دليل تحرير الوسيلة - احياء الموات و اللقطة

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- إحياء الموات و اللقطة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 2

ناشر: دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم

تاريخ نشر: 1415 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

المقدمة

اشارة

أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، أحمده استتماما لنعمته و استسلاما لعزّته و استعصاما من معصيته و أستعينه فاقة إلي كفايته.

و الصّلاة علي محمّد عبده و رسوله المصطفي أرسله بالهدي و دين الحق و جعله بلاغا لرسالته و كرامة لأمّته و أنزل عليه القرآن نورا لا تطفأ مصابيحه و بحرا لا يدرك قعره و منهاجا لا يضلّ نهجه و فرقانا لا يخمد برهانه.

و السّلام علي آله المعصومين المكرّمين الذين هم معدن الايمان و بحبوحته و ينابيع العلم و بحاره و أساس الدين و عماد اليقين.

و نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا لمعرفتهم و طاعتهم و نشر علومهم و معارفهم و يرزقنا شفاعتهم يوم نأتيه فردا.

و نشكره جلّ جلاله علي أن وفّق أمّتنا المناضلة الأبطال لانتصار الثورة الإسلامية بالاطاحة بالطاغوت و متّعهم بنعمة الجمهوريّة الإسلاميّة المقدّسة تحت قيادة القائد الكبير، محيي الشريعة و معرّف الشيعة، الإمام الخميني الرّاحل (س).

و نحمده تعالي علي إتمام هذه النعمة العظيمة بقدرته المطلقة في ضوء قيادة الفقيه الخبير آية اللّه الخامنه اي «دام عزّه». فيضي ء اليوم كالشمس في قلوب جميع المؤمنين و المستضعفين.

و من العجائب أنّ مؤسّس الثورة، ذلك العارف الربّاني و الحكيم الإلهي كيف شاهد هذا التلألؤ قبل الطلوع بنور الايمان و المعرفة، فقال «قده»: «إنّه سيلمع

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، المقدمة، ص: 2

كالشّمس»؟! و نسألك اللّهم بحرمة نبيّك و

آله المعصومين (صلواتك عليهم أجمعين) أن توفّقنا لشكر هذه النعمات و حراسة معطيات ثورتنا الإلهيّة و صيانة دماء شهدائنا الأبرار.

و أن تعيننا علي طيّ خطّة عمل إمامنا الرّاحل و إطاعة أوامر قائدنا المعظّم آية اللّه الخامنه اي و تنفيذ قوانين الدّولة الإسلامية و مظاهرة مسؤوليها

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، المقدمة، ص: 3

باعث النشر

إن الباعث لنشر هذه المجموعة من المباحث الفقهية أنّ الامام الرّاحل «قده» - هذا الفقيه النحرير العالم بزمانه الذي كان من أعلم فقهاء العصر- قد كتب في تحرير الوسيلة دورة كاملة من الفقه. و إنّه جدّا من أحسن المتون الفتوائية الجامعة لأهمّ المسائل الفقهية. و قد صار اليوم محورا لتنظيم القوانين في الحكومة الجمهورية الإسلامية. و لا ريب أنّ الكتاب الذي ألّفه مؤسّس هذا النظام الثائر علي أساس ذوقه الفقهي يناسب مقتضيات العصر الحاضر و يلائم شئون النظام الإسلامي الحاكم.

و من هنا ينبغي أن ينتخب تحرير الوسيلة متنا دراسيا للسطوح العالية و يكون موردا للبحث و التحقيق و مطرح أنظار فقهائنا العظام (دامت بركاتهم) حتّي تخطي بهذا التحوّل الأساسي خطوة شاسعة مثمرة في جهة ازدهار الحوزات العلمية و إراءة الفقه الشيعي الباحث إلي العالم العصري.

و لا سيّما أنّ شيخنا الأستاذ الفقيه الأصولي آية اللّه ميرزا جواد التبريزي «دام ظلّه» قد ألقي إلينا كثيرا من المسائل المهمّة حول هذا الموضوع و بحث عنها مشيرا إلي وجوهها الاستدلالية. و كان يحضر في مجلس بحثه بعض الفضلاء من أصدقائي و يستشكلون أحيانا و الأستاذ كان يجيبهم بدقّة و تأمّل

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، المقدمة، ص: 4

كاشفة عن مبهمات غوامض البحوث. فحلّ دام ظلّه عقدا كثيرة من معضلات المسائل. و إنّي قد

فحصت عن مصادر الاستدلال- من النصوص و القواعد- و رتّبت المسائل علي حسب متن تحرير الوسيلة و نظّمت مباحث هذا الكتاب علي أساس ما خطر ببالي و انتهي اليه نظري القاصر بعد الفحص و البحث حدّ وسعي الضعيف و بضاعتي القليلة.

و في الختام أرجو من الأفاضل الكرام و العلماء الكبار أن يذكّروني في موارد لا تخلو بنظرهم من الإشكال أو تكون باعتقادهم خلاف مقتضي التحقيق. فإنّ أحبّ إخواني من أهدي إلي عيوبي. غفر اللّه لي و لكم و تقبّل منّي آمّين.

أحقر الطلاب: علي أكبر السيفي

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 1

كتاب احياء الموات

تعريف الموات و أقسامه

______________________________

دليل مملّكية الأحياء و شرائطه بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

القول في إحياء الموات الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها (1).

(1) و قد وقع الخلاف في تعريف الأرض الموات فعن الإيضاح و محكي المصباح: «أنّها الأرض الّتي لا مالك لها و لا ينتفع بها أحد» و عن النهاية: «أنّها الأرض التي لم تزرع و لم تعمر و لا جري عليها ملك أحد» و عن التذكرة: «و هي الأرض الخراب التي باد أهلها و اندرس رسمها» و عن الشرائع: «انه الذي لا ينتفع به لعطلته إمّا لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو غير ذلك من الموانع».

و الأصحّ أنّها الأرض المعطّلة عن الانتفاع إمّا بالأصل لعدم مسبوقيتها بالعمران أو للجهل بسبق العمارة عليها أو لعارض مانع من الانتفاع بها بعد مسبوقيتها بالعمران.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 2

______________________________

و انّ سائر التعاريف المذكورة ترجع الي هذا التعريف. و الوجه في ذلك انّ الدّخيل في مفهوم الموات و صدقه بنظر العرف هو كونها معطّلة. و لا دخل لعدم

المالك في صدق الموات. بل الأرض تدخل لأجل ذلك فيما لا ربّ لها، و إنّها قد عدّت- في عرض الموات- من الأنفال. و يفهم من نصوصها بقرينة التقابل أنّها غير الموات أو أعمّ منها، كما أشار الي ذلك في الجواهر. حيث قال:

«نعم الظاهر عدم الفرق بين الموات و بين المعدّة للانتفاع في كونهما معا للإمام (ع) كما صرّح به في المسالك و غيرها، لا لاندراجها في اسم الموات فإنّك قد عرفت عدمه عرفا بل للنصوص الواردة في تعداد الأنفال المصرّحة بأنّ منها- مضافا الي الموات- كلّ أرض لا ربّ لها و لا ريب في شمولها للفرض الذي يمكن ان يكون منه شطوط الأنهار «1»».

و اما النصوص التي أشار إليها صاحب الجواهر، فمنها:

ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن فضالة بن أيّوب عن أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الأنفال. فقال (ع):

هي القري الّتي قد خربت و انجلي أهلها فهي للّه و للرّسول و ما كان للملوك فهو للإمام و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كلّ أرض لا ربّ لها.. «2»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 19.

(2) الوسائل/ ج 6- ص 371- ح 20.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 3

______________________________

و ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال (ع):

لنا الأنفال قلت: و ما الأنفال؟ فقال (ع): «.. و كلّ أرض لا ربّ لها و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا «1»».

و لا دخل أيضا لمجرّد الخراب في صدق عنوان الموات. و ذلك لأنّ البيوت و الدور المخروبة بالزلزلة أو الصاروخ

و نحوهما من المخرّبات لا تصير لأجل ذلك مواتا. و لذا لم يفت أحد بجواز تملّكها بسبب الإحياء حينئذ الّا أن يتركه المالك علي وجه الإعراض.

كما لا دخل لاستيلاء الماء أو انقطاعه في صدق الموات. لوضوح انه ربّما يتفق استيلاء الماء علي أرض أو انقطاعه عنها فلا يتمكن المالك من الانتفاع بها مؤقّتا مع انه لا إشكال حينئذ في عدم جواز تملّكها لغير المالك بإزالة المانع و تمكّنه من الانتفاع. بل لا بد من صدق كونها معطّلة بذلك.

كما أشار إليه في الجواهر حيث قال: «نعم لا يكفي مطلق استيلاء الماء أو انقطاعه أو الاستئجام بل لا بدّ من ان يكون ذلك علي وجه يعدّ مواتا عرفا و الّا فقد يتفق بعض ذلك في الأرض العامرة عرفا كما هو واضح «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6- ص 372- ح 28.

(2) الجواهر/ ج 38- ص 10.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 4

إمّا لانقطاع (1) الماء عنها أو لاستيلاء المياه أو الرمال أو السبخ أو الأحجار عليها أو لاستئجامها و التفاف القصب و الأشجار بها أو لغير ذلك. و هو علي قسمين: الأوّل: الموات بالأصل و هو ما لا يكون مسبوقا بالملك (2) و الأحياء و ان كان إحراز ذلك غالبا- بل مطلقا- مشكلا بل ممنوعا و يلحق به ما لم يعلم مسبوقيته بهما. الثاني: الموات بالعارض و هو ما عرض عليه الخراب و الموتان بعد الحياة و العمران كالأرض الدّارسة التي بها آثار الأنهار و نحوها و القري الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة.

______________________________

(1) و قد يشكل علي الماتن «قده» بانّ انقطاع الماء و استيلائه لا يصح ان يكونان سببا لعدم الانتفاع. لأنّه أمر عدمي و

الأمر العدمي لا يحتاج الي السبب.

و فيه: ان قوله: «التي لا ينتفع بها» وصف للأرض العطلة فالمذكورات سبب لكون الأرض معطّلة لا لعدم الانتفاع حتي يقال ان العدم لا يحتاج الي السبب.

(2) و فيه: ما مرّ آنفا من عدم دخل لمجرّد عدم مسبوقية الأرض بالملك في صدق عنوان الموات و أنّها تدخل بذلك في عنوان ما لا ربّ لها.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 5

[أدلة مملكية الإحياء]

مسألة 1: الموات بالأصل و ان كان (1) للإمام (ع) حيث انه من الأنفال

كما مرّ في كتاب الخمس. لكن يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد إحياؤه مع الشروط الآتية و القيام بعمارته و يملكه (2) المحيي علي الأقوي.

______________________________

(1) ليس مقصود الماتن «قده» اختصاص الموات بالأصل بكونها من الأنفال و ملكا للإمام (ع). لما يأتي منه في المسألة الآتية من كون الموات بالعارض- لهلاك أهلها أو جلائهم- في حكم الموات بالأصل من هذه الجهة.

و انّ اشتراكهما في ذلك مما لا خلاف فيه. كما قال في الجواهر: «و امّا ان الموات أصلا أو عارضا- بعد أن باد أهلها- للإمام (ع)، فممّا لا خلاف فيه بل الإجماع محصّلا عليه- فضلا عن المنقول- في الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك صريحا و ظاهرا في المبسوط و التذكرة و التنقيح و الكفاية علي ما حكي عن بعضها عليه «1»».

أدلّة مملّكية الإحياء 2- عمدة ما استدل به علي مملّكية الإحياء هي النصوص الصحاح المستفيضة بل المتواترة.

مثل صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألته عن الشّراء من أرض اليهود و

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 10.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 6

______________________________

النّصاري. قال (ع): ليس به بأس. إلي أن قال.. و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوه فهم أحقّ بها و هي

لهم». «1» و صحيحة أبي بصير «2» قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن شراء الأرضين من أهل الذّمّة. فقال (ع): لا بأس بأن يشتريها منهم. إذا عملوها و أحيوها فهي لهم».

هاتان الصحيحتان دلّتا علي مملّكية الأحياء. و ذلك: أوّلا: بقرينة تجويز شراء الأرض منهم و انّ جواز الشراء فرع الملكية و ثانيا: لأجل ظهور اللام في قوله: «و هي لهم» في الملكية و لا سبب غير الأحياء لملكية الأرض لهم لان ظاهرها تطبيق الامام (ع) كبري «و أيّما قوم أحيوا..» عليهم.

و مثلها صحيحة أخري لمحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: «و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها و هي لهم «3»». و مثلها مرسلة الصدوق «4». و بقرينة هذه النصوص يعلم ان في صحيحة محمد بن مسلم الثالثة يكون المراد من قوله (ع): «فهم أحق بها «5»» ملكية الأرض لهم بالاحياء.

و ممّا يدلّ علي ذلك صحيحة الفضلاء عن الباقر (ع) قال (ع): قال

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 326- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 330- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 326- ح 4 و 7.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 326- ح 4 و 7.

(5) الوسائل/ ج 17- ص 326- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 7

______________________________

رسول اللّه (ص): «من أحيي أرضا مواتا فهي له «1»» و مثلها صحيحة زرارة. «2»

و صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: «أيما رجل أتي خربة بائرة فاستخرجها و كري أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصّدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض

للّه و لمن عمرها «3»».

و موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): «من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد أو أحيي أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله «4»». و يؤيّد ذلك ما نقل عن النبي (ص): «من أحاط حائطا علي الأرض فهي له «5»». و في آخر: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي «6»».

من العدوة- بضم العين و كسرها- اي جانب الوادي و حافته و المقصود هنا الأرض الموات لوقوعها في جوانب الأودية. و في ثالث: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون «7»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 327- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 327- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 328- ب 3- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 328- ب 2- ح 1.

(5) مستدرك/ ب 1- من كتاب احياء الموات/ ح 3.

(6) مستدرك/ ب 1- من كتاب احياء الموات/ ح 5.

(7) سنن البيهقي/ ج 6- ص 143.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 8

______________________________

و يدلّ علي ذلك أيضا صحيحة عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و كري أنهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال أبو عبد اللّه (ع): كان أمير المؤمنين (ع) يقول: من أحيي أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها «1» يؤدّيه إلي الإمام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه علي أن تؤخذ منه «2»».

هذه جملة من النصوص المعتبرة دلّت بعمومها علي مملّكية الإحياء

بتعابيرها المختلفة. و ممّا يمكن الاستدلال به أيضا علي مملّكية الإحياء ما دلّ من النصوص علي ملكية الأراضي المفتوحة عنوة لجميع المسلمين نظرا إلي توقّفها علي انتقال الأرض من الكفار إليهم. و هذا فرع كون الكفار مالكين بالاحياء و إلّا لبقي علي حال الموتان فيكون ملك الامام من دون كونها ملك المسلمين «3».

و قد يستدلّ علي ذلك أيضا بصحيحة سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرّجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ماذا عليه؟ قال (ع): الصّدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال (ع):

______________________________

(1) هو الخراج الذي قرّر أداؤه الي الامام.

(2) الوسائل/ ج 6- ص 383- ح 13.

(3) كما قال في الجواهر/ ج 38- ص 15.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 9

______________________________

فليؤدّ إليه حقّه «1»».

بتقريب أنّ أمره (ع) بأداء حقّ صاحب الأرض ظاهر في بقاء ملكيّتها له و هو فرع كونه مالكا بالإحياء. فهي دلّت بذلك علي مملّكية الأحياء.

و فيه ما لا يخفي: لان انحصار سبب ملكية الأرض للمالك السابق في الأحياء أوّل الكلام. بل مقتضي الجمع بينه و بين صحيحة معاوية بن وهب حملها علي كون الملك السابق بسبب غير الأحياء كالشراء أو الهبة أو الأرت علي مسلك المشهور. و سيأتي بيانه مفصّلا في حلّ هذا التعارض.

و الحاصل ان هذه العمومات دلّت علي مملّكية الأحياء في كلّ أرض موات. و هذا العموم لا مخالف له من النصوص في الموات بالأصل التي لم تسبق بالعمران. فلا اشكال و لا كلام في كون الأحياء سببا للملك في الموات بالأصل.

و أمّا في الموات بالعارض المسبوق بالملك، فالمسبوق منها بملك المسلم تارة: يكون سبب الملك السابق

هو الأحياء. و اخري: يكون السبب غيره كالشراء و الهبة و الإرث. فعلي الثاني لا خلاف انه لا يملكها شخص بالاحياء عند موتها بترك المالك الأوّل. و إنّما الكلام في الصورة الأولي: و هي ما إذا تملّكها المالك السابق بالاحياء. فوقع الكلام حينئذ أنّ الملكية السابقة هل تزول بترك المالك السابق و عروض الموت فيدخل في ملك المحيي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 329- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 10

______________________________

الثاني، أم لا؟ كما أشار الي ذلك في التذكرة. حيث قال: «لو لم تكن الأرض التي من بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنّها كانت قبل ذلك معمورة و جري عليها ملك مسلم، فلا يخلو إمّا أن يكون المالك معيّنا أو غير معيّن فان كان معيّنا فإمّا أن تنتقل اليه بالشراء أو العطية و شبهها أو بالإحياء فإن ملكها بالشراء و شبهه لم تملك بالاحياء بلا خلاف».

و قال في الجواهر: «و بالجملة المسلّم من الإجماع المزبور- أي الذي ادّعاه في التذكرة- إذا ملكه بغير الإحياء كالشراء من الامام (ع) مثلا. أمّا إذا كان أصل الملك بالاحياء ثم باعه من آخر أو ورثه منه آخر فالظاهر جريان البحث في بقاء الملك لمن هو له علي نحو الملك بالاحياء «1»».

و منه يعلم ان المقصود بالاحياء أعمّ ممّا إذا كان هو السبب الأصلي للملك و منشأ الأسباب اللاحقة، و ممّا إذا كان سببا فعليا لاحقا. و عليه فتدخل الأرض المشتراة و الموروثة و نحوهما ممّا كان مسبوقا بالإحياء في المملوكة بالاحياء.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 21.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 11

سواء كان في دار الإسلام أو في دار الكفر (1) و

سواء كان في أرض الخراج كأرض العراق أو في غيرها (2).

______________________________

حكم أقسام الموات بالأصل 1- الموات بالأصل تارة: تكون في دار الإسلام و أخري في دار الكفر.

فالواقع منها في دار الكفر هل يملك بالإحياء أم لا؟ خلاف.

و التحقيق أنّ الإحياء مملّك مطلقا بلا فرق بين دار الإسلام و دار الكفر و ذلك لعموم قوله: «أيّما قوم أحيوا أرضا فهي لهم» لشموله ما إذا أحيي القوم الكافرون موات بلاد الشرك بل هو المفروض في صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألته عن الشّراء من أرض اليهود و النّصاري قال: ليس به بأس.. و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم «1»». فان ظاهر نفي البأس عن الشراء كون الأرض ملكا لهم. كما أنّ ظاهر تطبيقه (ع) كبري «أيّما قوم أحيوا» عليهم كون تملّكهم بالاحياء. لأنّ من الواضح أنّ اليهود و النصاري يحيون أراضي أوطانهم و بلادهم، لا غيرها.

(2) و ذلك لكونها ملكا لعموم المسلمين بدلالة النصوص المتظافرة و لذا نهي فيها عن بيعها و شرائها مثل صحيحة الحلبي. قال: «سئل أبو عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 326- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 12

______________________________

(ع) عن السّواد ما منزلته؟ فقال (ع): هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، قلت: الشّراء من الدّهاقين؟ قال (ع): لا يصلح إلّا أنّ تشتريها منهم علي أن تصيّرها للمسلمين فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها «1»».

و ما رواه في التهذيب بإسناده عن أبي بردة بن رجا قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): «كيف تري في شراء أرض الخراج؟ قال

(ع): و من يبيع ذلك و هي أرض للمسلمين؟ قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده قال: و يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثمّ قال: لا بأس اشتري حقّه منها و يحوّل حقّ المسلمين عليه.. «2»».

و صحيحة أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «لا تشتر من أرض السّواد شيئا إلّا من كانت له ذمّة فإنّما هي في ء للمسلمين «3»».

لكن هذا في العامرة منها حال الفتح كما يشير اليه لفظ السواد و اما الموات منها حال الفتح فيملك بالاحياء كما في الجواهر. قال: «بلا خلاف أجده فيه بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيّه مستفيضا أو متواترا مضافا الي النصوص «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 346- ب 18- ح 1 و ج 12- ص 274- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 11- ب 71- ص 118- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 12- ص 274- ح 5.

(4) الجواهر/ ج 38- ص 18.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 13

______________________________

و من تلك النصوص التي أشار إليها في الجواهر- مضافا الي عموم ما دلّ منها علي جواز احياء كلّ أرض موات- صحيح عمر بن يزيد حيث دلّ علي جواز تملّك أرض الخراج الموات بالاحياء.

رواه في التهذيب بسنده الصحيح عن عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و كري أنهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا قال: فقال أبو عبد اللّه (ع):

كان أمير المؤمنين (ع) يقول: من أحيي أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يعيده إلي الإمام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه علي أن

تؤخذ منه «1»». فان المراد فيها من الأرض هو أرض الخراج بقرينة إيجاب الطسق و أخذه الإمام منها كما سبق في صحيح الحلبي. و الطّسق- علي وزن فلس- هو خراج الأرض كما قال الجوهري.

و من هنا يكون المقصود من الأحقّية في قوله (ع): «فمن أحيي أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلي الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها. فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلي الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها «2»» في خبر أبي خالد الكابلي هو الملكية. و علي فرض التعارض بينهما لظهوره في مجرّد

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6- ص 382- ح 13.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 329- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 14

و سواء كان المحيي مسلما أو كافرا (1).

______________________________

الأحقّية- يرفع اليد من خبر الكابلي لضعف سنده.

و الحاصل أنّ أرض الخراج الموات بالأصل- حال الفتح- داخلة في ملك الامام و معدودة من الأنفال و يملك بالاحياء دون العامرة منها حال الفتح الّتي طرأ عليها الموتان بعد ذلك. فإنّها من الموات بالعارض لا بالأصل. و كلام الماتن (قده) في الموات بالأصل.

(1) في عدم اشتراط الإسلام في جواز الإحياء 1- ظاهر كلام الفقهاء عدم تملّك الكافر الأرض الموات بالاحياء من دون اذن الامام (ع). بل نقل في التذكرة الإجماع علي ذلك. قال فيها:

«إذا أذن الامام (ع) لشخص في إحياء الأرض ملكها المحيي إذا كان مسلما و لا يملكه الكافر بالاحياء و لا بإذن الإمام له في الأحياء فان أذن له الإمام فأحياها لم يملك عند علمائنا».

و قال في

جامع المقاصد: «يشترط كون المحيي مسلما فلو أحياه الكافر لم يملك عند علمائنا و ان كان الإحياء بإذن الإمام (ع)». و نحو ذلك ما في الدروس و الروضة فأشكلوا حتي فيما أذن الامام (ع). و قال بعضهم بأن الإشكال في أصل اذن الامام بعد نفي الاشكال عن جواز تملّكهم إذا أذن

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 15

______________________________

عليه السلام. و لكن هذا البحث لا طائل تحته نظرا إلي عصمة الإمام. فلا إشكال في أصل الاذن و لا في جواز تملّك الكافر بالإحياء حينئذ لأنّ الأرض كلّها لهم، كما ورد في النصوص المتواترة. فيجوز لهم الاذن في الأحياء و تملّك الموات به لأيّ شخص شاءوا بلا فرق بين المسلم و الكافر. كما قال في الجواهر «1».

و إنّما الكلام في صدور الاذن منهم (ع) و قد صدر علي النحو العام بمثل صحيحي محمد بن مسلم و أبي بصير المذكورين في أوّل البحث.

هذا مضافا الي ما قاله في الجواهر: «يمكن القطع به من ملك المسلمين ما يفتحونه عنوة من العامرة في أيدي الكفار و ان كان قد ملكوه بالاحياء و لو أنّ أحياءهم فاسد- لعدم الاذن- لوجب ان يكون علي ملك الامام (ع) و لا أظنّ أحدا يلتزم به» «2». بيان مقصوده أن ملكية الأرض المفتوحة عنوة لعموم المسلمين لا تكون إلّا بانتقال الأرض من ملك الكفار إليهم. و هذا فرع كونهم مالكين بالاحياء مع فرض عدم اذن الامام (ع) بالاحياء. و ذلك كاشف عن عدم اعتبار إذن الامام في تملّك الكفار الموات بالاحياء.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 12.

(2) الجواهر/ ج 38- ص 15.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 16

مسألة 2: الموات بالعارض- الذي كان مسبوقا بالملك و الأحياء إذا لم يكن له مالك معروف- علي قسمين:

الأوّل: ما باد

أهلها و صارت بسبب مرور الزمان و تقادم الأيّام بلا مالك. و ذلك كالأراضي الدارسة و القري و البلاد الخربة و القنوات الطامسة التي كانت للأمم الماضين الذين لم يبق منهم اسم و لا رسم أو نسبت إلي أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم الّا الاسم.

الثاني: ما لم تكن كذلك و لم تكن بحيث عدّت بلا مالك بل كانت لمالك موجود و لم يعرف شخصه و يقال لها: مجهولة المالك.

فأمّا القسم الأول فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال و انه يجوز إحياؤه و يملكه المحيي (1) فيجوز إحياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها آثار الأنهار و السواقي و المروز و تنقية القنوات و الآبار المطمومة و تعمير الخربة من القري و البلاد القديمة التي بقيت بلا مالك.

______________________________

(1) لصريح النصوص المتواترة حيث عدّت فيها الأراضي الدارسة و ما باد أهلها و ما تركها أو جلا عنها أهلها و كلّ ارض لا ربّ لها من الأنفال و أنّها لمن أحياها. و قد ذكرنا عدّة منها في أوّل البحث و هي مذكورة بتمامها في كتاب الأنفال خصوصا في الباب الأوّل منها، فراجع. مضافا الي عدم الخلاف في ذلك.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 17

و لا يعامل معها معاملة مجهول المالك.

و لا يحتاج (1) الي الاذن من حاكم الشرع أو الشراء منه بل يملكها المحيي و المعمّر بنفس الأحياء و التعمير. و اما القسم الثاني فالأحوط الاستئذان فيه من الحاكم في الأحياء و القيام بتعميره و التصرف فيه.

كما أنّ الأحوط معاملة مجهول المالك (2) معه. بأن يتفحّص عن صاحبه و بعد اليأس يشتري عينها من حاكم الشرع و يصرف ثمنه علي الفقراء، و إمّا

أن يستأجرها منه بأجرة معينة أو يقدّر ما هو أجرة مثلها لو انتفع بها و يتصدّق بها علي الفقراء. و الأحوط الاستئذان منه. نعم لو علم أنّ مالكها قد أعرض عنها أو انجلي عنها أهلها و تركوها لقوم آخرين جاز إحياؤها و تملّكها بلا إشكال.

______________________________

(1) لصدور الاذن العام منه (ع) بنفس تلك النصوص الدالة علي جواز إحياء كلّ أرض باد أهلها أو جلا عنها و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها أو تركها أهلها و نحو ذلك.

(2) قد يوجّه عدم مملّكية الأحياء و معاملة المجهول المالك مع الأرض الموات في هذه الصورة، بعمومات مجهول المالك الواردة في اللقطة. مثل ما رواه الكليني بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال:

«سألته عن اللّقطة. قال: لا ترفعها فإن ابتليت بها فعرّفها سنة فإن جاء طالبها و

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 18

______________________________

إلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك حتي يجي ء لها طالب فإن لم يجي ء لها طالب فأوص بها في وصيّتك «1»».

و ما رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه قال: «و سألته عن الرّجل يصيب اللّقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدّق بها فيأتي صاحبها، ما حال الذي تصدّق بها و لمن الأجر؟ و هل عليه أن يردّ علي صاحبها أو قيمتها؟ قال (ع): هو ضامن لها و الأجر له إلّا أن يرضي صاحبها.. «2»».

و لكنها غير مربوطة بالمقام لاختصاصها باللّقطة و هي مختصّة بالمنقول.

لان مادّة «لقط» و الالتقاط بمعني الأخذ و اللّقيط في أصل اللغة بمعني الشي ء المنبوذ الذي وجد و أخذ من غير طلب و فحص و إنّما يختصّ إطلاق ذلك بالمنقول لوضوح عدم

صحة إطلاقه علي الأرض حيث لا يقال إن فلانا التقط الأرض. مضافا الي ظهور نصوص اللقطة في الأشياء المنقولة لقرائن داخلية بل صرّح بذلك في بعضها. مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام:

قال: «سألته عن الرّجل يصيب اللّقطة دراهم أو ثوبا أو دابّة كيف يصنع؟

قال (ع): يعرّفها سنة فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتي يجي ء طالبها فيعطيها إيّاه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 351- ح 10.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 14.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 352- ح 13.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 19

______________________________

حيث فسّرت اللقطة فيها بالمنقولات. و كذا غيرها من النصوص.

بل عمدة الوجه بعض النصوص الدالّة علي ان المال الذي اصابه الرجل و وجده و لا يعرف له مالكا يكون صاحبه الإمام و يجب صرفه في وجوه البرّ من التصدّق علي الفقراء و غيره باذنه (ع):

منها: معتبرة داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قال رجل: إنّي قد أصبت مالا و إنّي قد خفت فيه علي نفسي و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه. قال: فقال له أبو عبد اللّه (ع): و اللّه إن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: إي و اللّه قال (ع): فأنا و اللّه، ماله صاحب غيري. قال: فاستحلفه أن يدفعه إلي من يأمره قال:

فحلف. فقال (ع): فاذهب فاقسمه في إخوانك و لك الأمن ممّا خفت منه: قال فقسّمته بين إخواني «1»».

فإنّ المال يطلق علي كل شي ء يتموّل سواء كان منقولا أم غير منقول فيشمل الأرض الموات الذي لم يعرف مالكه. و إن كان دعوي ظهورها في المال المنقول بمقتضي السياق غير مجازفة، نظرا

إلي تعبير السائل بقوله:

«أصبت مالا» و أمر الإمام بالقسمة.

و أما وجه جواز تملّكها بالاحياء عمومات الأنفال فإنها دلّت علي كون كلّ أرض خربة من الأنفال و انها تملك بالاحياء فتشمل بعمومها الأرض الخربة التي لم يعرف مالكها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 357- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 20

______________________________

و مما يدلّ علي ذلك صحيحة معاوية بن وهب قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول أيّما رجل: أتي خربة بائرة فاستخرجها و كري أنهارها و عمّرها فإنّ عليه فيها الصّدقة فإن كانت أرض لرجل فغاب عنها فأخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه و لمن عمرها «1»».

و مثلها صحيحة عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها و كري أنهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال أبو عبد اللّه (ع): كان أمير المؤمنين يقول: من أحيي أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤدّيه إلي الإمام (ع) في حال الهدنة و إذا ظهر القائم فليوطّن نفسه علي أن تؤخذ منه «2»».

فان ظاهر الصحيحة الأولي بقرينة التنكير في قوله «فإن كانت أرض لرجل» و كذا الثانية في عدم معروفية مالك الأرض و لا أقلّ من شمولهما لما إذا لم يكن المالك السابق معروفا فحكم (عليه السّلام) فيهما بأنّ الأرض للمحيي الثاني.

نعم إن صحيحة سليمان بن خالد تعارض بظاهرها صحيحة معاوية بن وهب لظهورها في عدم دخول الأرض في ملك المحيي الثاني بقرينة أمر الإمام (ع) بأداء حق المالك السابق. و سيأتي ذكرها- و لكن بعد حمل صحيحة معاوية علي ما إذا لم يكن المالك السابق

معروفا عند المحيي حال

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 328- ب 3- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 6- ص 383- ح 13.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 21

______________________________

الأحياء يرتفع هذا التعارض و الشاهد علي ذلك- مضافا الي قرينية التنكير المذكور- مفهوم قوله: «فإن كان يعرف صاحبها فليؤدّ إليه حقّها» في صحيحة سليمان.

و بناء علي هذا الجمع تدل هاتان الصحيحتان علي دخول الموات في ملك المحيي إذا لم يعرف صاحبها. و لكن سيأتي إشكال هذا الجمع من كون المعرفة طريقا لإحراز حضور المالك و عدم إعراضه عن الأرض و انه المقصود من صحيحة سليمان بن خالد.

فتبقي عمومات مملّكيّة إحياء الأرض الخربة و إطلاق ما دلّ علي جواز تملّك كلّ أرض تركها صاحبها بالاحياء سالمة- مثل صحيحة عمر بن يزيد- لشمولها ما إذا لم يكن المالك معروفا بل هو المتيقن منها و اختصاصها بصورة الإعراض لا دليل عليه غير صحيحة سليمان المبتلاة بالمعارض.

و بقرينة تلك العمومات يرفع اليد عن عمومات مجهول المالك في خصوص الأرض- مع قصورها عن شمولها للأرض لما قلناه آنفا. و لكن مع ذلك لا بد من الاحتياط بالاستئذان من حاكم الشرع لاحتمال اختصاص جميع تلك العمومات بصورة الاعراض لصحيحة سليمان، فتبقي عمومات مجهول المالك بلا معارض.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 22

مسألة 3: ان كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم

فإن أعرض عنه مالكه كان لكلّ أحد إحياؤه و تملّكه (1).

______________________________

(1) و ذلك لظهور بعض النصوص في ذلك مثل قوله: «تركها أهلها» في صحيحة عمر بن يزيد «1». و قوله: «و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها «2»» في صحيحة داود بن فرقد. و قوله: «و تركها و أخربها» في صحيحة معاوية «3». فإن هذه التعابير ظاهرة

في إعراض المالك.

هذا مضافا الي أنّ ذلك مقتضي الجمع بين صحيحتي معاوية بن وهب السابقة و بين صحيحة سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرّجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ماذا عليه؟ قال (ع):

الصّدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال (ع): فليؤدّ إليه حقّه «4»».

بيان ذلك: أنّ في المقام أعني ما إذا كان مالك الأرض الموات معلوما دلّت صحيحة معاوية بن وهب علي جواز تملّكها بالاحياء. لظهور قوله (ع):

«فإنّ الأرض للّه و لمن عمرها» في دخول الأرض في ملك الشخص المعمّر

______________________________

(1) الوسائل/ ج 6- ص 383- ح 13.

(2) الوسائل/ ج 6- ص 372- ح 32.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 328- ب 3 و 1.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 329- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 23

______________________________

بالاحياء. وجه ذلك ظهور اللام في الملكية إلّا انها إذا دخلت علي لفظ الجلالة تفيد الملكية التكوينية الحقيقية حيث لا يعقل اعتبار الملك في حقه تعالي. و لكن صحيحة سليمان بن خالد دلّت علي بقاء الأرض في ملك المالك السابق و عدم دخولها في ملك المحيي الثاني بالاحياء. و ذلك بقرينة أمره (ع) بأداء حقّ المالك الأول بقوله: «فليؤدّ إليه حقّها» فان هذا الحق لا يمكن ان يكون غير أجرة الأرض لأن المفروض صدور عمليّة الأحياء و إجراء الأنهار و تعمير الأرض من المحيي الثاني.

و بذلك يقع التعارض بينهما- بدءا- و قد جمع بينهما بوجوه، أحسنها:

حمل صحيحة سليمان بن خالد علي ما لو لم يعرض المالك السابق عن الأرض و لم يتركها و لم يغب عنها بل كان حاضرا في البلد إلّا أنه أبقي الأرض علي

حالها لعدم اهتمامه بها مسامحة أو لعدم حاجة إليها- لا لإعراضه عنها- فصارت بسبب ذلك مخروبة. و حمل صحيحة معاوية بن وهب علي ما لو أعرض المالك السابق عن الأرض و تركها و أخربها. و ذلك بقرينة قوله: «فإن كان يعرف صاحبها» في صحيحة سليمان بن خالد. فإنه ظاهر في حضور المالك السابق و عدم إعراضه حال الأحياء حيث ان المشتق ظاهر في المتلبس في الحال. فقوله: «يعرف صاحبها» أي صاحبها فعلا اي حال الأحياء. و ان إطلاق صاحب الأرض فعلا يصح إذا لم يعرض عنها المالك. و إنّ قوله: «فغاب عنها فتركها فأخربها» في صحيحة معاوية بن وهب ظاهر في عدم اعتناء المالك السابق بالأرض و لا يخلو من إشارة إلي الأرض.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 24

و إن لم يعرض عنه فإن أبقاه مواتا للانتفاع به في تلك الحال من جهة تعليف دوابّه أو بيع حشيشه أو قصبه و نحو ذلك- فربما ينتفع منه مواتا أكثر ممّا ينتفع منه محياة-، فلا إشكال في انه لا يجوز لأحد إحياؤه و التصرف فيه بدون إذن مالكه. و كذا فيما إذا كان مهتمّا بإحيائه عازما عليه و إنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات و تهيئة الأسباب المتوقعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له (1). و أمّا لو ترك تعمير الأرض و إصلاحها و أبقاها إلي الخراب من جهة عدم الاعتناء بشأنها و عدم الاهتمام و الالتفات إلي مرمّتها و عدم عزمه علي إحيائها إمّا لعدم حاجته إليها أو لاشتغاله بتعمير غيرها فبقيت مهجورة مدّة معتدّا بها حتي آلت الي الخراب (2)، فان كان سبب ملك المالك غير الأحياء مثل أنّه ملكها بالإرث أو

الشراء فليس لأحد (3) وضع اليد عليها و إحياؤها

______________________________

(1) لعدم صدق ترك الأرض حينئذ و لا إخرابها فلا تشمل نصوص المقام هذه الصورة قطعا لحضور مالكها و اهتمامه و اعتنائه بها و عزمه علي إحيائها.

(2) كما استظهرنا هذه الصورة من صحيحة سليمان بن خالد بقرينة قوله (ع): «فإن كان يعرف صاحبها». و غيرها كما مرّ آنفا.

(3) و قد مرّ بيان هذا التفصيل و دعوي الإجماع عليه من التذكرة و غيرها

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 25

و التصرف فيها إلّا بإذن مالكها. و لو أحياها أحد و تصرّف فيها و انتفع بها بزرع أو غيره فعليه أجرتها لمالكها. و ان كان سبب ملكه الإحياء بأن كانت أرضا مواتا بالأصل فأحياها و ملكها ثمّ بعد ذلك عطّلها و ترك تعميرها حتي آلت الي الخراب، فجوّز إحياءها لغيره بعضهم. و هو في غاية الإشكال بل عدمه لا يخلو من قوّة (1).

______________________________

في البحث عن مفاد أدلّة مملّكية الأحياء في الموات بالعارض.

(1) و اما وجه هذا التفصيل فقد يقال بأنه مقتضي الجمع بين صحيحتي معاوية بن وهب و سليمان بن خالد بحمل الثانية علي ما إذا كان سبب الملك السابق غير الأحياء و حمل الاولي علي ما إذا كان سببه الأحياء. لكنّه جمع تبرّعيّ لا شاهد له لوضوح أعمّيّة سبب الملك السابق في كلتا الصحيحتين. و من هنا احتاط بعض وجوبا بدفع حق المالك السابق حتي لو ملك بالاحياء و لم يعرض.

ثم انه بعد ردّ هذا الجمع- لعدم شاهد له فيهما و لا في غيرهما من النصوص- فمقتضي عمومات مملّكية الإحياء كون المحيي الثاني مالكا مطلقا سواء كان سبب الملك السابق هو إحياء أم غيره- كالشراء و

الإرث و العطيّة- من دون فرق بين الصورتين. نعم يمكن التفصيل بين ما لو أعرض المالك السابق و بين ما لو لم يعرض- كما مرّ آنفا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 26

______________________________

فحينئذ لو أعرض المالك السابق يجوز تملّك الأرض الموات بالاحياء مطلقا. و لو لم يعرض يجب علي المحيي الثاني احتياطا أن يعطيه حقّه، بلا فرق في ذلك بين ما لو كان سبب ملك السابق أحياء أو غيره.

هكذا قيل في وجه وجوب الاحتياط المذكور هنا. و لكنه في غير محلّه لأنه لو قلنا بتعيّن هذا الجمع لا مناص من القول ببقاء ملكيّة الأرض للمالك السابق. فلا وجه حينئذ لهذا الاحتياط بل يجب دفع أجرة المالك السابق. و ذلك بدليل قوله: «فليؤدّ إليه حقّه» في صحيحة سليمان بن خالد.

و لكن التحقيق تعيّن وجوب الاحتياط فيما لو ملك بغير الأحياء. لكن لا لمراعاة حق المالك السابق بل إنّما يجب الاحتياط بترك أصل الأحياء. و الوجه فيه اتفاق الفقهاء بل إجماعهم علي عدم جواز إحياء الأرض حينئذ كما نفي الخلاف عن ذلك في التذكرة. و قال في الجواهر: «و بالجملة المسلّم من الإجماع المزبور- أي الذي ادعاه في التذكرة و غيره- إذا ملكه بغير الأحياء كالشراء من الامام (ع) مثلا «1»».

و لا يخفي ان المتيقن من هذا الإجماع ما إذا كان الشراء من الامام و اما إذا اشتراها ممّن أحياها فيمكن دخولها فيما كان سبب ملكه الأحياء كما قال في الجواهر- بعد القول المزبور-: «اما إذا كان أصل الملك بالاحياء ثم باعه من آخر أو ورثه من آخر فالظاهر جريان البحث في بقاء الملك لمن هو له علي

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 21.

دليل تحرير الوسيلة

- إحياء الموات و اللقطة، ص: 27

______________________________

نحو الملك بالاحياء «1»». و ظاهر الماتن «قده» خلاف ذلك فتأمّل جيّدا.

ثم انه يمكن الجمع بين هاتين الصحيحتين بوجهين آخرين.

أحدهما: حمل صحيحة معاوية بن وهب علي ما إذا لم يكن المالك السابق معروفا حين الأحياء كما يشير اليه التنكير في قوله: «فإن كانت أرض لرجل» و لا يخلو قوله: «ثمّ جاء بعد يطلبها» من إشارة إلي ذلك. و ذلك بمفهوم قوله: «فإن كان يعرف صاحبها» في صحيحة سليمان بن خالد. فان مفهومه عدم ثبوت حق للمالك الأوّل لو لم يعرفه المحيي.

و أشكل علي هذا الجمع بان العلم طريق إلي معرفة المالك و لا يتوقف واقع الملكية علي علم المحيي حتي يكون علمه دخيلا في كون الأرض ملكا للمالك السابق. و من هنا لو كان المالك السابق حاضرا في البلد غير معرض عنها حين الأحياء و لكن لم يعرفه المحيي ثم عرفه بعد الأحياء و التفت إلي حضوره في البلد من حين الأحياء لم يقل أحد بكونها ملكا للمحيي.

و يمكن الجواب عنه: بأنّ أحكام الشرع توقيفية و حتي في المعاملات يكون تعيين شرائط الملكية بيد الشارع. و إنّما دلّ الدليل في المقام علي دخل معروفية المالك السابق في سببية الإحياء للملك. و ذلك لظهور الجملة الشرطية في قوله: «فإن كان يعرف صاحبها» في ذلك. هذا مضافا الي فتوي المشهور بذلك كما قال في الجواهر «2». و استدلّ لهم بأصالة بقاء الملك

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 21.

(2) الجواهر/ ج 38- ص 23.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 28

مسألة 4: كما يجوز إحياء القري الدارسة و البلاد القديمة [يجوز حيازة أجزائها الباقية من أحجارها و أخشابها و..]

التي باد أهلها و صارت بلا مالك بجعلها مزرعا أو مسكنا أو غيرهما، كذا يجوز حيازة (1) أجزائها الباقية من

أحجارها و أخشابها و آجرها و غيرها و يملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملّك.

______________________________

بمقتضي العمومات ما لم يثبت التخصيص بالدليل و عدم معلومية كون مجرّد الخراب مزيلا للملك السابق مؤيدا بصحيحة سليمان بن خالد.

و ثانيهما: حمل الأمر بأداء حق المالك السّابق في قوله (ع): «فليؤدّ إليه حقّه» في صحيحة سليمان بن خالد علي الاستحباب.

(1) و الدليل علي ذلك مضافا الي استقرار سيرة العقلاء علي تملّك الأشياء المنقولة بالحيازة- عموم بعض نصوص اللقطة مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقته حتّي أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها و إنّما هي مثل الشّي ء المباح «1»». فإنّ قوله: «إنّما هي مثل الشّي ء المباح» بضميمة قوله: «ممّا لم يتبعه..». دلّ علي أنّ كلّ مال أعرض عنه صاحبه فتركه و لم يتبعه يكون في حكم الشي ء المباح و يجوز تملّكه بالحيازة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 29

______________________________

و مثلها في الدلالة بعض نصوص اللقطة الظاهرية في جواز تملّك ما وجد في أرض أو دار خربة هلك أو جلا أهلها بحيث يكون المالك مأيوسا من رجوع المالك، بلا حاجة الي التعريف.

كصحيح محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال: «سألته عن الدّار يوجد فيها الورق. فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال أحقّ به «1»».

و صحيحه الآخر عن أحدهما (ع) في حديث قال:

«و سألته عن الورق يوجد في دار. فقال (ع): إن كانت معمورة فهي لأهلها فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت «2»».

و هاتان الروايتان و ان لا ترتبطان بالمقام- لورودهما في مورد التقاط الورق و انما الكلام في الأسباب و آلات الدار المخروبة و الأرض الموات من الآجر و الخشب و الحديد و الأحجار، و لكن ظاهر الشرطية في ذيلهما أنّ كلّ مال وجد في أرض أو دار خربة يطمأنّ بإعراض مالكها عن ذلك الشي ء أو جلائه أو هلاكه أو علم بعدم رجوعه، يجوز تملّكه بالحيازة من دون حاجة إلي التعريف. لإطلاق قوله (ع): «و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال أحقّ به» في الصحيحة الاولي. و قوله: «و إن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت» في الثانية. فإنّ هاتين الشرطيتين بمنزلة الكبري الشاملة لأيّ مال

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5- ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5- ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 30

مسألة 5: لو كانت الأرض موقوفة و طرأ عليها الموتان و الخراب

فان كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها و أنّها خاصّ أو عام أو وقف علي الجهات و لم يعلم من الاستفاضة و الشهرة غير كونها وقفا علي أقوام ماضين لم يبق منهم اسم و لا رسم أو قبيله لم يعرف منهم إلّا الاسم، فالظّاهر أنها من الأنفال. فيجوز (1) إحياؤها كما إذا كان الموات المسبوق بالملك علي هذا الحال. و إن علم أنّها وقف علي الجهات و لم تتعيّن بأن علم أنّها وقف إمّا علي مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها و لم يعلمها بعينها أو علم

أنّها وقف علي اشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم و أعيانهم كما إذا علم أنّ مالكها قد وقفها علي ذريته و لم يعلم من الواقف و من الذريّة، فالظاهر أنّ ذلك بحكم الموات المجهول المالك الذي نسب الي المشهور القول بأنّه من الأنفال. و قد مرّ ما فيه من الاشكال بل القول به هنا أشكل. و الأحوط

______________________________

موجود في الصحاري و القنوات و الخرابات ممّا لم يعلم له مالك أو علم إعراضه عنه.

(1) ان للموات الموقوفة أقساما:

الأوّل: ما لم تعلم كيفية وقفه من أنّه وقف علي الجهات أو الأشخاص أو أنّه عام أو خاص.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 31

الاستئذان من الحاكم لمن أراد إحياءها و تعميرها و الانتفاع بها بزرع أو غيره بأن يصرف أجرة مثلها في الأوّل في وجوه البرّ و في الثاني علي الفقراء بل الأحوط خصوصا في الأوّل مراجعة حاكم الشرع و امّا لو طرأ الموتان علي الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم فلا ينبغي الإشكال في انه لو أحياه أحد و عمّره وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل. و دفعها و إيصالها إلي الموقوف عليهم المعلومين في الثاني. و ان كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه و تعميره و مرمّته إلي أن آل إلي الخراب. لكن ليس لأحد إحياؤها و التصرف فيه مع وجود المتولّي المعلوم إلّا بإذنه أو الاستئذان من الحاكم مع عدمه في الأوّل و من المتولي أو الموقوف عليهم ان كان خاصّا أو الحاكم ان كان عاما في الثاني.

______________________________

الثاني: ما علم أنّه وقف لقوم الّا انه لم يبق فرد لذلك القوم و لم يعلم منهم الّا الاسم. و هذان القسمان في حكم

الموات بالأصل و لا كلام في جواز إحيائها و تملّكها بالعمران و ذلك للعمومات الدالة علي كون كلّ أرض خربة لا ربّ لها أو باد أهلها أو تركوها أو جلوا عنها من الأنفال و أنّها لمن أحياها، من دون فرق بين كونها مسبوقا بالملك أو الوقف. و نقلنا كثيرا منها في أوّل البحث و قد ذكرت جميعها في الباب الأوّل من كتاب الأنفال، فراجع.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 32

______________________________

الثالث: ما علم وقفه لجهة إلّا انه لم تعلم تلك الجهة بعينها أنها المدرسة أو المقبرة أو المسجد أو الفقراء و نحو ذلك من الجهات.

فنسب الي المشهور جواز إحيائه كما مرّ سابقا في الموات المجهول المالك. و لكن يمكن الإشكال بأنّ المتيقّن من الجهة الموقوف عليها هو مطلق وجوه الخيرات و المبرّات. فلا بدّ من صرف منافعه بعد الأحياء في ذلك بإذن الحاكم، عملا بعموم: «الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها» لا لعمومات المجهول المالك لعدم اندراجه في هذا العنوان.

الرابع: ما علم وقفه للأشخاص إلّا أنّهم غير معلومين بآحادهم فيعامل معه حينئذ معاملة المجهول المالك فيجب الفحص عن الموقوف عليه. و بعد اليأس يتصدّق به علي الفقراء بإذن الحاكم كما هو المستفاد من معتبرة داود بن أبي يزيد «1» السابقة و غيرها. فلا يجوز إحياؤه حينئذ لما مرّ سابقا فراجع.

الخامس: ما علم وقفه لجهة خاصّة أو أشخاص معيّنين فلا إشكال حينئذ في انه يجب علي المحيي دفع أجرة المثل في تلك الجهة الخاصّة أو إلي الأشخاص الموقوف عليهم و يجب عليه الاستئذان من المتولّي أو الموقوف عليهم في أصل الأحياء لكونه تصرّفا في ملكهم لا يجوز بغير إذنهم.

و لا يدخل مثل هذا الأرض

فيما لا ربّ لها حتي تدخل في عمومات الأنفال بل لها ربّ- من المتولي أو الموقوف عليهم- فلا مناص من العمل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 357- ح 1، قد مر ذكرها في/ ص 18.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 33

______________________________

بعموم: «الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها «1»».

السادس: ما علم أصل وقفيتها لكن تردّد بين وقفه لجهة خاصة أو للذّرّية و لم يعلم أحدهما بعينه. فمقتضي الاحتياط حينئذ أن يصرف المحيي اجرة المثل في تلك الجهة المعينة بإجازة الذرية. و الوجه في ذلك أنّ بالعلم الإجمالي بالوقف- إمّا للجهة المعينة أو للذرية- يتنجّز وجوب العمل بالوقف.

و لذا يجب مراعاة كلا طرفي العلم و هي انما تكون بصرف منافعها في تلك الجهة بإذن الموقوف عليهم و لو لم يأذنوا يرجع الي الحاكم و كذا يجب الاستئذان منهم أو منه في أصل الأحياء.

و اما استصحاب العنوان الموقوف عليه في القسم الثاني إذا احتمل وجود فرد من القوم الموقوف عليهم- بعد العلم بهلاك الإفراد الماضين منهم- فيكون من قبيل القسم الرابع من استصحاب الكلّي حيث يحتمل حدوث فرد آخر من العنوان مقارنا لارتفاع الفرد السابق أو قبله. و التحقيق عدم جريان هذا القسم من الاستصحاب.

هذا مضافا إلي أمارية خراب الأرض و اندراسها علي عدم وجود صاحب طالب لها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13- ص 295- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 35

إحياء الحريم و أحكامه

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 37

مسألة 6: إذا كان الموات بالأصل حريما لعامر مملوك لا يجوز (1) لغير مالكه إحياؤه

و إن أحياه لم يملكه. و توضيح ذلك انّ من أحيي مواتا لإحداث شي ء من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها تبع ذلك الشي ء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشي ء الحادث ممّا يحتاج إليه لتمام الانتفاع به و يتعلّق بمصالحه عادة. و يسمّي ذلك المقدار التابع حريما لذلك المتبوع و يختلف مقدار الحريم زيادة و نقيصة باختلاف ذي الحريم. و ذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح و المرافق المحتاج إليها. فما يحتاج اليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر و النهر مثلا. و هكذا باقي الأشياء.

بل يختلف ذلك باختلاف البلاد و العادات أيضا. فإذا أراد شخص إحياء حوالي ماله الحريم لا يجوز له إحياء مقدار الحريم بدون اذن المالك و رضاه و إن أحياه لم يملكه و كان غاصبا.

______________________________

(1) قد استدلّ علي عدم جواز احياء الحريم بأمور:

منها: إجماع الفقهاء كما عن جامع المقاصد و التذكرة و غيرهما. و أتّكل عليه في الجواهر «1» فقال: بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل في التذكرة «لا نعلم خلافا بين علماء الأمصار..» بل عن جامع المقاصد

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- 35.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 38

______________________________

الإجماع عليه و هو الحجّة، انتهي.

و لا يخفي عدم الاعتماد علي مثل هذا الإجماع لاحتمال استناد المجمعين الي بعض الوجوه المستدلّ بها في المقام.

منها: قاعدة نفي الضرر كما استدلّ به في الجواهر.

و تقريب الاستدلال بها أنّ جواز إحياء الحريم ممّا يوجب الضرر علي ذي الحريم و يزاحمه في الانتفاع من ملكه. لان المفروض احتياج المالك في تمام

الانتفاع من ملكه الي الحريم، حتي يعبر عنه أو يبلّ الطين فيه لصنع الحائط أو يجمع ضيعته و غلّاته و أخشاب الأشجار فيه. و هذا حقّ ثابت لمالك تلك الأرض أو الدار أو البستان. و إنّ جواز إحياء حريمه يوجب حرمان المالك من حقّه و تضرّره بذلك.

و فيه: ان ورود الضرر عليه غير معلوم لإمكان فعل جميع المذكورات غير العبور- مما يتمّ الانتفاع من الملك بها- في داخل ملكه. نعم يكون احياء حريمه مزاحما لحقه و هو غير الضرر عليه. لأنه نقص في المال و لا يرد بذلك عليه نقص.

و منها: سيرة العقلاء، حيث يكون الانتفاع من الحريم عندهم حقّا ثابتا مسلّما للمالك. و لا يجيزون أحدا التجاوز اليه و تصرفه بدون إذن المالك. و إنّ الشارع لم يردع عنها بل يستفاد من بعض النصوص إمضاؤها كما يأتي ذكرها.

و منها: النصوص المعتبرة بعضها الدالة علي أحقّية المالك بحريم ملكه

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 39

______________________________

أو حريم ضيعته و متاعه.

مثل ما رواه الكليني و الشيخ بإسنادهما عن محمد بن عبد اللّه قال:

«سألت الرّضا (ع) عن الرّجل تكون له الضّيعة و تكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا أو أقلّ أو أكثر، يأتيه الرّجل فيقول أعطني من مراعي ضيعتك و أعطيك كذا و كذا درهما. فقال (ع): إذا كانت الضّيعة له فلا بأس «1»».

لا إشكال في دلالة هذا الخبر لأنّ قوله: «إذا كانت الضّيعة له فلا بأس» ظاهر في أنّ لصاحب الضيعة حقّا في الأرض بتبع ملكية ضيعتها. لصيرورة الأرض حريما له بجمع الضيعة فيها و يجوز له أخذ تلك الدراهم في قبال رفع اليد عن حقّه. فلا يكون أكلا للمال بالباطل كما توهّمه

السائل بلحاظ عدم ملكية رقبة الأرض لصاحب الضيعة بمجرّد جعل الضيعة فيها. فبهذا التقريب تدل هذه الرواية علي أنّ للمالك حقّا في حريمه و لا يجوز لغيره التصرف فيه و تملّكه بدون اذنه.

و لكن وقع في سندها محمد بن عبد اللّه. و عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا (ع) و عدّه البرقي من أصحاب الكاظم. و هو لم يعرف بمدح و لا قدح. فمن هنا لا يخلو سندها من مناقشة. و ان لا يبعد القول باعتبارها نظرا الي تعبير الشيخ و البرقي في توصيفه بأنه من أصحاب الرضا (ع) و لعلّه نظر صاحب الجواهر في استظهار صحته.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 336- ب 9- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 40

______________________________

و ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عن إدريس بن زيد عن أبي الحسن (ع) قال: «سألته و قلت: جعلت فداك إنّ لنا ضياعا و لنا حدود و لنا الدّوابّ و فيها مراعي و للرّجل منّا غنم و إبل و يحتاج إلي تلك المراعي لإبله و غنمه أ يحلّ له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال (ع): إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي و يصير ذلك إلي ما يحتاج إليه. قال: و قلت له: الرّجل يبيع المراعي، فقال (ع): إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس «1»».

فإن قوله (ع): «إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي و يصير ذلك إلي ما يحتاج إليه» دلّ بمفهومه علي انه لو لم يكن ذلك المرعي أو مكان جمع الضيعة ملكه لا يجوز له أن يمنع صاحب الضيعة منه. و مرجع ذلك الي صيرورة مكان جمع الضيعة و المرعي حريما لصاحب الضيعة و الرّاعي و

انه يوجد له بذلك حقّ فيه و ليس لغيره منعه منه. و يدلّ ذيل هذا الخبر علي عدم كونه مالكا للحريم بل له مجرد حق فيه و لذا منع (ع) عن بيعه و أما أخذ الدراهم- المذكور في خبر محمد بن عبد اللّه- فإنّما هو بإزاء رفع اليد عن حقّه.

و أمّا سند هذا الخبر فالأقوي اعتباره حيث لا كلام في غير إدريس بن زيد. و انّه ممدوح حيث عبّر الصدوق (ره) عنه بصاحب الرضا (ع) فهذه الرواية حسنة لأجل ذلك.

و التحقيق تمامية الاستدلال بالسيرة و هذين الخبرين.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 276- ب 22- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 41

مسألة 7 [البحث في حريم الدار و الحائط و النهر]

حريم الدار مطرح ترابها و كناستها و رمادها و مصبّ مائها و مطرح ثلوجها و مسلك الدخول و الخروج منها في الصوب الذي يفتح اليه الباب. فلو بني دارا في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها فليس لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضي صاحب الدار. و ليس المراد من استحقاق الممرّ في قبالة الباب استحقاقه علي الاستقامة و علي امتداد الموات، بل المراد ان يبقي

______________________________

هذا مضافا الي تأييد ذلك بالنبوي المرسل: «من أحيي ميتة في غير حقّ مسلم فهي له «1»». حيث دلّ بمفهومه علي عدم جواز تملّك حق الغير بالإحياء و لا ريب انّ حريم الملك حقّ للمالك.

و مثله عموم ما رواه العامة: «من سبق إلي ما لم يسبقه مسلم فهو له «2»». و في المستدرك: «فهو أحقّ به «3»» فان المالك سابق إلي حريم ملكه من غيره.

(1) ان تشخيص مقدار حريم الدار موكول الي نظر العرف و ملاكه قدر حاجة صاحب الدار في الانتفاع

التام و الكامل من داره و عدم المزاحمة معه في ذلك. و لم يرد نصّ في حريم الدار.

______________________________

(1) سنن البيهقي/ ج 6- ص 142.

(2) المستدرك/ ب 1، من كتاب احياء الموات/ ح 142.

(3) سنن البيهقي/ ج 6- ص 4.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 42

مسلك له يدخل و يخرج الي الخارج بنفسه و عياله و أضيافه و ما تعلّق به من دوابّه و أحماله و أثقاله بدون مشقّة بأيّ نحو كان. فيجوز لغيره احياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممرّ و لو بانعطاف و انحراف.

و حريم الحائط (1) لو لم يكن جزء من الدار- بأن كان مثلا جدار حصار أو بستان أو غير ذلك- مقدار ما يحتاج اليه لطرح التراب و الآلات و بلّ الطين لو انتقض و احتاج الي البناء و الترميم. و حريم

______________________________

(1) حريم الحائط 1- عين ما قلناه في حريم الدار يأتي هنا أيضا. فإن حقّ الحريم ثابت للحائط و النهر- و غير ذلك ممّا أحيي في الموات- بسيرة العقلاء. و تشمل العمومات السابقة- الدالة علي استحقاق المالك لحريم ملكه- جميع هذه الموارد.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 43

النهر (1) مقدار مطرح طينه و ترابه إذا احتاج الي التنقية و المجاز علي حافتيه للمواظبة عليه و لإصلاحه علي قدر ما يحتاج اليه. و حريم البئر (2) ما تحتاج إليه لأجل السقي منها و الانتفاع بها من الموضع الذي يقف فيه النازح ان كان الاستقاء منها باليد، و موضع الدولاب و متردد البهيمة ان كان الاستقاء بهما، و مصبّ الماء و الموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض و نحوه،

و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين و غيره لو اتّفق الاحتياج اليه. و حريم العين ما تحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها و حفظها علي قياس غيرها.

______________________________

(1) حريم النهر 1- و الدليل عليه- مضافا الي السيرة و العمومات السابقة- مرفوعة إبراهيم بن هاشم: «حريم النّهر حافتاه و ما يليها «1»».

(2) ان لكل من العين و البئر و القناة نوعين من الحريم:

أحدهما: الحريم في سطح الأرض ممّا يحتاج إليه من أطرافه في الاستقاء منها و الانتفاع بها و هذا النوع مقصود الماتن «قده» هنا.

و الآخر حريمها بحسب مخازن الماء في عمق الأرض و سيأتي بيان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 239- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 44

مسألة 8 [في حريم البئر و العين و القناة في عمق الأرض]

لكل من البئر و العين و القناة- أعني بئرها الأخيرة التي هي منبع الماء و يقال لها بئر العين و أمّ الآبار و كذا غيرها إذا كان منشأ للماء- حريم آخر (1) بمعني آخر. و هو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئرا أو قناة أخري فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما بل الأحوط لحاظ الحريم كذلك بين القناتين مطلقا و ان كان الجواز في غير ما ذكر أشبه.

______________________________

مقداره. و الدليل علي ثبوت الحريم بالمعني الأول- الذي هو المقصود هنا- ما سبق من سيرة العقلاء و عمومات عدم جواز احياء الحريم و التصرف فيه.

(1) حريم البئر و العين و القناة في عمق الأرض 1- ان لكل من البئر و العين و القناة حريما خاصّا في عمق الأرض- كما قلنا آنفا. و قد حدّد مقدار هذا الحريم في النصوص. و لا يخفي أنّ لزوم رعاية هذه الحدود لكلّ واحد منها

انما يكون بالقياس الي مثله- كما أشار إليه في المسألة التاسعة.

و السرّ في ثبوت هذا الحريم انه لو أحدث بئر أو قناة في أقلّ من هذه الفواصل المحدّدة في النصوص تجذب البئر أو القناة الجديدة ماء البئر أو القناة السابقة فيرد بذلك الضرر علي صاحبهما.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 45

______________________________

و لا يخفي انّ هذه الحدود حقيقية تكوينية و لا دخل لنظر العرف فيها.

نعم يمكن ان تتغيّر بمرور الأزمان بسبب التغييرات الجوّية و تحوّل ماء البحار و حدوث الشقوق و المرتفعات الجديدة علي سطح الأرض و إنّ تشخيص ذلك بحسب شرائط الزمان و المكان موكول الي نظر أهل الخبرة. و بناء علي هذا الأساس لا موضوعية للمقادير المذكورة في النصوص بل هي مصاديق كلّي الحد الفاصل المدفوع به الضرر.

و الشاهد علي ذلك نصوص المقام:

منها: صحيح محمد بن الحسين أبي جعفر الزيّات الهمداني قال: «كتبت إلي أبي محمّد (ع): رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخري إلي قرية له كم يكون بينهما في البعد حتي لا تضرّ إحداهما بالأخري في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقّع (ع): «علي حسب أن لا تضرّ إحداهما بالأخري إن شاء اللّه.. «1»».

فان قوله (ع): «علي حسب أن لا تضرّ إحديهما بالأخري» كبري كليّة تعطي الضّابطة في حدّ الحريم و مقداره.

و معتبرة عقبة بن خالد الواردة في قناتين أحدثت إحداهما بعد الأخري عن الصادق (ع) قال: «فينظر أيّتهما أضرّت بصاحبتها، فإن رأيت الأخيرة أضرّت بالأولي فلتعوّر «2»». و في خبره الآخر: «فإن كانت الأخيرة أخذت ماء

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 342- ب 14- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 344- ح 1.

دليل

تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 46

و هو في البئر أربعون ذراعا إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل و نحوها منها. و ستّون ذراعا (1) إذا كان لأجل الزرع و غيره. فلو أحدث شخص بئرا في موات من الأرض لم يكن لشخص آخر إحداث بئر أخري في جنبها بدون اذنه. بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعا أو ستّين فما زاد علي ما فصل.

______________________________

الأولي عوّرت الأخيرة و إن كانت الأولي أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة علي الأولي شي ء «1»».

و الأقوي اعتبار رواية عقبة بن خالد و ذلك لوثاقة سائر رجال خبره غير محمد بن عبد اللّه بن هلال و هو و ان لم يوثّق صريحا الا انه لم يرد فيه قدح مع أنّه كثير الرواية و قد وقع في طريق اسناد كامل الزيارات.

(1) يدل علي ذلك موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ رسول اللّه (ص) قال: ما بين بئر المعطن إلي بئر المعطن أربعون ذراعا و ما بين البئر النّاضح إلي النّاضح ستّون ذراعا». «2»

فان المقصود من البئر المعطن ما كان حفرها لأجل استقاء الماشية و من البئر الناضح ما كان حفرها لأجل الزرع و غيره.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 344- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 339- ب 11- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 47

و في العين و القناة خمسمائة ذراع في الأرض الصّلبة و ألف ذراع في الأرض الرّخوة (1). فاذا استنبط إنسان عينا أو قناة في أرض موات صلبة و أراد غيره حفر أخري تباعد عنه بخمسمأة ذراع. و ان كانت رخوة تباعد بألف ذراع. و لو فرض

انّ الثانية تضرّ بالأولي أو تنقص ماءها مع البعد المزبور.

______________________________

و صحيح حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع): «حريم البئر العادية أربعون ذراعا «1»».

و المقصود بالعادية هو البئر المحدثة في الأرض الموات فإنها منسوبة إلي قوم عاد بلحاظ قدمة زمنهم، بل قيل إنهم أوّل قوم عمروا الأرض و أحدثوا فيها العمران.

(1) و الدليل عليه: موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ رسول اللّه (ص) قال:.. و ما بين العين إلي العين- يعني القناة- خمسمائة ذراع «2»».

و لا يخفي أنّ هذا المقدار يعتبر في الأرض الصّلبة بقرينة معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع و إن كانت أرضا رخوة فألف ذراع «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 338- ب 11- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 339- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 338- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 48

فالأحوط لو لم يكن الأقوي (1) زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الأولي.

مسألة 9: اعتبار البعد المزبور في القناة إنّما هو في أحداث قناة أخري (2)

كما أشرنا إليه آنفا. و أمّا إحياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو غيرهما فلا مانع (3) منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح أو الاستقاء أو الإصلاح و التنقية و غيرها ممّا ذكر في مطلق البئر.

بل لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار و ما بينها إذا أبقي من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج اليه لمصالحها. فليس لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع و غيره إذا لم يضرّ بها.

______________________________

(1) بل هو الأقوي لما مرّ من ضابطة حدّ الحريم استنادا إلي السيرة و النصوص.

(2) فإنه مفاد نصوص

المقام و مقتضي القاعدة حيث تجذب القناة اللاحقة ماء القناة الاولي فتضرّ بصاحب الأولي. و قد نقلنا النصوص الدالة علي النهي عن ذلك آنفا.

(3) لعدم ورود الضرر- من جذب ماء القناة و تلوّثها و غير ذلك- بسبب احياء حواليها من سطح الأرض و التصرف فيها.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 49

مسألة 10: قد مرّ أن التباعد المزبور في القناة انما يلاحظ بالنسبة إلي البئر التي تكون منبع الماء أو منشأه.

و أمّا الآبار الأخر التي هي مجري الماء فلا يراعي الفصل المذكور بينها. فلو أحدث الثاني قناة في أرض صلبة و كان منبعها بعيدا عن منبع الأولي بخمسمأة ذراع ثم تقارب في الآبار الأخر التي هي مجري الماء إلي الآبار الأخر للأخري إلي أن صار بينها و بينها عشرة أذرع مثلا لم يكن لصاحب الأولي منعه.

نعم لو فرض أنّ قرب تلك الآبار أضرّ بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو من جهة أخري تباعد بما يندفع به الضرر (1).

مسألة 11: القرية المبنيّة في الموات لها حريم (2) ليس لأحد إحياؤه

اشارة

و لو أحياه لم يملكه. و هو ما يتعلق بمصالحها و مصالح أهاليها من طرقها المسلوكة منها و إليها و مسيل مائها و مجمع ترابها و كناستها

______________________________

(1) كما دلّ علي ذلك صحيحة محمد بن الحسين و معتبرة عقبة بن خالد و مرسل محمد بن حفص السابقة، فراجع و تأمّل فيها.

(2) لم يرد نصّ خاصّ علي تعيين مقدار حريم القرية و إنّ تعيينه بنظر أهل العرف. و مقداره ما يحتاج إليه أهل القرية لمصالحهم و أمورهم المختلفة بحسب شئونهم و عاداتهم و رسومهم. و الدليل عليه سيرة العقلاء و بعض العمومات السابقة الدالة علي ثبوت حق الحريم.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 50

و مطرح سمادها و رمادها و مشرعها و مجمع أهاليها لمصالحهم علي حسب مجري عادتهم و مدفن موتاهم و مرعي ماشيتهم و محتطبهم و غير ذلك.

[حكم ما لو تبدل المزرع أو البستان إلي قرية]

و المراد بالقرية البيوت و المساكن المجتمعة المسكونة فلم يثبت هذا الحريم للضيعة و المزرعة ذات المزارع و البساتين المتصلة الخالية من البيوت و المساكن و السّكنة. فلو أحدث شخص قناة في فلاة و أحيي أرضا بسيطة بمقدار ما يكفيه ماء القناة و زرع فيها و غرس فيها النخيل و الأشجار لم (1) يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريما لها فضلا عن التلال و الجبال القريبة منها. بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دورا و مساكن حتي صارت قرية كبيرة يشكل (2) ثبوت الحريم

______________________________

(1) حيث لا يصير بذلك قرية بل هو زرع أو بستان فيثبت حريمها لا حريم القرية.

(2) حكم ما لو تبدّل المزرع أو البستان إلي قرية 2- وجه الاشكال ما نقل من اتفاق الفقهاء علي عدم ثبوت الحريم لما أحدث في

الاملاك المعمورة و قاعدة السلطنة، حيث انه يزاحم ثبوت الحريم سلطنة مالك الأرض العامرة علي ملكه. كما قال في الجواهر «1»: «بلا خلاف

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 49.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 51

______________________________

أجده فيه كما عن الشيخ و ابني زهرة و إدريس الاعتراف به، بل في الكفاية نسبته إلي الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه و لعلّه لقاعدة تسلّط الناس علي أموالهم و غيرها».

و لكنّه غير وجيه. أمّا الإجماع المذكور: فمحتمل المدرك لاحتمال استنادهم إلي قاعدة السلطنة و سيرة العقلاء. و علي فرض حجّيته فالقدر المتيقن منه ما إذا كان الحريم عامرا دون ما إذا كان مواتا بأن صار البستان كلّه قرية و كان أطرافه مواتا.

و أمّا السيرة:

فقد يوجّه هذا الاشكال بعدم إحراز جريان سيرة العقلاء علي ثبوت الحريم للقرية المحدثة في الأملاك العامرة، و لا إطلاق لفظي يرجع اليه عند الشّك.

و فيه: انه يصح فيما لو كان أطراف البستان عامرة قبل احداث القرية لوضوح عدم صيرورة الملك العامر حريما. و أما إذا كان أطراف البستان أو النخيل مواتا قبل إحداث القرية فيهما، فلا إشكال في ثبوت الحريم للقرية المحدثة حينئذ حيث يتبدّل بذلك عنوان المزرعة و البستان إلي القرية. و إنّ العقلاء لا يفرّقون في سيرتهم بين قرية أحدثت في الأرض الموات أو المحياة فيما إذا صارت الأرض المحياة بتمامها قرية بحيث كان جميع أطرافها مواتا من دون أن تقع بين الأملاك العامرة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 52

______________________________

و امّا مالك البستان و القناة و النخيل- الذي هو محدث القرية- لا يلاحظ شخصه في ثبوت الحريم بعد ما قطع البستان و باع قطعاته الي سكنة القرية بل إنّما الملحوظ

عند العقلاء حقّ أهل القرية بلا فرق بينها و بين سائر القري.

نعم لو كان أطرافها أيضا ملك الأشخاص و كانت محياة بأن كانت مزرعا أو معملا أو مصنعا و نحو ذلك، لا حريم لها في ملك الغير عملا بعموم قاعدة السلطنة و بسيرة العقلاء. فإنّها استقرّت علي عدم ثبوت الحريم للقرية حينئذ لأنّ العقلاء لا يجوّزون مزاحمة ملّاك الأطراف المحياة باحداث القرية جنبها.

و هذا بخلاف ما إذا كان أطرافها قبل تبديلها إلي القرية مواتا.

وجه الفرق أنّ منشأ اختصاص استقرار السيرة بثبوت الحريم لما أحدث في الموات، مزاحمة ثبوت الحريم لما أحدث في العامرة مع ملك مالكي أطرافها و منافاته لسلطنتهم علي أملاكهم. و لا يأتي هذا الملاك في المقام حتي يدخل في مصب جريان السيرة. و ذلك لأنّ أطراف المزرعة أو البستان كانت قبل تبدّلهما إلي القرية مواتا. و كان حريم القرية من أوّل زمان حدوثها واقعا في الأرض الموات و لم يكن مزاحما لأحد و لا منافيا لسلطنة شخص علي ملكه. بل الأمر بالعكس فان من يريد إحياء حريم تلك القرية يزاحم حقوق سكنتها.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 53

لها. نعم لو أحدثها في جنب المزرعة و البساتين في أراضي الموات فالظاهر ثبوته لها. بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعي الماشية لها مطلقا. كما أنّ للمزرعة بنفسها أيضا حريما و هو ما تحتاج إليه في مصالحها و يكون من مرافقها من مسالك الدخول و الخروج و محلّ يبادرها و حظائرها و مجمع سمادها و ترابها و غيرها.

______________________________

هذا مضافا الي أنّ عموم مفهوم قوله (ص): «من أحيي ميتة في غير حقّ مسلم فهي له» يمنع من جواز تملّك حريم

تلك القرية. لكونه تصرفا في حقّ المسلمين من سكنتها.

و أمّا قاعدة: «النّاس مسلّطون علي أموالهم» فلا مستند لها من النصوص الّا ما رواه في غوالي اللئالي مرسلا عن النبي (ص): «إنّ النّاس مسلّطون علي أموالهم «1»». و لا يخفي ما فيه من الضعف.

و إنّما تبتني هذه القاعدة علي سيرة العقلاء و قد بحثنا عن مفادها و مقتضاها في المقام.

______________________________

(1) بحار الأنوار/ ج 2- ص 272- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 54

مسألة 12: حدّ المرعي الذي هو حريم للقرية و محتطبها، مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة

بحيث لو منعهم مانع أو مزاحم لوقعوا في الضيق و الحرج و يختلف ذلك بكثرة الأهالي و قلّتهم و كثرة المواشي و الدوابّ و قلّتها و بذلك يتفاوت المقدار سعة و ضيقا، طولا و عرضا (1).

مسألة 13: ان كان موات بقرب العامر و لم يكن من حريمه و مرافقه

جاز (2) لكلّ أحد إحياؤه و لم يختص بمالك ذلك العامر و لا أولوية له. فإذا طلع شاطئ من الشط بقرب أرض محياة أو بستان مثلا كان كسائر الموات. فمن سبق إلي إحيائه و حيازته كان له و ليس لصاحب الأرض أو البستان منعه.

مسألة 14: لا إشكال في انّ حريم القناة المقدّر بخمسمأة ذراع أو ألف ذراع ليس ملكا لصاحب القناة

و لا متعلّقا لحقّه المانع عن سائر

______________________________

(1) لما سبق أنّ الملاك في مقدار الحريم قدر حاجة أهالي القرية بحسب جريان العادة علي ما ترتفع به حوائجهم المتنوّعة.

(2) لجريان السيرة علي التملّك بالإحياء في هذه الصورة و لدخولها تحت عمومات مملّكية الإحياء- السابقة في أوّل البحث- و ذلك لأنه لم يتعلق به حقّ مسلم و لا يكون ملكا لأحد حتي يزاحم حق المالك و ينافي سلطنته علي ملكه.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 55

تصرّفات غيره بدون إذنه. بل ليس له إلّا حق (1) المنع عن إحداث قناة أخري كما مرّ. و الظاهر انّ حريم القرية أيضا ليس ملكا لسكّانها و أهاليها بل إنّما لهم حق الأولوية. و اما حريم النهر و الدار فهو (2) ملك لصاحب ذي الحريم علي تردّد و إن لا يخلو من وجه فيجوز له يبعه كسائر الأملاك.

______________________________

(1) لعدم دلالة موثقة السكوني و معتبرة عقبة بن خالد علي أكثر من ذلك. و إنّ مصبّ استقرار السيرة أيضا يختصّ بالمنع عن هذا النوع من التصرف دون سائر أنحاء التصرفات. و الوجه فيه أنّ السيرة إنّما استقرّت علي منع أيّ تصرّف يضرّ بالقناة السابقة و هو يكون بإحداث قناة أخري في أقلّ من الفاصلة المذكورة و أمّا سائر أنحاء التصرفات فلا يضرّ بها.

(2) هل يكون حريم النهر و الدار ملكا لصاحبهما؟ 2- إنّ ملكية حريم النهر و الدار

لصاحبهما قد وجّهت بسيرة العقلاء من انّهم يعاملون معه معاملة الملك و أنّ ذلك لا يخالف إطلاق دليل لفظي في المقام.

و فيه، أوّلا: ان السيرة علي خلاف ذلك. لانّ العقلاء يعاملون مع حريم الدار و النهر معاملة الحق كحريم سائر الاملاك.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 56

______________________________

و ذلك لان الملاك الذي يكون منشأ استقرار سيرتهم علي ثبوت الحريم هو توقف الانتقاع التام من الملك علي التصرف في حريمه. و علي هذا الأساس فإنّ العقلاء يعاملون مع الحريم معاملة ما يتوقف عليه الانتفاع الكامل من أملاكهم- و يعبّر عنه بحقّ الحريم- و لا يعاملون معه بعنوان الملك. و من هنا لا يعدّون الحريم جزء من المبيع و لا يدفعون بإزائه قدرا من الثمن في بيع أملاكهم و دورهم.

و الحاصل أنّه لو لم تكن السيرة علي الخلاف- بهذا التقريب- فلا أقلّ من عدم إحراز استقرارها علي معاملة الملك مع الحريم. و لا بدّ من إحراز السيرة و الّا لا تصلح دليلا علي الحكم الشرعي.

و ثانيا: انّ قوله: «قلت له: الرّجل يبيع المراعي فقال: إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس «1»» في حسنة إدريس بن زيد، ظاهر في عدم جواز تملّك الحريم مطلقا. و ذلك لأنه و ان كان السؤال عن حريم الضيعة و المرعي و لكن جواب الامام (ع) بالشرطية المذكورة يكون بمنزلة كبري كلية تفيد بمفهومها أنّ الحريم لا يصير ملكا مطلقا. و لذا لم يجوّز بيعه فهي بإطلاقها تشمل حريم الدار و النهر أيضا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 276- ب 22- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 57

مسألة 15: ما مرّ من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو فيما إذا ابتكرت في أرض موات (1)

و أمّا في الأملاك المجاورة فلا حريم لها.

فلو أحدث المالكان

المجاوران حائطا في البين لم يكن له حريما من الجانبين. و لو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطا أو نهرا لم يكن لهما حريما في ملك الآخر. و كذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة أخري في ملكه و ان لم يكن بينهما الحد.

مسألة 16: ذكر جماعة انه يجوز لكلّ من المالكين المتجاورين التصرف في ملكه بما شاء

و حيث شاء و ان استلزم ضررا علي الجار.

لكنّه مشكل علي إطلاقه. و الأحوط عدم جواز ما يكون سببا لعروض

______________________________

(1) قد مرّ آنفا ان مجرّد إحداث الملك في الأرض العامرة لا موضوعية له في نفي ثبوت الحريم. بل الملاك وقوع الحريم في الأرض العامرة لما قلناه من اختصاص استقرار سيرة العقلاء علي منع ثبوت الحريم بهذه الصورة و ذلك لأنّ ثبوت الحريم يزاحم ملك الغير و ينافي سلطنته في خصوص هذه الصورة، دون ما إذا كان الحريم واقعا في الموات حيث لا مالك لها و ان أحدث الملك نفسه في الأرض العامرة. فيعتبر في نفي الحريم وقوعه في ملك الغير كما فرضه الماتن «قده» في الاملاك المجاورة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 58

الفساد (1) في ملك الجار بل لا يخلو من قرب إلّا إذا كان في تركه حرج أو ضرر عليه فحينئذ يجوز له التصرّف كما إذا دقّ دقّا عنيفا انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللا فيها أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة في حائطه أو أحدث بالوعة أو كنيفا بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها بل و كذا لو حفر بئرا بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها. و كان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الأولي. و أمّا إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق و وقوعها

في سمت مجري المياه ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلي الأوّل فالظاهر انه لا مانع منه. و المائز بين الصورتين يدركه أولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة.

و كذا لا مانع من اطالة البناء و ان كان مانعا من الشمس و القمر و الهواء أو جعل داره مدبغة أو مخبزة مثلا و ان تأذّي الجار من الريح و الدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء و كذا احداث ثقبة في جداره الي دار جاره موجبة للاشراف أو لانجذاب الهواء فان المحرّم هو التطلّع علي دار الجار لا مجرّد ثقب الجدار.

______________________________

(1) ان التصرف في الملك تارة: يوجب إتلاف مال الجار. و أخري:

يورد به الضرر عليه. و ثالثة: يتأذّي به الجار.

و ظاهر الماتن «قده» اختصاص حرمة التصرف في الملك بما إذا

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 59

______________________________

أوجب إتلاف مال الجار و إفساد ملكه بأن تصرّف المالك في ملكه بنحو يوجب رخوة حائط البيت و يستلزم خرابه بحيث يصدق عليه إتلاف مال الجار حتي يكون مشمولا لعموم قاعدة الإتلاف. كما أشار إليه في الجواهر حيث قال: «و بالجملة فالغرض أنّ المسألة لم يكن فيها إجماع محقّق علي جهة الإطلاق. فيمكن أن يقال بمنع التصرف في ماله علي وجه يترتب عليه الضرر في مال الغير مثلا بتوليدية فعله بحيث يكون له فعل و تصرف في مال الغير و إتلاف له يتولد من فعله فعل في مال الغير لا تلف خاصّة بلا فعل منه «1»».

و اما إذا أوجب الضرر علي الغير كالضرر العرضي أو غيره مما لا يصدق عليه إتلاف المال فهل يحرم التصرف في الملك حينئذ؟ أو إذا أوجب تأذّي الجار من دون صدق

الضرر فهل يجوز التصرف في الملك المستلزم له أم لا؟

فظاهر الماتن «قده» عدم حرمة التصرف في الملك المستلزم للضرر الغير المالي ممّا لا يصدق عليه عنوان الإتلاف كما صرّح في ذيل المسألة بعدم حرمة التصرف المتأذّي به الجار إذا لم يكن عن عمد.

و قد حكم جماعة من الفقهاء كالعلّامة في القواعد و غيره بجواز تصرّف كلّ من الجارين في ملكه و إن تضرّر صاحبه لتعارض قاعدة السلطنة الجارية في حقهما معا و عدم المرجّح. كما نقل في الجواهر فقال: «و من هنا

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 52.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 60

______________________________

- أي التعارض المذكور- صرّح في القواعد و غيرها بأن لكل منهم التصرف في ملكه بما شاء و ان تضرّر صاحبه و انّه لا ضمان عليه لو جعل ملكه بيت حدّاد أو قصّار أو حمّام علي خلاف العادة «1»».

و في الرياض بعد القطع بجواز التصرف المذكور قال: «و أمّا الاخبار الدالّة علي نفي الإضرار في ملك المضار فمع قصور سند بعضها و عدم مكافئته لما مضي- أي قاعدة السلطنة- يمكن حملها علي ما إذا قصد المالك بالتصرف الإضرار دون رفع الحاجة كما يشعر به بعض تلك الاخبار «2»».

هذا و لكن التحقيق ان التصرف في الملك إذا استلزم الضرر علي الغير لا يخلو من اشكال و ان لم يقصده المتصرف.

و الدليل علي ذلك عموم النصوص النافية للإضرار و المضارّة، منها:

النصوص الدالّة علي عدم جواز الضرر و الضرار علي الجار بالتصرف في نخلته. و انه لو أبي أن يستأذن من الجار أو يبيعها جاز قلعها و دفعها اليه. و هذه الطائفة هي النصوص الواردة في قضية سمرة بن جندب و الأنصاري. و

حملها علي صورة عدم الحاجة الي التصرف في الملك لا شاهد عليه. و هي و ان وردت فيما إذا تطلّع الشخص الي دار الجار و نظر الي أهله و عياله زائدا عن التصرّف في نخلته و لم يرض برفع اليد عن الإيذاء و التعدّي، فمن هنا أراد النبي (ص) أن يعدم مادّة الفساد و يقلع منشأ الإيذاء بقطع النخلة فأمر بالقلع بعد امتناع

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 49 و 51.

(2) الجواهر/ ج 38- ص 49 و 51.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 61

______________________________

سمرة عن بيعها. و لكن بقوله في الذيل: «فإنه لا ضرر و لا ضرار» نفي بعمومه جواز أيّ تصرّف في الملك إذا استلزم الضرر علي الجار. فمن هنا يصلح هذا الخبر للاستدلال به في المقام. و أما قصد إيراد الضرر فلا يفهم دخله من هذه الكبري الكلّية بل هي مطلقة، خصوصا عنوان الضرر. هذا مضافا الي عدم أخذ قصد الإضرار في مادّة الضرار أيضا كالضرر. و اما الموارد التي استعمل فيها مادّة الضرار في قصد الإضرار و التصدي له فبالقرينة.

و منها: معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إنّ الجار كالنّفس غير مضارّ و لا آثم و حرمة الجار علي الجار كحرمة أمّه «1»».

و قد يقال إنّه إرشاد إلي أمر أخلاقي، بأنّ الإنسان كيف لا يرضي أن يضرّ نفسه فكذلك لا يرضي بإضرار الجار.

و لكنه خلاف ظاهرها بل هي من قبيل الإخبار الآكد في النهي. و مفاده أنّه كيف يحرم الإضرار بالنفس و إيذاؤها فكذا الجار. خصوصا بلحاظ تنزيله منزلة الأمّ من جهة وجوب رعاية الحقوق.

و منها: صحيحة محمد بن الحسين أبي جعفر الزّيّات الواردة في حدّ

القناة فورد فيها توقيع أبي محمد (ع): «علي أن لا تضرّ إحداهما بالأخري إن شاء اللّه «2»».

.______________________________

(1) الوسائل/ ج 8- ص 487- ب 86- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 342- ب 14- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 62

______________________________

و معتبرة عقبة عن الصادق (ع) قال: «فينظر أيّتهما أضرّت بصاحبتها.. «1»».

فإنّهما و إن وردتا في حدّ القنوات، لكن هاتان الجملتان بمنزلة كبري كلية دلّت علي نفي جواز أيّ تصرف يوجب ضررا علي الغير.

و أمّا إيذاء المؤمن و الجار و فعل ما يسلب الأمنية عن الجار قد دلّت النصوص علي حرمته بعناوينها فهي ثلاث طوائف.

الأولي: ما دلّ علي حرمة إيذاء المؤمن.

فمنها: قوله تعالي «وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «2»». فإطلاقه يشمل أيّ نوع من الإيذاء.

و منها: ما رواه الكليني بسنده الصحيح عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: «قال اللّه عزّ و جلّ: ليأذن بحرب منّي من آذي عبدي المؤمن «3»» و غير ذلك من النصوص.

الثانية: ما دلّ علي حرمة إيذاء الجار.

منها: ما نقله الصدوق بإسناده عن الصادق (ع) عن آبائه عن عليّ (ع) عن رسول اللّه (ص) في حديث المناهي «قال (ص): من آذي جاره حرّم اللّه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 344- ح 1.

(2) الأحزاب/ 58.

(3) أصول الكافي/ ج 2- ص 350- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 63

______________________________

عليه ريح الجنّة و مأواه جهنّم و بئس المصير و من ضيّع حق جاره فليس منّا «1»».

و منها: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) عن النبي (ص): «من كان يؤمن باللّه و اليوم

الآخر فلا يؤذي جاره «2»». و غيرهما من النصوص الدالة علي ذلك.

الثالثة: ما دلّ علي منع فعل ما يسلب الأمنية عن الجار.

منها: ما رواه الكليني عن النبي (ص): «لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه «3»».

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن الرضا (ع) قال: «. و ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه «4»». البوائق جمع البائقة، أي الدّاهية. و المقصود من لا يأمن جاره شروره و غوائله و ظلمه و خيانته.

لا إشكال في دلالة هذه النصوص علي حرمة إيذاء المؤمن و الجار كما لا إشكال في سندها في الجملة. و إن لا تخلو الطائفة الثالثة من الاشكال سندا و دلالة.

و أمّا دخل القصد في صدق الإيذاء لا يمكن الالتزام به مطلقا. بل إنّما هو في فعل ليس ممّا يؤذي به بطبعه كأحداث المدبغة و المخبزة و الحمّام في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8- ص 488- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 8- ص 487- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 8- ص 487- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 8- ص 488- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 64

______________________________

الدّار و غير ذلك من التصرفات المتعارفة التي لا تؤذي بطبعها. و أمّا في الفعل الذي يكون بطبعه مما يؤذي به الجار كأحداث الباب أو فتح الثقب المشرف علي دار الجار أو الدّقّ الشديد الموحش المؤذي- خصوصا في وسط اللّيل- فلا دخل للقصد في صدق عنوان الإيذاء علي فعل ذلك و يحرم قطعا. فإطلاق كلام الماتن «قده» من دخل قصد الإيذاء في حرمته لا يخلو من تأمّل. كما قال «قده» في ذيل المسألة الآتية: «إن إحداث الثقب المشرف علي بيت الجار إيذاء و أيّ إيذاء؟!». فإذا صدق عنوان الإيذاء

لم لا تشمله عمومات حرمة الإيذاء؟!

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 65

مسألة 17: لا يخفي أنّ أمر الجار شديد و حثّ الشرع الأقدس علي رعايته أكيد.

و الاخبار في وجوب كفّ الأذي عن الجار و في الحثّ علي حسن الجوار كثيرة لا تحصي. فعن النبي (ص) انه قال: «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتي ظننت أنّه سيورّثه «1»». و في حديث آخر: «أنّه (ص) أمر عليّا و سلمان و أبا ذرّ- قال الراوي: و نسيت آخر و أظنّه المقداد- أن ينادوا في المسجد بأعلي صوتهم بأنّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه فنادوا بها ثلاثا «2»». و في الكافي عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: قرأت في كتاب علي (ع): «إنّ رسول اللّه (ص) كتب بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من أهل يثرب أنّ الجار كالنّفس غير مضارّ و لا آثم و حرمة الجار كحرمة أمّه» «3». و روي الصدوق بإسناده عن الصادق عن عليّ عليهما السلام عن رسول اللّه (ص) قال: «من آذي جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنّة و مأواه جهنّم و بئس المصير و من ضيّع جاره فليس منّا «4»». و عن الرضا (ع): «ليس منّا من لا يأمن جاره بوائقه «5»». و عن الصادق (ع) انه قال: «و البيت غاص بأهله اعلموا أنّه ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاره «6»». و عنه (ع): قال رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8- ص 488- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 8- ص 487- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 8- ص 488- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 8- ص 488- ح 5.

(5) الوسائل/ ج 8- ص 488- ح 6.

(6) الوسائل/ ج 8- ص 489- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة،

ص: 66

(ص): «حسن الجوار يعمر الدّيار و ينسي ء الأعمار «1»».

فاللّازم علي كلّ من يؤمن باللّه و رسوله (ص) و اليوم الآخر الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار، و ان لم يكن ممّا يوجب فسادا أو ضررا في ملكه الّا أن يكون في تركه ضرر فاحش علي نفسه، و لا ريب أنّ مثل ثقب الجدار الموجب للاشراف علي دار الجار إيذاء عليه و أيّ إيذاء؟! و كذا إحداث ما يتأذّي من ريحه أو دخانه أو صوته أو ما يمنع عن وصول الهواء اليه أو عن إشراق الشمس عليه و غير ذلك (1).

______________________________

(1) هذا اللزوم و نفي الريب عن صدق الإيذاء علي الثقب المشرف ينافي ظاهرا ما مرّ منه في ذيل المسألة السادسة عشر من إلحاق ذلك بما لا مانع من فعله ما لم يكن بقصد الإيذاء. و لكن يمكن التوجيه بأنّ مقصوده من اللّزوم هنا أنّ ذلك من لوازم الايمان الكامل. و نفي الريب عن صدق الإيذاء لا يستلزم قصده و انما قال هناك بالحرمة إذا قصد الإيذاء دون ما إذا لم يقصده كما هو المقصود هنا فلا منافاة في البين.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 8- ص 489- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 67

حقّ التحجير

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 69

مسألة 18: يشترط في التملّك بالإحياء أن لا يسبق اليه سابق (1) بالتحجير

فان التحجير يفيد أولوية للمحجّر. فهو أولي بالإحياء و التملّك من غيره، فله منعه. و لو أحياه قهرا علي المحجّر لم يملكه. و المراد بالتحجير أن يحدث ما يدلّ علي إرادة (2) الإحياء كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه و جوانبه. أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه كما إذا حفر بئرا من آبار القناة الدارسة التي يريد إحياءها. فإنه تحجير بالنسبة إلي سائر آبار القناة، بل و بالنسبة إلي أراضي الموات التي تسقي بمائها بعد جريانه.

فليس لأحد إحياء تلك القناة و لا احياء تلك الأراضي. و كذا إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء و القصب فعمد علي قطع مائها. فقط فهو تحجير لها فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها (3).

______________________________

(1) لما سبق من استقرار سيرة العقلاء و دلالة النصوص علي ذلك في البحث عن أدلّة الحريم فراجع.

(2) اعتبار ذلك إنّما هو لأجل السيرة حيث إنّ العقلاء يرون الحق ثابتا لمن سبق إلي مكان إذا أراد إحياء ذلك المكان و عمارته. و لا يرون له حقا بمجرّد السبق جزافا، و إن يشكل إحراز السيرة علي عدم ثبوت حق السبق حينئذ و لكن إحرازها علي ثبوته مشكل أيضا.

(3) و أمّا مجرّد نصب اللّافتة الدالّة علي إرادة إحياء قدر معين من أرض

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 70

مسألة 19: لا بدّ من أن يكون التحجير مضافا الي دلالته علي أصل الإحياء

دالّا (1) علي مقدار ما يريد إحياءه. فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب مثلا لا بدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب حتي يدلّ علي أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه. نعم في مثل احياء القناة

البائرة يكفي الشروع في حفر إحدي آبارها كما أشرنا إليه آنفا. فإنه دليل بحسب العرف علي كونه بصدد إحياء جميع القناة، بل الأراضي المتعلقة بها أيضا، بل إذا حفر بئرا في

______________________________

أطرافها، فقد يشكل بأنه لا يتحقق به التحجير لعدم كونه عملا يشرع به الأحياء و لا مرزا أو حائطا تحدّد به الأرض. و فيه ان عنوان التحجير لم يرد في رواية بل الملاك صدق السبق و لا إشكال في صدقه علي نصب أيّة علامة تدلّ علي إرادة الإحياء و الشروع فيه من دون فرق بين التحجير و نصب اللّافتة و غيرهما.

(1) و الّا لا يتعين به قدر ما سبق اليه الشخص حتي يعلم مقدار ما تعلّق به حق السبق. و لكن لا يخفي أنه لا دخل له في أصل ثبوت حق السبق و التحجير بعد ما كان بقصد الإحياء فهو ثابت في الجملة و ان لم يتعين مقداره. إلّا أن يقال بدخل تعيين المقدار في الدلالة علي أصل الإحياء و لكنّه خلاف مقصود الماتن «قده». و ان كان في نفسه غير بعيد بأن يقال باختصاص السيرة في ثبوت حق التحجير بما إذا عيّن مقداره.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 71

أرض موات بالأصل لأجل احداث قناة يمكن أن يقال: إنّه يكون تحجيرا بالنسبة إلي أصل القناة و إلي الأراضي الموات التي تسقي بمائها بعد تمامها و جريان مائها. فليس لأحد إحياء تلك الجوانب حتي يتمّ القناة و يعيّن ما تحتاج اليه من الأراضي. نعم الأرض الموات التي ليست من حريم القناة و ممّا علم انه لا يصل إليها ماؤها بعد جريانه، لا بأس بإحيائها.

مسألة 20: التحجير كما أشرنا إليه يفيد حقّ الأولوية و لا يفيد الملكية.

فلا يصح (1) بيعه علي الأحوط. و ان لا

يبعد الجواز. نعم يصح الصلح عنه و يورث و يقع ثمنا في البيع لأنه حق قابل للنقل و الانتقال.

______________________________

(1) لأن الذي يعامل معه معاملة الملك في سيرة العقلاء هو الإحياء. و التحجير ليس إحياء بل انما هو شروع فيه. و لأجل ذلك لا يكون السبق موجبا للملك، و لا بيع إلّا في الملك. بل إنما يفيد حق الأولوية و الاختصاص و لكنّه حقّ قابل للنقل عند العقلاء لا مجرّد حكم. و ان كان الحق كلّه يرجع الي الحكم في الحقيقة إلّا انه في المقام حكم قابل للنقل في اعتبار العقلاء لما يرون له من المالية. هذا مضافا الي ما ورد في النصوص: «قلت: الرّجل يبيع المرعي. قال (ع): إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس «1»». حيث دلّ بإطلاق مفهومه علي عدم جواز بيع مطلق الحقوق لعدم كونه ملكا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 276- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 72

مسألة 21: يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجّر متمكّنا (1)

من القيام بتعميره و لو بعد زمان طويل بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات فلو حجّر من لم يقدر علي إحياء ما حجّره إمّا لفقره أو لعجزه عن تهيئة أسبابه فلا اثر لتحجيره و جاز لغيره إحياؤه. و كذا لو حجّر زائدا علي مقدار تمكّنه من الإحياء لا اثر لتحجيره إلّا في مقدار ما تمكّن من تعميره و أما في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه. فعلي هذا ليس لمن عجز عن إحياء الموات تحجيره ثم نقل ما حجّره الي غيره بصلح أو غيره مجّانا أو بالعوض. لانّه لم يحصل له حقّ حتي ينقله إلي غيره.

مسألة 22: لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة

بل يجوز أن يكون بتوكيل الغير أو استئجاره. فيكون الحق الحاصل بسببه ثابتا للموكّل و المستأجر لا للوكيل و الأجير (2). و أمّا كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن غيره ثم أجاز ذلك الغير

______________________________

(1) و الوجه في ذلك عدم تمشّي قصد الإحياء لمن لا يتمكن منه. و أنّ المتيقن من السيرة ما إذا كان من سبق الي مكان قاصدا لإحياء ذلك المكان و عمارته.

(2) إذا لم يقصد الأجير أو الوكيل من التحجير إحياء الأرض لنفسه و الّا فيثبت الحق له.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 73

في ثبوته للمنوب عنه فبعيد (1).

مسألة 23: لو انمحت آثار التحجير بنفسها قبل ان يقوم المحجّر بالتعمير بطل حقه

و عاد الموات إلي ما كان قبل التحجير.

و أما لو كان بفعل شخص غير المحجّر فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو.

______________________________

(1) هل يصحّح التحجير الفضولي بالإجازة؟ 1- وجه البعد أنّ في ثبوت حق التحجير عند العقلاء يعتبر أمران.

أحدهما: استناد التحجير الي الشخص المستحق. و الثاني: كون تحجيره بقصد الأحياء، إمّا لنفسه أو غيره و هذان الشرطان غير حاصلين في المقام للنائب و المنوب عنه كليهما. أمّا النائب حيث إنه لم يقصد الإحياء لنفسه بالتحجير و إن يستند اليه التحجير. و أمّا المنوب عنه فلعدم استناد التحجير إليه حيث لم يقصده و لم يأمر النائب به. و أمّا قصد النائب له فلا دخل له في استناد التحجير اليه و كذا الإجازة اللّاحقة لا دخل لها في تحقق الاستناد عرفا. و ذلك مثل ما لو نذر شخص ذبح شاة و لكن ذبحه آخر عنه فضولا فلا إشكال حينئذ في عدم تحقّق الوفاء بذلك لعدم استناد الذبح الي الناذر و لتوقف الوفاء علي ذلك. فكذلك في المقام يتوقف ثبوت حق التحجير علي استناده

اليه عرفا و هو غير متحقق بمجرّد الإجازة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 74

و مع طول المدّة فالظاهر بطلانه (1) مطلقا بل لا يبعد بقاء الحق مع المحو بنفسها إذا لم يكن ذلك لطول مدة التعطيل كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلا (2).

مسألة 24: ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه و الإهمال في التعمير

بل اللّازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير. فإن أهمل و طالت المدّة و أراد شخص آخر إحياءه، فالأحوط أن يرفع الأمر إلي الحاكم مع وجوده و بسط يده فيلزم المحجّر بأحد أمرين: إمّا العمارة أو رفع يده عنه ليعمره غيره إلّا ان يبدئ عذرا موجّها مثل انتظار وقت صالح له أو إصلاح آلاته أو حضور العملة فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر. و ليس من العذر عدم التمكن من تهيئة الأسباب لفقره منتظرا للغني و التمكن إلّا إذا كان متوقّعا حصوله بحصول أسبابه. فإذا مضت المدّة في الفرض المتقدم و لم يشتغل بالعمارة بطل (3) حقّه و جاز لغيره القيام بالعمارة.

______________________________

(1) لكون طول المدة أمارة علي إهماله عرفا ما لم يثبت الخلاف.

(2) لعدم كون محو الآثار باختياره حينئذ حتي يسند إلي إهماله أو عدم اعتنائه. و لا أمارة علي ذلك مثل طول المدة حسب الفرض، بل السيرة علي التفتيش عن حاله أو الصبر و انتظار إقدامه بتجديد التحجير فاذا مضت مدّة معتني بها و لم يقدم علي ذلك يسقط حقّه.

(3) لابتناء ثبوت الحق للمحجّر في سيرة العقلاء علي أساس كون التحجير مقدّمة للإحياء و شروعا فيه. و ذلك منتف في فرض تعطيل الأرض

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 75

و إذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون فالظاهر انه يسقط حقّه أيضا لو أهمل في التعمير

و طال الإهمال مدّة طويلة يعدّ مثله في العرف تعطيلا. فجاز لغيره إحياؤه و ليس له منعه. و الأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله و إهماله ثلاث (1) سنين.

______________________________

بسبب عدم الاعتناء و الإهمال في أمر الأحياء. و من هنا ينتفي حق السبق في صورة صدق تعطيل الأرض عرفا لأجل إهماله حتي في فرض عدم حضور الحاكم أو عدم تمكن رفع الأمر إليه، فيجوز إحياؤها لغيره، بل لا يبعد كون طول المدة أمارة علي الإهمال عرفا.

(1) مراعاة حق التحجير بعد محو آثاره الي ثلاث سنين 1- وجه الاحتياط هو العمل بخبر يونس عن الكاظم (ع) قال: «إنّ الأرض للّه تعالي جعلها وقفا علي عباده فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علّة أخذت من يده و دفعت إلي غيره «1»». حيث دلّ بمفهومه علي عدم جواز أخذ الأرض من يده قبل مضيّ ثلاث سنين و إن صدق التعطيل عرفا.

و لكنّه ضعيف سندا و دلالة.

أما سندا- فمضافا الي وقوع سهل في طريقه- انه نقله سهل عن الرّيّان ابن الصّلت أو عن رجل عن الرّيان. فالذي روي السهل عنه مردّد بين شخص

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 345- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 76

مسألة 25: الظاهر انه يشترط في التملّك بالإحياء قصد (1) التملّك

كالتملّك بالحيازة مثل الاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش و نحوها.

فلو حفر بئرا في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقيا لم يملكه بل لم يكن له إلّا حقّ الأولوية ما دام مقيما فاذا ارتحل زالت تلك الأولوية و صارت مباحا للجميع.

______________________________

مجهول و بين الرّيان.

و أمّا دلالة فلظهوره في من ترك الأرض و أخربها لعدم الاعتناء بها بعد ما أحياها، كما استظهر ذلك في الوسائل. هذا

مضافا الي انّ إطلاق ذيلها و هو قوله: «و من ترك مطالبة حقّ له عشر سنين فلا حقّ له» -، غير قابل للالتزام به حيث لم يقل أحد بسقوط الدين بترك الدّائن مطالبته عشر سنين.

(1) كما عن الدروس و المسالك و غيرهما خلافا للمشهور حيث لم يعدّوا قصد التملّك من شرائط التملّك بالاحياء. و قد اختاره صاحب الجواهر «1» مستدلا بظهور نصوص المقام في انّه متي تحقّق مصداق الأحياء ترتّب الملك عليه مطلقا حتي ما إذا قصد عدم التملّك.

بيان ذلك: انه يفهم من تفريع ملكية الأرض علي إحيائها في قوله (ص):

«من أحيي أرضا مواتا فهي له «2»». أنّ الإحياء بعنوانه سبب لملكية الأرض

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 32.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 327- ح 5 و 6.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 77

______________________________

الموات و إنّ ترتّب المسبّب علي السّبب أمر قهري و ان كان إيجاد السبب نفسه اختياريا و انّ الشك في أصل سببية الإحياء عند عدم قصد التملك مدفوع بإطلاق النصوص. و من الواضح عدم دخل لقصد التملّك في صدق عنوان الأحياء.

ثم انه (قده) دفع اشكال عدم حصول ملكية الأرض للوكيل و الأجير إذا أحياها للموكل و المؤجر لأنّهما لم يقصدان تملّكها بالإحياء بل قصداه لغيرهما، بما حاصله أن عدم ملكية الأرض للوكيل و الأجير ليس لأجل ذلك بل انما يكون لصيرورة الإحياء- الذي هو سبب الملك- لغيرهما بقصد الوكالة و الإجارة. و تكون عملية الإحياء ملكا للمؤجر أو الموكل بالإجارة أو الوكالة.

و قد يستدل علي اعتبار قصد التملك بأنّ إطلاق نصوص المقام يبتني علي كونها في مقام بيان مملّكيّة الإحياء حتي في صورة عدم قصد التملك و هذا غير معلوم

بل هي ناظرة إلي تشريع أصل مملكية الإحياء في الجملة في قبال عدم مملكية التحجير و السبق.

و فيه: ان ظاهر تفريع الملكية علي الإحياء في شرطية «من أحيي أرضا مواتا فهي له» عدم دخل لشي ء آخر في ترتّب ملكية الأرض عليه، غير استناد الإحياء إلي الشخص. و لم تحرز السيرة علي عدم مملّكية الإحياء حينئذ حتّي يكون قرينة علي خلاف الإطلاق و مانعا من انعقاده أو مقيّدا له بعد انعقاده.

و الحاصل انه يكفي في نفي اشتراط قصد التملك في مملّكية الإحياء ظهور نصوص المقام بالتقريب المتقدّم. و فرق بين التملّك بالحيازة و بين

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 78

مسألة 26: الإحياء المفيد للملك عبارة عن جعل الأرض حيّة بعد الموتان

و إخراجها عن صفة الخراب الي العمران. و من المعلوم أنّ عمارة الأرض إمّا بكونها مزرعا أو بستانا و إمّا بكونها مسكنا و دارا و إما حظيرة للاغنام و المواشي أو لحوائج أخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب أو غير ذلك. فلا بد في صدق إحياء الموات من العمل فيه و إنهائه إلي حدّ صدق عليه أحد العناوين العامرة بأن صدق عليه المزرع أو الدار مثلا أو غيرهما عند العرف. و يكفي (1) تحقق أوّل مراتب وجودها و لا يعتبر إنهاؤها الي حدّ كمالها. و قبل أن يبلغ الي ذلك الحد- و إن صنع فيه ما صنع- لم يكن احياء بل يكون تحجيرا. و قد مرّ انه لا يفيد الملك بل لا يفيد إلّا الأولوية.

______________________________

التملّك بالإحياء حيث إنّه لم يرد في الحيازة نصّ يؤخذ بظهوره من إطلاق أو عموم بل عمدة دليله سيرة العقلاء و المتيقن منه ما إذا قصد التملك بالإحياء و لم تحرز فيما إذا لم يقصد بها التملّك و هذا

بخلاف الأحياء. لدلالة النصوص المعتبرة علي دخل الإحياء بعنوانه في حصول ملكية الأرض الموات من دون دخل أيّ شي ء آخر في ذلك لأجل ظهور الجملة الشرطية بالتقريب المتقدم.

(1) لصدق عنوان الإحياء بذلك فيترتب عليه الملكية بمقتضي عموم قوله (ع): «من أحيي أرضا مواتا فهي له».

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 79

تكملة: يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة التي يقصدها (1) المحيي

اشارة

فما اعتبر في إحياء الموات مزرعا أو بستانا غير ما اعتبر في إحيائه مسكنا و دارا. و ما اعتبر في إحيائه قناة أو بئرا غير ما اعتبر في إحيائه نهرا و هكذا. و يشترط في الكل إزالة الأمور المانعة عن التعمير كالمياه الغالبة أو الرمال و الأحجار أو القصب و الأشجار لو كانت متأجّمة و غير ذلك. و يختصّ كل منها ببعض الأمور و نحن نبيّنها في ضمن مسائل.

مسألة 1: يعتبر في إحياء الموات دارا أو مسكنا بعد ازالة الموانع لو كانت- أن يدار عليه حائط

بما يعتاد في تلك البلاد و لو كان بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها. و يسقّف- و لو بعضه- ممّا يمكن أن يسكن فيه. و لا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب. و لا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف. نعم يكفي ذلك في إحيائه حظيرة للغنم و غيره أو لأن يجفّف فيه الثمار أو يجمع فيه الحشيش و الحطب. و لو بني حائطا في الموات

______________________________

(1) بل يكون بحسب نظر العرف. و ذلك لأنّ الأرض إذا صارت معدّة للانتفاع في أيّة جهة تعارف الانتفاع بها في تلك الجهة، يصدق عنوان الأحياء عرفا من دون اعتبار أن يقصد المحيي جهة خاصّة كالمزرع أو البستان أو نحو ذلك. فالملاك في صدق عنوان الإحياء جعل الأرض معدّة للانتفاع المتعارف في أيّة جهة من الجهات حسب مقتضي عادة أهلها.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 80

بقصد بناء الدار و قبل ان يسقّف عليه بدا له و قصد (1) كونه حظيرة ملكه كما لو قصد ذلك من أوّل الأمر. و كذلك ملكه في العكس بأن حوّطه بقصد كونه حظيرة فبدا له أن يسقّفه و يجعله دارا.

مسألة 2: يعتبر في إحياء الموات مزرعا بعد ازالة الموانع تسوية الأرض

لو كانت فيها حفر و تلال مانعة عن قابليتها للزرع. و ترتيب مائها إمّا بشقّ ساقية من نهر أو حفر قناة لها أو بئر. و بذلك يتمّ إحياؤها و يملكها المحيي. و لا يعتبر في إحيائها حرثها فضلا عن زرعها. و إن كانت الأرض ممّا لا تحتاج في زراعتها الي ترتيب ماء- لأنّه يكفيها ماء السماء- كفي في إحيائها اعمال الأمور الأخر عدا ترتيب الماء و ان كانت مهيّأة للزرع بنفسها بان لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر و لم تحتج

الّا إلي سوق الماء كفي في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها. و ان لم تحتج الي سوق الماء أيضا من جهة أن يكفيها ماء السّماء كبعض الأراضي السهلة و التلال التي لا تحتاج في زرعها الي علاج و

______________________________

(1) لا يعتبر في الملكية قصد كونه حظيرة بل يكفي قابليته لها و جريان الاعتياد علي اتّخاذه حظيرة و ذلك لكفاية جعل الأرض معدّة للانتفاع المتعارف في صدق الإحياء- كما قلنا آنفا. و بعبارة أخري: يكفي في صدق الأحياء أن يصيّر قابلية الأرض للانتفاع فعلية و يرفع عنها موانع الانتفاع. و ذلك لا يتوقف علي قصد اتخاذها حظيرة أو دارا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 81

قابلة لأن تزرع ديميا، فالظاهر أنّ إحياءها المفيد لتملّكها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها و زرعها بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملّكها (1) و أمّا الاكتفاء بالمرز من دون حراثة و زراعة ففيه إشكال (2). نعم لا إشكال في كونه تحجيرا مفيدا للأولوية.

مسألة 3: يعتبر في إحياء البستان كلّ ما اعتبر في إحياء الزرع

بزيادة غرس النخيل أو الأشجار القابلة للنّمو و لا يعتبر التحويط حتي في البلاد التي جرت عادتهم عليه علي الأقوي. بل الظاهر عدم اعتبار السقي أيضا فمجرّد غرس الأشجار القابلة للنموّ كاف فيه (3).

______________________________

(1) كل ذلك لصدق عنوان الإحياء بذلك عرفا. فكلّ ما خرج به الأرض عن الموات و صارت معدّة للزرع عند أهل عرف ذلك المكان يوجب كونها ملكا للمحيي.

(2) لعدم صدق الإحياء علي مجرّد اتخاذ المرز عرفا.

(3) نعم يعتبر السّقي في الأراضي التي لا ينمو الشجر فيها بدون السقي.

و لكن لا يعتبر في إحياء بساتينها السقي الفعلي. بل يكفي إيجاد مقدمة السقي كاتصال البستان ببئر حفرت للسّقي أو بنهر

و نحو ذلك من منابع الماء بحفر ساقية و نحوها من المجاري بحيث كانت مقدمة السقي مهيّأة. و الملاك في ذلك كله صدق عنوان البستان عرفا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 82

مسألة 4: يحصل إحياء البئر في الموات بأن يحفرها الي أن يصل الي الماء فيملكها بذلك.

و قبل ذلك يكون تحجيرا لا إحياء. و احياء القناة بأن يحفر الآبار إلي أن يجري ماؤها علي الأرض. و إحياء النهر بحفره و إنهائه إلي الماء المباح كالشط و نحوه بحيث كان الفاصل بينهما يسيرا كالمرز و المسنّاة الصغيرة. و بذلك يتمّ احياء النهر (1) فيملكه الحافر و لا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلا و ان اعتبر ذلك في تملّك المياه.

______________________________

(1) لاعدادها بذلك للانتفاع من دون توقف علي جريان الماء فعلا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 83

في المشتركات

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 85

القول في المشتركات (1) و هي الطرق و الشوارع و المساجد و المدارس و الرباطات و المياه و المعادن.

مسألة 1: الطريق نوعان نافذ و غير نافذ

فالأوّل- و هو المسمّي بالشارع العام- محبوس علي كافّة الأنام

و الناس فيه شرع سواء. و ليس (2) لأحد، إحياؤه و الاختصاص به و لا التصرف في أرضه ببناء دكّة أو حائط أو حفر بئر أو غرس شجر أو غير ذلك. نعم لا يبعد جواز غرس الأشجار و إحداث النهر لمصلحة المارّة لو كان الطريق واسعا جدّا كالشوارع الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار. كما أنّ الظاهر أنّه يجوز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر و غيره لكونها

______________________________

(1) وجه التعبير بذلك اشتراك عموم الناس في الانتفاع منها.

(2) لاستقرار السيرة علي منع احياء حق الغير مؤيّدا بما ورد من النهي عن إحياء أرض تعلّق بها حق الغير مثل ما روي عن النبي (ص): «من أحيي أرضا ميتة في غير حقّ مسلم فهي له». حيث دلّ بمفهومه علي عدم جواز الأحياء في حق المسلم. و يدل علي ذلك صحيح البقباق رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن رباط عن ابن مسكان عن أبي العباس

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 86

من مصالحه (1) و مرافقه. لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظا للمستطرقين و المارة. بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا أحكم

______________________________

البقباق عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قلت له: الطّريق الواسع هل يؤخذ منه شي ء إذا لم يضرّ بالطّريق؟ قال (ع): لا «1»».

فدلّ علي عدم جواز أخذ شي ء من الطريق الواسع- أي الشارع العام- مطلقا سواء أضرّ بالطريق أم لا.

و أمّا عدم جواز مطلق أنحاء التصرّفات- حتي غير التملّك

و الاختصاص- فيشكل استفادته من هذه الصحيحة. و ذلك لأنّ ظاهر أخذ الطريق تملّك جزء منه و إشغاله ببناء دكّة و نحو ذلك. و أمّا التصرف الذي لا يصدق عليه عرفا أخذ الطريق- مثل غرس الشجر أو جعل بساط الأمتعة للبيع و نحو ذلك-، فيشكل استفادة عدم جوازه من هذه الصحيحة. بل هي ظاهرة في عدم جواز أيّ تصرف في الطريق يصدق عليه عرفا أخذ شي ء من الطريق و ان لم يضرّ بالطريق أو المارّة. و أمّا غيره من أنحاء التصرفات غير المضر فلا تدل علي منعه.

(1) لا يلزم كون ذلك من شئون الطريق و مصالحه بل يكفي أن يكون من مصالح عموم الناس مثل نصب أنابيب الماء و غيرها ممّا يحتاج إليه سكنة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 281- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 87

الأساس و السقف بحيث يؤمن معه من النقض و الخسف. و أمّا التصرف في فضائه بإخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو نصب ميزاب و نحو ذلك فلا إشكال في جوازه إذا لم يضرّ بالمارة (1) و ليس لأحد منعه حتي من يقابل داره داره كما مرّ في كتاب الصلح.

______________________________

بيوت أطراف الطريق من دون أن يكون فيه مصلحة للطريق و لا للمارّة في مرورهم.

(1) و ذلك لأنّ السيرة قد استقرت علي عدم جواز التصرف المضرّ بالمارة مطلقا- سواء كان التصرف في أرض الطريق أو في فضائه- بل دعوي استقرارها علي منع هذا التصرف غير مجازفة. و يؤيّد ذلك عمومات نفي الضرر و الضرار. و أيّ ضرر أعظم من الضرر علي عموم الناس؟! و كذا عمومات حرمة إيذاء المؤمنين لا تخلو من دلالة

علي عدم جواز التصرف الموجب لذلك. و أمّا ما دلّ من نصوص المقام علي ضمان من أضرّ بطريق المسلمين بإخراج ميزاب أو حفر بئر أو نصب وتد و نحو ذلك، فلا دلالة له علي حرمة ذلك. لأنه بصدد بيان الحكم الوضعي- أعني به الضمان- لا الحكم التكليفي. و من الواضح عدم الملازمة بين الحكم بالضمان و بين الحرمة.

فمن تلك النصوص صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «كلّ شي ء يضرّ

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 88

و اما الثاني- أعني الطريق غير النافذ المسمّي بالسكة المرفوعة

و قد يطلق عليه الدريبة و هو الذي (1) لا يسلك منه الي طريق آخر أو مباح.

بل احيط بثلاث جوانبه الدور و الحيطان و الجدران- فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة (2) إليه دون من كان حائط داره اليه من غير أن يكون بابها اليه فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة

______________________________

بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه «1»» و مثله موثقة السكوني «2» و خبر أبي الصباح الكناني «3».

(1) و يقال له في الفارسية. (كوچۀ بن بست).

(2) هل يعتبر فتح الباب في ملكية الدّريبة؟ 2- وجّه اعتبار فتح الباب في ملكية الدريبة لصاحب الدار باستقرار السيرة علي ذلك. بتقريب أنّ مجرّد وقوع حائط الدار في جنب الدريبة لا يكفي عند العقلاء في كون صاحب الدار شريكا في ملكية الدريبة فإنّهم لا يرون لمن وقع حائط داره في الدريبة حقّا فيها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 19- ص 181- ب 9- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 19- ص 182- ب 11- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 19- ص 179- ب 8- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 89

______________________________

و لا يخفي أنّ محلّ الكلام ما إذا كانت الدريبة ابتداء أرضا

مواتا ثم وقعت بين الدور المبنية أطرافها. أو ما إذا اشتري جماعة دور أطراف الدريبة و كانت موجودة بين الدور قبل شرائها.

و أما إذا كانت الدريبة ملكا لأشخاص الشّركاء ثم وقعت بين دورهم بعد تقسيم الملك فلا إشكال في كونها ملكا للجميع، مطلقا سواء كان لهم باب مفتوح إليها أم لا.

و قد يتوهم أنّ صحيح منصور بن حازم السابق يدل علي ملكية الدريبة لخصوص من له الباب في هذه الصورة. و لكنه غير وجيه لان هذا الصحيح قد دلّ علي أنّ مشتري الدار لا يملك ممرّ البائع الواقع في الدريبة و من هنا أمره الإمام (ع) بسدّ بابه إلّا ان يبيعه مالك الدار. فيفهم من ذلك انّ مالك الدار يملك ممرّه الواقع في الدريبة بما أنّه مالك الدار و أنّ بتبعه يستحق فتح الباب.

و لذا جوّز (ع) للمشتري فتح الباب إذا تملّك ممرّه من الدريبة بالشراء.

و من هنا يفهم أنه لا موضوعية لفتح الباب في ملكية الدريبة إلّا أنّ هذا فيما إذا كانت الدريبة ملكا لأرباب الدور سابقا و هو غير محلّ الكلام كما قلنا.

و أمّا في المقام فالقول بعدم جواز فتح الباب لمن وقع حائطه في طرف من الدريبة و منع استحقاقه للانتفاع منها بالمرور مشكل جدّا. نظرا إلي كون الأرض القريبة إلي حائطه حريما لداره- كما سبق- و لم يقع في ملك الغير حتي يشكل بأنه لا حريم له فيه. لأنّ المفروض وقوع الحريم من حين إحداث الدار

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 90

يجوز لأربابه سدّه و تقسيمه بينهم و إدخال كلّ منهم حصّته في داره و لا يجوز لأحد من غيرهم بل و لا منهم أن يتصرّف فيه و

لا في فضائه إلّا بإذن من يعتبر إذنه كما يأتي في المسألة الآتية.

مسألة 2: لا يبعد في الدريبة أن يشارك الداخل للأدخل الي قبالة بابه ممّا هو ممرّه

مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعا. و لا يبعد أن يشارك الداخل الي منتهي جدار داره و ينفرد الأدخل بما بعده.

و مع تعدّد الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم و ينفرد (1) بما

______________________________

في الأرض الموات. و هذا إذا لم نقل بكون حريم الدار ملكا لصاحبه و الّا فمنعه من فتح الباب حينئذ أشكل. لعدم كونه إلّا تصرّفا في ملكه. و إحداث الدريبة ببناء أطرافها لا يوجب زوال الملك الثابت بعنوان الحريم، بل غاية الأمر يحصل بذلك اشتراك الجميع في الدريبة. فعلي أيّ حال لا دليل علي عدم جواز فتح الباب لصاحب الحائط.

(1) قد يقال باشتراك الجميع في تمام الدريبة كما قال في الوسيلة:

«الظاهر أنّ أرباب الدور المفتوحة في الدريبة كلّهم مشتركون في كلّها» من دون انفراد الأدخل بطريقة الخاص. و يتمسّك لذلك بالسيرة. و لكنّ السيرة لو لم تكن علي الانفراد المذكور- كما لا يبعد- فلم تحرز علي اشتراك الجميع فيما يختص بمرور الأدخل قطعا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 91

يكون طريقه الخاص فيشترك الجميع من أوّل الدريبة الي الباب الأوّل أو منتهي الجدار ثم يشترك فيما عداه ما عدا صاحب الباب الأوّل. و هكذا تقلّ الشركاء الي آخر الزّقاق. و لا يبعد اختصاص الآخر بالفضلة التي في آخر الزّقاق فيجوز لمن هو أدخل من الجميع أيّ تصرّف شاء فيما ينفرد به بل و في الفضلة المذكورة. و لا يجوز لغيره التصرف كإخراج جناح أو روشن أو بناء ساباط أو حفر بالوعة أو سرداب أو نصب ميزاب و غير ذلك إلّا بإذن شركائه. نعم لكلّ منهم حقّ

الاستطراق إلي داره من أيّ موضع من جداره فكلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل أو أسبق مع سدّ الباب الأوّل و عدمه (1).

مسألة 3: ليس (2) لمن كان حائط داره الي الدريبة فتح باب إليها

إلّا

______________________________

(1) أمّا مع سدّ الباب الأوّل فواضح و أمّا مع عدم سدّه فلوضوح ثبوت حق الاستطراق من الدريبة له سابقا و أمّا نصب الباب فكان علي الحائط المملوك لنفسه فلم يفعل إلّا تصرفا في ملكه و لم يزد له حق غير ما كان ثابتا سابقا، لفرض ثبوت حق المرور من الدريبة له قبل نصب الباب الثاني و لا دليل علي نفسه بعد ذلك.

(2) ثبوت المنع في المقام مشكل إذا كانت الدريبة مواتا قبل إحداث الدور ثم وقعت بين الدور المبنية بإحياء أطرافها. حيث إنّها تكون حريم

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 92

بإذن أربابها نعم له فتح ثقة و شباك إليها. و ليس لهم منعه لكونه تصرفا في جداره لا في ملكهم. و هل له فتح (1) باب إليها لا للاستطراق بل لمجرّد الاستضاءة و دخول الهواء؟ الأقرب جوازه و لصاحب الدريبة تحكيم سند المالكية لدفع الشبهة.

مسألة 4: يجوز لكلّ من أرباب الدريبة الجلوس فيها و الاستطراق و التردد منها الي داره بنفسه

و ما يتعلق به من عياله و دوابّه و أضيافه و عائديه و زائريه. و كذا وضع الحطب و نحوه فيها لإدخاله في الدار و وضع الأحمال و الأثقال عند إدخالها و إخراجها من دون إذن الشركاء. بل و ان كان فيهم القصّر و المولّي عليهم من دون رعاية المساواة (2) مع الباقين.

______________________________

جميع الدور الواقعة في أطرافها. و لم يعلم موضوعية لفتح الباب عند سيرة العقلاء. و عليه فلا دليل علي حرمة فتح الباب مطلقا سواء كان للاستطراق أم لا. كما انه لو كانت الدريبة سابقا ملكا لأشخاصهم لا إشكال في فتح الدرب لكلّ واحد منهم- كما قلنا آنفا بدلالة صحيح منصور- إلّا أن تكون ملك بعضهم فلا يجوز لغيره فتح الباب بدون اذنه.

(1) قد عرفت

الإشكال في منع أصل فتح الباب فضلا عما إذا لم يكن للاستطراق.

(2) لكون جواز تصرف المالك في ملكه بأيّ نحو شاء من شئون الملك و آثاره و لا دليل علي تحديده بالمساواة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 93

مسألة 5: الشوارع و الطرق العامة و ان كانت معدّة لاستطراق عامة الناس و منفعتها الأصلية التردد فيها بالذهاب و الإياب،

الّا أنّه يجوز لكل أحد الانتفاع بها بغير ذلك من جلوس أو نوم أو صلاة و غيرها. بشرط أن لا يتضرر (1) بها أحد علي الأحوط و لم يزاحم المستطرقين و لم يتضيق علي المارّة.

مسألة 6: لا فرق في الجلوس غير المضرّبين ما كان للاستراحة أو النزهة

و بين ما كان للحرفة و المعاملة إذا جلس في الرحاب و المواضع المتّسعة لئلّا يتضيّق علي المارّة فإن جلس فيها لأيّ غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه.

مسألة 7: لو جلس في موضع من الطريق ثم قام عنه

فان كان جلوس استراحة و نحوها بطل حقّه، فجاز لغيره الجلوس فيه. و كذا ان كان لحرفة و معاملة و قام بعد استيفاء غرضه و عدم نية العود فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه. و لو قام قبل استيفاء

______________________________

(1) و لم يصدق أخذ جزء من الطريق عرفا- كما هو ظاهر الماتن «قده» - إما بتملّكه أو اتخاذه دكّة و نحو ذلك. فلا يجوز له أيّ تصرّف يصدق عرفا أنّه أخذ الشارع بذلك التصرف و ان لم يضرّ بالطريق أو المارّة. و الدليل عليه صحيح البقباق السابق.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 94

غرضه ناويا للعود ففي ثبوت حق له فيه اشكال (1). نعم لا يجوز

______________________________

(1) هل يبقي حق السبق لمن قام من مجلسه؟ 1- لا إشكال في ثبوت حق السبق له ما لم يقم من مجلسه لأنه المتيقن من مدلول معتبرة طلحة بن زيد. رواها محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيي عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلي مكان فهو أحقّ به إلي اللّيل «1»».

و مرسلة ابن أبي عمير رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سوق المسلمين كمسجدهم، يعني إذا سبق إلي السّوق كان له مثل المسجد «2»». و الظاهر

أنّ قوله:

«يعني.. إلخ» كلام ابن أبي عمير.

و أمّا بعد ما قام من مجلسه فأشكل الماتن «قده» في ثبوت الحق له وجه الاشكال ظاهرا ارتفاع حقّه بذلك. و لكنه غير وارد بل الأقوي عدم ارتفاعه فيما إذا أبقي في مجلسه ما يكون علامة علي نيّته للعود من بساط أو متاع أو رحل و نحو ذلك. حيث أنّ عنوان السبق ينحفظ بذلك عرفا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 300- ب 17- ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 12- ص 300- ب 17- ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 95

التصرف في بساطه فلو قام و لو بنية العود و رفع بساطه فالظاهر جواز جلوس (1) غيره مكانه و الاحتياط حسن.

مسألة 8: ثبوت الحق للجالس للمعاملات و نحوه مشكل (2)

بل الظاهر عدمه. و لكن لا يجوز إزعاجه ما دام فيه و لا التصرف في بساطه.

و لا مانع من إشغال ما حوله و لو احتاج اليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين معه. و كذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين اليه و ليس له منعه. و لكن الاحتياط حسن و مراعاة المؤمن مطلوب.

______________________________

(1) و ان كان في وسط اليوم و كان السوق قائماً و ذلك لانتفاء السبق بمجرد رفع البساط عرفا. و توهم عدم انتفاء حقّه إذا رفع بساطه قبل اللّيل حينما كان السوق قائماً بنية العود تمسّكا بإطلاق قوله فهو أحق به الي اللّيل، فممّا لا وجه له. و ذلك لما قلنا من انتفاء السبق عرفا بمجرد رفع البساط. و ان الإطلاق المذكور فرع صدق السبق. و أمّا ذكر الغاية بقوله: «إلي اللّيل» فمن باب الغالب. نظرا الي عدم تعطيل السوق غالبا إلي اللّيل و بقاء البساط

ما دام اليوم.

(2) لا اشكال فيه كما قلنا. فإنه ظاهر معتبرة طلحة و مرسلة ابن أبي عمير فإنهما و ان وردا في السوق و الكلام في الطريق العام الّا انه بحكمه أيضا في نظر العرف إذا لم يزاحم المارّة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 96

مسألة 9: يجوز للجالس للمعاملة أن يظلّل علي موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارة

بثوب أو بارية و نحوهما و ليس له بناء دكّة و نحوها فيه.

مسألة 10: إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه في يوم آخر شخص آخر و أخذ مكانه

فليس (1) للأوّل إزعاجه و مزاحمته.

مسألة 11: إنما يصير الموضع شارعا عامّا بأمور.

الأوّل: بكثرة التردّد و الاستطراق و مرور القوافل و نحوها في الأرض الموات كالجواد الحاصلة في البراري و القفار التي يسلك فيها من بلاد الي بلاد.

الثاني: أن يجعل إنسان ملكه شارعا و سبّله تسبيلا دائميا لسلوك عامة النّاس و سلك (2) فيه بعض الناس فإنه يصير بذلك طريقا عاما. و لم يكن للمسبّل الرجوع بعد ذلك. الثالث: أن يحيي جماعة أرضا مواتا قرية أو بلدة و يتركوا مسلكا نافذا بين الدور و المساكن و يفتحوا اليه الأبواب. و المراد بكونه نافذا أن يكون له مدخل و مخرج يدخل فيه الناس من جانب و يخرجون من جانب آخر إلي جادّة عامّة أو إلي أرض موات.

______________________________

(1) و ذلك لما في معتبرة طلحة من كون حق سبقه مغيّي إلي اللّيل لقوله (ع): «فمن سبق إلي مكان فهو أحقّ به إلي اللّيل».

(2) لا دخل للسلوك في قبض الوقف العام لو كان مراد الماتن «قده» ذلك. و إن أراد دخله في صدق عنوان الطريق فلا دخل له فيه أيضا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 97

مسألة 12: لا حريم للشارع العام لو وقع بين الاملاك (1).

فلو كانت بين الاملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع مثلا و استطرقها الناس حتي صارت جادّة لم يجب علي الملّاك توسيعها و ان تضيّقت علي المارّة (2). و كذا لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع مثلا للشارع. و أمّا لو كان الشارع محدودا بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه فكان له الحريم و هو المقدار الذي يوجب إحياؤه نقص الشارع من سبعة أذرع علي الأحوط فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات جاز احياء طرفيه الي حدّ يبقي

له سبعة أذرع و لا يتجاوز عن هذا الحد (3) و

______________________________

(1) حيث ان عموم دليل سلطنة المالك يمنع من وقوع حريم الشارع بين الأملاك. لكنّه ثابت بالعنوان الأوّلي و لا ينافي توسيع الشارع بحكم الحاكم بمقتضي توسعة البلاد و لحفظ النظام.

(2) إلا إذا اختلّ به النظام فيجب علي الملّاك حينئذ إجابة الحاكم الشرعي في توسيعها.

(3) لموثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «و الطّريق يتشاحّ عليه أهله فحدّه سبعة أذرع «1»». و لكن لا يبعد كون نظر الامام (ع) الي بيان حدّ الطريق

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 339- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 98

كذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع مثلا فسبّله شارعا لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع. و لو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة و في الطرف الآخر أرض موات كان الحريم من طرف الموات. بل لو كان طريق بين الموات و سبق شخص و أحيي أحد طرفيه إلي حدّ الطريق اختصّ (1) الحريم بالطرف الآخر.

______________________________

عند تشاحّ أهله في مقداره. فما لا تشاحّ فيه من الطريق يشكل استفادة حكمه من هذه الموثقة. و الشاهد علي ذلك ما ورد في بعض النصوص من التحديد بخمسة أذرع عند اختلاف القوم بين السبعة و الأربعة و هو صحيح البقباق عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا تشاحّ قوم في الطّريق فقال بعضهم: سبع أذرع و قال بعضهم: أربع أذرع. فقال أبو عبد اللّه (ع): لا بل خمس أذرع «1»». فيعلم من ذلك أنّه لا موضوعية لسبعة أذرع في موثقة السكوني و الّا لم يتغيّر بحسب اختلاف موارد التشاح. و علي فرض

العموم فيحمل علي حسب حاجة ذلك الزمان لوضوح عدم كفاية هذا المقدار للشوارع العامة في البلاد الكبيرة خصوصا في زماننا الحاضر.

(1) يشكل الحكم بهذا الاختصاص إذا عيّنت الجادّة و أحكم أساسها و صارت معبرا للسّيّارات حيث يثبت الحريم حينئذ لطرفيها و يكون بنظر

______________________________

(1) الوسائل/ ج 13- ص 173- ب 10- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 99

فلا يجوز للآخر الإحياء إلي حدّ لا يبقي للطريق سبعة أذرع فلو بني بناء مجاوزا لذلك الحد ألزم هو بهدمه و تبعيده دون المحيي الأوّل.

مسألة 13: إذا استؤجم الطريق أو انقطعت عنه المارة زال حكمه

بل ارتفع موضوعه و عنوانه. فجاز لكل أحد إحياؤه كالموات من غير

______________________________

العرف حقا للمارّة و المستطرقين. نعم إذا حدث الطريق بمرور المستطرقين و كان في الصحاري و القفار و لم تعيّن الجادّة بتحكيم الأساس و عمليّة التسطيح، فلا إشكال حينئذ في الاختصاص المذكور.

بيان ذلك: أنّ المقصود من حريم الشارع مقدار ما يحتاج اليه للاستطراق بحيث يكون أخذه نقصا للطريق. فحريم الشارع في الحقيقة حدّه المحدّد في موثقة السكوني المزبورة. فاذا عيّنت الجادة لاستطراق المارّة- من السّيّارات و غيرها- و أحكم أساسها بعملية التسطيح و نحوها لا يجوز لأحد إحياؤها و تملّكها حيث تعيّنت للطريقية. بلا فرق في ذلك بين من سبق الي أحياء أحد طرفي الطريق و بين غيره. و ذلك لعموم صحيح البقباق عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قلت له: الطّريق الواسع هل يؤخذ منه شي ء إذا لم يضرّ بالطّريق؟ قال:

لا «1»». فإنّه بعمومه دلّ علي عدم جواز أخذ الطريق لأيّ شخص و في أيّة صورة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 281- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 100

فرق في صورة انقطاع المارة بين أن

يكون ذلك لعدم وجودهم أو بمنع قاهر إيّاهم أو لهجرهم إيّاه و استطراقهم غيره أو بسبب آخر، نعم في المسبّل لا يخلو جواز الإحياء من إشكال (1).

مسألة 14: لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع

ففي المسبّل لا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها و إحياؤه و تملّكه قطعا. و أمّا غيره ففي جواز إحياء الزائد و عدمه وجهان (2): أوجههما العدم إلّا إذا كان الزائد معرضا عنه.

______________________________

(1) و ذلك لان رقبة الأرض وقفت للطريق العام فلذا لا بد من العمل بعموم «الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها» و مقتضاه عدم جواز إحيائه و تملّكه لأحد لكونه في غير جهة الوقف.

(2) وجه الجواز الاكتفاء بالحد المذكور في موثقة السكوني في جانب الزيادة. فيقال بخروج ما زاد عن السّبع عن حد الطريق، فلا مانع من إحيائه حينئذ. و أما وجه عدم الجواز أوّلا: أنّ التحديد من جانب القلّة. و ثانيا: بأنّ الملاك مقدار الحاجة من دون موضوعية لسبعة أذرع كما قلنا و ثالثا: إذا صدق عنوان الطريق يشمله صحيح البقباق المذكور آنفا بعمومه. فلا يجوز لأحد أخذه.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 101

مسألة 15: و من المشتركات المسجد،

و هو من مرافق المسلمين يشترك فيه عامّتهم، و هم شرع سواء في الانتفاع به إلّا بما لا (1) يناسبه و نهي الشارع عنه كمكث الجنب فيه و نحوه. فمن سبق الي مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل و تدريس أو وعظ أو إفتاء و

______________________________

(1) حكم النوم في المساجد 1- ما عدا النوم لاستثنائه بالنصوص الدالّة علي جوازه في المسجد. منها صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (ع): ما تقول في النّوم في المساجد؟ فقال (ع): لا بأس به إلّا في المسجدين. مسجد النّبي (ص) و المسجد الحرام «1»».

منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن النّوم في المسجد الحرام و مسجد الرّسول. قال (ع): نعم،

فأين ينام النّاس؟ «2»».

منها: ما رواه أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام: «إنّ المساكين كانوا يبيتون في المسجد علي عهد رسول اللّه (ص) «3»». و غيرها من النصوص.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 496- ب 18- ح 2

(2) الوسائل/ ج 3- ص 496- ب 18- ح 1

(3) الوسائل/ ج 3- ص 497- ب 18- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 102

غيرها، ليس لأحد إزعاجه. سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالف فيه. فليس لأحد (1) بأيّ غرض كان مزاحمة من سبق الي مكان منه بأيّ غرض كان. نعم لا يبعد تقدّم الصلاة- جماعة أو فرادي علي غيرها من الأغراض.

فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس و أراد أحد أن يصلّي في ذلك المكان جماعة أو فرادي، يجب عليه تخلية المكان له. نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح بل كان إمّا لانحصار محل الصلاة فيه أو لغرض راجح ديني كالالتحاق بصفوف الجماعة و نحوه. هذا و لكن

______________________________

(1) لعموم قوله (ع): «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلي مكان فهو أحقّ به». في معتبرة طلحة «1» و مرسلة ابن أبي عمير «2» و ما روي عن النبي (ص) بطريق العامة «إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحقّ به إذا عاد إليه «3»».

و ما ورد عنه (ص): «من سبق إلي ما لم يسبقه مسلم فهو أحقّ به «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 12- ص 300- ب 17- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 12- ص 300- ب 17- ح 2.

(3) الجواهر/ ج 38- ص 89.

(4) سنن البيهقي/ ج 6-

ص 142.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 103

أصل المسألة لا تخلو من اشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة كالدعاء و القراءة لا لمجرّد النزهة و الاستراحة فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط (1) للمسبوق بعدم المزاحمة و للسّابق (2) بتخلية المكان له. و الظاهر

______________________________

(1) هذا الاحتياط استحبابي لكونه مسبوقا بالفتوي علي خلافه حيث انه لا يكون قوله: «لا تخلو من اشكال» عدولا عمّا أفتي به آنفا من وجوب تخلية المكان علي السابق المريد لغير الصّلاة و تقديم حق المسبوق المريد للصلاة.

(2) اي و لا ينبغي ترك الاحتياط للسابق بتخلية المكان للمسبوق في هذا الفرض. و الاحتياط هنا وجوبي لكونه مسبوقا بالفتوي علي وفاقه. هذا بحسب ظاهر عبارة الماتن «قده» فان قوله: «و للسابق» عطف علي قوله «للمسبوق».

و لكن يحتمل زيادة الواو اشتباها بأن كان في الأصل «فلا ينبغي ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة للسابق بتخلية المكان له». فقوله: «بتخلية المكان» بيان للمزاحمة. أي: لا يحمّل المسبوق السابق علي تخلية المكان لنفسه بالاحتياط الاستحبابي.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 104

تسوية (1) الصلاة فرادي مع الصلاة جماعة فلا أولوية للثانية علي الأولي فمن سبق الي مكان للصلاة منفردا فليس لمريد الصلاة جماعة إزعاجه لها و ان كان الأولي له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له و لا يكون منّاعا للخير عن أخيه.

مسألة 16: لو قام الجالس السابق و فارق المكان رافعا يده منه معرضا عنه بطل حقّه

علي فرض ثبوت حق له، و إن بقي رحله. فلو عاد إليه و قد أخذه غيره ليس له إزعاجه. نعم لا يجوز التصرف في بساطه و رحله. و ان كان ناويا للعود فان كان رحله باقيا، بقي (2) حقّه لو قلنا بثبوت حقّ له. و لكن

لا يجوز التصرف في رحله علي أيّ حال. و الّا

______________________________

(1) مقصوده «قده» أن إفراد الصلاة متساوية في حق السبق من دون أولوية لبعضها علي البعض الآخر. فلا يزاحم مريد صلاة الجماعة من يصلّي فرادي. و لكنّ الصلاة- فرادي كانت أم جماعة- مقدّمة علي سائر الأفعال العبادية. و من هنا لا يجوز لمريد قراءة القرآن أو الدّعاء مزاحمة المصلّي إذا لم يختر المصلّي مكان الصلاة اقتراحا.

(2) لما مرّ سابقا من انحفاظ عنوان السبق ببقاء الرّحل و البساط عرفا.

فما دام لم يرفع بساطه يصدق عرفا أنّه سابق الي ذلك المكان و يدخل في عموم معتبرة طلحة و مرسلة ابن أبي عمير السابقتين و نحوهما.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 105

فالظاهر سقوط حقه علي فرض ثبوته. لكن ثبوت حق في أمثال ذلك مطلقا لا يخلو من تأمّل (1). و ان يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد فالأحوط عدم إشغاله خصوصا إذا كان خروجه لضرورة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة و نحوها.

______________________________

(1) في بيان دليل حق السبق 1- لا إشكال في ثبوت حق السبق في المسجد و السوق و ذلك بدليل معتبرة طلحة و مرسلة ابن أبي عمير- كما قلنا- لا لمجرّد تسالم الأصحاب حتي يتأمل فيه. أمّا في غير المسجد و السوق فالظاهر أيضا ثبوت حقّ السبق في كل ما جري عليه التعارف و استقرّت عليه السيرة. و دعوي عدم اتصالها بزمان الشارع في المقام غير وجيهة. و ذلك لكفاية تعارف بعض موارد السبق الموجود في زمان الشارع بإلغاء الخصوصية. و لا ريب أنّ الناس في زمان الشارع- مثل سائر الناس في أيّ زمان- كانوا يزدحمون لتحصيل بعض الأمتعة النادرة الوجود

إذا كان عرضه تاجر أو حارث. أو كانوا يستبقون إلي الأماكن الواقعة في معابر العامّة و مواضع استقبالهم للشراء لأجل إراءة أمتعتهم المعدّة للبيع. و كذلك كانوا يبادرون الي أوائل صفوف صلاة الجماعة في المساجد كما ورد في معتبرة طلحة. و غير ذلك من الموارد و لا حاجة إلي عدّ آحادها.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 106

مسألة 17: الظاهر أن وضع الرّحل مقدمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية.

لكن ان كان ذلك بمثل فرش سجّادة و نحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك و شبهها (1).

______________________________

مع أنّ اعتبار اتصال بناء العقلاء بزمان الشارع في خصوص مورد الاستدلال لا وجه له. و ذلك لكفاية عدم ردع الشارع عنها في إمضائه و لا يتوقف ذلك علي وجود مجري السيرة بخصوصه في زمان الشارع بل يكفي وجود نظائره بحيث يمكن للشارع ردعها بعنوان كلّي يشمل جميع تلك الموارد المسانخة له. فاذا لم يصل منه ردع و لو بهذا العنوان الكلي، يكفي لحجّية بناء العقلاء في أيّ مورد يدخل في ذلك الكلّي. و ذلك لإمكان ردعها للشارع بإلقاء خطاب عامّ يدل عليه.

و هذا بخلاف السيرة المتشرعة لأنّه لمّا كان منشأ اعتبارها حكم الشارع، فلذا لا بدّ من انتهائه إلي إمضاء الشارع و تقريره و ذلك لا يمكن إثباته من دون إحراز اتصال السيرة بزمان الشارع.

هذا مضافا الي استفادة إمضاء الشارع علي النحو المطلق الشامل لجميع موارد حق السبق من بعض العمومات الواردة عن النبي (ص) و قد مضي ذكره.

(1) لعدم تحقق السبق بذلك عرفا لأنّ في صدقه يعتبر أهل العرف وضع

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 107

مسألة 18: يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل و مجيئه طول زمان بحيث استلزم تعطيل المكان

و الّا لم يفد حقّا. فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه و رفع رحله و الصلاة مكانه إذ اشتغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلّا برفعه. و الظاهر أنّه يضمنه (1) الرافع إلي أن يوصله الي صاحبه و كذا الحال فيما لو فارق المكان معرضا عنه مع بقاء رحله فيه.

______________________________

شي ء يسبق بمثله عادة ممّا يناسب التصرف المقصود من السبق. كما أنّ وضع الرحل مقدمة للجلوس يفيد الأولوية

لأجل صدق السبق بذلك عرفا، و لكن إذا لم يطل الي حدّ يشغل المكان بغير انتفاع بحيث يصدق تعطيل ذلك المكان كما يأتي في المسألة اللّاحقة.

(1) لعموم قوله (ص): «علي اليد ما أخذت حتي تؤدّيه «1»». و لا يخفي أنّ الأخذ باليد كناية عن الاستيلاء علي مال الغير. فمن هنا لو كان المال في يد الغاصب قبل الغصب أو دخل حيوان في داره فحبسه و استولي عليه- من دون أن يصدق الأخذ باليد-، يدخل تحت عموم هذه القاعدة بلا اشكال. و عليه

______________________________

(1) هذه الرّواية مشهورة بين الفريقين (العامة و الخاصّة) رواها في المستدرك (ب 1 من أبواب الغصب) و رواها الشيخ في الخلاف في مسألة 22 من كتاب الغصب.

و قد رواها العامّة في سنن البيهقي (ج 6- ص 9) و في كنز العمّال (ج 5- ص 257).

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 108

مسألة 19: المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام.

فان المسلمين فيها شرع سواء العاكف فيها و الباد و المجاور لها و المتحمّل إليها من بعد البلاد. و من سبق إلي مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة ليس لأحد إزعاجه. و هل للزّيارة أولوية علي غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلي غيرها- لو قلنا بأولويتها؟ لا يخلو من وجه (1) لكنّه غير وجيه (2).

______________________________

فلا فرق بين رفع الرّجل باليد. و بين رفعه بالرجل إذا صدق عليه عنوان الاستيلاء.

(1) و ذلك الوجه بناء المشاهد للزيارة كما أنّ المساجد بنيت للصلاة فكما أنّ في المسجد تقدّم الصلاة علي غيرها فكذلك في المشاهد تقدّم الزيارة علي غيرها.

(2) و ذلك أوّلا: لأنّ مشاهد الأنبياء و الأئمة المعصومين (ع) من مصاديق بيوت أذن اللّه ان ترفع و يذكر فيها اسمه

كما قال تعالي فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ «1».

و قد ورد عدّة نصوص فسّرت البيوت المذكورة فيها بيوت الأنبياء و الأئمة. و عليه فالصلاة لمّا كانت من أبرز مصاديق ذكر اللّه، تكون في

______________________________

(1) النور/ 36.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 109

______________________________

المشاهد أيضا كالمسجد مطلوبة للشارع الأقدس.

فمن تلك النصوص:

ما رواه الصدوق بإسناده الي محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر- محمد بن عليّ الباقر (ع)- في قوله تعالي فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ.. هي بيوتات الأنبياء و الرّسل و الحكماء و أئمّة الهدي «1».

و ما رواه الكليني بإسناده إلي أبان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عز و جل فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ.. قال (ع): هي بيوت النّبيّ (ص) «2»».

و ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره بإسناده إلي جابر عن أبي جعفر (ع) في قوله عز و جل فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ.. قال (ع): هي بيوت الأنبياء و بيت عليّ منها «3»».

و ما رواه الصدوق في عيون الاخبار في ضمن الزيارة الجامعة المنقولة عن الجواد (ع): «خلقكم اللّه أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتي منّ علينا بكم فجعلكم اللّه في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه «4»».

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين/ ج 3- ص 608- ح 184.

(2) تفسير نور الثقلين/ ج 3- ص 608- ح 185.

(3) تفسير نور الثقلين/ ج 3- ص 607- ح 181.

(4) تفسير نور الثقلين/ ج 3- ص 608- ح 183.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 110

كأولوية (1) من جاء

إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلي المجاورين و إن كان ينبغي لهم مراعاتهم و حكم مفارقة المكان و وضع الرحل و بقاءه كما سبق في المساجد.

مسألة 20: و من المشتركات المدارس بالنسبة إلي طالبي العلم

أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاص كما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم أو طالب العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلا. فمن سبق إلي سكني حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها

______________________________

و ثانيا: تدخل بعض الصلوات النافلة في الزيارة و تكون من أعمالها و آدابها كما ورد في نصوص الزيارة و هي كثيرة جدّا لا احتياج الي ذكرها.

و ثالثا: لما ورد في بعض النصوص من الحثّ و الترغيب علي الإتيان بالصّلوات الفريضة اليومية في مشاهد الأئمة و النبي (ص) و هذه النصوص أيضا كثيرة مستغنية عن الذكر.

فهذه النصوص تدل علي أن الإتيان بالصلاة- فريضة و نافلة- بل مطلق الذكر من شئون الزيارة و آدابها و أنّ المشاهد هي البقاع المتبرّكة و الأمكنة المطلوبة فيها الصلاة.

(1) فلو سبق المجاور الي الزيارة أو الصلاة ليس للنائي إزعاجه و ان ينبغي للمجاورين مراعاة حال إخوانهم النائين المسافرين.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 111

معرضا (1) عنها و إن طالت مدّة السّكني إلّا إذا اشترط الواقف له مدة معيّنة كثلاث سنين مثلا فيلزمه (2) الخروج بعد انقضائها بلا مهلة، و ان لم يؤمر به. أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة كما إذا شرط كونه مشغولا بالتحصيل أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم و نحو ذلك.

مسألة 21: لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة

كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة و نحوها قطعا و ان لم يترك رحله (3). و لا يلزم تخليف أحد مكانه. بل و لا بالأسفار المتعارفة المعتادة كالرواح

______________________________

(1) لأنّ بالإعراض يسقط الحق الثابت بالسبق.

(2) لان حق السبق ثابت فيما إذا جاز أصل التصرف و الانتفاع من المكان المسبوق اليه للسابق. و عليه فعند توقيت

مدّة الانتفاع من الحجرة لا يجوز التصرف فيها بعد انقضاء الأجل المعيّن من جانب الواقف. و ذلك لعموم «الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها» فيرتفع حق السكني عند انتهاء الأجل و كذلك الكلام فيما لو شرط اتصاف الساكن بصفة فزالت عنه تلك الصفة لأنّ السبق عند ذلك يكون في حق الغير فلا يوجب الأحقيّة للسابق.

(3) لعدم انتفاء عنوان السبق بذلك عرفا. و مقصوده من قوله: «و ان لم يترك رحله» أن لا يبقيه في الحجرة بأن ذهب به و خلّي الحجرة منه.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 112

للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نية العود و بقاء متاعه و رحله ما لم تطل المدة إلي حدّ لم تصدق معه السكني و الإقامة عرفا و لم يوجب تعطيل المحلّ زائدا علي لمتعارف و لم يشترط الواقف لذلك مدة معيّنة كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلا فيبطل حقه لو تعدّي زمن خروجه تلك المدّة.

مسألة 22: من أقام في حجرة منها ممّن يستحق السكني بها،

له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدّا لواحد إمّا بحسب قابلية المحلّ أو بسبب شرط الواقف. و لو أعدّ لما فوقه لم يكن له (1) منع غيره إلّا إذا بلغ العدد الذي أعدّ له، فللسّكنة منع الزائد.

______________________________

(1) إذا كان المسكن معدّا لأكثر من ساكن واحد و لكن الواقف لم يشترط سكونة الأكثر بأن أطلق من جهة عدد السّكنة، فحينئذ لو سبق شخص إلي حجرة و كان خلقه بحيث لا يتحمّل حضور شخص آخر، بأن لا يتمكن من المطالعة مع حضوره و يشقّ عليه واقعا تحمّله، فيجوز له أن يمنع ذلك الغير المزاحم له. و الوجه فيه أنّ حقّ

السبق ثبت له بسبقه الي تلك الحجرة و المفروض أنّ الواقف لم يعيّن عدد السكنة حتي يستحق حصّة خاصّة منها. و لذا لا يجوز للمتولي إزعاجه أو إسكان شخص آخر في تلك الحجرة بالإجبار حينئذ لأنّه غصب حقّ الغير و مخالف للشرع. نعم لو عيّن الواقف عدد السّكنة

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 113

مسألة 23: يلحق بالمدارس الرباطات

و هي المواضع المبنيّة لسكني الفقراء و الملحوظة فيها غالبا للغرباء. فمن سبق منهم إلي إقامة بيت منها كان أحقّ به و ليس لأحد إزعاجه. و الكلام في مقدار حقّه و ما به يبطل حقه و جواز منع الشريك و عدمه فيها كما سبق في المدارس.

مسألة 24: و من المشتركات المياه

و المراد بها مياه الشطوط و الأنهار الكبار كدجلة و الفرات و النيل. أو الصغار التي لم يجرها أحد بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج. و كذلك العيون المنفجرة من الجبال أو في أراضي الموات و المياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار. فإنّ الناس في جميع ذلك شرع سواء و من حاز منها شيئا بآنية أو مصنع أو حوض و نحوها ملكه و جري عليه أحكام الملك من غير فرق بين المسلم و الكافر. و أمّا مياه العيون و الآبار و القنوات التي حفرها أحد في ملكه أو في الموات بقصد تملّك مائها، فهي ملك للحافر كسائر الأملاك لا يجوز لأحد أخذها و التصرف فيها إلّا بإذن

______________________________

لا يجوز إسكان مثل هذا الشخص المزاحم لغيره و لو سكن يجب علي المتولّي أو الحاكم إزعاجه منها بمقتضي عموم: «الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها».

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 114

المالك، عدا (1) بعض التصرفات التي مرّ بيانها في كتاب الطهارة. و ينتقل الي غيره بالنواقل الشرعية، قهرية كانت كالإرث أو اختيارية كالبيع و الصلح و الهبة و الهبة و غيرها.

مسألة 25: إذا شق نهرا من ماء مباح كالشط و نحوه ملك ما يدخل فيه من الماء (2)

و يجري عليه أحكام الملك كالماء المحوز في آنية و نحوها. و تتبع ملكية الماء ملكية النهر.

______________________________

(1) كالشرب و الوضوء ممّا يحتاج إليه في المعاش بمقدار قليل يرفع به حاجة المارة و سكنة أطرافه. و ذلك لا لما ورد في بعض النصوص من «إنّ المسلمين «1» - أو النّاس «2» - شركاء في النّار و الماء و الكلأ». لأن نظر هذه النصوص الي المباحات الأصلية فدلّت علي المنع عن تملّكها الشخصي و ممانعة الغير عن الانتفاع بها، مضافا الي

ضعف سندها. بل الوجه في ذلك استقرار السيرة القطعية علي أخذ الماء منها بقدر رفع الحاجة و عدم وصول ردع من الشارع.

(2) لو كان شقّ النهر في الأرض الموات يتحقّق به إحياء النهر و إحياء أراضي أطرافه. و يملك ما دخل فيه من الماء بالحيازة كما يملك بها الماء

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 331- ب 5- ح 1.

(2) المستدرك/ ب 4، من احياء الموات ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 115

فان كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام و ان كان لجماعة ملك كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلك النهر. فان كان لواحد نصفه و لآخر ثلثه و لثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة و هكذا. و لا يتبع (1) مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقي منه. فلو كان النهر مشتركا بين ثلاثة أشخاص بالتساوي كان لكلّ منهم ثلث الماء. و ان كانت الأراضي التي تسقي منه لأحدهم ألف جريب و لآخر جريبا و لآخر نصف جريب فيصرفان ما زاد علي احتياج أرضهما في ما شاءا بل لو كان لأحدهما رحي يدور به و لم يكن له أرض أصلا يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء.

______________________________

المأخوذ بالآنية. و أمّا لو شقّه في الأرض العامرة يتحقّق به إحياء النهر و حيازة الماء الداخل فيه من دون دخل له في إحياء أراضي أطرافه.

(1) لأن سبب ملكية الماء هو شقّ النهر لما قلنا من كونه حيازة الماء فلذا يملك كلّ واحد منهم سهمه من الماء بمقدار سهمه في شقّ النهر. و أمّا الأراضي التي تسقي من ماء النهر المنشق فلا دخل لها في ملكية الماء حتي يتبع مقدار استحقاق الماء مقدارها.

دليل

تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 116

مسألة 26: إنما يملك النهر المتصل بالمباح بحفره في الموات بقصد إحيائه نهرا

مع نية تملّكه (1) إلي أن يوصله بالمباح كما مرّ في إحياء الموات. فان كان الحافر واحدا ملكه بالتمام و ان كان جماعة كان بينهم علي قدر ما (2) عملوا، فمع التساوي بالتساوي و مع التفاوت بالتفاوت.

______________________________

(1) قوله: «الي أن يوصله» متعلق بحفره في الموات، أي لا بد أن ينتهي حفره الي الماء المباح الذي يفيض و يجري إلي أطرافه. و الوجه فيه أنّ الحفر لو لم ينته إليه لا يصدق إحياء النهر عرفا. هذا و لكن يكفي في صدق الإحياء إيصال المجري إلي منتزع الماء بحيث يتهيّأ لجريان الماء فيه. بأن كان المانع منه سدّه بخشب أو حديد و بمجرّد رفعه ينحدر الماء إلي المجري. و أما جريان الماء فعلا فلا يعتبر في إحياء النهر. كما قال في الجواهر: «فاذا وصلوا منتزع الماء و مجراه علي وجه إذا أريد إجراؤه فيه جري، ملكوه سواء جري فيه الماء أم لا، بعد أن تهيّأ له فان ذلك إحياؤه «1»».

(2) و لكنّه فيما إذا حفر كلّ واحد منهم مقدارا معيّنا من النهر فيملك حينئذ مقدار ما حفره. و أمّا إذا حفر الجميع مشتركا تمام اجزاء النهر و لم يختص حفر جزء منه ببعضهم فحينئذ تارة: يحفرونه بالمباشرة و اخري:

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 129.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 117

______________________________

باستئجار الأجير. فعلي الأوّل لو كان مقدار عمل الجميع متساويا- بأن عمل كلّ واحد عشر ساعات مثلا- فيملكون النهر بالسويّة. و أمّا إذا تفاوتوا في مقدار زمان العمل- بأن عمل شخص منهم عشرين ساعة و الآخر خمسين ساعة مثلا- يكون كل واحد منهم سهيما في ملكية

النهر بقدر عمله. و أمّا لو حفروه باستئجار الأجير- لا بالمباشرة- يملكونه بنسبة النفقة التي أنفقوها لأجل الحفر. كما قال في الشرائع: «إذا استجدّ جماعة نهرا فبالحفر يصيرون أولي به فاذا وصلوا منتزع الماء ملكوه و كان بينهم علي قدر النفقة علي عمله» و قال في الجواهر: «نعم هذا كلّه مع الاشتراك في الحفر علي وجه يكون جميع اجزاء الحفر مشتركا، أما إذا حفر كلّ منهم بعضه مستقلّا عن الآخر فالمتّجه ملك كلّ واحد مقدار حفره «1»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 38- ص 129.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 119

قسمة المهاياة «مع كلام في إحياء المعادن»

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 121

مسألة 27: لمّا كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركا بينهم،

كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة فلا يجوز لكلّ واحد منهم التصرّف فيه و أخذه و السقاية به الّا بإذن باقي الشركاء فان لم يكن بينهم تعاسر و يبيح كلّ منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كلّ وقت و زمان فلا بحث. و ان وقع بينهم تعاسر فان تراضوا بالتناوب و المهاياة (1) بحسب الساعات (2) أو الأيام أو الأسابع مثلا فهو، و إلّا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء. بأن توضع علي فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السّعة حتي يتساوي الماء الجاري فيها و يجعل لكل منهم من الثقب بمقدار حصّته و يجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به.

______________________________

(1) لفظ المهاياة في أصل اللّغة مأخوذ من الهيئة. و المقصود هنا أن يجعل لكلّ واحد من الشركاء نوبة زمانية للانتفاع من الماء. قال في مجمع البحرين: «تهايأ القوم تهايؤا إذا جعلوا لكلّ واحد هيئة معلومة و

المراد النوبة» و عليه فالمهاياة و التناوب مترادفان في المعني.

(2) بأنه لو اشترك أربعة أشخاص في النهر يقسّموا اليوم و الليلة الواحدة- المعادلة لأربع و عشرين ساعة- إلي أربع ستّات و يملك كلّ واحد منهم ماء ستّ ساعات و كذلك التقسيم بحسب الأيام و الأسبوع.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 122

فإذا كان بين ثلاثة و سهامهم متساوية- فإن كانت الثّقب ثلاثا متساوية جعلت لكل منهم ثقبة. و إن كانت ستّا جعلت لكلّ منهم ثقبتان. و ان كانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب علي أقلّهم سهما. فاذا كان لأحدهم نصفه و لآخر ثلثه و لثالث سدسه جعلت الثقب ستا. ثلاث منها لذي النصف و اثنتان لذي الثلث و واحدة لذي السدس و هكذا. و بعد ما أفرزت حصّة كلّ منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء.

مسألة 28: الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار (1).

فاذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها و هي لازمة ليس لأحدهم

______________________________

(1) بيان الضابطة في قسمة الإجبار و دخول قسمة المهاياة فيها 1- لأنّ بهذا التقسيم يتعيّن سهم كلّ واحد منهم و ينفكّ بذلك ملكه و تنتفي الشركة و لا يرد ضرر و لا نقصان علي أحد منهم. و إنّ الضّابطة في التقسيم أنّ كلّ قسمة عدّلت بها سهام الشركاء- من دون إيراد ضرر و لا نقصان علي أحد منهم- تكون لازمة يجبر عليها الممتنع و لا يجوز الرجوع عنها. قال في الشرائع: «فكلّ ما لا ضرر في قسمته يجبر الممتنع مع التماس الشريك القسمة «1»». و الوجه في الإجبار عموم قاعدة سلطنة الناس علي أموالهم.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 26- ص 309.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 123

الرجوع عنها بعد وقوعها. و أمّا المهاياة فهي

موقوفة علي التراضي و ليست بلازمة (1) فلبعضهم الرجوع عنها حتي فيما إذا استوفي تمام نوبته و لم يستوف الآخر نوبته و إن ضمن حينئذ مقدار ما استوفاه بالمثل مع إمكانه و الّا فبالقيمة.

______________________________

حيث يقتضي وجوب رد كلّ مال الي مالكه و تخلية يد الغير عنه و لو بالقهر و الإجبار.

(1) ان الحكم بعدم لزوم قسمة المهاياة مشكل جدّا فيما إذا لم يرد بها ضرر علي أحد الشركاء و لم ينقص من سهم مائه شي ء و لم يكن من قبيل تقسيم الانتفاع- كما يأتي- بل الظاهر لزومها في هذا الفرض. و ذلك لدخولها في ضابطة قسمة الإجبار- كما ذكرناها آنفا- لان المفروض حصول تعديل السهام بقسمة المهاياة حينئذ و وصول كلّ واحد من الشركاء الي مقدار سهمه و لو بحسب أجزاء الزمان.

و عليه فلا دليل علي نفي لزوم هذه القسمة بل الدليل موجود علي لزومها و جواز الإجبار عليها بعد اتّفاق الشركاء عليها. نعم قبل الاتّفاق لو أمكن القسمة بحسب الأجزاء لا تلزم بالتماس أحد الشركاء حيث لا ينحصر تقسيم الماء حينئذ في قسمة المهاياة. و أمّا بعد ما اختارها الشركاء و اتّفقوا عليها تلزم عليهم حينئذ، و يجوز لهم الرجوع عنها. كما أنّ عند عدم إمكان

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 124

______________________________

قسمة الأجزاء يجبر عليها مطلقا حصل الاتّفاق أم لا.

ثم انه علي فرض رجوع واحد من الشركاء فيما إذا استوفي تمام نوبته يضمن مثل الماء المستوفي حتي الإمكان و الّا فيضمن قيمته. و الوجه في تقدّم الضمان بالمثل مع الإمكان، استقرار السيرة علي ذلك: حيث انه لو أعدّ الشخص الضامن مثل الماء المصروف من أيّ مكان و جعله في اختيار المضمون

له ليس له حق الرّد عند العرف. كما أنّه لو أصرّ علي أخذ فرد خاص من الماء- كالذي يكون ملك الضامن- فإن أهل العرف يعدّون إصراره من باب اللّجاجة و لا يرون له حقّا في ذلك. فيعلم من ذلك أنّ الذي تعلّقت به ذمة الضامن و هو مكلّف بردّه، طبيعي مثل الماء المصروف الذي يؤدّي بردّ أيّ مصداق منه. فان لم يمكن ذلك تصل النوبة إلي ردّ القيمة. و يعلم أيضا أنّ في مثل المقام لا يعامل أهل العرف معاملة التقاصّ بل يحكمون بضمان مثل المال المتلف عند الإمكان.

و الحاصل ان قسمة المهاياة علي النحو المذكور من قبيل التقسيم بالأجزاء و تكون إلزامية و يجبر الممتنع عليها فيما إذا لم تستلزم الضرر علي أحد الشركاء و حصل به تعديل السهام بحيث لم ينقص عن سهم أحد منهم شي ء. و في الحقيقة تكون قسمة المهاياة نوعا آخر من التقسيم بالأجزاء. و إنّما الفرق بينهما في المقام أنّ في التقسيم بالأجزاء تنقسم أجزاء الماء في كلّ آن بين الشركاء يجريه في الثّقب. و لكن في قسمة المهاياة تنقسم أجزاء الماء

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 125

______________________________

الجاري في مجموع ساعات اليوم أو أيّام الأسبوع بينهم بحسب ساعات اليوم أو أيّام الأسبوع. و يعيّن جزء من الماء- الواقع في الزمان المقدّر- سهما لكلّ واحد من الشركاء. و عليه فقسمة المهاياة بهذا المعني نوع من التقسيم بالأجزاء إلّا أنّ أجزاء الماء الجاري من النهر أو النابع من العين تدريجية الحصول و يكون تقسيمها بحسب عمود الزمان.

ان قلت: إنّ الشركة تكون في جميع أجزاء الماء علي الإشاعة بين الآنات و في التقسيم بالأجزاء ينقسم كل جزء من الماء

في أيّ آن بخلاف المهاياة حيث لا تنقسم فيها أجزاء الماء في أيّ آن. فلذا تختلط السهام و يدخل سهم بعض في سهم آخرين. و هذا يستلزم تمليك بعض الشركاء سهمه للبعض الآخر و هو يتوقف علي تراضيهم بذلك. فمن هنا لا يمكن الإجبار علي قسمة المهاياة.

قلت: يأتي هذا الإشكال في جميع أنواع القسمة حتي قسمة الأجزاء و التعديل لأنّ الشركة أساسا تكون علي الإشاعة في جميع اجزاء العين المشتركة و لكن تزول بنفس القسمة و تعيين الحصص و السهام فيملك كلّ شريك سهمه.

و إنّما المهم جريان سيرة العقلاء علي قسمة المهاياة- علي النحو المذكور- و هي جارية قطعا في مثل الماء. و الّا فلا إشكال في انتفاء الإشاعة- الحاصلة بالشركة- بنفس التقسيم و تعيين سهم كلّ واحد من الشركاء. كما

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 126

______________________________

ترتفع الإشاعة كذلك في التقسيم بالأجزاء من دون أن يتضمّن تمليك السهام حتي يتوقّف علي التراضي بل يملك كلّ واحد منهم سهمه الواقع في الزمان المعيّن. نعم لو استلزمت قسمة المهاياة الضرر علي بعض الشركاء أو كان منافيا لتعديل السهام لا يجوز الإجبار عليها بل موقوف علي التراضي. بأن كان مثلا سقي المزرعة حين الزوال مضرّا للزّرع لشدّة الحرّ في الصيف أو كان جريان الماء متغيرا في السرعة و البطء بأن كان أسرع جريانا في بعض الساعات، و نحو ذلك ممّا يوجب الضرر علي بعض الشركاء أو ينافي تعديل السهام.

و أمّا ما يقال من أنّ قسمة المهاياة ليست في الحقيقة من قبيل قسمة الأجزاء أساسا بل هي تقسيم الزمان أو النوبة، فممّا لا يعقل لوضوح عدم كون النّوبة و أجزاء الزمان ملحوظتين في نفسهما عند العقلاء

في التقسيم. فان النوبة ليست الّا الحصص الزمانية التي هي ظرف السهام المقدّرة من الماء.

نعم لو كانت المهاياة في الانتفاع من العين المشتركة امّا بحسب الزمان بأن يسكن هذا في شهر و ذاك في شهر مثلا، أو بحسب الأجزاء بأن يسكن هذا في الفوقاني و ذلك في التحتاني مثلا، لم يلزم علي شريكه القبول و لم يجبر إذا امتنع. و تتوقّف صحتها علي التراضي لكن ليس تقسيم مجرّد الزمان، و النوبة بل تقسيم مقدار الانتفاع من العين المشتركة كما قال الماتن «قده» في المسألة السادسة عشر من كتاب القسمة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 127

______________________________

و أمّا قسمة المهاياة علي النحو المذكور في تقسيم الماء ليست من هذا القبيل بل يعدّ عند أهل العرف نوعا من التقسيم بالأجزاء و يكون بالتناوب حسب الساعات أو الأيّام و في الحقيقة من قبيل قسمة الافراز. و هذا بخلاف قسمة المهاياة في الانتفاع لوضوح عدم انتفاء الإشاعة في شركة أجزاء العين المشتركة بتقسيم مقدار الانتفاع و تعيين حصصه لعدم ربط له بتقسيم أجزاء العين.

و قد يقال: إنّ قسمة المهاياة في الماء من قبيل الإباحة المشروطة بأن يبيح سائر الشركاء سهامهم من الماء لمن هو أسبق نوبة بشرط أن يبيح هذا الشخص الأسبق أيضا سهمه لهم.

و فيه: انّ هذا القول و ان لا محذور فيه علي القاعدة و لكنّه خلاف ما هو المرتكز في أذهان العقلاء فيما استقرّ عليه سيرتهم من تقسيم الماء بالتناوب بحسب الساعات أو الأيّام. لما قلنا من أنّ هذا التقسيم عندهم من قبيل تقسيم الماء بأجزائه و عليه يملك كل واحد منهم حصّته بلا احتياج إلي الإباحة المذكورة.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و

اللقطة، ص: 128

مسألة 29: إذا اجتمعت أملاك علي ماء مباح من عين أو واد أو نهر و نحوها

بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير (1) أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار كان للجميع حق السقي منه فليس لأحد أن يشقّ نهرا فوقها يقبض الماء كلّه أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك. و حينئذ فإن و في الماء لسقي الجميع (2) من دون مزاحمة في البين فهو و ان لم يف و وقع بين أربابها في التقدّم و التأخّر التشاح و التعاسر.

______________________________

(1) جمع الناعور أي الدولاب و هو آلة مصنوعة من الخشبة ذات أضلاع يستسقي بها من ماء البئر أو النهر، و لفظ الدولاب فارسي معرّب.

(2) لان كلّ من أحيي أرض أطراف النهر يستحقّ ماء ذلك النهر و لا يجوز لغيره أن يزاحمه. و الدليل عليه استقرار سيرة العقلاء علي ذلك. مضافا الي ما ورد في النصوص من اشتراك المسلمين و جميع الناس في النار و الماء و الكلأ.

منها: ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن أحمد بن محمّد عن محمد بن سنان عن أبي الحسن (ع) قال: «سألته عن ماء الوادي فقال: إنّ المسلمين شركاء في الماء و النّار و الكلأ «1»». و رواه الصدوق أيضا بإسناده الي محمد بن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 331- ب 5- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 129

يقدم الأسبق (1) فالأسبق في الإحياء ان علم السابق. و إلّا يقدّم (2) الأعلي فالأعلي و الأقرب فالأقرب إلي فوهة الماء و أصله فيقضي الأعلي حاجته ثم يرسله الي ما يليه و هكذا.

لكن لا يزيد للنخل عن الكعب أي قبّة القدم علي

______________________________

سنان منها: ما رواه ابن أبي جمهور في درر اللّئالي عن ابن عباس: إن رسول

اللّه (ص) قال: «النّاس شركاء في الثّلاث النّار و الماء و الكلأ «1»».

فان هاتين الروايتين و نحوهما تدلّ علي أنّ مياه الأنهار و الشطوط الكبيرة و السيول من المباحات الأصلية و ليس ملكا لأحد و أنّ النّاس كلّهم فيها شرع سواء و لا يجوز لأحد منع غيره عن التصرف فيها.

(1) و ذلك لشمول دليل حق السبق من السيرة و عموم النصوص المتقدمة للمقام. حيث إنّ كلّ من أحيي أرضا في أطراف النهر فقد سبق بذلك الي مائه فيوجد له بذلك حق السبق و ان كان أسفل من غيره.

(2) و الوجه فيه ما ورد من النصوص.

منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن أبي عمير عن الحكم بن أيمن عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سمعته يقول: «قضي رسول اللّه (ص) في سيل

______________________________

(1) المستدرك/ ج 3- ص 150- ب 4، من كتاب احياء الموات.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 130

______________________________

وادي مهزور للزّرع إلي الشّراك و للنّخل إلي الكعب ثمّ يرسل الماء إلي أسفل من ذلك «1»».

منها: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيي عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن يحيي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قضي رسول اللّه (ص) في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلي علي الأسفل للنّخل إلي الكعبين و للزّرع إلي الشّراكين «2»». و رواهما الشيخ أيضا.

و منها: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيي عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن عبد اللّه بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «قضي

رسول اللّه (ص) في شرب النّخل بالسّيل أنّ الأعلي يشرب قبل الأسفل و يترك من الماء إلي الكعبين ثمّ يسرّح الماء إلي الأسفل الذي يليه و كذلك حتي ينقضي الحوائط و يفني الماء «3»».

و رواه الشيخ أيضا بإسناده عن الكليني.

فإنّ هذه النصوص و ان لم يفرض فيها تشاحّ أرباب الماء- كما هو المفروض في المقام- و لكنها تشمله بإطلاقها. كما انّ إطلاق قوله (ع): «ثمّ يرسل الماء إلي أسفل من ذلك» و قوله: «ثمّ يسرّح الماء إلي الأسفل الذي يليه»

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 334- ب 8- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 335- ب 8- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 335- ب 8- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 131

الأحوط (1)، و ان كان الجواز إلي أوّل الساق لا يخلو من قوة و للشجر عن القدم و للزرع عن الشراك (2).

______________________________

يشمل ما إذا و في الماء للجميع و لكن يشمل بهذا الإطلاق ما إذا لم يف الماء للجميع أيضا.

(1) هذا الاحتياط استحبابي لكونه ملحوقا بالفتوي علي خلافه. و الوجه فيه احتمال إرادة قبّة القدم من الكعب. و لكن الظاهر ان الماتن (قده) استظهر من لفظ «الكعبين» في نصوص المقام العظمين الناشزين في جانبي القدم و هما يحاذيان أوّل الساق و واقعان بين ملتقي الساق و القدم كما قال في الصحاح:

«الكعب: العظم الناشز عند ملتقي الساق و القدم، و أنكر الأصمعي قول الناس انه في ظهر القدم».

(2) فسّر لفظ الشراك بسيور النعل- بند نعل يا كفش- قال في مجمع البحرين: «الشّراك- بكسر الشين- أحد سيور النعل التي تكون علي وجهه توثّق بها الرّجل و منه الحديث و لا تدخل يدك

تحت الشراك» و لكن محل الشراك مردّد بين محاذي الكعبين- و هو ملتقي الساق و القدم كما قد يستظهر من قوله:

«و لا تدخل يدك تحت الشّراك» حيث لا يمكن ارادة دون قبة القدم قطعا لوجوب مسحه في الوضوء-، و بين ما دون قبّة القدم و فوق الأصابع. و هذا ظاهر نصوص المقام و الّا لم يفترق عن حدّ النخل- و هو محاذي الكعبين. و

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 132

مسألة 30: الأنهار المنشقّة من الشطوط و نحوها إذا وقع التعاسر بين أربابها

بأن كان الشطّ لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار كان حالها كحال اجتماع الاملاك علي الماء المباح المتقدّم في المسألة السابقة. فالأحقّ ما كان شقّه أسبق ثم الأسبق. و ان لم يعلم الأسبق فالمدار علي الأعلي فالأعلي فيقبض الأعلي ما يسعه ثم ما يليه و هكذا (1).

______________________________

إن يحتمل كون الشراك هنا بمعني ملتقي الساق و القدم و كون الكعب بمعني قبّة القدم و لكن الظاهر كما قلنا هو الاحتمال الأوّل.

(1) و قد يشكل علي شمول النصوص الدّالة علي تقدّم الأعلي فالأعلي لهذه الصورة و ذلك لان موردها سيل وادي مهزور، و هو ما إذا لم يكن أحد مالكا للنهر و لا حقّ سبق في البين. لان ماء السيل يسيل و يرد بجريانه الطبيعي في الأنهار و الشطوط و ينتشر في الصحاري و المزارع و البساتين من دون أن يسبق إليه أحد و الّا لم تصل النوبة إلي الأعلي. فهناك لا تكون العلوّ مزاحما بملك و لا سبق. و هذا بخلاف المقام لفرض كون النهر مملوكا لأربابه. فالتعدي من مورد النصوص الي المقام في غير محلّه. و عليه فلا مناص من القرعة عند تشاح الملّاك في فرض عدم سبق واحد

منهم. و أمّا مقدار ملك النهر فهو دخيل في مقدار الماء المملوك لا في التقدّم في الصرف.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 133

مسألة 31: لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلي تنقيح أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق و نحو ذلك.

فإن أقدم الجميع علي ذلك كانت المئونة علي الجميع (1) بنسبة ملكهم للنهر. سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع كما إذا كان مشتركا بين المولّي عليهم و رأي الوليّ المصلحة الملزمة في تعميره مثلا. و ان لم يقدم الّا البعض لم يجبر (2) الممتنع. و ليس للمقدمين مطالبته بحصّته من المئونة ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه و تعهّده ببذل حصّته. نعم لو كان النهر مشتركا بين القاصر و غيره و كان أقدام غير

______________________________

هذا و لكنّ الإنصاف أنّه يمكن التعدّي من مورد تلك النصوص إلي المقام. و ذلك لاشتراك المقامين من جهة عدم المرجّح لاستحقاق الماء. لانّ النهر في المقام ملك للجميع و المفروض عدم العلم بالأسبق فلا ترجيح من جهة الملكية و السبق لأحد الشركاء. فمن هنا لا يبعد شمول عموم نصوص تقديم الأعلي للمقام أيضا.

(1) فإنهم كما يشتركون في المنافع كذلك يشتركون في المضارّ و تحمل المخارج أيضا و هذا ثابت في سيرة العقلاء.

(2) أمّا لو استلزم امتناعه ضررا بأن يخرب النهر بدون الإصلاح و توقّف إصلاح النهر علي مشاركة ذلك البعض لا يبعد القول بالإجبار لعموم دليل نفي

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 134

القاصر متوقفا علي مشاركة القاصر إمّا لعدم اقتداره بدونه أو لغير ذلك وجب (1) علي وليّ القاصر- مراعاة لمصلحته- تشريكه في التعمير و بذل المئونة من ماله بمقدار حصّته.

مسألة 32: و من المشتركات المعادن.

و هي إمّا ظاهرة: و هي ما لا تحتاج في استخراجها و الوصول إليها إلي عمل و مئونة كالملح و القير و الكبريت و الموميا و الكحل و النفط إذا لم يحتج كلّ منها إلي الحفر و العمل المعتدّ

به. و إمّا باطنة: و هي ما لا تظهر الّا بالعمل و العلاج كالذهب و الفضّة و الرّصاص و كذا النفط إذا احتاج في استخراجه الي حفر آبار كما هو المعمول غالبا في هذه الأعصار. فأمّا الظاهرة فهي

______________________________

الضرر و سيرة العقلاء، فان تحمّل مخارج النهر و تعميره أمر ثابت بين العقلاء و مرتكز عندهم من حين ابتداء إحياء النهر. و من هنا لو احتاج النهر إلي الإصلاح بحيث لو لم يعمّر يسقط عن الانتفاع و توقّف تعميره علي موافقة بعض الشركاء، يلزمونه علي المساعدة و تحمل مخارج إصلاح النهر. نعم لو لم يستلزم ترك التعمير خراب النهر لم يعلم استقرار السيرة علي ذلك.

(1) و ذلك لوجوب مراعاة مصلحة القاصر علي الولي حيث انه مقتضي دليل مشروعية ثبوت الولاية للوليّ لابتناء جعل الولاية علي أساس حفظ مصالح المولّي عليه و منافعه و الّا لكان بلا ثمر و لغوا.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 135

تملك بالحيازة لا بالإحياء (1) فمن أخذ منها شيئا ملك ما أخذه قليلا كان أو كثيرا- و ان كان زائدا علي ما يعتاد لمثله و علي مقدار حاجته. و يبقي الباقي- ممّا لم يأخذه- علي الاشتراك. و لا يختصّ بالسابق في الأخذ و ليس له علي الأحوط (2) أن يحوز مقدارا يوجب الضيق و

______________________________

(1) مقصوده «قده» أنّ عنوان الإحياء لا يصدق علي جمع هذه الأشياء و أخذها بل يدخل تحت عنوان الحيازة. و الّا لا إشكال في ملكية المعادن الظاهرة بل الباطنة التابعة للأرض بإحياء أرضها، كما يأتي في المسألة الرابعة و الثلاثين.

(2) هذا الاحتياط وجوبي. و وجه عدم الإفتاء بذلك ظاهرا أنّ مقتضي كون المعدن من المشتركات جواز إحيائها

لكلّ أحد بأيّ مقدار شاء. و إنّ التحديد خلاف إطلاق نصوصها فيحتاج الي الدليل و هو غير وارد في المقام.

و أمّا وجه الاحتياط الواجب أنّ الضّيق و المضارّة علي الناس ينافيان الاشتراك لأنّهما يوجبان سلب حق اشتراكهم. فإنّ لهم أيضا حقا في حيازة المشتركات كما يكون للشخص الحائز، فدليل مملّكية حيازة المشتركات لا يثبت ملكية المحوز للحائز في هذه الصورة لانصرافه عنها. كما أنّ دليل مملّكية الإحياء قاصر عن إفادة ملكيّة الأرض المحياة بمقدار يوجب الضيق و المضارة علي النّاس، لكونه مستلزما لسلب حق اشتراكهم و معلوم من مذاق الشارع أنه لا

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 136

المضارّة علي النّاس. و أمّا الباطنة: فهي تملك بالإحياء (1) بأن ينهي العمل و النقب و الحفر إلي أن يبلغ نيلها. فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء. و قد مرّ أنّها تملك بحفرها حتي يبلغ الماء و يملك بتبعها الماء و لو عمل فيها عملا لم يبلغ به نيلها كان تحجيرا أفاد الأحقّية و الأولوية دون الملكية.

______________________________

يرضي بذلك. مضافا الي نفي الضّيق و الحرج و المضارّة في الشرع بعمومات الكتاب و السّنة.

(1) فان إحياء كلّ شي ء بحسبه و إنّ حفر البئر في الحقيقة إحياؤه عرفا و سبب مستقلّ لملكية البئر المحفورة. و قد دلّ علي ذلك موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «قال رسول اللّه (ص): من غرس شجرا أو حفر واديا بدّيا لم يسبقه إليه أحد أو أحيي أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله «1»».

فإن: «أو حفر واديا..» ظاهر في كون الحفر سباب مستقلا للملك قبال إحياء الأرض خصوصا بقرنية العطف ب «أو» في قوله: «أو

أحيي أرضا» و إنّ عنوان الحفر يشمل بإطلاقه حفر المعدن. و لا دليل علي تقييده أو انصرافه إلي خصوص حفر ما يعدّ تابعا للأرض عرفا. لما أنّ ملكية المعدن في صورة الحفر لا تتبع ملكية الأرض حتي تخرج المعادن غير التابعة لها. بل انما هو

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 328- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 137

مسألة 33: إذا شرع في إحياء معدن ثم أهمله و عطّله أجبر علي إتمام العمل أو رفع يده عنه.

و لو أبدي عذرا أنظر بمقدار زوال عذره، ثم ألزم علي أحد الأمرين كما سبق ذلك كلّه في إحياء الموات.

______________________________

ملك للحافر بدليل الحفر، فإنّ إحياء المعدن يتحقق به. نعم تكون ملكية المعدن قبل الحفر تابعة لملكية الأرض فيكون حينئذ خصوص ما يعدّ من توابع الأرض المملوكة ملكا لمالك الأرض.

هذا مضافا الي عدّ المعادن في النصوص من الأنفال- مستقلّا قبال الأرض الخربة و ما لا ربّ لها و سائر أقسام الأنفال- فيعلم منها أنّ للمعادن- بعنوان أحد أقسام الأنفال- إحياء مستقلّا.

أضيف الي ذلك أنّ إحياء المعدن في سيرة العقلاء غير إحياء الأرض و ربما يكون إحياء المعدن أصعب و أشقّ بمراتب من إحياء الأرض. فإنّهم في سيرتهم يعدّون إحياء المعدن سببا مستقلّا لملكيته من دون فرق بين العميق منه كآبار النفط و بين غيره. فاذا ساعد الدليل استقلال سببيّة إحياء المعادن في ملكيتها مطلقا- بلا فرق بين العميق و غيره- لا ملزم للقول بتبعية ملكيتها لملكية الأرض حتي نخصّها بخصوص التابعة منها للأرض. نعم علي فرض عدم تحقّق الحفر يثبت هذا التخصيص حيث لا سبب لملكية المعدن حينئذ غير تملّك الأرض الحاوية له. كما يأتي في المسألة الرابعة و الثلاثين.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 138

مسألة 34: لو أحيي أرضا- مزرعا أو مسكنا مثلا- فظهر فيها معدن

ملكه (1) تبعا لها سواء كان عالما به حين إحيائها أم لا.

مسألة 35: لو قال ربّ المعدن لآخر:

اعمل فيه و لك نصف الخارج مثلا، بطل إن كان بعنوان الإجارة (2) و صحّ لو كان بعنوان الجعالة.

______________________________

(1) لكن لا مطلقا بل إذا عدّ المعدن من توابع الأرض المحياة عرفا. و هذا لا ينافي ما قلناه آنفا من كون إحياء مثل هذه المعادن العميقة- غير التابعة للأرض عرفا- بالحفر سببا مستقلّا لملكيتها للمحيي بلا اعتبار عدّها من توابع الأرض.

(2) و ذلك لعدم معلومية مقدار النصف الخارج فيكون مقدار الأجرة مجهولة و تصير المعاملة غررية للجهل بالعوض. و هذا بخلاف الجعالة، حيث انه لا يعتبر فيها العلم بمقدار العوضين.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 139

______________________________

كلام في إحياء المعادن بأقسامها ثم ان لنا كلاما في المقام و حاصله: أنّه لو حاز شخص المعادن الظاهرة زائدا عن مقدار حاجته ثم باعه لسائر الناس، لا مانع من تملّك القدر الزائد له شرعا. و كذلك المعادن الباطنة خصوصا العميقة منها مثل النفط ممّا يكفي لانتفاع آلاف من الناس. حيث إنّه يمكن في المعادن الظاهرة أن تكون لأيّ شخص من آحاد الناس قدرة الحيازة. و لكنّ الأمر ليس كذلك في المعادن الباطنة العميقة، بل انّما يقدر علي إحياءها عدّة معدودة من الناس فيحفرون المعادن العميقة و يحيونها بالآلات الحديثة و استخدام العملة الكثيرة و يستخرجون ما فيها و يبيعونه من سائر الناس. و هذا لا يختص بالمعادن بل الأمر كذلك في كلّ ما يحتاج اليه الناس. فان التّجّار و المتمكّنين يستوردون عمد ما يحتاج اليه الناس من الأمتعة و لوازم المعاش من البلاد النائية إلي أوطانهم و يبيعونها من مواطينهم. و بذلك ترتفع حاجات الناس

و لو لا ذلك لما قام نظام معاش الناس و أسواقهم و أمورهم الاقتصادية. و هذا الأمر لا بدّ من جريانه في نظام حياة مجتمع البشر. كما أشار الي هذا الأصل الحياتي قوله تعالي نَحْنُ قَسَمْنٰا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ رَفَعْنٰا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا «1». أي فضّلنا بعضهم علي بعض بإعطاء العقل و القدرة و المال و

______________________________

(1) الزخرف/ 32.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 140

______________________________

السلطنة ليستخدم بعض آخرين في سبيل مقاصدهم الاقتصادية حتي يقوم بذلك أمر معاشهم فتمحن بذلك كلتا الطائفتين الغنيّ و الفقير، و القويّ و الضّعيف.

و عليه فاحياء المعادن العميقة بفعل شخص أو شخصين و تملّك بحر من النفط تحت الأرض باستخدام الأشخاص الكثيرة و بيع ما استخرج منها من سائر الناس، لا ينافي مذاق الشارع بل عليه يبتني أساس نظام المعاش. نعم لو أوجب ذلك الضيق و الضرر علي الناس بأن يبيع هؤلاء المتمكّنين المعادن المستخرجة بقيمة كثيرة خارجة عن وسع أكثر الناس بحيث لم يتمكنوا من شرائها، أو كان عامة الناس أنفسهم أيضا متمكّنين من استخراج المعدن- كما في بعض المعادن الظاهرة- فيزاحمهم ذلك الشخص المتمكّن أو الأشخاص المعدودة، لا يجوز لهم إحياؤها حينئذ. و لحاكم الشرع أن يمنعهم عن ذلك بالإجبار. لرجوع ذلك إلي سلب حق اشتراكهم و لعمومات حرمة إيذاء المؤمنين و مضارّتهم.

ثم انه وقع البحث في أنّ المعادن من الأنفال أو من المباحات الأصلية و المشتركات فيملكها كلّ من استخرجها ففيه وجوه.

منها: انها من الأنفال مطلقا- سواء استخرجت من أراضي الأنفال أو من الأراضي المملوكة الشخصية و سواء عدّت من توابع الأرض أم لا- غاية الأمر أنّ الأئمة

(ع) أباحوها و أحلّوها لكلّ من أحياها و استخرجها بعد

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 141

______________________________

أداء خمسها.

منها: انها ليست من الأنفال مطلقا بل هي مملوكة لمستخرجها استنادا الي ظهور أدلّة الخمس. لظهور الأمر بتخميسها في الملكية.

منها: التفصيل بين الواقعة منها في الأنفال و بين ما كانت في غيرها.

فالقسم الأوّل في حكم الأنفال و القسم الثاني في حكم الملك و مستند ذلك احتمال رجوع ضمير «الهاء» في قوله: «و كلّ أرض لا ربّ لها و المعادن منها» - في موثقة إسحاق بن عمّار «1» - إلي الأرض لا إلي الأنفال. حيث تدلّ حينئذ علي كون خصوص المعادن الواقعة في ما لا ربّ له من الأراضي من الأنفال دون الواقعة منها في الأرض الّتي لها ربّ. فتكون ملكا لصاحب الأرض.

و خطر ببالنا في المقام تفصيل آخر. و هو التفصيل بين المعادن- التابعة للأرض المملوكة- و بين غيرها. فالقسم الأوّل يكون ملكا لمالك الأرض و الثاني من الأنفال. و ذلك لظهور قوله (ع): «و المعادن منها» في رجوع ضمير «الهاء» في الأنفال. فيشمل المعادن العميقة التي لا تعدّ تابعة للأرض مطلقا- سواء كانت في الأرض المملوكة أم في غيرها- و المعادن التابعة لأراضي

______________________________

(1) رواها عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار: «قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الأنفال فقال (ع): هي القري الّتي قد خربت الي قوله: و كلّ أرض لا ربّ لها و المعادن منها». الوسائل/ ج 6- ص 371- ح 20.

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 142

______________________________

الأنفال- من الموات و رءوس الجبال و البحار. و ذلك لأنّ

عموم قوله: «و المعادن منها» في الموثقة المزبورة يشمل جميع أقسام المعادن. و إنّما خرج منها خصوص ما تعدّ من توابع الأرض المملوكة الشخصية بنفس دليل ملكية رقبة تلك الأرض بما لها من اللّواحق و التوابع.

و أمّا المعادن التي لا تدخل تحت الملكية الشخصية- لعدم كونها من توابع الأرض المملوكة- و الواقعة منها في الأراضي الموات فجميعها تبقي تحت هذا العموم. هذا بناء علي رجوع ضمير الهاء في قوله: «و المعادن منها» إلي الأنفال- كما هو الظاهر- و أمّا بناء علي رجوعها إلي «أرض لا ربّ لها» - بلحاظ قرب مرجعها- فأيضا تدل الصحيحة علي المطلوب. حيث عدّت المعادن حينئذ في حكم الأرض التي لا ربّ لها. و يصدق عنوان «لا ربّ لها» علي المعادن العميقة غير التابعة للأرض و الواقعة منها في الأراضي الموات. فان جميع هذه الأقسام من المعادن لا مالك شخصي لها بل هي ملك الامام (ع)، لوضوح أنّ المقصود من «لا ربّ لها» نفي المالك الشخصي حيث أطلق علي الأرض الموات المفروض كونها من الأنفال المملوكة للإمام. و اما المعادن التابعة للأرض المملوكة داخلة في أرض لها ربّ فهي خارجة من الأنفال لمفهوم التحديد.

و إنّما يملك غير هذا النوع من المعادن بالحفر و الإحياء لعموم موثقة السّكوني- كما سبق- و السيرة القطعية من المسلمين حيث إنّهم لم يزالوا

دليل تحرير الوسيلة - إحياء الموات و اللقطة، ص: 143

______________________________

يحيون المعادن بجميع أقسامها و يتملّكونها من غير نكير. نعم يتبع الواقع منها في الأرض الشخصية رقبة الأرض في الملكية إذا عدّ عرفا من توابع الأرض فهو لمالكها و لا يملكه غيره بالحفر. و الدليل علي هذه التبعية أيضا إنّما هو سيرة العقلاء بل المتشرّعة

فإنّها قد استقرّت منهم منذ عصر الأئمّة إلي زماننا هذا علي دخول محتويات الأرض التابعة لها في ملك مالكها و لم ير فيما ورد من النصوص ما يردع عنها.

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة علي محمد و آله الطاهرين الطيّبين. قد فرغت من تسويد هذه الرسالة بعون اللّه تعالي في اليوم السابع عشر من شهر جمادي الأولي سنة/ 1414 ه. ق أحقر الطلاب: علي أكبر السيفي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.