دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- الصيد و الذباحة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 2

ناشر: دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم

تاريخ نشر: 1415 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

كتاب الذباحة

اشارة

شرائط الذّابح آلة الذّبح و شرائطه و أحكامه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 129

القول في الذباحة و الكلام في الذّابح و آلة الذّبح و كيفيّته و بعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل.

مسألة 1: يشترط في الذابح أن يكون مسلما أو بحكمه

كالمتولّد منه فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره حتّي الكتابي علي الأقوي (1).

______________________________

(1) اشتراط الإسلام في الذّابح 1- هو المشهور شهرة عظيمة، بل استقرّ عليه إجماع الأصحاب، كما حكاه الشيخ و المرتضي بل عدّ من ضروريات المذهب. مضافا الي دلالة النصوص المستفيضة البالغة حدّ التواتر المعنوي المقطوع صدور مضمونها من الأئمّة (ع).

مثل صحيح حنان بن سدير قال: «دخلنا علي أبي عبد اللّه (ع) أنا و أبي فقلنا له: جعلنا فداك إنّ لنا خلطاء من النّصاري و إنّا نأتيهم فيذبحون لنا الدّجاج و الفراخ و الجداء أ فنأكلها؟ قال (ع): لا تأكلوها و لا تقربوها فإنّهم يقولون علي

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 130

______________________________

ذبائحهم ما لا أحبّ لكم أكلها «1»».

و صحيح قتيبة الأعشي قال: «سألت أبا عبد اللّه عن ذبائح اليهود و النّصاري فقال (ع): الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا مسلم «2»».

و موثّقة سماعة عن الكاظم (ع) قال: «سألته عن ذبيحة اليهوديّ و النّصرانيّ فقال: لا تقربوها «3»».

و صحيح إسماعيل بن جابر قال: «قال لي أبو عبد اللّه (ع): لا تأكلوا ذبائحهم، يعني أهل الكتاب «4»». و قوله: «يعني أهل الكتاب» من كلام الراوي و الكليني. و حسنة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه إنّ عليّا كان يقول: «كلوا من طعام المجوس كلّه ما خلا ذبائحهم فإنّها لا تحلّ و إن ذكر اسم اللّه عليها «5»».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع)

قال: «لا يذبح لك اليهوديّ و لا النّصرانيّ أضحيّتك «6»». و غيرها من النصوص فراجع الوسائل «7».

و أمّا النصوص الواردة في مقابلها فهي علي كثرتها محمولة علي التّقية لموافقتها مذهب العامّة مع اختلاف مضامينها و من هنا أعرض عنها المشهور.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 283- ب 27- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 9.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 10 و 12.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 10 و 12.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 290- ب 27- ح 42.

(7) الوسائل/ ج 16- ب 27 من الذبائح.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 131

______________________________

و يكون اختلافها إلي حدّ قد عدّها في الجواهر اثني عشرة صنفا ثم قال بعد ذكر هذه الأصناف: «الي غير ذلك من الاختلاف الذي يورث الفقيه القطع بخروج هذه النصوص مخرج التقية التي قد خفي الأمر من جهتها في ذلك الزمان علي مثل أبي بصير و المعلّي و هما من البطانة «1»». ثم استشهد «قده» لذلك بصحيح شعيب العقرقوفي «2» و ما روي عن ابن أبي عمير «3» الدالّين علي خفاء جهة التقية عنهما. و لا نذكر هذه الروايات هنا حذرا من الاطناب و نرجعكم إلي المصدر «4» فراجع.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 85.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 287- ح 25.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 285- ح 16.

(4) الجواهر/ ج 36- ص 81 و الي الوسائل/ ج 16- ص 282- ب 27.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 132

و لا يشترط فيه الايمان (1) فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام

______________________________

(1) عدم اعتبار الايمان

في الذّابح 1- و ذلك لإطلاق قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1». و قوله تعالي وَ مٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «2».

و لدلالة النصوص علي عدم اشتراطه بالخصوص:

مثل صحيح قتيبة الأعشي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا مسلم «3»». حيث دلّ علي حلّية ذبيحة المسلم و نفي اعتبار غير الإسلام.

و صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: «قال أمير المؤمنين:

ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه عليها «4»».

و صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال: إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّه علي ذبيحتها حلّت

______________________________

(1) الانعام/ 118- 119.

(2) الأنعام/ 118- 119.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 284- ح 8.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 133

عدا النّاصب (1) و إن أظهر الإسلام.

______________________________

ذبيحتها «1»».

و معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «إنّه سئل عن ذبيحة المرأة فقال إذا كانت مسلمة و ذكرت اسم اللّه عليها فكل «2»». و مثل ذلك ما رواه في تفسير العياشي عن ابن سنان «3».

و مما يدلّ علي ذلك النصوص الدالّة علي حلّية ذبائح سوق المسلمين ما لم يعلم أنّها ميتة و نقلناها آنفا.

(1) هو المشهور بل المتّفق عليه بين الأصحاب و قد دلّ عليه ما يثبت كفره من النصوص بضميمة ما دلّ علي حرمة ذبيحة الكفار. مضافا إلي موثّق أبي بصير قال: سمعت أبا عبد

اللّه (ع) يقول: «ذبيحة النّاصب لا تحلّ «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 6 و 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 6 و 7.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 11.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 134

مسألة 2: لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك (1)

فتحلّ ذبيحة المرأة فضلا عن الخنثي و كذا الحائض و الجنب و النفساء

______________________________

(1) عدم اشتراط الذكورة و البلوغ 1- لاتّفاق الأصحاب و دلالة النصوص المستفيضة. مثل صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه (ع): «عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال (ع): إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّه علي ذبيحتها حلّت ذبيحتها. و كذلك الغلام إذا قوي علي الذّبيحة فذكر اسم اللّه و ذلك إذا خيف فوت الذّبيحة و لا يوجد من يذبح غيرهما «1»».

يحتمل قويا كون قوله: «و ذلك..» قول الرّاوي أو أحد المشايخ الثلاثة حيث نقله كلّهم.

و صحيح عمر بن أذينة عن غير واحد رواه عنهما: «إنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذّبح و سمّت فلا بأس بأكله و كذلك الصّبيّ و كذلك الأعمي إذا سدّد «2»» و ممّا يدلّ علي عدم اعتبار البلوغ صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عن ذبيحة الصّبي. فقال (ع): إذا تحرّك و كان له خمسة أشبار و أطاق الشّفرة «3»». و مثله صحيح عبد الرّحمن «4» و معتبرة مسعدة بن صدقة «5».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 275- ب 22- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 275- ب 22- ح 2.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 275- ب 22-

ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 135

______________________________

و المقصود من قوله (ع): «كان له خمسة أشبار» كون طول قامته بهذا المقدار.

حيث يقوي علي الذّبح حينئذ.

و مما يدلّ علي عدم اشتراط الذكورية بالخصوص معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث أنّه سئل عن ذبيحة المرأة فقال: «إذا كانت مسلمة فذكرت اسم اللّه عليها فكل «1»».

و حسنة الحسين بن علوان أو معتبرته- بناء علي كونه عاميّا كما قيل- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المرأة «2»».

و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ عليّ بن الحسين (ع) كانت له جارية تذبح له إذا أراد «3»». و مثله صحيح الحلبي «4».

و يدل علي ذلك أيضا ما رواه العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألت عن ذبيحة المرأة و الغلام هل تؤكل؟ قال: نعم إذا كانت المرأة مسلمة و ذكرت اسم اللّه حلّت ذبيحتها و إذا كان الغلام قويّا علي الذّبح و ذكر اسم اللّه حلّت ذبيحته «5»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 288- ح 12- و ص 277- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 288- ح 12- و ص 277- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 276- ب 23- ح 2 و ص 277- ح 9.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 276- ب 23- ح 2 و ص 277- ح 9.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 136

و الطفل إذا كان مميّزا و الأعمي و الأغلف و ولد الزّنا (1).

______________________________

(1) جواز ذبح الجنب و الحائض و ولد

الزّنا 1- لا خلاف في ذلك كلّه بين الأصحاب و قد دلّت عليه النصوص المعتبرة مثل صحيح صفوان بن يحيي قال: سأل المرزبان أبا الحسن (ع): «عن ذبيحة ولد الزّنا- قد عرفناه بذلك- قال (ع): لا بأس به و المرأة و الصّبيّ إذا اضطرّوا إليه «1»».

و موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «و لا بأس أن يتنوّر الجنب و يحتجم و يذبح «2»».

و معتبرة مسعدة بن صدقة عن جعفر (ع): «إنّه سئل عن ذبيحة الأغلف قال (ع): كان عليّ (ع) لا يري به بأسا». «3»

و غير ذلك من النصوص مع عدم الحاجة إليها لدلالة مطلقات النصوص و عموماتها علي الحلّية. و من هنا يحكم بحلّية ذبيحة الحائض و النفساء.

مضافا الي استفادة اشتراكهما مع الجنب في الحكم. فمن النصوص المطلقة في المقام ما دلّ من الكتاب علي حلّيّة أكل مطلق ما ذكر اسم اللّه عليه. و من السنّة ما دلّ علي حلّية ذبيحة كلّ مسلم و مسلمة كما سبق ذكرها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 279- ب 25- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 17- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 17- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 137

مسألة 3: لا يجوز الذّبح بغير الحديد مع الاختيار.

فان ذبح بغيره مع التمكن منه لم يحلّ (1) و ان كان من المعادن المنطبعة كالصفر و النحاس و الذهب و الفضّة و غيرها. نعم لو لم يوجد الحديد و خيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها

______________________________

(1) عدم جواز الذبح بغير الحديد اختيارا 1- لا خلاف فيه بين الأصحاب و قد دلّ عليه النصوص المعتبرة مثل صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن الذّبيحة باللّيطة و

بالمروة.

فقال (ع): لا ذكاة إلّا بحديدة «1»».

المروة: هي حجارة بيضاء براقة تقدح منها النار و المراد هنا الحادّة منها.

و اللّيطة: هي قشر القصب.

و حسنة سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع):

«أنّه قال: لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة «2»».

و موثقة سماعة قال: «سألته عن الذّكاة فقال (ع): لا تذكّ إلّا بحديدة نهي عن ذلك أمير المؤمنين «3»».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن ذبيحة العود و الحجر

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 138

أو اضطرّ اليه جاز (1) بكلّ ما يفري أعضاء الذبح و لو كان قصبا أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها.

______________________________

و القصبة فقال: قال عليّ (ع): لا يصلح إلّا بحديدة «1»».

و عليه فلا يجوز الذبح بغير الحديد مطلقا كالذهب و الفضة و النّحاس و الصفر و حتي ما يسمي بإستيل إلّا ما كان منه عمدة اجزائه من جنس الحديد بحيث يلحقه أهل العرف بالحديد، نظير المذهّب و المفضّض حيث لا يعدّان ذهبا و لا فضّة بل يلحقهما أهل العرف بالحديد.

(1) جواز الذبح بغير الحديد حال الاضطرار 1- اتّفق الأصحاب علي جواز الذبح بغير الحديد حينئذ في الجملة. و قد دلّت عليه النصوص.

فمنها: صحيح عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: «سألت أبا إبراهيم (ع) عن المروة و القصبة و العود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكّينا فقال: إذا فري الأوداج فلا بأس بذلك «2»».

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه

(ع) قال: «لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 139

نعم في وقوع الذكاة بالسنّ و الظّفر مع الضرورة إشكال. و ان كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان و الأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضا و ان كان الوقوع لا يخلو من قرب (1).

______________________________

و منها صحيح زيد الشّحّام قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟ فقال (ع): اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و بالعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و خرج الدّم فلا بأس به «1»».

و منها صحيح محمد بن مسلم قال: «قال أبو جعفر (ع) في الذّبيحة بغير حديدة قال: إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر «2»».

(1) حكم الذّبح بالسّن و العظم و الظّفر 1- وقع الخلاف في جواز الذّبح بالسّن و العظم و الظّفر مع الضّرورة بين القدماء و المتأخرين- بعد اتّفاقهم علي عدم جواز ذلك عند التمكن من الذبح بالحديد. فقال القدماء بعدم الجواز و ذهب المتأخرون إلي الجواز و هو الأقوي. و ذلك لانّ في المقام وردت روايتان:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 2- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 2- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 140

______________________________

إحداهما: معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة

و العود و أشباههما ما خلا السّنّ و العظم «1»».

و الثانية: صحيح زيد الشّحّام السابق آنفا و مقتضي القاعدة تقديم صحيح زيد و ذلك لإطلاق النهي في معتبرة الحسين بن علوان. فهو يشمل ما إذا لم يكن العظم ذا حدّة قاطعة للحلقوم. و لكن قد قيّد جواز الذبح بالعظم في صحيح الشّحّام بما إذا قطع الحلقوم. فهو مقيّد لإطلاق الحسنة. فيحكم بجواز الذبح بالعظم إذا كان ذا حدّة قاطعة. و إذا كان المناط ذلك فيقال به في السنّ أيضا بقرينة ذكره جنب العظم في النهي في فقرة واحدة و عدم اختصاصه بخصوصية.

هذا مضافا إلي قوّة احتمال إرادة الكراهة من البأس كما قال في الوسائل. و امّا الظفر فلم يرد فيه نهي بالخصوص في نصوصنا. نعم نقل من العامة «2» ما يدلّ عليه مع تفسير الظّفر فيه بمدي الخشبة و هو غير الظفر المعهود بل بمعني الشفرة كما قال في المجمع.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ح 5.

(2) راجع الجواهر/ ج 36- ص 103.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 141

مسألة 4: الواجب في الذّبح قطع تمام الأعضاء الأربعة:

الحلقوم و هو مجري النفس دخولا و خروجا. و المري ء- و هو مجري الطعام و الشراب و محلّه تحت الحلقوم-، و الودجان: و هما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المري ء. و ربما يطلق علي هذه الأربعة الأوداج الأربعة (1). و اللازم قطعها و فصلها فلا يكفي شقّها من دون القطع و الفصل.

______________________________

(1) اعتبار قطع الأوداج الأربعة بتمامها 1- هذا علي المشهور. و لكن الوارد في النصوص اعتبار قطع الحلقوم و فري الأوداج من دون ذكر وصف الأربعة. كقوله (ع): «إذا فري الأوداج فلا بأس». في صحيح عبد الرّحمن «1». و قوله (ع): «إذا قطع

الحلقوم و خرج الدّم فلا بأس به «2»». في صحيح زيد الشحّام.

و أما اعتبار الأوداج الأربعة فاستدلّ عليه تارة: بأن لفظ الأوداج قد يطلق في عرف العرب علي الأوداج الأربعة كما قال في الجواهر «3» و اخري: بأنّ قطع الحلقوم يستلزم عادة قطع الأوداج الأربعة كلّها.

و يمكن الاستدلال علي ذلك أيضا بأنّه لا يصدق قطع الأوداج عرفا ما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 3.

(3) الجواهر/ ج 36- ص 105.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 142

مسألة 5: محلّ الذبح في الحلق تحت اللّحيين علي نحو يقطع به الأوداج الأربعة.

و اللّازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة، و جعلها في الرأس دون الجثّة و البدن بناء علي ما يدّعي من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة علي وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها و لم يقع الذبح من تحتها لم يقطع الأوداج بتمامها.

و هذا أمر يعرفه أهل الخبرة فإن كان الأمر كذلك أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته (1).

______________________________

دام لم يقطع جميعها فاذا قال شخص مثلا: «قطعت أوداج عنق الحيوان» - مع عدم قطع بعضها- يقال له حينئذ: «كيف قطعت الأوداج مع بقاء بعضها علي حالها كما كان؟!» و الرواية إنما وردت علي منوال فهم أهل العرف و عليه فظاهر قوله (ع): «إذا فري الأوداج» قطع الأوداج الأربعة كلّها.

(1) اعتبار وقوع الذبح تحت الجوزة 1- إنّ الذي دلّت النصوص علي اعتباره قطع الحلقوم و قطع الأوداج كما عرفت. و أيضا ورد في بعض النصوص من لزوم كون محلّ الذّبح في الحلق مثل صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «النّحر في اللّبة

و

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 143

كما أنّه يلزم أن يكون شي ء من كلّ من الأوداج الأربعة علي الرأس حتي يعلم أنّها انقطعت و انفصلت عمّا يلي الرأس.

______________________________

الذّبح في الحلق «1»». و عليه فلا بد في الذّبح من قطع الحلقوم بحيث تقطع مع قطعه الأوداج الأربعة كلّها. و هذا لا يتحقق الّا بقطع ما تحت الجوزة من الحلقوم و ذلك لانتهاء بعض الأوداج الي الجوزة فلو قطعت الجوزة نفسها أو ما فوقها- الي جانب الرأس- لم تقطع تلك الأوداج المنتهية إلي الجوزة. و من هنا اعتبر قطع الحلقوم من تحت الجوزة. هذا مضافا إلي كفاية عدم قطع بعض الأوداج بقطع الجوزة أو فوقها في وجوب قطع ما تحتها من الحلقوم احتياطا بمقتضي أصالة عدم التذكية عند الشك في وقوعها علي الوجه الشرعي. كما قال في الجواهر: «و أمّا ما هو متعارف في زماننا هذا من اعتبار جعل العقدة التي في العنق المسماة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة في الرأس علي وجه يكون القطع من تحتها، فلم أجد له أثرا في شي ء من النصوص و الفتاوي اللّهم إلّا أن لا يحصل قطع الأوداج الأربعة بدون ذلك و لا أقلّ من الشك و الأصل عدم التذكية «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 3- ح 1.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 120.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 144

مسألة 6: يشترط أن يكون الذبح من القدّام

فلو ذبح من القفا و أسرع إلي أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الدّم حرمت (1).

______________________________

(1) اشتراط كون الذّبح من القدّام 1- و الدليل علي ذلك ظاهرا قوله (ع): «النّحر في اللّبّة و الذّبح في الحلق» في صحيح معاوية بن عمار «1»

و قوله (ع): «لا تأكل ذبيحة لم تذبح من مذبحها «2»». في صحيح محمّد بن مسلم. فإنّ الأوّل دلّ علي تعيين محلّ الذبح في الحلق و الثاني دلّ علي عدم كون الذّبح مشروعا إذا كان من غير هذا الموضع.

و عليه فلو ذبح الحيوان من جانب القفا يصدق عرفا انه لم يذبح من طرف الحلق. فان حرف «من» يفيد ابتداء الذّبح و شروعه من طرف الحلق و جانب قدّام الحيوان. و قد أشكل علي ذلك بانّ المقصود من هذا الصحيح النهي عن أكل ذبيحة ذبحت بغير قطع الحلقوم و فري الأوداج بأن قطع عضو آخر منه و الشاهد علي ذلك:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في رجل ضرب سيفه جزورا أو شاة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 256- ب 4- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 256- ب 4- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 145

______________________________

في غير مذبحها و قد سمي حين الذّبح قال (ع): «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها «1»».

فان في صدر هذه الصحيحة جعل قتل الحيوان بضربة السيف في غير المذبح مقابل الذبح من المذبح. و عليه فليس المقصود منه وقوع الذبح من طرف الحلق و جانب قدّام الحيوان بل المراد أصل قطع الحلقوم و فري الأوداج كما في صحيحي زيد الشّحّام و عبد الرّحمن بن الحجّاج السابقين آنفا.

و يمكن الجواب عن هذا الاشكال بما حاصله أنّ هذه المقابلة ليست في كلام الامام (ع) بل الذبح في غير المذبح يكون مورد سؤال الرّاوي فلا تكون مانعة من ظهور كلام الإمام في ما قلناه.

و أمّا صحيح زيد و عبد الرّحمن ففي صدد بيان اعتبار أصل قطع الحلقوم و فري

الأوداج و لا نظر لهما إلي سائر خصوصيات الذبح. و علي فرض إطلاقهما لا ينافي تقييدهما بالدليل.

و لكن مع ذلك كلّه في النفس شي ء من التشكيك في تمامية دليل اشتراط كون الذّبح من القدّام فيشكل الفتوي بذلك بل الأنسب أن يحتاط وجوبا بترك أكل ما ذبح من القفا. و أمّا إشكال التنخيع فيمكن دفعه بأن من حين الشروع في قطع الرأس من القفا لا يصدق الذبيحة حتي يشمله قوله: «لا تنخع الذبيحة» «2» و يمكن الجواب عنه بصحة إطلاق الذبيحة حين ارادة الذبح

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 256- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 258- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 146

نعم لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق بأن أدخل السّكين تحت الأعضاء و قطعها الي الفوق لم تحرم (1) الذبيحة، و ان فعل مكروها علي الأوجه. و الأحوط ترك هذا النحو.

______________________________

كما ورد: «استقبل بذبيحتك القبلة».

و قد يشكل بعدم صدق الذبح علي ذلك بل هو قطع الرأس من القفا و إنّما سبب التذكية هو الذبح. و فيه أنّ السبب هو فري الأوداج و قطع الحلقوم.

بل هو الذبح و هذا متحقق في فرض الكلام.

(1) حكم إدخال السكين تحت الأوداج و قطعها الي الفوق 1- استدلّ علي الحرمة بما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن هاشم الجعفري عن أبيه عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (ع): قال:

«سألته عن الذّبح. فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف و لا تقلّب السّكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلي فوق و الإرسال للطّير خاصة فإن تردي في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه فإنّك لا

تدري التّردّي قتله أو الذّبح، الحديث «1»».

بتقريب: كون النهي عن قطع الحلقوم من تحته الي الفوق بقوله (ع): «و لا تقلّب السكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه الي فوق» إرشادا إلي مانعية

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 147

______________________________

ذلك من تحقّق الذّبح شرعا.

و فيه- مضافا إلي اكتناف هذه الفقرة صدرا بالآداب المستحبة حين الذبح و ذيلا بما هو مخالف للنصوص «1» الدالّة علي حلّية الذبيحة إذا وقعت بعد الذكاة من مرتفع أو في نار أو ماء- أنّ في سنده ضعفا، لأنّ أبا هاشم الجعفري و هو داود بن قاسم بن إسحاق و إن كان ثقة بل قيل بجلالة قدره و عظم منزلته عند الأئمة (ع). الّا ان أباه و هو قاسم بن إسحاق لم يرد فيه توثيق و لا مدح. و عليه فلا يصلح هذا الخبر لإثبات الحرمة بل و لا الكراهة إلّا بناء علي جريان التسامح في أدلّة المكروهات كما في السنن.

نعم لمّا كان هذا النوع من الذبح خارجا عن المتعارف الغالب فلذا في شمول النصوص له خفاء خصوصا بقرينة هذه الرواية فالأحوط استحبابا تركه كما قال الماتن «قده».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 13.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 148

مسألة 7: يجب التتابع في الذّبح بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح

فلو قطع بعضها و أرسل الذبيحة حتي انتهت الي الموت ثم قطع الباقي حرمت (1). بل لا يترك الاحتياط، بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد و لا يعدّ معه عملا واحدا عرفا بل يعدّ عملين و ان استوفي التمام قبل خروج الروح منها (2).

______________________________

(1) وجهه دلالة نصوص المقام علي اعتبار كون فري الأوداج و قطع الحلقوم حال

حياة الحيوان و عليه فلا يحلّ إذا قطع بعض أوداجه بعد زهوق الرّوح.

هذا مضافا إلي ما دلّ علي اعتبار وجود آثار الحياة في المذبوح و هذا غير متحقّق في فرض الموت.

(2) لا يجب التتابع في الذبح 2- لا دليل علي اعتبار التتابع و عدم الفصل في قطع الأوداج بل الدّليل علي خلافه. و ذلك لدلالة النصوص علي أنّ المعتبر في تحقّق الذبح و حدّ إدراك الذكاة بروز آثار الحياة من الحيوان- بعد فري الأوداج- بتحريك رجل أو ذنب أو طرف عين. كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الذّبيحة فقال: إذا تحرّك الطّرف أو الذّنب أو الأذن فهو ذكيّ «1»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 149

مسألة 8: لو قطع رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذّباحة،

فإن بقيت لها الحياة المستكشفة بالحركة و لو يسيرة بعد الذبح و قطع الأوداج حلّت (1).

______________________________

و معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب فأدركته فذكّه «1»».

فبناء علي ذلك في فرض الفصل بين قطع الأوداج خارجا عن الحدّ المتعارف المعتاد لو تحقق هذا الملاك بأن تحرّكت رجل المذبوح أو ذنبه أو طرفت عينه لا إشكال في حليّته و عليه فلا دليل علي اعتبار التتابع.

(1) حكم فري الأوداج بعد قطع رقبة الذبيحة 1- كما دلّ من النصوص علي أنّ حدّ إدراك الذكاة حركة أعضاء المذبوح كصحيح الحلبي و معتبرة عبد اللّه بن سليمان المزبورة آنفا. فاذا تحرّكت أعضاء الحيوان بعد الذبح و لو يسيرة بحيث تكشف عن حياة الحيوان حال الذبح يحلّ بإطلاق هذه النصوص. هذا مضافا الي

قوله تعالي:

إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ. بتقريب أنّ في صدر الآية ذكرت الموقوذة في عقد المستثني منه، و هو الحيوان المصدوم بالضرب. و يشمل ما إذا قطعت رقبته من القفا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 150

و ان كان لها حركة و لو يسيرة قبل الذّبح ذبحت. و إن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت (1).

______________________________

بذلك فاستثنيت حرمته بالتذكية. و المفروض تحقّق حدّ إدراك الذّكاة بدلالة النصوص المزبورة. و عليه فالآية بضميمة هذه النصوص دليل علي وقوع الذكاة و حلّية الذبيحة بفري الأوداج حينئذ. مضافا إلي ما ورد من بعض النصوص المفسّرة في ذيل الآية.

مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «كل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النّطيحة و المتردّية و ما أكل السّبع.. و هو قول اللّه عز و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ، فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله «1»».

(1) اعتبار خروج الدّم المعتدل بعد الذّبح 1- دلّ علي حلّية أكل الذبيحة بمجرّد خروج الدّم عدّة نصوص.

منها: صحيح زيد الشّحّام قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود إذا لم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 151

______________________________

تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و خرج الدّم فلا بأس به «1»».

و منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن مسلم ذبح و سمّي فسبقته السّكين بحدّتها فأبان الرّأس. فقال (ع): إن خرج الدّم فكل «2»».

و منها:

موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «لا بأس به إذا سال الدّم «3»».

و أمّا اعتبار خروج الدّم المعتدل فقد دلّ عليه ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد اللّه (ع) إذ جاءه محمد بن عبد السّلام فقال له: «جعلت فداك يقول لك جدّتي إنّ رجلا ضرب بقرة بفأس فوقذها ثم ذبحها. فلم يرسل معه بالجواب و دعا سعيدة مولاة أمّ فروة فقال لها: إنّ محمّدا جاءني برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه.

فإن كان الرّجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدّم معتدلا فكلوا و أطعموا و إن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه «4»».

هذه الرّواية نقلت بطريقين أحدهما طريق الشيخ و هو ضعيف لوقوع الحسن بن مسلم في طريقه علي الأصح لما في نسختي الكافي و التهذيب «أو الحسين بن مسلم» - علي ما في نسخة الاستبصار- و كلاهما لم يرد فيهما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 11- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 264- ب 12- ح 2 و 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 152

و الّا فان لم تتحرّك حتّي يسيرا قبل الذّبح حرمت و إن تحرّكت قبله و لم يخرج الدم المعتدل فمحلّ اشكال (1).

______________________________

توثيق و لا مدح و ليسا من المعاريف. و الآخر طريق الحميري في قرب الاسناد كما نقلنا و هو صحيح لتوثيق جميع رواته.

و أمّا دلالة فلا غبار عليها. و بدلالة هذه الصحيحة يحمل الدّم المذكور في صحيح أبي بصير علي الدم المتثاقل

كما قال في الوسائل.

و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير- يعني المرادي- قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الشاة تذبح فلا تتحرّك و يهراق منها دم كثير عبيط. فقال (ع): لا تأكل إن عليّا (ع) كان يقول: إذا ركضت الرّجل أو طرفت العين فكل «1»».

(1) حكم ما لو تحرّكت الذبيحة قبل الذبح و لم يخرج الدم المعتدل بعده 1- لما يستفاد من النصوص المذكورة اعتبار أحد أمرين في حلّية الحيوان بالذبح. أحدهما: صدور حركة منه يعلم بها حياته بعد الذبح لكي يحرز وقوع التذكية علي الحيّ. و الآخر خروج الدم المعتدل بعده. فاذا انتفي الأمران معا لا دليل علي الحلّية بل محكوم بالحرمة بمقتضي أصالة عدم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 264- ب 12- ح 1

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 153

______________________________

التذكية عند الشك.

نعم يفهم من إطلاق خبر سهل الحلّية في هذه الصورة:

و هو ما رواه الكليني عند عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن مثنّي الحنّاط عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرّك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال «1»». فإنّه بإطلاقه دلّ علي حلّية أكل أيّة ذبيحة ذبحت حال حياته. سواء خرجت منها دم معتدل أم لا، و سواء صدر منها حركة بعد الذبح أم لا. بل يستكشف منه أنّ اعتبار الحركة بعد الذبح إنّما يكون لإحراز وقوع التذكية علي الحيّ فإذا أحرز ذلك بصدور حركة منه حين الذبح تفيد في الحلّية بل يدلّ علي ذلك:

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع)

قال: «كل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النّطيحة و المتردّية و ما أكل السّبع و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله «2»».

فان ظاهر قوله: «فقد أدركت ذكاته فكله» وقوع التذكية المحلّلة بمجرّد الذبح حينئذ. و إلي ذلك تنظر معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع)

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 154

مسألة 9: لو أخطأ الذّابح و ذبح من فوق العقدة و لم يقطع الأعضاء الأربعة

فان لم تبق لها الحياة حرمت. و إن بقيت، يمكن أن يتدارك بأن يتسارع إلي إيقاع الذّبح من تحت و قطع الأعضاء و حلّت و استكشاف الحياة كما مرّ (1).

______________________________

قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب فأدركته فذكّه «1»».

و من هنا يعلم بقرينة هذه النصوص أنّ قوله (ع): «إذا تحرّك الذّنب أو الطّرف أو الأذن فهو ذكيّ «2»» في صحيح الحلبي و ان دلّ بظاهره علي اعتبار صدور الحركة بعد الذبح بقرينة كون السؤال عن الذبيحة إلّا أنّه ناظر إلي أمارية ذلك علي وقوع التذكية علي الحيّ و أنّه لا بدّ من إحرازه بالحركة بعد الذبح.

و عليه فلو صدرت من الحيوان حركة حال الذبح لا اعتبار لهذا الشرط.

بل هو شرط في خصوص ما إذا لم يصدر من الحيوان حركة حال الذبح. و اليه ينظر صحيح الحلبي المزبور. و عليه فحركة الحيوان حال الذبح يكفي لوقوع التذكية بلا اعتبار لخروج الدّم حينئذ.

(1) لكونه ذبح الحيوان الحيّ حينئذ فيشمله إطلاق ما دلّ من النصوص علي كفاية

وجود آثار الحياة حال الذبح في إدراك التذكية و حلّية الأكل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 155

مسألة 10: لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان و أدركه حيّا

فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها بحيث لم يبق شي ء منها و لا منها شي ء فهو غير قابل للتذكية و حرمت (1) و كذا إن أكلها من فوق أو من تحت و بقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن علي الأحوط فلا يحلّ بقطع ما بقي منها (2). و كذلك لو أكل بعضها تماما فأبقي بعضها كذلك.

كما إذا أكل الحلقوم بالتمام و أبقي الباقي كذلك. فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه (3). فلا يترك الاحتياط.

______________________________

(1) حكم ما لو أكل بعض الأوداج قبل الذبح 1- لاعتبار التذكية في حلية ما أكل السّبع بصريح قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.. وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ و المفروض عدم قابلية الحيوان للتذكية.

(2) لعدم صدق الودج علي جزء منه اتّصل به الرأس بالبدن. و إنّ المأخوذ في حلّيّة أكل الذبيحة إبانة الأوداج بقطع كلّ واحد منها تماما لأنّه ظاهر قوله (ع): «إذا فري الأوداج فلا بأس». و أمّا قطع جلد ظريف خفيف باق من الودج فلا يصدق عليه قطع الودج و لا فرية.

(3) و ذلك لما يستفاد من الأدلّة من اعتبار قطع الأوداج الأربعة بتمامها و

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 156

مسألة 11: يشترط في تذكية الذبيحة مضافا إلي ما مرّ أمور:

أحدها: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح

بأن يوجّه مذبحها و مقاديم

______________________________

هو غير متحقّق في فرض أكل بعضها تماما.

و الإشكال بأنّ فري الأوداج الأربعة إنّما استفيد اعتباره من نصوص المقام في صورة وجودها في الحيوان. و ظاهر ذلك عدم اعتباره في صورة فقدها كما هو مفروض المسألة، موجّها بأنّ ظاهر دليل اعتبار شي ء في موضوع أيّ حكم اشتراطه في فرض قابلية الموضوع لاتّصافه بذلك الشي ء و وجدانه.

واضح الدفع، و ذلك لان الكبري المعلّل بها و إن

صحّت في محلّها إلّا أنّها غير منطبقة علي المقام لان المقصود بها اعتبار الشرط فيما يكون قابلًا لوجدانه طبعا و مستعدّا لاتّصافه به في نفسه. و المفروض في المقام أنّ الحيوان المذبوح كان واجدا لجميع الأوداج و قابلًا لفريها و انّما عدم بعضها بأكل السبع.

هذا مضافا الي انّ مقتضي أصالة عدم التذكية عند الشك في تحقق التذكية بقطع بعضها أو قطع مقدار من كلّ واحد منها حرمة أكل الحيوان في جميع الموارد.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 157

بدنها إلي القبلة (1) فإن أخلّ به فان كان عالما عامدا حرمت. و إن كان ناسيا أو جاهلا أو مخطئا

______________________________

(1) في اشتراط استقبال الذبيحة 1- و الدليل علي ذلك مضافا إلي اتّفاق الأصحاب، النصوص المعتبرة منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن الذّبيحة. فقال (ع): استقبل بذبيحتك القبلة «1»».

و منها صحيحه الآخر عن أبي جعفر (ع) قال: «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة «2»».

و أمّا توجيه مقاديم البدن إلي القبلة- مضافا إلي استقبال الرأس و الرقبة- فلأنّ استقبال الذبيحة ظاهر عرفا في ذلك فلا يصدق علي توجيه خصوص الرأس و الرقبة إلي القبلة.

و أمّا استقبال الذّابح فليس بلازم لعدم استفادته من نصوص المقام. فان حرف الباء في قوله (ع): «استقبل بذبيحتك القبلة» للتعدية. و يؤيّد هذا المعني فهم محمد بن مسلم، حيث سأل أبا جعفر «عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 158

في القبلة أو في العمل لم تحرم (1) و لو لم يعلم جهة

القبلة أو لم يتمكن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط. و لا يشترط استقبال الذّابح علي الأقوي و إن كان أحوط و أولي.

______________________________

إلي القبلة «1»». و أمّا وجه احتياط الماتن «قده» باستقبال الذّابح استحبابا فلعلّه لاحتمال إرادة معني المصاحبة و المعيّة من لفظ الباء فيكون المقصود استقبل أنت مع ذبيحتك القبلة.

(1) سقوط اشتراط استقبال الذبيحة في التذكية عند النسيان و الجهل 1- لا خلاف في ذلك و الدّليل عليه النصوص المعتبرة:

فمنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سئل عن الذّبيحة تذبح لغير القبلة، فقال (ع): لا بأس إذا لم يتعمّد «2»».

و منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الذّبيحة ذبحت لغير القبلة فقال (ع): كل و لا بأس بذلك ما لم يتعمّده «3»».

و منها: ما رواه المجلسي في البحار عن عليّ بن جعفر في كتابه قال:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 14- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 159

______________________________

«سألته عن الرّجل يذبح إلي غير القبلة قال (ع): لا بأس إذا لم يتعمّد «1»».

بتقريب أنّ المستفاد من ظاهر هذه النصوص حلّية الذبيحة لغير القبلة إذا لم يكن عن عمد. و هو شامل لمطلق موارد غير العمد سواء كان نسيانا أو خطأ و سواء كان الخطأ ناشئا من الجهل بالحكم أو بالموضوع. و علي فرض عدم شموله لموارد الجهل بالحكم لعدم منافاته مع صدق العمد الي الفعل نفسه، يدلّ علي وقوع التذكية و حلية الذبيحة الغير المستقبلة لأجل الجهل بالحكم صحيح محمد بن مسلم. قال: «سألت أبا جعفر

(ع) عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلي القبلة. قال (ع): «كل منها. فقلت له: فإنّه لم يوجّهها. فقال لا تأكل منها «2»».

فان ظاهر قوله: «فجهل أن يوجّهها إلي القبلة». أنّ الذّابح كان جاهلا بحكم التوجيه لا أن يكون جاهلا بالقبلة. و علي فرض عدم ظهوره في ذلك بدعوي كون المجهول في فرض السائل فعل التوجيه نفسه لا حكمه و أنّ المقصود هو غفلة الذّابح عن استقبال الذبيحة حين الذبح كما يتّفق ذلك كثيرا للعالمين بحكم وجوب الاستقبال، فلا أقلّ من إطلاقه لكلتا الصورتين حيث لا دليل علي الاختصاص بالثاني لو لم يكن ظاهرا في الجهل بالحكم.

فالحاصل أنّ المستفاد من نصوص المقام حلّية الذّبيحة الغير المستقبلة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 3 و 4 و 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 160

ثانيها: التسمية من الذّابح

بأن يذكر اسم اللّه عليها حينما يتشاغل بالذّبح أو متّصلا به عرفا أو قبيله المتّصل به (1).

______________________________

عن عمد مطلقا. و امّا حال الاضطرار و عدم التمكّن من الاستقبال فيسقط اعتباره لاختصاص النصوص الدّالّة علي اعتباره بصورة التعمّد. و لا يصدق عرفا علي من اضطرّ الي الذّبح الي غير جهة القبلة أنّه لم يستقبل الذبيحة عمدا. هذا مضافا الي ما دلّ من النصوص السابقة علي سقوط وجوب الاستقبال في تذكية الحيوان المستعصي و الواقعة في البئر بعد إلغاء الخصوصية منها إلي مطلق موارد الاضطرار. ثم إنّ هذا كلّه في الاضطرار إلي الذّبح بأن يخاف موت الحيوان إذا لم يعجّل في ذبحه إلي غير القبلة. و أمّا عند الاضطرار إلي أكله فلا شبهة في حلّية أكل أيّ حرام عند ذلك

فضلا عن الذبح الي غير القبلة.

(1) اعتبار التسمية مقارنا مع الذبح في التذكية 1- دلّ علي اعتبار التسمية في التذكية الكتاب و السنّة فمن الكتاب: قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيٰاتِهِ مُؤْمِنِينَ.. مٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1». و قوله وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ

______________________________

(1) الانعام/ الاية: 118 و 119.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 161

______________________________

لفسق «1»».

و من السّنّة النصوص المتواترة:

منها: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالي عليها «2»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله «3»».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليها «4»».

و صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال (ع): إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّه علي ذبيحتها حلّت ذبيحتها و كذلك الغلام «5»». و مثله معتبرة مسعدة «6» و غيرها من النصوص الكثيرة.

و أمّا اعتبار المقارنة العرفية بين التسمية و الذّبح فيمكن أن يستفاد من

______________________________

(1) الانعام/ الاية: 10121 و 121.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 268- ب 15- ح 6.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 1.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 277- ب 23- ح 6.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 277- ب 23- ح 7.

دليل تحرير

الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 162

فلو أخلّ بها فان كان عمدا حرمت و إن كان نسيانا لم تحرم (1)

______________________________

قوله (ع): «من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله» في صحيح الحلبي السّابق. فان لفظ «إذا» في قوله: «إذا ذبح» حينيّة أي حينما ذبح. و استفادة ذلك من حرف «علي» في قوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ، فغير صحيح لوضوح صدق كون التسمية علي الذبيحة عرفا إذا اشتغل الذّابح بها عند شروعه في مقدّمات الذّبح. فالعمدة في ذلك صحيح الحلبي المذكور. هذا مضافا إلي أصالة عدم التذكية عند الشك في تحقّقها بذكر اسم اللّه عند مقدمات الذّبح و عليه فلا تحلّ الذبيحة حينئذ.

(1) لا خلاف في ذلك و قد دلّت عليه النصوص المعتبرة.

منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن رجل يذبح و لا يسمّي. قال (ع): إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما «1»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «إنّه سأله عن رجل يذبح فينسي أن يسمّي أتوكل ذبيحته؟ فقال (ع): نعم إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذّبح قبل ذلك «2»».

و منها: صحيح آخر لمحمد بن مسلم في حديث أنّه سأل أبا عبد اللّه (ع):

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 163

و في إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان: أظهرهما الثّاني (1). و المعتبر في التّسمية وقوعها بهذا القصد أعني بعنوان كونها علي الذّبيحة. و لا تجزي التسمية الاتّفاقية الصّادرة لغرض آخر (2).

______________________________

«عن رجل ذبح و لم يسمّ. فقال

(ع): إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر «1»».

(1) لدلالة الآية و النصوص بإطلاقهما علي حرمة أكل مطلق ما لم يذكر اسم اللّه عليه. و إنّما خرج من الإطلاق خصوص نسيان التسمية حيث دلّت النصوص المعتبرة علي حلّية الذبيحة حينئذ. و أمّا باقي صور ترك التسمية فمشمول للإطلاق المزبور. و من تلك الصّور الباقية تحت الإطلاق صورة ترك التسمية عن جهل. فلا وجه للحكم بالحلّيّة حينئذ كما نسب الي المحقّق الأردبيلي بل يحكم بالحرمة كما نسب إلي صاحب الرّياض و اختاره في الجواهر «2».

(2) و ذلك لأنّ المعتبر في صريح الكتاب و السّنّة اعتبار كون ذكر اسم اللّه علي الذّبيحة. و هذا غير صادق عرفا علي التسمية الاتّفاقيّة الصادرة لغرض آخر بل لا بدّ من قصد تلك الذبيحة حين الذبح حتّي يصدق عرفا أنّه ذبح الحيوان بذكر اسم اللّه و سمي علي ذبحه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 5- ح 4.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 115.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 164

ثالثها: صدور الحركة منها بعد تمامية الذّبح

كي (1) تدلّ علي وقوعه علي الحيّ- و لو كانت يسيرة- مثل أن تطرف عينها أو تحرّك أذنها أو ذنبها أو تركض برجلها و نحوها (2). و لا يحتاج مع ذلك إلي خروج الدم المعتدل فلو تحرّك و لم يخرج الدّم أو خرج متثاقلا

______________________________

(1) اشتراط صدور الحركة بعد الذّبح 1- مقتضي ذلك حلّيّة الذّبيحة لو أحرز وقوع الذّبح حال حياتها بأيّ طريق آخر كصدور الحركة منه حال الذّبح. و عليه فلا اعتبار لهذا الشرط مستقلا بل إنّما هو شرط في تحقّق التذكية إذا لم يصدر من الحيوان حركة حال الذبح. نعم لو لم يتحرّك الحيوان حين الذبح و لا بعده لا

بدّ من خروج الدم المعتدل بعد الذّبح في حلّية الذبيحة لما يستفاد من النصوص اعتبار أحد الأمرين.

(2) دلّت علي ذلك النصوص المعتبرة البالغة حدّ الاستفاضة و إنّ المستفاد منها اعتبار صدور أيّة حركة من الحيوان بعد الذبح أو حاله ليستكشف منها وقوع التذكية علي الحيوان حال الحياة و قد مرّ ذكر هذه النصوص و تقريب استفادة ذلك منها.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 165

و متقاطرا لا سائلا معتدلا كفي في التذكية (1).

و في الإكتفاء به أيضا حتي يكون المعتبر أحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل، قول مشهور بين المتأخّرين و لا يخلو من وجه (2)، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

______________________________

(1) لإطلاق منطوق الشرطية في النصوص المبيّنة لحدّ إدراك التذكية كما سبق ذكرها و سيأتي تقريب إطلاقها.

(2) اعتبار واحد من خروج الدّم المعتدل و صدور الحركة في التذكية 2- لما سبق من النصوص و بيّنّا هناك كيفية الجمع بينها. و قلنا إنّ إطلاقها يقيّد بصحيح بكر بن محمد الأزدي. و بقرينته حملنا صحيح أبي بصير علي صورة خروج الدم المتثاقل، فراجع.

فإنّ في هذه الطائفة من النصوص قد دلّت شرطية «إذا خرج الدّم المعتدل فلا بأس به» بمنطوقها علي كفاية خروج الدم المعتدل في حلية الذّبيحة.

و دلّت بمفهومها علي حرمة الذبيحة ما لم يخرج الدم و إن تحرّك الذنب و طرفت العين و ركضت الرّجل. و لكن في الطائفة المبيّنة لحدّ إدراك الذّكاة قد دلّت شرطية «إذا تحرّك الطّرف أو الذّنب أو الأذن فهو ذكيّ». بمنطوقها علي كفاية صدور الحركة من أعضاء الحيوان في تحقّق التذكية. و دلّت بمفهومها علي

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 166

______________________________

حرمة الذّبيحة ما لم تصدر منها

حركة و إن جري الدم. و مقتضي الصّناعة- كما ثبت في علم الأصول- الأخذ بمنطوقهما و رفع اليد عن مفهوم كلّ واحد منها بمنطوق الطائفة الأخري فيحكم بكفاية كلّ واحد من صدور الحركة و خروج الدم في حلّيّة الذبيحة. نعم لا يكفي مطلق خروج الدّم بل لا بدّ من خروج الدّم المعتدل كما سبق البحث عن النصوص الدالّة علي ذلك.

و قد قلنا أيضا إنّ المستفاد من النصوص كون الحركة بعد الذبح معتبرة بعنوان أنّها أمارة كاشفة عن وقوع التذكية حال حياة الحيوان و قد سبق تقريب استفادة ذلك من النصوص.

فالحاصل أنّ مقتضي الصّناعة الأخذ بمنطوق الشرطية في الطائفتين من نصوص المقام و رفع اليد عن مفهومها. و يكون احتياط الماتن «قده» في ذيل المسألة استحبابيا حيث قوّي حلّية الذّبيحة بمجرّد خروج الدّم المعتدل.

و قد يقال: إن مقتضي رفع اليد عن مفهوم كلّ من الشرطيتين بمنطوق الأخري اعتبار خروج الدم و صدور الحركة كليهما. لأنّ مقتضي نفي النحصار في سببية الشرط للجزاء كون الشرطين دخيلين معا في تحقّق الجزاء.

و فيه: أنّ في كلّ جملة شرطية ظهور للمنطوق- و هو استقلال الشرط في سببيّته للجزاء. و عليه فالّذي يلزم من رفع اليد عن مفهوم الشرطين و الأخذ بمنطوقهما، هو نفي الانحصار في السببيّة و القول باستقلال كلّ واحد من خروج الدم و صدور الحركة في سببيّته لحليّة الذّبيحة. هذا مجمل الكلام و ليطلب مفصّلة في علم أصول الفقه.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 167

هذا إذا لم يعلم حياته و أمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفي (1) به بلا إشكال.

مسألة 12: لا يعتبر كيفية خاصّة في وضع الذّبيحة علي الأرض حال الذّبح

فلا فرق بين أن يضعها علي الجانب الأيمن كهيئة الميّت حال الدفن و أن

يضعها علي الأيسر (2).

______________________________

(1) بل يكتفي بمجرّد فري الأوداج الأربعة إذا علم حياة الحيوان في تمام حالات الذبح من أوّله الي آخره فمقتضي ما استظهرناه من النصوص المبيّنة لحدّ إدراك الذكاة كون اعتبار الحركة بعدم الذّبح لأجل استكشافها عن وقوع التذكية علي الحيوان الحيّ.

(2) بل لا دليل علي أصل وضع الحيوان علي الأرض و ذلك لأنّ إطلاق الأمر باستقبال الذّبيحة يقتضي كفايته بأيّ نحو حتي معلّقا في الفضاء فضلا عن وضعها علي الأرض قائمة أو علي الجانب الأيسر.

فإنّ تحقق الاستقبال المأمور به في النصوص يدور مدار صدقه عرفا و لا دخل لوضع الذّبيحة علي الأرض في صدق الاستقبال بنظر العرف بل يصدق إذا كان مقاديم بدن الحيوان إلي القبلة حتّي معلّقا في الفضاء و أمّا الكيفية الخاصّة حال الدفن فورد فيها نصّ خاص.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 168

مسألة 13: لا يعتبر في التسمية كيفية خاصّة

و أن تكون في ضمن البسملة بل المدار صدق اسم اللّه عليها. فيكفي أن يقول «بسم اللّه» أو «اللّه أكبر» أو «الحمد للّه» أو «لا إله إلّا اللّه» و نحوها (1) و في الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاما تامّا دالّا علي صفة

______________________________

(1) عدم اعتبار كيفية خاصة في التّسمية 1- لتضمّن جميع هذه الأذكار لفظ الجلالة و لكونها كلاما تامّا دالا علي تعظيم اللّه و تحميده و ثناؤه. و هو المتيقّن من ذكر اسم اللّه و قد دلّ علي ذلك صحيح محمد بن مسلم قال: «سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّه قال (ع): هذا كلّه من أسماء اللّه لا بأس به «1»».

و قد يشكّك في الاكتفاء بالبسملة بزعم أنّها غير التسمية. و لكن

لا أساس له لوضوح أنّ البسملة اسم للقول بسم اللّه و أنّ التسمية اسم لفعل التلفّظ بذكر اسم اللّه عند الذبح و هذا التغاير بينهما لا يوجب عدم وقوع التسمية بقول بسم اللّه. بل كان وقوع التسمية بالبسملة مرتكزا في ذهن محمد بن مسلم و لم يشك فيه. و إنّما سأل عن الاكتفاء بالتهليل و التكبير و التحميد و التسبيح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 268- ب 16- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 169

كمال أو ثناء أو تمجيد اشكال (1). نعم التعدي من لفظ «اللّه» الي سائر أسمائه الحسني كالرّحمن و البارئ و غيرها من أسمائه الخاصّة غير بعيد (2)، لكن لا يترك الاحتياط فيه كما أنّ التعدّي إلي ما يرادف لفظ

______________________________

(1) لفهم العرف من ذكر اسم اللّه ذكره بصفة كمال و تعظيم كالتسبيح و التكبير كما قال في الجواهر.

و فيه: ان الذّابح إذا تكلّم بلفظ الجلالة عند الذبح مع توجّه و التفات فلا إشكال في أنّ أهل العرف يقولون إنّه ذكر اسم اللّه علي الذبيحة فالأقوي حلّية الذبيحة بمجرّد ذكر لفظ الجلالة عند الذّبح و بقصده.

(2) حلّية الذبيحة بذكر سائر أسماء اللّه غير لفظ الجلالة 2- و ذلك لإطلاق ذكر اسم اللّه في الكتاب و السّنّة. فإنّه يشمل أيّ اسم من أسماء اللّه. و يشهد علي ذلك قوله تعالي وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنيٰ فَادْعُوهُ بِهٰا «1». و قوله تعالي قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنيٰ «2». و قوله تعالي هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّٰارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللّٰهُ الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمٰاءُ

الْحُسْنيٰ

______________________________

(1) الأعراف/ 180.

(2) الإسراء/ 110.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 170

______________________________

«1». و قد يقال: إنّ المقصود من اسم اللّه في المقام خصوص لفظ الجلالة و يكون علما للذّات المستجمع لجميع صفات الكمال دون أسمائه الحسني التي هي من قبيل الصّفات.

و فيه: أنّه مجرّد دعوي لا شاهد عليه. فان غاية ما يستفاد من الكتاب و السّنّة في المقام اعتبار ذكر اسم اللّه علي الذبيحة في وقوع التذكية و حلّية أكلها و قد دلّت سائر الآيات القرآنية علي كون بعض الأوصاف من أسماء اللّه. و يلحق بها أيضا من الأوصاف ما دلّت النصوص المعتبرة علي كونها من أسماء اللّه. كما في صحيح محمد بن مسلم- السابق آنفا- فان فيه و إن ذكر لفظ الجلالة في كلام السائل لكن لا دلالة لكلام الامام (ع) علي الحصر. بل دلّ علي كون ما فرضه السائل من بعض أسماء اللّه لظهور لفظ «من» في قوله (ع): «هذا كلّه من أسماء اللّه» في التبعيض. فدلّ كلامه (ع) علي عدم حصر اسم اللّه في ذلك و كونها من بعض أسماء اللّه.

و بناء علي ذلك فمقتضي ظاهر هذه الصحيحة و ما دلّ من الآيات علي كون بعض أوصاف اللّه تعالي من أسمائه كون ذكر سائر أسماء اللّه علي الذّبيحة من قبيل ذكر اسم اللّه عليه فالأقوي حلّية الذبيحة بذكر مطلق اسم اللّه عليه. و لا تصل النوبة إلي أصالة عدم التذكية مع وجود الإطلاق اللّفظي.

______________________________

(1) الحشر/ 23 و 24.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 171

الجلالة في لغة أخري كلفظة «يزدان» في الفارسية و غيرها في غيرها لا يخلو من وجه و قوّة (1). لكن لا ينبغي ترك الاحتياط و مراعاة

العربيّة.

مسألة 14: الأقوي عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذّبيحة بالمعني الذي فسّروه

و هو أن لا تكون مشرفة علي الموت بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم كالمشقوق بطنه و المخرج حشوته و المذبوح من قفاه الباقية أوداجه و الساقط من شاهق و نحوها

______________________________

(1) بدعوي أنّ المراد من اللّه تعالي ذاته المقدّسة فيكفي ذكر أيّ اسم من أسمائه في أيّة لغة كانت. و لكنّه لا يخلو من إشكال، و ذلك لقوّة ظهور قوله (ع): «هذا كلّه من أسماء اللّه» في كفاية مطلق أسماء اللّه التي ذكرت في الكتاب و السّنة ممّا وصف اللّه تعالي بها أئمّتنا المعصومون (ع) و هي كلّها عربيّة.

و من هنا قال في الجواهر بعد احتمال عدم اعتبار العربيّة: «إلا أنّه لا يجدي الاحتمال بعد أن لم يكن ظهور معتبر شرعا بل يدّعي الظّهور بعكسه «1»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 113.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 172

بل المعتبر أصل الحياة و لو كان عند إشراف الخروج (1).

______________________________

(1) لا يعتبر استقرار الحياة حال الذّبح في حلّية الذبيحة 1- وقع الخلاف بين الأصحاب في اعتبار استقرار الحياة حين الذبح في حلّيّة الذبيحة فذهب جماعة إلي اعتباره كما عن الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابني حمزة و إدريس و الفاضل و ولده و الشهيد في اللّمعة و غاية المراد و السيوري في كنز العرفان و الصيمري. في تلخيص الخلاف و المقدس الأردبيلي و الفاضل الأسترآبادي و الجواد الكاظمي في آيات الأحكام بل عن الصيمري نسبته إلي أكثر المتأخرين بل في الروضة نسبته إليهم بل هو ظاهر المرتضي و الطبرسي.

و استدلّ عليه السيّد المرتضي بما حاصله: أنّ ما لا حياة مستقرّة له من الحيوان يدخل في عنوان الموقوذة الّتي هي مشرفة

علي الموت فيحرم بظاهر الآية الشريفة. و هي قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ.. وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ.. «1».

و يستفاد من كلام الشهيد و محكيّ الخلاف أنّ الحيوان إذا لم تكن له حياة مستقرة في حكم الميتة و لا يكون ذبحه أولي من سبب زوال استقرار

______________________________

(1) المائدة/ 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 173

______________________________

حياته في استناد زهوق الروح اليه.

و في قبال ذلك ذهب أكثر القدماء إلي عدم اعتبار استقرار الحياة و جواز الاكتفاء بمطلق حركة الحيوان حتي حال الذبح. كما عن الإسكافي و الصدوق و الشيخ في النّهاية و بني حمزة و البرّاج و زهرة و أبي الصلاح و سلّار و الطبرسي في جوامع الجامع و جملة من المتأخّرين كالمحقّق في النافع و العلّامة في التبصرة و الشهيد في الدروس و الصيمري في غاية المرام و ثاني الشهيدين في المسالك بل هو صريح بعضهم كيحيي بن سعيد في الجامع و الشهيد الثاني في الروضة و المحقق الأردبيلي في المجمع و الخراساني و الكاشاني و المجلسي و العلّامة الطباطبائي و الفاضل النراقي و غيرهم من متأخّري المتأخرين.

و مقتضي التحقيق عدم اعتبار استقرار الحياة.

و الوجه فيه ما دلّ من النصوص علي كفاية صدور الحركة من الحيوان حال الذبح في إدراك ذكاته و حلّية أكله بمجرّد الذبح و ان لم تصدر منه حركة بعده. و قد تقدّم تقريب دلالة هذه النصوص علي ذلك و نكتفي هنا بنقلها.

فمنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر قال: «كل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النّطيحة و المتردّية و ما أكل السّبع و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ، فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف

أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله». «1»

______________________________

(1) الوسائل ج 16/ ص 262- ب 11- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 174

______________________________

و منها: معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب و أدركته فذكّه «1»».

و خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرّك أذنيها أو تمصع ذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال «2»».

و أمّا ما استدلّ به المرتضي، ففيه أنّ الموقوذة استثنيت حرمتها في الآية الشريفة بقوله إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ. و قد دلّت النصوص المفسّرة- مثل صحيح زرارة المذكور آنفا و غيره- علي كفاية صدور الحركة من الموقوذة و نحوها حين الذّبح في إدراك الذكاة. و هذه النصوص نفت بظاهرها اعتبار استقرار الحياة في إدراك تذكيتها.

و أمّا عدم أولويّة الذبح في استناده زهوق الروح اليه من استناده إلي السّبب الموجب لزوال استقرار الحياة فمن قبيل الاجتهاد في قبال هذه النصوص.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 175

______________________________

حكم الشك في حياة الحيوان إلي فري تمام الأوداج ثم إنّ هذا كلّه مع قطع النظر عن الشك في الحياة و أمّا إذا شكّ في حياة الحيوان الي فري تمام الأوداج فقد يقال: بحلّية أكل الذبيحة حينئذ لاستصحاب بقاء حياته المتيقّن وجودها حين الذبح إلي تمامه. و يمكن تقريبه أيضا بأنّ زهوق الروح أمر حادث و لم يكن متحقّقا حال فري الأوداج و الأصل عدمه إلي فري

تمام الأوداج فيثبت بذلك وقوع فري كلّها حال حياة الحيوان.

و في قبال ذلك يقال: إنّ أصالة عدم زهوق الروح إلي آخر الذّبح لا يثبت كونه بعد الذبح لرجوعه إلي الأصل المثبت و إنّ المعتبر تأخّره عن الذّبح حسب ما يستفاد من النصوص الدّالّة علي اعتبار صدور الحركة من الذبيحة بعد الذّبح. بل إنّ أصالة عدم فري تمام الأوداج إلي زهوق الرّوح تقتضي عدم تأخّر زهوق الروح عن الذبح.

و فيه: ما مرّ من دلالة نصوص المقام علي أمارية الحركة المتأخّرة عن الذّبح و كاشفيتها عن وقوع التّذكية حال الحياة و هي ما دلّ من النصوص علي حلية أكل الحيوان المذبوح بمجرّد صدور الحركة منه بعد الذّبح كما تقدّم البحث عن ذلك مفصّلا.

و لكن المهمّ في المقام أنّ النصوص دلّت بظاهرها علي إلغاء

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 176

فإن علم ذلك فهو و الّا يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح (1) و لو كانت يسيرة كما تقدّم.

______________________________

الاستصحاب في المقام و ذلك لدلالتها علي اعتبار خصوص صدور الحركة أو خروج الدم المعتدل من الحيوان في العلاميّة علي زهوق روح الذّبيحة بعد الذّبح و وقوع التذكية علي الحيّ.

خصوصا خبر سهل «1» حيث دلّ علي اعتبار الحركة في خصوص حال الشك في بقاء حياة الشاة المذبوحة- و علي القول بضعف هذا الخبر لوقوع سهل في طريقه- فإنّ سائر الأخبار المبيّنة لحدّ إدراك الذكاة كافية في إلغاء الاستصحاب مع قوّة احتمال وثاقة سهل كما قوّاه صاحب الوسائل.

(1) وجه حلّيّة الذبيحة بالحركة المتأخّرة 1- و ذلك لدلالة صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الذّبيحة فقال: إذا تحرّك الذّنب أو الطّرف أو الأذن فهو ذكيّ «2»». فان

بقرينة السؤال عن الذّبيحة و كون الامام (ع) بصدد بيان حدّ إدراك ذكاة الذبيحة يعلم أنّ

______________________________

(1) و هو ما رواه ابان بن تغلب و سبق آنفا.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 3

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 177

مسألة 15: لا يشترط في حلّية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّا أن يكون خروج روحها بذلك الذّبح.

فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل و نحو ذلك فماتت بذلك حلّت

______________________________

المقصود بيان علاميّة الحركة بعد الذبح.

و ممّا يدل علي ذلك صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه (ع) قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب فكل منه فقد أدركت ذكاته «1»». فإنّ أمره (ع) بالأكل و تعليل حلّيته بإدراك ذكاته بحركة الأعضاء من دون أن يأمر بالذبح أو بالتذكية- كما في سائر النصوص-، قرينة علي إرادة الحركة بعد الذبح.

و يستفاد ذلك أيضا من خبر رفاعة عن أبي عبد اللّه (ع) انه قال في الشاة: «إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة «2»».

و قد تقدّم بيان أنّ النصوص المتقدمة الواردة في تفسير الآية المستثناة بقوله تعالي إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ مثل صحيح زرارة و معتبرة عبد اللّه بن سليمان و خبر سهل، قرينة علي أنّ اعتبار الحركة بعد الذبح في هذه النصوص لأجل كونها كاشفة عن حياة الحيوان حال الذبح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 178

علي الأقوي (1).

______________________________

(1) حلّية الذبيحة إذا وقعت في نار أو ماء بعد الذبح 1- لإطلاق ما دلّ من النصوص المتقدمة علي كفاية قطع الحلقوم و فري الأوداج و صدور الحركة و

خروج الدّم في حلّية الذبيحة. هذا مضافا إلي ما دلّ من النصوص المعتبرة علي الحليّة في خصوص المقام.

مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: «إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذّبح فوقعت في النّار أو في الماء أو من فوق بيتك إذا كنت قد أجدت الذّبح فكل «1»».

و يعارضه خبر حمران عن أبي جعفر (ع) في حديث: «أنّه سأله من الذّبح فقال: إن تردّي في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعم فإنّك لا تدري التّردّي قتله أو الذّبح «2»». فان هذا الخبر دلّ علي حرمة الذبيحة المتردّية بعد ذبحها و ذلك بقرينة السؤال عن الذبح و كونه بمعني المذبوح بقرينة استناد التردّي إليه في كلام الامام (ع). و من هنا لا شاهد لحمله علي صورة الاشتباه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 13- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 13- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 179

______________________________

في تحقّق تمامية الذبح و وقوع التذكية كما قال في الوسائل بل ظاهر الخبر ينفيه. و لكن مع ذلك لا يصلح هذا الخبر للمعارضة لأنّ في سنده ضعف و ذلك لأنّ أبا هاشم الجعفري و ان كان من الثقات و الأجلّاء الّا انه نقل هذا الخبر عن أبيه- قاسم بن إسحاق- و هو لم تثبت وثاقته.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 181

شرائط النحر و أحكامه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 183

مسألة 16: يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنّحر.

كما أنّ غيرها يختصّ بالذّبح فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة (1).

______________________________

(1) دليل اختصاص الإبل بالنحر 1- لا خلاف في ذلك بل هو إجماعي كما عن الغنية و الخلاف و قد دلّ

عليه النصوص المستفيضة بل يمكن دعوي بلوغها حدّ التواتر المعنوي.

فمنها: صحيح صفوان قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن ذبح البقر من المنحر.

فقال (ع): للبقر الذّبح و ما نحر فليس بذكيّ «1»».

و منها: خبر يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الأوّل (ع): «إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقرة إنّما ينحرون في لبّة البقر فما تري في أكل لحمها؟ قال: فقال (ع): فذبحوها و ما كادوا يفعلون، لا تأكل إلّا ما ذبح «2»».

و منها: صحيح صفوان عن معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أحصر فبعث بالهدي قال (ع):.. و إن كان مرض في الطّريق بعد ما أحرم فأراد الرّجوع إلي أهله رجع و نحر بدنة إن أقام مكانه.. «3»».

و منها: صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «إنّ رسول اللّه (ص)

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 257- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 257- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 9- ص 305- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 184

______________________________

ذبح عن أمّهات المؤمنين بقرة بقرة و نحر بدنة «1»».

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): «المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال (ع): نعم «2»».

و منها: صحيح أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع): كيف تنحر البدنة قال: تنحر و هي قائمة من قبل اليمين «3»».

و منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل ساق بدنة فأنتجت قال (ع): ينحرها و ينحر ولدها «4»».

و بمضمونه صحيح سليمان بن خالد «5» و صحيح محمد بن مسلم «6».

و منها: معتبرة إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع):

«بعير تردّي في بئر كيف ينحر قال يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمّي و يأكل «7»».

و منها: ما رواه في الفقيه قال الصّادق (ع): «كلّ منحور مذبوح حرام و كلّ مذبوح منحور حرام «8»». و غيرها من النصوص الكثيرة الواردة في بيان كيفية النحر في وظيفة المحرم. و هي بمجموعها توجب القطع باختصاص النحر بالإبل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 98- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 9- ص 170- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(4) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(5) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(6) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(7) الوسائل/ ج 16- ص 261- ح 4.

(8) الوسائل/ ج 16- ص 257- ب 5- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 185

نعم لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح و وقعت عليه التذكية (1).

مسألة 17: كيفية النحر و محلّه

أن يدخل سكّينا أو رمحا و نحوهما من الآلات الحادّة الحديدية في لبّته (2)- و هي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق و الصدر. و يشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة.

______________________________

(1) لإطلاق صحيح زرارة و معتبرة عبد اللّه بن سليمان و خبر سهل فإنّها دلّت بإطلاقها علي حلية كلّ حيوان مشرف علي الموت- لجرح أو سقوط أو اختناق أو ضرب- بالذبح إذا كانت فيه آثار الحياة. و ممّا يدل علي ذلك بالخصوص معتبرة أبي خديجة قال: «رأيت أبا عبد

اللّه (ع) و هو ينحر بدنته ثمّ يطعن في لبّتها ثمّ يخرج السّكين بيده فإذا وجبت قطع موضع الذّبح بيده «1»».

(2) لا خلاف في ذلك و قد دلّت عليه النصوص.

فمنها: صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «النّحر في اللّبة و الذّبح في الحلق «2»».

و منها: معتبرة أبي خديجة السابقة آنفا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 135- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 3- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 186

فيشترط في النّاحر ما يشترط في الذّابح (1) و في آلة النّحر ما يشترط في آلة الذّبح (2) و تجب التّسمية عنده كما تجب عند الذّبح (3) و يجب

______________________________

(1) اعتبار كون آلة النّحر حديدا و لزوم التّسمية و الاستقبال 1- من الإسلام و عدم النّصب.

(2) من كون النّحر بالآلة الحادّة الحديديّة حيث دلّت علي اعتباره النصوص الدالّة علي عدم جواز التذكية بغير الحديدة حيث إنّ النّحر تذكية فتشمله تلك النصوص.

فمنها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن الذّبيحة باللّيطة و بالمروة فقال: لا ذكاة إلّا بحديدة «1»».

و منها: موثقة سماعة قال: سألته عن الذّكاة فقال (ع): «لا تذكّ إلّا بحديدة نهي عن ذلك أمير المؤمنين (ع) «2»».

بل يعتبر في النحر كلّ ما دلّت النصوص علي اعتباره في التذكية حيث إنّ النّحر كالذّبح تذكية.

(3) لعموم قوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ. مضافا إلي إطلاق كثير من النصوص. و قد دلّ بالخصوص علي اعتبارها قوله تعالي:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 187

الاستقبال

في المنحور (1) و في اعتبار الحياة و استقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة.

مسألة 18: يجوز نحر الإبل قائمة و باركة مقبلة إلي القبلة.

بل يجوز نحرها ساقطة علي جنبها مع توجيه منحرها و مقاديم بدنها إلي القبلة و إن كان الأفضل كونها قائمة. (2)

______________________________

فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ. و فسّره الامام الصادق (ع) في صحيح عبد اللّه بن سنان بقوله: «ذلك حين تصفّ للنّحر بربط يديها ما بين الخفّ إلي الرّكبة.. «1»».

(1) بلا خلاف في ذلك و قد دلّ عليه من النصوص موثّقة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه «2»».

(2) استحباب إقامة الإبل حين النحر 2- قد دلّ علي لزوم كون نحر الإبل حال قيامها الكتاب و السّنة.

فمن الكتاب: قوله تعالي فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 10- ص 137- ب 37- ح 1.

(3) الحج/ 36.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 188

______________________________

فإنّ قوله وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا بمعني سقوط جوانب الإبل إلي الأرض و لازم ذلك كون النحر حال القيام حتّي تسقط بعد نحرها إلي الأرض.

مضافا إلي أنّ لفظ صَوٰافَّ جمع «الصافّة» بمعني القائمة، و صفّ الإبل: أي أقامها.

و من السّنة: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «في قول اللّه عزّ و جلّ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ، قال (ع): ذلك حين تصفّ للنّحر بربط يديها ما بين الخفّ إلي الرّكبة و وجوب جنوبها إذا وقعت علي الأرض «1»».

و صحيح أبي الصّباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (ع): «كيف تنحر البدنة؟ فقال (ع): تنحر و

هي قائمة من قبل اليمين «2»».

و معتبرة أبي خديجة قال: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسري ثمّ يقوم به من جانب يدها اليمني «3»».

ظاهر الآية الشريفة و هذه النصوص وجوب كون النحر حال قيام الإبل حيث تعلّق به الأمر و ظاهره الوجوب.

و قد دلّ علي الجواز ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة قال (ع): يعقلها إن شاء قائمة و إن شاء باركة «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1 و ص 135- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1 و ص 135- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 10- ص 135- ب 35- ح 2 و 5.

(4) الوسائل/ ج 10- ص 135- ب 35- ح 2 و 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 189

مسألة 19: كلّ ما يتعذّر ذبحه و نحره

إمّا لاستعصاء أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلي موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره، كما لو تردّي في البئر أو وقع في مكان ضيّق و خيف موته جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه و يقتله و يحلّ

______________________________

و مقتضي الصّناعة رفع اليد عن ظهور تلك النصوص في الوجوب بصراحة هذا الخبر في الجواز. هذا بحسب الجمع الدّلالي. و لكن سند هذا الخبر ضعيف لوقوع عبد اللّه بن الحسن في طريقه.

فالدّليل علي الاستحباب غير تامّ سندا و لا يصلح للدّليلية علي رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب. هذا هو مقتضي القاعدة في المقام. إلّا أن

الأصحاب لا خلاف بينهم في عدم ارادة الوجوب كما في الحدائق و الجواهر و المنتهي و التذكرة و غيرها. فالأحوط وجوبا إقامة الإبل حين النّحر رعاية لظهور النصوص في الوجوب و لاتّفاق الأصحاب علي الاستحباب.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 190

أكله (1) و ان لم يصادف العقر موضع التذكية. و سقطت شرطيّة الذبح و النّحر. و كذلك الاستقبال. نعم سائر الشرائط من التسمية و شرائط الذّابح و النّاحر تجب مراعاتها. و أمّا الآلة فيعتبر ما مرّ في آلة الصيد الجماديّة و في الاجتزاء

______________________________

(1) حكم ما تعذّر ذبحه أو نحره لاستعصائه أو تردّيه 1- و ذلك لدلالة النصوص المستفيضة.

فمنها: صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّه (ع) في ثور تعاصي فابتدره قوم بأسيافهم و سمّوا فأتوا عليّا (ع) فقال: هذه ذكاة وحيّة و لحمه حلال «1»».

و منها: صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ ثورا بالكوفة ثار فبادر النّاس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين فأخبروه فقال (ع): ذكاة وحيّة و لحمه حلال «2»».

و منها: صحيح عبد الرّحمن عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ قوما أتوا النّبيّ (ص) فقالوا: إنّ بقرة لنا غلبتنا و استصعبت علينا فضربناها بالسّيف فأمرهم بأكلها «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 1

(2) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 191

______________________________

و منها: صحيح إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): «بعير تردّي في بئر كيف ينحر؟ قال (ع): يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمّي و يأكل «1»».

و منها: صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه

(ع) قال: «إن امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك فخشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربة بعد أن تسمّي فكل إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه «2»».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن بعير تردّي في بئر فذبح من قبل ذنبه. فقال (ع): لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه «3»».

و لكن غاية ما يستفاد من هذه النصوص جواز التذكية من غير المذبح و المنحر في كلّ حيوان مستعص. و ذلك لأنّ في هذه النصوص قد بيّن حكم كلّ من الثور- و هو ممّا يذبح- و البعير- و هو ممّا ينحر.

و يتسرّي منهما إلي كلّ حيوان مستعص بإلغاء الخصوصية.

و أمّا الحيوان المتردّي في بئر و نحوه فلا يستفاد من هذه النصوص جواز تذكيته من غير المذبح علي النحو العام. نعم قد دلّت علي جواز تذكية خصوص البعير المتردّية في البئر و نحوها من غير منحرها. كما دلّ علي ذلك صحاح زرارة و أبي بصير و إسماعيل الجعفي.

و قد يستدلّ علي التعميم إلي كلّ حيوان متردّ بعموم معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه سئل عمّا تردّي علي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 4

(2) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 5

(3) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 6

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 192

______________________________

منحره فيقطع و يسمّي عليه. فقال (ع): لا بأس به. و أمره بأكله «1»».

و لا سيّما معتبرته الأخري عن عليّ (ع) قال: «أيّما إنسيّة تردّت في بئر فلم يقدر علي منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليه

و يسمّي اللّه عليها و تؤكل «2»».

لعدم ذكر اسم البعير فيها و عموميّة «ما» الموصولة في الأولي و كذا كلمة «الإنسيّة» في الثانية فإنّها مقابل الوحشية فتشمل كلّ حيوان أهلي بلا اختصاص بالبعير.

و يرد علي هذا الاستدلال: أنّ قوله (ع): «تردي علي منحره» في المعتبرة الأولي و قوله (ع): «فلم يقدر علي منحرها فلينحرها» في الثّانية قرينة علي أنّ المراد من «ما» الموصولة و لفظ الإنسيّة هو خصوص البعير. فهذه النصوص دلّت علي إخراج خصوص البعير المتردّية من مطلقات النهي مثل قوله تعالي:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ.. وَ الْمُتَرَدِّيَةُ- إلي قوله- إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «3».

و مطلقات سائر النصوص الواردة في المقام مثل:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها و قد سمي حين ضرب. قال (ع): لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها «4»». و غير ذلك من النصوص الدّالّة علي حرمة أكل كلّ ما لم يذبح من مذبحه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 262- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 256- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 193

هنا بعقر الكلب وجهان (1) أقواهما ذلك في المستعصي و منه الصائل المستعصي دون غيره كالمتعدّي.

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال بالتعميم لإلغاء الخصوصية من المتردّي و عدم الفرق بينه و بين المستعصي. و أنّ المقصود من مجموع نصوص المقام كلّ ما تعذّر ذبحه أو نحره حتي بغير الاستعصاء أو التردّي بحيث لم يتمكن الإنسان من الوصول إلي موضع ذكاته كما قال في الشرائع: «كلّ ما يتعذّر ذبحه أو

نحره من الحيوان إمّا لاستعصائه أو لحصوله في موضع لا يتمكن المذكّي من الوصول الي موضع الذكاة منه و خيف فوته جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها ممّا يجرح و يحلّ و ان لم يصادف العقر موضع التّذكية «1»».

(1) هل يكتفي بعقر الكلب في تذكية ما تعذّر ذبحه أو نحره 1- بل هنا ثلاثة أوجه:

أحدها: الاجتزاء بعقر الكلب في تذكية الأهلي الممتنع ذكاته بالذبح أو النحر مطلقا سواء كان امتناع ذكاته لأجل استعصائه أو تردّيه في بئر أو لدخوله في غار أو جحر و نحو ذلك. بدعوي أنّ التأمّل في مجموع نصوص المقام و سائر النصوص الواردة في تذكية الحيوان الوحشي الممتنع بالسيف و بالذبح

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 140.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 194

______________________________

عند زوال امتناعه يقتضي أنّ الشارع شرّع فردين للتذكية أحدهما: الذبح و النحر في الحيوان المقدور علي ذلك فيه و لو كان وحشيّا قد استأنس أو جرح بحيث لا يستطيع الامتناع بفرار و نحوه ثانيهما: العقر بكلب أو سلاح للحيوان الممتنع ذكاته بالكيفية المزبورة و لو لاستيحاش بعد الاستيناس أو لظهور سبعية فيه بهجمة و نحوها أو للتّردّي في بئر و نحوه أو لدخوله في جحر ضيّق أو نحو ذلك و حينئذ يكون الاستيحاش في وحشي الأصل سببا للتذكية المزبورة باعتبار كونه أحد أفراد عدم القدرة عليه لا لخصوصيّة فيه كما قال في الجواهر «1».

بل قال في الجواهر: «إنّه بناء علي ذلك لا مدخلية لصدق عنوان الصيد و عدمه في التذكية المزبورة و هو قويّ جدّا «2»».

و ثانيها: عدم الاجتزاء به في تذكية الأهلي الممتنع ذبحه أو نحره مطلقا سواء كان امتناع ذلك للاستعصاء أو للتردّي. و ذلك

بدعوي الإشكال في صدق عنوان الصيد علي الأهلي المستوحش لظهوره عرفا و لغة في الوحشي الممتنع بالأصل. فلا يشمله إطلاق ما دلّ من النصوص- كتابا و سنة- علي جواز تذكية الوحوش بالصيد. و أمّا النصوص الواردة في المستعصي فما دلّ علي حلّيته بما تحلّ به الوحوش- و هو خبر أبي البختري- فهو ضعيف سندا. و ما تمّ من

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 53 و 54.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 53 و 54.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 195

______________________________

نصوص المقام سندا، لا دلالة له علي حلّية أكل مطلق الحيوان المستعصي و جواز تذكيته بغير ضربة الآلات الجماديّة. و أمّا المتردّي فلا يدلّ علي جواز تذكيته بغير ذلك من شي ء من النصوص الواردة في المقام.

و ثالثها: ما ذهب اليه الماتن «قده» من جواز الاجتزاء بعقر الكلب في تذكية خصوص ما امتنع ذبحه أو نحره لأجل استعصائه و استيحاشه لا لأجل تردّيه في بئر أو دخوله في جحر أو غار.

و الوجه فيه أوّلا: صدق عنوان الصيد علي كلّ حيوان قتل بضربة سيف أو طعن رمح أو رمي سهم أو عقر كلب لأجل استيحاشه و امتناعه بلا فرق في ذلك بين كونه وحشيا ممتنعا بالأصالة أو بالعرض بأن استوحش و امتنع بعد ما كان أهليا مستأنسا. و إذا صدق عليه عنوان الصيد فيحلّ أكل مقتوله بكلّ من الآلة الجماديّة و الحيوانيّة كما في صيد الوحشيّ بالأصل لدخوله تحت مطلقات حلّية مقتول الوحوش بصيد كلتا الآلتين.

و ثانيا: بما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه: «إنّ عليّا (ع) قال: إذا استصعبت عليكم الذّبيحة فعرقبوها و إن لم تقدروا علي أن

تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش «1»».

و لكن يمكن الخدشة في كلا الوجهين:

أمّا الوجه الأوّل ففيه: أنّ صدق عنوان الصيد علي مقتول الأهلي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 10- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 196

______________________________

المستعصي بالآلة الجمادية أو عقر الكلب غير معلوم. بل الظاهر من العرف و اللّغة عدم صدقه و هو المرتكز في الأذهان. و عليه فلا يشمله إطلاق نصوص الصيد.

و أما الوجه الثاني: ففيه أنّ خبر أبي البختري و ان لا إشكال في دلالته علي التعميم المذكور و لكنّه ضعيف سندا بأبي البختري الكذّاب بل نقل عن الفضل بن شاذان انه كان من أكذب البريّة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 197

آداب الذّبح و النّحر

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 199

مسألة 20: للذباحة و النحر آداب و وظائف مستحبة و مكروهة.

[أما المستحبة]

فمنها: - علي ما حكي الفتوي به عن جماعة- أن يربط يدي الغنم مع إحدي رجليه و يطلق الأخري (1)

______________________________

(1) ما يستحبّ في ذبح الغنم 1- هكذا قال في الشرائع و نسبه في الجواهر إلي جماعة من الفقهاء و لكن لا مستند لذلك من النصوص غير خبر حمران كما اعترف به في الجواهر و المسالك.

و هو ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري عن أبيه عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: سألته عن الذّبح فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف و لا تقلّب السّكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلي فوق، و الإرسال للطّير خاصّة. و إن تردّي في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه فإنّك لا تدري التّردّي قتله أو الذّبح و إن كان شيئا من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكنّ يدا و لا رجلا. فأمّا البقر فأعقلها و أطلق الذّنب و أمّا البعير

فشدّ أخفافه إلي آباطه و أطلق رجليه «1»».

هذه الرّواية تدلّ علي خلاف ما حكي من الفتوي عن جماعة في الغنم و

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 200

و يمسك صوفه و شعره بيده حتّي تبرد و في البقر أن يعقل قوائمه الأربع و يطلق ذنبه (1).

و في الإبل أن تكون قائمة و يربط يديها ما بين الخفّين إلي الرّكبتين أو الإبطين

______________________________

ذلك لانّ قوله (ع): «و إن كان شيئا من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكنّ يدا و لا رجلا». ظاهر في إطلاق يديه و رجليه كلّها و عدم ربط شي ء منها بل انما يمسك صوفه أو شعره فقط. و عليه فلا منشأ من بين النصوص للفتوي باستحباب ما في المتن.

ثم إنّ في سند هذا الخبر ضعف لعدم ثبوت وثاقة قاسم بن إسحاق و ان كان ابنه- و هو داود بن قاسم المكني بأبي هاشم الجعفري- من الثقات كما قلنا سابقا. و علي ذلك فيبتني الاستحباب المزبور علي التسامح في أدلّة السّنن. و البحث فيه موكول إلي محلّه.

(1) و ذلك لدلالة قوله (ع): «فأمّا البقر فأعقلها و أطلق الذّنب» في خبر حمران المتقدّم آنفا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 201

و يطلق رجليها (1).

______________________________

(1) ما يستحبّ في نحر الإبل 1- دلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عزّ و جلّ «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ، قال: ذلك حين تصفّ للنّحر بربط يديها ما بين الخفّ إلي الرّكبة «1»».

و لكن في معتبرة أبي خديجة قال: رأيت أبا عبد اللّه (ع): «و هو ينحر بدنته معقولة يدها

اليسري ثمّ يقوم به من جانب يدها اليمني «2»».

و عليه فالّذي يساعده الدّليل استحباب هاتين الكيفيتين كلتيهما. و هما لا تنافيان قيام الإبل حال النحر- الذي دلّ الدليل علي استحبابه بل لزومه- نظرا إلي دخوله تحت الأمر في الآية الشريفة.

و أمّا شدّ أخفافها إلي آباطها و إطلاق رجليه كما أفتي به في الشرائع فقد دلّ عليه خبر حمران، إلّا أنّ سنده ضعيف كما قلنا فلا دليل علي استحباب هذه الكيفية بل ينافيه ما دلّ علي لزوم قيام الإبل أو استحبابه حال النحر لعدم إمكان قيامها عند شدّ أخفافها إلي آباطها كما قال في الجواهر. اللّهم إلّا أن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 10- ص 135- ب 35- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 202

و في الطّير أن يرسله بعد الذّبح حتّي يرفرف (1). و منها: أن يكون الذّابح و النّاحر مستقبل القبلة (2). و منها: أن يعرض عليه الماء قبل

______________________________

يقال بإمكان قيامها عندئذ عادة و انّ المقصود به مضمون صحيح عبد اللّه بن سنان كما هو الظاهر.

فالحاصل أنّه يستحبّ أحد النحوين في نحر الإبل: أحدهما: ما أفتي به الماتن «قده». و الآخر: ما دلّ عليه معتبرة أبي خديجة.

(1) لقوله (ع) في خبر حمران المتقدّم: «إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف- الي ان قال: - و الإرسال للطّير خاصّة «1»». و من الواضح أن المقصود إرساله بعد الذبح لا حينه.

(2) استحباب استقبال الذابح و الناحر 2- كما روي عن الصادق (ع): «أنّه (ع) سئل عن البعير يذبح أو ينحر قال:

السّنّة أن ينحر. قيل: كيف ينحر؟ قال (ع): يقام قائماً حيال القبلة و تعقل يده الواحدة و يقوم

الذي ينحره حيال القبلة فيضرب في لبّته بالشّفرة حتي تقطع و تفري «2»». و يمكن استفادة ذلك أيضا من قوله (ع): «استقبل بذبيحتك القبلة» في صحيح محمد بن مسلم «3» بناء علي كون لفظة «الواو» بمعني «مع» خصوصا بقرينة هذه الرواية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 1.

(2) المستدرك/ ج 3- ص 66.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 257- ب 6- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 203

الذبح و النحر (1).

و منها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح و النحر و مقدّماتهما ما هو الأسهل و الأروح و أبعد من التعذيب و الإيذاء له

بأن يساق الي الذّبح و النّحر برفق و يضجعه برفق. و أن يحدّد الشّفرة و تواري و تستر عنه حتّي لا يراها. و أن يسرع في العمل و يمرّ السكين في المذبح بقوّة (2).

______________________________

(1) ذكره في المسالك و لا شاهد له من النصوص. نعم لا يبعد دعوي جريان سيرة المتشرعة عليه.

(2) استحباب الرّفق بالذّبيحة و التّسريع في الذّبح 2- دلّ علي ذلك عدة نصوص:

منها: النّبوي: «إنّ اللّه تعالي شأنه كتب عليكم الإحسان في كلّ شي ء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذّبيحة و ليحدّ أحدكم بشفرته و ليرح ذبيحته «1»».

و منها: النبوي الآخر: «إنّه أمر أن تحدّ الشّفار و أن تواري عن البهائم. و قال (ص): إذا ذبح أحدكم فليجّهز «2»».

______________________________

(1) سنن البيهقي/ ج 9- ص 280.

(2) سنن البيهقي/ ج 9- ص 280.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 204

و أمّا المكروهة،

فمنها: أن يسلخ جلده قبل خروج الروح

و قيل بالحرمة و إن لم تحرم به الذبيحة (1) و هو أحوط.

______________________________

و منها: ما في دعائم الإسلام روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) عن رسول اللّه (ص) قال: «من ذبح ذبيحة فليحدّ شفرته و ليرح ذبيحته». «1»

و منها: ما رواه في الدّعائم عن أبي جعفر (ع) انه قال: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة و أحدّ الشّفرة و استقبل القبلة و لا تنخنقها حتي تموت». «2» و في بعض النسخ «لا تنخعها».

و منها: ما رواه أيضا في الدعائم عن أبي جعفر الباقر (ع) انه قال: «يرفق بالذّبيحة و لا يعنف بها قبل الذّبح و لا بعده و كره أن يضرب عرقوب الشّاة بالسّكّين «3»».

و هذه النصوص و إن كانت ضعيفة سندا إلّا أنّ الأمر سهل

بعد التسامح في أدلّة السنن.

(1) ذهب إلي حرمة الأكل بسلخ الذبيحة قبل خروج الروح الشيخ في النهاية و بني زهرة و حمزة البرّاج. بل عن ابن زهرة دعوي الإجماع عليه و مستندهم في ذلك ظاهر مرفوعة محمد بن يحيي قال: قال أبو الحسن الرضا

______________________________

(1) المستدرك/ ج 3- ص 65- ح 1.

(2) المستدرك/ ج 3- ص 65- ح 2.

(3) المستدرك/ ج 3- ص 66- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 205

و منها: أن يقلّب السّكين و يدخلها تحت الحلقوم و يقطع إلي فوق (1)

______________________________

(ع): «إذا ذبحت الشّاة و سلخت أو سلخ شي ء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكلها «1»».

و ذهب المشهور إلي كراهة ذلك و هو الأقوي لضعف الخبر المزبور. و أمّا الإجماع المدّعي- فمضافا إلي عدم تحقّقه بمخالفة المشهور- لا اعتبار به لاستناد المخالفين إلي هذا الخبر. و هو ضعيف سندا بالرّفع.

و أمّا كراهة فعل السّلخ فيمكن أن يستفاد من النبوي المرسل: «إنّه (ص) نهي أن تسلخ الذّبيحة أو يقطع رأسها حتي تموت «2»». و قد تبيّن ممّا قلناه أنّ احتياط الماتن «قده» هنا استحبابي.

(1) كراهة قلب السّكّين و قطع الحلقوم من تحته 1- اعتبر ذلك ابن زهرة في حلّية الذبيحة و ذهب جمع من القدماء إلي حرمته تكليفا من دون اشتراطه في حلية الذبيحة و اختار المتأخّرون كافّة كراهة ذلك و مستند الأقوال الثلاثة خبر حمران.

رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري عن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 258- ب 8- ح 1.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 124.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 206

و منها: أن يذبح حيوان و حيوان آخر مجانس له ينظر اليه

و أمّا غيره ففيها تأمّل و إن لا تخلو من وجه (1).

______________________________

حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الذّبح فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف و لا تقلّب السّكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلي فوق «1»».

فالقائل بالحرمة الوضعية أخذ النّهي عن قطع الحلقوم من تحته إلي الفوق إرشادا إلي مانعية ذلك من تحقق الذّبح شرعا. و القائل بالحرمة التكليفية تمسّك بظهور النهي في الحرمة التكليفية و قال بعدم ظهوره في الإرشاد المذكور. و لكن الأمر سهل بعد ضعف سند الرواية كما تقدّم. هذا مضافا إلي اكتناف النهي فيه صدرا

و ذيلا بالآداب المستحبّة. و عليه فلا مناص من القول بالكراهة وفاقا للمشهور و إن لا يجبر ضعف سندها- كما توهّم- لعدم معلومية اشتهار القول بالكراهة بين القدماء و إنّما المعلوم اشتهاره بين المتأخّرين و هو لا يجبر ضعف سند الخبر كما ثبت في محلّه.

(1) كراهة ذبح الحيوان حينما ينظر إليه حيوان آخر مجانس له 1- عن الشيخ «قده» في النّهاية حرمة أكل الذّبيحة بذبحها حينما ينظر إليها حيوان آخر مجانس له. و المشهور عدم الحرمة بل كراهة أكل الذبيحة بذلك.

و إنّ مستند الشيخ معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع) عن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 207

______________________________

أمير المؤمنين (ع) قال: «لا تذبح الشّاة عند الشّاة و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه «1»».

و لكن دلالتها قاصرة عن إثبات الحرمة. و الوجه في ذلك أنّ الشيخ (قده) قد روي مثل هذه الرواية بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن أحمد بن محمد البرقي عن محمد بن يحيي عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه: «أنّ أمير المؤمنين (ع) كان لا يذبح الشّاة عند الشّاة..».

و من المعلوم أنّ ترك المعصوم (ع) فعل شي ء لا يثبت حرمته كما ان إتيانه به لا يثبت الوجوب. و لمّا كان من المحتمل قويّا أن يكون المروي بهذا الطريق عين الرواية المروية بطريق الكليني فتقصر الرواية عن إثبات الحرمة.

و أمّا توجيه الحرمة بأنّ هذا النحو من الذبح تعذيب للحيوان الناظر- كما في كشف اللثام- فغير وجيه لعدم معلومية تحقق تعذيب الناظر بذلك لتوقّفه علي إدراك الحيوان و شعوره بذلك و هو غير معلوم مضافا

الي عدم صلاحية ذلك في نفسه لإثبات الحرمة. و أمّا لو نظر حيوان غير مجانس إليه فلا يستفاد كراهة الذّبح حينئذ من الخبر المزبور بل ظاهره الخلاف.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 258- ب 7- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 208

و منها: أن يذبح ليلا و بالنهار قبل الزوال يوم الجمعة

إلّا مع الضرورة (1).

______________________________

(1) كراهة الذّبح في اللّيل و قبل صلاة الجمعة 1- بأن يخاف موت الحيوان لو لم يذبح ليلا. و قد دلّ علي كراهة الذبح ليلا إلّا مع الخوف من الموت صحيح أبان.

قال سمعت علي بن الحسين (ع)- و هو يقول لغلمانه- «لا تذبحوا حتي يطلع الفجر فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعل اللّيل سكنا لكلّ شي ء. قال: قلت جعلت فداك فإن خفت؟ قال: إن كنت تخاف الموت فاذبح «1»».

و يدلّ علي كراهة الذبح يوم الجمعة قبل الصّلاة ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن محمد بن موسي عن العبّاس بن معروف عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا و عن عبد اللّه بن مسكان عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «كان رسول اللّه (ص) يكره الذّبح و إراقة الدّم يوم الجمعة قبل الصّلاة إلّا عن ضرورة «2»». هذه الرّواية مسندة صحيحة بناء علي وجود لفظة «الواو العاطفة» في متنها كما في نسخة الوسائل. و مرسلة بناء علي عدم وجودها كما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 274- ب 21- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 274- ب 20- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 209

و منها: أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم (1).

______________________________

في نسخة الكافي. و لمّا يتطرّق بذلك احتمال عدم وجودها تسقط الرّواية عن الاعتبار سندا إلّا أنّ الأمر سهل في السّنن و المكروهات بناء علي التسامح في أدلّتهما.

و علي أيّ حال قد عرفت أنّ الكراهة في الرواية مقيّدة بما قبل الصّلاة- و لو بعد الزّوال-، لا قبل الزوال كما قال به الماتن (قده).

(1) كراهة ذبح ما ربّاه الذّابح 1- دلّ عليه بعض النصوص.

مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصّفار

عن يعقوب بن يزيد عن يحيي بن المبارك عن عبد اللّه بن جبلة عن محمد بن فضيل عن أبي الحسن الرّضا (ع) قال: «قلت له: كان عندي كبش سمّنته لأضحي به فلمّا أخذته فأضجعته نظر إليّ فرحمته و رققت له ثمّ إنيّ ذبحته. قال: فقال (ع): ما كنت أحبّ لك أن تربّينّ شيئا من هذا ثمّ تذبحه «1»».

و ما رواه بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن سلمة بن الخطاب عن زرقان بن أحمد عن محمد بن عاصم عن أبي الصّحاري عن أبي عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 308- ب 40- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 210

و أمّا إبانة الرّأس قبل خروج الروح

فالأحوط تركها بل الحرمة لا تخلو من وجه (1). نعم لا تحرم

______________________________

(ع): «قال: قلت له: الرّجل يعلف الشّاة و الشّاتين ليضحي بها قال (ع): لا أحبّ ذلك.

قلت: فالرّجل يشتري الجمل أو الشّاة فيتساقط علفه من ههنا و ههنا فيجي ء الوقت و قد سمن فيذبحه؟ فقال (ع): لا و لكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين و ليشتر منها و يذبحه «1»». فان قوله: «لا أحبّ» ظاهر في الكراهة.

(1) حكم إبانة الرأس قبل خروج الرّوح 1- لدلالة صحيحي محمد بن مسلم و الحلبي.

ففي الأوّل: قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرّجل يذبح و لا يسمّي أتوكل ذبيحته؟ فقال (ع): نعم إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذّبح و لا ينخع و لا يكسر الرّقبة حتي تبرد الذّبيحة «2»».

وجه الدّلالة ظهور النهي في قوله: «و لا يقطع الرّقبة بعد ما يذبح» في الحرمة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 308- ب 40- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 2 و 3.

دليل

تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 211

الذّبيحة بفعلها علي الأقوي (1) هذا مع التعمّد و أمّا مع الغفلة أو سبق السّكين فلا حرمة و لا كراهة لا في الأكل و لا

______________________________

(1) هل تحرم الذبيحة بإبانة رأسها؟ 1- بل الأقوي حرمتها إذا كان قطع الرأس عمدا- من دون أن تسبقه السّكّين وفاقا للمحكي عن صريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة و الإسكافي و القاضي. و الدّليل علي ذلك دلالة معتبرة مسعدة بن صدقة و معتبرة الحسين بن علوان بمفهومها.

ففي الأولي: قال مسعدة: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) و سئل عن الرّجل يذبح فتسرع السّكين فتبين الرّأس. فقال (ع): الذّكاة الوحيّة لا بأس بأكله ما لم يتعمّد ذلك». و في نسخة الكافي «إذا لم يتعمّد ذلك «1»».

و في الثانية: عن الصادق (ع) عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه كان يقول: إذا أسرعت السّكّين في الذّبيحة فقطعت الرّأس فلا بأس بأكلها «2»».

فإن قوله (ع): «لا بأس بأكله ما لم يتعمّد ذلك» في الأولي و قوله: «إذا أسرعت السّكّين فقطعت الرّأس فلا بأس بأكلها» و في الثّانية يدلّان بمفهومهما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 3 و فروع الكافي/ ج 6- ص 230- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 9- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 212

______________________________

علي ثبوت البأس إذا كان قطع رأس الذبيحة عمدا و ظاهر البأس في الأكل حرمته. فإنّه و إن يحتمل إرادة الكراهة منه، إلّا أنّ هنا بقرينة المقابلة مع نفي البأس المقصود منه أصل الجواز ظاهر في عدم الجواز.

نعم بناء علي كون فعل «أسرعت» متعدّيا و كون «السّكّين» مفعولا لا يدلّ مفهومهما علي

المطلوب بل إنّما يدلّان علي حرمة أكل الذبيحة إذا قطع الذّابح رأسها بطيئا من غير إسراعه السّكين. و لكن التحقيق أنّ الإسراع فعل لازم و الشاهد عليه تعدّيه بالحرف- إمّا بإلي أو في أو الباء.

و مثلهما: في الدّلالة صحيحا محمد بن مسلم و الحلبي المتقدّمان آنفا.

فان الظاهر كون قوله: «و لا يقطع» في الأوّل و قوله: «و لا يكسر» في الثاني عطفا علي مدخول «إذا» الشرطية. فإنّ الظّاهر في الواو كونها للعطف لا الاستئناف حتي تكون «لا» ناهية. و عليه فيكون عدم إبانة الرأس شرطا في مشروعية الذّبح و حلّية أكل الذبيحة.

و قد استدلّ علي الحلّية وضعا ببعض النصوص.

مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أ يؤكل منه؟ قال (ع): نعم و لكن لا يتعمّد قطع رأسه «1»».

فإن غاية مدلول نهيه (عليه السلام) عن التعمّد بقطع الرّأس الحرمة التكليفية لتصريحه بحليّة الأكل مع عدم تعليقه علي عدم التّعمّد بقطع الرأس.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 213

______________________________

و إلّا لقال (ع): نعم إذا لم يتعمّد قطع رأسه.

و يمكن الجواب عنه: بأنّ قطع الرأس- في قول السائل- أعمّ من التعمّد به، مضافا إلي احتمال كون فعل «قطع» مجهولا خصوصا بقرينة قوله: «أ يؤكل».

و بناء علي ذلك فجواب الامام (ع) و ان كان صريحا في حلّية أكل الذبيحة إذا قطع رأسها إلا أنّه يشمل صورة القطع العمدي حينئذ بالإطلاق نظرا إلي شمول قطع الرّأس صورة العمد و غيرها. فيكون بالمآل ظاهرا في حلّية أكل ما قطع رأسه عمدا بالإطلاق. بل قوله (ع) في الذيل: «و لكن لا يتعمّد» قرينة

علي نظر السّائل إلي صورة الخطأ، فيترجّح بذلك احتمال كون فعل «قطع» مجهولا.

حيث لا معني للاستدراك بالنّهي عن التعمّد بعد الحكم بحلّية أكل ما قطع رأسه عمدا.

و يشهد علي ذلك- أي اختصاص الحلّية بغير العمد- ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرّجل ذبح فقطع الرّأس قبل أن تبرد الذّبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقته السّكّين أ يؤكل ذلك؟ قال (ع): نعم، و لكن لا يعود «1»».

فقوله: «و لكن لا يعود» يعني لا يعود عمدا حيث لا يصحّ هذا التعبير في تكرّر الخطأ و الغفلة فقوله هذا بمعني قوله: «و لكن لا يتعمّد قطع رأسه» في صحيح الحلبي المزبور. و بهذا البيان فيقيّد إطلاق الصحيح المذكور بما دلّ من

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 9- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 214

في الإبانة بلا اشكال (1) و الأحوط ترك أن تنخع الذبيحة (2) بمعني إصابة السّكّين إلي نخاعها- و هو الخيط الأبيض في وسط الفقار الممتدّ من الرّقبة إلي عجز الذنب.

______________________________

النصوص علي حرمة أكل الذبيحة عند قطع رأسها عمدا. مع احتمال اختصاصه بصورة الغفلة لما قلناه.

هذا مضافا إلي اختصاصه بالطير و نسبته مع مطلقات النهي عموم و خصوص مطلقا.

(1) تبيّن وجهه مما بيّنّاه آنفا.

(2) تنخيع الذبيحة 2- بل لا تبعد دعوي حرمة الذبيحة وضعا بالتنخيع عمدا و ذلك بدلالة صحيح الحلبي «1» و محمد بن مسلم «2» المتقدّمين. فان الظاهر كون قوله: «و لا ينخع» عطفا علي مدخول «إذا» الشرطية لأنّه الأصل في الواو فحملها علي الاستئنافية و إرادة النهي خلاف الظاهر. مع أن ظاهر النهي أيضا الإرشاد إلي المانعية كما

في الصحيحين الآخرين. ففي أحدهما: «و لا تنخعها حتي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 215

______________________________

تموت «1»». و في الآخر: «لا تنخع الذّبيحة حتي تموت فإذا مات فانخعها «2»».

بقرينة كون النهي عن التنخيع في عداد الأمر بالاستقبال في كلام واحد. و أمّا كون النهي عنه بعد الذبح بقرينة قوله: «حتي تموت» و قوله: «و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» فلا ينافي اشتراطه في حلّية الذبيحة كما أنّ صدور الحركة بعد الذبح معتبر في حليّتها. فلا منافاة في كون عدم التنخيع شرطا متأخرا، لمشروعية التذكية بأن اعتبر الشارع في التذكية خصوص فري الأوداج لا أزيد- من قطع النخاع و إبانة الرأس- كما قال عدّة من القدماء قال في الجواهر «3» - بعد استظهار عدم حرمة الذبيحة بذلك-: «خلافا للمحكي عن صريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة و الإسكافي تمسّكا بدعوي أنّ الذبح المشروع هو المشتمل علي قطع الأربعة خاصّة فالزائد عليها يخرج عن كونه ذبحا شرعا فلا يكون مبيحا و جري مجري ما لو قطع عضوا من أعضائه فمات».

و أمّا إشكال صاحب الجواهر: «بأنّ مقتضاها حرمة الزيادة و ان لم تكن إبانة و لا أظنّ أحدا يقول بذلك». ففيه: أنّ القياس مع الفارق لاحتمال خصوصية في التنخيع و هو استناد زهوق الروح إليه دون فري الأوداج كما ربما يتفق أن الذبيحة. بعد فري أوداجها يتحرّك بل يمشي و هذا الاحتمال غير آت في قطع سائر الأعضاء.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 257- ب 6- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 257-

ب 6- ح 2.

(3) الجواهر/ ج 36- ص 122.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 217

ذكاة الجنين و أحكامها

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 219

مسألة 21: لو خرج الجنين أو أخرج من بطن أمّه فمع حياة الأمّ أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكله (1)

إلّا إذا كان حيّا و وقعت عليه التذكية و كذا إن خرج أو أخرج حيا من بطن أمّه المذكّاة فإنّه لا يحلّ إلّا

______________________________

(1) حكم الجنين الخارج من بطن امّه الغير المذكّاة 1- لعدم كون الأمّ مذكاة في كلتا الصورتين حتي يكون الجنين مذكي بتبع ذكاة أمّه بلا فرق بين قبل ولوج الروح و بين بعده لأنّه علي الأوّل جزء مبان من بدن الحيّ أو الميّت و لا إشكال في حرمة أكله. و علي الثّاني فان لم يخرج حيّا فهو ميتة لم تقع عليه التذكية. و أمّا إذا خرج حيّا من بطن امّه- الحيّ أو الميّت- فمن الواضح عدم حليّته بدون التذكية، لأنه حيوان حيّ مستقلّ عن امّه فيدخل في عمومات التذكية كتابا و سنة. فتعتبر التذكية في حلّية أكله كسائر الحيوانات من دون فرق بين أن خرج أو أخرج من بطن امّه الحيّ أو الميت أو المذكّاة.

هذا مضافا إلي أنّه قد دلّ علي ذلك بالخصوص فحوي موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه (ع)، في حديث: «انّه سأله عن الشّاة تذبح فيموت ولدها في بطنها.

قال (ع): كله فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أمّه. فإن هو خرج و هو حيّ فاذبحه و كله فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله. و كذلك البقر و الإبل «1»». حيث دلّ علي اعتبار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 371- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 220

بالتذكية فلو لم يذكّ لم يحلّ و إن كان عدمها من جهة عدم اتّساع الزّمان

لها علي الأقوي (1).

______________________________

الذبح في حلّية أكل الجنين الحيّ الخارج من بطن امّه المذكّاة فبالفحوي يدلّ علي اعتبار الذبح في حلية أكله إذا خرج حيّا من امّه الميت أو الحيّ لعدم ذكاتها حتي تستتبع ذكاة الولد.

(1) حكم الجنين إذا خرج حيّا و لم يتّسع الزمان لتذكيته 1- قد وقع الخلاف في حلية أكل الجنين إذا خرج حيّا و كان حياته غير مستقرّة بحيث لم يتّسع الزمان لتذكيته. فذهب الشيخ في المبسوط و الشهيدان و غيرهم إلي الحلّية بدعوي إلحاقه بالميّت عرفا فيكون ذكاته بذكاة أمّه بمقتضي عموم النصوص الواردة في المقام. و لكن ذهب صاحب الشرائع و الجواهر و غيرهما إلي الحرمة. و استدلّوا عليها أوّلا: بأنّ مقتضي عمومات الكتاب و السنّة اعتبار التذكية بالذبح في حلّية أكل أيّ حيوان إلّا ما أخرجه الدّليل- كالصيد و ما تعذّر ذبحه لاستعصاء و نحوه. و في المقام دلّت النصوص علي إخراج خصوص الجنين الذي مات بعد ذبح امّه قبل خروجه من بطن امّه فيبقي الباقي تحت العموم فالجنين الذي مات قبل تذكية امّه أو بعد خروجه من بطنها تشمله العمومات الدالّة علي اعتبار التذكية في حلّية أكل

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 221

______________________________

أيّ حيوان. فلا مناص من تذكيته و الّا يحرم بمقتضي الأدلّة.

و ثانيا: بموثقة عمّار فإنّها دلّت بإطلاقها في خصوص المقام علي الحرمة و ذلك لأنّ قوله: «فإن خرج و هو حيّ فاذبحه و كله فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله» يشمل بإطلاقه الجنين الذي كان له حياة غير مستقرّة بعد خروجه من بطن أمّه، و ان لم يتّسع الزمان لذبحه و لكن يصدق أنّه مات- بعد ما خرج من بطن أمّه- قبل

الذّبح بلا ريب. فلا وجه لعدم دخوله تحت الإطلاق المزبور.

اللّهم إلّا أن يقال إنّ العرف لا يعدّ مثل هذا الجنين- الذي في شرف الموت بحيث لا تدوم حياته بعد ثواني- حيّا بل يلحقه بالميت مع أنّ الأمر بالذبح و إن كان إرشاديا إلّا أنّ ظاهره الإرشاد إلي شرطية ما هو ممكن في نفسه مع قطع النظر عن الموانع العارضة من قبل المكلّف.

توضيح ذلك: إنّ أدلّة اعتبار الشروط علي قسمين فمنها: ما دلّ علي اشتراط ما هو خارج عن الاختيار مثل قولهم (ع): «إذا دخل الوقت فصلّ» و لكن هذا النوع من الخطابات ليست بلسان الأمر بتحصيل الشرط لعدم معقولية الأمر بما هو غير ممكن في نفسه أو خارج عن الاختيار.

و منها: ما دلّ علي اشتراط شي ء في الواجبات- الوضعية أو التكليفية- بلسان الأمر بذلك الشي ء مثل الأمر بتحصيل الطهور و الاستقبال في الصّلاة.

و من هذا القبيل- أي القسم الثاني- ما ورد في المقام من الأمر بالاستقبال في قوله: «و استقبل بذبيحتك القبلة» و منه أيضا الأمر بذبح الجنين

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 222

______________________________

إذا خرج حيّا فإنّه إرشاد إلي اشتراط الذبح الممكن في نفسه.

إن قلت: لو كان الأمر كذلك فلا بدّ من الالتزام بحلّية كلّ حيوان مات لعدم إمكان ذبحه- و لو بغير الصيد أو الآلة الحديدية عند تعذّر ذبحه- و هذا ممّا لم يلتزم به أحد.

قلت: فرق بين هذا المقام و موارد المقيس عليه. فان المفروض أنّ في المقام قد دلّ الدليل علي كون ذكاة الجنين بذكاة امّه فهي من قبيل المقتول بالصيد الذي يحلّ أكله ما لم يدرك تذكيته.

كما في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «و إن

أدركت صيده فكان في يدك حيّا فذكّه فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل «1»».

و لكن مع ذلك كلّه لا تخلو المسألة من إشكال نظرا إلي إطلاق قوله (ع):

«فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله» في موثّق عمّار خصوصا بلحاظ كثرة اتّفاق ذلك في الخارج و ترك استفصال الامام (ع). فلا بدّ من الاجتناب عن أكل الجنين حينئذ بالاحتياط الواجب. و ان يشكل الفتوي بذلك نظرا إلي إشكال الإرشاد إلي شرطية غير الممكن. و أما الجواب عنه بأنّ الذبح ممكن بلحاظ قابلية الحيوان للتذكية فلا يخلو من مناقشة لأنّ بقابلية الحيوان للتذكية لا يصير الذبح مع عدم اتساع الزّمان ممكنا. فالإشكال المزبور باق علي حاله. بل لا تبعد دعوي خروج هذا المصداق الغير الممكن عن الإطلاق المزبور تخصّصا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 214- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 223

و اما لو خرج أو أخرج ميّتا من بطن امّه المذكّاة حلّ أكله و كانت تذكيته بتذكية أمّه لكن بشرط كونه تام الخلقة و قد أشعر أو أوبر و إلّا فميتة (1).

______________________________

أو انصرافه عنه بقرينة الاستحالة العقلية المذكورة. و علي أيّ حال لا تخلو المسألة من الاشكال. و المرجع عند الشك و عدم نهوض الخطابات اللّفظية إلي أصالة عدم التذكية.

(1) حلّية أكل الجنين الخارج من بطن أمّه المذكّاة ميّتا 1- إذا خرج الجنين أو أخرج من بطن أمّه المذكّاة قد دلّت عدّة نصوص معتبرة بالغة حدّ الاستفاضة علي حلّية أكله و كون تذكيته بتذكية امّه و لكن لا مطلقا بل بشرط أن تتمّ خلقته و يشعر و يؤبر.

فمنها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أحدهما (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ

أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ. قال (ع): الجنين في بطن أمّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمّه فذلك الذي عني اللّه عزّ و جلّ «1»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا ذبحت الذّبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل و إن لم يكن تامّا فلا تأكل «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 7- 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 7- 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 224

______________________________

و منها: معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه قال في الجنين إذا أشعر فكل و إلّا فلا تأكل «1»».

و منها: صحيح ابن مسكان عن أبي جعفر (ع): «إنّه قال في الذّبيحة تذبح و في بطنها ولد. قال (ع): إن كان تامّا فكله فإنّ ذكاته ذكاة أمّه و إن لم يكن تامّا فلا تأكله «2»».

و منها: صحيح جرّاح المدائني عن أبي عبد اللّه (ع): قال: «إذا ذبحت ذبيحة و في بطنها ولد تامّ فإنّ ذكاته ذكاة أمّه فإن لم يكن تامّا فلا تأكله «3»».

و منها: ما رواه الصدوق في العيون بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرّضا (ع) في كتابه إلي المأمون قال: «و ذكاة الجنين ذكاة أمّه إذا أشعر و أوبر «4»».

و منها: موثّق سماعة قال: «سألته عن الشّاة يذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر قال: ذكاته ذكاة أمّه «5»».

و منها: صحيح يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الحوار تذكي أمّه أ يؤكل بذكاتها؟ فقال (ع): إذا كان تماما و نبت عليه الشّعر فكل «6»».

فان في هذه النصوص و إن لم يصرّح باعتبار موت الجنين بسبب تذكية

______________________________

(1)

الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 7.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 271- ح 12.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 18- ح 1.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 18- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 225

______________________________

الامّ قبل أن يخرج من بطنها إلّا أنّ ذلك يستفاد منها بالوضوح. و الوجه فيه أنّه لا معني للحكم بتذكيته إلّا في فرض زهوق روحه فلا معني للحكم بتذكيته مع كونه حيّا بعد الخروج من البطن و أمّا كون موته بسبب تذكية الامّ فيمكن استفادته من قوله (ع): «ذكاته ذكاة أمّه». لأنّ معناه كون ذكاة الجنين تابعة لذكاة امّه و حاصلة بذكاتها. و لذا لا يصحّ هذا التعبير فيما إذا مات الجنين قبل تذكية الأمّ.

هذا مضافا إلي أنّه دلّت علي ذلك بالخصوص موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «أنّه سأله عن الشّاة تذبح فيموت ولدها في بطنها. قال (ع):

كله فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أمّه فإن هو خرج و هو حيّ فاذبحه و كل «1»».

حيث إنّه (ع) طبّق الكبري المذكورة علي ما فرضه السائل من موت الجنين في البطن بسبب الذبح لظهور السؤال عن «الشّاة تذبح فيموت ولدها في بطنها» في ذلك و قد علّل الإمام (ع) حلية أكل الجنين حينئذ بأنّ ذكاته ذكاة أمّه.

ثم إنّ ظاهر بعض هذه النصوص و ان كان كفاية واحد من الاشعار و الايبار إلّا أنّ ظاهر بعضها اعتبارهما معا كما في صحيح محمد بن مسلم قال:

«سألت أحدهما (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ

الْأَنْعٰامِ، قال: الجنين في بطن أمّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمّه «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 271- ب 18- ح 8.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 226

و لا فرق في حلّيّته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح و بين ما ولجته و مات في بطن أمّه علي الأقوي (1).

______________________________

و مقتضي الصّناعة تقييد إطلاق النصوص به فلا بدّ من القول باعتبارها إلّا في الحيوان الذي لا يعتاد فيه أحدهما فهو خارج عن منصرف النصوص.

(1) لا يعتبر ولوج الروح في حلّية الجنين بذكاة أمّه 1- ذهب في الجواهر إلي اعتبار ولوج الروح مستدلا بعدم صدق التذكية المفروض اعتبارها في حلّية أكل الجنين و لو بتبع تذكية امّه.

قال (قده): «و أمّا لو خرج تامّ الخلقة حتّي في الشعر قبل أن تلجه الرّوح فربّما ظهر من بعض الناس حلّه لأصل الإباحة إلّا أنّ الظّاهر خلافه لظهور الأدلّة في اعتبار تذكية الجنين في حلّه و أنّ تذكيته بتذكية أمّه فلا يحلّ بدونها لعدم التذكية حينئذ بل ذلك هو مقتضي حصر تذكيته بتذكيتها «1»».

و قد يستدلّ علي ذلك بموثّق عمّار حيث حكم الامام (ع) بحلّية أكل الجنين إذا مات في بطن امه بعد الذبح و إنّ الموت هو زهوق الروح و لا يكون إلّا بعد ولوجه و استدلّ أيضا بأنّ تمامية الخلقة لا ينفك عن ولوج الروح.

و يرد علي الوجه الأوّل: أنّ معني قولهم (ع) «ذكاة الجنين ذكاة امّه» نفي

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 185.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 227

______________________________

احتياج الجنين إلي الذكاة. فالمقصود أنّه لا يحتاج إلي الذكاة بل يكفي في حلّية

أكله ذكاة امّه. و هذا أعمّ من أن يكون قابلًا للتذكية بولوج الروح و إن لم يكن قابلًا لها لعدم ولوج الروح فيه. فان في الفرض الثاني يصحّ أن يقال: إنّه و إن ليس قابلًا للتذكية و لكن ذكاة أمّه كافية في حلّية أكله. و بعبارة أخري إنّه في حكم المذكي من جهة حلّية أكله بذكاة امّه.

و يرد علي الوجه الثاني: أنّ موت الولد في بطن امّه بعد ذبحها إنّما فرض في كلام السائل. و حكم الامام (ع) بحلّيته بتطبيق كبري «ذكاته ذكاة امّه» علي مورد فرض السائل لا ينافي عموميّتها. بل مقتضي التعليل بها التعميم.

و يرد علي الوجه الثالث: أنّ الذي لا ينفك عن نبات أعضاء الجنين و تمامية الخلقة هو الروح النباتي و أمّا الروح الحيواني فإنّما يلج بعد تماميتها كما في جنين الإنسان.

و الحاصل: أنّ إطلاق نصوص المقام يقتضي حلّية أكل الجنين بذكاة أمّه إذا تمّت خلقته و أشعر أو أوبر مطلقا، سواء ولج فيه الروح قبل التذكية أم لا. و لم يثبت مقيّد لهذا الإطلاق.

و في قبال ذلك ذهب جمع من الفقهاء إلي اعتبار عدم ولوج الروح في حلّية أكل الجنين بذكاة أمه كالشيخ و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و الحلّي- علي ما حكي- فقالوا: إنّ الجنين لو خرج من بطن امّه ميّتا بعد ولوج الروح كان ميتة يحرم أكله حتّي فيما إذا تمّت خلقته و أشعر و أوبر.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 228

______________________________

و استدلّوا عليه بأنّ ظاهر قولهم (ع): «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» عدم استقلال الجنين عن امّه في الحياة. و الوجه في ذلك أنّ تبعيته لأمّه في الذكاة يتطلّب تبعيّته لها في الحياة، و

إلّا فلو كان له حياة مستقلّة عن أمّه يكون ذا كئذ مثل أيّ حيوان آخر مشمولا لعمومات التذكية.

و فيه: أنّ ظاهر إطلاقات المقام و ترك استفصال الامام (ع) يدفع اعتبار عدم ولوج الروح. هذا مع أنّ توهّم احتياج الجنين إلي الذكاة إنّما يكون بعد ولوج الروح كما كان مرتكزا في ذهن المستدلّ. و إنّما يناسب قولهم: «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» دفع هذا الوهم و من هنا لو لم تكن نصوص المقام ظاهرة في اعتبار ولوج الروح في حلّية أكله بذكاة امّه- كما قال في الجواهر-، لا دلالة لها علي اعتبار عدمه قطعا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 229

مسألة 22: لو كان الجنين حيّا حال إيقاع الذبح أو النحر علي امّه و مات بعده قبل أن يشقّ بطنها و يستخرج منها،

حلّ علي الأقوي (1) لو بادر علي شقّ بطنها و لم يدرك حياته. بل و لو لم يبادر و لم يؤخّر زائدا علي القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح (2) و ان كان الأحوط المبادرة و عدم التأخير حتّي بالقدر المتعارف.

______________________________

(1) لا تجب المبادرة إلي شقّ بطن الأمّ المذكّاة لإخراج الجنين 1- بل لا إشكال في حلّية الجنين حينئذ حيث لا قصور لإطلاق قولهم (ع): «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» في شموله لهذا الفرض. مضافا إلي دلالة موثقة عمّار علي حلّية أكله بالخصوص. فان قول الصادق (ع)- حينما سئل عن شاة و مات ولدها في بطنها-: «كله فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أمّه» لا إشكال في شموله للمقام. خصوصا بعموم التعليل و ترك استفصاله (ع)، فإنّ ظاهره كفاية ذكاة الأمّ في تذكية الولد مطلقا و أنّ ذكاة الولد يتحقّق بمجرّد ذكاة أمّه إذا تحقّق موته في البطن و لم يخرج حيّا.

(2) ظهر ممّا قلنا عدم وجه لوجوب المبادرة إلي شقّ بطن الامّ. و احتياط

الماتن «قده» هنا استحبابي لسبقه بالفتوي بالحلّية. و لكن وجه الاحتياط غير معلوم و لعلّه احتمال استناد زهوق روح الولد إلي التأخير المتعارف عند عدم المبادرة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 230

و لو أخّر زائدا عن المتعارف و مات قبل أن يشق البطن فالأحوط الاجتناب عنه (1).

______________________________

(1) لو أخّر في إخراج الجنين من بطن أمّه المذكّاة 1- هذا الاحتياط وجوبي لعدم شمول فتوي الماتن «قده» بالحلّية لهذا الفرض. و الوجه فيه ظاهرا انصراف إطلاقات تذكية الجنين بذكاة امّه- في النصوص المطلقة و في موثّقة عمّار- عن هذه الصورة. حيث أنّها ظاهرة في الخروج أو الإخراج المتعارف. و لكنّه غير وجيه لعدم قصور إطلاقات نصوص المقام خصوصا تعليله (ع) في موثّق عمّار لكونه في فرض موت الجنين في بطن امّه مع ترك استفصاله (ع). فان ظاهر ذلك كون ذكاة الامّ سببا لتذكية الجنين عند الشارع مطلقا من دون دخل لاستناد زهوق روح الجنين إلي زهوق روح امّه لعدم دليل عليه بل هو خلاف ظاهر الإطلاق و إلّا يلزم الحكم بعدم حلّية الجنين ما لم يعلم استناد زهوق روحه إلي زهوق روح امّه و إن خرج ميّتا من بطن امّه بعد ذكاتها و هذا ممّا لم يلتزم به أحد.

فالظاهر من النصوص أنّ في ذكاة الجنين لا يشترط أزيد من أمرين:

أحدهما: تذكية الام و الآخر: عدم خروج الحيوان حيّا من بطن امّه. و إن شئت فقل: خروجه من بطن أمّه ميّتا. و عليه فيحكم بحلّية الجنين إذا مات في بطن

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 231

______________________________

أمّه- بعد ذكاتها- مطلقا سواء تأخّر خروجه أو إخراجه زائدا عن المتعارف أم لا، إلّا إذا علم كون التأخير

سببا تامّا لموت الولد من دون دخل لتذكية الأم و لكن لا علم بذلك غالبا لوضوح دخل تذكية الأمّ في موت الولد عند التأخير و لذا لا يموت به عند حياة امّه. و استناد موته إلي الجزء الأخير من العلّة- و هو التأخير- لا ينفي دخل تذكية الأمّ في موت ولده و ظاهر نصوص المقام كفاية مجرّد دخل تذكية الأمّ في موت الجنين.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 233

ما يقبل التذكية من الحيوانات و ما لا يقبلها

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 235

مسألة 23: لا إشكال في وقوع التذكية علي كل حيوان حلّ اكله ذاتا (1).

______________________________

(1) وقوع التذكية علي الحيوان المأكول اللّحم 1- إنّ الحيوان- بلحاظ قبول التذكية- ينقسم إلي مأكول اللّحم و غيره. و الثاني إلي نجس العين و غيره. و غير نجس العين ينقسم إلي ما لا نفس سائلة له و إلي ما له نفس سائلة. و ما له النفس السائلة ينقسم إلي السّباع و المسوخات و الحشرات و غيرها.

و أما الإنسان فهو خارج عن موضوع التّذكية بالاتفاق و ضرورة الدين و إنّ أدلّة التذكية منصرفة عنه بلا ريب.

و يقع البحث عن كل قسم علي حدة في أنّه هل يقبل التذكية أم لا؟ أمّا المأكول اللّحم فيقع عليه التذكية بلا خلاف و لا إشكال و قد دلّ عليه الكتاب و السّنة المتواترة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 236

و ان حرم بالعارض كالجلّال و الموطوء (1) بحريا كان أو برّيا

______________________________

فمن الكتاب: قوله تعالي وَ مٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «1». فإنّ تجويز أكل ما ذكر اسم اللّه عليه من الحيوان بقرينة قوله وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ

لا يبقي أيّ شك في أنّ المقصود تجويز أكل الحيوان المأكول اللّحم. و كذا غيرها من الآيات الدالّة علي حلّية أكل الحيوان المذكي فهي نصوص كثيرة علي حدّ من الكثرة لا حاجة إلي ذكرها. و أمّا غير مأكول اللّحم بأنواعه فيأتي البحث عنه خلال فقرأت هذه المسألة.

(1) حكم الجلّال و قبوله التذكية 1- الجلّال- كما قال في الشرائع- هو الحيوان الذي يغتذي من عذرة الإنسان لا غير. فذهب المشهور إلي حرمة أكله حتي يستبرأ و حكي عن الإسكافي و الشيخ الكراهة. و لكن نقل في الجواهر أنّه قائل بالكراهة في الذي كان أكثر علفه العذرة لا الذي لا علف له غيرها. فعلي أيّ حال لا إشكال

______________________________

(1) الأنعام/ 119.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 237

______________________________

في أصل حرمة أكل الحيوان الجلّال قبل الاستبراء لدلالة النصوص المعتبرة المروية من طرق العامّة و الخاصّة:

مثل صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «لا تأكلوا لحوم الجلّالات و إن أصابك من عرقها فاغسله «1»».

و موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه جعفر عن محمّد (ع): «قال: قال أمير المؤمنين (ع): الدّجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتي تغتذي ثلاثة أيّام و البطّة الجلّالة بخمسة أيّام و الشّاة الجلّالة عشرة أيام و البقرة الجلّالة عشرين يوما و النّاقة الجلّالة أربعين يوما «2»». و غيرهما من النصوص الكثيرة، سيأتي ذكرها مفصّلا في ضمن مسائل الأطعمة المحرّمة.

و إنّما الكلام هنا أنّ الجلّال هل يقبل التذكية حتي يطهر جلده و لحمه؟

فربّما يستدلّ علي عدم قبوله للتذكية- ما دام جلّالا- بأمره (ع) بغسل عرقه بدعوي ظهوره في نجاسة عرقه و هو كاشف عن نجاسة بدنه. فيكون من قبيل نجس العين الذي لا يقبل

التذكية.

و ردّ ذلك بوجهين: أحدهما: ما قال في الجواهر من أنّ الأمر بغسل العرق أعمّ من نجاسة الحيوان و من العرق نفسه خصوصا بعد الشهرة علي الطّهارة، إذ يمكن كون الأمر بغسله لأجل الصّلاة باعتبار صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 354- ب 27- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 356- ب 28- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 238

______________________________

المانعة من الصّلاة و إن كانت طاهرة. و بهذا تبيّن ضعف ما ذهب إليه في كشف اللثام و ما حكاه عن الفاضل في المنتهي من القول بالنجاسة.

و ثانيهما: ما عن بعض أساتذتنا من أنّ الأمر بالغسل إذا تعلّق بموضع الإصابة- من الثوب و البدن- كاشف عن تنجّسه بالإصابة. و إن تعلّق الأمر بنفس الشي ء المصيب إنّما يدل علي مانعيته للصلاة فيكون الأمر بغسله لأجل رفع المانع عن الصّلاة و لا يكشف عن نجاسة الموضع. و في المقام قد تعلّق الأمر بغسل عرق الموطوء الذي أصاب بدن الإنسان لا نفس البدن فيكشف عن مانعيته للصّلاة. و لعلّه لأجل كونه فضلة ما لا يؤكل لحمه- و ان كانت طاهرة- كما قال في الجواهر.

هذا مجمل الكلام في الجلّال و سيأتي البحث عن ذلك تفصيلا في الأطعمة المحرّمة إن شاء اللّه. و سنتعرّض هناك للبحث عمّا يحصل به الجلل و المدّة التي يحصل فيها الجلل و أنّ التعذّي بالعذرة يترتّب عليه حكم الجلل دون غيرها من النجاسات. و المدّة التي يستبرء فيها أنواع الحيوانات الجلّالة.

حكم الموطوء لا اشكال و لا خلاف في حرمة أكله و قد دلّت علي ذلك النصوص المعتبرة المستفيضة. و إنّما الكلام في أنّه هل يقبل التذكية أم لا. قال

في الجواهر: «لا إشكال في قبول ما كانت حرمته عارضة فيها كالجلّال و الموطوء

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 239

______________________________

للاستصحاب. و أمّا غيره فقد عرفت أنّ الأصل عدم التذكية إلّا ما يندرج منها في الصحيح المزبور «1»». مقصوده صحيح ابن بكير «2» بدعوي ظهوره في كون ما يحرم أكله من الحيوان قابلًا للتذكية و ان لا تصحّ الصّلاة في أجزائه و ذلك لفرض الذكاة فيه بقوله (ع): «ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه».

و قد يستدل علي عدم قبوله للتذكية بعدّة نصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع)- المرويّ عن الرضا (ع) و الكاظم (ع) أيضا- في الرجل يأتي البهيمة فقالوا (ع) جميعا «إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت فإذا ماتت أحرقت بالنّار و لم ينتفع بها و ضرب هو خمسة و عشرون سوطا- ربع حدّ الزّاني. و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أخذ ثمنها منه و دفع إلي صاحبها و ذبحت و أحرقت بالنّار و لم ينتفع بها و ضرب خمسة و عشرون سوطا. فقلت: و ما ذنب البهيمة؟ فقال (ع): لا ذنب لها و لكن رسول اللّه (ص) فعل هذا و أمر به لكي لا يجترئ النّاس بالبهائم و ينقطع النّسل «3»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 201.

(2) رواه عن الصادق (ع) قال: «هذا عن رسول اللّه (ص) فاحفظ ذلك يا زرارة.

فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ و قد ذكّاه الذّبح. و ان كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه

فاسد ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه».

الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 18- ص 570- ب 1- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 240

______________________________

و منها: حسنة سدير عن الباقر (ع): «في الرّجل يأتي البهيمة قال: يجلّد دون الحدّ و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها لأنّه أفسدها عليه و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلّد دون الحدّ و أخرجها من المدينة الّتي فعل بها فيها إلي بلاد أخري حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها «1»».

و منها: صحيح محمد بن عيسي عن الرجل «و هو العسكري (ع)»: «إنّه سئل عن رجل نظر إلي راع نزا علي شاة قال (ع): إن عرفها ذبحها و أحرقها و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتي يقع السّهم فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها». «2»

و منها: ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن أبي الحسن الثالث (ع) في جواب مسائل يحيي بن أكثم قال (ع): «و أمّا الرّجل النّاظر إلي الرّاعي و قد نزا إلي شاة فإن عرفها ذبحها و أحرقها و إن لم يعرفها قسم الغنم قسمين و ساهم بينهما فإذا وقع علي أحد النّصفين فقد نجا النّصف الآخر ثمّ يفرّق النّصف الآخر فلا يزال كذلك حتي يبقي شاتان فيقرع بينهما فأيّهما وقع السّهم بها ذبحت و أحرقت و نجي سائر الغنم «3»».

بتقريب أنّ الأمر بإحراق الموطوء و الحكم بعدم جواز الانتفاع منه و بأنّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 571- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 358- ب 30- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16-

ص 359- ب 30- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 241

______________________________

الوطئ إفساده كاشف عن عدم قبوله للتذكية. حيث إنّه لو كان قابلًا للتذكية لم يكن منعا في الانتفاع منه و لم يصر فاسدا حينئذ حتي يحرق.

و فيه أنّ مدلول هذه النصوص عدم جواز الانتفاع بالحيوان الموطوء في الأكل و يكون الأمر باحراقه بغرض المنع عن أكله. و إنّ ما ورد في حسنة سدير أنّ الواطئ أفسد البهيمة يكون بلحاظ سقوطه عن الانتفاع بالأكل. و الحاصل أنّ غاية مدلول هذه النصوص حرمة الانتفاع بالحيوان الموطوء بالأكل و هذا لا ينافي بقاء قابليته للتذكية و قد يستشهد لذلك:

أوّلا: بتفصيل الامام (ع) في حسنة سدير بين ما كان الانتفاع منه بالأكل و بين ما كان الانتفاع منه بالرّكوب حيث قال (ع): «تذبح و تحرق إن كانت ممّا يوكل لحمه و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلّد دون الحدّ و أخرجها من المدينة الّتي فعل بها فيها إلي بلاد أخري حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها «1»». نظرا إلي أنّ حكمه (ع) ببيع الموطوء المركوب و تجويز الانتفاع منه بغير الأكل كاشف عن وقوع التذكية علي الحيوان الموطوء و إلّا لم يكن فرق بين الأكل و بين سائر أنحاء الانتفاع في عدم الجواز.

و يمكن المناقشة فيه بأنّ جواز بيع الموطوء المركوب لأجل الانتفاع به في الركوب لا يثبت قبوله للتذكية كما أنّ الكلب المعلّم يجوز الانتفاع منه في الصيد. فان الرّكوب أساسا لا يتوقّف علي كون المركوب قابلًا للتذكية و هذا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 571- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 242

______________________________

بخلاف الأكل.

و ثانيا:

أمر الإمام (ع) في هذه النصوص بالذبح قبل الإحراق و ظاهره عدم زوال قابلية الحيوان للتذكية بالوطي ء. و هذا الوجه متين لا غبار عليه.

إن قلت: لا يستلزم الذبح التذكية بل هو أعمّ منها. و يشهد علي ذلك قوله (ع) في ذيل صحيح ابن بكير: «ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه» فإنّه (ع) نفي الملازمة بين الذبح و بين التذكية فيما يحرم أكل لحمه من الحيوان. و أمّا وجه الأمر بالذبح في المقام فلعلّه لكون إحراق الحيوان حال حياته موجبا لتعذيبه و لا يرضي به الشارع.

قلت: سلّمنا أنّ الذّبح أعمّ من التذكية إلّا أنّ في المقام توجد القرينة علي أنّ الذّبح لأجل التذكية. حيث لا وجه للأمر به غيرها و أمّا الوجه المذكور فلا يصحّ لتوجيه الأمر به و ذلك لوضوح انتفاء التعذيب بقتل الحيوان قبل إحراقه بأيّ نحو كان. و لا يتوقف ذلك علي الذبح.

و الحاصل: إنّ نصوص المقام لا تدلّ علي عدم قابلية الموطوء للتذكية بل هو خلاف ظاهر الأمر بالذبح قبل الإحراق. و إن يمكن الإشكال بأنّه لا تترتّب أية ثمرة علي التذكية لوجوب إحراقه و حرمة أكله و أمّا الرّكوب في الموطوء المركوب فليس انتفاعا متوقّفا علي التذكية. و أمّا احتمال كون الأمر بالذبح لكونه من أسهل أنواع القتل و أبعد عن تعذيب الحيوان من سائر الأنحاء فليس بشي ء.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 243

وحشيا كان أو إنسيّا طيرا كان أو غيره، و إن اختلف في كيفية التذكية علي ما مرّ.

و أثر التذكية فيها طهارة لحمها و جلدها و حلّية لحمها- لو لم يحرم بالعارض (1). و أمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه

لا من حيث الطهارة و لا من حيث الحلّية لأنّه طاهر و محرّم أكله علي كلّ حال.

______________________________

ثم إنّ المستفاد من نصوص المقام اختصاص حرمة الأكل و وجوب الإحراق بالموطوء من البهائم لا من غيرها من أنواع الحيوانات و سيأتي البحث عن أحكام الحيوان الموطوء مفصّلا في الأطعمة المحرّمة.

(1) أثر التذكية في مأكول اللّحم و غيره 1- فان مقتضي الاستثناء من حرمة الميتة و.. في قوله تعالي إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ حلّية أكل المذكّي. و مقتضي المقابلة بينهما الخروج من عنوان الميتة إلي المذكّي. فلا تترتّب عليه أحكام الميتة التي منها النجاسة بل صرّح في النصوص بطهارته و جواز الصّلاة في اجزائه. كما في صحيح ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «هذا عن رسول اللّه فاحفظ يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائزة إذا علمت أنّه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 244

و ما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين كالكلب و الخنزير فليس قابلًا للتذكية (1) و كذا المسوخ غير السباع كالفيل و الدبّ و القرد

______________________________

ذكيّ قد ذكّاه الذّبح فإن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسدة ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه «1»»، و غيره من النصوص المعتبرة لا حاجة الي ذكرها.

و من الواضح أنّ حلية اللّحم إنّما تترتّب علي التذكية إذا لم يكن أكل لحم الحيوان المذكّي حراما بالعارض كما في الجلّال و موطوء الإنسان. و قلنا إنّه لا منافاة بين حرمة أكل لحمه و بين طهارته بالتذكية كما في ما لا نفس سائلة

له فإنّه طاهر، محرّم أكله.

(1) أمّا نجس العين فلا إشكال في عدم قبوله للتذكية بل من ضروريات الدين. و أمّا جواز الانتفاع بالكلب في غير جهة الأكل كالصيد و تذكية الحيوان بإمساكه فلا ينافي عدم قبول نفسه للتذكية كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 245

و نحوها (1) و كذا الحشرات و هي الدوابّ الصّغار التي تسكن باطن الأرض كالفأرة و ابن عرس و الضبّ و نحوها علي الأحوط الذي لا يترك فيهما.

______________________________

(1) وقوع التذكية علي المسوخ 1- قد وقع الخلاف في انّ المسوخ هل تقبل التذكية أم لا. فنسب في الجواهر إلي المشهور عدم وقوع التذكية فيها و منهم الشيخ و الديلمي و ابن حمزة. و ذهب السيد المرتضي و الشهيد إلي مشروعية التذكية فيها، بل نسبه في كشف اللثام إلي المشهور و في غاية المراد إلي الأكثر.

و استدلّ علي عدم وقوع التذكية فيها بخبر عليّ بن أبي حمزة قال:

«سألت أبا عبد اللّه و أبا الحسن عليهما السّلام عن لباس الفراء و الصّلاة فيها فقال: لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيّا. قلت: أو ليس الذّكيّ ما ذكي بالحديد؟ قال: بلي إذا كان ممّا يؤكل لحمه «1»».

حيث دلّ قوله (ع): «بلي إذا كان ممّا يؤكل لحمه» بمفهومه علي عدم وقوع التذكية في كلّ ما يحرم أكل لحمه و في المقام قد دلّت النصوص المعتبرة علي حرمة أكل لحم المسوخ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 252- ب 3- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 246

______________________________

فمنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث «قال (ع): و حرّم

اللّه و رسوله المسوخ جميعا «1»».

و منها: حسنة الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن (ع): «أ يحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال (ع): لا فقلت: لم؟ فقال (ع): لأنّه مثلة و قد حرّم اللّه لحوم الأمساخ و لحم ما مثّل به في صورها «2»».

و منها: صحيح الحلبي قال: «سألته عن أكل الضّبّ فقال: إنّ الضّبّ و الفارة و القردة و الخنازير مسوخ «3»».

و غيرها من النصوص الكثيرة.

و فيه: أن ما دلّ من النصوص علي حرمة أكل المسوخ لا تدلّ علي عدم وقوع التذكية فيها إلّا بضميمة خبر علي بن أبي حمزة. و لكنّه ضعيف لوقوع عبد اللّه بن إسحاق العلوي و محمد بن سليمان الديلمي في طريقه و لم يرد فيهما توثيق. مضافا إلي ضعف عليّ بن أبي حمزة البطائني.

فلا دليل علي عدم قابلية المسوخ للتذكية و قد سبق قوله (ع): «ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه» في ذيل صحيح ابن بكير حيث دلّ علي مشروعية التذكية فيما لا يؤكل لحمه في الجملة و لم يرد في المقام دليل علي كون المسوخ ممّا لا يقبل التذكية. هذا مضافا إلي دخوله في عموم ما دلّ من النصوص علي وقوع التذكية في جميع ما يحرم أكله مثل صحيح عليّ بن يقطين قال: «سألت

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 313- ب 2- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 313- ب 2- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 313- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 247

الطهارة لا تخلو من وجه (1).

و أمّا السباع و هي ما تفترس الحيوان و تأكل اللّحم سواء كانت من الوحوش كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و ابن آوي و

غيرها أو من

______________________________

أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود. قال (ع): لا بأس بذلك «1»».

نعم لا تصحّ الصّلاة في شي ء منها لدلالة النصوص المعتبرة علي عدم جواز الصّلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه. كما في صحيح ابن بكير حيث قال الصادق (ع) في ذيله: «و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه «2»». و غيره من النصوص المعتبرة «3».

(1) هل تقع التذكية علي الحشرات؟ 1- خلافا لصاحب الشرائع، قال: «في وقوع الذكاة عليها- أي الحشرات- تردّد أشبهه أنّه لا يقع». و قد نسبه في الجواهر إلي الأكثر بل المشهور.

و لكن الأقوي طهارتها بالتذكية و إن يحرم أكله و لا تصح الصّلاة فيها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 255- ب 5- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1 و غيرها.

(3) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1 و غيرها.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 248

الطيور كالصقر و البازي و الباشق و غيرها فالأقوي قبولها للتذكية (1).

______________________________

أمّا وجه طهارتها بالتذكية فلما قدّمناه في المسوخ. و أمّا حرمة أكلها فللإجماع بقسميه. و أمّا عدم صحة الصّلاة فيها، فقد دلّ عليه ذيل صحيح ابن بكير المتقدم ذكره آنفا و غيرها من النصوص. و عليه فلا وجه لوجوب الاحتياط حتي في الفأرة و الضبّ اللّذين عدّا في النصوص من المسوخات و ذلك لجواز التذكية فيها.

اللّهم إلّا أن يقال بانصراف قوله: «جميع الجلود» في صحيح ابن يقطين عن الحشرات خصوصا بقرينة المذكورات في السؤال و لكنّه مشكل بعد

دلالة لفظ الجميع علي العموم وضعا.

(1) وقوع التذكية علي السّباع 1- وفاقا للمشهور بل عن غاية المراد نفي الخلاف. و عن السرائر و غيره دعوي الإجماع و الاتّفاق خلافا للمفيد و سلّار و ابن حمزة حيث حكي عنهم عدم وقوع التذكية في السّباع.

و استدل في الجواهر للمشهور:

أوّلا: بإطلاق موثّقتي سماعة إحديهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة قال: «سألته عن جلود السّباع

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 249

______________________________

أ ينتفع بها؟ فقال (ع): إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده و أمّا الميتة فلا «1»». و ثانيتهما: ما رواه بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسي عن سماعة قال: «سألته عن لحوم السّباع و جلودها؟ فقال: أمّا لحوم السّباع و السّباع من الطّير و الدّواب فإنّا نكرهه. و أمّا جلودها فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيه «2»».

و عموم صحيح علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود قال: لا بأس بذلك «3»». بتقريب أنّه لو لم يقع التذكية علي السباع لصارت ميتة و لم يحلّ الانتفاع بها قطعا لما دلّ من النصوص علي عدم جواز الانتفاع بشي ء من أجزاء الميتة.

كما في صحيح علي بن أبي المغيرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال (ع): لا، الحديث «4»». و غيرها من النصوص. فيدلّنا ذلك علي وقوع التذكية في السّباع.

هذا مضافا إلي ما ورد بالخصوص من النصوص الدّالة علي جواز الانتفاع بأجزاء بعض السباع مثل الثعالب و السمور. كما دلّ عليه صحيح أبي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 368-

ب 34- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 321- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 3- ص 255- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 368- ب 34- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 250

______________________________

علي الحسن بن راشد في حديث قال: قلت لأبي جعفر (ع): «الثّعالب يصلّي فيها؟ قال (ع): لا و لكن تلبس بعد الصّلاة. قلت: أصلّي في الثّوب الذي يليه؟ قال (ع): لا «1»». و غيره من النصوص فراجع.

و ثانيا: بالسيرة المستمرّة في جميع الأعصار و الأمصار علي استعمال جلود السباع في غير الصّلاة من الفراء و الخفاف و أغماد السيوف و دلاء السقي و الألبسة التي يتّقي بها من البرد خصوصا في الرّعاة.

و ممّا يؤيّد استقرار هذه السيرة و اتصالها بزمان المعصوم ما حكي عن بعض فقهائنا الأقدمين من إجماع الأصحاب و اتّفاقهم علي وقوع التذكية في جلود السباع كما عن السرائر و غيره و عن غاية المراد نفي الخلاف في ذلك.

و التحقيق أنّ استدلاله بهذين الوجهين تام لا غبار عليه. و أمّا ما حكي عن المفيد و الشيخ في الخلاف و سلّار و ابن حمزة من عدم وقوع التذكية علي السّباع فلا يصغي إليه لعدم دليل لهم علي ذلك غير خبر أبي مخلّد. رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن أسباط عن أبي مخلّد السرّاج قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (ع) إذ دخل عليه معتب فقال: بالباب رجلان. فقال (ع): أدخلهما، فدخلا. فقال أحدهما: إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النّمر فقال (ع): مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال (ع): ليس به بأس «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 258- ب 7- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 12- ص 124- ب 38- ح 1.

دليل تحرير

الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 251

و بها تطهر لحومها و جلودها فيحلّ الانتفاع بها بأن تلبس في غير الصّلاة و يفترش بها، بل بأن تجعل وعاء للمائعات كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن و نحوها.

و ان لم تدبغ علي الأقوي (1) و إن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة.

مسألة 24: الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل [تقع عليها التذكية]

ممّا كانت له نفس سائلة غير ما ذكر آنفا-، تقع عليها

______________________________

و فيه: مضافا إلي ضعف سنده لعدم ثبوت وثاقة أبي مخلّد بل نقل عن بعض فحول الرجال أنّه قاسم بن إسماعيل- كما في جامع الرواة- و قد قيل في حق قاسم بن إسماعيل إنّه كذّاب ضعيف الحديث، أنّه قد دلّ علي اشتراط طهارة جلود السباع بالدبغ و هو خلاف مذهب فقهائنا الشيعة و موافق لمذهب العامة. و من هنا مع غضّ النظر عن قصوره سندا يحمل علي التّقية كما قال في الجواهر «1».

و أما الاحتياط بالدبغ فهو استحبابي و لا وجه له ظاهرا لما فيه من مخالفة العامّة و قد دلّت النصوص المتظافرة علي الترغيب في مخالفتهم.

(1) لما مرّ بيانه آنفا في الهامش السابق.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 201.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 252

التذكية فتطهر بها لحومها و جلودها (1).

______________________________

(1) وقوع التذكية علي جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل 1- كما دلّ عليه عموم صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (ع): عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود. قال (ع): لا بأس بذلك «1»». و ذيل صحيح ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع): «و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في

كلّ شي ء منه فاسد، ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه «2»».

فان قوله (ع): «ذكّاه الذّبح أم..». دلّ علي قابلية ما يحرم أكله من الحيوانات للتذكية بعد ما صرّح بفساد الصّلاة فيه من جهة مانعيته للصّلاة.

فهذه الصحيحة و إن لا عموم لها يشمل جميع ما يحرم و إنّما دلّ علي أصل قابليتها للتذكية في الجملة إلّا أنّ صحيح عليّ بن يقطين قد دلّ بعمومه علي وقوع التذكية في كلّ ما يحرم أكله من الحيوانات لما قلنا أنّه لا وجه لجواز الانتفاع بجلودها و لبسها مع غير قبولها للتذكية و إلّا لدخل في الميتة و لا يجوز مطلق الانتفاع بها لدلالة النصوص المعتبرة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 255- ب 5- ج 1.

(2) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 253

مسألة 25: تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما تكون بالذّبح

مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل.

و كذا بالاصطياد بالآلة الجماديّة في خصوص الممتنع منها كالمحلّل (1).

______________________________

(1) تذكية جميع ما يحرم أكله تقع بالذّبح مع الشرائط المعتبرة 1- قد دلّ علي وقوع تذكية كلّ قابل لها من الحيوان المحرّم الأكل بالذبح المشروع إطلاق نصوص اعتبار شرائط تذكية الحيوان المأكول اللّحم ممّا دلّ علي تحقق الذّبح المشروع بفري الأوداج. كقوله (ع): «إذا فري الأوداج فلا بأس «1»». و ما دلّ علي اعتبار الحديد في الآلة بقوله: «لا ذكاة إلّا بحديدة «2»». و الاكتفاء بغيره إذا لم يوجد الحديد كقوله (ع): «إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و جري الدّم فلا بأس به «3»». و ما دلّ علي أنّ محلّه الحلق كقوله (ع): «الذّبح في الحلق «4»». و كذلك التسمية. بل دلّ بعض النصوص علي اعتبارها في غير مأكول اللّحم

بالخصوص كقوله (ع) في موثقة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 252- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 254- ح 3.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 254- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 254

و في تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد و إشكال (1).

______________________________

سماعة: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده «1»». و كذا ما دلّ علي اعتبار الإسلام، مثل صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر قال: قال أمير المؤمنين (ع): «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالي عليه «2»». و غيرها من مطلقات شرائط التذكية الشاملة لغير مأكول اللحم.

و أمّا الاصطياد بالآلة الجمادية فيكفي في إثبات وقوع التذكية به علي غير مأكول اللحم قوله (ع) في موثّقة سماعة: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بها».

(1) في تذكية ما يحرم أكله بصيد الكلب 1- وجه الاشكال ظاهر قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ و قوله (ع) في صحيح أبي عبيدة الحذّاء: «يأكل ممّا أمسك عليه فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه و إن وجد معه كلبا غير معلّم فلا يأكل منه «3»». و غيره من النصوص الظاهرة في اختصاص هذه التذكية بمأكول اللّحم.

و هذا الاشكال مندفع بإطلاق النصوص المعتبرة الّتي أطلق فيها عنوان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 368- ب 34- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16 ب 1- ص 207- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 255

______________________________

التذكية علي صيد الكلب كقوله (ع) في حسنة سيف بن عميرة: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «1»». و

قد نزل في بعض نصوص آخر منزلة الذّبح كما في معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسل الرّجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي «2»». لدلالته ضمنا علي كون صيد الكلب بمنزلة الذّبح المشروع. و في صحيح الصيرفي عنه (ع): «أو ليس قد جامعوكم علي أنّ قتله ذكاته.. «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 208- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 209- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 257

حكم ما لم يعلم تذكيته

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 259

مسألة 26: ما كان بيد المسلم من اللّحوم و الشّحوم و الجلود إذا لم يعلم كونها من غير المذكّي يؤخذ منه

و يعامل معه معاملة المذكّي (1) بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفا مشروطا بالتذكية علي الأحوط (2).

______________________________

(1) حكم ما يؤخذ من يد المسلم 1- لا خلاف في ذلك و الدليل عليه النصوص المعتبرة:

منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي (ع)- في حديث- «قال:

سألته عن رجل اشتري ثوبا من السّوق للّبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصّلاة فيه؟ قال (ع): إن كان اشتراه من مسلم فليصلّ و إن اشتري من نصرانيّ فلا يصلّ فيه حتّي يغسله «1»».

و منها: خبر إسماعيل بن عيسي قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن جلود الفراء يشتري بها الرّجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال (ع): عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك.

و إذا رأيتم يصلّون فيها فلا تسألوا عنه «2»».

(2) هذا الاحتياط وجوبي و لكن لا وجه له ظاهرا حيث لا مدرك لاعتبار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 1.

(2) الوسائل/

ج 2- ص 1072- ب 50- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 260

فحينئذ يجوز بيعه و شراؤه و أكله و استصحابه في الصّلاة و سائر الاستعمالات المتوقّفة علي التذكية. و لا يجب عليه الفحص و السؤال، بل و لا يستحب، بل نهي عنه (1) و كذلك ما يباع منها في سوق المسلمين سواء كان بيد

______________________________

هذا الشرط في معاملة المذكّي مع المأخوذ من يد المسلم غير قوله (ع): «و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه «1»». نظرا إلي كون الصّلاة تصرّفا مشروطا بالتذكية. و لكن هذا الخبر لا يصلح للدّليلية لضعف سنده بسعد بن إسماعيل و إسماعيل بن عيسي الواقعين في سنده إذ لم يرد فيهما توثيق. و لم يعلم اشتهار ذلك بين القدماء حتي يكون جابرا لضعفه أو يوجب الاحتياط.

(1) كقول أبي الحسن الرضا (ع) في صحيح البزنطي: «و ليس عليكم المسألة «2»». و قول أبي جعفر الباقر (ع) في صحيح الفضلاء: «و لا تسأل عنه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 294- ب 29- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 261

المسلم أو مجهول الحال (1).

بل و كذا ما كان مطروحا في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال كما إذا كان اللحم مطبوخا

______________________________

(1) حكم ما يباع في سوق المسلمين 1- و ذلك لإطلاق النصوص الدالّة علي أمارية سوق المسلمين مثل موثقة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح (ع) انه قال: «لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني و في ما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها

المسلمين فلا بأس «1»».

و صحيح البزنطي عن الرضا (ع) قال: «سألته عن الخفّاف يأتي السّوق فيشتري الخفّ لا يدري أ ذكيّ هو أم لا ما تقول في الصّلاة فيه،- و هو لا يدري- أ يصلي فيه؟ قال (ع): نعم أنا أشتري الخفّ من السّوق و يصنع لي و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة «2»».

و صحيح الفضلاء: «أنّهم سألوا أبا جعفر عن شراء اللّحوم من الأسواق و لا يدري ما صنع القصابون. فقال (ع): كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 262

______________________________

عنه «1»».

و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الخفاف الّتي تباع في السّوق. فقال (ع): اشتر و صلّ فيها حتي تعلم أنّه ميتة بعينه «2»».

و صحيح البزنطي قال: «سألته عن الرّجل يأتي السّوق و يشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّه هي أم غير ذكيّة أ يصلّي فيها؟ فقال (ع): نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر (ع) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا علي أنفسهم بجهالتهم إنّ الدّين أوسع من ذلك «3»».

و صحيح حمّاد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: «كان أبي يبعث بالدّراهم إلي السّوق فيشتري بها جبنا فيسمّي و يأكل و لا يسأل عنه «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 294- ب 29- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 3.

(4) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 263

و الجلد مخيطا أو مدبوغا

(1) و كذا إذا أخذ من الكافر و علم كونه مسبوقا بيد المسلم علي الأقوي (2) بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم. و أمّا ما يؤخذ من الكافر و لو في بلاد المسلمين و لم يعلم كونه مسبوقا بيد

______________________________

(1) ما كان فيه أثر استعمال المسلم محكوم بالتذكية 1- كما في موثقة إسحاق بن عمّار عن الكاظم (ع) إنّه قال: «لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني و في ما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «1»».

و في موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ أمير المؤمنين سئل عن سفرة وجدت في الطّريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكّين- إلي قوله: - لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال (ع): هم في سعة حتي يعلموا «2»».

(2) و ذلك لكون يد المسلم أمارة علي التذكية و عدم كون يد الكافر أمارة علي عدمها. غاية الأمر أنّها لا تكون أمارة علي التذكية. فلا تصلح لإسقاط يد المسلم السابقة عن الأمارية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1073- ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 264

المسلم و ما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفار أو كان مطروحا في أرضهم و لم يعلم أنّه مسبوق بيد المسلم و استعماله، يعامل معه معاملة غير المذكّي و هو بحكم الميتة (1). و المدار في كون البلد أو الأرض منسوبا إلي المسلمين غلبة السكّان و القاطنين بحيث ينسب عرفا إليهم و لو كانوا تحت سلطة

______________________________

(1) حكم ما أخذ من يد الكافر أو مجهول الحال 1- فإنّ للميتة

معنيين. أحدهما: معناها اللّغوي المرتكز في أذهان أهل العرف و هو ما مات حتف أنفه. و الآخر: معناها الشرعي و هو كلّ ما لم يكن زهوق روحه بفري الأوداج الأربعة علي الوجه المشروع. فيشمل كلّ ما قتل بغير الذبح الشرعي، كما هو المقصود في قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ.. إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «1».

و قوله (ع) في موثّق سماعة: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده و أمّا الميتة فلا «2»». و إرادة هذا المعني من الميتة معلوم فيهما بقرينة المقابلة بينها و بين المذكي. و في المقام قد دلّت النصوص علي عدم جواز ترتيب آثار التذكية

______________________________

(1) المائدة/ 3.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1070- ب 49- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 265

______________________________

علي المأخوذ من يد الكافر مثل قوله (ع): «و إن اشتراه من نصراني فلا يصلّ فيه حتّي يغسله «1»» في صحيح عليّ بن جعفر. و قوله: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «2»» في موثّقة إسحاق بن عمّار. حيث دلّ بمفهومه علي ثبوت البأس إذا علم كون الفراء في يد الكافر. و قوله (ع): «و عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك «3»» في خبر إسماعيل بن عيسي.

و في صحيح قتيبة الأعشي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن ذبائح اليهود و النّصاري. فقال (ع): الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا المسلم «4»». فإنّه دلّ بمفهوم الحصر علي كون المأخوذ من يد مجهول الحال- في بلاد الكفّار- في حكم غير المذكّي. و في صحيح عيسي بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه (ع):

«عن صيد المجوس فقال: لا بأس إذا أعطوكاه أحياء و السّمك أيضا و إلّا

فلا تجوز شهادتهم إلّا أن تشهده «5»». و مثله صحيحا محمد بن مسلم «6» و الحلبي «7». و كذلك المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين لفقد الأمارة علي التذكية حينئذ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ب 5- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ب 5- ح 7.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 284- ح 8.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 3.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 2.

(7) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 266

الكفّار (1) كما هو المدار في بلد الكفار. و لو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفار (2).

مسألة 27: لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا أو مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ

و يستحلّ ذبائح أهل الكتاب و لا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية (3). و كذا لا فرق بين كون الأخذ موافقا.

______________________________

(1) كما في موثّق إسحاق المتقدّم. و لا تبعد دعوي استقرار سيرة المتشرعة إلي حدّ صار مرتكزا في أذهانهم بحيث إذا أطلق عنوان بلاد المسلمين ينسبق إلي الذهن ما كان الغالب من سكنتهم المسلمين من دون دخل لنوع الحكومة في ذلك و كذلك المدار في صدق بلد الكفار.

(2) لوضوح عدم صدق أرض الإسلام و بلد المسلمين حينئذ فلا أمارة علي التذكية فيجري حكم بلد الكفّار.

(3) عدم اعتبار إيمان المأخوذ منه 3- و ذلك أوّلا: لما دلّ علي عدم اعتبار الايمان بالمعني الأخص وفاقا للمشهور و خلافا لما حكي عن الحلّي و أبي الصلاح و ابني حمزة و البرّاج.

و استدلّ للمشهور في الجواهر بأمور:

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 267

______________________________

منها: تعليل

حرمة ذبائح أهل الكتاب في صحيح قتيبة الأعشي عن أبي عبد اللّه (ع) بأنّ «الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا المسلم «1»». فان مقتضاه أنّ المسلم هو الذي يؤمن علي التذكية و ظاهره نفي مدخلية الإيمان بالمعني الأخصّ.

منها: صحيح محمّد بن قيس عن الباقر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع):

«ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالي عليه «2»». فإنّه بظاهره نفي اعتبار الايمان بالمعني الأخص في الذّابح.

و منها: استقرار السيرة القطعية المستمرة بين المتشرّعة لدن عصر الأئمّة إلي زماننا هذا علي عدم فرقهم بين أنواع فرق المسلمين في عدم الاجتناب عن ذبائحهم من غير نكير. و قد ذكرنا نصوصا اخري تدلّ علي نفي اعتبار الايمان في مبحث عدم اعتبار الايمان في الذابح تنفع لإثبات المقصود في المقام.

و ثانيا: لدلالة النصوص المعتبرة المتظافرة علي حلّية ما يؤخذ من يد المسلم و كون يدها أمارة علي التذكية و ما دلّ منها علي أمارية سوق المسلمين عليها و حلية ما يشتري فيه ما لم يعلم أنّه ميتة. ما عدا المأخوذ من يد الناصب فذهب المشهور الي عدم حلية ذبيحته. و قد دلّ عليه موثّق أبي بصير:

«قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: ذبيحة النّاصب لا تحلّ «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 284- ح 8.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 268

مع المأخوذ منه في شرائط التذكية- اجتهادا أو تقليدا- أو مخالفا معه فيها إذا احتمل الأخذ تذكيته علي وفق مذهبه (1). كما إذا اعتقد الأخذ لزوم التسمية بالعربية

دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك و ان لم يلزم رعايته عنده، و اللّه العالم.

______________________________

(1) كفاية احتمال رعاية ذي اليد شرائط التذكية 1- لما مرّ من إطلاق النصوص و استقرار السيرة علي حلّية ما يؤخذ من يد المسلم و أسواق المسلمين و كونه محكوما بالتذكية بلا فرق بين فرق المسلمين و أصناف المؤمنين. نعم إذا اعتقد الأخذ عدم كفاية ذكر لفظ «إيزد» أو «يزدان» مثلا ممّا يدعي به اللّه تعالي في الفارسية. و لكن يعتقد ذو اليد كفايته و علم الأخذ أنّه اكتفي بذكره و لم يحتمل أنّه ذكر اسم اللّه عليه لا يحلّ قطعا. و الوجه فيه واضح لفقد شرط التذكية في اعتقاد الأخذ.

قد فرغت بعون اللّه تعالي من تسويد هذا الجزء من دليل تحرير الوسيلة في عصر اليوم الثامن و العشرين من شهر شعبان سنة 1414. و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلواته علي رسوله محمّد المصطفي و آل بيته سرمدا.

أحقر الطلاب: علي أكبر السيفي المازندراني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.