء سورية في تقريب هؤلاء العشائر خوف أن تتولد أمور تؤدي إلي ما لا يحمد …
و في هذه السنة قصد حميضة بن أبي نمي خربندا مستنصرا في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 494
أعادته إلي ملك مكة و دفع أخيه رميثة فجرد خربندا مع حميضة و الدرفندي و هو النائب علي البصرة و جرد معه جماعة من التتر و عرب خفاجة …
و قد جاء عن عرب خفاجة هؤلاء في ابن بطوطة أنهم كانت بيدهم سلطة الكوفة و الأنحاء المجاورة لها هناك … (ص ج 1 منها) و لا تزال مواطنهم حتي الآن قريبة من تلك الأنحاء أي القسم الكبير منهم في لواء
المنتفق.
و كان والدهما الشريف أبو نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي ابن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسي بن حسين بن سليمان بن علي بن الحسن بن عليّ (رضي اللّه عنهم) قد توفي سنة 701 ه و اختلفت أولاده و تنازعت السلطة و هم رميثة و حميضة و أبو الغيث و عطيفة و كان النزاع علي إمارة مكة قائما و تدخلات الحكومة المصرية مستمرة و أول علاقة للعراق بهم من ناحية التدخل في الإمارة الوقعة السابقة … و كان والدهم توفي و هو من ابناء السبعين. قال الذهبي كان اسمر ضخما شجاعا سايسا مهيبا ولي 40 سنة قال لي الدباهي لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته …
«كان حميضة قد التجأ إلي خربندا و طلب منه جيشا يغزو به مكة و ساعده جماعة من الروافض و كان قد عين مقدما اسمه الدلقندي و عين معه أربعة آلاف فارس، و عولوا أنهم إذا ملكوا مكة يروحون إلي المدينة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 495
و يتعرضون إلي نبش قبر أبي بكر و عمر (رض) و شاع ذلك، و اغتم أهل السنة، و أن الأمير محمدا بن عيسي أخا مهنا جمع عسكرا من العربان و قصد المقدم المذكور و كبسه فكسر عسكره و نهبهم و شتت شملهم و ذلك في ذي الحجة و أخذ القوس و المعاول التي كانوا هيأوها لنبش الشيخين» ا ه.
و زاد أن الفاطمية أيام الحاكم حاولوا نقل نعش الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم فلم يفلحوا كذا روي عن تاريخ بغداد في ترجمة أبي القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي الزاهد …
وفاة السلطان: جاء في أبي الفداء أنه توفي في السابع و العشرين من رمضان و في تاريخ كزيدة في غرة شوال سنة 716 ه و أنه توفي بمرض الهيضة في آخر رمضان كما في الشذرات. و قد اتهم الخواجة رشيد الدين وزيره بقتله لكونه أعطاه علي هيضته مسهلا فتقيأ فخارت قواه …
أصل اسمه الجايتو و قد مرّ من الوقائع السابقة ما يبصر بترجمته … جلس في 15 ذي الحجة سنة 703 ه و كان يخشي من ابن عمه الأفرنك أمير هورقوراق (هورقودان) … و من حين استقراره في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 496
السلطنة سعي لإذاعة الإسلامية في المغول فصاروا يدخلون أفواجا و جعل لليهود و النصاري غيارا (خالف لباسهم) …
و أما حروبه الداخلية و الخارجية فقد أشير إليها و علاقته مع مصر قد أوضحت كما أن عماراته قد مضي الكلام عليها …
و أهم ما في الأمر أن نائبه كان الأمير چوبان و ذلك بعد قتلة قتلغ شاه. و أما وزيره فهو الخواجة رشيد الدين و أشرك معه الخواجة سعد الدين. و هذا قتل فصار مكانه تاج الدين علي شاه و قد داخلت هؤلاء الوزراء منافسات و أصاب كلّا الحرص للقضاء علي الآخر و استفادة من هذا الخلاف لعب اليهود أو من كان يهوديا أدوارا هامة فصار كلّ يستخدمهم للوقيعة بصاحبه و من هؤلاء الذين كانوا يهودا زوجة الخواجة سعد الدين فلم تدخر وسعا للاستفادة من الخلاف و الانتقام لزوجها من الخواجة رشيد الدين … و أما هذا فقد استعان بهم بكثرة … و هكذا يقال عن طبيب البلاط نجيب الدولة الذي ركنت إليه زوجة الخواجة سعد الدين … و من ثم عزل
تاج الدين علي شاه عام 715 ه و لم تطل مدة نكبته فأعيد و قد أمر السلطان عزل تاج الدين علي شاه عام 715 ه و لم تطل مدة نكبته فأعيد و قد أمر السلطان في تفريق المهام بين الوزيرين و أن لا يقطع علي شاه امرا دون مشاورة الخواجة رشيد الدين و مع هذا لم يحصل اتفاق و دام خلافهم إلي أن توفي السلطان …
و دفن في دار الملك في المحل المعد له و هو (أبواب البر) و كان بناه لهذا السبب.
و العراق في هذه الأيام استفاد من استقرار الإدارة و جريان الأمور
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 497
علي و تيرة واحدة أي أنه عرف ما يؤخذ منه في كل سنة و ما عليه من الضرائب فصار يؤديها … و لا تضره التبدلات الإدارية …
و جاء في الدرر الكامنة عنه أنه ولد سنة نيف و سبعين و كان جميل الوجه إلا أنه أعور و كان حسن الإسلام لكن لعبت بعقله الإمامية فترفض … و حاصر الرطبة سنة 712 ه …
«و فيها- سنة 716 ه- و صلت الأخبار بموت خربنده و اسمه خدابنده محمد بن ارغون … ملك العراق و خراسان و عراق العجم و الروم و أذربيجان و البلاد الإيرانية و ديار بكر و جاوز الثلاثين من العمر و كان مغري باللهو و الكرم و العمارة أقام سنة في أول ملكه سنيا ثم ترفض إلي أن مات و جرت فتن في بلاده بسبب ذلك و دفن في مدينته التي انشأها السلطانية الغياثية.» ا ه.
«في هذه السنة- 716 ه- توفي خربندا و لقبه السلطان غياث الدين … و لما أسلم تسمي بمحمد و لهذا سمي أولاده بأسماء المشايخ. و اسمه الأصلي الذي هو بلغة المغل فهو (ابجيتو) أو (انجيتو). و كان أول حكومته أظهر الإسلام، و اقتدي بالكتاب و السنة، و كان يحب أهل الدين و الصلاح، و ضرب علي الدراهم و الدنانير اسماء الصحابة الأربعة أبي بكر و عمر و عثمان و علي (رض) و بقي كذلك مدة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 498
طويلة، ثم اجتمع به السيد تاج الدين الأوي فحرفه عن مذهب أهل السنة و صيّره رافضيا، و سيّر إلي سائر ممالكه يأمرهم أن لا يذكروا في خطبهم إلا اسم عليّ و ولديه (رض)، فوقع بسبب ذلك في مملكته حروب و فتن ملك فيها طوائف كثيرة و ثارت أحقاد قديمة، و ضرب علي الدنانير و الدراهم اسماء الائمة الاثني عشر، و بقي علي مذهب الروافض مدة تسع سنين. فلما كانت سنة وفاته رجع إلي مذهب أهل السنة و كتب إلي سائر ممالكه بذلك. قال النويري: و كان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء أن لا يذكر أبو
بكر و عمر (رض) و عزم علي تجريد ثلاثة آلاف فارس إلي المدينة النبوية لينقل أبو بكر و عمر (رض) من مدفنهما فعجل اللّه بهلاكه. و الصحيح ما قاله غير النويري.
و كان خربندا كثير العبث بالغلمان الحسان و بالطرب، و بلغ من شدة ميله إلي الصور الحسان أنه كان أي من رآها من محارمه و أعجبته تزوجها، و أي من سمع بها أخذها من زوجها، و أي من سمع به من أولاد الناس أخذه، يفعل ذلك في سائر بلاده طوعا، أو كرها، و يتمتع، و كان يحب أفعال المصارعين، و الملاكمين، و يلعب بالقرد، أو الدب، و من يتمسخر، و كان كريما جدا يصنع له كل يوم اربعمائة بندقية من الذهب يرمي بها علي الناس بقوس البندق فأي من أصاب منها شيئا انتفع به.
و ذكر حسن الإربلي أن خربندا بني في دار المملكة بالمدينة السلطانية بيتا لطيفا و سماه الجنة، اتخذ لبنة من ذهب و لبنة من فضة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 499
مرقد الجايتو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 500
و طول هذا البيت خمسة أذرع بذراع النجار و عرضه أيضا كذلك، و الارتفاع عشرة، و طول اللبنة شبر، و عرضها اصبعان، و أجري في وسطه أربعة أنهار، نهر من لبن. و نهر من عسل، و نهر من خمر، و نهر من ماء، و جعل فيه خمسة أشجار، طول كل شجرة ثلاثة أذرع، مصنوعة هي و ثمارها، أصلها من ذهب و ثمارها من نفيس الجواهر و اللؤلؤ الكبار، و جعل في هذا القصر من البنات الحسان، المختارات من سائر مملكة المغل اثنتين و أربعين بنتا، و أضاف إليهن من الغلمان الفائقين في الجمال
اثنين و أربعين غلاما، و كان يلبسهم القماش الرفيع الخاص و يأمرهم فيلعبون بين يديه بالنرد و الشطرنج، و تارة يتصارعون، و تارة يرمون بالنشاب، و تارة يسبحون، و تارة يتهارشون، و يقبل بعضهم بعضا، و تارة يغنون بين يديه بأنواع الملاهي، و يرقصون رقصا عجيبا، فمن أعجبه منهم في شي ء من هذه الحالات جذبه إليه، و قضي منه و طره.
مات في 20 رمضان هذه السنة (716 ه) بمدينة السلطانية في أرض قنغرلان بالقرب من قزوين، و قيل إنه مات مسموما، و إن الذي اغتاله شخص من أمرائه يسمي دقماق و إن الباعث له علي ذلك أنه بلغه أن خربندا تعشق امرأته و تولع بها، و غير بذلك بعض خداشينه فاتفق مع امرأته علي اغتياله بسمّ و به كان مماته، و عرف بذلك الكبرك.
و لما جلس ابنه أبو سعيد بعده أعلموه بما كان منهما فقتلهما، و كانت مدة ملكه 14 سنة و لما مات كان عمره (32) سنة تقريبا، و قيل إن خربندا حين مات راسل چوبان الملك ازبك ملك البلاد الشمالية يحسّن له التوجه إليه ليتسلم الملك فأبي.» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 501
و في هذه السنة توفي نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي الحنبلي الأصولي المتفنن ولد سنة بضع و سبعين و ستمائة بقرية طوفا من أعمال صرصر ثم دخل بغداد سنة 691 ه و قرأ العلوم و سمع الحديث و سافر إلي دمشق سنة 704 و لقي ابن تيمية و المزي و البرزالي.
ثم سافر إلي مصر سنة 705 ه و أقام بالقاهرة مدة و صنف تصانيف كثيرة
منها الاكسير في قواعد التفسير. و الرياض النواظر في الأشباه و النظائر، و بغية الواصل إلي معرفة الفواصل و شرح مقامات الحريري في مجلدات و غير ذلك و كان شيعيا و صنف كتابا سماه الفراط الواصب، علي أرواح النواصب، و له من قصيدة في الإمام علي (رض):
كم بين من شك في خلافته و بين من قيل إنه اللّه
لما مات السلطان الجايتو (محمد خدابنده) ولي بعده ابنه أبو سعيد بهادرخان و هو إن عشرين سنين و استولي علي الإدارة الأمير چوبان ابن الملك تناون و كان السلطان ملكا فاضلا كريما و لما ملك كان شابا أجمل خلق اللّه صورة لا نبات بعارضيه … و مدة صباه لم يحصل له
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 502
من السلطان إلا الاسم و السكة و الخطبة … فكان الآمر الناهي الأمير چوبان و أولاده و نوابه … و كان حين وفاة والده جاء من خراسان إلي السلطانية هو و الأمير سونج و بحكم وصية والده أجلس علي سرير الملك في صفر سنة 717 ه.
دعي إلي السلطانية و كان هذا التردد في تأخير إعلان سلطنته ناشئا من الاختلاف علي تعهد الوصاية عليه و النزاع في النيابة عنه بين الأمير سونج و بين الأمير چوبان. فتأخر جلوسه لذلك. ثم إنهم اتفقوا و أخرجوا استقطالو عنهم و جهزوه إلي خراسان و كان قد تحرك علي خراسان التتر الذين بخوارزم و ما وراء النهر و قيل إن ملكهم باشو.
و جاء في عقد الجمان نقلا عن بيبرس في تاريخه: «لما توفي خربندا أرسل الأمراء و الأكابر إلي ولده الاكبر المسمي بأبي سعيد فأحضروه و أجلسوه علي تخت مملكة أبيه في 13 ربيع الأول
سنة 717 ه و هو مشتغل بالكتاب و السنة فإن والده عدل عن آراء الكفار و ترك اسماء التتار و اسمي أولاده بأسماء الصالحين … ا ه.
و في الحقيقة لم ينل السلطنة إلا بعد قضائه علي الأمير چوبان و أولاده و من ثم ولي زمام الأمور و صار يدبر شؤون المملكة مباشرة كما سيأتي مفصلا في الوقائع التالية …
جاء في عقد الجمان عن هذه الوقعة ما مر بيانه في حوادث سنة 716 ه و جاء في أبي الفداء عنها و عن ذيولها ما نصه:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 503
«كان السلطان خدابنده قد جهز حميضة و جهز معه الدرفندي (الدلقندي) نائب السلطنة بالبصرة و جهز معه عسكرا و خزانة ليسير الدرفندي بالعسكر مع حميضة ليملكه مكة المكرمة بدل أخيه رميثة فسار الدرفندي و حميضة و من معهما من عسكر التتر و العرب حتي جاوزوا البصرة فبلغهم موت السلطان خدابنده فتفرقت تلك الجموع و لم يبق مع الدرفندي غير ثلثمائة من التتر و أربعمائة من عقيل عرب البصرة. و كان استولي علي البصرة ابن السوابكي فأرسل استوحي محمد بن عيسي علي الدرفندي فجمع محمد بن عيسي عربه من خفاجة و عرب إخوته و أولاد إخوته و سار إلي الدرفندي فأحرز له بالقرب من البصرة و اتقع معه في العشر الأخير من ذي الحجة من ستة 716 ه فانهزم الدرفندي في بضع و ثلاثين نفسا من ألزامه و انهزم حميضة برقبته و أخذ حريم حميضة و ما كان معه من الأموال و كذلك الخيام و الأثقال و الجمال و كان ذلك شيئا عظيما و فيها هرب التركمان (التراكمة) و الكنجاوية إلي حكومة سورية و فارقوا
التتر فسارت التتر في طلبهم فأنجد الكنجاويين عسكر البيرة و اتقعوا مع التتر فانهزم التتر هزيمة قبيحة و أسر منهم نحو خمسين من المغول و قتل منهم جماعة و وصل الكنجاوية إلي سورية سالمين بذواتهم و حريمهم … » ا ه.
في أواخر شعبان هذه السنة قطع جماعة من التتار الفرات إلي جهة الشام و في 6 رمضان وصل منهم طاطي و معه جماعة إلي دمشق و منها ذهبوا إلي مصر.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 504
و في هذه السنة أيضا التجأ محمد أخو مهنا بن عيسي مخبرا باستمرار أخيه علي الطاعة، و أنه لم يقم ببلاد الشرق فرد السلطان (سلطان سورية) عليه أمرته …
و هذه لا تخلو من علاقة بما مر … و نري الأمور مضطربة بين سورية و العراق فلم تستقر و لذا نجد الاشاعات بالغة حدها …
في هذه السنة (سنة 717- 1317 م) في 25 شوال منها قدم فخر الدين أبو سليمان داود بن أبي الفضل محمد التباكتي كتابه هذا للسلطان أبي سعيد. و يعرف ب (تاريخ التباكتي) و هو خلاصة تاريخ الخواجة رشيد الدين إلا أنه يحتوي مطالب مهمة و نافعة عن الخطا (الصين) و الهند و اليهود و القياصرة … و هو تسعة أبواب، ترجمت بعض أقسامه إلي اللاتينية … و أهم ما فيه يخص عصر المغول وصل به إلي أيام السلطان أبي سعيد. و من هذا الكتاب نسخة في مكتبة عاثر افندي باستانبول مرقمة 254 و أخري في اياصوفية برقم 3026 و قد رأيتها و تحتوي تسعة أقسام:
«1» في الأنبياء. «2» في ملوك الفرس و معاصريهم، «3» في نسب الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم و الخلفاء الراشدين إلي آخر بني العباس. «4» في السلاطين أيام بني العباس. «5» في اليهود و ملوك بني اسرائيل. «6» في تاريخ النصاري و الافرنج. «7» في تاريخ الهنود. «8» في تاريخ جنگيز و نسبه و خروجه و استيلائه علي الممالك الايرانية و شعب أولاده إلي يومه الذي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 505
كتب فيه هذا التاريخ.. و في خلال سطوره يحكي الاستيلاء علي بغداد و هكذا يمضي إلي وقائع العراق و غيره و في آخره يتكلم
علي سلطنة أبي سعيد و ذهابه إلي السلطانية و في الخاتمة يذكر مناقبه. و النسخة التي شاهدتها مؤرخة 27 ربيع الآخر سنة 746 ه … و سنذكر ترجمة المؤلف في حوادث سنة 730 ه …
في هذه السنة- و قال ابن شهبة في التي قبلها- توفي يوسف ابن محمد بن موسي بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدين بن كمال الدين بن رضي الدين بن قاضي الموصل. انتهت إليه رياسة إقليمه و شرح الحاوي و قدم رسولا من غازان علي الملك الناصر فأكرمه و ظهر له من الحشمة و المهابة ما يليق ببيته و أصالته مات بالسلطانية.
هو ابن أحمد بن محمد بن علي المنذري ولد في شعبان سنة 645 ه و تفقه و تعاني الأدب و النظم.
مات سنة 717 ه.
بدر الدين الإربلي الأديب أبو محمد كان مشهورا بالبلاغة و حسن النظم مدح الملوك و تعاني التجارة مات سنة 717 و له سبعون سنة و هو القائل:
و غريرة هيفاء باهرة السنا طوع العناق سقيمة الأجفان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 506
غنت و ماس قوامها فكأنها الورقاء تسجع في غصون البان
و له كتاب خلاصة الذهب المسبوك المختصر من سير الملوك لابن الساعي. طبع هذا الكتاب في بيروت و مر النقل عنه في ترجمة الخليفة المستعصم … و فيما مضي كان قد ذكر أنه قنيتو و لكنه في عقد الجمان ورد بلفظ قنينو …
في أوائل هذه السنة سار فضل بن عيسي إلي السلطان أبي سعيد و إلي الأمير چوبان إلي بغداد و اجتمع بهما و أحضر لهما تقدمة من الخيول العربية فأقبل الأمير چوبان عليه و أعطي فضلا المذكور البصرة و استمرت له اقطاعاته التي كانت له بالشام بيده مع البصرة و أقام فضل عندهما مدة و اجتمع بقراسنقر هناك ثم عاد إلي بيوته و بعد مسير فضل عنهما سار السلطان أبو سعيد و الأمير چوبان عن بغداد إلي السلطانية (قنغرلان). و هكذا يفعل السلطان يجي ء في الغالب إلي العراق شتاء ليقضي أيام البرد في بغداد و يذهب إلي السلطانية صيفا …
قتلة الوزير الخواجة رشيد الدين و ابنه عز الدين:
هذا الوزير كان عضد الحكومة الأيمن و تدابيره صائبة و آراؤه سديدة إلا أن المزاحمات و المنازعات علي الوزارة و الحرص الزائد عليها مما أودي بالوزير الخواجة سعد الدين و جعل موقفه حرجا لمن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 507
ولي بعده و هو تاج الدين علي شاه و صار يتوسل بالوسائل اللازمة للقضاء علي مناوئيه لحد أنه بعد أن قضي علي الخواجة سعد الدين رأي أن تاج الدين علي شاه من أكبر المعارضين له فنصب نفسه لمقاومته و اتخذ كل ما يجب من تدابير للقضاء عليه … فعزل تاج الدين علي شاه عام 715 ه إلا أنه لم يلبث كثيرا و إنما أعيد إلي موقعه بعد مدة و جيزة و ذلك أنه نال مقاما رفيعا و صار بيده الحل و العقد و من حسن الصدف المساعدة له أن توفي الجايتو خان الذي كاد يقضي علي الخواجة رشيد الدين بل إنه أصدر فرمان القتل إلا أنه برجاء و
التماس من نفس تاج الدين علي شاه عفا عنه السلطان … و قد سنحت للخواجة رشيد الدين الفرصة للتنكيل بعدوه استفادة من اتصاله بالأمير چوبان و مع هذا لم يشأ الوقيعة رغم أن أكابر الرجال ركنوا إليه مثل ضياء الملك و الخواجة عز الدين القوهدي و الخواجة علاء الدين الهندي و استعانوا به و حضوه علي ذلك فقابلهم ببرودة و تؤدة و لعل طعنه في السن هو السبب في عدوله عن القضاء عليه فمال المذكورون إلي تاج الدين علي شاه و صاروا علي الخواجة رشيد الدين و أساسا استمال القوم الأمير چوبان …
ذلك ما دعا أن يغيروا السلطان عليه و أغروه للوقيعة به فخسرت الحكومة أكبر مدبر و رجل قدير من رجالها فقتل و ابنه الخواجة عز الدين في 17 جمادي الأولي سنة 718 ه فصفا الجو لتاج الدين علي شاه و استقل بالأمر خصوصا بعد وقعة الأمير چوبان. اختلقوا عليه أنه سم السلطان الجايتو بمناسبة أنه طبيب … لحد أن السلطان أبا سعيد و الأمير چوبان اعتقدوا صحة ذلك و من ثم كثرت التقولات و الإشاعات عليه من جانب خصومه و إذاعاتهم و حينئذ جلبوا طبيب السلطان في ذلك الوقت و هو جلال الدين ابن الحزان الطبيب اليهودي طبيب خربندا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 508
فاستجوبه و استطلع رأيه فقال إن السلطان كان فيه قي ء و إسهال و كان من رأي الأطباء و هو منهم ان يعطي له دواء قابض أما الخواجة رشيد الدين فكان من رأيه أن هذا نتيجة امتلاء المعدة، و المسهل يفيدها أكثر و علي هذا و بسبب الانطلاق توفي السلطان.
و علي هذا حكم بقتل الخواجة رشيد الدين و أرسل
رأسه إلي تبريز و صاروا يطوفون به و يلعنونه و يقولون إن هذا رأس يهودي بدل كلام اللّه لعنه اللّه …
و الحاصل قد اختلفت عليه هذه القضية و كان أصل مبدئها تاج الدين علي شاه … و كذا يقال عن دعوي أنه من أصل يهودي فهذا إنما كان من الخواجة سعد الدين ثم تاج الدين بسبب تشنيعاتهم عليه …
و عن هؤلاء نقلها القاشاني في تاريخ الجايتو و مثله في الدرر الكامنة.
و علي كل حال كان من أشهر الوزراء و الأطباء و العلماء و خلد ذكري عظيمة في تاريخه الذي لا تزال بقاياه موجودة و قد وصفناه أثناء الكلام علي المراجع التاريخية … و مؤلفاته في الطب و العلوم الأخري كثيرة أودع اسماءها في مقدمة كتابه جامع التواريخ … و له الخانقاه المعروف بالربع الرشيدي.
و دون أن نمضي وجب أن نقول أنه قد ذكر وفاته جماعة من المؤرخين قال في الشذرات:
«و فيها- سنة 717 ه- توفي الرشيد فضل اللّه بن أبي الخير الهمداني الطبيب كان ابوه يهوديا عطارا فاشتغل هذا في المنطق و الفلسفة و أسلم و اتصل بغازان و عظم في دولة خربندا بحيث إنه صار في رتبة الملوك قام عليه الوزير علي شاه بأنه هو الذي قتل القاآن خربندا لكونه اعطاه علي هيضته مسهلا فتقيأ فخارت قواه فاعترف و برطل چوبان بألف ألف دينار فما نفع بل قتل هو و ابنه. و كان يوصف بلين و لطف و سخاء
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 509
و دهاء، فسر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل، عاش نيفا و سبعين سنة و قيل بل كان جيّد الإسلام و هو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد و كان
وزير التتار و مدبر دولتهم.» ا ه.
«فضل اللّه بن أبي الخير بن غالي الهمذاني الوزير رشيد الدولة، أبو الفضل، كان أبوه عطارا يهوديا فأسلم هو و اتصل بغازان فخدمه و تقدم عنده بالطب إلي أن استوزره. و كان يناصح المسلمين و يذب عنهم و يسعي في حقن دمائهم، و له في تبريز آثار عظيمة من البر و كان شديدا علي من يعاديه أو ينتقصه، و كان متواضعا، سخيا، كثير البذل للعلماء و الصلحاء، و له تفسير علي القرآن فسره علي طريقة الفلاسفة فنسب إلي الالحاد، و قد احترقت تواليفه بعد قتله، و كان نسب إلي أنه تسبب في قتل خربندا ملك التتار فطلبه چوبان إلي السلطان علي البريد فقال له أنت قتلت القاآن فقال معاذ اللّه أنا كنت رجلا عطارا، ضعيفا بين الناس فصرت في أيامه و أيام أخيه متصرفا في الممالك ثم احضر الجلال الطبيب ابن الحزان اليهودي طبيب خربندا فسألوه عن موت خربندا فقال اصابته هيضة قوية انسهل بسببها ثلثمائة مجلس و تقيأ قيئا كثيرا فطلبني بحضور الرشيد و الأطباء فاتفقنا علي أن نعطيه أدوية قابضة مخشنة فقال الرشيد هو إلي الآن يحتاج إلي الاستفراغ فسقيناه برأيه مسهلا فانسهل به سبعين مجلسا فسقطت قوته فمات. و صدقه الرشيد علي ذلك فقال الچوبان للرشيد فأنت قتلته و أمر بقتله فقتل و فصلوا أعضاءه و بعثوا إلي كل بلد بعضو و أحرقوا بقية جسده و حمل رأسه إلي تبريز و نودي عليه هذا رأس اليهودي الملحد. و يقال إنه وجد له ألف ألف مثقال و كان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 510
موته بعد موت خربندا … و قال البرزالي في ترجمته كان حسن
البراعة، و طبيبا صادقا، و استوزره خربندا و غازان و تعسف بعلمه و حكمه في الممالك و بني عدة من الخوانك و المدارس و كان له من الأموال من كل جنس و نوع الكثير سوي مآكله فبصفات معروفة عاش نحوا 80 سنة. قال الذهبي كان له رأي و دهاء و مروءة. و كان الشيخ تاج الدين الأفضلي يذمه و يرميه بدين الأوائل و قدر عليه فصفح عنه و بالجملة كانت له مكارم و شفقة و بذل و تودد لأهل الخير …
و في ابن الوردي: قتل رشيد الدولة طبيب خربندا اتهمه چوبان بأنه غش خربندا في المداواة و قطع رأسه و سيره إلي تبريز و أحرقت جثته و استأصلوا أملاكه و أمواله و جواهره و اختلف في طويته فقال الشيخ تاج الدين الأفضل التبريزي قتل الرشيد أعظم من قتل مائة ألف من النصاري و قال قاضي الرطبة رأيت منه شفقة علي أهل الرطبة و سعيا في حقن دمائهم يعني أيام حصارها و إنما كان يتبع أعداءه صالحين كانوا أو فسقة» ا ه.
«أبو الفضل رشيد الدولة، فضل اللّه بن أبي الخير بن غالي الهمذاني الطبيب، كان أصله يهوديا من يهود همذان، ثم أسلم و هو شاب ابن ثلاثين سنة، و خدم بالطب ابغا ملك التتار، فلما صار الملك إلي ارغون بن ابغا لازمه رشيد الدولة، و ما زال يخدم ملكا من ملوك التتار حتي جاء خربندا فكان عنده في أعلي المنازل، و خيره أن يكون وزيرا فأبي و اختار أن تكون وظيفته تخيير الوزراء فاستخدم سعد الدين الساوجي عنده ثم سعي به حتي قتله، و رتب له علي تعيين الوزراء كل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،
ص: 511
سنة مائة تومان (و التومان عشرة آلاف دينار، كل دينار ستة دراهم)، ثم إن خربندا ضعف فأسهله رشيد الدولة اسهالا مفرطا فمات، و تولي بعده ابنه أبو سعيد فضرب عنق رشيد الدولة بعد مدة سنة و ثمانية أشهر من موت أبيه و ذلك في شهر جمادي الأولي و هو في عشر الثمانين، و ضبطت ضياعه فكانت أربعة آلاف ضيعة مفرقة في ملك التتار، و أما أملاكه فكان عددها في ستة عشر ألف موضع ما بين دكان و دار و بستان، و خلف ما يزيد علي خمسين ألف كتاب.
قال الشيخ شمس الدين الاصفهاني: و له من التصانيف (كتاب شرح فصول ابقراط)، و (كتاب شرح مقامة العارفين)، و (كتاب في الفلاحة)، و (كتاب تاريخ جمع فيه أخبار الدولة التتارية) و ذكر فيه فروع انسابهم و أجناس قبائلهم، و جعله مشجرا، و من ولي الملك منهم من أيام نوح (ع) إلي أيام خربندا، و (كتاب تاريخ آخر) ذكر فيه اخبار الأمم من الصين و الخطا و الترك و الفرنج و القبط و اليونان و الروم و الفرس و العرب إلي غير ذلك و سماه (كتاب الرسائل الرشيدية)، و (كتاب التعليقات الطبية)، و (كتاب مفتاح التفاسير)، و (كتاب المباحث السلطانية)، و (كتاب شرح المحصل في ثلاث مجلدات)، و (كتاب سماه التوضيحات) يتضمن رسائل متفرقة، كل رسالة في معني من المعاني، و أخذ عليه خطوط العلماء بأنه لم يصنف كتاب أجود منه و قدمه إلي خربندا، و قرر بين يديه أن ارسطاطاليس لم يكن في زمانه أعلم منه، و كان مشيرا و وزيرا عند الاسكندر و صنف باسمه كتابا فأعطاه جائزته ألف ألف دينار و جعل له في كل
سنة مائة ألف دينار و اتفق الناس كلهم بأنك أعظم من الاسكندر، و أن كتابي أجود من كتاب ارسطاطاليس فقال الملك خربندا: - أنا أعمل معك بأكثر من الذي عمل الاسكندر مع ارسطاطاليس.
فرسم أن يعطي من المال النقد ألف ألف دينار و خمسمائة ألف
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 512
دينار و قال له إن شئت أن تأخذ هذا المال أو تأخذ بقيمته أملاكا نفيسة من املاكي فقال آخذ أملاكا فعينوا له أملاكا تغل في كل سنة مائة و خمسين ألف دينار. و له كتاب تفسير يشتمل علي تفاسير (قل يا أيها الكافرون).
و قال الشيخ شمس الدين الاصفهاني: بلغني أن له سبعين مصنفا ما بين صغير و كبير و سعادته مفرطة لكن اختصرنا.
و ذكر صاحب عيون التواريخ أن ولده إبراهيم قتل قبله و عمره 16 سنة و حمل رأس رشيد الدولة إلي تبريز و نودي عليه هذا رأس اليهودي الذي بدل كلام اللّه تعالي … و قطعت اعضاؤه و حمل كل عضو إلي بلد و أحرقت جثته. و خلف عدة أولاد، و كانت رتبته فوق رتبة الوزارة قال:
و كان عدوّ الإسلام و هو ملحد.
و قال ابن كثير: قد بلغ في أيام قازان في علو المرتبة و نفاذ الكلمة مبلغا عظيما و كذلك في أيام خربندا أخيه. و لما مات خربندا عزل عن مناصبه و وظائفه و درأ عن نفسه بجملة كبيرة من المال، ثم اتهم بقتل خربندا فطلب علي البريد و شهد عليه الأطباء أنه سقي الملك دواء مسهلا عقيب هيضة مثلغة فزاده إسهالا فقتله و صدقهم الرشيد علي ذلك فقتل» ا ه.
و الظاهر أن النقل المتضمن التحامل عليه من أهل الحزب المعارض له …
مبناه الإذاعة و التشويش في السمعة …
و جاء في تقويم التواريخ لكاتب چلبي أنه قتل عام 717 ه. و الفتن في هذه الأيام و ما يليها مشتعلة بين أمراء المغول و النزاع علي الوزارة قوي و لكلّ مناصرون و مناوئون …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 513
و هكذا ترجمة كثيرون امثال صاحب دستور الوزراء و غيره. و ممن ذكره دولتشاه السمرقندي في تذكرة الشعراء و أثني عليه و بيّن أنه توفي سنة 719 عن عمر 36 عاما فدفن في قبة السلطانية و قال: إن مدينة السلطانية من بنائه.
إثر قتلة الوزير كان قد شهد علي ابن الخوام و هو عبد اللّه بن محمد ابن عبد الرزاق الحريوي عماد الدين بن الخوام العراقي الحيسوب الطبيب بالكفر بسبب أنه قرظ تفسير الوزير رشيد الدولة فقال في تقريظه فهو انسان رباني بل رب انساني تكاد تخال عبادته بعد اللّه فثاروا عليه بعد قتل رشيد الدولة فبادر هو إلي الحاكم فأعطاه ذهبا فعقد له مجلسا و استسلمه و حكم بحقن دمه …
و كان ولد سنة 43 و تمهر في المعقولات و الحساب و الطب و لازم النصير الطوسي و صنف في الطب و الحساب و قرأ عليه جماعة و صنف تصانيف و له انشاء و بلاغة و درس في مذهب الشافعي بدار الذهب و ولي رياسة الطب و مشيخة الرباط ببغداد و أدب هارون ابن الوزير و أولاد عمه علاء الدين صاحب الديوان و كثرت أمواله و كان يصلح مزاجه بالمفرحات و المعاجين …
و لم تصل إلينا مؤلفاته الدينية لنقف علي حقيقة ما قيل فيه … و لا تزال المجاهيل عنه كثيرة و ليس من الإنصاف متابعة أهل
الأغراض دون تروّ في الموضوع و تقدير لأهميته …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 514
في أواخر هذه السنة حالفت عقيل عرب الإحساء و القطيف علي مهنا بن عيسي و طردوا أخاه فضلا عن البصرة فجمع مهنا العرب و قصد عقيلا و التقي الجمعان و افترقا علي غير قتال و لا طيبة بعد أن أخذت عقيل أباعر كثيرة تزيد علي عشرة آلاف من عرب مهنا المذكور و عاد كل من الجمعين إلي أماكنهما و كانت هذه البرية و غالب بلاد الإسلام مجدبة لقلة الأمطار و هلك العرب و ضرب دواب تفوت الحصر.
و في هذه السنة كان بديار بكر و الموصل و إربل و ماردين و الجزيرة و ميافارقين و بغداد غلاء و جلاء حتي بيعت الأولاد و أكلت الميتة …
في هذه السنة توفي الشهاب المقري الجنايزي أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي صاحب الألحان و الصوت الطيب و له نظم و نثر و فضائل و ظرف و منادمة و وعظ. توفي في ذي القعدة عن 85 سنة.
هو أبو محمد القطان كان يقال إنه ولد سنة 606 بإربل و طال عمره جدا و لم يوجد له سماع و لا إجازة علي قدر سنة فقرؤوا عليه بالإجازة العامة عن دواوين محمد بن الفاخر. و كانت وفاته في نصف ذي القعدة سنة 718 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 515
تاج الدين الواعظ و كان يعرف بالأفضلي ولد سنة 661 و تعاني الوعظ. و كان ممن بالغ في الطعن علي الرشيد وزير المغل و طعن في نحلته فما قدر الرشيد منه علي شي ء لجلالته في نفوس أهل تبريز. و كان التاج حسن الاعتقاد، و قورا، مهيبا، قوالا بالحق، ذا سكينة و إخلاص. مات راجعا من الحج ببغداد في صفر سنة 719 و قال في الشذرات: مات في رمضان سنة 718 ه. و قد مر القول عن الخواجة رشيد الدين و الطاعنين.
يعرف بالخطاي مات بحماة، و كان فاضلا في العلوم العقلية و طبيبا، سكن حماة، و قرأ عليه ملكها المؤيد إسماعيل بن علي كتاب التذكرة في الهيئة للطوسي، و خلف كتبا كثيرة و أثاثا و غير ذلك أخذ بيت المال جميعها.
هو الشيخ عفيف الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد المحسن بن عبد الغفار الواعظ الشهير بابن الخراط البغدادي الحنبلي كان فاضلا متكلما، فقيها كثير التعفف، يقنع باليسير، جمع بين الديانة و الفضيلة و باشر مشيخة المستنصرية، و مات ببغداد عن ثمانين سنة.
قد مر ذكره قال عنه في عقد الجمان «الخارجي قتله چوبان نائب السلطان أبي سعيد في رمضان من هذه السنة لما بلغه أنه اتفق مع جماعة من الأمراء علي قتله و قتل معه الوزير علي شاه و هو منسوب إلي مدينة سمنان من مدن خراسان.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 516
في رجب هذه السنة اختلف التتر و قتل منهم نحو ثلاثين الفا و أكثر حتي كاد يزول ملكهم و استحالوا علي مقدم جيوشهم الأمير چوبان نائب السلطنة و أبي سعيد و كرهوا نيابته. و هكذا دامت الفتن و اشتعلت نيرانها و كانت نتيجة انتصاره أن جعل الچوبان أولاده أمراء كل واحد في قطر … و كانت حروبه مع ايرتخين (ايرنجي أو يرنجي) و قورمش فقتل خلق كثير و ألقي القبض علي ايرتخين و قورمش، و سمرا و قتلا شر قتلة …
و من ذلك اليوم لقب السلطان أبو سعيد ببهادرخان و كتب اسمه بذلك في الأحكام و من ثم أخذ أمر الأمير چوبان في الترقي و الازدياد اعتبار من هذا التاريخ و ما بعده …
إن الأمير چوبان كان قد عاد من مقاتلة يسوك بعد أن جرت بينهما مراسلات و مفاوضات و قرر له بلادا من اقليم خراسان، و في عودته أرسل يستدعي يرنجي من الموصل و كان هو مرتبا في الموصل و ماردين و أعمالها، و كان في خاطر چوبان منه شي ء فعلم يرنجي أنه إنما طلب ليوقع به فعلا و يهلكه قتلا فأظهر عناده، جمع جموعا و سار إليه علي غرة منه فكبسه بغتة فبادر چوبان بالهرب إلي أبي سعيد فأعلمه بما فعله يرنجي من العصيان و المحاربة فاتفقا علي قتله فقتل هو و جماعة من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 517
الذين كانوا مشاركين له في الآراء من الأمراء، و رتب سوتاي علي عادته بديار بكر …
ثم إنه لم يقف الأمر عند هذا الحد و إنما وقع الخلف بين چوبان و بين الأمراء، و لم يبق لأبي سعيد إلا الاسم فانحصر أبو سعيد
من ذلك و استشار الأمراء في أمره و اتفقوا علي قتله فعمل قورمشي (قورمش) دعوة عظيمة و دعاه إليها ليقبض عليه إذا حضر فأجاب چوبان و توجه فأخبر في أثناء توجهه أنها مكيدة، و أنهم يريدون القبض عليه ففارق مخيمه و ركب و ولده حسن إلي مدينة مرند و حضر قرمشي في عشرة آلاف من المغل فكبس المخيم فلم يجد چوبان فيه فنهبه و ساق خلف چوبان فلم يدركه. و لما وصل چوبان إلي مدينة مرند و حضر قرمشي تلقاه الأمير ناصر الدين صاحبها و أمده بالخيل و السلاح و المال و وصل خبره إلي تبريز فخرج إليه الوزير علي شاه التبريزي وزير أبي سعيد و التقاه و أكرمه و فرح به أهل المدينة و أمدوه بالخيل و السلاح و توجه إلي المدينة السلطانية و صحبته علي شاه فتقدم الوزير فاجتمع بأبي سعيد و تلطف في أمر چوبان و أحسن الثناء عليه و أغراه بقرمشي و من اتفق معه فرضي عن چوبان و أذن له في حرب الأمراء و قتلهم إن ظفر بهم و أمده بعشرة آلاف من المغل و انضم إليه قراسنقر المنصوري في كثير، و كذلك وصل إليه ولده تمرتاش بجيش كثير فتوجه إلي قرمشي و اقتتل معه فانهزم اصحاب قرمشي وعدة أمراء ممن كانوا معه و حضروا إلي المدينة السلطانية فقال لهم أبو سعيد لم فعلتم كذلك؟ فقال إن ما فعلناه بأمرك و كذبهم فأمر بقتلهم عن آخرهم. و أما قرمشي فإنه ألبس طرطورا أحمر و حلقت لحيته و سمر و طيف به. ثم قتل بعد ذلك» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 518
في هذه السنة وصل الركب العراقي
إلي الحجاز للحج و فيه جماعة من التتار فأخفوا أنفسهم خوفا من القبض عليهم فأمر السلطان (سلطان مصر و كان قد حج في هذه السنة) بإحضارهم فأحضروا فأحسن إليهم و خلع عليهم الخلع السنية و أطلقهم و هو سبب الصلح بين الملك الناصر و بين الملك أبي سعيد» ا ه.
هو عبد الرحيم بن علي بن عبد الرحيم البغدادي الأستاذ في شد البياكيم و يعرف بالساعاتي. ولد سنة 641 تقريبا و قدم الشام بعد الخمسين و تفقه بمصر ثم قدم الشام و كان مليح الشكل حسن البشر خيرا عالما يدري القراءات و ينسخ القرآن علي الرسم و كان يعتمد علي شد البياكيم لتحريرها و أم بالرباط الناصري مدة و مات بالحمام فجأة في جمادي الأولي سنة 719.
و في عقد الجمان: «الشيخ الصالح المقري زين الدين عبد الرحيم … سمع الحديث و لبس الخرقة، و كان شيخا صالحا، نسخ بخطه كثيرا، و كان يكتب المصاحف علي المرسوم، و يعمل البياكيم و الساعات في غاية الجودة و الصحة، و كان الناس يقصدونه و يرغبون في عمله» ا ه.
هو عبد العزيز بن عدي البلدي كان في بدايته صيرفيا في سوق الغزل ثم اشتغل و برع و أتقن الطب و الفرائض و الجبر و المقابلة و حفظ الحاوي الصغير و تميز في المذهب و ولي القضاء في ارزن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 519
الروم … ثم قدم الموصل و درس و ناب في القضاء و نسب إليه رأي النصيرية فهرب مات سنة 719.
عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي الشافعي الملقب تاج الدين المعروف بالأفضلي. كان فاضلا مولده في سنة 661 ه بتبريز. و توفي في العشر الأول من صفر سنة 719 ببغداد.
و في هذه السنة قطعت اخبار آل عيسي (مرتباتهم) و طردوا من الشام بسبب سوء صنيعهم و رحلوا عن بلاد سلمية يوم الاثنين 2 جمادي الأولي و صاروا إلي جهات عانه و حديثة علي شاطي ء الفرات. و عند رحيل المذكورين وصل الأمير سيف الدين (من امراء سورية) و سار بجمع عظيم من العساكر الشامية و العرب في أثر المذكورين حتي وصل إلي الرطبة ثم سار منها حتي وصل إلي عانه. و لما وصل المذكور إلي هناك هرب آل عيسي إلي وراء الكبيسات و عيسي المذكور هو عيسي بن مهنا بن مانع بن حذيفة بن عصية بن فضل بن ربيعة. و أقام السلطان (ملك سورية) موضع مهنا محمد بن أبي بكر بن علي بن حذيفة بن عصية المذكور و لما جري ذلك عاد الأمير سيف الدين المذكور و أقام بالرطبة حتي نجزت مغلاتها و حمل إلي القلعة ثم سار منها و نزل علي سلمية يوم الخميس منتصف رجب من السنة المذكورة و استمر مقيما علي سلمية حتي وصل إليه الأمر بالعودة فسار منها إلي الديار المصرية يوم الاثنين 9
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 520
شهر رمضان من السنة المذكورة.
و في هذه السنة ذهب إلي سورية المجد اسماعيل السلامي رسولا من جهة السلطان أبي سعيد ملك التتر و من جهة چوبان و علي شاه بهدايا جليلة و تحف و مماليك و جواري مما يقارب قيمته خمسين تومانا (و التومان البدرة و هي عشرة آلاف درهم) فوصلها يوم الاثنين 9 ذي الحجة و منها سار إلي سلطان مصر.
و جاء في عقد الجمان: «قدم رسول الملك أبي سعيد و چوبان نائبه قد ورد مع مملوك مجد الدين
السلامي و مضمون رسالته أنه يطلب سنجق السلطان أن يكون صحبة ركبهم إذا خرج من العراق إلي الحجاز و مرسوم السلطان أن لا يتقدم علي محملهم أحد غير محمل السلطان فأقبل السلطان عليه و أنعم بما سأله و سير سنجقا أصفر بطلعة ذهب و كتب مرسوما بما سأله و كتب أيضا إلي أمير مكة شرفها اللّه بإكرامهم و احترامهم و عرف الرسول بأن رسول السلطان يأتي إلي الملك أبي سعيد عن قريب» ا ه.
«و لما سافر رسول أبي سعيد حضر عقيبه كتاب من نائب حلب أن الفياض و سليمان و جماعة من أولاد مهنا قد كثر فسادهم و بغوا علي المسافرين و التجار و أخافوهم و انقطعت الطرق و أن الأمير فضل أو عربه لم يمكن منعهم و ربما بلغ مهنا أن أبا سعيد قد جهز ركبا عظيما و نادي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 521
في سائر بلاده من أراد الحج إلي بيت اللّه الحرام فليبادر و اجتمع خلق عظيم من ديار بكر و سائر الأقاليم قاصدين الحج و أن مهنا لما بلغه ذلك ركب و أقام لهم علي الطريق فوجد السلطان من ذلك أمرا عظيما و تحقق أن مهنا متي وقع علي ركب العراق أخذه فتقع العداوة بينه و بين الملك أبي سعيد و يفسد الحال المنتظم بينهما و يؤول الأمر إلي تعب عظيم ثم أرسل وراء سيف بن فضل بن عيسي و أمره ان يحضر سريعا و كان يعلم أن مهنا يحب سيفا بن أخيه محبة عظيمة و خشي أن يطلب من أولاد مهنا فياض أو سليمان و لا يجيبه فطلب سيفا فلما حضر إليه قال له يا سيف قل لوالدك
فضل أن يتحيل علي مهنا بكل حيلة و تكون أنت تمشي بينهما إلي أن يرجع مهنا عن التعرض لركب العراق فإني قد أعطيت لهم عهودا فوثقوا مني و أخشي أن يفسد عليّ مهنا جميع ما فعلته و أنا ما عملت أباك أميرا علي العرب إلا أن يمنع مهنا و أولاده من التعرض إلي بلادي فلو عرفت أن أباك يتفق مع مهنا لما كنت أبعدت مهنا مني فاركب إليه و عرفه أنه متي لم يرجع مهنا عن ركب العراق فلا حاجة لي بأحد منكم و أكد عليه الوصية و فارقه إلي أن وصل إلي أبيه و عرفه ما قال له السلطان فقال له أبوه و اللّه يا سيف هذه قضية صعبة و ما يصلحها أحد غيرك أنت و أخوك قال و كيف قال تركب إلي مهنا و تسأله أن لا يفعل شيئا مما قصده و لا تقل إنك سمعت شيئا من السلطان فإذا رأيته و قد قوي عزمه علي ما قصده من التعرض إلي الركب العراقي أقم عنده و أمسك ذيله و قل له إن أبي قد أمرني بالدخول عليك في هذه النوبة …
فلما وصل إليه رحب به و ضمه إلي صدره و قال له ما جاء بك إلي هذا المكان يا ابن أخي فقال اشتقت إليك و عرفت أبي فقال اغد إلي عمك أنت و أخوك قال فتبسم و قال و اللّه يا و غيد ما جئت إلا في أمر ارسلك أبوك إليه قال فقلت لا بد من ذلك ثم أقمت عنده ذلك اليوم و الثاني و الثالث ثم عرفته بجميع ما اتفق من السلطان و من أبي و كيف ارسلني إليه
موسوعة تاريخ العراق بين
احتلالين، ج 1، ص: 522
و قال ما لأبيك فإنه يأكل خبز مهنا و أنت تأكل خبز أولاده و لم لا تحفظون البلاد و تراعون حق السلطان في كل ما يقصده؟ فأنتم تأكلون الأخباز و مهنا يأكل كسب سيفه و كيف أرجع عن هذا الركب العراقي و فيه مكسب يقوت لمهنا سنة كاملة؟ و إذا أخذت بحقي فإني رجل ما أنا تحت طاعة سلطان مصر و لا سلطان العراق و إنما آكل من سيفي!.
قال فسكت عنه أياما قليلة و قد حضر عنده من عرفه أن ركب العراق قد خرج و وصل إلي المكان الفلاني و اهتم للركوب إليه. قال سيف: فقمت إليه و دخلت عليه و لم أزل اترفق له و أتذلل حتي أنعم عليّ بتركهم و بعد أيام وصل الركب و هم خلق كثير من أهل العراق و غيرهم و معهم أموال جمة و سير مهنا إليهم و قال لهم: لنا خفر عليكم خمسة آلاف دينار و بذلك جرت العادة من العرب. فقالوا نحن ما نعلم شيئا من هذا و لا رأينا ركبا من العراق سافر إلي مكة من غير هذه الأيام، و لو لا أن علمنا أن البلاد بلاد واحدة، و الاسلام واحد، و أن الصلح قد انتظم بين ملك مصر و ملك بغداد و الموصل ما خرجنا. و هذا سنجق الناصر معنا بهذا السبب فلم يشوش مهنا عليهم بل أكرمهم و سهل أمرهم و قال يا سيف قد قبلت دخولك علي لأجلك لا لاجل أبيك، و لا لأجل الملك الناصر فارجع إلي أهلك. قال و أعطاه فرسا و لأخيه فرسا و رجع إلي أبيه و عرفه بما جري فقال له أبوه اركب و اذهب
إلي السلطان و عرفه بما وقع و أقم في مصر إلي أن يدخل موسي و إخوته أولاد مهنا إلي مصر فأنا أعلم أن السلطان ما يفسد ما بينه و بين مهنا و لا بد أن يعيد إليهم اخبازهم فذهب سيف إلي السلطان فرأي أولاد مهنا موسي و إخوته و هم أربعة قد سبقوه بيوم و هم عند السلطان مكرمون و قد عرفوه خبر ركب العراق و أن مهنا لم يتعرض بهم.
ثم لما اجتمع سيف بالسلطان و حكي له بما اتفق شكره علي فعله ثم اجتمع كلهم يوما عند السلطان و جرت بينهم مفاوضة فقال السلطان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 523
لموسي بن مهنا يا موسي كيف يكون أبوك عاصيا عليّ و لا يدخل تحت طاعتي. فقال له موسي: و اللّه يا مولانا السلطان لو اطاعك مهنا ما كنا عندك بهذه المنزلة و اللّه إن عصيانه عليك جيد لنا، و اللّه لو أطعنا ما اطقناك فاحمر وجه السلطان خجلا منه. ثم قال لسيف: أبوك عاجز أن يخرج مهنا عن البلاد و أنا أضيف إليه عرب بني كلاب، و بني مهدي فقال موسي: يا خوند أقول الصحيح أو أسكت قال قل الصحيح قال:
و حياة رأسك و رأس مهنا إن فضلا لو جمع له مائة ألف بدوي لا يقدر أن يقاتل مهنا و لا كان يرمي أخاه ابدا و لا يسل احد منهما سيفا في وجه أخيه، و اللّه تعالي يحفظ مولانا السلطان لا يقل أحد إن فضلا يرمي مهنا، أو مهنا يرمي فضلا، و أي من ترضي منه كان في خدمتك إذا رأي مهنا أخاه يأكل خبزه ما يعظم عليه ذلك، و إذا رددت خبزه عليه
كذلك ما يعظم علي فضل: فالغريب ما يدخل بيننا. و لما سمع السلطان ذلك لم يرد عليه جوابا ثم قاموا من المجلس. و لما رأي الأمراء أن السلطان قد انحرف من هذا الكلام انحرافا عظيما قال له الأمير عز الدين الخطيري يا خوند هذا وقتك فإن أولاد مهنا أربعة قد حصلوا عندك فاقبض عليهم و جردني أنا و الأمير سيف الدين الأبو بكري و مقدرين من الشام و نحن نقيم في بلاد الرطبة سنة كاملة و نأكل اقطاع العرب و لا ندع مهنا و لا غيره ينظر إلي البلاد ابدا و يدخلون تحت طاعتك فكان جواب السلطان له: يا أمير عز الدين احذر أن تذكر شيئا من هذا فمثل مهنا و أولاده ما يفرط فيهم.
و لما سمع الأمراء ذلك سكتوا و لم يردوا عليه جوابا و بعد أيام طلب السلطان موسي و إخوته و خلع عليهم و أكرمهم و أعطاهم أنعاما كثيرا، و اتفقوا معه علي أنهم يرسلون إليه محمدا أخا مهنا ليضمن حضور أخيه إلي طاعته فخرجوا علي ذلك و سافروا … » ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 524
«و في هذه السنة جاء مصر قاصد قدم إليها من عند علي شاه وزير ملك التتار و صحبته تقادم و هي بخاتي و قماش و جوار و مماليك، و ذكر أن سلطانهم قطع اخباز العربان من عنده و هم مهنا و أولاده و إخوته و أقاربه و كان لهم معظم العراق.
و كذا الخواجة مجد الدين إسماعيل السلامي التاجر المشهور حضر إلي القاهرة من المدينة السلطانية و معه هدية سنية جليلة من جملتها خركاه مجوهرة و خيمة سقلاط و مماليك و جوار ترك
ملاح و جمال بخاتي و قماش نفيس و غير ذلك فتكلم في الصلح بين السلطان الملك الناصر و السلطان أبي سعيد.
قال صاحب النزهة لما وصل مجد الدين خرج القاضي كريم الدين إلي قبة النصر تلقاه و لما حضر مجلس السلطان سأله عن أخبار أبي سعيد و چوبان و عن أحوال البلاد فقال الجميع داعون لمولانا السلطان و ليس لهم مراد إلا رضي السلطان و هم مجتهدون في الصلح. و كان مجد الدين سبق التقادم التي سيرها أبو سعيد.
ثم ورد الخبر من نائب حلب أن سليمان بن مهنا عارض الرجال الذين معهم التقادم و أخذ ما كان معهم، و أنه خرج عن الطاعة … و كان سبب خروجه أن السلطان كان طرد أباه مهنا عن البلاد و أخرج الإمرة عنه، و كان السلطان أرسل إليه شهاب الدين قراطاي بأن يخرج عن البلاد فقال له مهنا: أي شي ء رسم لك السلطان رسم بقتالنا أو غيره قال ما رسم لي إلا بطردك أنت و أولادك عن بلاد السلطان فقال مهنا: أما رحيل عن بلادنا فلنا غيرها و إن طلبنا العوض وجدنا و لكن هو عوضنا ما يجد و إن كان قد ضاقت أرضه بنا فالفلاة واسعة ثم أنشد:
إن ضاق نزل يا فتي بدياركم فزمامها بيدي و ما ضاق الفضا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 525
ثم رحل منها إلي أن قارب أرض العراق و تفرق أولاده في نواحيها.
و لما بلغ سليمان حضور الرسل ركب و قصد استغنام الفرصة، و لما رآهم اصحاب أبي سعيد وجدوهم و معهم كثير من العرب فتحققوا أن سليمان قاصد الفتنة فلم يواجهوهم بشر بل وقفوا و سيروا إليه قاصدا من جهتهم و قالوا:
إنا رسل أبي سعيد إلي السلطان الملك الناصر وايش الغرض منا فقال ارجع إليهم و عرفهم أن البلاد التي للملك الناصر قد طردنا منها و خرجنا عن طاعته، و أعطي اخبازنا لغيرنا من العرب و ما بقي لنا معاش و مكسب إلا قطع الطريق و إخافة السبيل و الذي معكم نأخذه، و بعد ذلك إما ارجعوا إلي بلادكم و إما روحوا إلي الملك الناصر.
و كان في الرسل من يعرف سليمان و أباه عند ما دخلوا إلي خربندا و صار له معهم صحبة و لما عرف أنه سليمان أخذ معه هدية حسنة و ركب في جماعة من المغل إليه فرآه و سلم عليه و قدم له ما أحضره و اعتذر إليه، و ترفق له في السؤال فترك لهم سليمان أمرهم و رجع عنهم رعاية لذلك الرجل.
«ثم لما وصلوا إلي السلطان أكرمهم و سأل عن أبي سعيد و نائبه چوبان و الوزير ثم أحضروا التقادم و كان فيها خوذة فولاذ منقوش عليها القرآن كاملا و جميعه ذهب و لم ير احد هدية أفخر منها و ثلاث قطر بخاتي و عشر جوار و ستة مماليك و قليل من اللؤلؤ و قالوا للسلطان: إن أخاك الملك أبا سعيد يسلم عليك و يقول إن أباه خربندا كان يقول أنا و السلطان الملك الناصر شي ء واحد، و المسلمون جيش واحد، و نسكن الفتن القديمة، و نقيم الملة الإسلامية …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 526
ثم انزلهم السلطان دار الضيافة.
«و كان أبو سعيد ذكر في كتابه شروطا عديدة منها:
1- أن يمنع حضور الفداوية في بلاده فلا يدخل أحد منهم.
2- أن من حضر من مصر إلينا فلا يطلب، و أن من حضر من عندنا إليكم فلا يعود إلا أن يكون برضاه.
3- أن لا يدخل في بلادنا غارة من عرب و لا تركمان.
4- أن تكون الطريق بيننا مفتوحة يدخل من عندنا إليكم التاجر و غيره فلا يعارض و كذلك إذا حضر منكم أحد.
5- أن يكون لنا سنجق سلطاني (علم) يحمل في الركب الذي يخرج من عندنا إلي مكة.
6- إن لا يطلب قراسنقر و لا يذكر لأنه نزيل عندنا فوجبت حرمته علينا.
7- أن يبعث السلطان إلينا رجلا معروفا بالجودة و ممن يوثق به في الأمور و يكون معه نسخة يمين من السلطان و نحن أيضا نحلف و چوبان كذلك يحلف فيستمر الصلح فيما بيننا و يصير الإقليمان إقليما واحدا.
فلما وقف السلطان علي ذلك شاور الأمراء و قرأ عليهم الكتاب فأشاروا عليه بأن يفعل ما في خاطره.
ثم إن
الرسل أقاموا أياما قليلة ثم جهزهم السلطان بأحسن جهاز و أنعم علي الرسول شيئا كثيرا سوي الخلع و الحوايص، و جهز برسم أبي سعيد هدية و هي فوقاني اطلس بطراز. و زاير بأولي مزركش، و قباتيري،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 527
و قرقلات، و بركستوانات و خود. و جهز لكل واحد من نوابه و خواصه هدية تصلح لهم.
و كتب الجواب بجميع ما سألوه … و أن العرب آل عيسي قد كثر فسادهم في البلاد و خرجوا عن طاعتي و قد أخرجتهم من بلادي، و أريد أنا أيضا أن لا تمكنوهم من الدخول إلي بلادكم و تمنعوهم و أنا أخرج عسكرا من عندي، و أنتم أخرجوا عسكرا من عندكم فنشيل سائر العرب … » ا ه.
و في هذا ما يبصر بالأوضاع السياسية بيننا و بين مصر و سورية، و حالة العشائر البدوية في ذلك الزمن و روحيتها نحو الحكومات المجاورة …
و في هذه السنة عاث الفداوية من الإسماعيلية و حاولوا كثيرا قتل قراسنقر، و علم أنهم لم يقفوا عنده، و أن أبا سعيد و چوبان و علي شاه خافوا منهم … فسيروا الرسل إلي الملك الناصر يخبرونه بالأمر، و قد ارتبك بهم الحال و خافوا حتي أن أبا سعيد لم يخرج من الخركاه أياما، و لاموا السلطان الملك الناصر بأنه يريد أن يتم الصلح و يبعث بالفداوية ليعيثوا …
مر القول عن ذهاب الركب العراقي إلي الحج و وصوله إلي هناك و كان معه خال السلطان أبي سعيد و غياث الدين صاحب هراة و هو أمير الركب و شحنة بغداد و الشيخ صدر الدين ابن حمويه من خراسان و جمع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 528
عظيم و تحمل زائد و محملهم مذهب و فيه احجار جوهرية بديعة، و عمل چوبان نائب أبي سعيد و الخواجة علي شاه الوزير صدقات كثيرة و معروفا من أنواع القربات حتي أنه كان في كل منزلة من منازل الركب العراقي يضرب لكل من أبي سعيد و چوبان و الوزير حوض سبيل فيه سكر سويق و ينادي هذا سبيل فلان. ثم إن الركب تعرض إليهم مهنا كما قدمنا و لم يأخذ منهم شيئا، ثم خرج عليهم من عرب البحرين نحو ألف فارس و مشاة كثيرة و قطعوا عليهم الطريق، و كان أكابر هؤلاء قد حضروا إلي الملك الناصر … فأنعم عليهم أنعاما كثيرا … و لما رآهم أكابر الركب العراقي الذين هم من اصحاب أبي سعيد و چوبان … و عرفوهم أن معهم كتاب السلطان الملك الناصر و سنجقه و هو منشور في محملهم و في كتابه إلي سائر العرب
بالإكرام و الإحسان إلي الركب فلما و قفوا علي الكتاب و رأوا السنجق قالوا (السمع و الطاعة) للملك الناصر ثم فسحوا لهم الطريق. قال صاحب النزهة: ثم ساروا آمنين …
في هذه السنة توفي القاضي جمال الدين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي. قال الطوفي حضرت درسه و كان بارعا في الفقه و التفسير و الفرائض. و أما معرفة القضاء و الأحكام فكان أوحد عصره في ذلك.
هو الشريف عز الدين أمير مكة كان هو و أخوه رميثة وليا إمرة مكة … و جرت له وقائع في العراق و ناصره السلطان خربندا قتل في جمادي الآخرة سنة 720 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 529
و في هذه السنة عبر مهنا بن عيسي الفرات و توجه إلي السلطان أبي سعيد ملك التتر مستنصرا به علي سورية و أخذ معه تقدمة برسم التتر سبعمائة بعير و سبعين فرسا وعدة من الفهود.
و في هذه السنة أهدي السلطان أبو سعيد إلي سلطان مصر صناديق و دقيقا و جمالا و تحفا.
و في عقد الجمان أن الرسل وصلت في 29 المحرم … و كانت الرسل أيضا قد توالي توافدهم من أوزبك نظرا لتوتر العلاقات بينهم و بين السلطان أبي سعيد و الكل منهم يخطب ود ملك مصر حذرا من وقوع حرب بينهما أو توقع حدوثها …
قال ابن الوردي: «و في هذه السنة في آخر جمادي الآخرة ورد كتاب من بغداد مؤرخ بالحادي و العشرين من جمادي الآخرة و فيه أنه جري ببغداد شي ء ما جري من زمان الخليفة إلي الآن و ذلك أنهم خربوا البازار من أوله إلي آخره و ما يعلم ما عزموا عليه إلا اللّه تعالي ما تركوا بالبلد خاطئة إلا توبوها و زوجوها و أراقوا الشراب و منعوا الناس من العصير و نودي أن من تخلف عنده شي ء من الشراب حل ماله و دمه للسلطان فطلع بعد ذلك عند شخص جرة فقتلوه و عند آخر جرتان فقطعوا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 530
رأسه و علموا اليهود و النصاري بالعلائم و أسلم جماعة في كل يوم جمعة يسلم جمع … » ا ه.
و جاء في عقد الجمان: «ابطل أبو سعيد ابن خربندا مكس الغلة و رسم علي الخمارين و ألزمهم بإحضار الخمور في الظروف فاجتمع نحو عشرة آلاف ظرف فاهريقت و أحرقت الظروف، و فعل ذلك في جميع بلاده.» ا ه.
أصله بغدادي ثم توطن ماردين. و هو نجم الدين النحوي. كان أبوه مملوكا لبعض التجار و اشتغل هو ففاق في النحو و التصريف و المعاني و القراءات و العروض و غير ذلك وصنف في جميع ذلك. و له قصيدة علي وزن الشاطبية بغير رمز. و لحق ياقوت المستعصمي فكتب عليه وجوّد طريقته و عليه كتب أهل ماردين: و كان كثير الهجاء سيي ء السيرة. مات في ذي القعدة سنة 721 ه.
هو محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن فضل اللّه الواسطي أبو عبد اللّه بن الطحان و يعرف بابن جار اللّه ولد سنة 652 سمع من عمر الكرماني و غيره. مات في 17 جمادي الأولي سنة 721.
هو الدلال المقسمي ولد سنة 653 مات بالقاهرة في 13 ذي الحجة سنة 721 ه.
توفي في هذه السنة أو التي قبلها.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 531
«بتاريخ العشر الأخير من ربيع الأول وصلت إلي الأبواب العالية رسل أبي سعيد ملك العراقيين و هم حسن بن شادي بن صنوجق و مملوك چوبان نائب أبي سعيد و القاضي نصير الدين محمد ابن القزويني الشافعي قاضي تبريز و صحبتهم ابن خاله السلطان أحمد و كان مجيئهم بسبب المصاهرة بين الملكين فأنعم السلطان عليهم و سفر معهم ايتمش المحمدي أحد مقدمي الألوف رسولا بهدية سنية من الخيول الاصائل و الحوايص المجوهرة و حمار الوحش مخطط بأبيض و أسود وصل من اليمن. و قال صاحب النزهة و كان رسل أبي سعيد المذكورين قرروا مع السلطان أن يستمر الصلح بينهم و بين المسلمين فإنهم قد لحقوا بالإسلام و تلفظوا بالشهادة و أقيمت عندهم الخطبة و الصلوات و أن يكون بينهم يمين أن لا يدخل بلادهم فداوي، و أن يكون الحاج مستمرا، و أن كل من يحضر إلي بلادهم يرجع إلي مصر و كل من يحضر منا إليهم يرجع إلي بلادنا، و أن الرسول الذي يحضر من جهة السلطان يكون ممن يوثق بدينه و أمانته.
فلما سمع السلطان أجاب إلي ذلك و أمر القاضي كريم الدين أن يستعمل بالإسكندرية تفاصيل عليها اسم السلطان أبي سعيد و نائبه چوبان، و جهز له تحفا كثيرة و عشر قوافل و عشر بركستوانات و خوذا و سيوفا و خيلا عربية كاملة العدد و أشياء فاخرة و عين للسفر الأمير ايتمش المحمدي لأنه كان رجلا جيدا صادق اللسان عاقلا يعرف لسان التتار و كتب معه و ذكر في الجواب عن جميع ما في كتاب أبي سعيد غير أنه خالف في
قولهم أن كل من يحضر إلي بلادهم يرجع إليهم و ذكر أيضا أنه يخطب باسمه في بلادهم و يذكر اسمه قرين اسم أبي سعيد و أن يكون
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 532
له تاجر مقيم في الأردو برسم شراء مماليك و جوار و هو مجد الدين السلامي و أن من كان في بلادهم من الزام السلطان يرسلونه إليه و لا يمنعوا احدا من الدخول في بلاد السلطان و أن السلطان فسح لركب العراق في الحج و أوصي أمراء مكة بهم، و أن عرب آل مهنا لا يقربونهم، و ذكر أنه يكون هو و إياه متفقين علي إخراجهم من البلاد و إن كان لأبي سعيد أخت أو واحدة من عظم الخان برسم المصاهرة بينهم يكون ذلك لأنه آكد للصلح، ثم إن السلطان أنعم علي ايتمش بألفي دينار و أمره بالسفر و كتب معه إلي نائب الشام و نائب حلب بإكرامه و القيام بخدمته.» ا ه.
عاد إلي سورية من الحجاز صحبة الادر السلطانية داخلا عليهم مستشفعا بهم فرضي عنه سلطان مصر و أقره علي أمرة العرب موضع محمد بن أبي بكر أمير آل عيسي و كان اقامه السلطان مقام مهنا سنة 720 ه و الأمير فضل هو أخو مهنا المذكور.
المقري نجم الدين. قرأ بواسط علي الشيخ خريم، و علي حسن الكوساني، و أحمد و محمد امين غزال و غيرهم، ثم قدم دمشق فقطنها و جلس للإفادة و نظم قراءة يعقوب في كراسة. قال الذهبي جودها و مات في شوال سنة 722 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 533
هو عبد اللّه بن محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد بن معالي الربعي التغلبي التكريتي ثم الدمشقي ولد في شوال سنة 57 و سمع من الرضي ابن البرهان (و البرهان) و النجيب و عبد الدائم فأكثر و أجاز له محمد بن عبد الهادي و عبد اللّه بن بركات الخشوعي و غيرهما … و هو من بيت كبير، و صدر محترم و كان أبوه تاجرا … مات في العشرين من رجب سنة 722 ه.
صدر الدين أبو المجامع: هو إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني و جاء في روضات الجنات صحيفة 49 تفصيل عن المترجم و ضبط لفظ حمويه و ذكر له من المصنفات (فرائد السمطين في فضائل المرتضي و البتول و السبطين) فرغ منه في سنة 718. و شاهد صاحب الروضات تأليفه هذا و ترجمه بالاستناد إليه و عرّف آل حمويه فكان بحثه مهما. ولد سنة 44 و سمع من عثمان بن الموفق صاحب المؤيد الطوسي و سمع علي علي بن أنجب و عبد الصمد بن أبي الخير و ابن أبي الدنية و أكثر عن جماعة بالعراق و الشام و الحجاز و له رحلة واسعة و كان دينا و قورا مليح الشكل جيد القراءة و علي يده أسلم غازان.
و تزوج بنت علاء الدين صاحب الديوان سنة 71 و كان الصداق خمسة آلاف دينار ذهبا. و قال عنه الذهبي حاطب ليل. و مات سنة 722 في 5 المحرم بالعراق و في عقد الجمان أنه توفي سنة 723 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 534
في هذه السنة ذهبت رسل السلطان أبي سعيد و رسل نائبه الأمير چوبان و توجهوا إلي سلطان مصر بالقاهرة ثم عادوا إلي بلادهم.
و في عقد الجمان ما نصه:
«ورد رسل أبي سعيد بسبب الأيمان التي عليها الصلح الذي بينه و بين الملك الناصر و رسم السلطان للأمير ايتمش بالخروج إلي ملتقاه و صحبته المهمندار و أن يأخذ معه كل ما يحتاج إليه من سائر الأشياء فركب إليهم في جماعة و تلقاهم من الصالحية … و عند دخولهم أمر السلطان للأمراء بلبسهم علي العادة المستمرة فدخلوا و رأوا موكبا عظيما و حصل لهم من
السلطان إقبال و قدموا تقدمة أبي سعيد فكانت شيئا كثيرا من البخاتي و الأكاديش و التفاصيل المثمنة، و معهم كتاب يترفق فيه أبو سعيد و يعرف السلطان الذي قصده من الأمور لم يخرج عن شي ء من ذلك و أن الذي طلبه من أمر الخطبة و الرغبة في المصاهرة فإنه يقصد المهلة في ذلك إلي حين يقع الغرض و يعلم أنه يصلح لمثله و كتب في كتابه أيضا أن يعرف نائب حلب و نائب الشام أن لا يمنعوا أحدا من دخول الفرات و لا الإقامة في مدينة يختارها و تكون مصر و الشام و بلاد الشرق بلادا واحدة، و كذلك نائبه چوبان و الوزير أيضا كتب و أرسل كل منهما هدية علي قدره و أرسلوا أيضا هدية للقاضي كريم الدين و كاتبه الوزير من جهته يعرفه أن جميع ما قصده مولانا قد فعله المملوك فإن أساس الصلح بين هذين الملكين كان كريم الدين بمصر و الوزير الخواجة علي شاه، فإن الرسالات كانت متصلة بين الوزيرين و الهدايا متوالية،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 535
و كان السفير في ذلك مجد الدين السلامي، و كان القاضي كريم الدين قد أذهل هذا الوزير بأنواع العطايا و الهدايا التي كان يرسلها إليه بحيث استجلبه إلي أن حكم علي چوبان و حكم چوبان علي أبي سعيد و أكابر المغل و أراد اللّه أن يجمع شمل الإسلام علي كلمة واحدة.
و لما قرب سفر الرسل أحضرهم و أحضر الأمراء و حلف اليمين التي عقد عليها الصلح و كتب بها نسخة علي العادة و سير صحبتهم ما حسن و افتخر به من كل شي ء، و خلع علي كبير الرسل ثلاث خلع مكملة بحوايص
ذهب و أعطاه ألفي دينار و أنعم علي سائر من كان معه و أطلق له شراء الخيل العربيات و جميع ما يختاره و أمر أن لا يتعرض إليه أحد من النواب و لا الولاة و كذلك القاضي كريم الدين أرسل من جهته أشياء مناسبة و أشياء مفتخرة هدية لأبي سعيد و چوبان و الوزير و كتب السلطان أيضا إلي نائب الشام و إلي نائب حلب و سائر المملكة أن لا يمنع من يريد دخول الفرات و لا من يريد النزول بأراضيه، و أن يكون كل من يحضر آمنا علي نفسه و ماله و كذلك التجار و المسافرون و سائر أرباب الصنائع، و أن الشرق و بلاد مصر بلاد واحدة، و الإسلام قد جمع بين الكل.
و كتب القاضي كريم الدين إلي مجد الدين السلامي و عرفه أن السلطان أقبل علي الرسل إقبالا عظيما و سأله أن يحضر إلي مصر ليجتمع بالسلطان و يعود في أمر مهم يختص به. و كان طلب السلامي ليرسل معه فداويا متنكرا ليغتال قراسنقر و قد اعتذر السلامي فلم يقبل عذره، و أوعز إليه أن يبقي مدة بصفة مملوك ثم يجري فعلته. فلم يوفق لغرضه فأعيد و معه هدايا من السلطان و من القاضي …
و في هذه السنة وصل الأمير ايتمش المحمدي إلي تبريز فتلقاه الوزير و قد عرف منزلته من قراسنقر و جاء بحشمة و أبهة لا مزيد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 536
عليهما … و قد تكلم العيني عن ذلك مفصلا و بين أن مكالمته كانت بالمغولية، و أنه مغولي فأقيمت له الضيافات و امتنع من شرب الخمر …
و قد قضي الأمور التي ذكرها السلطان في كتابه و
الشروط المبسوطة فيه … و التمس چوبان من الرسول عفو السلطان من إرسال فداوية متوالين إلي قراسنقر لاغتياله، و طلب العفو عن الغدر به …
و بعدها صعد الخطيب يوم الجمعة فدعا للسلطانين و بين ما جري عليه الصلح، و أن الإسلام ملة واحدة، فعاد إلي مصر مزودا بالهدايا للسلطان.
و في هذه السنة ذهبت الملكة بنت ابقا و اسمها قطلو و في خدمتها عدة كثيرة من التتر إلي الحج و رسم السلطان و رتب لها في الطرقات الإقامات الوافرة. سماها صاحب الدرر الكامنة يلقطو و هي عمة غازان. كانت جيدة الإسلام كثيرة المناصحة للمسلمين و كان يقال لزوجها عرب طيي ء و لما قتل ركبت بنفسها فقتلت قاتله و خطبها الافرم و هو نائب دمشق فنهرت رسله و امتنعت بعد أن كان بذل لها حمص و بلادها مهرا. و حجت سنة 723 ه في تحمل زائد فيقال تصدقت في الحرمين بثلاثين ألف دينار و كانت تركب بالجتر و تتصدق في طول الطريق و دخلت دمشق فتلقاها تنكز و بالغ في إكرامها و رجعت إلي بلادها إلي أن ماتت سنة 723 ه …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 537
ترجمه جماعة. توفي في ثالث المحرم هذه السنة و قد مر وصف الكتاب المنسوب إليه المسمي (بالحوادث الجامعة). قال صاحب الشذرات: مؤرخ الآفاق، العالم، المتكلم كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الفضل بن العباس بن عبد اللّه بن معن بن زائدة الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ الحنبلي ابن الصابوني و يعرف بابن الفوطي- (محركا نسبة إلي بيع الفوط)- و كان الفوطي المنسوب إليه جده لأمه. ولد في 17 المحرم سنة 642 بدار الخلافة من بغداد و سمع بها من ابن الجوزي ثم أسر في واقعة بغداد و خلصه النصير الطوسي الفيلسوف وزير الملاحدة فلازمه و أخذ عنه علوم الأوائل و برع في الفلسفة و غيرها و أمده بكتابة الزيج
و غيره من علم النجوم و اشتغل علي غيره في اللغة و الأدب حتي برع و مهر في التاريخ و الشعر و أيام الناس و أقام بمراغة مدة ولي بها كتب الرصد بضع عشرة سنة و ظفر بها بكتب نفيسة و حصل من التواريخ ما لا مزيد عليه و سمع بها من المبارك بن المستعصم باللّه سنة 666 ه ثم عاد إلي بغداد و بقي بها إلي أن مات.
و قال في عقد الجمان: «الشيخ الإمام الحافظ المحدث المؤرخ العلّامة الأخباري الأديب … صاحب التصانيف … و له شعر كثير بالعربي و العجمي … أسر في واقعة بغداد و سار إلي النصير الطوسي و أشتغل عليه بعلوم الأوائل و برع في الأدب و النظم و النثر و مهر في التاريخ، و كان قلمه سريعا مع خط بديع … لهج بالتاريخ و أطلع علي كتب نفيسه ثم تحول إلي بغداد و صار خازن كتب المستنصرية و اكب علي التصنيف رحمه اللّه.» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 538
1- تاريخه الكبير:
2- مجمع الآداب في معجم الأسماء علي معجم الألقاب. منه مجلد واحد في المكتبة الظاهرية بدمشق.
3- كتاب درر الاصداف في غرر الأوصاف مرتب علي وضع الوجود من المبدأ إلي المعاد في عشرين مجلدا.
4- كتاب المؤتلف و المختلف و هو المسمي تلقيح الأفهام.
5- كتاب التاريخ علي الحوادث من آدم إلي خراب بغداد.
6- كتاب حوادث المائة السابعة و إلي أن مات.
7- كتاب الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة.
8- معجم شيوخه.
9- ذيل تاريخ ابن الساعي.
10- تلقيح الأفهام عن تنقيح الأوهام.
و له مؤلفات أخري و ترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ و الكتبي في فوات الوفيات و جاء وصف بعض
مؤلفاته في كشف الظنون … و له خط بديع جدا و يد بيضاء في النظم و ترصيع التراجم و بصر بالمنطق و الحكمة.
في هذه السنة توفي شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن محمود الجيلي نزيل بغداد المدرس للحنابلة بالبشيرية. كان إماما، فقيها، عالما، فاضلا، له مصنف في الفقه لم يتمه سماه (الكفاية) ذكر فيه أن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 539
الإمام أحمد نص علي أن من وصي بقضاء الصلاة المفروضة نفذت وصيته. توفي ببغداد يوم الثلاثاء 10 جمادي الأولي.
و توفي برهان الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن محمد السمرقندي النوجاباذي الحنفي قاضي المغول (المغل) برهان الدين. ولد سنة 643 و تفقه ببلاده و قدم بغداد مرارا … و كان صدرا معظما كثير اللطائف، حسن المذاكرة اتفق أنه لما أكمل ثمانين سنة عمل وليمة حافلة فمات بعدها بجمعة في رمضان سنة 723 سمع من محمد بن يوسف الزرندي و السراج القزويني …
هو صفي الدين محمود بن محمد الأرموي العراقي المتوفي سنة 723 ه و هذا قد هذب (كتاب المحكم و المحيط الأعظم) لابن سيده و له ترتيب خاص من حروف الهجاء غير النسق المعروف بينه صاحب كشف الظنون في مادة المحكم …
في هذه السنة نزل الأمير مهنا بن عيسي بظاهر سلمية من بلاد حمص عند تل اعدا و كان له ما يزيد علي عشر سنين لم ينزل بأهله هناك و كان الأمر و النهي إليه في العرب و خبز الأمرة لأخيه فضل بن عيسي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 540
و في هذه السنة توفي محمد بن عيسي بن مهنا أمير العرب و كان عاقلا نبيلا فيه خير و هو أخو مهنا توفي بسلمية عن نيف و سبعين سنة و دفن عند أبيه …
و جاء في الدرر الكامنة أن محمد بن عيسي هذا لما جهز خربندا مع حميضة عسكرا ليأخذ له مكة كبسهم محمد المذكور و قتل منهم كثيرا و أرسل إلي الناصر منهم أربعمائة أسير فأعجب الناصر ذلك و بالغ في الإحسان إليه.
في هذه السنة حضر مصر رسل السلطان أبي سعيد و هم طوغان بغا و خادمه الخر بدار و رسل من جهة چوبان و معهم هدايا و تحف كثيرة من خيل و سروج محلاة بالذهب مرصعة بالجواهر و سيف و منطقة و أربع قطر بخاتي محملة صناديق ملونة الجلود و برانس الجمال بمحمل و جوخ و غير ذلك من أنواع الثياب النفيسة و قضيت اشغالهم و سفروا.
و في هذه السنة توفي الوزير علي شاه و قد مر الكلام عن وقائعه مع الخواجة رشيد الدين و اتفاقهما للوقيعة بالخواجة سعد الدين ثم مخالفته للخواجة رشيد الدين إلي أن سعي بقتله و نال الوزارة بالاستقلال و كان قد شنع علي الخواجة رشيد الدين فوجد آذانا صاغية … قال أبو الفداء: «و كان قد بلغ منزلا عظيما من أبي سعيد و غيره. و أنشأ بتبريز الجامع الذي لم يعهد مثله و مات قبل إتمامه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 541
و هو الذي نسج المودة بين الإسلام و التتر … » ا ه.
و هنا يسمي أبو الفداء السوريين و المصريين بالإسلام و ملوك المغول بالتتر مع أنهم أسلموا … و هكذا في كل تعابيره المارة …
و مثله من مؤرخي سورية و مصر كثيرون …
و في الشذرات جاء عنه «فيها- سنة 724 ه- توفي وزير الشرق علي شاه ابن أبي بكر التبريزي كان سنيا معظما لصاحب مصر، محبا له. توفي بأرجان في جمادي الآخرة و قد شاخ.» ا ه و لم يمت من وزراء المغول علي فراشه سواه …
و في الدرر الكامنة هو وزير التتر خدم القاآن أبا سعيد و تمكن منه و كان في أول أمره سمسارا و
كان محبا لأهل السنة مصافيا للناصر و قد أهدي إليه رقعة بليغة ذهبية و كان مغري بالعمارة. حتي أنه عمر بستانا في داخله أربع ضياع بغير اقمين (تنور الحمام) بل ركب قدرها علي أربع منافخ للحدادين فكلما أوقدوا نارهم حميت القدر فسخن الماء و أنشأ جامعا كبيرا بتبريز و مات بأرجان في جمادي الآخرة سنة 724 ه و هو في نحو الستين.
و جاء في عقد الجمان: « … خدم الوزير رشيد الدين و باع له و اشتري و تقرب إليه و بخدمته تقرب إلي الأمير چوبان و حاشيته و كان يسافر و يتاجر لأجل الوزير، ثم جعله الوزير كاتبا في الضياع، ثم تنقل إلي حفظ الأموال و جمعها من البلاد، و كان كريما سمح النفس مليح العبادة فأوصافه الحميدة أوصلته إلي أن صار نائب الوزير و قوي أمره مع چوبان و صحبه إلي عمل علي الوزير رشيد الدين حتي قتل و تولي مكانه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 542
إلي أن اتفق ما ذكر من ملاقاة چوبان مع أمراء المغل و ساعده بالأموال و التحف و الرجال و قام معه قياما أوجب حفظ صحبته إلي أن انتصر چوبان و قوي أمره، و كان هذا الوزير نسج المودة بينه و بين كريم الدين حتي أنهما اتفقا علي الصلح بين الملكين و إخماد الفتن، و نقل أهل البلاد عن كرم هذا الوزير و عن فتوته و إحسانه للغرباء و لمن يرد عليه و من يقصده … و قد وصف صاحب النزهة الجامع الذي انشأه و بناه ببناء لا يقدر أحد أن يبني مثله و نقل وصفه علي لسان من سافر مع ايتمش المحمدي المذكور.
إبراهيم بن محمد
بن عبد الخالق بن محمد بن أبي نصر بن عبد الباقي البغدادي. أبو إسحاق بن أبي عبد اللّه الملقب نجم الدين المعروف بابن عكبر. سمع الكثير من عمه الجلال عبد الجبار بن عبد الخالق و سمع من عبد اللّه بن أبي القاسم بن ورخز، و من محمد بن يعقوب بن أبي الدنية، و من أبي الفضل محمد بن محمد بن الدباب.
و أجاز له يوسف بن محمد بن علي بن سرور الوكيل، و عبد الصمد بن أبي الجيش و غيرهما. و توفي في ذي الحجة سنة 724 ه. أجازني من
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 543
مدينة السلام (مؤلف الكتاب). قاله في منتخب المختار.
هو علي بن عبد اللّه بن عمر بن أبي القاسم البغدادي، أبو الحسن ابن أبي القاسم الحنبلي المقري الملقب زين الدين أخو رشيد الدين محمد. قال الشيخ الإمام سراج الدين أبو حفص عمر بن علي القزويني:
و كان مسند بغداد في وقته. مات في 28 ربيع الأول سنة 724 ه.
«وقع الغرق ببغداد و دام أربعة أيام و زاد الشط عظيما و غرق دائر البلد و منع الناس من الخروج من المدينة و انحصروا و لم يبق حاكم و لا قاض و لا كبير و لا صغير إلا نقل التراب و ساعد في عمل السكور لمنع الماء عن البلد و بقيت بغداد كلها جزيرة في وسط ماء و دخل الماء إلي الخندق و غرق كل شي ء حول البلد و خربت أماكن كثيرة و جميع الترب و البساتين و الدكاكين و المصلي و وقعت (مدرسة الجعفرية) و (مدرسة عبيد اللّه) و غرقت خزانة الكتب التي بها و كانت تساوي أكثر من عشرة آلاف دينار و صار الرجل إذا وقف علي سور البلد لا يري مد البصر الأسماء و ماء و غرق خلق و اشتد الخطب و امتنع النوم من الضجات و خوف الغرق و دار الناس في الأسواق مكشفة رؤوسهم و عمائمهم في رقابهم و الربعة الشريفة علي رؤوسهم و هم يتلون و يستغيثون و يودع بعضهم بعضا خائفين و جلين أن يخرق الماء من الخندق مقدار خرم ابرة فيهلكون و غلت الأسعار لذلك أياما و من العجب ان مقبرة الإمام أحمد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 544
تهدمت قبورها و لم يتغير قبر الإمام أحمد و سلم من الغرق و اشتهر ذلك و استفاض. ثم ورد
كتاب أن الماء حمل خشبا عظيما و زنت منه خشبة فكانت ستمائة رطل بالبغدادي و جاء علي الخشب حيات كبار خلقهن غريب منها ما قتل و منها ما صعد في النخل و الشجر. و من الحيات كثير ميت. و لما نضب الماء نبت بالأرض صورة بطيخ شكله علي قدر الخيار و في طعمه فجوجة و أشياء أخر من النبات غريبة الشكل و ما يحصي ما خرب من الجانبين إلا اللّه تعالي.» ا ه.
و في الشذرات جاء عن هذا الغرق ما نصه: «في جمادي الأولي كان غرق بغداد المهول و بقيت كالسفينة و ساوي الماء الأسوار و غرق أمم لا تحصي و عظمت الاستغاثة باللّه تعالي و دام خمس ليال و قيل تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. قال الذهبي و من الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوي البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع و وقف بإذن اللّه تعالي و بقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا.
حجاب بنت عبد اللّه الشيخة الصالحة كانت شيخة رباط بغداد مشهورة بالصلاح و الخير. ماتت في المحرم سنة 725 ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 545
أمر سلطان مصر بطرد مهنا و عربه …
في رجب هذه السنة (726) حضرت رسل أبي سعيد إلي الناصر محمد و حضر بين هؤلاء يحيي بن ظهر بغا المغلي و كان هذا ينوب أبوه عن أبي سعيد بن خربندا و كانت بينه و بين الناصر محمد قرابة فاستدعاه فحضر مع الرسل فأعطي اباه إمرة أربعين و يحيي إمرة عشرة.
و في هذه السنة توفي جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي المقري الفقيه الحنبلي الأديب النحوي المتفنن. قرأ بالروايات و سمع الحديث من محمد بن حلاوة، و علي بن حسين، و عبد الرزاق الفوطي و غيرهم و قرأ بنفسه علي ابن الطبال و أخذ عن ابن القواس شارح ألفية ابن معطي الأدب و العربية و المنطق و غير ذلك و تفقه بالشيخ تقي الدين الزريراني و كان معيدا عنده بالمستنصرية قال الطوفي استفدت منه كثيرا و كان نحوي العراق و مقريه عالما بالأدب له حظ من الفقه و الأصول و الفرائض و المنطق. و قال ابن رجب نالته في آخر عمره محنة و اعتقل بسبب موافقته للشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الزيارة و كتابته عليها مع جماعة من (علماء بغداد): و تخرج به جماعة و توفي في 11 شوال و دفن بمقبرة الإمام أحمد. هذه الفكرة و آراء ابن تيمية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 546
اساسها فقه الظاهرية و لم يعدم هذا الفقه من العراق بعد و لا تزال بقية باقية تقول به … فلا يستغرب من شيوع فكرة ابن تيمية في بغداد و القول بها … فهي في الحقيقة مناصرة لصريح الكتاب و واضح نصوصه …
و يعرف عند الشيعة بالعلّامة و هو الحسن ابن الشيخ يوسف بن علي ابن المطهر الحلي ولد في رمضان سنة 648 ه و توفي في الحلة ليلة السبت 21 المحرم سنة 726 ه و هو من مشاهير علماء الشيعة و المعول عليهم في الفقه و الكلام و مؤلفاته الفقهية لا تزال معتبرة إلي اليوم و غالبها مطبوع و قد مر القول
عنه في قبول الجايتو (خدابنده) المذهب الشيعي في أيامه و بتشويق منه عام 707 ه و له في الفقه المنتهي و التحرير و التبصرة و غيرها و من مؤلفاته كتاب الالفين في الامانة، و استقصاء النظر، و إيضاح المقاصد، و الباب الحادي عشر، و من هذه فسخ في دار كتب المشهد الرضوي، و الباب الحادي عشر نسخه كثيرة. كما أن مؤلفاته في الاخبار و التفسير و الكلام كثيرة و له في المنطق و الحكمة و النحو مما لا يسع تعداده و قد انتصب ابن تيمية للرد علي كتابه منهاج الكرامة في كتاب منهاج السنة و هو مطبوع و ترجمته مبسوطة في روضات الجنات و في كتب الرجال العديدة. و في الدرر الكامنة و لا محل للإطالة فللبحث عن نهجه الكلامي و الفقهي موطن غير هذا …
هو ناصر بن أبي الفضل بن إسماعيل المقري الصالحي ابن الهيتي ولد سنة 66 و نشأ جميلا جدا و كان صوته مطربا ثم صحب الباجريقي فصار يقع منه كلمات معضلة و سلك سبيل التزهد و دخل بغداد مع ركب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 547
العراق فيقال إنهم نقموا منه شيئا فهمّوا به فتوجه إلي ماردين ثم فر منها إلي حلب فجري علي عادته في الشطح فأنكر عليه كمال الدين ابن الزملكاني و هو يومئذ قاضي حلب فقبض عليه و أرسله مقيدا إلي دمشق فقامت عليه البينة بالزندقة فقتل في ربيع الأول سنة 726 ه …
كانت و لا تزال الإدارة و السلطة بيد الأمير چوبان و أولاده. و كان الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان ملازما للسلطان أبي سعيد في السلطانية و في بغداد شتاء و صيفا. و أما الأمير چوبان فإن الحالة اقتضت ذهابه إلي خراسان و إن الخواجة دمشق بقي برفقة السلطان و في أول سنة 727 ه جاء ابن بطوطة العراق فوجد السلطان أبا سعيد و الخواجة دمشق في بغداد و الوزير محمد غياث الدين ابن الخواجة رشيد الدين فشاهد السلطان و الأمير الخواجة دمشق و الوزير قال:
«كان السلطان- ملكا فاضلا كريما ملك و هو صغير السن ببغداد و هو شاب أجمل خلق اللّه صورة لا نبات بعارضيه و لم يحصل له من السلطان إلّا الاسم و السكة و الخطبة و وزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين و كان أبوه من مهاجرة اليهود و استوزره السلطان محمد خدابنده والد أبي سعيد رأيتهما يوما بحراقة في الدجلة و تسمي عندهم الشبارة و هي شبه سلورة و بين يديه
دمشق خواجة
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 548
ابن الأمير چوبان المتغلب علي أبي سعيد و عن يمينه و شماله شبارتان فيهما أهل الطرب و الغناء و رأيت من مكارمه في ذلك اليوم أنه تعرض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم فأمر لكل واحد منهم بكسوة و غلام يقوده و نفقة تجري عليه و لما ولي السلطان أبو سعيد و هو صغير كما ذكرنا استولي علي أمره أمير الأمراء الچوبان و حجر عليه التصرفات حتي لم يكن بيده من الملك إلا الاسم و يذكر أنه احتاج في بعض الأعياد إلي نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليها فبعث إلي أحد التجار فأعطاه من المال ما أحب و لم يزل كذلك إلي أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون فقالت له لو كنا نحن الرجال ما تركنا الچوبان و ولده علي ما هما عليه فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام فقالت له لقد انتهي أمر دمشق خواجة ابن الچوبان إلي أن يفتك بحرم أبيك و أنه بات البارحة عند طغا خاتون و قد بعث إليّ و قال لي الليلة ابيت عندك و ما الرأي إلا أن تجمع الأمراء و العساكر فإذا صعد إلي القلعة مختفيا برسم المبيت أمكنك القبض عليه و أبوه يكفي اللّه أمره و كان الچوبان إذ ذاك غائبا بخراسان فغلبته الغيرة و بات يدبر أمره فلما علم أن دمشق خواجة بالقلعة أمر الأمراء و العساكر أن يطيفوا بها من كل ناحية فلما كان بالغد و خرج دمشق و معه جندي يعرف بالحاج المصري فوجد سلسلة معرضة علي باب القلعة و عليها قفل فلم يمكنه الخروج راكبا فضرب الحاج المصري السلسلة بسيفه فقطعها
و خرجا معا فأحاطت بهما العساكر و لحق أمير من الأمراء الخاصكية يعرف بمصر خواجة و فتي يعرف بلؤلؤ دمشق خواجة فقتلاه و أتيا الملك أبا سعيد برأسه فرموا به بين يدي فرسه و تلك عادتهم أن يفعلوا برأس كبار أعدائهم و أمر السلطان بنهب داره و قتل من قاتل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 549
من خدامه و مماليكه و اتصل الخبر بأبيه الچوبان و هو بخراسان و معه أولاده أمير حسن و هو الأكبر و طالش و جلوخان و هو أصغرهم و هو ابن أخت السلطان أبي سعيد، أمه ساطي بك بنت السلطان خدابنده و معه عساكر التتر و حاميتها فاتفقوا علي قتال السلطان أبي سعيد و زحفوا إليه فلما التقي الجمعان هرب التتر إلي سلطانهم و أفردوا الچوبان فلما رأي ذلك نكص علي عقبيه و فرّ إلي صحراء سجستان و أوغل فيها و أجمع علي اللحاق بملك هراة غياث الدين مستجيرا به و محصنا بمدينته و كانت له عليه أياد سابقة فلم يوافقه ولداه حسن و طالش علي ذلك و قالا له إنه لا يفي بالعهد و قد غدر ب (فيروز شاه) بعد أن لجأ إليه و قتله فأبي الچوبان إلا أن يلحق به ففارقه ولداه و توجه و معه ابنه الأصغر جلوخان فخرج غياث الدين لاستقباله و ترجل له و أدخله المدينة علي الأمان ثم غدر به بعد أيام و قتله و قتل ولده و بعث برأسيهما إلي السلطان أبي سعيد و أما حسن و طالش فإنهما قصدا خوارزم و توجها إلي السلطان محمد الأزبك فأكرم مثواهما و أنزلهما إلي أن صدر منهما ما أوجب قتلهما فقتلهما و كان للچوبان ولد
رابع اسمه الدمرطاش فهرب إلي ديار مصر فأكرمه الملك الناصر و أعطاه الإسكندرية فأبي من قبولها و قال إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد و كان متي بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطي هو للذي يوصلها إليه أحسن منها إزراء علي الملك الناصر و أظهر أمورا أوجبت قتله فقتله و بعث برأسه إلي أبي سعيد (قد ذكرنا قصته و قصة قراسنقور فيما تقدم) و لما قتل الچوبان جي ء به و بولده ميتين فوقف بهما علي عرفات و حملا إلي المدينة ليدفنا في التربة التي اتخذها الچوبان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 550
بالقرب من مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فمنع من ذلك و دفن بالبقيع و الچوبان هو الذي جلب الماء إلي مكة شرفها اللّه تعالي و لما استقل السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوج بنت الچوبان و كانت تسمي بغداد خاتون و هي من أجمل النساء و كانت تحت الشيخ حسن الذي تغلب بعد موت أبي سعيد علي الملك و هو ابن عمته فأمره فنزل عنها و تزوجها أبو سعيد و كانت احظي النساء لديه و النساء لدي الأتراك و التتر لهن حظ عظيم و هم إذا كتبوا امرا يقولون فيه عن أمر السلطان و الخواتين و لكل خاتون من البلاد و الولايات و المجابي العظيمة و إذا سافرت مع السلطان تكون في محلة علي حدة و غلبت هذه الخاتون علي أبي سعيد و فضلها علي سواها و أقامت علي ذلك مدة أيامه ثم إنه تزوج امرأة تسمي بدلشاد فأحبها حبا شديدا و هجر بغداد خاتون فغارت لذلك و سمته في منديل مسحته به بعد الجماع فمات و انقرض عقبه
و غلبت امراؤه علي الجهات و لما عرف الأمراء أن بغداد خاتون هي التي سمته أجمعوا علي قتلها و بدر لذلك الفتي الرومي خواجة لؤلؤ و هو من كبار الأمراء و قدمائهم فأتاها و هي في الحمام فضربها بدبوسه و قتلها و طرحت هنالك أياما مستورة العورة بقطعة تليس و استقل الشيخ حسن بملك عراق العرب و تزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوج امرأته.
و يلاحظ هنا أن ابن بطوطة كان أول مجيئه إلي العراق أيام السلطان أبي سعيد أوائل عام 727 ه كما تقدم ثم إنه عاود العراق بعد انقراض دولة المغول فحكي ما شاهده أولا و آخرا فجمع كافة ما علمه و رآه في المشاهدات العديدة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 551
و في كلشن خلفا أن السلطان لما وصل حد البلوغ علق بزوجة الشيخ حسن الايلخاني و هي بغداد خاتون بنت الأمير چوبان و له من الشعر فيها:
بيا بمصر دلم تا دمشق جابيني كه ارزوي دلم در هواي بغداداست
فكان مغرما قد تيّمه الحب و أخذ بلبه العشق و كبله. و لما شعر الأمير چوبان بالأمر حسب أن ذلك كان عشقا مجازيا، أو أن ذلك لم يتمكن فيه و علي هذا سير بغداد خاتون و زوجها الشيخ حسن الايلخاني إلي قره باغ قطعا لدابر التقولات … أما السلطان فلم يطق صبرا فحرك ركابه نحو من يهوي رضي الچوبان أم لم يرض و حينئذ وافي إلي بغداد خاتون بشوق لا مزيد عليه …
و علي كل كان في اضطراب و وله … و يصغي لكل تدبير في سبيل نيل أمنيته … و أن من وزرائه الملك نصرة الدين
عادل النسوي (البسري) الملقب (صاين وزير) قد بلغ السلطان عن الأمير چوبان أمورا نسب فيها اقبح الأحوال إليه فوجد من السلطان اذنا صاغية … فاطلع علي ذلك الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان بواسطة بعض الأمراء فأعلم والده بما جري خفيا و اهتم للانتقام من هذا الوزير بعزله و انتزاع الوزارة منه، و أن ينال العقوبة بقتله …
أما السلطان فإنه سار من بغداد إلي السلطانية و لتهمة نسبت إلي الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان و سعي من بعض ارباب الاغراض قد قتله السلطان في 5 شوال من هذه السنة … و لما وصل خبر ذلك إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 552
الأمير چوبان أمر بقتل الوزير و كذا أعدم ركن الدين لأنه كفر نعمته ثم سار بجيش لجب يبلغ نحو السبعين ألفا فأغار علي فيلق السلطان و في الأثناء و في القرب من هناك جاء الچوبان إلي الشيخ علاء الدولة و أبدي له ما وقع و طلب أن يقتص من قاتلي ابنه فتوسط الشيخ الموما إليه و طلب من السلطان أن يعدل في القضية و نصحه في ذلك و وعظه و حذره نتائج إهمال ذلك فلم ينل غرضا منه و أبي عليه و يئس الأمير چوبان فالتهب غيظا و جزع للمصاب دون أن يجد له ناصرا سوي قوة ساعده و ما لديه من أعوان … فتأهب للانتقام و المباشرة في الحرب إلا أن أكثر الأمراء مالوا لجانب السلطان و تابعوه كما مر و حينئذ ندم الأمير چوبان و رجع مرة أخري إلي خراسان مختفيا، هاربا فذهب إلي انحاء هراة و التجأ إلي الملك غياث الدين لحقوقه السابقة بينه و بينه و نظرا للحكم القطعي الصادر
من السلطان لم يتمكن من ايوائه فقتله و علي وصية منه جي ء بنعشه إلي المدينة المنورة …
ثم إن السلطان أرسل القاضي مبارك شاه إلي الأمير حسن الايلخاني أن يطلق زوجته بغداد خاتون فاضطر إلي مفارقتها خوفا علي حياته فطلقها ثلاثا و لما انقضت عدتها عقد عليها السلطان و تزوجها …
«و كان أبو سعيد ملك التتر صبيا عند موت أبيه خربندا فقام بتدبير المملكة چوبان و لم يكن لأبي سعيد معه من الأمر شي ء و لما كبر أبو سعيد و وجد أن چوبان قد استبد به و ليس له معه حكم اضمر له السوء و كان چوبان قد سلم الأردو لابنه الخواجة دمشق فحكم علي أبي سعيد فاتفق في هذه السنة (سنة 727 ه) أن چوبان سار بالعساكر إلي خراسان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 553
و استمر ابنه الخواجة دمشق حاكما في الأردو و كان الأردو إذ ذاك بظاهر السلطانية، و كان الخواجة دمشق يذهب سرا بالليل إلي بعض خواتين خربنده فلما خرج شهر رمضان من هذه السنة و دخل شوال توجه الخواجة دمشق في الليل و دخل القلعة و نام عند تلك الخاتون و كان هناك امرأة أخري عينا لأبي سعيد عليها فأرسلت تلك المرأة و خبرت أبا سعيد بالخبر و اسم المرأة التي هي عين (حجل) و بقلعة السلطانية بابان فأرسل أبو سعيد عسكرا و وقفوا علي الباب و أحس الخواجة دمشق بذلك فحمل و خرج من الباب الواحد فضربوه و أمسكوه و قصدوا إحضاره إلي أبي سعيد فأرسل أبو سعيد و قال لهم اقطعوا رأسه و أحضروه فقطعوا رأس الخواجة دمشق و أحضروه بين يدي أبي سعيد و بقي المغل (المغول)
يرفسون رأسه و جمع أبو سعيد كل من قدر عليه و خاف من چوبان و أرسل إلي العسكر الذي مع چوبان و خبرهم بأنه قد عادي چوبان و لما بلغ چوبان ذلك سار من خراسان بمن معه من العسكر طالبا أبا سعيد و سار أبو سعيد إلي جهته حتي تقارب الجمعان عند مكان يسمي صاري قامش أي القصب الأصفر و ذلك علي مراحل يسيرة من الري.
و لما تقارب الجمعان فارقت العساكر عن آخرها چوبان و رحلوا عنه إلي طاعة أبي سعيد و ذلك في ذي الحجة من هذه السنة فلم يبق مع چوبان غير عدة يسيرة فابتدر چوبان الهرب و قصد نواحي هراة و اختفي خبره ثم ظهر في السنة الأخري ثم عدم قيل إنه قتل بهراة قتله صاحبها و قيل غير ذلك و تتبع أبو سعيد كل من كان من أولاده و الزامه فأعدمهم و استقر قدم أبي سعيد في المملكة و كان أبو سعيد يهوي بنت چوبان و اسمها بغداد و كانت مزوجة للأمير حسن بن آقبغا و هو من أكبر امراء المغلة (المغول) فطلقها أبو سعيد منه و تزوجها و بقيت عنده في منزلة عظيمة جدا» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 554
«چوبان النوين الكبير نائب المملكة القاآنية تمكن من المملكة و أباد عددا كثيرا من المغول و كان ابنه دمشق خواجة قائد عشرة آلاف فلما تنكر له أبو سعيد قتل ابنه دمشق و هرب ابنه تمرتاش إلي القاهرة و سار چوبان إلي هراة فأطلعه و اليها إلي القلعة ثم غدر به و قتله و كان صحيح الإسلام كثير النصح للمسلمين أجري الماء إلي مكة حتي لم يكن الماء
يباع بها و أنشأ مدرسة بالمدينة مجاورة للحرم الشريف و كان اعظم الأسباب في تقرير الصلح بين أبي سعيد و الناصر. و لما نزل خربندا علي الرطبة و نصب المجانيق رمي تمس قراسنقر حجرا يضيع (كذا) القلعة فأحضر چوبان المنجنيق و هدده بعد أن سبه لئن عدت سمرتك علي سهم المنجنيق و كان ينزع النصل من النشاب و يكتب عليه إياكم أن ترعبوا فهؤلاء ما عندهم ما يأكلونه و اجتمع بالوزير و قال له ماذا يقول الناس إذا غلب خربندا علي الرطبة و سفك دم أهلها و هدمها في هذا الشهر العظيم و كان شهر رمضان. أما كان عنده نائب مسلم و لا وزير مسلم فدخلا إلي خربندا و حسنا له الرحيل عنها و أن يطلب اكابرها و يخلع عليهم و يعطيهم الأمان ففعل فكان حقن دماء المسلمين علي يدي الچوبان و كانت ابنة چوبان زوج أبي سعيد فنقلت والدها لما قتل إلي المدينة الشريفة ليدفن في تربته التي بناها بمدرسته فوصلوا به لكن لم يمكنوا من الدفن بمنع السلطنة فدفنوه بالبقيع و كان قتله سنة 828 ه و هو ابن ستين سنة. و كان بطلا شجاعا عالي الهمة، مهيبا، شديد الوطأة، كبير الشأن، كثير الأموال … » ا ه «و كان قد منع من دفنه بمدرسته طفيل بن منصور بن جماز أمير المدينة المنورة فدفن بالبقيع و مات طفيل هذا في رمضان سنة 752».
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 555
و علي كل نكب الأمير چوبان و أولاده و استقل السلطان أبو سعيد بالحكم و كان وزيره غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين و مهما يكن السبب و مهما يكن نوع التقولات فقد
بلغت ادارتهم الغاية و لم يتحمل القوم سلطتهم و ثاروا عليهم مرة قبل هذا فلم ينجحوا … و في هذه المرة غروا السلطان فكانوا معه عليهم … و بالنتيجة قتل آخرهم التمرطاش …
و الچوبان هذا من قبيلة (سلدوز) و قد مر ذكرها بين قبائل المغول و التتر و ذكر له الغياثي أعمال خير و برّ أهمها أنه أجري بمكة المكرمة ماء القناة التي كانت مندرسة من زمن الخلفاء و أنقذ الناس من الضيق و قلة الماء إلي سعته فقد نقل أن قربة الماء الملح بيعت بمكة زمان الحج بعشرين درهما طاهرية و كان الحصول عليها عسرا فصارت بعد إخراج القناة تباع بربع درهم مع السعة فيها و كان يفضل من الماء شي ء كثير يزرع به الخضر في مدينة مكة و ينتفع به الناس أيام الحج و غيرها …
إن الوزارة بعد قتلة دمشق خواجة عهدت إلي غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين و أشرك معه الخواجة علاء الدين محمد بن الصاحب عماد الدين إلا أنه بعد ستة أشهر أو ثمانية استقل غياث الدين وحده بالوزارة … و دام فيها إلي آخر أيام السلطان أبي سعيد …
ولي الوزارة سنة 727 ه و بين له السلطان أنه من حين فارق والده لم يجد من يصلح للإدارة و يقوم بأعباء الأمور كما هو المطلوب و هذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 556
الوزير الجديد أبدي من المقدرة و الحنكة في أيام هذا السلطان ما أوجب رضاه و قام بما قام به والده و زيادة أيام السلطان غازان و السلطان محمد خدابنده …
قد مر الكلام عن ترتيب سلطنة المغول و جلوس ملوكها و قد حدثنا هذه المرة ابن بطوطة عن ترتيب ملوكهم و عادتهم في حلهم و رحيلهم، بين منهم من شاهده بأم عينه و هو السلطان أبو سعيد ليقاس عليه سائرهم قال:
«و عادتهم أنهم يرحلون عند طلوع الفجر و ينزلون عند الضحي و ترتيبهم أنه يأتي كل أمير من الأمراء بعسكره و طبوله و أعلامه فيقف في موضع لا يتعداه قد عين له إما في الميمنة أو الميسرة فإذا توافوا جميعا و تكاملت صفوفهم ركب الملك و ضربت طبول الرحيل و بوقاته و أنفاره و أتي كل أمير منهم فسلم علي الملك و عاد إلي موقفه ثم يتقدم أمام الملك الحجاب و النقباء ثم يليهم أهل الطرب و هم نحو مائة رجل عليهم الثياب الحسنة و تحتهم مراكب السلطان و أمام أهل الطرب عشرة من الفرسان قد تقلدوا عشرة من الطبول و خمسة من
الفرسان لديهم خمس صرنايات و هي تسمي عندنا بالغيطات فيضربون تلك الأطبال و الصرنايات ثم أمسكوا و غني عشرة من أهل الطرب نوبتهم فإذا قضوها ضربت تلك الأطبال و الصرنايات ثم أمسكوا و غني عشرة آخرون نوبتهم إلي أن تتم عشر نوبات فعند ذلك يكون النزول و يكون عن يمين السلطان و شماله حين سيره كبار الأمراء و هم نحو خمسين و من ورائه أصحاب الأعلام و الأطبال و الأنفار و البوقات ثم مماليك السلطان ثم الأمراء علي مراتبهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 557
و كل أمير له أعلام و طبول و بوقات و يتولي ترتيب ذلك كله أمير جندار و له جماعة كبيرة و عقوبة من تخلف عن فوجه و جماعته أن يؤخذ تماقه فيملأ رملا و يعلق في عنقه و يمشي علي قدميه حتي يبلغ المنزل فيؤتي به إلي الأمير فيبطح علي الأرض و يضرب خمسا و عشرين مقرعة علي ظهره سواء كان رفيعا أو وضيعا لا يحاشون من ذلك أحدا و إذا نزلوا ينزل السلطان و مماليكه في محلة علي حدة و تنزل كل خاتون من خواتينه في محلة علي حدة و لكل واحدة منهن الإمام و المؤذنون و القراء و السوق و ينزل الوزراء و الكتاب و أهل الاشغال علي حدة و ينزل كل أمير علي حدة و يأتون جميعا إلي الخدمة بعد العصر و يكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة و المشاعل بين أيديهم فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ثم يضرب طبل الخاتون الكبري التي هي الملكة ثم أطبال سائر الخواتين ثم طبل الوزير ثم أطبال الأمراء دفعة واحدة ثم يركب أمير المقدمة في عسكره ثم يتبعه الخواتين ثم
أثقال السلطان و زاملته و أثقال الخواتين ثم أمير ثان في عسكر له يمنع الناس من الدخول فيما بين الأثقال و الخواتين ثم سائر الناس.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 558
(ابن خروف) هو شمس الدين أبو عبد اللّه بن علي بن القاسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي المقري الفقيه الحنبلي المحدث النحوي و يعرف بابن خروف ولد في حدود الأربعين و ستمائة بالموصل و قرأ بها القراءات علي عبد اللّه بن إبراهيم الجزري الزاهد و قصد الإمام أبا عبد اللّه شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت ثم رحل ابن خروف إلي بغداد بعد الستين و قرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السبع و العشر علي الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش و لازمه مدة طويلة و قرأ القراءات أيضا علي أبي الحسن ابن الوجوهي و سمع الحديث منهما و من أبي وضاح و ذكر الذهبي أنه عني بالحديث و قرأ في التفسير علي الكواشي المفسر بالموصل و قرأ بها أيضا علي الغزنوي معالم التنزيل للبغوي و تصدي للإقراء و الاشتغال ببلده مدة و قرأ عليه جماعة و قدم الشام سنة سبع عشرة فسمع منه الذهبي و البرزالي و ذكره في معجمه و أثني عليه و سمع منه أيضا أبو حيادة و عبد الكريم الحلبي و ذكره في معجمه و رجع إلي بلده الموصل فتوفي به في ثامن جمادي الأولي و دفن بمقبرة المعافي بن عمران رضي اللّه عنه، و في الدرر الكامنة تفصيل ترجمته.
الجزري الجندي شهاب الدين نائب البيسري كان من اجناد الحلقة سمع من تاج الدين محمد بن محمد بن سعد اللّه ابن الوزان و حدث بمشيخته أخذ عنه الذهبي و البرزالي و ابن رافع. مات بالمزة في المحرم سنة 727 ه أو في جمادي الأولي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 559
هو الحسن بن علي بن مسعود بن حسين التكريتي المنعوت بالنظام قال ابن رافع في ذيل تاريخ بغداد كان اسمه حسينا ثم اشتهر بحسن و كان أهله ببخارا فلما كثرت المصادرات بالموصل تحول بحلب و كان يقيم بمقصورة الحلبيين مدة و حفظ التنبيه و مات في رمضان سنة 727 ه.
هو صالح بن عبد اللّه بن جعفر بن علي بن صالح الأسدي الحنفي الكوفي. كان فريدا في علوم التفسير و الفقه و الفرائض و الأدب نادرة العراق في ذلك مع الزهد و الفضل و الورع. و طلب لرياسة الحنفية بالمستنصرية فامتنع، مات في 27 صفر سنة 727 ه و له 88 سنة. قال صاحب الدرر الكامنة: حدثنا صاحبنا القاضي تاج الدين النعماني قاضي بغداد بعد العشرين و ثمانمائة بدمشق عن عمه حسام الدين عن محيي الدين أبي الفضل صالح ابن الشيخ تقي الدين عبد اللّه ابن الصباغ الكوفي الراشدي و هذا هو الحق في اسمه و صفته …
و بعد أن صحح صاحب الدرر هذا التصحيح عاد فذكره باسم عبد اللّه بن جعفر بن صالح الأسدي محيي الدين و ذكر وفاته في تلك السنة و نقد نقله هذا و قال و قد تقدم فما أدري ما هذا …
و فيها أنه أخذ عنه المطري و ابن الفصيح فخر الدين و أجاز لتقي الدين بن رافع، كما أنه أجاز له الصاغاني و الموفق الكواشي …
ملحوظة: سيأتي الكلام علي النعماني و علي الجامع المنسوب إليه في موطنه من (تاريخ الجلايرية).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 560
في هذه السنة كان أمير الموصل السيد علاء الدين علي بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر، كان كريما، فاضلا، و له صدقات و مكارم و انعامات، و له حرمة عند السلطان أبي سعيد فوض إليه الموصل و الأنحاء المجاورة لها … و قد أثني عليه ابن بطوطة في رحلته … أما أمير بغداد في هذه الأيام فكان يدعي الخواجة معروف …
و هنا يلاحظ أن النصوص التاريخية جاءتنا مبتورة، و مفرقة و قد
ذكرنا مرارا أنها أساسا و أصلا لا تخص العراق و ما جاء إنما ورد عرضا فلم نجد بيانا شافيا عن حوادث بغداد و ما والاها بصورة تفصيلية …
في هذه السنة وصلت مصر رسل السلطان أبي سعيد مبشرة بهروب الأمير چوبان و نصرة السلطان أبي سعيد عليه و استقراره في الملك و أنه مقيم علي الصلح و المحبة و قصدوا من صاحب مصر استمرار الصلح فأكرم السلطان رسل أبي سعيد و أنعم عليهم بما يليق و ذلك في 28 المحرم سنة 728 ه و كان الرسل ثلاثة نفر كبيرهم شيخ كأنه كردي الأصل يسمي أرش بغا، و الثاني اباجي، و الثالث برجا قرابة الأمير بدر الدين جنكي. و كان يوما مشهودا و أنعم السلطان علي كل من في صحبتهم من أتباعهم و كانوا نحو مائة و سافر الرسل المذكورون يوم الأربعاء مستهل صفر و عادوا إلي أبي سعيد …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 561
كان تمرتاش صاحب بلاد الروم في حياة أبيه و استولي علي جميع بلادها من قونية إلي قيسارية و غيرهما من البلاد المذكورة فلما انقهر أبوه و هرب ضاقت بتمرتاش الأرض ففارق بلاده و سار إلي الشام ثم منها إلي مصر قاصدا السلطان و كانت نفس المذكور كبيرة جدا بسبب كبر أصله في المغل (المغول) و كبر منصبه و لم يكن له عقل يرشده … وصل المذكور إلي السلطان بالديار المصرية في العشر الأول من ربيع الأول فأنعم عليه السلطان الانعامات الجليلة و عرض عليه أمرة كبيرة و إقطاعا جليلا فأبي أن يقبل ذلك و أن يسلك ما ينبغي و اتفق أن الصلح قد انتظم بين السلطان و بين أبي سعيد. و كان أبو سعيد يكاتب و يطلب تمرتاش المذكور و انضم إلي ذلك ما بلغ السلطان عنه أنه أخذ أموال أهل بلاد الروم و ظلمهم الظلم الفاحش
فأمسكه السلطان و اعتقله في أواخر شعبان من هذه السنة. ثم حضر اباجي رسول ابي سعيد فبالغ في طلب تمرتاش المذكور فاقتضت المصلحة إعدامه فأعدم تمرتاش المذكور في 4 شوال من هذه السنة بحضرة اباجي رسول أبي سعيد. و في ابن بطوطة ما يوضح الأسباب أكثر … و قد مر الكلام علي ذلك …
و قد ذكر صاحب الدرر الكامنة عنه أنه كان شجاعا فاتكا إلا أنه خف عقله فزعم أنه المهدي فرده والده عن هذا المعتقد ثم ولاه أبو سعيد الحكم في بلاد الروم و كان جوادا مفرطا ثم وقع له بعد قتل أخيه دمشق خواجة خوف من أبي سعيد ففر إلي الناصر محمد فتلقاه بالإكرام و صيره أميرا، و كانت المهادنة بين الناصر و أبي سعيد فكتب أبو سعيد يطلب منه إرسال تمرتاش فامتنع من إرساله ثم أمر بقتله و إرسال رأسه و تأسف الناس عليه و أرسل الناصر يقول قد أرسلت لك رأس غريمك
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 562
فأرسل إليّ رأس غريمي يعني قراسنقر فلم يصل الكتاب إلا بعد موت قراسنقر فكتب أبو سعيد إلي الناصر أنه مات حتف أنفه و لو كنت أنا قتلته لأرسلت لك برأسه. و كان قتل تمرتاش في شهر رمضان سنة 728 ه.
و هو الشيخ جمال الدين عبد اللّه بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية قال ابن قاضي شهبة في طبقاته مولده في رجب سنة 638 و سمع الحديث من جماعة و اشتغل و برع و قال ابن كثير درس بالمستنصرية مدة طويلة نحو 40 سنة و باشر نظر الأوقاف و عين لقضاء القضاة في وقت و أفتي من سنة سبع
و خمسين و إلي أن مات و ذلك إحدي و سبعون سنة و هذا شي ء غريب جدا و كان قوي النفس له و جاهة في الدولة كم كشفت به كربة عن الناس بسعيه و قصده و قال السبكي: ولي قضاء القضاة بالعراق، و قال الكتبي انتهت إليه رئاسة الشافعية ببغداد و لم يكن يومئذ من يماثله و لا يضاهيه في علومه و علو مرتبته و عين لقضاء القضاة فلم يقبل توفي في شوال ببغداد و له تسعون سنة و ثلاثة أشهر و دفن بداره و كان وقفها علي شيخ و عشرة صبيان يقرأون القرآن و وقف عليها أملاكه كلها.
و داره الآن جامع و لا يزال معروفا بهذا الاسم إلي اليوم (جامع العاقولية).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 563
هو عفيف الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي مرت ترجمته منقولة عن عقد الجمان عند ذكر و فيات سنة 718 ه إلا أن المؤرخين الآخرين عينوا تاريخ وفاته في هذه السنة و يعرف بابن الدواليبي و ترجمته مبسوطة في الدرر الكامنة و في تذكرة الحفاظ و قد نعتوه بمسند العراق شيخ المستنصرية، ولد في ربيع الأول سنة 638 ه سمع من عجيبة و ابن أبي الخير و ابن قميرة و طائفة …
إن ترجمته ذكرت مكررة في هذا الكتاب و الصحيح أنه من وفيات هذه السنة قال في منتخب المختار:
«و محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن بن عبد الغفار البغدادي، أبو عبد اللّه بن أبي محمد الحنبلي الواعظ، عفيف الدين المعروف بابن الدواليبي و بابن الخراط. أجاز له جماعة.. كان شيخا صالحا، معمرا، مسندا … و له شعر حسن. ذهبت اثباته و اجازاته في واقعة بغداد …
تولي مشيخة دار الحديث المستنصرية. ولد سنة 638 ه ببغداد و توفي سنة 728 ه.» ا ه. باختصار.
«كان حسن المحاضرة، طيب الاخلاق، أخذ عنه جمع منهم ابن الفوطي، و البرزالي، و عمر القزويني و آخرون … و انتهي إليه علو الاسناد ببغداد. و له نظم و كان ينظم (كان و كان) و غير ذلك … » ا ه.
مر الكلام علي وفاته و عمر جوامع و مساجد و كان ذا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 564
فهم و دهاء و هرب إلي التتر فأقام عندهم محترما و أقطعوه مراغة و جاوز التسعين …
و يعرف بالتعجيزي لحفظه كتاب التعجيز و كان ينظم الشعر بغير إعراب و لا تصور معني. و ذكر له صاحب الدرر الكامنة بعض النماذج. توفي في شعبان سنة 728 ه.
في هذه السنة توجه إلي الرطبة رسول أبي سعيد و هو رسول كبير يسمي تمر بغا و حضر إلي السلطان و كان حضوره بسبب أن أبا سعيد سأل الاتصال بالسلطان و أن يشرفه السلطان بأن يزوجه ببعض بناته و وصل مع الرسول المذكور ذهب كبير لعمل مأكول و غيره يوم العقد فأجابه السلطان بجواب حسن و أن اللاتي عنده صغار و متي كبرن يحصل المقصود و عاد تمر بغا الرسول بذلك.
في يوم الاثنين 17 جمادي الأولي سنة 729 ه استقر الشيخ حسن ابن عمة أبي سعيد أخت غازان و خربندا في منصب نائب الملك عوضا عن الأمير چوبان و هو منصب أمير الأمراء. و الشيخ حسن هذا هو زوج بغداد خاتون ابنة چوبان الذي رسم له بطلاقها …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 565
و هو الإمام تقي الدين أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن أبي البركات بن أحمد الزريراني ثم البغدادي الحنبلي فقيه العراق و مفتي الآفاق ولد في جمادي الآخرة سنة 668 ه و سمع الحديث من إسماعيل ابن الطبال و خلائق و تفقه ببغداد علي جماعة منهم الشيخ مفيد الدين الحربي و غيره ثم ارتحل إلي دمشق فقرأ بها المذهب علي الشيخ زين الدين بن المنجا و الشيخ مجد الدين الحراني ثم عاد إلي بلده و برع في الفقه و أصوله و معرفة المذهب و الخلاف و الفرائض و متعلقاتها و كان عارفا بأصول الدين و بالحديث و بأسماء الرجال و التواريخ و باللغة و العربية و غير ذلك و انتهت إليه معرفة الفقه بالعراق. قال ابن رجب: انتهت إليه رياسة العلم ببغداد من غير مدافع و أقر له الموافق و المخالف و كان الفقهاء من سائر الطوائف يجتمعون به و يستفيدون منه في مذاهبهم و يتأدبون معه و يرجعون إلي قوله و يردهم عن فتاويهم و يذعنون له و يرجعون إلي ما يقوله حتي ابن مطهر شيخ الشيعة كان الشيخ يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له و يوم وفاته قال الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية: لم يبق
ببغداد من يراجع في علوم الدين مثله، و قرأ عليه جماعة من الفقهاء و تخرج به ائمة و أجاز الجماعة و ولي القضاء. توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشري جمادي الأولي و دفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلي.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 566
سمع من يوسف ابن المجاور وحدث و كان رجلا عاقلا حج مرات.
مات بعد سنة 730 ه.
الإمام نجم الدين ابن الشحام الشافعي ولد سنة 653 و تفقه ببلاده ثم قدم دمشق سنة 724 و ولي مشيخة خانقاه القصرين و درس بالجاروخية و الظاهرية البرانية و كان يعرف الفقه علي مذهب الشافعي و الطب. مات في ربيع الآخر سنة 730 ه.
عرف بالعلم و الفهم ثم ضعف بقلة الدين و الرفض و ترك الصلاة … و كان فقيها فائقا في الأصلين و المنطق و الحكمة و له شرح ابن الحاجب و البيضاوي و الطوالع و المطالع و الغاية القصوي قدم الديار المصرية سنة 727 فأقام بها قليلا ثم رجع فكان يصيف بهمذان و يشتي ببغداد مات سنة 730 ه و نيف.
هو جمال الدين المعافي بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن أبي السنان الموصلي. و كان فاضلا، عارفا بمذهب الشافعي و هو من طبقة الرافعي، و أجاز للتقي … و له من المصنفات:
1- الكامل في الفقه. جمع فيه بين الطريقين، و مشي فيه علي ترتيب التتمة.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 567
2- كتاب انس المنقطعين.
3- «البيان في التفسير».
مات بالموصل سنة 730 ه و قد قارب الثمانين. و جاء في كشف الظنون في مادة الكامل في الفروع ما يخالف هذا.
في هذه السنة توفي فخر الدين أبو سليمان داود البناكتي. و بناكت مدينة من بلاد ما وراء النهر تقع في الجانب الايمن من نهر سيحون بجوار جدول ايلاق المسمي اليوم انكرن (اهنكران). و هذه البلدة خربها جنگيز و أعاد بناءها تيمور باسم (شاهرخية)، و اشتهر بالانتساب إليها هذا المؤرخ و كان شاعرا مفلقا أيام السلطان غازان و لقبه ب (ملك الشعراء).
و في أيام الجايتو لم ينل مكانة و لكنه استعاد منزلته في أيام أبي سعيد و قدم له تاريخه (روضة اولي الألباب) المذكور في حوادث سنة 717 ه في المستدركات. و تاريخه لا يزال موجودا. و كان عالما، فاضلا، أورد له دولتشاه السمرقندي مقطوعة من شعره و أثني عليه. و ترجمه مؤرخون كثيرون …
علي بن إسحاق بن لؤلؤ الموصلي: هو علاء الدين ابن المجاهد بدر الدين صاحب الموصل ولد سنة 657 بالجزيرة و قدم القاهرة فسمع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 568
بها و قرر في الاجناد في القاهرة. مات في ربيع الآخر سنة 731 ه.
سراج الدين أبو عبد اللّه الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السري الدجيلي ثم البغدادي الفقيه الحنبلي المقري ء الفرضي النحوي الأديب ولد سنة 664 ه و سمع الحديث ببغداد من إسماعيل بن الطبال و مفيد الدين الحربي الضرير و ابن الدواليبي و غيرهم و بدمشق من المزي و الحافظ و غيره و له اجازة من الكمال البزاز و جماعة من القدماء و عني بالعربية و اللغة و علوم الأدب و تفقه علي الزريراني و كان في مبدأ أمره يسلك طريق الزهد و التقشف البليغ و العبادة الكثيرة ثم فتحت عليه الدنيا و كان له مع ذلك أوراد و نوافل و صنف كتاب الوجيز في الفقه و عرضه علي شيخه الزريراني و صنف كتاب نزهة الناظر و كتاب تنبيه الغافلين و غير ذلك. توفي ليلة السبت سادس ربيع الأول و دفن بالشهيد قرية من أعمال دجيل.
السلطان الملك المؤيد إسماعيل ابن الملك الأفضل علي صاحب حماة مؤلف التاريخ المعروف بتاريخ أبي الفداء و له تصانيف أخري مثل نظم الحاوي و تقويم البلدان … و قد مر وصف تاريخه و هو عمدة في أخباره إلا أن الأعلام لم تضبط و قد لعبت بها أيدي النساخ اعتمد علي تاريخ المنشي ء النسوي المعروف بالمنكبرتي في تاريخ المغول و علاقاتهم بخوارزم شاه و قد طبع هذا المأخذ فكان خير مكمل لتاريخ أبي الفداء … و ترجمته في كتاب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 569
أبي الفداء ص 108 و في ابن الوردي و غيرهما …
و له مصنفات في الفقه و كان حسن الأخلاق ولد سنة 644 ه بباب الازج و بلغ 88 سنة. قال في الدرر و تعاني التصوف … و صنف عمدة السالك و الناسك و غير ذلك مات في شوال سنة 732 ه و هو والد الفقيه شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن الذي درس بعده و في منتخب المختار ايضاح اكثر. قال: «عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي أبو محمد و أحمد الملقب شهاب الدين مدرس المستنصرية.
سمع من عماد الدين بن ذي الفقار محمد بن أشرف العلوي … سمع منه شيخنا أبو العباس أحمد بن محمد الكازروني. و كان صاحب أخلاق حسنة و تواضع علي طريق الصوفية يوافقهم في السماع، محبوبا إلي الطوائف من لطفه، و ترك الناموس في المركوب و الملبوس و سافر كثيرا و دخل اليمن. و له مصنفات في المذهب و غيره، منها جامع الخيرات و الأذكار و الدعوات، و المعتمد في الفقه، و شرحه، و عمدة الناسك و إرشاد السالك، و العدل في شرح العمدة،
و الإشارة، و النور المقتبس..
مولده في المحرم سنة 644 ه بمحلة البصلية بباب الازج. و توفي يوم الخميس 11 من شوال سنة 732 ه.» ا ه.
هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم ابن خليل بن أبي العباس الجعبري الخليلي. و كان يقال له شيخ الخليل، و لقبه ببغداد تقي الدين و بغيرها برهان الدين و يقال له أيضا ابن السراج و اشتهر بالجعبري و استمر علي ذلك. سمع في صباه سنة نيف و أربعين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 570
من كمال الدين محمد بن سالم المنبجي ابن البواري قاضي جعبر …
و رحل إلي بغداد بعد الستين فسمع بها من الكمال ابن وضاح و العماد بن أشرف العلوي و عبد الرحمن ابن الزجاج و غيرهم. تلا بالسبع علي الوجوهي علي بن عثمان بن عبد القادر صاحب الفخر الموصلي و سكن دمشق مدة ثم ولي مشيخة الخليل إلي أن مات بها و صنف نزهة البررة في القراءات العشرة و شرح الشاطبية و شرح الرائية و التعجيز من نظمه في النثر و له عروض و مناسك إلي غير ذلك من التصانيف المختصرة التي تقارب المائة. مات في رمضان سنة 732 و قد جاوز الثمانين.
هو النوين الحاكم علي ديار بكر ولد في حدود سنة 640 أو قبلها و حضر واقعة بغداد و كان أمير آخور عند ابغا ملك التتار معظما عند جميع ملوكهم ثم تولي أمرة ديار بكر بعد وفاة النوين ابك (ايبك) و استمر بها إلي أن مات قرب الموصل سنة 732 و يقال إنه بلغ المائة و رأي أربعة بطون من أولاده و أولادهم حتي انافوا علي الأربعين و كان قد أضر قبل موته بسنوات. قال ابن حبيب في ترجمته: كان محببا إلي الرعية له حزم و سياسة و عمر طويلا.
و خلفه ابنه طغاي فحاربه علي باشا خال أبي سعيد فلم
يزل يقاومه حتي قتل علي ثم قتله إبراهيم شاه أخو علي سنة 743 و كان ردءا للمسلمين في مدافعة التتر.
هو الإمام القدوة الولي الشيخ علي بن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 571
الحسن الواسطي الشافعي كان من أعبد البشر و مات ببدر محرما قاله في العبر. و ترجمه في الدرر الكامنة قال: و كان متعبدا متجمعا، له كرامات و أحوال و كان كبير الشأن منقطع القرين منجمعا عن الناس و له كشف و حال و له محبون يتغالون في تعظيمه و كان علي طريقة السلف في العقيدة …
هو تقي الدين أبو الثناء بن علي ابن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدقوقي ثم البغدادي الحنبلي المحدث الحافظ ولد سنة 663 ه و سمع الكثير بإفادة والده من عبد الصمد بن أبي الجيش و علي بن وضاح و ابن الساعي و عبد اللّه بن بلدجي و عبد الجبار بن عكبر و غيرهم و أجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق و الشام ثم طلب بنفسه و قرأ ما لا يوصف كثرة و كان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف و انتهي إليه علم الحديث و الوعظ ببغداد و لم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه و لا معرفة بلغاته و ضبطه ولي مشيخة المستنصرية و له اليد الطولي في النظم و النثر و إنشاء الخطب و كان لطيفا حلو النادرة مليح الفكاهة ذا حرمة و جلالة و هيبة و منزلة عند الأكابر و جمع عدة أربعينات في معان مختلفة و له كتاب مطالع الأنوار في الأخبار و الآثار الخالية عن السند و التكرار، و كتاب الكواكب الدرية في المناقب العلوية و تخرج به جماعة في علم الحديث و انتفعوا به و سمع منه خلق و حدث عنه طائفة و توفي يوم
الاثنين بعد العصر في العشرين من المحرم ببغداد رحمه اللّه تعالي و ما خلف درهما.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 572
الموصلي: ثم الدمشقي (ابن المرحل) ولد سنة 66 و سمع من ابن عبد الدائم و ابن أبي اليسر وحدث. سمع منه العز ابن جماعة و البدر النابلسي. مات في 14 شوال سنة 733 ه.
و مما جري ببغداد في هذه السنة أن الزمت النصاري و اليهود بالغيار، ثم نقضت كنائسهم و دياراتهم، و أسلم منهم و من أعيانهم خلق كثير … منهم سديد الدولة و كان ركنا لليهود، عمر في زمن يهوديته مدفنا له خسر عليه مالا طائلا فخرب مع الكنائس و جعل بعض الكنائس معبدا للمسلمين و شرع في عمارة جامع بدرب دينار و كان بيعة كبيرة جدا …
و أطلق ببغداد مكس الغزل، و ضمان الخمر، و الفاحشة و أعطيت المواريث لذوي الأرحام دون بيت المال، و خفف كثير من المكوس …
في هذه السنة توفي الشيخ سيف الدين يحيي بن أحمد بن أبي نصر محمد بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجليي بحماه. و كان شهما سخيا. رحمه اللّه (أبو الفداء).
و يعرف بابن الصائغ. سمع من العز الحراني وحدث و كان مقيما في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 573
القرافة. مات في ذي الحجة سنة 734.
هو عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح التكريتي التاجر الاسكندراني الربعي. ولد سنة 659 (660) و تفقه للشافعي و مهر و رحل إلي الشام فسمع بها و كان من الرؤساء الكبار و بني مدرسة بالثغر قال صاحب الدرر هو جد شيخنا أبي الطاهر محمد بن محمد بن عبد اللطيف و أنجب هو أبا جعفر و أبا اليمن مات سنة 734 ه.
هو نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي المعمر الحنبلي سمع الكثير من عبد الصمد بن أبي الجيش و ابن وضاح و هذه الطبقة وحدث و سمع منه خلق و تفقه و أعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة و أضر في آخر عمره و انقطع في بيته و كان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو و أصحابه من قطع الطريق لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلي أخري حائل فصعد فنظر حية عمياء و العصفور يأتيها برزقها فتاب هو و أصحابه ذكره ابن الجوزي في صفوة الصفوة: توفي صاحب الترجمة في جمادي الأولي ببغداد عن خمس و تسعين سنة.
هو حسام الدين مهنا. و قد مر الكلام عرضا عن تاريخ وفاته: و قد قال عنه صاحب الدرر الكامنة بما نصه:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 574
«مهنا بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية بن فضل بن ربيعة التدمري أمير آل فضل من بني طيي ء. ولد بعد سنة 650 و كانت أولية هذا البيت من أيام اتابك زنكي. و كان مري بن ربيعة أخو فضل أمير عرب الشام أيام طغتكين و كان مهنا يلقب حسام الدين و كان ابن عمه أبو بكر بن علي بن حديثة أميرا علي العرب فاتفق أن الظاهر بيبرس قبل السلطنة رمته الليالي في بيوتهم فطلب من ابن علي فرسا فلم يعطه فرآه عيسي بن مهنا فتوسم فيه فضمه إليه و أعطاه فرسا و بالغ في إكرامه.
فلما تسلطن انتزع الامرة من أبي بكر و أعطاها لعيسي ثم تأمر ولده مهنا هذا في أيام المنصور قلاوون و كان معظما
خليقا بالأمرة … (ثم ذكر علاقته مع آل مري و كان رئيسهم أحمد بن حجي أمير آل مري و أوضاعه مع حكومة سورية و مصر … و صار لم يطمئن هو و قومه فقال):
و تجهزوا إلي خربندا و كتب مهنا (هذا) إلي خربندا فقابلهم بالإكرام، و خلع علي سليمان بن مهنا و جهز لمهنا معهم أموالا جمة و خلعا و اعطاه البلاد الفراتية و بلغ الناصر فغضب و أعطي الامرة لأخيه فضل فتوجه مهنا إلي خربندا فأكرمه و قرر معه أمر الركب العراقي فأعطاه مهنا عصاه خفارة لهم وجهد الناصر أن يحضر إليه مهنا فصار يسوق به من وقت إلي وقت آخر و في طول المدة يرسل إخوته و أولاده و الناصر ينعم عليهم بالأموال و الاقطاعات … إلي أن كان في سنة 733 فتوجه مهنا من قبل نفسه إلي الناصر فأكرمه إكراما زائدا ورده علي أمرته إلي أن مات في ذي القعدة سنة 735 ه. قال الذهبي:
كان مهنا و قورا متواضعا لا يحفل بملبس، دينا، حليما ذا مروءة و سؤدد. و له من الأولاد موسي تأمر بعده و سليمان و أحمد و فياض و جبار و قارا و سعنة (كذا) و غيرهم.» ا ه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 575
هو شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن محمود بن قاسم ابن البرزالي البغدادي الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النحوي قرأ الفقه علي الشيخ تقي الدين الزريراني و كان إماما متقنا بارعا في الفقه و الأصلين و العربية و الأدب و التفسير و غير ذلك و له نظم حسن و خط مليح درس بالمستنصرية بعد شيخه الزريراني و كان من فضلاء أهل
بغداد و كذلك كان والده أبو الفضل إماما مفتيا صالحا توفي أبو عبد اللّه ببغداد في هذه السنة.
بن همام بن صالح البغدادي ثم الصالحي أبو الحارث المؤدب سمع من الفخر مشيخته تخريج ابن الظاهري وحدث. سمع منه الذهبي مات في 19 ربيع الآخر سنة 735 ه.
وفاة السلطان: في هذه السنة بتاريخ 13 ربيع الآخر توفي السلطان أبو سعيد فخلفه السلطان ارباخان … مات بلا عقب …
وصفه مؤرخون كثيرون و أطنبوا و قد مر من أعمال في العراق و غيره ما يبين عن حكمة و قدرة … و قال عنه في تاريخ أبي الفداء:
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 576
«مات القاآن أبو سعيد بن خربنده … صاحب الشرق و دفن بالمدينة السلطانية و له بضع و ثلاثون سنة و كانت دولته عشرين سنة و كان فيه دين و عقل و عدل و كتب خطا منسوبا و أجاد ضرب العود … » ا ه.
و مثله في تاريخ ابن الوردي. و جاء في الشذرات أن فيه رأفة و ديانة و قلة شر، و أنه هادن سلطان الإسلام (ملك مصر). و ألقي مقاليد الأمور إلي وزيره ابن الرشيد، و قدم بغداد مرات، و أحبه الرعية. توفي بالازد (صحيحها بالأردو كما يأتي) و نقل إلي السلطانية فدفن بتربته و له بضع و ثلاثون سنة …
«أبو سعيد بن خربندا بن ارغون بن ابغا بن هلاوون (هذا يوافق كتابة اسمه في التواريخ الصينية و المغلية كما قال كرنكو عند تعليقه علي هذا اللفظ في الدرر) المغلي صاحب العراق و الجزيرة و خراسان و الروم.
قال الصفدي: الناس يقولون أبو سعيد بلفظ الكنية لكن الذي ظهر لي أنه علم ليس في أوله ألف فإني رأيته كذلك في المكاتبات التي ترد منه إلي الناصر هكذا (بو سعيد). و كان أبو سعيد مسلما حسن الإسلام جيد الخط جوادا عارفا بالموسيقي مبغضا في الخمر اراق منها خزانة كبيرة و كان يرغب في الدخول في الإسلام و هو آخر بيت هلاوون انقضوا بهلاكه. و أقام في الملك عشرين سنة. و كان قبل موته بسنة قد أرسل الركب العراقي إلي مكة فسلم
الركب فلما كان في السنة المقبلة جهزهم أيضا فنهبهم العرب فسأل عن السبب في ذلك فقيل له إن هؤلاء أقوام يقيمون في البراري ليس لهم رزق إلا ما يتخطفونه فقال نحن نجعل لهم من بيت المال مقدارا يكفيهم و يكفون عن الحاج و رتب ذلك و أمر به
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 577
فمات في تلك السنة و كانت وفاته بالأردو في ربيع الآخر سنة 737 و تأسف الناصر عليه لما بلغه موته» ا ه و ذكره لتاريخ الوفاة غير صحيح فإن المؤلف نفسه ذكر وفاة بغداد خاتون بعد السلطان سنة 736 كما سيجي ء النقل عنه قريبا. و زاد في حرف السين:
«كان يكتب خطا منسوبا، و يجيد ضرب العود و أبطل مكوسا كثيرة و قد اختتن و هدم الكنائس ببغداد. و أكرم من يسلم من أهل الذمة و هادي الناصر و هادنه و عمرت البلاد و قتل الذي أقيم بعده، بعد شهور و قتل وزيره محمد بن الرشيد و كان الذي يحمله علي عمل الخير. و كان موته بأذربيجان في شهر ربيع الآخر سنة 736 ه و نقل إلي تربته بالسلطانية و دفن بها.» ا ه.
و في عقد الجمان ما نصه: فيها- سنة 736- السلطان أبو سعيد ملك البلاد الشرقية مات في الباب الجديد و كان متوجها لملتقي ازبك خان لأنه وقع بينهما بسبب الشيخ حسن بن چوبان لأنه كان قد هرب و لحق بأزبك خان و ذلك حين وقع بين چوبان و بين أبي سعيد كما ذكرنا ثم نقل أبو سعيد إلي تربته التي انشأ بالقرب من المدينة السلطانية، و حين توفي كان عمره 30 سنة، و كان شابا، حسن الصورة عديم النظير
مقربا لذوي العلم و الدين، و كان يكتب خطا منسوبا، و يعرف علم الموسيقي جيدا، أحكم أمر دولته و أبطل كثيرا من المكوس، و عدم عدة من الكنائس و كان يلعب بالعود غاية ما يكون، و تولي عوضه بالبلاد الشرقية أرباكاوون و هو دهون ذرية جنگيزخان فلم تطل أيامه … » ا ه.
و تلخص حياته في السلطنة أنه كان في بادي ء الأمر مغلوبا علي يده بسبب تسلط الأمير چوبان عليه و علي الأمراء الخارجين عليه و قضائه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 578
علي المناوئين و قسم المملكة بين أولاده و جعل الأمير چوبان وزيره الملازم له ابنه الخواجة دمشق … فكان لهذا وقع كبير في نفسه إذ شعر بالوطأة الشديدة فلم يطق الصبر عليها، و لا بالي بالمخاطر … و مهما كان السبب الظاهري فالغرض القضاء علي سيطرة چوبان و أولاده فكان ما كان مما مر بيانه و استورز الخواجة محمد غياث الدين ابن الوزير الخواجة رشيد الدين فكان لإدارته خير وقع في النفوس فانتظم أمر المملكة و اتسعت الأحوال و لم يبق لأحد ما تدخل في الحكم من الرعايا و العسكر و البلاد سوي حكم السلطان و الوزير … فأمن الرعايا أيام وزارته أمنا لم يروا مثله ابدا، و لا شاهدوا نظيره من كثرة الخيرات، و رخص الاسعار، و انتظام أمور المملكة في جميع أيام المغول …
و الأوضاع الخارجية مع المصريين خاصة علي أحسن ما يرام و قد أوسعنا القول عنها فيما مضي …
و كان السلطان من نوادر الشعراء. توفي بمرض الصرع، و علي ما قص آخرون أنه سمته زوجته بغداد خاتون بمنديل مسموم تمسح به بعد الجماع لأنه تزوج عليها دلشاد خاتون
… و قد ذكره ابن خلدون و ابن الوردي و صاحب تاريخ كريده و صاحب كلشن خلفاء و غير هؤلاء من معاصرين و غير معاصرين … و أخص بالذكر صاحب ذيل جامع التواريخ فإنه أتم به باقي سلاطين المغول و أوسع القول عن السلطان أبي سعيد و والده و اعتمد في الغالب علي أبي القاسم عبد اللّه القاشاني و كان كتبه بأسلوب سهل الأخذ، و فيه تفصيل إلا أن حظ العراق منه قليل …
و الغريب أني لم أجد له للأصل ترجمة تركية بخلاف التواريخ الأخري فقد رأيت غالبها مترجما.
و قد مر في حوادث 727 من التفصيلات عن قضية تزوج السلطان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 579
ببغداد خاتون و أنها سمته فقتلت و هنا نقول جاء في الدرر الكامنة أن بغداد خاتون بنت النوين چوبان زوج أبي سعيد كانت أولا زوج الشيخ حسن و كان أبو سعيد يعشقها و كان أبوها يفهم ذلك فلا يمكنها من دخول الأردو فلما هرب چوبان و قتل أخوها و هرب الآخر إلي مصر اغتصبها أبو سعيد من زوجها و صارت عنده في أعلي مكانة و يقال إنه لم يكن في تلك البلاد أحسن منها و صار لها في جميع الممالك الكلمة النافذة و كانت تركب في مركب حفل من الخواتين و تشد في وسطها السيف فلم تزل علي علو منزلتها إلي أن مات أبو سعيد فقتلت بعده و ذلك سنة 736 ه.
سيأتي الكلام عن الوزير في عهد ارپاخان الذي ولي السلطنة بعد السلطان أبي سعيد و في ذلك إيضاح لأيام وزارته جميعها …
سمع صحيح مسلم من الباذيني البغدادي و جامع الترمذي من العفيف بن الهيتي و أجاز له جماعات و تفرد و أكثروا عنه و توفي بالسميساطية في المحرم عن 92 سنة.
قاضي بغداد سمع شرح السنة من قاضي تبريز محيي الدين و كان ذا فنون و مروءة و ذكاء و كان يرتشي و عاش 68 سنة قاله في العبر. و في الدرر الكامنة تفصيل عنه.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 580
ساق في الدرر الكامنة نسبه معتقل بن فضل بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة أمير العرب من آل فضل ولي الامرة شريكا لابن عمه زامل و كان محبوبا إلي الناس حسن السيرة. مات بأرض يرقع من بلاد الشام سنة 736 ه و قد قارب السبعين.
و يلقب بعلاء الدين (علاء الدولة) و ركن الدين ولد في ذي الحجة سنة 59 و تفقه و طلب الحديث و سمع من الرشيد بن أبي القاسم و غيره و شارك في الفضائل و برع في العلم و اتصل بارغون بن ابغا … صحب ببغداد الشيخ عبد الرحمن و خرج عن ماله و حج مرارا و له مدارج المعارج … كان يحط علي ابن العربي و يكفره و كان مليح الشكل، حسن الخلق غزير الفتوة كثير البر … أخذ عنه صدر الدين بن حمويه و سراج الدين القزويني و إمام الدين علي بن مبارك البكري و ذكر أن مؤلفاته تزيد علي ثلثمائة و كان أولا قد داخل التتار ثم رجع و سكن تبريز و بغداد: مات في رجب ليلة الجمعة سنة 736 ه.
ولي السلطنة بعد وفاة السلطان أبي سعيد و هو ارپاخان ابن آريق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 581
بوقا من أولاد تولي خان و من حين جلوسه ثارت الفتن و توالت علي المملكة الإحن و القلاقل … و ذلك أنه لما تحقق ازبك خان موت السلطان أبي سعيد من غير وارث قام للمطالبة بالمملكة و قصد أن يحوزها فسار إليها بجيش لا يحصي …
و كذا والي بغداد علي باشا أمير الأويرات حينما سمع بموت السلطان أبي سعيد نهض للمطالبة و سار يدعو له … و كان بين هذا الوالي و بين الوزير غياث الدين محمد كره شديد و بغضاء فإنه بعد قتل چوبان كان يتوقع أن يكون حاكما في ايران فمشي بعد وقعة الچوبان إلي السلطان أبي سعيد فرأي الوزير ما يظهر من الأويرات من الاطماع و الآمال، و أنهم شديد و
المراس علي من يريد إصلاحهم … فسعي لإبعادهم عن حضرة السلطان و دفعهم عما كانوا عليه من المنزلة فصدر أمر السلطان أبي سعيد إلي علي باشا مع جماعة الأمراء أن يتوجهوا إلي خراسان ليصدوا غائلة عسكر كان قد خرج عليهم هناك … فذهبوا إلي السلطانية ثم ندموا علي خروجهم من (الاردو)، و رأوا ان الوزير أبعدهم فشق عليهم ذلك و بقوا في السلطانية و هموا بالرجوع.. فلم يجبهم إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 582
ذلك و أكد عليهم في السير إلي خراسان فعظم عليهم أن يرجعوا عن قصدهم و عزموا أن يدخلوا الأردو و يوقعوا بالوزير … فلما و صلوا إلي قرب الأردو باوجان انفذت والدة السلطان إلي علي باشا تخبره أنه إن رجع قتل لا محالة … فخاف جماعة الوزير و أكثر الخواجكية فهربوا بما عز عليهم من الأموال عن مخيم الوزير إلي الجهات الأخري …
أما علي باشا فإنه لما سمع كلام أخته رجع إلي مصيفه خائبا و تفرقت العساكر عنه و إثر هذه الحادثة بقي في نفسه الألم و الغيظ حتي توفي السلطان أبو سعيد ثم علم بنصب ارپاخان سلطانا و تيقن أن الجماعة الذين كانوا معه كانوا متفقين معه علي الوزير و وجدهم مائلين عن اولئك فأظهر حنقه لما فعله الوزير و خالفه في الرأي و كاتب الجماعة المذكورين و أبدي لهم ما كان منه من عدم الرضا …
ثم إن علي جعفر الذي كان أمير الجيش و هو ابن وفادار بن ايريختن لم يكن متوسما في الوزير خيرا و إنما اتفق مع بغداد خاتون (عمة دلشاد خاتون) فهرب علي جعفر مع دلشاد خاتون حين أمر السلطان ارپاخان بقتل بغداد خاتون التي
دعت إلي فتن كبيرة و إلي ارتباك الأحوال و اضطرابها … و التجأ إلي علي باشا و الي بغداد ففرح علي باشا بهما فرحا عظيما و أشاعوا أن دلشاد خاتون زوجة السلطان أبي سعيد و بنت دمشق خواجة حامل من السلطان أبي سعيد و أخذها علي باشا و نزل بها علي العراق و أظهر أن الحكومة للولد الذي هو حمل دلشاد خاتون من أبي سعيد سواء كان ذكرا أو أنثي …
و استولي علي العراق و حكم علي الخواجة عز الدين معروف و شيخ زاده ابن السهروردي الذي كان هو ختن الوزير (زوج اخته).
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 583
و كان الوزير ختنه (زوج أخته) و ضيق علي جميع أكابر بغداد و طلب منهم مالا كثيرا بحيث إن الرجل منهم إذا ظن فيه أنه يملك ألف دينار طلب منه ألف دينار. ثم بعد مصادرة هؤلاء الأكابر و الأعيان و أخذ أموال جميع البلاد انضم إلي هؤلاء لفيف من المفسدين و المعتدين و كل المتمردين و انقطعت بذلك الدروب و خيفت السبل و سدت الطرقات و صار كل واحد يتوقع المهالك و يترقب المصائب …
و في هذه الآونة صال السلطان ازبك علي المملكة بجيشه طامعا في السيطرة كما أن علي باشا قصد العاصمة لعين الغرض و بأمل الاستيلاء. فرأي الوزير أن دفع السلطان ازبك اولي بالاهتمام فلا جرم أن ارپاخان توجه بعساكره الجمة و تقدم نحو جيش ازبك فأنفذ هذا شيخ زاده بن پروانه إلي الوزير للمفاوضة معه في الأمر. و قال له:
إننا من نسل جنگيزخان و نحن من عصبة أبي سعيد و قد توفي و ليس له وارث غيرنا فميراثه يعود لنا فكيف تمنعوننا إرثه و
تسلمون مملكته إلي غيرنا و تجلسونه علي سرير الملك ظلما و أنتم تعلمون؟!
فقال الوزير:
أما قولكم عن ازبك فأظهر من الشمس. و أما صلاح نفسه و سلامة نيته فأبين ما يكون و اتصال نسبه بجنگيزخان معلوم لا شك فيه و لا شبهة و لكن جنگيزخان في حال حياته قسم مملكته علي أولاده فصارت تلك الممالك بأسرها إلي السلطان ازبك و أصوله فانحصرت فيهم و هي لا تزال بأيديكم لا ينازعكم فيها أحد إلا ظلما و عدوانا. و أما هذه المملكة فإنها لأولاد تولي خان وصلت الآن من السلطان بعهد منه و وصية فلا يجوز للسلطان ازبك أن ينازعهم فيها و علي كلّ الخصم حاضر مطاع في ملكه مقبول القول في عسكره، له شوكة و قوة فلا يمكنني أن أواجهه بذلك و إنما اتكلم بما جري فضولا …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 584
فلما سمع شيخ زاده البروانه هذا الكلام و رأي لهم الاستعداد و الأهبة رجع خائفا و عرض علي السلطان ازبك مقالة الوزير و حينئذ تحقق له ما حكاه شيخ زاده بن بروانه و لاحت له الآراء الصائبة فعلم أن لا مصلحة له في التعرض بهذه الممالك فقفل راجعا …
و كان أرسل السلطان ارپاخان حملة من عساكره عليهم فلم يجدوا لهم أثرا و رجع السلطان و الوزير و الأمراء و العساكر بنشوة حسن السمعة و السلامة … تحقق ذلك كله لعلي باشا و علمت دلشاد خاتون أن طائفة الأويرات صاحبة اطماع و شرور و أنها إذا ظفرت بالملك أخربت العالم فكرهت أن تجعل نفسها سببا لهلاك الناس فأبدت أنها لم تكن حاملا من السلطان أبي سعيد و تنحت عن الدخول في هذا الأمر و ركوب معمعته
…
فلما رأي علي باشا أن هذه الخاتون قد تنصلت منه و خافت العاقبة دعا إليه شخصا نساجا من المغول المقيمين شتاء حول دقوقا و أعلن أنه من نسل بايدوخان و سماه (موسي خان) و تابعه هو و من معه من الأمراء و أجلسه علي تخت السلطنة و حينئذ سمع الوزير بفعله فأنكره و أنفذ إليه رسائل يعظه بها و يحذره و يرغبه في الدخول في طاعة السلطان و وعده بمواعيد حسنة فما بالي و أصر علي النزاع ثم توجه نحو اردو السلطان ارپاخان و الوزير بعساكره وجهوا للقائه فتقاربوا في حدود حقو قريبا من بلدة مراغة.
فلما شاهد موسي خان تلك العساكر العظيمة و الرايات السلطانية خاف خوفا شديدا. أما علي باشا فقد كاتبه جماعة من الأمراء الذين مع السلطان مثل أميرزاده محمود و الأمير اكرنج و سلطان شاه و هؤلاء فكروا أن أرباخان رجل حاد و فيه صلابة و أن الوزير لا يدع لأحد منهم مجالا يرفع فيه رأسا و أنهم إذا عدلوا إلي علي باشا يكونون حكاما و الأمر لهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 585
و لا يمكن أن يخالفهم أحد فتباعد علي باشا و موسي خان من محاذاة عسكر ارپاخان فظنوا أنهم قد هربوا … و لما تحقق الوزير و من معه قصدهم ارادوا أن يتداركوا الأمر فعسر عليهم و رأوا أن أكثر عساكرهم قد التحق بعسكر علي باشا و موسي خان فانكسر باقي العسكر و قبض القوم علي ارپاخان و علي الوزير فقتلا و صفا الملك للسلطان موسي خان و آلت الوزارة لعلي باشا و كان مدة حكم ارپاخان ستة أشهر.
«و فيها- سنة 736- توفي القاآن ارپاخان الذي تسلطن بعد أبي
سعيد ضربت عنقه صبرا يوم الفطر و كانت دولته نصف سنة خرج عليه علي باشا (كذا) و القاآن موسي فالتقوا فأسر المذكور و وزيره الذي سلطنه محمد بن الرشيد الهمذاني و قتلا صبرا و كان المصاف في وسط رمضان …
«اربكوون (اربكووت) أو (ارپاخان) المغلي من ذرية جنگيزخان.
كان أبوه قتل فنشأ هذا جنديا في غمار الناس. فلما مات أبو سعيد نهض الوزير محمد بن رشيد الدولة. فقال هذا الرجل من عظماء القاآن فبايعه العسكر و ولي السلطنة بعد القاآن أبي سعيد فظلم و عسف و قتل الخاتون بغداد بنت چوبان زوج أبي سعيد و كان علي باشاه بالجزيرة فلم يدخل في الطاعة و أخذ بغداد و أحضر موسي بن علي بن بايدو بن ابغا ابن هلاكو و سلطنه و عمل بين الفريقين مصاف فاستظهر ابن علي بابه (علي بابه أو باشاه) و قتل الوزير صبرا في 8 رمضان و قتل ارپكون في
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 586
شوال من سنة 736 و كانت مدة سلطنته خمسة أشهر أو ستة و استقر موسي الذي سلطنوه نحو ثلاثة أشهر.» ا ه.
و أكثر المؤرخين سماه أرپا خان علي خلاف ما جاء في الدرر الكامنة … و في تاريخ مفصل ايران كسائر الكتب الايرانية الأخري أن اسمه (ارپاگاون) و أنه حدث المصاف في ساحل نهر چغاتو في 17 رمضان سنة 736 ه فانهزم جيش السلطان فقتل هو و وزيره بالوجه المشروح …
و ليس لهذا السلطان من الحكم ما يستدعي الإطالة بترجمة حاله و حكمه فمن حين صار ملكا إلي أن قتل هو في نزاع داخلي و خارجي و قد تغلب علي المملكة كثيرون و تقسمت الأهواء فيها شيعا
علي ما سنتعرض له … سوي أننا نقول قد انقرضت به في الحقيقة حكومة المغول و تقلص ظلها من بغداد خاصة و بعد أمد قليل امحت من سائر الأطراف بهلاك موسي خان …
مر أنه قتل صبرا مع السلطان ارپاخان في 8 رمضان أو يوم الفطر سنة 736 ه و هذا الوزير من خير وزراء المغول قام مقام أبيه و قد و في الوزارة حقها … و ذلك أنه لما توفي تاج الدين علي شاه حتف أنفه
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 587
مقطع من مرقد الجايتو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 588
و لم يمت في عهد المغول وزير كذلك و كان قد توفي في اوجان في اواخر جمادي الآخرة عام 724 ه اضطربت أمور الوزارة و تشوشت الإدارة … فجعلت لنصرة الملك الملقب بصائن وزير و هذا ساءت إدارته في نظر الچوبان … و هكذا استفاد من هذه الفرصة الأمير چوبان سنة 725 فغير قلب السلطان عليه لما شعر منه ما لا يرضاه و من ثم عين ابنه دمشق خواجة وزيرا في كافة الأمور و دام فيها إلي أن قتل ليلة 5 شوال سنة 727 ثم قتل ابنه الآخر تمر تاش بمصر و قتل الأمير حسن في مملكة أوزبك و الشيخ محمود في كرجستان بيد الجيش …
و من ثم و بعد قتلة دمشق خواجة أحيلت الوزارة للخواجة غياث الدين محمد و أشرك معه الخواجة علاء الدين ابن الخواجة عماد الدين و لقب هذا ب (وزير نيكو) إلا أنه لم تطل أيامه فجعل في ايران بلقب (مستوفي الممالك) فصارت الوزارة خالصة للوزير غياث الدين محمد …
و هذا دامت وزارته من تاريخ القضاء علي دمشق خواجة
كل أيام السلطان أبي سعيد الباقية و إلي آخر أيام ارپاخان.
و كانت إدارته من أحسن الإدارات و خير عهد للمغول فكانت خالصة بيد السلطان و في ادارة وزيره و جرت الأمور علي أتم نظام …
نعم انتظم الملك و اتسعت الأحوال في زمن هذا الوزير و لم يبق لأحد دخل من الأمراء أو الخواتين … و لا تحكم علي الرعايا أو الجيش و بسطت يد الوزير في الإدارة و ضبط الممالك و نفذ حكمه في جميع المملكة … فقضي الوزير نحو تسع سنوات و هو يحسن إلي جميع الناس و خاصة العلماء و الأكابر الفضلاء و يكرم الصلحاء و المنقطعين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 589
و العباد المتزهدين … و لم ير ممن تقدمه ما كان يقوم به، و أظهر حمايته للدين أكثر من غيره، و أمن الرعايا تأمينا لم يروا مثله أبدا … و مكن العدل بين الكافة فرخصت في عهده الأسعار، و زاد الرخاء …
و أراد الوزير أن لا يقع تذبذب و اضطراب في المملكة حينما أحس بما نال السلطان من الضعف و المرض ما أنهك قواه … فلاحظ أنه من الضروري انتخاب ولي عهد إذ لم يكن للسلطان ولد و لا أخ … فوقع الاختيار علي ارپاخان من احفاد تولي خان بن جنگيزخان …
فولي السلطنة بعد أبي سعيد و جري عليه و علي الوزير ما جري.
و في هذه المدة حتي وفاة السلطان أبي سعيد كان الوالي ببغداد علي باشا الأويرات.
إن القاشاني في تاريخ الجايتو يتحامل علي الخواجة رشيد الدين والد هذا الوزير و علي العكس من ذلك صاحب تاريخ كريده فإنه ينتصر للوزير غياث الدين و أبيه و يتحامل علي الآخرين و
لكلّ وجهة، و الظاهر أن القاشاني كتب ما كتب إرضاء للسياسة و تبريرا للقضاء علي الخواجة رشيد الدين … و في هذا العصر بلغت الحزبية غايتها …
هو أبو الحسن ابن المحدث محب الدين ولد سنة 43 و سمع علي العز أحمد بن يوسف الاكاف و علي أحمد بن عمر الباذبيني، و أجاز له النشتري و محمد
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 590
ابن علي السباك و ابن الحصري و علي ابن عبد اللطيف الالخمي و آخرون من الموصل و بغداد. و كان له أثبات عدمت في كائنة بغداد و كان علي ذهنه أشياء كثيرة من أخبار الوقعة ببغداد و غيرها و أقام مدة بوابا بدار الوكالة ببغداد و سمع علي علي بن محمد بن محمد بن وضاح في مدح العلماء و ذم الاباحية … و سئل كيف نجوت من التتار فقال كنت صغيرا فتركت. قدم دمشق فحدث بالكثير. مات في المحرم سنة 736 (737).
لما قتل ارپاخان و الوزير غياث الدين محمد صفا الأمر لعلي باشا و هو خال السلطان أبي سعيد فأجلس موسي خان علي التخت و هو موسي خان بن علي بن بايدو ابن طاراغاي بن هلاكوخان فاستشعر من لم يكن محبا لعلي باشا من أمراء الاويرات الظلم و التعدي فنفروا من الحكومة و هم الأمير طغاي و هو من مشاهير أمراء المغول و الحاج طوغا بك لما كان بينهم و بينه من البغضاء و توجهوا نحو الأمير الشيخ حسن الكبير الايلخاني و هو أمير الروم آنئذ و علي هذا و لما سمع ذلك غضب من وقوع هذه الحوادث فاتفق الشيخ حسن مع الأمير طغاي لدفع شر هذا الوزير علي باشا و قطع ضره فأنفذ الأمير الشيخ حسن رسولا إلي صورغان شير بن الأمير چوبان و كان في كرجستان و طلبه و أمره أن يستصحب معه عساكره فأتي إليه
بعسكر عظيم …
فلما تقارب الجيشان في تبريز كر موسي خان و علي باشا علي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 591
مقدمة عساكر الشيخ حسن فانكسرت هذه المقدمة فظن موسي خان و علي باشا أن هذا العسكر الذي انكسر هو الذي جمعه الشيخ حسن فبات موسي خان و أمراؤه آمنين و تركوا الاحتياط و جعل بعضهم يهني ء البعض الآخر بالنصر و الفتح و حينئذ ظهرت رايات الشيخ حسن الكبير فضربوا عساكر السلطان موسي خان و علي باشا الاويرات و تقابل العسكران فلم يبد أحد في هذه المعركة من الشجاعة ما أبدي علي باشا فقد ثبت ثباتا ليس له نظير.
و آخر الأمر خرج علي باشا ثم توحل فرسه فسقط به و حينئذ مر به من عرفه و أحضره إلي أمير الأمراء الشيخ حسن فأراد استبقاءه فلم يوافقه جماعة الأمراء فقتله و ولي الشيخ حسن (مظفر الدين محمدا). و أما موسي خان فإنه هرب بين قبيلة الأويرات … ثم قتل.
ثم الدمشقي أبي عوانة و أبي محمد و أبي يوسف ولد سنة 57 و سمع من الجمال عبد اللّه بن يحيي بن أبي بكر بن يوسف بن حيون الجزائري و من أحمد ابن عبد الدائم و ابن أبي اليسر و ابن النشبي و غيرهم وحدث. مات في 8 جمادي الأولي سنة 737 ه.
هو عبد الرحمن بن عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد ابن الشيخ شهاب الدين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 592
عمر بن محمد السهروردي نزيل بغداد يلقب جمال الدين. كان ناظر اوقاف العراق و تزوج بنت رشيد الدولة الوزير فعظم شأنه و كان شابا محتشما، تياها، قليل التقوي، متظاهرا بالمعاصي و الجبروت و العتو، كان يهتك الحرمات ثار عليه ابن البلدي و أعوانه فقتلوه في ذي الحجة سنة 737 ه.
سلطنة مظفر الدين محمد و المتغلبة: و هو ابن پول قوتلوق (يال قوتلوق) بن تيمور بن آيناجي بن منگو تيمور ابن هلاكوخان و كان صغيرا فتولي تدبير الأمور كلها الشيخ حسن الكبير الجلايري و ذلك أن الشيخ حسن حينما سمع بسلطنة موسي خان جاء بجيش عظيم من انحاء الكرج و الروم و سار علي ايران و بقرب تبريز تقارع مع السلطان موسي خان فانتصر الشيخ حسن عليه … و في هذه المعركة قتل علي باشا أمير الاويرات. و أن موسي خان هرب بين قبيلة الاويرات …
و بعد قتلة علي باشا الاويرات صار موسي خان إلي بغداد و حكم مع هذه الطائفة العراق و لكن دولة الشيخ حسن نالت اقبالا و سعدا و تمكن الشيخ حسن من الانتقام و عقد نكاحه علي دلشاد خاتون زوجة السلطان أبي سعيد الذي كان أكرهه أن يطلق زوجته بغداد خاتون …
و لما جاءت النوبة في السلطنة إلي محمدخان فر من موسي خان امراؤه المغول و التحقوا بالسلطان محمد … و هذا الخبر نزل كالصاعقة علي الشيخ حسن بن تيمور طاش ابن الأمير چوبان فجاء بمن معه و ساق
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 593
جيوش الروم لتدارك الأمر علي عجل … فلما
ورد خاف السلطان محمد منه.
و في هذا الأوان نهض الشيخ علي ابن الأمير علي القوشجي و جمع كافة المغول في خراسان فضمهم إليه و مشي علي بسطام و أعلن الخانية باسم طغاي تيمور (طغا تيمور) فجعله ملكا و من هناك سار علي محمدخان الذي أقامه الشيخ حسن الجلايري و في طريقه في آذربيجان صادق قبيلة الاويرات و معهم موسي خان فانضم إلي طغاي تيمور و الشيخ علي فسمع الشيخ حسن الجلايري بالخبر فوافي لمقارعه طغاي تيمور فاشتبك القتال بينهما في موقع يقال له (كرم بود) فانتصر الشيخ حسن عليهم و قتل في المعمعة موسي خان و من ثم فر طوغاي تيمور و الشيخ علي ابن الأمير علي و ذهبوا إلي خراسان …
و لما علم الشيخ حسن الصغير و هو ابن تيمورطاش ابن الأمير چوبان السلدوزي و كان واليا من قبل السلطان أبي سعيد في بعض بلاد الروم … سار إلي الشيخ حسن الجلايري بجيشه العظيم فكانت المعركة بينهما في نخچوان و في هذه المرة انتصر الچوباني علي الجلايري و قتل السلطان محمد في الحرب ففر الشيخ حسن الجلايري إلي السلطانية …
و ذلك سنة 738 ه.
و جاء في الدرر الكامنة أنه محمد بن عنبرجي البان المغلي بن نوبن. أقيم في المملكة بعد قتل أبي سعيد. و كان أبو سعيد لما مات زعمت سرية له أنها حبلي فوضعت و كان محمدا هذا. فلما هزم الشيخ حسن جموع موسي بن علي سنة 38 و قتل موسي عمد الشيخ حسن إلي هذا الصبي فأقامه في السلطنة و له عشر سنين و ناب له و اضطربت المملكة في زمانه فأقبل من الروم ولدا تمرتاش و معهما محفّة أوهما أن أباهما فيها
و أنه لم يقتل و أن الناصر لما أمر بقتله عمد بكتمر و بكلش
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 594
إلي تركي يشبهه فقطعا رأسه فأحضراه للناصر و اختفي تمرتاش ثم بعثاه سرا في البحر إلي بلاد الروم فلما وقع ذلك هرب الشيخ حسن الكبير إلي خراسان و هاج الناس و اشتد البلاء و كثر الظلم و النهب و انقطعت السبل ثم هلك محمد هذا و ماجت البلاد و ذلك في آخر سنة 738 ه و أرسلوا إلي طغاي تمر ملك خراسان و هو ابن عم ارپكون (ارپاخان) المقتول فتوقف و وثب جماعة علي الذي زعم أنه تمرتاش فطردوه فقدم العراق في زي الصوفية ثم خمل ذكره و قتل و استولت صاتي بك بنت خربندا أخت أبي سعيد علي الممالك و تسلطنت و خطب لها سنة 739 ه.
و ذلك أن الشيخ حسن الجوباني بعد أن أجلسها علي سرير الملك سار الچوباني علي الجلايري ثم استقر الصلح بينهما و صار الجلايري تابعا للچوباني.
و بعد سنة عزل الشيخ حسن الصغير صاتي بك و أجلس مكانها سليمان خان ابن محمد بن سنگه بن يشموت بن هلاكو و زوج منه صاتي بك …
ثم إنه بعد أمد ثار الشيخ حسن الكبير علي الشيخ حسن الچوباني و جاء بغداد فأعلن السلطنة إلي جهان تيمور بن الافرنك بن كيخاتو بن أقانا خان سنة 743 ه و جمع جيشا فتحارب مع السلدوزي (الچوباني) فانتصر عليه الچوباني فهرب الشيخ حسن الكبير و عاد إلي بغداد فعزل الخان المذكور و أعلن سلطنته …
و أما الشيخ حسن الصغير فإنه قتلته زوجته فخلفه أخوه الصغير الملك الأشرف و أقيم انوشروان من ذرية هلاكو خانا و بعد مدة
عزل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 595
هذا و أعلن نفسه خانا و هذا أساء السيرة ثم إنه جهز عليه جاني بك خان جيشا عظيما فتقاتلوا في خوي فتغلب علي الملك الأشرف و قتله و ذلك سنة 759 ه.
و الحاصل قد كثر التغلب و تمزقت المملكة بين أمراء المغول فلم تعد لها حياة … و ممن هرب من بغداد بسبب الفتن القائمة:
1- حسام الدين حسن بن محمد بن محمد بن علي البغدادي الغوري الأصل الحنفي. ولد ببغداد و تولي الحسبة بها ثم القضاء. قدم القاهرة صحبة وزير بغداد نجم الدين محمود بن علي بن سروين في صفر سنة 738 ه لما وقعت الفتنة ببغداد فاستقر في قضاء الحنفية هناك في 18 جمادي الآخرة من السنة قال في الدرر الكامنة سار سيرة غير مرضية …
إلي أن أخرج من الديار المصرية فسكن دمشق مدة ثم توجه إلي بغداد و ولي التدريس في مشهد أبي حنيفة.
2- الوزير نجم الدين محمود بن علي المذكور من وزراء بغداد … و لا نعلم عنه شيئا يذكر.
3- خليفة بن علي شاه ناصر الدين كان أبوه وزير بلاد التتار و قدم هو الشام فأعطي طبلخاناة و كان شكلا حسنا و كان وصوله صحبة نجم الدين محمود وزير بغداد توفي في دمشق في جمادي الأولي سنة 737 ه.
قد مر القول عن بعض الثائرين و مدعي السلطنة في انحاء المملكة المغولية و بينهم من ضربت السكة باسمه و قرئت الخطبة له علي رؤوس
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 596
المنابر و لم يكن لواحد منهم مكنة و ثبوت في السلطنة و لا يد في الإدارة و إنما كانت لمن دعاهم و نهض باسمهم …
و هؤلاء …
1-
ارپاخان (13 ربيع الأول: 4 شوال 736 ه) مر الكلام عليه و يلقب معز الدين و هذا لم تعرف له نقود مضروبة في العراق و إنما له بعض النقود مضروبة في الممالك الأخري … في حين أن النقود الكثيرة أيام السلطان أبي سعيد ضربت في بغداد و الموصل و واسط و الحلة و إربل.
2- موسي خان. (شوال: ذي الحجة سنة 736 ه). و هذا أيضا لم يعثر له علي نقود مضروبة في بغداد … و هو ابن علي بن بايدو.
3- السلطان محمد (ذي الحجة سنة 736: ذي الحجة سنة 738 ه). و هذا و إن كانت له بعض النقود إلا أنه لا يعرف ما ضرب في بغداد أو الأنحاء العراقية …
4- طغا تيمور (طوغاي تيمور) (737: 753) و له نقود مضروبة في الحلة و في بغداد و في أماكن أخري …
5- صاتي بيك خاتون (ساتي بك) (739: 741). و هذه بنت السلطان محمد خدابنده. و لها نقود مضروبة خارج العراق …
6- سليمان خان (741: 745). و هذا كسره ارتنا صاحب الروم عام 744 ه. و له نقود مضروبة خارج العراق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 597
الحكومة الجلاليرية- التيمورية
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 598
7- جهان تيمور (عز الدين جهان تيمور) (ذي الحجة 739: ذي الحجة 741) لم يعثر له علي نقود مضروبة في العراق.
و كل هؤلاء كانوا ألعوبة في أيدي أمراء المغول و متغلبة سائر الأمراء أو الدعاة لأولئك السلاطين وهم:
1- أبو إسحاق بن محمد شاه ينجو قال ابن بطوطة عنه:
«فلما مات أبو سعيد و انقرض عقبه و تغلب كل أمير علي ما بيده خافهم (خاف الأهلين في شيراز) الأمير حسين و خرج عنهم و
تغلب السلطان أبو إسحاق المذكور عليها و علي اصفهان و بلاد فارس …
و اشتدت شوكته و طمحت همته إلي تملك ما يليه من البلاد فبدأ بالأقرب منها و هي مدينة يزد … فحاصرها و تغلب عليها … و قد اطنب ابن بطوطة في الكلام عليه راجع بقية البحث هناك و كان داعيا لنفسه …
2- الأمير مظفر شاه:
و هو ابن الأمير محمد شاه ابن المظفر تغلب هو و أبوه علي يزد و كرمان و ورقو و كانت يزد بيده فانتزعها منه أبو إسحاق المار الذكر.
و آل مظفر تكونت منهم حكومة صارت تعد في عداد من حكم ايران.
3- الشيخ حسن الكبير و هو المعروف بالجلايري و قد استقل بحكومته في العراق و قد قام باسم أحد سلاطين المغول و هو جهان تيمور المذكور آنفا.
4- إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته (الموصل و ما والاها): تغلب
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 599
علي الموصل و ديار بكر.
5- ارتنا: تغلب علي بلاد التركمان المعروفة أيضا ببلاد الروم.
6- حسن خواجة (الشيخ حسن الصغير): و هو ابن تيمورطاش بن الأمير چوبان السلدوزي و هذا تغلب علي تبريز و السلطانية و همذان و قم و قاشان و الري و ورامين و فرغان و الكرج.
و جرت له حروب مع الشيخ حسن الجلايري فكان المنتصر …
و زاد نفوذ هذا بكثرة و عظمت مملكته و كاد يخلف التتر في حكومتهم …
و كانت زوجته عزة الملك قد عشقت يعقوب شاه، و هذا فعل بعض ما يستوجب حبسه فحبسه حسن خواجة فظنت امرأته أنه اطلع علي الأمر.
و في ليلة جاءها و هو في حالة السكر فاتخذت هذه الفرصة فمردت خصيتيه فلم تدعه حتي قتلته فخلفه أخوه الصغير الملك
الأشرف. و هذا نصب انوشروان من نسل هلاكو (علي قول) فجعله ملكا و يعرف بأنوشروان العادل و لهذا نقود مضروبة باسمه … ثم بعد مدة يسيرة عزله الملك الأشرف و أعلن نفسه خانا و صارت تقرأ الخطبة و تضرب النقود باسمه …
و كان هذا سيي ء السيرة، قاتله ملك القفجاق جاني بيك خان فقتله سنة 759 ه.
7- طغا تيمور: و جاء في ابن بطوطة بلفظ طغيتمور. تغلب علي بعض بلاد خراسان.
8- الأمير حسين ابن الأمير غياث الدين: تغلب علي هراة و معظم بلاد خراسان.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 600
9- ملك دينار: تغلب علي بلاد مكران و بلاد كيج.
10- الملك قطب الدين: و هو ابن تمهتن طمهتن تغلب علي هرمز و كيش و القطيف و البحرين و قلهات.
11- السلطان افراسياب اتابك: تغلب علي ايذج و غيرها من بلاد اللور … كان تابعا لحكومة المغول و يؤدي لها الخراج السنوي …
و من مراجعة هذه القائمة يظهر التغلب و تمزيق اشلاء المملكة و اضطرابها و الناس آنئذ بسبب هذا الخلاف و النزاع في ارتباك من أمرهم لا يدرون مصيرهم و لا ما سيحدق بهم … و قد شاهد هذه الحالة ابن بطوطة و قصها كما رآها … و لم يستقم للناس أمر حتي سنة 744 ه و قد ابتلي الأهلون في كافة انحاء المملكة بأنواع الظلم و الجور و عدم الأمن.
و علي كل حال لما دخلت سنة 738 ه انتهي حكم المغول من بغداد بدخول الشيخ حسن الجلايري فيها بعد انكساره في معركة جرت بينه و بين الچوباني قتل فيها جهان تيمور … و في سنة 744 ه زالت حكومة المغول من ايران و أذربيجان فانقرضت تماما و
تكونت حكومات صغري علي أطلالها و لا يهمنا تفصيل القول عن هؤلاء المتغلبة فإنهم خارجون عن نطاق البحث عن العراق و حكوماته و سيأتي الكلام عن (حكومة الجلايرية في العراق).
غالب عشائر العراق سكناهم قديمة فيه … و من ذلك الحين إلي اليوم اختلفت أوضاعهم و تبدلت سلطاتهم بين قوة و ضعف و قد ورد لهم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 601
بعض الحوادث في هذا الدور و غاية ما يقال عنهم أن قوة حكومة المغول في اوائل صولتها لم تعد لهم ذكرا و لا ابقت لهم همة … و إنما سكنوا و سكتوا ينتظرون الفرص و ما تأتي به الأيام … فعادوا بعد مدة و حصلوا في اواخر هذه الدولة علي مكانتهم …
و نزوحهم إلي المدن و توطنهم فيها قليل و فردي … و هؤلاء تميل نفسيتهم إلي البداوة و هوائها الطلق و حريتها الواسعة فلا تحكم عليهم كما علي أهل المدن و لا تضيق بهم أرض …
و في أدوار الظلم أمثال هذه يندر جدا أن يستوطن البدوي المدن …
و كانت صاحبة السيادة العشائرية و لها كل السلطة بين الحجاز و العراق و سورية و قد مر من حوادث أمرائهم و علاقتهم بالسياسة و أوضاع الاختلافات الدولية جعلت لهم مركزا ممتازا بحيث صارت تخطب و دهم كل من حكومة سورية و العراق فترغب في إمالتهم نحوها ترويجا لمآربها و أغراضها … و أمراؤهم مهنا و أولاده و أخوه …
و هذه القبيلة لها الصولة في أنحاء الكوفة و المواطن الجنوبية منها و قد نعتها ابن بطوطة بأن السلطة في تلك الأنحاء كانت بيدها … و قد جاء ذكرها عند الكلام علي ابن الدواتدار الصغير أيضا.
و قد استعان بها ابن بطوطة في زيارته مرقد الشيخ أحمد الرفاعي. و كانت من القبائل القوية و لها المكانة المعروفة … و يطول بنا البحث عنها في هذا الموطن …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 602
سمي ابن بطوطة القبائل الصغري في أنحاء الكوفة و الأطراف المجاورة لها ممن في طريق واسط و الكوفة ب (المعادي) و يطلق عليهم عندنا (المعدان) و (المعدنة). و أما جمع ابن بطوطة فمفرده معيدي و في المثل تسمع بالمعيدي خير من ان نراه … و هذه القبائل الصغري لم تشتهر باسم عام يجمعها و هم الآن عشائر كثيرة غالبها من ذلك التاريخ و قبله مقيم في العراق في مواطنه …
و هؤلاء في انحاء البصرة و قد مر القول عنهم …
من قبائل التركمان القديمة السكني في العراق و كان زعماؤها أصحاب مكانة لدي الحكومة و قد أفردنا لهم بحثا في (تاريخ عشائر العراق) …
و هذه القبيلة قديمة السكني في العراق. و هي و إن لم يرد لها ذكر في حوادث هذا العهد إلا أنها معروفة قبله …
و هي من أكثر القبائل انتشارا، و لهذا السبب يقولون إن ضاع أصلك فقل (عبادي). و من هذه القبيلة (بنو عز) و جماعتهم قليلة و لا محل للإطناب في البحث عن هذه القبيلة.
و هذه لم تظهر قوتها إلا في العهود التالية و إن كانت قديمة التوطن.
و هي منتشرة و مجموعة في مواطن عديدة من العراق.
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 603
و لا مجال للكلام عن باقي العشائر الآن ممن لم يرد لهم ذكر في هذا التاريخ لعدم وجود وقائع لهم ذات مساس بسياسة الحكومة أو بسبب أن الوقائع لم تتعرض إلا للقبائل المناوئة للحكومة فتظهر حوادثها و إن كان يرجع توطنهم إلي ما قبل هذا العهد.
و علي كلّ إن الضعف في حكومة المغول كان قد دب في العهد الأخير و ظهرت آثاره … ذاك ما دعا أن تنهض القبائل بقوتها و أن تبرز بسلطانها … و توضحت قدرة العشائر أكثر في الحكم العثماني لما وصلنا من الوثائق عنهم بسبب أن هناك وثائق عراقية تتعرض لأمثال هذه. و أما الحوادث المذكورة من قبل المؤرخين الآخرين فإن نظرتها عامة و من ناحية علاقتها بالحكومة لا غير …
لم يكن للعراق كيان خارجي، أو سياسة خاصة في هذا العهد …
و إنما كان تابعا لسياسة حكومة المغول فالعلاقة بين المغول و بين مجاوريهم بعيدة عنا و أهمها كانت مع (القفچاق) و حكومتها مغولية و مع سورية و هذه كانت تابعة لمصر و أمراؤها منقادون لها … و كانت العلاقة في بادي ء أمرها حربية ثم دخلتها في أواخر أيامها المفاوضات السياسية و المعاهدات الصلحية … و يعد منها قتلة (تيمورطاش) ابن الأمير چوبان و قتلة قراسنقر … و انتهت بمسالمات لمدة … و لا محل للخوض في بيان واسع عن الحكومة المصرية في ذلك الزمن بأكثر مما مر بيانه …
و إنما أقول إن سلاطينهم المعاصرين.
1- الملك المظفر قطز (657: 658 ه).
2- الملك الظاهر بيبرس (658: 676 ه).
3- الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة ابن الملك الظاهر بيبرس (676: 678 ه).
موسوعة تاريخ العراق بين
احتلالين، ج 1، ص: 604
4- الملك العادل بدر الدين سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس (678: 678 ه).
5- الملك المنصور قلاوون الصالحي 678: 689 ه).
6- الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور (689: 693 ه).
7- الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون (693:
741 ه).
و يعبر عنهم المؤرخون في سورية و مصر مثل أبي الفداء و ابن الوردي و ابن كثير و العيني (بسلاطين الإسلام) كما ينعتون أمراء المغول (بسلاطين التتر). و في سورية إمارات تابعة للحكومة المصرية …
هذا و قد تولدت بعض علاقات و روابط مع شريف مكة و حاولت أن تتدخل الحكومة المغولية في أمورها كما تدخلت الحكومة المصرية إلا أن أجلها قريب و لم يطل أمرها كثيرا و قد مر بعض الحوادث عن ذلك … و قد حكم أحدهم الحلة و انحاءها و لعل تأسس امارة المنتفق مؤخرا ناشي ء من جراء هذا الحادث ببقاء بعض رجالاتهم بين عشائر المنتفق فتمكنوا من الإدارة و أخذوا السلطة العشائرية بأيديهم … و أما الغربيون فقد كانت علاقاتهم قوية في بادي ء أمرها و فقدت أو كادت تفقد. حينما أعلن ملوك المغول إسلامهم و من ثم قويت العلاقات و توالت الرسل و عقدت المعاهدات أو استقرت المطالب بين الطرفين …
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 605
لا يسع الآن التبسط، و البحث عن موضوع (التاريخ العلمي و الأدبي) و قد أفردناه علي حدة. و هنا أقول إن القطر العراقي بعد أن فقد استقلاله، و زال عنه الطابع الإسلامي و لو صورة، و بعد أن صار نهبا بيد الفاتحين لم يبق بيده ما يعول عليه، أو يركن إلي قوته سوي الأوقاف الإسلامية. و هذه كانت في عهدها العباسي مكينة،
و تسابق الأهلون و رجال الدولة إلي أعمال البر لتقوية الثقافة، و تنمية الصلاح بمقاييس واسعة جدا …
و لما لم يتعرض الفاتح للمؤسسات الدينية أيام احتلاله كان من نتائج ذلك الاحتفاظ بالمعارف و العلوم و من أوضح ظواهرها المدارس الكبري مثل المستنصرية و النظامية و البشيرية … و الرباطات و مشيخاتها … فصارت خير واسطة للم الشعث و استبقاء الحضارة …
مما دعا أن ينبغ كثيرون ذاعت شهرتهم و طبقت الآفاق …
ترجمنا مختصرا بعض المشاهير إلا أن الموضوع ليس محل بيان مناهجهم العلمية، و ما أحدثوه من آثار … و بين هؤلاء المتكلمون، و الحقوقيون أي الفقهاء الذين لا تزال كتبهم المعول عليها، و الأطباء، و اللغويون و المؤرخون، و الخطاطون، و الموسيقيون، و الشعراء و الأدباء و المجّان … و هكذا يقال عن الزهاد و الصوفية و المتصوفة و قد اشتهر منهم كثيرون …
و المدارس كانت ادارتها مودعة إلي رجالات العراق و غالب أيامها إلي قاضي القضاة أو إلي صدر الوقوف ينظر فيها و في المعاهد الخيرية و الدينية … و لم يستول علي أوقافها غيرهم فيتولي ادارتها و تعهد إليه صدارة الوقوف إلا مدة يسيرة.. و في هذا أيضا لم يهمل شأنها و لا أودعت إلي من هو غريب عن الإسلامية أو اجنبي عنها … فكانت
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 606
خدماتها كبري، و فوائدها عظمي سواء في الحضارة أو في الثقافة العامة أو الخاصة و السياسة لم تعارضها … و لم يؤثر في سيرها ضياع الكتب و بعض المكتبات، أو الذهاب بها إلي مراغة و انتزاعها من العراق فلا تزال بقية باقية تغذي العقول، و تحبب العلوم و تمكنها في البلد دون
حاجة إلي مناصرة من حكومة و الحكومة آنئذ أجنبية فلم تؤثر علي عقائدها و لا ثقافتها، و لا تغير مركز الحكومة من بغداد إلي ايران …
كل ذلك لم يضرها الضرر الكبير و لا قلل من روحيتها …
ثم إن التجاء الهاربين من علماء العراق أيام الواقعة و بعدها قد ولد انتباها في الأقطار الإسلامية الكبري مثل سورية و مصر … هاجروا هربا من المغول فأوجدوا نهضة علمية، و اشتهر فيها جماعة من علماء العراق فأثروا في الثقافة و نالوا منزلة لا يستهان بها … و لم يفقد العراق مزاياه بذهابهم و إنما تمكن في مدة يسيرة من استعادة مجده العلمي و الثقافي …
و العراق لم يقف عند مؤسساته القديمة أو بقاياها و إنما أسس معاهد جديدة مثل المدرسة العصمتية إلا أنها قليلة و لا تقاس بما بقي إلي ما بعد الاحتلال من المؤسسات العباسية، و بقاؤها كان نعمة فهي خير معهد تربية علمية و أدبية و فنية … و الحكومة آنئذ لم تتعرض للمؤسسات أمثال هذه … و لكنها بعد أن أسلمت ناصرتها و أيدت مركزها …
نعم كان أكبر عمل هدام لهذه المؤسسات و للتقليل من شأنها أن الفاتحين بسبب أنهم لم يكونوا مسلمين راعوا ما يوافق رغبتهم من العلوم و الثقافات كالعلوم الفلكية و الرياضية و الطب … و من الفنون الموسيقي و أمثال ذلك كالرسم أو ما يتعلق بالمعاملات اليومية فكان هو المعتبر عندهم. أما سائر العلوم فإنها قامت بمؤسساتها … و هناك عامل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 607
نطاق حكومة المغول في عهد جنگيزخان
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 608
آخر لا يقل عن سابقه و هو تمركز الإدارة في ايران و
انقياد العراق لها …
و هذا العهد علي ما فيه من زوابع و غوائل كان خير العهود التي وليته و اشتهر فيه من النوابغ في العلوم و الفنون و الصناعات المختلفة بحيث صار أساسا و قدوة … و قد أشرنا إلي أمثلة كثيرة علي ذلك سواء في العلوم، أو في آثار الريازة في بناء السلطانية و استخدام عراقيين كثيرين للهندسة و العمارة … و هكذا يقال عن الخطوط فقد ظهرت في خط ياقوت و أضرابه ممن مرت تراجمهم و صارت أساسا يتحداه سائر أهل الاقطار الأخري، و عن الصناعات مما ظهر في الهدايا و التقادم المرسلة إلي ملوك مصر …
و الحاصل لا يسع المقام التبسط في أمثال هذه فنكتفي بالإشارة و نجتزئ بما مر من المباحث …
إن الحالات الاجتماعية لا تتغير بسهولة و لا التشكيلات الإدارية تتبدل بسرعة فإن بقاءها أو هدمها لا يتوقف علي عمل الشخص …
فالأمة لا ترضي بعمل الفرد و لا توافقه عليه بوجه إذا كان في نظرها قبيحا و لا تكون مكرهة علي البقاء و الاحتفاظ … سواء كان ذلك الفرد خليفة أو وزيرا و علي كلّ حدث استيلاء المغول و اكتسح العراق مهما كان السبب و أيّا كان … فالعراق كان من الضعف و سوء الإدارة بمكانة … و مما قيل في الحكومة العباسية أيام ضعفها:
ما لي رأيت بني العباس قد فتحوا من الكني و من الأسماء أبوابا
و لقبوا رجلا لو عاش أولهم ما كان يجعله للحش بوابا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 609
قل الدراهم في كفي خليفتنا هذا فأنفق في الأقوام ألقابا
و بعد الاستيلاء علي العراق سنة 656 ه عاد قطرا تابعا رأسا إلي حكومة المغول و دام
حكمهم إلي عام 738 ه و كان العراق في بادي ء أمره يعين ولاته من العراقيين و دام هذا الحال مدة و من ثم راجت الفتن و التقولات من بعضهم علي بعض حتي صارت الحكومة لا تأمن من أحد كما أنها نكلت بالكثيرين منهم الواحد أثر الآخر بما وقع بينهم من فتن و نسبة خيانة و نهب أموال … و لم يترك هؤلاء و شأنهم و إنما كان يعين مع الوالي نائب من المغول و في الغالب يشرك مع الوزير غيره … و كان يعاقب المرتكب لخيانة ما بالإعدام …
ثم صارت الحكومة تنصب وزيرا رأسا من أمرائها الذين دخلوا في حكم المغول من الايرانيين و زاد نفوذهم في الحكم بشدة … و قد مضي الكلام عن جماعة منهم إلا أنه يلاحظ أن الولاة لا يذكر لهم شأن إلا في حوادث خاصة و معينة و من المحتمل أن هناك ولاة آخرين لم نطلع عليهم ممن قضوا حكمهم بهدوء و سكينة …
و هؤلاء في الحقيقة رؤساء الديوان و القائمون بالإدارة الداخلية- كما كان الشأن أيام الدولة العباسية في عهدها الأول- و بيدهم الحل و العقد و هم المرجع و في الأكثر لم يغير شي ء من مألوف الأهلين و من أصول الإدارة و أول وزراء بغداد ابن العلقمي و آخرهم علي شاه الاويراتي … و كان القضاة يعينون من بغداد من أشهر المدرسين و من تظهر له مكانة علمية و يعتبر قاضي بغداد قاضي القضاة و هذا انتزعت منه ادارة الوقوف و صار يعين لها من يسمي (صدر الوقوف) للنظر في الأوقاف الخيرية و لم يتعرض المغول للمناصب الدينية إلا لهذا المنصب فجعل للخواجة نصير الدين الطوسي ثم لابنه
و بعدها انتزع و أعيد إلي قاضي القضاة … و أبقي القوم لقاضي القضاة نائبا و هو يقوم بحسم
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 610
الخصومات. هذا عدا قاضي الكرخ …
و علي كل بقيت التشكيلات الإدارية علي حالها بصورة مصغرة و الألوية كذلك و تسمي الكور و لكل منها صدر و قد تسمي صدارة لا كورة و قد يكون للصدر نائب و زعيم و هكذا … فأبقيت الأوضاع كما كانت سوي أن الإدارة صارت محدودة، و أن للحكومة عائدات تستوفيها و لكنها فيها من القسوة و الظلم في أكثر الأحيان ما لا يوصف …
و الألوية المعروفة آنئذ:
1- بغداد و فيها الوزير.
2- طريق خراسان (لواء ديالي).
3- الحلة و الكوفة.
4- قوسان و منه النعمانية (لواء واحد في غالب الأحيان).
5- واسط و البصرة (قد تنفصل أو تتصل).
6- دجيل و ما والاه.
7- الأنبار.
8- الموصل.
9- إربل.
10- دقوقا.
11- تستر او خوزستان (في بعض الأحيان قد تابعت بغداد).
و هذه الألوية لم تكن كلها مرتبطة ببغداد و إدارتها … فالموصل
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 611
كانت تدار رأسا، و كذا إربل … و أما لورستان فإنها إمارة تابعة و إدارتها الداخلية مستقلة …
و في الأيام الأخيرة نال بغداد ظلم و قسوة من جراء اختلاف أمراء المغول علي السلطة و الإدارة فكانت المصيبة عظمي، و الكارثة كبري …
و العراق و إن كان في اوائل أيامها لا يزال محافظا علي وضعه. و حسن ادارته. و راحته بعد السقوط خصوصا بعد أن أسلم القوم … إلا أن النكبة الأخيرة أمضت فيه و قست عليه أعني انهماك السلاطين في الأهواء النفسية و تسلط الأمراء و نفوذهم و هي مقدمة الارزاء و أول النكبات …
و من ثم
تدرجت المملكة العراقية في التدهور و مضت في سبيل الانحطاط إلي ما شاء اللّه …
و أما المغول فإنهم لما كانت حكومتهم علي نشاطها و قدرتها و بيدها اليساق لم يسمع لها خلاف أو مناوأة من الأمراء و لا هناك من شق عصي الطاعة إلا قليلا و لكن الأمر تزايد و صار الزعماء كل واحد يري في نفسه الكفاءة للقيام بالإدارة … و من ثم لعبوا بمقدرات الملوك و بالشعب و زاد الخلاف إلي أن كانت نتيجته القضاء علي هذه الإدارة و تمزيق شملها و لو كان الأمر مقصورا علي انقراض المغول لقلنا نعم ما وقع و لكن ذلك أدي إلي ما امض بالأهلين و أنهك قواهم و سلب ثروتهم و لم يعد لهم أمل في أن يتمكنوا من استعادة قوتهم و مجدهم …
هذا و لم يدخل خلاف في أمة و لم تتشعب اهواؤها إلا قضي عليها و ماتت … مما هو مشاهد، محسوس في كافة الحالات الاجتماعية للأمم، و الإدارية فرع منها و لكل أمة أجل …
و العراق نظرا لهذه الأوضاع و إنحلال الإدارة لم يبق فيه رأس مرعي الجانب، مسموع الكلمة، محترم القول … و السلطة السياسية القابضة عليه كانت يدها من حديد و هي بين مغولية و ايرانية … و اساسا
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 612
الآمال القومية و الأماني الاستقلالية ماتت روحها بسبب الأجنبي و يده الفعالة في تفريق صفوف الأمة و توليد الخلاف بينهم و تقويته … و ظواهر ذلك و أمثلته كثيرة مضي القول علي بعضها … و نقف عند هذا من تاريخ حكومة المغول في العراق و اللّه ولي الأمر.
تم المجلد الأول في حكومة المغول من موسوعة تاريخ
العراق بين احتلالين
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 613
1- فهرس الأعلام
2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل
3- فهرس الأمكنة و البقاع
4- فهرس الكتب
5- فهرس بعض الألفاظ الدخيلة و الغريبة
6- فهرس الصور
7- فهرس المواضيع
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 615
آباقاخان (ابغا): 158، 236، 282، 284، 287، 288، 289، 294، 297، 308، 311، 323، 334- 339، 342، 345، 348، 351، 362، 367، 397، 405، 477، 536
آدلي خان: 63
آدم أبو البشر: 13، 34، 54، 56، 60، 459
آقانويان: 121
آقساق تيمور: 79
آق سنقر، آقسنقر (شمس الدين): 464
آلا نقووا: 72، 77، 78، 81
آلتان، آلتون: (آلطون): 47، 48، 93، 94، 95
آلوسي (محمود شكري)
آمدي (علي بن أحمد)
آهلوارد: 443
آوي (تاج الدين، محمد)
آي خان: 70
أباجي: 343، 560، 561
ابجيتو، انجيتو (خدابنده): 497
إبراهيم بن إسماعيل: 399
إبراهيم الجعبري (شيخ الخليل؛ ابن السراج): 569
إبراهيم الجويني (صدر الدين أبو المجامع): 350، 414، 512، 533
إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة البغدادي: 468
إبراهيم الخليل: 60
إبراهيم السواملي (جمال الدين): 426، 432، 456
إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته: 570، 598
إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي: 399
إبراهيم بن عثمان الكاشغري: 493
إبراهيم بن عمر الجعبري: 323
إبراهيم بن محمود بن الخير: 399
أبرقيل خوجا: 70
أباجي: 343، 560، 561
ابجيتو، انجيتو (خدابنده): 497
إبراهيم بن إسماعيل: 399
إبراهيم الجعبري (شيخ الخليل؛ ابن السراج): 569
إبراهيم الجويني (صدر الدين أبو المجامع): 350، 414، 512، 533
إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة البغدادي: 468
إبراهيم الخليل: 60
إبراهيم السواملي (جمال الدين): 426، 432، 456
إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته: 570، 598
إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي: 399
إبراهيم بن عثمان الكاشغري: 493
إبراهيم بن عمر الجعبري: 323
إبراهيم بن محمود بن الخير: 399
أبرقيل خوجا: 70
أبريقدار: 109
أبغا؛ أبقا (آباقا)
أبك، أيبك النوين: 570
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 616
أبلي (حسن)
ابن إياس: 264
ابن أبي الجيش (عبد الصمد)
ابن أبي الحديد: 179
ابن أبي الحديد
(قاسم بن أبي الحديد، و عز الدين، و عبد الحميد)
ابن أبي الخير: 563
ابن أبي الدنية، ابن أبي الدثنة: (ر:
محمد بن يعقوب)
ابن أبي عذيبة (أحمد)
ابن أبي عمرو: 465، 477
ابن أبي اليسر: 571، 572، 591
ابن الأثير (عز الدين علي بن محمد الجزري): 9، 13، 14، 28، 32، 53، 103، 104، 105، 106، 114، 115، 117، 122، 123، 131، 376
ابن الأثير (مجد الدين محمد)
ابن الأخضر: 332
ابن الباقلاني: 255
ابن البديع (فخر)
ابن برش: 255
ابن البزوري (محفوظ و معتوق)
ابن بصلا (محمد بن بصلا)
ابن بطوطة: 100، 415، 447، 451، 458، 471، 480، 483، 492، 547، 557، 561، 598، 599، 600، 601، 602
ابن البقال (يوسف)
ابن البقلي: 369
ابن البلدي: 592
ابن بهروز: 473
ابن البواب (علي بن هلال؛ و أحمد):
432، 433
ابن تيمية (تقي الدين): 276، 478، 501، 545، 546، 580
ابن تيمية (الشيخ مجد الدين): 438
ابن الجليلي: 341
ابن الجمل النصراني (صفي الدولة):
221، 346
ابن جميل (ر: فخر الدين باشا؛ عبد اللّه ابن جميل الجبي)
ابن الجوزي (يوسف ابن الجوزي، شرف الدين ابن الجوزي، و عبد اللّه):
171، 186، 194، 573
ابن الحاجب: 490
ابن حبيب: 432، 570
ابن حجاج: 473
ابن حجر (أحمد بن علي)
ابن حراز: 429
ابن حسان: 234
ابن حسين (المنجم): 327
ابن الحصري: 590
ابن الحصري، محمد: 463
ابن الحلاوي (شرف الدين أبو الطيب أحمد): 256
ابن الحماس: 328، 329
ابن الخازن: 462
ابن الخراط (محمد بن الخراط)
ابن خروف (محمد بن علي)
ابن الخشكري النعماني: 295
ابن خطيب المزة (المزي): 465
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 617
ابن الخطيب (شرف الدين): 382
ابن خلدون: 272، 278، 396، 454، 469، 482
ابن خلكان: 27، 249، 353، 366
ابن الخوام (عبد اللّه بن بن محمد)
ابن الدامغاني (فخر الدين؛ تاج الدين):
44
ابن داود: 407
ابن الدربي: 347
ابن الدرنوس؛ (نجم الدين؛ و عبد الغني)
ابن الدقوقي: 438
ابن دقيق العيد: 477
ابن الدواتدار
(علي)
ابن الدواليبي (محمد بن الخراط)
ابن الدوامي (تاج الدين؛ علي): 44
ابن رافع (صاحب ذيل تاريخ بغداد):
419، 558، 559
ابن رجب: 466، 545، 565
ابن روزبة: 342، 462، 465
ابن الزعفراني: 234
ابن زيلاق (محمد بن يوسف)
ابن الساعي: 28، 204، 253، 372، 506، 571، 602
ابن سبعين: 313
ابن السبكي: 98، 105، 139
ابن السراج (إبراهيم الجعبري)
ابن سعود: 445
ابن السكري (علي)
ابن سكينة (ضياء الدين)
ابن سنان الخفاجي: 250
ابن السوابكي: 503
ابن سيده: 539
ابن شاتيل: 463
ابن شامة السواري: 465
ابن شقير (الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي): 254
ابن شقيرة: 463
ابن الشيخ: 433
ابن شيخ النجل (علي بن أبي عفان)
ابن الصائغ (محمد بن مقلد التكريتي)
ابن الصباغ (صالح)
ابن صدقة (إبراهيم بن أبي الحسن)
ابن الصفي اليهودي (سعد الدولة)
ابن الصلاح (شمس الدين)
ابن الصلايا (صلاية) ر: محمد بن صلايا
ابن طاوس (محمد بن الحسن، و محمد بن أحمد؛ و عبد الكريم، و علي)
ابن طاوس العلوي (مجد الدين): 45
ابن الطبال (إسماعيل): 545، 565
ابن طبرزد: 430
ابن الطراح (مظفر و محمد و فخر الدين) ابن طرخان: 465
ابن الطقطقي (تاج الدين علي): 15، 297
ابن الطقطقي (صفي الدين محمد): 97، 194، 198، 292، 350، 409، 423
ابن الظاهري: 575
ابن عبد الدائم: 572
ابن العبري (أبو الفرج غريغوريوس بن أهرون): 26، 88، 89، 90، 92، 108، 120، 122، 123،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 618
126، 135، 136، 137، 138، 152، 153، 197، 203، 289، 338
ابن العربي: 580
ابن عصبة (جمال الدين أحمد): 328، 528
ابن عكبر البغدادي: 573
ابن العلقمي (محمد): 44، 609
ابن العماد (شمس الدين)
ابن غزال: 454
ابن الفرات: 242
ابن الفصيح (فخر الدين)
ابن فلالة اليهودي: 394
ابن الفوطي (عبد الرزاق الصابوني):
27، 28، 45، 135، 149، 150، 181، 183، 187، 190، 200، 201، 207، 227، 228، 232، 260، 276، 278، 295، 298، 309، 312، 315، 319، 332،
334، 337، 338، 339، 345، 348، 354، 381، 382، 387، 388، 392، 399، 410، 411، 423، 424، 428، 429، 438، 537، 563
ابن قاضي البندنيجين: 364
ابن قاضي شهبة: 280، 281، 318، 562
ابن القبيطي: 493
ابن القسطي: 420
ابن القطيعي: 465
ابن قميرة (أحمد بن محمد): 435، 563
ابن القواس: 545
ابن القويرة: 462
ابن الكبوش البصري (عبد السلام):
312، 351
ابن كثير: 38، 562، 604
ابن كفرج بغرا: 118
ابن كمونة اليهودي (عز الدولة): 369، 370، 419
ابن الكواشي (أحمد)
ابن الكويك (محمد، و عبد اللطيف)
ابن اللتي (ابن أبي النجا): 462، 466، 468، 484
ابن مجلد النصراني (شمس الدولة)
ابن محاسن: 368، 369
ابن المحب: 468
ابن المرحل (أثير الدين محمود التميمي الموصلي): 571
ابن مسكويه: 313
ابن مسلم القاضي: 468
ابن المشطوب: 249
ابن المطري: 274
ابن المطهر (العلامة الحسن بن يوسف الحلي): 458، 461، 546، 565
ابن معطي: 545
ابن المقير: 468
ابن منينا: 272
ابن ميثم البحراني: 335
ابن الناقد (أحمد): 227
ابن النجار: 318
ابن النشبي: 591
ابن نقاجو: 402
ابن النيار (فخر الدين و حسين)
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 619
ابن الهيتي (ناصر بن الهيتي)
ابن ورخز البغدادي: 319، 542
ابن الوردي (عمر)
ابن وضاح (علي بن وضاح)
ابن يونس الموصلي: 329
أبهري (عماد الدين بن حسن)
أبو أحمد الأكمل بن أحمد: 319
أبو إسحاق البرهان الخياط: 322
أبو إسحاق بن محمد شاه ينجو: 598
أبو بكر بن إبراهيم الشيباني: 293
أبو بكر الباقلاني: 254
أبو بكر بن الخازن: 430
أبو بكر الصديق: 458، 495، 497، 498
أبو بكر بن علي بن حديثة: 574
أبو البيان الحلبي (نور الدين عبد الغني): 357، 386
أبو الثناء: 374
أبو جعفر بن عبد اللطيف: 486
أبو الحسن الدامغاني: 292
أبو الحسن الوجوهي: 558
أبو حيادة: 558
أبو حيان التوحيدي: 419
أبو زيد بن يحيي: 320
أبو سعيد (السلطان بهادرخان؛ بو سعيد):
17، 25، 26، 453، 461، 469، 471، 482، 491، 500، 501، 502، 505، 506، 507،
511، 515- 518، 520، 521، 524، 525- 532، 534، 535، 540، 541، 545، 547، 548، 549، 550، 552، 553، 554، 555، 556، 560، 561، 562، 564، 567، 570، 575، 576، 577، 578، 579، 581، 582، 583، 584، 585، 589، 590، 592، 593، 596، 597
أبو صالح (نائب صاحب الزمان): 369
أبو طالب العبدلياني: 378
أبو طالب الكناني: 254
أبو عبد اللّه الواسطي: 429
أبو العز الخالصي: 320
أبو العلاء الفرضي: 353، 399، 400، 439
أبو العلاء محمود: 381
أبو العلاء النجاري: 466
أبو عمرو: 493
أبو الغيث: 494
أبو الفتح: 399، 408
أبو الفتح بن أبي فراس الهنايسي (موفق الدين): 378
أبو الفتوح حبيب: 201
أبو الفداء: 10، 11، 13، 89، 91، 93، 114، 122، 132، 135، 137، 161، 410، 444، 445، 464، 479، 483، 487، 488، 489، 495، 540، 541، 552، 568، 575
أبو الفضل البغدادي: 575
أبو الفضل ابن العلمي: 232
أبو الفضل محمد: 407
أبو محمد: 165
أبو المظفر الدمشق بن عبد اللّه: 190
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 620
أبو منصور بن الصباغ الطبيب: 359
أبو نصر بن عساكر: 468
أبو وضاح: 558
أبو الوفاء ابن مندة: 468
أبو يزيد البسطامي: 313
أبو يعلي (القاضي): 565
أبو اليمن بن عبد اللطيف: 486
أتابك بن شمس الدين: 367
أتسز خوارزمشاه بن محمد: 63، 110
الأثري: 279
أثير الدين البشيري: 421
أثير الدين التستري: 400
أحمد: 99، 100
أحمد (علم الدين): 251، 300
أحمد بن إبراهيم الواسطي: 477
أحمد بن البرهان (أبو هاشم): 143
أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي (الشهاب): 514
أحمد بن البواب النقاش (النجم): 280
أحمد باشا تيمور: 29
أحمد ابن الجيلي (الشيخ ظهير الدين):
352
أحمد بن حامد بن عصبة: 530
أحمد حجي أمير آل مري: 574
أحمد بن حنبل (الإمام): 276، 291، 419، 459، 462، 545
أحمد بن خلكان ابن خلكان
أحمد بن أبي الخير: 465، 476
أحمد الدوري (القاضي مجد الدين):
307
أحمد
الرفاعي: 181، 601
أحمد بن الزكي الموصلي (شهاب الدين): 558
أحمد بن الساعاتي (الإمام مظفر الدين):
273، 275، 370، 418
أحمد الشربدار بن بقا: 327
أحمد بن صالح البريدي: 320
أحمد بن صرما: 430
أحمد بن الصياد التاجر (نور الدين):
371، 380، 390
أحمد بن طالب البغدادي الحمامي (أبو العباس): 468
أحمد بن عبد الدائم: 591
أحمد بن عبد الرحمن (شرف الدين):
569
أحمد بن عبد الرزاق الخالدي الزنجاتي (صدر الدين صاحب الديوان الملقب صدر جهان): 401، 403، 410
أحمد بن عثمان البروجردي (بهاء الدين):
324
أحمد بن أبي عذيبة (شهاب الدين):
279، 280، 281، 282، 302، 408
أحمد بن عكبر (نصير الدين): 573
أحمد بن علي بن تغلب: 274
أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي: 319
أحمد بن علي القلانسي البغدادي (أبو بكر): 454
أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني (شيخ الإسلام شهاب الدين): 37
أحمد بن علي المقري: 320
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 621
أحمد بن عمر الباذبيني: 427، 579، 589
أحمد بن عمران الباجسري المعروف بوزير راست دل؛ ملك دل راست (نجم الدين أبو جعفر): 198، 220، 224، 276، 397
أحمد بن عميرة من آل فضل: 464، 465، 467
أحمد بن غزال الواسطي (نجم الدين):
463، 532
أحمد الفاروثي (الإمام عز الدين أبو العباس): 418
أحمد ابن القش (الشيخ): 359
أحمد كاتب الجريد (نجم الدين): 384
أحمد ابن الكواشي (الشيخ موفق الدين أبو العباس): 340
أحمد اللري (نصرة الدين أتابك): 411، 441
أحمد ابن المارستاني: 473
أحمد بن المحروق: 454
أحمد بن محمد بن الأنجب الواسطي بن قميرة (صدر الدين أبو عبد اللّه):
435
أحمد بن محمد الدبلي التعجيزي: 564
أحمد بن محمد السمناني (علاء الدين، علاء الدولة): 580
أحمد بن أبي محمد عبد المحسن الواسطي: 296
أحمد بن محمد الكازروني: 320، 323، 388، 569
أحمد بن محمود الزنجاني (عز الدين):
251، 261، 262، 304، 307، 318، 320، 371، 386،
416
أحمد ابن الخليفة المستعصم (أبو العباس): 196، 301، 302، 333
أحمد المفرج (الفرج): 493
أحمد بن مهنا: 493
أحمد بن موسي الموصلي: 473
أحمد بن الناقد (نصير الدين أبو الأزهر):
227
أحمد ابن الخواجة نصير الدين الطوسي (فخر الدين): 371، 386
أحمد بن هولاكو (السلطان تكدر توقودار): 342، 343، 351، 358، 359، 361، 362، 365، 367، 368، 531
أحمد وفيق باشا: 34
أحمد بن يعقوب المارستاني: 493
أحمد بن يوسف الأكاف (العز): 589
أحمد بن يوسف البغدادي: 444
أحمد بن يوسف الكواشي: 439
إدوارد الأول (ملك إنكلترا): 338
أذينا، أذينة التتري (الأمير): 428، 468
أرباخان (معز الدين، أرپكوون؛ أربكوون، أرپاكلون): 575، 579، 580، 582، 583، 584، 585، 586، 590، 594، 596، 577
إربلي (زكي الدين؛ عبد العزيز؛ العز، علي بن أبي الفتح مجد الدين؛ موسي، يونس بن حمزة)
أرتاقان: 220
أرتنا (صاحب الروم): 596، 599
أردمجي، أيرومجي بارولاس: 79
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 622
أردو: 63
أردوقيا: 383، 384
أرسطاطاليس: 511
أرسلان خان: 120
أرسلان الدواداري (الأمير بهاء الدين):
493
أرسلان شاه علي (نور الدين): 250
أرش بغا: 560
أرغون: 151، 152، 156، 161، 259، 260، 337، 339، 342، 343، 345، 348، 349، 351، 359، 360، 361، 362، 392، 397، 411
أرغون أغا: 186، 581
أرغون بن أبغا (السلطان): 363، 365، 367، 328، 383، 393، 396، 397، 398، 510، 580
أرقيو نويان؛ ارقتو: 186، 191، 232، 233
أركه قارا: 85
أرموي (صفي الدين، عبد المؤمن)
أروق (الأمير): 363، 364، 379، 383، 386، 389، 390
أزبك: 500، 529
أزبك بن بهلوان: 114
أزبك خان: 362، 577، 581، 583، 584، 588
استقطالو: 502
إسحاق الأرمني: 289
إسحاق (المجاهد): 250
أسد بن الأمير علي جكيبان (سعد الدين): 401، 421
الإسكندر: 381، 511
إسماعيل بن أحمد الساماني: 175
إسماعيل بن إلياس (مجد الدين): 363، 364، 371، 379، 384، 389
إسماعيل بن بدر الدين: 250
إسماعيل السلامي (المجد): 520، 524، 532، 535
إسماعيل صائب بك: 31
إسماعيل
ابن الطبال، البطال (عماد الدين أبو البركات): 465، 473، 565، 568
إسماعيل بن عثمان المعلم: 485
إسماعيل بن علي: 515
إسماعيل بن يحيي المقري: 382
إسماعيلي (محمد بن الحسن)
الأشرف (الملك صلاح الدين خليل بن الألفي): 406، 463، 480، 594، 595، 599، 604
أشرف (القاضي): 140
أشموط؛ أشموت: 296، 298، 323
الأصفر، الأصغر (نجم الدين): 345، 347، 348
أطلبي (علي)
الأعز بن العليق: 400
أغول غانميش: 154، 155
افتخار الدين القزويني: 438
أفراسياب (الأتابك؛ السلطان): 411
الإفرنك: 495
إقبال (خادم): 371
إقبال الشرابي (شرف الدين): 149، 180، 181، 182، 200، 201،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 623
202، 205، 429
إقباس عباس: 236
الأفضل التبريزي، الأفضلي (الشيخ تاج الدين): 510
أقوش الأفرم (جمال الدين): 474، 476، 478، 479، 480، 481، 487، 536
أكاف (أحمد بن يوسف)
أكرنج (الأمير-): 584
ألب خان: 128
ألجاي خاتون، أولجاي خاتون: 158، 200، 225
ألجايتوخان (ر: خدابنده): 17، 444، 451، 452، 454، 464، 466، 471، 472، 478، 481، 482، 485، 487، 488، 491، 492، 507، 508، 509، 510، 567
الجتاي: 146
الألخمي (علي بن عبد اللطيف)
ألغ نوين: 138، 146، 147
الألفي (غازي؛ قلاوون): 345
النجه خان: 61، 62، 66
أم البنين: 204
أم الفضل: 480
إمام ركن الدين إمام زاده: 124
الأمين: 302، 457
أمين الدولة: 391، 394
الأنجب الحمامي: 320، 342، 468، 473
أنوشتكين: 109
أنوشروان: 594، 599
أوتكين: 146، 147
أودوربايان: 79
أورخان: 134
أوردجار، أوروجان، أردوجار: 138
أوروت: 79
أوروس: 92
أوزان: 220
أوزبكي (سليمان أفندي)
أوزخان: 54، 67
أوغوزخان: 66، 67، 68، 69
أوكتاي، أوكه داي قاآن: 120، 137، 138، 139، 141، 144، 146، 147، 150، 259
أولاقجي (أولاقيچ): 361
أولون: 82
أونغ، أونك خان: 27، 73، 85، 86، 87، 88، 91، 108، 148، 154
أويراتي (علي شاه)
أويغور: 54، 68
أيبك خشداش (قطب الدين): 113
أيبك الحلبي: 187، 216، 336
أيبك دزدار العمادية (عز الدين): 358
أيبك الدواتدار، الدويدار الصغير (مجاهد الدين): 172، 173، 174، 181، 189، 190، 191، 192، 193، 194، 195،
205
أيت باراق: 68، 69
أيتمش المحمدي: 531، 532، 534، 535، 542
أيتيمور: 194
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 624
أيديقوت؛ أيدي قوب: 92، 93، 120 أيرنجن؛ أيرتخين؛ أيرنجي، التتري:
469، 516
أيل أرسلان بن محمد: 110
أيل خان: 66، 70، 71
أيلبرلك: 269
إيلدوزش خاتون: 466
أيلكانويان؛ أيلكو: 191، 222، 226، 268
أيليا حميش: 464
أيليجه خان: 61
إيميل: 153
أينالجق، ينال: 101، 103
أيوب: 230
بابا، الفأفأ ناصر الدين، رضي الدين:
289
البابا: 289، 296، 297، 298، 323
بابا، بابان؛ بيه: 296
بابصري (عبد اللّه)
بات كه لكي: 79
باتكين (شمس الدين): 235
باتو، باتوخان: 148، 152، 154، 158، 361
باجربقي: 546
باجسري (أحمد بن عمران)
باجو، بنجو نويان، بايجونويان: 155، 159، 166، 168، 185، 187، 189، 190، 191، 192، 237
باداي: 73، 85
بادراني (نجم الدين)
باذبيني (أحمد بن عمر)
بارغو قايدي: 78
پاشو: 502
باعشيقي (محمد بن يونس)
باقلاني (حسن)
باي تيمور: 85
بايدوخان: 63، 402، 403، 404، 410، 411، 412، 413، 584
باي سونقور (بايسنقر): 78
بجلي (سراج الدين)
بخاري (أبو العلاء؛ سليمان أفندي؛ ظهير الدين)
بدر الدين: 171، 174، 289
بدر الدين بن أركش: 479
بدر الدين جنكي: 560
بدر الدين الرقي القاضي: 371
بدر الدين سلامش (الملك العادل): 604
بدر الدين الطويل: 455
بدر الدين قاضي خان: 123
بدر الدين لؤلؤ: 233، 236، 249، 250
بدر الدين النابلسي: 572
بديع (شرف الدين): 413، 421
براق، باراق (السلطان غياث الدين):
294
برتچينه: 76
برجا: 560
برزالي (محمد البرزالي): 456، 466، 468، 501، 510، 558، 563
برقاي، بركه، بركاي خان: 13، 282،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 625
283، 284، 287، 361، 362
برقوطي (مسعود بن أعلم الدين يعقوب)
برنقش: 235
برهان الدين النسفي: 387
بروجردي (أحمد بن عثمان؛ محمد)
بزار (عبد الرحمن)
البزدوي: 419
بزوري (محفوظ بن معتوق؛ معتوق)
البساسيري: 175، 333، 418
بسري، (عادل)
بسطام: 497
بسطام بن غازان: 451
بسطامي (أبو يزيد)
بسور نوين: 126
بشير آغا: 18
بشيري (أثير الدين)
بصري (عبد الجبار، عبد السلام؛ عماد الدين؛ محمد بن أبي العز؛ محمد بن جعفر؛ محمد بن العز)
بطائحي
(صالح بن عبد اللّه)
بعقوبي (علي بن إدريس)
بغا، بوقا: 63، 78، 360، 363، 383، 389، 397
بغاتمر، بوقا تيمور نوين: 45، 158، 163، 185، 189، 190، 192، 193، 195
بغداد خاتون: 550، 551، 552، 553، 564، 577، 578، 579، 582، 585، 592
بغدادي (إبراهيم بن أبي الحسن، أحمد بن طالب؛ أحمد بن علي، حسن بن محمد، سنجر عبد الصمد؛ عبد اللّه؛ عبد اللّه الزريراني؛ علي بن عبد العزيز، محمد بن الخراط، محمد بن عبد اللّه، محمد بن عمر، محمد بن قيصر، هدية، همام، يوسف؛ يوسف عبد المحمود)
بغوي بن قشتمر: 328
البغوي: 558
بقل: 192
بكي: 398
بكتمر (الأمير): 400
بكري (علي بن مبارك)
بكلمش: 593
البلخي: 493
بلدي (عبد العزيز)
بلغا (بلغاي) بن شيبان بن جوجي: 158، 185، 191، 193
بلغار: 59
بلغان خاتون: 308، 415
بلكتاي: 146
بلكوداي: 77
بنت القمي: 258
بندار المخرمي: 292
البندنيجي القاضي: 174
بندنيجي (عبد الغفار، عبد اللّه؛ عبد المؤمن، عبد المنعم، علي بن محمد)
بهاء الدين الجويني: 259، 294، 333، 343، 417، 418
بهاء الدين ابن الفخر عيسي: 261، 299، 301، 315، 407
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 626
بهاء الدين علي الإربلي: 15
بهادرخان أمير خيوه ابن عرب محمد خان الخوارزمي (أبو الغازي):
33، 34، 60
به رتان: 79
بهلوان أزبك: 133
بودا نجار موناق: 78، 82
بورجاغين يسوكي، يه سوگه ي بهادرخان: 72، 79، 81، 82، 84، 85
بوسقين جالجي: 78
بوغولدار (الأمير): 416
بوقداي قونجات: 85
بوقوق قاتاغين: 78
بوكجه داي: 77
بوكله: 225
بوكه بندون: 76
بوكه چه ران: 86
بوكونوت: 77
بولاد- جينكسنك: 437
بولجا دوغلان: 79
بولكونت: 77
بويوروق خان: 84، 91
بيبرس (المظفر): 477
بيبرس البندقدار: 283، 289، 502
بيتمش (الأمير): 390
بيچين قييان: 76
بيدار: 463
پيشدادي (منوجهر)
بيضاوي (عبد اللّه بن عمر)
بيكه: 73
تاج الدين (الشريف): 476
تاج الدين الدامغاني: 420
تاج الدين الدوامي: 373
تاج الدين الساوي: 376
تاج الدين سرخي (السيد): 454
تاج الدين عبد الكريم: 255
تاج الدين بن علاء الطبرسي: 196
تاج الدين
الكفني: 328، 329
تاج الدين اللوحي أو آوجي، أو الآوي (السيد): 471، 472، 498
تاج الدين بن محمد بن حمزة الحسني:
331
تاج الدين بن المختص: 390
تاج الدين النعماني قاضي بغداد: 559
تامار خاتون: 280
تانيكا: 88
تايانك، تيانغ، تيانك: 84، 90، 91
تبريزي (أفضل، عبد الرحمن، علي شاه، مجد الدين، محمد الخالدي)
تتارقيا (الأمير): 294، 327، 363، 357، 364
تترخان: 63
تتري (أذينا، أيرنجن، سوتاي)
ترخان: 73
ترك: 56
ترك إيلكا: 185
تستري (أثير الدين، محمد بن أسعد)
تعجيزي (أحمد بن محمد)
تغري بردي (أبو المحاسن): 452
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 627
تقي الدين ابن تيمية: 445، 545
تقي الدين بن رافع: 559
تقي الدين الزريراني: 545، 575
تقي الدين بن كليب النحوي: 300
تكري بتي (صنم اللّه؛ تبت تنكري): 90
تكريتي (حسن بن علي، حمزة؛ عبد السلام، عبد اللّه، محمد بن مقلد)
تكش بن أيل أرسلان (علاء الدين):
109، 110
تلعفري (محمد الشيباني)
تمربغا: تيموربوقا: 564
تمرتاش، تيمورطاش، تمرطاش: 517، 554، 555، 561، 562، 588، 593، 594، 603
تمسكاي (الأمير): 363، 370
تنكز، تنكيز، ته موجين تموجين (راجع جنگيز)
توبة بن سليمان بن أحمد: 489
توتار بن سنقور بن جوجي: 185، 191، 193
توختاي (الأمير): 421
تودامنكو: 362
توراكنه خاتون: 150، 151، 152
تورك تاي: 362
توشي، دوشي، جوجي: 120، 146، 148
توقا: 78
توقتا، توقتاغو، طغططاي، توقتاي: 91، 92، 96، 362
توقودار، تكودار (راجع السلطان أحمد)
توكال بخشي: 278، 290، 294
تولي خان: 121، 148، 153، 283، 447، 581، 589
توميجي: 314
تومه نه: 78
تيانغ: 87، 88
تيمور بن تاراغاي، تيمور كوركان
آقساق تيمور: 79، 567
تيمور توقاي (توقان، طوغان): 362
تيمورطاش: 76
تيمورملك: 128
تيمورنوين: 154
ثابت: 464
ثابت بن أحمد الموصلي السلامي (أبو رزين): 566
ثابت بن عساف رئيس آل مري: 489
ثقة الملك: 127
چاأور بيكي: 85
جاجرمي (محمود)
جاحظ: 59
چارغتاي (الأمير): 412
چارقا- له ن- قوم: 78
چاقسو: 79
چاقيرنا: 85
جاكه مبو: 85
جاموقا چچن: 84، 91
جاني بك: 595، 599
جاوچين: 78
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 628
جبار بن مهنا: 574
چبه چنتاي: 79
چپه نويان: 96، 128
الجتاي: 155
جرماغون، جورماغون: 147، 185
جزايري (عبد اللّه بن يحيي)
جعبري (إبراهيم)
جعفر: 468
جعفر الهمذاني: 484
جغتاي؛ جاغاتاي، چغتاي: 120، 136، 137، 138، 139، 147، 154، 294
جغتاي تكودار، توكدار اوغول بن بوخي اوغول: 150، 158
جلال (عز الدين): 363
جلال بخشي: 345
جلال الدين: 102، 133، 134، 135، 136، 139، 147
جلال الدين بن بهاء الدين: 111
جلال الدين بن الحزان الطبيب اليهودي:
507، 509
جلال الدين خوارزمشاه منكبرتي (منكوبرتي): 81، 107، 112، 113، 238، 405
جلال السمناني: 397
جلال الدين بن عكبر: 346، 352، 379
جلال الدين بن مجاهد أيبك الدويدار الصغير: 276، 277، 284
الجلال محمد: 382
جلايري (حسن بن آقبغا)
جلوخان (جلاو) بن چوبان: 549
جمال الدين الأفرم: 464
جمال الدين البصري: 432
جمال الدين الحصيري: 374
جمال الدين ابن الحلاوي: 392
جمال الدين بن الدباب: 381
جمال الدين الدستجرداني: 371، 389، 393، 394، 400، 401، 406، 412، 416، 420، 422، 424، 426، 427
جمال الدين علي: 292
الجمال الصيرفي: 476
جميل صدقي الزهاوي: 370
جنتاي: 79
جنگيزخان: 9، 14، 19، 20، 22، 24، 26، 27، 29، 32، 34، 35، 46- 49، 52- 54، 62، 64، 70، 72- 75، 78، 79، 81- 109، 113- 115، 118- 128، 131، 132، 135- 137، 139- 142، 146، 147، 151، 154، 155، 157- 159، 168، 171، 175، 188، 285، 294، 405، 448، 567، 577، 581، 583
جنيد: 297، 307
جنيقاي: 152
جهان تيمور (عز الدين): 589، 600
چوبان (الأمير): 469، 480، 482، 496، 500، 501،
502، 506، 507، 508، 509، 510، 515، 516، 517، 520، 524، 525،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 629
526، 527، 528، 531، 534، 535، 536، 540، 541، 542، 547- 555، 560، 564، 577، 578، 579، 581، 588، 603
جوجي؛ توشي؛ قوشي: 118، 119، 120، 361
جورختاي: 138
جوزجاني (منهاج الدين)
جوزي (شرف الدين، ابن الجوزي، يوسف)
جومغار: 158
جوهري: (مبارك)
الجويني (إمام الحرمين) [راجع: إبراهيم، عطا ملك؛ هارون، شمس الدين محمد، و محمد بن شمس الدين، بهاء الدين؛ زبيدة، صدر الدين بن حمويه، عبد اللّه المأمون، عبد الملك؛ و علي بن علاء الدين؛ محمد الأمين، منصور]
جيجكان بيكي: 158
جيلي؛ جيلاني؛ كيلاني، (أحمد؛ داود؛ سيف الدين، عبد القادر عبد اللّه بن محمد؛ محمد بن أبي صالح نصر؛ محمد بن محمود)
چينتمور: 259
چينغ سانغ پولاد آغا: 94
حاج المصري: 548
حاجب: 122
حارثي (مسعود بن أحمد)
حافظ أبرو: 26
الحاكم بأمر اللّه (أحمد بن المستكفي):
265، 495
الحاكم بأمر اللّه (بن المستنصر): 265
حجاب بنت عبد اللّه: 544
الحجاج بن يوسف: 213
حجل: 553
حراني (عبد الرحمن بن سليمان، عبد الغني، العز؛ مجد الدين؛ محمد بن عمر)
حربي (عبد الرحمن؛ مفيد الدين)
حريري (محمد بن أحمد)
حسام الدين المنجم: 176، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 184
حسام الدين مهنا: 372
حسام الدين النعماني: 559
حسن: 549
حسن بن آقبغا الجلايري (الشيخ): 549، 550، 551، 552، 553، 564، 579، 591، 592، 593، 594، 598، 599، 600
حسن الإربلي: 498
حسن الباقلاني: 257
حسن بن داود: 316
حسن ابن السيد: 429
حسن بن شادي بن صنوجق: 531
حسن بن الصباح: 161، 164، 166
حسن الصغير ابن تيمورطمش الچوباني السلدوزي (الشيخ): 540، 549، 588، 592، 593، 594، 599، 600، 601
الحسن بن علي ابن الأمير: 388
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 630
حسن بن علي (الأمير أبو محمد): 429
الحسن بن علي بن أبي
طالب: 212، 330
حسن بن علي بن المرتضي العلوي: 253
حسن قراق (وفاء الملك): 133
حسن بن كيا محمد: 164
حسن الكوساني: 532
حسن بن مجهر: 421
حسن بن محاسن الصرصري (بهاء الدين): 331
حسن بن محمد (جلال الدين): 104، 164، 165
حسن بن محمد (قوام الدين): 271
حسن بن محمد البغدادي الغوري (حسام الدين): 595
حسن بن محمد الحسيني (ركن الدين):
489
حسن بن الخواجة نصير الدين محمد الطوسي (الشيخ أصيل الدين):
490
حسن بن يوسف ابن المطهر الحلي (العلامة جمال الدين): ر: ابن المطهر
الحسين بن أبان: 274
حسين أفندي آل نظمي: 18، 19
الحسين التكريتي: 274
حسين جاهد بك: 36
حسين بن چوبان (الأمير): 598
حسين بن الدوامي (مجد الدين): 221، 373، 374
الحسين بن علي بن أبي طالب: 110، 213
حسين ابن الأمير غياث الدين (الأمير):
599
حسين بن فلاح: 264
حسين ابن النيار (عز الدين): 255
حسين بن يوسف الدجيلي (سراج الدين أبو عبد اللّه): 568
حسيني (تاج الدين؛ حسن بن محمد)
الحصيري: 341
حظايري (زين)
حلاج: 313
حلاوي (جمال الدين)
حلبي (أيبك؛ عبد الغني، عبد الكريم)
حلي (حسن بن يوسف؛ و محمد بن محفوظ)
حمامي (أحمد بن طالب؛ الأنجب)
حمد اللّه المستوفي: 385، 471
حمزة التكريتي: 325
حميضة بن أبي نمي(الشريف عز الدين):
493، 494، 503، 528، 540
حيار بن مهنا: 483
حيدر بن أيسر (نجم الدين): 332، 364، 381
خالدي (أحمد بن عبد الرزاق؛ محمد)
خالص: 235
خدابنده محمدخان؛ خربندا محمدخان (السلطان): 20، 24، 25، 26، 414، 453، 458، 461، 465، 467، 474، 476، 477، 478، 479، 480، 490، 495، 498، 500- 503، 511، 512، 525،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 631
528، 530، 540، 546، 547، 552، 553، 554، 556، 564، 593
خديجة السلجوقية: 302
خراز (محمد بن أبي الحسن)
خراساني (شمس الدين)
خربدار: 540
خريم (الشيخ): 532
خشوعي (عبد اللّه بن بركات)
خطيري (عز الدين)
خليفة بن علي شاه (ناصر الدين): 595
خوارزمشاه: 10، 13، 32، 47،
48، 49، 79، 14، 118، 124، 125، 127، 128، 129، 132، 568
خوارزمي (بهادرخان)
خورشاه (ركن الدين): 162، 163، 164
الدارمي: 473
الداعي الرشيدي (الشريف): 435
دامغاني (أبو الحسن، تاج الدين، فخر الدين)
داود البناكتي: 567
داود الجيلي (شرف الدين): 306
داود شاه: 470
داود الظاهري: 445
داود بن عبد اللّه كوشيار (شرف الدين أبو أحمد): 436
داود بن عبدوس (شهاب الدين): 272
داود بن أبي الفضل التباكتي: 504
داود بن معمر: 399
داود بن أبي نصر البغدادي: 463
دباهي (محمد بن أحمد): 468، 494
دبلي (أحمد بن محمد)
دبيثي: 429
دجيلي (حسين بن يوسف)
درانبورغ: 443
درفندي، دلقندي: 494، 503، 515
دستجردي، دستجرداني (جمال الدين، علي، عماد الدين)
دقماق، طوقماق: 469، 492، 500
دقوقي (محمود)
دكزخان: 70
دل راست (أحمد بن عمران)
دلشاد خاتون: 550، 578، 582، 584، 592
دمرطاش (تمرتاش): 482، 549
دمزن (البارون): 34
دمشق خواجة: 547، 548، 551، 552، 553، 554، 555، 561، 578، 582، 588
الدمياطي أبو محمد بن أبي الثناء: 375
دنيا خاتون: 548
الدهلي: 274
دواتدار (أيبك)
دواداري (أرسلان)
دواليبي (محمد بن الخراط)
دوامي (تاج الدين، حسين)
دوباج (سلطان كيلان شمس الدين):
455، 485
دوبون پايان: 76
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 632
دوتومينين خان: 74، 78
دورباي: 92
دوري (أحمد الدوري)
دوشي خان (توشي؛ جوجي): 47، 48
دوغاچار: 128
دوقوز خاتون: 158، 160، 237، 283، 284
دوكيني: 36
دولتشاه السمرقندي: 452، 513، 567
دولة شاه بن سنجر الصاحبي: 412، 436
دولگن؛ دورليگن: 72
دويدار (جلال الدين)
ديب باقوي خان: 61
دي كوين: 92
دينار (ملك): 600
ذهبي (أبو عبد اللّه، شمس الدين):
259، 263، 319، 349، 353، 362، 429، 445، 448، 455، 452، 466، 468، 477، 478، 494، 510، 532، 533، 538، 544، 558، 574، 575
رابعة بنت أبي العباس أحمد بن الخليفة المستعصم: 301، 302، 333، 338، 457
راست دل (أحمد بن عمران)
الرافعي: 566
ربيع محمد الكوفي (عفيف الدين):
306، 392
ربيعة خاتون بنت أيوب: 234
رستم: 428
رسعني (عبد الرزاق)
رشيد بن أبي القاسم: 580
رشيد الدين (الخواجة): ر: (فضل اللّه بن أبي الخير الهمذاني: 17، 20، 23، 26، 54، 151، 163، 166، 177، 338، 422، 437، 450، 469، 470، 471، 472، 479، 491، 492، 495، 496، 504، 506، 507، 508، 509، 510، 511، 512، 513، 515، 540، 541، 543، 578، 585، 586، 589
رشيدي (الداعي)
الرشيدي: 156
رشيق: 205
رصافي: 242
رضا نور (الدكتور): 33، 35، 36، 54
رضي بن برهان: 476، 533
رضي الدين بن سعيد: 371
رضي الدين الصغاني: 227، 257
رضي الدين أبو القاسم: 407
رقي (بدر الدين؛ علي بن محمد)
ركن الدين: 124، 552
ركن الدين (السلطان): 17، 162، 168، 237
ركن الدين ابن النقيب: 319
رميثة بن أبي نمي: 494، 503، 528
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 633
زامل أمير العرب: 580
زبيدة العباسية: 457
زبيدة بنت المكتفي: 302
زبيدة بنت هارون الجويني: 333، 457
زبيدي: 484
زجاج (عبد الرحمن)
زرديان (شمس الدين): 356، 363
زرندي (محمد بن يوسف)
الزريراني (عبد اللّه)
زكريا القزويني (عماد الدين): 358
زكي الدين الإربلي: 289
زملكاني (كمال الدين)
زنجاني (أحمد بن عبد الرزاق؛ أحمد بن محمود، شهاب الدين، محمود بن أحمد)
زنكي: 171، 174
زنكي (أتابك): 574
زنكي (وجيه الدين): 359
زهاوي (جميل صدقي)
زين الحظائري: 384، 389
زين الدين ابن الدهان: 329
زين الدين (قاضي القضاة): 428
زين الدين (العميد): 357
زين الدين الماستري (الخواجة): 470
زين الدين ابن المنجا (الشيخ): 565
ساتي، صاتي بك بنت السلطان: 549، 594، 596
سارتاق أوغلاني: 361
ساطي (الأمير): 400
ساعاتي (أحمد، عبد الرحيم، علي بن أنجب؛ علي بن تغلب، فاطمة بنت أحمد)
سام ساوجي: 76
سام بن شمس الدين محمد (بهاء الدين):
111
سام قاجون: 79
ساماني (إسماعيل بن أحمد)
ساموقا بهادر: 95
ساوجي (سام، سعد الدين، محمد بن علي)
سباوي (مبارك شاه)
سبكي: 32، 468، 562
ست الملوك بنت أبي بدر: 273، 274، 473
سديد الدولة اليهودي: 572
سراج الدين ابن البجلي: 221، 256
سراج الدين الشارمساحي: 388
سراج الدين القزويني: 539، 543، 580
سراج الدين المالكي: 317
سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي: 297، 301، 302، 303
سرخي (تاج الدين)
سرقوتني بيكي: 148، 153
سعد (الأمير): 177، 178
سعد بن أبي بكر (أتابك): 236
سعد بن أتابك مظفر: 162
سعد الدولة بن صفي الدين: 357،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 634
383، 384، 386، 389، 392، 393، 394، 397، 398
سعد الدين (الخواجة): 469، 470، 471، 491، 496، 506، 507، 508، 540، 586
سعد الدين الساوجي: 510
سعد الدين القزويني: 363، 379، 380
سعد الدين مسعود: 476
سعدي الشيرازي: 242، 351، 367، 418
سعنه بن مهنا: 574
سغناق، ساغناق: 120
سكتو بوغا: 121
سكورجي (صواب الخادم؛ محمد)
سلامي (ثابت بن أحمد)
سلدوزي (چوبان؛ تمرتاش؛ حسن)
سلطان جوق؛ سلطانجق: 187، 188
سلطان شاه: 110، 584
سلمان الفارسي: 391،
424
سليم خان (ياوز سلطان): 265، 266، 287
سليمان (النبي): 380
سليمان أفندي الأوزبكي البخاري (الشيخ): 100
سليمان خان: 594، 596
سليمان شاه بن برجم: 169، 173، 174، 177، 179، 180، 181، 182، 189، 192، 194، 195، 196
سليمان الصائغ: 296
سليمان الطوفي (نجم الدين أبو الربيع):
501
سليمان القانوني (السلطان): 177
سليمان بن مهنا: 482، 488، 520، 521، 524، 525، 574
سمداغو (الأمير): 268، 269، 270، 289
سمرقندي (محمد بن أبي بكر)
سمناني (جلال؛ شرف الدين، علاء الملك، محمد بن أحمد)
سنتاي أغول، سونتاي: 158، 161، 187
سنتاي بهادر؛ سيناي: 147
سنتاي نوين: 126
سنجر: 268
سنجر البغدادي (مجد الدين): 490
سنقر الأشقر: 336
سنكون، شنكون بن أونغ (أونك): 84، 86، 87، 88
السهروردي: 341، 462
سواملي (إبراهيم)
سوبوداي بهادر: 128
سوتاي التتري (الأمير، النوين): 465، 517، 570
سوغنجاق؛ سوغونجاق؛ سونجاق نويان:
185، 187، 189، 190، 192، 198، 288
سونج؛ سوينج: 63، 70، 71، 123، 454، 478، 502
سيف الدين الأبوبكري: 523
سيف الدين بيتكجي: 186، 225، 260
سيف الدين الجيلي، الجيلاني: 572
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 635
سيف الدين غازي بن مودود: 234
سيف الدين بن فضل (الأمير): 519، 521، 522، 523
سيف الدين قليچ: 187
شاپور: 381
شادكم: 92
شافعي: 466، 477، 566، 573
شامي (نائب صاحب الزمان): 369
شاه رخ بن تيمورلنگ: 25، 26
شاه هلتي (شمس الضحي): 333، 457
شجاعي (قاهر)
شرابي (إقبال)
شرف الدين بديع: 421
شرف الدين ابن الجوزي: 170، 225
شرف الدين السمناني: 388، 389، 416، 421
شرف الدين الشيرازي: 376
شرف الدين العباسي: 399
شرف الدين العلوي الطويل: 221
شرف الدين علي اليزدي: 26
شرف الدين المراغي: 198
شرمساحي (عبد اللّه): 317
ششي بخشي: 324
شعلة (أبو عبد اللّه، محمد بن أحمد الموصلي): 253، 558
شقير الواعظ (مجد الدين): 306
شمس الدين الأصفهاني: 511، 512
شمس الدين أقوش: 264
شمس بن سعد بن مظفر: 400
شمس الدولة بن مجلد النصراني: 409
شمس الدين الجويني (محمد صاحب الديوان): 14، 15، 259، 260، 262،
270، 271، 278، 288، 310، 311، 332، 334، 339، 342، 343، 348، 349، 365، 366، 370، 376، 392، 397، 398، 417
شمس الدين الخراساني: 298
شمس الدين الصباغ: 376
شمس الدين بن الصلاح: 468
شمس الدين بن العماد: 490
شمس الدين القزويني: 155، 161
شمس الدين الكبشي: 418
شمس الدين كرت: 161
شمس الدين الكوفي: 310
شمس الدين الهنايسي: 398
شمس الدين ابن اليزدي: 310
الشهاب الخيوفي: 107
شهاب الدين الزنجاني: 198
شهاب الدين السهروردي: 486
شهاب الدين بن عبد اللّه: 222
شهاب الدين ملك الغورية: 110، 111
شهرزوري (يعقوب)
الشهرستاني أحمد بن علي الموصلي:
401
شيخ الخليل: 569
شيخ زاده بن پروانه: 583، 584
شيخ زاده ابن السهروردي: 582
شيدورقو: 141
شيرازي (سعدي، محمود)
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 636
شيرامون: 151، 154، 155، 191
صاحبي (دولة شاه)
صاغاني: 559
الصالح (الملك): 196، 262، 268، 269، 289، 484، 487
الصالح أيوب (الملك): 268، 463
صالح بن الصباغ (محيي الدين): 559
صالح بن عبد اللّه البطائحي: 463
صالح بن الهذيل (مجد الدين): 256، 271، 339
صباغ (شمس الدين، صالح)
صدر جهان (ر: أحمد بن عبد الرزاق):
422، 425، 426، 427، 428، 432
صدر الدين بن حمويه الجويني: 333، 527، 580
صدر الدين القاضي: 124
صدر الدين محمد بن شيخ الإسلام الهروي: 329، 378
صدر الدين ابن الخواجة نصير الدين الطوسي: 43، 387
صرصري (حسن بن محاسن، محمد بن الحسن)
صغاني (رضي الدين)
صفاري (يعقوب)
الصفدي: 576
صفي الدولة بن الجمل: 342، 346، 352، 391
صفي الدين الأرموي: 539
صفي الدين بن عبد المؤمن: 381، 408، 409، 432
الصفي بن المالحاني: 399
صفي الدين محمد: 310، 311
صلاح الدين (السلطان): 234
صواب الخادم السكورجي (شمس الدين): 431
صورغان شير بن الأمير چوبان: 590
صيرفي (الجمال)
ضياء الدين بن سكينة: 255
طاطي: 503
طالش بن چوبان: 549
طايغور، كايغور (الشحنة): 127
طبرسي (تاج الدين، علاء الدين)
طبري (يحيي بن جلال الدين)
طغا خاتون: 548
طغاي: 570، 590
طغاي تيمور، طغا تيمور؛ طوغاي تيمور، طغيتمور: 593، 594، 596، 599
طغتكين: 574
طغرل بيك: 109، 175
طفيل بن منصور: 554
طهراني (عبد اللّه بن عبد الجليل)
طوسي (نصير الدين، محمد بن محمد، أحمد بن الخواجة نصير الدين؛ حسن بن الخواجة نصير الدين، صدر الدين): 28
طوطوق: 60
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 637
طوغا بيك: 590
طوغاجار، طغاجار، تغاجار ياغوجي:
362، 414
طوغان بغا: 540
الطوفي (سليمان): 528، 545
الطويل العلوي: 271
الظاهر بأمر اللّه: 254
الظاهر بيبرس (الملك): 262، 263، 264، 268، 321، 574، 603
الظاهري (داود، محمد)
ظهير الدين البخاري: 274، 371
ظهير الدين الكازروني (الكازروني):
280، 385
ظهير الدين محمد بن عبد القادر: 321
العادل بدر الدين سلامش (الملك): 604
العادل بن المنصور: 484
عادل النسوي؛ البسري صاين وزير (الملك نصر الدين): 551
عاقولي (عبد اللّه)
عاني (محمد بن مقلد)
العباس (رض): 302
العباسي (محمد بن المحيا)
عبد الأحد بن سعد اللّه بن نجيح: 400
عبد اللّه (شرف الدين): 255
عبد اللّه بن إبراهيم البغدادي: 490
عبد اللّه بن إبراهيم الجزري: 558
عبد اللّه الباهر: 330
عبد اللّه بن بركات الخشوعي: 533
عبد اللّه بن بلدجي الموصلي (مجد الدين): 374، 375، 401، 439، 571
عبد اللّه بن جعفر (محيي الدين): 559
عبد اللّه بن جميل الجبي (صفي الدين):
300
عبد اللّه بن حبيب الكاتب (الشيخ زكي الدين): 318، 373
عبد اللّه الزريراني البغدادي (تقي الدين أبو بكر): 565، 568
عبد اللّه بن أبي السعادات الأنباري البابصري (نجم الدين أبو بكر):
472
عبد اللّه الشرمساحي (الشيخ سراج الدين): 300
عبد اللّه العاقولي (الشيخ جمال الدين):
317، 371، 378، 424، 562
عبد اللّه بن عبد الجليل الطهراني (القاضي فخر الدين): 298، 299
عبد اللّه بن عبد المؤمن (نجم الدين المقري): 454
عبد اللّه بن علاق: 476
عبد اللّه بن عمر البيضاوي (القاضي أبو الخير): 31
عبد اللّه بن عمر بن اللتي: 322، 375
عبد اللّه الفاروثي (الشيخ نصير الدين أبو بكر): 356، 456
عبد اللّه بن فضل اللّه الشيرازي المعروف بوصاف الحضرة: 17، 476
عبد اللّه ابن قاضي البندنيجين (نظام الدين): 356، 363
عبد اللّه بن محمد القاشاني المؤرخ (أبو
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 638
القاسم): 470، 471، 578، 589
عبد اللّه القوساني (نجم الدين): 392
عبد اللّه الكازروني (جلال الدين): 486
عبد اللّه بن محمد المعروف بابن الخوام:
513
عبد اللّه بن محمد بن نصر الجيلاني (أبو
سعد): 464
عبد اللّه بن محمد الواسطي (نجم الدين):
532
عبد اللّه بن محمود: 341
عبد اللّه مخلص: 279، 281
عبد اللّه بن وجيه الدين التكريتي (نصير الدين): 533
عبد اللّه بن يحيي الجزائري (الجمال):
591
عبد اللّه بن يونس: 291
عبد الجبار البصري (جمال الدين):
416، 421
عبد الجبار بن عكبر الواعظ (جلال الدين): 262، 320، 542، 571
عبد الحليم بن محمد المغربي: 495
عبد بن حميد: 473
عبد الحميد بن أحمد: 382
عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني المعروف بابن أبي الحديد (عز الدين): 252
عبد الدائم: 374، 533
عبد الرحمن (الأمير): 199
عبد الرحمن (شمس الدين): 292
عبد الرحمن (أبو الفرج الشيخ جمال الدين): 255
عبد الرحمن (أبو الفضل؛ أبو الفضائل):
194، 196
عبد الرحمن (الشيخ): 342، 358، 580
عبد الرحمن البزار (أبو الفرج): 430
عبد الرحمن بن تاشان (نور الدين):
390، 393، 412، 416، 417، 420
عبد الرحمن التبريزي (تاج الدين): 515، 519
عبد الرحمن ابن الزجاج: 570
عبد الرحمن بن سلمان الحربي (مفيد الدين أبو محمد): 438
عبد الرحمن السهروردي (جمال الدين):
591
عبد الرحمن بن عسكر (شهاب الدين أبو أحمد): 565، 569
عبد الرحمن بن علي بن أحمد: 281
عبد الرحمن قنيتو المؤرخ: 203، 505، 506
عبد الرحمن بن اللطيف (الكمال القويرة): 429
عبد الرحمن بن اللمغاني: 297
عبد الرحمن ابن الناقد (عز الدين): 272
عبد الرحيم بن عبد الرحمن الموصلي:
566
عبد الرحيم بن علي الساعاتي: 518
عبد الرحيم بن محمد الموصلي (تاج الدين أبو القاسم): 307
عبد الرحيم بن أبي منصور (ناصر الدين):
313
عبد الرحيم بن يونس الموصلي (تاج
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 639
الدين): 306
عبد الرزاق الرسعني (عز الدين): 272
عبد الرزاق الفوطي (فوطي و ابن الفوطي): 545
عبد السلام ابن الكبوش البصري (عز الدين): 324
عبد السلام بن يحيي التكريتي: 322
عبد الصمد بن أحمد البغدادي (الشيخ مجد الدين): 324
عبد الصمد بن أبي الجيش: 221، 423، 473، 486، 542، 558،
571، 573
عبد الصمد بن أبي الخير: 533
عبد العزيز: 319
عبد العزيز الإربلي (عز الدين): 384
عبد العزيز بلدجي: 374
عبد العزيز بن جعفر النيسابوري (عز الدين): 311، 315، 351
عبد العزيز بن سعود بن الناقد: 320
عبد العزيز بن عبد القادر البغدادي:
320، 399
عبد العزيز بن عدي البلدي: 518
عبد العزيز بن أبي القاسم البغدادي البابصري: 323
عبد الغفار بن عبد اللّه البندنيجي: 466
عبد الغني بن الدرنوس (نجم الدين الخاص): 194، 203، 331
عبد الغني بن يحيي الحراني: 477
عبد القادر الجيلي؛ الكيلاني: 191، 192، 193، 254، 255، 292
عبد القادر بن غيبي: 409
عبد القاهر بن محمد ابن الفوطي (موفق الدين أبو محمد): 253
عبد الكريم بن بلدجي: 274، 375
عبد الكريم بن الحلبي: 466، 558
عبد الكريم بن السباك: 275، 276
عبد الكريم السهروردي: 409
عبد الكريم ابن طاوس (غياث الدين):
406، 407
عبد اللطيف بن أحمد بن محمود: 486
عبد اللطيف بن عبد الوهاب الواعظ:
201
عبد اللطيف بن الكويك (سراج الدين):
573
عبد اللطيف بن محمد القبيطي: 322
عبد المؤمن البندنيجي: 221
عبد المؤمن بن خلف الدمياطي: 320
عبد المحمود ابن السهروردي: 398
عبد الملك الجويني (إمام الحرمين):
367
عبد المنعم البندنيجي (نظام الدين):
221، 297
عبد الوهاب بن سكينة: 430
عبد الوهاب ابن قاضي دقوق: 391
عبد اليشوع: 337، 347
عبيد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: 333
عثمان بن إبراهيم: 375
عثمان بن عفان: 212، 497
عثمان بن المتوكل: 266
عثمان بن مسعود الواسطي: 388
عثمان بن الموفق: 533
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 640
عجل بن نعير: 483
عجيبة: 563
عراقي (علم الدين)
العز الإربلي (الطبيب): 408
العز ابن جماعة: 572
العز الحراني: 465، 572
عز الدين (ابن الوزير العلقمي): 224، 226
عز الدين ابن الأثير: 250
عز الدين جلال: 363
عز الدين بن أبي الحديد: 221، 227
عز الدين ابن الزنجاني: 307، 352، 371، 380، 386، 398
عز الدين الخطيري: 523
عز الدين ابن الخواجة
رشيد الدين: 506
عز الدين بن فتح الدين: 190
عز الدين القوهدي (الخواجة): 507
عز الدين ملك الروم (السلطان): 161، 162، 168، 237
عز الدين ابن الموسوي العلوي: 221
عزة الملك: 599
العزيز (الملك): 266
عسقلاني (أحمد بن علي)
عطيفة: 494
عطا ملك ابن الصاحب بهاء الدين محمد الجويني (الصاحب علاء الدين):
14، 15، 17، 54، 143، 166، 186، 257- 262، 271، 272، 276، 277، 278، 289، 290، 295، 297، 298، 299، 301، 304، 306- 310، 321، 323، 324، 325، 327، 328، 333، 339، 340، 342، 343، 345، 348، 349، 351، 352، 360، 366، 380، 383، 390، 417، 441، 442، 457، 513، 533، 555
العفيف ابن الزجاج: 382
عفيف الدين الحنبلي: 427
علاء الدولة (الشيخ): 552
علاء الدين: 152، 250
علاء الدين التون پارس (الدواتدار الكبير): 181، 196
علاء الدين بن بهاء الدين: 111
علاء الدين الطبرسي: 222، 415
علاء الدين طيبرس: 264
علاء الدين ابن الخواجة عماد الدين (الخواجة): 588
علاء الدين الهندي (الخواجة): 507
علاء الدين (علاء الملك): 269
علاء الملك السمناني: 471
علقمي (ابن العلقمي)
علوش: 347
علوي (حسن بن علي، شرف الدين، عز الدين، علي ابن الصلايا؛ عماد؛ محمد بن الحسن؛ محمد ابن صلايا، محمد بن نصر الهاشمي)
علي (رضي الدين): 212، 292، 316
علي بن أبي بكر بن روزبة: 322، 375، 382، 399
علي بن أبي بكر بن الكردي: 354
علي بن أبي طالب (رض): 295، 312، 316، 407، 458، 459، 461،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 641
497، 498، 501
علي بن أبي عفان الخطيب المعروف بابن شيخ النجل (محيي الدين): 467
علي بن أبي الفتح ابن الفخر عيسي الإربلي (بهاء الدين)
علي بن أحمد الآمدي (الشيخ زين الدين العابر): 419، 423
علي بن إدريس البعقوبي (الشيخ): 254، 359
علي إسفنديار (نجم الدين): 325
علي بن الأطلبي (الشيخ نور الدين):
299
علي بن الأعوج (شمس الدين):
324
علي بن أميران (شرف الدين): 325، 327، 406
علي بن أنجب الساعاتي (الشيخ تاج الدين أبو طالب): 252، 318، 419، 533
علي بدر الدين: 363
علي بن بدر الدين إسحاق بن لؤلؤ الموصلي: 567
علي بهادر شحنة بغداد (الأمير): 220، 257، 261، 262، 271، 272
علي تاشان (تاج الدين): 400
علي بن تغلب الساعاتي (نور الدين):
373
علي بن جعفر (الأمير): 582
علي بن جعفر (مجد الدين): 357
علي جكيبان (شكيب): 342، 346، 351، 376، 379
علي بن الحسن الواسطي (الشيخ): 570
علي بن حسين: 545
علي بن الحسين النيار (أبو الحسن):
255
علي الحكيم الخطاي (علاء الدين): 515
علي بن حنظلة بن أبي سالم الداعي:
166
علي الخباز (الشيخ): 253، 254
علي الدستجردي (جمال الدين)
علي ابن الدوامي (تاج الدين): 221، 251
علي ابن السكري: 489
علي بن سلطان: 273
علي بن سليمان البحراني: 335
علي بن سنجر بن السباك: 773 274
علي شاه الأويراتي: 515، 517، 520، 524، 527، 528، 541، 570، 581، 582، 583، 584، 585، 586، 589، 590، 591، 592، 609
علي شاه التبريزي (الخواجة تاج الدين):
470، 490، 491، 492، 496، 507، 508، 585، 586
علي شاه بن تكش: 112
علي ابن الصلايا العلوي (كمال الدين):
333
علي ابن طاوس (السيد رضي الدين):
272، 292
علي ابن الطقطقي (السيد تاج الدين):
310، 311
علي بن عبد اللّه (شهاب الدين): 304، 306، 373
علي بن عبد اللّه الحنبلي: 543
علي بن عبد العزيز الإربلي: 253
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 642
علي بن عبد العزيز المغربي البغدادي (تقي الدين): 378
علي بن عبد اللطيف الألخمي: 590
علي بن عبد اللطيف بن يحيي: 427
علي بن عبدوس (تاج الدين): 319
علي بن عثمان بن عبد القادر الوجوهي:
570
علي بن عدلان (عفيف الدين): 296
علي بن عفيجة (عز الدين): 391
علي بن علاء الدين عطا ملك الجويني (مظفر الدين): 398، 426
علي القوشجي (الأمير): 478، 593
علي كوچك (زين
الدين): 233
علي ابن العنبري: 291
علي بن مبارك البكري (إمام الدين): 580
علي بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر (أمير الموصل السيد علاء الدين):
560
علي بن محمد الرقي (بدر الدين): 356
علي بن محمد بن حسن بن نبهان اليشكري: 340
علي بن محمد بن محمد بن وضاح:
570، 571، 573، 590
علي بن محمد بن ممدود البندنيجي (أبو الحسن): 579، 589
علي بن محمد الكازروني: 428، 429
علي بن الموسوي (نجم الدين): 317
علي بن النيار: 409
علي بن هلال المعروف بابن البواب (أبو الحسن): 373
علي اليزدي (شرف الدين): 26
علي اليناق، ناق؛ آل يناق، اليناخ:
359، 360، 397
علم الدين العراقي: 454
عماد بن أشرف العلوي: 32، 569، 570
عماد الدين زنكي: 250
عماد الدين الدستجرداني: 420
عماد الدين علاء الملك السمناني: 471
عماد الدين بن عبد الجبار البصري:
421، 426
عماد الدين بن مجد الدين: 453
عمار بن ياسر: 459
عمر (ابن المتوكل): 266
عمر بن الخطاب (رض): 212، 286، 458، 495، 497، 498
عمر بن عبد اللّه: 330
عمر القزويني (قراتاي عماد الدين):
220، 222، 258، 261، 262، 270، 274، 334، 379، 563
عمر بن كرم: 342
عمر الكرماني: 530
عمر بن محمد السهروردي: 375، 388
عمر بن محمد بن طبرزد: 375
عمر الهمذاني: 334
عمر ابن الوردي: 11، 478، 479، 483، 484، 485، 490، 497، 510، 529، 604
عمرو الصفاري: 175
عميد (الأمير): 127
عنبري (علي)
عيسي بن إبراهيم والي الموصل (فخر
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 643
الدين): 441
عيسي بن داود المنطقي البغدادي: 455
عيسي ابن مريم عليهما السّلام: 309
عيسي المعلوف: 281
عيسي بن مهنا (أمير العرب): 263، 264، 336، 372، 519، 574، 482
العيني: 419، 536
غازان (السلطان محمود): 17، 20، 22، 24، 260، 350، 367، 463، 404، 411، 413، 414، 415، 421، 422، 423، 425، 427، 428، 430، 431، 435، 436، 437، 439، 441، 444، 445، 446، 447،
452، 453، 463، 489، 490، 505، 508، 509، 510، 533، 536، 556، 564
غازي الألفي (الملك المنصور نجم الدين): 267، 336، 343، 463، 467، 484
غازي ابن الملك العادل (شهاب الدين):
13، 134
غايرخان نائب خوارزمشاه: 101، 103، 106، 121، 122
غريغوار العاشر: 338
الغزنوي: 558
غلاة نوين: 126
غوري (حسن بن محمد، محمد بن سام) غياث الدين صاحب هراة: 527، 549، 552، 555
غياث الدين بن علاء الدين (الأمير):
166
غياث الدين محمد: 581، 588، 590، 593
غياث الدين بن همام الدين خواندمير:
367
غياثي: 31، 469، 555
فارسي (سلمان)
فاروثي (عبد اللّه)
فاروقي (نصير الدين)
فاطمة الزهراء: 302
فاطمة بنت مظفر الدين أحمد الساعاتي:
419
فتح الدين كر: 173، 189، 190
فخار بن معد: 316
فخر بن البديع: 455
فخر الدولة: 393، 394
فخر الدين باشا ابن جميل: 280
فخر الدين الإمام: 387
فخر الدين ابن الدامغاني: 194، 220، 256
فخر الدين الرازي العلوي: 111، 406
فخر الدين ابن الطراح: 368، 369، 371، 380، 384، 394، 412، 416، 417
فخر الدين ابن الفصيح: 559
فخر الدين المنجم: 280
فخر الدين ابن النيار: 346
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 644
الفخر الموصلي: 430، 542، 570، 575
فرج الكردي: 31
فرج اللّه بن شمس الدين صاحب الديوان:
367، 392
الفرضي: 375
فضل بن الجيلي: 438
الفضل بن الربيع: 259
فضل بن ربيعة: 372
فضل بن عيسي (أمير العرب): 372، 493، 506، 520، 521، 532، 539، 574
فضل بن يحيي الطيبي: 408
فضل اللّه بن عبد الرزاق: 427، 464
فلج البغدادي: 264
فوللرس: 357
فياض بن مهنا: 483، 493، 520
فيان دنكوز: 71
الفيروز آبادي: 273
فيروز شاه: 549
قائم بأمر اللّه: 266، 302
قابول خان: 72، 79
قاجولي: 79
قاراخان: 66، 67، 68
قازان: 415، 512
قاسم بن أبي الحديد المدائني (موفق الدين أبو المعالي-): 251
قاشاني: 508
قاليماجو: 76
قاميش: 153
قانوني (سليمان)
قاهر الشجاعي (الملك): 406
قايدوخان: 74، 75، 78
قايماز (مجاهد الدين): 234
قباذ بن فيروز: 177
قبجا: 263
قبجاق: 69
قبجاقي (قراسنقر)
قبلاي أغول (قوبلاي): 155، 156
قبلاي قاآن (قوبلاي، قوبيلاي): 288، 294
قتادة نائب الشرطة: 329
قتلغ شاه، قتلو، خطلو المغلي (ناصر الدين): 304، 329، 339، 380، 383، 384، 390، 425، 436، 437، 451، 455، 463، 469، 485، 496
قداق: 152
قدسون: 185
قرا أرسلان: 267، 467
قراتاي، قراطاي بيتكجي (شهاب الدين):
186، 222، 524
قراجاخان، قرا حاجب: 121
قراسنقر: 474، 480، 488، 506، 526، 527، 535، 536، 554، 562، 563، 603
قراسنقر، سنقور القبجاقي: 187، 188، 190
قراسنقر المنصوري (الأمير): 474، 478، 479، 480، 481، 482، 517
قرمشي؛ قورمشي: 469، 516، 517
موسوعة
تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 645
قزقز الناصري: 182
قزويني (زكريا، سراج الدين؛ سعد الدين، عمر، محمد بن أبي بكر؛ محمد، يحيي)
القزويني: 185، 192
قطب الدين (الملك): 600
قطب الدين الزنجاني: 401
قطب الدين الشيرازي: 358
قطب الدين مودود: 343، 344
قطب الدين بن مودود بن زنكي: 233
قطز (الملك المظفر): 264، 267، 268، 283، 463، 603
قطلو؛ يلقطو: 536
قلانسي (أحمد بن علي)
قلاوون الألفي (سيف الدين أبو مظفر الملك المنصور): 345، 358، 499، 574، 604
قليج قارا: 88
قنجاق (الأمير): 435، 436
قنيتو (عبد الرحمن)
قونقورتاي؛ قونغرتاي؛ قونغرناي: 360
قوتوقابكي: 581
قوجاقور: 85
قوجوم بورول: 76
قودو: 96
قورنار اوغول: 158
قوروسوماجو: 88
قوساني (عبد اللّه)
قوشجي (علي؛ الأمير علي)
قولي (تولي) بن أورده بن جوجي: 185
قوناق: 153
قونقورتقاي: 154
قوهدي (عز الدين)
قووا: 76
قوي مارال: 76
قويوخان: 61
قويولدارچچن: 86
قيچي مركن: 76
قيراغا، قرابوقا، قرابوغا: 222، 272، 277، 278، 289
قيرغيزخان: 63، 70
قيشلق: 85
قييات، قييان: 71، 72، 75
كاتب چلبي: 32، 419، 512، 576
كاترمير: 427
كاشغري (إبراهيم بن عثمان): 430، 467
الكازروني: 318
كازروني (محمود، علي بن محمد؛ عبد اللّه، ظهير الدين)
كاظم الدجيلي: 281
كامل (الملك): 269
كبشي (شمس الدين؛ محمد)
كپك: 478، 479
كتبغا، كيتوبوقا (الأمير): 162، 163، 177، 178، 185، 189، 190، 196، 267، 283، 406
كتبي: 38، 366، 538، 562
كتيفا (أبو منصور الطبيب النصراني):
409
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 646
كديدا: 352
كردي (خليل بن بدر؛ فرج)
كرزدهي (فخر الدين): 345، 346
كركوز: 259
كرماني (عمر)
كريم الدين القاضي: 524، 531، 534، 535، 542
كشلو، كشلي؛ كوچلو، كوچلوك: 48، 91، 92، 95، 96، 97، 98، 99، 113، 118، 123
كفني (تاج الدين)
كلكان: 138
كلمنت الرام (البابا): 338
كمال البزاز: 568
كمال الدين الزملكاني: 547
كمال الدين كوچك: 425
كمال الدين ابن المخرمي: 388
كمال الدين محمد: 292
الكندي: 272
كواشي (أحمد، الموفق): 558، 559
كورخان: 67، 85، 92، 96، 98
گوزخان: 67
كوساني (حسن)
كوفي (ربيع محمد؛ شمس الدين؛ محمد بن أحمد، محمد بن عبد اللّه)
كوك خان:
123
كوكا أيلكا، كوكا أيكا: 163، 186
كوكبري، كوكبوري (مظفر الدين أبو سعيد): 234، 235
كوكجه بن منكليك ايچيكه: 90
گون خان: 70
كي: 309
كيابزرك أميد: 164
كيباية (نجم الدلال): 326، 327، 347
كيخاتو، كيغاتو، كيختوخان: 396، 400، 401، 402، 404، 405، 410، 411، 413
كيخسرو (غياث الدين): 397
كيد بوقا الباورجي: 158
كيوك بن أوكتاي: 150، 151، 152، 153، 154، 405
كيومرث: 60، 69
لؤلؤ دمشق خواجة: 548، 550
لبان: 484
لري، لوري (أحمد)
لكزي بن أرغون أقا: 405
لمغاني (عبد الرحمن)
لويس شيخو: 443
ليتاجي: 437
مارحيا: 270
ماردنحا: 290
مارستاني (أحمد، أحمد بن يعقوب)
مارغوزخان: 85
ماستري (زين الدين)
مأمون: 302، 333، 457
ماميشاي: 85
مانقوت: 79
مبارز الدين كك: 176
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 647
مبارك بن حامد (تقي الدين): 319
مبارك شاه: 386، 476، 477، 552
مبارك شاه السباوي الوزير (أبو المناقب الخواجة شهاب الدين): 196، 200، 470
المبارك بن الضحاك (عضد الدين): 230
مبارك بن علي: 292
المبارك بن محمد بن مزيد: 427
مبارك ابن المخرمي (فخر الدين أبو سعيد): 221، 290، 291
مبارك ابن المستعصم: 537
مبارك الهندي الجوهري (أمين الدين):
317
المبرز بن عبد اللّه الموصلي: 274
متوكل (عبد العزيز): 184، 266
المتوكل (محمد): 265، 266
المثني: 208
المجد النشابي: 206
مجد الدين (الشيخ): 132
مجد الدين التبريزي: 235
مجد الدين الحراني (الشيخ): 565
مجد الدين بن الظهير الإربلي: 430
مجد الدين قاضي شيراز: 459
مجد الدين اليزدي: 334، 336، 337، 339، 342، 343، 345، 346، 349
محفوظ بن معتوق المعروف بابن البزوري (أبو بكر): 420
محمد بن عبد اللّه (النبي صلّي اللّه عليه و سلّم): 301، 302، 458، 495
محمد السلجوقي: 175
محمد (صفي الدين- ابن الطقطقي):
311، 440، 441
محمد (الملك الناصر): 604
محمد بن أبي بكر: 519
محمد بن أبي بكر القزويني: 467
محمد بن أبي بكر السمرقندي (برهان الدين): 539
محمد بن أبي الحسن الخراز (الحوار):
299
محمد بن أبي سعد (الشريف أبو نمي):
494
محمد بن أبي العز البصري (نجم الدين) محمد ابن الأثير (مجد الدين): 222، 325، 345، 356، 363، 364، 370، 379، 421
محمد بن أحمد الدباهي: 478
محمد بن أحمد السمناني (شرف الدين)
محمد بن أحمد بن شبل الحريري: 485
محمد بن أحمد بن طاوس (النقيب جمال الدين)
محمد بن أحمد القطيعي: 399
محمد (محمود) بن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي الكوفي الواعظ (شمس الدين): 321
محمد بن
أحمد بن عمر القطيعي: 322
محمد الآوي، أوجي، اللوحي السيد (تاج الدين أبو الفضل)
محمد أزبك: 549
محمد بن أسعد التستري: 566
محمد الأمين: 184
محمد أمين غزال: 532
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 648
محمد بن أنوشتكين (قطب الدين): 110
محمد بن برس (أسد الدين): 353
محمد البرزالي (شمس الدين أبو عبد اللّه): 575
محمد بركة (الملك ناصر الدين): 603
محمد البروجردي (شمس الدين): 309، 324، 340
محمد بن بصلا (شرف الدين): 364
محمد بكتمر: 593
محمد بن تكش (علاء الدين، خوارزمشاه قطب الدين): 96، 98، 99، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 109، 110، 111، 131، 175
محمد بن جار اللّه (أبو عبد اللّه): 530
محمد بن جعفر البصري (القاضي عز الدين): 306
محمد بن جلال الدين (علاء الدين):
164
محمد بن الحسن (خواند): 164
محمد بن حسن الأبهري: 309
محمد بن الحسن الإسماعيلي (علاء الدين): 163، 313
محمد بن الحسن الصرصري (ظهير الدين): 333، 456، 457
محمد بن الحسن ابن طاوس العلوي (مجد الدين): 251
محمد بن الحصري: 416
محمد بن حلاوة: 545
محمد الخالدي التبريزي (قطب جهان زين الدين): 406، 426، 427، 579
محمد بن الخراط و يعرف بابن الدواليبي
البغدادي (الشيخ عفيف الدين أبو عبد اللّه): 515، 563، 568
محمد بن دانيال الكحال المراغي الموصلي (شمس الدين): 573
محمد رضا الشبيبي: 190
محمد بن الخواجه رشيد الدين (غياث الدين): 509، 547، 549، 555، 576، 577، 578، 586
محمد زرديان (شمس الدين): 412
محمد بن الزياتين (الشيخ شمس الدين):
428
محمد بن سالم المنبجي (كمال الدين):
570
محمد بن سام بن حسين الغوري (غياث الدين أبو الفتح): 110
محمد بن سعيد بن الخازن: 379، 400
محمد بن سعيد بن الموفق: 353
محمد بن السكران: 298
محمد السكورجي (شمس الدين): 402، 403، 406، 412
محمد (السلطان): 120، 121، 122، 126
محمد سنقر: 182
محمد شريف الداماد: 557
محمد بن شمام (عز الدين): 371، 412، 426
محمد
الشيباني التلعفري (شهاب الدين):
322
محمد ابن صلايا (ابن صلاية) العلوي (تاج الدين أبو المعالي): 177، 229، 232، 235
محمد بن طاوس (جمال الدين): 316
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 649
محمد بن عبد اللّه البغدادي المحدث الصوفي (رشيد الدين أبو عبد اللّه):
462
محمد بن عبد اللّه بن أبي القاسم: 273، 274
محمد بن عبد اللّه المالحاني: 273، 274
محمد بن عبد اللّه الكوفي الواعظ (شمس الدين): 240
محمد بن عبد الرحيم: 381
محمد بن عبد المحسن الدواليبي: 276
محمد عبده (الشيخ): 445
محمد بن عبد الهادي: 533
محمد بن أبي العزيز: 386
محمد بن عكبر (الشيخ شرف الدين):
416
محمد ابن العلقمي (مؤيد الدين): 44، 220، 227، 229، 242، 243، 244، 245، 251، 252، 293، 440
محمد ابن العلقمي (عز الدين أبو الفضل): 224، 226، 232، 244، 245، 257
محمد بن علي ابن الوراق المعروف بابن خروف الموصلي (شمس الدين أبو عبد اللّه): 340، 558
محمد بن علي الرقي: 387
محمد بن علي الساوجي وزير نيكو:
428، 476، 477
محمد بن علي السباك: 273
محمد بن علي بن المنشي النسوي (شهاب الدين): 10، 11، 91، 568
محمد بن علي بن أبي السهل: 379، 400
محمد ابن الصاحب عماد (الخواجة علاء الدين): 555
محمد بن عمر الحراني البغدادي: 473
محمد بن عمر بن المرنج: 274، 439
محمد بن عيسي (أمير العرب): 493، 495، 503، 504، 523، 540
محمد ابن الفاخر: 514
محمد بن قرا قاسم النسوي (الأمير): 98
محمد القزويني (القاضي نصير الدين):
531
محمد بن قلاوون (الناصر): 594، 596
محمد بن قيصر البغدادي (نجم الدين):
530
محمد الكبشي (شمس الدين): 294
محمد بن كرام: 110
محمد ابن الكويك (شمس الدين): 486
محمد بن كيا بزرك أميد: 164
محمد (السلطان مظفر الدين): 592، 598
محمد بن المبارك المخرمي: 273، 274
محمد بن محفوظ بن و شاح الحلي (تاج الدين): 380
محمد بن محمد الدباب (أبو الفضل):
274،
439، 542
محمد بن محمد بن السباك: 322
محمد بن محمد الطوسي (الخواجة نصير الدين الطوسي)
محمد بن محمد الوزان (تاج الدين):
558
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 650
محمد بن محمود بن حسن الموصلي:
486
محمد بن المحيا العباسي (الشيخ محيي الدين): 316، 317
محمد بن مسعود بن بهروز: 353
محمد بن مقلد التكريتي المعروف بابن الصائغ (أبو الهدي): 572
محمد بن مقلد العاني الدلال المقسمي:
530
محمد المندو: 337
محمد بن أبي صالح نصر الجيلي (الجيلاني)؛ (أبو نصر): 253
محمد بن نصر الهاشمي العلوي (تاج الدين أبو المكارم): 233
محمد بن النفيس بن عبد الوهاب: 342
محمد بن النفيس بن عطاء: 342
محمد بن هلال المنجم (نجم الدين):
378
محمد الواسطي (أبو البدر): 353
محمد بن يعقوب ابن أبي الدنية؛ أبي الدثنة (شهاب الدين أبو سعيد):
341، 439، 533، 542
محمد بن يوسف بن زيلاق (محيي الدين): 268، 269
محمد بن يوسف الزرندي: 539
محمد بن يونس الباعشيقي (شمس الدين): 270، 289
محمدي (أيتمش)
محمود (أميرزاده): 584
محمود (غياث الدين): 110، 111، 112
محمود (نظام الدين): 398
محمود بن أبي بكر البخاري: 274
محمود بن أحمد الزنجاني (أبو المناقب شهاب الدين): 251
محمود بن أحمد العيني (الشيخ بدر الدين أبو محمد): 38
محمود الأصم: 492
محمود الجاجرمي (الشيخ ضياء الدين):
296
محمود الدقوقي (تقي الدين أبو الثناء):
542، 571
محمود سبكتكين: 133
محمود شكري أفندي الآلوسي (السيد):
457
محمود (شيخ الشيوخ نظام الدين): 422
محمود بن أبي العز الواسطي: 375
محمود بن علي وزير بغداد (نجم الدين):
595
محمود غازان (السلطان): ر: غازان محمود الكازروني: 486
محمود الهروي (القاضي نظام الدين):
316
محمود يالواجي؛ يالواج: 102، 103، 152، 156
محيي الدين قاضي تبريز: 579
المختار الثقفي: 214
مخرمي (بندار، علي؛ مبارك)
مدائني (عبد الحميد، قاسم)
مراغي (شرف الدين؛ محمد بن دانيال)
مرتضي أفندي آل نظمي: 19، 35
مرسي: 493
مرشد الهندي: 200
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 651
مري بن ربيعة: 574
مزي: 501، 568
مسعود: 296
مسعود بك بن
محمود يالواجي: 156، 160
المسترشد باللّه: 264
المستعين باللّه: 265
المستعصم (الخليفة): 169، 180، 194، 200، 201، 203، 204، 216، 227، 229، 242، 243، 244، 245، 247، 255، 256، 287، 299، 358، 409، 432، 506
المستكفي باللّه: 264، 265، 266
المستمسك باللّه: 266
المستنجد باللّه: 266
المستنصر (الخليفة): 175، 194، 196، 197، 198، 199، 200، 201، 227، 263، 264، 265، 300
مسعود (الأمير): 152
مسعود بن شمس الدين محمد صاحب الديوان: 367، 392
مسعود بن محمد ملكشاه: 302
مسعود بن أعلم الدين يعقوب البرقوطي:
298، 323، 378، 390، 391
مسمار بن عمر بن العويس: 375
مشرف بن علي الخالصي: 320
مصر خواجة: 548
مصري (الحاج المصري)
مصطفي جواد: 13، 176، 177
مصطفي رحمي: 29
مطري: 559
المطيع للّه: 439
مظفر الدين ابن الصاحب: 347
مظفر ابن الطراح (فخر الدين): 271، 309، 316، 329، 340، 380
المظفر (الملك): ر: قطز
مظفر بن المستوفي (سعد الدين): 363، 376
المعافي الموصلي: 566
معاوية بن أبي سفيان: 212
معتز: 184
المعتضد باللّه (داود): 265
المعتضد باللّه (ابن المستكفي): 265
معتقل بن فضل (أمير العرب): 580
معتوق بن البزوري (نجم الدين)
معروف (عز الدين أمير بغداد الخواجة):
560، 582
معروف الكرخي: 332، 388
مغربي (عبد الحليم، علي بن عبد العزيز)
مغول خان: 66
مفيد الدين الحربي (الشيخ): 565، 568
المقتفي: 263
مقريزي: 43، 143
مكتفي: 302
مكرمين بك: 36
مليخا: 290
ممدوخان: 98
م. م. رمزي: 59
منبجي (محمد بن سالم)
منتصر: 184
منشي النسوي (محمد بن علي): 10، 11، 13، 14، 47، 91، 118، 132، 134، 135
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 652
منصور (الملك): ر: غازي الألفي
منصور ابن الصاحب علاء الدين الجويني: 347، 398، 390
منصور (الملك): ر: قلاوون
منصور بن المؤذن (نجم الدين): 317
منكبرتي؛ منكوبرتي (جلال الدين خوارزمشاه)
منكسار: 156
منكلي خان: 70
منكو قاآن، مانغو؛ مانكو: 148، 153، 154، 155، 156، 158، 159، 160، 161، 173، 180، 181، 236، 279، 288، 405، 581
منكوتمر؛ منكوتيمورخان و يلقب (كلك):
336، 337، 362
منهاج الدين
بن سراج الدين الجوزجاني (القاضي): 19
منوجهر الپيشدادي (فخر الدين): 271، 416
المهدي: 368
مهنا بن عيسي (الأمير حسام الدين):
464، 480، 483، 487، 493، 495، 514، 519، 521، 522، 523، 524، 528، 529، 532، 539، 540، 573، 574
موراجادوهسون المستشرق: 29، 146
موسي الإربلي (الشيخ مجد الدين): 505
موسي الإربلي (كمال الدين): 489
موسي خان (السلطان): 584، 585، 586، 590، 591، 592، 593، 596
موسي بن مهنا: 482، 493، 522، 523
موصلي (أحمد بن الزكي، أحمد بن موسي، ثابت بن أحمد، عبد الرحيم بن عبد الرحمن، عبد الرحيم بن محمد، عبد الرحيم بن يونس، عبد اللّه؛ علي بن بدر الدين إسحاق؛ فخر، محمد بن أحمد، محمد بن دانيال، محمد بن علي؛ محمد بن محمود، يعقوب بن إسحاق؛ يوسف بن محمد)
مولاي (الأمير): 436
مونولون: 74، 75
ميسور: 478
مينكار بهادر: 95
مينكيليك ايچيگه: 73، 82، 83، 85
مينكيلي؛ هوجا: 76
نابلسي (بدر الدين)
نارتان خان: 72
ناصح ابن الحنبلي: 468
ناصر (الملك): 264، 266، 267، 268، 283، 329، 383، 480، 481، 482، 489، 505، 518، 522، 524، 525، 527، 528، 534، 540، 542، 545، 549، 562، 574، 577، 593، 596
ناصر خسرو: 165
ناصر الدين (الأمير): 517
ناصر الدين بن علاء الدين: 235
ناصر لدين اللّه (الخليفة): 103، 104، 105، 106، 114، 132، 312
ناصر ابن الهيتي: 546، 579
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 653
نافوا: 155
ناولدار (الأمير): 428
نجاد بن أحمد أمير آل مري: 488
نجلي النخچواني (الأمير): 225
نجم الدين: 420
نجم الدين معتوق ابن البزوري: 446
نجم الدين البادراني: 331
نجم الدين خواجة: 306
نجم الدين بن الدرنوس: 221، 334، 347
نجم الدين بن عكبر: 542
نجم الدين بن عمران: 220، 256
نجم الدين محمد بن أبي العز البصري:
309، 318، 380، 392
نجم الدين بن المعين: 221، 256، 416
نجيب: 476، 533
نجيب الدولة الطبيب اليهودي: 471، 491، 496
نجيب الدين
بن نما (الشيخ): 316
نحوي (تقي الدين بن كليب)
نخچواني (نجلي؛ هندوشاه)
نسفي (محمد)
نسوي (محمد بن قرا قاسم، محمد بن علي المنشي)
نشتري: 589
نصر بن عبد الرزاق الجبلي: 375
نصر بن الماشعيري اليهودي (مهذب الدولة): 364، 389، 392، 393، 394
نصراني (شمس الدولة)
نصرة الدين بن ارغش: 327، 328
نصرة الملك (صائن وزير): 588
نصرة الدين أحمد: 411
نصير الدين الطوسي (الخواجة) [ر:
محمد بن محمد الطوسي]: 163، 184، 186، 194، 195، 200، 225، 238، 248، 276، 280، 284، 285، 308، 310، 312، 313، 335، 339، 387، 437، 489، 513، 515، 533، 537، 609
نصير الدين الفاروقي: 309
نعمان الآلوسي: 370
نعماني (تاج الدين، حسام الدين)
نعير بن حيار: 483
نقاجو: 402
نقاش (أحمد بن البواب)
نكون، نوكون: 71، 72، 76
نوح: 35، 434، 511
نور الدين عبد الرحمن: 392، 393
نور الدين المالكي: 387
نوروز بن شمس الدين الجويني (الأمير):
260، 270، 350، 392، 413، 414، 415، 421، 422، 425
النويري: 498
نيسابوري (عبد العزيز)
نيطاق (الأمير): 400
نيقولا الثالث: 338
نيماج: 76
هاجر: 204
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 654
هارون الجويني (الخواجة شرف الدين):
301، 302، 307، 333، 343، 348، 354، 356، 363، 364، 381، 387، 432، 457، 513
هاشم خان: 143
هدية البغدادية: 484
الهراس: 484
هروي (محمد ابن شيخ الإسلام، محمود) هلاكوخان، هولاكو، هلاوون؛ قولاخو، قولاقو: 6، 14، 28، 29، 32، 35، 38، 39، 43، 45، 46، 53، 108، 148، 155- 163، 166- 178، 183- 188، 190- 199، 214، 220، 221، 223، 224، 225، 226، 229، 230- 233، 235- 238، 240، 245، 246، 248، 249، 250، 251، 256، 259، 260، 261، 262، 266، 267، 268، 269، 271، 277، 278، 279، 280، 282، 283، 285، 287، 288، 291، 292، 312، 314، 342، 366، 374، 405، 437، 440، 447، 576، 581، 594، 599
همام (هلال) بن
صالح البغدادي (أبو الحارث): 575
همذاني (جعفر؛ رشيد الدين، فضل اللّه) هنايسي (أبو الفتح، شمس الدين، محمد بن أبي فراس)
هندوخان بن ملكشاه بن تكش: 110، 111
هندوشاه النخچواني: 441
هندوي بيتكجي: 195
هندي (علاء الدين، مبارك، مرشد)
هوبايجو: 229
هوداس المستشرق: 13
هورقوداق (الأمير): 454، 495
هوشتاي، هوشتكتاي: 278، 294
هيتي (ناصر)
الواثق باللّه (إبراهيم): 265
الواثق باللّه (عمر): 265
واسطي (أحمد بن غزال، أحمد بن محمد؛ عبد اللّه، علي بن أحمد؛ محمد بن سعد)
وجوهي (أبو الحسن؛ علي بن عثمان) وداعي: 446
وصاف الحضرة (عبد اللّه بن فضل اللّه الشيرازي)
ولدي: 480
ولي أفندي: 18
ياريم شير بوقانجو: 79
ياسين العمري: 13
يافث: 56، 57، 60، 61
ياقوت المستعصمي (جمال الدين):
257، 354، 432، 434، 608
يحيي (عز الدين أبو زكريا): 291، 292
يحيي بن إبراهيم ابن صاحب سنجار:
476
يحيي البكري القزويني (إمام الدين):
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 655
406، 426، 432، 438
يحيي بن جلال الدين الطبري (ناصر الدين): 470
يحيي بن أبي السعود: 400، 427
يحيي الصرصري (أبو زكريا): 254
يحيي بن ظهر بغا المغلي: 545
يحيي بن عبد العزيز الناسخ (نجم الدين):
300
يحيي بن شمس الدين محمد صاحب الديوان: 367
يحيي بن محمد بن علي (رشيد الدين أبو طالب): 443
يزدي (علي، مجد الملك)
يسوك: 516
يشكري (علي بن محمود)
يشموت، يسموت: 158
يعقوب: 337، 347، 532
يعقوب بن إسحاق الموصلي (أبو عوانة):
591
يعقوب التاجر: 296
يعقوب شاه: 599
يعقوب الشهرزوري (بهاء الدين): 463
يعقوب الصفاري: 174
يكسون: 437
يلدوز (تاج الدين): 111، 113
يلنجه خان: 63
يوسف (زين الدين أبو المظفر): 234
يوسف أتابك لرستان: 365
يوسف البغدادي (جمال الدين أبو إسحاق): 353
يوسف ابن البقال (الشيخ عفيف الدين):
296
يوسف بن الجوزي (محيي الدين أبو المحاسن): 255
يوسف بن عبد المحمود البغدادي (جمال الدين): 545
يوسف بن المجاور: 566
يوسف بن محمد بن علي بن سرور: 542
يوسف بن محمد ابن قاضي الموصل:
505
يولدوزخان: 76
يونس بن حمزة القطان (الإربلي أبو محمد): 514
يهودي (جلال الدين، سديد الدولة، سعد الدولة، فخر الدولة، نجيب الدولة؛ نصر)
ييلدوزش خاتون، أيلدوزش: 466
ييلديزخان: 70
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 656
آرية: 53، 56
آغا خانية: 165
ألقنوت: 73
اتحادية: 477
أدوركين: 79
أرلات: 73
أرمن: 53، 149، 152، 235، 284
بنو أسد: 601
بنو إسرائيل: 71، 389، 504
إسرائيليات: 56
إسماعيلية: 14، 111، 161، 163، 164، 166، 168، 175، 229، 312، 313، 453، 481
الأغاخانية: 161
أفغان: 68
أموية: 31، 212، 213، 440
إنجليز: 191، 239
أوراسوت: 65
أورماووت: 73
أوروبيون: 44، 53، 59
أوروت: 79
أولاح: 69
أولقنوت: 82
أونغوت: 65
أويرات (أورياد): 64، 92، 158، 581، 584، 590، 591،
592، 593
أويشان: 73
أويغور (ايغور؛ اغور): 23، 61، 70، 92، 108، 120
أويماووت: 73
إيرتكين: 78
إيكراس: 73
إيلجيگن: 73
إيلخانية: 23، 42، 437
إيلدوركيت: 74
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 657
بابا اوت: 74
بابية: 165
بارقوت: 74
بارولاس: 79
بارين: 74
باطنية (إسماعيلية): 161، 313، 314، 402
براهمة: 396
برمك (آل): 215، 482
بلغار: 148
بهائية: 165
بودات: 79
بوذية: 61، 283
بورجيكين قييان: 81
بوسقين حالجي: 78
بوقوق قاتاغين: 78
بولغاچين: 64
بيات: 488، 602
بيت الجمل: 337
تاتار (ر: تتر)
تارنج: 60
تايجوت: 78، 82، 83
تتر: 9، 10، 32، 36، 44، 47، 49، 53، 59، 60، 62، 63، 64، 68- 71، 99، 104، 114 116، 118، 119، 123- 125، 127، 128، 129، 132- 135، 148، 149، 150، 170، 179، 180، 193، 200، 203، 214، 216، 219، 229، 230، 235، 251، 253، 254، 255، 263، 264، 267، 271، 280، 283، 320، 372، 413، 414، 415، 444، 445، 453، 455، 458، 463، 464، 467، 468، 474، 478، 485، 487، 488، 489، 493، 494، 502، 503، 509، 510، 511، 516، 518، 520، 524، 529، 531، 536، 541، 550، 552، 555، 564، 570، 580، 590، 595، 599
ترك، أتراك: 9، 10، 15، 20، 22، 23، 24، 33، 35، 36، 37، 49، 51، 53، 54، 57- 60، 62، 65، 66، 82، 90، 97، 107، 111، 117، 118، 135، 143، 158، 205، 209، 215- 219، 237، 239، 252، 260، 337، 350، 368، 411، 415، 433، 452، 480، 511، 550
تركمان: 177، 179، 182، 233، 488، 503، 526، 599، 602
تكين: 120
تمرجي: 47
تنغوت (تنگوت): 91، 137، 141
تنوخ: 210
توران (طوران): 24، 33، 60، 139، 159، 163، 170
توقاق: 65
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 658
چاپولغا: 74
جاجيرات: 74
چركس (شركس): 79
جروفية: 165
چغتاي: 33، 478
جلاير؛ جلايرية: 74، 75
جمهورية التركية: 29، 33
الجهمية: 110
جورجيت: 93
الجوزي (آل) 255
جويرات: 74، 91
جويني (آل): 343
حمويه (آل): 533
الحنابلة: 262، 306، 353، 438، 472، 538، 573
الحنفية: 274، 306، 419، 430، 559، 595
ختن (خوتان): 81، 88
الخرامية: 477
خزر: 60
خطا (خيتاي، ختا): 22، 64، 65، 74، 81، 92- 96، 98، 100، 102، 104، 111- 114، 118، 131، 148، 152، 156، 158، 437، 504، 511
خفاجة: 264، 494، 503، 601
خوارزمية؛ خوارزمشاهية: 13، 29، 31، 109، 115، 128، 135، 168، 187، 259، 405
دروز: 165
دوربان: 74
دورليگين: 72، 75
دوغلات: 79
ديلمية: 31، 168
ربيعة: 602
الروافض: 458، 494
روس: 60، 69، 148
روم: 152، 161، 162، 166، 168، 185، 229، 235، 237، 268، 288، 326، 338، 343، 381، 392، 396، 397، 414، 511، 593، 594
سامانية: 31
سامية: 53
السباك (آل): 273
سبكتكين (آل): 109
سريانية؛ سريان: 53
سقسين: 148
سلجوقيين، سلجوقية: 31، 70، 109، 168، 237، 250
سلدوز؛ سلدوس: 70، 555
سلغرية: 31
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 659
السمريون: 70
سميط (آل): 483
السنة: 205، 458، 461، 462، 495، 498
سوقوت: 74
الشافعية: 306، 309، 320، 424، 562
شامانية: 61
الشيبانيون: 208
شيعة: 205، 313، 319، 458، 461، 462، 471، 546، 565
صابئة: 220
صفارية: 31
صقلب: 60، 148
صوفية (متصوفة): 605
صين: 60
الطالبيون: 272
طباطبا (آل): 310
طورانية: 53
طيي ء: 263، 295، 336، 372، 483، 489، 536، 574، 601
عبادة (قبيلة): 602
العباسيون: 31، 173، 174، 184، 200، 213، 214، 215، 217، 220، 226، 227، 239، 241، 243، 260، 261، 262، 263، 287، 339، 440، 504، 608
عبرية، عبرانيون: 53، 62
عرب، عربية: 7، 8، 9، 18، 20، 29، 33، 35، 50، 53، 56، 57، 58، 59، 62، 65، 69، 205، 208، 209، 210، 211، 215، 219، 220، 243، 263، 336، 369، 372، 392، 395، 480، 481، 483، 488، 493، 503، 519، 520، 522، 523، 525، 527، 529، 532، 574، 576
عجم: 7، 13، 29، 33، 34، 49، 53، 54، 56، 59، 103، 141، 192، 202، 219، 232، 331، 350، 355، 452
العدنانية: 209
عز (بنو عز): 602
عقيل (قبيلة): 602
العلوية: 213، 225، 424، 431، 449
علي (آل): 104، 372، 482، 483
عيسي (بنو، آل): 372، 483، 493، 519، 527، 532
العيلاميون: 70
غزنوية: 31
الغسانيون: 210
غلاة التصوف (المتصوفة): 165، 313
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 660
غور؛ غورية: 68، 69، 111، 112، 114
فاطمية (إسماعيلية): 495
فداوية: 481، 488، 526، 527
فرج (آل): 483
فرس: 9، 202، 208، 209، 210، 215، 366، 511
فرنج: 109، 116، 152، 234، 504، 511
فضل (آل، بيت): 336، 372، 464، 467، 482، 483، 489، 574، 580
فيلية: 365
قارلوق: 92
قارنوت: 73
قالاج: 88
قانقلي: 68
قبط: 511
قپچاق، قفجاق: 22، 23، 117، 131، 141، 146، 147، 282، 284، 338، 594، 603
القحطانية: 209
قراخطا، قراخيتاي: 92، 93، 95، 96، 156
قرامطة البحرين: 165
قرغز: 64، 65، 92
قنطورا (بنو): 60
قورلاس: 72، 73، 76
قونقرات: 87
قونقومار، قونقامار، قونغ قومار: 73، 83، 90
قيشلق: 73
قييات، قييان: 71، 72، 76، 79
كرامية: 110
كرايت؛ كريت: 65، 84، 85، 86، 87، 88، 89، 154، 283
كرج: 235
كرد (أكراد): 147، 159، 177، 179، 180، 208، 219، 232، 233، 235، 378، 386، 425، 454، 469
كشفية: 165
كعب: 602
كلاب (بنو): 523
كلحية: 393، 394
كلدان: 208، 219
كنجاوية: 503
كندة: 57
كورلوت: 74
كوره موچين: 64
كيانية: 594
كيتكيتلر: 74
كيقوم: 69
كيماري: 60
لان: 117، 131، 148
لر، لور (فيلية): 73، 159، 179، 235
لوله نكون: 65
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 661
المالكية: 306، 565
مانقوت: 79، 86
مجر: 69
المجوس: 219، 415
مرجئة: 110
مري، مرا (آل): 488، 489، 574
المزدكية: 219
مسلم (آل): 483
آل مظفر: 598
معادي، معدان: 602
مكريت، مركيت: 73، 91، 96
ملاحدة: 161، 162، 163، 166، 168، 169، 175، 188، 235، 260، 312، 537
ملحم (آل): 372
مغول، مغل، مونغول، مونغ أول: 6، 7، 9، 14، 17، 19، 20- 26، 28، 30، 31، 32، 33، 35، 41، 42، 45، 47، 51، 52، 53، 55، 56، 59، 60، 62- 67، 72، 75، 76، 78، 81، 84، 86، 90، 93، 97، 98، 99، 100، 104، 109، 113، 116، 119، 121، 122، 123، 126، 127، 128، 135، 136، 137، 146، 147، 149، 150، 151، 154، 173، 176، 178- 183، 185، 187- 191، 196، 197، 199، 202، 203، 205، 207، 208، 216، 220، 222، 225، 226، 227، 228، 231، 233، 237، 238، 244، 245، 247، 252، 258، 259، 260، 262، 267، 268، 269، 270، 279، 283، 284، 287، 293، 296، 298، 306، 321، 333، 338، 348، 349، 350، 362، 363، 365، 366، 367، 395، 397، 398، 399، 404، 405، 410، 413، 415، 437، 440، 441، 442، 447، 450، 451، 452، 454، 465، 476، 479، 480، 484، 491، 496، 497، 500، 503، 504، 512، 515، 517، 525، 535، 539، 541، 550، 553، 554، 555، 556، 560، 578، 581، 584، 586، 587، 590، 593، 595، 598، 600- 604، 606، 609، 611
منتفق: 602، 604
مهارش: 263
مهدي (بنو): 523
مهنا (بيت): 372، 532
مينغ: 60
نايمان: 65، 84، 85، 87، 91
نسطورية: 61
نصرانية: 26، 44، 61، 88، 108، 109، 139، 152، 157، 219، 283، 290، 299، 378، 390، 397، 415، 416، 496، 504، 510، 572
نصيرية: 313،
519
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 662
نظمي (آل): 18، 19
نوتاقين: 79
نيرون: 72، 78، 83
الهند الأوروبي: 53
الهند الجرمني: 53
هون: 36
وثنية: 61، 157
ياداي: 73
ياريم شير بوقانجو: 79
يزيدية: 110
يهود: 220، 386، 391، 393، 394، 395، 397، 407، 415، 419، 471، 472، 492، 496، 504، 530، 547، 572
يونان: 511
ييسوت: 79، 96
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 663
آب سكون: 129، 175
آذربيجان (أذربيجان): 66، 79، 114، 117، 129، 133، 147، 149، 152، 156، 162، 166، 235، 250، 256، 278، 360، 365، 413، 458، 497، 577، 593، 600
آريس (نهر): 120
آستانة (ر: استانبول)
آمد: 134
آلتون كوبري: 176
آمو (نهر): 128، 140
آنقارا، انقارا موران (نهر): 64، 581
أبلة: 208
أبهر: 113
أبواب البر: 496
أترار (ر: اطرار)
أتميل: 146
أجفر: 483
أحساء: 214، 514
أران: 113، 133، 156، 348
أرانية: 117
إربل (أربيل): 148، 177، 185، 187، 190، 224، 229، 232، 233، 234، 235، 252، 290، 296، 323، 340، 347، 353، 377، 378، 390، 407، 408، 514، 596، 610
أرجان: 541
أرحا: 368
أرزن الروم: 518
أرغون: 47
أركنه قون: 71، 76
أرمينية: 69، 159
أزدهن: 133
أسد آباد: 186
إستانبول (الأستانة): 18، 21، 25، 29، 31، 38، 62، 176، 419، 451، 504، 557
إسكندرية: 296، 465، 531، 549
إسني (إشني، إشنة): 256، 345
أصبهان، أصفهان: 113، 133، 134،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 664
333، 343، 411، 418، 449، 458، 459، 466، 598
أطرار، أو طرار (اترار): 101، 102، 106، 107، 120، 121، 122، 252
الأقماق: 153
أكسفورد: 27
ألموت: 152، 163، 166، 214
أناطول (أناضول): 82، 149
انبار: 189، 224، 264، 287، 349، 380، 399، 610
إنگلترا (إنجلترا): 338
أهر: 365
أوجان: 449
أورمية، أرمية: 235، 236، 283
أورنبورغ: 59
أوروبا: 15
أولواغ (أولوطاغ): 66، 91
أيا صوفية: 18، 24، 26، 504
أيذج: 600
إيران: 15، 17، 19، 24، 69، 79، 139، 155، 158، 159، 160، 170، 177، 186، 214، 236، 259، 260، 279، 284، 287، 288، 289، 314، 362، 366، 367، 408، 437، 447، 464، 581، 588، 592، 594،
598، 600، 606
أيرتيش: 91، 92
أيسيغ (بحيرة): 60
إيلاق: 567
أيلال: 129
أيميل: 65
باب الأزج: 254، 292، 391، 458، 569
باب بدر: 353
الباب الجديد: 577
باب حرب: 291، 379، 454
باب الحلبة: 421
باب السور: 420
باب الشيخ: 458
باب الصوفي: 121
باب طراد: 291
باب الظفرية: 421
باب غلة ابن توما: 299
باب قلاية النصاري: 347
باب كلواذي: 191، 196، 200
باب المصلي: 128
باب الميدان: 269
باب النوبي: 347، 392
باب الوسطاني: 191
باجسري: 189، 220
بئر ملاحة (قرية ذي الكفل): 472
باريس: 13، 25، 26، 260
باصيدا: 378
بالجونا؛ بالجونا بولاق: 86، 87
بالقاش: 91
باميان: 111، 122، 136
بت: 412
بحرين: 165، 210، 214، 335، 528، 600
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 665
بخاري: 69، 112، 116، 11، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 140، 439، 559
بدخشان (وادي): 96
بدرية (مدرسة): 38، 249
براز الروز (بلد روز): 385
برج العجمي: 191، 192، 193، 199
برقوطا: 296
برلين: 33
بست: 111
بسطام: 593
پشتكوه: 365
بشير (نهر): 189
بشيرية (مدرسة): 297، 300، 304، 306، 329، 357، 378، 379، 398، 538، 573، 605
بصرة: 45، 193، 225، 235، 256، 276، 287، 304، 311، 331، 372، 379، 382، 390، 405، 412، 416، 417، 421، 426، 431، 466، 494، 502، 503، 506، 514، 602، 610
البصلية: 569
بطائح (بطيحة): 45، 402، 426، 431
بطرس برج: 33
بعقوبة (بعقوبا): 182، 187، 189، 359
بعلبك: 419
بغداد: 14، 15، 17، 28، 29، 32، 36، 43- 46، 52، 53، 105، 108، 114، 143، 148، 149، 150، 152، 159، 166، 168، 169، 171- 187، 189- 200، 203، 207، 220، 223، 224، 225، 228- 231، 234- 239، 242، 244، 245، 247، 249- 264، 270، 271، 272، 274، 276، 277، 278، 280، 286، 287، 290- 295، 297، 299، 300، 306- 312، 314- 337، 339- 343، 346- 359، 363، 364، 368- 371، 373- 395، 398-
403، 405- 408، 412، 413، 416، 417، 418، 420- 426، 428، 430- 432، 435، 438، 440، 449، 454، 456، 458، 459، 462، 465، 467، 468، 470، 472- 474، 476، 485، 486، 488، 490، 498، 501، 505، 506، 513، 515، 522، 527، 529، 537، 539، 542- 547، 551، 558- 560، 562، 563، 565، 566، 570- 573، 575- 577، 579- 583، 589، 590، 592، 594، 595، 596، 606، 609، 610، 611
بقيع: 550، 554
پكين: 94
بلاد الجبل: 116، 131، 331، 374، 425، 432
بلاد الروم: 321، 338، 397، 448، 561، 576، 592، 594، 596، 599
بلاذر: 161
بلاساقون (ساغون): 116، 118
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 666
بلخ: 69، 120، 125، 128، 136،
بناكت، فناكت: 121، 567
پنج آب (فنج آب): 128، 129
بندنيجين: 220، 223، 356
بوازيج: 378
بولاق: 10، 319، 331، 602
بومبي: 19
بويور- ناور: 64
بيات: 185
بيت اللّه الحرام: 521
بيت المقدس: 280، 281
بيرة: 345، 503
بيروت: 27، 319، 322، 506
بيش باليق: 120، 153
بيمارستان العضدي: 192، 400
التاج: 200
تبت؛ تيبت: 88، 137، 148، 156، 158
تبريز؛ توريز: 24، 147، 237، 238، 288، 324، 348، 365، 376، 390، 392، 398، 403، 404، 405، 414، 428، 441، 444، 447، 449، 474، 480، 481، 508، 509، 510، 512، 515، 517، 519، 531، 535، 540، 579، 580، 590، 592، 599،
تدمر: 372، 485، 488
تربة الست زبيدة: 457
ترجلة: 148
تركستان: 17، 58، 62، 69، 71، 91، 92، 95، 96، 116، 118، 120، 133، 151، 152، 160، 188، 294، 393
ترمذ: 125، 478
تستر: 225، 308، 334، 610
تفليس: 386
تكريت: 185، 324
تلا: 358
تل أعدا: 539
تل الزبيبة: 330
تمينك: 94
تنارقيا: 327
تنكوت (تنكقوت): 156، 158
توقاق: 65
تون: 163
تونقانور (نهر): 87
الجاروخية (مدرسة في الشام): 566
الجامع الأزهر: 38
جامع الأموي: 473
جامع الخليفة (جامع الخلفاء): 44،
198، 304، 332، 353، 394
جامع السلطان (جامع المدينة): 317، 398
جامع الصالح: 296
جامع طولون: 477
جامع العاقولي (العاقولية): 562
جامع علي شاه: 540، 541
جامع القصر: 291
جامع المستنصرية: 308
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 667
جامع المنصور: 382، 472، 473
جبال كيلان: 469
جبل الآتاع: 283
جبل حمرين: 193
جبل شاهو: 283
جديدة: 298
جرجان: 131
جرنداب: 364
جزيرة: 263، 272، 514، 567، 576
جزيرة ابن عمر: 250، 270
جزيرة العرب: 211، 484
چغاتو (نهر): 283، 586
جلابية (جلالية، گلابية): 199
جلولاء: 193
جنثة: 372
جم موران «نهر»: 96
جوخي: 431
جورجة: 156، 158
جورجيت: 64، 65، 68
جورجية: 22
جوين: 259
جيحون: 63، 112، 113، 120، 123، 136، 156، 162، 294، 478
جيلان (گيلان): 428، 454، 455، 463، 469، 485
حارثية: 385
حجاز: 209، 212، 474، 518 520، 532، 533، 601
حجر البر: 317، 393
حديثة: 175، 263، 264، 519
حران: 234
حربة، حربي: 187، 189
حصن العليقة: 481
حصن القدموس: 481
حصن الكهف: 481
حصن مصياف: 481
حصن المنيقة: 481
حلب: 13، 135، 225، 238، 261، 264، 267، 331، 435، 444، 464، 466، 474، 480، 481، 520، 524، 532، 534، 535، 547، 559
حلة: 45، 46، 190، 225، 227، 230، 293، 310، 315، 316، 319، 323، 328، 331، 359، 368، 370، 374، 377، 380، 384، 412، 416، 417، 421، 424، 431، 436، 438، 449، 471، 472، 482، 546، 596، 601، 604، 610
حلوان: 177، 178، 179، 186، 189
حكم (قرية): 465
حماة: 464، 493، 515، 572
حمص: 336، 372، 435، 481، 536، 539
حيدر آباد دكن: 37، 445
حيرة: 208
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 668
خابور: 391
خالص: 191، 220، 223، 298
خان باليق: 94، 95
خانقاه سعيد السعداء: 293
خانقاه الطاحون: 486
خانقاه القصرين: 566
خانقين: 149، 181، 182، 191، 224، 425
ختيمية: 380
خجند: 120، 121
خراسان: 44، 69، 99، 109، 110- 114، 116، 120، 122، 123، 128، 131، 136، 147، 151، 152، 156، 159، 161، 162، 171، 175، 182، 184، 188، 191، 203، 213، 220، 223، 259، 288، 306، 337، 340، 345، 348، 351، 352، 359، 364، 367، 385، 413، 414، 416، 421، 425، 451، 455، 458، 472، 478، 480، 497، 502، 515، 516، 527، 547، 548، 549، 552، 553، 576، 581، 582، 593، 594، 599، 610
خزانة كتب عبيد اللّه: 543
خليج فارس: 208
خليل: 570
خوارزم: 102، 109، 111، 114، 120، 127، 132، 135، 137، 502، 549
خوارقان (خوارگاه): 283
خوزستان: 133، 185، 199، 225، 260، 610
خوزية: 385
خولنجان: 180
خوي: 283، 595
خيوة: 330
دار الدريدار: 290
دار الذهب: 513
دار السيادة: 449
دار الشاطيا: 389
دار الفلك: 222، 416
دار المسناة: 337، 426
داغستان: 79
دامغان: 163
دجلة: 187، 189، 190، 191، 222، 249، 290، 291، 298، 299، 308، 319، 323، 332، 333، 337، 368، 371، 377، 391، 398، 418، 448، 547
دجيل: 189، 191، 221، 223، 291، 568، 610
درب حبيب: 420
درب دينار: 290، 572
درب فراشا: 438
الدربند: 180
دربند شروان: 117، 131
درتنك: 176، 177، 180
دز: 176، 177
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 669
دزدبول؛ دزفول، دزيول: 334
دزمرج: 177
دزيزا: 181
دستجردان؛ دستكردان؛ دشت جردان:
412
دقوق؛ دقوقا: 149، 224، 410، 584، 610
دمشق الصغيرة: 481
دمشق (الشام): 69، 134، 152، 156، 212، 236، 238، 256، 261- 264، 266- 269، 272، 277، 281، 287، 300، 325، 336، 340، 341، 342، 345، 353، 358، 372، 374، 377، 435، 436، 437، 444، 456، 463، 464، 468، 473، 476، 477، 478،
482، 483، 486، 487، 488، 481، 490، 493، 501، 503، 506، 518، 519، 523، 532، 533- 536، 538، 547، 551، 559، 561، 565، 566، 568، 570، 571، 573، 574، 580، 590، 595
دمياط: 116
الدورة: 193
الدونج: 335
ديار بكر: 133، 147، 363، 377، 389، 488، 497، 514، 517، 521، 570، 599
ديالي: 610
دير الثعالب: 372
ديلون بولداق: 81
دينور: 168، 186
ديوان الشرابي (دار): 299
رأس درب: 290
رأس العين: 272
رباط البشيري: 222
رباط بغداد: 544
رباط جهبر: 359
رباط الحريم: 291
رباط الخلاطية: 310، 400
رباط دارسونيسان: 324
رباط الشونيزي: 296
رباط الشيخ علي: 254، 359
رباط القصر: 353
رباط مجد الدين: 373
رباط محمد سكران: 298
رباط المرزبانية: 296
رباط الناصري: 518
الربع الرشيدي: 24، 508
الرطبة: 264، 336، 372، 478، 479، 480، 497، 510، 519، 523، 554، 564
الرصافة: 205، 241
الرقة: 234
روده: 176، 177
روذان؛ راذان (الروضان): 412
روسية: 49
روما: 338
الرها: 234
الري: 109، 116، 129، 188، 235، 472، 553، 599
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 670
زاب الأعلي (النيل): 308
زاوة: 163
زرنوق: 122
زنبرانية: 380
زنجان: 113
زنكاباد: 149
ساغناق: 120
ساوة: 113
سبريا: 91
سجستان: 117، 131، 549
السخنة: 493
سرمين: 482، 483
سلاسلار: 410
سلطانية (قنغرلان): 467، 474، 481، 496، 497، 498، 500، 502، 505، 506، 513، 517، 524، 532، 551، 553، 576، 577، 581، 599
سلماس: 235، 236
سلمية: 483، 493، 519، 539، 540
سليكاي (سولنقا): 156، 158
سمرقند: 69، 112، 114، 116، 120، 122، 125، 126، 127، 128، 135، 139، 141، 161
سمنان: 515
سميساط: 234
سميساطية (مدرسة): 579
سنجار: 263، 269، 390، 437، 451، 476
سند: 132، 133، 136، 317
سوار: 465
سورية: 10، 38، 39، 90، 159، 210، 238، 261، 262، 279، 284، 287، 289، 336، 338، 349، 390، 448، 465، 478، 481، 482، 487، 488، 493، 503، 504، 519، 520، 527، 529، 532، 541، 574، 601، 603، 604، 606
سوق الإيكجية (سوق الغزل أو المغازل):
332، 518
سوق السلطان: 191، 193، 375
سوق العطارين: 290
السيافية: 380
سياه كوه: 225، 232، 403
سيب: 316، 336، 398، 416، 417
سيحون (سير دريا- نهر): 107، 120، 567
سيرام: 69
سيواس: 343
شابور: 181
شام (ر: دمشق)
شروان: 131، 152
شقحب: 445، 455، 463، 485
شهرزور: 181، 354
شهرستان: 163
شهيد (قرية من أعمال دجيل): 568
شونيزية: 359، 399، 400
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 671
شيراز: 147، 376، 418، 449، 456، 458، 459، 598
شيكان: 181
صارقول: 96
صاري قامش: 553
صالحية: 477، 534
صحراء بركة (قفجاق): 22، 361، 362
صرصر: 190، 255، 501
صفين: 212
صهيون: 336
صين: 47، 49، 81، 98، 100، 102، 113، 116، 138، 288، 314، 404، 437، 444، 456، 504، 511
طاق كسري: 187
طالقان: 126، 136، 166
طبرستان: 49، 114، 129، 131
طمغاج: 47
طوس: 163، 360
طوغاج: 47
طهران: 236
طوفا: 501
الطيب (نهر): 15
الظاهرية (مدرسة في الشام): 566
عانه: 264، 519
عبادان: 185
عبدليا: 379
عراق العجم: 481، 497
العراق: 6، 7، 8، 9، 16، 17، 18، 21، 32، 35، 39، 42، 69، 105، 117، 131، 133، 136، 143، 149، 152، 156، 159، 162، 168، 176، 183، 203، 206، 208، 209، 210، 212، 213، 215، 219، 220، 222، 223، 232، 237، 245، 250، 253، 256، 257، 260- 263، 270، 272، 274، 276، 277، 278، 279، 283، 285، 286، 287، 289، 309، 315، 317، 324، 331، 334، 337، 338، 339، 341، 345، 347، 348، 350، 351، 352، 355، 356، 363، 364، 369، 370، 372، 376، 379، 380، 383، 384، 385، 387، 388، 389، 392- 395، 397، 399، 400، 402، 404، 406، 411، 412، 413، 415، 416، 418، 420، 421، 422، 426، 428، 429، 430، 432، 436، 439، 445، 448، 449، 456، 458، 463، 465، 472، 476، 481- 485، 493، 494، 496، 497، 504، 505، 506، 520، 521، 522، 524،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 672
525، 528، 532، 533، 545، 546، 547، 550، 559، 560، 562، 563، 565، 571، 575، 576، 578، 582، 592، 593، 596، 598، 600- 603، 605، 606، 608، 609، 611
عرفات: 549
العصمتية (مدرسة): 333، 364، 378، 426
عظيم (نهر): 412
عقاب، عقابية (قرية): 193
عكا: 234
علقمي (غازاني- نهر): 227
عمان: 185
عين التمر: 403
عين جالوت: 267، 282، 283 463
غازاني (نهر): 431، 448
غراف: 296
غزة: 268
غزنة: 69، 110، 111، 113، 122، 131، 132، 133، 136، 139
غور، غورية: 111
غوطة: 372
غياليق، قارليق: 120
فاراب: 252
فارس: 131، 152، 156، 162، 237، 458، 472، 598
فاروث: 418، 456
فرات: 208، 267، 321، 372، 380، 437، 448، 478، 483، 503، 519، 529، 534، 535
فرغان: 599
فياليق: 153
فيروز كوه: 111، 112
قاراباغ: 362، 365، 459، 551
قاراندار: 129
قازان: 33
قاسيون: 420، 485
قاشان: 114، 599
قالموق: 38، 264، 399، 452، 455، 501، 524، 530، 534، 554، 567، 567، 568، 595
قباقب: 485
قبة الشيخ ابن البقلي: 369
قبة الشيخ مكارم: 224
قبة النصر: 524
قپچاق (فقجاق، صحراء بركة، دشت قپچاق): 23، 69، 287، 599
قبر أحمد: 291
قبر سلمان الفارسي: 390، 424
قبر معروف الكرخي: 304، 372، 388، 398
قبر النذور: 333
قدس: 484
فراجائيك: 156، 158
قرافة: 466، 573
قراقروم: 154، 158، 259
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 673
قرمسين (كرمنشاه، كرمانشاهان): 186، 187
قرية الخضريين: 205
قرية الشيخ: 369
قزوين (قزبين): 113، 166، 359، 447، 451، 474، 500
قسطنطينية: 338
قصران: 162
قصر المنصور: 189
القصص: 353
قطيف: 514، 600
قلعة تلا: 278، 358
قلعة جعير: 372، 570
قلعة الذهب: 176
قلعة المرج: 176
قلعة وهار: 180، 181
قلمينيا: 448
قلهات: 600
قم: 113، 599
قمستكي: 153
قنطرة باب البصرة: 190
قنطرة الذهب: 176
قوتليق باليق: 122
قهستان: 152، 159، 163، 166، 214، 313
قوسان: 308، 340، 369، 412، 416، 417، 424، 610
قولا (نهر): 87، 158
قونية: 561
قيالق: 98
قيسارية: 321، 377، 561
كابل: 69
كاشغر (كاشخر): 81، 98، 116، 118
كاظمية (ر: مشهد موسي بن جعفر)
كبودان (بحيرة أورمية): 236
كبيسات: 403، 519
كرج، كرجستان: 79، 149، 152، 156، 162، 588، 590، 592، 599
كرخ: 205، 229، 244، 332
كردستان: 147، 168، 186
كردكوه: 163
كرك: 267، 464، 487
كرمان: 111، 117، 131، 133، 147، 152، 156، 458، 598
كرم بود: 593
كرمليس: 148
كري سعده: 349
كريت: 185
كشمير: 69
كلات: 360
كلوران: 154
كنجه: 133
كواشة: 340
كوتنغن: 33
كوسه داغ: 168
كوشك: 421
كوفة: 45، 46، 190، 208، 225، 295، 315، 316، 319، 331، 374، 380، 384، 416، 468، 471، 472، 494، 601، 602،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 674
610
كولي: 156، 158، 191
كوي سراي: 122
كيج: 600
كيش: 600
لان: 117
اللحف: 181
لكز: 117
لمبسر، لمسر: 166
لهاوور: 113، 133
لورستان، لرستان (مملكة اللر): 152، 156، 181، 182، 185، 189، 365، 411، 436، 600، 611
ليدن: 10، 16
ليون: 338
ماچين: 156، 158
الماخونة: 335
ماردين: 267، 337، 435، 439، 467، 484، 487، 514، 516، 530، 547
مازندران: 129، 156، 259، 288
ماليغ (ماليق): 81، 98، 120
مأمن: 304، 390
المأمونية: 382
ماوباليغ: 136
ما وراء النهر: 49، 112، 114، 116، 151، 152، 160، 294، 567
المباركة (قرية): 298
محلة أبي حنيفة: 205
محلة الهروية: 330
محول: 308، 385، 424، 470
مخرم: 292
مدائن: 193، 334
مدرسة ابن الأثير: 379
مدرسة الأصحاب: 307، 309، 317، 378
مدرسة الأمير چوبان: 554
مدرسة الجعفرية: 181، 543
مدرسة دار الذهب: 297
مدرسة سعادة: 356
مدرسة الشرابي: 359
مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني: 292
مدرسة عبيد اللّه: 543
مدرسة العصمتية: 306، 307
مدرسة المغيثية: 316
المدينة: 209، 385، 427، 549، 552، 554
مراغة: 26، 236، 278، 280، 283، 312، 315، 376، 481، 564، 584، 606
مرج الصفر (مرج الصفة): 445
مرند: 469، 517
مزة: 558
مزرفة: 189
مستنصري: 221، 223
مستنصرية (مدرسة): 143، 251، 262، 274، 292، 297، 298، 300، 317، 318، 320، 341، 353، 356، 370، 371، 373، 375،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 675
376، 379، 380، 388، 418، 422، 423، 427، 429، 430، 431، 438، 441، 455، 456، 462، 465، 472، 473، 490، 515، 537، 542، 545، 559، 562، 563، 569، 571، 575، 605
مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم: 550
مسجد قمرية: 221، 298، 324
مسيب: 46
مشرعة الأيريين: 299
مشهد أبي حنيفة: 274، 374، 375
مشهد باب التبن: 354
مشهد الحسين (كربلا): 277، 424
مشهد ذي الكفل: 471، 472
مشهد سلمان الفارس: 339، 436
مشهد الشيخ أبي الوفاء: 448
مشهد عبيد اللّه (ر: قبر النذور): 306، 333، 364، 381، 543
مشهد الإمام علي (النجف الأشرف):
180، 225، 293، 349، 424
مشهد موسي بن جعفر (الكاظمية):
198، 222، 226، 312، 317، 330، 389، 406، 407، 417
مصر: 32، 41، 69، 134، 159، 165، 175، 213، 236، 250، 252، 263، 267، 268، 287، 319، 325، 331، 336، 338، 345، 351، 353، 397، 425، 436، 437، 439، 443، 444، 452، 453، 463، 465، 466، 473، 477، 481، 486، 493، 496، 501، 503، 518، 522، 524، 525، 526، 527، 529، 531، 532، 534، 535، 536، 540، 541، 545، 549، 551، 560، 561، 566، 574، 576، 579، 588، 595، 603، 604، 606
مصلي العيد (الأعياد): 333
مطبعة الموسوعات: 443
معبر (مغير): 444
مغان: 348
مغرب: 161، 213
مغولستان: 58، 69، 84، 260
مقابر الصوفية: 486
مقابر قريش: 354
مقام الشيخ: 191
مقبرة الإمام أحمد: 320، 462، 543، 544، 545، 565
مقبرة باب البردان: 333
مقبرة المعافي بن عمران الموصلي: 558
مقصورة الحلبيين: 559
مقطم: 293
مكتبة آل الحسيني: 281
مكتبة أوقاف بغداد: 27
مكتبة أيا صوفيا: 451، 470
مكتبة بايزيد: 31
مكتبة طوبقبو: 408
المكتبة الظاهرية: 538
مكتبة عاثر أفندي: 504
مكتبة فاتح: 419
مكتبة محمد أحمد المحامي: 335
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 676
المكتبة المصرية: 451
مكتبة نور العثمانية: 25، 123، 409
مكتبة ولي أفندي: 38
مكة: 209، 385، 468، 483، 493، 494، 502، 503، 522، 526، 528، 532، 540، 550، 554، 555، 576، 604
مكران: 600
ملطية: 168
منارة سوق الغزل: 332
منتفق (لواء): 494
منصورية (مدرسة): 399
موصل: 26، 152، 156، 185، 196، 233، 234، 237، 249، 250، 251، 253، 256، 262، 263، 268، 269، 270، 272، 287، 289، 296، 298، 319، 322، 323، 331، 340، 341، 358، 374، 375، 377، 391، 394، 395، 405، 436، 437، 439، 440، 441، 449، 464، 474، 480، 489، 505، 510، 516، 519، 520، 522، 558، 559، 560، 567، 570، 590، 596، 599
موغان: 480، 488
ميافارقين: 13، 134، 514
الميري:
156
ناصرة: 234
نجد: 214
النجف الأشرف (ر: مشهد الإمام علي)
النجمية: 369
نحاسية: 190
نخچوان: 129، 593
نششية (مدرسة): 322
نصيبين: 268
نظامية (مدرسة): 304، 307، 309، 320، 324، 353، 357، 386، 401، 605
نعمانية: 308، 610
نهر أتل: 148
نهر بشير: 191
نهر جعفر: 304
نهر عيسي: 189، 256، 323، 340، 380، 385، 412
نهر ملك: 323، 333، 340، 380، 412
نهروان: 212
نورية: 477
نوفلية: 347
نيسابور: 128، 129
نيل: 227
نيمان كره: 89
نينوي: 148
هراة: 113، 294، 425، 527، 549، 552، 553، 554، 599
هرمز: 600
الهروية: 330
هلتا: 335
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 677
همذان: 113، 114، 116، 129، 166، 168، 172، 185، 188، 192، 226، 271، 181، 182، 337، 413، 416، 422، 449، 474، 481، 487، 510، 599
هند- أوربي: 53
هند- جرمني: 53
هندستان (هند): 19، 23، 37، 49، 68، 69، 113، 117، 123، 131، 132، 133، 135، 147، 152، 156، 158، 161، 166، 313، 317، 396، 444، 452، 504
هو (نهر في الصين): 137
هيا: 91
هياچه أودي: 91
هيت: 263، 264، 380
هينغ هيا: 91
واسط: 45، 225، 256، 271، 276، 277، 308، 309، 311، 327، 331، 336، 339، 340، 353، 358، 359، 368، 369، 371، 390، 392، 393، 394، 402، 408، 412، 416، 417، 418، 431، 432، 435، 466، 596، 601، 602، 610
ورامين: 599
ورقو: 598
وشم: 372
وقف (قرية): 199، 200
ويانة (مكتبة): 18، 25، 59
يثرب: 206
يزد: 598
يكينگ: 94
يمن: 166، 209، 214، 531، 569
ييلون ييلدوق: 81
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 678
الأبحاث عن الملل الثلاث: 369، 370
اتالرسوزي (م): 34
أحكام الأصول: 419
الأحكام: 276
أخبار الزمان للمسعودي: 56
الاختيار: 374
أخلاق ناصري (م): 313، 314
إخوان الصفا (م): 165
الأدوار: 409
أربعينيات الدقوقي: 571
الإرشاد: 455
الاستعانة: 335
إسلامده تاريخ و مؤرخلر (م): 260، 360، 362، 496
الإشارة: 569
أصل اليزيدية في التاريخ (تاريخ اليزيدية- م): 110
أعلام النبلاء: 483
أغوزنامه: 54
الإقبال (م): 293
الأكسير في قواعد التفسير: 501
أمل الآمل (م): 293
أنس الجليل: 279، 281
أنس المنقطعين: 567
أنوار التنزيل و أسرار التأويل (م): 29
الأنوار اللمعة: 376
الأوار: 409
أوشال شجرة تركي (م): 34
أوصاف الأشراف (م): 313، 314
الإيضاح في الجدل: 255
البداية و النهاية (تاريخ ابن كثير): 512
البديع في الأصول: 419
بغية الواصل إلي معرفة الفواصل: 501
بهجة الأسرار: 191، 192، 448
بوستانه (م): 418
البيان في التفسير: 567
تاج التراجم: 419
تاج العروس (م): 377
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 679
تاريخ ابن خلدون: 35، 578
تاريخ ابن الساعي: 318، 602
تاريخ ابن النجار الكبير: 318
تاريخ ابن الوردي (تتمة المختصر في تاريخ البشر- م): 11، 497، 514، 516، 529، 530، 544، 569، 576، 578
تاريخ أبي الفداء (المختصر في تاريخ البشر- (م): 10، 11، 47، 48، 49، 84، 89، 116، 128، 131، 132، 288، 342، 343، 348، 353، 410، 414، 493، 494، 495، 496، 502، 503، 514، 520، 529، 532، 534، 536، 540، 541، 545، 554، 562، 564، 568، 569، 571، 573، 577، 604
تاريخ بغداد (م): 19، 320، 333، 495
تاريخ بيبرس: 502
تاريخ التباكتي: 504
تاريخ الجايتو: 470، 472، 508، 589
تاريخ جنگيز: 21
تاريخ الخلفاء (م): 45، 264، 265، 266
تاريخ دول الأعيان: 103، 104، 279، 282، 302
التاريخ العام (م): 36، 511
تاريخ الجلايرية: 273
تاريخ عشائر العراق: 488، 602، 603
تاريخ العراق: 179، 273
التاريخ علي الحوادث: 538
تاريخ الفخري (منية الفضلاء في تواريخ الخلفاء): 97، 106، 191، 203، 226، 227، 231، 260، 293، 310، 331، 351، 409، 424، 431، 440، 441، 442
تاريخ الكازروني: 319
تاريخ گزيده (م): 39، 179، 181، 185، 410، 411، 412، 413، 414، 422، 425، 428، 439، 450، 451، 455، 461، 464، 466، 471، 472، 479، 495، 496، 497، 501، 502، 541، 557، 578، 581، 589، 599
تاريخ محمود كيتي: 495
تاريخ مساجد بغداد: 457
تاريخ مصلح الدين اللاري: 36، 45
تاريخ المغول (م): 29، 146، 333، 568
تاريخ مفصل إيران (م): 179، 182، 236، 283، 313، 314، 337، 359، 360، 362، 407،
408، 414، 486، 505، 513، 567
تاريخ الموصل (م): 289، 296، 378، 391
تاريخ المنكبرتي (تاريخ التتر، سيرة جلال الدين المنكبرتي- م): 11، 13، 16، 47، 48، 99، 101، 102، 116، 118، 122، 131، 132، 135، 568
تاريخ وصاف (تجربة الأمصار و تزجية الأعصار- م): 14، 16، 18،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 680
19، 36، 288، 338، 343، 345، 348، 349، 350، 360، 362، 363، 367، 393، 396، 397، 401، 403، 404، 411، 439، 440، 446، 476، 498
التبصرة (م): 546
التبصير في التعبير: 423
تتمة المختصر في أخبار البشر (ر: تاريخ ابن الوردي)
تجارب السلف: 43، 441
التجريد (م): 313، 314
التحرير (م): 546
تحرير الدلائل: 436
تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة- م): 39، 81، 90، 100، 101، 102، 106، 415، 462، 482، 483، 492، 494، 501، 547، 550، 551، 556، 557، 560، 561، 585، 598، 599، 600
تذكرة الحفاظ (م): 27، 318، 324، 325، 340، 341، 353، 538، 562، 563، 564
تذكرة الشعراء: 452، 513، 567
التذكرة في الهيئة (م): 515
ترجمة تاريخ وصاف: 18
ترك بيوكلري (م): 71، 278، 294
ترك تاريخي (م): 36
تسلية الإخوان: 260، 337، 348
تطهير الأعراق: 313، 314
التعجيز: 370
التعليقات الطبية: 511
تفسير قل يا أيها الكافرون: 512
تفسير الكواشي: 340
تفضيل الترك (رسالة- م): 59
تقويم البلدان (م): 568
تقويم التواريخ (م): 439، 453، 458، 461، 474، 512، 576
تقويم الوقائع التاريخية (م): 32
تلفيق الأخبار و تلقيح الآثار (م): 59، 60، 61، 71
تلقيح الأفهام عن تنقيح الأوهام (المؤتلف و المختلف): 538
التنبيه (م): 559
تنبيه الغافلين (م): 568
تنقيح الأبحاث: 370، 419
التوراة (م): 56، 60
تهذيب المحكم و المحيط الأعظم: 539
توضيحات في رسائل متفرقة: 511
تيمور و تزكاتي (م): 143
جامع الأصول: 376، 401
جامع الأنوار: 471
جامع الترمذي (م): 579
جامع الخيرات: 569
جامع التواريخ (التاريخ الغازاني- م):
20، 24،
25، 26، 34، 54، 59، 83، 138، 143، 153، 154، 162، 163، 164، 165، 166، 173، 176، 180، 181، 183، 185، 186، 187، 189، 192، 197، 198، 221، 222، 224، 226، 231، 232، 235، 236، 249، 260، 281، 283،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 681
284، 288، 314، 345، 348، 351، 404، 408، 411، 437، 449، 450، 452، 508
الجامع الرشيدي: 155، 158، 160
جامع العلوم: 379
الجامع الكبير: 273، 274
الجديد في الحكمة: 370
جهانگشاي (م): 11، 14، 17، 54، 104، 143، 157، 161، 166، 185، 192، 260، 337، 345، 348، 350
الجواهر المضية (م): 387، 419
الحاوي: 436
الحاوي الصغير: 518
الحاوي في الفقه: 379
حبيب السير (م): 367، 449، 492، 589
حقيقة الدين: 161
الحوادث الجامعة (م): 27، 43، 44، 46، 132، 148، 149، 158، 164، 172، 185، 191، 192، 193، 202، 221، 222، 224، 226، 227، 228، 232، 233، 235، 242، 251، 252، 254، 255، 258، 262، 268، 278، 288، 289، 291، 292، 321، 324، 331، 358، 359، 362، 370، 371، 373، 375، 376، 378، 393، 396، 397، 414، 422، 425، 427، 429، 537، 538
حوادث المائة السابعة: 538
خطط المقريزي (م): 143
خلاصة الذهب المسبوك في سير الملوك (م): 203، 506
الخلق: 166
دائرة المعارف الإسلامية (م): 185، 338، 397
دائرة معارف البستاني (م): 251، 288، 339
الدر المسلوك: 335
الدر المكنون: 13، 467، 474، 483، 485، 490، 514
الدر المنضود: 419
درر الأصداف في غرر الأوصاف: 538
الدرر الكامنة (م): 37، 320، 414، 423، 425، 429، 438، 444، 445، 446، 447، 448، 452، 453، 455، 456، 457، 461- 464، 467، 468، 469، 473، 476، 477، 478، 482، 484- 490، 493، 497، 501، 505، 506، 507، 509، 513، 514، 515، 518، 519، 528، 530، 532، 533، 536، 538، 539- 542، 545، 546، 547، 555، 558، 559، 561- 576، 578، 579، 580، 581، 585، 586، 591- 596، 598
الدرر الناصعة: 538
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 682
دستور الوزراء: 513، 367، 381
دول الإسلام: 445، 455، 485، 490
ذيل تاريخ ابن الساعي: 538
ذيل تاريخ بغداد لابن رافع: 559
ذيل تسلية الإخوان: 348
ذيل جامع التواريخ: 25، 578
ذيل المنتظم: 420
رحلة صدر الدين أبي المجامع: 533
الرسائل الرشيدية: 511
الرسالة الشرفية: 381، 408
رسالة الطيف: 407
رسالة في واقعة بغداد (م): 315
رموز الكنوز: 272
روشنائي (م): 165
روضات الجنات (م): 293، 313، 315، 316، 407، 408، 414، 419، 533، 546
روضة الأديب في التاريخ: 429
روضة أولي الألباب: 504، 567
روضة التسليم: 161
روضة الصفا (م): 39، 450
الرياض النواضر: 501
زاد المسافرين (م): 165
زبدة الهيئة (م): 314
الزهاد: 318
سركذشت سيدنا: 166
سفرنامة ناصر خسرو (م): 165
سمط الحقائق: 166، 175
سياسة الأمصار في تجربة الأعصار (تاريخ آل جنگيز): 19
سيرة المنكبرتي (ر: تاريخ المنكبرتي):
السيرة النبوية للكازروني: 429
الشافي في المذهب: 379
شجرة الترك (م): 33، 37، 45، 47، 54، 60، 65، 72، 88، 92، 101- 104، 119، 121، 122، 127، 128، 131، 132، 137، 138، 143، 144، 146، 150، 151، 152، 153، 154، 281، 288، 294، 338، 342، 361، 362، 411، 447، 450، 555، 582، 591، 596، 600، 602
شذرات الذهب (م): 27، 28، 233، 242، 251، 253، 254، 255، 256، 263، 270، 272، 287، 312، 318، 319، 322، 324، 325، 339، 340، 341، 342، 350، 353، 358، 372، 397، 414، 418، 420، 430، 433، 434، 435، 436، 438، 444، 445، 447، 451، 454، 456، 465، 466، 473، 482، 483، 484، 486، 494، 501، 505، 508، 514، 515، 528، 537،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 683
540، 541، 544، 546، 562، 565، 566، 569، 571، 576، 577، 579، 581، 585، 586
شرح ابن الحاجب: 566
شرح الإشارات: 335
شرح الإشاراة: 370
شرح الأصول و الجمل: 370
شرح البيضاوي: 566
شرح الحاوي: 490، 505
شرح الرائية: 570
شرح السراجية: 439
شرح السنة: 579
شرح الشاطبية: 253، 570
شرح الطوالع: 566
شرح الغاية القصوي: 566
شرح فصول أبقراط: 511
شرح لغات وصاف: 18
شرح المحصل: 511
شرح المختصر: 489
شرح المطالع: 566
شرح مقامات الحريري: 501
شرح مقامة العارفين: 511
شرح نهج البلاغة (م): 179، 180، 182، 227، 229، 252، 335
الشمعة: 253
الشمل المنظوم: 407
شرفنامه: 185
صبح الأعشي: 483
صحاح الجوهري: 254
صحيح مسلم (م): 579
صفوة الصفوة (م): 573
الضوء اللامع: 280، 281، 409
طبقات ابن شهبة: 283
طبقات الحنفية: 273
طبقات الشافعية للسبكي (م): 32، 98، 106، 108، 139، 153، 251، 429، 563
طبقات ناصري: 11، 43، 157، 161، 190
الطهارة: 313
طيف الخيال: 473
العباب: 227
العبر لابن خلدون (م): 33، 229، 278، 288، 411، 578، 579
عجائب المخلوقات (م): 359
عثمانلي مؤلفلري (م): 18، 33
العدل في شرح العمدة: 569
عروض الجعبري: 570
عقد الجمان للعيني: 38، 251، 253، 255، 293، 296، 299، 308، 312، 319، 331، 373، 419، 461، 465، 467، 471، 474، 476، 480، 485، 486، 487، 489، 490، 494، 495، 497، 500، 502، 503، 504، 506،
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 684
510، 511، 515، 516، 517، 518، 520، 523، 527، 528، 530، 532، 533، 534، 536، 537، 541، 542، 563، 565، 577
عقود النظام: 473
عمدة السالك و الناسك: 569
عمدة الطالب (م): 310، 311، 441، 472
عوارف المعارف: 341
عيون التواريخ: 38، 512
الغاية: 454
غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة عن الغبار (م): 330
الغيائي: 31، 39، 287، 289، 304، 332، 447، 449، 474، 516، 549، 550، 556، 585، 589، 591، 596، 599، 602
فرائد السمطين: 533
الفراط الواصب علي أرواح النواصب:
501
فرحة الغري: 407
الفرق: 165، 175
فرهنك لغات وصاف (م): 19، 363، 397، 444
فضائل الأئمة الأربعة: 253
الفلاحة (كتاب فيها): 511
الفلك الدائر علي المثل السائر (م): 252
الفلك الدوار: 161
الفوائد البهية في تراجم الحنفية (م):
274، 275، 314، 373، 374، 375، 387، 419
فوات الوفيات (م): 27، 227، 242، 250، 253، 271، 273، 296، 312، 322، 340، 342، 349، 350، 352، 353، 366، 407، 408، 430، 538
قاموس الأعلام (م): 251، 287
القرآن الكريم (م): 56، 140، 204، 253، 254، 255، 257، 274، 309، 391، 415، 424، 509، 525
قصص الأنبياء: 279، 281
قصيدة علي وزن الشاطبية: 530
قواعد العقائد: 313
الكامل في الفقه: 566
كاترمير (م): 427
الكافي شرح الخرقي: 379
الكامل لابن الأثير (م): 9، 10، 13، 106، 107، 115، 116، 117، 118، 126، 131، 250
كشف الظنون (م): 14، 16، 27، 32، 273، 274، 275، 320، 348، 370، 373، 387، 409، 419، 538، 539، 567
كشف الغمة: 408
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 685
الكفاية في فقه الحنابلة: 538
گلستان (م): 418
گلشن خلفا (م): 19، 35، 45، 265، 266، 342، 343، 350، 351، 380، 411، 447، 451، 476، 551، 553، 578، 579، 581، 582، 585، 589، 596، 602
كليات سعدي (م): 418
الكنز: 374
كنز الأديب: 335، 407
كنز الحساب: 429
الكواكب الدرية في مناقب العلوية: 571
لؤلؤة البحرين (م): 293
لغة جغتاي (م): 71، 100، 136، 141، 146، 157، 186، 288، 343، 357، 363، 397، 427، 582
لغة العرب (م): 18
لهجة عثماني (م): 34
المباحث السلطانية: 511
مجالس المؤمنين (م): 259
مجلة المرشد البغدادية (م): 315
المجمع: 273
مجمع الآداب في معجم الأسماء علي معجم الألقاب: 190، 252، 538
مجمع البحرين: 274، 374، 419
مجمع الفصحاء: 259
المجموعة الرشيدية: 24
المحصل: 353
المحصول: 253، 308
المحكم: 539
المختار في الفتوي: 374، 375
مختصر ابن النجار: 276
مختصر أخبار الخلفاء لابن الساعي (م):
319، 372، 602
مختصر الدول لابن العبري (م): 26، 43، 84، 86، 88، 89، 90، 92، 99، 101، 102، 108، 120، 121، 122، 137، 138، 147- 150، 153، 157، 163، 287، 289، 345، 359، 360، 366
مختصر سير الملوك: 319
المختصر في أخبار البشر (م): راجع تاريخ أبي الفداء
مختصر القدوري: 374
مدارج المعارج: 580
المذهب الأحمد في مذهب أحمد: 255
مراصد الاطلاع (م): 308، 412
المستجمع في شرح المجمع: 419
مسكوكات إسلامية تقويمي (م): 406، 431، 594
مسكوكات إيلخانية (م): 406
مسكوكات قديمة إسلامية (م): 404، 461، 594
مسند أحمد بن حنبل: 276
مشكل كتاب الشهاب: 379
مشيخة ابن الساعي: 318
مصرع الحسين: 272
مطالع الأنوار: 571
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 686
مطيع المؤمنين: 161
معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز: 255
معالم التنزيل: 558
المعتمد في الفقه: 569
معجم ابن رافع: 273
معجم الأدباء: 257
معجم البرزالي: 558
معجم البلدان (م): 308، 445
معجم شيوخ ابن الفوطي: 538
معجم المطبوعات: 443
مفاتيح الغيب (م): 387
مفتاح التفاسير: 511
المقامات الأربعة: 407
الملاحة في الفلاحة: 429
الملل و النحل: 165
مناسك الجعبري: 570
منتخب المختار: 274، 275، 320، 323، 341، 354، 375، 376، 379، 382، 388، 399، 401، 419، 430، 434، 438، 519، 543، 563، 569
المنتظم: 420
المنتهي في الفقه: 546
المنظومة الأسدية في اللغة: 429
منهاج السنة (م): 546
منهاج الكرامة (م): 546
منهج الدعوات (م): 293
منية الفضلاء: 441
الناسخ و المنسوخ: 253
ناصحة الموحدين و فاضحة الملحدين: 580
النبراس المضي ء في الفقه: 429
النجاة: 335
النجوم الزاهرة: 452
نزهة البررة في القراءات العشرة: 570
نزهة القلوب (م): 39، 177، 381،
385، 471، 524
نزهة الناظر: 568
نظام التواريخ: 31، 366
نظم الحاوي: 568
نظم فصيح ثعلب: 252
نظم قراءة يعقوب: 532
نظم الكافي: 254
النظم المتوسط: 257
نظم مختصر الخرقي: 254
النور المقتبس: 569
الهداية الآمرية: 161
هفت باب: 161، 314
الواضح: 379، 387
الوافي بالوفيات (م): 224، 227، 229، 230، 232، 257، 258، 312، 313، 387
وجه دين (م): 165
الوجيز (م): 308، 568
وفيات الأعيان (م): 27، 153، 234، 250، 353، 366، 373
الوقاية: 374
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 687
أتابك، أتابكه: 236
أقمين: 541
ألتون تمغا: 259
أميراخور: 570
أمير جندار: 557
أمير الوس: 455
اوردي، اوردو: 146، 155
اونباشي: 141، 142
اوروق، اوروغ: 83
إيكجية: 304، 332
إيلچية: 342، 392
إيلخانية: 343
إيلية: 127، 135
بازار: 529
بالش، باليش، بالشت، بواليش (نوع نقد): 100، 404
بركستوانات: 527
بك؛ بيك: 279
بكلر بكي: 279
البندقدار: 268
بوقتاق؛ بوقتاي: 153
بهادرية: 137
بياكيم: 518
بيكباش: 141
پايزه، پايزه سرشير: 194، 259
پادشاه: 76
ترخان؛ طرخان، ترخانية: 89، 141
ترغو، تورغو: 136، 168
تكري بتي (صنم اللّه): 90
تنگه (نوع نقد): 404
تملق: 557
تمغات، طمغات: 324
توره: 75
تومان: 141، 520
تيمور، دمير: 62
جهاندار: 285
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 688
جهانكشاي: 14
جهانكير: 285
جاو (نوع نقد): 404، 427
چچن: 84
چينغ سانغ، چينك سانك: 94، 363
خان: 89
خربندية: 343
خركاه: 527
خواجكية: 582
خوند: 523
داروغا: 69، 92، 95
دركاه: 257
دروازه: 121
دشت: 282
دل راست؛ راست دل: 220
دنكشه، دناكش (نوع نقود، دنكجه):
357، 404
دويدار، دواتدار: 187، 188، 199، 229، 230
دهليز: 544
زاير باولي: 526
سرخيل العسكر: 205
سرهنكية: 299
سنجق، سنجاق: 520
شهزاده: 187
فرمان: 192
فيطات، غيطات: 556
قاآن: 47، 68، 138، 148، 150، 154، 157، 158، 159
قباتيري: 526
قباق نويان: 186
قراتمغا: 259
قراقجية: 99
قرقلات: 527
قنارة: 333
قوريلتاي، قورلتاي: 70، 138، 146، 150
قوما: 154
قيجور، قغجور: 427
كارخانه: 334
كنكاش: 67، 86، 94
كوران: 83
كورن: 74
المهمندار: 534
ناق؛ ايناق: 397
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 689
نقره: 124
نوكر، نوكرية: 70، 93، 346
نويان؛ نوين: 128، 141، 142، 152
ياساق، يساق، ياسا، ياسه، يسا، يوسون: 115، 143، 159
يارغو: 277، 278
يام: 327
يرليغ، يرليغات: 44، 194، 259، 262، 289
يزك: 444
يوزباشي: 141
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 690
هلاكو ببزة حربية 12
مغفر مغولي 30
أسلحة المغول 55
جندي مغولي 80
جنگيزخان عظيم المغول 130
جلوس أوكتاي قاآن 145
قبلاي قاآن 167
تولي خان و زوجته سورقوقتي 246
منارة جامع الخليفة 303
جلوس منكو قاآن 305
هلاكو 344
تربة السيدة زبيدة 460
مشهد ذي الكفل 475
مرقد الجايتو 499
مقطع من مرقد الجايتو 587
الحكومة الإيلخانية في العراق 597
نطاق حكومة المغول في عهد جنگيز 607
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 691
المقدمة 5
تواريخ العراق و مراجعه 6
المراجع العراقية و العربية 8
وصف المؤلفات التاريخية 8
الكامل 9
تاريخ أبي الفداء 10
المختصر في اخبار البشر 11
سيرة جلال الدين منكبرتي 11
جهانكشاي جويني 14
تاريخ وصاف 16
جامع التواريخ 20
وصف نسخة استانبول المخطوطة 21
ذيل جامع التواريخ 25
مختصر الدول 26
الحوادث الجامعة 27
تاريخ المغول 29
نظام التواريخ 31
طبقات الشافعية 32
تقويم الوقائع التاريخية 32
شجرة الترك 33
تاريخ ابن خلدون 35
كلشن خلفا 35
التاريخ العام للهون و الترك و المغول و سائر التتر 36
ترك تاريخي 36
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 37
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان 38
كتب أخري 39
نظرة عامة في أحوال هذا الدور 41
احتلال بغداد 43
الأمة الفاتحة و روحيتها، أو التعريف بجنگيزخان و قومه 46
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 692
الأمة الفاتحة، و أوائل أحوالها 47
التواريخ و الأمم أو دراسة تاريخية 51
الأمة وفاتحها 52
بيان أصلهم 53
الترك و مكانتهم بين الأمم 53
مقارنة بين قبائل الترك و العرب 57
الترك القدماء إلي تكوّن المغول و التتر 60
المغول و التتر 62
التتر 63
و من قبائلهم 64
المغول 65
المغول الثانية 72
سلاطين المغول 76
حكومة جنكيزخان 81
أوائل أيامه 81
محاربات جنگيز القبائلية 83
حرب جنگيز مع ملك كرايت و تغلبه عليه 84
اعلانه السلطنة و وجه تسميته بجنگيز 89
أعماله التالية لإعلانه الاستقلال 90
بيعة الأويغور 92
فتح خيتاي و قراخيتاي و جورجيت 93
المصالحة مع آلتان خان 94
قتل كوچلو (كشلوخان) 96
نظرة عامة و نتائج ضرورية 97
العلاقات
الاولي بين جنكيز خان و خوارزمشاه 98
بعثة جنگيز إلي بلاد خوارزمشاه 101
سفير الخليفة إلي جنگيزخان 103
رأي ابن الأثير في اتهام الخليفة 105
خوارزمشاه و هذا الحادث 107
حكومة خوارزمشاه 109
قتال خوارزمشاه مع الخطا (الخيتاي) 112
الكرة علي الخطا (الخيتاي) 113
بقايا الغورية 113
مسير خوارزمشاه إلي بغداد 114
التتر و الخوارزمشاهية 115
ظهور المغول في المملكة الإسلامية 116
أول وقعة جرت بين خوارزم شاه و بين جوجي خان 118
هجوم جنگيزخان علي بلاد المسلمين 120
محاصرة أوترار و ضبطها 121
تقدم جنگيزخان علي بخاري 122
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 693
القتال علي سمرقند 125
مسير التتر إلي خوارزمشاه 128
وفاة خوارزمشاه محمد 131
جلال الدين منكبرتي 132
وقائع جنگيزخان الأخري 135
صفوة القول عن جنگيزخان 139
اوكتاي قاآن 144
مرض القاآن 150
گيوك بن أوكتاي 151
مانگوقاآن 153
أعمال منگوقاآن 156
توجه هلاكو إلي البلاد الغربية 157
وصية منگو قاآن لهلاكو 159
سفر هلاكو و قصده بلاد الملاحدة و وقائع أخري 161
اجمال عن الملاحدة 164
توغل هلاكوخان في فتوحه 166
توجه هلاكو تلقاء بغداد 168
تدابير هلاكو للزحف علي بغداد 176
الزحف علي بغداد 185
احتلال بغداد 197
خروج هلاكو من بغداد و وقائع أخري 199
القضاء علي الخليفة 200
ترجمة الخليفة المستعصم باللّه 200
نظرة عامة في عهد العرب المسلمين في العراق 208
أيام العرب المسلمين في العراق 208
العرب 209
حكوماته 212
الشعوب الأخري في العراق 214
وزارة مؤيد الدين ابن العلقمي من 14 صفر سنة 656 إلي مستهل جمادي الثانية 220
تنظيم إدارة بغداد 220
التشكيلات الإدارية 222
وقائع و حوادث أخري 224
نص الكتاب المرسل إلي حلب 225
أواخر أيام الوزير ابن العلقمي:
(وفاته) 226
ترجمة حاله 226
وزارة عز الدين أبي الفضل بن العلقمي من 2 جمادي الثانية سنة 656 ه وزارة بغداد 232
إربل- الاستيلاء عليها (قتلة ابن صلايا) 232
نقل أموال بغداد و أموال الملاحدة و غيرها 235
وفود إلي هلاكوخان 236
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،
ص: 694
حكاية عن هلاكو تعين خطته 237
اثر سقوط بغداد في النفوس 238
حوادث الموصل
وفاة بدر الدين لؤلؤ 249
و من مؤلفاته 252
وقائع العراق سنة 657 ه (1259 م)
تغيير في الموظفين 256
وفاة الوزير عز الدين أبي الفضل العلقمي
وفاة الوزير و بعض احواله 257
ولاية علاء الدين عطا ملك الجويني في ذي الحجة سنة 657 ه 258
وقائع سنة 658 ه (1260 م) شكوي علي الوالي (صاحب الديوان) 261
وقائع سنة 659 ه (1261 م) الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل و حوادث سورية 262
وقائع سنة 660 ه (1262 م)
قتل الملك الصالح و أخيه:
(حوادث الموصل) 266
ابن زيلاق 269
ابن يونس الباعشيقي (والي الموصل الجديد) 270
وقائع بغداد في هذه السنة
قتل عماد الدين القزويني 270
قتل مجد الدين ملك واسط 271
وقائع سنة 661 ه (1263 م)
قتل علي بهادر شحنة بغداد و العلوي المعروف بالطويل 271
وقائع سنة 662 ه (1264 م)
نصير الدين الطوسي و الدويدار في بغداد 276
القبض علي ابن عمران- محاكمته: (قتله) 276
ابن الدويدار 277
اعتقال علاء الدين صاحب الديوان 277
وقائع سنة 663 ه (1265 م) وفاة السلطان هلاكوخان 278
السلطان آباقاخان ولي في 25
ربيع الآخر سنة 663 ه 287
حوادث العراق في هذه السنة 289
حوادث الموصل 289
وقعة الجاثليق 290
وقائع سنة 664 ه (1265 م)
فيلان ببغداد 290
وفاة المخرمي 290
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 695
ترجمة المخرمي 290
وقائع سنة 665 ه (1266 م) 294
وقائع العراق الأخري في هذه السنة 294
وقائع سنة 666 ه (1267 م) 295
بناء رباط 295
ضرب نقود 295
التأهب للحج 295
قتل ابن الخشكري 295
ولاية الموصل 296
وقائع سنة 667 ه (1268 م) 297
قدوم السلطان آباقاخان إلي بغداد 297
حوادث أخري 298
وقائع سنة 668 ه (1269 م) 298
ولاية الموصل و شحنتها 298
وقائع في بغداد 298
حادثة اغتيال 299
وقائع سنة 669 ه (1270 م)
300
ذيول حادثة بغداد 300
وقائع سنة 670 ه (1271 م) 301
عقد نكاح لبنت ابن الخليفة 301
تجديد منارة جامع الخليفة 304
وقائع سنة 671 ه (1272 م) 306
المدرسة العصمتية 306
نائب القاضي ببغداد: (وفاته) 307
وفاة ابن القاسم الموصلي 307
وقائع سنة 672 ه (1273 م) 308
السلطان آباقاخان في بغداد 308
علاء الدين صاحب الديوان في واسط 309
الأبهري الزمهرير 309
وقائع سنة 673 ه (1274 م) 316
صدر الحلة 316
مدرس المدرسة المغيثية 316
قاضي الجانب الغربي ببغداد 316
وقائع سنة 674 ه (1275 م) 317
نقيب الكاظمية 317
وفاة مؤرخ عراقي كبير 318
ترجمته 318
وقائع سنة 675 ه (1276 م) 321
وقائع المغول 321
وقائع بغداد 321
وقائع سنة 676 ه (1277 م) 323
قتل والي الموصل و نصب غيره 323
غرق بغداد 323
برد في بغداد 323
وقائع سنة 677 ه (1278 م) 325
ضريبة و اضطراب 325
شغب آخر علي الصاحب 327
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 696
ظهور مفسدين ببغداد 328
عزل ناصر الدين قتلغ شاه 329
حوادث سنة 678 ه (1279 م) 331
سعال 331
تزييف النقود 332
غلاء 332
عمارة منارة جامع الخليفة 332
عمارة مسجد معروف الكرخي 332
حوادث سنة 679 ه (1280 م) 334
منصب مشرف الممالك 334
غلاء في بغداد 334
حوادث سنة 680 ه (1281 م) 335
قدوم السلطان آباقاخان 335
الصاحب علاء الدين 336
وفاة السلطان آباقاخان 337
ترجمة السلطان آباقاخان 338
رباط في مشهد سلمان الفارسي 339
وقائع سنة 681 ه (1282 م) 342
السلطنة بين ارغون و أحمد 342
السلطان أحمد و الملك المنصور الألفي 343
توجه علاء الدين نحو العراق 345
صورة الكتاب 345
الاضطراب في بغداد و (وفاة علاء الدين) 348
ترجمة الصاحب علاء الدين الجويني 348
وقائع ارغون 351
حوادث سنة 682 ه (1283 م) 354
صاحب ديوان بغداد الجديد 354
قضاء و حسبة 356
مجد الدين محمد ابن الاثير 356
النقود: (دناكش) 357
شحنكية بغداد: (شرطتها) 357
المارستان العضدي 357
بين المدرسة النظامية و
البشيرية 357
رسول إلي الشام: (وفاته) 358
حوادث سنة 683 ه (1284 م) 359
قتل السلطان أحمد و حكومة أرغون 359
بركةخان و حكومة القفجاق 361
ولاية اروق علي العراق 363
ولاية العراق: (ادارتها) 363
شمس الدين صاحب الديوان 365
ترجمة شمس الدين صاحب الديوان 365
الحكومة في هذا العهد 367
حوادث في بغداد 368
ذيول هذه الحادثة وداعية آخر 369
ابن كمونة و كتاب الأبحاث عن
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 697
الملل الثلاث 369
تولية القضاء نيابة 371
غرق و جراد في بغداد و انحائها 371
أمير العرب 372
حوادث سنة 684 ه (1285 م) 376
مشرف العراق 376
كسر الدراهم: (نقود جديدة) 377
غارة عسكر الشام علي الموصل و أنحائها 377
حوادث سنة 685 ه (1286 م) 379
تبدلات إدارية كبري في العراق 379
توجيه قضاء الحلة 380
الاسعار في بغداد 380
حوادث سنة 686 ه (1287 م) 383
ذيول التبدلات في حكومة العراق 383
غارة الأعراب 385
وقوع برد في نيسان 385
حوادث سنة 687 ه (1288 م) 386
إتمام التبدلات الإدارية 386
مدرسة النظامية 386
وقوف العراق 387
حوادث سنة 688 ه (1289 م) 388
التمغات و عميد بغداد 388
تبدلات إدارية في العراق أيضا 389
الوالي قتلغ شاه 390
قتل قتلغ شاه 390
قتل منصور بن علاء الدين الجويني 390
قتل والي الموصل 390
حوادث سنة 689 ه (1290 م) 391
شغب في بغداد علي سعد الدولة: (اليهود) 391
الحج: (و نهب العرب) 392
بقايا أولاد شمس الدين الجويني 392
حوادث سنة 690 ه (1291 م) 392
وقائع عراقية- والي بغداد 392
سعد الدولة و اليهود 394
وفاة السلطان أرغون خان و سلطنة كيخاتوخان 396
وفاة و جلوس 396
ترجمة السلطان أرغون 396
ورود علي بن علاء الدين الجويني 398
وفاة الألفي 399
حوادث سنة 691 ه (1292 م) في إدارة العراق: (ولاية العراق) 400
نائب جمال الدين: (نائب الوالي) 401
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 698
حوادث سنة 692 ه (1293
م) 401
في دار السلطنة 401
حوادث سنة 693 ه (1294 م) 402
ولاية العراق 402
بايدو و واسط 402
توجه والي بغداد إلي السلطان 403
التعامل بالأوراق النقدية:
(الجاو) 403
النقود في هذا العهد 405
تبدلات في الولاية و الإدارة 406
قاضي القضاة 406
الملك الأشرف 406
حوادث سنة 694 ه (1295 م) قتل كيخاتوخان 410
ترجمة السلطان كيخاتو 410
سلطنة بايدوخان 411
سلطنة بايدو 411
ولاية الدستجرداني العراق 412
تولية العراق: (أحوال بغداد) 412
قتلة السلطان بايدو 413
جلوس السلطان غازان 414
أهل الذمة 415
إدارة العراق: (قاضي القضاة) 415
قتلة فخر الدين مظفر ابن الطراح 416
حوادث سنة 695 ه (1296 م) 420
نائب بغداد 420
صاحب ديوان الممالك 420
تصفح أعمال العراق 421
حوادث سنة 696 ه (1297 م) 422
السلطان غازان و العراق 422
دخوله المدرسة المستنصرية 422
الخراج 424
السلطان في الحلة: (و زيارة المشاهد) 424
خروجه من بغداد و ما جري- (قتلة نوروز) 425
حوادث بغداد 426
قتل علي بن علاء الدين الجويني 426
قتل عز الدين محمد بن شمام 426
ضمان العراق 426
قضاء القضاء 426
أبو محمد عفيف الدين الحنبلي 427
حوادث سنة 697 ه (1297 م) 427
ذيول (الجاو)- (حوادث العراق) 427
شحنة بغداد 428
حوادث سنة 698 ه (1298 م) 430
مسير السلطان غازان إلي العراق 430
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 699
غازان مجيئه إلي بغداد- ضرب النقود 431
ولاية العراق- تبدلات إدارية 432
ضمان العراق 432
قضاء القضاة 432
حوادث سنة 699 ه (1299 م) 435
السلطان غازان و الشام 435
و فيات 436
حوادث سنة 700 ه (1300 م) 437
حرب السلطان مع أهل الشام 437
التاريخ المبارك الغازاني 437
ولاية بغداد 438
وفاة والي بغداد 438
تاريخ الفوطي 438
حوادث سنة 701 ه (1301 م) 439
التاريخ الايلخاني 439
توحيد الموازين و المكاييل 440
تاريخ الفخري- والي الموصل 440
حوادث سنة 702 ه (1302 م) 444
الضرائب 446
حوادث سنة 703 ه (1303 م) 446
وفاة السلطان غازان 446
ترجمته 447
السلطان الجايتو محمد خدابنده
451
سلطنته 451
رسول إلي التتار 453
حوادث سنة 704 ه (1304 م) 453
ولادة 453
حوادث سنة 705 ه (1305 م) 454
وقائع مشهورة 454
حوادث سنة 706 ه (1306 م) 456
السواملي 456
حوادث سنة 707 ه (1307 م) 458
شعار الشيعة 458
حوادث سنة 708 ه (1308 م) 464
وقعة أحمد بن عميرة: (أمير الموصل) 464
حوادث سنة 709 ه (1309 م) 467
بناء مدينة سلطانية 467
تزوج السلطان 467
عودة احمد بن علي بن عميرة الأمير من آل فضل 467
حوادث سنة 710 ه (1310 م) 469
الكيلانيون 469
بين الوزيرين 469
غلاة الشيعة- مشهد ذي الكفل 471
حوادث سنة 711 ه (1311 م) 474
مدينة سلطانية 474
قراسنقر و الأفرم 474
تاريخ وصاف: (تجزية الامصار
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 700
و تزجية الاعصار) 476
حوادث سنة 712 ه (1312 م) 478
السلطان الجايتو و سورية 478
أمير العرب مهنا بن عيسي 482
وفاة هدية البغدادية 484
صاحب ماردين 484
حوادث سنة 713 ه (1313 م) 485
في الصيد 485
الطاعون 485
حوادث سنة 715 ه (1313 م) 485
الملك الصالح 487
جمال الدين آقوش 487
قراسنقر 488
غارة أمير العرب 488
آل مرا 488
حوادث سنة 716 ه (1316 م) 491
عزل الوزير تاج الدين علي شاه 491
امراء العرب في سورية 493
شريف مكة في العراق 493
وفاة السلطان محمد خدابنده (الجايتو) في غرة شوال سنة 716 ه 495
وفاة السلطان 495
ترجمته 495
حوادث سنة 717 ه (1317 م)
السلطان أبو سعيد بهادر خان 501
سلطنة أبي سعيد 501
شريف مكة و البصرة 502
التتار- الشام 503
محمد بن عيسي 504
روضة أولي الالباب في تواريخ الأكابر و الأنساب (تاريخ مغولي) 504
حوادث سنة 718 ه (1318 م) 506
فضل بن عيسي أمير العرب- البصرة 506
قتلة الوزير الخواجة رشيد الدين و ابنه عز الدين 506
ذيول هذه الوقعة: (ابن الخوام) 513
عشائر الإحساء و البصرة- أمير العرب 514
غلاء و جلاء 514
حوادث سنة 719
ه (1319 م) 516
اختلاف أمراء التتر وفتن 516
تفصيل الخبر 516
الحج في هذه السنة 518
حوادث سنة 720 ه (1320 م) 519
آل عيسي و طردهم من سورية 519
رسول السلطان أبي سعيد إلي
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 701
سورية 520
أوضاع العشائر- إيضاح 520
قاصد و هدايا- أوضاع العشائر 524
(الرسل عند سلطان مصر:
(التقادم)) 525
أمر الصلح 526
الفداوية من الإسماعيلية 527
الركب العراقي- عودته من الحج 527
حوادث سنة 721 ه (1321 م) 529
مهنا ابن عيسي أمير العرب 529
هدايا السلطان أبي سعيد 529
كتاب من بغداد 529
وفيات 530
حوادث سنة 722 ه (1322 م) 531
رسل أبي سعيد- شروط الصلح 531
الأمير فضل بن عيسي 532
حوادث سنة 723 ه (1323 م) 534
رسل السلطان أبي سعيد 534
رسول مصر إلي السلطان أبي سعيد 535
حج بنت السلطان ابقا 536
وفاة مؤرخ عراقي (ابن القوطي) 537
و من مؤلفاته 538
قاضي المغول 539
صفي الدين الأرموي العراقي 539
حوادث سنة 724 ه (1324 م) 539
مهنا بن عيسي أمير العرب 539
رسل السلطان أبي سعيد في مصر 540
وفاة الوزير علي شاه 540
حوادث سنة 725 ه (1325 م) 543
الغرق في بغداد 543
شيخة رباط بغداد 544
حوادث سنة 726 ه (1326 م) 545
مهنا و عربه 545
رسل أبي سعيد إلي الناصر محمد 545
وفاة جمال الدين البغدادي 545
ابن المطهر 546
ابن الهيتي 546
حوادث سنة 727 ه (1327 م) 547
الأمير چوبان و أولاده 547
الوزارة في هذا العهد 555
ترتيب السلطان 556
حوادث سنة 728 ه (1327 م) 560
أمير الموصل- أمير بغداد 560
رسل السلطان أبي سعيد 560
قتلة تمرتاش ابن الامير چوبان 561
ابن الخراط الدواليبي 563
موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 702
حوادث سنة 729 ه (1328 م) 564
رسول أبي سعيد 564
نائب الملك أبي سعيد 564
حوادث سنة 730 ه (1329 م) 566
حوادث سنة 731 ه (1330 م) 567
وفاة علي
بن إسحاق بن لؤلؤ 567
حوادث سنة 732 ه (1331 م) 568
حوادث سنة 733 ه (1332 م) 570
حوادث سنة 734 ه (1333 م) 572
وقائع بغداد 572
حوادث سنة 735 ه (1334 م) 573
وقائع سنة 736 ه (1335 م) 575
وفاة السلطان 575
ترجمته 575
السلطان ارباخان 580
سلطنته 580
ترجمة غياث الدين محمد الوزير 586
سلطنة موسي خان في غرة شوال سنة 736 ه 590
سلطنته (علي باشا- قتله) 590
حوادث سنة 737 ه (1337 م) 591
السلطان مظفر الدين محمد المتوفي سنة 738 ه 592
سلطنة مظفر الدين محمد و المتغلبة 592
المتغلبة علي حكومة المغول 595
عشائر العراق- في عهد المغول 600
الحكومات المجاورة 603
الحضارة و الثقافة 605
الخاتمة 608
1- فهرس الأعلام 615
2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل 656
3- فهرس الأمكنة و البقاع 663
4- فهرس الكتب 678
5- فهرس بعض الألفاظ الدخيلة و الغريبة 687
6- فهرس الصور 690
7- فهرس المواضيع 691