موسوعة العتبات المقدسة، المجلد 1

اشارة

‏سرشناسه : خلیلی، جعفر، ۱۹۰۴ - م.
‏عنوان و نام پدیدآور : موسوعه العتبات‌المقدسه/ تالیف جعفر الخلیلی.
‏مشخصات نشر : ‏بیروت‌‏: موسسه‌الاعلمی للمطبوعات‏، ۱۴ق .-‏‏‏= ۱۳‏-
‏مشخصات ظاهری : ‏ج.‏: مصور، عکس.
‏یادداشت : عربی.
‏یادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد ششم، قسمت اول: ۱۹۸۷م = ۱۴۰۷ق = [۱۳۶۶].
‏یادداشت : چاپ دوم.
‏یادداشت : ج.۱ (چاپ اول: ۱۳۸۷ق. = ۱۹۶۷م.= ۱۳۴۶).
‏یادداشت : ناشر جلد یکم کتاب حاضر دارالتعارف می باشد.
‏یادداشت : کتابنامه.
‏مندرجات : ج.۱. قسم کاظمین.- ج. ۶، ق. ۱، قسم‌النجف. - ج. ۷، ق. ۲، قسم‌النجف
‏موضوع : زیارتگاههای اسلامی -- تاریخ
‏موضوع : زیارتگاه‌های اسلامی -- عراق
‏رده بندی کنگره : ‏DS۷۹/۹ /ز۹‏خ۸ ۱۳۰۰ی
‏رده بندی دیویی : ‏۹۵۶/۷۵
‏شماره کتابشناسی ملی : ۱۲۵۹۱۵

الجزء الأول

اشارة

موسوعة العتبات المقدّسة المدخل- 1
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 3
المدخل الی موسوعة العتبات المقدّسة
ألفها و جمع بین بحوثها و علّق علیها
جعفر الخلیلی
منشورات مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات بیروت- لبنان ص. ب. 712
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 4
جمیع الحقوق محفوظة و مسجلة الطبعة الثانیة 1407 ه- 1987 م
مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات:
بیروت- شارع المطار. قرب کلیّة الهندسة. ملک الاعلمی- ص. ب: 7120
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 5
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم

موسوعة العتبات المقدسة الموسوعة العربیة

اشارة

الموسوعة إصطلاح حدیث أطلق علی البحوث المستفیضة الواسعة تقابلها کلمة (الأنسکلوبیدیا) و هی کلمة یونانیة تعنی مجموعة العلوم و الفنون و قد عرّبت باسم (دائرة المعارف)، و اسم الموسوعة أعم و أکثر شمولا من اسم دائرة المعارف، سواء کانت الموسوعة أوسع فی حقیقتها مدی من (المعاجم) و من (دوائر المعارف) أم أقل منها إحاطة بالمواد و المواضیع، فکل دائرة معارف، و کل معجم، موسوعة فی الاصطلاح، و لکن لیس کل موسوعة- عند الکثیرین- معجما أو دائرة للمعارف، و الفرق بین الموسوعة، و المعجم، أو دائرة المعارف، فیما جری علیه الاصطلاح الحدیث هو أن نظام التألیف فی المعجم و فی دائرة المعارف قائم علی الحروف الهجائیة، مبتدئا بحرف الألف و منتهیا بحرف الیاء، کمعاجم الرجال، و معاجم المواد، و دوائر معارف العلوم و الفنون و الآداب و معاجم اللغة.
أما الموسوعة فلا تلتزم بحوثها بأی نظام فی طریقة التألیف غیر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 6
نظام المواضیع التی تفرض سلیقة المؤلف و ذوقه و مقتضیات بحثه تقدیم أی موضوع منها أو تأخیره فی العرض، علی أن تکون واسعة الغرض، کثیرة الاحاطة، لیکون اطلاق اسم (الموسوعة) المصطلح علیها مطابقا للواقع، و هنالک نوع من الموسوعات ما یسمّی (بالتذکرة) و قد دأب العلماء العرب و غیرهم من الذین شملهم اسم (المسلمین) علی تألیف هذا النوع من الموسوعات یجمعون فیها جمهرة من العلوم کتذکرة (الصفدی) و تذکرة (ابن حمدون).

أول دائرة معارف فی التأریخ

هنالک اختلاف فی أول دائرة معارف کتبت فی التأریخ و قد ذهب أکثر المؤرخین علی أن (سیوسبیوس) الیونانی و هو ابن أخ أفلاطون و تلمیذه کان أول من قام بجمع البحوث العامة و وضع الانسکلوبیدیا، و لکن هذه المجموعة من الانسکلوبیدیا قد فقدت، و یری البعض: ان مجموعة (ستوبینوس) (وسویداس) و (کابلا) سنة 480 م هی من أهم الموسوعات التی کتبت فی ذلک الزمان، و هناک من یورد اسم الموسوعة الصینیة المسماة (کوکین سی فون لوی تسی) تألیف (شوهوفو) سنة 246 ضمن الموضوعات العامة القدیمة و مهما کان من أمر تلک الموسوعات و قیمتها العلمیة و قدمها فان (غایوس بلینوس)pliny المسمی بالکبیر (23- 79 م) هو أول کاتب موسوعی فی التأریخ، کان رومانیا ولد فی ایطالیة الشمالیة و مضی الی روما صفیرا و مارس المحاماة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 7
حقبة من الزمن ثم حارب فی المانیة و اسبانیة و بلاد الغال. فقد زار افریقیة و شغل ببعض المناصب الاداریة ثم کان قائدا للأسطول فی أحد الموانی‌ء البحریة حین استعر برکان فیزوف فمات حرقا بشواظ ناره، و لقد أهّلته تلک الحباة المتشعبة النواحی، الغنیة بالتجارب و الرحلات، لوضع موسوعته «التأریخ الطبیعی» التی رفعها الی الامبراطور تیطش (تیتوس)، و هی فی 37 کتابا. و یتناول الکتاب الأول المقدمة و الفهارس و المراجع، و الثانی وصف الأرض، و الشمس، و القمر، و الکواکب، و النجوم، و الثالث الی السادس فی الجغرافیة، و السابع الی الحادی عشر فی علم الحیوان، و الثانی عشر الی التاسع عشر فی النبات، و العشرون الی السابع و العشرین فی الطب النباتی، و الثامن و العشرون الی الثانی و الثلاثین فی سائر الأدویة. أما الکتب الباقیة فتبحث فی المعادن ثم النحت و التصویر و البناء الخ .
و علی أن أول دائرة معارف شاملة فی (التأریخ الطبیعی) المذکور الذی تناول کتابه کل العلوم المعروفة فی العالم القدیم و المحتوی علی نحو 2500 فصل فان صفة الموسوعیة قد لازمت الکتب العربیة الاسلامیة قبل ان تلازم أیة مجموعة من الکتب عند أیة أمة من الأمم، و ذلک منذ صدر التأریخ الاسلامی و منذ القرون الهجریة الاولی أی منذ تصدّی الکتاب و المؤلفون لتتبع السیرة النبویة و جمع أخبار الصحابة و الغزوات الاسلامیة و الفتوحات و ما کان یحدث و یقع، و ما کان یهمّ المسلم من دینه و أصوله و شرح الآیات القرآنیة و القصص التی تخص الأنبیاء مما
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 8
أوردها القرآن الکریم علی سبیل المثل و الاستشهاد، و منذ ان کانت الحیاة تتطلب من المثقف المسلم و غیر المسلم من العرب و المستعربین، من الوزیر و الکاتب و الحاجب و الرسول و الشاعر و الأدیب الإحاطة و الإلمام علی قدر الامکان بأمور الدین و تأریخ الأمم و أخبار المدن و القبائل و العادات و الاخلاق، و الشعر و الأدب و الفنون العامة، و ما یقتضیه العصر مما یقع تحت النظر، کان لا بد أن یتطرق الکثیر من الکتب العربیة الی کثیر من هذه الأغراض باتساع أو ایجاز سدا للحاجة، و تنویرا للاذهان التی حث الاسلام فی کثیر من المناسبات علی مثل هذه الثقافة و المعرفة و فضّل أهل العلم علی الزهّاد و النسّاک و العبّاد، و تطلبت الشریعة و مقتضیات الحیاة أن یعدّ الحکام و الامراء و القضاة انفسهم لذلک إعدادا وافیا و لهذا قالوا بأفضلیة القادة و الامراء و الحکام و اعتبروا الخلفاء و الائمة أفضل من الرعیة، و عامة الحکام أفضل من المحکوم علیهم، لانهم أفقه فی الدین، و اقوم بالحقوق، و أردّ علی المسلمین، و عملهم بهذا افضل من عبادة العبّاد، و لان نفع اولئک لا یعدو قمم رؤوسهم، و نفع هؤلاء یخص و یعم، و العبادة لا تدله، و لا تورث البله الا لمن آثر الوحدة، و ترک معاملة الناس و مجالسة أهل المعرفة، فمن هناک صاروا بلها، حتی صار لا یجی‌ء من أعبدهم حاکم و لا امام، و ما احسن ما قال ایوب السختیانی حیث یقول:
«فی اصحابی من أرجو دعوته و لا اقبل شهادته، فاذا لم یجز فی الشهادة کان من أن یکون حاکما أبعد».
و عاجز الرأی مضیاع لفرصته حتی اذا فات أمر عاتب القدرا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 9

- صبغة الموسوعیة العربیة-

و کلما خطا الإسلام خطوة و تغلغل بین الأقوام و اتسعت رقعته، اشتدت الحاجة الی ثقافة اوسع و احاطة أکثر بما انصب فی الأقطار الاسلامیة من فنون و علوم و معارف فاتسعت رقعة التألیف علی نمط الموسوعیة و تعددت مواضیع الکتب، و تنوعت أهداف الثقافة و اغراضها و اشتدت الحاجة الی التزود بالعلوم و المعارف و الآداب جملة حتی صارت الموسوعیة صبغة ثابتة لأمهات الکتب العربیة و الاسلامیة، لذلک فضلا عن کونها من أقدم الموسوعات فی تأریخ الثقافة العامة فهی اکثر الموسوعات العالمیة شمولا لمختلف المواضیع من دین و علم و حکمة و أدب و تأریخ و فن، و حتی الکتب العربیة الخاصة المؤلفة لغرض الاختصاص قلّ منها من لم یصطبغ بصبغة الموسوعیة العامة، فکتاب الأغانی مثلا لم یقتصر علی الأغنیة و مغنیها، و انما هو موسوعة تأریخیة عامة أحاطت بالکثیر من أخبار العرب و الفرس و الرومان فی سیاق الحدیث، و هو موسوعة أدبیة شاملة استعرضت الشعر العربی و نثره و تراجم الشعراء و الخطباء و الکتاب و الحکام و الأمراء و القادة فی أغلب ادوارهم التأریخیة و الأدبیة و الفنیة، ثم هو بعد ذلک کتاب حکمة و أمثال و أخلاق لما حوی من القصص و الافکار و الشواهد.
و لقد رأینا هنا ان نعرض بإیجاز تأریخ الموسوعة العربیة الاسلامیة و طبیعتها و استعراض المؤلفین الذین اتصفت مؤلفاتهم بصفة الموسوعیة فکان لها و لهم قیمة کبیرة فی تأریخ الثقافة العامة التی خدمت البشریة جمعاء خدمة مشهودة کبیرة معتمدین فی هذا الاستعراض الموجز الشامل علی الدکتور حسین مؤنس مدیر معهد الدراسات الاسلامیة بمدرید. و علی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 10
المصادر التأریخیة، و الموسوعات العربیة و الأجنبیة. و الدراسات المستفیضة الخاصة الواردة فی الصحف و المجلات

نشأة الموسوعیة

«نشأ الفکر العربی فی العصور الوسطی موسوعیا، نشأ علی أیدی رجال فتح الاسلام لهم أبواب العلم و المعرفة، و بسط الأرض أمامهم لیضربوا فی مناکبها، و یتوسعوا فی العلم بالأرض و ما علیها عن طریق المشاهدة و التجربة، و وضع فی أیدیهم تراث الماضین لیتمثلوه و یضیفوا خلاصته الی ثروة الفکر العربی الاسلامی الناهض ثم ینشئوا من ذلک کله أدبا و علما زاهرین یتناولان کل ما یرقی بالانسان و یوسع أفقه و یهذب خلقه، و یزید حظه من الرقی و الرخاء.
هؤلاء الرجال هم الذین أرسوا أسس الفکر العربی بجهدهم الدؤوب المخلص خلال القرن الهجری الثانی (الثامن المیلادی) و هم الذین طوروا مفهوم الادب من معنی التهذیب و السیر علی التقلید الخلقی الحمید الی معنی المعرفة الانسانیة الواسعة «و الإلمام من کل شی‌ء بطرف» کما قال عمید الموسوعیین خلال العصر الاول من تأریخنا الفکری ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (توفی 255 ه 869 م).
و خلال القرن الهجری الثانی کانت المعرفة فی نظر طلابها کلا واحدا لا یتجزأ یشمل علوم الدین و الدنیا، و یعتبر الکون کله مجالا للبحث و التفکیر و التألیف، و کان علی طالب الثقافة ان یحفظ القرآن و یحیط بمعانیه، و یلم بما تیسر له من الحدیث و یحفظ ما تیسر له من شعر الجاهلیین و المعاصرین، و یتمکن من اللغة و تأریخ العرب و ایامهم و علومهم الاولی کالطب الطبیعی و النبات، و الانواء و القیافة و ما الی ذلک.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 11

ابن المقفع و التراث الهندی الفارسی

و جاء ابن المقفع (توفی 143 ه 760 م) فوسع الأفق و أضاف الی ثروة العرب شیئا عظیما من تراث الهند و فارس، و نقل الی العربیة کتبا مثل (خدای نامه) أی کتاب السادة، و کلیلة و دمنة.
فأما الأول فقد دخل تراثنا تحت اسم (سیر ملوک العجم) و اتاح للناس الفرصة للاطلاع علی جانب من تأریخ البشر قبل الاسلام، و وضع بین أیدی طلاب التأریخ نموذجا أفادوا منه فی تطویر فکرة التألیف التاریخی.
و أما الثانی- کلیلة و دمنة- فکان نموذجا جمیلا للقصص الرفیع ذی المغزی البعید، و ثروة من الحکمة و تجارب البشر تلقاها الفکر العربی فی أجمل صورة و أکملها .
و فتح ابن المقفع للناس بکتابه (الصحابة) أبواب التفکیر السیاسی، و دعاهم الی التفکیر الموضوعی فی شؤون الدول و الحکومات و الشعوب و السلاطین، هذا الی ما تضمنته کتبه الأخری مثل (الدرة الیتیمة) و (الأدب الصغیر) من حکم و تأملات یعجب الانسان من صدورها عن شاب قام بذلک العمل کله قبل ان یبلغ السادسة و الثلاثین من عمره.

الجیل الاول من الموسوعیین

اشارة

فی هذا الطریق الواسع سارت الأجیال التالیة لجیل ابن المقفع، و اطلعت رجالا ملأوا القرن الهجری الثالث کله علما و ادبا، و قد تمیز اولئک الرجال
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 12
قبل کل شی‌ء بالموسوعیة فی الاتجاه و الشمول فی العلم، قرأوا متوسعین فی کل فن، و کتبوا مکثرین فی کل باب من ابواب المعرفة.
فهشام بن محمد بن السائب الکلبی (توفی 204 أو 206 ه 819 أو 821 م) کتب فی علوم القرآن و السیرة النبویة و الشعر و عجائب البحر و الأصنام و التأریخ العام، بل له کتاب یسمی (منطق الطیر).
و أبو عبیدة معمر بن المثنی (توفی 210 ه 825 م) کتب فیما یقول ابن الندیم مائة کتاب و خمسة کتب تتناول کل موضوع تقریبا.
و الأصمعی عبد الملک بن قریب بن قیس (توفی 214 ه 829 م) الف بضعة و أربعین کتابا فی الشعر و اللغة و الطب و النبات.
و ابو زید سعید بن اوس الأنصاری (توفی 215 ه 830 م) کتب قریبا من هذا العدد من المؤلفات فی کل علوم العصر المعروفة، و من مؤلفاته واحد عن المطر و آخر عن اللبن.
و ابو عبید القاسم بن سلام (توفی 223 ه 838 م) الف فی علوم الاسلام و اللغة و التأریخ و الشؤون المالیة، و کتابه (الأموال) آیة فی التنسیق و العمق و حسن الفهم و الدقة، و کتابه الآخر المسمی (الغریب المصنف) أشبه بموسوعة تکلم فیها عن الانسان و الطعام و الشراب و الأبنیة، و المراکب، و السلاح، و الطیر، و الحشرات، و النار، و الشمس و القمر و ما الی ذلک، و قد أنفق فی تألیفه اربعین سنة فلا غرابة ان أصبح من غرر الکتب فی المکتبة العربیة الی الیوم.
هؤلاء جمیعا کانوا یقرأون فی کل موضوع ایضا، کان یدفعهم الی العمل ذلک النهم الی المعرفة الذی یمیز الأمم الحیة من غیرها من الأمم، و موسوعیتهم کانت مظهرا من مظاهر السیادة العربیة، لان العلم فی ذاته سیادة، و طلبه عزة، و علی طول التأریخ کانت الأمم العالمة هی الأمم السائدة، و لم یجتمع فی التأریخ ابدا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 13
علم و ذلّ
و لکن موسوعیة هذا الجیل کانت موسوعیة اتجاه لا منهج، أی ان اولئک الرجال کانوا یقرأون دون نظام، و یکتبون دون نظام ایضا، و هم یتنقلون فی الفقرة الواحدة من علوم القرآن الی الشعر الجاهلی الی النبات الی الحیوان الی الفلک، و قارئهم یتعب اذا طلب عندهم موضوعا بعینه.
و لکنهم مهدوا الطریق للطبقة الاولی من الموسوعیین المنهجیین فی تأریخنا و أعمدتها خمسة من الاعلام، یعتبر کل واحد منهم دائرة معارف قائمة بذاتها.

1- قدامة بن جعفر الکاتب

أول هؤلاء قدامة بن جعفر بن قدامة الکاتب (237 ه 851 م) و هو أول عربی الف کتابا شاملا لکل المعارف التی یحتاج الیها المشتغل بالکتابة الدیوانیة و الانشائیة، و قد أطلق علی کتابه الجامع هذا اسم (الخراج) و المراد به الشؤون المالیة للدولة، و هی عصب الادارة و عماد الخلافة، و قد بقیت لنا من موسوعیته تلک قطع تدل علی علم مستبحر، واحدة فی الخراج بالذات، و ثانیة عن نقد النثر، و ثالثة عن نقد الشعر، و هناک قطع أخری لا تزال مخطوطة تنتظر من یخرج بها الی النور.

2- ابو عثمان الجاحظ

و ثانی هؤلاء أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ توفی (255 ه 869 م) أمیر هذا الطراز من الموسوعیین فی تأریخنا، فقد کان یکتب بنفس المستوی من الاجادة و العمق و الشمول و خفة الظل فی العقائد، و علوم الاسلام، و الادب، و التأریخ الطبیعی، و الطب، و الاجناس، و الحیوان، و اخلاق البشر، و هو مسهب متدفق، طویل النفس، یصوغ ما یکتب فی اسلوب سهل ممتنع، و یخاطب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 14
عقل القاری‌ء و یناقش معه الموضوعات و الآراء فی غیر أثقال او ادعاء أو تکلف، و من الاسف ان الجاحظیة لم تجد من یرثها و یسیر بها فی الطریق الذی کان کفیلا بأن یخرج بالفکر العربی من العصور الوسطی الی العصور الحدیثة.

3- ابن قتیبة الدینوری

و ثالثهم ابو عبد اللّه محمد بن مسلم بن قتیبة توفی (276 ه 879 م) و هو یکاد یضاهی الجاحظ فی سعة العلم، و حریة الفکر، و کثرة التألیف، و تنوع الکتب، و هو یشبهه ایضا فی ان معظم کتبه الرئیسیة سلم من عبث الایام و وصل الینا، و کتابه (أدب الکاتب) خزانة علم و أدب لو فسرت و بوبت لکانت دائرة معارف، أما کتابه (عیون الاخبار) فنموذج جمیل من کتب الادب بمعناه الواسع عن العرب و هو معنی یقابل ما نسمیه نحن الیوم بالادب او الانسانیات .

4- أبو حنیفة الدینوری

و رابعهم أبو حنیفة احمد بن داود الدینوری توفی (282 ه 895 م) و قد الف فی النحو و اللغة و التأریخ و الهندسة و الحساب، و لا یزال کتاباه الرئیسیان (الأخبار الطوال) و (الامامة و السیاسة) من معضلات التوالیف فی مکتبتنا العربیة، لان الخلاف طویل حول أصول مادتهما و نسبة بعض فصولهما الیه .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 15

5- ابو العباس المبرد

و خامسهم أبو العباس محمد بن یزید المبرد توفی (285 ه 898 م) و کتابه (الکامل) موسوعة لعلوم العرب الی أیامه، تتناول کل فن من أدب الی تاریخ الی لغة الی دین الی طب، و هو یتنقل بقارئه من فن الی فن علی طریقة کانت تعجب الاقدمین و لکنها تجهد الباحث الحدیث، فقد کانوا یرون أن الاستطراد من موضوع لموضوع یعین القاری‌ء علی القراءة، و یبعد عن نفسه الملل، أما نحن فثری فیه تقسیما لوحدة الفکرة و الموضوع.
و یلحق بهذه الطبقة من الموسوعیین اثنان من أهل القرن الرابع الهجری هما أبو احمد بن محمد بن عبد ربّه توفی (328 ه 940 م)، و أبو الفرج علی بن الحسین الاصفهانی توفی (356 ه 967 م) و الاول مشهور بکتابه المسمی (العقد الفرید) و هو من اجمع الکتب عن العرب و انسابهم و شعرهم و نثرهم و علومهم، و تلمح فیه محاولة جادة لترتیب المادة الواسعة و تبویبها، و الثانی مشهور بکتابه الاغانی، و هو دائرة معارف فی الادب و التأریخ خاصة.

الموسوعیة عنوان الثقافة

و هولاء الموسوعیون هم الذین أعطوا الفکر العربی طابعه الموسوعی الانسانی الذی أصبح من ممیزاته الرئیسیة، و نحن لم نذکر منهم هنا إلا أکابرهم الذین حددوا مستوی الثقافة الذی کان لزاما علی کل من یطمح الی مکان محترم فی المجتمع ان یصل الیه أو یقترب منه علی الاقل، فبینما کان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 16
شرلمان اکبر أباطرة الغرب فی العصور الوسطی لا یعرف من الکتابة الا رسم اسمه، کان المجتمع العربی لا یرضی عن حاکم بلد صغیر الا اذا کان علی حظ طیب من المعرفة بالتأریخ و الشعر و النثر و علوم الدین و الطب و الحکمة و احوال الدنیا، و قد یکون الرجل قائدا عظیما، او خلیفة واسع السلطان، أو امیرا عظیم الولایة، او تاجرا ذا مال عریض، و لکن المجتمع لم یکن یعترف بمکانه الا اذا تحلی بالثقافة الواسعة، و قرأ شیئا من الکتب التی أشرنا الیها، و جالس أهل العلم و الادب و شارکهم الحدیث و طارحهم الشعر، لان (الادب) أی الثقافة الانسانیة الواسعة کان شرطا من شروط الظهور و الریاسة فی ذلک العالم العربی المثقف .

ضعف الاتجاه الموسوعی بعد القرن الرابع

و نحن عندما نقول ان الفکر العربی أخذ فی الاضمحلال بعد القرن الرابع الهجری (العاشر المیلادی) لا نعنی بذلک ان البحث و التألیف فی هذا العلم او ذاک قد توقف و انقطع، و انما معناه ان الفکر فقد طابعه الموسوعی، و اقتصر کل باحث او عالم علی علمه و فنه، ذلک لان التألیف الجید فی شتی العلوم لم یتوقف خلال تأریخنا کله حتی خلال العصر الترکی لم یتوقف العلماء عن البحث و الدرس و التألیف، و لکن الذی یلاحظ بعد القرن الرابع هو هبوط الهمم عن القراءة الواسعة و التألیف الواسع أی التخلی عن الموسوعیة و لکل ثقافة من الثقافات طابعها الممیز و عنصرها الدافع المحرک، و بالنسبة للثقافة العربیة کانت الموسوعیة هی روحها و طابعها الممیز و قوتها الدافعة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 17

الفرق بین الطبری و ابن ایاس

و نوضح هذه الناحیة بمثال:
نحن نقول ان أبا جعفر محمد بن جریر الطبری توفی (310 ه 922 م) عمید مؤرخینا قبل ابن خلدون، و ان البون شاسع بینه و بین رجل مثل محمد بن احمد بن أیاس توفی (حوالی 932 ه 1528 م) مع ان ابن أیاس مؤرخ ممتاز متقن لفنه، و کتابه (بدائع الزهور) من الاصول التی لا یستغنی عنها باحث فی تاریخ دول الاسلام، و هو من حیث الطول و الاتساع لا یقل عن تاریخ (الرسل و الملوک) للطبری، و لکن الطبری لم یکن مجرد مؤرخ، انما کان بحرا من العلم، و قد کتب قبل ان یکتب التأریخ تفسیره المشهور، و هو دائرة معارف تجمع کل علم و فن، فما نمّر فیه بتفسیر آیة کریمة الا وجدناه یفیض فی الشرح و التفسیر غیر مغادر لمحة تاریخیة أو أدبیة او علمیة الا ذکرها.
اما ابن أیاس فمؤرخ فحسب، و هو یسرد الحوادث دون ان یدل علی اتساع وافق او تبحر علم او نظر الی ما وراء ما یکتب، و الفرق بینه و بین الطبری هی الموسوعیة و الشمول، و هما فی حساب الثقافة العربیة المقیاس الحقیقی لعلم العالم، و هی المیزة التی تمیز العالم العربی عن غیره.
فالطبری مؤرخ من مورخی عصر الازدهار لانه موسوعی، و ابن أیاس من رجال الاضمحلال لانه غیر موسوعی، و الطبری وحده یعدل فی تأریخنا الفکری کل مورخی القرن السادس الهجری من أمثال بهاء الدین بن شراد المتوفی (632 ه 1235 م) و ابن ظاهر الاسدی المتوفی (612 ه 1215 م) و سبط ابن الجوزی المتوفی (654 ه 1256 م) و شهاب الدین ابی شامه المتوفی (665 ه 1267 م) و هو اکبر مورخی القرن السادس تنقصه الموسوعیة،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 18
و یفتقد عنده اتساع الافق و شمول الثقافة الذی یمیز قادة العصور فی تاریخنا.
و قد ظل تقلید الموسوعیة قائما علی طول تأریخنا و لکن عدد الموسوعیین قلّ فی عصور الاضمحلال و القلیلون الذین ظهروا منهم خلال القرن الرابع و ما بعده هم الذین ساروا فی طریق الجاحظیة من التوسع فی العلم و الاحاطة بکل فن مضمنیه کتابا یضم اطرافا من علمهم الواسع.

المسعودی

ففی القرن الرابع حمل لواء الموسوعیة علی ابن الحسین بن علی المسعودی المتوفی (346 ه 957 م) و هو رجل وعی صدره من العلم ما یدهش له قارئه، فهو مورخ رحالة جغرافی متمکن من الریاضیات و الفلک، راویة للقصص، حافظ للشعر و النثر، و هو یکتب فی اسلوب جزل جمیل یعود بالذهن الی فحولة الجاحظ و ملکته فی النقد و الملاحظة، و هو مثل الجاحظ متوسع فی التألیف، و کتبه مترابطة الموضوعات یکمّل بعضها بعضا، و هو فی کل کتاب منها یحیل علی ما قاله فی کتبه السابقة او یقول انه سیستوفیه فی کتاب لاحق.

ابن مسکویه

و فی النصف الاول من القرن الخامس نجد أبا علی الخارف احمد بن محمد بن یعقوب المعروف بمسکویه المتوفی (421 ه 1030 م) و هو مورخ فیلسوف حکیم ریاضی کیمائی و ادیب کاتب شاعر، و کان معاصرا لابی حیان التوحیدی و امتاز علیه باتساع مدی العلم و النظرة الانسانیة للامور،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 19
و کتابه (تجارب الامم) من احسن ما کتب فی العربیة فی تاریخ الدنیا، و له فیه آراء و ملاحظات تصل به الی مستوی ابن خلدون کمؤرخ للحضارة البشریة و مفلسف للتأریخ، و الی مکانه کفیلسوف حکیم عارف بطبائع البشر و اصول الحکمة، تتجلی موهبته فی کتاب (تهذیب الاخلاق و تعطیر الاعراق) و هو یقوم علی اساس کتاب فارسی یسمی (جاویدان خرد) ای الحکمة الخالدة .

الکندی و الفارابی و ابن سینا

و هذا یصدق علی الظاهرین فی بقیة میادین النشاط الفکری الاسلامی، فالکندی، و الفارابی، و ابن سینا، یتربعون علی عرش الفلسفة بسبب تنوع معارفهم و عمقها و شمولها و توسیع مجال الفلسفة حتی تشمل العلوم الانسانیة کلها، و ابن سینا بالذات جعل کتابه (الشفاء) دائرة معارف کاملة.

المتنبی و البیرونی

و فی میدان الشعر یعتبر ابو الطیب المتنبی عمید شعراء العربیة لا بالشعر وحده، فان الکثیر من شعرائنا یضاهونه فی الشاعریة و لکن أبا الطیب کان موسوعة حافلة، و قارئه یعجب باتساع علمه کما یبهره شعره.
و فی میدان الریاضیات و الفلک یحتل ابو الریحان البیرونی مکان الصدارة لانه- الی جانب تمکنه من الریاضیات- أدیب فیلسوف ضم صدره التراث
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 20
لفکری الاسلامی کله و أتقن الی جانب ذلک الفارسیة و الاردیة و اللاتینیة و الیونانیة و فی کتابه (الآثار الباقیة) دلائل علی ذلک کله.

غرض الموسوعیة الاکبر

و معنی ذلک ان الموسوعیة اصبحت من ایام الجاحظ هی مقیاس اهل العلم فی تأریخنا، فلا یکفی لکی یکون الرجل علما من اعلام ذلک التأریخ ان یکون متمکنا من فنه الذی تخصص فیه، بل لا بد ان یلمّ من کل شی‌ء بطرف.
و لا یتصور الانسان مقدار الجهد الذی کان اولئک الرجال یبذلونه للمحافظة علی تقلید الموسوعیة فقد کان علیهم ان یحفظوا الوفا بعد الوف من الصفحات التی یحتاج استیعابها الی الوف بعد الوف من الساعات، فعلاوة علی ما لا بد منه من القرآن الکریم و الحدیث الشریف، کان علیهم ان یدرسوا اربعة علی الاقل من کتب الادب الکبری و هی: ادب الکاتب لابن قتیبة، و الکامل للمبرد، و الاغانی لابی الفرج الاصفهانی، و العقد الفرید لابن عبد ربه، و تاریخا من تواریخ الاسلام (کالرسل و الملوک) للطبری، و السیرة لنبویة لابن اسحق، و دواوین کبار الشعراء الی ایامهم، و کتابا علی الاقل فی کل علم و فن الی جانب تخصصهم.
و هذا الذی ذکرناه کله کان جانبا من محفوظ رجال مثل و یاقوت بن
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 21
عبد اللّه الحموی المتوفی (626 ه 1229 م) و جمال الدین بن واصل المتوفی (697 ه 1298 م) و ابی الفداء اسماعیل بن محمود بن المظفر المتوفی (732 ه 1332 م) و شمس الدین الذهبی المتوفی (748 ه 1347 م) و اسماعیل بن عمر بن کثیر المتوفی (774 ه 1372 م)، و لسان الدین بن الخطیب المتوفی (776 ه 1374 م) و عبد الرحمن بن خلدون المتوفی (808 ه 1406 م) و تقی الدین المقریزی المتوفی (845 ه 1441 م) و شمس الدین السخاوی المتوفی (902 ه 1496 م) و غیرهم ممن یعتبرون عمد تأریخنا الفکری.
و هؤلاء الرجال لم یکونوا یتکلفون هذا الجهد لمطالب العیش، فان العیش لا یکسب بحفظ المجلدات و افناء العمر فی الدفاتر، و انما یکسب بالتجارة و عن طریق وظائف الدولة، و لا یعلل اجتهاد اولئک الرجال إلا بأنهم کانوا یشعرون انهم بعملهم هذا یحافظون علی کیان أمة و روح شعب و تقالید حضارة، و الانسان لا یبذل الجهد العظیم الا اذا کان دافعه الیه مثل أعلی و أعظم.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 22

السیوطی

و نضرب لذلک مثلا بالسیوطی، و لا شک ان هذا الحافز العظیم هو الذی حرّک رجلا مثل جلال الدین السیوطی المتوفی (911 ه 1505 م) الی أن یضطلع وحده بتألیف مجموعة من الکتب یعد کل منها دائرة معارف قائمة بذاتها: واحدة فی علوم الدین، و اخری فی التأریخ، و ثالثة فی علوم اللغة و ما الی ذلک.
عاش جلال الدین عبد الرحمن السیوطی 62 سنة هجریة ألف خلالها نحو 350 کتابا بقی لنا منها 315، فلو قسمنا کتبه علی سنین حیاته من مولده الی وفاته لخص کل منها 6 کتب، و لو فرضنا انه بدأ التألیف فی سن الخامسة و العشرین لکان نصیب کل سنة 10 کتب.
و معظم کتب السیوطی کأنها مواد لدوائر المعارف مبوبة، منقبة، مختصرة قدر الامکان، فله کتاب طبقات الحافظ- أی تراجمهم- و هی مرتبة فی طبقات علی حسب العصور، و کتاب طبقات المفسرین، و کتاب طبقات النحویین و اللغویین، و له کتاب غایة فی الاختصار و الفائدة فی تأریخ الخلفاء، و اذا أردت ان تأخذ فکرة عن الطریقة المنهجیة الموسوعیة التی سار علیها فی التألیف فأنظر کتابه (المزهر فی علوم اللغة) و هو فی رأی الدارسین أوفی و اشمل ما لدینا من علوم لغتنا، و کذلک کتابه (الاتقان فی علوم القرآن) و ما اظن ان انسانا استطاع ان یکتب أحسن من هذا فی موضوع شاسع مثل علوم القرآن.
و لم یکتف السیوطی بهذا کله، بل أراد ان یکتب دائرة معارف مختصرة کهذه التی نسمیها نحن الیوم دائرة معارف (دیسک انسایکلوبیدیا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 23
فوضع کتابا سماه (الأصول المهمة فی علوم جمة) و یسمی ایضا (النقابة) و هو یضم الضروری من المعلومات عن 14 علما منها التفسیر و اصول الدین و التشریح و البدیع و البیان، و المعانی، و الطب و التصوف و الحدیث و أصول الفقه.
و إذن فالسیوطی رجل جعل نفسه جامعة کاملة و دار تألیف و نشر، و عاش عمره کله یقرأ و یدرس و یبوب و یرتب و یکتب. و قد خلف تراثا لا تقوم بمثله جماعات من الرجال.

الموسوعیة تخصص و فن

و فی مصر المملوکیة اصبحت الموسوعیة فنا و منهجا و موضوع تخصص و ظهرت فی ذلک العهد الموسوعات الکبری التی یعتز بها تاریخنا الفکری و هی (نهایة الأرب) للنویری و (مسالک الأبصار) للعمری، و (صبح الأعشی) للقلقشندی.
و هذه الموسوعات الثلاث الکبری تتشابه فی الفکرة و الهدف و ربما اختلفت فی المناهج التی قامت علیها، فأما من حیث الفکرة فهما شبیهان بما تقوم علیه أی دائرة معارف فی عصرنا هذا، و هو جمع المعلومات کلها فی کتاب واحد و ترتیبها علی احد أساسین: اساس المواد فترتب علی حروف المعجم، أو اساس الموضوعات فترتب علی النحو الذی یراه المؤلف.
و قد اختلفت المناهج التی سار علیها المؤلفون الثلاثة بعضها عن بعض، و لکن الحصیلة واحدة تقریبا، و لکل واحدة منهم میزة علی الاثنین الاخرین، فالنویری أکثر اسهابا فی التأریخ، و العمری طویل النفس فی الأدب، واسع المعلومات فی الجغرافیا و العلوم، و القلقشندی أوسع الثلاثة علما بشؤون الدولة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 24
و نظامها و تأریخ نظمها و ادارتها و اختصاص کل منها و مراتب العاملین فیها و نظم الجیوش و الاساطیل و أنواع السلاح و ملابس الضباط و الجنود و صنوف المراکب الحربیة و النقود و الموازین و المکاییل و ما الی ذلک.
و لا یتسع هنا المجال لتحلیل مواد هذه الموسوعات الکبری فذلک بحث قائم بنفسه، ثم ان اثنتین منهما، هما (نهایة الارب) و (صبح الاعشی) قد طبع معظمهما، و نرجو ان یأذن اللّه بالفراغ منهما، أما الثالثة (مسالک الابصار) فکانت اجزاؤها متفرقة فی مکاتب الدنیا حتی قیض اللّه لها شیخ العروبة أحمد زکی باشا طیب اللّه ثراه فبذل جهدا مضنیا حتی جمع أجزاءها فی دار الکتب المصریة و هی راقدة هناک باجزائها التی تربو علی الخمسین تنتظر من یکمل العمل الذی قام به ذلک العلامة الجلیل فقد نشر منها جزءا واحدا تطاول الزمن علیه و هش ورقه حتی اصبح لا یحتمل التصفح، و احمد زکی هو آخر من سار علی تقلید الموسوعیة من اهل الفکر عندنا، و لا غرابة ان سماه الناس بشیخ العروبة.
کان الثلاثة شهاب الدین احمد بن عبد الوهاب النویری المتوفی (732 ه 1332 م) و شهاب الدین احمد بن فضل اللّه یحیی العمری المتوفی (748 ه 1347 م) و شهاب الدین احمد بن علی بن احمد القلقشندی المتوفی (821 ه 1418 م) من موظفی الدولة المملوکیة، و قد ألفوا موسوعاتهم لخدمة امثالهم من الموظفین و الکتاب و لکن قارئهم یشعر ان هذا لا یمکن ان یکون دافعا کافیا للجهد الذی بذله کل منهم، فان رجلا کالنویری یکتب فی التأریخ وحده نحو ثمانیة مجلدات فی نحو 1200 صفحة من القطع الکبیرة لا یمکن ان یکون قد أضنی نفسه علی هذا النحو لمجرد ان یضع بین ایدی الموظفین کتابا یرجعون الیه، انما هو عالم متبحر جمع فأوفی، و شعر ان تراث العرب فی حاجة الی من
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 25
یحفظه، و ان واجبه ان یقوم بذلک، و من هنا فأنت تشعر و انت تقرأ ای مجلد من مجلدات موسوعته بأنه عالم تخصص فی هذا العلم الذی یدور علیه المجلد وحده، و کذلک تشعر و انت تتصفح مجلدات العمری عن الجغرافیة و الادب، و القلقشندی فی نظم الدولة المملوکیة، و هم جمیعا یکتبون فی أسلوب عربی رصین جمیل لا یعرف تلاعب السجع و لا اضاعة الوقت فی محسنات البدیع، شأن العلماء الجادین الجدیرین بهذا الوصف .
و مثل هذا یقال فی أعظم معجمین فی لغتنا: (لسان العرب) لابی الفضل محمد بن مکرم علی الافریقی المصری المعروف بابن منظور المتوفی (711 ه 1311 م)، و (تاج العروس) لمحمد بن محمد بن عبد الرزاق المعروف بالمرتضی الزبیدی المتوفی (1205 ه 1790 م) فهما فی الحق دائرتا معارف اضطلع بتألیف کل منهم رجل واحد، و لکن اطلع علی مادة واحدة فی کل منهما لتشعر بمقدار الجهد الذی بذل فی وصفها، و سبحان من یسر لرجل واحد ان یضطلع وحده بما تحار فیه المجامع و اللجان.

رسائل أخوان الصفا

و لا بد فی هذا المجال من کلمة عن (رسائل اخوان الصفاء) انها دائرة معارف من طراز فرید فی بابه فی تأریخ الثقافة البشریة، الفتها جماعة من الاصدقاء، کلهم فلاسفة یدینون برأی واحد فی تفسیر الکون و حقیقته و ظواهره، و العقائد و اصولها، و ما الی هذه من مسائل الفلسفة التی شغلت
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 26
اذهان الناس فی العصور الوسطی.
کانوا جماعة سریة لم یفصحوا عن اسمائهم او عن حقیقة اتجاههم، و اکتفوا بأن سموا انفسهم (اخوان الصفاء و خلان الوفاء) و قد عاشوا خلال النصف الثانی من القرن الرابع الهجری، و الغالب انهم فرغوا من رسائلهم سنة 373 هجریة 983 میلادیة، و واضح من رسائلهم انهم کانوا شیعة اسماعیلیة، و ان هدفهم من تحریر هذه الرسائل هو الدعوة لمذهبهم هذا عن طریق العلم و الفلسفة.
و یبلغ عدد الرسائل احدی و خمسین کلها مکتوبة بطریقة واحدة تقوم علی التأویل و الرمز تتناول الکلام عن الموت و غایة النفس فی الحیاة الدنیا، و العقل، و النور و الظلمة، و الجوهر و العرض، و تحدید العالم، و مکان الانسان فیه، و النفس، و القوة الالهیة، و البعث و القیامة، و الحکمة، و الفلسفة و الخالق سبحانه، و العقل و ارکانه، و ما الی ذلک ما مسائل الفلسفة و الالهیات.
انها دائرة معارف فلسفیة لا تزال الی الآن مشکلة من مشاکل تأریخ الفلسفة عندنا، و لکنها علی أی حال أول دائرة معارف فلسفیة ظهرت فی التاریخ، و مهما یکن الرأی فی نظریات اصحابها فهی شی‌ء طریف فی مکتبتنا العربیة، و هی مظهر من مظاهر الموسوعیة فی ثقافتنا ».
و للدکتور مصطفی جواد ثمانیة استدراکات علی اشهر اسماء الموسوعیین و اشهر الموسوعات العربیة المتقدمة نثبتها هنا إتماما للفائدة و هی:
1- تذکرة ابن حمدون محمد بن الحسن من رجال القرن السادس للهجرة و هی أوسع موسوعة أدبیة فی أکثر من خمسین بابا من ابواب الادب، و منها أجزاء فی خزائن کتب (استانبول) کالمکتبة البایزیدیة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 27
2- کتاب الفنون لعلی بن عقیل البغدادی المتوفی سنة 513 و هو فی اربعمایة مجلد و منه مجلد فی دار الکتب الوطنیة بباریس، و آخر فی المکتبة التیموریة الملحقة بدار الکتب المصریة.
3- و من کتّاب الموسوعیة الکبار الثعالبی عبد الملک مؤلف (الیتیمة) و (فقه اللغة) و عشرات الکتب الاخری فی جمیع العلوم تقریبا، و قد توفی سنة 428 هجریة.
4- و مفاتیح العلوم للخوارزمی من أهل القرن الرابع للهجرة، و هو دائرة معارف علی الاسلوب الموسوعی الکامل.
5- شرح المقامة الخطیبیة لابن الزبیر علی بن الحسن الغسانی فی العلوم حتی الموسیقی، منها نسخة بمکتبة الاوقاف ببغداد أرقامها 9606 و نسخة أخری فی مکتبة البلدیة بالاسکندریة.
6- و من کبار علماء الموسوعیة نصیر الدین الطوسی و هو مؤسس أول أکادیمیة اسلامیة فی (مراغه) و ان کانت علی عهد الملک هولاکو التتری.
7- و کتاب (شمس العلوم) لنشوان الحمیری، و هو دائرة معارف بل موسوعة علی الحقیقة.
8- و کتاب ألف باء البکوی علی ذلک الطراز ایضا.

الموسوعیة الاروبیة

اشارة

و فی الوقت الذی کانت الحرکة الفکریة فی أوج نشاطها فی الاقطار الاسلامیة و کانت الموسوعیة تطغی علی عدد کبیر من المؤلفات العربیة کانت الاقطار الاروبیة یسودها الخمول بسبب فقدان الامن و الاطمئنان علی رغم النشاط الکنسی فی علوم اللاهوت و الفلسفة و العلوم الاغریقیة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 28
و فی خلال القرن الثانی عشر انصب فی اوروبا نهر عظیم من المعرفة الجدیدة مصطحبا معه ثورة فکریة مستمدة من العرب الذین کان المسیحیون یتصلون بهم فی صقلیة و اسبانیا ثم اتسعت مجاری هذا النهر مما خلفته الحروب الصلیبیة بین القرن الحادی عشر المیلادی و القرن الثالث عشر فکان لهذا الاتصال- اتصال الغرب بالشرق أثره العمیق فی بعث الحرکة الفکریة فی اوروبا.
و استقرت اوروبا بعض الشی‌ء و اصبح اقتصاد المدن الاوروبیة و الریف قادرا نوعا ما علی إعالة الناس الذین یهبون انفسهم للحیاة الفکریة و بدأ الافق الثقافی لاروبا یتفتح عن نهضة مشرقة فشهد القرنان الثانی عشر و الثالث عشر المیلادی تأسیس اول جامعة، فقد تأسست جامعة او کسفورد فی سنة 1200 میلادیة و تأسست جامعة کمبرج بعدها بقلیل، و ما کاد ینتهی القرن الثالث عشر حتی اصبح فی اوربا اللاتینیة اثنتا عشرة جامعة .
و حین تم اکتشاف امیرکا سنة 1492 زاد أفق اوربا العلمی اتساعا و کثر عدد الجامعات فی المدن الاوروبیة و کثرت التآلیف و تنوعت المواد التی تناولها العلماء و المکتشفون و الفلکیون بالبحث و الدراسة فزادت الحاجة الی الموسوعیة اکثر و اکثر، و اصبحت الاحاطة و الالمامة بالمعرفة العامة من مستلزمات العصر فضلا عن شدة الاحساس بالحاجة الی مصادر یعول علیها و یستعان بها علی فهم المواضیع و کنه الحیاة العامة فکان من نتائج ذلک ان اتجهت انظار المفکرین الی الموسوعیة فی تآلیفهم و الاهتمام بها یوما بعد یوم حتی تم تألیف (الجمعیة الملکیة فی لندن) سنة 1662 و حتی تم تألیف (أکادیمیة العلوم الفرنسیة) سنة 1666 حیث بدأ طبع الدوریات العلمیة فتیسر التبادل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 29
السریع بین الاراء فطبعت الکتب الواسعة و المقالات فی مختلف العلوم و الفنون لا فی العلوم الطبیعیة و الریاضیات فحسب بل فی فن معرفة الکتابات القدیمة و علم المسکوکات القدیمة، و علم التقاویم، و تأریخ القانون، و القانون الطبیعی اذ لم تکن اعمال العلماء یومذاک تخضع لمبدأ التخصص، فقد شعر الجمیع بوجوب مساهمتهم فی جمیع جهات العلم و المعرفة .

دائرة المعارف البریطانیة (أنسکلوبیدیا بریتانیکا)

و تعددت المعاجم و الموسوعات العلمیة و التأریخیة الأوروبیة بنسبة تقدم العالم و کثرت المراجع الواسعة فی العصور الحدیثة، و لکن اول معجم عام للفنون و العلوم المرتب علی الحروف الهجائیة لم یصدر قبل (دائرة المعارف البریطانیة) و لعل هذه الموسوعة من أشهر و اکمل الموسوعات العالمیة، و ستحتفل بعد سنوات ثلاث بمرور مائتی سنة علی طبعتها الاولی. فلقد صدرت تلک الطبعة فی کانون الأول 1768 علی شکل کراریس ثمن کل منها 6 بنسات (24) فلسا ثم استمرت علی الصدور منذ ذلک الحین فی اتساع یتناسب مع تقدم العلم، و توسع المعرفة، و انتشار الثقافة، و ازدهار الآداب و الفنون. و قد اصبحت طبعاتها فی القرن الاخیر دولیة یسهم فی کتابة مباحثها أدباء و علماء من مختلف الاقطار، کل فی موضوع اختصاصه.
و جدیر بالذکر ان الطبعة الاولی لدائرة المعارف البریطانیة صدرت فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 30
(أدنبره) و کملت فی سنة 1771 فی 3 أجزاء، أما الطبعة الاخیرة فتتألف من 24 جزءا ضخما فضلا عن الملاحق السنویة الضخمة التی تتضمن إضافات تاریخیة و علمیة و ثقافیة و احصائیة لکل عام.

دائرة المعارف الفرنسیة (الانسکلوبیدیا)

و تعتبر هذه الموسوعة من أهم المشاریع الثقافیة و لا سیما من ناحیة تحریر الأفکار و التمهید للثورة الفرنسیة. و قد عهد بالاشراف علیها الی المفکر الفرنسی دنیس دیدرو (1713- 1784). و قد قام دیدرو بتجنید نخبة من رجال الفکر و الأدب فی فرنسة لکتابة البحوث المختلفة و فی مقدمتهم فولتیر، و روسو، و دالمبرت. و فی هذه الاثناء سجن دیدرو لکتابته «رسالة فی العمیان». لکن الجزء الاول من دائرة المعارف صدر فی تموز 1751 و عقبه الجزء الثانی بعد ستة اشهر. لکن قرارا صدر فورا بحجز الجزئین لمسّهما بسلطة الملک و الدین و مع ذلک طبعت الاجزاء الأخری، ثم قررت الحکومة وقف الطبع سنة 1759 و الجزء الثامن آنذاک رهین المطبعة، و استمر طبع سائر الأجزاء بعد ذلک بین منع الحکومة و تشجیع عدد من کبار رجال الحکم انفسهم، حتی ان رئیس المحکمة التی قررت مصادرة مسودات الطبع أبلغ الناشرین سلفا بالقرار و نصحهم باخفاء المسودات لدیه (لان الشرطة لن یخطر ببالها البحث عنها هناک).
و أخیرا أنجز طبع أجزاء دائرة المعارف الکبری لکن نسخها حجزت بأمر الملک. و مضت سنوات حتی جرت مناقشة فی قصر الملک ذات مساء حول المواد التی یصنع منها البارود. و قالت (مدام دی بومبادور) صدیقة الملک انها لا تعلم کیف تصنع جواربها الحریر و لا أحمر الشفاه الذی تستعمله فی زینتها. فقال احد النبلاء الحاضرین ان من الامور المؤسفة حجز دائرة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 31
المعارف التی تتضمن الاجوبة الصحیحة لکل تلک الاسئلة. فقال الملک انه ابلغ ان ذلک المؤلف مضرّ جدا، لکنه أمر یجلب الواحد و العشرین جزءا للأنسکلوبیدیا حیث وجد ضیوفه کل المعلومات التی یتوقون الی معرفتها.
و صدر الامر الملکی علی الاثر برفع الحجز و السماح بتداول دائرة المعارف الممنوعة .

الانسکلوبیدیا الامیرکیة

و فی أواخر القرن الثامن عشر صدرت نحو 23 او 27 دائرة معارف انکلیزیة امیرکیة، و من اهم و اوسع دوائر المعارف الامیرکیة المنسوبة «لا یلتون» التی صدرت فی سنة 1873- 1876 فی طبعة أنیقة مزودة بالصور، و غیر هذه الانسکلوبیدیا الامیرکیة صدر بعد ذلک و لم یزل یصدر فی امیرکا عدد غیر قلیل فی مختلف المواضیع العامة سواء ما یقتصر منها علی امیرکا وحدها او ما یشمل العالم کله فی مواضیع معینة او مواضیع عامة .
و کانت آخر دائرة معارف امیرکیة عامة حدیثة هی التی صدرت فی هذه السنة.

الانسکلوبیدیا الالمانیة

و تعتبر الأنسکلوبیدیا الألمانیة من أسهل دوائر المعارف و اکثرها تنسیقا و تیسیرا للمطالعة و هی المسماة (ارش و غرویر) و قد أنیط اخراجها و تکملتها ب (و ختر) و بنفقة (بروکهس) و صدرت فی 6 مجلدات بین سنة 1796 و 1810 و طبعت فی (لیبزیک) و (آمستردام) ثم طبعت بعد ذلک عدة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 32
طبعات و ترجمت الی عدة لغات اوروبیة، و یرجحها الکثیر من حیث اسلوبها و سهولة مراجعتها علی الکثیر من دوائر المعارف الاخری، و أول مؤلف لهذه الأنسکلوبیدیا هو (لویل) و قد أتمسّها (بروکهوس) و انتهت طبعتها الاخیرة فی 15 مجلدا مطبوعا ب (لیبزیک) سنة 1864- 1868 و قد ألحقت بها مستدرکات و تمّات فی سنة 1872- 1873 و لا تزال الیوم و هی من اهم دوائر المعارف العالمیة .

الانسکلوبیدیا الایطالیة

و اشهر دائرة معارف ایطالیة عامة هی دائرة المعارف المسماة (بیفاتی) و یذهب البعض الی انها اقدم دوائر المعارف الاوروبیة، ثم دائرة المعارف الایطالیة التی بدأ طبعها سنة 1884.

الانسکلوبیدیا الیابانیة و الصینیة

و یقول المؤرخون ان الصین قد سبقت اوروبا فی تألیف الموسوعات فللیابانیین و الصینیین عدد من دوائر المعارف و لکن أهم هذه الدوائر هی الانسکلوبیدیا المعروفة ب (ینغ لوتاتین) و هی من أوسع دوائر المعارف احاطة، و قد اسهم فی تألیفها 2200 کاتب، و الی سنة 1407 کان مجموع مجلداتها 892 مجلدا و فی القرن السابع کانت هنالک عدة موسوعات قد صدرت باللغة الصینیة أما الانسکلوبیدیا الصینیة المعروفة ب (سان تسان تو فهی) فتقع فی 130 مجلدا، و قد قسمت العالم و قوی الکائنات الی ثلاثة اقسام، هی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 33
السماء، و الأرض، و الانسان، و بحثت کل موضوع منها بحثا موسوعیا شاملا.
و فی اوائل القرن التاسع عشر ترجمت هذه الموسوعة الی اللغة الیابانیة .
و لم یدخل القرن التاسع عشر و القرن العشرون حتی تکاثر عدد المعاجم و الموسوعات العالمیة و تنوعت اغراضها فی العلوم العامة، و التأریخ العام، و التراجم و الفنون و الآداب و الاصطلاحات العلمیة و قد سدت هذه الموسوعات الی جانب الموسوعة البریطانیة و الفرنسیة کل الفراغ فی حاجة الدنیا العامة و لا سیما الموسوعات الامیرکیة و لا یزال المتتبعون و المؤلفون الموسوعیون یستدرکون بین آن و آخر کل ما کان قد فاتهم او کل حدث جدید فی دنیا العلم و الفن و الأدب فیضیفونه الی تلک المعاجم.

فتور الموسوعیة العربیة

و فی الوقت الذی بزغ فجر النهضة الاروبیة بسبب زوال العوارض و بسبب الاکتشافات العلمیة و التأریخیة و ما کان لتماس الشعوب الاوروبیة بالشعوب العربیة و الحضارة الاسلامیة من اثر، اصاب الاقطار الاسلامیة شی‌ء من الفتور نتیجة اکتساح المغول للبلدان الاسلامیة مما ادی الی انقسام الشعوب و تضعضع ارکان الاستقرار و اختلال احوال الامم الاسلامیة اکثر مما کان مألوفا فعرا البلدان العربیة الاسلامیة ما کان قد عرا الاقطار الاوروبیة قبل بزوغ شمس الحضارة و قبل القرن العاشر المیلادی لا سیما ایام الحکم العثمانی و بعد القرن الخامس عشر المیلادی، فعلی رغم فتور حرکة الموسوعیة فی التألیف فقد کان یعوز تلک الموسوعات الصادرة بعد هذا التأریخ المعرفة العامة و الاحاطة التامة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 34
بشؤون الدنیا و تقدم العلم و ما اصابت اوروبا منه من نصیب.

الموسوعیة العربیة الحدیثة

و کما کان للحروب الصلیبیة فضل انتقال الافکار العلمیة من الشرق الی الغرب فقد کان لحملة بونابرت علی مصر الفضل الاول فی انتقال الافکار الاوربیة الحدیثة الی الشرق و زاد تبشیر المبشرین بالدین و الرحالة الذین کانوا یطوفون بالبلدان الشرقیة هذه الصلة، ثم زادت الجامعة الامیرکیة ببیروت من توسیع آفاق المعرفة و نشر العلم ، ثم الاکثار من فتح المدارس الجدیدة و القیام بترجمة الکتب الفرنسیة و انتشار الصحف السیارة حتی وجد القاری‌ء العربی و الکاتب و الدارس و الباحث نفسه بحاجة ماسة الی موسوعة تأخذ بیده و تساعده علی فهم الکلیات العامة فی حیاة العلم و الثقافة و المعرفة، و من هنا، من هذا الاحساس بالحاجة الماسة تیقظت فکرة الموسوعیة فی الاذهان من جدید، و فی هذه المرة کان التفکیر فی سد الحاجة من الثقافة العامة بأی وجه من وجوهها العلمیة او التأریخیة او الفنیة، و حتی اللغویة من اشق الامور و اصعبها، علی رغم توفر کل الوسائل المطلوبة من الکتب بمختلف اصنافها و اغراضها و سهولة السفر و الانتقال و مقابلة الرجال التی لم تکن متیسرة فی القرون الاولی المؤلفی الموسوعات، ذلک لان میدان العلم و التأریخ و الفن و الاکتشاف قد اصبح من السعة بحیث یصعب کل الصعوبة علی فرد واحد او افراد قلیلین دخوله و الاحاطة بطرف من اطرافه فکیف اذا اراد الاحاطة بجمیع اطرافه و حدوده و مع ذلک فقد کان بطرس البستانی المتوفی سنة (1300 ه 1883 م) اول من فکر باصدار دائرة معارف حدیثة شاملة و قد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 35
شرع بها فعلا و انجز منها ستة اجزاء و بدأ بالسابع و توفی فاکمله ابنه سلیم و اردفه بالثامن و تعاون ابناء له آخرون مع ابن عمهم سلیمان خطار البستانی المتوفی سنة (1343 ه 1925 م) فاصدروا الجزء التاسع و العاشر، و الحادی عشر، و شرعوا فی الثانی عشر و توقف العمل اما طبع الجزء الاول من دائرة معارف البستانی فقد تم فی سنة 1876 م ای قبل وفاة المعلم بطرس بسبع سنین.
و تصدی فی السنوات العشر الاخیرة فواد افرام البستانی رئیس الجامعة اللبنانیة الی اعادة النظر فی دائرة معارف البستانی و الشروع بتکملة اجزائها علی نفقة امیل البستانی و قد صدر منها لحد الآن خمسة مجلدات، و یوشک ان یصدر المجلد السادس قریبا
و صدرت بعد ذلک کتب کثیرة فیها شی‌ء من صفة الموسوعیة کما صدر عدد من معاجم اللغة و لکن معجما عاما و دائرة معارف شاملة لم تصدر بعد دائرة معارف البستانی غیر دائرة معارف محمد فرید وجدی المتوفی سنة (1373 ه 1954 م) و قد صدرت فی عشرة اجزاء کاملة باسم (دائرة معارف القرن الرابع عشر- العشرین) و تم طبع الجزء الاول منها سنة 1923، ثم (دائرة المعارف الاسلامیة) التی نقلها الی العربیة محمد ثابت الفندی و احمد الشنتناوی و ابراهیم زکی خورشید، و عبد الحمید یونس، و قد طبع منها احد عشر مجلدا بمصر بین سنة 1933- 1957.

موسوعات عربیة اخری

و کلما خطا العالم العربی فی میدان الحضارة الحدیثة خطوة أحس بالحاجة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 36
الماسة الی سد النقص الهائل فی عالم التألیف ففی الخزانة العربیة فراغ و فی انفس قرائها حاجة، و للعصر اقتضاء یعوز الخرانة العربیة کتاب یضم شتات ما فیها من علم و معرفة من القدیم و الحدیث، و یقتضی العصر الذی نعیش فیه ان تکون لنا کتب یجتزی بها المعجل منا عن مطولات السیر و ضخام اسفارها کما یقول الزرکلی فی مقدمة الاعلام.
و لکن النهوض بهذا الحمل لیس شاقا من حیث تضافر العلماء و الادباء و البحث و التتبع و الاستقصاء فقط و انما النهوض به من حیث التمویل و الانفاق قد لا یقل صعوبة ان لم یکن اکثر صعوبة من التألیف و جمع المواد، و مع ذلک فقد بذلت جهود فردیة نجح بعضها نجاحا منقطع النظیر، و جانب بعضها التوفیق کله او بعضه لما لحق به من نقص فی الشمول و الاحاطة او التحقیق العلمی و التثبت من صحة الوقائع، و مع ذلک فلم تخرج تلک الجهود و ان کانت مختصرة و محدودة و ضیقة عن حدود المحاولات المفیدة فی عالم الموسوعیة.
و کثیر اولئک الذین تناولوا التراجم و المواضیع بمختلف اغراضها باسم (الاعلام) او اسم (المعاجم) او الاسماء الاخری الدالة علی الموسوعیة، و لکن الغالب فی تلک الموسوعات کان فی منتهی الایجاز و الاختصار و قلة عدد المترجم لهم او قلة المواضیع التی تحدثوا عنها. و قد کان للمؤلفین العراقیین نصیب مذکور فی هذه الموسوعات، و اذا استثنینا معاجم اللغة فمن اهم (الاعلام) و (المعاجم) التی صدرت فی الثلث الاول من هذا القرن هی:
(اعلام العراق) لمحمد بهجة الاثری المطبوع سنة 1345 هجریة، و (اعلام العرب فی السیاسة و الادب) لفائز سلامة المطبوع سنة 1935 م، و (الاعلام الشرقیة فی المائة الرابعة عشرة الهجریة) لزکی محمد مجاهد طبعت بین سنة 1368- 1374 هجریة. و (اعلام النساء) لعمر رضا کحالة و هو فی ثلاثة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 37
مجلدات طبعت فی 1359 هجریة. و (اعلام المقتطف) و (اعلام من الشرق و الغرب) و (اعلام الادب و الفن) و غیرها.
و من اشهر المعاجم الحدیثة (معجم المطبوعات العربیة و المعربة) لیوسف الیان سرکیس فی احد عشر جزءا بمجلدین طبع سنة 1928، و معجم (ادباء الاطباء) لمحمد الخلیلی فی ثلاثة اجزاء طبع الجزء الاول سنة 1949 و الجزء الثالث هو تحت الطبع الیوم، و (معجم قبائل العرب القدیمة و الحدیثة) لعمر رضا کحالة طبع سنة 1949، و (معجم الانساب و الاسر الحاکمة فی التأریخ الاسلامی) للمستشرق زامباور و قد اخرجه جماعة برئاسة زکی محمد حسن طبع فی سنة 1951، و (المعجم) و هو موسوعة لغویة علمیة فنیة لعبد اللّه العلایلی طبع المجلد الاول سنة 1954 و (معجم العراق) لعبد الرزاق الهلالی صدر منه جزءآن ینتهی الجزء الثانی بحرف الصاد و قد طبع الجزء الأول سنة 1953 و غیرها.
أما الکتب التی اتصفت بالموسوعیة و اطلقت علیها اسماء عامة مختلفة فهی کثیرة و من أشهرها:
(المسک الاذفر فی تراجم علماء القرن الثالث عشر) و (بلوغ الأرب فی أحوال العرب) و الکتابان لمحمود شکری الألوسی المتوفی سنة (1332 ه 1914 م) و یقع بلوغ الأرب فی ثلاثة أجزاء طبع الجزء الاول منه سنة: 192، و (الروائع) و هی سلسلة صدر منها ما یقرب الستین جزءا لحد الآن ألّفها فؤاد أفرام البستانی رئیس الجامعة اللبنانیة، و قد طبع الجزء الأول منها
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 38
سنة 1932 مبتدئا بعلی ابن ابی طالب، و تعتبر (الروائع) أروع خلاصة لتاریخ الأدب العربی و کنوزه القدیمة و الحدیثة، (و مناهل الادب العربی) سلسلة أصدرتها مکتبة صادر ببیروت علی غرار (الروائع) و (تاریخ العراق بین احتلالین) و هو فی ثمانیة مجلدات لعباس العزاوی المحامی و قد طبع المجلد الاول سنة 1935 و (عشائر العراق) للعزاوی نفسه و هو فی أربعة مجلدات، طبع المجلد الاول منها سنة 1937 و (الکنی و الألقاب) للشیخ عباس القمی فی ثلاثة أجزاء و قد تم طبعها سنة 1939 بمطبعة العرفان و (الغدیر فی الکتاب و السنة و الأدب) للشیخ عبد الحسین الأمینی صدر منه أحد عشر مجلدا و قد طبع المجلد الاول فی سنة (1364 ه- 1945 م) و (أدب المقالة الصحفیة) للدکتور عبد اللطیف حمزة و قد صدرت منه ثمانیة مجلدات لحد الآن و قد تم طبع المجلد الأول سنة 1950.
و (البابلیات) للشیخ محمد علی الیعقوبی و هی ثلاثة مجلدات و قد طبع المجلد الأول سنة (1370 ه 1951 م) و (نفائس المخطوطات) لجامعها و محققها الشیخ محمد حسن آل یاسین صدر الجزء الاول منها سنة 1731 ه 1951 م، و عدد آخر مما اتصف بالموسوعیة (کمعارف الرجال فی تراجم العلماء و الادباء) للشیخ محمد حرز الدین و قد صدرت منه ثلاثة اجزاء، و (کشعراء الغری) و (شعراء الحلة) لعلی الخاقانی و طائفة أخری من الکتب ذات الصبغة الموسوعیة التی اکتفینا بایراد الأمثلة علیها نظرا لصعوبة التوسع فیها.

الموسوعة الکاملة

أما الکتب الحدیثة التی صدرت فی النصف الأول من القرن الاخیر و اتصفت بالموسوعیة اتصافا کاملا و التی قاربت اکثر من غیرها حدود الموسوعیة الکاملة فهی کثیرة منها (المنجد فی اللغة و الادب و العلوم) تألیف الأب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 39
لویس معلوف الیسوعی و قد صدرت الطبعة الاولی منه سنة 1908 مقتصرة علی اللغة ثم خرج اخیرا بمساعی الأب فردینان توتل کموسوعة جامعة للغة و الأدب و العلوم.
و (الأعلام) لخیر الدین الزرکلی الذی قضی فی جمع موسوعته و تألیفها أربعین سنة متواصلة بدأها منذ سنة (1330 ه 1912 م) و طبع الأجزاء الثلاثة الأولی لأول مرة سنة 1927 ثم نقحها و زاد علیها و طبعها فی عشرة أجزاء و هی الیوم من أهم بل أهم المصادر لتراجم الرجال المتقدمین و المتأخرین علی الاطلاق و ینتظر ان یصدر الجزء الحادی عشر من (الأعلام) فی المستقبل القریب.
و کتاب (تنقیح المقال فی أحوال الرجال) للشیخ عبد اللّه الماقمقانی المتوفی سنة (1351) ه و هو فی ثلاثة أجزاء و یحتوی علی 365، 13 ترجمة لرجال الأخبار و رواة الحدیث و أرباب السند و یعتبر (تنقیح المقال) من أوسع علوم الرجال و تراجمهم احاطة و بحثا، و قد تم تألیف الجزء الاول سنة (1348 ه 1930 م).
و کتاب (تأریخ الوزارات العراقیة) للسید عبد الرزاق الحسنی و قد صدر منه عشرة مجلدات و تم طبع الجزء الاول سنة 1934 و هو فی موضوعه موسوعة تامة کاملة.
و کتاب (اعیان الشیعة) للسید محسن الامین العاملی المتوفی سنة (1371 ه 1952 م) و هو فی 52 مجلدا یحتوی علی ما یقرب من 000، 12 ترجمة للعلماء و الادباء من رجال الشیعة و یعتبر اکبر موسوعة صدرت فی تأریخ الموسوعة العربیة فی موضوعها و قد تم طبع الجزء الاول منها فی سنة 1935 و بوشر الیوم باعادة طبع هذه الموسوعة و اضافة طائفة من التراجم المستدرکة علیها.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 40
و کتاب (الذریعة الی تصانیف الشیعة) و هی موسوعة کاملة فی بابها لمؤلفها الشیخ آغا بزرگ و قد طبع منها سبعة عشر مجلدا و تم طبع المجلد الاول سنة (1355 ه 1946 م).
و کتاب (تاریخ العرب قبل الاسلام) للدکتور جواد علی و هو فی عشرة اجزاء و قد طبع المجلد الاول منه سنة 1950 م و هو الآخر اوسع مجموعة صدرت عن العرب و تأریخهم قبل الاسلام. و غیر ذلک مما اکتفینا بضرب المثل عنه.
و علی کثرة المواضیع و النواحی التی تفتقر الثقافة العربیة الی وجود موسوعة ضافیة لها فان حرکة الموسوعیة الجماعیة منها و الفردیة لا تزال ضیقة و قلیلة بل و اقل من القلیل اذا أجاز هذا التعبیر.

موسوعة العتبات المقدسة

و العتبات المقدسة جمع، مفردها العتبة محرکة، و العتبة لغة: هی اسکفة الباب، و الاسکفّة: هی خشبة الباب التی یوطأ علیها کما تعرفها کتب اللغة و قد تشمل العتبة خشبة الباب العلیا و السفلی، من محل موطء القدم ثم ما لبث العرف ان منح هذه العتبة من ابواب قصور الملوک و مداخل بیوتهم شیئا من الاحترام ازدادت اهمیته بمرور الزمان و لم یزل للآن البعض من قبائل العراق حین یرید ان یلوذ لاجئا بزعیم او کبیر من رجال القوم یعمد الی باب مضیفه او داره فیشد نفسه الیه و یقبل عتبته.
و یذهب التاریخ الی ان تقبیل العتبة قد جری لاول مرة علی (باب النوبی) ببغداد و باب النوبی هذا من ابواب دار الخلافة العباسیة منذ سنة 447 ه- 1055 م فقد جاء فی اخبار الخلیفة القائم بامر اللّه العباسی: «و فی ایامه انقرضت دولة الدیلم ببغداد بعد طول مدتها و قامت دولة السلجوقیین، و کان آخرهم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 41
الملک الرحیم من ولد عضد الدولة دخل علیه بغداد طغرلبک السلجوقی، و هو اول السلجوقیة فقبض علیه و قیده، فقال له الملک الرحیم:
ارحمنی ایها السلطان.
فقال له- لا یرحمک من نازعته فی اسمه المختص به- مشیرا للّه تعالی
فبلغ ذلک القائم فقال: قد کنت نهیته عن هذا الاسم فابی الالجاجا اورده عاقبة سوء اختیاره، و خلصه من بین یدی طغرلبک الی ان وصل عتبة (باب النوبی) فقبلها شکرا للّه و صارت سنة بعده» .
و قال یاقوت الحموی فی تعریف (الحریم) و ابوابه من دار الخلافة العباسیة «ثم باب البدریة ثم (باب النوبی) و عنده باب العتبة التی تقبلها الرسل و الملوک اذا قدموا بغداد» و قال یاقوت فی کتابه المشترک «ثم باب البدریة، ثم باب النوبة و فیه العتبة التی تقبلها الرسل و الملوک و غیرهم اذا قدموا بغداد و هی قطعة من رخام ابیض مطروحة امام هذا الباب طولا» .
و لما کانت أضرحة الائمة مقدسة و هم أنوار اللّه، و رسل الخیر، و صفوة الخلق طهارة، و عفة، و علما، و تقی، کانت أبوابهم و عتباتهم أحق بمثل هذه المراسیم التی اعتبرت فیما بعد کطقوس مقدسة فأقبل علیها الموالون و العارفون بقدسیتها علی ما نعتقد و أولوها عنایة أکبر و قدسیة انبعثت من أعماق نفوسهم و ایمانهم ثم توسّعوا فی عرفهم فسمّوا الاضرحة کلها باسم العتبات و اصبح اسم العتبة اکثر شمولا و أعم بمقتضی ما جری علیه الاصطلاح
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 42
و العرف.
و العتبات المقدسة من المواضیع الخطیرة و النواحی ذات العلاقة بالاسلام و المسلمین، و العرب و العروبة، و الثقافة العامة التی کان یجب ان یعنی بها العلماء، و الادباء، عنایة کبیرة فیخصوها بموسوعة شاملة و ذلک لما لکل عتبة من هذه العتبات من الاثر الکبیر فی تأریخ الاسلام و العرب، و الفن، و العلوم، و الادب، فهی منذ صدر الاسلام و منذ ان اصبحت (عتبة) فی عرف المسلمین و اصطلاحهم لم تزل مصدرا من مصادر التأریخ الاسلامی و العربی الواسع اذ بفضلها و فضل مدارستها توسعت دائرة الفقه الاسلامی، و بفضلها کثرت الشروح و التفاسیر للقرآن الکریم، و النصوص الدینیة، و ترکزت الفلسفة اکثر و اکثر فی صلب الأسس القویمة حتی صار للعقل شأن کبیر فی استنباط الأحکام و فهم المغازی من قواعد الشریعة الاسلامیة و مرامیها.
و بفضل هذه المدارسات و المباحثات و التتبع- الذی کان للعتبات المقدسة منه النصیب الأکبر فی تأریخ الاسلام و العرب و احیاء العلوم و المعارف طوال هذه القرون- حفظ الأدب العربی فی العصور المظلمة الراکدة روعته، وجدته، و أصول لغته، و حفظ التأریخ العربی و الثقافة الاسلامیة العربیة کنوزه من المخطوطات، و الکتب التی احتفظت بها مدارس العتبات المقدسة و حرصت علیها فی خزائنها خوفا مما قد یصیبها مثلما أصاب الکتب الاسلامیة و العربیة فی غزوة المغول و فی الثورات و الغزوات التی کانت تجتاح البلدان الاسلامیة و البلدان العربیة فی العصور المظلمة، فضلا عما کان ینصب فی هذه العتبات من عصارة لمختلف الثمرات و الثقافات التی یحملها المسلمون من جمیع اقطار الارض و هم یحجون مکة المکرمة، و یطوفون بالمدینة المنورة، و یزورون النجف الاشرف، و کربلاء، و سائر العتبات، بل و یقیم الکثیر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 43
منهم فی هذه العتبات دارسا، و باحثا، او مجاورا لیقضی بقیة عمره هناک.
و یقول علی الشرقی عن احدی هذه العتبات و هی النجف .
«و لأجل التلمذة علی منبر النجف هاجر و لا یزال یهاجر الجمع الغفیر من سائر الأقطار الشیعیة بالادب، و مواعین الادب، أجل لقد هاجروا باذواقهم، و میولهم، و عقولهم، و اسلوبهم الفکری، فأوجدوا فی النجف حرکة فکریة تمتاز عن الحرکة الفکریة فی امهات المدن العراقیة مثل البصرة، و الموصل، و بغداد، و هذه الفکرة نفعت النجف و انعشتها بأمور عدة: أدبیة، و اجتماعیة، و أوجدت لها مکانة عالمیة مرموقة، فالحرکة الفکریة القدیمة، و النهضة الحدیثة بما فیها من جهاد علمی، و عناد سیاسی، و تجدید أدبی و اتجاه اصلاحی، کلها کانت بنافخ من تلک الهجرة، فلقد کان لذلک الاحتکاک أثر أدبی فی الحرکة الذهنیة و قد أعان علی نشاط الحرکة الفکریة فی صفوف النجفیین ما کان للشیعة من مصادر ثریة للمعرفة، تزودهم بزاد للفضیلة من أدب النفس، و أدب اللسان، و صقال الذهن، و لطف الذوق، و الغور فی التفکیر و التحلیق فی التصور».
و من کل تلک العوامل من الهجرة الی مواصلة المدارسة و البحث و التحقیق، أخذت کل عتبة من العتبات المقدسة نصیبا ان اختلفت ألوانه و أغراضه فی کل (عتبة) فلم تختلف فی کثیر من جواهره التی دلّت علیها التآلیف و الدواوین، و التراجم، و البناء، و الریازة، و الخط، و فن النقش، بالاضافة الی ما انبعث من العتبات من قواعد للفلسفة الروحیة، و العلوم الاخلاقیة، و ما اختص بها من مکارم الاخلاق، و الحث علی الکمال فیما أثر عنها من أدعیة غایة فی الروعة و السحر، و أدب فی غایة السمو و الرفعة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 44
و ان هذه الکنوز التی احتواها تاریخ العتبات المقدسة من علم، و فن، و ادب، لم تکن جدیرة باتخاذها اساسا لموسوعة کبیرة فحسب، و انما کانت فی منتهی الضرورة للعالم الاسلامی و العالم العربی خاصة و للعلم المشاع، و الادب العام، و الفن الواسع عموما، و یبدو لی ان عدة محاولات قد بذلت فی هذا السبیل بمناهج مختلفة علی طریقة المعاجم، او التأریخ الواسع فیما مر من التأریخ القدیم و التأریخ الحدیث فطبع البعض من تلک الموسوعات و بقی البعض مخطوطا و لکن التوفیق کثیرا ما جانب تلک المحاولات سواء من حیث کثرة الاغلاط و عدم الدقة او من حیث ضیق المجال و الاختصار، هذا مضافا الی ن جل من کتب عن العتبات المقدسة و عن الشیعة و التشیع و معتقداتهم و تواریخهم و فنونهم و آدابهم کانت کتاباتهم محفوفة بالعواطف اما حبا للشیعة لانهم شیعة منهم، و اما کرها لهم لانهم لیسوا منهم، لذلک تبعثرت المصادر الصحیحة و تشوهت الحقیقة هنا و هناک، و صار استخلاص الواقع لتأریخ الشیعة العام و تأریخ العتبات المقدسة، لا یخلو من الصعوبة و العسر.
یقول الدکتور طه حسین فی کتابه (علی و بنوه) ص 89: «و خصوم الشیعة واقفون لهم بالمرصاد یحصون علیهم کل ما یقولون و یفعلون، و یضیفون الیهم اکثر مما قالوا و فعلوا. و یحملون علیهم الاعاجیب من الاقوال و الافعال ثم یتقدم الزمان و تکثر المقالات و یذهب اصحاب المقالات فی الجدال کل مذهب فیزیدون الامر تعقیدا و اشکالا».
کل هذا هو الذی حمل جمعا من افاضل رجالات العلم عندنا علی ان یولوا هذا المشروع اهتماما و ان یعنوا به عنایة خاصة، و لقد قیل من قبل ان لیس هنالک من امر عظیم الا و کان مبعثه فکرة صغیرة لا تلبث ان تنشط کما تنشط النبتة حین تشق الارض و تواجه نور الشمس، و کان مشروع (موسوعة العتبات المقدسة) مجرد فکرة انبعثت من ذهن احد رواد (دار التعارف)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 45
الذین اعتادوا ان یسمروا فی مساء کل احد بدار التعارف ببغداد و جلهم من رجال العلم و استاذة الجامعة، و اهل الادب، و ما کادت الفکرة تنطلق من الذهن عن طریق اللسان حتی تداولها الحاضرون و قلّبوها علی جمیع وجوهها فاذا بها بین عشیة و ضحاها تخرج الی حیز العمل باسم (موسوعة العتبات المقدسة).
و حصرت المواضیع، و قسمت الی اجزاء، و تناول کل عضو ما یلائم اختصاصه منها علی ان یستعین برهط آخر من ارباب الخبرة و الاختصاص اذا اقتضی ما یستوجب ذلک، فکثر عدد اعضاء المتصدین للتألیف و کثر عدد من یعاونهم، و جری تقسیم الموسوعة الی اقسام، خصت کل عتبة بقسم من البحوث فالقسم الذی یخص (المدینة المنوّرة) مثلا سیستقل باجزائه عن ای قسم آخر لایة عتبة اخری، و قد یصدر جزء او اجزاء من القسم الخاص (بسامراء) مثلا فی الوقت الذی یصدر جزء واحد او اکثر من القسم الخاص بالمدینة المنورة، او کربلاء، او النجف، او مکة. فقد جعلنا (الاقسام) غیر خاضعة لترتیب اجزاء الموسوعة العامة، فکل قسم من هذه الاقسام سیکون موسوعة مستقلة قائمة بنفسها ضمن الموسوعة الکبری، و ستکون (موسوعة العتبات المقدسة) بناء علی هذا عبارة عن مجموعة من الموسوعات.
و تشرفت انا بالقیام بتألیفها و تقسیم مواضیعها، و ربط بعضها ببعض و التعلیق علیها بالحرفین (ج. خ) و اسهمت فی التألیف مع المؤلفین علی قدر الامکان، و سیکون هذا الجزء بمثابة مقدمة الموسوعة العامة جهدنا ان نجعلها تحیط بما ینبغی الاحاطة به عن العتبات بصورة مجملة علی ان یأتی تفصیل هذا المجمل فی اقسامه الخاصة به، و فی اجزائه المتتابعة، و ننتظر ان یکون هذا الجزء او هذا المدخل بمثابة الفهرست المجمل لکل الموسوعة مما لا غنی عن ضمه للقسم الخاص باحدی العتبات او للمجموعة العامة من اقسام جمیع العتبات
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 46
فهو المقدمة الاولی لموسوعة العتبات المقدسة جمعاء.
أما الی ای مدی سیحالفنا التوفیق، و کم هی (الاقسام) التی نستطیع ان نخرجها و کم هی أجزاء کل قسم مما نستطیع أن نجمعه و ندفع به الی المطبعة فان علم ذلک عند اللّه تعالی، و حسبنا أننا أقدمنا علی مشروع خطیر، مهیب، لیس من الهین النهوض به من حیث البحث و التألیف و الانفاق، و ان (دار التعارف) لتحس بثقل هذه المسؤولیة، و تتهیب المشروع، و لیس لها ما یبعث فیها الامل و یدفعها الی تحمّل المسؤولیة غیر الایمان بأن المرأ کثیر بأعوانه، و ان أی عجز و أی إخفاق یعترضها فی هذا السبیل، لا یمکن ان یفسر بغیر الفوز و النجاح الذی کان أقله أنها قد وضعت- او حاولت أن تضع لبنة فی بناء هذا الصرح، و الاعمال بالنبات کما یقولون، و من اللّه التوفیق.
دار التعارف- بغداد جعفر الخلیلی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 47

لمحة تاریخیة مجملة عن مدن العتبات المقدسة کتبها الدکتور حسین أمین

اشارة

من أساتذة جامعة بغداد الحائز علی درجة دکتوراه الشرف الأولی من جامعة الاسکندریة، و السکرتیر لقسم التأریخ فی کلیة التربیة- و المقرر بدائرة التأریخ و الآثار بجامعة بغداد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 49

مکة المکرمة

اشارة

تعتبر مدینة مکة من أقدم المدن فی الجزیرة العربیة و قد ورد ذکرها فی المصادر الیونانیة و الآثار الیمانیة و کثیرا ما یشار الیها باسم (مکرابا) و معناه بیت اللّه الحرام، و أقدم ذکر لهذه المدینة المقدسة ورد فی القرآن الکریم، فی قوله تعالی «إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبارَکاً وَ هُدیً لِلْعالَمِینَ، فِیهِ آیاتٌ بَیِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِیمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ».

موقعها:

و تقع مکة فی تهامة و هی بلدة کبیرة و مستطیلة و لیس حولها أرض زراعیة، فهی فی واد غیر ذی زرع، و تبعد أربعین میلا عن الساحل، 300 میل عن المدینة و نحو 20 میلا عن الطائف، و وادیها یمتد من الشمال الی الجنوب، و هذا الوادی یتسع قلیلا فی نهایته، فیبلغ عرضه نحو کیلومتر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 50
و طول هذا الجزء المتسع نحو کیلومترین، و تقع فی هذه الفسحة منه مکة المکرمة، و فی جنوبها یضیق الوادی مرة أخری، و یتفرع منه واد آخر یتجه نحو الشمال الغربی و بذلک تصبح لمکة ثلاثة مخارج، مخرج شمالی الی عرفة و منها الی الطائف و نجد و یسمی شعب معبده، و جنوبی، و یسمی المسفلة و هو یفضی الی طریق الیمن، و فی الجنوبی الغربی حرّة الباب، الی طریق جدة و المدینة و تحیط الجبال العالیة بوادی مکة، ففی الشمال جبل قضا، و فی الغرب جبل لآلی‌ء و جیفان، و القنا، و بینها شارع المدینة الکبیر، و فی وسط الوادی ترتفع الارض، و هذه المرتفعات فی الوسط دون الجبال المحیطة بالوادی، و من مرتفعات الوسط جبل جیاد و کانت علیه قلعة، و جبل أبی قبیس المطل علی الحرم و کان علیه مسجد بلال، و یقابل جبل أبی قبیس جبل هندی و علیه قلعة، و الحرم الشریف فی السهل بین أبی قبیس و هندی، و وادی مکة لا ماء فیه إلا ماء زمزم و بالرغم من أن مکة فی مکان جدب فقد انتعشت بسبب وقوعها فی طریق القوافل التجاریة و قربها من میناء جدة و یبدو ان سکانها انصرف معظمهم الی الاستفادة من ذلک الموقع و اتخذوا من التجارة حرفة أعادت علیهم الأرباح الکثیرة و قد نجحت قریش نجاحا کبیرا فی توجیه نشاط المدینة توجیها تجاریا، و بذلک تکونت فی مکة قبیل ظهور محمد (ص) جمهوریة تجاریة تشبهها الجمهوریات التجاریة التی ظهرت فی القرون الوسطی فی ایطالیا کالبندقیة و جنوا و بیزا و غیرها من جمهوریات المدن التجاریة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 52

القبائل التی سکنت مکة

و سکنت مکة قبائل عدیدة من أشهرها العمالیق، و جرهم، و کنانة و خزاعة، و دخلتها قریش و أول من عرف من رجالها المشهورین قصی بن کلاب بن مرّة و الذی تمکن بما أوتی من القوة و الکفایة من الاستحواذ علی مفاتیح البیت الحرام و انتزاعها من بنی خزاعة و کان ذلک بعد سنة 400 م و قد اشتهرت قریش بالتجارة، و قد ورد فی القرآن الکریم ان لقریش رحلتین «لِإِیلافِ قُرَیْشٍ إِیلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّیْفِ» و کانت رحلة الشتاء الی الیمن و بلاد الحبشة، و الثانیة کانت الی الشام، و کانت قوافلهم التجاریة اشبه بالحملات تکون بالاف الابل و اتخذت قریش حرسا خاصا لحمایة قوافلها، و قد اصطلح علی ذلک النفر اسم الاحابیش ، و قد اشتهرت فی مکة عوائل احترفت التجارة و کسبت منها ارباحا طائلة مثل بنی أمیة و بنی مخزوم و بنی نوفل و بنی هاشم .
و کانت قریش تتألف من عدة قبائل و تنقسم الی مجموعتین کبیرتین:
قریش الظواهر، قریش البطاح، فاما قریش الظواهر فهم الدین اقاموا فی ظاهر مکة، و منهم بنو بغیض و بنو الادوم و بنو محارب و کانت هذه القبائل کثیرة الغارات و الغزوات، اما الذین سکنوا حول البیت فی داخل مکة، فقد عرفوا بقریش البطاح و کان لرجالها الادارة و التجارة و الثروة و هم بنو
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 53
عبد مناف، و بنو عبد الدار، و بنو عبد قصی، و بنو زهرة، و بنو تیم، و بنو مخزوم، و بنو جمح، و بنو عدی.

اهمیة مکة

و لمکة قدسیة عظیمة فی نفوس المسلمین، لوجود الکعبة الشریفة فیها، و الکعبة ای البیت الحرام الذی کان محجا للعرب قبل الاسلام و صارت کذلک لجمیع المسلمین بعد البعثة المحمدیة، و سمیت الکعبة بهذا الاسم لشکلها المکعب، و کان فی الکعبة قبل الاسلام معظم اصنام القبائل العربیة، و جاء فی الاخبار التاریخیة ان الرسول (ص) عند دخوله الکعبة یوم الفتح رأی فیها ستین و ثلاثمائة صنم، فامر فکسرت و لعل من اشهر اصنام الکعبة، (العزی) و کانت قریش تتعبد للعزی و تزورها و تهدی الیها و تتقرب الیها بالذبائح ، و من مشاهیر اصنام مکة اللات و مناة و هبل و یذکر المؤرخون ان هبل هو اول صنم اقیم فی جوف الکعبة، و انه من عقیق احمر علی صورة انسان مکسور الید الیمنی، ادرکته قریش فجعلت له یدا من ذهب ، و أول من وضع الکسوة فی البیت الحرام کان ملک الیمن اسعد ابو کرب و أصبح هذا العمل عادة فی کسوة البیت کل عام، و قد بذلت قریش عنایتها تنظیم الحج الیها لتقدیس العرب فیها و ترتب علی ذلک ظهور بعض الانظمة و التی لها مسیس بحرمة هذا المکان و قدسیته، و من تلک الانظمة الملأ، و هو
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 54
مجلس قریش، و یتکون من رؤساء القبائل، و السدانة، و هی وظیفة العنایة ببناء الکعبة و بذل الخدمة لها، و السقایة و هی توفیر الماء للحجاج و الرفادة و هو مال تخرجه قریش لاطعام الحجاج الفقراء و الحجابة و عمل رئیس هذه الوظیفة حفظ مفاتیح الکعبة، و اللواء و هی رایة قریش و کانت من اختصاص بنی مخزوم، و السفارة، و کانت لبنی عدی و هی وظیفة مهمة یقوم صاحبها باجراء الاتصالات باسم قریش من النواحی السیاسیة و التجاریة و العسکریة، و کان العرب یحجون البیت الحرام فی الجاهلیة فی کل شهر ذی الحجة طبقا لمناسک ترجع الی وقت بنائها و کانوا یطوفون بالبیت الحرام و علیهم الا یجزّوا شعرهم و لا اظفارهم و لا یدهنوا و لا یتطیبوا و لا یمسوا النساء و لا یحملوا السلاح و لا یأکلوا اللحم و هم فی حالة طوافهم کانوا یتشابکون بالایدی و یصفقون و یصفرون و هم عراة الاجسام، و قد ورد فی القرآن الکریم ذکر هذه الحالة فی قوله تعالی:
«وَ ما کانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلَّا مُکاءً وَ تَصْدِیَةً » و عند دخول العرب الحجاج البیت الحرام یقبلون اولا الاله «آساف» و کذلک عند خروجهم و بعد ذلک یتجمهرون لاستلام الحجر الاسود الذی یعتبر اقدم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 55
الاحجار المقدسة و بعد زیارة الکعبة یسعی الحجاج الی الصفا و المروة و هما مرتفعان صخریان علیهما صنمان الاول یسمی مجاور الریح، و الآخر مطعم الطیر، و بعدها یتفرق الحجاج فی الاماکن المجاورة مثل عرفه و المزدلفة للنحر و کانت قریش تنصب لها فی ذلک الموسم قبابا حمرا من الادم اظهارا لزعامتها علی العرب، بینما کانت قباب القبائل الاخری من الشعر.

بناء البیت

ان القرآن الکریم أشار الی بناء ابراهیم (ع) للکعبة الشریفة فی قوله تعالی «وَ إِذْ یَرْفَعُ إِبْراهِیمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَ إِسْماعِیلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ» و قد بنی الکعبة بعد ابراهیم العمالقة و جرهم، ثم بناها بعد ذلک قصی بن کلاب و قد سقفها بخشب الدوم الجید و بجرید النخل.
و یبدو ان الکعبة الشریفة فی عهد ابراهیم طولها 9 أذرع و طولها فی الارض 30 ذراعا و عرضها فی الارض 22 ذراعا ، و کانت بلا سقف ، ثم بنتها قریش فی الجاهلیة . و للکعبة الشریفة باب ارتفاعه 6 أذرع و عشرة أصابع و عرض ما بین جداریه 3 أذرع و ثمانیة عشر اصبعا ،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 56
و کانت عتبة الباب ملبسة بصفائح من الذهب المنقوش، و فی کل جانب من عضادتی الباب اربع عشرة حلقة من حدید مموهة بالفضة متفرقة فی کل جانب سبع حلق یشد بها جوف الباب من استار الکعبة و تلاصق الکعبة بعض الاحجار تعرف بشذروان الکعبة و عدد حجارة الشذروان التی حول الکعبة 68 حجرا فی جوانب الکعبة الثلاثة:
الشرق و الغرب و الیمانی، و بعض حجارة الجانب الشرقی لا بناء علیه و یبدو ان الکعبة کانت محلات فی الجاهلیة و یذکر ان عبد المطلب کان أول من زینها بالغزالین الذهبیین اللذین وجدهما فی زمزم حین حفرها ، و ان عبد الملک بن مروان کان اول حاکم اسلامی ذهّب البیت الحرام فی العصور الاسلامیة ، و هناک اخبار تاریخیة تشیر الی ان عبد اللّه بن الزبیر اول من حلی الکعبة فی الاسلام، و انه جعل علی الکعبة و اساطینها صفائح الذهب کما جعل مفاتیحها من الذهب .
و ابرز بناء للکعبة ما تم زمن قریش فقد حضر ذلک النبی محمد (ص) و کان النبی فی الخامسة و الثلاثین من عمره، و کان السبب الذی دفع قریش الی تجدید بناء الکعبة، ان حریقا اصاب ستورها و اخشابها فاوهن ذلک من بنیانها و اعقب ذلک الحریق سیل اوهی البناء و صدع الجدران فاجمعت قریش امرها علی تجدیدها، و وصلت الی القوم انباء وجود سفینة عند ساحل جدة، فخرج الیها الولید بن المغیرة لیبتاع خشبها، و کانت السفینة لتاجر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 57
رومی یدعی «باقوم»، و اخبره الولید بما اعتزم علیه القوم، فأنبأه «باقوم» انه بناء نجار فاستصحبه الولید لیقوم بالبناء، و اول من بدأ فی هدمها الولید بن المغیرة، و قد ساهمت جمیع القبائل فی بناء الکعبة حتی بلغ البنیان موضع الرکن فاختصموا فیه، کل قبیلة ترید ان ترفعه الی موضعه دون الاخری و کادت ان تقع بینهم الحرب، فضرب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم و بنو عدی بن کعب بن لؤی علی الموت و ادخلوا ایدیهم فی ذلک الدم فسمی ذلک الحلف «لصقة الدم». ثم اجتمعت قریش فی المسجد الحرام تتشاور و کان ابو أمیة بن المغیرة بن عبد اللّه اکبر الحاضرین سنا فتقدم باقتراح و قال: «یا معشر قریش اجعلوا بینکم فیما تحتفلون فیه هو اول من یدخل من باب هذا المسجد یقضی بینکم فیه» ففعلوا، فکان اول داخل رسول اللّه (ص)، فلما رأوه قالوا: هذا الامین رضینا، هذا محمد، فلما انتهی الیهم و اخبروه الخبر قال (ص): هلم الیّ ثوبا فأتی به، فأخذ الرکن فوضعه فیه بیده، ثم قال لتأخذ کل قبیلة بناحیة من الثوب ثم ارفعوه جمیعا، ففعلوا حتی اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بیده الشریفة ثم بنی علیه.
و جاءت عمارة قریش تلک زیادة تسعة أذرع علی ارتفاعها فی بناء الخلیل (ع)، و اقتصوا من عرضها أذرعا جعلوها فی الحجر لقصر النفقة الحلال التی أعدوها لعمارتها عن ادخال ذلک، و رفعوا باب الکعبة عن سطح الارض حوالی المترین، و جعلوا فی داخلها ست دعائم فی صفین فی کل صف ثلاث من الشمال الی الجنوب و جعلوا فی رکنها العراقی من الداخل سلما یصعد الی سطحها و جعلوا فیه میزابا یصب فی الحجر. و فی 64 ه أصاب الکعبة و هن من جراء اصابتها بحجارة المنجنیق حین حاصر مکة الحصین بن نمیر من قواد یزید بن معاویة و من الحریق الذی أصابها من نار أوقدها نفر من أصحاب ابن الزبیر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 58
فی خیمة لهم، فحملت الریاح بلهب تلک النار الی الکعبة فاحرقت کسوتها و ما فیها من خشب الساج، فادی ذلک الی ان ینقض بناؤها و تتأثر حجارتها، فلما ارتحل عن مکة الجیش الأموی أثر وفاة یزید بن معاویة رأی ابن الزبیر ان یهدم الکعبة و یبنیها، و بناها علی قواعد ابراهیم و أدخل فیها ما أخرجته قریش منها من الحجر و زاد فی طولها علی بناء قریش نظیر ما زادته قریش فی طولها علی بناء الخلیل و ذلک تسعة أذرع، فصار ارتفاعها سبعة و عشرین ذراعا، و جعل لها بابین لاصقین بالارض احدهما بابها الموجود الیوم و الآخر مقابل له مسدود، و جعل فیها ثلاث دعائم فی صف واحد و جعل لها مدرجا فی زاویتها العراقیة من الداخل یصعد الیه الی ظهرها، و جعل لها میزابا علی سطحها یصب فی الحجر، و جعل فیها روازن توضع فیها المصابیح، و لما فرغ من بنائها خلقها بالطیب ظاهرا و باطنا و کان یجمرها کل یوم برطل من العود
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 59
و فی یوم الجمعة برطلین.
و فی 74 ه و بعد ان انتهی الحجاج الثقفی من محاصرة مکة و قتله عبد اللّه بن الزبیر، کتب الی عبد الملک بن مروان یخبره ان ابن الزبیر زاد فی الکعبة ما لیس منها و أحدث فیها بابا آخر و استأذنه فی رد ذلک الی ما کان علیه فی الجاهلیة، و کتب الیه عبد الملک ان یسد بابها الغربی و یهدم ما زاده ابن الزبیر من الحجر و یکبسها علی ما کانت علیه، ففعل ذلک الحجاج.

ارکان الکعبة

و یقوم الحجر الاسود فی الرکن الجنوبی الشرقی، و هو مبدأ الطواف عند المسلمین فی موسم الحج، و ارتفاعه عن الارض متر و نصف المتر و الحجر هو أسود اللون ذو تجویف أشبه بطاس الشرب و حدث فیه بمرور الزمن تشقق، و فی سنة 189 ه اعتمر هرون الرشید و أمر بالحجارة التی یلیها الحجر الاسود فثقبت بالماس من فوقها و تحتها ثم أفرغ فیها الفضة . و فی سنة 1290 ه عمل للحجر الاسود غطاء من الفضة فی وسطه فتحة مستدیرة قطرها 37 سم لیری منها الحجر.
و الرکن الذی فیه الحجر الاسود یعرف برکن الحجر و یواجه هذا الجزء الجنوبی من بلاد الحجاز الی عدن و الحبشة و مدغسکر و استرالیا و جنوب الهند و الصین و اندنیسیا.
اما الرکن العراقی و یعرف بالشامی أیضا و هو الجزء الشمالی الشرقی من
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 60
الکعبة الشریفة و یواجه هذا الرکن الجزء الاکبر من بلاد الحجاز و العراق و بلاد ایران و شمال الهند و شمال الصین و سیبیریا.
اما رکن الکعبة الشمالی الغربی و یسمی بالرکن الغربی فیواجه هذا الجزء جمیع اوربا و ترکیا و الجمهوریة العربیة المتحدة الی منطقة الشلال.
اما الرکن الیمانی فهو الواقع فی الجنوب الغربی من بناء الکعبة و یواجه الجزء الجنوبی من افریقیا و فی هذا الرکن أحادیث عن اهمیته و قدسیته، ففی حدیث عن مجاهد قال: کان رسول اللّه (ص) یستلم الرکن الیمانی و یضع خده علیه (1)، و قد بنیت الکعبة من الحجارة الصم ذات الحجم الکبیر و اللون الازرق، و بداخل البیت ثلاثة اعمدة من خشب العود الماوردی الجید قطر الواحد منها ربع المتر و هی علی صف واحد من الشمال الی الجنوب و علی یمین الداخل للکعبة فی زاویة الرکن الشمالی الشرقی باب یصعد منه علی مدرج الی اعلی الکعبة یقال له: باب التوبة، مسدولة علیه ستائر من الحریر المزرکش، و سقف الکعبة منقوش بالنقوش العربیة الجمیلة و معلق به هدایا ثمینة اهداها الیها الملوک و الامراء فی عصور مختلفة، و فی سنة 1295 ه فرش السطح بالواح المرمر، و فی اعلی منتصف الجدار الشمالی وضع المیزاب لتصریف میاه الامطار، و هو من الذهب، هدیة من السلطان عبد المجید سنة 1270 ه.

الحطیم:

و الی شمال الکعبة بقایا الحطیم، و هو بناء مستدیر علی شکل نصف دائرة ارتفاعه 31، 1 من الامتار و عرض جداره من الاعلی 52، 1 م و من اسفل 44، 1 و هذا البناء موزر بالرخام و أحد طرفیه محاذ للرکن الشامی و الآخر محاذ للرکن العربی، و قیل سمی بالحطیم لان العرب کانت تطرح فیه
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 61
ما طاقت فیه من الثیاب فیبقی حتی یتحطم من طول الزمن، و قیل انما سمی بالحطیم لأنه المکان الذی فیه المیزاب ، و المکان الذی بین باب الکعبة و الحجر الأسود یعرف بالملتزم، و هو المکان الذی یقف عنده المسلمون یطلبون الرحمة و المغفرة من اللّه عز و جل، و یعرف المکان الواقع ما بین الرکن الیمانی الی الباب المسدود بالمستجار و فی هذا المکان یستنجد المسلمون فی دعائهم من ذنوبهم.

المسجد الحرام:

و الکعبة الشریفة وسط المسجد الحرام و المسجد الحرام یقوم فی وسط مکة و شکله علی العموم مستطیل، ضلعه الشمالی 164 م و الضلع المقابل له 166 م و ضلعه الشرقی 108 م و الغربی 109 م و من الجدیر بالذکر أن المسجد الحرام لم یکن له جدار یحیط به إنما کانت البیوت محدقة به من کل جانب، و کانت بین تلک البیوت أبواب یدخل منها الناس، و أول من بدأ بوضع جدار للکعبة هو الخلیفة عمر بن الخطاب (رض) فانه اشتری دورا فهدّمها و هدّم الدور القریبة من المسجد، و رفض القوم أخذ اثمانها من البیع، فوضعت اثمانها فی خزانة الکعبة حتی أخذوها من بعد و کان الجدار الذی شیده عمر بن الخطاب قصیرا دون القامة فکانت المصابیح توضع علیه فلما استخلف عثمان بن عفان ابتاع المنازل و وسع المسجد بها و أخذ منازل أقوام و وضع الأثمان فضجوا به عند البیت فقال انما جرأکم علی حلمی عنکم و لینی لکم لقد فعل بکم عمر مثل هذا فأمرتم و رضیتم ثم أمر بهم الی الحبس حتی کلمه فیهم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 62
عبد اللّه بن خالد بن أسید بن أبی العیص فخلی سبیلهم ، و عثمان بن عفان هو أول من أحدث رواقا مسقفا فی المسجد الحرام و کان ذلک فی السنة السادسة و العشرین للهجرة .
و یحیط بالمسجد الحرام من جهاته الاربع ثلاثة أروقة، یفصل بین کل رواق و آخر صف من الاعمدة مواز لجدار المسجد، و وصل بین کل عمودین بعقد من البناء المتین و أقیمت علی کل أربعة أعمدة قبّة، و بذلک تکونت قباب متجاورة منها تکون سقف تلک الاروقة، و عدد العقود فی الجهة الشمالیة من الجدار الشرقی الی الغربی 42 عقدا فی کل صف علی استقامة واحدة، أما العقود العرضیة فی هذه الجهة فثلاثة ثلاثة إلا فی الطرفین فان العرض عقدان، و عدد العقود طولا فی الجهة الجنوبیة 40 فی أطول صف من الجدار الشرقی الی الغربی، و عددها عرضا ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة فی الوسط و فی الطرف اثنان و واحد و عددها من الجهة الشرقیة طولا بطول الصحن فقط 24 عقدا فی کل صف، و العرضیة ثلاثة ثلاثة الا فی الطرف الجنوبی فاثنان لانحراف الجدار، و فی الجهة الغربیة قبالة الصحن فقط 24 طولا فی کل صف، و العقود العرضیة أربعة أربعة و قیل ثلاثة ثلاثة، و هناک عروض أخری من الجهة الشمالیة فی مدخل باب الزیارة و کذلک فی الجهة الغربیة فی مدخل باب ابراهیم و جملة الا عمدة المقامة علیها تلک العقود (545) عمودا منها 301 من الرخام و منها 244 من الحجر الاحمر، و معلق بین کل عمودین خمسة قنادیل کبار توضع فیها المصابیح، و فی صرة کل قبة قندیل و فی المسجد الحرام
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 63
منبر جمیل بعث به السلطان سلیمان القانونی العثمانی سنة 966 ه و هو من الرخام و یمتاز هذا المنبر بزخارفه الاسلامیه الجمیلة و رونقه الرائع و بضاعته البدیعة الدقیقة، هذا و من الجدیر بالذکر ان معاویة بن ابی سفیان کان أول من عمل منبرا للمسجد الحرام سنة 44 ه و کان بثلاث درجات ثم أهدی عامل هرون الرشید علی مصر موسی بن عیسی منبرا للمسجد الحرام ذا درجات تسع و علیه نقش بدیع ثم أمر الواثق العباسی بعمل منبر جدید للمسجد الحرام و أمر لمنی و ثالث لعرفة کذلک عمل المنتصر بن المتوکل منبرا للمسجد و هکذا تعددت المنابر فی عصور تاریخیة مختلفة و کان آخرها المنبر القائم حالیا الذی أهداه السلطان سلیمان القانونی کما عرضنا سابقا و الی جنوب مقام ابراهیم و علی بعد 18 م من الحجر الاسود تقع بئر زمزم و بئر زمزم ذکرت کثیرا فی الاخبار التاریخیة و یرقی تاریخها الی عهد طفولة اسماعیل بن ابراهیم علیهما السلام.

أبواب المسجد الحرام:

و للمسجد الحرام تسعة عشر بابا ، هی باب السلام و یعرف بباب بنی شیبه و هو باب بنی عبد شمس و بهم کان یعرف من الجاهلیة، و باب الجنائز، و قد سمی بهذا الاسم لان الجنائز تخرج منه الی مقربة المعلّی و یعرف ایضا بباب النبی لان الرسول (ص) کان یخرج منه و یدخل الی منزله دار خدیجه علیها السلام ، و باب العباس بن عبد المطلب و باب علی و یعرف بباب بنی هاشم و باب بازان سمی بذلک الاسم لان عین مکة المعروفة ببازان کانت بالقرب منه، و باب البغلة و باب الصفا و سمی بذلک لانه یلی الصفا و یقال له
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 64
ایضا باب بنی مخزوم و باب جیاد الصغیر و باب المجاهدیة لان عنده مدرسة الملک المؤید المجاهد صاحب الیمن و یقال له باب الرحمة و باب مدرسة الشریف عجلان و باب أم هانی‌ء بنت أبی طالب و باب الحزورة و الحزورة اسم لسوق فی الجاهلیة کانت فی هذا المکان و دخلت فی المسجد الحرام عند توسیعه و یقال له بباب بنی حکیم بن خزام و الغالب علیه باب الخزامیة و یقال له باب الوداع لان الناس یخرجون منه عند سفرهم ، و باب ابراهیم و هو منسوب الی أحد الخیاطین و کان یجلس عنده و باب العمرة، و یسمی بهذا الاسم لان المعتمرین یخرجون و یدخلون منه فی الغالب و باب عمرو بن العاص و یقال له باب السدة لانه سد تم فتح و باب العجلة و باب القطبی و باب سویفه و باب المدرسة و قد أضیف باب حدیث بالتوسیعات الحدیثة سمی بباب الملک سعود. و للمسجد الحرام سبع مآذن هی مأذنة باب العمرة فی رکن المسجد الشمالی و قد بناها المنصور العباسی سنة 139 ه ، و مأذنة باب السلام و قد عمرها المهدی ابنه سنة 168 ه و مأذنة باب علی و عمرها المهدی أیضا فی السنة نفسها و مأذنة باب الحزورة التی تعرف بباب الوداع و عمرها المهدی ایضا ثم عمرت زمن الملک الاشرف صاحب مصر و کانت قد سقطت سنة 771 ه فعمرت فی السنة التالیة. و مأذنة باب الزیارة عمرها المعتضد العباسی لما بنی الزیارة سنة 284 ه ثم جددها الاشرف برسباس فی سنة 826 ه و مأذنة قاتیبای بالمدرسة المعروفة باسمه و هی مجاورة لباب السلام
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 65
و مأذنة السلیمانیة فی المدرسة المعروفة باسمها.

التطورات التی طرأت علی المسجد الحرام:

ان المسجد الحرام مرّ فی عهود تاریخیة مختلفة و کان عرضة للزیادة فی المساحة و العمران، و نحن نحاول بیان ذلک فیما یلی:
(1) التوسع الذی حصل زمن الخلیفة عمر بن الخطاب (رص) عام 17 ه ففی هذا العام قدم الخلیفة الی مکة فی غیر موسم الحج لما بلغه ان سیلا عظیما اقتحم المسجد الحرام من جهة المدعی و رأی حاجة المسجد الی التوسعة، فأمر بشراء دور و هدمها و ادخال أرضها فیه، کما حوّط المسجد بجدار قصیر جعل فیه ابوابا و أمر بوضع المصابیح فوقه للاضاءة.
(2) و لازدیاد عدد المسلمین، ضاق المسجد بهم، فرأی عثمان بن عفان ضرورة اجراء توسیع فی المسجد، فأمر سنة 26 ه بشراء بعض الدور القریبة و هدمها و اضافتها الی المسجد، و أحدث رواقا مسقفا کما أوضحنا سابقا.
(3) و فی سنة 26 ه رأی عبد اللّه بن الزبیر ضرورة توسیع المسجد الحرام فاشتری بعض الدور فهدمها و ادخلها ضمن المسجد.
(4) و فی سنة 91 ه زاد الولید بن عبد الملک فی مساحة المسجد کما أنه جدد عمارته فبناه بنایة محکمة و سقف أروقته بالساج المزخرف، و یعد الولید اول من جعل أعمدة المسجد من الرخام.
(5) و فی سنة 139 ه أمر المنصور بإجراء توسیع فی المسجد الحرام کما أمر بأن یضاف رواق جدید، و قد شیّل ذلک الرواق علی أعمدة رخام و زیّن بالنقوش.
(6) و فی سنة 161 ه أمر المهدی بن المنصور بتوسیع المسجد الحرام کذلک
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 66
فأضاف توسیعا آخر سنة 164 ه و تعتبر الزیادات التی تمت فی عصر المهدی مهمة اذ وصلت مساحة المسجد فی عمارته القدیمة الی ما هی علیه حتی الآن.
(7) و فی سنة 284 ه کانت هناک بقیة من دار الندوة خارج المسجد الحرام فأمر المعتضد العباسی وزیره بإضافة ذلک القسم و اجراء ما ینبغی للحرم من الاصلاح و الترمیم.
(8) فی سنة 306 ه أمر المقتدر العباسی بزیادة مساحة المسجد الحرام المکان الذی یعرف الآن بباب ابراهیم و بهذا تکامل البناء القدیم.
أما العمران فی المسجد الحرام خلال العصور التاریخیة فان أهم تعمیرین کانا ما تمّ سنة 803 ه فی عهد السلطان ناصر فرج بن برقوق من سلاطین الممالیک الشراکسة المصریة فقد أجری تجدید بناء احد اروقة الحرم بمکة المکرمة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 67
جانب المسجد الغربی کله من الجانب الشمالی علی أثر حریق شبّ فی السنة المذکورة فی أحد الاربطة المتصلة بالمسجد فیما بین باب الوداع و باب ابراهیم فامتدت النار منه الی جانب المسجد الغربی فأتت علی سقوفه و تساقطت مبانیه ثم وصلت النار الی الجانب الشمالی فالتهمت رواقین منه، و فی سنة 979 ه جدد السلطان سلیم الثانی عمارة المسجد الحرام تجدیدا کاملا فهدمت بعض الاروقة و اعید بناؤها و لکنها لم تسقف بالخشب بل جعلت سقوفها قبابا و هی الموجودة الآن و قد أتمّ عمارة المسجد بعد وفاة السلطان سلیم ولده السلطان مراد، و قد کمّل البناء سنة 984 ه.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 68

المدینة المنورة

اشارة

مدینة مهمة من مدن الحجاز، اصبحت لها أهمیة کبیرة بعد هجرة الرسول (ص) الیها و اتخاذها سکنا و مقرا له. و کانت المدینة قبل دخول الرسول (ص) الیها تعرف باسم یثرب و قد سمّاها بطلیموس و ستیفان البیزنطی (یثربا)Yathrippa کما ظهر اسمها فی بعض النقوش القدیمة باسم (إثرب)Ithrib ، و یذکر ان یثرب کانت ناحیة من المدینة ثم أطلق علی المدینة کلها (من اطلاق البعض علی الکل).
و لما هاجر النبی (ص) الیها کره ان تسمی باسمها و سماها طیبة و طابة، و کانت لها اسماء أخری مختلفة مثل المسکینة و جابرة و المجبورة و المرجومة و العذراء و المحبة و المحبوبة و القاحمه ، و قد أورد السمهوری أربعة و تسعین اسما للمدینة . و تقع المدینة الی شمال مکة، و أرضها مستویة و الی شمالها جبل أحد و فی جنوبها جبل عیر علی مقربة من ذی الحلیفة، و هو جبل مستقیم شامخ، و الی غرب المدینة سهل فسیح خصب، یعرف بحرة و اقم،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 69
و عندها وقعت موقعة الحرة سنة 63 ه، و فیها قال الشاعر عبد اللّه بن قیس الرقیات:
تذکّر من قتلی بحرة و اقم‌أصبن و أرحاما قطعن شوابکا
و الی شمال المدینة یقع جبل سلع، قال الشاعر البغدادی متشوقا الی سلع:
ألا لیت شعری هل ابیتن لیلةبسلع و لم تغلق علیّ دروب
و فی سهل المدینة أودیة کثیرة تجتمع فیها السیول و من اشهر تلک الاودیة:
قناة و مهروز و العقیق و بطحان و رانون و مذیقه، و من أهم هذه الاودیة وادی العقیق، و للرسول الکریم (ص) أحادیث کثیرة فی برکته و طیبه، و هو یقع الی غرب المدینة، و یبدو ان قصور أغنیاء المدینة کانت تقوم فی العقیق و قد ابتنی قوم منالصحابة بالعقیق و نزلوه . و من الذین شیدوا قصورهم بالعقیق عروة بن الزبیر و قصر عاصم بن عمرو و قصر المغیرة بن ابی العاص و قصر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 70
عنبسة بن عمرو .
و العقیق فیه عیون و نخل ، و ماؤه عذب ، و کان لجماله الرائع و طبیعته الاخاذة و طیب هوائه، ما جعل الشعراء یتغنون بهذا الوادی الخصیب البدیع، فقد تشوق الیه من بغداد سعید بن سلیمان فقال:
و بعد المصلی و العقیق و أهله‌و بعد البلاط حیث یحلو التزاور
اذا أعشبت قریاته و تزینت‌عراض بها نبت أنیق و زاهر
و غنی بها التربان تغزو بناتهاکما واقعت أیدی القیان المزاهر
و قالت اعرابیة من العقیق تزوجت فی نجد:
اذا الریح من نحو العقیق تنسمت‌تجدد لی شوقا یضاعفن من وجدی
اذا رحلوا بی نحو نجد و أهله‌فحسبی من الدنیا رجوعی الی نجدی
و قال البحتری فی وادی العقیق:
وقفة بالعقیق تطرح ثقلامن دموع بوقفة فی العقیق
و من أجمل ما وصف به وادی العقیق ما کتبه سعید بن العاص الی عبد الأعلی بن عبدان و محمد بن صفوان الجمحی و هما ببغداد یذکرهما بطیب العقیق فی أیام الربیع:
ألا قل لعبد اللّه إما لقیته‌و قل لابن صفوان علی القرب و البعد
أ لم تعلما ان المصلی مکانه‌و ان العقیق ذو الاراک و ذو المرد
و ان ریاض العرصتین تزینت‌بنوارها المصفر و الا شکل الفرد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 71
اختلف فی الوقت الذی نزل فیه الیهود مدینة یثرب، فیقول ناس انهم نزلوا المدینة فی عهد موسی علیه السلام ، و یقول آخرون انهم بقایا العمالین ، و تدل الأبحاث التاریخیة ان الیهود کانوا أسبق من القبائل العربیة فی یثرب و بسبب عوامل جغرافیة و طبیعیة من أهمها انهیار سد مأرب و وقوع أزمة اقتصادیة کبیرة فی بلاد الیمن اضطرت بسببها اقوام القبائل الیمانیة الی ترک الیمن و الهجرة الی راضی أخری حیث الخصب و وفرة المیاه، و قد انتشرت تلک القبائل فی مناطق مختلفة من الجزیرة العربیة و من تلک المناطق التی اتجهت الیها القبائل المهاجرة مدینة یثرب فقدمت الاوس و الخزرج الیها و استقروا فیها من القبائل الیهودیة الساکنة فی یثرب و کانت الثروة فی بنی اسرائیل و کانوا ینیفون علی عشرین قبیلة، و لهم قری اعدوا بها الاطام فنزلت الاوس و الخزرج بینهم و حوالیهم .
و یبدو ان الاوس و الخزرج بعد سکناهم مع القبائل الیهودیة، سألوهم ان یعقدوا معهم جوارا و حلفا یأمن به بعضهم من بعض و یمتنعون ممن سواهم، فتعاقدوا و تحالفوا و اشترکوا و تعاملوا و لکن الیهود بعد ان وجدوا الأوس و الخزرج قد استقرت بهم الاحوال و صارت عندهم الأموال انقبلوا علیهم، و قطعت القبائل الیهودیة الحلف الذی عقد بینها و بین القبائل العربیة و جرت بین الاوس و الخزرج من جهة و بین القبائل الیهودیة منازعات و وقائع، انتهت بانتصار الاوس و الخزرج و سیادتهم المدینة، ثم اخذت المنافسة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 72 و ان بها لو تعلمان اصائلاو لیلا رقیقا مثل حاشیة البرد
فهل منکما مستأنس فمسلم‌علی وطن أو زائر لذوی الود
فأجابه عبد الأعلی:
أتانی کتاب من سعید فشاقنی‌و زاد غرام القلب جهدا علی جهد
و أذری دموع العین حتی کأنهابها رمد عنه المراود لا تجدی
فان ریاض العرصتین تزینت‌و ان المصلی و البلاط علی العهد
و ان غدیر اللابتین و نبته‌له أرج کالمسک أو عنبر الهند
فکدت بما أضمرت من لاعج الهوی‌و وجد بما قد قال أقضی من الوجد

القبائل التی نزلت المدینة:

تذکر المصادر العربیة ان أول من نزل یثرب بعد الطوفان قبیلة عبیل ثم أخرجوا منها فنزلوا الجحفة فجاءهم سیل أجحفهم فیه فلهذا سمیت جحفة و قال ابو القاسم الزجاجی أول من سکن المدینة عند التفرق یثرب بن ثانیة ابن مهلائیل بن ارم بن عبیل بن عوص بن ارم بن سام بن نوح علیه السلام، و به سمیت یثرب ، و ذکر یاقوت أن أول من زرع بالمدینة و اتخذ بها النخل و عمر بها الدور العمالین و جاء فی شفاء الغرام انه قد نزل المدینة قبل الاوس و الخزرج أحیاء من العرب .
و نزلت المدینة اقوام من القبائل الیهودیة مثل بنی القینقاع و بنی النضیر و بنی قریظه، و ابتنوا المنازل قبل نزول الاوس و الخزرج ، و قد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 73
مأخذها بین القبیلتین العربیتین، و جرت بینهما الحروب و کان آخرها یوم بعاث الذی اقتتل الطرفان قتالا عنیفا و فقدت الاوس و الخزرج نفوسا کثیرة، و بعدها حاول کبار رجال القبیلتین توحید جهودهما و تنظیم حیاة القبیلتین سیاسیا و اقترحوا علی تحکیم احد زعماء الخزرج من الذین عرفوا بتقدم السن و رجاحة العقل و الخبرة و الدرایة، و لکن تباشیر الحیاة الجدیدة التی انتظمت ببعث الاسلام وصلت الی المدینة فأیدت الدعوة الاسلامیة و آمنت بمبادئها، فکان الاسلام منقذا لجموع العرب فی یثرب و تخلیصهم من سیادة الیهودیة.

الاسلام فی یثرب:

و کانت بیعة العقبة الاولی 621 م حیث حج مکة اثنا عشر رجلا من أهل یثرب جرت مقابلتهم للرسول عند العقبة، و بایعوه علی ان لا یشرک أحدهم باللّه شیئا و لا یسرق و لا یزنی و لا یقتل اولاده و لا یأتی ببهتان یفتریه بین یدیه و رجلیه و لا یعصیه فی معروف. و فی سنة 622 م کانت بیعة العقبة الثانیة، و قد زار مکة ثلاثة و سبعون رجلا و امرأتان و بایعوا الرسول علی مناصرته و تأییده، و محاربة الأسود و الاحمر فی سبیله . و فی سنة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 74
622 م کانت هجرة الرسول (ص) الی یثرب و بدأت حیاة جدیدة للمسلمین فیها کما اصبحت المدینة مرکزا للدعوة الاسلامیة و عاصمة لحکومتها و بذلک تکون مکة قد فقدت نفوذها و مکانتها خاصة بعد الغلبات الرائعة التی أحرزها الرسول و المسلمون فی المواقع الاسلامیة التی تکللت بالنصر المؤرز فی یوم الفتح 20 رمضان سنة 8 ه، و فتحت مکة و حطمت أصنامها و أوثانها و انتشر الاسلام فی ربوعها واضحت مصرا من أمصار المسلمین المهمة و مراکزهم المقدسة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 75

البقیع

یقع البقیع شرق المدینة ، و البقیع فی اللغة، الموضع فیه أروم الشجر من ضروب شتی ، و قد عرف البقیع ببقیع الغرقد، و الغرقد: کبار للعوسجة ، و البقیع مقبرة أهل المدینة، و قد رویت عن النبی الکریم (ص) أحادیث فی فضل البقیع، و من تلک الاحادیث المشهورة قوله (ص) «یحشر من هذه المقبرة سبعون الفا یدخلون الجنة بغیر حساب و کأن وجوههم القمر لیلة البدر» .
و البقیع مکان مقدس مبجل عند المسلمین منذ اتخذ الرسول (ص) المدینة مرکزا للدعوة الاسلامیة، و فی هذا المکان الطیب الکریم، دفن من الأئمة الأطهار و الصحابة الأبرار و السادة الاجلاء اولئک الذین کانوا الطلیعة الاولی فی بناء صرح الاسلام و الباذلین ارواحهم فی سبیل اعلاء کلمة اللّه و نشر مبادی‌ء القرآن.
و أول من دفن فی البقیع من الصحابة الکرام عثمان بن مضعون، و مما
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 76
یذکر ان البقیع کان غرقدا، فلما دفن عثمان بالبقیع، قطع الغرقد عنه ، و لما توفی ابراهیم بن رسول اللّه (ص) أمر (ص) ان یدفن عند عثمان بن مضعون، فرغب الناس فی البقیع، و قطعوا الشجر فاختارت کل قبیلة ناحیة، فمن هنالک عرفت کل قبیلة مقابرها .
و تدل الأخبار التاریخیة ان قبر عثمان بن مضعون فی وسط البقیع فی المنطقة التی اطلق علیها الرسول اسم الروحاء، روی ابن شبة: کان البقیع غرقدا، فلما هلک عثمان بن مضعون دفن فی البقیع و قطع الغرقد عنه. و قال رسول اللّه (ص) للموضع الذی دفن فیه عثمان: هذه الروحاء و ذلک کل ما حازت الطریق من دار محمد بن زید الی زاویة دار عقیل الیمانیة، ثم قال النبی (ص):
هذه الروحاء، للناحیة الأخری، فذلک ما حازت الطریق من دار محمد بن زید الی أقصی البقیع یومئذ .
و البقیع فی الوقت الحاضر یقع شرق المدینة المنورة و هو علی شکل مستطیل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 77
طوله 150 م و عرضه 100 م، و فی هذا المکان دفن ناس من الأئمة و کبار الصحابة (ع)، فمن الذین دفنوا فی البقیع السیدة فاطمة الزهراء (ع) و ابراهیم و رقیة من أولاد الرسول (ص)، و فاطمة بنت أسد أم الامام علی بن ابی طالب (ع) و الامام الحسن بن علی و علی بن الحسین زین العابدین (ع) و ابو جعفر محمد الباقر (ع) و جعفر الصادق (ع) و العباس بن عبد المطلب، و جمیع زوجات الرسول (ص) إلا السیدة الفاضلة خدیجة بنت خویلد (ع) فمدفنها بمکة. و من الصحابة المشهورین المدفونین فی البقیع عبد اللّه بن مسعود، و سعد بن معاذ، و ابو سعید الخدری، و عثمان بن عفان، و عبد الرحمن بن عوف، کذلک دفن فی البقیع مالک بن أنس الاصبحی.
و من الجدیر بالذکر ان تلک القبور جمیعا مندرسة و قد ضرب حولها سیاج و قد جرت محاولات لبناء مشاهد الائمة و آل البیت الکرام و لحد کتابة هذه السطور لم یجد شی‌ء جدید.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 78

الکوفة

ذکر اصحاب المعاجم اللغویة فی معنی الکوفة انه: کل رملة تخالطها حصباء، و انها سمیت بهذا الاسم لاستدارتها، و فی سنة 17 ه و بعد انتصار المسلمین بقیادة سعد ابن ابی وقاص فی موقعة القادسیة المشهورة فتح سواد العراق، و باشر بناء مدینة یتخذها معسکرا لجنده فاختار مکان الکوفة الحالیة، و قام بتخطیط المدینة ابو الهیاج الاسدی عمرو بن مالک بن جنادة و یصف البلاذری مبدأ التخطیط فیقول: ان عبد المسیح بن بقیلة اتی سعدا و قال له ادلک علی ارض انحدرت من الفلاة و ارتفعت عن المباق، فدله علی موضع الکوفة الیوم و کان یقال له سورستان، فلما انتهی الی موضع مسجدها امر رجلا فعلا بسهم قبل مهب القبلة فاعلم علی موقعه ثم علا بهم اخر قبل مهب الشمال و اعلم علی مواقعه ثم علا بهم قبل مهب الجنوب و اعلم علی موقعه ثم علا بهم قبل مهب الصبا فاعلم علی موقعه، ثم وضع مسجدها و دار امارتها فی مقام العال و ما حوله و اسهم لنزار و اهل الیمن بسهمین علی انه من خرج بسهمه اولا فله الجانب الایسر و هو خیرهما
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 79
فخرج سهم اهل الیمن فصارت خططهم فی الجانب الشرقی و صارت خطط نزار فی الجانب الغربی، و من وراء تلک العلامات، و ترک ما دونها فناء للمسجد و دار الامارة .
و قد حرص المسلمون فی بدء الفتوحات الاسلامیة، ان یشیدوا معسکراتهم و مدنهم فی امکنة تتصل بمرکز الدولة الاسلامیة فی الحجاز، و ان تکون الصحراء العربیة طریقهم المباشر بذلک المرکز، و لا یجعلوا بحرا او نهرا او جبلا حاجزا بین ما یشیدون و بین مرکز انتشارهم و تحرکهم، و لا یبتعدوا مسافة عن المدینة التی کانت مشیدة قبل دخولهم البلاد المفتوحة، فلم یتخذوا الحیرة سکنا بل ابتنوا الکوفة التی تبعد حوالی ثمانیة کیلومترات عن مسجد الکوفة الی الجنوب، و ینطبق هذا التعلیل علی بنا المسلمین لمدینة البصرة القریبة من مدینة الأیلة و بنائهم لمدینة الفسطاط القریبة من عین شمس، و نعتقد ان المسلمین کانوا یریدون الابتعاد قدر الامکان عن السکان الاصلیین و عدم الاختلاط بهم کی لا موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 80
یتأثروا بعاداتهم و تقالیدهم و افکارهم و حتی یبقی الجندی الاسلامی بعیدا عن کل ما تحوی تلک المدن من لهو و مشاغل نفسیة و فکریة و یظل دائما و ابدا تحت السلاح کی یؤدی واجبه بشکل صحیح.
و ارض الکوفة سهلة، عالیة فوق مستوی الفیضان، ترتفع عن مستوی سطح البحر بمقدار 22 م، و انها بعیدة عن مناطق الاهوار و المستنقعات، و من الجدیر بالذکر ان ضفة النهر الغربیة اعلی من الضفة الشرقیة بمقدار 5- 6 م، و فی بعض الاقسام الجنوبیة یقل ذلک الارتفاع، و الاراضی القریبة من النهر تکون رسوبیة خصبة صالحة للزراعة اما ما دون ذلک فارض رملیة حصباء تنحدر انحدارا تدریجیا من جهة الغرب فتؤلف ضفة کلسیة غیر مستنقعیة هی النجف، ترتفع بمقدار 60 م عن مستوی سطح البحر ثم تنخفض من جهة الغرب و الجنوب فتؤلف بحیرة ضحلة مالحة هی بحر النجف ارتفاعها عن مستوی سطح البحر 10 م.
و قد شیدت الکوفة علی ضفاف نهر الفرات و ترک المسلمون صحراءهم العربیة الی جانبهم، فکان الفرات الی شرق المدینة و الصحراء من جبهتها الغربیة و تقع الحیرة الی جبهتها الجنوبیة الغربیة و الکفل من جهتها الشمالیة الشرقیة.
و تحسن هنا الملاحظة ان الکوفة کانت اقرب الی الفرات من مدینة الحیرة، و هذا الامر ساعد فی سیطرة الکوفة علی الجسر القائم علی نهر الفرات الذی کان الرابط التجاری المهم الذی یربط العراق و ما یجاوره بالطریق التجاری الذی کانت تتبعه القوافل التجاریة نحو الحجاز و جنوبی الجزیرة العربیة. ذکر المسعودی:
ذکر عبد المسیح بن عمرو بن نفیلة النسائی حین خاطب خالد بن الولید ایام ابی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 81
قلیل العمق، و ان اثنین من تلک الاواوین ینفذان الی دهلیزین، و هذان یفضیان بکر بن قحافة (ر) حین قال له: ما تذکر؟ قال: اذکر سفن الصین وراء هذه الحصون (یقصد وراء الحیرة) فلما انقطع الماء عن ذلک الموضع انتقل البحر برّا. فصار من البحر فی هذا الوقت علی مسافة ایام کثیرة، و من اشرف من وراء النجف علیه تبین له ما وصفنا .
و من اهم النقاط الدالة علی مدینة الکوفة التاریخیة، مسجد الکوفة و قصر الامارة و مسجد السهلة و الاکام المتناثرة بین المسجد و الطریق المؤدی الی مدینة النجف.
و مسجد الکوفة مربع الشکل تقریبا، ذلک لان اضلاعه الاربعة مختلفة الطول اختلافا قلیلا فهی علی التوالی 110، 116، 109، 116. و من اهم مظاهر المسجد مشهد الامام علی (ع) الذی یقع فی رواق الضلع الجنوبی، و هناک محاریب منتثرة فی المسجد و قد تداولت بین الناس باسم المقامات، و منها باسم مقام الخضر و باسم مقام زین العابدین و باسم مقام جبرائیل و باسم مقام ابراهیم (ع).
و من مظاهر المسجد السفینة او التنوّر و یکاد یکون فی وسط المسجد، و ینزل الی السفینة بدرج منظم تعلوه عقادة مائلة، یفضی هذا الدرج الی ساحة مکشوفة مثمنة الاضلاع تعلو جدرانها الی ما فوق ارض المسجد قلیلا، فتظهر من الخارج علی هیئة حوض مثمن و فی کل ضلع من اضلاع هذا الصحن المثمن ایوان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 82
الی سردابین مسقوفین و یبدو ان لهذا المبنی الذی عرف بالسفینة فروعا داخلیة اخری، و واضح الجدار الذی سدت به، و ان هذا الجدار علی ما یبدو قد استحدث حدیثا. اما سبب تسمیته بالسفینة، فالناس یعتقدون ان سفینة نوح (ع) کان رسوها فی هذا المکان بعد الطوفان.
و من مظاهر المسجد ایضا بیت (الطشت) الذی یتکون من سرداب یمتد تحت الارض و ینتهی من طرفیه بدرجین یؤدیان الی مدخل و مخرج. و من الجدیر بالذکر ان مسجد الکوفة فی بنائه الحالی یختلف عما انشی‌ء فی بادی‌ء الامر، و قد طرأت علی بنائه توسیعات و ترمیمات فی عصور تاریخیة مختلفة.
اما قصر الامارة، فانه شید بمحاذاة الضلع الجنوبی لمسجد الکوفة، و من الثابث تاریخیا ان سعد بن ابی وقاص اول من شرع فی بناء هذا القصر، و قد ظهر من التنقیبات الاثریة التی اجرتها مدیریة الاثار العراقیة، ان المسجد کان یتصل بالقصر من باب مفتوح فی الجدار الجنوبی للمسجد، و ان طول ضلع القصر نحو 177 م و ان معدل سمک الجدران 60، 3 و معدل قطر الابراج 30، 3 م.
و الی جهة المسجد الجنوبیة الغربیة بحدود 85 م بنایة صغیرة تعرف بین مدینة الکوفة مصورة من الطائرة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 83
الناس باسم بیت الامام علی (ع) و یذکرون ان الامام کان یسکنه و انه کان غسل فیه بعد استشهاده .
و یقوم قبر مسلم بن عقیل (ر) و قبر هانی بن عروة فی مشهدین فی مکان قریب ملاصق لجدار مسجد الکوفة الشرقی و یفضی الیهما من باب کبیرة فی ذلک الجدار، کما ان للمشهدین بابا من جبهة البناء الشمالیة، و الی مکان قریب من مشهد مسلم بن عقیل (ر) یقوم قبر المختار بن ابی عبید الثقفی زعیم التوابین.
و فی خارج مسجد الکوفة و الی القرب من بیت الامام علی (ع) یقوم قبر میثم التمّار و هو من انصار الامام علی (ع) الخلصاء.
و فی الکوفة مساجد، لها مکانة کریمة عند الشیعة، تلک المساجد هی مسجد السهلة و مسجد غنی، و مسجد بنی ظفر، و مسجد الحمراء، و مسجد جعفی، روی المجلسی عن محمد بن مسلم عن ابی جعفر علیه السلام انه قال: بالکوفة مساجد ملعونة و مساجد مبارکة فاما المبارکة فمسجد غنی و اللّه انّ قبلته لقاسطة، و ان طینته لطیبة و لقد بناه رجل مؤمن و لا تذهب الدنیا حتی تنفجر عنده عینان و یکون فیهما جنتان و اهله ملعونون و هو مسلوب منهم و مسجد بنی ظفر و مسجد السهلة و مسجد الحمراء و مسجد جعفی.
و اشهر هذه المساجد هو مسجد السهلة، و هو البقیة الباقیة من المساجد التی اختطتها القبائل بعد مسجد الجامع، و یقع المسجد الیوم فی ظاهر الکوفة فی الجهة الشمالیة الغربیة من المسجد الجامع علی نحو کیلومترین
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 84
فی ارض خالیة من العمران و السکن.
و یرجع ان هذا المسجد شید قبل مجی‌ء الامام علی الی الکوفة، و یذکر ابن الفقیه ان الامام علیا (ع) قال: ان بالکوفة اربع بقاع قدس مقدسة فیها اربعة مساجد قیل سمّها یا امیر المؤمنین قال: احدها مسجد ظفر و هو مسجد السهلة .
مساحة المسجد 140* 125 م 2 و ترتفع جدرانه نحو 22 م و کل ضلع من اضلاعه الاربعة تدعمه ابراج نصف دائریة من الخارج علی ابعاد متساویة و ارضیة بیت الصلاة مفروشة بالاجر 24* 24 سم 2 علی طراز هندی مقسم بهیئة مستطیلات متساویة الابعاد، اما المحراب فیقع فی وسط بیت الصلاة و هو یخلو من آثار الزخرفة او الکتابة.
و من اشهر محلات الکوفة (الکناسة) الواقعة الی غرب مسجد الکوفة و هذه المحلة التی اصبحت مرکزا مهما فی المدینة ترکزت فیها التجارة خاصة تجارة بیع و شراء الجمال و البغال و الحمیر کما کانت فیها سوق لبیع و شراء العبید و سمیت بهذا الاسم لانها کانت مکانا لرمی الانقاض لبنی اسد، و من اشهر من سکنتها من القبائل العربیة، قبیلة عبس و ضبة و تمیم کما سکنتها بنو رباح و بنو دارم و بنو حمام و بنو الشیطان و بنو عوف و بنو حرام و بنو هالک و بنو الکاهل.
ان اهم القبائل التی سکنت الکوفة هی قبیلة کندة، و بجیله، و همدان، و ثقیف، و مذحج، و تمیم، و اسد، و بکر، و الازد، و طی، و قد اقطعت هذه القبائل الاماکن التی اتخذتها مستقرا و سکنا.
و کان اول الوافدین الیها بعد العرب الفرس و کان عددهم اربعة الاف
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 85
ممن کانوا یعملون فی الجیش الفارسی و شهدوا القادسیة علی رستم، و قد فاوضوا سعدا علی ان ینزلوا الکوفة حیث احبوا و یحالفوا من احبوا، و یفرض لهم فی العطاء، فاعطوا الذی سألوه و انزلهم سعد بحیث اختاروا و فرض لهم فی الف الف و کان لهم نقیب منهم یقال له (دیلم) فاطلق علیهم حمراء دیلم، لان العرب کانت تسمی العجم الحمراء .
ثم سکن الکوفة بعد تمصیرها السریان الذین کانوا یسکنون الدیارات القائمة فی أطراف الحیرة و النجف، و کان فی الکوفة اسقفان احدهما نسطوری و الآخر یعقوبی، و کان نصاری الکوفة طائفتین (نساطرة) و هم الحضر و (یعاقبة) و هم البدو . موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 86
و قدم الکوفة وافدین من نجران الیمن الیهود و النصاری و کان معظمهم صیارفة قاموا بالکوفة فی محلة عرفت بالنجرانیة ، ثم نمت الکوفة و ازدهرت و صارت قبلة انظار العرب، و وصلت أوج عظمتها و توسعها فی العصر الأموی، و بلغت مساحتها ستة عشر میلا و ثلثی المیل ، و قال عنها الاصطخری: انها اصبحت تضاهی البصرة من حیث السعة و العمران . و کان فیها خمسون الف دار للعرب من ربیعة و مضر و اربعة و عشرون الف دار لسائر العرب و ستة آلاف دار للیمن .
و فی سنة 132 ه 750 م أعلنت الخلافة العباسیة فی الکوفة و نودی بأبی العباس السفاح أول خلیفة عباسی، و قد تحول السفاح عنها الی مدینة الهاشمیة القریبة من الکوفة، و لما تولی ابو جعفر المنصور الحکم بعد وفاة ابی العباس السفاح سنة 136 ه 754 م بنی فی الکوفة (الرصافة) و أمر أبا لخصیب مرزوقا مولاه فبنی له القصر المعروف بأبی الخصیب علی أساس قدیم و یقال ان أبا الخصیب بناه لنفسه فکان المنصور یزوره فیه .
و یقع بالقرب من الکوفة خندق یعرف بخندق (کری سعده) و یعرف ایضا بخندق سابور، و یعتقد ان الفرس الساسانیین هم الذین انشأوا هذا المشروع الکبیر، و یبدأ من جنوب مدینة هیت علی الفرات بمسافة 17 کم و یخترق البادیة علی طول الحدود العراقیة لاراضی العراق السهلة و ینتهی البحر قرب مصب (بوبیان) علی بعد 20 میلا من شط العرب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 87
غربا و یعرج هذا الخندق بعد ان یمر من غرب الحبانیة مارا بجبل سعدة ثم وادی (ابو فروج) ثم الی الجنوب الشرقی باتجاه (غدیر المالح) و یسلک وادی (الفضاوی) ثم هور ابی دبس الی بحر النجف ملازما الضفة الغربیة قرب الکوفة ثم یقطع المسافة الی هور الحمار حیث ینتهی بالقرب من جبل سنام .
و ترتبط الکوفة مع البلدان المختلفة بطرق متعددة، فالطریق الموصل من الکوفة الی مکة کان یسیر متجها نحو القادسیة ثم المغیثیة ثم القرعاء ثم واقصة ثم زبالة ثم الشقوق ثم بیطان و الاماکن الاربعة هی دیار بنی اسد و الثغلبیة و هی مدینة علیها سور و زرود و الاجفر منازل طی ثم مدینة فیسد و هی التی ینزلها عمال طریق مکة و اهلها من طیّ.
و توز و سمیراء و الحاجر و اهلها قیس و اکثرهم بنو عبس و النقرة و منها یعطف الطریق من اراد المدینة او اراد مکة و من اراد الاتجاه نحو البصرة فیسلک طریق بارق ثم القلع ثم سلمان ثم الی أقر ثم الی الاخادید ثم الی عین صید ثم الی عین جمل ثم الی البصرة .
و من اراد التوجه الی واسط فیسلک طریق البطائح و تقدر المسافة بست مراحل .
و اول ولاة الکوفة هو سعد بن ابی وقاص الزهری، الذی کان یقود حملة فتح العراق و تولاها بعده عمار بن یاسر ثم ابو موسی الاشعری، ثم تعاقب الولاة علیها حتی سنة 36 ه، فقد نزل بها الامام علی (ع) بعد انتصاره فی معرکة الجمل، و اقام فیها و قتل و اصبحت مرکزا للخلافة الاسلامیة، و بعد اغتیال الامام علی (ع) انتخب فیها الامام
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 88
الحسن (ع) خلیفة للمسلمین، و بقی کذلک نحو ستة اشهر، ثم صار الامر لمعاویة بن ابی سفیان فانتقلت حاضرة الدولة الاسلامیة الی دمشق، و ظلت هکذا حتی سنة 132 ه ففیها سقطت الدولة الامویة و قامت الدولة العباسیة، و اصبحت الکوفة عاصمة الدولة الجدیدة و ظلت عاصمة حتی انتقل منها السفاح الی الهاشمیة فالانبار
ان الکوفة تعتبر من اهم مراکز الحضارة الاسلامیة فی القرون الوسطی، امتازت بعراقتها فی الثقافة العربیة، و انها بفخر حاملة لواء الدراسات اللغویة و مدرستها فی النحو غنیة عن التعریف ، و قد ساهمت هذه المدینة اسهاما کبیرا فی الحفاظ علی التراث العربی من ادب و شعر و لغة، کما کانت میدانا واسعا لنمو الحرکات الفکریة الجبارة فی الاسلام .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 89

النجف الاشرف

مدینة تقع فی طرف الصحراء، بینها و بین الکوفة زهاء ستة أمیال، و مناخها صحراوی، حار و جاف صیفا و بارد قارص شتاء، و ترتفع المدینة عن سطح البحر بزهاء 230 قدما، و معدل سقوط المطر فی المدینة سنویا 1- 5 قطرة فی کل بوصة، و مدینة النجف عرضة لریاح السموم بسبب وقوعها فی طرف الصحراء و اختلاف درجة الحرارة فیها، و قد تبلغ درجة الحرارة فی المدینة صیفا 48 درجة مئویة. و اکثر احیانا و تقع النجف غربی بغداد و علی بعد حوالی 180 کم.
و النجف قریبة من الحیرة، عاصمة المناذرة بل انها ضاحیة من ضواحیها الجمیلة، و قد انتشرت الادیرة المسیحیة فی منطقة النجف، و من اشهرها دیر فاثیون و هو فی اعلا النجف و دیر ابن مزعوق فی جنوبها، قال الشاعر محمد بن عبد الرحمن الثروانی:
قلت له و النجوم طالعةفی لیلة النصح اول السحر
هل لک فی مار فاثیون و فی‌دیر ابن مزعوق غیر مختصر
یفیض هذا النسیم من طرف الشام‌و درّ الندی علی الشجر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 90
و من الأدیرة المشهورة، دیارات الاساقف، و هذه الدیارات بالنجف، بظاهر الکوفة، و هو اول الحیرة، و هی قباب و قصور تسمی دیارات الاساقف و بحضرتها نهر یعرف بالغدیر، عن یمینه قصر أبی الخصیب مولی أبی جعفر، و عن شماله السدیر، و فیه یقول علی بن محمد جعفر العلوی الحمّانی:
کم وقفة لک بالخورنق ما توازی بالمواقف
بین الغدیر الی السدیرالی دیارات الاساقف
و قصر أبی الخصیب، هو احد المتنزهات یشرف علی النجف و علی ذلک الظهر کله، یصعد من اسفله فی خمسین درجة الی سطح آخر، أفیح فی غایة الحسن و هو عجیب الصنعة، و فی قصر أبی الخصیب موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 91
یقول بعضهم:
یا دار غیّر رسمها مرّ الشمال مع الجنوب‌بین الخورنق و السدیر فبطن قصر أبی الخصیب
فالدیر فالنجف الأشم جبال ارباب الصلیب و من الأدیرة المشرفة علی النجف، دیر مارث مریم، دیر قدیم من بناء آل المنذر بنواحی الحیرة بین الخورنق و السدیر و بین قصر أبی الخصیب، و فیه یقول الثروانی:
بمارت مریم الکبری و ظل فنائها فقف‌فقصر أبی الخصیب المشرف الموفی علی النجف
(*) و یبدو ان النجف کانت مسرحا للوقائع الحربیة فی اثناء الفتوحات الاسلامیة، و قد نزل فیها القائد خالد بن الولید و قواده الدین شارکوا فی فتح منطقة الحیرة، و بالقرب من النجف الاشرف دارت المعرکة الفاصلة فی تاریخ الفتوحات الاسلامیة، تلک هی معرکة القادسیة، فی آخر سنة 16 ه . و القادسیة بین الکوفة و العذیب، و قد انتصر المسلمون فی تلک الوقعة المشهورة، انتصارا عظیما، و فتحوا السواد، و فی ذکر تلک الوقعة الحاسمة، قال بشر بن ربیعة بن عمرو الخثعمی:
أ لم خیال من امیمة موهناو قد جعلت أولی النجوم تغور
و نحن بصحراء العذیب و دارهاحجازیة ان المحل شطیر موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 92 فزارت غریبا نازحا جل ماله‌جواد و مفتوق الغرار طریر
و حلّت بباب القادسیة ناقتی‌و سعد بن وقاص علیّ أمیر
تذکر هداک اللّه وقع سیوفنابباب قدیس و المکرّ ضریر
عشیة ودّ القوم لو ان بعضهم‌یعار جناحی طائر فیطیر
و یصف القعقاع بن عمرو التمیمی المعارک الطاحنة کما یذکر القتلی فی قوله:
سقی اللّه قتلی بالفرات مقیمةو أخری باثباج النجاف الکوانف
فنحن وطئنا بالکواظم هرمزاو بالثنی قرنی قارن بالجوارف
و النجف فی اللغة، مکان لا یعلوه الماء مستطیل منقاد و یکون فی بطن الوادی و قد یکون ببطن من الارض، جمعه «نجاف» و النجف محرکة، التلّ و قشور الصلیان، و هو بظهر الکوفة کالمسناة تمنع مسیل الماء ان یعلو الکوفة و مقابرها .
إن اهم القبائل التی کانت تحوّل فی اطراف الحیرة و النجف هی قبیلة تغلب التی هاجرت بعد حرب البسوس فی ایام عمرو بن هند ،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 93
و کذلک قبیلة بکر و من اشهر فروعها قبیلة شیبان، و کانت لهذه القبیلة الاخیرة مواقف مشهورة و قد انتصرت مع حلیفاتها القبائل العربیة علی الجیوش الساسانیة فی موقعة ذی قار
و قد اصبحت منطقة النجف ضمن الاراضی التی تم فتحها بأیدی المسلمین، و بنیت الکوفة سنة سبع عشرة للهجرة، کما مر بنا سابقا، و استمرت هذه المدینة ولایة مهمة من ولایات الدولة الاسلامیة حتی سنة 36 ه، ففی هذه السنة قدم الیها الامام علی بن ابی طالب (ع) بعد فراغه من موقعة الجمل، و اقام فیها، واضحت الکوفة عاصمة للخلافة الاسلامیة مدة اربع سنوات.
و فی الحادی و العشرین من رمضان سنة 40 ه 661 م توفی الامام علی (ع) متأثرا من جرحه أثر الضربة التی اصابه بها احد الخوارج و هو عبد الرحمن بن ملجم المرادی، و قام بدفنه اولاده و اعضاء اسرته المقربون سرا فی النجف، و طوال الحکم الاموی لم یشید لمدفنه الشریف ضریح، و انما کان التقاء و زیارة العاویین لقبره هو الذی شخص مدفنه حتی زال الحکم الاموی.
و نتیجة للاخبار التاریخیة تعتبر عمارة هرون الرشید العباسی اول عمارة للقبر الشریف، و بدایة الدفن فی منطقة النجف، و نزول الناس ذلک المکان تبرکا بالراقد الکریم.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 94
و عقبت عمارة الرشید، عمارة محمد بن زید بن محمد بن الحسن العلوی الحسنی، صاحب طبرستان و الدیلم الذی ولی الامرة بعد وفاة اخیه الحسن بن زید سنة 270 ه. فقد بنی علی قبره الشریف قبة.
و ممن اشتهر أنه عنی فی بناء قبة علی القبر الشریف و جعلها مرتفعة الارکان من کل جانب لها ابواب و سترها بفاخر الستور و فرشها بثمین الحصر السامان، ابو الهیجاء عبد اللّه ابن حمدان بن حمدون التغلبی المقتول سنة 317 ه 929 م
و لعل اجل العمارات و اهمها تلک التی قام بها الملک البویهی عضد الدولة، و انه صرف اموالا طائلة و عمر المشهد عمارة جلیلة ، و التی ظلت حتی سنة ثلاث و خمسین و سبعمائة و کان قد ستر الحیطان بخشب الساج المنقوش، فاحترقت تلک العمارة، و جددت عمارة المشهد علی ما هی الآن .
و تمصرت النجف و اتسع نطاقها بعد ذلک و حین زارها الرحالة ابن بطوطة فی سنة 727 ه 1326 م قال عنها: انها مدینة حسنة فی ارض فسیحة صلبة من احسن مدن العراق و اکثرها ناسا و اتقنها بناء، و لها اسواق حسنة نظیفة . و مما جاء فی وصفه للروضة الطاهرة قوله:
«و یدخل من باب الحضرة الی مدرسة عظیمة یسکنها الطلبة و الصوفیة من الشیعة و لکل وارد علیها ضیافة ثلاثة ایام من الخبز و اللحم و التمر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 95
مرتین فی الیوم، و من تلک المدرسة یدخل الی باب القبة و علی بابها الحجاب و النقباء و الطواشیة فعندما یصل الزائر یقوم الیه احدهم او جمیعهم و ذلک علی قدر الزائر، فیقفون معه علی العتبة و یستأذنون له و یقولون: عن امرکم یا امیر المؤمنین، هذا العبد الضعیف یستأذن علی دخوله للروضة العلیة فان اذنتم و إلا رجع و ان لم یکن اهلا لذلک، فأنتم اهل المکارم و الستر ثم یأمرونه بتقبیل العتبة و هی من الفضة و کذلک العضادتان ثم یدخل القبة و هی مفروشة بانواع البسط من الحریر و سواه و بها قنادیل الذهب و الفضة منها الکبار و الصغار و فی وسط القبة مسطبة مربعة مکسوة بالخشب علیه صفائح الذهب المنقوشة المحکمة العمل مسمرة بمسامیر الفضة قد غلبت علی الخشب بحیث لا یظهر منه شی‌ء و ارتفاعها دون القامة».
و مما جاء فی وصف ابن بطوطة لأهلها قوله: «و لیس بهذه المدینة مغرم و لا مکاس و لا وال و انما یحکم علیهم نقیب الاشراف و اهلها تجار یسافرون فی الاقطار و هم اهل شجاعة و کرم و لا یضام جارهم، صحبتهم فی الاسفار فحمدت صحبتهم» .
و الروضة المقدسة التی فی وسطها القبر الشریف، مربعة الشکل، طول ضلعها ثلاثة عشر مترا و ارضیتها مفروشة بالرخام الإیطالی المصقول و الجدران الی علو حوالی المترین، مغطاة بالرخام ذی اللون البدیع، و ما یعلو تلک الصخور فقد کسیت الجدران جمیعا بالمرائی الملونة و الزخارف الهندسیة البدیعة و بالفسیفساء ذات الاشکال الجمیلة، و من الجدیر بالذکر ان شاه ایران الحالی محمد رضا بهلوی، هو الذی امر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 96
بوضع المرایا و تزجیج الروضة الحیدریة علی نفقته الخاصة، و قد بلغت کلفتها 000، 12 دینار، و الذی قام برسم و تنظیم هذه المرایا الفنان الایرانی «حسین کیانفر» بمعماریة الحاج سعید المعمار .
و فی وسط الحضرة القبر الشریف الذی ضم البدن الطاهر و قد وضع علیه صندوق من الخشب الساج المرصع بالعاج المنقوش علیه بعض الآیات القرآنیة، محاط بشباکین، الاول مما یلی الصندوق الخشبی من الحدید الفولاذ و الثانی من الفضة و قد کتبت فی اعلاه ابیات من قصیدة ابن ابی الحدید، التی یقول فی اولها:
یا رسم لا رسمتک ریح زعزع‌و سرت بلیل فی عراصک خروع
و ابیات من قصیدة السید الحمیری و التی مطلعها:
لأم عمرو باللوی مربع‌طامسة اعلامه بلقع
و تعلو القبر الشریف قبة جمیلة واسعة مرتفعة من قاعدة الروضة المقدسة الی 35 مترا و محیط قاعدتها 50 مترا و قطرها حوالی 16 مترا، و للقبة 12 موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 97
شباکا، و هی مزینة بالقاشانی و ما تحت الشبابیک بحوالی المتر، زینت الجدران باشکال مختلفة من المرایا البدیعة.
و للروضة المطهرة ستة ابواب و الباب الاول یقع فی وسط الایوان الذهبی و قد نصب فی حدود سنة 1219 ه و هو من آثار الحاج محمد حسین خان الاصفهانی الصدر الاعظم، و قد استبدلت هذه الباب، بباب ذهبیة مطعمة بالمیناء و الاحجار الکریمة، متقنة الصنع، رائعة المنظر، قام بعملها و صیاغتها امهر الصاغة فی ایران، و فی اعلی الباب الرئیس کتابة نصها:
قال الرسول صلی اللّه علیه و سلم: (علی مع الحق و لن یفترقا حتی یردا علی الحوض).
و الباب الثانی و الثالث اللذان یدخل منهما الی الرواق الی الحرم المطهر فالذی یکون علی یمین الداخل الی الحرم نصب سنة 1283 ه فی زمن السلطان عبد العزیز، و کان الباذل لنفقته لطف علی خان الایرانی، و الباب الذی علی یسار الداخل الی المرقد الشریف نصب سنة 1287 ه ایام زیارة ناصر الدین
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 98
القاجاری، و فی سنة 1376 ه قلعا و ابدلا ببابین ذهبیین جمیلین رائعین، امتازا ببدیع الصنعة و الاتقان و کان الباذل لنفقتهما المحسن الحاج محمد تقی الاتفاق الطهرانی و بمسعی السید محمد کلانتر.
و فی اعلا الباب کتابات هذا نصها:
قال الرسول صلی اللّه علیه و سلم: انا مدینة العلم و علی بابها- الحق مع علی و علی مع الحق. علی حبه جنة. قسیم النار و الجنة. وصی المصطفی حقا، یا علی، امام الانس و الجنة.
و فی داخل الحرم بابان فضیان عند الرأس الشریف، احدهما من جهة الشمال نصب سنة 1316 ه و کانت الباذلة لنفقته بنت أمین الدولة زوجة علی شاه، و نصب الآخر سنة 1318 ه و کان الباذل لنفقته الحاج غلام علی منظر داخلی لأحد أروقة الحرم المزینة بالمرایا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 99
المسقطی، و نصب فی الرواق باب سادس محلی بالذهب سنة 1341 ه و موقعه قبال باب الصحن الشریف القبلی، بذلت مصروفاته والدة الحاج عبد الواحد الحاج سکر زعیم آل فتلة .
اما الصحن الشریف فیبلغ طول ضلعیه الشرقی و الغربی 84 م و طول ضلعه الشمالی 74 و الجنوبی 75 م و فی کل ضلع من ضلعیه الشمالی و الشرقی خمسة عشر إیوانا و فی کل من ضلعیه الغربی و الجنوبی اربعة عشر إیوانا و فی کل ایوان حجرة هی مقبرة احد المشاهیر و قد شیدت هذه الحجرات لتکون مأوی لطلاب العلم، اما الآن فقد اشغلت من قبل قراء القرآن الکریم علی المدفونین فی تلک الحجر.
و للصحن الشریف خمسة ابواب، الباب الکبیر و هو من جهة الشرق و یعتبر الباب الرئیسی للروضة الحیدریة، و هو قبالة سوق النجف المشهور بالسوق الکبیر، و الباب الثانی من جهة الشمال و یعرف بباب الطوسی نسبة إلی شیخ الطائفة ابی جعفر محمد الطوسی المتوفی سنة 460 ه، و هذا الباب یؤدی الی شارع الطوسی و فیه مسجد الطوسی الذی یضم قبر الشیخ الطوسی رحمه اللّه. و الباب الثالث المعروف بباب القبلة، و قد عرف بهذا الاسم لوقوعه باتجاه القبلة فی الجهة الجنوبیة من الصحن، و الباب الرابع یقع فی جهة الغرب، فتح فی ایام السلطان عبد العزیز العثمانی سنة 1279 ه و یعرف بالباب السلطانی ،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 100
و الباب الخامس و هو باب علی مقربة من الباب الکبیر.
و فی مشهد الامام علی (ع) دفن الکثیر من الشخصیات الاسلامیة البارزة من علماء و سلاطین و ملوک و وزراء، تبرکا بالمکان المقدس و تقربا من المرقد الشریف الطاهر، و من المشاهیر الذین دفنوا بالقرب من الضریح الشریف الامیر البویهی عضد الدولة المتوفی سنة 373 ه ، کما دفن الامیر شرف الدولة بن عضد الدولة المتوفی سنة 379 ه ه، و ممن دفن فی (المشهد) من ولاة البویهیین بمنطقة الجبل و همذان و الدینور و بروجرد و نهاوند و أسد آباد، بدر بن حسنویه و کان مشهورا بالشجاعة و السیاسة و العدل ، و هناک العدد الکبیر من الامراء و الوزراء البویهیین الذین دفنوا بالمشهد الطاهر.
و دفن فی المشهد الشریف، الشیخ حسن الکبیر الجلایری المتوفی سنة 757 ه و الأمیر قاسم، شقیق السلطان أویس المتوفی سنة 779 ه و دفن فی جوار والده الشیخ حسن الجلایری .
و دفن الشاه عباس الاول الصفوی فی الرواق تحت القبة المقدسة التی منها یدخل الداخل الی الحرم الشریف من جهة رجلی الامام علی (ع .
و نقل الی النجف الأشرف جثمان السلطان محمد القاجاری المتوفی سنة 1211 ه و دفن فی الرواق من جهة الشمال بالقرب من منبر الخاتم، و تعرف هذه الحجرة الیوم بحجرة السلاطین، کما نقل الی النجف جثمان الملک کیومرث میرزا الملقب بملک آراء ابن السلطان فتح علی القاجاری المتوفی سنة 1288 ه، کذلک نعش السلطان محمد حسن خان و نعش الملک حسین قلی خان و دفنوا فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 102
النجف الأشرف .
و دفن فی الإیوان الکبیر، الملاصق للرواق و فی حجر الصحن عدد کبیر من کبار العلماء المسلمین منهم: المولی احمد بن محمد المقدس الاردبیلی المتوفی سنة 990 ه و الشیخ احمد بن اسماعیل بن عبد النبی الجزائری المتوفی سنة 1151 ه و الشیخ محمد سلی بن الحاج محمد حسن الخونساری المتوفی سنة 1254 ه، و السید محمد مهدی بن السید مرتضی بحر العلوم المتوفی سنة 1212 ه و الشیخ مرتضی الانصاری، و السید اسد اللّه الاصفهانی او الرشتی و الملا کاظم الخراسانی المعروف (بالاخوند)، و السید محمد سعید الحبوبی ، و الشیخ فتح اللّه المعروف بشیخ الشریعة ، و المیرزا النائینی، و السید ابو الحسن الاصفهانی المتوفی سنة 1376 ه و مدفنه فی الحجرة الواقعة علی الجانب الایسر بالنسبة للداخل الی الصحن من الباب الکبییر. و فی الحجرة الاولی التی علی یسار الخارج من باب الطوسی یرقد عدد من العلماء الکبار امثال محمد باقر القمی المتوفی سنة 1334 ه، و فی الحجرة الواقعة ما بین مدخل الساباط و باب الصحن المؤدی الی سوق العمارة، یرقد الشیخ ضیاء الدین العراقی المتوفی سنة 1361 ه.
و من مشاهیر من دفن فی النجف شیخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن بن
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 104
علی بن الحسن الطوسی المتوفی سنة 460 ه و دفن فی داره بوصیة منه
اما عدد الملوک و الامراء و الراجات الذین دفنوا فی الرواق و الصحن الشریف و الغرف المحیطة بالصحن فانه کبیر جدا.
و فی المدینة عدد غیر قلیل من مقابر المشاهیر من الروحانیین و الوجهاء و کبار رجال الادب، کمقبرة الشیخ جعفر الکبیر، و مقبرة صاحب الجواهر، و مقبرة الشیخ خضر شلال، و مقبرة الحاج میرزا حسین الخلیلی، و مقبرة آل القزوینی، و آل بحر العلوم و مقبرة الماقمقانی، و مدفن الشیخ احمد کاشف الغطاء، و ال الشیخ راضی، و الشیخ عبد الکریم الجزائری
و تعتبر مقبرة النجف المعروفة (بوادی السلام) من اوسع المقابر فی العالم، و تأریخ هذه المقبرة قدیم قدم التعرف علی مرقد الامام علی بن ابی طالب (ع).
و تعتبر من أقدس و أطهر الأماکن لدفن المسلم فی نظر المسلمین عامة و الشیعة منهم بشکل خاص ، و تقع هذه المقبرة الواسعة فی شمال مدینة النجف، و تمتاز تربتها بانها رملیة ناعمة نقیة، و تحتها بحوالی 20- 25 سم طبقة صخریة متکونة من صخور رملیة قویة تسمح لحفر اللحود فیها بصورة عمودیة، و تمتاز ارض المقبرة بالجفاف التام باعتبارها جزءا من الهضبة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 105
الصحراویة الجافة، و لنقاوتها و جفافها، فهی تکون خالیة تماما من العفونة و من أی رائحة غیر طیبه- قال اسحق بن ابراهیم الموصلی یمدح الواثق العباسی و یذکر النجف و تربتها التی یصفها بالمسک او العنبر، فی قصیدته التی مطلعها:-
یا راکب العیس لا تعجل بنا وقف
و الذین هاج (وادی السلام)- مقبرة النجف الکبری، شاعریتهم کثیرون و قد یکون من الصعب الاحاطة باسمائهم سواء من المتقدمین او المتأخرین و من هؤلاء المتأخرین الشیخ علی الشرقی، و محمد علی الحومانی، و عبد المنعم الفرطوسی، و محمد الخلیلی، و حمید فرج اللّه و غیرهم .
و فی النجف الأشرف مساجد مشهورة کثیرة، ففی محلة العمارة خمسة و عشرون مسجدا و فی محلة الحویش واحد و عشرون مسجدا و فی محلة البراق أربعة عشر مسجدا و فی محلة المشراق ثمانیة عشر مسجدا و فی محلة الجدیدة ثمانیة مساجد .
و من المساجد المعروفة بقدسیتها، مسجد الحنانة، یقصده الناس للتبرک، و موقعه فی شمال مدینة النجف علی یسار الذاهب الی مدینة الکوفة، و بالقرب منه «الثویة» و هی مدفن لکثیر من خواص الامام علی (ع) .
و من أقدم الأروقة التی بنیت فی المشهد، رواق عمران بن شاهین، و عمران
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 106
هذا رأس الأمارة الشاهینیة بالبطیحة و مؤسسها، أصله من الجامدة «من اعمال واسط» مجهول النسب، سوادی المنشأ، ینتسب الی بنی سلیم، کان علیه دم و هرب الی البطائح فاحتمی بالآجام یتصید السمک و الطیر، و رافقه الصیادون و التف حولة اللصوص، فکثر جمعه و استفحل أمره، فأنشأ معاقل و تمکن، و عجزت عنه حکومة واسط، و استولی علی الجامدة و امتد سلطانه فی نواحی البطائح، فجهز له معز الدولة البویهی جیشا من بغداد سنة 338 ه فهزمه عمران ، و نشبت بینه و بین معز الدولة معارک انتهت بالصلح علی ان تکون امارة البطیحة لعمران بن شاهین، و استمر امیرا منیع الجانب مدة اربعین سنة، و توفی سنة 369 ه ، و قد بنی رواقا فی النجف الأشرف و کان هذا الرواق یقرب من الجهة الشمالیة لرواق الحرم العلوی .
و من الاماکن القدیمة فی النجف الأشرف «مسجد الشیخ الطوسی» و کان دارا لشیخ الطائفة أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی المتوفی سنة 460 ه و قد أوصی ان یدفن بها و ان تتخذ داره مسجدا بعده، و هو الیوم من اشهر مساجد النجف و تقام فیه الجماعة و یحضر فیه اهل العلم للدراسة و التدریس، و موقعه فی محلة المشراق، و کانت هذه المحلة تعرف قدیما بمحلة العلا من الجهة الشمالیة للصحن الشریف.
و تمتاز مدینة النجف بکثرة مدارسها العلمیة، و من اشهرها:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 107
1- مدرسة الصدر و تحتوی علی 30 غرفة و قد بناها محمد حسین خان الاصفهانی فی حدود سنة 1240 ه/ 1824 م، و تعتبر هذه المدرسة اقدم المدارس فی النجف الأشرف، و موقعها فی السوق الکبیر.
2- مدرسة المعتمد و تحتوی علی 20 غرفة، و قد بناها معتمد الدولة عباس قلی خان فی حدود سنة 1250 ه/ 1834 م، و موقعها فی محلة العمارة.
3- مدرسة المهدیة و تحتوی علی 22 غرفة، و قد بناها الشیخ مهدی بن الشیخ علی آل کاشف الغطاء فی حدود سنة 1291 ه/ 1874 م و موقعها فی محلة المشراق.
4- مدرسة القوام و تحتوی علی 26 غرفة، و قد بناها فتح علی خان الشیرازی فی حدود سنة 1300 ه 1882 م و موقعها فی محلة المشراق.
5- مدرسة السلیمیة و تحتوی علی 12 غرفة، و قد بناها سلیم خان الشیرازی فی حدود سنة 1250 ه/ 1834 م، و موقعها فی سوق محلة المشراق.
6- مدرسة الایروانی و تحتوی علی 19 غرفة، و قد بناها الحاج مهدی الایروانی سنة 1305 ه/ 1887 م، و موقعها فی محلة العمارة.
7- مدرسة الشربیانی و تحتوی علی 12 غرفة، و قد بناها الشیخ محمد الشربیانی سنة 1320 ه/ 1805 م، و موقعها فی محلة الحویش.
8- مدرسة القزوینی و تحتوی علی 30 غرفة، و قد بناها الحاج محمد آغا الامین القزوینی سنة 1324 ه/ 1906 م، و موقعها فی محلة العمارة.
9- مدرسة الهندی و تحتوی علی 20 غرفة و قد بناها ناصر علی خان اللاهوری سنة 1328 ه/ 1910 م و موقعها فی محلة المشراق.
10- مدرسة الخلیلی الکبری، و تحتوی علی 46 غرفة، و قد بناها الحاج میرزا حسین الخلیلی سنة 1316 ه/ 1898 م، و موقعها فی محلة العمارة بالشارع العام المعروف «بعقد السلام».
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 108
11- مدرسة الخلیلی الصغری، و تحتوی علی 40 غرفة، و قد بناها الحاج میرزا حسین الخلیلی سنة 1322 ه 1904 و موقعها فی محلة العمارة.
12- مدرسة الأخوند الکبری و تحتوی علی 40 غرفة و قد بناها الشیخ ملا محمد کاظم الخراسانی سنة 1321 ه/ 1903 م، و موقعها فی محلة الحویش بالشارع العام.
13- مدرسة الاخوند الوسطی، و تحتوی علی 33 غرفة، و قد بناها الشیخ ملا کاظم الخراسانی سنة 1326 ه/ 1908 م، و موقعها فی محلة البراق.
14- مدرسة الاخوند الصغری، و تحتوی علی 12 غرفة، و قد بناها الشیخ ملا محمد کاظم الخراسانی سنة 1328 ه/ 1910 م، و موقعها فی محلة البراق.
15- مدرسة السید کاظم، و تحتوی علی 80 غرفة، و قد بناها السید کاظم الیزدی سنة 1325 ه/ 1907 م.، و موقعها فی محلة الحویش.
16- مدرسة الشیرازی بجوار الصحن الشریف من جهة باب الطوسی، و فیها قبر المرحوم المجدد المیرزا حسن الشیرازی.
17- مدرسة البروجردی و تحتوی علی 64 غرفة، و قد بناها السید آغا حسین البروجردی سنة 1373 ه/ 1953 م، و موقعها بالقرب من الصحن الشریف.
18- مدرسة (جامعة النجف الدینیة) و تحتوی علی حوالی 200 غرفة، قام بالانفاق علیها الحاج محمد تقی الاتفاق الطهرانی، و اشرف علی عملیة البناء السید محمد کلانتر، و موقعها فی حی السعد و تعتبر هذه المدرسة من اضخم المدارس العلمیة فی النجف.
19- مدرسة عبد العزیز البغدادی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 109

کربلاء

من مدن العراق المقدسة، علی بعد 60 میلا الی الجنوب الغربی من بغداد، و تقع علی حافة الصحراء ، فی غربی الفرات فیما یحاذی قصر ابن هبیرة .
و من المرجح ان هذه المدینة کانت احدی القری العراقیة القدیمة التی یرتفع تاریخها الی العهد البابلی، و الاسم الذی تحمله یؤید ترجیحنا ذلک، و نحن نری ان کلمة (کربلاء) لا تعدو غیر معنی (قرب الإله)، فالکلمة متوارثة من البابلیة القدیمة، و احتمل البعض ان اسم کربلاء ربما کان ذا صلة باللغة الآرامیة، و الآستوریة کربلاتوKarbalatu و هو یعنی نوعا من غطاء الرأس، و یقول یاقوت الحموی: و نزل خالد بن الولید، عند فتحه الحیرة، کربلاء، فشکا الیه عبد اللّه بن و شیمة البصری، الذّبان فقال رجل من اشجع فی ذلک:-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 110 لقد حسبت فی کربلاء مطیتی‌و فی العین حتی عاد غثّا سمینها
إذا رحلت من منزل رجعت له‌لعمری و أیها اننی لأهینها
و یمنعها من ماء کل شریعةرفاق من الذبان زرق عیونها
کما اعتقد بعض الباحثین الافاضل ان کربلاء من کلمة (کور بابل) العربیة و هی عبارة عن مجموعة قری بابلیة قدیمة، منها «نینوی» التی وجدت منذ العصور الغابرة، و التی تمثل الیوم تلولا اثریة بالقرب من سدة الهندیة ثم «الغاضریة» و تعرف الیوم بارض الحسینیة و «کربلة» بتفخیم اللام و تقع الی شرقی کربلا و جنوبها، ثم «کربلاء» او «عقر بابل» و هی فی الشمال الغربی من الغاضریة، ثم «النواویس» و کانت هذه المنطقة مقبرة للنصاری قبل الفتح الاسلامی و مکانها الیوم من اراضی ناحیة الحسینیة قرب نینوی، ثم «الحیر» و یعرف «بالحائر» و هو الیوم موضع قبر الحسین علیه السلام، الی حدود روضته الشریفه او حدود الصحن.
و یاقوت الحموی اشار فی معجمه الی معنی کربلاء لعدة احتمالات منها:
قوله:- کربلاء بالمد و هو الموضع الذی قتل فیه الحسین بن علی «علیه السلام» فی طرف البریة عند الکوفة، فاما اشتقاقه، فالکربلة رخاوة فی القدمین، یقال جاء یمشی مکربلا، فیجوز، علی هذا ان تکون ارض هذا الموضع رخوة، فسمیت بذلک، و یقال، کربلت الحنطة، اذا هززتها و نقیتها، و ینشد فی صفة الحنطة:-
یحملن حمراء رسوبا للثقل‌قد غربلت و کربلت من القصل
فیجوز علی هذا ان تکون هذه الارض منقاة من الحصی و الدغل فسمیت
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 111
بذلک، و الکربل اسم نبت الحمّاض، و قال ابو وجرة، یصف عهون الهودج:
و تامر کربل و عمیم دفلی‌علیها و الندی سبط یمور
فیجوز ان یکون هذا الصنف من النبت بکثرة نبته هناک فسمی به
و یتفرع من الفرات نهر یعرف بنهر «العلقمی» و یمر بالقرب من مثوی سیدنا العباس (ع) و ینحدر الی نواحی الهندیة و یقترن بنهر الفرات فی شمال غربی الکفل .
و یبدو ان منطقة کربلاء لم تکن آهلة بالسکان کما کانت تفتقر الی العمران الکبیر، و من المرجح ان هذه المنطقة الغنیة بالمیاه و بتربتها الخصبة، کانت تنتشر فیها القری و القبائل التی استقرت فیها، او بالقرب منها، و بعد العاشر من محرم سنة 61 ه/ 680 م، أی بعد استشهاد الامام الحسین علیه السلام و دفنه فی مکانه الحالی، اخذ الناس یتوافدون علی زیارة القبر الشریف، کما أخذ الکثیر یستوطنون تلک التربة المقدسة أو یوصی بدفنه هناک، و علی الرغم من مقاومة و معارضة أفراد الحکام العباسیین مثل الرشید و المتوکل للعلویین، فان کربلاء تطورت و توسعت بمرور الزمن.
و فی سنة 236 ه/ 850 م، أمر المتوکل بهدم قبر الحسین بن علی بن ابی طالب علیه السلام، و هدم ما حوله من المنازل و الدور و امر بان یبذر و یسقی موضع قبره، و ان یمنع الناس من اتیانه ، و لما تولی ولده المنتصر سنة 247 ه/ 861 م، عدل عن سیاسة ابیه فی معاداة العلویین، و أمر الناس
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 112
بزیارة قبر علی و الحسین علیهما السلام، - و اهتم بعمارة المشهد سنة 283 ه/ 896 م محمد بن زید بن الحسن الملقب بالراعی الصغیر، و کان قد ملک طبرستان:
بعد اخیه الحسن الملقب بالراعی الکبیر مدة عشرین سنة ، فشید محمد بن زید للحائر المقدس قبة عالیة لها بابان و من حول القبة سقیفتین. ثم عمّر السور من حول الحائر و بنی المساکن، و اجزل بالعطاء علی سکان و مجاوری الروضة المقدسة، و قد بالغ محمد بن زید فی فخامة البناء و حسن الریازة و دقة الصنعة فی عمارة الحائر بما یتناسب و منزلة مشرفة .
و یبدو ان عضد الدولة البویهی قد بذل عنایة فائقة فی تشیید بناء علی قبر الحسین و اخذت الحیاة تدب الی هذه المدینة و تزهر ثقافیا و عمرانیا و اقتصادیا.
و فی العهد السلجوقی عنی بعض سلاطین السلاجقة بالمشهد الحسینی، ففی سنة 479 ه/ 1086 م، زار ملکشاه مدینة کربلاء و بترمیم سور و أم المشهد الحسینی، و العمارة القائمة الیوم علی القبر المطهر هی بالأصل تلک العمارة التی شیدها السلطان اویس الجلایری فی عام 767 ه/ 1365 م، فأتمها من بعده ولداه السلطان حسین و السلطان احمد فی سنة 786 ه/ 1384 م، کما شید البهو الامامی للروضة المعروف بایوان الذهب. اما الرواق المعروف الیوم برواق السید ابراهیم المجاب، فقد شیده عمران ابن شاهین، و فی الواجهة الامامیة للروضة رواق حبیب ابن مظاهر الأسدی، و هو أحد المجاهدین مع الامام الحسین علیه السلام فی موقعة الطف، و ضریحه مصنوع من الفضة.
و قد بذل الصفویون غایة العنایة فی اعمار المشهد الحسینی، ففی سنة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 113
914 ه/ 1508 م، فتح اسماعیل الصفوی بغداد ثم زار کربلاء فأمر بتذهیب حواشی الحسین و اهدی اثنی عشر قندیلا من الذهب، کما اهدی شبکة فضیة لتوضع علی القبر و ذلک سنة 932 ه/ 1525 م.
و امر السلطان مراد الرابع العثمانی ببناء القبة و جصص خارجها، و فی سنة 1227 ه/ 1812 م، أمر السلطان فتح علی القاجاری بتجدید بناء المشهد و تبدیل صفائح الذهب و اهدی شبکة من الفضة وضعت علی القبر الشریف.
کما امر سنة 1250 ه/ 1834 م، ببناء قبتی الامامین الحسین و العباس علیهما السلام، و کان یتولی الانفاق وکیله الصدر الاعظم ابراهیم خان الشیرازی.
و القبة الحسینیة شاهقة یبلغ ارتفاعها 27 مترا و هی مغشاة من اسفلها الی اعلاها منظر خارجی عام للروضة الحسینیة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 114
بالذهب الابریز، و یحوطها فی الاسفل 12 شباکا بین الواحد و الآخر متر واحد و 25 سم، من الداخل، و متر واحد و 30 سم من الخارج.
و فی سنة 1287 ه/ 1870 م، زار المشهد الحسینی الشریف، السلطان ناصر الدین شاه و امر بتجدید المشهد و تبدیل صفائح الذهب و تذهیب القبة الحسینیة، کما استملک دورا اضافها الی الصحن من الجهة الغربیة.
و یمتاز المشهد الحسینی الطاهر، بسعة صحنه، و کثرة اوانیه الجمیلة المزخرفة و المنقوشة نقشا بدیعا، و یبلغ طول الصحن 95 مترا فی عرض 75 مترا و له عشرة ابواب و قد عرفت باب القبلة من صحن الروضة الحسینیة
هذه الابواب باسماء تزهو بالوان جمیلة جذابة. مختلفة، و هی: باب القبلة، و باب العلامة الشیرازی، و باب قاضی الحاجات، و باب علی الاکبر، و باب الکرامة، و باب الناصری، و باب السلطان، و باب- احدی منارتی الضریح الحسینی و تتجلی فیها الریازة الاسلامیة بأبدع فنونها
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 116
الزینبیة، و باب رأس الحسین، و لکل باب طاق معقود بالفسیفساء البدیع الصنع، الذی یزهو بالوان جمیلة جذابة
و یحیط بالمشهد المطهر 65 ایوانا فی کل واحد حجرة، قد غشیت جدرانها من الداخل و الخارج بالفسیفساء، و قد اعدت هذه الحجر لیتلقی بها طلاب العلم دروسهم، کما اعد البعض الآخر مقابر للملوک و الامراء و السلاطین و کبار رجال الدین و اشراف الناس.
و یتوسط بلاط المشهد الطاهر بناء الروضة الحسینیة الشریفة، و للروضة عدة ابواب من اشهرها: باب القبلة و یعرف بباب الذهب ذلک لان احجار ایوانها مغشاة بالذهب و الفضة الناصعة، عملت باتقان بالغ و مهارة فائقة.
و الداخل من باب ایوان الذهب- باب القبلة- ینتهی به المطاف الی رواق یحیط بالحرم المطهر من الشرق و الجنوب و یجد عن یمینه قبر الشهید حبیب بن مظاهر الاسدی، الذی وقف الی جانب الامام الحسین فی وقعة الطف و نال الشهادة من اجل المثل العلیا السامیة.
و کانت تزین المشهد الحسین [مأذنة العبد] و هی التی أمر ببنائها أمین الدین مرجان سنة 767 ه/ 1365 م و بنی خلفها من الجانب الشرقی مسجدا و اوقف علی المسجد و المئذنة اوقافا کثیرة، و فی سنة 982 ه/ 1574 م أمر طهماسب بتعمیر المئذنة، و فی سنة 1354 ه/ 1935 م، أمر یاسین الهاشمی رئیس الوزارة العراقیة آنذاک بهدم المئذنة و ذلک بسبب تقریر رفعته دائرة الاوقاف بخطر بقاء هذه المئذنة نظرا لاعوجاجها
و خزانة الروضة الحسینیة التی تحوی الذخائر الثمینة من التحف و نوادر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 117
الهدایا من المجوهرات و اللالی‌ء من ملوک و امراء المسلمین، ان هذه الخزانة تقع فی الواجهة الشمالیة من الروضة الحسینیة، و الی غربی الخزانة تقوم مکتبة الروضة الحسینیة.
اما مرقد الامام العباس فکان یلقی من الرعایة و العنایة ما یلقاها مرقد الامام الحسین «علیه السلام».
و فی سنة 1032 ه/ 1622 م، امر الشاه طهماسب بتزیین قبة مرقد العباس (ع) بالکاشانی و بنی شباکا علی الصندوق و نظم الرواق و الصحن کما بنی البهو امام الباب الاول. و فی سنة 1155 ه/ 1742 م، اهدی نادر شاه الی الحرم الشریف تحفا نادرة. و فی سنة 1236 ه/ 1820 م، امر السلطان محمد شاه بن عباس میرزا بن فتح علی، بصنع شباک من الفضة لضریح الامام العباس (ع).
و یذکر المتتبعون انه من المرجح ان یکون المرحوم محمد حسین صدر الاعظم الاصفهانی هو الذی قام بتشیید بناء الروضة العباسیة الحالیة. و قد تبرع بالضریح الفضی محمد شاه بن عباس مرزا القاجاری.
و تشمل کربلاء الی جانب مدفن ابی عبد اللّه الحسین و مدفن اخیه العباس بن علی بن ابی طالب جمیع الشهداء الذین استشهدوا فی تلک الواقعة التأریخیة التی ستمر علیها (الموسوعة) فی القسم الخاص (بکربلاء) بالتفصیل.
و الشهداء الابرار الذین استشهدوا مع الامام الحسین فی موقعة الطف من اهل بیته و هم سبعة عشر و الحسین ابن علی بن ابی طالب الثامن عشر، منهم ، العباس و عبد اللّه و جعفر و عثمان بنو أمیر المؤمنین علیه و علیهم السلام، أمهم أم المؤمنین، و عبید اللّه و ابو بکر ابنا أمیر المؤمنین علیه السلام، أمهما لیلی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 118
بنت مسعود الثقفیة، و علی و عبد اللّه ابنا الحسین بن علی علیهما السلام، و محمد و عون ابنا عبد اللّه بن جعفر بن ابی طالب رضی اللّه عنهم أجمعین، و عبد اللّه و جعفر و عبد الرحمن بنو عقیل بن ابی طالب رضی اللّه عنهم، و محمد بن سعید الجانب الامامی من ضریح العباس بن علی بن ابی طالب بکربلاء
بن عقیل بن ابی طالب رحمة اللّه علیهم اجمعین، فهؤلاء سبعة عشر نفرا من بنی هاشم، رضوان اللّه علیهم اجمعین، أخوة الحسین علیه و علیهم السلام،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 119
و بنو أخیه و بنو عمیه جعفر و عقیل و هم کلهم مدفونون فیما یلی رجلی الحسین فی مشهده، حفر لهم بنو اسد حفیرة و قد وجدوهم جثثا فی العراء، و القوهم فیها جمیعا و سووا علیهم التراب إلا العباس بن علی علیهما السلام فانه دفن فی موضع قتله علی المسناة بطریق الغاضریة، و قبره ظاهر و لیس لقبور اخوته و اهله الذین سمیناهم أثر و انما یزورهم الزائر من عند قبر الحسین «علیه السلام»، و یومی‌ء الی الارض التی نحو رجلیه بالسلام علیهم و علی علی بن الحسین علیهما السلام و یقال انه اقربهم دفنا الی الحسین (ع) .
اما اصحاب الحسین علیه السلام الذین وقفوا الی جانبه فی معارکه ضد الامویین و استشهدوا فانهم دفنوا حوله، و من الصعب علی المحقق تعیین اجداثهم و لکن مما لا شک فیه، ان الحائر محیط بهم جمیعا
و حول الحضره المقدسة رواق جمیل، تزینه نقوش بدیعة من المرایا، و له سبعة ابواب تؤدی الی الصحن، باب حبیب بن مظاهر، و باب القبلة، و باب صاحب الزمان، و باب علی الأکبر و باب الکرامة و باب سید ابراهیم المجاب، و باب رأس الحسین، و الرواق هذا له ثمانیة ابواب تؤدی الی الحضرة المطهرة:
باب القبلة و باب علی الأکبر و بابان یعرفان ببابی الکرامة، و باب الناصر (ناصر الدین شاه) و باب ابراهیم المجاب، و باب رأس الحسین، و باب حبیب ابن مظاهر، و فی هذا الرواق بعض المدافن لشخصیات کبیرة، امثال الأمیر محمد علی بن فتح علی شاه، و الحاج محمد حسین کاشانی، دفن فی هذا المکان الطاهر تقدیرا لما بذله من هدایا سخیة للعتبات المقدسة، و هناک صندوق الی یمین باب علی الأکبر ضمّ أجداث عدد من العلماء و المشاهیر قبالة باب الکرامة، مقبرة مرزا تقی خان الصدر الأعظم، و قبر عماد الدولة حفید فتح علی شاه، و مقبرة اخری تضم قبر مظفر الدین شاه بن ناصر الدین و محمد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 120
علی شاه القاجاری و احمد شاه القاجاری و الأمیر محمد حسن.
و هناک من الاخبار عن ابن عنبة ما تشیر الی ان أضرحة الحسین بن موسی بن محمد بن ابراهیم بن موسی الکاظم (ع) و ولدیه الشریف المرتضی و الشریف الرضی فی کربلاء و فی مشهد الامام الحسین علیه السلام، قال ابن عنبة :
- «و أعید الشریف ابو أحمد الی النقابة و توفی سنة اربع مائة ببغداد و قد أناف علی التسعین و دفن فی داره ثم نقل الی مشهد الحسین علیه السلام بکربلاء فدفن هناک قریبا من قبر الحسین علیه السلام و قبره معروف ظاهر».
و نقل جثمان الشاعر الشریف الرضی الی کربلاء و دفن عند قبر أبیه، قال ابن عنبة:- ولد سنة تسع و خمسین و ثلاثمائة و توفی یوم الاحد السادس منّ محرم سنة ست و اربعمائة، و دفن فی داره، ثم نقل الی مشهد الحسین (ع) بکربلاء فدفن عند ابیه و قبره ظاهر معروف .
و الشریف المرتضی هو الآخر نقل جثمانه الی مشهد الامام الحسین بکربلاء، ذکر ابن عنبة: «کانت ولادته سنة ثلاث و خمسین و ثلاثمائة، و توفی خامس عشر ربیع الاول سنة ست و ثلاثین و اربعمائة عن اربع و ثمانین سنة و دفن فی داره تم نقل الی کربلاء فدفن عند أبیه و أخیه، و قبورهم ظاهرة مشهورة » .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 121

الکاظمیة

یرتبط تاریخ المشهد الکاظمی، بتاریخ مدینة بغداد، و ان المنطقة المحیطة بذلک المکان، علی ما یذکره بعض المؤرخین کانت تکون جملة من البساتین العامرة، کما یذکر البعض منهم ان کسری أنو شیروان کان یمتلک بستانا فی جوار قریة بغداد، سماه بستان العدل . و لا ریب فان منطقة المشهد الکاظمی قریبة من دجلة و ان تربتها معروفة بالخصب، و لا زالت آثار البساتین تحف بها من معظم جهاتها.
و من الجدیر بالذکر أن تلک المنطقة کانت خارج بناء مدینة بغداد، و کانت تعرف قبل ان یطلق علیها اسم مقابر قریش، تعرف باسم مقابر الشوینزی الصغیر ، و کانت هناک مقبرة الی الجنوب منها تعرف باسم مقبرة الشوینزی الکبیر، و اشهر من دفن فیها السری السقطی و الجنید البغدادی .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 122
و یبدو ان أبا جعفر المنصور بعد انهائه بناء بغداد، اقتطع مقبرة الشوینزی المجاورة لمدینة بغداد من الشمال فجعلها مقبرة ، و اسماها مقبرة قریش، و ربما اختار لفظ قریش لیشیر الی مشارکة العلویین و العباسیین فی الدفن فیها ، و اول من دفن فیها ابن الخلیفة المنصور المدعو جعفر سنة (150 ه) 767 م.
و فی سنة 183 ه/ 799 م، دفن الامام موسی الکاظم فی مقابر قریش و فی سنة 220 ه/ 835 م، توفی الامام محمد الجواد (ع) و دفن مع جده الامام موسی الکاظم. موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 123
و الی الشمال الشرقی من مشهد الکاظمیین مقبرة تدعی باب التبن ، کما ان مدفن الامام الکاظم بعد ذلک اشتهر بمشهد باب التبن نسبة الی باب التبن الذی کان فی شرقیه مما یقرب من دجلة ، و باب التبن محلة کبیرة کانت ببغداد علی الخندق بازاء قطیعة ام جعفر، و بها قبر عبد اللّه بن احمد بن حنبل (رض) دفن هناک بوصیة منه، و یلصق هذا الموضع فی مقابر قریش التی فیها قبر موسی الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علی زین العابدین بن الامام الحسین بن علی ابن ابی طالب رضی اللّه عنهم و یعرف قبره بمشهد باب التبن.
و قد عرفت محلة باب التبن بالزهیریة و هی قطیعة زهیر بن محمد الأبیوردی، و زهیر رجل من الازد من عرب خراسان من أهل ابیورد و یتصل بباب التبن ربض أبی حنیفة أحد قواد المأمون و قریب من ذلک الربض، محلة الحریم الطاهری، التی تقع بالقرب من الخندق الطاهری، المنسوب الی طاهر ابن الحسین ، قائد جیش المأمون، کما تتصل بربض أبی حنیفة من جهة المغرب قطیعة تدعی «دار عمارة» منسوبة الی عمارة بن حمزة أحد موالی أبی جعفر المنصور، و کان المنصور قد اقطعها ایاه، و کان ربض عثمان بن نهیک یقع بین دار عمارة الغربیة و مقابر قریش و عثمان بن نهیک هذا من رجال حرس المنصور.
و یمکننا القول ان الناس أخذوا یسکنون حول ما عرف بمقابر قریش و صار الناس یقومون بزیارة قبری الامامین الکاظم و الجواد (ع)، و قد ازداد السکن کما بذلت عنایة فائقة فی بناء المشهد الکاظمی فی العهد البویهی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 124
الذی یبتدی‌ء من سنة 334 ه، 946 م، و اصبح المشهد الکاظمی علی مر العصور مزارا لطائفة الشیعة علی الأخص و لجمیع المسلمین بشکل عام، کما صار هذا المشهد مکانا یجتمع فیه المحبون و المؤیدون لآل علی (ع) فی مواسم الزیارات الخاصة و فی الاجتماعات التی تعقد فی العشرة الاولی من محرم.
و طبیعیا ان تکون المساکن المحیطة بالمشهد الکاظمی ینزلها علی العموم جماعة العلویین الذین صاروا یکونون النسبة العظمی لتلک المدینة التی أخذت فی النمو و الاتساع.
ذکر ابن الجوزی عند الکلام علی نقل الخلیفة القائم بأمر اللّه العباسی الی حدیثة عانة قوله:- و عبر قریش لیلة الاربعاء التاسع من ذی الحجة الی الجانب الغربی، و ضرب خیمة بقرب جامع المنصور و حمل الخلیفة الی المشهد بمقابر قریش و قال له: تبیت اللیلة فیها، فامتنع، و قال:- هؤلاء العلویون الذین بها یعادوننی، فالزم الدخول و بات لیلة فی احدی الترب . و هذا النص ان دل انما یدل علی کثرة عدد العلویین فی هذه المنطقة و قوة نفوذهم.
و قد تعرض المشهد الکاظمی لفیضانات دجلة فی عصور مختلفة ففی سنة 466 ه/ 1073 م غرقت مقابر قریش ، کما تعرضت المدینة الی غرق سنة 569 ه الذی سبب هدم اکثر سور المشهد ، و کان فیضان سنة 614 ه/ 1213 م مریعا، فقد أغرق کثیرا من الاماکن فی الجانب الشرقی من بغداد و کان أثره بالغا من الجانب الغربی، فتهدم اکثر القریة و نهر عیسی و الشطیات و غرقت البساتین و مشهد باب التبن و مقبرة احمد بن حنبل و الحریم الطاهری
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 125
و بعض باب البصرة و الدور التی علی نهر عیسی و اکثر محلة قطفتا ، کما تعرضت المدینة و المشهد لفیضان دجلة فی سنة 646 ه/ 1248 م، حیث سبب وقع قطعة من سور المشهد الکاظمی علی ساکنه السلام ، و سنة 654 ه/ 1256 م حیث أحاط الماء ببغداد و غرق الجانبین، و هدم دورا کثیرة بالحریم و المشهد .
کما تعرضت المدینة لموجات الأوبئة التی کانت تصیب العراق او بغداد بشکل عام. موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 126
و المشهد الکاظمی القائم الیوم من انشاء اسماعیل الصفوی کما تدل الکتابة القائمة حول المشهد و یدل تاریخ انتهاء البناء سنة 926 ه/ 1516 م، و قد اعتنی الصفویون بشکل خاص فی بناء هذا المشهد بما یلیق و الامام الکاظم (ع)، فظهر البناء جمیلا و رائعا، کما حاول العثمانیون بذل العنایة بهذا المشهد الکریم، فقد أمر السلطان سلیم العثمانی بناء منارة جدیدة اضافة للمنائر الاربعة التی شیدها الصفویون بأمر السلطان اسماعیل الصفوی، کما ربطت مدینة الکاظمیة بمدینة بغداد عن طریق انشاء جسر خشبی عائم بین، الکاظمیة و الاعظمیة علی عهد المشیر هدایت باشا حوالی سنة 1302 ه، قائد الفیلق العسکری السادس فی بغداد .
و کان مدحت باشا قد ربط المدینة بالجانب الغربی من بغداد عن طریق انشاء تراموای کاظمیة- بغداد، هذا مع العلم ان مدة حکم مدحت باشا لبغداد کانت بین 1869- 1872 م (1286- 1289 ه).
و المشهد الکاظمی الیوم من الاماکن المقدسة التی یؤمها المسلمون من جمیع انحاء الدنیا، و یمتاز صحن المسجد بالسعة و له عشرة ابواب و طول الصحن (370 مترا) (و عرضه 350 مترا)، و یبلغ طول البناء المخصص للمشهد 230 مترا و عرضه 150 مترا، و للمشهد الکریم أروقة تحیط به من جهاته الاربع و یبلغ عرض الرواق خمسة أمتار.
کان سور الصحن اصغر من السور الحالی بکثیر کما انه لم یکن مزخرفا، الا ان فرهاد مرزا عمد الی هدمه و تجدید بنائه علی الشکل الحالی، کما اشتری بعض الدور عند باب قریش و هدمها و ادخلها ضمن السور کما وسعه من جهة باب المراد.
و السور مکون من اواوین مزخرفة بالکاشانی و فی وسط کل ایوان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 127
کلمة کتبت بالکاشی ایضا مثل (یا کافی المهمات) (یا ولی الحسنات) و غیرها من العبارات و کلمات ادعیة مختلفة.
و هناک غرف خاصة داخل کل ایوان، و قد بنیت غرف علی کل باب من ابواب القبلة، و المراد، و باب قریش، و قد استعملت هذه الاواوین و الغرف للدرس و التحصیل او للخزن او السکن او لدفن الموتی فیها.
و علی یمین الداخل من باب المراد یقوم مرقد (فرهاد میرزا)، و الغرفة التی علی الیسار تحوی جثمان ولده.
ان الصحن یحیط بالحضرة من ثلاث جهات، هی الجهة المقابلة لباب المراد، و الجهة المقابلة لباب القبلة، و الجهة المقابلة لباب قریش.
اما باب المراد التی علی الرواق فقد امر بتذهیبه السلطان ناصر الدین القاجاری، و الی یمین هذا الباب ایوان تتخلله کتابة نسخیة جمیلة و کتابة کوفیة مشجرة بدیعة.
و باب القبلة امر بتذهیبه محمد شاه القاجاری و القبتین مع المنائر، و علی هذا الباب کتابات جمیلة، و یوجد سطران کتبا بالمرآة علی جهتی الباب حول الذهب بقلم کوفی نفیس.
کما ان الایوانین الصغیرین الکائنین علی جهتی باب الذهب یحتویان علی کتابات کوفیة من الکاشی بشکل المستقیمات لا تختلف عن الزخرفة و هما متشابهان.
ان السطرین اللذین کتبا بالمرایا یحتویان علی الآیة الکریمة:
(اعوذ باللّه من الشیطان الرجیم، إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)، و علی الجهة الثانیة نفس الآیة.
اما باب قریش فقد عمّر رواقه السلطان محمد رشاد خان و لیست هناک کتابات کوفیة. و تحیط الکتابات النسخیة بمعظم الجدران. و یدخل الی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 128
ریارة ضریح الامام موسی بن جعفر و محمد الجواد علیهما السلام من 6 ابواب و القبر داخل ملبن من الفضة جمیل الصنع، و صندوق القبر من الخشب المطعم بزخارف الذهب و العاج، و فی حضرة الضریح زخارف بدیعة مختلفة من المرایا ذات الاشکال الجمیلة المتناسقة و التی یحار لها العقل و یعجز عن وصفها القلم.
و فی الجدار الملاصق لحضرة الامامین (ع) من جهة باب المراد یقوم ضریح الشیخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفید، کما دفن معه الشیخ محمد ابن الشیخ جعفر قلوب استاذ الشیخ المفید، و فی أعلی الشباک الذی علی قبر الشیخ المفید أبیات شعر:
لا صوّت الناعی بفقدک انه‌یوم علی آل الرسول عظیم
ان کنت قد غیبت فی جدث الثری‌فالعدل و التوحید فیه مقیم
و القائم المهدی یفرح کلماتلیت علیه من الدروس علوم
و یشاهد قبر الشیخ نصیر الدین الطوسی قرب ضریح الامامین (ع) فی الجدار الملاصق لجدار الحضرة فی الرواق الثانی من باب قریش، و قد کتبت فی أعلی الجدار کتابة بالخط النسخی:
«بسم اللّه الرحمن الرحیم إِنَّ أَوْلِیاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ، هذا مرقد سلطان الحکماء المحققین محمد بن محمد بن حسن الطوسی، عمر فی عهد السلطان بن السلطان ... الامجد معتمد الدولة».
و تذکر المصادر التاریخیة ان موسی بن ابراهیم الأصغر بن موسی الکاظم و الملقب بالمرتضی، و یعرف بابی سبحة لکثرة تسبیحه، قد توفی ببغداد و قبره بمقابر قریش مجاور لابیه و جده علیهم السلام، ذکره صاحب غایة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 129
الاختصار: «فحصت عن قبره، فدللت علیه و اذا موضعه حجیرة صغیرة ملک مبارک الجوهری الهندی ». کذلک علی ما یذکر صاحب غایة الاختصار قبر والده ابراهیم المرتضی بن الامام موسی الکاظم «بمقابر قریش عند أبیه علیه السلام فی تربة مفردة معرفة »، و یجوز البعض ان یکون القبر المنسوب حالیا فی الکاظمیة للشریف المرتضی، هو بالذات قبر موسی ابن ابراهیم بن موسی الکاظم علیه السلام، اذا صحت روایة ابن عنبة التی تقول ان السیدین الجلیلین الشریفین المرتضی و الرضی، قد توفیا ببغداد (و نقلا الی مشهد الامام الحسین (ع) و ممن دفن فی مقبرة الامام موسی بن جعفر «ابن المرتضی» ابو الحسن علی بن المرتضی بن علی العلوی الحسنی المعروف بالأمیر السید ، و کان فقیها حنفیا، و ولی التدریس بجامع السلطان ، و توفی ابن المرتضی فی لیلة الجمعة لثانی عشرة خلت من رجب سنة ثمان و ثمانین و خمسمائة و دفن من الغد بمقابر قریش .
و من أهم التجدیدات التی طرأت علی المشهد الکاظمی فی الوقت الحاضر تبلیط الصحن الشریف بالبلاط (المرمر) و وضع ثلاثة أبواب للحرم الشریف من الذهب و المطعّمّة بالاحجار الکریمة، و تتحلی بزخارف بدیعة و قد نصبت هذه الابواب فی اواخر سنة 1964.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 130

مشهد الرضا

من اشهر مدن ایران الکبیرة، و اهمیتها الکبیرة تعود الی قدسیتها، بوجود مشهد الامام علی الرضا (ع) فیها.
و مدینة مشهد هی وارثة مدینة طوس القدیمة، و قد یخلط بعض الباحثین بین مدینة طوس و مدینة مشهد الامام علی الرضا (ع) فی حین ان اطلال مدینة طوس القدیمة تبعد زهاء 12 میلا من (مشهد) الحالیة.
و مدینة مشهد الرضا الیوم هی عاصمة المقاطعة الایرانیة خراسان و من الأماکن المقدسة عند الشیعة الامامیة و هذه المدینة ترتفع عن مستوی سطح البحر بمقدار (3000) قدم، و علی خط طول 59 35 شرقی غرینتش و علی خط عرض 16 17 شمالا.
و یمر بمدینة طوس نهر کشف رود الذی یأتی الی المدینة من بعد (12 میلا) من جهتها الشمالیة الغربیة و المعروفة باطلال طوس فی البحیرة الصغیرة جشمه جیلاس، و یتصل ب (حره) «اوهاری رود» حوالی 100 میل جنوب شرقی مشهد علی الحدود الروسیة الایرانیة و تقع مشهد علی مقربة 4
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 131
أمیال جنوب نهر کشف رود و ترتفع التلال التی تمتد علی طول الوادی 8000- 9000 قدم من مشهد.
و لقربها من الجبال و ارتفاعها فان مناخ مدینة مشهد یکون قارسا جدا فی الشتاء، و فی الصیف علی الاغلب حار حرارة المنطقة الاستوائیة کما انها تعتبر مدینة صحیة.
و تتکون طوس من مدینتین هما:- الطابران، و هی کبیرة و علیها حصن ، و نوقان، و هی علی ما یبدو أصغر من الطابران، و ان اهلها اشتهروا بنحت القدور البرام ، کما انهم جیاد، الا ان ماءهم قلیل .
فتح المسلمون مدینة طوس سنة احدی و ثلاثین للهجرة، بقیادة عبد اللّه ابن عامر ، و یذکر البلاذری: و أتی کنازنک مرزبان طوس، ابن عامر فصالحه عن طوس علی ستمائة ألف درهم . موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 132
و علی مقربة من طوس کانت تقوم قریة سناباذ، و فیها دفن الرشید الخلیفة العباسی الذی توفی سنة 163 ه/ 809 م، و فی سنة 202 ه/ 817 م توفی الامام علی الرضا و دفن الی جنب قبر الرشید.
و قد هاجم المغول مدینة طوس سنة 617 ه/ 1220 م و خربوها، و ظل قبر الامام علی الرضا موضع عنایة المسلمین، و صاروا یبنون بیوتهم و شیدوا اسواقهم حول المشهد الرضوی، و ظلت آثار مدینة طوس القدیمة علی بعد 12 میلا من ناحیة الشمال، و قد زار ابن بطوطه الرحالة مشهد الرضا و وصفه و قال:- مدینة کبیرة ضخمة عامرة الاسواق و حولها جبال، و المشهد الکریم قبة عظیمة، و تجاوره مدرسة، و هذه الابنیة قد زوقت جدرانها بالقاشانی و علی قبر الامام دکانة خشب، ملبسة بصفائح الفضة و علی بابها ستر حریر مذهب و هی مبسوطة بانواع البسط .
من بقایا خرائب مدینة طوس التأریخیة
تذکر بعض المراجع، ان طوس سمیت بهذا الاسم نسبة لبانیها طوس ابن نوزر امیر الجیش القاری فی عهد امبراطور الفرس کیخسرو، و کانت قبل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 133
الاسلام ولایة یحکمها مرزبان و فی المدینة بیت للنار المقدسة عند الفرس القدماء .
یعتبر مشهد الامام الرضا (ع) من أهم الاماکن المقدسة فی ایران و له مکانة کبیرة فی نفوس المسلمین عامة و الشیعة بشکل خاص، و کان المأمون قد شید علی قبر هرون الرشید قبة عرفت بالقبة الهارونیة، ثم دفن فیها الامام الرضا (ع) و هدم هذه القبة سبکتکین، والد محمود الغزنوی، و کان قد ملک مدینة غزنة سنة 366 ه، و کان فی الأصل من غلمان ابن اسحق بن البتکین ، و عمّرها بعد ذلک سوری بن معتز بن مسعود بأمر السلطان محمود بن سبکتکین ثم تهدمت بغزوات قامت بها بعض القبائل الترکیة، ثم عمّرها شرف الدین أثر من الحیطان المتبقیة من مدینة طوس
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 134
وجیه الملک ابو طاهر القمی فی عهد سنجر السلجوقی، ثم تهدمت مرة اخری اثر الغارات التی قام بها جنکیز خان، و عمّرت فی عهد خدا بنده، ثم عمرها الصفویون، و کان طهماسب قد کسا القبة بالذهب و کذلک المنارة فی أعلی الحرم و بقیت حتی سنة (1912 م) فخرب جزء منها بهجوم الروس ثم اتم ترمیمها الوالی نیّر الدولة سنة 1913 م.
لقد زین الحرم الشریف بالفسیفساء و علقت فیه نفائس القنادیل و المصابیح.
و یتکون المشهد الرضوی من صحنین: الصحن القدیم و الصحن الجدید، و الصحن القدیم یقع الی الجهة الخلفیة من موضع الرأس، طوله 86 ذراعا و عرضه 60 ذراعا، و قد عمر نصف الصحن الشمالی الشاه عباس الصفوی، اما النصف الجنوبی فمن اعمال الامیر شیر علی، و قد زین الصحن بالقاشانی الملون الشاه عباس الثانی الصفوی، و یتصل الصحن بالحرم الشریف بایوان یعرف بالایوان العباسی، نسبة للشاه عباس الصفوی، و کان الشاه نادر شاه قد کسا واجهته بالذهب و شید المنارة التی علی الایوان، و فی وسط الصحن قبة ذهبیة و فی داخلها حوض مسدس الشکل من الرخام کان قد اعد لشرب الماء، و کان نادر شاه قد أمر ببناء القبة و الحوض، و یحمل الماء الی الحوض من مکان خارج المدینة یعرف بحوض بابا قدرت .
اما الصحن الجدید فیقع عند وجهة اقدام المرقد بناه الشاه علی القاجاری، و طول الصحن 72 ذراعا و عرضه 49 ذراعا، و فیه ایوان یتصل بالحرم الشریف ذهبّه عضد الملک، متولی الحرم بأمر الملک ناصر الدین شاه القاجاری.
و یبدو ان تزیین الحرم کان فی المائة السادسة و السابعة فقد ظهرت علی جدران الحرم الشریف تواریخ مؤرخه کذا (و خمسمائة للهجرة) فی ربیع الآخر سنة اثنتی عشرة و ستمائة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 135
و توجد کتابة علی محیط القبة نفسها: «من میامن منن اللّه سبحانه الذی زین السماء بزینة الکواکب و رصع هذه القباب العلی بدرر الدراری الثواقب، أن استسعد السلطان الاعدل الاعظم و الخاقان الافخم الاکرم مشرف ملوک الارض حسبا و نسبا، و اکرم خلقا و ادبا، مروّج مذهب اجداده المعصومین، محی مراسیم آبائه الطیبین الطاهرین، السلطان بن السلطان شاه سلیمان الموسوی الصفوی بهادر خان بتذهیب هذه القبة العرشیة الملکوتیة و تزیینها و تشرف بتجدیدها و تحسینها، اذ تطرق الیها الانکسار و سقطت لبناتها الذهبیة التی کانت تشرق کالشمس فی رابعة النهار بسبب حدوث الزلزلة العظیمة فی هذه البلاد الطیبة الکریمة فی سنة اربع و ثمانین و الف و کان هذا التجدید فی سنة ست و ثمانین و الف، کتبه محمد رضا الامامی».
اما الکتابة علی القبة الصغیرة فنصها:- «بسم اللّه الرحمن الرحیم، من عظائم توفیقات اللّه سبحانه ان وفق السلطان الاعظم مولی ملوک العرب و العجم صاحب النسب الطاهر النبوی، و الحسب الباهر العلوی، تراب اقدام خدام هذه الروضة المنورة الملکوتیة مروّج آثار اجداده المعصومین السلطان بن السلطان ابو المظفر شاه عباس الموسوی الصفوی بهادر خان، فاستسعد بالمجی‌ء ماشیا علی قدمیه من دار السلطنة اصفهان الی زیارة هذا الحرم الشریف و قد شرف بزینة هذه القبة من خالص الصخرة التأریخیة لقبر الامام الرضا یرجع تأریخها الی یوم دفنه بمشهد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 136
ماله فی سنة الف و عشرة ثم فی سنة الف و ست عشرة.»
و یقوم بزیارة مشهد الامام الرضا عدد کبیر من المسلمین خاصة من طائفة الشیعة.
و هناک اصطلاح سائد فی الاوساط الشعبیة ان یطلق لفظ (زایر) علی کل فرد قام بزیارة المراقد المقدسة .
و من الجدیر بالذکر ان مشهد الامام الرضا یحتوی علی مکتبة تعتبر من اضخم المکتبات الاسلامیة لما تضم من نفائس الکتب المخطوطة و المطبوعة، و للمکتبة فهرس مطبوع.
الزوار العرب فی صحن الامام الرضا (بمشهد) یستمعون للوعظ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 137

سامراء

تقع سامراء علی الضفة الشرقیة لنهر دجلة، فی منتصف الطریق بین بغداد و تکریت و تعتبر هذه البقعة ضمن الاراضی المتموجة التی تکون جزءا من اقسام اراضی العراق.
و قد بدأ بتشیید سامراء الاسلامیة المعتصم العباسی سنة 221 ه/ 836 م و اخذت فی التوسع ایام ولده الواثق کما بلغت غایة ارتقائها العمرانی زمن المتوکل (232- 247 ه) 847- 861 م و شیدت المدینة بین قریة کرخ فیروز او کرخ یا جدّا فی شمالها و قریة مطیرة فی جنوبها.
و من الثابت تاریخیا الیوم ان سامراء کانت من قبل مرکزا لحضارة عراقیة موغلة فی القدم و قد یعود تاریخها الی العصر الهلینستی و خاصة العهد البارتی منه، و قد عثر فی منطقة وادی الثرثار فی حصیان (و ابو الطبول) علی کسر من الفخار یرجع تاریخها الی 100 قبل المیلاد .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 138
کما دلت التنقیبات التی اجراها الاستاذ الدکتور هرزفلد فی موسم (1930- 1931) ان الآثار التی عثر علیها فی طیات القبور یعود تاریخها الی العصور الحجریة المتأخرة و الحدیثة، و قد عرف الدهر الذی تعود الیه مقبرة سامراء بعصر (حلف) 5000- 4500 ق. م و هذا العصر الذی یلی العصر الحجری الحدیث و الذی تمتاز آثاره بزخرفة الاوانی المفخورة و برقی اشکالها و تعدد الوانها .
و تقوم مدیریة الآثار العامة العراقیة فی هذا الوقت بتنقیبات واسعة فی منطقة تل الصوان فی جنوب سامراء، و قد اعلمنی المختصون القائمون فی التنقیب ان المنطقة ستعطی معلومات قیمة لصفحات من تاریخ العراق القدیم یعود تاریخها الی حوالی 6000 سنة قبل المیلاد.
و یعتقد حمد اللّه المستوفی ان مدینة سامراء انشأها فی الاصل سابور الثانی ذو الاکتاف (309- 379 م)، کما ذکر بعض الباحثین ان اصل اسم سامراء فارسی، و قالوا فی اشتقاقه «سام- راه»، ساعی- أمرّا، و سا- مرّا و تعنی الکلمتان الاخیرتان موضعا علیه الخراج، و من الجدیر بالذکر ان کلمة سامراء کتبت- سرّ من رأی- علی السکة التی کان یضربها الحکام العباسیون.
اما سبب بناء هذه المدینة علی عهد المعتصم، فان الیعقوبی خیر من یوضح ذلک بقوله:- «کان سرمن رأی فی متقدم الایام صحراء من اراضی الطیرهان لا عمارة بها و کان بها دیر للنصاری بالموضع الذی صارت فیه دار السلطان المعروفة بدار العامة و صار الدیر بیت المال، فلما قدم المعتصم بغداد عند منصرفه من طرسوس فی السنة التی بویع له بالخلافة و هی سنة ثمانی عشرة و مائتین، نزل دار المأمون ثم بنی دارا فی الجانب الشرقی من بغداد و انتقل الیها و اقام بها سنة ثمانی عشرة، و تسع عشرة،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 139
و عشرین واحدی و عشرین و مائتین، و کان معه خلق من الاتراک و هم یومئذ عجم، أعلمنی جعفر الخشّکیّ قال: کان المعتصم یوجه بی فی ایام المأمون الی سمرقند الی نوح بن أسد فی شراء الاتراک، فکنت اقدم علیه فی کل سنة منهم بجماعة، فاجتمع له فی ایام المأمون منهم زهاء ثلاثة الآف غلام، فلما أفضت الیه الخلافة ألحّ فی طلبهم و اشتری من کان ببغداد من رقیق الناس، کان ممن أشتری ببغداد جماعة جملة منهم اشناس و کان مملوکا لنعیم بن خازم ابی هرون بن نعیم، و ایتاخ کان مملوکا لسّلام بن الأبرش و وصیف کان زرادا مملوکا لآل النعمان، و سیما الدمشقی و کان مملوکا لذی الرئآستین الفضل بن سهل و کان اولئک الأتراک العجم اذا رکبوا الدواب رکضوا فیصدمون الناس یمینا و شمالا فیثب علیهم الغوغاء فیقتلون بعضا و یضربون بعضا و تذهب دماؤهم هدرا لا یعدون علی من فعل ذلک، فثقل ذلک علی المعتصم و عزم علی الخروج من بغداد فخرج الی الشماسیة و هو الموضع الذی کان المأمون یخرج الیه فیقیم به الایام و الشهور، فعزم ان یبنی بالشماسیة خارج بغداد، مدینة فضاقت علیه ارض ذلک الموضع و کره ایضا قربها من بغداد، فمضی الی البردان بمشورة الفضل بن مروان، و هو یومئذ وزیر و ذلک فی سنة احدی و عشرین و مائتین، و أقام بالبردان ایاما و احضر المهندسین، ثم لم یرض الموضع فصار الی موضع یقال له باحمشا من الجانب الشرقی من دجلة، فقدر هناک مدینة علی دجلة و طلب موضعا یحفر فیه نهرا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 140
فلم یجده، فنفذ الی القریة المعروفة بالمطیرة، فاقام بها مدة، ثم صعد الی القاطول فقال: هذا اصلح المواضع، فصیّر النهر المعروف بالقاطول وسط المدینة و یکون البناء علی دجلة و علی القاطول، فابتدأ البناء و اقطع القواد و الکتاب و الناس فبنوا، الی ان یقول: ثم رکب متصیدا فمر فی مسیره حتی صار الی موضع سرمن رأی و هی صحراء من ارض الطیرهان، لا عمارة بها و لا أنیس فیها إلا دیر النصاری فوقف بالدیر و کلم من فیه من الرهبان و قال:
ما اسم هذا الموضع؟ فقال له بعض الرهبان: نجد فی کتبنا المتقدمة ان هذا الموضع یسمی سرّ من رأی، الی ان یقول:- ثم عزم المعتصم علی ان ینزل بذلک الموضع فأحضر محمد بن عبد الملک الزیات و ابن ابی دؤاد و عمر بن فرج و احمد بن خالد المعروف بأبی الوزیر و قال مدینة سامراء العامة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 141
لهم: اشتروا من اصحاب هذا الدیر هذه الارض، و ادفعوا الیهم ثمنها اربعة آلاف دینار، ففعلوا ذلک، ثم احضر المهندسین فقال اختاروا أصلح هذه المواضع، فاختاروا عدة مواضع للقصور و صیّر الی کل رجل من اصحابه بناء قصر، فصیّر الی خاقان عرطوج ابن الفتح ابن خاقان بناء الجوسق الخاقانی و الی عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمرّی و الی ابی الوزیر بناء القصر المعروف بالوزیری، ثم خط القطائع للقواد و الکتاب و الناس و خط المسجد الجامع و اختط الاسواق حول المسجد الجامع .
و یبدو ان المعتصم اختار سامراء لمیزاتها المتعددة، ذلک ان موقعها الحسن الحیوی، فالمیاه التی تحیط بالمدینة تتکون بمثابة سور دفاعی لها، کما ان ارتفاع اراضی المدینة عن وادی النهر امر مهم، فان ذلک الارتفاع ادی الی وقایة المدینة من الفیضان، کما ان المدینة حسنة الهواء خصبة التربة، کما ان موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 142
موقعها اکثر صلاحیة للدفاع و المقاومة من بغداد من الناحیة العسکریة.
لقد شید المعتصم قصره المعروف بالجوسق و شید هرون الواثق قصره المعروف بالهارونی نسبة الیه، اما المتوکل فقد اقام اول الامر فی الهارونی، ثم شید عدة قصور، و یذکر المؤرخون انه وسع و شید اربعة و عشرین قصرا من اشهرها قصر بلکواری، و العروس و المختار، و الوحید، و کان یخطط قبل موته بتسعة اشهر مدینة جدیدة الی الشمال فیما بین کرخ فیروز و الدور، و کانت هذه المدینة تسمی بالجعفریة نسبة الیه، و کان المعتمد آخر حاکم عباسی اقام فی سامراء و قد شید قصره المعروف «المعشوق» علی الضفة الغربیة من نهر دجلة و ذلک سنة 255 ه- 868 م.
و من اهم شوارع مدینة سامراء شارع الخلیج و شارع السریحة و فی شارع الخلیج قطائع المغاربة ، و شارع السریحة الذی عرف بالشارع الاعظم، و کان یمتد زمن المعتصم (19) کیلومترا و کان یمر بدار الشرطة و السجن ، و یؤدی الی الحی الذی سمی باسم الوزیر الحسن بن سهل، و فی الشارع الاعظم قطائع قواد خراسان منها قطیعة هاشم بن باینجور و قطیعة عجین بن عنبسة و قطیعة الحسن بن علی المأمون و قطیعة هرون بن نعیم و قطیعة حزام بن غالب .
و هناک شارع ابی احمد بن الرشید الذی یؤدی الی قریة الایتاخیة القائمة علی قناة الکسروی، و قد سمیت اول الامر بالایتاخیة نسبة الی احد زعماء الاتراک المدعو ایتاخ ثم اطلق علیها فیما بعد اسم المحمدیة، و ثمة شوارع اخری مثل شارع الحیر الاول و شارع برغمش الترکی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 143
و کانت سامراء تعرف بالعسکر ایضا، لان المعتصم لما بناها انتقل الیها بعسکره فقیل لها العسکر، و لهذا اطلق علی الامام ابی الحسن علی الهادی (ع) بالعسکری. لانه منسوب الی سامراء ، و کان الامام علی الهادی (ع) یسکن المدینة و لکن السعاة و شوابه عند المتوکل فاحضره من المدینة و أقره بسرمن‌رأی و اقام بها عشرین سنة و تسعة اشهر، و توفی بها یوم الاثنین لخمس بقین من جمادی الآخرة سنة اربع و خمسین و مائتین للهجرة و دفن فی داره.
و ورث الامامة ولده الحسن الذی عرف بالعسکری ایضا و توفی فی سامراء سنة ستین و مائتین للهجرة، و بها ولد المهدی الامام الثانی عشر المنتظر.
و منذ ان استوطن الامام العاشر علی الهادی (ع) مدینة سامراء اضحت هذه المدینة مرکزا مهما لمراکز الفقه و الاجتهاد و الفتیا، کما اصبحت بلا ریب مقصدا للشیعة الامامیة، و بعد وفاة الأئمة و دفنهم فیها اخذت شکل المدینة المقدسة الاخری التی ضمت رفات الأئمة الاثنی عشر، و انتقل الیها بعض علماء الشیعة الذین اصبحت لهم زوایا و مدارس، کما بذل المسلمون عنایة فائقة فی اقامة المشاهد الفخمة علی قبر الامامین علی الهادی و الحسن العسکری «علیهما السلام»، و من الجدیر بالذکر ان الخلیفة الناصر لدین اللّه العباسی احمد بن الحسن امر بصنع باب من خشب الساج- لارضاء الشیعة الامامیة- مزخرف بأجمل الزخارف الاسلامیة و علیه کتابة بدیعة تدل علی دقة عظیمة فی صنعة النجارة و دقة متناهیة فی الذوق الفنی و هذا نص الکتابة:-
«بسم اللّه الرحمن الرحیم قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی وَ مَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ.
هذا ما امر بعمله سیدنا و مولانا الامام المفرض الطاعة علی جمیع الانام
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 144
ابو العباس احمد الناصر لدین اللّه امیر المؤمنین و خلیفة رب العالمین الذی طبق البلاد احسانة و عدله، و غمر العباد بره و فضله، قرب اللّه اوامره الشریفة باستمرار النجح و الیسر، و ناطها بالتأیید و النصر، و جعل لایامه المخلدة جدا، لا یکبو جواده، و لآرائه الممجدة سعدا، لا یخبو زناده، فی عز تخضع له الاقدار فتطیعه عواصیها و ملک تخشع له الملوک فتملکه نواصیها بتولی المملوک معد بن الحسین الموسوی، الذی یرجو الحیاة فی ایامه المخلدة و یتمنی انفاق بقیة عمره فی الدعاء لدولته المؤیدة استجاب اللّه ادعیته و بلغه فی ایامه الشریفة أمنیته، ذلک فی ربیع الثانی من سنة ست و ستمائة هلالیة، و حسبنا اللّه و نعم الوکیل و صلی اللّه علی سیدنا خاتم النبیین و علی آله الطاهرین و عترته و سلم تسلیما»
الروضة العسکریة من الجانب الامامی بسامراء
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 145

مجمل سیر الائمة الاثنی عشر کتبه جواد شبر

اشارة

عضو جمعیة المنتدی و الاستاذ بمدرستها سابقا واحد خطباء الدرجة الأولی للمنابر الحسینیة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 147

سیر الائمة الاثنی عشر

بعض من الف الکتب فی الائمة الاثنی عشر

لیس هناک سیرة تناولها الکتاب و المؤرخون بمختلف نواحیها و صورها کسیرة النبی محمد صلی اللّه علیه و سلم و آله و الأئمة الاثنی عشر من بعده، فلقد الف العدد الکبیر من الکتب عن سیرة کل واحد، و تناولوا جوانب متعددة لشخصیته منذ القرون الهجریة الاولی حتی الیوم و لم یزالوا یعرضون لهذه السیر و یستخرجون منها اشیاء جدیدة بالنظر لاتساع دائرة تراجمهم و کونها معینا لا ینضب من الحکمة، و الفلسفة، و الادب، و الخلق الرفیع، و کان عدد الکتب و التراجم التی خص بها النبی فی کتب السیر و التراجم القدیمة و الحدیثة و خص بها الامام علی بن ابی طالب (ع) و خص بها ابو عبد اللّه الحسین (ع) و الامام الصادق (ع) تفوق الحصر، و لم یقتصر تألیف هذه الکتب علی المسلمین وحدهم و انما اسهم فیها عدد من غیر المسلمین، و من غیر العرب و لا سیما المسیحیین فی العصور المتقدمة و العصور المتأخرة، اما الذین خصوا فصولا مستقلة من کتبهم بالنبی او باحد الأئمة او اکثر الأئمة الاثنی عشر فهم اکثر و اکثر من غیرهم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 148
و اننا نورد هنا اهم هذه الکتب التی تناولت تراجم جمیع الأئمة الاثنی عشر او اغلبهم باقلام غیر شیعیة و نشیر الی اسماء مؤلفیها علی ما استخرجناه من کتب التراجم .
الارشاد- للمفید محمد بن محمد النعمان.
اعلام الوری- للطبرسی.
اعیان الشیعة- للسید محسن الامین العاملی.
کتاب الآل- لابن خالویه.
البحار- للمجلسی.
تأریخ الائمة الاثنی عشر- لشمس الدین محمد بن طولون.
موالید اهل البیت- لابن الخشاب.
تذکرة خواص الامة فی معرفة الأئمة- لسبط ابن الجوزی الحنفی.
حلیة الاولیاء- للحافظ ابی نعیم.
الخرائج و الجرائح- لقطب الدین سعید ابن هبة اللّه الراوندی.
الدلائل- لعبد اللّه بن جعفر الحمیری.
الذریة الطاهرة- لابی بشر محمد بن احمد الانصاری الدولابی.
صفوة الصفوة- للشیخ جمال الدین ابن الجوزی.
الفصول المهمة- لابن الصباغ المالکی.
کشف الغمّة- لعلی بن عیسی.
المجالس السنیة- للسید محسن الامین.
مطالب السؤول- لمحمد بن طلحة الشافعی.
معالم العترة النبویة- للحافظ الجنابذی البغدادی الحنبلی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 149
مقاتل الطالبیین- لابی الفرج الاصفهانی.
المناقب- لابن شهر آشوب.
المناقب- لابی بکر الخوارزمی.
المناقب- لابی المؤید.
اما الذین خصوا بعض الأئمة الاثنی عشر بتوالیفهم و تناولوا جوانب خاصة من حیاتهم فی کتب مستقلة فان عددهم کبیر جدا و لیس الی احصائهم من سبیل، کأبی الفرج الاصفهانی فی کتاب (الاغانی) و کتاب (مقاتل الطالبیین) و کإبن ابی الحدید فی شرح (نهج البلاغة) و غیرهما من مئات المتقدمین و من المتأخرین، کعباس محمود العقاد فی کتابه (عبقریة الامام) عن الامام علی و کتابه (ابو الشهداء) عن ابی عبد اللّه الحسین، و کالشیخ عبد اللّه العلایلی فی کتابه (سمو المعنی فی سمو الذات،) عن الامام الحسین، و کفؤاد افرام البستانی فی سلسلة (الروائع) عن نهج البلاغة، و کعبد الفتاح عبد المقصود فی کتابه (الامام علی) و کجورج جرداق فی کتابه (الامام علی) و کل هؤلاء و مئات غیرهم من غیر الشیعة ممن خصوا عددا من الأئمة الاثنی عشر بکتب خاصة بهم، هذا بالاضافة الی آلاف الکتب- و لیس فی هذا شی‌ء من المبالغة- من کتب التراجم، و الاعلام، و کتب الادب، و الفلسفة، و العلوم التی تطرقت و لم تزل تتطرق الی ذکر شی‌ء کثیر او قلیل من سیرة حیاة الأئمة الاثنی عشر، اذ لم تزل هذه السیر معینا لا ینضب من المثل العلیا فی حیاة الانسان الکامل .
و ستخص (موسوعة العتبات المقدسة) کل امام من الأئمة الاثنی عشر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 150
ببحث واسع و ترجمة مسهبة، و دراسة وافیة ستأتی فی الاجزاء الخاصة بکل (عتبة) من العتبات.
اما هذا العرض لسیرة الأئمة، هنا فلیس غیر مقدمة هدفنا منها الالمامة المجملة بسیرة الأئمة لتعقبها فیما بعد الاحاطة الواسعة ان شاء اللّه.
ج. خ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 151

النبی محمد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم

ولادته

ولد النبی صلی اللّه علیه و آله فی السابع من ربیع الاوّل و علیه اتفاق الشیعة الاثنی عشریة، کما ان المشهور عندهم انه ولد لاثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاول و الی هذا القول ذهب الشیخ محمد بن یعقوب الکلینی فی کتابه (اصول الکافی) و هناک من یری رأی الامامیة فی ان مولده الشریف کان فی السابع عشر من ربیع الاول بمکة المکرمة فی الدار المعروفة بدار محمد بن یوسف الثقفی.
و جاء فی کتاب السیرة النبویة کان یوم الجمعة و هو المشهور عند الشیعة و روی الطبری عن ابن اسحق انه کان یوم الاثنین عند طلوع الشمس و قبل الفجر، و قیل عند الزوال، و اتفق الرواة ان مولده کان فی عام الفیل بعد خمسة و خمسین یوما او خمسة و اربعین یوما او ثلاثین یوما من هلاک اصحاب الفیل 25 اغسطس سنة 570 میلادیة. و لاربعین سنة خلت من حکم کسری انوشروان خسرو بن قباد بن فیروز.
و امه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن هرة بن کلاب بن مرة بن کعب بن لوی بن غالب. ماتت و عمره ستة و ستون یوما و مات ابوه عبد اللّه فی شبابه و النبی حمل فی بطن امه، و قال الطبرسی فی (اعلام الوری) ان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 152
عبد اللّه مات و عمر النبی سنتان و اربعة اشهر. و قال الکلینی کان عمره یوم وفاة ابیه شهرین.
عاش مع جده عبد المطلب ثمانی سنوات و بعد وفاة عبد المطلب کفله عمه ابو طالب شیخ البطحاء فکان یکرمه و یحمیه و ینصره بیده و لسانه طول حیاته، و تزوج بخدیجة بنت خویلد اولی زوجاته و عمره خمس و عشرون سنة و لم یتزوج غیرها حتی ماتت و بقی بعدها سنة بدون زوجة.

بعثته

و بعث بالنبوة فی السابع و العشرین من رجب و له من العمر اربعون سنة.
و توفی ابو طالب و عمر النبی ستة و اربعون سنة و ثمانیة اشهر و اربعة و عشرون یوما و قد عاش مع عمه هذا اثنین و اربعین سنة منها سبع عشرة فی بیته و لم یمکث بعد عمه فی مکة غیر ثلاث سنین. و جاء فی کتاب (الاصابة) لابن حجر ج 7 ص 113 ان النبی خرج عند وفاة عمه ابی طالب و اعترض النعش و قال برقة و حزن و کآبة:
«لقد وصلت رحما، و جزیت خیرا یا عم، فلقد ربیت و کفلت صغیرا، و نصرت و آزرت کبیرا».
و توفیت خدیجة و ابو طالب فی عام واحد فسمی رسول اللّه ذلک العام: بعام الحزن، و هاجر الی المدینة فی اول لیلة من ربیع الاول و دخلها فی الثانی عشر منه بعد ان مکث فی مکة المکرمة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة و بقی فی المدینة المنورة عشر سنین ثم توفی.

صفاته

جاء فی تاریخ ابن الاثیر: قال علی بن ابی طالب: کان رسول اللّه لیس بالطویل و لا بالقصیر، ضخم الرأس و اللحیة، شثن الکفین و القدمین، ضخم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 153
الکرادیس، مشربا وجهه حمرة، طویل المسربة، اذا مشی تکافأ تکفأ کأنما ینحط من صبب، لم ار قبله و لا بعده مثله، و کان ادعج العینین سبط الشعر، ذا وفرة کأن عنقه ابریق فضة، اذا التفت التفت جمیعا کأن العرق فی وجهه اللؤلؤ الرطب لطیب عرقه و ریحه، قال ابو عبیدة و غیره:
شئن الکفین و القدمین یعنی انهما الی الغلظ اقرب. و قوله ضخم الکرادیس یعنی الواح الاکتاف، و المسربة هی ما بین السرة و اللبة، و الصبب:
الانحدار، و الدعج فی العین: هو السوداء، و السبط من الشعر: ضد الجعد.
قال أنس «کان رسول اللّه اشجع الناس و اسمح الناس و احسن الناس، وقع فی المدینة فزع فرکب فرسا عریا فسبق الناس الیه فجعل یقول: ایها الناس لم تراعو لم تراعو. و قال علی بن ابی طالب: کنا اذا اشتد بنا الیأس اتقینا برسول اللّه، فکان اقربنا الی العدو. و کفی بهذا شجاعة، ان مثل علی الذی هو هو فی شجاعته یقول مثل هذا- انتهی). و جاء فی مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 158 بسنده عن علی قال: کنا اذا احمرّ الباس و لقی القوم القوم اتقینا برسول اللّه فما یکون منا احد ادنی من القوم منه.
و مما وصفه به احد الواصفین قال: من رآه بدیهة هابه، و من خالطه معرفة احبه، و کان کثیر الابتهال دائم السؤال من اللّه تعالی ان یزینه بمحاسن الآداب و مکارم الاخلاق، فکان یقول فی دعائه (اللهم حسن خلقی و خلقی، و یقول اللهم جنّبنی منکرات الاخلاق).
و روی مسلم فی صحیحه بسنده الی حذیفة بن الیمان. قال: خرجت انا و ابو حسیل فأخذنا کفّار قریش فقالوا: انکم تریدون محمدا، فقلنا:
ما نرید الا المدینة، فأخذوا عهد اللّه و میثاقه لننصرفن الی المدینة و لا نقاتل معه، فأتینا رسول اللّه فأخبرناه الخبر فقال: (انصرفا الیهم بعهدهم و نستعین اللّه علیهم).
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 154
و عن الحسین بن علی قال: سألت خالی هند بن ابی هالة عن حلیة رسول اللّه- و کان وصافا یحسن ان یصف النبی فقال: کان رسول اللّه فخما مفخما اطول من المربوع و اقصر من المشذب عظیم الهامة رجل الشعر.
قال الحسن: و کتمتها زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقنی الیه و سأله عما سألته عنه، فوجدته قد سأل اباه عن مدخل النبی و مخرجه و مجلسه و شکله فلم یدء منه شیئا.
قال الحسین: سألت ابی عن مدخل رسول اللّه فقال: کان دخوله لنفسه مأذونا له فی ذلک فاذا آوی الی منزله جزّأ دخوله الی ثلاثة اجزاء: جزءا للّه، و جزءا لاهله، و جزءا لنفسه، ثم جزّأ جزأه بینه و بین الناس، فیرد ذلک بالخاصة الی العامة و لا یدخر عنهم منه شیئا.
فسألته عن مخرجه کیف کان یصنع فیه فقال: کان یخزن لسانه الا عما یعنیه، و یؤلفهم و لا ینفرهم، و یکرم کریم کل قوم و یولّیه علیهم، و یحذر الناس و یحترس منهم من غیر ان ینطوی عن احد بشره و لا خلقه، و یتفقد اصحابه، و یسأل الناس عما فی الناس، و یحسّن الحسن و یقویه، و یقبّح القبیح و یوهنه، معتدل الامر غیر مختلف لا یغفل مخافة ان یغفلوا او یمیلوا، و لا یقصر عن الحق و لا یجوزه.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 155
قال و سألته عن مجلسه فقال: کان لا یجلس و لا یقوم الا علی ذکر، و لا یوطن الاماکن و ینهی عن ایطانها، و اذا جلس الی قوم جلس حتی ینتهی به المجلس و یأمر بذلک، و یعطی کل جلسائه نصیبه، و لا یحسب احد من جلسائه ان احدا اکرم علیه منه، مجلسه مجلس حلم و حیاء، و صدق و أمانة لا ترفع فیه الاصوات، متعادلین متواصلین فیه بالتقوی، متواضعین یوقرون الکبیر و یرحمون الصغیر و یؤثرون ذا الحاجة و یحفظون الغریب.
غار حراء مهبط الوحی الاول علی النبی
فقلت فکیف کانت سیرته فی جلسائه فقال: کان دائم البشر سهل الخلق، لیّن الجانب و لیس بفظّ و لا غلیظ، و لا صخّاب، و لا فحّاش، و لا عیّاب، و لا مدّاح، یتغافل عما لا یشتهی، و اذا تکلم اطرق جلساؤه، و اذا سکت تکلموا، و لا یتنازعون عند الحدیث.

دعوته و غزواته

و دعا النبی الی الاسلام فلقی من قریش ما لقی من أذی و مضایقة و اجاب دعوته نفر لقواهم الآخرون ما لقوا من تعذیب حتی اضطر الی الهجرة الی المدینة و هاجر معه من آمن به فسموا بالمهاجرین، و نصره اهل المدینة و تفانوا فی سبیل نصرته و الایمان بدعوته فسموا بالانصار، و وقعت بینه و بین قریش و بین الطوائف الاخری و الیهود معارک و غزوات کان لکل وقعة منها حکایة یطول شرحها و من اهم هذه الغزوات و المعارک کانت:
غزوة بدر الکبری، و غزوة بنی قینقاع، و غزوة أحد، و غزوة بنی النضیر، و دومة الجندل، و الخندق، و بنی قریظة، و غزوة خیبر، و فتح مکة، و غیرها.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 156
و لم تقتصر دعوة النبی علی قریش و العرب و انما کتب الی عدد من الملوک و القیاصرة کتبا یدعوهم فیها الی الاسلام و من اشهر من کتب لهم: قیصر الروم، و کسری ملک الفرس، و المقوقس ملک القبط و غیرهم .

مواهبه و ملکاته

و اما مواهبه و ملکاته فقد جاء فی (شفاء القاضی عیاض) شرح الخفاجی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 157
«و اما وفور عقله و ذکاء لبه، و قوة حواسه، و فصاحة لسانه، و اعتدال حرکاته، و حسن شمائله، فلا مریة انه کان اعقل الناس و أذکاهم، و من تأمل تدبیره امور بواطن الخلق و ظواهرهم، و سیاسة العامة و الخاصة مع عجیب شمائله و بدیع صورة الکتاب التأریخی الذی عثر علیه مؤخرا و الذی کتبه النبی الی المقوقس و علیه ختم النبی الشریف.
سیره، فضلا عما افاضه من العلم، و قرره من الشرع دون تعلم سبق، و لا ممارسة تقدمت، و لا مطالعة للکتب منه، لم یمتر فی رجحان عقله، و ثقوب فهمه لاول بدیهته، و هذا مما لا یحتاج الی تقریره لتحققه».

من حکمه و اقواله

ایها الناس، انتم علی ظهر سفر، و السیر بکم سریع، فقد رأیتم اللیل و النهار، و الشمس و القمر یبلیان کل جدید، و یقربان کل بعید، فاعدوا الجهاد لبعد المفاوز، المؤمن من أمن الناس من یده و لسانه (و رواه البعض:
المسلم من سلم .. الخ)
المجالس بالامانة، البلاء موکل بالمنطق، المرء حریص علی ما منع، المستشار مؤتمن، الحکمة ضالة المؤمن، ثلاث من مکارم الاخلاق فی الدنیا و الآخرة: ان تعفو عمن ظلمک، و تصل من قطعک، و تحلم علی من جهلک.
و من وصیة له یوصی بها علیا (4):
یا علی انه لا فقر اشد من الجهل، و لا مال اعود من العقل، و لا وحدة اوحش من العجب، و لا مظاهرة احسن من مشاورة، و لا عقل کالتدبیر و لا حسب کحسن الخلق، و لا عبادة کالتفکر.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 158
یا علی: آفة الحدیث الکذب، و آفة العلم النسیان، و آفة العبادة الفترة، و آفة السماحة المنّ، و آفة الشجاعة البغی، و آفة الجمال الخیلاء.

زوجاته:

تزوج خمس عشرة امرأة، و دخل بثلاث عشرة منهن، و توفی عن تسع اولاهن السیدة:
1- خدیجة بنت خویلد و هی اول امرأة أسلمت و اول من بنی بیتا فی الاسلام بتزوجها برسول اللّه و کان یذکرها دائما و یمدحها و یقول آمنت بی حین کذبنی الناس، و واستنی بمالها حین حرمنی الناس و رزقت منها الولد و حرمت من غیرها
2- سودة بنت زمعة، و کانت تحت ابن عمها، ثم قدما مکة فمات بها و لم یعقب، فتزوجها رسول اللّه.
3- عائشة بنت ابی بکر، و تزوجها علی رأس ثمانیة اشهر من الهجرة و لم یتزوج بکرا غیرها و ماتت و قد قاربت سبعا و ستین سنة فی شهر رمضان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 159
سنة ثمان و خمسین فی ولایة مروان بن الحکم علی المدینة و ذلک فی خلافة معاویة
4- حفصة بنت عمر بن الخطاب، و امها زینب اخت عثمان بن مظعون، و کانت اولا تحت خنیس ابن حذافة فتوفی عنها بجراحة اصابته ببدر.
5- زینب بنت خزیمة کانت تدعی فی الجاهلیة- ام المساکین- لرأفتها و احسانها الیهم کانت قبله تحت الطفیل بن الحرث فطلقها فتزوجها اخوه عبیدة بن الحرث فقتل یوم بدر شهیدا فخطبها النبی فجعلت امرها الیه فتزوجها و ذلک علی رأس واحد و ثلاثین شهرا من الهجرة فمکثت عنده ثلاثة اشهر ثم توفیت و صلی علیها رسول اللّه و دفنت بالبقیع و قد بلغت ثلاثین سنة.
و لم یمت من ازواجه فی حیاته الا هی و خدیجة.
6- ام سلمة و اسمها هند بنت ابی امیة المخزومی المعروف بزاد الراکب و هو احد اجواد قریش و امها عاتکة بنت عبد المطلب عمة النبی و قبل ان یتزوجها رسول اللّه کانت تحت ابی سلمة بن عبد الاسد و کانت هی و زوجها اول من هاجر الی ارض الحبشة فولدت له هناک عمر، و سلمة، و تزوج بها النبی فی السنة الثانیة من الهجرة بعد وقعة بدر و عاشت اربع و ثمانین سنة و دفنت بالبقیع و هی آخر من مات من زوجاته.
7- زینب بنت جحش، و کان اسمها برّة فسماها زینب و کانت قبله عند مولاه زید بن حارثة ثم طلقها فلما انقضت عدتها تزوجها سنة اربع من الهجرة و هی بنت خمس و ثلاثین سنة.
8- جویریة بنت الحرث من بنی المصطلق، سبیت فی غزوة بنی المصطلق فکان اسمها برّة فسماها رسول اللّه جویریة، و کانت قبل رسول اللّه عند
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 160
مصافع بن صفوان، و توفیت بالمدینة سنة ست و خمسین.
9- ریحانة بنت یزید من بنی النظیر وقعت فی سبی قریظة فخیرها بین الاسلام و دینها فاختارت الاسلام فاعتقها الرسول و تزوجها سنة ست.
10- ام حبیبة و هی ارملة بنت ابی سفیان بن حرب، تزوجت من عبید اللّه بن جحش قبل الاسلام ثم دخلا معا فی الاسلام و هاجرا معا الی ارض الحبشة و مات عبید اللّه فی الحبشة فاعطاها النجاشی ملک الحبشة عشرة الاف درهم مهرا و بعث بها للنبی فتزوجها سنة سبع، و ماتت سنة اربع و اربعین.
11- صفیة بنت حی بن اخطب سید بنی النظیر قتل مع بنی النظیر، و کانت عند سلّام بن مشکم ثم خلف علیها کنانة بن ابی الحقیق و قتل عنها یوم خیبر و لم تلد لاحد منهما و اصطفاها رسول اللّه لنفسه فاعتقها و تزوجها و جعل عتقها صداقها.
12- میمونة بنت الحرث و کان اسمها برّة فسماها النبی میمونة، و هی اخت زوجة العباس بن عبد المطلب فهی خالة عبد اللّه بن العباس، و اختها اسماء بنت عمیس و سلمی بنت عمیس و زینب بنت خزیمة ام المؤمنین لامها، و ماتت سنة احدی و خمسین علی الاصح، و بلغت ثمانین سنة و هی اخر زوجاته اللاتی تزوج بهن.

اولاده:

لم یولد للنبی غیر سبعة اولاد علی اصح الاقوال ثلاثة ذکور و اربع بنات و کلهم من خدیجة بنت خویلد الا ابراهیم فانه من ماریة القبطیة. و هم القاسم، عبد اللّه، زینب، رقیة، ام کلثوم، فاطمة (ع) وعد البعض منهم الطیب و الطاهر و قیل بل انه عبد اللّه و قد لقب بالطیب الطاهر لولادته بعد الوحی ولد بمکة بعد الاسلام و مات بها.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 161
اکبر اولاد النبی و اولهم هو القاسم و به کان یکنی، ولد من خدیجة قبل البعثة و عاش سنتین و قیل سنة و نصف سنة.
ثم ولدت خدیجة قبل البعثة ایضا زینب، ثم رقیة ثم ام کلثوم، ثم فاطمة الزهراء، اما زینب فقد تزوجها ابن خالتها و هو ابو العاص بن الربیع و امه هالة بنت خویلد، و هالة هی اخت السیدة خدیجة ام المؤمنین. و ذکر بعضهم بدل هالة (هندا) و یحتمل ان تکون احداهما اسما و الاخری لقبا فهما واحدة. قال ارباب السیر کانت زینب بنت رسول اللّه قد ادرکت الاسلام و اسلمت و هاجرت، و کان ابوها یحبها، و تزوجها ابن خالتها ابو العاص بن الربیع و ولدت منه (امامة) و (علیا) اما علی فقد مات مراهقا، و اما امامة فقد تزوجها الامام علی بن ابی طالب بعد وفاة خالتها السیدة فاطمة الزهراء بوصیة من فاطمة، و اما رقیة، و ام کلثوم، فقد زوجهما النبی من عتبة و عتیبة ابنی ابی لهب بن عبد المطلب فلما جاء الاسلام بلغ من عداوة قریش للنبی ان قالوا فرّغتم محمدا من همه بتزویج بناته فقالوا لابی العاص طلق ابنة محمد و نزوجک بنت من اردت من قریش فابی و طلبوا مثل ذلک الی عتبة و عتیبة فطلقا زوجتیهما فتزوجهما عثمان واحدة بعد واحدة
و اما عبد اللّه فقد مات بمکة صغیرا و هو الذی یلقب بالطاهر و الطیب ولد بمکة بعد الاسلام و مات بها و اما ابراهیم فامه ماریة القبطیة ولد سنة ثمان من الهجرة فی ذی الحجة و مات صغیرا و هو ابن سنة و عشرة اشهر اعتقها ولدها. و توفیت هی فی خلافة عمر سنة ست عشرة و دفنت بالبقیع. و کل اولاد النبی ولدوا بمکة الا ابراهیم فانه ولد بالمدینة. و کلهم ماتوا فی حیاته و لم یخلف الا السیدة فاطمة الزهراء.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 162

وفاته:

قال ابن الاثیر فی (الکامل) عند ذکر احداث سنة احدی عشرة من الهجرة فی المحرم من هذه السنة بعث النبی بعثا الی الشام، و امیرهم اسامة بن زید مولاه و امره ان یوطی‌ء الخیل تخوم البلقاء من ارض فلسطین. فتکلم المنافقون فی امارته، و قالوا أمرّ غلاما علی جلة المهاجرین و الانصار المسجد النبوی فی المدینة
فقال رسول اللّه ان تطعنوا فی امارته فقد طعنتم فی امارة ابیه من قبل، و انه لخلیق للامارة و کان ابوه خلیقا لها، و اوعب مع اسامة المهاجرون الاولون منهم ابو بکر و عمر، فبینما الناس علی ذلک ابتدا برسول اللّه مرضه و ذلک فی اواخر صفر فی بیت زینب بنت جحش، و کان یدور علی نسائه حتی اشتد مرضه فی بیت میمونة.
قال و لما اشتد برسول اللّه وجعه و نزل به الموت جعل یأخذ الماء بیده و یجعله علی وجهه و یقول و اکرباه فتقول فاطمة: و اکربی لکربک یا ابتی، فیقول رسول اللّه لا کرب علی ابیک بعد الیوم توفی و هو ابن ثلاث و ستین سنة و لا خلاف فی ذلک، و کانت وفاته یوم الاثنین للیلتین بقیتا من شهر صفر فی السنة الحادیة عشرة من الهجرة علی ما ذهب الیه اکثر الشیعة الامامیة
و قال الشیخ الکلینی منهم: انه قبض لاثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاول، و قال غیر واحد ان وفاته کانت فی اول ربیع الاول، و عن بعضهم فی ثامنه، و عن بعضهم فی عاشره و عن بعضهم فی الثامن عشر منه .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 163

فاطمة الزهراء

ولادتها

ولدت فاطمة بنت رسول اللّه بمکة المکرمة یوم الجمعة العشرین من جمادی الآخرة بعد البعثة النبویة بسنتین و قیل بعد النبوة بخمس سنین و فی (الاستیعاب) ولدت سنة احدی و اربعین من مولد النبی- ای بعد المبعث بسنة- و قال اکثر من واحد إن مولدها قبل المبعث بخمس سنین و القول الاول اظهر لتسالمهم علی انها کانت عند الهجرة بنت ثمانی سنین و هی اصغر بنات الرسول و اعزهن عنده و احبهن الیه، و انقطع نسله الا منها، و لحبه لها انه کان یدعوها: یا حبیبة ابیها، و سماها فاطمة الزهراء، و لقبها بالزهراء و البتول- و البتل هو القطع- لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا، و دینا، و حسبا، و قیل لانقطاعها عن الدنیا الی اللّه تعالی.
اقامت مع ابیها بمکة ثمانی سنین، ثم هاجرت الی المدینة علی اثر هجرة ابیها، و تزوجها علی علیه السلام فی المدینة، و لما توفی النبی قیل ان عمرها کان ثمانی عشرة سنة و قال بعضهم بل کان عمرها ثمانی و عشرین سنة.
کان النبی یشهد بحقها و یعلن بفضلها و یقول: «فاطمة بضعة منی فمن اغضبها فقد اغضبنی» و یقول: «فاطمة بضعة منی یؤذینی ما آذاها و یغضبنی ما
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 164
اغضبها» اخرجه علی اختلاف الفاظه ائمة (الصحاح) الست، و عدة اخری من رجال الحدیث فی السنن، و المسانید، و المعاجم، و روی الصدوق فی (الامالی) باسناده عن ابن عباس قال: ان «رسول اللّه کان جالسا ذات یوم و عنده علی، و فاطمة، و الحسن، و الحسین، فقال اللهم تعلم ان هؤلاء اهل بیتی و اکرم الناس علی فاحب من احبهم، و ابغض من ابغضهم، و وال من والاهم، و عاد من عاداهم، و أعن من أعانهم و اجعلهم مطهرین من کل دنس، معصومین من کل ذنب، و ایدهم بروح القدس منک».
و اخرج الامام احمد فی مسنده و ابو داود فی (الاستیعاب) ان النبی قال: «افضل نساء اهل الجنة خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد، و آسیة بنت (مزاحم امرأة فرعون)، و مریم بنت عمران». و قال خیر نساء العالمین اربع: مریم بنت عمران، و اسیة بنت مزاحم، و خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد» و علی ضوء ذلک قال امیر الشعراء احمد شوقی فی مدح الزهراء:
ما تمنّی غیرها نسلا و من‌یلد الزهراء یزهد فی سواها
و یقول الاخر مفاخرا:
فما کل جد فی الرجال (محمد)و لا کل ام فی النساء بتول

ملکاتها:

و قد روی المؤرخون عن ملکات الزهراء و مواهبها الشی‌ء الکثیر، و کانت خطبتها فی مجلس الخلیفة ابی بکر و هی تطالب برّد (فدک) لها باعتبارها ارثا تلقته من ابیها تتضمن شواهد کثیرة علی طوائف من الملکات و المواهب فقد حضرت مجلس المناقشة، و بعد ان حمدت اللّه و شکرته و اثنت علیه قالت: «و اشهد ان ابی محمدا عبده و رسوله، اختاره و انتخبه قبل ان ارسله، و سماه قبل ان اجتباه، و اصطفاه قبل ان ابتعثه، اذ الخلائق بالغیب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 165
مکنونة، و بستر الاهاویل مصونة، و بنهایة العدم مقرونة، علما منه بمآل الامور، و احاطة بحوادث الدهور، و معرفة بمواقع المقدور، ابتعثه اللّه إتماما لامره، و عزیمة علی إمضاء حکمه، و انقاذا لمقادیر حتمه، فرأی الامم فرقا فی ادیانها، عکفا علی نیرانها، عابدة لاوثانها، منکرة للّه مع عرفانها، فانار اللّه بابی (محمد) ظلمها، و کشف عن القلوب بهمها، و جلا عن الابصار غممها، و قام فی الناس بالهدایة و انقذهم من الغوایة، و بصّرهم من العمایة، و هداهم الی الدین القویم، و دعاهم الی السراط المستقیم، ثم قبضه اللّه الیه قبض رأفة و اختیار، و رغبة و ایثار» الی ان قالت «و هذا کتاب اللّه بین اظهرکم، اموره ظاهرة، و احکامه زاهرة، و اعلامه باهرة، و زواجره لائحة. و اوامره واضحة، لقد خلفتموه وراء ظهورکم أرغبة عنه تریدون؟ ام بغیره تحکمون» الی ان تقول: «و انتم الآن تزعمون ان لا ارث لی أَ فَحُکْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ» ثم قالت «أ فعلی عمد ترکتم کتاب اللّه و نبذتموه وراء ظهورکم اذ یقول (وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ) و قال فیما اقتص من خبر یحی بن زکریا اذ یقول: ربّ فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ) و قال (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ)* و قال (یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) و قال:
(إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ)
و الخطبة طویلة و ستورد کاملة فی القسم الخاص بحیاة الزهراء من (قسم المدینة المنورة) من موسوعة العتبات المقدسة.
و من جواب الخلیفة ابی بکر لفاطمة الزهراء تتجلی قیمة (الزهراء) فی العالم الاسلامی و منزلتها فی النفوس اذ قال ابو بکر فی جوابها:
«یا ابنة رسول اللّه. لقد کان ابوک بالمؤمنین عطوفا کریما، رؤوفا رحیما، و علی الکافرین عذابا الیما، و عقابا عظیما، فان عزوناه وجدناه اباک دون
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 166
النساء، و أخا إلفک دون الاخلّاء، آثره علی کل حمیم، و ساعده فی کل امر جسیم، لا یحبکم الا کل سعید، و لا یبغضکم الا کل شقی، فانتم عترة رسول اللّه الطیبون، و الخیرة المنتخبون، علی الخیر ادلتنا، و الی الجنة مسالکنا، و انت یا خیرة النساء، و ابنة خیر الانبیاء، صادقة فی قولک، سابقة فی وفور عقلک، غیر مردودة عن حقک، و لا مصدودة عن صدقک، و اللّه ما عدوت رأی رسول اللّه و لا عملت الا باذنه، و ان الرائد لا یکذب اهله، فانی اشهد اللّه و کفی به شهیدا انی سمعت رسول اللّه یقول «نحن معاشر الانبیاء لا نوّرث ذهبا، و لا فضة، و لا دارا و لا عقارا، و انما نورث الکتاب و الحکمة و العلم و النبوة، و ما لنا من طعمة فلولی الامر بعدنا ان یحکم فیه بحکمه» ...

اولادها:

الحسن المجتبی، و الحسین السبط، و المحسن السقط ، و زینب الکبری عقیلة بنی هاشم، و ام کلثوم.

وفاتها:

تعددت الاقوال فی مدة بقائها بعد ابیها هل هی اربعون یوما او خمسة و سبعون او خمسة و تسعون او اکثر من ذلک من نحو مائة یوم او اربعة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 167
اشهر او ستة او ثمانیة اشهر، و قد اتفق الجمیع علی ان عمرها بعد ابیها لم یکن اکثر من ثمانیة اشهر و لا باقل من اربعین یوما.
و الذی نختاره هو انها مکثت بعد ابیها خمسة و تسعین یوما، و قبضت فی ثالث جمادی الآخرة.
فلما توفیت غسلها علی (ع) و صلی علیها، و دفنها لیلا، و لم یشهد جنازتها سوی علی و خواصه و الحسین و بعض بنی هاشم و سوّی علی قبرها مع الارض، و قیل منظر البقیع من الجهة الشرقیة الجنوبیة سنة 1321 ه
سوّی حوالیها قبورا مزورة قدر سبعة، حتی لا یعرف قبرها، و لذلک اختلفت الروایات و الاخبار فی موضع قبرها، فقیل دفنت فی بیتها و قیل فی البقیع و قیل بین القبر و المنبر.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 168

الامام الاول علی بن ابی طالب

ولادته:

اشارة

ولد یوم الجمعة ثالث عشر رجب الحرام بعد عام الفیل بثلاثین عاما و کان مولده فی البیت الحرام بمکة المکرمة و قول آخر انه ولد لسبع خلون من شعبان و الاشهر الاول سنة 600 م ابوه ابو طالب شیخ البطحاء و اسمه عبد مناف، و یکنی بابی طالب اکبر ولده، و هو اخو عبد اللّه ابی النبی لامه و ابیه، و امه فاطمة بنت اسد بن هاشم، فهو اول هاشمی ولد بین هاشمیین.
لقد کانت فاطمة بنت اسد لرسول اللّه بمنزلة الام لانه ربی فی حجرها و هو ابن ثمانی سنین و کان شاکرا لبرها و یسمیها (امی) فقد کانت تفضله علی اولادها فی البر، و کانت من سابقات المؤمنات الی الایمان، هاجرت مع رسول اللّه الی المدینة. و لما توفیت کفنها رسول اللّه بقمیصه لیدرأ به عنها هوام الارض، و امر من یحفر قبرها فلما بلغوا لحدها حفره بیده، و اضطجع فیه، و قال: «اللهم اغفر لامی فاطمة بنت اسد و لقّنها حجتها، و وسع علیها مدخلها، فقیل یا رسول اللّه: رأیناک صنعت شیئا لم تصنعه باحد قبلها،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 169
منظر خارجی لروضة الامام علی (ع) فی النجف الاشرف
فقال: البستها قمیصی لتلبس من ثیاب الجنة، و اضطجعت فی قبرها لیوسعه اللّه علیها، و تأمن من ضغطة القبر، انها کانت من احسن خلق اللّه صنعا الیّ بعد ابی طالب، ....» و سماه ابوه علیا، و یکنی ابا الحسنین و ابا السبطین، و ابا تراب، و هی أحب کناه الیه لکون النبی کناه بها مذ رآه ساجدا معفرا وجهه فی التراب، قال: انت ابو تراب، و قیل فی سبب هذه الکنیة ان النبی قال له یا علی اول من ینفض التراب عن رأسه انت. قال الکمیت الاسدی:
و قالوا ترابی هواه و دینه‌بذلک ادعی بینهم و ألقّب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 170
نشأ فی حجر رسول اللّه و تأدب بآدابه، و ربی بتربیته. و لما اصاب اهل مکة جدب شدید اخذ النبی علیا من ابیه، و اخذ حمزة جعفرا، و اخذ العباس طالبا، لیخنفوا عن ابی طالب، و ابقی ابو طالب عنده عقیلا.
فلم یزل علی مع رسول اللّه حتی بعثه اللّه بالنبوة فکان اول من آمن به و اتبعه و صدقه.
اقام مع النبی بمکة ثلاثا و عشرین سنة، و عشر سنین بالمدینة بعد الهجرة یشارکه اکثر محنه، و یشاطره جل اعماله، و یتحمل عنه اکبر اثقاله، و قد باشر الحرب و هو ابن ثلاث و عشرین سنة، و عاش بعد النبی ثلاثین سنة، فیکون عمره ثلاثا و ستین سنة کعمر رسول اللّه و هذا هو المشهور.

صفاته:

کان علی ربعة من الرجال، ادعج العینین، عظیمهما، عظیم البطن الی السمن، شثن الکفین، عظیم الکرادیس، اصلع لیس فی رأسه شعر الا من خلفه، کثیر شعر اللحیة، و کان لا یخضب، و المشهور انه کان ابیض اللحیة، و کان اذا مشی تکفأ، شدید الساعد و الید، قویا ما صارع احدا الا صرعه، و فی الکامل لابن الاثیر الجزری «و کان من احسن الناس وجها، و لا یغیر شیبه، کثیر التبسم» و قال ابن ابی الحدید فی مقدمة شرح النهج «اما شجاعة علی فانه انسی الناس فیها ذکر من کان قبله و محا اسم من یأتی بعده، و مقاماته فی الحرب مشهورة یضرب بها الامثال الی یوم القیامة، و هو الشجاع الذی ما فرّ قط و لا ارتاع من کتیبة، و لا بارز احدا الا مثله، و لا ضرب ضربة قط فاحتاجت الاولی الی ثانیة، و فی الحدیث کانت ضرباته و ترا، و لما دعا معویة الی المبارزة لیستریح الناس من الحرب بقتل احدهما قال له عمرو بن العاص.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 171
لقد انصفک. فقال معویة: ما غششتنی منذ نصحتنی الا الیوم، أ تأمرنی بمبارزة ابی الحسن و انت تعلم انه الشجاع المطرق، اراک طمعت فی امارة الشام بعدی ... و کانت العرب تفتخر بوقوفها فی الحرب فی مقابلته فاما قتلاه فافتخار رهطهم بانه قد قتلهم اظهر و اکثر، قالت اخت عمرو بن ودّ ترثیه و تفتخر بان قاتله سید شجعان العرب
لو کان قاتل عمرو غیر فاتله‌لکنت ابکی علیه دائم الابد
لکن قاتله من لا یعاب به‌ابوه قد کان یدعی بیضة البلد
و جملة الامر ان کل شجاع فی الدنیا الیه ینتهی، و باسمه ینادی، فی مشارق الارض و مغاربها و تالله لو تجسمت الشجاعة و تمثلت، و تمثلت فی شخص لکان ذلک الشخص هو امیر المؤمنین، بل لو عرفه قدماء الیونان لاتخذوه إلها للشجاعة فی جملة آلهتهم التی عبدوها، و من سبر حاله فی غزواته مع النبی عرف صحة ما یقول».
و فی صحیح البخاری و مسلم، عن سهل بن سعد: «ان رسول اللّه قال یوم خیبر لأعطین الرایة غدا رجلا یفتح اللّه علی یدیه، یحب اللّه و رسوله، و یحبه اللّه و رسوله، فبات الناس یدو کون لیلتهم ایهم یعطیها فلما صابح الناس غدوا علی رسول اللّه فاعطاها لعلی ...»
قال شمس الدین محمد بن طولون فی تاریخ (الأئمة الاثنی عشر):
و هاجر علی الی المدینة، و استخلفه النبی حین هاجر من مکة الی المدینة ان یقیم بعده بمکة ایاما حتی یؤدی عنه امانته و الودائع و الوصایا التی کانت عند النبی ثم یلحق باهله ففعل ذلک.
و شهد مع النبی بدرا، و احد، و الخندق، و بیعة الرضوان، و خیبر؛ و الفتح، و حنینا، و الطائف، و سائر المشاهد الا تبوک. فان النبی استخلفه علی المدینة، و له فی جمیع المشاهد آثار مشهورة. و اجمع اهل التاریخ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 172
علی شهوده بدرا و غیرها من المشاهد غیر تبوک قالوا فاعطاه النبی اللواء فی مواطن کثیرة، و ثبت فی الصحیحین ان النبی اعطاه الرایة یوم خیبر، و اخبر ان الفتح یکون علی یدیه. و اما علمه فکان من العلوم بالمحل الاعلی، روی له عن رسول اللّه خمس مائة حدیث و ستة و ثمانون حدیثا. قال ابن المسیب ما کان احد یقول: سلونی، غیر علی. و قال ابن عباس اعطی علی تسعة اعشار العلم و و اللّه لقد شارکهم فی العشر الباقی. قال و اذا ثبت لنا الشی‌ء عن علی لم نعدل الی غیره. و سؤال کبار الصحابة له و رجوعهم الی فتاویه.
و اقواله فی المواطن الکثیرة و المسائل المعضلات مشهور.
و روی ابن ابی الحدید و ابن عبد البر و غیرهما «ان معاویة بن ابی سفیان قال لضرار بن حمزة صف لی علیا، قال: اعفنی. قال لتصفنه، قال اما اذا کان لا بد من وصفه فانه: کان و اللّه بعید المدی، شدید القوی یقول فصلا، و یحکم عدلا، یتفجر العلم من جوانبه، و تنطف الحکمة من نواجذه، و کان حسن المعاشرة، سهل المباشرة، یستوحش من الدنیا و زهرتها، و یأنس باللیل و وحشته، و کان غزیر العبرة، طویل الفکرة، یقلّب کفه، و یحاسب نفسه، یعجبه من اللباس ما خشن، و من الطعام ما جشب، و کان فینا و اللّه کأحدنا، یحیینا اذا سألناه، و یدنینا اذا اتیناه، و نحن و اللّه مع تقریبه ایانا و قربه منا، لا نکاد نکلمه هیبة له، فاذا تکلم کأنه اللؤلؤ المنظوم، لا یطمع القوی فی باطله، و لا ییأس الضعیف من عدله، و اشهد لقد رأیته فی بعض مواقفه و قد ارخی اللیل سدوله، و غارت نجومه، قابضا علی لحیته یتململ تململ السلیم، و یبکی بکاء الحزین، و هو یقول یا دنیا غرّی غیری، أبی تعرّضت؟ ام الیّ تشوقت؟
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 173
هیهات لا حاجة لی فیک، قد طلقتک ثلاثا لا رجعة لی فیها، فعمرک قصیر، و عیشک حقیر، و خطرک کبیر، آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطریق.
فبکی معویة و قال رحم اللّه ابا الحسن کان و اللّه کذلک فکیف حزنک علیه یا ضرار؟ قال حزن من ذبح ولدها فی حجرها، فهی لا ترقأ عبرتها، و لا تسکن حرارتها»

الامام:

یقول العقاد فی (عبقریة الامام) عن علی ابن ابی طالب: «... من هذه الالقاب الشائعة لقب الامام الذی اختص به علی بین جمیع الخلفاء الراشدین، و الذی اذا أطلق فلا ینصرف الی احد غیره. بین جمیع الائمة الذین و سموا بهذه السمة من سابقیه و لاحقیه» و یقول:
«و ذلک هو علی ابن ابی طالب کما لقبه الناس، و جری لقبه علی الالسنة، فعرفه به الطفل و هو یسمع امادیحه المنغومة فی الطرقات، بغیر حاجة الی تسمیة او تعریف، و خاصة اخری من خواص الامامة ینفرد بها علی و لا یجاریه فیها غیره و هی اتصاله بکل مذهب من مذاهب الفرق الاسلامیة منذ وجدت فی صدر الاسلام، فهو منشی‌ء هذه الفرق او قطبها الذی تدور علیه، و ندرت فرقة فی الاسلام لم یکن علی معلما لها منذ نشأتها او لم یکن موضوعا لها و محورا لمباحثها تقول فیه و ترد علی قائلین.
و قد اتصلت الحلقات بینه و بین علماء الکلام و التوحید کما اتصلت بینه و بین علماء الفقه و الشریعة و علماء الادب و البلاغة فهو استاذ هؤلاء جمیعا بالسند الموصول».
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 174

خلافته:

لقد وجدت بنو امیة فی مقتل عثمان ذریعة فخلقت لعلی مشاکل و بثت الفتن فنشأ من ذلک حرب الجمل و لم تکد تنتهی حتی ابتدأت حرب صفین ثم ابتلی بالخوارج و حربهم فی النهروان و لم تترک امیة فرصة لعلی ان یتم رسالته و مع ذلک فقد تغلب علی کل تلک الصعوبات و نوی فی هذه المرة ان یعود الی حرب معاویة و لو کان قد عاد لانتهت جمیع تلک المشاکل و لاستتب الامن و سادت الحریة و الاطمئنان و العدل جمیع الربوع الاسلامیة و لکن ابن ملجم قد عجل علیه فقتله قبل ان یعود الی تصفیة قضیة معاویة.

من اقواله و حکمه:

و علی ان الکفایة فی البلاغة مثلا لهذا الطود الشامخ من الحکمة و الفلسفة و البلاغة فاننا نورد هنا بعض الامثلة لاقواله و حکمه مما لم یدرج فی نهج البلاغة فی الغالب، قال فی الطیرة و التنجیم و قد اعتبر الایمان بها علی سبیل معرفة الغیب ضربا من ضروب الکفر، قال:
«اللهم لا طیر الا طیرک، و لا ضیر الا ضیرک، و لا اله غیرک».
و کان علی یطوف کل بکرة فی اسواق الکوفة سوقا سوقا و معه الدرّة علی عاتقه فینادی: یا معشر التجار، قدموا الاستخارة، و تبرکوا بالسهولة، و اقتربوا من المبتاعین، و تزینوا بالحلم، و تناهوا عن الکذب و الیمین، و تجافوا عن الظلم، و انصفوا المظلومین، و لا تقربوا الربا، و اوفوا الکیل و المیزان، و لا تبخسوا الناس اشیاءهم و لا تعثوا فی الارض مفسدین.
و قال علیه السلام یعزّی اشعث فی ابن له: «یا اشعث ان صبرت جری علیک القدر و انت مأجور، و ان جزعت جری علیک القدر و انت مأزور»
قال سبط ابن الجوزی فی تذکرة الخواص قال رجل لعلی: قد عیل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 175
صبری، فاعطنی، قال فانشدک شیئا ام اعطیک؟ فقال کلامک احب الی من عطائک فقال:
ان عضّک الدهر فانتظر فرجافانه نازل بمنتظره
او مسّک الضرّ او بلیت به‌فاصبر علی عسره و فی یسره
رب معافی علی تهوره‌و مبتلی لا ینام من حذره
و آمن فی عشاء لیلته‌دب الیه البلاء فی سحره
من مارس الدهر ذم صحبته‌و نال من صفوه و من کدره
و قال علیه السلام لرجل کره صحبة رجل:
و لا تصحب اخا الجهل‌و ایاک و ایاه
فکم من جاهل اردی‌حلیما حین آخاه
یقاس المرء بالمرءاذا ما هو ماشاه
و للقلب علی القلب‌دلیل حین یلقاه
و للشی‌ء من الشی‌ءمقاییس و اشباه
و فی العین غنی للعین‌ان تنطق افواه

اولاده و ازواجه:

و عددهم سبعة و عشرون او ثمانیة و عشرون ما بین ذکر و انثی، و الذکور اربعة و هم: الحسن، الحسین، زینب الکبری، ام کلثوم، المحسن السقط، (و امهم فاطمة الزهراء)، و محمد الاکبر المعروف بابن الحنفیة و المکنی بابی القاسم و امه خولة بنت جعفر بن قیس الحنفیة.
عمر (الاطرف)، رقیة، توأمان- و امهما ام حبیب الصهباء بنت ربیعة التغلبیة.
عبید اللّه- امه نهلشیة و هو قتیل- المذار- بین واسط و البصرة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 176
العباس، عبد اللّه، عثمان، جعفر (شهداء کربلاء) و امهم ام البنین بنت حزام الکلابیة.
محمد الاصغر المکنی بابی بکر ، عبد اللّه الشهید- بکربلاء- امهما لیلی بنت مسعود الدارمیة.
یحیی- امه اسماء الخثعمیة بنت عمیس.
ام الحسن، رمله- أمهما ام سعید بنت عروة بن مسعود الثقفی.
نفیسة، زینب الصغری، ام هانی، ام الکرام، جمانة امامة، ام سلمة، میمونة، خدیجة، فاطمة، و کلهن بنات امیر المؤمنین و هن لامهات شتی.
محمد الاوسط- امه امامة بنت ابی العاص.

وفاته:

قبض سنة اربعین من الهجرة لیلة الجمعة بالکوفة 21 کانون الثانی 661 م و هی لیلة احدی و عشرین من شهر رمضان فی الثلث الاول من اللیل. مات شهیدا من ضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادی، و قد کمن له فی المسجد الاعظم فضربه علی رأسه فی اثناء صلاة الفجر، و هذا اشهر الاقوال، و لما قبض غسله الحسن، و الحسین، و محمد یصب الماء ثم کفن و صلی علیه السلام ابنه الحسن، ثم حمله الحسنان، و محمد ابن الحنفیة، و عبد اللّه بن جعفر و خواصه بأمر منه الی (الغریین)، من (نجف الکوفة) و دفنوه هناک لیلا و عفوا موضع قبره بوصیة منه خوف الخوارج و بنی امیة ان ینبشوا قبره. و لم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 177
یزل قبره مخفیا لا یعلمه احد غیر بنیه و خواص شیعته حتی دل علیه الامام جعفر بن محمد الصادق و زاره الامام الصادق عند وروده علی المنصور و هو بالحیرة. ثم عرّفه و اظهره الرشید العباسی.
قال ابن الاثیر فی (الکامل) و لما قتل علی قام ابنه الحسن و قال مما قال عن ابیه «و اللّه ما ترک صفراء و لا بیضاء الا ثمانمانة او سبعمائة ارصدها لجاریة».
و قال سفیان ان علیا لم یبن آجرة علی آجرة، و لا لبنة علی لبنة، و لا قصبة علی قصبة، و کان یختم علی الجواب الذی فیه دقیق الشعیر الذی یؤکل منه.
و یقول (لا احب ان یدخل بطنی الا ما اعلم).
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 178

الامام الثانی الحسن بن علی بن ابی طالب

اشارة

هو الامام الثانی و من ائمة اهل البیت، و السبط الاکبر من سیدی شباب اهل الجنة، و اول اولاد علی و فاطمة و لم یسم احد باسمه من قبل، ولد بالمدینة المنورة لیلة النصف من شهر رمضان علی الصحیح المشهور بین المسلمین، و قیل فی شعبان و لعله اشتباه بمولد اخیه الحسین، و کان مولده لیلة الثلاثاء سنة ثلاث للهجرة 625 م و روی سنة اثنتین من الهجرة و قیل انه ولد لستة اشهر و روی مثل ذلک فی حق اخیه الحسین، قال الشیخ الصدوق فی (علل الشرائع) لما ولد الحسن قالت فاطمة لعلی سمّه، فقال ما کنت لا سبق باسمه رسول اللّه فجاء النبی فأخرج الیه فی خرقة صفراء فرمی بها و قال: «أ لم أنهکم ان تلفوا المولود فی خرقة صفراء» و امر ان یلف فی خرقة بیضاء، و اذّن فی اذنه الیمنی، و اقام فی الیسری، ثم سماه بالحسن.
و من القابه: السید و السبط، و التقی، و الزکی، و المجتبی، و الزاهد،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 179
و لکن اعلا القابه رتبة و أولاها، ما لقبه به رسول اللّه و هو السید. لانه قال:
ان ابنی هذا سید. و قال: «و من اراد ان ینظر الی سید شباب اهل الجنة فلینظر الی الحسن بن علی».

صفاته:

و کان اشبه الناس من رأسه الی صدره بجده رسول اللّه و لم یکن احد فی زمانه اشبه بالنبی منه. و عن و اصل بن عطاء: کان الحسن بن علی علیه سیماء الانبیاء، و بهاء الملوک. و عن الغزالی قال:
«و کان النبی یقول للحسن اشبهت خلقی و خلقی».
و کان ابیض مشربا بحمرة، ادعج العینین، سهل الخدین، دقیق المسربة، کث اللحیة، ذا وفرة، عظیم الکرادیس، بعیدا ما بین المنکبین، ربعة، لیس بالطویل و لا بالقصیر، ملیحا من احسن الناس وجها، و کان یخضب بالسواد، جعد الشعر، حسن البدن، قال القبرصی و یصدق هذا الخبر ما رواه محمد بن اسحاق قال: ما بلغ احد من الشرف بعد رسول اللّه ما بلغ الحسن بن علی، کان یبسط له علی باب داره، فاذا خرج و جلس انقطع الطریق فما یمر احد من خلق اللّه اجلالا له، فاذا علم قام و دخل بیته فیمر الناس، قال الراوی و لقد رأیته فی طریق مکة نزل عن راحلته فمشی، فما من خلق اللّه احد الا نزل و مشی، حتی رأیت سعد بن ابی وقاص قد نزل و مشی الی جنبه.
روی الصدوق فی (الامالی) باسناده عن الصادق قال حدثنی ابی عن ابیه ان الحسن بن علی بن ابی طالب کان اعبد الناس فی زمانه و ازهدهم و افضلهم، و کان اذا حج، حج ماشیا، و ربما مشی حافیا، و ان الجنائب لتقاد بین
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 180
یدیه. و کان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه و قال: «الهی ضیفک ببابک، یا محسن قد اتاک المسی‌ء، فتجاوز عن قبیح ما عندی بجمیل ما عندک یا کریم».
و عن صحیحی البخاری و مسلم عن البراء بن عازب قال: رأیت رسول اللّه و الحسن بن علی علی عاتقه و هو یقول:
«اللهم انی احبه فاحبّه» و فی روایة عن (حلیة الاولیاء) «من احبنی فلیحبّه» و عن صحیح الترمذی عن ابن عباس قال: کان رسول اللّه حاملا الحسن ابن علی علی عاتقه، فقال رجل «نعم المرکب رکبت یا غلام، فقال النبی: و نعم الراکب هو».
و کان من حلمه ما یوازن به الجبال علی حد تعبیر (مروان) عنه.
و کان کرمه و سخاؤه مضرب الامثال، رأی غلاما اسود یأکل من رغیف لقمة، و یطعم کلبا هناک لقمة، فقال له ما حملک علی هذا؟ قال الغلام انی استحی منه ان آکل و لا اطعمه. فقال الحسن لا تبرح مکانک حتی آتیک، و ذهب الی سید الغلام فاشتری الغلام منه، و اشتری الحائط (البستان) الذی هو فیه، فاعتقه و ملکه الحائط.
و کان من العلم و البلاغة و العمق ما ملک اعجاب الناس و احترامهم، قال ابن الصباغ فی (الفصول المهمة): و یجتمع الناس حوله فیتکلم بما یشفی غلیل السائلین و یقطع حجج المجادلین.
و کان اذا حج و طاف بالبیت یکاد الناس یحطمونه مما یزدحمون للسلام علیه.
قام بالامر بعد ابیه و له سبع و ثلاثون سنة و ذلک سنة 40 بایعه الناس بالخلافة یوم الجمعة الحادی و العشرین من شهر رمضان بعد ما خطب بالناس
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 181
فی صبیحة اللیلة التی قبض فیها امیر المؤمنین (علی) فرتب العمال، و أمّر الامراء، و انفذ عبد اللّه بن عباس الی البصرة، و نظر فی الامور؛ و اقام فی خلافته ستة اشهر و ثلاثة ایام، و قد وقع الصلح بینه و بین معویة فی الخامس و العشرین من ربیع الاول سنة احدی و اربعین اضطرارا بعد ان تبین له ان جماعة من رؤساء اصحابه کتبوا سرا الی معویة و ضمنوا له ان یسلموه الیه عند دنوّ العسکرین.
و خرج الحسن الی المدینة و اقام فیها عشر سنین الا شهرا ثم قبض.

من اقواله و حکمه:

سأل علی (ع) الحسن و هی اسئلة طالما یسأل الآباء عن امثالها الابناء لاختبار افکارهم و عمق ادراکهم لقد سأله قائلا:
یا بنی ما السداد؟ قال دفع المنکر بالمعروف.
قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشیرة و حمل الجریرة.
قال: فما المروءة؟ قال حفظ الدین، و اعزاز النفس، و لین الکتف، و تعهد الصنیعة، و اداء الحقوق، و التحبب الی الناس
قال: فما الکرم؟ قال: الابتداء بالعطیة قبل المسألة، و اطعام الطعام فی المحل.
قال: فما السماح؟ قال البذل فی العسر و الیسر.
قال: فما الشح؟ قال: قال ان تری ما فی یدیک شرفا، و ما انفقته تلفا.
قال: فما الاخاء؟ قال: المواساة فی الشدة و الرخاء
قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة علی الصدیق، و النکول عن العدو.
قال: فما الغنیمة؟ قال: الرغبة فی التقوی، و الزهادة فی الدنیا.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 182
قال: فما الحلم؟ قال: کظم الغیظ و ملک النفس.
قال: فما الغنی؟ قال رضی النفس بما قسم اللّه و ان قل، و انما الغنی غنی النفس.
قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس الی کل شی‌ء.
قال: فما الکلفة؟ قال: کلامک فیما لا یعنیک.
قال: فما المجد؟ قال: ان تعطی فی الغرم و تعفو عن الجرم.
قال: فما السؤدد؟ قال: اتیان الجمیل و ترک القبیح.
قال: فما الحزم؟ قال: طول الاناة و الرفق بالولاة.
قال: فما الشرف؟ قال: موافقة الاخوان و حفظ الجیران
الی غیر ذلک من الاسئلة و الاجوبة الکثیرة التی اوردتها مختلف الکتب.

زوجاته:

تزوج (ام اسحق) بنت طلحة بن عبید اللّه، و (حفصة) بنت عبد الرحمن بن ابی بکر (و هند) بنت سهیل بن عمرو، و (جعدة) بنت الاشعث بن قیس و هی التی اغراها معاویة بقتله فقتلته بالسم.
و نسب له الناس زوجات اخری من المعتقد انه قد بولغ فیها.

اولاده:

کان للامام الحسن خمسة عشر ولدا ما بین ذکر و انثی و هم:
زید، ام الحسن، ام الحسین، و امهم ام بشیر بنت ابی مسعود الخزرجیة.
الحسن و یسمی بالحسن المثنی، امه خولة بنت منظور الفزاریة.
عمرو، القاسم، عبد اللّه، امهم ام ولد.
عبد الرحمن، امه ام ولد.
الحسن الملقب بالاثرم، طلحة، فاطمة، امهم ام اسحق بنت طلحة بن
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 183
عبد اللّه التیمی.
ام عبد اللّه، فاطمة، ام سلمة، رقیة، لامهات شتی و لم یعقب منهم غیر الحسن، و زید.

وفاته:

کانت وفاته فی الثامن و العشرین من صفر سنة خمسین او فی ست من صفر او السابع منه و کان عمره حین استشهد سبعا و اربعین سنة، امضی منها سبع سنین و اشهرا مع جده الرسول و سبعا و ثلاثین مع ابیه و بقی بعده عشر سنین و قام بتجهیزه اخوه الحسین و اخوته و سائر بنی هاشم و دفن بالبقیع مع جدتد فاطمة بنت اسد.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 184

الامام الثالث (ابو عبد اللّه) الحسین بن علی بن ابی طالب

اشارة

هو السبط الثانی لرسول اللّه ولد بالمدینة المنورة فی السنة الثالثة من الهجرة او الرابعة لثلاث خلون من شعبان و قیل لخمس خلون منه و المشهور هو الاول 626 م.
قال الشیخ المفید فی (الارشاد) و الامام بعد الحسن بن علی، اخوه الحسین بنص ابیه وجده علیه و وصیة اخیه الحسن الیه. و جاءت امه فاطمة الی جده رسول اللّه فاستبشر به و سماه حسینا و عق عنه کبشا. قال و روی شاذان عن سلمان رضی اللّه عنه قال سمعت رسول اللّه یقول فی الحسن و الحسین: «اللهم انی احبهما و احب من احبهما و قال: من احب الحسن و الحسین احببته، و من احببته احبه اللّه، و من احبه اللّه ادخله الجنة، و من ابغضهما ابغضته، و من ابغضته ابغضه اللّه، و من ابغضه اللّه ادخله النار.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 185
و قال: حسین منی و انا من حسین احب اللّه من احب حسینا، حسین سبط من الاسباط».

صفاته:

کان اشبه اهل البیت برسول اللّه، و کان اشرق الناس وجها، و احسنهم خلقا قال عبد اللّه بن الحر الجعفی ما رأیت احدا احسن و لا املأ للعین، و لا اهیب فی القلب من الحسین».
و کان فی صوته غنّة حسنة، و کان الطیب محببا الیه، فکان المسک لا یفارقه فی حلّه و ترحاله، و بخور العود و الند فی مجلسه. و کان مجلسه مجلس وقار و علم، و الناس من حوله یتحلقون، یأخذون عنه ما یلقیه علیهم و هم فی خشوع کأن علی رؤوسهم الطیر
قال الشافعی فی (مطالب السؤول) قد اشتهر النقل ان الحسین کان یکرم الضیف، و یمنح الطالب، و یصل الرحم، و ینیل الفقیر، و یسعف السائل، و یکسو العاری، و یشبع الجائع، و یشفق علی الیتیم، و قلّ ان وصله مال الا فرّقه، و کان علیه السلام یقول: شر خصال الملوک الجبن عن الاعداء، و القسوة علی الضعفاء، و البخل عن الاعطاء. و اعظم جود صدر منه جوده بنفسه فی سبیل اللّه و تسلیمه ایاها للقتل.
قال رجل عند الحسین: ان المعروف اذا اسدی الی غیر اهله ضاع.
فقال الحسین لیس کذلک و لکن تکون الصنیعة مثل وابل المطر تصیب البر و الفاجر
و قال: ما اخذ اللّه طاقة احد الا وضع عنه طاعته، و لا اخذ قدرته الا وضع عنه کلفته.
و قال: اذا سمعت احدا یتناول اعراض الناس فاجتهد ان لا یعرفک فان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 186
ضریح الامام ابی عبد اللّه الحسین (ع) بکربلاء
اشقی الاعراض به معارفه.
و قد اشتهر مع الجود بصفتین من اکرم الصفات الانسانیة و الیقهما ببیته و شرفه، و هما الوفاء، و الشجاعة.
فمن وفائه انه ابی الخروج علی معاویة بعد وفاة اخیه الحسن لانه عاهد معاویة علی المسالمة (ص 70 ابو الشهداء).

من اقواله و حکمه:

و للامام الحسین کلمات آیة فی الابداع و فی ذروة البلاغة، سهلة اللفظ، جیدة السبک، متراصفة الفقرات، متلائمة الاطراف، تملک القلوب،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 187
و تستعبد الاسماع کقوله: الناس عبید الدنیا، و الدین لعق علی السنتهم، یحوطونه ما درت معایشهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الدیّانون.
و قد اوتی ملکة الخطابة من طلاقة لسان، و حسن بیان، و غنة صوت، و جمال ایماء، و قد استخرج (العقّاد) امثلة لذلک منها قوله:
و من کلام الحسین المرتجل قوله فی تودیع ابی ذر و قد اخرجه عثمان من المدینة بعد ان اخرجه معاویة من الشام «یا عماه، ان اللّه قادر ان یغیر ما قد تری و اللّه کل یوم فی شأن، و قد منعک القوم دنیاهم و منعتهم دینک، و ما اغناک عما منعوک، و احوجهم الی ما منعتهم، فاسأل اللّه الصبر و النصر، و استعذ به من الجشع و الجزع، فان الصبر من الدین و الکرم، و ان الجشع لا یقدم رزقا، و الجزع لا یؤخر اجلا».
و کان عمره هنا کما جاء فی (ابو الشهداء) ثلاثین سنة فیقول العقاد:
فکأنما اودع هذه الکلمات شعار حیاته کاملة منذ ادرک الدنیا الی ان فارقها فی مصرع کربلاء.
و رویت الغرائب فی اختبار حذقه بالفقه و اللغة، کما رویت امثال هذه الغرائب فی امتحان قدرة ابیه علیهما السلام، و لخبرته بالکلام، و شهرته بالفصاحة، کان الشعراء یرتادونه و بهم من الطمع فی اصغائه اکبر من طمعهم فی اعطائه، و من اقواله علیه السلام:
صاحب الحاجة لم یکرم وجهه عن سؤالک فاکرم وجهک عن رده.
ان اجود الناس من اعطی من لا یرجو، و إنّ أعفی الناس من عفا عن قدرة، و انّ أوصل الناس من وصل من قطعه.
الحلم زینة، و الوفاء مروءة، و الصلة نعمة، و الاستکبار صلف، و العجلة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 188
سفه، و السفه ضعف، و الغلو ورطة، و مجالسة اهل الدناءة شر، و مجالسة اهل الفسق ریبة.
سئل الحسین بن علی (ع) کیف اصبحت یا ابن رسول اللّه؟
قال: اصبحت ولی رب فوقی، و النار امامی، و الموت یطلبنی، و الحساب محدق بی، و انا مرتهن بعملی، و لا اجد ما احب و لا ادفع ما اکره، و الامور بید غیری، فان شاء عذبنی، و ان شاء عفا عنی، فای فقیر افقر منی؟

خصومة یزید:

و لما مات معویة بن ابی سفیان و ذلک فی النصف من رجب سنة ستین من الهجرة کتب یزید الی عامل المدینة و هو الولید بن عتبة بن ابی سفیان یأمره ان یأخذ البیعة له من الحسین بن علی خاصة و من اهل المدینة عامة، ثم یقول فی الکتاب «و اذا امتنع الحسین عن البیعة فاضرب عنقه و ابعث الیّ برأسه»!!
یقول العقاد فی کتابه (ابو الشهداء): «قبل ان یقف الحسین و یزید کانت الحوادث قد جمعت لها اسباب التنافس و الخصومة منذ اجیال ... فقد تنافس هاشم و امیة علی الزعامة قبل ان یولد علی و معاویة، و قد اسلم ابو سفیان و ابنه معاویة عند فتح مکة و کان اسلامهما اعسر اسلام عرف بعد فتحها ... و ظل ابو سفیان الی ما بعد اسلامه زمنا یحسب غلبة الاسلام غلبة علیه فنظر الی النبی مرة و هو بالمسجد نظرة الحائر المتعجب و هو یقول لنفسه لیت شعری بأی شی‌ء غلبنی. فلم یخف علی النبی علیه السلام معنی هذه النظرة ..»
و لخص المقریزی المنافسة التی بین الهاشمیین و الامویین فی بیتین قال:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 189 عبد شمس قد أضرمت لبنی‌هاشم حربا یشیب منها الولید
فابن حرب للمصطفی، و ابن هندلعلی، و للحسین یزید
و کان الولید بن عتبة- و قد تلقی امر یزید بن معاویة باخذ البیعة من الحسین- رجلا یحب العافیة فارسل الی الحسین یطلب منه الحضور فی دار الامارة، فاستدعی الحسین جماعة من اهل بیته و اقبل بهم و قال لهم: ان الولید استدعانی و لا آمن ان یکلفنی امرا لا اجیبه الیه، فکونوا علی الباب فان سمعتم صوتی قد علا فادخلوا علی لتمنعوه عنی، و حین صار الی الولید وجد عنده مروان بن الحکم، فنعی الیه الولید معاویة فاسترجع الحسین ثم قرأ علیه کتاب یزید فقال: نصبح و نری، فقال مروان: و اللّه لئن فارقک الحسین الساعة و لم یبایع لا قدرت منه علی مثلها ابدا و لکن احبس الرجل اما ان یبایع او تضرب عنقه، فوثب الیه الحسین و قال: یا ابن الزرقاء انت تقتلنی ام هو؟ کذبت و اللّه و لئمت، ثم اقبل علی الولید و قال: یا امیر إنّا اهل بیت النبوة، و موضع الرسالة، بنا فتح اللّه، و بنا یختم، و یزید رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، و مثلی لا یبایع مثله، و لکن نصبح و تصبحون، و ننظر و تنظرون، اینا احق بالخلافة و البیعة؟ و ارتفع صوت الحسین فدخل اخوته و ابناؤه فقام و خرج. ثم هیأ نفسه و توجه الی مکة للیلتین بقیتا من رجب و هو یقرأ «فخرج منها خائفا یترقب قال ربی نجنی من القوم الظالمین» و دخل مکة لثلاث لیال خلون من شعبان و هو یقرأ «و لما توجه تلقاء مدین قال عسی ربی ان یهدینی سواء السبیل» و لما بلغ اهل الکوفة امتناع الحسین عن البیعة لیزید ثارت احاسیسهم و کوامن نفوسهم ضد الامویین فکاتبوا الحسین بالطاعة له و الثورة ضد الامویین، حتی توافدت علیه الوفود و تقاطرت الرسل بآلاف الرسائل، فارسل الحسین الیهم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 190
ابن عمه مسلم بن عقیل فی النصف من شهر رمضان و دخل الکوفة فی الخامس من شوال. و اقبل الناس علی الترحیب به، و بایعوه حتی احصی دیوانه ثمانیة عشر الفا فی ذلک الیوم. اما الحسین فلما علم بذلک توجه یوم الترویة لثمان خلون من ذی الحجة، و فی اثناء الطریق علم بمقتل رسوله مسلم بن عقیل و خضوع الکوفة لامر بنی امیة و جاءته فصیلة من الجیش یطلبون منه الوصول الی الکوفة و النزول عند امر عبید اللّه بن زیاد عامل یزید علی الکوفة- فامتنع الحسین و اخذ طریقا لا یرده الی المدینة و لا یدخله الکوفة- لانه اراد الرجوع الی المدینة، و القوم ارادوا منه القدوم الی الکوفة- فوصل الی ضریح سیدنا العباس (ع) بکربلاء
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 191
کربلاء یوم الخمیس و هو الیوم الثانی من المحرم و فی الیوم العاشر من المحرم کانت الوقعة التی هزت الانسانیة هزا عنیفا و التی اقامت الدنیا و اقعدتها.

اولاده:

و کان له من الاولاد ستة ذکور و ثلاث بنات و هم:
علی الاکبر شهید کربلاء- و امه لیلی بنت ابی مرة بن عروة بن مسعود الثقفی.
و علی السجاد المعروف بزین العابدین، و امه شاه زنان بنت یزدجرد کسری ملک الفرس و معنی شاه زنان: ملکة النساء.
جعفر، مات فی حیاة ابیه، و لا بقیة له، و امه قضاعیة.
عبد اللّه، قتل مع ابیه صغیرا جاءه سهم و هو فی حجر ابیه فذبحه.
سکینة بنت الحسین- امها الرباب بنت امری‌ء القیس الکلبی، و هی ام عبد اللّه بن الحسین.
فاطمة بنت الحسین- امها بنت اسحاق بنت طلحة بن عبید اللّه تیمیّة.
و جاء فی کتاب السیرة ان للحسین بنتا اسمها رقیة، و هی المدفونة بالشام فی سوق العمارة و لها ضریح یزار، و مسجد یجاوره، یقصده اهل الشام و غیرهم بالنذور و العطور.
و یقال ان للحسین بنتا رابعة، اسمها زینب.

مقتله:

لقد کانت الواقعة یوم الجمعة او یوم السبت و هو یوم العاشر من المحرم سنة احدی و ستین من الهجرة و المصادف (680) فی 10 اکتوبر و ذلک بعد صلاة الظهر و عمره سبع و خمسون سنة و کان عدد من قتل معه من اهل بیته و عشیرته ثمانیة عشر نفسا: فمن اولاد علی ستة و هم: العباس، و عبد اللّه، و عثمان، و جعفر، و عبید اللّه، و ابو بکر.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 192
و من اولاد الحسن ثلاثة و هم: القاسم، و ابو بکر، و عبید اللّه.
و من اولاد الحسین اثنان و هما علی بن الحسین، و عبد اللّه الطفل المذبوح بالسهم.
و من اولاد عبد اللّه بن جعفر اثنان و هما: محمد، و عون.
و من اولاد عقیل ثلاثة و هم: عون، و جعفر، و عبد الرحمن.
و من اولاد مسلم بن عقیل اثنان و هما: عبد اللّه، و عبید اللّه.
فهؤلاء ثمانیة عشر نفسا من اهل البیت قتلوا مع الحسین و کلهم مدفونون فیما یلی رجلی الحسین فی مشهده بکربلاء، و اما العباس فانه دفن ناحیة عنهم فی موضع المعرکة عند المسناة و قبره ظاهر.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 193

الامام الرابع علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

اشارة

هو رابع لأئمة عند الشیعة- و زین العابدین اشهر القابه، ولد بالمدینة الطیبة یوم الجمعة لخمس خلون من شعبان او لتسع خلون منه، و قال الشیخ فی (المصباح) و ابن طاوس فی (الاقبال) ان مولده کان فی النصف من جمادی الاولی، و ذلک سنة ثمان و ثلاثین او سبع و ثلاثین او ست و ثلاثین، ای فی خلافة جده امیر المؤمنین بغیر خلاف من ذلک، و کان عمره یوم واقعة الطف بکربلاء ثلاثا و عشرین سنة، و بقی بعد ابیه اربعا و ثلاثین سنة علی الاشهر، فتکون ولادته بالتاریخ المیلادی سنة 715، قال المفید فی الارشاد: و کان امیر المؤمنین علی علیه السلام ولّی حرّیث بن جابر الحنفی جانبا من المشرق فبعث الیه ببنتی یزدجرد بن شهریار فنحل ابنه الحسین (شاه زنان) منهما فأولدها زین العابدین و ماتت فی نفاسها، فهی ام ولد و نحل الاخری محمد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 194
بن ابی بکر، فولدت له القاسم فهما ابنا خالة، و شهد زین العابدین وقعة کربلاء مع ابیه الحسین و حال بین اشتراکه فی الحرب مرضه و اسر و سبی و لما لم یطق الرکوب و الثبات فوق ظهر الجمل لشدة مرضه قیّد بالحبال و وضعت الجامعة فی رقبته و جی‌ء به علی هذه الحالة و ادخل مع السبایا من عیالات الحسین الی مجلس عبید اللّه بن زیاد فی الکوفة ثم مجلس یزید بن معاویة فی الشام و قد جرت فی المجلس الاول محاورة غضب لها ابن زیاد و امر بقتله فما راع زین العابدین هذا التهدید و قال لابن زیاد:
«أبا القتل تهددنی یا ابن زیاد؟ اما علمت ان القتل لنا عادة، و کرامتنا من اللّه الشهادة».
و فی المجلس الثانی ندد باعمال یزید و ارتکابه قتل ریحانة رسول اللّه و ذکره بمنزلة آبائه و اجداده. ففی الوقت الذی کان جده الامام علی یرفع رایة الاسلام کان معاویة و ابوه یحملان رایة الکفر یذبان عن الشرک و الالحاد و قال لیزید:
«یا یزید انک لو تدری ماذا صنعت و ما الذی ارتکبت من ابی و اهل بیتی و اخی و عمومتی اذن لهربت فی الجبال و افترشت الرمال، و دعوت بالویل و الثبور» الی ان قال له «فابشر بالخزی و الندامة»

صفاته

کان یدعی (زین العابدین) و یدعی (بالسجاد) و یدعی (بذی النفثات) و قد امتلأ التاریخ باخبار زهده و کرمه و بلاغته.
و روی انه حج علی ناقته عشرین حجة فما قرعها بسوط، و فی روایة:
اثنتین و عشرین حجة، و لقد سئلت عنه مولاة له، فقالت أ أطنب ام اختصر؟ فقیل لها بل اختصری: فقالت ما اتیته بطعام فی نهار قط و ما فرشت له فراشا بلیل قط.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 195
و جری ذکره فی مجلس عمر بن عبد العزیز فقال «ذهب سراج الدنیا و جمال الاسلام زین العابدین» و قال ابن خلکان هو احد الائمة الاثنی عشر، و من سادات التابعین و کان یصلی فی اللیل و الیوم الف رکعة و روی الاربلی فی (کشف الغمة) فقال «کانت له جاریة نصب الماء علی یده فغفلت فسقط الابریق من یدها علی وجه الامام فشجه فرفع راسه الیها فقالت: و الکاظمین الغیظ، قال: کظمت غیظی، قالت و العافین عن الناس، قال عفوت عنک، قالت: و اللّه یحب المحسنین، قال: اذهبی فانت حرة لوجه اللّه ..»
و کان علیه السلام لا یضرب مملوکا له بل یکتب ذنبه عنده حتی اذا کان شهر رمضان جمعهم؛ و قررهم بذنوبهم، و طلب منهم ان یستغفروا له اللّه کما غفر لهم، ثم یعتقهم و یجیزهم بجوائز ای یفض علیهم الهبات و الصلات، و ما استخدم خادما فوق حول، و فی (العقد الفرید) لابن عبد ربه قال و وفد الناس علیه فی المسجد یلمسون یده محبة للخیر و تفاؤلا، فکان الرجل یدخل الی مسجد رسول اللّه فیراه، فیذهب الیه من فوره، او بعد صلاته، یقبل یده و یضعها علی عینیه یتفاءلون و یرجون الخیر.
و جاء فی (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالکی: کان علی بن الحسین یتصدق سرا و یقول صدقة السر تطفی‌ء غضب الرب، قال: و قال ابن عائشة سمعت اهل المدینة یقولون ما فقدنا صدقة السر حتی مات علی بن الحسین، و عن روایة احمد بن حنبل و الصدوق فی (الخصال) عن الامام الباقر علیه السلام. انه کان یعیل بمائة بیت فقیر من فقراء المدینة و کان فی کل بیت جماعة من الناس، و انه کان یحمل الجراب علی ظهره باللیل فیتصدق به.
و کان لا یأکل طعاما حتی یبدأ فیتصدق بمثله، و اذا انقضی الشتاء تصدق بکسوته، و کان یلبس فی الشتاء ثیاب الخز، فقیل له تعطیها من لا یعرف قیمتها و لا تلیق به لباسا، فلو بعتها فتصدقت بثمنها، فقال انی اکره ان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 196
ابیع ثوبا صلیت فیه، و اراد الحج فاتخذت له اخته سکینة طعاما بالف درهم فلما صار (بظهر الحرة) تصدق به علی المساکین.
و لما کانت وقعة (الحرة) اراد مروان ان یستودع اهله، فلم یأوهم احد، و تنکر الناس له و مروان من یعرف التأریخ کرهه لاهل البیت- الا الامام زین العابدین فانه جعل اهل مروان مع عیاله، و جمع اربعمایة ضائنة بحشمهن فضمهن الی بیته، حتی قالت واحدة: «و اللّه ما عشت بین ابوی کما عشت فی کنف ذلک الشریف».
و حکی عن (ربیع الابرار) للزمخشری: انه «لما وجّه یزید بن معاویة قائده مسلم بن عقبة لاستباحة المدینة المنورة، ضم علی بن الحسین علیه السلام الی نفسه اربعمائة ضاننة بحشمهن یعولهن الی ان تقوض جیش مسلم، فقالت امرأة منهن: (ما عشت و اللّه بین ابوی بمثل ذلک الشریف)».
و عن الامام الباقر قال: لما حضرت ابی علی ابن الحسین الوفاة ضمنی الی صدره، و قال: یا بنی اوصیک بما اوصانی به أبی حین حضرته الوفاة، و بما ذکر ان اباه اوصاه به قال: یا بنی ایاک و ظلم من لا یجد علیک ناصرا الا اللّه، و سئل الامام علی بن الحسین عن العصبیة فقال «العصبیة التی یأثم علیها صاحبها ان یری الرجل شرار قومه خیرا من خیار قوم آخرین، و لیس من العصبیة ان یحب الرجل قومه، و لکن من الصعبیة ان یعین قومه علی الظلم».

من اقواله و حکمه

کان زین العابدین الی جانب ما اشتهر به من الزهد و التقوی و الکرم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 197
نسیج وحده فی عصره من حیث البلاغة و ان (الصحیفة السجادیة) التی تجمع ادعیته و ابتهالاته لهی الواح خالدة من البلاغة و الحکمة و الفلسفة و معرفة اللّه.
یقول فی حمده اللّه و تمجیده «الحمد للّه الاول بلا اول کان قبله، و الاخر بلا اخر یکون بعده، الذی قصرت عن رؤیته ابصار الناظرین، و عجزت عن نعته اوهام الواصفین، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا، و اخترعهم علی مشیئته اختراعا، ثم سلک بهم طریق ارادته، و بعثهم فی سبیل محبته، لا یملکون تاخیرا عما قدمهم الیه، و لا یستطیعون تقدما الی ما اخرهم عنه، و جعل لکل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه، لا ینقص من زاده ناقص، و لا یزید من نقص منهم زائد، ثم ضرب له فی الحیاة اجلا موقوتا، و نصب له امدا محدودا، یتخطأ الیه بایام عمره، و یرهقه باعوام دهره، حتی اذا بلغ اقصی اثره، و استوعب حساب عمره، قبضه الی ما ندبه الیه من موفور ثوابه، او محذور عقابه، لیجزی الذین اساؤا بما عملوا، و یجزی الذین احسنوا بالحسنی، عدلا منه، تقدست اسماؤه، و تظاهرت آلاؤه، لا یسئل عما یفعل و هم یسألون،
و الحمد للّه الذی لو حبس عن عباده معرفة حمده علی ما ابلاهم من مننه المتتابعة، و اسبغ علیهم من نعمه المتظاهرة، لتصرفوا فی مننه فلم یحمدوه، و توسعوا فی رزقه فلم یشکروه، و لو کانوا کذلک لخرجوا من حدود الانسانیة الی حدود البهیمیة، فکانوا کما وصف فی محکم کتابه (ان هم الا کالانعام بل هم اضل سبیلا) ...»
و من دعائه قوله: «اللهم اعتذر الیک من مظلوم ظلم بحضرتی فلم انصره، و من معروف أسدی الی فلم اشکره، و من مسی‌ء اعتذر الی فلم اعذره، و من ذی فاقة سألنی فلم اوثره، و من حق ذی حق لزمنی فلم اوفره، و من عیب مؤمن ظهر لی فلم استره»
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 198
و من دعائه فی مکارم الاخلاق قوله:
«اللهم صل علی محمد و اله و حلّنی بحلیة الصالحین، و ألبسنی زینة المتقین فی بسط العدل، و کظم الغیظ، و اطفاء النائرة، و ضم اهل الفرقة، و اصلاح ذات البین، و لین العریکة، و خفض الجناح، و حسن السیرة و السبق الی الفضیلة و القول بالحق و ان عزّ، و استقلال الخیر و ان کثر من قولی و فعلی، و استکثار الشر و ان قل من قولی و فعلی، و لا ترفعنی فی الناس درجة الا حططتنی عند نفسی مثلها، و لا تحدث لی عزّا ظاهرا الا احدثت لی ذلة باطنة عند نفسی بقدرها».

وفاته

و روی بن الصباغ المالکی فی (الفصول المهمة) ان الامام علی بن الحسین مات مسموما، سمه الولید بن عبد الملک، و قال الصدوق و ابن طاووس فی الاقبال سمّه الولید بن عبد الملک، فلما توفی غسله ولده (محمد الباقر) و حنطه، و کفنه، و صلی علیه و دفنه،
قال سعید بن المسیب و شهد جنازته البر و الفاجر، و اثنی علیه الصالح و الطالح، و انهال الناس یتبعونه حتی لم یبق احد، و دفن بالبقیع مع عمه الحسن فی القبة التی فیها العباس،
توفی علیه السلام بالمدینة سنة خمس و تسعین من الهجرة فی شهر المحرم 25 منه و له 57 سنة من العمر علی المشهور، و العقب من الحسین منحصر فیه، و منه تناسل ولد الحسین علیه السلام.

اولاده

اولاد الامام زین العابدین خمسة عشر:
ابو جعفر الباقر- امه فاطمة بنت الحسن السبط،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 199
عبد اللّه، الحسن، الحسین الاکبر، امهم ام ولد،
زید، عمر، امهما ام ولد،
الحسین الاصغر، عبد الرحمن، سلیمان، امهم ام ولد،
علی (و هو اصغر ولده) خدیجة، امهما ام ولد،
محمد الاصغر امه ام ولد،
فاطمة، علیة، ام کلثوم، امهن ام ولد.
قال الشیخ عباس القمی فی (سفینة البحار) و هؤلاء کلهم من امهات اولاد الا ابو جعفر الباقر و عبد اللّه الباهر. فان امهما ام عبد اللّه بن الحسن بن علی بن ابی طالب،
و قال ابن زهرة فی (غایة الاختصار) و عقب الامام السجاد فی ستة رجال: محمد الباقر، عبد اللّه الباهر، عمر الاشرف، زید الشهید، حسین الاصغر، علی الاصغر.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 200

الامام الخامس ابو جعفر محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

ولادته:

ابو جعفر محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب ولد بالمدینة المنورة، یوم الجمعة و قیل یوم الاثنین غرة رجب و قیل ثالث صفر کما فی (الوفیات) سنة سبع و خمسین من الهجرة المصادف 676 م و قبض بها یوم الاثنین سابع ذی الحجة سنة اربع عشرة و مائة المصادف 732 م و عمره یومئذ سبع و خمسون سنة مثل عمر ابیه و جده.
عاش مع جده الحسین علیه السلام ثلاث سنین و قیل اربع سنین، و امه فاطمة بنت الحسن السبط، فهو اول علوی ولد بین علویین، و اول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسین، و تکنی امه بام عبد اللّه و ام الحسن، قال الامام الصادق: کانت صدیقة لم یدرک فی آل الحسن امرأة مثلها،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 201
و یکنی بابی جعفر، و یلقب بالباقر.

صفاته

قال ابن شهر آشوب فی (المناقب) کان الامام محمد الباقر، ربع القامة، رقیق البشرة، جعد الشعر، اسمر له خال علی خده، ضامر الکشح، حسن الصوت، مطرق الرأس، و کان اصدق الناس لهجة، و احسنهم بهجة، و ابذلهم مهجة.
قال الشیخ المفید فی (الارشاد): و کان الباقر محمد بن علی بن الحسین علیهم السلام من بین اخوته خلیفة ابیه، و وصیه، و القائم بالامامة من بعده، و برز علی جماعتهم بالفضل فی العلم، و الزهد، و السؤدد، و کان انبههم ذکرا، و اجلّهم فی العامة و الخاصة، و اعظمهم قدرا، و لم یظهر عن احد عن ولد الحسن و الحسین من علم الدین، و الاثار، و السنة، و علم القرآن، و السیرة، و فنون الآداب ما ظهر عن ابی جعفر، و روی عنه معالم الدین بقایا الصحابة، و وجوه التابعین، و رؤساء الفقهاء المسلمین، و کتبوا عنه تفسیر القرآن، و قال ابن سعد فی (الطبقات) «و کان محمد الباقر عالما عابدا، ثقة، و روی عنه ابو حنیفة و غیره» و قال ابن خلکان فی (الوفیات) «و کان الباقر عالما سیدا کبیرا، و انما قیل له الباقر لانه تبقر فی العلم ای توسع».
و قال ابن حجر فی (الصواعق): «أظهر الباقر من مخبئات کنوز المعارف، و حقائق الاحکام و الحکم و اللطائف ما لا یخفی الاعلی منطمس البصیرة، او فاسد الطویة و السریرة».
و قال ابن ابی الحدید فی (شرح نهج البلاغة) (کان محمد بن علی بن الحسین سید فقهاء الحجاز، و منه و من ابیه جعفر تعلم الناس الفقه).
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 202
قال الفیروزآبادی فی (قاموس المحیط) لقب بالباقر لتبحره بالعلم و (فی لسان العرب) لابن منظور: «لقب به لانه بقر العلم، و عرف اصله، و استنبط فرعه، و توسع فیه، و (التبقر) التوسع».
و جاء فی (امالی) ابی علی القالی قال: دخل ابو جعفر محمد بن علی بن الحسین علی عمر بن عبد العزیز؛ فقال یا ابا جعفر أوصنی قال (اوصیک ان تتخذ صغیر المسلمین ولدا؛ و اوسطهم اخا؛ و کبیرهم ابا؛ فارحم ولدک؛ وصل اخاک؛ و برّ اباک؛ و اذا صنعت معروفا فربّه) ای أدمه.
و قال (الذهبی) فی تذکرة الحفاظ ج 1 ص 117 «الطبقة الثالثة من التابعین ابو جعفر محمد بن علی بن الحسین علیه السلام، الثبت الهاشمی العلوی، احد الاعلام، و کان سید بنی هاشم فی زمانه، اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم یعنی شقه فعلم اصله و خفیّه».

من اقواله و حکمه

من اقواله المشهورة قال فی اقسام العبادة (ان قوما عبدوا اللّه رغبة، فتلک عبادة التجار، و ان قوما عبدوا اللّه رهبة فتلک عبادة العبید، و ان قوما عبدوا اللّه شکرا فتلک عبادة الاحرار.
قال الجاحظ: «جمع الباقر صلاح شان الدنیا بحذافیرها بکلمتین حیث قال «صلاح شان التعایش و التعاشر مثل مکیال ثلثاه فطنة و ثلثه تغافل».
قال الجاحظ: انه لم یجعل لغیر الفطنة نصیبا من الخیر، و لا حظا من الصلاح، لان الانسان لا یتغافل عن شی‌ء الا و قد عرفه و فطن له،
و قال الباقر فی الزوجة: «اللهم ارزقنی امرأة تسرنی اذا نظرت، و تطیعنی اذا أمرت، و تحفظنی اذا غبت».
و قال فی الکبر «ما دخل قلب امری‌ء شی‌ء من الکبر الا و نقص من
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 203
عقله مثل ما دخل فیه قل او کثر».
و جاء فی کشف الغمة للاربلی: ان اجتمع عند الباقر مرة نفر من بنی هاشم و غیرهم فقال:
«اتقوا اللّه شیعة آل محمد، و کونوا النمرقة الوسطی، یرجع الیکم الغالی، و یلحق بکم التالی».
قالوا و ما الغالی؟
قال: الذی یقول فینا ما لا نقوله فی انفسنا.
قالوا: و ما التالی؟
قال: الذی یطلب الخبر فیزید فیه خبرا و اللّه ما بیننا و بین اللّه قرابة، و لا لنا علی اللّه من حجة، و لا نتقرب الیه الا بالطاعة، فمن کان منکم مطیعا للّه یعمل بطاعته نفعته ولایتنا اهل البیت، و من کان منکم عاصیا اللّه بعمل بمعاصیه لم تنفعه ولایتنا، و یحکم لا تفتروا (و قالها ثلاثا) .. ثم الحذر بن الکبر ..»

اولاده: سبعة و هم:

جعفر الصادق، عبد اللّه، امهما فروة بنت القاسم بن محمد بن ابی بکر.
ابراهیم، عبد اللّه. (لم یعقبا) امهما ام حکیم الثقفیة.
علی، زینب، لام ولد.
ام سلمة، لام ولد.

وفاته

توفی الامام الباقر فی خلافة هشام بن عبد الملک، و قال الصباغ المالکی (الفصول المهمة): انه مات بالسم فی زمن ابراهیم بن الولید بن عبد الملک
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 204
و قبض بالمدینة یوم الاثنین سابع ذی الحجة سنة اربع عشرة و مائة من الهجرة (732 م) و عمره یومئذ سبع و خمسون سنة مثل عمر ابیه و جده و دفن بالبقیع الی جانب ابیه زین العابدین و عم ابیه الحسن، فی القبة التی فیها العباس.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 205

الامام السادس ابو عبد اللّه جعفر الصادق بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

ولادته

ولد بالمدینة یوم الجمعة او الاثنین عند طلوع الفجر فی السابع عشر من ربیع الاول و قیل غرة رجب سنة ثلاث و ثمانین من الهجرة و قیل عام الجحاف سنة ثمانین من الهجرة رواه ابن طلحة فی (مطالب السؤول) اما القول الاول فرواه المفید و الکلینی و الشهید و بالتاریخ المیلادی اما ان یکون سنة 700 او 703 م.
امه فاطمة المکناة بام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابی بکر، و القاسم ابوها هو من ثقاة الامام زین العابدین و احد الفقهاء السبعة بالمدینة وجدها
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 206
محمد بن ابی بکر کان بمثابة ولد من اولاد الامام امیر المؤمنین و امها اسماء بنت عبد الرحمن بن ابی بکر، قالوا و لذا قال الامام الصادق ولدنی ابو بکر مرتین و هو الامام الذی تنتهی اصول الشیعة و مذهبهم الیه و لذلک سموا بالجعفریة و سمی الامامیة بالجعفریین نسبة الی جعفر الصادق.
و اشهر القاب الامام هو (الصادق) و قال کثیر من العلماء: لقب به لصدق حدیثه.

صفاته

قال ابن شهر اشوب کان ربع القامة، ازهر الوجه، حالک الشعر جعده اشم الانف انزع، دقیق المسربة علی خده خال اسود و جاء فی کتاب (الامام الصادق) لمؤلفه محمد ابی زهرة ما نصه: کان الامام الصادق ربعة لیس بالطویل و لا بالقصیر ابیض الوجه. ازهر له لمعان کأنه السراج اسود الشعر جعده اشم الانف قد انحسر الشعر عن جبینه فبدا مزهرا و علی خده خال اسود.
و قال کمال الدین محمد بن طلحة فی کتابه (مطالب السؤول) و کان الصادق من عظماء اهل البیت و ساداتهم، ذا علوم جمة، و عبادة موفورة، و اوراد متواصلة، و زهادة بینة، و تلاوة کثیرة، یتتبع معانی القرآن الکریم و یستخرج من بحره جواهره و یستنتج عجائبه.

علومه

اشتهر الامام جعفر الصادق بغزارة العلوم و لا سیما فی الطب. و الکیمیاء و خلف آثارا عجیبة من ذلک (طب الصادق) و (امالیه) و قد خلف عشرات من کبار علماء الطب و الفلک و الکیمیاء و کلهم یروی عنه بالاضافة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 207
الی علم الکلام و الفقه و الحدیث و قد روی جابر بن حیان الکیماوی العربی الشهیر الشی‌ء الکثیر من الآراء الکیمیاویة فی مؤلفاته عن الامام جعفر الصادق و قال الدکتور محمد یحیی الهاشمی فی کتابه (الامام الصادق ملهم الکیمیاء) ان (هو لمیارد) قد اورد فی دراسته لجابر بن حیان فی نشرات الجمعیة الطبیة الملکیة البریطانیة ما یؤکد استقاءه علمه من معین الامام جعفر الصادق اذ یقول (هو لمیارد) «ان جابرا هو تلمیذ جعفر الصادق و صدیقه و قد وجد فی إمامه الفذ سندا و معینا و راشدا امینا و موجها لا یستغنی عنه و قد سعی جابر ان یحرر الکیمیاء بارشاد استاذه من اساطیر الاولین التی علقت بها من الاسکندریة فنجح فی هذا السبیل الی حد بعید من اجل ذلک یجب ان یقرن اسم جابر مع اساطین هذا الفن فی العالم امثال (بویله) و (بریستله) و (لا فوازیه) و غیرهم من الاعلام».
ثم یقول و اذا درسنا فهرست ابن الندیم نجد حقیقتین لا محید عنهما.
اولا-: ان جابرا کان علی اتصال مع البرامکة
ثانیا- مع أئمة الشیعة المعاصرین له
و قد ناقش البعض کیفیة احاطة الامام جعفر الصادق بکل هذه العلوم و لا سیما علم الکیمیاء و من هؤلاء کان (روسکا) ورد علیهم العلماء الآخرون بالدراسة المنطقیه المثبتة و من هؤلاء الرادّین (هولمیار) و الدکتور محمد یحیی الهاشمی، و اسماعیل مظهر، الذی یتلخص رده علی (روسکا) بان (روسکا) اذا قال انه لم یعرف ان (المدینة) کانت مرکزا لدراسة علم الکیمیاء- ان کان صحیحا- فان صحته لا تنافی مطلقا ان یکون الامام جعفر الصادق قد درس الکیمیاء فی مکان آخر ثم یقول:
و لهذا نقول بان جعفرا إذ کان من عمدة الشیعة و ائمتها الکبار و إذ کان علی اتصال بشیعة فارس (و کانوا یعکفون علی الاشتغال بالکیمیاء) فلهذا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 208
لیس من سبب ظاهر یحول دون الاعتقاد بانه کان یشتغل بعلم الکیمیاء من طریق نظری علی الاقل ان لم یکن من طریق عملی تجربی.
و قال کمال الدین محمد بن طلحة فی کتابه (مطالب السؤول): و کان ممن نقل عن الصادق الحدیث و افاد منه العلم جماعة من اعیان الائمة و اعلامهم مثل یحیی بن سعید الانصاری، و ابن جریح و مالک بن انس، و سفیان الثوری ، و ابن عیینه، و ابی حنیفة، و شعبة بن الحجاج، و ایوب السجستانی و غیرهم و عدوا اخذهم منه منقبة شرفوا بها و فضیلة اکتسبوها.
و قال مالک بن انس- فقیه اهل السنة- ما رأت عین، و لا سمعت اذن، و لا خطر علی قلب بشر، افضل من جعفر الصادق فضلآ، و علما، و عبادة، و ورعا، و کان لا یخلو من احدی حالات ثلاث: اما صائما، و اما قائما، و قال الشهرستانی فی الملل و النحل «هو ذو علم غزیر فی الدین، و ادب کامل فی الحکمة، و زهد بالغ فی الدنیا، و ورع تام عن الشهوات، و قد اقام بالمدینة مدة ثم دخل العراق و اقام به مدة، ما تعرض للامامة قط، و لا نازغ احدا فی الخلافة، و من غرف فی بحر المعرفة لم یطمع فی شط، و من تعلی ذروة الحقیقة لم یخف من حط، و قیل من انس باللّه استوحش عن الناس، و من استأنس بغیر اللّه نهبه الوسواس، و هو من جهة الاب ینتسب الی شجرة النبوة، و من جانب الام الی ابی بکر» انتهی ..
قال الشیخ المفید فی (الارشاد) و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرکبان، و انتشر ذکره فی البلدان، قال الحسن بن علی الوشا من اصحاب الرضا علیه السلام- ادرکت فی هذا المسجد- یعنی مسجد الکوفة- تسعمایة شیخ کل یقول حدثنی جعفر بن محمد، و دخل علیه سفیان الثوری
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 209
یوما فسمع منه کلاما اعجبه، فقال هذا و اللّه- یا ابن رسول اللّه- الجوهر.
فقال له: بلی هذا خیر من الجوهر و هل الجوهر الا حجر.
قال ابن شهر آشوب: لا یخلو کتاب من کتب الحدیث، و الحکمة، و الزهد، و الموعظة، من کلام الامام الصادق: قال ابن خلکان فی (وفیاته) «جعفر بن محمد الصادق هو احد الائمة الاثنی عشر- علی مذهب الامامیة- و کان من سادات اهل البیت، و لقب بالصادق لصدقه فی مقالته. و فضله اشهر من ان یذکر، و له کلام فی صنعة الکیمیاء، و الزجر، و الفال. و کان تلمیذه ابو موسی الزاجز جابر بن حیان الصوفی الطرسوسی قد ألف کتابا یشتمل علی الف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق و هی خمسمائة رسالة».
و قال القرمانی فی ص 112 «الفصل الخامس فی ذکر عالم الحقائق و الدقائق الامام جعفر الصادق رضی اللّه عنه» و کان من بین اخوته خلیفة ابیه و وصیه نقل عنه العلوم ما لم ینقل عن غیره و کان رأسا فی الحدیث و روی عنه یحی بن سعید، و ابن جریح، و مالک بن انس، و الثوری، و ابن عیینه، و ابو حنیفة و شعبة ابو ایوب السجستانی، و غیرهم» و قد نقل ان کتاب الجفر الذی بالمغرب یتوارثه بنو عبد المؤمن و نقل ابن شهراشوب عن مسند ابی حنیفة «ان حسن بن زیاد قال سمعت ابا حنیفة و قد سئل من افقه الناس ممن رأیت؟ قال: جعفر الصادق بن محمد، لما طلبه المنصور من المدینة ارسل الی و قال قد فتن الناس بجعفر بن محمد، فتأهّب ان تسأله اشکل مسائلک، فاحضرت له اربعین مسألة فاحضرنی المنصور و کان فی (الحیرة) فقصدته و رأیت جعفر جالسا عن یمینه فلما وقع نظری علیه هبته هیبة لم أهب مثلها
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 210
المنصور مع شدة بطشه فسلمت علیه فأشار الیّ بالجلوس، فتوجه الی الصادق و قال یا أبا عبد اللّه ان هذا ابو حنیفة، فقال اعرفه، ثم توجه الیّ المنصور و قال: سل ابا عبد اللّه عن مسائلک .. فما زلت اسأله فیجیب و یقول انتم تقولون کذا و اهل المدینة یقولون کذا و کانت فتواه تارة موافقة لنا و اخری موافقة لاهل المدینة، و ربما خالف الجمیع فی بعض فتواه فلم یخل بواحدة منها، اذا فأعلم الناس باختلاف الاقوال اعلمهم جمیعا و افقههم»
و فی (حلیة الاولیاء) لابی نعیم بعد ما جاء باسماء اعلام الاسلام و روایتهم عنه قال و اخرج عنه مسلم فی صحیحه، محتجا بحدیثه، و کان مالک بن انس اذا حدث عنه قال: «حدثنی الثقة بعینه»

بعض اقواله و حکمه

من أکرمک فأکرمه، و من استخف بک فأکرم نفسک عنه.
ثلاثة لا یزید اللّه بها المسلم الا عزا: الصفح عمن ظلمه، و الاعطاء لمن حرمه، و الصلة لمن قطعه، من حقیقة الایمان ان تؤثر الحق و ان ضرّک، علی الباطل و ان نفعک، و ان لا یجوز منطقک عملک،
تهادوا و تحابوا فان الهدیة تذهب بالضغائن،
الغضب مفتاح کل شر،
من لم یملک غضبه لم یملک عقله،
انقص الناس عقلا من ظلم من دونه و لم یصفح عمن اعتذر الیه،
المؤمن اذا غضب لم یخرجه غضبه عن حق، و اذا رضی لم یدخله رضاه فی باطل،
طلب الحوائج الی الناس استلاب للعز، و مذهبة للحیاء، و الیأس مما فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 211
ایدی الناس عز للمؤمن فی دینه، و الطمع هو الفقر الحاضر.
لا تغتب فتغتب، و لا تحفر لاخیک حفرة فتقع فیها، فانک کما تدین تدان الحیاء من الایمان، من رقّ وجهه رقّ علمه، لا ایمان لمن لا حیاء له
سرّک من دمک فلا تجره فی غیر اوداجک، و صدرک اوسع لسرّک
الرجال ثلاثة: رجل بماله، و رجل بجاهه، و رجل بلسانه، و هو افضل الثلاثة مجاملة الناس ثلث العقل
المنّ یهدم الصنیعة
افضل الصداقة ابراد کبد حری
اربعة تذهب ضیاعا: مودة تمنحها من لا وفاء له، و معروف عند من لا شکر له، و علم عند من لا استماع له، و سر تودعه من لا حصانة له
المعروف ابتداء، فاما ما اعطیته بعد المسألة فانما کافیته بما بذل لک من وجهه
و الامام الصادق نسیج وحده من حیث سمو الخلق و حسن الادب و لطف المعشر فمن وصیة یوصی بها عنوان البصری: «... و من شتمک فقل له ان کنت صادقا فاسأل اللّه ان یغفر لی، و ان کنت کاذبا فیما تقول فاللّه اسأل ان یغفر لک».

اولاده:

اولاده و عددهم عشرة:
اسماعیل ، و عبد اللّه ، اسماء، و قیل عالیة، و تکنی بأم فروة، مهم بنت الحسین بن علی بن الحسین بن ابی طالب، موسی الکاظم،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 212
اسحاق، محمد المعروف بالدیباج، فاطمة الکبری، امهم ام ولد، اسمها حمیدة بنت صاعد العباس، علی فاطمة الصغری، لامهات اولاد شتی.

وفاته

مجمل عمر الامام الصادق خمس و ستون سنة- و هو اکبر الائمة سنا- توفی بالمدینة المنورة یوم الاثنین لخمس بقین من شوال و قیل فی منتصف رجب سنة 148 ثمان و اربعین و مائة و دفن بالبقیع مع ابیه و جده و عمه الحسن علیهم السلام.
قال الکفعمی مات الامام الصادق مسموما فی عنب، و قال ابن الصباغ المالکی فی (الفصول المهمة) یقال ان جعفر الصادق مات بالسم فی ایام المنصور، و عن ابن بابویه سمه المنصور.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 213

الامام السابع موسی الکاظم بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

اشارة

هو سابع ائمة اهل البیت صلوات اللّه علیهم اجمعین. ولد بالایواء یوم الاحد سابع صفر سنة ثمان و عشرین و مائة المصادف 745 م.
امه ام ولد یقال لها حمیدة بنت صاعد المغربیة و یقال انها اندلسیة، و انها کانت حمیدة الصفات و تلقب ب (المصفاة) و ان زوجها الصادق لقبها بذلک.

القابه و کناه

یکنی بابی ابراهیم، و بابی الحسن الاول، و اشهر القابه الکاظم، و یعرف بالعبد الصالح حتی اشتهر بذلک، قال فیه القرمانی هو الامام الکبیر القدر الاوحد الحجة الساهر لیله قائما، القاطع نهاره صائما المسمی لفرط حبه
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 214
و تجاوزه عن المعتدین کاظما، و هو المعروف عند اهل العراق بباب الحوائج لانه ما خاب المتوسل به فی قضاء حاجته قط.

صفاته

قال ابن الصباغ المالکی فی (الفصول المهمة) هو المعروف عند اهل العراق بباب الحوائج لنجح قضاء حوائج المتوسلین به. و قال الشیخ المفید فی (الارشاد) و کان موسی بن جعفر علیهما السلام اجل ولد ابی عبد اللّه قدرا، و اعظمهم محلا، و ابعدهم فی الناس صیتا، و لم یر فی زمانه أسخی منه و لا اکرم نفسا و عشرة، و کان اعبد اهل زمانه، و اورعهم، و اجلهم، و افقههم، و اسخاهم کفا، و اکرمهم نفسا، و کان اوصل الناس لاهله و رحمه، و کان یتفقد فقراء المدینة باللیل فیحمل الیهم الزنبیل فیه العین و الورق و الادقة و التمر فیوصل الیهم ذلک و لا یعلمون من ای جهة هو!!
و کان الناس بالمدینة یسمونه زین المجتهدین، و یسمی بالکاظم لکظمه الغیظ و الصبر علیه من فعل الظالمین به حتی مضی قتیلا فی حبسهم و وثاقهم.
قال کمال الدین محمد بن طلحة الشافعی فی (مطالب السوؤل عن مناقب الرسول) فی الامام الکاظم: هو الامام الکبیر القدر؛ العظیم الشان، الکثیر التهجد، الجاد فی الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب علی الطاعات، المشهور بالکرامات، یبیت اللیل ساجدا و قائما، و یقطع النهار متقصدا و صائما، و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدین علیه دعی کاظما، کان یجازی المسی‌ء باحسانه الیه، و یقابل الجانی علیه بعفوه عنه، و لکثرة عباداته کان یسمی بالعبد الصالح، و یعرف فی العراق (بباب الحوائج الی اللّه) لنجح
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 215
المتوسلین به الی اللّه، کراماته تحار منها العقول، و تقضی بان له عند اللّه تعالی قدم صدق لا تزول.
قال ابن خلکان فی (وفیات الاعیان) کان موسی بن جعفر سخیا کریما، و کان یسمع عن الرجل انه یؤذیه فیبعث الیه بصرة فیها الف دینار.
و کان یصر الصرر ثلثمائة دینار و اربعمائة دینار، و مائتی دینار ثم یقسمها بالمدینة. قال ابو الفرج فی (مقاتل الطالبیین) «و کانت صرار موسی مثلا».
و عن (عمدة الطالب) کان اهله یقولون عجبا لمن جاءته صرة موسی فشکا القلة.
و کان الکاظم انیق الملبس، جمیل الثیاب، و قد روی عبد اللّه بن جعفر الحمیری عن ولده الرضا انه قال: قال لی ابی (ای الکاظم) ما تقول فی للباس الحسن؟ فقلت بلغنی ان (الحسن) کان یلبس، فقال لی البس و تجمل فان علی بن الحسین کان یلبس الجبة الخز بخمسمایة درهم و المطرف الخز بخمسین دینارا فیشتو فیه فاذا خرج الشتاء باعه فتصدق بثمنه و تلا هذه الآیة:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللَّهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ)

ملکاته الادبیة

و فی تحف العقول للحسن بن علی بن شعبة قال ابو حنیفة: حججت فی ایام ابی عبد اللّه الصادق، فلما اتیت المدینة دخلت داره فجلست فی الدهلیز انتظر اذنه اذ خرج صبی فقلت: یا غلام این یضع الغریب الغائط من بلدکم؟ قال علی رسلک ثم جلس مستندا الی الحائط ثم قال:
- توق شطوط الانهار، و مساقط الثمار، و اقنیة المساجد، و قارعة الطریق، و توار خلف جدار، و شل ثوبک، و لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 216
وضع حیث شئت، فاعجبنی ما سمعت من الصبی- یقول ابو حنیفة- فقلت له:
- ما اسمک؟
فقال- انا موسی بن جعفر بن محمد بن علی ابن الحسین بن علی بن ابی طالب!!
کان هارون الرشید یری و یشاهد اقبال الناس علی الامام الکاظم علیه السلام و القبول منه، و الاخذ عنه و الرجوع الیه، و عندما یراه مالکا قلوب الناس متمتعا بهذه الشعبیة المحبوبة تساوره الهواجس و یحاذر علی سلطانه منه، فتراه تاره یسأله فیقول له کیف صرتم ذریة رسول اللّه و انتم بنو علی و انما ینتسب الرجل الی جده لابیه دون جده لامه؟ فیجیبه الامام موسی بقوله (و من ذریته داود و سلیمان و ایوب و یوسف و موسی و هرون و کذلک نجزی المحسنین و زکریا و یحیی و عیسی) و لیس لعیسی اب و انما ألحق بذریة الانبیاء من قبل امه، و کذلک الحقنا بذریة النبی من قبل امنا فاطمة. ثم قال الکاظم للرشید: لو نشر رسول اللّه و خطب الیک کریمتک اکنت تزوجه؟ فقال نعم و افتخر علی العرب و العجم، قال الامام و لکنه لا یخطب منی و لا ازوجه لانه ولدنا و لم یلدکم ...

من اقواله و حکمه

التدبیر نصف العیش، و التودد الی الناس نصف العقل.
کثرة الهم تورث الهرم.
اتق اللّه و قل الحق و ان کان فیه هلاکک فان فیه نجاتک، و دع الباطل و ان کان فیه نجاتک فان فیه هلاکک.
المؤمن مثل کفتی المیزان کلما زید فی ایمانه زید فی بلائه.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 217
لیس حسن الجوار کفّ الاذی، و لکن حسن الجوار الصبر علی الاذی.
سمع الامام موسی بن جعفر رجلا یتمنی الموت فقال له:
- هل بینک و بین اللّه قرابة یحابیک لها؟
قال: لا!
قال: فهل لک حسنات قدمتها تزید علی سیئاتک؟
قال: لا!
قال: فانت اذن تتمنی هلاک الابد ...
و قال: من استوی یوماه فهو مغبون، و من کان آخر یومیه شرهما فهو ملعون، و من لا یعرف الزیادة فی نفسه فهو فی النقصان، و من کان الی النقصان فالموت خیر له من الحیاة.
اجعلوا لانفسکم حظا من الدنیا باعطائها ما تشتهی من الحلال، و ما لا یثلم المرؤة و ما لا سرف فیه. و استعینوا بذلک علی امور الدین فانه روی:
لیس منا من ترک دنیاه لدینه، او ترک دینه لدنیاه.

حبوسه

و خاف الرشید علی خلافته منه فطلبه من المدینة و قیده و ارسل به الی البصرة فحبس عند عیسی بن جعفر، و کان حمله من المدینة لعشر لیال بقین من شوال، قیل و فی السابع و العشرین من رجب سنة تسع و سبعین و مائة، فقدم به حسان السروی البصرة قبل الترویة بیوم فدفعه الی عیسی بن جعفر فحبسه فی بیت من بیوت المحبس و اقفل علیه، و شغله عنه العید فکان لا یفتح علیه الباب الا فی حالتین: حال یخرج فیها الی الطهور، و حال یدخل الیه فیها الطعام، و کتب الی الرشید: لقد طال امر موسی بن جعفر و مقامه فی حبسی و قد اختبرت حاله، و وضعت علیه العیون طول هذه المدة فما وجدته یفتر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 218
عن العبادة، و وضعت علیه من یسمع منه ما یقول فی دعائه فما دعا علیک، و لا علی، و لا ذکرنا بسوء و ما یدعو الا لنفسه بالمغفرة، و الرحمة، فان انت انفذت الی من یتسلمه منی و الا خلیت سبیله فانی متحرج من حبسه، فوجه الرشید من تسلمه منه و صیّره الی بغداد فسلم الی الفضل بن الربیع فبقی محبوسا عنده مدة طویلة، و عن الخطیب البغدادی فی تاریخ بغداد:
بعث موسی بن جعفر من الحبس رسالة الی هارون یقول «لن ینقضی عنی من البلاء حتی ینقضی عنک معه یوم من الرخاء حتی نفضی جمیعا الی یوم لیس له انقضاء یخسر فیه المبطلون» و طلب الرشید من الفضل ابن الربیع قتله فأبی، فکتب الیه ان یسلمه الی الفضل بن یحی البرمکی، فتسلمه منه و جعله فی بعض حجر دوره، و وضع علیه الرصد، فکانت العیون تخبره انه لا یزال یذکر اللّه تعالی و لم تزل لحیته مخضلة بالدموع من خشیة اللّه و کان اذا قرأ القرآن رفع صوته بالقراءة فیبکی و یخشع کل من سمعه، فقال ما لی و لهذا العبد الصالح؟ و اراد اطلاقه فخاف من الرشید فامر اهل الحبس و ذوی السجن ان یدعوا الامام علی رسله.

وفاته

ثم تسلمه السندی بن شاهک فسمّه بالطعام و قیل سمّه برطب، و لبث ثلاثة ایام ثم توفی فی آخر الیوم الثالث مسموما بعدما حبس اربع سنوات و کانت وفاته یوم الجمعة ببغداد لست او لخمس بقین من رجب سنة ثلاث و ثمانین و مائة 799 م و هو ابن خمس و خمسین سنة علی المشهور، و دفن ببغداد فی الجانب الغربی، فی المقبرة المعروفة بمقابر قریش بباب (التبن) قال المفید و کانت هذه المقبرة لبنی هاشم و الاشراف من الناس قدیما.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 219
منظر داخلی لضریح الامامین موسی بن جعفر و محمد الجواد

اولاده

المشهور انهم سبعة و ثلاثین ما بین ذکر و انثی:
علی الرضا، ابراهیم، القاسم، العباس، لامهات اولاد
اسماعیل، جعفر، هارون، الحسن، لام ولد
احمد، محمد، حمزة، لام ولد
عبد اللّه، اسحاق، عبید اللّه، زید، الحسن، الفضل، الحسین، سلیمان، لامهات اولاد
فاطمة الکبری، فاطمة الصغری، رقیة، حکیمة، ام ابیها، رقیة الصغری، ام جعفر، لبابة، زینب، خدیجة، علیة، آمنة، حسنة، بریهة، عائشة، ام سلمة، میمونة، ام کلثوم، لامهات اولاد.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 220

الامام الثامن الرضا علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

ولادته:

هو ثامن الائمة ولد بالمدینة یوم الجمعة او یوم الخمیس فی الحادی عشر من ذی القعدة سنة ثمان و اربعین و مائة 765 م و یقال ان میلاده کان فی سنة ثلاث و خمسین و مائة ای بعد وفاة جده الصادق بخمس سنین و المصادف 770 م.
امه ام ولد یقال لها (سکن) ثم سمیت تکتم و سماها زوجها الکاظم بالطاهرة و ذلک بعد ما ولدت (الرضا) و کناها بام البنین اما لقبها فهو (شقراء)

صفاته:

دخل علی الرضا و هو بنیسابور قوم من الصوفیة فقالوا: ان امیر المؤمنین المأمون لما نظر فیما ولاه اللّه من الامور فرآکم اهل البیت اولی من قام بالامر فی الناس، ثم نظر فی اهل البیت فرآک اولی بالناس من کل واحد فرّد هذا الامر الیک، و الامانة تحتاج الی من یأکل الجشب، و یلبس الخشن و یرکب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 221
الحمار، و یعود المریض، و یشیع الجنائز، و کان الرضا متکأ فاستوی جالسا ثم قال:
«کان یوسف بن یعقوب نبیا فلبس اقبیة الدیباج المزررة بالذهب، و جلس علی متکآت آل فرعون، و حکم و أمر و نهی، و انما یراد من الامام القسط و العدل، و اذا قال صدق، و اذا حکم عدل، و اذا وعد انجز، ان اللّه لم یحرم ملبوسا، و لا مطعما، و تلا قوله تعالی (قل من حرّم زینة اللّه التی اخرج لعباده و الطیبات من الرزق)
و عن ابراهیم بن العباس- کما روی الصدوق- انه قال: ما رأیت و لا سمعت باحد افضل من ابی الحسن الرضا، و من زعم انه رأی مثله فی فضله فلا تصدقوه، شاهدت منه ما لم اشاهد من احد و ما رأیته جفا احدا بکلامه، و لا رأیته قطع علی احد کلامه، حتی یفرغ منه، و ما رد احدا عن حاجة یقدر علیها، و لا مدّ رجلیه بین یدی جلیس له قط، و لا رأیته یشتم احدا من موالیه و ممالیکه، و ما رأیته تفل، و لا رأیته یقهقه فی ضحکة بل کان ضحکه التبسم، و کان اذا خلا و نصب مائدته أجلس علیها موالیه و ممالیکه حتی البواب و السائس. و عن یاسر الخادم قال «الرضا اذا خلا جمع حشمه کلهم عنده الصغیر و الکبیر، فیحدثهم و یأنس بهم، و یؤنسهم، و روی انه دعا یوما بمائدة له فجمع علیها موالیه من السودان و غیرهم فقال له بعض اصحابه، جعلت فداک لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال: ان الرب تبارک و تعالی واحد و الام واحدة، و الاب واحد، و الجزاء بالاعمال» و عن محمد بن ابی عباد قال کان جلوس الرضا علی حصیر فی الصیف، و علی مسح فی الشتاء، و لبسه الغلیظ من الثیاب حتی اذا برز للناس تزین لهم.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 222

علمه و فضله

روی الصدوق و غیره عن ابراهیم بن العباس انه قال: ما رأیت الرضا علیه السلام سئل عن شی‌ء قط الا علمه، و لا رأیت أعلم منه بما کان فی الزمان الی وقته و عصره، و عن ابی الصلت الهروی قال: ما رأیت اعلم من علی بن موسی الرضا و لا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتی، و لقد سمعت علی بن موسی الرضا یقول: کنت اجلس فی الروضة و العلماء بالمدینة متوافرون، فاذا أعیی الواحد منهم عن مسألة اشار الیّ باجمعهم، و بعثوا الی بالمسائل فاجبت عنهم.
و قال ابن شهر اشوب و قد روی عنه جماعة من المصنفین، منهم: ابو بکر الخطیب فی تأریخه، و الثعلبی فی تفسیره، و السمعانی فی رسالته، و ابن المعتز فی کتابه، و غیرهم. و عن کتاب (نثر الدرر) قال سأل الفضل ابن سهل علی بن موسی الرضا علیه السلام فی مجلس المأمون فقال: یا ابا الحسین الناس مجبرون؟ فقال: اللّه اعدل من ان یجبر ثم یعذب، قال: فمطلقون؟ قال:
اللّه احکم من ان یهمل عبده و یکله الی نفسه

ولایة عهد الخلافة العباسیة

کان الرشید قد بایع لابنه محمد الامین بن زبیدة و بعده لولده الثانی عبد اللّه المأمون و بعدهما لاخیهما المؤتمن و جعل امر عزله و ابقائه بید المأمون و کتب بذلک صحیفة و اودعها فی جوف الکعبة و قسم البلاد بین الامین و المأمون فجعل شرقیها للمأمون و أمره بسکنی (مرو) و غربیها للامین و امره بسکنی بغداد فکان المأمون فی حیاة ابیه فی مرو ثم ان الامین بعد موت ابیه فی خراسان خلع اخاه المأمون عن ولایة العهد فقامت قیامة المأمون و وقعت الحرب بینهما، و لما قتل اخاه الامین و استقل بالسلطنة و جری حکمه فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 223
شرق الارض و غربها، کتب الی الرضا یستقدمه من المدینة الی خراسان، فامتنع و اعتل بعلل کثیرة، فما زال المأمون یکاتبه و یسأله حتی علم الرضا انه لا یکف عنه فاجابه، فبعث المأمون رجاء بن ابی الضحاک و یاسر الخادم الی المدینة لیشخصا الیه الرضا و محمد بن جعفر عم الرضا، و جماعة من آل ابی طالب و ذلک فی سنة مائتین من الهجرة
روی المسعودی فی اثبات الوصیة: ان المأمون استقبل الرضا و اعظمه و اکرمه و اظهر فضله و اجلاله، و قال المفید لما وصلوا الی مرو أنزلهم المأمون دارا، و انزل الرضا دارا، ثم انفذ الیه: انی ارید ان اخلع نفسی من الخلافة و اقلدک ایاها فما رأیک فی ذلک؟ فانکر الرضا هذا الامر و قال له: اعیذک باللّه یا امیر المؤمنین من هذا الکلام و ان یسمع به احد، و جرت فی ذلک مخاطبات کثیرة حتی قبل ولایة العهد، فخرج الفضل بن سهل فاعلم الناس برأی المأمون فی علی بن موسی الرضا، و انه قد ولاه عهده، و أمرهم بلبس الخضرة التی هی شعار العلویین، بدل السواد الذین هو شعار العباسیین، روی الصدوق فی (العیون) ان البیعة للرضا کانت لخمس خلون من شهر رمضان سنة احدی و مائتین، ثم ان المأمون زوجه ابنته ام حبیبة فی اول سنة اثنتین و مائتین و سمی للجواد ابن الرضا ابنته (ام الفضل)، و امر فضربت له الدراهم و الدنانیر و طبع علیها اسم الرضا، و أمر ان یخطب له علی المنابر و کتب الی الآفاق بذلک و خطب للرضا فی کل بلد بولایة العهد
بعض المسکوکات التی ضربت باسم الامام الرضا فی ولایة عهده
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 224

العهد الذی کتبه المأمون بولایة عهد الرضا

اما العهد الذی کتبه المأمون فقد ذکره عامة المؤرخین و قد کتبه المأمون بخطه و انشأه و وقع علیه الامام الرضا بخطه و هذا هو نصه، و یلیه نص عهد الامام الرضا
بسم اللّه الرحمن الرحیم
«هذا کتاب کتبه عبد اللّه بن هرون الرشید امیر المؤمنین لعلی بن موسی بن جعفر ولی عهده، اما بعد فان اللّه عز و جل اصطفی الاسلام دینا و اصطفی له من عباده رسلا دالین علیه، و هادین الیه، یبشر اولهم بآخرهم و یصدق تالیهم ماضیهم، حتی انتهت نبوة اللّه الی محمد صلی اللّه علیه و آله و سلم علی فترة من الرسل، و دروس من العلم و انقطاع من الوحی، و اقتراب من الساعة، فختم اللّه به النبیین، و جعله شاهدا لهم، و مهیمنا علیهم، و انزل علیه کتابه العزیز الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه، و لا من خلفه، تنزیل من حکیم حمید، بما احل و حرّم، و اوعد، و حر و أنذر، و أمر به و نهی عنه، لتکون له الحجة البالغة علی خلقه (لیهلک من هلک عن بیّنة، و یحی من یحیی عن بیّنة و ان اللّه لسمیع علیم) فبلغ عن اللّه رسالته، و دعا الی سبیله بما امره به من الحکمة، و الموعظة الحسنة، و المجادلة بالتی هی احسن ثم بالجهاد و الغلظة، حتی قبضه اللّه الیه، و اختار له ما عنده صلی اللّه علیه و آله و سلم الوحی و الرسالة، جعل قوام الدین، و نظام امر المسلمین بالخلافة و اتمامها و عزها، و القیام بحق اللّه فیها بالطاعة التی بها تقام فرائض اللّه و حدوده، و شرائع الاسلام و سنته، و یجاهد بها عدوه فعلی خلفاء اللّه طاعته فیما استخلفهم و استرعاهم من دینه و عباده، و علی المسلمین طاعة خلفائهم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 225
و معاونتهم علی اقامة حق اللّه و عدله، و امن السبیل، و حقن الدماء، و صلاح ذات البین، و جمع الالفة، و فی خلاف ذلک اضطراب حبل المسلمین و اختلالهم، و اختلاف ملتهم و قهر دینهم، و استعلاء عدوهم، و تفرق الکلمة و خسران الدنیا و الآخرة، فحق علی من استخلفه اللّه فی ارضه، و ائتمنه علی خلقه، ان یجهد للّه نفسه، و یؤثر ما فیه رضی اللّه و طاعته، و یعتد لما اللّه موافقه علیه، و مسائله عنه، و یحکم بالحق، و یعمل بالعدل فیما حمّله اللّه و قلّده، فان اللّه عز و جل یقول لنبیه داود علیه السلام (یا داود انا جعلناک خلیفة فی الارض فاحکم بین الناس بالحق و لا تتبع الهوی فیضلّک عن سبیل اللّه ان الذین یضلون عن سبیل اللّه لهم عذاب شدید بما نسوا یوم الحساب) و قال اللّه عز و جل (فوربک لنسألنهم اجمعین عما کانوا یعملون) و بلغنا ان عمر بن الخطاب قال «لو ضاعت سخلة بشاطی‌ء الفرات لتخوفت ان یسألنی اللّه عنها» و ایم اللّه ان المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف علی عمله فیما بینه و بین اللّه، لیعرض علی امر کبیر، و علی خطر عظیم، فکیف بالمسؤول عن رعایة الامة، و باللّه الثقة، و الیه المفزع، و الرغبة فی التوفیق، و العصمة و التسدید و الهدایة الی ما فیه ثبوت الحجة، و الفوز من اللّه بالرضوان و الرحمة:
و أنظر الامة لنفسه، و أنصحهم للّه فی دینه و عباده من خلائفه فی ارضه:
من عمل بطاعة اللّه و کتابه، و سنة نبیه علیه السلام فی مدة ایامه و بعدها، و أجهد رأیه و نظره فیمن یولیه عهده، و یختاره لامامة المسلمین، و رعایتهم بعده و ینصبه علما لهم، و مفزعا فی جمع ألفتهم، و لم شعثهم و حقن دمائهم، و الامن باذن اللّه من فرقتهم و فساد ذات بینهم و اختلافهم، و رفع نزغ الشیطان و کیده عنهم، فان اللّه عز و جل جعل العهد بعد الخلافة من تمام امر الاسلام و کماله، و عزه و صلاح اهله، و ألهم خلفاءه من توکیده لمن یختارونه
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 226
له من بعدهم ما عظمت به النعمة، و شملت فیه العافیة و نقض اللّه بذلک مکر اهل الشقاق و العداوة، و السعی فی الفرقة، و التربص للفتنة و لم یزل امیر المؤمنین منذ أفضت الیه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها، و ثقل محملها، و شدة مؤونتها، و ما یجب علی من تقلدها من ارتباط طاعة اللّه و مراقبته فیما حمله منها، فانصب بدنه، و اسهر عینه، و اطال فکره فیما فیه عز الدین، و قمع المشرکین، و صلاح الامة، و نشر العدل، و اقامة الکتاب و السنة، و منعه ذلک من الخفض و الدعة، و مهنأ العیش علما بما اللّه سائله عنه، و محبة ان یلقی اللّه مناصحا له فی دینه و عباده، و مختارا لولایة عهده و رعایة الامة من بعده افضل ما یقدر علیه فی ورعه، و دینه و علمه، و ارجأهم للقیام فی امر اللّه و حقه، مناجیا له تعالی بالاستخارة فی ذلک، و مسألته الهامة ما فیه رضاه و طاعته فی آناء لیله و نهاره، معملا- فی طلبه و التماسه فی اهل بیته من ولد عبد اللّه بن العباس و علی بن ابی طالب- فکره و نظره، مقتصرا مما علم حاله و مذهبه منهم علی علمه، و بالغا فی المسألة عمن خفی علیه امره جهده و طاقته، حتی استقصی امورهم معرفة، و ابتلی اخبارهم مشاهدة، و استبری احوالهم معاینة، و کشف ما عندهم مسألة، فکانت خبرته بعد استخارته للّه، و اجهاده نفسه فی قضاء حقه فی عباده و بلاده فی البیتین جمیعا: علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب، لما رأی من فضله البارع، و علمه الناصع، و ورعه الظاهر، و زهده الخالص، و تخلیه من الدنیا و تسلمه من الناس، و قد استبان له ما لم تزل الاخبار علیه متواطیة، و الالسن علیه متفقة، و الکلمة فیه جامعة، و لما لم یزل یعرفه به من الفضل یافعا، و ناشیا، و حدثا، و مکتهلا، فعقد له بالعقد، و الخلافة من بعده، واثقا بخیرة اللّه فی ذلک، اذ علم اللّه انه فعله ایثارا له و للدین، و نظرا للاسلام و المسلمین، و طلبا للسلامة و ثبات الحق و النجاة فی الیوم الذی یقوم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 227
الذی یقوم الناس فیه لرب العالمین، و دعا امیر المؤمنین ولده، و أهل بیته، و خاصته، و قواده، و خدمه، فبایعوا مسرعین، مسرورین، عالمین بایثار امیر المؤمنین طاعة اللّه علی الهوی فی ولده، و غیرهم ممن هو أشک منه رحما، و أقرب قرابة و سماه (الرضا) اذ کان رضا عند امیر المؤمنین، فبایعوا معشر أهل بیت امیر المؤمنین، و من بالمدینة المحروسة من قواده، و جنده، و عامة المسلمین، لأمیر المؤمنین، و للرضا من بعده علی بن موسی علی اسم اللّه و برکته، و حسن قضائه لدینه و عباده، بیعة مبسوطة الیها ایدیکم، منشرحة لها صدورکم، عالمین بما أراد امیر المؤمنین لها، و آثر طاعة اللّه، و النظر لنفسه و لکم فیها، شاکرین اللّه علی ما ألهم امیر المؤمنین من قضاء حقه فی رعایتکم، و حرصه علی رشدکم و صلاحکم راجین عائدة ذلک فی جمع ألفتکم، و حقن دمائکم، و لم شعثکم، و سد ثغورکم، و قوة دینکم، و استقامة أمورکم، و سارعوا الی طاعة اللّه و طاعة امیر المؤمنین فانه الأمر الذی ان سارعتم الیه، و حمدتم اللّه علیه، عرفتم الحظ فیه ان شاء اللّه.
و کتب بیده فی یوم الاثنین لسبع خلون من شهر رمضان سنة احدی و مائتین».
و هذا ما کتبه الامام علی بن موسی «الرضا» بخطه علی ظهر العهد.
بسم اللّه الرحمن الرحیم
«الحمد للّه الفعال لما یشاء، لا معقّب لحکمه، و لا راد لقضائه، یعلم خائنة الاعین، و ما تخفی الصدور، و صلاته علی نبیه محمد خاتم النبیین و آله الطیبین الطاهرین، أقول و أنا علی الرضا بن موسی بن جعفر: ان امیر المؤمنین عضده اللّه بالسداد، و وفقه للرشاد، عرف من حقنا ما جهله غیره، فوصل ارحاما قطعت، و أمن نفوسنا فزعت، بل احیاها و قد تلفت،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 228
و أغناها اذ افتقرت، مبتغیا رضی رب العالمین، لا یرید جزاء من غیره، و سیجزی اللّه الشاکرین، و لا یضیع أجر المحسنین، و انه جعل الی عهده، و الامرة الکبری: إن بقیت بعده، فمن حل عقدة أمر اللّه بشدها، و فصم عروة أحب اللّه ایثاقها، فقد أباح حریمه، و أحل محرّمه، اذ کان بذلک زاریا علی الامام، منتهکا حرمة الاسلام، بذلک جری السالف فصبر منه علی الفلتات، و لم یعترض بعدها علی العزمات، خوفا من شتات الدین، و اضطراب حبل المسلمین، جانب من صحن الامام الرضا بمشهد
و لقرب امر الجاهلیة، و رصد فرصة تنتهز، و بائقة تبتدر، و قد جعلت اللّه علی نفسی إذ استرعانی امر المسلمین و قلدنی خلافته، العمل فیهم عامة و فی بنی العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته، و طاعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم. و ان لا اسفک دما حراما، و لا أبیح فرجا، و لا مالا الا ما سفکته حدود اللّه، و أباحته فرائضه، و ان أتخیر الکفاة جهدی و طاقتی، و جعلت بذلک علی نفسی عهدا مؤکدا یسألنی اللّه عنه فانه عز و جل یقول (و أوفوا بالعهد ان العهد کان مسؤولا) و ان احدثت، او غیرت، او بدلت، کنت للغیر مستحقا، و للنکال متعرضا، و أعوذ باللّه من سخطه، و الیه ارغب فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 229
التوفیق لطاعته، و الحؤول بینی و بین معصیته فی عافیة لی و للمسلمین، و الجامعة و الجفر یدلان علی ذلک (و ما ادری ما یفعل بی و لا بکم إن الحکم الا للّه یقضی بالحق و هو خیر الفاصلین) لکنی امتثلت امر امیر المؤمنین، و آثرت رضاه، و اللّه یعصمنی و ایاه، و أشهدت اللّه علی نفسی بذلک و کفی باللّه شهیدا و کتبت بخطی بحضرة امیر المؤمنین أطال اللّه بقاءه، و الفضل بن سهل، و سهل بن الفضل، و یحی بن اکثم، و عبد اللّه بن طاهر، و تمامة بن اشرس، و بشر بن المعتمر، و حماد بن النعمان، فی شهر رمضان سنة احدی و مائتین».

من اقواله و حکمه

لم یخنک الأمین و لکن إئتمنت الخائن.
الصمت باب من ابواب الحکمة.
صدیق کل امری‌ء عقله، و عدوه جهله.
و سئل عن العجب الذی یفسد العمل فقال: العجب درجات منها أن یزین للعبد سوء عمله فیراه حسنا فیعجبه و یحسب انه یحسن صنعا، و منها ان یؤمن العبد بربه فیمتّن علی اللّه و للّه المنّة علیه.
یأتی علی الناس زمان تکون العافیة فیه عشرة اجزاء، تسعة منها فی اعتزال الناس، و واحد فی الصمت.
أحسنوا جوار النعم فانها وحشیة ما نأت عن قوم فعادت الیهم، ان شر الناس من منع رفده، و أکل وحده، و جلد عبده.
من حاسب نفسه ربح، و من غفل عنها خسر، و من حاف أمن، و من اعتبر ابصر، و من ابصر فهم، و من فهم علم، و صدیق الجاهل فی تعب، و أفضل المال ما و فی به العرض، و أفضل العقل معرفة الانسان نفسه،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 230
و المؤمن اذا غضب لم یخرجه غضبه عن حق، و اذا رضی لم یدخله رضاه فی باطل، و اذا قدر لم یأخذ اکثر من حقه.

اولاده:

روی ان له ابنا واحدا و هو ابو جعفر الجواد، و عن بعضهم ان له ولدین، هما محمد، و موسی، و فی (کشف الغمة) ان له خمسة ذکور، و بنتا واحدة و هم محمد القانع، الحسن، جعفر، ابراهیم، الحسین، عائشة.

وفاته:

اختلف المؤرخون فی سبب موت الامام الرضا فقیل انه أکل عنبا و مات منه، و قیل بل مات مسموما کما روی هرثمة ابن اعین من انه مات مسموما بالعنب و الرمان اللذین قدما له و روی ابو الفرج فی (مقاتل الطالبیین) عن ابی الصلت انه دخل علی (الرضا) فقال یا ابا الصلت قد فعلوها: ای سقونی السم، و قد شاع ذلک و اشتهر حتی قال فی ذلک ابو فراس الحمدانی:
باؤا بقتل الرضا من بعد بیعته‌و أبصروا بعض یوم رشدهم و عموا
و قال دعبل بن علی الخزاعی:
شککت فما ادری أمسقی بشربةفابکیک ام ریب الردی فیهون
قبض یوم الجمعة و قیل یوم الاثنین آخر صفر او فی السابع عشر منه بطوس من ارض خراسان فی قریة یقال لها (سنا آباد) من رستاق نوقان سنة ثلاث او اثنتین و مئتین المصادف 818 م و هو ابن خمس و خمسین سنة او اثنتین و خمسین او احدی و خمسین و دفن فی القبة التی فیها قبر هارون الرشید الی جانبه مما یلی القبة فی دار حمید بن قحطبة الطائی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 231

الامام التاسع محمد الجواد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

ولادته

هو تاسع ائمة اهل البیت ولد بالمدینة لیلة الجمعة فی التاسع عشر من شهر رمضان او فی النصف منه او العاشر من شهر رجب سنة خمس و تسعین و مائة (810) م و یؤید قول ولادته فی رجب الدعاء المأثور الذی اوله (اللهم أسالک بالمولودین فی رجب محمد بن علی الثانی و ابنه علی بن محمد المنتجب).
امه ام ولد، یقال لها سبیکة، روی انها کانت من اهل بیت ماریة القبطیة و تکنی ام الحسن و کنیته ابو جعفر الثانی لان جده محمد الباقر یکنی بأبی جعفر الاول و لقبه الجواد، و التقی، و المنتجب، و القانع.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 232

صفاته

کان اسمر شدید الادمة و لذلک نعته ابن ابی داود بالاسود، و کان یرتدی افخر الملبوس و لقد روی الصدوق بسنده عن علی بن مهزیار قال:
رأیت ابا جعفر الثانی (الجواد) یصلی الفریضة و غیرها فی جبة خزّ طاروی، و کسانی جبة خز، و ذکر انه لبسها علی بدنه و صلی فیها و امرنی بالصلاة فیها.
و کان افضل اهل زمانه علما، و عملا، و ورعا، و عبادة، و سخاء، و کرما، و فی جمیع صفات الفضل، و قد روی عنه من انواع العلوم و اجوبة المسائل المشکلة الشی‌ء الکثیر.
و قد نقلت عن اتساع دائرة فقهه و إحاطته بالاحکام و عمقه العجائب و الغرائب و من ذلک کان استفتاء یحیی بن اکثم له عن محرم قتل صیدا فما یکون حکمه؟ فقال له ابو جعفر الجواد:
أقتله فی حل او حرم؟ عالما کان المحرم ام جاهلا؟ قتله عمدا او خطأ؟
حرا کان المحرم او عبدا؟ صغیرا کان ام کبیرا؟ مبتدئا بالقتل ام معیدا؟
من ذوات الطیر کان الصید ام من غیرها؟ من صغار الصید کان ام من کباره؟
مصرا علی ما فعل ام نادما؟ فی اللیل کان قتله للصید فی اوکارها ام نهارا و عیانا؟ محرما کان بالعمرة اذ قتله او بالحج کان محرما؟
و قد شرح بعد ذلک هذه الاحوال لیحی بن اکثم و أبان له ان الأحکام لتختلف باختلاف هذه الأوضاع ثم ادلی بحکم کل قضیة!!
قال الطبرسی فی اعلام الوری. کان الامام محمد الجواد قد بلغ فی وقته من الفضل و العلم و الحکم و الآداب مع صغر سنه لم یساوه فیها احد من ذوی الاسنان من السادة و غیرهم و لذلک کان المأمون مشغوفا به لما رأی من علو
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 233
رتبته و عظیم منزلته فی جمیع الفضائل فزوّجه ابنته، و کان متوفرا علی إعظامه و توقیره و تبجیله. قال المفید کان الامام بعد علی بن موسی الرضا، ابنه محمد بن علی المرتضی بالنص علیه، و الاشارة من ابیه الیه، و تکامل الفضل فیه، و کان المأمون قد شغف به لما رأی من فضله مع صغر سنه و بلوغه فی العلم و الحکمة و الأدب و کمال العقل ما لم یساوه فیه أحد من مشایح اهل زمانه و قال- لما أراد المأمون ان یزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر بن علی بلغ ذلک العباسیین فغلظ علیهم و استکبروه و خافوا ان ینتهی الأمر عنده معه الی ما انتهی الیه مع ابنه الرضا، فخاضوا فی ذلک و اجتمع معهم اهل بیته الادنون منه و قالوا- ننشدک اللّه یا امیر المؤمنین ان تقیم علی هذا الأمر الذی عزمت علیه من تزویج ابن الرضا فانا نخاف ان تخرج به عنا امرا قد ملکتناه اللّه، و تنزع منا عزا قد البسناه اللّه، و قد عرفت ما بیننا و بین هؤلاء القوم قدیما و حدیثا، و قد کنا فی وهلة من عملک مع الرضا ما عملت حتی کفانا اللّه المهم من ذلک فاللّه اللّه ان تردنا الی غمّ قد انحسر عنا، و اصرف رأیک عن ابن الرضا و اعدل الی من تراه من اهل بیتک یصلح لذلک دون غیرهم، فقال لهم المأمون «اما ما کان بینکم و بین آل ابی طالب فأنتم السبب فیه، و لو انصفتم القوم لکانوا اولی بکم، و اما ما کان یفعله من قبلی بهم فقد کان به قاطعا للرحم، و أعوذ باللّه من ذلک، و و اللّه ما ندمت علی ما کان منی من استخلاف الرضا، و لقد سألته ان یقوم بالأمر و انزعه عن نفسی فأبی، و کان أمر اللّه قدرا مقدورا، و اما ابو جعفر محمد بن علی فقد اخترته لتبریزه علی اهل الفضل کافة فی العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فیه بذلک، و انا ارجو ان یظهر للناس ما قد عرفته منه فیعلموا ان الرأی ما رأیت فیه».
و استأذن الجواد المأمون فی الحج و خرج من بغداد و معه زوجته (ام الفضل) و أقام بالمدینة و هی معه حتی توفی المأمون فی رجب سنة ثمان عشرة و مائتین
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 234
و بویع اخوه المعتصم فی شعبان من تلک السنة فتخوف المعتصم من الجواد و مکانته فی القوم فطلبه الی بغداد فتجهز و خرج من المدینة الی بغداد و حمل معه زوجته ام الفضل.
و قال المسعودی فی (اثبات الوصیة) لما انصرف ابو جعفر الجواد الی العراق لم یزل المعتصم و جعفر بن المأمون یدبران و یعملان الحیلة فی قتله حتی سماه.
و روی العیاشی فی تفسیره عن زرقان صاحب احمد بن ابی داود (قاضی المعتصم) قال:
رجع ابن ابی داود ذات یوم من عند المعتصم و هو مغتم فسألته فقال:
وددت الیوم انی قد متّ منذ عشرین سنة فقلت لم ذاک؟ فقال لما کان من هذا الاسود ابی جعفر محمد بن علی بن موسی، قلت و کیف ذلک؟ قال ان سارقا اقرّ علی نفسه بالسرقة و سأل الخلیفة تطهیره باقامة الحد علیه، فجمع لذلک الفقهاء و أحضر محمد بن علی فسألنا عن القطع فی ای موضع یجب ان یقطع فقلت من الکرسوع (و هو طرف الزند الناتی‌ء مما یلی الخنصر) فقال و ما الحجة فی ذلک فقلت لأن الید هی الأصابع و الکف الی الکرسوع یقول اللّه تعالی فی التیمم (فامسحوا بوجوهکم و ایدیکم) و اتفق معی علی ذلک قوم و قال آخرون بل یجب القطع من المرفق لأن اللّه تعالی لما قال (و ایدیکم الی المرافق) دل علی ان حدّ الید هو المرفق. فالتفت الی محمد بن علی فقال ما تقول فی هذا یا ابا جعفر؟ فقال تکلم القوم فیه یا امیر المؤمنین، قال دعنی مما تکلموا به ای شی‌ء عندک؟ قال اعفنی من هذا، قال اقسمت علیک باللّه لما اخبرت بما عندک فیه، قال اما اذ أقسمت علیّ باللّه فانی اقول انهم اخطأوا فیه السنّة، فان القطع یجب ان یکون من مفصل اصول الأصابع فیترک الکف، قال و ما الحجة فی ذلک؟ قال: قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 235
السجود علی سبعة اعضاء: الوجه، و الیدین، و الرکبتین، و الرجلین.
فاذا قطعت یده من الکرسوع، او المرفق، لم یبق له ید یسجد علیها و قال اللّه تعالی (و ان المساجد للّه) یعنی به هذه الاعضاء السبعة التی یسجد علیها، و ما کان للّه لم یقطع، فأعجب المعتصم ذلک و أملی و أمر بقطع ید السارق من مفصل الأصابع دون الکف.

من اقواله و حکمه

روی عن الامام ابی جعفر الشی‌ء الکثیر من الحکم و الآداب و الأدعیة البلیغة و من هذه ما جری علی الألسن مجری الأمثال قوله:
مرقد الأمامین الکاظمین فی (الکاظمین)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 236
من اطاع هواه اعطی عدوّه مناه
و من هجر المداراة قاربه المکروه
و من عمل علی غیر علم کان ما یفسد اکثر مما یصلح
و من لم یعرف الموارد أعیته المصادر، و من انقاد الی الطمأنینة قبل الخبرة فقد عرّض نفسه للهلکة و العاقبة المتعبة.
راکب الشهوات لا تستقال له عثرة
کفی بالمرء خیانة ان یکون أمینا للخونة
عزّ المؤمن غناه عن الناس، لا یضرک سخط من رضاه الجور

اولاده

اولاده اربعة: علی الهادی، و موسی و فاطمة، و إمامة

وفاته

و کانت وفاته ببغداد یوم السبت او الثلاثاء فی اواخر ذی القعدة سنة عشرین و مائتین و له خمس و عشرون سنة و شهران و ثمانیة و عشرون یوما سنة (835) م و دفن فی مقابر قریش (الکاظمین بالجانب الغربی).
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 237
الطیب، العسکری، و هذا اللقب الاخیر یشترک به هو و ابنه الحسن لان المحلة التی سکناها بسامراء کانت تسمی (عسکرا).

صفاته:

قال الشیخ المفید فی (الارشاد) و کان الامام بعد ابی جعفر ابنه الحسن علی بن محمد لاجتماع خصال الامامة فیه و تکامل فضله، و انه لا وارث لمقام ابیه سواه، و ثبوت النص علیه بالامامة و الاشارة الیه من ابیه بالخلافة و قال ابن حجر فی (الصواعق) کان ابو الحسن الهادی وارث ابیه علما و سخاء. و قال علی جلال فی کتابه (الحسین) کان الامام الهادی فقیها فصیحا جمیلا مهیبا.
و یقول القطب الراوندی فی (الخرایج) کان الامام علی الهادی قد اجتمعت فیه خصال الامامة و تکامل فضله و علمه و خصال الخیر، و کانت اخلاقه کلها خارقة للعادة کأخلاق آبائه، و کان باللیل مقبلا علی القبلة لا یفتر ساعة، و قال ابن شهر آشوب فی (المناقب) کان الامام اطیب الناس بهجة، و أصدقهم لهجة، و أملحهم من قریب، و أکملهم من بعید، اذا صمت علته هیبة الوقار، و اذا تکلم سماه البهاء، و هو من بیت الرسالة و الامامة و مقر الوصیة و الخلافة.
أشخصه المتوکل العباسی من (مدینة الرسول) الی (سامراء) و هو فی سن العشرین و أکثر بقلیل قال سبط ابن الجوزی فی (التذکرة) کان سبب إشخاص ابی الحسن الهادی من المدینة هو ان المتوکل کان شدید البغض لعلی و اولاده فبلغه مقام علی الهادی بالمدینة و میل الناس الیه فخاف منه و قد کتب الیه (بریحة) العباسی صاحب الصلاة بالحرمین بذلک، فدعا المتوکل بقائد من قواده و هو یحی بن هرثمة و ضم الیه ثلاثمائة فارس و کتب معه کتابا لطیفا الی علی الهادی و أمره ان یسیر الی المدینة و ان یحضر الامام، قال یحی فلما وصلت مدینة الرسول و بلغ اهلها مجیی‌ء و لأی سبب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 238

الامام العاشر ابو الحسن علی الهادی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین ابن علی بن ابی طالب

ولادته

هو الامام العاشر من أئمة اهل البیت. ولد بقریة من نواحی المدینة المنورة یقال لها (صربا) و هذه القریة علی ثلاثة امیال من (المدینة) المنورة أسسها الامام الکاظم. ولد یوم الجمعة او الثلاثاء النصف من ذی الحجة او فی شهر رجب سنة اثنتی عشرة و مائتین، و روی الکلینی انه ولد فی رجب سنة 214 المصادف 829 م.
امه ام ولد و اسمها (سمانة) المغربیة، و یکنی بأبی الحسن لا غیر، اما ألقابه فهی الهادی، النجیب، المرتضی، النقی، العالم، الفقیه، المؤمن
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 239
مرقد الأمامین علی الهادی و الحسن العسکری بسامراء
ضجوا ضجیجا عالیا ما سمع الناس بمثله خوفا علی علی الهادی، و قامت الدنیا علی ساق، لانه کان محسنا الیهم ملازما للمسجد، و لم یکن عنده میل الی الدنیا فجعلت أسکنهم، و احلف لهم انی لم اؤمر فیه بمکروه و انه لا بأس علیه، ثم فتشت منزله فلم اجد فیه الا مصاحف و أدعیة و کتب العلم فعظم فی عینی و تولیت خدمته بنفسی، و احسنت عشرته، فلما وصلت به الی بغداد (قال المسعودی) فخرج اسحق بن ابراهیم و جملة القواد فتلقوه- و اسحق بن ابراهیم هو و الی بغداد- قال یحی فقال لی یا یحی ان هذا الرجل قد ولده رسول اللّه، و المتوکل هو من تعلم، فان حرضته علیه قتله، و کان رسول اللّه خصمک یوم القیامة، فقلت له و اللّه ما وقعت منه الا علی کل امر جمیل، ثم صرت الی (سرّ من رأی) فبدأت بوصیف الترکی فأخبرته بوصوله، فقال و اللّه لئن سقطت منه شعرة لا یطالب بها سواک، فعجبت کیف وافق قوله قول اسحاق، فلما دخلت علی المتوکل سألنی عنه فأخبرته بحسن سیرته و سلامة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 240
نیته و ورعه و زهادته و انی فتشت داره فلم اجد فیها غیر المصاحف و کتب العلم و ان اهل المدینة خافوا علیه فاکرمه المتوکل و احسن اجازته و روی الناس عنه من اجوبة المسائل فی الفقه و غیره من انواع العلوم الشی‌ء الکثیر و من اخباره مع المتوکل ما روی ابن خلکان فی (الوفیات) انه «سعی بالامام الهادی الی المتوکل بان فی منزله سلاحا و کتبا من شیعته اهل قم، و انه یطلب الامر لنفسه و انه عازم علی الوثوب، فبعث الیه جماعة من الاتراک فهجموا علیه داره لیلا فوجدوه علی الارض و علیه مدرعة صوف و هو جالس علی الرمل مستقبل القبلة یقرأ القرآن و یترنم بآیات من الوعد و الوعید و لیس بینه و بین الارض بساط الا الرمل فحمل علی حاله الی المتوکل و المتوکل فی مجلس الشراب فدخل علیه و الکاس فی ید المتوکل فلما رآه هابه و عظمه و اجلسه الی جانبه و ناوله الکاس التی کانت فی یده فقال و اللّه ما یخامر لحمی و دمی قط، فأعفنی فاعفاه، ثم قال له انشدنی شعرا فقال انی قلیل الروایة للشعر فقال لا بد، فانشده:
باتوا علی قلل الاجبال تحرسهم‌غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
و استنزلوا بعد عز من معاقلهم‌و اودعوا حفرا یا بئسما نزلوا
ناداهم صارخ من بعدما رحلوااین الاسرة و التیجان و الحلل؟
این الوجوه التی کانت محجبةمن دونها تضرب الاستار و الکلل؟
فافصح القبر عنهم حین سایلهم‌تلک الوجوه علیها الدود یقتتل
قال فبکی المتوکل حتی بلّت لحیته دموع عینیه و بکی الحاضرون و صرفه معظما مکرما»

من اقواله و حکمه

من جمع لک وده و رأیه فاجمع له طاعتک
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 241
من هانت علیه نفسه فلا تأمن شره
الدنیا سوق ربح فیها قوم و خسر آخرون
من رضی عن نفسه کثر الساخطون علیه
الناس فی الدنیا بالاموال و فی الآخرة بالاعمال
و قال لشخص و قد اکثر من افراط الثناء علیه: اقبل علی شانک فان کثرة الملق یهجم علی الظنة، و اذا حللت من اخیک فی محل الثقة فاعدل عن الملق الی حسن النیة
المصیبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان
خیر من الخیر فاعله، و اجمل من الجمیل قائله، و ارجح من العلم حامله و شر من الشر جالبه، و اهول من الهول راکبه،

اولاده

اربعة ذکور و بنت واحدة و هم:
ابو محمد الحسن، الحسین، محمد المعروف (بالسید محمد سبع الدجیل) جعفر، و عائشة

وفاته

قال المسعودی فی (اثبات الوصیة) اعتل ابو الحسن علی الهادی علته التی توفی فیها فاحضر أبا محمد ابنه و اوصی الیه، ثم توفی شهیدا مسموما
قال ابن بابویه سمه المعتمد، قال المسعودی و لما توفی اجتمع فی داره جملة بنی هاشم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 242

الامام الحادی عشر ابو محمد الحسن العسکری بن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر، بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

ولادته

هو الحادی عشر من ائمة الشیعة ولد بالمدینة الطیبة یوم الجمعة او الاثنین فی ربیع الاول او الثامن من ربیع الآخر سنة اثنتین و ثلاثین و مائتین مصادف 845 م و شخص الی العراق بشخوص والده الیها، امه ام ولد یقال لها (سوسن) او (حدیثه) او (سلیل) قال السید الامین و هو الاصح و من الجائز انها تسمی بجمیع ذلک، و کانت من النساء الصالحات، العارفات، کنیته ابو محمد، و اشهر القابه (العسکری) و یلقب ایضا بالتقی، و الخالص، و الزکی، و کان ابوه و جده یعرف کل واحد منهم بابن الرضا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 243

صفاته

قال المفید فی (الارشاد) کان الامام بعد ابی الحسن بن علی بن محمد ابنه ابا محمد الحسن بن علی لاجتماع خلال الفضل فیه و یقدمه علی کافة اهل عصره فیما یوجب له الامامة و یقتضی له الریاسة من العلم و الزهد، و کمال العقل و العصمة و الشجاعة و الکرم و کثرة الاعمال المقربة الی اللّه جل اسمه ثم لنص ابیه علیه و اشارته بالخلافة الیه. ثم اورد جملة من الاخبار الدالة علی نص ابیه علیه بالامامة من بعده، و یظهر من الروایات ان ابا الحسن العسکری و اخاه الحسین بن علی یسمیان بالسبطین تشبیها لهما بجدیهما السبطین (الحسن و الحسین)
و قال القطب الراوندی فی (الخرایج) کان الحسن العسکری اخلاقه کاخلاق رسول اللّه و کان رجلآ اسمر، حسن القامة، جمیل الوجه، جید البدن، حدیث السن له جلالة و هیبة و هیئة حسنة یعظمه العامة و الخاصة اضطرارا، یعظمونه لفضله، و یقدمونه لعفافه، و صیانته و زهده، و عبادته و صلاحه، و اصلاحه، و کان جلیلا، نبیلا، فاضلا، کریما، یحمل الاثقال و لا یتضعضع للنوائب، اخلاقه خارقة للعادة علی طریقة واحدة، و فی جملة من الروایات ان، (المعتمد) کان قد حبس ابا محمد الحسن العسکری، روی المفید بسنده عن الکلینی انه دخل العباسیون علی صالح بن وصیف عند حبس ابی محمد فقالوا له ضیّق علیه و لا توسّع، فقال لهم ما اصنع به و قد وکلت به رجلین شر من قدرت علیه فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصیام الی امر عظیم، ثم امر باحضار الموکلین فقال لهما: و یحکما ما شانکما فی امر هذا الرجل فقالا ما نقول فی رجل یصوم النهار، و یقوم اللیل کله، لا یتکلم و لا یتشاغل بغیر العبادة، فاذا نظر الینا ارتعدت
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 244
فرائصنا، و داخلنا ما لا نملکه من انفسنا، فلما سمع العباسیون ذلک انصرفوا خائبین
و بسنده انه حبس ابو محمد الحسن العسکری عند علی بن اوتاش، و کان شدید العداوة لآل محمد غلیظا علی آل ابی طالب فما اقام الا یوما حتی وضع خدیه له و کان لا یرفع بصره الیه اجلالا له و اعظاما؛ و خرج من عنده و هو احسن الناس بصیرة و احسنهم فیه قولا.
و فی اعیان الشیعة قال روی الکلینی فی (الکافی) و الصدوق فی (کمال الدین) مدخل الروضة العسکریة بسامراء
بسندیهما عن جماعة و بین الروایتین تفاوت بالزیادة و النقصان و نحن نجمع بینهما- قالوا حضرنا فی شعبان سنة ثمان و سبعین و مائتین بعد وفاة الحسن العسکری بثمانی عشرة سنة او اکثر مجلس احمد بن عبد اللّه بن خاقان و هو عامل السلطان یومئذ علی الخراج و الضیاع بکورة قم، و کان شدید النصب، و الانحراف عن اهل البیت، فجری فی مجلسه ذکر المقیمین من آل ابی طالب (بسر من رأی) و مذاهبهم و صلاحهم و اقدارهم عند السلطان فقال ما رأیت و لا اعرف (بسرمن‌رأی) رجلا من العلویة مثل الحسن بن علی بن محمد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 245
بن علی الرضا فی هدیه و سکونه، و عفافه، و نبله، و کرمه عند اهل بیته و السلطان و بنی هاشم کافة، و تقدیمهم ایاه علی ذوی السن منهم و الخطر، و کذلک حاله عند القواد، و الوزراء، و الکتاب، و عامة الناس. کنت یوما قائما علی رأس ابی و هو یوم مجلسه للناس اذ دخل حجابه فقالوا:
ابو محمد بن الرضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجبت منه و منهم من جسارتهم ان یکنّوا رجلا بحضرة ابی- و لم یکن عنده الا خلیفة، او ولی عهد، او من امر السلطان ان یکنی- فدخل رجل اسمر اعین حسن القامة، جمیل الوجه جید البدن، حدیث السن له جلالة و هیئة حسنة فلما نظر الیه ابی قام فمشی الیه خطوات، و لا اعلمه فعل هذا باحد من بنی هاشم، و القواد، و اولیاء العهد، فلما دنا منه عانقه، و قبل وجهه، و صدره، و منکبیه، و اخذ بیده و اجلسه علی مصلاه الذی کان علیه و جلس الی جنبه مقبلا علیه بوجهه، و جعل یکلمه و یفدیه بنفسه، و ابویه، و انا متعجب مما اری منه اذ دخل الحاجب فقال جاء (الموفق) و هو اخو المعتمد الخلیفة العباسی- و کان الموفق اذا دخل علی ابی تقدمه حجابه و خاصة قواده- فقاموا بین مجلس ابی و بین باب الدار سماطین الی ان یدخل و یخرج فلم یزل ابی مقبلا علی ابی محمد یحدثه حتی نظر الی غلمان الموفق، فقال له حینئذ اذا شئت جعلنی اللّه فداک ابا محمد ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطین لا یراه هذا- یعنی الموفق- فقام و قام ابی فعانقه و مضی فقلت لحجاب ابی و غلمانه و یحکم من هذا الذی کنیتموه بحضرة ابی، و فعل به ابی هذا الفعل؟ فقالوا هذا علوی یقال له الحسن بن علی و یعرف بابن الرضا، فازددت تعجبا و لم ازل یومی ذلک قلقا متفکرا فی امره، و امر ابی، و ما رأیته منه حتی کان اللیل، و کانت عادته ان یصلی العتمة ثم یجلس فینظر فیما یحتاج الیه من المؤامرات و ما یرفعه الی السلطان فلما صلی و جلس جئت
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 246
فجلست بین یدیه، فقال ألک حاجة؟ فقلت نعم، فان اذنت سألتک عنها، قال أذنت، قلت: من الرجل الذی رأیتک بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال و الکرامة و فدّیته بنفسک و ابویک؟ قال یا بنی ذاک امام الرافضة، الحسن بن علی المعروف بابن الرضا. و سکت ساعة، ثم قال: لو زالت الامامة عن خلفاء بنی العباس ما استحقها احد من بنی هاشم غیره لفضله، و عفافه، و صیانته، و زهده، و عبادته و جمیل اخلاقه، و صلاحه، و لو رایت اباه رایت رجلا جزلا، نبیلا، فاضلا، فازددت قلقا، و تفکرا، و غیظا علی ابی و ما سمعته منه فیه و رایته من فعله به، فلم تکن لی همة بعد ذلک الا السؤال عن خبره، و البحث عن امره، فما سألت احدا من بنی هاشم و القواد، و الکتاب، و القضاة، و الفقهاء، و سائر الناس الا وجدته عندهم فی غایة الاجلال و الاعظام و المحل الرفیع و القول الجمیل و التقدیم له علی جمیع اهل بیته و مشائخه فعظم قدره عندی اذ لم ار له ولیا و لا عدوا الا و هو یحسن القول فیه، و الثناء علیه، فقال له بعض من حضر مجلسه من الاشعریین فما حال اخیه جعفر؟ فقال و من جعفر فیسأل عن خبره او یقرن به؟ و لقد ورد علی السلطان و اصحابه فی وقت وفاة الحسن بن علی ما تعجبت منه و ما ظننت انه یکون، و ذلک انه لما اعتل الحسن بعث الی ابی ان الرضا قد اعتل، فرکب من ساعته الی دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة من خدم امیر المؤمنین کلهم من ثقاته و خاصته فیهم (نحریر) و امرهم بلزوم دار الحسن و تعرف حاله، و بعث الی نفر من المتطببین فأمرهم بالاختلاف الیه و تعهده صباحا و مساءا، فلما کان بعد ذلک بیومین او ثلاثة أخبر انه قد ضعف، فرکب حتی بکر الیه و أمر المتطببین بلزوم داره، و بعث الی قاضی القضاة و امره ان یختار عشرة ممن یوثق به فی دینه و ورعه، و امانته، فبعث بهم الی دار الحسن و امرهم بلزومه لیلا و نهارا، فلم یزالوا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 247
هناک حتی توفی، فلما ذاع خبر وفاته صارت (سر من رأی) ضجة واحدة:
مات ابن الرضا، ثم اخذوا فی تجهیزه و عطلت الاسواق، و رکب بنو هاشم، و القواد، و الکتاب، و القضاة، و المعدلون، و سائر الناس الی جنازته فکانت (سر من رأی) یومئذ شبیها بالقیامة، فلما فرغوا من تهیئته بعث السلطان الی ابی عیسی بن المتوکل فامره بالصلاة علیه فلما وضعت الجنازة دنا ابو عیسی منه، فکشف عن وجهه فعرضه علی بنی هاشم من العلویة و العباسیة، و القواد، و الکتاب، و القضاة، و المعدلین، و قال: هذا الحسن بن علی بن محمد بن الرضا مات حتف انفه علی فراشه و حضره من خدم امیر المؤمنین فلان، و فلان و من المتطببین فلان و فلان، ثم غطی وجهه و صلی علیه و کبر خمسا، و امر بحمله فحمل من وسط داره، و دفن فی البیت الذی فیه ابوه، و روی انه مضی مسموما و قد سمّه المعتمد

من اقواله و حکمه

من الفواقر التی تقصم الظهر جار ان رای حسنة اطفاها، و ان رای سیئة افشاها.
حب الابرار للابرار ثواب للابرار، و حب الفجار للابرار، فضیلة للابرار، و بغض الفجار للابرار زین للابرار، و بغض الابرار للفجار خزی علی الفجار،
و قال لشیعته «اوصیکم بتقوی اللّه، و الورع فی دینکم، و الاجتهاد للّه، و صدق الحدیث، و اداء الامانة الی من ائتمنکم من بر او فاجر، و طول السجود، و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلی اللّه علیه و آله و سلم: صلوا فی عشائرهم، و اشهدوا جنائزهم، و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فان الرجل منکم اذا ورع فی دینه، و صدق فی حدیثه، وادی الامانة،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 248
و حسن خلقه مع الناس، قیل هذا شیعی، فیسرنی ذلک، فاتقوا اللّه و کونوا زینا، و لا تکونوا شینا، جروا الینا کل مودة، و ادفعوا عنا کل قبیح، فانه ما قیل فینا من حسن فنحن اهله، و ما قیل من سوء فما نحن کذلک، لنا حق فی کتاب اللّه و قرابة من رسول اللّه، و تطهیر من اللّه»
من مدح غیر المستحق فقد قام مقام المتهم
لا یعرف النعمة الا الشاکر و لا یشکر النعمة الا العارف
ان للسخاء مقدارا فان زاد علیه فهو سرف، و للحزم مقدارا فان زاد علیه فهو جبن، و للاقتصار مقدارا فان زاد علیه فهو بخل، و للشجاعة مقدارا فان زاد علیه فهو تهور

وفاته

توفی (بسر من رای) یوم الجمعة مع صلاة الغداء لثمان خلون من ربیع الاول علی المشهور سنة ستین و مائتین 873 م و عمره ثمان و عشرون او تسع و عشرون سنة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 249

الامام الثانی عشر محمد بن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب

ولادته:

اشارة

هو محمد بن الحسن العسکری الامام الثانی عشر الذی تنتهی عنده الامانة عند الشیعة الاثنی عشریة و یوصف باسماء متعددة و کنی کثیرة اشهرها (المهدی) و صاحب الزمان، و الامام المنتظر، و الحجة، ولد لیلة النصف من شعبان سنة 255 (بسر من رأی) و فی عصر المعتمد، و امه ام ولد و اسمها (نرجس) و قیل انها احدی بنات قیصر الروم.

صفاته

ابیض الوجه، ناصع الجبین، اشم الانف، کث اللحیة، اکحل العینین، براق الثنایا- کما استخرجه الامین من مختلف الروایات- و هو شثن الکفین،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 250
معطوف الرکبتین، و قیل انه یشبه رسول اللّه فی خلقه الرضی، و جاء فی روایة (النعمانی) انه یشبه النبی فی الخلق و الخلق و سمی بالمنتظر لان خروجه منتظر حین یعم العالم الجور و الظلم و تنعدم الانسانیة و یسود الضلال بین الناس و تضمحل المقاییس فیخرج مؤیدا بمشیئة اللّه (و یملک شرق الارض و غربها فیملأ الارض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا) و نصوص اخری تقول (و یقسم المال بالسویة، و یعدل فی الرعیة، و یفصل فی القضیة)
و قد انکر البعض وجود المهدی اصلا و قال البعض انه لم یولد بالمرة و قال البعض بل توفی و هو صغیر و ذلک بسبب ما احیط به من جو الکتمان الذی اقتضته الاحوال السیاسیة یومذاک و استدعت اخفاءه الا عن المقربین و الصالحین من الادنین الیه الذین تولوا السفارة بینه و بین بقیة شیعته و الرد علی استفتاآتهم و مشاکلهم، و قد قضی ورود ذکره- من قبل أکابر اهل السنة فضلا عن الشیعة، و رجال التاریخ، و رواة الحدیث و الاخبار، عند مختلف المذاهب- علی کل شبهة و کل ظن، و قد لخص (الامین) فی استعراضه لسیرة المهدی من طرق اهل السنة طائفة کبیرة من الاحادیث و الاخبار التی تخص المهدی و کونه الامام الثانی عشر، و کونه المنتظر کما هو علیه رأی الشیعة الاثنی عشریة من انه سیخرج و یملأ الارض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا.
و من المفید الاشارة الی من قال بوجود المهدی و وافق الشیعة من علماء اهل السنة کأبی سالم کمال الدین محمد بن طلحة القرشی النصیبی (الشافعی) فی کتابه (مطالب السؤول فی مناقب آل الرسول) فقد قال عنه «المهدی الحجة الخلف الصالح المنتظر» ثم قال «و اما مولده (فبسر من رأی) فی ثالث و عشرین رمضان سنة 258 للهجرة».
و کأبی عبد اللّه محمد بن یوسف الکنجی (الشافعی) فی کتابه (البیان فی اخبار صاحب الزمان) و یشتمل هذا الکتاب علی خمسة و عشرین باب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 251
و تناول فی کل باب من الابواب الاربعة و العشرین عدة أحادیث عن احوال (صاحب الزمان) من طریق اهل السنة.
و کنوز الدین علی بن محمد بن الصباغ (المالکی) فی (الفصول المهمة فی معرفة الائمة) فقد جاء فی الفصل الثانی عشر قوله (الفصل الثانی عشر، فی ذکر ابی القاسم الحجة الخلف الصالح ابن ابی محمد الحسن الخالص و هو الامام الثانی عشر، و تأریخ ولادته، و دلائل امامته الخ) و حین تطرق المؤلف فی کتابه هذا الی ذکر الامام الحسن العسکری والد المهدی قال بهذا النص:
«و خلف ابو محمد الحسن رضی اللّه عنه من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، و کان قد اخفی مولده، و ستر امره لصعوبة الوقت و خوف السلطان ان یطلبه من الشیعة و محبسهم، و القبض علیهم»
و کشمس الدین ابی المظفر یوسف بن عبد اللّه البغدادی (الحنفی) المعروف بسبط ابن الجوزی فی کتابه (تذکرة خواص الامة فی معرفة الائمة) بعد ان أتی علی ترجمة الامام حسن العسکری بهذا اللفظ «ذکر اولاده- ای اولاد العسکری- منهم محمد الباقر الامام (فصل) هو محمد بن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی الرضا بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب علیهم السلام و کنیته ابو عبد اللّه و ابو القاسم و هو الخلف الحجة و صاحب الزمان و القائم و المنتظر و التالی و هو آخر الائمة».
و کالشیخ محی الدین بن عربی الحاتمی الطائی الاندلسی فی کتابه (الفتوحات المکیة) الذی نقل عنه الشعرانی فی (الیواقیت و الجواهر) ما هذا نصه «و عبارة الشیخ محی الدین فی الباب السادس و الستین و الثلاثمایة من (الفتوحات)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 252
«و اعلموا انه لا بد من خروج المهدی علیه السلام لکن لا یخرج حتی تمتلی‌ء الارض جورا و ظلما فیملؤها قسطا و عدلا و لو لم یکن من الدنیا الا یوم واحد طول اللّه تعالی ذلک الیوم حتی یلی ذلک الخلیفة و هو من عترة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم من ولد فاطمة رضی اللّه عنها ... الخ»
و کالشیخ عبد الوهاب الشعرانی المصری فی کتاب (الیواقیت و الجواهر، فی بیان عقائد الاکابر) قال الشعرانی ما لفظه «المبحث الخامس و الستون فی بیان ان جمیع اشراط الساعة التی اخبرنا بها الشارع حق لا بد ان تقع کلها قبل قیام الساعة و ذلک کخروج المهدی»- الی ان قال- و هو من اولاد الامام الحسن العسکری و مولده علیه السلام لیلة النصف من شعبان سنة 255 .. الخ»
و کالحافظ محمد بن محمود البخاری (الحنفی) فی کتاب (فصل الخطاب) علی ما نقل ما لفظه: «و لما زعم ابو عبد اللّه جعفر بن ابی الحسن علی الهادی رضی اللّه عنه و ادعی ان اخاه الحسن العسکری رضی اللّه عنه جعل الامامة فیه سمی الکذاب و هو معروف بذلک، و ابو محمد الحسن العسکری ولده محمد رضی اللّه عنهما معلوم عند خاصة اصحابه و ثقات اهله».
و کثیر غیر هؤلاء من أکابر رجال الحدیث و التاریخ الذین وردت تراجمهم فی المعاجم و الاعلام بشی‌ء کثیر من التجلة و أشیر الی کتبهم بشی‌ء کثیر من الاعجاب ممن خص کل کتابه او بعض فصوله او قسما من اخباره بالحجة المهدی، و من هؤلاء السید جمال عطاء اللّه فی کتابه (روضة الاحباب) و نور الدین عبد الرحمن بن قوام الدین الجامی (الحنفی) و قیل الشافعی، فی کتابه (شواهد النبوة) و هو صاحب کتاب (نفحات الانس)، بالفارسیة و (سلسلة الذهب) الذی طعن فیه بطوائف (الرافضیة) علی حد قول صاحب کتاب (الشقائق النعمانیة) و مع ذلک فقد أفاض فی ذکر المهدی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 253
مدخل السرداب المعروف بسرداب الغیبة فی سامراء
و غالی فی ایراد معجزاته، و العارف عبد الرحمن من مشائخ الصوفیة و قد ذکرت اخباره فی کتاب (مرآة الاسرار) .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 255

عقائد الشیعة و أصول دینهم کتبها جعفر الخلیلی

اشارة

موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 257

عقیدة الشیعة و أصول دینهم

اشارة

الشیعة الامامیة الاثنا عشریة هم الاکثریة العامة. بین طوائف الشیعة، و انما سموا بالاثنی عشریة لانهم یحصرون أئمتهم فی اثنی عشر اماما، و هذا احد الاختلافات المهمة بینهم و بین طوائف المسلمین و الشیعة الآخرین، و یسمی الشیعة الامامیة (بالجعفریة) ایضا ذلک لتلقی قواعد فقههم و أصول مذهبهم من الامام السادس جعفر بن محمد الصادق و لان تجاهرهم بالتشیع کان ابرز و أظهر فی ایام الصادق (ع) فی القرن الثانی الهجری.
اما نفوس الشیعة الیوم فلیس هنالک احصاء مضبوط یمکن الرکون الیه و الکثیر ممن عنوا بالاحصاء اعتمدوا التخمین اکثر من الاعتماد علی الاحصاءات الرسمیة، و لعل للعواطف دخلا فی الزیادة و النقصان الوارد فی التخمینات و فی الاحصاءآت الرسمیة، و مع ذلک فهذه التخمینات لم تتجاوز المایة ملیون عدا للشیعة الاثنی عشریة حسب الاستنتاجات.
و کثافة سکان الامامیة فی العالم هی فی (العراق) و (ایران) و (الهند)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 258
و (الباکستان) و (لبنان) و شرقی افریقیا کزنجبار و دار السلام، و علی ان العتبات المقدسة من مراقد أئمة الشیعة الامامیة هی المراکز الدینیة و العواصم المذهبیة، فان هذه المراکز و العواصم تتنقل اهمیتها حسب العوامل اکثر من عشرین الف مصل یصلون صلاة العید فی احد میادین کربلاء
الاجتماعیة، و الحوادث السیاسیة و الاقتصادیة، و مع ذلک فکثیرا ما انحصرت الزعامة الروحیة و المرجعیة المذهبیة، و دراسة العلوم الدینیة، و الفلسفیة، و اللغة و الادب (بعتبة) دون اخری، و کثیرا ما تساوت الاهمیة العلمیة و الزعامة فی عتبتین او اکثر فی زمن واحد من حیث الاهمیة العلمیة و الزعامة الروحیة بحیث یتعذر تفضیل عتبة علی اخری من حیث اهمیتها الروحیة و لکن هذا لا یعنی ان مرکز الزعامة الروحیة وقف علی مرکز (العتبة)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 259
فکثیرا ما انحصرت الزعامة الدینیة الکبری کلها او جلها فی مدن لیست لها علاقة بالعتبات المقدسة کبغداد، و الحلة، و اصفهان مثلا، و مع ذلک فقد احتفظت بعض العتبات بکونها عاصمة للشیعة الاثنی عشریة لمدة اطول بسبب عوامل تخص نبوغ ساکنیها من العلماء، و نشاط العلم، و مدی الشهرة التی اکتسبتها، و ان من هذه العتبات التی احتفظت بزعامة الشیعة مدة اطول هی (النجف) التی تعتبر الیوم المرجع المهم، و مصدر الفقه الشیعی، و منبع الفتاوی المذهبیة بین اغلب مراکز الشیعة الامامیة.
«یقول الشیخ علی الشرقی للشیعة مدن علمیة تعاقبت فی الظهور حسب الاحوال الاجتماعیة و السیاسیة التی تنقلت بهم من مرکز الی مرکز و من وقت الی وقت فکانت (الکوفة) و کانت (قم) ثم (الحلة السیفیة) ثم (حلب) ثم (شیراز) ثم (اصفهان) ثم (کربلاء) ثم (النجف)، و ربما کانت (جبع) احدی مدن عاملة و (الصباغیة) احدی مواقع البطائح، و (الرماحیة) احدی مدن خزاعة فی الفرات الاوسط من المراکز العلمیة،
و کل هذه المدن کان لها فی بعض الاوقات السلطة الزمنیة و الدینیة و کانت محطات علمیة توزع تلامیذها علی الاقطار الشیعیة و یهاجر الیها رواد العلم و طلابه و فی کل منها حتی الیوم اثار علمیة ففی (قم) زوایا و مدارس و خوانق قدیمة، و فی شیراز محلة کبیرة تعرف بمحلة العلماء و للعرفان الشیرازی و الادب الشیرازی انتشار و شهرة، و کل تاریخ (الحلة) علم و ادب، و کتاب المسائل الحلبیة یشهد بما کان لحلب من تاریخ الشیعة؛ و تکثر فی (اصفهان) و بلاد (عاملة- لبنان) المدارس التاریخیة و المحلات العلمیة، و قبور العلماء الشهیرة، و اکثر الکتب الحیة و التآلیف الممتعة التی بین ایدینا الیوم هی:
للقمی، و الحلبی، و الحلی، و الشیرازی، و العاملی، و الاصفهانی، و الرازی،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 260
و الحائری، و الغروی، و قد انتقل النتاج الفکری من کل هذه المدن الی النجف»
و الشیعة یعنون بالعلم، و الفن، و الادب عنایة خاصة، و یلتزم فقهاؤهم بالاحاطة التامة باللغة العربیة حتی و ان کانوا من غیر العرب، و بالتاریخ الاسلامی، و الادب العربی لما یتوقف علی ذلک من امور تتعلق بتفسیر القرآن و فهم مغازی الحدیث، و الخبر، و ما ترمی الیه الشریعة من فلسفة ربما تطلبت استعراض الادیان الاخری و مقارنتها بالدین الاسلامی، لذلک نبغ من الشیعة عدد کبیر من رجالات الفقه و علم الکلام، و اللغة، و الادب و الفنون بمختلف صورها، و قد الفت فی ذلک کتب متعددة تطرقت الی هذه الملکات و المواهب، و من اهم هذه الکتب التی صدرت فی العصر الاخیر کتاب للسید حسن الصدر الکاظمی باسم (الشیعة و فنون الاسلام) تناول فیه بحث تقدم الشیعة فی العلوم و الفنون الاسلامیة بصورة واسعة، و قد ترجم هذا الکتاب لاهمیة موضوعه الی لغات اجنبیة

الاسلام و الایمان فی عقیدة الشیعة

و الشیعة الاثنا عشریة مسلمون، و یعتقدون ان الاسلام هو النطق بالشهادتین: بان یقول المسلم او من یدخل الاسلام 1- اشهد ان لا اله الا اللّه 2- و ان محمدا عبده و رسوله، و علی ان الاسلام و الایمان مترادفان و یطلقان علی معنی اعم و لکن الایمان اعلی درجة من الاسلام
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 261
«قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ» و مع ذلک فالاسلام و الایمان وحدة تعتمد بالمعنی الاعم علی ثلاثة ارکان و هی التوحید، و النبوة، و المعاد فلو انکر الرجل واحدا منها فلیس بمسلم و لا مؤمن، و اذا دان بتوحید اللّه و نبوة سید الانبیاء محمد «ص» و اعتقد بیوم الجزاء «من آمن باللّه و رسوله و الیوم الآخر» فهو مسلم حقا له ما للمسلمین و علیه ما علیهم: دمه، و ماله، و عرضه حرام
و یطلق الاسلام و الایمان علی معنی اخص، و هو یعتمد علی تلک الارکان الثلاثة، و رکن الشیعة یؤدون صلاة الجماعة فی لندن فی المسجد الاسلامی العام
رابع آخر، و هو العمل بالدعائم التی بنی علیها الاسلام و هی خمس:
الصلاة، و الصوم، و الزکاة، و الحج، و الجهاد
و بالنظر الی هذا قالوا «الایمان اعتقاد بالجنان، و اقرار باللسان، و عمل بالارکان»
«من آمن باللّه و رسوله و عمل صالحا» فکل مورد فی القرآن اقتصر علی ذکر الایمان باللّه و رسوله و الیوم الآخر، یراد به الاسلام و الایمان بالمعنی الاول، و کل مورد اضیف الیه ذکر العمل الصالح یراد به المعنی الثانی

اصول الدین

اشارة

و اصول الدین عند الشیعة الامامامیة خمسة:
الاول- التوحید
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 262
الثانی- العدل
الثالث- النبوة
الرابع- الامامة
الخامس- المعاد
و من الواجب عند الشیعة ان یتدبر المسلم اصول دینه و عقائده بالتتبع، و اعمال الفکر، و اخذ العقیدة بهذه الاصول عن طریق العقل، فلا یجوز تقلید الغیر فی العقیدة ما دام اللّه قد وهبه عقلا یجب علیه ان یستخدمه، و یمرّنه فی النظر الی الاشیاء لاکتساب المعرفة، و فهم الامور، و اخذها بمیزان البصیرة و الاصول المنطقیة الصحیحة، قال تعالی:
(سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الْآفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)
و قد ذم اللّه المقلدین فی کتابه العزیز بقوله: (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَیْنا عَلَیْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ کانَ آباؤُهُمْ لا یَعْقِلُونَ شَیْئاً) کما ذم من یتبع ظنونه و رجمه بالغیب فقال: (إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)*
و الحقیقة ان العقول هی التی فرضت علینا النظر فی الخلق و معرفة خالق الکون کما فرضت علینا النظر فی دعوة النبی فلا یصح عند الشیعة تقلید الغیر فی ذلک مهما کان ذلک (الغیر) منزلة و خطرا)
و قد اجمع العلماء قاطبة علی ان اصول الدین لا یکفی فیها الظن و ان وصل الی رتبة الاطمئنان و تاخم العلم و الاعتقاد و ان المعرفة واجبة، و هی عند الشیعة اصلیة و مأخوذة من قول الامام علی بن ابی طالب «اول الدین المعرفة» و بناء علی هذا فان الواجب یقضی بأن تجی‌ء المعرفة باصول الدین الخمسة عن طریق الدلیل و الایمان العقلی، و جاء فی ذم التقلید ایضا قوله
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 263
تبارک و تعالی (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) و قوله (وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلی ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَی الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ کانَ آباؤُهُمْ لا یَعْلَمُونَ شَیْئاً وَ لا یَهْتَدُونَ) و قوله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ)
اما التقلید فی الفروع فقد جوزه الشیعة الامامیة و قیدوا انفسهم به
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 264

1- الوجود و التوحید

و الرکن الاول عند الشیعة هو ان یعتقد المسلم بوجود اللّه و وحدانیته و کونه متصفا بجمیع صفات الکمال و منزها عن جمیع صفات النقص و عن کل ما یقتضی الحدوث، و هی ما تسمی بالصفات الثبوتیة و الصفات السلبیة اما الصفات الثبوتیة فهی ثمان:
1- قادر مختار 2- عالم 3- حی 4- مرید کاره 5- مدرک 6- قدیم ازلی باق ابدی 7- متکلم 8- صادق، و اما الخالق، و الرازق، و المحی، و الممیت و امثالها فهی من صفات الافعال
اما صفات اللّه السلبیة فهی سبع:
1- لیس بمرکب 2- لیس بجسم 3- لیس محلا للحوادث 4- لیس بمرئی لا فی الدنیا و لا فی الآخرة 5- لیس له شریک 6- لیس بمحتاج 7- نفی المعانی و الصفات عنه
و لکل صفة من الصفات المذکورة الثبوتیة و السلبیة ادلة عقلیة ذات وجوه متعددة، تجعل العقیدة راسخة بوجود اللّه و وحدانیته و اتصافه بتلک الصفات الثبوتیة و السلبیة فلوجود اللّه عز و جل ادلة متعددة نضرب مثلا منها ما اورده الشیخ محمد رضا فرج اللّه من امثلته الخاصة قال:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 265
«لا شک ان الموجود من حیث هو منحصر فی اثنین: مفیض للوجود، و مفاض علیه الوجود، و بعبارة اجمل: منعم و منعم علیه، و لا بد للاول من کونه موجودا لذاته من غیر احتیاج الی من یفیض جامع الشیعة فی الولایات المتحدة
علیه الوجود و ینعمه به. بل ان ذاته علة لوجود الغیر و للانعام علیه، و لا بد للثانی من احتیاجه الی علة له خارجة تفیض به علیه الوجود و تنعم به علیه، و لو کان من افاض الوجود و انعم به یحتاج الی من یفیض علیه الوجود و ینعمه به ایضا للزم ان لا یوجد موجود اصلا، لان الفرض ان من یفیض الوجود به لا یفیض الا بعد ان یفاض علیه الوجود من الغیر و ینعم به فهو اذا قبل الانعام بافاضة الوجود علیه غیر موجود،
و علی هذا الفرض و بهذا القیاس فلا موجود ابدا، و لتوضیح ذلک فلنضرب مثلا مصغرا بسلسلة من موجودات عشرة فنقول:
اذا کان (العاشر) الذی هو نهایة السلسلة یستقی فیض وجوده من (التاسع) فهو قبل وجود (التاسع) لم یکن موجودا،
و لنأت الی (التاسع) و نقول اذا کان التاسع یستقی فیض وجوده من (الثامن) فهو اذا قبل وجود (الثامن) لم یکن موجودا ایضا
و هکذا کل لاحق فی العدد یستقی وجوده من سابقه حسب الفرض، فهو غیر موجود قبل وجود سابقه حتی نصل الی (الاول) الذی هو مصدر افاضة الوجود علیها و هو ان کان یستقی وجوده من غیره فهو غیر موجود
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 266
ایضا، فلا وجود (للعشرة) حینذ لفقدان من یفیض علیها الوجود، و هو الاول الذی افاض الوجود علی الثانی حسب الفرض، لان ذلک الاول یفقد من یفیض الوجود علیه، فهو لیس بموجود، و علی هذا التقریر فلا موجود فی الکون، بل لا کون، و لا موجود، الا اذا کان ذلک الاول لم یستق فیض وجوده من غیره، و اذا کان کذلک فهو اذا (الموجود لذاته) و هو علة العلل، و هو موجد الکون، و مفیض الوجود، و المنعم به، فلا محیص عن ان اللّه تعالی موجود بذاته لذاته منذ الأزل و الی الأبد»
اما ما یتعلق بوحدة الوجود فرای الشیعة فیه و فلسفتهم مأخوذة من کلمة امیر المؤمنین فی اللّه حیث یقل:
(توحیده تمییزه عن خلقه، و حکم التمییز بینونة صفة لا بینونة عزلة)
و هی اجمع کلمة لقواعد التوحید،، و التجرید، و التنزیه، و دحض التشبیه، و الصحیح الذی لا غبار علیه ان حقیقة الوجود من حیث هی واحدة لا تعدد فیها و لا تکرار بل کل حقیقة من الحقائق، و ماهیة من الماهیات ایضا بالنظر الی ذاتها مجردة عن کل ما سواها یستحیل تعددها و تکررها. و من قواعد الحکمة المتفق علیها ان (حقیقة الشی‌ء لا تتثنی و لا تتکرر، و الماهیات انما تتکثر و تکرر بالوجود)
و یتمسک الشیعة فی عقیدتهم بالوجود بقول الامام الصادق «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة» و التی یمثلها لبید الشاعر فی قوله:
(الا کل شی‌ء ما خلا اللّه باطل) و الذی قال فیه النبی (ص) «اصدق کلمة قالها الشاعر لبید»
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 267
و التوحید هو الایمان بان اللّه واحد لا شریک له و ان ما جاء به القرآن الکریم (لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ) و قوله تعالی: (وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ) ان هذا هو اساس العقیدة التی یجب ان یثبتها المنطق و یقیمها العقل فی الذهن،
و المقصود من ان اللّه (موجود وحی) هو انه لیس مثل الجمادات، و لیس لانه ذو روح، و القول بانه (مدرک) ای انه یبصر و لکن لا بعین، و یسمع و لکن لیس باذن، بل یدرک جمیع المبصرات و المسموعات، و القول بانه (متکلم) هو انه ینطق و لکن لیس بلسان، بل یوجد الکلام فی بعض مخلوقاته، و القول بانه (لیس محلا للحوادث) ای للامور و الصفات الحادثة و معنی (نفی المعانی و الصفات عنه) هو ان صفاته لیست مغایرة، بل هی عین ذاته،
و یعتقد الشیعة ان کل ما ورد من النقل مما ظاهره خلاف ذلک مثل (الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی و (إِلی رَبِّها ناظِرَةٌ) و (جاءَ رَبُّکَ) و (یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ) و (مَکَرُوا وَ مَکَرَ اللَّهُ) و (لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ) و (لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) و غیر ذلک فیجب رده و تأویله الی ما حکم به العقل، او ایکال علمه الیه تعالی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 268

2- العدل

هو الرکن الثانی من اصول الدین و مفهومه تنزیه الخالق عن فعل القبیح و عن وضعه الشی‌ء فی غیر موضعه فهو غیر ظالم و غیر جائر فی حکمه و قد حکت طبیعة هذا العدل آیات من القرآن الکریم فی قوله تعالی:
(أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِینَ کَالْمُجْرِمِینَ ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ)
و قوله (إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئاً وَ لکِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ)
و قوله (لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ)
و قوله (وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)
و غیر ذلک من الآیات الکریمة التی تشیر الی عدله و الی حثه تعالی الخلق علی العدل و تجنب فعل القبیح، و کما ان وجود اللّه و وحدانیته قد قامت علی ادلة عقلیة فللعدل هذا ادلة ذات وجوه متعددة تقوم علی قواعد العقل و المنطق تفرض علی کل شیعی مدرک مناقشتها و الایمان بها عن طریق العقل و لیس عن طریق التقلید فلو کان اللّه یفعل الظلم و القبح فان الأمر فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 269
ذلک لا یخلو عن اربع صور:
1- ان یکون جاهلا بالأمر فلا یدری انه قبیح
2- ان یکون عالما به و لکنه مجبور علی فعله، و عاجز عن ترکه
3- ان یکون عالما به و غیر مجبور علی فعله علیه و لکنه محتاج الی فعله
4- ان یکون عالما به و غیر مجبور علیه و لا یحتاج الیه، فینحصر فی ان یکون فعله له تشهیا و عبثا و لهوا و کل هذا المفروص محال علی اللّه تعالی و تستلزم صوره النقص فیه، و هو محض الکمال، فیجب ان نحکم بانه منزه عن الظلم و فعل ما هو قبیح و قد وردت الأدلة العقلیة فی مواطنها المفصلة من الکتب تنزیها له تعالی من الظلم و فعل القبیح
و یقول الشیخ محمد الحسین کاشف الغطاء ان (العدل) لیس اصلا مستقلا من صفات اللّه بل هو مندرج فی نعوت الحق و وجوب وجوده المستلزم لجامعیته لصفات الجمال و الکمال، فهو شأن من شؤون التوحید و لکن الاشاعرة لما خالفوا (العدلیة) و هم المعتزلة، و الامامیة، فانکروا الحسن و القبح العقلیین و قالوا لیس الحسن الا ما حسّنه الشرع و لیس القبیح الا ما قبّحه الشرع، و انه تعالی لو خلد المطیع فی جهنم و العاصی فی الجنة لم یکن قبیحا لانه یتصرف فی ملکه، و لا یسأل عما یفعل و هم یسألون حتی انهم اثبتوا وجوب معرفة الصانع و وجوب النظر فی المعجزة لمعرفة النبی من طریق السمع و الشرع لا من طریق العقل لانه ساقط عن منصة الحکم فوقعوا فی الاستحالة و الدور الواضح
اما العدلیة- الشیعة و المعتزلة فقد قالوا ان الحاکم فی تلک النظریات هو
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 270
العقل مستقلا، و لا سبیل لحکم الشرع فیها تأکیدا و ارشادا و العقل یستقل بحسن فعل الافعال و قبح بعض آخر، و بحکم ان القبیح محال علی اللّه لانه حکیم، و فعل القبیح مناف للحکمة و تعذیب المطیع ظلم، و الظلم قبیح، و هو لا یقع منه تعالی، و بهذا اثبتوا للّه صفة (العدل) و افردوها بالذکر دون سائر الصفات اشارة الی خلاف الأشاعرة مع ان الأشاعرة فی الحقیقة لا ینکرون کونه تعالی عادلا غایته ان العدل عندهم هو ما یفعله، و کلما یفعله فهو حسن، نعم انهم انکروا ما اثبته المعتزلة و الامامیة من حکومة العقل و ادراکه للحسن و القبح علی الحق جل شأنه قائلین انه لیس للعقل وظیفة الحکم بان هذا حسن من اللّه و هذا قبیح منه
و تفرعت من رای الاشاعرة فکرة (الجبر) و هی تقابل فکرة
جماعة من الشیعة یؤدون صلاة الجماعة بجامع الشیعة فی هامبورک
(الاختیار) و حریة الارادة عند الشیعة و المعتزلة فقد قال الاشاعرة بان الانسان مجبور او ما یشبه ذلک علی ما یقع منه، و قالت (الامامیة) بل هو مختار و حر فی اعماله، و انما ملکة الاختیار و صفته کنفس وجوده من
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 271
اللّه، فهو الذی خلق العبد و أوجده مختارا، و یقول الشیعة لو کان العباد مجبورین علی افعالهم لما صحت مواخذة العاصی منهم، و لا اثابة المطیع بل تکون المواخذة حینذاک ظلما، لان الغاصی مجبور علی فعل الطاعة ایضا، و علی هذا فلن تکون هناک مثوبة او عقوبة، و لا وعد، و لا وعید، و لا جنة، و لا نار، و لا سائل و لا مسؤول لان اللّه سبحانه خلق الخلق و اجبرهم علی افعالهم سواء کانت طاعة او معصیة
علی ان (للاختیار) عند الشیعة حدودا معینة فلیست هی اختیارات بکل معنی الکلمة و انما هی امر بین امرین تتضمنه کلمة الامام الصادق
«لا جبر و لا تفویض و لکن امر بین امرین»
و هی من معضلات المسائل التی اخذت دورا مهما فی التحلیل و المناقشة طوال القرون الماضیة: (فَکُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَیْهِ حاصِباً، وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّیْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَ ما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ)
(لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، لَها ما کَسَبَتْ وَ عَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ، رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِینا أَوْ أَخْطَأْنا)
(فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ یَکْتُبُونَ الْکِتابَ بِأَیْدِیهِمْ ثُمَّ یَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِیَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِیلًا، فَوَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا کَتَبَتْ أَیْدِیهِمْ وَ وَیْلٌ لَهُمْ مِمَّا یَکْسِبُونَ)
و باختصار فان عقیدة الشیعة فی الجبر و الاختیار النظریتین اللتین شغلت افکار طوائف المسلمین: ان الاعمال صادرة عن العباد باختیارهم، و لیسوا مجبورین علیها، و انها لیست فعلا للّه تعالی و لا مخلوقة له خلق تکوین، بل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 272
خلق تمکین، بمعنی انه تعالی خلق فی العبد القدرة علی الفعل و الترک، و خلق فیه الجوارح التی یقدر بها علی الفعل، و الادوات التی یتوصل بها الیه و لو شاء منعه لمنعه، و بین له طریق الخیر، و امره باتباعه، و أراه طریق الشر، و نهاه عن سلوکه، فاذا عصاه فبسوء اختیاره، و اذا اطاعه فبتوفیقه و اقداره
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 273

3- النبوه

اشارة

و عن طریق العقل یجب علی المسلم ان یؤمن بأن من العدل ان یرسل اللّه الی عباده مبشرا و هادیا یعلم الناس الاحکام، و یبیّن لهم الحلال من الحرام و یرشدهم الی طریق الصواب و یحکم بینهم بالعدل، و ان ذلک واجب علی اللّه تعالی باعتباره لطفا منه، و اللطف واجب علی الاله الذی مرت صفاته فی تعریف ذاته من قبل، و قد یکون الایمان بوجوب ارسال الانبیاء یمثل جانبا من (العدل) بحیث لا یمکن ان یستقیم هذا العدل تماما من غیر وجود بشیر او نذیر، او هاد، او مرشد، یتمثل فی صورة نبی یأتی الی عباده لیعلمهم ما ینبغی علیهم ان یتعلموه لیعملوا به، و ما ینبغی علیهم ان یتعلموه لیتجنبوه حتی یکونوا صلحاء.
قال سبحانه و تعالی (وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا)
و قال (وَ أَرْسَلْناکَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً)
و قال (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً وَ داعِیاً إِلَی اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِیراً)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 274
و قال تعالی (وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا فِیهِمْ مُنْذِرِینَ)
و قال (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ)
و غیر ذلک من الآیات التی یؤمن بمنطوقها الشیعة کرکن ثالث من ارکان الدین الخمسة و یناقشونها منطقیا حتی یؤمنوا بواقعها بالأدلة القاطعة.
و الفرق بین النبی و بین الرسول امور أهمها: ان النبی قد لا یکون مبعوثا من اللّه الا لفئة خاصة، و طائفة معینة، و الرسول هو المبعوث الی الناس سواء أ کانت طائفة منهم کیونس فی قوله تعالی (وَ أَرْسَلْناهُ إِلی مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ یَزِیدُونَ) ام الیهم عامة علی ان تکون للرسول شریعة ابتدائیة کانت کشریعة آدم او منقطعة محدودة منسوخة کشریعة موسی و عیسی، او ناسخة لجمیع الشرائع کشریعة محمد .
و یعتقد الشیعة الأمامیة ان جمیع الانبیاء الذین نص علیهم القرآن الکریم رسل من اللّه و عباد مرسلون لدعوة الخلق الی الحق، و ان محمدا هو خاتم الأنبیاء و سید الرسل کما یعتقد الشیعة الامامیة بکفر کل من اعتقد او ادعی النبوة بعد النبی محمد ص .
و ان الکتاب الموجود فی ایدی المسلمین هو الکتاب الذی انزله اللّه للاعجاز و التحدی و لتعلیم الاحکام، و تمیز الحلال من الحرام و انه لا نقص فیه و لا تحریف و لا زیادة، و یتمسک الشیعة الاثنا عشریة فی کون ان القرآن سالم عن النقص و الزیادة و التحریف بمنطوق الآیة الکریمة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 275

اعجاز القرآن

و دلیل اعجاز القرآن هو البلاغة التی لم تتغیر مدلولاتها و مفاهیمها بتغیر الزمن ما دامت هنالک لغة اسمها اللغة العربیة، و الشیعة الامامیة یرون ان هذه المعجزة یجب ان تمشی الی جانب القرآن و تظل شاخصة مدی العمر و لهم علی ذلک ادلة عقلیة و نقلیة، فقد سحر القرآن العرب منذ اللحظة الاولی سواء منهم فی ذلک من دخل فی الاسلام او من لم یدخله فقد کان القرآن العامل الحاسم فی ایمان من آمنوا فی أوائل الدعوة، یوم لم یکن لمحمد حول او طول، و یوم لم یکن للاسلام قوة و لا منعة، و قصة ایمان عمر بن الخطاب (رض) فی وقعة تولی بن المغیرة نموذجان من قصص کثیرة للایمان و للتولی، فلقد جاء ان النبی کان یصلی فی المسجد، و الولید بن المغیرة قریب منه یسمع قراءته فلما فطن النبی لاستماعه أعاد قراءة الآیة، فانطلق الولید حتی أتی الی مجلس قومه من بنی مخزوم فقال:
«و اللّه لقد سمعت من محمد آنفا کلاما ما هو من کلام الجن، و اللّه ان له لحلاوة، و ان علیه لطلاوة، و ان اعلاه لمثمر، و ان اسفله لمغدق، و انه یعلو و ما یعلی» ثم انصرف الی منزله.
فقالت قریش صبأ و اللّه الولید، و لتصبون قریش کلهم، فأوفدوا الیه أبا جهل یحتال لصرفه عن الاسلام ان کان قد نوی الدخول فیه، و ما زال به حتی قام معه الی مجلس قومه فقال لهم:
«تزعمون ان محمدا مجنون فهل رأیتموه یخنق قط؟ و تزعمون انه کاهن فهل رأیتموه قط تکهّن؟ و تزعمون انه کذاب فهل جربتم علیه شیئا من الکذب».
و یسألهم و یجیبونه: کلا فی کل سؤال، حتی اعیاهم ان یردوا کلامه فسألوه رأیه فی تفسیر بلاغة القرآن؟ ففکر ثم قال:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 276
القرآن المنسوب خطه الی امیر المؤمنین «ع»
«ما هو الا سحر یؤثر، اما رأیتموه یفرق بین الرجل و أهله و ولده و موالیده فهو ساحر و هذا هو السحر المبین».
فالی ذاک یشیر القرآن الکریم «إِنَّهُ فَکَّرَ وَ قَدَّرَ، فَقُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَکْبَرَ، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ یُؤْثَرُ».
سحر یوثر، یفرق بین الرجل و أهله و ولده و موالیه ... تلک قولة رجل یتقاعس عن الاسلام و یتکبر ان یسلم لمحمد، و یعتز بنسبه، و ماله، و ولده و لیست قولة رجل آمن فهو یعلل ایمانه بهذا السحر الذی لا یغالب، و انها لأدل علی (سحر القرآن) للعرب من کل کلام یقوله المؤمنون، لأنها لا تقال ولدی قائلها حیلة للسکوت عنها او مفر من الاعتراف بها .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 277
قطعة من المصحف المنسوب خطه للأم الحسن بن علی «ع»
و شاهد آخر من نمط الولید بن المغیرة من علماء هذا العصر یتمثل فی أبیاته أعجاز القرآن الذی یتمسک به الشیعة کأهم رکن للنبوة لا یجوز التشکیک فیه عندهم، و هو الدکتور شبلی شمیل الذی یقول فی قصیدته المشهورة:
دع من محمد فی صدی قرآنه‌ما قد نحاه للحمة الغایات
انی و ان أک قد کفرت بدینه‌هل اکفّرن بمحکم الآیات
و مواعظ لو انهم عملوا بهاما قیدوا العمران بالعادات
الی قوله:
ببلاغة القرآن قد خلب النهی‌و بسیفه انحی علی الهامات
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 278
و القرآن فی حد ذاته خیر آیة تدل علی صحة رسالة محمد و بعثته و یقول (جودیون بورت):
«ان القرآن قد صرح بدعوة کل من یدعی البلاغة و الفصاحة فی ذلک الزمان الی السباق و المباراة لیخرج کل بضاعته، او یجلب کل جواده للرهان، فعجز الکل عن ان یأتوا و لو بسورة واحدة من مثله».
«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً» سورة بنی اسرائیل.
القرآن المنسوب خطه للامام زین العابدین «ع»
و قد قیل ان (لبید ابا ربیعة) و هو من أهل الیمن، و أحد أصحاب المعلقات السبع التی علقت فی الکعبة قد استهل قصیدته و هو جاهلی و ثنی بهذا البیت:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 279 الا کل شی‌ء ما خلا اللّه باطل‌و کل نعیم لا محالة زائل
و قد عجز الشعراء عن ان یأتوا بمثل القرآن حتی نزلت سورة (براءة) و علقت فی الکعبة کما کانت تعلق القصائد، فلما قرأها (لبید) قال:
«ما هذا الا الوحی و الالهام الذی اوحاه اللّه» فآمن بذلک الوحی و قبل الاسلام و ما یتعلق بالعمل بالقرآن قال اللّه تعالی:
(وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا) و قال امیر المؤمنین علی فی توضیحه «ای بیّنه تبیانا و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لکن اقرعوا قلوبکم القاسیة و لا یکن همّ احدکم آخر السورة» فرتله ترتیلا وقف عند وعده و وعیده، و تفکر فی امثاله و مواعظه، و احذر ان تقع من اقامتک حروفه فی اضاعة حدوده .
هذه خلاصة عقیدة الشیعة فی النبوة و القرآن الذی جاء به النبی محمد.
صفحة من القران الکریم المنسوب خطه للأمام الرضا «ع»
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 280

4- الامامة

اشارة

و الامامة هی الاصل الرابع فی معتقدات الشیعة الامامیة و هی أصل الخلاف بین الشیعة و سائر الطوائف الاسلامیة، فالشیعة الامامیة تعتقد بان لامامة منصب یعهد به النبی الی من یخلفه لیکون مرجعا من بعده یرجع الیه لناس فی تفهم الشریعة و حکمتها و توضیح رسالة الاسلام و فقهه و مغازیه و لکل امام ان یعهد بالامامة الی من یلیه و هی وظائف دینیة لا تتم بالانتخاب و الاختیار من قبل الناس و اجماعهم و انما هی تعالیم مقدسة یتلقاها امام عن امام عن النبی الذی لا یقول شیئا و لا یعمل شیئا الا ما یتفق مع رضا اللّه و اشائته، فهی منصوص علیها من اللّه تعالی و ان البحث فی (الامامة) کالبحث فی النبوة عند الشیعة لا یجوز فیه تقلید الاجداد و الاباء و الزعماء و انما یجب تمحیص الامر علی ضوء القواعد العقلیة لیتم الایمان بان الامام هو خلیفة النبی و نائبه العام المتبع فی حفظ نوامیس الشریعة و اقامة کیان الملة و الحافظ لقوانینها دینیة کانت او دنیویة
و قد ذهب المسلمون فی الخلافة عن النبی بعد وفاته مذاهب شتی و سلکوا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 281
مسالک متعددة اهمها من یری ان الخلافة تجب عقلا علی اللّه سبحانه و تعالی و منهم من یری انها تجب عقلا علی الناس، و منهم من یری وجوبها علیهم سمعا، و منهم من لا یری وجوبها اثباتا لا فی العقل و لا فی السمع، و منهم من یری غیر ذلک
و لکن الأهم من تلک المذاهب مذهبان ما زالا و لا یزالان الی ان یشاء اللّه ما یشاء
المذهب الأول- من اوجبها عقلا علی اللّه تبارک و تعالی و بهذا تؤمن الشیعة الامامیة بان الامامة تأتی بنص من النبی و هو حین یختار خلیفته فانما یصدع بأمر اللّه و یمثل فی هذا الاختیار مشیئته لیکون بعد النبی هادیا و مرشدا بما أمر اللّه و نهی عنه، و کما تجب علی المسلمین طاعة رسول اللّه و تحرم معصیته تجب طاعة الامام و تحرم معصیته
المذهب الثانی- من اوجبها علی الناس فانه یجب عنده ان یختار الناس من انفسهم اماما لهم ینصبونه علیهم، ینشر فیهم العدل و الانصاف و یدفع عنهم الضرر و الخلاف و لا یلزم فیه الاتصاف بشی‌ء غیر وقوع الاختیار علیه
و یعتقد الشیعة الامامیة و هم من حملة المذهب الاول بان الدلیلین العقلی و القرآن یؤیدان رأیهما فی الامامة، فمن الأدلة العقلیة ان اللّه الذی انزل قرآنه و شریعته لم یرد بهذه الشریعة الا تفهمها و رسوخها فی اذهان المسلمین و ان اسس هذه الشریعة و فروعها لیست من الامور التی یکفی فیها عمر النبی و جهاده کفیلا لشرحها و الایمان بمبادئها، و لما کان النبی محمد خاتم النبیین و لن یأتی بعده نبی کان من المقتضیات الواجبة ان یعین النبی من یخلفه من بعده
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 282
اماما لئلا یقع الهرج و المرج فی الامة و لا سیما و العهد بعبادة الاوثان لم یزل قریبا
و یری الشیعة ان النبی لو کان قد ترک اختیار الامامة للامة من بعده لطمع بها من لیس لها اهلا و لطغی جانب السیاسة علی الجوانب الاخری و اصطبغ الدین بصبغة زمنیة بحتة تزید علی الحدود التی عینها اللّه فی کتابه و شریعته، و بذلک قد یتمزق الاسلام، و تتدهور کلمة المسلمین، و تتدهور و تضعف کلمة التوحید، و یمکن ان یدعیها کل قریب للنبی و کل رئیس مطاع و کل مهاجری باسم المهاجرین و کل انصاری باسم الانصار و فی ذلک ما فیه من اختلال فی الأمر، و فساد فی النظام، خصوصا و ان الدین الاسلامی لم تقو أواصره بعد و تعالیم الاسلام لم ترسخ ارکانها،
«و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات او قتل انقلبتم علی أعقابکم»
فالعقل و الحالة هذه یحکم بوجوب نصب شخص یقع اختیاره نصا لیؤمن به المسلمون اماما ینفرد بالمزایا التی یجب ان تتوفر فی الامام
و الدلیل الثانی الذی یتمسک به الشیعة الامامیة هو القرآن الکریم الذی نصت آیاته علی جعل الخلافة من الامور التی یخص اللّه وحده تعیینها، و اصطفاؤها سواء أ کان المصطفی نبیا او اماما فلیس للناس فیه اختیار او انتخاب،
و کثیرة هی الآیات التی یستدل بها الشیعة الامامیة علی اصطفاء اللّه الانبیاء و الائمة و ورثة الانبیاء الذین یعهد الیهم النبی بوصیته کائمة من بعده تنفیذا لارادة اللّه و مشیئته اذ یقول اللّه عن نبیه (و ما ینطق عن الهوی) فاختیاره لخلیفته من بعده تجسیم لارادة اللّه و اشائته
و من هذه الآیات قول اللّه عز و جل فی المصطفین من الانبیاء و الأسر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 283
و الأقوام (ان اللّه اصطفی آدم و حواء و نوحا و آل ابراهیم و آل عمران علی العالمین)
و قول اللّه تعالی (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا)
و قوله (وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْراتِ)
و قوله (وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ)
و قوله تعالی (إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)
و قوله تعالی (وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ)
و قوله (ثُمَّ جَعَلْناکُمْ، خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ)
و قوله (هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ فَمَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ)
الی غیر ذلک من الآیات التی یستدل بها الشیعة الامامیة علی ان الامامة یعهد بها النبی الی من یقوم بها بعده

صفات الامام

و یعتقد الشیعة ان مجموعة من الصفات یجب ان تتوفر فی الامام لکی یحق له ان یکون اماما فیجب ان یکون افضل الناس فی صفات الانسانیة من الصدق و العدل، و الامانة و العفة و کرم الخلق ثم یجب ان یکون افضل الناس من حیث العقل و العلم و الحکمة، و تکون قوة الالهام عند الامام و التغلغل فی اعماق الحقائق و معرفتها و هی التی تسمی بالقوة القدسیة، یجب ان تکون غایة فی السمو، فلقد ثبت فی الابحاث النفسیة ان کل انسان له ساعة او ساعات فی حیاته قد یعلم فیها بعض الأشیاء من طریق الحدس الذی هو فرع من الالهام بسبب ما اودع اللّه تعالی فیه من قوة علی ذلک، و هذه القوة اتختلف شدة و ضعفا و زیادة و نقصا فی البشر باختلاف افرادهم فیطفر ذهن لانسان فی تلک الساعة الی المعرفة من دون ان یحتاج الی التفکیر و ترتیب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 284
المقدمات و البراهین و تلقین المعلمین و یجد کل انسان من نفسه ذلک فی فرص کثیرة فی حیاته فیجوز ان یبلغ من قوته الالهامیة اعلی الدرجات و اکملها و هذا ما قرره الفلاسفة المتقدمون و المتأخرون
و لم تکن هذه الصفات وحدها المفروضة فی الامام و انما یجب ان یکون الامام کالنبی معصوما عند الشیعة، و العصمة هی ان یکون النبی و خلفاؤه من بعده و هم الائمة الاثنا إستقبال الشیعة لاحد الروحانیین فی افریقیا الغربیة
عشر معصومین من جمیع الرذائل و الفواحش ما ظهر منها و ما بطن بل یری الشیعة ان العصمة تشمل اکثر من ذلک فتعصم الامام من الخطأ و الهوی و المیول العاطفیة لان الأحکام و الفتاوی و القواعد ستختل موازینها اذا ما رافقتها الاخطاء و المیول العاطفیة و الظنون، و الشبه، لذلک یجب ان تصدر الاحکام عن قواعد ثابتة راسخة، و یجب ان تکون الاقوال کاملة و دالة علی معانیها لا یعتورها شی‌ء من الشبه و النسیان، لذلک اعتبر الشیعة صفة العصمة اساسیة فی الائمة کما هی اساسیة فی النبی محمد (ص)

امامة علی و اولاده

و الامامة بناء علی ما مر منصب إلهی ینص به النبی علی الامام و ینص
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 285
الامام به علی من یخلفه و یدل النبی الامة علیه و یامرهم باتباعه، و یعتقد الشیعة ان اللّه سبحانه و تعالی امر نبیه بان ینص علی علی و ینصبه علما للناس من بعده و یقول الشیخ محمد الحسین کاشف الغطاء و کان النبی یعلم ان تبلیغه الامة بامامة علی من بعده سیثقل علی الناس و قد یحملون ذلک علی المحاباة و المحبة من النبی لابن عمه و صهره، و من المعلوم ان الناس فی ذلک الیوم و الی هذا الیوم لیسوا فی مستوی واحد من الایمان و الیقین بنزاهة النبی و عصمته عن الهوی و الغرض و لکن اللّه سبحانه لم یعذره فی ذلک فاوحی الیه:
«یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)
فلم یجد النبی بدا من الامتثال بعد هذا الانذار الشدید فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع فی غدیر خم) فنادی و جلهم یسمعون:
- «أ لست أولی بالمؤمنین من أنفسهم»؟
فقالوا «اللهم نعم»
فقال- «من کنت مولاه فهذا علی مولاه» الی آخر ما قال مما اوردته الکتب من غیر طریق الشیعة ثم أکد ذلک فی مواطن اخری تلویحا و تصریحا و اشارة و نصا، حتی ادّی الوظیفة، و بلغ عند اللّه المعذرة و لکن کبار المسلمین بعد النبی تأولوا تلک النصوص نظرا منهم لصالح الاسلام حسب اجتهادهم- فقدموا و اخروا، و قالوا (و الامر یحدث بعده الامر)
و امتنع علی و جماعة من عظماء الصحابة عن البیعة اولا ثم رأی ان امتناعه من الموافقة و المسالمة ضرر کبیر علی الاسلام بل ربما ینهار الاسلام من اساسه و هوئه بعد فی اول نشوئه و ترعرعه، و الاسلام عند علی و هو اول من أسلم و آمن بالاسلام- من العزة و الکرامة، و الحرص علیه، و الغیرة،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 286
بالمقام الذی یضحی له نفسه، و انفس ما لدیه، فکم قد قذف بنفسه فی لهوات المنایا تضحیة للاسلام ...
و یقول کاشف الغطاء (و زیادة علی ذلک فقد رأی علی ان الرجل الذی تخلف علی المسلمین قد نصح للاسلام، و صار یبذل جهده فی قوته و اعزازه، و بسط رایته علی البسیطة، و هذا اقصی ما یتوخاه امیر المومنین من الخلافة و الامرة فمن ذلک کله تابع و بایع حیث رأی ان بذلک مصلحة الاسلام و هو علی منصبه الالهی من الامامة و ان سلم لغیره التصرف و الرئاسة العامة، فان ذلک المقام مما یمتنع التنازل عنه بحال من الاحوال، اما حین انتهی الامر الی معاویة و علم ان موافقته و مسالمته و ابقاءه والیا فضلا عن الامرة ضرر کبیر و فتق واسع علی الاسلام لا یمکن بعد ذلک رتقه، لم یجد بدا من حربه و منابذته»
و علی هذا فالامام بعد رسول اللّه و وصیه و خلیفته هو الامام علی بمقتضی النصوص الواردة، و بعده ابنه الحسن، ثم اخوه الحسین بن علی، ثم ابنه علی زین العابدین، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسی الکاظم، ثم ابنه علی الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه علی الهادی، ثم ابنه الحسن العسکری، ثم ابنه محمد بن الحسن المهدی الغائب الذی یعتقد الشیعة بظهوره حین یعم الظلم و الجور فیملأ الدنیا عدلا و أمنا
و قد الفت فی الوصیة، وصیة رسول اللّه لعلی، کتب متعددة منذ الصدر الاول للاسلام حتی القرن الرابع الهجری و اورد الشیخ محمد الحسین کاشف الغطاء اسماء طائفة من الکتب المؤلفة عن الوصیة قبل القرن الرابع، و من هذه الکتب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 287
1- الوصیة لهشام بن الحکم
2- الوصیة للحسین بن سعید
3- الوصیة للحکم بن مسکین
4- الوصیة لعلی بن المغیرة
5- الوصیة لعلی بن الحسن بن الفضل
6- الوصیة لابراهیم بن محمد بن سعید بن هلال
7- الوصیة لاحمد بن محمد بن خالد البرقی صاحب (المحاسن)
8- الوصیة للمؤرخ الجلیل عبد العزیز بن یحی الجلودی
و اکثر هؤلاء من اهل القرن الاول و الثانی، اما اهل القرن الثالث فلهم مؤلفات کثیرة و واسعة منها
1- الوصیة لعلی بن ریاب
2- الوصیة لیحی بن المستفاد
3- الوصیة لمحمد بن احمد الصابونی
4- الوصیة لمحمد بن الحسن بن فروخ
5- الوصیة و الامامة للمؤرخ علی بن الحسین المسعودی صاحب مروج الذهب
6- الوصیة لشیخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسی
7- الوصایا لمحمد بن علی الشلمغانی المشهور
8- الوصیة لموسی بن الحسن بن عامر
اما ما اؤلف بعد القرن الرابع باسم الوصیة فانه من الکثرة بحیث لا یستطاع حصره هذا اضافة الی ما ورد عن الوصیة باسم الخلافة و الامامة معا ظلت التآلیف فیه متصلة حتی یومنا هذا،، و آخر ما صدر بهذا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 288
الخصوص من الاحاطة الشاملة بالوصیة، و العهد، و الخلافة، هو موسوعة الغدیر للشیخ عبد الحسین الامین الذی توسع فی جمعه لأخبار الوصیة و حدیث الغدیر توسعا کبیرا، و احسن ما صدر علی الاطلاق کتاب (المراجعات) و هو ما جری من اسئلة و أجوبة بین العالمین الکبیرین الشیخ سلیم البشری و السید عبد الحسین شرف الدین، و عقیدة الشیعة بالائمة انهم هم اولو الأمر الذین قال عنهم سبحانه و تعالی (أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) و انهم عیبة علمه، و ارکان توحیده، و هم کما جاء ذکرهم فی کتاب اللّه المجید (عباد اللّه المکرمون الذین لا یسبقونه بالقول و هم بامره یعملون و انهم (الذین اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا) فکل امرهم من امر اللّه و کل نهیهم من نهیه، و ان طاعتهم طاعة اللّه تعالی، و معصیتهم معصیته، و ولیهم ولیه، و عدوهم عدوه، و لهذا یعتقد الشیعة ان الاحکام الشرعیة الالهیة یجب ان تستقی من معینهم، و انهم آل بیت النبی الذی قال النبی عنهم:
(انهم کسفینة نوح من رکبها نجا و من تخلف عنها غرق)
و الدلیل القطعی عند الشیعة دال علی وجوب الرجوع الی آل البیت بکونهم المرجع الأصلی بعد النبی لأحکام اللّه المنزلة و من هذه الأدلة:
قول النبی و هو الذی اتفقت علیه رواة الحدیث من اهل السنة و الشیعة بدون ای اختلاف فی الروایة او مضمونها و هو:
(اننی قد ترکت فیکم الثقلین کتاب اللّه، و عترتی اهل بیتی، ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی ابدا، انهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض)
و الائمة بشر فی عقیدة الشیعة لهم ما للناس، و علیهم ما علی الناس، و میزتهم تنحصر فی انهم عباد مکرمون، حازوا علی الدرجات العالیة من التقوی و الصفات السامیة و الاخلاق الحمیدة لذلک استحقوا ان یکونوا ائمة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 289
و ان المغالین فیهم کفرة فی رأی الامامیة، فالائمة لا یردون للّه قضاء، و لا یعفون لمذنب ذنبا، و لا یغنون و لا یفقرون، و لا یرفعون، و لا یحطون، فهم عباد اللّه الصالحون یلجأ الیهم الملتجی‌ء تمسکا، و یلوذ باضرحتهم اللائذ مصلیا و متعبدا، و متوسلا الی اللّه طلبا للمثوبة، متخذا من أضرحتهم المقدسة وسائل للابتهال الی اللّه، یزورهم معترفا بفضلهم، مجددا عهده بولایتهم، و هذا و لیس غیره ما تنص علیه العقیدة، و احسن ما یمثل عقیدة الشیعة الامامیة فی حقیقة ائمتهم قول الامام الصادق و هو یوصی شیعته قائلا:
«ما جاءکم عنا مما یجوز ان یکون فی المخلوقین و لم تعلموه و لم تفهموه فلا تجحدوه وردوه الینا، و ما جاءکم عنا مما لا یجوز ان یکون فی المخلوقین فاجحدوه و لا تردوه الینا»
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 290

5- المعاد

اشارة

و المعاد هو الرکن الخامس من اصول الدین و هو ان یعتقد المسلم بان اللّه سیبعث النفوس و یعید لها الحیاة من جدید فی یوم القیامة متجسدة بنفس جسدها لیحاسب کل نفس بما عملت فلیس من العدل ان یتساوی المجرم و غیر المجرم، و المسی‌ء و المحسن، فی الحیاة، و لیست الدنیا هذه الا ممرا و معبرا الی الآخرة یقتص فیها اللّه هناک من المذنبین، و العابثین و الاشرار و ینتصف للمظلومین من الظالمین، و یثیب الذین عملوا الصالحات علی اعمالهم و قد أید المعاد جمیع ارباب الشرایع و الأدیان و عدوا الاعتراف بعودة الانسان الی الحیاة رکنا اساسیا فی ادیانهم
و یمکن حصر الاقوال العامة الدینیة منها و غیر الدینیة عن (المعاد) فی اربعة أقوال:
أولها- انکار المعاد مطلقا لا جسما و لا روحا، و هو قول الملحدین الذین ینکرون مبدأ الحیاة و وجود اللّه فکیف بالمعاد و البعث من جدید
ثانیها- الاعتراف بالمعاد الروحانی دون الجسمانی بانین آراءهم علی ان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 291
الارواح بسیطة مجرده، و البسیط المجرد باق، و الاجسام مرکبة من شتی العناصر فاذا خرجت الروح تفککت اجزاء الجسم و التحق کل جسم بعنصره و انعدم، لذلک لن یشمل المعاد شیئا غیر الروح
و ثالثها- القول بالمعاد الجسمانی فقط و هو ما یعتقد به بعض المسلمین الذین یقصرون (المجرد) علی اللّه وحده فلا یعتقدون ان هنالک روحا مجردة، و انما کل ما فی الوجود بعد اللّه اجسام یمیز بعضها عن بعض اللطافة و الکثافة
رابعا- و هو الذی علیه الشیعة و الغالبیة العامة من المسلمین و هو القول بالمعاد الروحانی و الجسمانی ای معاد هذا الجسد الذی کان فی الدنیا بروحه و جسمه یوم القیامة
و الواضح المعلوم ان کل شخص من البشر مرکب من جزئین الجزء المحسوس و هو (البدن) الذی یشغل حیزا من الفضاء و الذی یشاهد بالعین الباصرة، و الجزء الذی لا یحس بالعین الباصرة و انما یحس بالبصیرة، و یشهد العیان و الوجدان هما فوق کل دلیل ان هذا البدن المحسوس الحی المتحرک بالارادة لا یزال یلبس صورة و یخلعها، و تفاض علیه اخری و هکذا لا تزال تعتور علیه الصور منذ کان نطفة، فعلقة، فعظاما، فجنینا، فمولودا، فرضیعا، فغلاما، فشابا، فکهلا، فشیخا، فمیتا، فترابا، و فی ذلک هو هو لم یتغیر ذاته و ان تبدلت احواله و صفاته، فهو یوم کان رضیعا هو نفسه یوم صار شیخا هرما لم تتبدل هویته، و لم تتغیر شخصیته بل هناک اصل محفوظ یحمل کل تلک الاطوار و الصور و لیس عروضها علیه، و زوالها عنه من باب الانقلاب، فان انقلاب الحقائق مستحیل، فصورة (المنویة) لم تنقلب (دمویة) او (علقیه) و لکن زالت صورة (المنی) و تبدلت بصورة (الدم) و هکذا فالصورة متعاقبة متبادلة، لا متعاقبة منقلبة،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 292
و هذه الصور کلها متعاقبة فی الزمان لضیق وعائه، مجتمعة فی وعاء الدهر لسعته، و المتفرقات فی وعاء الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر، و لا بد من محل حامل و قابل لتلک الصور المتعاقبة ما شئت فسمه مادة، او هیولی، و کما ان المادة ثابتة لا تزول، فکذلک الصور کلها ثابتة، و الشی‌ء کما نعرف لا یقبل ضده، و الموجود لا یصیر معدوما، و المعدوم لا یصیر موجودا، و ان انقلاب الحقائق مستحیل

- الروح او النفس المجردة-

و لقد ثبت عند العلماء (الفسیولوجیین) تحقیقا ان کل حرکة تصدر من الانسان بل و من الحیوان تستوجب احتراق جزء من المادة العضلیة و الخلایا الجسمیة، و کل فعل ارادی، او عمل فکری لا بد و ان یحصل منه فناء فی الاعصاب، و اتلاف من خلایا الدماغ، بحیث لا یمکن لذرة واحدة من المادة ان تصلح مرتین للحیاة، و مهما یبد من الانسان بل مطلق الحیوان من عمل عضلی، او فکری، فالجزء من المادة الحیة التی عرفت لصدور هذا العمل تتلاشی تماما ثم تأتی مادة جدیدة تأخذ محل التالفة، و تقوم مقامها فی صدور ذلک العمل مرة ثانیة، و حفظ ذلک الهیکل من الانهیار و الدمار، و هکذا کلما ذهب جزء خلفه آخر، خلع و لبس، و کلما اشتد ظهور الحیاة و تکاثرت مزاولة الأعمال الخارجیة ازداد تلف المادة و تعویضها و تجدیدها، و هذا التلف الدائم لا یزال یعتوره التعویض المتصل من المادة الحدیثة الداخلة فی الدم، المتکونة من ثلاث دعائم، هی: دعائم الحیاة و اسسها الجوهریة (- الهواء، و الماء، و الغذاء) و لو فقد الانسان واحدا منها و لو بمدة قصیرة هلک و فقد حیاته،
و هذا العمل التجدیدی عمل باطنی سری لا یظهر فی الخارج الا بعد دقة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 293
فی الفکر، و تعمق فی النظر، و لکن عوامل الاتلاف ظاهرة للعیان، یقال عنها انها ظواهر الحیاة، و ما هی فی الحقیقة الا عوامل الموت لانها لا تتم الا باتلاف اجزاء من انسجتنا البدنیة، و الیافنا العضویة، فنحن فی کل ساعة نموت و نحیا، و نقبر و ننشر، حتی تأتینا الموتة الکبری و نحیا الحیاة الاخری
و علیه فاننا فی وسط تنازع هذین العاملین: عامل الاتلاف و عامل التعویض، یفنی جسمنا و یتجدد فی مدار الحیاة عدة مرات، بمعنی ان جسمنا الذی نعیش به من بدء ولادتنا الی منتهی أجلنا فی هذه الحیاة تفنی جمیع أجزائه فی کل برهة، و تتحصل اجزاء یتقوم بها هذا الهیکل و لیس فیها جزء من الاجزاء السابقة و لا یمکن تقدیر هذه البرهة علی وجه التحقیق یعنی فی ای مقدار به تتلاشی تلک الاجزاء جمیعا و تتجدد غیرها بموضعها
و المنسوب الی العالم الفسیولوجی (مولینت) ان مدة بقائها ثلاثین یوما ثم تفنی جمیعا، اما المنقول عن (فلورنس) بان المدة هی سبع سنین، و قد اجری العلماء المحققون فی هذه الاعصار الامتحانات الدقیقة فی بعض الحیوانات کالارانب و غیرها فاثبت لهم البحث و التشریح تجدد کل انسجتها بل و حتی عظامها ذرة ذرة فی مدة معینة
و اذا ثبت هذا التغییر ثبت وجود (النفس المجردة) بسهولة من قوة التذکر و التفکر، فلو کانت قوة التذکر و التفکر مادیة و قائمة فی خلایا الدماغ و انها الجسد او جزء من الجسد لکان اللازم ان نضطر فی کل سبع سنین الی تجدید کل ما علمناه و تعلمناه سابقا، و الوجدان عندنا ان تجدد المادة المتواصل لم یندثر بسببه التفکر و التذکر منا و لم یحدث ادنی تغییر فی ذاکرتنا و لم تخب ای شعلة من علومنا، و معارفنا و هو اقوی دلیل علی وجود قوة فینا مدرکة، شاعرة، مجردة عن المادة، باقیة بذاتها، مستقلة فی وجودها بقیمومیة مبدئها، محتاجة الی آلاتها المادیة فی تصرفها، متحدة معها فی ادنی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 294
مراتبها، و ان دثور المادة لا یستوجب دثورها، و لا دثور شی‌ء من کمالاتها، و ملکاتها، و لا من مدرکاتها، و لا من معلوماتها، کیف لا؟ و لا تزال تخطر علی بالنا فی وقت الهرم امور وقعت لنا أیام الشباب، بل ایام الصبا و ما قبله، و کیفما کان فان من الوضوح بمکان ان کل ما فینا یؤید ثبات شخصیتنا، و عدم تغیرها مع تغیر و تبدل جمیع ذرات اجسامنا

شبهة الاکل و المأکول فی معاد الجسد

و ان کسرة الخبز التی نأکلها و فدرة اللحم التی نمغضها و تدخل فی جوفنا تعتور علیها عدة صور تخلع صورة و تلبس اخری من الکیموس الی ان تصیر دما، ثم توزعه حکمة اللّه فتجعل من ذلک الدم لحما، و عظما، و شحما، و عصبا، و کبدا، و قلبا، و طحالا، الی آخر ما یحتوی و یتکون منه هذا الهیکل الانسانی و الجسد الحیوانی، فکیف نشأ من هذه الکسرة سبعون نوعا من الأنواع المختلفة، و الأجناس المتباینة، فاین العظم من اللحم، و این الشحم من الغاز و این الغاز من المخ، و این المخ من الشعر؟ و هکذا و هلم جرا، کل هذا تکوّن من لقمة الخبز، کل هذه الأنواع مندمجة مطویة؟ ام انقلبت و تحولت من صورة الی صورة، و من حقیقة الی اخری، و مهما قیل فیها فان تلک اللقمة التی تدخل فی جوفنا و تتصرف بها المشیئة تلک التصاریف المتنوعة لم تدخل هی فی کیاننا و لم تصر جزءا من اجسامنا، بل تطورت عدة اطوار، و تعاورتها صورة بعد صورة، و دخلت فی معامل میکانیکیة و تحلیلات کیماویة، الی ان بلغت هذه المرحلة و نزلت من اجسامنا بتلک المنزلة
و ان ما یرد من الاعتراض علی امکان بعث الانسان الی الحیاة روحا و جسدا، و استحالة معاده علی هیکله السابق بسبب ما یتداخل من کل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 295
جسم فی جسم اخر، مما یتعذر به معاقبة المذنب و قد شارکت فی جسده اجزاء من جسد الصالح، او مکافأة الصالح حسدا و قد شارکت فی تکوین جسده اجزاء من جسد الطالح، فان مثل هذا الاعتراض یرده الشیخ محمد الحسین کاشف الغطاء، بما مر من التفاعلات و التحلیلات و یضرب المثل بقوله: «فلو ان مؤمنا أکل کل لحم فی بدن الکافر، او اکل الکافر کل لحم فی بدن المؤمن فلا لحم الکافر صار جزءا من بدن المؤمن، و لا لحم المؤمن دخل فی بدن الکافر، بل اللحم لما دخل فی الفم و طحنته الاسنان و هو الهضم الاول زالت الصورة اللحمیة منه، و ارتحلت الی رب نوعها (حافظ الصور) و اکتست المادة صورة اخری، و هکذا صورة بعد صورة، و من القواعد المسلمة عند الحکماء بل عند کل ذی لب (ان الشی‌ء بصورته لا بمادته) فاین اذن تقع شبهة الآکل و المأکول» و یزید هذا وضوحا ان جمیع المرکبات العنصریة یطرد فیها ذلک الناموس العام ناموس التحول و التبدل و التبدل و الدثور، و التجدد، انظر حبة العنب مثلا فهل هی الا ماء و سکر؟
و هل فیها شی‌ء من الخمر، او الخل او الکحول و لکنها بالاختمار تصیر خلا ثم خمرا ثم غازا او بخارا و هکذا، أ تری ان العنب صار جزءا من الخل؟
و الخل صار جزءا من الخمر؟ اذن فمن این تجی‌ء شبهة الآکل و المأکول»؟
و علی المسلم ان یؤمن بالمعاد بالدلیل العقلی بصفته رکنا و لا یجوز تقبله من قبل المدرکین اعتباطا او بطریق التقلید، اما کیف یعود المیت، و متی یعود؟، فان المسلم غیر مکلف بمعرفته، و ان عدم جواز التقلید فی اصول الدین یراد منه عدم کفایة الظن، و وجوب لزوم القطع و الیقین، لا لزوم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 296
اقامة الحجج و البراهین، و انما اقامة هذه الحجج لنفسه بحیث تقنع عقلا بصحته
و یتلخص الایمان بالمعاد فی ان یعتقد المسلم، و الشیعة الامامیة خاصة، ان الانسان عائد الی الحیاة یوم یرید اللّه ذلک و ان الذی یعود یوم القیامة یعود بنفسه المتعلقة به فلیس المعاد للحساب عما فعل هو جسم الانسان فقط کما یری البعض، و لا مثیله، و لا روحه کما یری البعض الآخرون و انما یعود بروحه و جسمه،
اما ما نص علی المعاد من الآیات القرآنیة فهو کثیر جدا و منه:
(وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ)*
*** (وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَی اللَّهِ تُحْشَرُونَ)
*** (قُلْ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ)*
*** (وَ الْمَوْتی یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَیْهِ یُرْجَعُونَ)
*** (مِنْها خَلَقْناکُمْ وَ فِیها نُعِیدُکُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَةً أُخْری
*** (وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها وَ أَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ)
*** (ثُمَّ إِنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ تُبْعَثُونَ)
*** (وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ، قالُوا یا وَیْلَنا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 297
مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ، وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)
*** (وَ أَنَّ إِلی رَبِّکَ الْمُنْتَهی وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَکَ وَ أَبْکی وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْیا وَ أَنَّ عَلَیْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْری
*** (وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّکُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِینٌ)
*** (أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً قُلْ کُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِیداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ فَسَیَقُولُونَ مَنْ یُعِیدُنا، قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُؤُسَهُمْ وَ یَقُولُونَ مَتی هُوَ قُلْ عَسی أَنْ یَکُونَ قَرِیباً)

ملخص اعتقاد الشیعة

هذا هو ملخص اعتقاد الشیعة الامامیة و اصول دینهم و مذهبهم و هو لا یختلف عن اصول الدین عند طوائف المسلمین الاخری و فی مذاهب الشیعة الآخرین الا فی (الامامة) بمفهوم الشیعة الاثنی عشریة و الا فی مسائل طفیفة تخص صفات اللّه، اما الاختلاف فی الفروع فعلی رغم کثرتها فانها اختلافات غیر اساسیة و مبعثها فی الغالب الاجتهاد
و الشیعة الامامیة من الاصولیین الذین یحرمون التقلید فی اصول الدین الخمسة و یفرضون الایمان و التمسک بها عن طریق العقل و المناقشة و یجوزون هذا التقلید فی الفروع ذات العلاقة بالاحکام من العبادات و المعاملات و یرون فی الرجوع الی المجتهد الافضل و الاعلم فی احکام دینهم اساسا لسلامة الحکم و الفتاوی من الاشتباهات و الاخطاء
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 298
و یتعین المجتهد الأفضل و الاعلم عند الشیعة الاصولیین عن طریق التواتر و لیس عن طریق الانتخاب و الاختیار، و التواتر هذا نوع یؤکده مرور الزمن فمع مرور الزمن یزید رصید المجتهد من الاجماع و بذلک تتعین ارجحیته فی افضلیة الرجوع الیه فی الاحکام الشرعیة
و الاجتهاد، درجة علمیة یبلغها المجتهد بملکاته فیستطیع بمقتضاها تنقیة الاخبار من الشوائب و البت فی الاحکام المتضاربة، و القطع بها، و تتوقف سلامة هذه الاحکام علی سلامة ذوق المجتهد و ابتعاده عن التعقد و الجمود فضلا عن تبحره فی الفقه، لذلک ما قد یستسیغه هذا فی الاستنباط قد لا یستسیغه الآخر من المجتهدین لان الاختلاف فی الذوق و السلیقة و لیس فی القواعد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 299

الشیعة و التشیع کتبه الشیخ عبد الواحد الانصاری

اشارة

قاضی بغداد السابق و المحامی الشرعی بمحاکم العراق
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 301

الشیعة و التشیع

اشارة

(الشیعة) من الکلمات العربیة المألوفة و المعروفة فی قاموس اللغة العربیة و هی بمعنی المتابعة و المناصرة و الموالاة و أصبحت تطلق علی الفرقة و الجماعة التی تابعت و ناصرت الامام علیا- ع- و اعتقدت بامامته بنص رسول اللّه- ص- بأنه الخلیفة من بعده مباشرة کما هو علیه مذهب الشیعة الجعفریة الامامیة الاثنی عشریة .
و من مشتقات هذه الکلمة (التشیع) ای الانتساب، و الانضمام، و الاتباع، و تشیع فلان لفلان، ای اتبعة، و ناصره، و والاه، اما متی اصبحت کلمة الشیعة صفة لازمة یعرف بها الموالون و المحبون و التابعون لعلی بن ابی طالب (ع) ثم اصبحت مذهبا للسائرین علی نهج الأئمة الاثنی عشر من بعده فهو محل خلاف بین المؤرخین و الباحثین عن احوال الشیعة و التشیع.
تری جماعة الکتاب و المؤرخین قدیما و حدیثا ان الشیعة و التشیع لعلی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 302
(ع) ظهرت فی عهد النبی (ص) و من هؤلاء ابن حجر العسقلانی و ابن عساکر و غیرهم من القدماء و أحمد امین و المؤلفون و الکتاب من الشیعة الامامیة من المتأخرین.
و یروی البعض انها ظهرت بعد وفاة النبی (ص) منهم ابو الحسن النوبختی صاحب کتاب فرق الشیعة، و یری البعض انها ظهرت فی حصار عثمان، منهم صاحب الفهرست ابن الندیم، و یری الدکتور طه حسین انها ظهرت بعد وفاة الامام علی (ع) و ان کلمة الشیعة أطلقت علی اصحاب علی (ع) و أصحاب معاویة فی صحیفة التحکیم و یری الشیخ ابو زهرة المعاصر انها عرفت بمصر و نشأت فیها .
فلو طابقنا هذه الآراء مع ما ترویه الشیعة و السنّة من الحدیث عن النبی (ص) ایدنا الرأی الأول و وجدنا ان الشیعة بمعنی الموالاة لعلی ظهرت فی عهد النبی (ص) و هو الذی وصف اتباع علی و محبیه و الموالین له بالشیعة.
روی ابن حجر العسقلانی فی الصواعق (ص 96) عن الجاحظ جمال الدین الزرندی عن عبد اللّه ابن العباس قال: لما أنزل اللّه تعالی «إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ»
قال رسول اللّه (ص) لعلی، «هم انت و شیعتک تأتی انت و شیعتک یوم القیامة راضیین مرضیین و یأتی اعداؤک غضابی مقحمین» کما أورد هذا الحدیث ابن الأثیر فی کتابه النهایة- مادة- قمح.
و اخرج الحاکم فی شواهد التنزیل عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآیة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 303
«إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ» فی علی و أهل البیت (ع) و قد عده ابن حجر فی (صواعقه) من جملة الآیات التی نزلت فیهم (ع) کما فی الفصل الأول من باب (11) ص 96 النسخة المطبوعة بالمطبعة المیمنیة بمصر 1324 ه.
و أخرج الحاکم فی الکتاب نفسه بالاسناد الی علی (ع) قال: «قبض رسول اللّه (ص) و أنا مسنده الی صدری فقال: یا علی أ لم تسمع قوله تعالی (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ) هم انت و شیعتک و موعدی و موعدکم الحوض یدعون غرا محجلین».
و أخرج الطبرانی کما فی الصواعق ص 96 قال: (قال: رسول اللّه (ص) لعلی اول اربعة یدخلون الجنة: انا، و أنت، و الحسن، و الحسین، و ذریتنا خلف ظهورنا، و شیعتنا عن ایماننا و عن شمائلنا.)
و أخرج الدیلمی فی المصدر نفسه قال: (قال: رسول اللّه (ص) یا علی قد غفر اللّه لک و لولدک و ذریتک و لأهلک و شیعتک و لمحبی شیعتک الخ ..
و أخرج احمد بن حنبل فی المناقب کما فی المصدر نفسه (ان رسول اللّه (ص) قال: لعلی اما ترضی انک معی فی الجنة و الحسن و الحسین و شیعتنا عن ایماننا و شمائلنا؟.)
و أخرج الحاکم فی شواهد التنزیل فی تفسیر آیة (المودة) فی مجمع البیان بالاسناد الی ابی امامة الباهلی قال: (قال رسول اللّه- ص- ان اللّه خلق الانبیاء من شجر شتی و خلقت انا و علی من شجرة واحدة فانا اصلها، و علی فرعها، و فاطمة لقاحها و الحسن و الحسین ثمارها، و اشیاعنا اوراقها، فمن تعلق بغصن من اغصانها نجا و من زاغ عنها هوی ثم قال: (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی .
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 304
هذه و غیرها هی الاحادیث المرویة عن طرق اهل السنة، اما الاحادیث المرویة عن طرق الشیعة الامامیة فکثیرة فی کتبهم و مؤلفاتهم لا سیما کتب الحدیث و التفسیر نکتفی بالقدر الذی اوردناه علی سبیل الاستشهاد و هو من کتب غیر الشیعة، لتأیید الرأی القائل بأن التشیع لعلی (ع) ظهر فی عهد الرسول (ص) و انتشر بین الصفوة المختارة من صحبة الکرام السابقین الی الاسلام من المهاجرین و الانصار کما دل علی ذلک موقفهم من علی (ع) بعد وفاة النبی (ص) و اعلانهم بأن الامام بعد النبی (ص) هو علی بن ابی طالب (ع) و لا یصح العدول عنه الی غیره.
یحدثنا التاریخ الاسلامی الذی دونت حوادثه فی العهد الأموی و العباسی و تصرفت فی سرد اخباره ایدی الحکام فی العهدین تصرفا یؤید سلطانهم و یحد من نشاط التشیع و ابطال دعوته المعارضة لحکمهم و أحکامهم، یحدثنا هذا التاریخ ان جماعة خیرة الصحابة تمنعوا عن بیعة ابی بکر (رض)، و قالوا بوجوب بیعة علی (ع) بعد النبی و ان جماعة الانصار بعد ان خف عنهم هول المصاب، و عظمة الرزء الذی أصابهم بفقدهم رسول اللّه شعروا بأنهم قد فرطوا فی حق علی، و ان بیعتهم لأبی بکر کانت قد أطاحت بحق علی
ان الرواة و المحدثین متفقون علی ان الهاشمیین، و بنی المطلب، و سلمان، و المقداد، و أبی ذر- و عمار- و حذیفة بن الیمان- و ذی الشهادتین خزیمة بن ثابت، و عبادة بن الصامت، و البراء بن عازب، و قرة بن عمرو بن ثعلبة الانصاری، و أبا الهیثم بن التیهان- و أبی بن کعب- و الزبیر بن العوام و أنس بن الحرث، امتنعوا عن بیعة ابی بکر و وقفوا بجانب علی و تحصن
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 305
الکثیر منهم فی دار فاطمة (ع) .
و من یتتبع سیر الحوادث التی حدثت بعد بیعة ابی بکر (رض) مباشرة یجد شیئا من الندم قد خامر بعض الانصار و کثیرا من المهاجرین بحیث راح البعض یعتذر الی علی من تسرعه و خذلانه، اما علی فقد لزم بیته بعد ان فرغ من دفن رسول اللّه (ص) و أحسن من یصور لنا تلک الحوادث بمختلف الأخبار و الروایات التی وصلت الینا من المؤرخین القدماء و المتأخرین هو صاحب شرح النهج عبد الحمید بن أبی الحدید المعتزلی، و أحسن من یصوره من المتأخرین هو عبد الفتاح عبد المقصود فی کتابه- الامام علی بن ابی طالب- الجزء الاول الطبعة الثالثة: یقول الدکتور عبد الفتاح فی ص- 179 من کتابه المذکور:

مؤتمر بیاضة

«اجتمع سلمان الفارسی، و المقداد بن الاسود الکندی، و ابو ذر الغفاری، و عمار بن یاسر و عبادة بن الصامت، و حذیفة بن الیمان، و البراء
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 306
بن عازب، و ابو الهیثم بن التیهان و غیرهم من خیرة صحب الرسول (ص) الذین تخلفوا عن بیعة ابی بکر اقتناعا منهم بأن فی الناس سواه اولی منه بالبیعة و من کل الناس اذا اجتمع کل هؤلاء و اجمعوا الکلمة فلقد آن ان یعود الحق اخیرا الی ذویه، التأم الجمع (فی فضاء بنی بیاضة) تحت اللیل و أقبلوا علی الأمر یمحصونه لیروا أنسب الحلول فقال عمار:
- ما لتیم و هذا الأمر؟ انه کان لرسول اللّه (ص) و هو من بعده فی خیر الناس بعد رسول اللّه (ص) اما لقد ظلمت الأنصار. فأجابه البراء:
- یا أبا الیقظان انما الرجل انتزعه بحق قریش و عاونه صاحباه، فقال حذیفه:
- ان الانصار لترید ان تنقض ما کان منها:
فسأله عمار:- أ تعلم ذلک حقا؟
فأجابه-: و اللّه ما کذبت ثم و اللّه لیکونن ذلک، فقال المقداد:
- فهذا و اللّه خیر و لیردن الحق الی صاحبه من بعد.
فقال سلمان-: فان- أبی الرجل؟
فأجابه ابو ذرر-:- فدعوه انه لیس و لا صاحباه الا ثلاثة من المهاجرین.
قال البراء-: و اللّه لا یرانی أبدا أبایع ابن ابی قحافة و فی الناس علی ابن ابی طالب.
قال عمار-: ما الرأی؟
قال المقداد-: الرأی ان نعید الأمر شوری بین المهاجرین.
قال عمار-: أصبت و هذه الانصار ترید ان تنقض امر السقیفة.
و یقول عبد الفتاح فی ص 207 من کتابه (الامام علی بن ابی طالب) «ندم الانصار علی ما سلف منهم حتی سال الأسف بنفوسهم کل مسیل و أخذ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 307
الندم یتجمع فی النفوس حتی امتلأت به ففاض یلتمس علی الالسن و من بین الشفاه و کانت قریش صاحبة احقاد فوقفت لعواطف القوم بالمرصاد. لاتنی تحصی علیهم الحروف قبل الالفاظ، و تعده خروجا علی طاعة السلطان ان یتحدث الناس بسجایا سواه. و بدأ الحدیث مدیحا یقابله مدیح، و ثناء امام ثناء ثم صار جدلا حتی ترددت کلمات السیف، و القتل، و القتال بین فریق الحاسدین البغاة. و کانت الانباء لا تفتأ تأتی علیّا بما یدور بین الحزبین فیزید انطواء علی نفسه. و کان الانصار یودون لو انه طلع علیهم فاصابوا بظهوره بینهم قوة تؤلب حوله الرجال و تدفع بقضیته الی الامام و لکنه ظل کما اعتزم مؤثرا ان یبقی بعیدا عن المعترک خشیة ان یفتتن به الناس و ما تجی‌ء فی اعقاب هذا الافتتان من انقسام الامة فی تلک الفترة الحاسمة من تاریخ الاسلام و لم یغیر مسلکه ان جاءت جموعهم الیه ذات یوم تحیط بداره و تهتف باسمه، داعیة الیه، منادیة ایاه، ان یبرز لها تبایعه، و تعید له ما ضاع من حقه المسلوب».
و یقول: فی ص 209 فی سرد الحوادث
«وقف سهیل بن عمرو یحف به اعیان قریش یخطب و یقول: یا معشر قریش ان هؤلاء الناس قد دعوا الی انفسهم، و الی علی بن ابی طالب، و علی فی بیته لو شاء لردهم، الا فادعوهم الی صاحبکم، و الی تجدید بیعته، فان اجابوا، و الا فاقتلوهم، .. فو اللّه انی لارجو اللّه ان ینصرکم علیهم کما نصرتم بهم» ص 210
ثم تلاه من بعد الحرث بن هشام احد بنی مخزوم آل ابی جهل فقال:
«ایها الناس ان یکن الانصار قد تبوأوا الدار و الایمان من قبل و نقلوا رسول اللّه الی دورهم من دورنا فآووا و نصروا فانهم قد لهجوا بامر ان ثبتوا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 308
علیه قد خرجوا بما و سموا به و لیس بیننا و بینهم معاتبة الا السیف»
و قال عکرمة بن ابی جهل:
«لو لا قول رسول اللّه: الأئمة من قریش، ما انکرنا إمرة الانصار ..
انحدروا الی القوم فان أبوا فاقتلوهم»
و فی ص 219 و 220 من المصدر نفسه:
«انطلق عمرو بن العاص الی مسجد المدینة یتناول بلسانه ما کان من الانصار اذ ارادوا ان ینصروا علیا بعد خذلان فیفیض فی نقدهم و یمعن قال و هو قائم یخطب الناس: «و اللّه لقد دفع اللّه عنا من الانصار عظیمة و لما دفع عنهم اعظم، کادوا ان یحلوا حبل الاسلام کما قاتلوا علیه، و یخرجوا منه کما دخلوا فیه .... الا انهم قاتلونا بالامس فغلبونا علی البدء و لو قاتلناهم لغلبناهم علی العاقبة»
و ان ما یؤید صحة عزم الانصار علی مناصرة الامام و ندمهم علی ما فرطوا فی حقه هو موقف الامام منهم بعد تحریض الموتورین من اعیان قریش علی قتالهم فحین اخبر الفضل بن العباس علیا- ع- بمقالة عمرو غضب الامام و جاء الی المسجد فدعا الیه الناس، حتی تجمعوا و قام فیهم یقول:
«یا معشر قریش ان حب الانصار ایمان، و بغضهم نفاق، ان حب الانصار ایمان و بغضهم نفاق، لقد قضوا ما علیهم و بقی ما علیکم. یا معشر قریش ان اللّه قد رغب لنبیکم عن مکة فنقله الی المدینة و کره له قریشا فنقله الی الانصار، یا معشر قریش انا قدمنا علی الانصار دارهم فقاسمونا الاموال، و کفونا العمل، حاربنا بهم الناس، و انتصرنا ببذل غنیهم، و ایثار فقیرهم، یا معشر قریش اذکروا ان اللّه تعالی انزل آیة من القرآن جمع فیها الانصار خمس نعم اذ قال «وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِیمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 309
إِلَیْهِمْ وَ لا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ یُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»* الا ایها الناس ان عمرو بن العاص قام مقام من آذی فیه المیت و الحی، ساء به الوتر، و سربه الموتور، فاستحق من الحاضر الجواب، و من الغائب المقت، فمن احب اللّه و رسوله احب الانصار، و لیکفف عنا بن العاص نفسه» .
عاد الامام الی بیته و لزم محرابه یجمع القرآن و لم یستمع لنداء الانصار و هتاف الهاتفین من حول داره لانه کان کعادته یقظا، حذرا، منصرفا عن دنیا الناس، حریصا علی وحدة الصف، بقدر حرصه علی حفظ الدین الذی جاهد فی سبیل نشر رسالته، کان یحز فی قلبه و هو یری الدخلاء فی الدین یریدون الوقیعة بشریعة اللّه، و الکید بمن آمن باللّه و رسوله حقا، و کان یری ای بادرة تبدر منه فی تأیید الانصار عملیا تؤدی حتما الی قیام حرب اهلیة، و اشتباک مسلح قد یقضی علی حیاة الصفوة المختارة المؤمنة من اصحاب محمد- ص- و القضاء علیهم هو القضاء علی دین اللّه، و شریعة سید المرسلین، فرأی فی الصبر علی هذا حجی، فصبر و فی القلب شجی.
اشتدت الازمة بین الهاتفین لعلی- ع- و بین خصومهم حتی بات التصادم المسلح علی و شک الوقوع بین الفریقین فاشار عمر علی ابی بکر (رضی) ان یجد فی الامر و یسرع فی اخضاع علی و من معه للبیعة مهما کلف الامر
فالطریقة التی یصورها لنا بعض المؤرخین و منهم مؤرخو الشیعة الامامیة لکیفیة بیعة الامام علی- ع- لابی بکر تجعلنا نعتقد بانها کانت اضطراریة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 310
حمل الامام علیها حرصه علی الدین، و حقن الدماء، و کان للاضطرابات التی حدثت فی القبائل الحدیثة العهد بالاسلام بالاضافة الی الاضطرابات الداخلیة التی باتت علی و شک التصادم المسلح بین المهاجرین و الانصار الاثر الکبیر فی حمل الامام علی البیعة، فقد رأی فی امتناعه من الموافقة و المسالمة ضررا کبیرا علی الاسلام بل ربما کان ینهار الاسلام من اساسه و هو بعد فی اول نشوئه و ترعرعه، و الاسلام عند علی و هو اول من امن به حیاة العزة، و الکرامة، و السعادة فی المجتمع، و هو بالمقام الذی یجب ان یضحی له نفسه و انفس ما لدیه، فکم قد قذف بنفسه فی المهالک تضحیة للاسلام، و دفاعا عن کیانه و سواء أ کانت بیعة الامام- ع- لابی بکر (رض) اضطراریة او کما یقول بعضهم جبریة، فان شیعة الامام قد بایعت هی الاخری ابا بکر و من ولی الامة بعده، و لما صارت الخلافة الی علی استبسلت شیعته تحت لوائه فی حرب الناکثین و القاسطین من الفئة الباغیة و المارقین فی البصرة، و صفین، و النهروان .
و یحدثنا ابن عبد البرقی الاستیعاب فی ترجمة عبد الرحمن بن بزی الانصاری و فی ترجمة عمار بن یاسر بان عدد الذین حضروا مع علی فی صفین من اصحاب بیعة الشجرة کانوا ثمانمایة نفر من اصل الف و اربعمائة ممن شهدوا مع النبی- ص- الحدیبیه، و بایعوه بیعة الرضوان تحت الشجرة، اما الذین حضروا مع علی- ع- ممن حضر وقعة بدر فکان عددهم 178 بدریا، استشهد من اهل بیعة الرضوان ثلثمائة و ستون رجلا کما اشتشهد من اهل بدر ثلاثة و ستون نفرا.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 311
کل ما مر یدل علی ان تاریخ شیعة علی قدیم یرجع الی زمن النبی (ص) و ان التشیع و التحزب و التابعیة عند النفوس الکبیرة عبارة عن مزاج و عقیدة تنافی مع المصالح المادیة و الشخصیة تنافیا کبیرا، و ان جمیع الذین وقفوا الی جانب علی و شایعوه و صادقوه و زاملوه فی ایام النبی و هو فی ساحة الحرب یذب عن الاسلام او الذین احجموا عن بیعة ابی بکر (ض) و حاولوا ان یبایعوا علیا بالاکراه، او الذین وقفوا الی جانب علی و استشهدوا بین یدیه
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 312
فی حرب البصرة، و حرب صفین، و حرب النهروان، کانوا اولی مزاج و عقیدة لا یستطیع ان یحولهم عن عقیدتهم طمع و لا جاه، و لا ایة امنیة من امانی الحیاة، و هؤلاء هم زبدة المسلمین الذین حضر بعضهم بدرا، و أحدا و دافعوا عن النبی و الاسلام دفاع المؤمن المستمیت، و زاملوا علیا و رافقوه و آمنوا به منذ عرفوه و کلهم او جلّهم من اصحاب النبی و من خیرة رجالات الاسلام، و دعائمه.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 313

اسباب التشیع

اشارة

و التشیع فی اهدافه و تعالیمه یمثل اهداف الاسلام و تعالیمه و جوهره، فالتشیع فی عقیدة الشیعة هو الایمان باللّه و برسالاته و الموالاة لعلی و اهل بیت النبی و الاعتراف بامامته و تضیف الشیعة الامامیة الاثنا عشریة منهم الاعتراف بالائمة الاحد عشر من اولاد علی علی الترتیب المعروف عندهم،
اما سبب التشیع لعلی فیقوم علی اساسین: الاساس الاول و هو الاخبار و الاحادیث و الروایات الدینیة اضافة الی ما یرویه التأریخ عن امامة علی و ما یستدل به علی هذه الامامة من سیر الحوادث التی تتضمنها التواریخ القدیمة و القریبة من عصور الخلافة، خصوصا الاحادیث المرویة علی السنة غیر الشیعة، و التواریخ المکتوبة باقلام غیر شیعیة، فتجتمع کل هذه الاحادیث و الاخبار و الحوادث التأریخیة و تؤلف عند الشیعی دعامة للتمسک بمشایعة علی و متابعته،
و الاساس الثانی و هو المزاج، المزاج الذی یجعلک ان تحترم کونفشیوس و انت بعید عنه لمجرد ان تقرأ آراءه فکیف و انت تدرس سیرة من عجائب السیر فی عمق التفکیر، و حسن التصویر، و نضج الرأی، و الخطابة و الادب،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 314
و الشجاعة و الایمان، ثم التواضع ثم المرح و انطلاق النفس و الدعابة التی اخذها علیه البعض فقال (لو لا دعابة فیه) بینما هی وحدها الدالة علی النفس الطاهرة النقیة الی آلاف من صفات الکمال التی حار الکثیر من الفلاسفة فی تصویرها و تقدیرها فکیف بمن رأی علیا رأی العین، و زامله فی الحرب، و ما شاه و اختبره فی جمیع الاحوال و هو یصاحب رسول اللّه، و هو یعتزل فی بیته، و هو یحکم، هذا المزاج هو الاساس عند الذین یکتفون باستعراض السیر فیکونون شیعة بداعی مزاجهم،
و اننا نستعرض هنا باجمال بعض الاحادیث و الروایات و الاخبار التی یعود الیها سبب التشیع، اما السیرة فسیتناولها جزء خاص من (قسم النجف) من موسوعة العتبات المقدسة،
ان من أدلة الشیعة الامامیة علی نص النبی (ص) علی امامة علی بالاسم حدیث (غدیر خم) المشهور الذی رواه 120 صحابیا و 84 تابعیا و تجاوز طبقات رواته من ائمة الحدیث عن 360 راویا و بلغ المؤلفون فی حدیث الغدیر من السنة و الشیعة 26 مؤلفا و خلاصته ان النبی- ص- فی رجوعه من حجة الوداع، و هی آخر حجة حجها و لم یمکث بعدها حتی توفی و وصل الی (غدیر خم) جمع الناس و قام فیهم خطیبا و قال فیما قال:-
«ان اللّه مولای و انا مولی المؤمنین و انا أولی بهم من أنفسهم، فمن کنت مولاه، فعلی مولاه، قالها ثلاثا، ثم قال اللهم و ال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أبغض من ابغضه، و ادر الحق معه حیث دار، الا فلیبلّغ الشاهد الغائب (کتاب الغدیر للامینی) (جزء- 1- ص- 9- طبعة 1372 ه) و قد روی حدیث من کنت مولاه فعلی مولاه فی (الاصابة) فی ترجمة الامام علی و (الاستیعاب) فی ترجمته و (و الألوسی) فی کتاب (نثر اللالی، علی نظم الامالی) 172 طبع
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 315
بغداد کما رواه اکثر المفسرین من غیر الشیعة فی تفسیر قوله تعالی «یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ. و قد جمع العلامة الحلی ادلة النص علی امامة علی فی کتابه (الالفین) الذی سماه علی عدد الادلة التی جمعها فی الکتاب المذکور نذکر ما ورد منها عن طریق غیر الشیعة:
1. روی صاحب الاصابة فی ترجمته للامام علی- ع- و صاحب (الاستیعاب) فی ترجمته عن ام سلمة قالت: جمع النبی علیّا و فاطمة و الحسن و الحسین و ادار علیهم رداءه ثم قال: اللهم ان هؤلاء اهل بیتی فأذهب عنهم الرجس. فنزلت هذه الآیة: (إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً). و ذکر ابو الحمراء فی ترجمته قال ان النبی- ص- کان یأتی منزل فاطمة فی کل غداة فیقول: السلام علیکم اهل البیت (انما یرید اللّه لیذهب عنکم الرجس اهل البیت و یطهرکم تطهیرا) و فی المصدرین المذکورین فی ترجمة الامام- ع- ان النبی قال لعلی: انت منی بمنزلة هارون من موسی الا انک لست بنبی و لا ینبغی اذا ذهبت الا و انت خلیفتی: و قال- ص- یوم خیبر لأعطین الرایة غدا رجلا یحب اللّه، و رسوله، و یحبه اللّه و رسوله فاستدعی علیا و دفع الیه الرایة و قال- ص- من کنت مولاه فعلی مولاه و قال- ص- یا علی لا یحبک الا مؤمن، و لا یبغضک الا منافق، و قال- ص- ان علیا ولی کل مؤمن من بعدی.
روی ابن الاثیر فی الکامل (ج (1) کیفیة دعوة النبی لعشیرته لما نزلت ایة (و انذر عشیرتک الاقربین (قال: ما ملخصه ان النبی- ص- امر علیا ان یدعو عشیرته فجمعهم و هم اربعون رجلا یزیدون واحدا او یقلون واحدا و قال فیما قال (قد جئتکم بخیر الدنیا و الآخرة و قد امرنی ربی ان ادعوکم الیه فأیکم یؤزّرنی علی امری هذا فیکون اخی و وصی و خلیفتی فیکم؟
فقال- ع- انا یا رسول اللّه بعد ان سکت القوم فأخذ النبی- ص- برقبته
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 316
و قال: ان هذا اخی و وصیی و خلیفتی فیکم فاسمعوا. و أطیعوا. فقام القوم یضحکون الخ.
و ذکر صاحب الاصابة فی ترجمة وهب بن حمزة قال: قال رسول اللّه- ص- ان علیا ولیکم من بعدی و من المصدرین المذکورین فی ترجمته و فی (نثر اللالی) للالوسی (و الصحاح الست): انا مدینة العلم و بابها علی فمن اراد العلم فلیأت من الباب، و فی المصادر المذکورة ان النبی استدعی علیا و فاطمة و الحسن و الحسین و راح یباهی بهم و فد نجران فنزلت هذه الآیة (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ، وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ، وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ، عَلَی الْکاذِبِینَ). و روی الالوسی فی کتابه (نثر اللالی) فی نظم الامالی ص 169 عن الحدیث الذی اخرجه بن مردویه و ابن عساکر و الخطیب البغدادی عن اسماء و بنت عمیس قالت: رأیت رسول اللّه- ص- فی ثبیر (و هو جبل فی مکة و المدینة) و هو یقول: اشرف ثبیر اشرف ثبیر اللهم انی اسألک مما سألک اخی موسی بن عمران ان تشرح لی صدری و تیسر لی امری و تحل عقدة من لسانی لیفقهوا امری و اجعل لی وزیرا من اهلی اخی علیا اشدد به ازری و أشرکه فی امری کی نسبحک کثیرا و نذکرک کثیرا انک کنت بنا بصیرا.
و یجدر بنا ان ننقل ما اورده ابن حجر فی کتابه (الصواعق) ص 89 و ص 90 یقول: بعد ان اورد الآیة الرابعة فی شأن اهل البیت و هی قوله تعالی (وقفوهم انهم مسئولون) ان ما نقله المفسرون: ان الموقف و السؤال انما هو عن ولایة علی ابن ابی طالب و اهل البیت فقد قال رسول اللّه- ص- فی مواضع متعددة انی تارک فیکم الثقلین کتاب اللّه و عترتی اهل بیتی فانهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض، و منها یوم (غدیر خم).
و قد سمی رسول اللّه- ص- القرآن و عترته بالثقلین لأن الثقل هو کل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 317
نفیس و خطیر و هذان کذلک اذ کل منهما معدن للعلوم الدینیة و الاسرار و الحکم العالیة و الأحکام الشرعیة لذا حث النبی- ص- علی الاقتداء و التمسک باهل بیته و التعظیم فیهم و قال: الحمد للّه الذی جعل فینا الحکمة اهل البیت.
و قیل سمی بالثقلین لثقل وجوب رعایة حقوقهما ثم الذین وقع الحث علیهم انما هم العارفون بکتاب اللّه و سنة رسوله اذ هم الذین لا یفارقون الکتاب الی الحوض و یؤید الخبر السابق: و لا تعلموهم فانهم اعلم منکم. و تمیزوا عن بقیة العلماء لان اللّه اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا و شرفهم بالکرامات الباهرة و المزایا المتکاثرة و فی احادیث الحث علی التمسک بأهل البیت اشارة الی عدم انقطاع متأهل منهم للتمسک به الی یوم القیامة کما ان کتاب اللّه العزیز کذلک و لهذا کانوا امانا لأهل الأرض. ثم ان الأحق بالتمسک به منهم امامهم و عالمهم علی بن ابی طالب کرم اللّه وجهه لما قدمناه من فرید علمه و رقائق مستنبطاته و لقد قال ابو بکر (رض) «علی عترة رسول اللّه»- ص- هذا بعض ما قاله ابن حجر فی کتابه المذکور الذی جمع مناقب الامام علی و روی احادیث کثیرة فی فضله فعلی طالب المزید من هذه الاخبار مراجعته، اضافة الی عدد من المؤلفات لغیر الشیعة مما تضمن مثل هذه النصوص کمسند احمد بن حنبل، و الخصائص، للنسائی، و (نور الابصار) للشبنلجی، و (ینابیع المودة) و غیرها ممن اعتمد الحدیث و الروایة و الخبر فی امامة علی و فضله.
یقول احمد امین فی کتابه (یوم الاسلام) ص 41 طبعة 1958.
«اراد رسول اللّه- ص- فی مرضه الذی مات فیه ان یعین من یلی الامر بعده ففی الصحیحین- البخاری- و مسلم ان رسول اللّه لما احتضرته الوفاة قال: هلم اکتب لکم کتابا لا تضلوا بعده، و کان فی البیت رجال منهم عمر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 318
بن الخطاب فقال عمر: ان رسول اللّه- ص- قد غلب علیه الوجع و عندکم القرآن حسبنا کتاب اللّه فاختلف القوم فمنهم من قال: قربوا الیه یکتب لکم کتابا لن تضلوا بعده، و منهم من قال: القول ما قاله عمر، فلما کثر اللغو و الاختلاف عنده قال لهم: قوموا فقاموا، و ترک الامر مفتوحا لمن شاء و جعل المسلمین طوال عصرهم یختلفون علی الخلافة حتی عصرنا هذا.
و قال فی ص 52 «کان مجال الخلاف الاول بین الصحابة فی بیت النبی- ص- و الثانی فی سقیفة بنی ساعدة و اخیرا تم الامر لأبی بکر علی مضض، و قال فی ص 54 و بایع عمر ابا بکر ثم بایعه الناس و کان فی هذا مخالفة لرکن الشوری و لذلک قال عمر: انها غلطة وقی اللّه المسلمین شرها و کذلک کانت غلطة بیعة ابی بکر لعمر»
و کثیرة هی الروایات و الاخبار التی تشیر الی دعوة النبی للتشیع لعلی، و قد کان یرمی حمل المسلمین المؤمنین من المهاجرین و الانصار علی الوقوف
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 319
بجانب علی للدفاع عن الدین ورد کل من تسول له نفسه الانحراف بتعالیمه و احکامه عن المقاصد التی شرعها اللّه و انزلها علی رسوله فقد کان یعلم بما سیصیب الاسلام من بعده من انتکاسة علی ید المناوئین له بعد ان انتصر علیهم فی ثلاث معارک- بدر- واحد- و الاحزاب- فاسلموا یوم فتح مکة لیسلموا علی رؤوسهم التی طوقتها سیوف المهاجرین و الانصار فدخلوا فی دین اللّه و هم له کارهون و اظهروا الطاعة له و تستروا بالاسلام و کتموا احقادهم و ضغائنهم فی صدورهم و راحو یتحینون الفرص للانقضاض علی الدین و محو معالمه من الدنیا.
و لبث النبی- ص- بعد الفتح یحذر المسلمین بین آونة و اخری من شرور من اسلم خشیة القتل یوم الفتح فرأی أبا سفیان راکبا و ولده یزید آخذ بزمام بغلته و معاویة یسوقها فقال «اللهم العن الراکب و القائد و السائق و قال «اذا وجدتم معاویة علی منبری فاقتلوه و قال- ص- الخلافة بعدی ثلاثون سنة و فی حدیث آخر اربعون سنة ثم تکون ملکا غضوضا و قال ص- «رأیت فی المنام کأن بنی امیة ینزون علی منبری کما تنزو القردة و قال- ص- اذا بلغ بنو العاص ثلاثین رجلا اتخذوا مال اللّه دولا و عباد اللّه خولا و غیر ذلک من الاحادیث التی رواها غیر الشیعة قبل الشیعة التی تشیر الی ما کان یضمره الأمویون و حلفاؤهم من الکید و البطش للاسلام و المسلمین و الاستیلاء علی الخلافة و قلب نظام الحکم فی الاسلام و لم یکن امر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 320
الطلقاء خافیا علی المسلمین فقد حذر عمر (ض) رجال الشوری منهم بقوله «لا تختلفوا فاذا اختلفتم جاءکم معاویة من الشام و ابن ربیعة من الیمن فلا یریان لکم فضلا لسابقتکم و ان هذا الامر لا یصلح للطلقاء و ابناء الطلقاء «ترجمة عبد اللّه بن ابی ربیعه) فی الاصابة.
هذا عرض مختصر جدا یقتضیه المدخل الی الموسوعة لبعض الأخبار الواردة عن علی و التی نعتبر السبب الاساسی للتشیع الی علی و الائتمام به و التمسک بولائه.

الامامة

تقول التواریخ ان المسلمین قد اختلفوا بعد وفاة النبی- ص- فی من یجب ان یتولی الامر من بعده و افترقوا الی فریقین قال احدهما و هم الشیعة ان الامامة هی الولایة العامة و من الامور الهامة التی یتوقف علیها حفظ الدین و کیان الاسلام و رعایة شؤون المسلمین، و ان رسول اللّه لم یغفل عن امرها و خطرها و انه قد نص فی حیاته علی ولایة علی و وجوب موالاته علی المسلمین فهو الولی و هو الامام من بعده و الائمة من بعد علی هم الحسن ثم الحسین ثم علی بن الحسین ثم الباقر محمد، ثم الصادق جعفر، ثم الکاظم موسی، ثم الرضا علی، ثم الجواد محمد، ثم الهادی علی، ثم العسکری الحسن بن علی ثم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 321
المهدی محمد علیهم السلام و الی هذا الرأی ذهب الشیعة الامامیة الاثنا عشریة .
و قال الفریق الآخر: ان النبی- ص- خرج من الدنیا و لم یستخلف علی دینه من یقوم مقامه و ان کل من دعا الی کتاب اللّه و السنة و العمل بالعدل من قریش وجبت امامته، و الخروج معه و الی هذا القول ذهب بقیة المسلمین من غیر الشیعة دون ان یکون الخلاف فی الرأی بین الفریقین سببا للشقاق و التفرقة او موجبا لتعطیل الاحکام و الحد من نشاط الحرکة الاسلامیة و قد تقبل القائلون بالنص علی امامة علی- ع- الامر الواقع و بایعوا لابی بکر بعد ان بایعه الاسلام، و اشترک الفریقان فی الجهاد فی سبیل اللّه و الامر بالمعروف و النهی عن المنکر و اعلاء کلمة التوحید و هکذا ظل المسلمون من الفریقین یتمتعون بنعمة الموءاخاة و المحبة و الصفاء یسود بینهما العدل و الحکمة و المساواة حتی خلافة عثمان الذی وجد فیها الموتورون و الامویون وسیلة لرسوخ اقدامهم و تولی الامارات و السیطرة. و الاستیلاء علی الحکم.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 322
من لدن الطلقاء و المؤلفة قلوبهم فقد تولی عدد من بنی امیة و آل ابی معیط مهمات خطیرة منها ولایة الشام، و مصر، و الکوفة، و البصرة و هی اهم و اخطر الولایات الاسلامیة و اغناها و علیها المعول فی تمویل الخلافة الاسلامیة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 323
و یقول الاستاذ محمود ابوریة فی کتابه (شیخ المضیره) ص 151 «و کان عثمان بما مکن لبنی امیة من حکم هذه الولایات الاربع الکبیرة، و هی تعد بمثابة القواعد الاربع للدولة الاسلامیة، انما یصنع هذه القواعد لکی تقوم علیها ارکان الدولة الامویة و کان کذلک و هو یجمع اطراف الشام کلها بید معاویة و یجعلها تحت سلطانه انما یرمی الی ترشیحه لأن یکون ملکا لهذه الدولة و یهی‌ء السبیل لکی یتولی الزعامة الامویة بعد ابیه ابی سفیان»
و یقول الدکتور طه حسین فی کتابه الفتنة الکبری (عثمان) ص 120:
«و لیس من شک فی ان عثمان هو الذی مهد لمعاویة ما اتیح له من نقل الخلافة ذات یوم الی آل ابی سفیان و تثبیتها فی بنی امیة»
و یقول ابوریة فی کتابه المذکور ص 152: «و من اعمال عثمان التی استنکرها المسلمون اشد استنکار و لا یستطیع احد ان یدافع عنه فیها انه رد الحکم بن العاص و اهله الی المدینة و کان النبی (رض) قد اخرجهم، و اعطاه مالا کثیرا قدر بمائة الف درهم، و اقطع ولده الحارث سوق المدینة، و یعرف بنهروز، و کان النبی رض قد تصدق به علی المسلمین، و اتخذ مروان وزیرا و مشیرا و امر له بمائه الف ثم اقطعه فدکا التی کانت ملکا للنبی و کانت فاطمة (رض) عنها قد طلبتها من ابی بکر ورد طلبها.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 324
و یقول فی صفحة 153
«و لما ولی عثمان و هو اموی استعان بالامویین فکان اکثر عماله منهم.
و کان کاتبه و امین سره مروان بن الحکم الاموی، و مروان هو و شیعته قد هدموا کل ما بناه الاسلام من قبل و دعمه ابو بکر و عمر من محاربة العصبیه القبلیه، و بث الشعور بان العرب وحدة و حکموا کامویین لا کعرب فحرک ذلک ما کان کامنا من العداوة القدیمة بین بنی هاشم و بنی امیه»
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 325
بدأ عثمان خلافته بتفکیک اواصر الصداقة و المحبة و الاخاء و کانا یسودان المجتمع الاسلامی فی عهد النبی و الخلیفتین و ساعدت اعماله علی استیاء کبار
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 326
الصحابة و السابقین منهم و ابعاد رجال الرای و الحدیث و الاجتهاد امثال ابی بن کعب و عبد اللّه بن مسعود، و عمار بن یاسر، و المقداد بن الاسود الکندی، و ابی ذر، و خزیمة بن الثابت ذی الشهادتین و غیرهم من الذین کانوا موضع ثقة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 327
رسول اللّه- ص- و الیهم کان یفزع ابو بکر و عمر (ض) فی امهات المسائل و معضلات الامور، فابعدهم عثمان عن مرکز الخلافة و النظر فی شؤون المسلمین و قرّب الیه المبعدین و المنفیین فی عهد النبی- ص- امثال الحکم بن ابی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 328
العاص و ولدیه مروان و الحارث و معاویة و الولید بن عتبة و ابی سفیان و من علی شاکلته فاستفحلت سیطرة الانتهازیین و اصحاب المطامع و الاهواء
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 329
و المؤلفة قلوبهم و الموتورین و هاجت عداوة الامویین للهاشمیین علانیة فتألفت من کل اولئک جماعة و فی مقدمتهم الامویون لمحاربة علی بن ابی طالب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 330
و مناوئته و بث مختلف الدعاوة ضده و ضد شیعته و ضد الدین و تعالیمه للاستیلاء علی الخلافة التی باتت علی و شک ان تصیر الی الامام علی- ع- بعد عثمان،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 331
فانقسم المسلمون الی فریقین متخاصمین متناحرین یستحیل الجمع بینهما لاختلاف العقیده و القصد و الغایة و بدأ الصراع الدامی بین الفریقین طیلة العهد الاموی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 332
ثم تحول الی صراع عقائدی یشتد تارة و یخف تارة اخری و لم یسلم هذا النزاع من الفتک و البطش فی اکثر العهود و ما زالت آثاره السیئة ماثلة امام المسلمین الی الیوم ففی قبال مذهب التشیع لعلی اعلن الامویون مذهب العثمانیة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 333

العثمانیة اول حرب شنت فی وجه علی و شیعته

اشارة

العثمانیة مذهب ظهر بعد قتل عثمان (ض) سنة 35 فی مقابل التشیع ضم العناصر التی کانت تبغض الامام علیا (ع) و وقفت ضده کافة بعد وفاة النبی- ص- وسعت الی ابعاده عن الخلافة فمنهم من جهر بذلک و وقف بجانب الامویین کعمرو بن العاص، و بسر بن ارطاة، و شرحبیل بن ذی الکلاع، و مالک بن حمزه، و عبد الرحمن ابن ابی بکر، و عبد اللّه بن عمر، و ابو هریرة، و امثالهم و منهم من آمن به سرا و امتنع عن بیعة علی- ع- یقول انیس النصولی فی کتابه (دولة امیة فی الشام) «ان کلمة العثمانیه تدل فی الأصل علی اقرباء عثمان الخلیفة، الثالث و موالیه غیر انها اطلقت فی الحرب الاهلیة للدلالة علی حزب الخلیفة المقتول الذین قاموا یطالبون بقصاص من سفک دم ذلک الشهید المظلوم فی عرفهم، و تطرف بعضهم فقالوا ان لعلی یدا فی الثورة التی نشبت فی المدینة و کان من نتیجتها قتل عثمان، و لهذا فهو غیر جدیر بتسلم عرش الخلافة، و انه لمن الغلط الفادح ان نعتقد بان العثمانیة هم حزب
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 334
معاویة و مریدوه بل بالعکس فان کل من التف حول معاویة و ناصره من اجل الاقتصاص لعثمان و الأخذ بثأرهم فهو من العثمانیة»
و یقول فی ص 8 من کتابه
«لما قتل عثمان اجتمع الناس من المهاجرین و الانصار فأتوا علیا و بایعوه سنة 35 ه 655 م و الانصار هم اکثریة حزب علی ان هؤلاء منذ وفاة النبی- ص- لم یرضوا عن بیعة ابی بکر خلیفة المسلمین و اعترضوا و احتجوا ذلک، فلو نظرنا الی الامر جلیا لتحققنا انهم لم یفوزوا فی انتخاب علی فی الفرص الثلاث التی سنحت لهم بل تربع علی عرش الخلافة ابو بکر و عمر، و عثمان، مما هو مشهور»
و یقول النصولی ایضا
«لو استثنینا النبلاء من اهل المدینة لوجدنا القلیل من اشراف بقیة البلاد الاسلامیة موالیة لعلی و یمکننا القول ان اغلب سادة قریش وقفت علی الحیاد او ظاهرت معاویة و کاتفته فتأثر ابن ابی طالب من عدائهم له».
و یقول فی صفحة 9
«و اعتزل عن بیعته سعد بن ابی وقاص، و زید، و عبد اللّه بن سلام، و اسامة بن زید، و المغیرة بن شعبة، و عبد اللّه بن عمر، و ابو موسی الأشعری، و کان هؤلاء یعتقدون انه لا یجوز دینا الاشتراک فی الفتنة و مقاتلة اخوانهم فی الاسلام و قد قال اسامة لعلی لما طلب منه الخروج: اعفنی من الخروج معک فاننی عاهدت اللّه ان لا اقاتل من شهد ان لا إله الا اللّه. و قال سعد: اعطنی سیفا یفرق بین المسلم و الکافر. ثم انضم هؤلاء الرجال الی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 335
معاویة و تألف منهم حزب العثمانیة الذین یقدمون بنی امیة علی بنی هاشم و یقولون ان الشام خیر من المدینة و قد قعدوا عن علی بن ابی طالب و لم یشهدوا حروبه»
لقد ظهرت فی مذهب العثمانیة فکرة القول بالارجاء بعد مقتل عثمان عام 35 لحمل الناس علی قتال الامام علی- ع- مع علمهم بعصیان ذلک و من اصول الارجاء القول بان العفو واجب علی اللّه و ان جمیع الذنوب ما عدا الشرک مغفورة لا محالة و ان العبد اذا مات علی التوحید لم یضره ما اقترف من الآثام و اجترح من السیئات و ان کل ما یعمله العبد من الخیر و الشر هو من اللّه لانه مسیر فی جمیع احواله و لا اختیار له فی کل ما یفعل.
استحدث مذهب العثمانیة مقابل مذهب التشیع و للرد علی معتقدات الشیعة الذین کانوا یطعنون فی معتقدات الامویین و یناقشون الاعمال و الاخطاء التی ارتکبها بعض الصحابة فی خروجها علی الامام علی، و نکث بیعته و قتاله فی البصرة، و صفین، و لتحریم البحث فی تلک الاخطاء طرح العثمانیون احادیث نسبوها الی النبی- فی فضل عامة الصحابة دون استثناء و وجوب احترام کل واحد منهم مهما ارتکب من الذنوب و الآثام کحدیث (اصحابی کالنجم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم) و قوله (اللّه اللّه لا تتخذوا اصحابی غرضا فمن أحبهم فبحبی أحبهم و من أبغضهم فببغضی أبغضهم، و من آذاهم فقد آذانی و من آذانی آذی اللّه) و قوله لعمر (ما یدریک لعل اللّه اطلع علی اهل بدر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 336
فقال لهم اعملوا ما شئتم) و اعتبر العثمانیون الصحابة کلهم ابرارا، و کلهم أخیارا عدولا، و ان عدالتهم ثابتة و معلومة بتعدیل اللّه (و کنتم خیر امة اخرجت للناس) و لا یدخل احد منهم النار و انهم کلهم من اهل الجنة قطعا من دون تفریق بین ابی بکر و معاویة و بین عمر و مروان، و بین عمار و قاتله ابی الفادیة و بین الامام الحسین و قاتله الحصین بن نمیر السکونی و شمر بن ذی الجوشن.
لقد ناقش ائمة الفقه غیر الشیعة هذه الاحادیث و منهم الامام ابو حنیفة و الامام الشافعی فقد روی ابو الفداء عن الشافعی انه اسرّ الی الربیع ان لا یقبل شهادة اربعة من الصحابة: معاویة- و عمرو بن العاص- و زیاد- و المغیرة بن شعبة، و عن ابی یوسف قال قلت لأبی حنیفة: الخبر یجیئنی عن رسول اللّه- ص- یخالف قیاسنا فما نصنع فقال: ان جاءت به الرواة الثقاة عملنا به و ترکنا الرأی فقلت: ما تقول فی روایة ابی بکر و عمر قال ناهیک بها، فقلت و علی و عثمان قال: کذلک، فلما رآنی اعدد الصحابة قال، و الصحابة کلهم عدول ما عدا رجال و عدّ منهم أبا هریرة، و انس بن مالک، و فی خبر آخر عد منهم: سمرة بن جندب، و ابا هریرة و انس بن مالک.
تقول الشیعة ان الحکم القطعی بدخول جمیع الصحابة الی الجنة و عدم دخول فرد منهم النار یناقض الاحادیث التی صححها الامام البخاری فی مسنده الذی یعتبر اصدق کتاب بعد القرآن کما یقول ابن خلدون و لا یجوّز النظر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 337
فی رجال رواته ذکر فی- باب الحوض- المجلد الرابع ص 87 و 88 الاحادیث التالیة:
عن مغیرة قال: سمعت أبا وائل عن عبد اللّه رضی اللّه عنه عن النبی- ص- قال: انا فرطکم علی الحوض و لیرفعن رجال منکم ثم لیختلجن دونی فأقول:
یا رب اصحابی فیقول: انک لا تدری ما احدثوا بعدک.
و باسناده عن ابی هریرة انه کان یحدث ان رسول اللّه- ص- قال: یرد علی یوم القیامة رهط من اصحابی فیحلئون عن الحوض فأقول یا رب اصحابی فیقول: انک لا علم لک بما حدث بعدک. انهم ارتدوا علی ادبارهم القهقری. باسناده عن ابن المسیب انه کان یحدث عن اصحاب النبی- ص- ان النبی قال: یرد علی الحوض رجال من اصحابی فیحلئون عنه فأقول: یا رب اصحابی فیقول انک لا علم لک بما احدثوا بعدک انهم ارتدوا علی أدبارهم القهقری.
و باسناده عن اسماء بنت ابی بکر قالت قال رسول اللّه- ص-: انی علی الحوض حتی انظر من یرد علی منکم و سیؤخذ ناس فأقول یا رب منی و من امتی فیقال: هل شعرت ما عملوا بعدک انهم و اللّه ما برحوا یرجعون علی اعقابهم، و باسناده عن سهل بن سعد قال: انی فرطکم علی الحوض من مرّ علی و شرب و من شرب لم یظمأ ابدا، لیردن علی اقوام اعرفهم و یعرفوننی، ثم یحال بینی و بینهم، قال ابو حازم فسمعنی النعمان بن ابی عباس فقال:
هکذا سمعت عن سهل؟ فقلت نعم، فقال اشهد علی ابی سعید الحذری لسمعته و هو یزید فیها فأقول انهم منی فیقال انک لا تدری ما احدثوا بعدک فأقول سحقا لمن غیّر بعدی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 338

الصراع بین الشیعة العلویة و الشیعة العثمانیة

کانت الثورة تغلی فی المدینة علی عثمان ترید خلعه و ان ابی فقتله و کلما اشتدت الازمة فزع الامام علی (ع) و اسرع الی انقاذه و التفاهم مع الثوار فکان کلما اصلح علی امرا افسده مروان، حتی فطنت الی ذلک زوجة عثمان نافلة بنت الفراقصة فدخلت علیه فی آخر مرة بعد ان غضب الامام و یئس من اصلاح ما یفسده علیه مروان، فقالت لزوجها «ان مروان میتم اولادک، انک إن تطعه یقتلک، ارسل الی ابن عمک علیا فاصلحه فان له فی الناس وجها و اراه غیر عائد الیک » و لم یکن طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوام و غیرهما بمعزل عن الثورة و الثائرین و تحریضهم الناس علی عثمان بل قیل ان الهجوم قد بدأ علی عثمان باشارة من طلحة و قد شاهده عثمان بنفسه یختلی بقائد الثورة بن عدیس ثم یبدأ الهجوم.
یقول ابن الاثیر فی الکامل من حوادث سنة 35 ه:
«قال عبد اللّه بن عباس بن ابی ربیعة: دخلت علی عثمان فأخذ یدی فاسمعنی کلام من علی بابه، فمنهم من یقول ما تنتظرون بالرجل؟ و منهم من یقول: انظروه عسی ان یرجع. قال بینما نحن کذلک و اقفون اذ مر طلحة فقال: این ابن عدیس؟ فقام الیه فناحاه ثم رجع ابن عدیس فقال لاصحابه لا تترکوا احدا یدخل علی عثمان و لا یخرج من عنده فقال لی عثمان هذا ما أمر به طلحة اللهم اکفنی شر طلحة فانه حمل علی هؤلاء القوم و ألبهم علیّ انی لارجو ان یکون صفرا منها و ان یسفک دمه»
کان مروان حاضرا لما دعا عثمان علی طلحة فقد روی ابن الاثیر فی حوادث سنة 36 من وقائع معرکة الجمل «رأی مروان طلحة بین الفارین
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 339
فرماه بسهم و لما شاهد طلحة الدم یسیل منه قال: اللهم خذ لعثمان حتی ترضی، و اجتاز به رجل فقال له: انت من اصحاب امیر المؤمنین؟ قال نعم، فقال له طلحة: مدّ یدک ابایعک له، فخاف ان یموت و لیس فی عنقه بیعة للامام.
تخلی المسلمون عن عثمان (رض) فقضت الثورة علیه و فی هذا الجو المحموم انهال المسلمون علی علی (ع) یطلبون یده لیبایعوه فامتنع الامام من قبول البیعة و اصر علی الرفض فجاء الیه الشیخان طلحة و الزبیر یلتمسان منه قبول البیعة و حمایة المدینة من عبث الثائرین لان الثورة باتت علی و شک التحول الی الفوضی و ما زالوا به حتی رضی مکرها و بایعه المسلمون عامة و لم یتخلف عن بیعته الا جماعة الامویین و نفر من اصحابه اما المهاجرون من اهل المدینة عامة و الانصار جمیعا فقد بایعوا الامام و تبعهم المسلمون خارج المدینة باستثناء اهل الشام الذین کانوا یأتمرون بامر معاویة، و لم تلق بیعة الامام ترحیبا، فی قلوب النبلاء من قریش و من اسلم منهم بعد الفتح، فتحالفت العناصر الاخری للاسباب التی استعرضناها من قبل و وحدت موقفها للمرة الثانیة لا فساد بیعة الامام و ابعاده عن الخلافة مهما کلف الامر، و امتنع عن بیعته من امتنع امثال سعد بن ابی وقاص، و عبد اللّه بن عمر، و اسامة بن زید، و المغیرة بن شعبة، و ابی موسی الاشعری، و نکث ببیعته طلحة و الزبیر، فاصبح ثلاثة من بقیة رجال الشوری الذین رشحهم عمر للخلافة و جعلّهم فی مصاف الامام علی (ع) و فی مرتبته فی الاسلام بین ممتنع عن البیعة و بین ناکث لها، فسواء أ کان الناکثان لبیعة الامام مندفعین من تلقاء نفسیهما علی نکث البیعة ام کانا مدفوعین من قبل زعیم الامویین معاویة کما یفهم من کتبه الیهما فان السبب الذی اختلقاه لنکث البیعة لم یکن سببا یبرر موقفهما فی الاشتراک فی تألیب الناس علی قتل عثمان و لا یدفع مطالبتهما بدم عثمان بتهمة الاستیلاء علی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 340
الخلافة لا سیما و قد وعدهما معاویة بان یبایع لاحدهما اذا انتصر علی الامام کما جاء فی نص کتابه الی کل واحد منهما علی الانفراد.
روی بن ابی الحدید فی الجزء السابع من المجلد الثانی ص 791 من شرح النهج نص الکتب التی بدأت تتبادل بین مروان فی المدینة و بین معاویة فی الشام ابان حصار عثمان و بین معاویة و ولاة عثمان من الامویین فی البصرة، و الیمن، و الحجاز، و غیرها بعد مقتل عثمان یحرضهم علی الثورة و قد کتب الی طلحة بن عبید اللّه یقول: «اما بعد فانت أقل قریش و ترامع صباحة وجهک، و سماحة کفک، و فصاحة لسانک فانت ازاء من تقدمک فی السابقة و خامس المبشرین بالجنة و لک یوم احد، و شرفه، و فضله، فسارع یرحمک اللّه الی ما تقلدک الرعیة امرها، لا یسعک التخلف عنه و لا یرضی اللّه منک الا بالقیام به فقد احکمت لک الامر من قبلی، و الزبیر فغیر متقدم علیک بفضل، و ایکما قدم صاحبه فالمتقدم الامام و الامر من بعده للمقدم له سلک بک قصد المهتدین و وهب لک رشد الموفقین»
و کتب الی الزبیر «اما بعد فانک الزبیر ابن العوام بن ابی خدیجة و ابن رسول اللّه و حواریه و سلفه و صهر ابی بکر و فارس المسلمین و انت الباذل مهجتک بمکة عند صیحة الشیطان بعثک المنبعث فخرجت کالثعبان المنسلخ بالسیف المنصلت تخبط خبط الجمل الودیع کل ذلک قوة ایمان، و صدق یقین، و سبقت لک من رسول اللّه (ص) البشارة بالجنة و جعلک عمر احد المستخلفین علی الامة، و اعلم ابا عبد اللّه ان الرعیة اصبحت کالغنم المتفرقة لغیبة الراعی فسارع رحمک اللّه الی حقن الدماء و لم الشعث و جمع الکلمة و صلاح ذات البین قبل تفاقم الامر و انتشار الامة فقد اصبح الناس علی شفا جرف ها و عما قلیل ینهار ان لم یرأب فشمر لتألیف الامة و ابتغ الی ربک سبیلا فقد احکمت
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 341
الامر من قبلی لک و لصاحبک علی الامر للمقدم ثم لصاحبه من بعده جعلک اللّه من أئمة الهدی و بغاة الخیر و التقوی و السلام»
و مما یدل علی ان معاویة کان قد ارسل الی طلحة غیر هذا الکتاب یحرضه علی الطلب بدم عثمان ما جاء فی کتابه الی یعلی بن امیة عامل عثمان علی الیمن یقول «و قد کتبت الی طلحة بن عبید اللّه ان یلقاک بمکة حتی یجتمع رأیکما علی اظهار الدعوة و الطلب بدم عثمان امیر المؤمنین المظلوم و کتبت الی عبد اللّه بن عامر یمهد لک العراق و یسهل لکم حزونه اما الشام فقد کفیتک امرها»
هکذا تحالفت القوی المناوئة للبیت الهاشمی علی ابعاده عن الخلافة و بدأت امیة معرکتها ضد الامام علی من مکة کما بدأها زعیم الامویین ابو سفیان ضد النبی محمد (ص) و عادت الخصومة الامویة من جدید فی جولتها الثانیة علی مسرح الاسلام باسم الدین لضرب قواعد الاسلام و تمزیق وحدة المسلمین فی صورة المطالبة بدم عثمان بینما کانت المعرکة معرکة انتقام من الامام و شیعته الانصار الذین انتصروا علی قریش فی معرکة بدر و قتل الامام فیه شقیق معاویة حنظلة بن ابی سفیان، و اشترک فی قتل عدد من الامویین منهم الولید، و عتبة، و شیبة کما تقدم بالاضافة الی الطمع بالملک و السلطان و النفوذ.
ان هذه الکتب قد فضحت مؤامرة قریش و ثورة الامویین ضد الهاشمیین و کشفت لنا الستار عمن کان وراء حرب الجمل، فان معرکة الجمل کانت بتحریض الامویین و قادة جیشها کانوا مسیرین من حیث یدرون او لا یدرون و ان عمال عثمان فی الیمن و البصرة و مکة هم الذین جهزوا الجیش بالاموال التی انتهبوها من بیوت اموال المسلمین فی تلک الاقطار و جاءوا بها الی مکة بأمر معاویة، یقول ابن الاثیر فی الکامل فی حوادث سنة ست و ثلاثین
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 342
«ان السبب فی اجتماعهم بمکة ان عائشة کانت خرجت الیها و عثمان محصور، ثم خرجت من مکة ترید المدینة فلما کانت (بسرف) لقیها رجل من اخوالها من بنی لیث یقال له عبید بن ابی سلمة و هو ابن ام کلاب فقالت له فیم؟
قال: قتل عثمان و بقوا ثمانیا، قالت ثم صنعوا ماذا؟ قال اجتمعوا علی بیعة علی فقالت لیت هذه انطبقت علی هذه ان تم الامر لصاحبکم، ردونی، ردونی، فانصرفت الی مکة و هی تقول قتل و اللّه عثمان مظلوما، و اللّه لا طالبن بدمه الی نهایة ما یورده ابن الاثیر مما نضرب عن ذکره الی ان یقول «فانصرفت عائشة الی مکة و دخلت الحجر فاستترت فیه فاجتمع حولها الناس فقالت: ایها الناس ان الغوغاء من اهل الامصار و اهل المیاه و عبید اهل المدینة اجتموا علی هذا الرجل المقتول ظلما بالامس و نقموا علیه استعمال من حدثت سنه، و قد استعمل امثالهم قبله، الی آخر خطبتها فقال عبد اللّه بن عامر الحضری و کان عامل عثمان علی مکة: ها انا ذا اول طالب بدمه فاجابه بنو امیة علی ذلک و کانوا قد هربوا من المدینة الی مکة فرفعوا رؤوسهم و کان اول من تکلموا و قدم علیهم عبد اللّه بن عامر من البصرة بمال کثیر و یعلی بن امیة من الیمن و معه ستمائة بعیر و ستمائة الف درهم، فقالت عائشة انهضوا الی هذا الغوغاء فقالوا نأتی الشام فقال ابن عامر کفاکم الشام معاویة، فأتوا البصرة فان لی بها صنائع و لهم فی طلحة هوی»
هکذا دفع الامویین الشیخین الناکثین طلحة و الزبیر راغبین ام راغمین الی مصیرهما المحتوم و وقف من ورائهما معاویة یضحک من اندفاعهما وراء الامل المنشود و من الواضح ان معاویة لم یفکر فی یوم من الایام ان یبایع طلحة او الزبیر لو خلی لهما الامر و انما اراد ان یؤلبهما علی علی و ان یجرب قوة الامام علی و فی کلتا الحالتین ان انتصرا علی الامام تخلص من اقوی شخصیة لزعامة المسلمین و سهل علیه بعد ذلک امر ابعادهما عن الخلافة بنفس التهمة التی اتهم
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 343
هذان الشیخان بها الامام علیا و هی قتل عثمان، لا سیما و ان اشتراکهما فی تألب الناس علیه و تحریض الثوار علی قتله من الامور الثانیة لدی جمهور المسلمین من اهل المدینة و من حضرها من الامصار و ان انتصر علیهما الامام فقد تخلص معاویة من اقوی مرشحین للخلافة من رجال الشوری و الزم علیا بدماء ثلاثة من کبار الصحابة المنتخبین للخلافة من الذین مات رسول اللّه و هو عنهم راض کما حدث بذلک عمر (رض).
ما أشبه حیاة الامام علی- ع- بحیاة النبی- ص- فقد بدأ الامام خلافته بثلاث معارک أقامها بنو امیه علیه فی البصرة، و صفین، و النهروان، کما بدأ النبی رسالته بثلاث معارک اقامها الامویون علیه فی بدر، واحد، و الاحزاب، و کانت الغایة واحدة و الهدف واحدا، و هو الصراع بین الحق و الباطل، و النزاع بین الشرک و الایمان، فالامام علی و تیرة النبی- ص- و معاویة علی و تیرة ابیه ابی سفیان، و کانت النتیجة واحدة و ان اختلفت فی ظاهرها بانتصار معاویة علی الامام، الا ان النصر النهائی کان للامام- ع- فقد ذهب معاویة و ذهب معه کل ما اقامه من معالم الباطل، و الفساد، و الدعوة الی الجاهلیة، و ذهب علی- ع- و بقی کل ما حققه فی جهاده للدین من مجد و عزة و کرامة، و ما خلف من ارث فی عالم الحضارة و الانسانیة و العدل، و ما اشبه حیاة اصحاب الفریقین و موقفهما فی المعارک الاسلامیة فکما اشترک اعیان قریش النبلاء بجانب ابی سفیان فی حرب النبی اشترک معاویة و ذووه و انصاره فی حرب علی و قد صدق عمار بن یاسر حین صرخ یوم صفین قائلا:
نحن ضربناکم علی تنزیله‌و الیوم نضربکم علی تأویله
بدات جولة الامویین الثانیة من مکة و سار الجیش قاصدا البصرة لان
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 344
اهلها لهم هوی فی طلحة بن عبید اللّه و لابن عامر فیها صنائع و کان الجیش کلما قطع مرحلة من سیره انکشف لاهل الحقیقة بطلان ما زعمه قادة الجیش من انهم ینشدون فی خروجهم الاصلاح و الطلب بدم عثمان، و التقی فی الرکب سعید بن العاص بطلحة و الزبیر فانتحی بهما ناحیة و دار بینهم الحدیث التالی:
سعید- ان ظفرتما ایها الشیخان فلمن تجعلان الامر؟
فأجاباه- لاحدنا
سعید- بل اجعلاه فی ولد عثمان فانکم خرجتم تطلبون دمه. فجاء الجواب:
- أندع الشیوخ و نجعلها فی الایتام؟
سعید- لا ارانی اذن اسعی لاخراجها من بنی عبد مناف،
ثم جاء سعید الی ام المؤمنین فقال لها-: این تریدین یا ام المؤمنین؟
فأجابت- البصرة
فقال لها سعید- ماذا تصنعین؟
اجابت- اطلب دم عثمان
فقال سعید-: هؤلاء قتلة عثمان معک یا ام المؤمنین و اشار الی طلحة و الزبیر ...
ثم جاء سعید الی مروان فقال له- و انت ایضا ترید البصرة؟
فاجابه- نعم اطلب قتلة عثمان.
فقال له-: هؤلاء قتلة عثمان فاین تذهبون و ثارکم علی اعجاز الابل اقتلوهم ثم ارجعوا الی منازلکم. ثم قال ان هذین الرجلین قتلا عثمان و هما یریدان الأمر لنفسیهما فلما غلبا علیه قالا نغسل الدم بالدم و الحوبة بالتوبة»
لقد کشفت امیة علی لسان ابنها سعید عن اهداف قادة الرکب، و دق
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 345
اول مسمار فی نعش الشیخین اذا ظفرا بعلی- ع- و قضیا علی خلافته لأن التهمة التی راحا یقاضیان علیا علیها لاصقة بهما علی وجه لا سبیل منها للانکار، فاذا کان من شرط الخلافة ان لا یلبسها من اشترک فی دم عثمان فقد خسراها لانهما ممن اشترک اشتراکا فعلیا فی دم عثمان الأمر الذی قد حسب له معاویة و الأمویون الف حساب و حساب.
لقد ابعد الغرور الشیخین عن التفکیر فیما بیّته لهما معاویة من الخدیعة و الوقیعة و شغلهما حب السلطان عن مراقبة الفتنة التی رافقت الرکب من اول مسیرة فی شخص مروان، فما کاد یقترب وقت الفریضة حتی جاء مروان فی لباس العابد الورع یسأل طلحة و الزبیر علی أیهما یسلم بالأمرة و یؤذن للصلواة؟ فقال ولد الزبیر لأبی عبد اللّه یعنی اباه، و عارضه محمد بن طلحة قائلا: لابی محمد، یرید اباه، و تشاجر الولدان و فطنت للأمر ام المؤمنین فصاحت بمروان: ویلک أ ترید ان تفرق امرنا؟!! فلیصل بالناس ابن اخی عبد اللّه.
اننا نرید ان نستقصی الحوادث التاریخیة و انباء الفتن التی اثارتها امیة للوقیعة بالمسلمین و ابعاد الامام علی- ع- عن الحکم و موقف الامام علی- ع- و شیعته من الصراع الاموی فی غصب الخلافة و تحویلها الی ملک عضوض علی غرار ملک کسری و قیصر و انما نکتفی بالاشارة العابرة من التاریخ المتسالم علیه عند المسلمین و المفروضة صحته للوقوف علی الاسباب التی شددت من عزیمة انصار امیة و الاسباب التی زادت من ایمان شیعة علی و بالالتفاف حوله باعتباره رمزا للحق و مثلا اعلی للمبادی‌ء السلمیة، لقد و اصل الجمیع السیر الی البصرة فدخلوها قبل الامام علی، و بعد جدال و نزاع مع عامل علی- ع- علی البصرة و هو عثمان بن حنیف اتفقوا علی ان یرسلوا وفدا الی المدینة یسأل اهلها عن بیعة طلحة و الزبیر للامام علی و هل قد بایعاه کرها ام
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 346
مختارین؟ و قبل عودة الوفد هجم طلحة و من معه علی (عثمان بن حنیف) فی المسجد غیلة و قتلوا عددا من اصحابه و قبضوا علیه و استولوا علی قصر الامارة و بیت المال و ارادوا قتله فجاءت امرأة الی عائشة و قالت لها نشدتک اللّه فی عثمان فانه من اصحاب رسول اللّه- ص- فعدلت عن قتله، و امرت بحبسه بعد ان نتفوا لحیته، و حاجبیه، و اهداب عینیه، و وقف طلحة بعد ان قبض علی عثمان یخطب فی اهل البصرة قائلا: «یا اهل البصرة توبة لحوبة انا اردنا ان نستعتب امیر المؤمنین عثمان فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه» فاجابه الناس و لکن کتبک کانت تأتینا بغیر هذا؟
و لما بلغ حکیم بن جبلة ما جری لعثمان بن حنیف جاء الی عبد اللّه بن الزبیر و معه جماعة من قومه فطلب اخلاء سبیل عثمان و اعادته الی قصر الامارة حسب الاتفاق المعقود بین الطرفین و اطعامهم من بیت المال و قال له: ان دماءکم لنا اصبحت حلالا نقتل من قتلتم ففیم تستحلون الدم الحرام؟
قال له عبد اللّه: بدم عثمان، قال:! هل الذین قتلتموهم کانوا من قتلة عثمان؟ اما تخافون اللّه! فقال له عبد اللّه: لا نطعمکم من هذا الطعام و لا نخلی عن عثمان حتی تخلعوا علیا؟؟ فقال حکیم: اللهم انت حکم عدل فاشهد و قال لأصحابه: لست فی شک من قتال هؤلاء فمن کان فی شک من امرهم فلینصرف، فدارت المعرکة بین الفریقین قتل فیها عدد کبیر من الفریقین و قتل حکیم و ابنه الاشرف و اخوه کعب فقال طلحة و الزبیر الحمد للّه الذی ادرکنا ثارنا من اهل البصرة .
و عن جریر بن حازم عن محمد بن سیرین قال: ما علمت ان علیا اتهم بقتل عثمان حتی بویع فلما بویع اتهمه الناس و دارت المعرکة و قتل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 347
طلحة و الزبیر و اصیب عبد اللّه بثلاثین جرحا او اکثر و عقر الجمل و قتل من المسلمین عشرون الف من اصحاب الجمل و خمسمائة من اصحاب الامام و عاد الامام الی المدینة منتصرا کما عاد النبی- ص- بعد وقعة بدر و راحت امیة تستعد للمعرکة الثانیة فی (صفین) و لم یکن الامام لیغفل عن امرها فاستعد لها هو ایضا و بعد رجوعه دارت معرکة صفین بین الشیعة العلویة و علی رأسهم الامام علی، و بین العثمانیة و علی رأسهم معاویة. و البحث عن حوادث معرکة صفین یحتاج الی کتاب خاص لانه قد استمر اکثر من ثمانیة عشر شهرا وقعت فیها من الحوادث المؤسفة و المعارک الدامیة بسبب عداوة بنی امیة للهاشمیین و بسبب الظفر بالسلطان و الطمع بالنفوذ ما لیس له مجال فی هذه الموسوعة
ان الامر الذی یستحسن بحثه فی هذه المعرکة هو الالتباس الذی ساد اوساط المسلمین قدیما و لا یزال عالقا فی نفوس بعض المسلمین الیوم و هو ان الصراع فی هذه الحرب کان قد نشأ عن اجتهاد فریقین من المسلمین رأی بعضهم الحق فی قتال البعض الآخر فکان رائد الفریقین رائدا دینیا فللمصیب منهما فی اجتهاده اجران و للمخطی‌ء اجر واحد هذا الرأی الذی یقول الشیعة بفساده لان معرکة صفین من ألفها الی یائها بدأت علی ضلالة الخارجین علی الامام الشرعی علی بن ابی طالب- ع- و ختمت بضلال کل من اشترک فیها بجانب معاویة و أسف کل مؤمن ادرک صفین و لم یشترک مع علی- ع- فی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 348
قتاله لفئة معاویة التی ظهرت انها الفئة الباغیة التی نص القرآن علی وجوب قتالها بقوله تعالی (و قاتلو التی تبغی حتی تفی‌ء الی امر اللّه)
فمن الذین اسفوا لذلک کان عبد اللّه بن عمر و قد صح عنه انه قال:
(ما أسفت علی شی‌ء من امر الدنیا فاتنی الا ترکی قتال الفئة الباغیة مع علی) و هکذا أسف عبد اللّه بن عمر بن العاص لاشتراکه مع معاویه فی معرکة صفین
ان موقف الفریقین فی صفین کان یحکی موقف الفریق المؤمن و الفریق المشرک فی وقعة بدر الکبری، فقد کان عدد من شهد بدرا مع رسول اللّه- ص- 313 من المهاجرین و الانصار اشترک منهم مع علی و هم البقیة الباقیة ممن ادرک صفین 178 بدریا و قد استشهد منهم 63 نفرا بجانب علی- ع- کما اشترک مع علی فی معرکة صفین اکثر من نصف من بایع النبی- ص- بیعة الرضوان تحت الشجرة، فقد کان عدد من حضر الحدیبیة و بایع بیعة الرضوان من المهاجرین و الانصار 1400 رجل اشترک منهم ثمانمائة رجل مع علی فی معرکة صفین، کما شهد بجانب علی- ع- ضمن من شهد معرکة احد- و الاحزاب- و خیبر و الغزوات الأخری مع النبی- ص- عدد کبیر من المهاجرین و الانصار و کلهم شیعة علی و تابعوه، ا فیکون کل هؤلاء من الضالین و بنو امیة من المؤمنین؟. و نذکر منهم علی سبیل الاستشهاد و لیس الحصر ترجمة من ادرک خلافة علی- ع- من الصحابة الکرام و شهد حروبه الثلاثة الجمل- و صفین- و النهروان، ممن کان قد ادرک النبی- ص- و شهد حروبه فی- بدر- و أحد- و الاحزاب، و غیرها و لما کنا بصدد بیان «الصراع بین الشیعة العلویة و الشیعة العثمانیة» بعد مقتل عثمان و کنا قد اشرنا الی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 349
العناصر التی انضمت الی (العثمانیة) کما یقول صاحب کتاب (الدولة الامویة فی الشام) و وقفت بجانب معاویة فیجدر بنا ان نذکر اسماء هولاء الشیعة و الموالین لعلی من عهد النبی- ص- حتی ادرکوا خلافة علی و هم الطبقة الأولی من الشیعة العلویة مستندین علی مصادر- الاصابة- و الاستیعاب- و تاریخ الکامل لابن الأثیر. و کل هذه المصادر مصادر غیر شیعیة و بذلک نعطی القاری‌ء قکرة اجمالیة عن شیعة علی و انصاره و منزلتهم فی الدعوة الاسلامیة و منزلتهم من النبی- ص-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 350

الطبقة الاولی من رجالات الشیعة

1- ابو ذر الغفاری

هو جندب بن جنادة المشهور بکنیته: (ابو ذر) الصحابی الجلیل باتفاق المسلمین و الزاهد المشهور بین صحب النبی- ص- ذو اللهجة الصادقة و التشیع العمیق لعلی بن ابی طالب- اسلم فی مکة و اعلن اسلامه فی مسجد الحرام جهرة فی وسط قریش، فاجتمع علیه نفر منهم فأوسعوه ضربا و لکما و لم یخلصه من ایدیهم الا العباس بن عبد المطلب، ففی الحدیث عن النبی- ص- انه قال (أمرنی اللّه بحب اربعة و اخبرنی ان یحبهم:- علی و سلمان- و المقداد- و ابو ذر) و هو احد النجباء الاربعة عشر الذین انتجبهم و اصطفاهم رسول اللّه و فی الحدیث المتفق علیه عن رسول اللّه- ص- ما أظلت الخضراء و لا اقلت الغبراء علی ذی لهجة اصدق من ابی ذر. و عنه- ص- قال: ان ابا ذر یعیش وحده، و یموت وحده، و یحشر وحده، و عنه- ص-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 351
قال: ان ابا ذر فی امتی کعیسی فی الزهد، و کان ابو ذر داعیة التشیع لعلی- ع- و کان یسمی علیا بامیر المؤمنین فی عهد الخلفاء و الیه یرجع أثر التشیع فی بلاد سوریا و لبنان، و قد سبب له اخلاصه لعلی و ایمانه بالتشیع و تصلبه فی موالاة اهل البیت ان طاردته السلطات فی عهد عثمان مطاردة عنیفة، و لحقه من الاذی علی ید معاویة شیئا کثیرا. یقول ابن الأثیر فی الکامل فی حوادث سنة 30 ه و یقول الطبری (و فی هذه السنة کان ما ذکر من امر ابی ذر و اشخاص معاویة ایاه من الشام الی المدینة و ذکر فی سبب ذلک اسبابا کثیرة منها سب معاویة له و تهدیده بالقتل، و حمله الی المدینة من الشام علی بعیر بغیر و طاء یقیه من البرد، و الحر، و نقله من المدینة علی الوجه الشنیع کرهت ذکرها) و مما یؤید دعوته الی التشیع ص 24 و 25.
و یقول الشیخ مغنیة فی کتابه (الشیعة و التشیع) کان ابو ذر ینادی فی الناس و یقول: علیکم بکتاب اللّه و التشیع لعلی ابن ابی طالب- ع- و کان یدخل مکة و یتعلق بحلقة بابها و یقول: انا جندب بن جنادة لمن عرفنی و انا ابو ذر لمن لم یعرفنی، سمعت رسول اللّه- ص- یقول: انما مثل اهل بیتی منک مثل سفینة نوح من رکبها نجا و من تخلف عنها غرق و هوی ألا هل بلغت؟
و فی المصدر نفسه (ان ابا ذر کان یقول فی موسم الحج: یا معشر الناس سمعت رسول اللّه- ص- یقول: فی هذا المکان و الا صمّت اذنای: علی بن ابی طالب الصدیق الاکبر فیا ایتها الائمة المتحیرة بعد نبیها لو قدّمتم من قدّمه اللّه و اخرتم من أخره اللّه و رسوله، لما عال ولی اللّه و لا طاش سهم فی سبیل اللّه و لا اختلفت الامة بعد نبیها، و قد قال رسول اللّه- ص- لعلی: انت اول من أقرّبی و اول من یصافحنی یوم القیامة)
کان ابو ذر ممن یعلن التشیع و یدعو الناس الیه، و الی موالاة علی- ع-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 352
کما تقدم، لا سیما فی عهد عثمان الذی مهدت خلافته الطریق لاستیلاء امیة علی الحکم، و کان ابو ذر کغیره من الصحابة یرون فی استیلاء امیة علی الحکم انحرافا بالدین الی الجاهلیة العمیاء، و قلب الخلافة الاسلامیة التی دستورها الاسلام الی ملکیة کسرویة او قیصریة دستورها الحکم الفردی و الاستیلاء.
و لما کان التشیع مرکزا علی مبادی‌ء الدین الحنیف و المحافظة علی شریعة اللّه کما انزلها فی کتابه المجید و ما اوحی به الی نبیه الکریم کان ابو ذر یخشی ان ینحرف الأمویون بالدین عن قواعده، لذا کان موقفه من عثمان موقفا جریئا و صلبا فی معارضته، لا سیما فی اطلاق ایدی الامویین فی خیرات المسلمین، و ما یغنمونه فی الفتوحات و التصرف فی اموال بیوت المسلمین التی تتکون من الخراج و جبایة الزکاة حتی کانت اموالها اموالهم.
کان ابو ذر ممن لا یکذب اذا حدّث، و لا ینطق بالباطل اذا دعا، فکانت معارضته لعثمان لا تشبه معارضة غیره لانصرافه عن الدنیا و ما فیها من المتع و الملاذ کما یحدثنا هو عن نفسه: «ان بنی امیة تهددنی بالفقر و القتل و بطن الأرض أحبّ الی من ظهرها، و الفقر احب الی من الغنی» قال له عثمان: کن عندی تغدو علیک و تروح اللقاح، فاجابه لا حاجة لی فی دنیاکم
لم یکن ابو ذر لیلهج بالآیة الکریمة و الذین یکنزون الذهب و الفضة و لا ینفقونها فی سبیل اللّه الخ فی عهد رسول اللّه- ص- و لا فی عهد ابی بکر (ض) و لا فی خلافة عمر (ض)، و لم یعارض احدا منهم و لم یطلب من عثمان ان یأخذ اموال الاغنیاء و یفرقها علی الفقراء، و کان یعارض عثمان لأنه ترک سنّة من قبله، لقد شاهد ابو ذر الخلیفة عمر (ض) یخطب و علیه ثوب فیه اثنتا
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 353
عشرة رقعة و شاهد الخلیفة عثمان (ض) یملک وحده ثلاثین الف الف درهم من الفضة، و خمسمائة الف و خمسین و مائة الف دینار من الذهب و وجده یعطی مروان صفقة واحدة خمس افریقیا و یؤثره علی الجند المحارب فی سبیل فتحها، و رأی معاویة یستأثر وحده بخیرات الشام، و الاردن، و فلسطین، و سلط علی رقاب المسلمین آل ابی معیط و لم یکن لهم سبق فی الاسلام و لا سابق فی الخیرات.
کان ابو ذر یعارض حکومة عثمان التی جعلت من المسلمین طبقتین مختلفتین طبقة فقیرة لا أمل لها فی القرص، و لا عهد لها فی الشبع، و طبقة ارستقراطیة تتمتع بکافة الخیرات و هم حاشیته و اقرباؤه و المحسوبون علیه و المنسبون الیه.
یقول الدکتور طه حسین فی کتابه (علی و بنوه) ص 98 و 99
«کان ابو ذر یعارض عثمان معارضة شدیدة لتصرفه فی اموال المسلمین کأنها امواله، و لکنه لم یحرک یده و انما کان لسانه سلاحه الوحید، و کان یقول: لو صلبنی عثمان علی أطول جذع من الجذوع لما غضبت»
و کان ابو ذر فی الشام یشاهد تصرفات معاویة اللادینیة فیأتی الی باب قصره و یتلو: (الذین یکنزون الذهب و الفضة الخ) لأنه کان یری بأن معاویة یخالف تعالیم الاسلام و یخرج علی سنة الخلفاء و یکنز الذهب و الفضة.
یقول الیعقوبی فی کتابه تاریخ البلدان ج 7 ص 296 و ابن عبد البر فی (الاستیعاب) فی ترجمة الحکیم بن عمرو «ان زیاد کتب الی الحکیم بن عمرو الغفاری عامله علی خراسان ابان فتح کورها ان امیر المؤمنین معاویة کتب الی ان اصطفی له البیضاء و الصفراء فلا تقسمن شیئا من الذهب و الفضة، فلم یلتفت الیه.»
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 354
و اشتدت معارضته لمعاویة لما أوّل معاویة قول اللّه (الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ و قال بانها نزلت فی أهل الکتاب و لا یشمل حکمها المسلمین، فاخذ ابو ذر یرددها و یرددها علی باب قصر معاویة و فی کل مکان لئلا ینخدع المسلمون بتأویل معاویة لحکم الآیة الکریمة فینصرفوا فی انفاق ما رزقهم اللّه فی جهة دون جهة اخری، لقد کان یرید من معاویة ان یفرق ما کنزه لنفسه من اموال المسلمین، ان ابا ذر لم یحمل الناس علی الثورة و لم یکن لیرید من الفقراء ان یبطشوا بالاغنیاء و لا ینهبوا اموالهم و یستولوا علی ما رزقهم اللّه من الرزق الحلال. ان من التجنی علی ابی ذر الصحابی الجلیل الذی لم یجد فی عز الاسلام نظاما یصلح للدنیا و الآخرة ان یتهم بالمذاهب المخالفة للاسلام فی شریعته و احکامه. و کان الامام علی- ع- یحب أبا ذر، و یحترم مقامه، و احترامه هذا و حبه له، حمله علی ان لا یستمع لنداء عثمان بتحریم تشییع ابی ذر لما نفاه الی (الربذة) و جرت بینه و بین مروان فی ذلک شجار بقیت اقوال ابو ذر و معارضته لبنی امیة و علی رأسهم عثمان و معاویة حدیث المسلمین فی کل مکان،

2- سلمان الفارسی

ابو عبد اللّه سلمان الفارسی او سلمان الخیر او سلمان المحمدی قال رسول اللّه- ص- (سلمان منا اهل البیت) و هو احد النجباء. قالت السیدة عائشة: کان لسلمان مجلس من رسول اللّه- ص- ینفرد فیه باللیل کان یغلبنا علی رسول اللّه- ص- و هو احد الأربعة الذین اشتاقت لهم الجنة قال رسول اللّه- ص- اشتاقت الجنة الی اربعة: علی، و سلمان، و عمار، و بلال، و هو احد الذین یغضب اللّه لغضبهم، و فی الاستیعاب ان ابا سفیان مر علی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 355
سلمان و صهیب، و بلال، فی جماعة فقالوا ما اخذت سیوف اللّه من عنق عدو اللّه؟ فسمعهم ابو بکر فقال: أ تقولون هذا لشیخ قریش و سیدها؟
و جاء الی النبی- ص- فأخبره فقال النبی- ص- لأبی بکر لعلک أغضبتهم لئن کنت اغضبتهم فقد اغضبت ربک جل و علا، فأتاهم ابو بکر فقال لعلی- ع- أ أغضبنکم ایها الأخوة؟ فقالوا: لا، یغفر اللّه لک یا ابا بکر.
کان سلمان من الشیعة الاوائل و تشیعه لعلی کان من ایمان، و صدق، و یقین فقد کان یحدث الناس و یقول «بایعنا رسول اللّه علی النصح للمسلمین و الائتمام بعلی بن ابی طالب و الموالاة له و قد قال رسول اللّه لعلی انت وصیی و خلیفتی من اهلی بمنزلة هارون من موسی اما و اللّه لو و لیتموها علیا لأکلتم من فوقکم و من تحت ارجلکم»
قصد سلمان المدینة فوقع فی الاسر و بیع فی المدینة، و لما جاء النبی- ص- الیها اشتراه فی حدیث طویل، و اشترک فی مشاهد الرسول- ص- کلها و لما توفی النبی- ص- لازم علیا و امتنع عن بیعة ابی بکر کما تقدم، لأنه کان ممن یؤمن بامامة علی- ع- و کان سلمان ینفق عطاءه البالغ خمسة آلاف و هو عطاء اهل بدر و یعیش بکد یده، ولاه عمر (ض) علی المدائن و مات فیها 36 ه.

3- عمار بن یاسر

ابو الیقظان عمار بن یاسر بن مالک بن کنانة حلیف بنی مخزوم من السابقین الی الاسلام هو و ابوه یاسر، و امه سمیة، و حدیث تعذیبهم علی ایدی المشرکین بعد ان اسلموا حدیث ذو شجون، کان النبی- ص- یمر علیهم و هم یعذبون فیقول- ص- (صبرا آل یاسر فموعدکم الجنة) قال رسول اللّه- ص-: (عمار جلدة ما بین عینی) و هو احد النجباء. عن خالد بن
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 356
الولید المخزومی قال کان بینی و بین عمار کلام و غلظت له فشکانی عند رسول اللّه- ص- فقال رسول اللّه: «من عادی عمار عاداه اللّه، و من ابغض عمار أبغضه اللّه» استأذن یوما بالدخول علی النبی- ص- فلما سمع صوته قال- ص- (مرحبا بالطیب المطیب) بعثه الخلیفة عمر والیا علی الکوفة و بعث معه ابن مسعود فکتب الی اهل الکوفة (بعثت الیکم عمار أمیرا و ابن مسعود وزیرا و هما من النجباء)
اشترک عمار فی حروب رسول اللّه- ص- فشهد (بدرا) و أبلی فیه بلاء حسنا و قتل فی صفین مع علی- ع- عن عبد الرحمن بن بزی السلمی قال:
«شهدنا مع علی- ع- صفین فرأیت عمار بن یاسر لا یأخذ فی ناحیة و لا واد من اودیة صفین الا رأیت اصحاب محمد- ص- یتبعونه کانه علم لهم، و سمعت عمار یقول لهاشم بن عتبة: تقدم، الجنة تحت الابارقه، الیوم القی الاحبة، محمدا و حزبه، و اللّه لو هزمونا حتی بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا علی الحق و انهم علی الباطل ثم انشد:
نحن ضربناکم علی تنزیله‌و الیوم نضربکم علی تأویله
فلم ار اصحاب محمد قتلوا فی موطن من قتلوا یومئذ، لقد شهد من اصحاب محمد (ص) ممن بایع بیعة الرضوان تحت الشجرة ثمانمائة صحابی قتل منهم ثلثمائة و ستون نفرا» کان شدید الاخلاص لعلی (ع) و قال یوم بایع الناس لعثمان: یا معشر قریش الی متی تصرفون هذا الامر عن اهل بیت نبیکم؟ تحولون هنا مرة و هنا مرة، ما انا آمن ان ینزعه اللّه منکم و یضعه فی غیرکم کما نزعتموه من اهله و وضعتموة فی غیر اهله، حوادث سنة 23 لأبن الاثیر.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 357

4- المقداد بن عمر

المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالک النهرانی الحضرمی، اشتهر باسم خلیفة الاسود الکندی و الذی تبناه کان احد الرجال السبعة الذین سبقو الی الاسلام اولهم الامام علی و هو احد النجباء الذین اصطفاهم النبی (ص) واحد الاربعة الذین قال النبی ان اللّه یحبهم، و احد الصحابة الذین امتنعوا عن بیعة ابی بکر حتی بایع الامام علی، خطب المقداد من عبد الرحمن بن عوف ابنته فغضب، و لما بلغ النبی (ص) ذلک زوجه من ابنة عمه ضباعة بنت الزبیر بن عبد المطلب، کان احد فرسان (بدر) و لما وقف النبی (ص) فی طریقه الی بدر یستشیر اصحابه فی قتال المشرکین بعد ان فلتت عیر قریش و خرج اهل مکة لقتاله قال المقداد للنبی (ص) انا لا نقول مقالة الیهود لموسی: (اذهب انت و ربک فقاتلا انا ههنا قاعدون) لکنا نقول لک یا رسول اللّه (اذهب انت و ربک فقاتلا انا معکما مقاتلون) فاستبشر النبی (ص) و سر لقوله و کانت غزوة (بدر) و کان النصر المبین، و کان تشیع المقداد لعلی مدة حیاته فی الاسلام مشهور و موقفه یوم بیعة عثمان و مطالبته البیعة لعلی (ع) معلومة، کان فی مقدمة المجاهدین فی مشاهد رسول اللّه (ص) کلها، و کان قوی الایمان بتشیعه لعلی حتی انه یوم بویع عثمان غضب و راح یعاتب عبد الرحمن بن عوف و دار بینهما النقاش التالی:
المقداد-: ما رأیت مثل ما اوتی اهل هذا البیت بعد نبیهم؟
قال عبد الرحمن-: ما انت و ذاک؟
قال المقداد-: أما و اللّه لقد ترکت رجلا من الذین یقضون بالحق و یعدلون فقال عبد الرحمن-: یا مقداد اتق اللّه فاننی اخاف علیک الفتنة
فقال رجل للمقداد: رحمک اللّه من اهل هذا البیت؟ و من هذا الرجل؟
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 358
قال-: أهل البیت بنو عبد المطلب، و الرجل علی بن ابی طالب
قال عبد الرحمن-: لقد اجهدت نفسی فی امرکم
قال المقداد-: لو کان لی علی قریش اعوان لقاتلتهم قتالی یوم بدر، و أحد عن ابن الاثیر حوادث سنة 23 ه

5- حذیفة بن الیمان

من عیون الصحابة و صاحب سر النبی (ص) فقد روت الاخبار الدینیة ان النبی قد اعلمه بالمنافقین، و کان عمر ینظر الیه عند موت احدهم فاذا حضر حذیفة جنازته حضرها هو و الا تخلف عنها، کان من الفرسان الابطال فی یوم احد، و الخندق، و له مواقف حسنة اشترک فی الجهاد بعد رسول اللّه (ص) و هتم علی یده فتح همدان، و الری، و الدنیور؛ کان من الموالین لعلی (ع) و القائلین بامامته و تخلف عن بیعة ابی بکر کما تقدم، و قتل له ولدان بصفین هما صفوان، و سعید، مات فی اول خلافة علی (ع) و لم یدرک حروبه.

6- خزیمة بن ثابت الانصاری

خزیمة بن ثابت بن فاکهة بن ثعلبة الانصاری المعروف بذی الشهادتین سماه بذلک رسول اللّه (ص) یوم عد شهادته شهادتین، فاشتهر بهذا اللقب و هو من کبار الصحابة و السابقین للاسلام، و کان صاحب رایة خطیة یوم (الفتح) و شهد (بدرا) و المشاهد کلها مع رسول اللّه (ص) و اشترک مع علی (ع) فی حرب الجمل، و قتل بصفین بجانب علی (ع) و کان احد الذین تخلفوا عن بیعة ابی بکر و وقفوا بجانب علی (ع).

7- الخباب الخزاعی

الخباب الخزاعی سادس من اسلم، واحد المعذبین علی ید المشرکین فی مکة و هو من رواة الحدیث الموثقین، واحد الاثنی عشر من
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 359
الصحابة الذین شهدوا (للامام) بانهم حضروا یوم (الغدیر) و سمعوا مقالة النبی (ص) (من کنت مولاه فعلی مولاه اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه) و عدّه صاحب (الاستیعاب) فی ترجمة عامر بن وائلة المکنی بأبی طفیل من الذین یقدمون علیا علی الشیخین و یفضلونه و هم: سلمان- ابو ذر- المقداد- خباب بن الارث- جابر بن عبد اللّه الانصاری، ابو سعید الخدری و قد شهد الخباب بدرا و المشاهد کلها مع رسول اللّه (ص) و لازم علیا و مات فی خلافة الامام علی (ع) فی الکوفة سنة 37 و صلی علیه الامام.

8- ابو سعید الخدری

سعد بن مالک بن سنان المشهور بکنیته ابی سعید الخدری من کبار الصحابة و احفظهم للحدیث، کان اول مشهد له مع رسول اللّه فی وقعة (الاحزاب) و قد ورد ذکره فیمن یقدم علیا علی الشیخین و یفضله، مات سنة خمس و ستین.

9- ابو الهیثم ابن التیهان

ابو الهیثم بن مالک بن عتیک الانصاری الاوسی شهد بیعة العقبة و یقال انه کان اول من اسلم و بایع النبی (ص) و هو احد نقباء عبد الأشهل شهد مع النبی (ص) مشاهده کلها و شهد مع علی (ع) حرب البصرة و قتل (بصفین) مع اخیه عتیک تحت رایة الامام علی (ع) تألم الامام علی علی فقده کثیرا لانه کان فی طلیعة المسلمین زاهدا عابدا شجاعا زعیما بلا منازع.

10- قیس بن سعد بن عبادة

ابو الفضل او ابو عبد اللّه قیس بن سعد بن عبادة الخزرجی الانصاری، من اشراف الصحابة کان احد فضلاء الصحابة من اهل الرأی و المکیدة فی الحرب مع النجدة، و الشجاعة، و السخاء، و کان شریف قومه بلا منازع،
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 360
و کان ابوه وجده کذلک، و یعد من دهاة العرب، قال البخاری: کان من النبی- ص- بمنزلة صاحب الشرطة من الامیر، و فی الصحیح عن جابر قال: کان قیس فی جیش المسرة ینحر، و یطعم، حتی استدان بسبب ذلک فنهاه آمر الجیش ابو عبیدة، و من شواهد جوده و سخائه ان استقرض منه احدهم ثلاثین الفا و لما ردّه علیه لم یقبل ان یأخذه، و قال رسول اللّه- ص- الجود شیمة اهل ذلک البیت، صحب قیس الامام علیا و کان من خواص اصحابه، ولّاه علی علی مصر فاحتال علیه معاویة فلم ینخدع، و اشترک مع علی بصفین، و بعد مقتل الامام لازم قیس الامام الحسن- ع- و کان احد قواده الأشداء و لما صالح الامام معاویة أصرّ قیس علی محاربة معاویة فلم یبایع له الا بعد مدة و رجع قیس الی المدینة فاقام بها حتی توفی، و کانت وفاته فی آخر خلافة معاویة و ستأتی الاسباب التی اختلقها معاویة لابعاده عن مصر و خلق الشک فی نفوس کبار القادة و المخلصین لعلی بن ابی طالب.

11- انس بن الحرث

انس بن الحرث بن نبیه قال البخاری: قتل مع الامام الحسین- ع- فی کربلاء، و کان انس قد ادرک وقفة کربلاء، و استشهد فیها مع الامام الحسین، و کان انس ممن امتنع عن بیعة ابی بکر، و تحصن فی دار فاطمة- ع- کما فی الاصابة.

12- ابو ایوب الانصاری

خالد بن زید بن کلاب المشهور بابی ایوب الانصاری من السابقین فی الاسلام و من ثقاة الرواة و المحدثین عن رسول اللّه- ص- و روی عنه جماعة من الصحابة، استضافه النبی- ص- لما وقف بعیره علی باب داره فی المدینة و مکث رسول اللّه فی بیته حتی اکمل بناء مسجده، و بیوت زوجاته، اشترک مع رسول اللّه- ص- فی المشاهد کلها، و لما ولی علی الخلافة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 361
استخلفه علی المدینة لما خرج الی العراق، ثم لحق به و کان معه فی حروبه کلها.

13- جابر بن عبد اللّه الانصاری

جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن کعب بن غنم بن سلمة الانصاری الصحابی الجلیل، و العالم الفقیه، شهد مع ابیه بیعة العقبة و اشترک مع النبی (ص) فی بدر، و أحد، و مشاهده الاخری، کان من التابعین لاهل البیت و الموالین لعلی (ع) استغفر له رسول اللّه خمس عشرة مرة، و کان مع علی فی حروبه کلها شهد وقعة الجمل، و صفین، و النهروان، و عاش الی عهد عبد الملک بن مروان و کان له فی مسجد النبی- ص- فی المدینة حلقة تأخذ عنه العلم ادرک من ائمة اهل البیت علیا و الحسن و الحسین، و علی بن الحسین، و محمد بن علی الباقر و مات فی المدینة و هو اول من زار الامام الحسین (ع) فی کربلاء بعد اربعین یوما من وفاته و زیارته هذه من الزیارات المشهورة عند شیعة اهل البیت (ع) و کان جابر احد الذین یقدمون علیا علی الشیخین کما تقدم.

14- هاشم المرقال

قال صاحب الاستیعاب فی ترجمته: هاشم بن ابی وقاص، و کان یعرف بهاشم الخیر القرشی الزهری ابن اخ سعد بن ابی وقاص فاتح جلولاء و قائد جیشها و کان فتح جلولاء بعد فتح الفتوح، غنم المسلمون فیها ثمانیة عشر الف الف، کان یکنی بابی عمرو، و یلقب بالمرقال، و بهاشم الخیر، و کان من الفضلاء الخیار، و کان من الابطال، فقئت عینه فی (الیرموک) ثم ارسله عمر من الیرموک مع خیل العراق الی سعد و کتب الیه بذلک فشهد القادسیة و أبلی فیها بلاء حسنا، و قام فی ذلک الیوم بما لم یقم به احد، و کان هو سبب الفتح للمسلمین، و کان فاضلا خیرا شهد مع علی حروبه فی الجمل، و صفین، و کانت
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 362
و ایة علی علی الرحالة بیده فی صفین و روی فی الاستیعاب و ابن حجر فی الاصابة عن طریق الاعمش عن عبد الرحمن السلمی قال رأیت عمار بن یاسر، و هاشم بن عتبة و هو یرتجز و یقول:
أعور یبغی اهله محلاقد عالج الحیاة حتی ملّا
لا بدّ ان یغلّ او یغلّا ثم اخذا فی واد من اودیة صفین فما رجعا حتی قتلا، و روی المصدر نفسه فی ترحمته لما جاء خبر قتل عثمان الی اهل الکوفة قال هاشم لأبی موسی الأشعری: تعال یا ابا موسی بایع لخیر هذه الأمة علی، فقال: لا تعجل، فوضع هاشم یده علی الاخری و قال: هذه لعلی و هذه لی و قد بایعت علیا، و انشد:
ابایع غیر مکترث علیاو لا اخشی امیرا اشعریا
ابایعه و اعلم ان سأرضی‌بذاک اللّه حقا و النبیا
روی ابن الاثیر فی حوادث سنة 37 (حرب صفین)
«ان هاشما استدعی الناس عند المساء و قال من کان یرید اللّه و الدار الآخرة فالی، فأقبل الناس الیه فحمل علی اهل الشام مرارا و قاتل قتالا شدیدا فبینما هو کذلک اذ خرج علیهم شاب من اهل الشام و هو یرتجز
و حمل علی الناس و هو یشتم و یلعن، فقال له هاشم: یا هذا ان هذا الکلام بعده الخصام، و ان هذا القتال بعده الحساب، فاتق اللّه فانه سائلک عن هذا الموقف و ما أمرت به. قال:
انی أقاتلکم لأن صاحبکم لا یصلی و انتم لا تصلون و ان صاحبکم قتل خلیفتنا و انتم ساعدتموه علی قتله! ... فقال له هاشم: ما انت و عثمان؟ الخ ثم قال: و اما قولک ان صاحبنا لا یصلی فانه اول من صلی و أفقه خلق اللّه
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 363
فی الذین و اولی برسول اللّه- ص- و اما کل من تری معی فکلهم قاری‌ء لکتاب اللّه لا ینام اللیل تهجدا فلا یغوینک هؤلاء الاشقیاء فقال الفتی: هل لی من توبة؟ قال نعم تب الی اللّه یتوب علیک فانه یقبل التوبة عن عباده و یعفو عن السیئات، فرجع الفتی الی جانب علی و قال له اهل الشام:
خدعک العراقی فقال کلا و لکن نصح لی» ابن الاثیر

15- محمد بن ابی بکر

و محمد هذا ولد ابی بکر (ض) بن ابی قحافة الخلیفة الاول من زوجته اسما بنت عمیس التی کانت تحت جعفر بن ابی طالب و هاجرت معه و ولدت من صلبه عبد اللّه بن جعفر فی الحبشة و استشهد جعفر فتزوجها ابو بکر و ولدها محمدا و بعد وفاة ابی بکر تزوجها الامام علی- ع- یقول ابن ابی الحدید فی المجلد الثانی- ج 7 ص 32 طبع دار الفکر ببیروت: ان محمد بن ابی بکر ربیب علی و خریجه و کان جاریا عنده مجری اولاده، رضع الولاء بالتشیع منذ زمن صباه فنشأ علیه فلم یکن یعرف له ابا غیر علی- ع- حتی قال علی: ان محمدا ولدی من صلب ابی بکر، و کان یکنی بأبی القاسم کنّته بذلک اخته السیدة عائشة کما یقول الکثیر من المورخین، و قد اولد محمد ابنه القاسم و کان القاسم فقیه اهل الحجاز فی زمانه و اولد القاسم عبد الرحمن و ام فروة فکان عبد الرحمن من فضلاء قریش و تزوج الامام الباقر محمد بن علی بن الحسین (ع) ام فروة و اولدها الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) و قد مدح السید الرضی ام فروة بقصیدة طویلة مطلعها:
یفاخرنا قوم بمن لم نلدهم‌یتیم اذا عد السوابق او عدی
و یقول بمدح النبی (ص) و علی (ع) فی ختامها
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 364 فجدی نبی ثم جدی خلیفةفاکرم بجدینا عتیق و احمد
و ما افتخرت بعد النبی بغیره‌ید صفقت یوم البیاع علی ید
روی ابن عبد البر فی الاستیعاب ان علی بن ابی طالب کان یثنی علی محمد بن ابی بکر و یفضله لانه کانت له عبادة و اجتهاد و ان رایة علی یوم الجمل کانت بیده علی الرحالة و اشترک مع الامام فی (صفین) و ولاه علی (ع) علی مصر بعد ان عزل عنها قیس بن سعد بن عبادة الانصاری، فسار الیه عمرو بن العاص فی جیش من اهل الشام فاقتتلوا حتی بقی محمد و جده فلجأ الی خربة کانت بالقرب منه و لما عثر به احرقه فیها معاویة بن خدیج، و قیل جاؤا به اسیرا فقتله عمرو صبرا، و قیل لما جاءوا به ادخله معاویة بن خدیج فی جوف حمار و احرقه و حرمت اخته السیدة عائشة علی نفسها أکل اللحم المشوی، و کانت تدعو عقب الصلاة علی معاویة و عمرو بن العاص.
اتهم محمدا جماعة من الرواة بانه اشترک فی قتل عثمان و اعتبروه ممن اشترک فی دمه و یقول عبد البر، ان جماعة من اهل العلم نفوا اشتراکه فی دم عثمان.
و لما وجه الامام علی محمدا الی البصرة زوّده بکتاب قیّم کان منهاجا لامارته، و دستورا لحکمه، و دروسا فی تهذیب النفس و الاخلاق الفاضلة، و الآداب الحسنة اورده ابن ابی الحدید المعتزلی فی شرح النهج ص 39 و 40 و 42 و 43 و یقول ابن ابی الحدید: ان هذا الکتاب و بقیة کتب محمد لما قتل استولی علیها عمرو بن العاص و ارسلها الی معاویة و کان معاویة ینظر فی هذا الکتاب و یتعجب منه، و قال الولید بن عقبة و کان عند معاویة و رأی اعجابه بهذا الکتاب فقال لمعاویة مر بهذا الکتاب ان یحرق فقال له معاویة صه لا رأی لک ... فقال الولید: أ فمن الرأی ان یعلم الناس ان احادیث ابی تراب عندک تتعلم فیها؟ فقال معاویة: ویحک أ تأمرنی ان أحرق علما
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 365
کهذا؟ و اللّه ما سمعت بعلم هو اجمع منه و لا احکم، فقال له الولید ان کنت تعجب من علمه و فضله فلم قاتلته؟ فقال لو لا انه قتل عثمان لأخذنا عنه،
یقول ابن ابی الحدید فی المصدر نفسه فلم تزل هذه الکتب فی خزائن الامویین حتی ولی الخلافة عمر بن عبد العزیز فأظهرها و احتمل ابن ابی الحدید ان یکون هذا الکتاب الذی أعجب به معاویة هو عهد الامام علی- ع- لمالک الاشتر، و الحدیث عن محمد بن ابی بکر حدیث طویل فی فضله، و شجاعته، و ایمانه، و تقواه، و تفانیه فی سبیل علی و آل علی و من اراد المزید فلیراجع شرح النهج صفحة 39 الی صفحة 56 من المجلد الثانی طبع دار الفکر.

16- مالک الاشتر

المعروف بلقبه هو بن الحرث النخعی یعرّفه لنا الامام علی فی کتاب عهده الیه لما ولاه مصر:
«الی من بمصر من المسلمین سلام اللّه علیکم فانی احمد اللّه الیکم الذی لا اله الا هو اما بعد: فقد بعثت الیکم عبدا من عباد اللّه لا ینام ایام الخوف، و لا ینکل عن الاعداء حذار الدوائر، لا تأکل من قدم، و لا واه فی عزم، من أشد عباد اللّه بأسا، و ألزمهم حسبا، اضر علی الفجار فی حریق النار، و ابعد الناس من دنس و عار، و هو مالک بن الحرث الأشتر، حسام صارم لا نابی الضریبة، و لا کلیل الحد، حلیم فی السلم، رزین فی الحرب، ذو رأی أصیل، و صبر جمیل، فاسمعوا له و أطیعوا أمره، فإن أمرکم بالنفر فانفروا، و ان أمرکم ان تقیموا فاقیموا، فانه لا یقدم و لا یحجم الا بامری، و قد آثرتکم به علی نفسی، نصیحة لکم، و شدة شکیمة علی عدوکم، الخ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 366
و کان الامام علی (ع) یقول کان لی مالک کما کنت لرسول اللّه و لما قضی معاویة علیه بالسم خطب معاویة فی جمعه فقال: کان لعلی یدان قطعنا احدیهما و هو عمار بن یاسر فی صفین و قطعنا الاخری الیوم
و قصة قتله من الامور المتفق علیها تقریبا عند المؤرخین و هی لما بلغ معاویة تولیة الاشتر مصر اشتد الامر علیه و راح یفکر بالقضاء علیه قبل ان یصل انی مصر فکتب الی عامل خرجه علی بحر القلرم ای (میناء العقبة) ان یقاتله فلما قدم علیه رحب هذا به و ادخله داره و عرفه ان لدیه الطعام و العلف فبات عنده فسقاه شربة من العسل المسموم، و کان معاویة یقول لأصحابه ان علیا ولیّ الاشتر علی مصر فادعوا علیه بالموت، فراح اصحابه یدعون علیه عقب کل صلواة، و لما جاء الیه خبر موته صعد المنبر فحمد اللّه و قال، لقد استجاب اللّه دعاءکم و أمات الاشتر، ففرحوا بذلک و قیل ان معاویة ارسل رجلا من قبله لیسمه فی الطریق بأیة وسیلة و اختلف الرواة فی کیفیة دس السم له، و المشهور انه سم بالعسل للمثل المشهور عن معاویة (ان للّه جنودا من عسل) قالها متهکما بعد اغتیال مالک الاشتر
و لما بلغ نبأ اغتیال مالک علیا أسف أسفا شدیدا، و حزن علیه حزنا عظیما، و قال: للّه در مالک، و ما مالک لو کان جبلا لکان فندا، و لو کان حجرا کان صلدا، اما و اللّه لیهدن موتک عالما و لیفرحن عالما، علی مثل مالک فلتبک البواکی، و قال علقمة بن قیس النخعی فما زال علی یتلهف و یتأسف حتی ظننا انه المصاب به دوننا و عرف ذلک فی وجهه.

17- مالک بن نویرة

یقول ابن خلکان فی ترجمة و ثیمة بن موسی الوشاء: کان مالک بن نویرة سریا نبیلا یردف الملوک (ای ولی العهد الذی یخلف الملک) و هو الذی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 367
یضرب به المثل فیقال: مرعی و لا کالسعدان، و ماء لا کالصداء، (و فتی لا کمالک)
کان ابن نویرة هذا فارسا کریما شاعرا ذا غیرة و نجدة للممسک بعنان فرسه، فاذا سمعه بهیمة طار الیها، وفد علی النبی- ص- فاسلم و ولاه صدقات قومه، و لما ارتدت العرب بعد النبی- ص- بمنع الزکاة کان مالک من جملتهم فاحذ زکاة منهم فوزعها، فقال مالک لخالد بن الولید انی آتی بالصلواة دون الزکاة فتجادلا طویلا فقال له خالد انی قاتلک قال أو بذلک امرک صاحبک یعنی أبا بکر؟ (ض)
فقال خالد و اللّه لأقتلنک فقال مالک: ابعثنا الی ابی بکر فیکون هو الذی یحکم فینا فقد بعثت الیه غیرنا من هو جرمه اکبر من جرمنا فأبی خالد؟ و کان عبد اللّه بن عمر و ابو قتادة الانصاری حاضرین فکلّما خالدا فی امره، فکره کلامهما، فالتفت مالک الی زوجته ام متمم قال: هذه التی قتلتنی و کانت فی غایة الجمال فقال خالد بل اللّه قتلک فقال مالک انا: علی دین الاسلام، فقال خالد: یا ضرار اضرب عنقه فضرب عنقه و جعل رأسه أثفیة القدر و کان من اکثر الناس شعرا فکان القدر علی راسه حتی نضج الطعام.
و قبض خالد امرأة مالک و طلب من ابن عمر و ابی قتادة ان یحضرا النکاح فأبیا فقال له ابن عمر: اکتب الی ابی بکر و اذکر له امرها فأبی و تزوجها. لقد قال مالک: حقا ان زوجتی هی التی قتلتنی لأن خالدا کان یهواها من قبل. ذلک ما یقوله ابن خلکان: ان زهیر السعدی أنشد فی ذلک:
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 368 قضی خالد بغیا علیه لعرسه‌و کان له فیها هوی قبل ذالکا
فأمضی هواه خالد غیر عاطف‌عنان الهوی عنه و لا متماسکا
و قال ابن خلکان و لما بلغ ابا بکر و عمر نبأ قتله قال عمر (ض): ان خالدا قتل مسلما فاقتله، و انه زنی فارجمه، فقال ابو بکر (ض):
ما کنت اقتل رجلا او ارجمه لانه تأول و اخطأ، فقال له عمر: اعزله، فقال: ما کنت لاشیم سیفا سله اللّه علیهم، و قد روی هذا الخبر (النص و الاجتهاد ص 61) (مجمع الأمثال ص 78 ج- 2) (تاریخ ابن خلکان ج- 2 ص 172) (ایام العرب ص 160).
و کان فی عهد ابی بکر لخالد لما ارسله لقتال اهل الردة: (اذا غشیتم دارا من دور الناس فسمعتم فیها اذانا للصلوة فأمسکوا عن اهلها، حتی تسألوهم عما نصحوا، و ان لم تسمعوا اذانا فشنوا الغارة علیهم فاقتلوا، و احرقوا) و اکثر المؤرخین حین رووا ان مالک قال لخالد اننی ما ارتددت عن الاسلام و شهد بذلک ابو قتادة الانصاری الذی حلف ان لا یخرج فی قتال مع خالد و قبل شهادته عمر (ض) و اصبح من ألد خصوم خالد، و کان من اقواله لأبی بکر بعثت رجلا یقتل المسلمین، و یحرق بالنار، و ذکر البعض من المؤرخین ان خالدا لما قدم الی قبیلة مالک و وجدهم مسلحین قال لهم: ما هذا السلاح؟ فاجابه (مالک) و لما ذا انتم مسلحون؟ فطلب منهم وضع السلاح، و أمّنهم، و دخل جیشه فی بیوت اهل القریة ثم انقضوا علی الذین استضافوهم فکل واحد منهم قتل صاحبه بغتة بعد نصف اللیل، و کان من الذین سخطوا علی خالد جماعة من الصحابة منهم طلحة بن عبید اللّه الذی جاء یؤید طلب عمر (ض) عند ابی بکر فاعتذر له بانه تأول فأخطأ، فرد السبی و اودی دیة (مالک) من بیت المال فأضاف (الجمحی) صاحب طبقات
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 369
فحول الشعراء (ص- 170) ان عبد اللّه بن عمر کلم خالدا بعد شهادة ابی قتادة فی (مالک) و اصحابه فقال له: یا ابا عبد الرحمن اسکت عن هذا الامر فانی أعلم ما لا تعلم، و امر ضرار فضرب عنق مالک، و من المتفق علیه ان ابا بکر (ض) قد امر خالدا ان یفارق زوجة مالک، و یقول (العقاد) فی کتابه عن ابی بکر فی عدم تطبیق الحکم الشرعی الذی أشار به الیه عمر (ض) فقال: «فهو ای ابا بکر کان یؤثر اللین لأنه فی عامة احواله مطبوع علیه ما لم یمسّه الامر فیما یثیر» و هنالک قصة مالک توردها التواریخ بالتفصیل فی کثیر من الکتب کالطبری فی (ج- 2- ص 502) و ابو الفداء فی ج- 1- ص 166) و (البدایة و النهایة ج- 6- ص 322) و (فتوح البلدان ص 105) و (ابن خلدون فی تاریخه ج- 2 ص 73) و (خزانة الأدب ج 2 ص 21) و (معجم الشعراء للمرزبانی ص 260) و (طبقات فحول الشعراء ص 170) و (الفتوحات الاسلامیة ج 1 ص 10) و (تاریخ الخمیس ج 2 ص 209) و (اسد الغابة ج 4 ص 295) و (الاصابة فی ترجمته ج 3 ص 323) و (الاغانی جزء 15 ص 239) و (تاریخ الاسلام للنجار ص 50) و العجیب من هذا المؤلف الأخیر انه بعد ان سرد قصة مالک بن نویرة کما مرت قال فی تبریر الموقف: «ان سیاسته یعنی ابا بکر (ض) کانت سیاسة حکیمة مما تستعملها دول استعماریة کالانکلیز» فجعل هذا المؤلف الحدید دولة الاسلام فی عهد اول خلیفة دولة استعماریة و لم یر اختلافا فی حکومة الخلافة الاسلامیة عن حکومة الدول الاستعماریة!!
و من المورخین المعاصرین العقاد فی کتابه الصدیق ص 88 و الخضری فی محاضراته ج 1 ص 177 و الصعیدی فی القضایا الکبری فی الاسلام ص 102، و الکوثری فی مقالاته ص 458 و هیکل فی کتابه ابو بکر الصدیق ص
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 370
155 و 162 هذا عدا مؤرخی الشیعة الذین یروون قصة خالد و مالک کما یرویها غیر الشیعة مما لخصناها باختصار فیما مر.
عن البراء بن عازب قال: بینما رسول اللّه- ص- کان جالسا فی اصحابه اذ نادی وفد بنی تمیم، و منهم مالک بن نویرة فقال: یا رسول اللّه علمنی الایمان، فقال رسول اللّه: تشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شریک له و انی رسول اللّه، و تصلی الخمس و تصوم شهر رمضان، و تودی الزکاة، و تحج البیت، و توالی وصیی هذا، و اشار الی علی بن ابی طالب، و لا تأکل مال الیتیم، و لا تشرب الخمر، و توفی بشرائعی، و تحرم حرمی، و تعطی الحق من نفسک للضعیف، و القوی و الکبیر و الصغیر، حتی عدّ علیه شرائع الاسلام، فقال یا رسول اللّه عد علی فانی رجل نسّاء فاعاد علیه ما قاله فعقدها بیده فقام و هو یجر رداءه، و یقول: تعلمت الایمان و رب الکعبة. فلما بعد قال رسول اللّه- ص- من احب ان ینظر الی رجل من اهل الجنة فلینظر الی هذا الرجل.

18- البراء بن عازب

البراء بن عازب بن حارث بن عدی ابن جشم الاوسی الانصاری من کبار الصحابة و رواة الحدیث عن رسول اللّه- ص- خرج الی (بدر) مع رسول اللّه- ص- فرده لصغر سنه و اشترک فی وقعة (احد) و بقیة المشاهد کما حارب و جاهد بعد رسول اللّه- ص- فی الفتوحات الاسلامیة فی فارس، و کان من خواص الامام علی- ع- و امتنع عن بیعة ابی بکر کما تقدم و حضر مع علی- ع- حروبه فی البصرة، و صفین، و قاتل معه الخوارج فی النهروان، و نزل الکوفة و توفی فی ایام مصعب بن الزبیر.

19- ابی بن کعب الانصاری

ابی بن کعب بن قیس بن عبید الانصاری من بنی النجاد کنیته ابو المنذر
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 371
و ابو طفیل سید الفقراء بالاجماع، و اول من کتب للنبی- ص- کان قد حضر العقبة الثانیة و شهد (بدرا) و المشاهد کلها مع رسول اللّه و فی الحدیث قال رسول اللّه لیهنک العلم. و قال (ان اللّه امرنی ان اقرأ علیک القرآن) و عدّه (مسروق) و هو احد اهل السنة من اصحاب الفتیا، کان الخلیفة عمر- ض- یسأله عن النوازل، و یتحاکم الیه فی المعضلات، قیل مات فی خلافة عمر (رض) و قیل فی خلافة عثمان و هو من الذین امتنعوا عن بیعة ابی بکر (رض) و وقفوا بجانب الامام و هو من ثقاة المحدثین عند الشیعة الامامیة.

20- عبادة بن الصامت

عبادة بن الصامت بن قیس بن احرم بن فهر بن ثعلبة الخزرجی الانصاری من أجلة الصحابة و فضلائهم، شهد العقبة الاولی، و الثانیة، و شهد بدرا، و المشاهد کلها و ما بعدها مع رسول اللّه ولاه عمر علی قضاء فلسطین، فأنکر امورا علی معاویة فأغلظ له معاویة فی القول فقال له عبادة: لا اساکنک بارض واحدة، و رجع الی المدینة فقال له عمر: ما أقدمک؟ فأخبره، فقال له: «ارجع الی مکانک، فقبح اللّه مکانا لست فیه» و کتب الی معاویة لا إمرة لک علی عبادة. توفی عبادة فی خلافة عثمان و دفن فی البیت المقدس.

21- عبد اللّه بن مسعود

عبد اللّه بن غافل بن حبیب الهذلی المشهور بابن ام عبد الصحابی الجلیل سید القراء و اشهر المحدثین و من ثقاتهم یقول صاحب الاستیعاب: انه من العشرة المبشرة، و هو من النجباء الذین اصطفاهم النبی و اختارهم کما تقدم، کان من القراء الاربعة و قد أثنی النبی علی حفظه للقرآن، و قرآئته له، فقال:
«من اراد ان یقرأ القرآن غضا کما انزل فلیقرأه علی ابن ام عبد، و من اراد
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 372
ان یسمع القرآن غضا فلیسمعه من ابن ام عبد» کان من اعلم الصحابة بکتاب اللّه و علم السنة و اشبه الناس دلا و هدیا و سمتا برسول اللّه حین یخرج من بیته الی ان یرجع، روی الاعمش عن شقیق بن سلمة قال: لما امر عثمان فی المصاحف امره قام عبد اللّه بن مسعود خطیبا فقال «أ یأمرنی عثمان ان اقرأ القرآن علی قراءة زید بن ثابت! و الذی نفسی بیده لقد اخذت القرآن من فیّ رسول اللّه سبعین سورة و ان زید بن ثابت لذو ذؤآبة یلعب مع الصبیان، و اللّه ما انزل من القرآن شی‌ء الا انا اعلم فی ای شی‌ء نزل» قال شقیق: فما سمعت احدا أنکر علیه و لا رد ما قاله کان فی جلیل مقامه و حب المسلمین له لما بعث الیه عثمان یطلب منه الخروج من المدینة اجتمع الناس الیه و قالوا له: أقم و لا تخرج و نحن نمنعک من عثمان و لا یصل الیک شی‌ء تکرهه فلم یقبل، و کان عثمان قد امر غلمانه فضربوه، و احدثوا فیه فتقا، و منع عثمان عطاءه و کان عبد اللّه هذا من اصحاب علی و من موالیه.

22- ظالم بن عمرو ابو الاسود الدؤلی

ظالم بن عمرو بن سفیان بن جندل المشهور بکنیته (ابی الاسود الدؤلی) ادرک الجاهلیة و الاسلام و شهد (بدرا) مع المسلمین و یقول الجاحظ کان ابو الاسود الدؤلی معدودا من طبقات الناس مقدما فی کل منها فانه یعد من الصحابة و التابعین، و الشعراء، و الفقهاء، و المحدثین، و الاشراف، و الفرسان و الامراء، و الحاضری الجواب، و من الشیعة، و هو واضع العربیة علی المتفق علیه و سئل عمن نهج له الطریق الی وضع النحو اجاب تلقیته عن علی، سکن البصرة فی خلافة عمر (رض) و کان علوی المذهب، استخلفه عبد اللّه بن العباس علی البصرة فأقره الامام علی علیها، له ترجمة واسعة فی کتب الادب انتهی کلام صاحب الاصابة و توفی سنة 69 من الهجرة فی البصرة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 373

23- خالد بن سعید

خالد بن سعید بن ابی العامر بن امیة بن عبد شمس قیل کان خامس من اسلم و قیل ثالثهم، و کان اسلامه مع ابی بکر (رض) هاجر الی الحبشة مع من هاجر الیها من المسلمین، استعمله رسول اللّه و صار علی الیمن، و کان ممن امتنع من البیعة لأبی بکر و ارادها لعلی و کان من المسلمین الأولین، و من المجاهدین فی سبیل اللّه، اشترک بعد رجوعه مع من رجع من الحبشة فی فتح مکة، و الطائف، و تبوک، کما جاهد بعد رسول اللّه فی الفتوحات فقتل فیمن قتل من المسلمین فی اجنادین سنة 13 من الهجرة، و قیل قتل فی مرج الصفر سنة 14 ه.

24- اسید بن ثعلبة الانصاری

اسید بن ثعلبة الانصاری، شهد بدرا مع رسول اللّه- ص- و قتل فی صفین مع علی.

25- الاسود بن عیسی

الاسود بن عیسی بن اسماء بن وهب، شهد بدرا مع المسلمین و قتل مع علی بصفین.

26- بشیر بن مسعود

بشیر بن مسعود الانصاری البدری، من اصحاب علی، شهد بدرا مع النبی و شهد حروب الامام کلها، و قتل فی وقعة الحرة علی ید عسکر یزید بن معاویة.

27- ثابت المکنی بابی فضالة

ثابت المکنی بابی فضالة، شهد بدرا و قتل مع علی بصفین.

28- الحارث بن النعمان

الحارث بن النعمان بن امیة بن امری‌ء القیس الانصاری، شهد بدرا، و أحدا مع النبی، و شهد صفین مع الامام علی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 374

29- خویلد بن عمرو الانصاری

خویلد بن عمرو الانصاری، شهد بدرا مع النبی، و شهد صفین مع الامام علی

30- رقاعة بن مالک

رفاعة بن مالک بن عجلان الانصاری المکنی بابی معاذ، شهد بدرا، و ما بعده مع النبی- ص- و شهد مع علی حرب صفین.

31- رافع بن خدیج الانصاری

خرج مع النبی الی بدر فاستصغره ورده، و شهد أحدا و اصیب بسهم، قال رسول اللّه: اشهد لک یوم القیامة، و جاهد مع علی فی البصرة و صفین و النهروان،

32- ابو الیسر کعب

ابو الیسر کعب بن عمرو بن عبادة الانصاری السلمی، شهد بیعة العقبة، و جاهد فی وقعة بدر، حتی انتزع رایة المشرکین، و شهد مع علی صفین.

33- سماک بن خراشه

سماک بن خراشة بن اوس الخزرجی الانصاری، المعروف بکنیته ابی دجانة الانصاری، احد الثابتین الابطال یوم (أحد) اشترک مع رسول اللّه فی (بدر) و ما بعدها و حارب مع الامام علی فی صفین.

34- سهیل بن عمرو

سهیل بن عمرو بن ابی عمرو الانصاری، شهد (بدرا) و قتل فی صفین مع علی.

35- عتیک بن التیهان

عتیک بن التیهان اخو ابی الهیثم حضر بدرا مع رسول اللّه و قتل فی صفین مع علی.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 375

36- ثابت بن عبید

ثابت بن عبید الانصاری، شهد بدرا مع رسول اللّه، و قتل بصفین مع علی

37- ثابت بن الخطیم

ثابت بن الخطیم بن عدی بن عمرو الانصاری، شهد بدرا، و ما بعده مع رسول اللّه و استعمله الامام علی علی المدائن، و اشترک مع علی فی حروبه، و کان ممن یبغضهم معاویة.

38- سهل بن حنیف

سهیل بن حنیف بن وهب بن الحکم، شهد مع رسول اللّه وقعة بدر و هو احد الثابتین یوم (أحد) حتی انکشف الناس عن رسول اللّه، صحب الامام علیا فولّاه المدینة لما خرج الی البصرة، ثم شهد صفین، ثم ولّاه علی علی فارس و مات فی خلافة علی سنة 38 ه

39- عقبة بن عمرو

عقبة بن عمرو المکنی بابی مسعود البدری الانصاری، شهد مع رسول اللّه وقعة (بدر) و ما بعدها، و استخلفه الامام علی علی الکوفة لما خرج الی صفین، و کان من خواص اصحابه.

40- ابو رافع ابراهیم

ابو رافع ابراهیم مولی رسول اللّه، من ثقاة رواة الشیعة، حضر مع رسول اللّه مشاهده کلها، و کان من اخلص الناس لعلی، و من کبار المحدثین عن النبی، مات فی خلافة علی و قیل فی خلافة عثمان.

41- انس بن الحرث

انس بن الحرث بن نبیه، قال البخاری قتل مع الامام الحسین- ع- فی کربلاء، و کان انس ممن امتنع عن بیعة ابی بکر، و تحصن فی دار فاطمة، فأدرک انس وقعة کربلاء، و استشهد فیها مع الامام الحسین.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 376

42- ابو بردة

ابو بردة بن نبار الانصاری، شهد مع النبی بدرا و ما بعدها و شهد مع الامام علی الجمل، و صفین، و حارب الخوارج معه فی النهروان.

43- ابو عمرو الانصاری

شهد بیعة العقبة و بایع رسول اللّه، و حارب معه فی بدر، و ما بعدها من المشاهد، و قتل تحت لواء علی بصفین.

44- الحارث بن الربعی

الحارث بن الربعی المشهور بکنیته ابی قتادة الانصاری المعروف بفارس رسول اللّه، شهد مع النبی بدرا و دعا له رسول اللّه و کان من اصحاب الامام، و شهد معه معرکة الجمل، و صفین.

45- عقبة بن عمرو

عقبة بن عمرو بن ثعلبة الانصاری، شهد بیعة العقبة، و بدرا، و ما بعدها، مع رسول اللّه و کان من اصحاب علی و شهد حروبه.

46- قرظة بن کعب

قرظة بن کعب بن ثعلبة بن الجزری الانصاری، شهد مع النبی معرکة احد، و ما بعدها، کان من فضلاء الصحابة و من اصحاب الامام علی، جاهد بعد رسول اللّه فی الفتوحات الاسلامیة، و شهد معرکة البصرة، و صفین، و النهروان، مع الامام علی.

47- بشیر بن عبد المنذر

بشیر بن عبد المنذر الانصاری المشهور بکنیته، احد النقباء فی بیعة العقبة استخلفه النبی مرتین علی المدینة یوم خرج الی بدر، و یوم خرج الی غزوة السویق، و کان من اصحاب علی، و مات فی خلافته
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 377

48- یزید بن نویرة

یزید بن نویرة بن الحرث بن عدی الانصاری، شهد مع رسول اللّه معرکة أحد، و شهد له النبی- ص- بالجنة مرتین، کان من اصحاب الامام علی و قتل فی معرکة الخوارج بالنهروان.

49- ثابت بن عبد اللّه

ثابت بن عبد اللّه الانصاری، شهد معرکة أحد مع رسول اللّه و قتل بصفین تحت رایة الامام علی

50- عقبة بن عمرو

عقبة بن عمرو بن ثعلبة الانصاری، شهد بیعة العقبة، و بدرا، و المشاهد و ما بعدها مع رسول اللّه، و کان من اصحاب الامام علی.

51- جبلة بن ثعلبة

جبلة بن ثعلبة الانصاری، شهد مع النبی معرکة أحد، و ما بعدها، و قتل بصفین مع علی

52- جبلة بن عمرو

جبلة بن عمرو بن اوس الساعدی الانصاری، شهد مع النبی وقعة أحد و قتل مع علی فی معرکة صفین.

53- حبیب بن بدیل

حبیب بن بدیل الورقاء ء احد الذین حضروا یوم الغدیر و سمع النبی- ص- یقول: (من کنت مولاه فعلی مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه) شهد معرکة أحد مع النبی و شارک الامام علیا فی القتال یوم صفین.

54- زید بن ارقم

زید بن ارقم بن قیس الانصاری الخزرجی، شهد مع النبی- ص-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 378
سبع عشرة غزوة و هو من رواة الحدیث عن النبی، و روی عنه جماعة من الصحابة و التابعین، حضر مع علی معرکة صفین و یعدّ من خواص اصحابه.

55- اعین بن ضبیعة

اعین بن ضبیعة بن ناجیة التمیمی الحنظلی و جدّ الفرزدق الشاعر، اشترک مع علی فی حرب (الجمل) و هو الذی عقر جمل السیدة عائشة.

56- اصبغ بن نباتة

اصبغ بن نباتة و یعرف بصاحب علی، اشترک مع علی (ع) فی حرب البصرة و الجمل.

57- یزید الاسلمی

قتل فی صفین مع علی، ورثاه الامام، و کان ممن شهدوا (الحدیبیة) و بایع (تحت الشجرة) بیعة الرضوان.

58- تمیم بن خزام

تمیم بن خزام شهد مع الامام حروبه الثلاث، و مات فی ایام یزید بن معاویة.

59- ثابت بن دینار

ثابت المکنی بأبی حمزة الثمالی الصحابی اشترک مع علی فی حروبه، و لازمه و کان من اصحابه، و صحب الحسن، و الحسین، و لازم الامام علی بن الحسین (ع)

60- جندب بن زهیر

جندب بن زهیر الأزدی بن الحارث الغامدی، کان من ابطال حرب الجمل مع علی.

61- جعدة بن ابی هبیره

جعدة بن ابی هبیرة بن وهب، امه ام هانی بنت ابی طالب، ولّاه الامام خراسان.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 379

62- حارثة بن قدامه

حارثة بن قدامة التمیمی بن مالک بن زهیر من اصحاب الامام علی، و اشترک فی حروبه کان من رواة الصحابة و المحدثین، روی عنه اهل المدینة و البصرة.

63- جبیر بن الخباب

جبیر بن الخباب بن المنذر الانصاری، شهد مع علی صفین و کان من خواصه.

64- حبیب بن مظاهر

حبیب بن مظاهر بن الاشتر الکندی الاسدی، شهد مع علی حروبه و قتل مع الامام الحسین فی کربلاء.

65- حکیم بن جبلّة

حکیم بن جبلة العبدی بن عبد القیس کان رجلا صالحا مطاعا فی قومه و من اصحاب الامام علی و کان قد سکن البصرة علی رأس عشیرته، و لما قدم طلحة و الزبیر البصرة بجیش الجمل و غدرا بالاحنف بن قیس و الی البصرة من قبل الامام علی و أخذوه اسیرا بعد ان نتفوا شعر رأسه، و لحیته، و اهداب جفونه، خرج حکیم بن جبلة فی قومه یقاتل و بعد مقتلة عظیمة بین الطرفین، قتل حکیم و اکثر اصحابه، و ذلک قبل قیام معرکة الجمل.

66- خالد بن ابی دجانة

خالد بن أبی دجانة الانصاری، من شیعة علی، و قد شهد مع علی صفین

67- خالد بن الولید

خالد بن الولید الانصاری، من اهل المدینة، شهد مع علی صفین و أبلی بلاء حسنا.

68- زید بن صوحان

و هو اخو صعصعة بن صوحان و من اخلص الناس لعلی، و مواقفه معه مشهورة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 380
لا سیما فی معرکة الجمل، کان احد الابطال فی حرب القادسیة، و قد قطعت یده فی القادسیة، ثم قتل فی معرکة الجمل و لما بلغ السیدة عائشة نبأ قتله ترحمت علیه

69- الحجاج بن غزیة

الحجاج بن غزیة الانصاری، قدم علی علی- ع- بعد ان نکث طلحة و الزبیر بیعته فقال: یا امیر المؤمنین دراکها، دراکها، قبل الغوث، لا دالت نفسی ان خفت الموت، یا معشر الانصار انصروا امیر المؤمنین کما نصرتم رسول اللّه- ص- الا ان الآخرة لشبیهة بالاولی. و شهد معرکة صفین مع علی- ع-

70- زید بن شرحبیل

زید بن شرحبیل الانصاری، من شهود یوم الغدیر، و المحدث بحدیث من کنت مولاه فعلی مولاه، من شیعة علی و اصحابه.

71- زید بن جبلة

زید بن جبلة، او ابن جبلة احد رؤساء بنی تمیم، کان شریفا فی الاسلام و صاحب مروءة من اصحاب الامام و شیعته.

72- ابن الورقاء

بدیل بن الورقاء، قتل هو و اخوه حبیب و ولده عبد اللّه مع علی فی صفین

73- ابو عثمان الانصاری

ابو عثمان الانصاری، مولی بنی هاشم و قد شهد صفین مع الامام علی (ع)

74- ابو زین الاسدی

ابو زین مسعود الاسدی بن مالک و قد شهد صفین مع الامام علی (ع)
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 381

75- ابو عمرة الانصاری

ابو عمرة الانصاری و قد اختلفوا فی اسمه فقیل انه عمرو، و قیل محصن، و قیل ثعلبة و قد قتل فی حرب صفین. مع علی (ع)

76- ابو طفیل عامر

ابن وائلة کان من شعراء الصحابة، فاضلا، عاقلا، حاضر الجواب، فصیحا، متشیعا لعلی بن ابی طالب، اشترک مع الامام علی فی حرب البصرة، و صفین، و النهروان، قال معاویة: کیف وجدک علی خلیلک ابی الحسن؟ فاجابه: کوجد ام موسی علی موسی، و اشکو الی اللّه التقصیر، فقال له معاویة: کنت فیمن حضر عثمان؟ قال له: کنت فیمن حضره، فقال له: فما منعک من نصره؟ قال له: انت ما منعک عن نصره اذ تربعت به ریب المنون، و کنت مع اهل الشام و کلهم لک؟ فقال له معاویة: اما تری فی طلبی لدمة نصرة له؟ فقال بلی و لکنک کما قال الشاعر:
فلا ألفتک بعد الموت تندبنی‌و فی حیاتی ما زودتنی زادا
کان ابو طفیل ممن یفضل علیا- ع- و یقدمه علی الشیخین و فی (الاستیعاب) ان الذین کانوا یفضلون علیا هم: سلمان، و ابو ذر، و المقداد، و خباب، و جابر ابو طفیل، و قد مرت الاشارة الی ذلک

77- عبد اللّه الانصاری

عبد اللّه بن عمر الانصاری بن حدام، ابو جابر بن عبد اللّه من اعیان الصحابة و من حضر بیعة العقبة و اشترک مع رسول اللّه- ص- قال فیه رسول اللّه:
جزا اللّه الانصار خیرا لا سیما عبید بن عمر بن حدام و سعد بن عبادة و کان من المخلصین للامام علی- ع- هو و ولده جابر کما تقدم.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 382

78- سعد بن مسعود

سعد بن مسعود الثقفی عم المختار الثقفی المشهور کان من رجال علی- ع- ولاه بعض اعماله و صحبه معه الی صفین

79- سعد بن الحرث

سعد بن الحرث بن الصمة قتل فی صفین مع الامام علی

80- الحرث بن عمرو

الحرث بن عمرو الانصاری و قد قتل مع علی بصفین.

81- سلیمان الخزاعی

سلیمان بن صر الخزاعی شهد مع علی صفین، و طالب بعد مقتل الامام الحسین بدمه، و هو رئیس جماعة التوابین

82- شرحبیل الهمدانی

شرحبیل بن مرة الهمدانی هو من رواة الحدیث عن النبی و من رواة حدیث رسول اللّه: «یا علی حیاتک و موتک معی» استعمله الامام علی- ع- علی النهروان.

83- شبیب بن رشأ

شبیب بن رشأ النحیری و قد شهد صفین مع الامام علی

84- سهل بن عمر

سهل بن عمر، صاحب المربد و قد قتل مع الامام علی بصفین.

85- سهیل بن عمر

اخو سهل صاحب المربد و قد قتل هو الاخر مع علی- ع- بصفین.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 383

86- الحرث بن عمر

الحرث بن عمر الانصاری و قد شهد صفین مع الامام علی- ع-.

87- عبد الرحمن الخزاعی

عبد الرحمن الخزاعی القاری‌ء لکتاب اللّه، العالم بفرائض الاسلام، روی صاحب (الاصابة) عمن روی عنه، قال عبد الرحمن: شهدنا صفین مع علی- ع- ممن بایع بیعة الرضوان تحت الشجرة ثمانمایة نفر قتل منا ثلثمائة و ستون نفرا.

88- عبد اللّه بن خراش

عبد اللّه بن خراش و هو المکنی بابی لیلی شهد مع علی- ع- صفین.

89- عبد اللّه بن سهیل

عبد اللّه بن سهیل الانصاری شهد مع علی- ع- حرب صفین.

90- عبید اللّه بن العازب

و هو اخو البراء بن العازب شهد هو و اخوه مع علی- ع- معرکة صفین و النهروان،

91- عدی بن حاتم

عدی بن حاتم الطائی المکنی بابی طریف کان من السادة الاجلاء فارسا کریما و هو من المصلین کان یقول: ما دخل وقت الصلوة الا و انا مشتاق الیها، کانت صحبته لعلی و موالاته له و شهوده حروبه و هو من الابطال الذین فتحوا العراق، و قد سکن الکوفة و کان من امراء جیش الامام علی- ع- بصفین، قتل له فی المعارک مع الامام ولدان هما: طارق، و طریف، و سأله معاویة فقال له: ما انصفک علی إذ أبقی علی ولدیه و قتل ولدیک؟ فقال له عدی: «لا و اللّه ما انصفت انا علیا إذ قتل و بقیت انا حیا من بعده».
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 384

92- عروة الاسلمی

عروة بن مالک الاسلمی شهد مع علی حرب صفین.

93- عقبة السلمی

هو عقبة بن عامر السلمی شهد حرب صفین مع الامام علی- ع-

94- عمر بن هلال

عمر بن هلال الانصاری و قد شهد مع علی صفین

95- غمر بن انس

هو عمر بن انس بن عوف الانصاری و قد شهد بدرا مع النبی- ص- و شهد صفین مع الامام علی- ع-

96- هند بن ابی هاله

هند بن ابی هالة الاسیدی امه ام المؤمنین خدیجة بنت خویلد، کان منقطعا الی صحبة علی و کان من الفصحاء و البلغاء من الصحابة، و یجید الوصف، قتل مع الامام علی- ع- فی البصرة یوم الجمل.

97- وهب بن عبد اللّه

وهب بن عبد اللّه بن مسلم بن جنادة قدم علی النبی و أسلم، و حفظ عنه الحدیث، و صحب علیا من بعده و لما ولی الخلافة استعمله علی شرطة الکوفة و کان یسمیه (وهب الخیر).

98- هانی بن عروة

هانی بن عروة بن الفضفاض بن عمران سکن الکوفة و کان من خواص الامام، اشترک مع الامام فی حروبه الثلاثة و لما جاء مسلم بن عقیل الی الکوفة لاخذ البیعة لابن عمه الحسین بن علی- ع- نزل علی هانی و لما جاء بن زیاد والیا من قبل یزید علی الکوفة قبض علی مسلم و هانی فقتلهما، و قصة قتلهما معروفة فی التاریخ
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 385

99- هبیرة بن النعمان

هو هبیرة بن النعمان بن قیس بن مالک بن سعد العشیرة الجعفی کان من الشرفاء کما یقول الکلبی و من امراء جیش الامام علی- ع- بصفین و قد ولاه الامام علی المدائن.

100- یزید بن قیس

یزید بن قیس بن عبد اللّه من اصحاب علی و ممن اشترک فی حروبه.

101- یزید بن حوریت

یزید بن حوریت الانصاری شهد صفین مع علی- ع-.

102- یعلی بن عمیر

یعلی بن عمیر بن یعمر النهدی کان مع علی- ع- بصفین و صاحب رآیة نهد.

103- انس بن مدرک

انس بن مدرک بن کعیب بن سعد الخثعمی المکنی بابی سفیان کان من شعراء الصحابة قتل بصفین مع الامام علی- ع-.

104- عمرو بن العبدی

کان ابوه من اشراف عبد القیس و رؤسائها، و کان ابنه شریفا فی الاسلام، اشترک مع علی فی وقعة الجمل علی رأس اربعة الاف فارس.

105- عمیرة اللیثی

کان من اصحاب علی- ع- شهد صفین و کان شدیدا علی معاویة حتی حلف إن ظفر به لیصب الرصاص فی اذنه.

106- علیم بن سلمة النهمی

کان من الصحابة و سکن مصر و لما بویع للامام علی- ع- التحق به و شهد معرکة صفین و عاد الی مصر مع محمد بن ابی بکر و لما قتل محمد شفع له
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 386
معاویة بن خدیج و عاش الی ایام مروان و کان مروان قد هدد بقتله و لما ولی الامر قصد برقة و سکنها الی ان مات.

107- عمیر السلمی

عمیر بن حارث السلمی شهد مع الامام علی- ع- معرکة صفین

108- علیاء بن الهیثم

علیاء بن الهیثم بن جریر کان ابوه من الرؤساء الذین حاربوا الفرس یوم ذی قار و کان علیاء قد ادرک الجاهلیة و الاسلام و اشترک فی الحروب الاسلامیة بعد النبی- ص- و قتل مع علی- ع- یوم الجمل.

109- عوف بن عبد اللّه

عوف بن عبد اللّه الازدی، شهد مع الامام علی بن ابی طالب حرب صفین و قیل قتل فیها.

110- علاء بن عمر

علاء بن عمر الانصاری، و قد شهد مع الامام علی بن ابی طالب حرب صفین.

111- قیس بن ابی قیس

و قد شهد معرکة صفین مع الامام علی بن ابی طالب علیه السلام.

112- نهشل بن حمرة

نهشل بن حمرة بن جابر بن فطن رئیس بنی حنظلة و صاحب رایتهم، اشترک مع علی فی الجمل و صفین، و النهروان.

113- المهاجر بن خالد

المهاجر بن خالد بن الولید المخزومی، کان من اصحاب علی بن ابی طالب و موالیه، و شهد معه حرب الجمل، و صفین، بینما کان اخوه عبد الرحمن مع معاویة.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 387

114- مخنف بن سلیم

مخنف بن سلیم الغامدی العبدی، من ولده ابو مخنف صاحب الاخبار لوط بن یحی بن ابی مخنف کان مع الامام و هو صاحب رایة الازد فی صفین، و قتل یوم الجمل مع الامام علی- ع- و قد ولاه الامام علی اصفهان.

115- محمد بن عمیر

محمد بن عمیر بن عطارد بن حاجب التمیمی کان من اشراف الکوفة متشیعا لعلی- ع- و له مع الحجاج اخبار کثیرة و کان من امراء الامام یوم صفین.

116- ابو عمرة الانصاری

ابو عمرة الانصاری من بنی النجار، کان ممن شهد بدرا مع رسول اللّه، و قتل فی صفین مع الامام علی.

117- حازم بن ابی حازم

حازم بن ابی حازم النجلی الاحمصی، شهد مع الامام علی بن ابی طالب علیه السلام صفین و قتل بها.

118- عبید بن تیهان

عبید بن تیهان، او ابو الهیثم الذی کان اول من بایع للرسول لیلة العقبة.

119- ابو فضالة الانصاری

شهد بدرا مع رسول اللّه و قتل بصفین مع الامام علی بن ابی طالب.

120- اویس القرنی

الزاهد المشهور من الصحابة، و قد قتل مع علی بن ابی طالب بصفین

121- زیاد بن النظر

زیاد بن النظر الحارثی، کان من قواد الامام علی بن ابی طالب فی حروبه.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 388

122- عوض بن علاط

عوض بن علاط السلمی، قتل یوم الجمل بجانب علی- ع-

123- معاذ بن عفراء

معاذ بن عفراء اخو معوذ، شهد بدرا مع رسول اللّه و قتل فی حرب الجمل.

124- عبد اللّه بن سلیم

عبد اللّه بن سلیم اخو مخنف بن سلیم کان من قواد الامام یوم الجمل و بیده کانت رایة الازد.

125- علاء بن عروة

و قد حمل رایة الأزد بعد قتل عبد اللّه بن سلیم و تم علی یده الفتح یوم الجمل.

126- القاسم بن سلیم

کان صاحب رایة عبد القیس یوم البصرة، و قد قتل فی حرب الجمل و قتل معه زید و سحبان ابناء صوحان.

127- عبد اللّه بن رقیة

و کانت بیده رایة عبد القیس یوم البصرة

128- منفذ بن النعمان

حضر معرکة الجمل مع الامام و أقر له مرة بحمل رایة عبد قیس بعد ان قتل القاسم و رفقاؤه

129- مرة بن منفد النعمان

و کانت بیده رایة عبد قیس و أبلی بلاء حسنا فی معرکة البصرة.

130- الحرث بن حسان

هو الحرث بن حسان الذهلی، کان صاحب رایة بکر بن وائل فی معرکة الجمل مع علی- ع- و من کلامه قال: (یا معشر بکر لم یکن احد له من
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 389
رسول اللّه- ص- متل منزلة صاحبکم) فقتل هو و خمسة من اولاده یوم الجمل.

131- بجیر بن دلجه

حضر مع علی البصرة و تعاون هو و المعقل علی عقر الجمل فانهزم اصحابه و تم النصر لعلی.

132- یزید بن حجبة

یزید بن حجبة التمیمی، اشترک مع الامام علی- ع- فی حرب الجمل، و صفین، و بعد معرکة صفین ولاه الامام علی علی الری.

133- عامر بن قیس

عامر بن قیس الحضرمی الطائی اشترک فی حروب علی- ع- و قتل فی معرکة صفین،
**** هؤلاء هم الطبقة الأولی من رجالات الشیعة و قد حضر معظمهم مع علی- ع- معرکة صفین سواء المهاجرین منهم و الانصار و کان کلهم قد ادرک النبی- ص- و حارب تحت لوائه الامویین، و اعیان قریش، فی المعارک التی اثارها الأمویون و جبابرة قریش ضد رسول اللّه- ص- لابطال دعوته، و القضاء علی شریعته فی بدر، و أحد، و الاحزاب، و کان معظم هؤلاء بل کل هؤلاء من انصار علی و شیعته منذ زمن النبی- ص- و ممن کانوا یرون فی شخصیة علی المثل الاعلی و یرون ان الحق یدور حیث دار و ان هنالک جامعة اصیلة تجمع بینهم و بین علی و یؤلف منهم شیعة لرجل تتوفر فیه کل مزایا الانسانیة الکاملة. و من الأمثلة علی تفانیهم فی عقیدتهم فی علی و ایمانهم به ما رواه ابن الأثیر فی (الکامل) فی حوادث سنة 36- 37- اذ قال: «خرج
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 390
عمار یوم «صفین» علی الناس فقال: اللهم انت تعلم انی لو اعلم ان رضاک عنی فی ان اقذف بنفسی فی هذا البحر لفعلت، اللهم انت تعلم لو أعلم ان رضاک عنی ان أضع سیفی فی بطنی ثم انحنی علیه حتی یخرج من ظهری لفعلت، و انی لا اعلم الیوم عملا هو أرضی لک من جهاد هؤلاء الفاسقین، و لو اعلم عملا هو ارضی لک منه لفعلته، و اللّه انی لأری قوما لیضربنکم ضربا یرتاب منه المبطلون، و ایم اللّه لو ضربونا حتی یبلغوا بنا سعفات هجر، لقلت انّا علی الحق و انهم علی الباطل» ثم قال: من یبتغی رضوان اللّه ربه؟
و لا یرجع الی مال و لا ولد؟ فأتته عصابة فقال:
«اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذین یطالبون بدم عثمان و انهم ما ارادوا الطلب بدمه و لکنهم ذاقوا الدنیا و استحبّوها، و علموا ان الحق اذا لزمهم حال بینهم و بین ما یتمرغون فیه منها، و لم تکن لهم سابقة یستحقون بها طاعة الناس، و الولایة علیهم، فخدعوا اتباعهم و قالوا إمامنا قتل مظلوما لیکونوا بذلک جبابرة، و ملوکا، فبلغوا ما ترون، فلولا هذا ما تبعهم من الناس رجلان، اللهم ان تنصرنا فطالما نصرت، و ان تجعل الامر لهم فادّخر لهم بما أحدثوا فی عبادک العذاب الألیم» ثم مضی و معه تلک العصابة فکان لا یمر بواد من اودیة صفین الا تبعه من کان هناک من صحابة النبی- ص- فتقدم عمار حتی دنا من عمرو بن العاص فقال له: «یا عمرو بعت دینک بمصر فتبا لک!! فقال: و لکن اطلب دم عثمان فقال: له عمار اشهد علی علمی فیک: انک لا تطلب شیئا من فعلک وجه اللّه، لقد قاتلت صاحب هذه الرایة ثلاثا مع رسول اللّه و هذه الرابعة فما هی بأبر و أتقی» ثم برز للقتال.
قال عبد الرحمن السلمی: لما قتل عمار دخلت عسکر معاویة لأنظر هل
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 391
بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا؟ و کنا اذا ترکنا القتال یتحدثون الینا و نتحدث الیهم، فوجدت معاویة و عمرو بن العاص و أبا اعور السلمی، و عبد اللّه بن عمرو یتسارون، فقال عبد اللّه بن عمرو لأبیه، قتلتم الیوم هذا الرجل فی یومکم هذا و قد قال رسول اللّه- ص-: له یوم کان المسلمون ینقلون فی بناء المسجد لبنة لبنة و عمار ینقل لبنتین فغشی علیه فاتاه النبی- ص- و جعل یمسح التراب عن وجهه و یقول: «ویحک یا ابن سمیة الناس ینقلون لبنة لبنة و انت تنقل لبنتین لبنتین رغبة فی الآخرة و انت مع ذلک تقتلک الفئة الباغیة» فقال عمرو لمعاویة: أما تسمع عبد اللّه ما یقول؟ فقال له معاویة:
ما یقول؟ فأخبره بذلک فقال: أ نحن قتلناه؟ انما قتله من جاء به فخرج الناس من فساطیطهم یقولون: ان قاتل عمار من جاء به الی الحرب ای علی بن ابی طالب.
یقول صاحب العقد الفرید و لما بلغ ذلک علیا قال: أ نحن قتلنا حمزة ایضا؟!! و هو یستهزی‌ء بقول معاویة لأن حمزة استشهد یوم احد و کان ممن شهد المعرکة، و قد جاء به النبی- ص-
کان جیش الامام علی- ع- فی صفین یشتمل علی النخبة الممتازة و البقیة الصالحة من رجال محمد- ص- الذین انتصر بهم فی مواقفه ضد الشرک حتی اعلن کلمة الحق، و رفع بهم رایة الدین فی دنیا الاسلام، و قد شهد بذلک مستشار معاویة عمرو بن العاص فی احد ایام صفین، و لما التحق شمر بن ابرهة و جماعة من قراء اهل الشام بعد مقتل عمار بالامام علی- ع- فقال: «یا معاویة ... انک ترید ان تقاتل باهل الشام رجلا له من محمد- ص- قرابة قریبة، و رحم ماسة، و قدم فی الاسلام لا یعتد احد بمثله، ... انه قد سار الیک باصحاب محمد- ص-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 392
المعدودین، و فرسانهم، و قرائهم، و اشرافهم، و لهم فی النفوس مهابة، فبادر باهل الشام مخاشن الوعر، و مضایق الغیض، و احملهم علی الجهد، و مهما نسیت فلا تنس انک علی الباطل
هؤلاء هم شیعة علی، من المهاجرین و الانصار و قد تعلقوا به منذ ان اسلموا و منذ ان عرفوا علیا و امتنع الکثیر منهم عن بیعة الخلیفة ابی بکر (رض) یوم امتنع علی عن بیعته و قد قتل الکثیر منهم بین یدیه او بین ایدی اولاده هیاما بروحه، و شخصیته، و انسانیته الکاملة فکانوا هم الشیعة الأوائل، و هم نواة التشیع من المسلمین المنبعثة من واقع الحیاة الخالصة، الصافیة من الدنس و الطمع و الشره و المکروه، فمن من الذین بقوا من اصحاب محمد من خصوم علی غیر الذین اشار الیهم عمار؟: (الذین ذاقوا الدنیا و استحبوها و علموا ان الحق اذا لزمهم حال بینهم و بین ما یتمرغون فیه منها).

زبدة انصار معاویة

یقول الیعقوبی فی تاریخه: «اشترک مع معاویة من الانصار النعمان بن بشر الانصاری، و مسلمة بن مجالد و لم یکن من المهاجرین مع معاویة احد فی صفین و کل من اشترک معه کان من مسلمی الفتح الذین اسلموا مقهورین، و الطلقاء المؤلفة قلوبهم و علی رأسهم عمرو بن العاص و ابو اعور السلمی
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 393
و شرحبیل بن السمط الکندی، و بسر بن ارطاة و ابو الفادیة الجهنی و سحرة بن جندب و مسلم بن عقبة و یزید بن اسد و حابس بن سعد الطائی و امثالهم.
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 394

الفهرست

الصفحة 5- الموسوعة و طبیعتها، و الموسوعیون من المسلمین و العرب
اول دائرة معارف فی التاریخ- صبغة الموسوعیة العربیة- نشأة الموسوعیة- الجلیل الأول من الموسوعیین- ضعف الاتجاهات الموسوعیة بعد القرن الرابع- غرض الموسوعیة الأکبر- الموسوعة الأوربیة- دائرة المعارف البریطانیة- الفرنسیة- الامیرکیة- الالمانیة- الایطالیة الیابانیة و الصینیة- الموسوعة العربیة الحدیثة- الموسوعات الکاملة- موسوعة العتبات المقدسة.
47- لمحة تاریخیة مجملة عن مدن العتبات المقدسة
49- مکة المکرمة- القبائل التی سکنت مکة- اهمیة مکة- بناء البیت- ارکان الکعبة- الحطیم- المسجد الحرام- ابواب المسجد الحرام- التطورات التی طرأت علی المسجد الحرام
68- المدینة المنورة
القبائل التی نزلت المدینة .. الاسلام فی یثرب-
75- البقیع
78- الکوفة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 395
صفحة 89- النجف الاشرف
109- کربلاء
121- الکاظمیة
130- مشهد الرضا
137- سامراء
145- مجمل سیر الأئمة الاثنی عشر
147- بعض من الف الکتب فی الأئمة الاثنی عشر
151- النبی محمد بن عبد اللّه (ص)
ولادته- بعثته- صفاته- دعوته و غزواته- مواهبه و ملکاته- من حکمه و اقواله- زوجاته- اولاده- وفاته
163- فاطمة الزهراء
ولادتها- ملکاتها- اولادها- وفاتها
168- الامام علی بن ابی طالب (ع)
ولادته- صفاته- امامته و خلافته- من اقواله و حکمه- اولاده و ازواجه- وفاته.
178- الحسن بن علی (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- خلافته- زوجاته- اولاده- وفاته
184- الحسین بن علی (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- خصومة یزید- اولاده مقتله-
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 396
صفحة 193- علی بن الحسین (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- اولاده- وفاته
200- محمد الباقر (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- اولاده- وفاته
205- جعفر الصادق (ع)
ولادته- صفاته- علومه- بعض اقواله و حکمه- اولاده- وفاته
213- موسی الکاظم (ع)
ولادته- القابه- و کناه- صفاته- ملکاته الادبیة- من اقواله و حکمه- حبوسه- اولاده- وفاته
222- علی بن موسی الرضا
ولادته- صفاته علمه و فضله- ولایة عهد الخلافة العباسیة- العهد الذی کتبه المأمون بولایة عهده- من اقواله و حکمه- اولاده- وفاته
231- محمد الجواد (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- اولاده- وفاته
237- علی الهادی (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- اولاده- وفاته
242- الحسن العسکری (ع)
ولادته- صفاته- من اقواله و حکمه- وفاته
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 397
صفحة 249- محمد بن الحسن (ع)
ولادته- صفاته
255- عقائد الشیعة و اصول دینهم
الاسلام و الایمان فی عقیدة الشیعة- اصول الدین
264- الوجود و التوحید
268- العدل
273- النبوة
280- الامامة
صفات الامام امامة علی و اولاده
290- المعاد
الروح او النفس المجردة- شبهة الآکل و المأکول فی معاد الجسد
297- ملخص اعتقاد الشیعة
301- الشیعة و التشیع
مؤتمر بیاضه
331- اسباب التشیع
الامامة
324- العداء بین هاشم و امیة
333- العثمانیة
اول حرب شنت فی وجه علی و شیعته- الصراع بین الشیعة العلویة و الشیعة العثمانیة
موسوعة العتبات المقدسة، ج‌1، ص: 398
صفحة 350- الطبقة الاولی من رجالات الشیعة
ابو ذر الغفاری- سلمان الفارسی- عمار بن یاسر- المقداد بن عمرو- حذیفة بن الیمان- خزیمة بن ثابت ذو الشهادتین- الخباب الخزاعی- قیس بن سعد بن عبادة- ابو ایوب الانصاری- جابر الانصاری- هاشم المرقال- محمد بن ابی بکر- مالک الاشتر- مالک بن نویرة- عبد اللّه بن مسعود- ابو الاسود الدؤلی- خالد بن سعید- زید بن ارقم- ابو طفیل- عدی بن حاتم- هانی بن عروة، و اکثر من مائة علم آخر من الصحابیین و رجات الشیعة الاوائل.
292- زبدة انصار معاویة نعمان بن بشر، مسلمة بن مجالد- عمرو بن العاص، ابو اعور السلمی، شرحبیل بن السمط، بسر بن ارطاة، مسلم بن عقبة و غیرهم.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.