خاتمه مستدرك الوسائل المجلد 1

اشارة

سرشناسه : نوري، حسين بن محمد تقي ، 1254 - 1320ق.

عنوان و نام پديدآور : خاتمه مستدرك الوسائل/ تاليف حسين النوري الطبرسي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : قم: موسسه آل البيت(ع)، لاحياء التراث ، 1415ق. = -1373.

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت(عليهم السلام) لاحياء التراث ؛ 30 ، 31 ، 32 ، 35

شابك : 2400 ريال : ج. 1 964-5503-84-1 : ؛ 964-5503-86-8 ؛ 5000 ريال : ج. 6 964-319-017-X : ؛ 8000 ريال : ج. 9 964-319-020-X :

يادداشت : كتاب حاضر خاتمه مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل است كه خود در اصل اضافاتي است بر كتاب وسائل الشيعه حر العاملي.

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1416ق. = 1373).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1418ق. = 1376).

يادداشت : ج. 9 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : كتابنامه.

عنوان ديگر : مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل.

عنوان ديگر : وسائل الشيعه.

موضوع : حديث -- علم الرجال

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 12ق.

موضوع : اخلاق اسلامي -- متون قديمي تا قرن 14

شناسه افزوده : حر عاملي، محمد بن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشيعه.

شناسه افزوده : موسسه آل البيت(عليهم السلام). لاحياء التراث.

رده بندي كنگره : BP135 /ح4و5018 1373

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1602

نام كتاب: خاتمة المستدرك

موضوع: تاريخ فقيهان و راويان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام علي خاتم الأنبياء و المرسلين و علي أهل بيته المطهّرين، و صحبه الأوفياء المخلصين، و الرحمة علي أرواح علمائنا الأبرار الذين نشروا علوم آل محمّد عليهم السلام الذين من تمسك بحبلهم اهتدي، و تمسك بالعروة الوثقي، و بلغ السعادة القصوي، و نال الدرجات العلي، و من تخلّف عنهم هوي و غوي.

و بعد:

عمد الأوائل من رجال الشيعة الإماميّة إلي جمع كل ما روي من حديث المصطفي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و حديث أهل البيت عليهم السلام ابتداء من صدر الإسلام و حتي أواسط القرن الثالث الهجري، و لم تثن طلائعهم أزمة منع التدوين المعروفة التي عاشها الحديث الشريف عند غيرهم قرنا من الزمان، و لم توقف همتهم تلك العواصف الكثيفة التي حاولت بمكرها و دهائها أن تحجب نور الشمس عن العالمين وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّٰهُ وَ اللّٰهُ خَيْرُ الْمٰاكِرِينَ بل ازدادوا إيمانا بأن الحظر المفروض علي التدوين سيلبس هذا الدين لباسا لا يمت بصلة إلي الإسلام، و ربما يطمس معالمه

ص: 5

بمرور الأيام فيضيع الحق أو يخفي و يلتبس علي كثير من العامة، كما حصل.

و نتيجة لهذا الإدراك تجمّع لديهم- في أقل من ثلاثة قرون- ما يزيد علي ستة آلاف و ستمائة كتاب حفظت بأسمائها و أسماء مؤلفيها. و قد اشتهرت من بينها مجموعة من الكتب عرفت باسم «الأصول الأربعمائة» و هي أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف من أصحاب الإمامين الباقر محمّد بن علي (ت/ 114 ه) و الصادق جعفر بن محمّد (ت/ 148 ه) عليهما السلام، و من أصحاب سائر الأئمّة عليهم السلام علي رأي البعض.

و قد تميّزت هذه الأصول الأربعمائة عن سائر مؤلفات الشيعة في القرون الثلاثة الأولي من عمر الإسلام بمميزات كثيرة لعلّ من أهمها حصول الإجماع علي اعتبارها حاكية لكلام المعصوم، ما اشتمل علي نصّ كلامه عليه السلام سماعا بلا واسطة في النقل و التدوين.

و لمّا كانت مؤلّفات الشيعة ليست كلّها بمثابة الأصول الأربعمائة في قوة الحجية، لهذا قام اللاحقون من أقطاب علماء الشيعة- بعد انتهاء ذلك العصر الزاهر بحياة الأئمة عليهم السلام- بإعمال دورهم في التسابق إلي دراسة هذا التراث الضخم و النظر فيه و تدقيقه و تحقيقه بحسب ما لديهم من القرائن الكثيرة، فاجتهدوا في الوصول إلي الحق ما استطاعوا إليه سبيلا، و كان فيهم من هو في مرتبة عالية من مراتب النظر و التحقيق، و علي درجة راقية من التعمق و التدقيق.

و قد كان لعملهم هذا أثره الملموس، إذ تركوا لغيرهم، كتبا كثيرة، مادتها: الأصول الأربعمائة، و غيرها من الكتب الأخري التي بلغت من الاعتبار عند هؤلاء الأعلام درجة من الوثوق بها ما يوجب الركون إليها و اعتمادها.

ص: 6

و قد اتّصفت كتب المرحلة اللاحقة بجودة التصنيف و توزيع المطالب الحديثية علي أبوابها الفقهيّة، و من أشهرها كتب المحمدين الثلاثة- قدس سرهم الشريف-: و هي:

1- الكافي: لأبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي، المعروف بثقة الإسلام (ت/ 329 ه).

2- كتاب من لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المشتهر بالصدوق (ت/ 380 ه).

3- تهذيب الأحكام: لأبي جعفر محمّد، بن الحسن الطوسي، المشتهر بشيخ الطائفة (ت/ 460 ه).

4- الاستبصار: لشيخ الطائفة أيضا.

و تمييزا لهذه الكتب عن غيرها أطلق عليها اسم «الأصول الأربعة» باعتبار أنها أضبط و أجمع كتب الحديث الشريف، و امتازت عن غيرها باحتوائها الشامل علي أحاديث الأحكام الشرعية الفرعية، و إن كان الكافي منها مشتملا علي كثير من أحاديث الأصول و المواعظ، و كتاب من لا يحضره الفقيه منها يحتوي علي مجموعة من المواعظ، مع ما لمؤلفيها من مقام عال، و منزلة رفيعة، و شأن جليل، حيث انتهي كل منهم إلي رئاسة محدّثي المذهب الإمامي في عصره، و هذا ما يسرّ لكتبهم هذه أن تحتلّ موقع الصدارة بين كتب الحديث الأخري التي قد لا تقل عنها اعتبارا بالإضافة إلي وثاقة مؤلفيها و شهرتهم أيضا.

و هكذا بقيت كتب هذه المرحلة و علي رأسها الكتب الأربعة مدار الدرس لقرون متعاقبة، فكان- و لا تزال- معوّل الفقهاء و مرجع العلماء، حتي دفعت الهمة إلي جمع شتات الأخبار المتفرقة في الكتب المعروفة الانتساب إلي أهلها، المعتبرة في مادتها، و ضمّها إلي ما في هذه الكتب

ص: 7

الأربعة و نظائرها، و جعل الكل في كتاب واحد، سهل الطريقة، حسن التبويب، جيد الترتيب، ليلبّي حاجة الفقيه من حيث الاستدلال بالحديث علي مسائل الفقه كافّة دون الرجوع إلي عشرات بل مئات الكتب الأخري للغرض المذكور نفسه.

و ممن يسر اللّه تعالي- و له الحمد- لهذه المهمة الشاقّة المضنية- التي لا يقتصر أمرها علي الجمع و التدوين، و إنما علي التدقيق و التحقيق- رجل عالم مشهور، و فقيه متضلع، و محدث ثقة أمين، اجتمعت في شخصه خصال الورع، و الزهد، و التقوي، و العبادة، مع نفاذ البصيرة، و صفاء السريرة، و الولاء التام لآل خير الأنام عليهم الصلاة و السلام ذلك هو العبقريّ الشيخ الحرّ العامليّ (ت/ 1104 ه)- قدس سره الشريف-.

أدرك الشيخ الحر- رضي اللّه تعالي عنه- أهمية هذا العمل الجبار و قيمته العلمية، فاسترخص لأجله ما يقرب من عشرين عاما من عمره الشريف، جمع خلالها الكثير من كتب الحديث عند الشيعة التي كانت تدور عليها رحي الاستدلال و الاستنباط، فجمعها ضمن منهج سليم، استعرض خطواته في مقدمة كتابه الذي أعده لهذه الغاية، ذلك الكتاب هو «تفصيل وسائل الشيعة» الذي تشرفت مؤسستنا بإعادة تحقيقه و طبعه وفق أحدث الأساليب العلمية، فظهر بحلته الجديدة في ثلاثين مجلدا.

و ما ان أتم الشيخ الحر كتابه هذا حتي تلقفته الحواضر العلمية الشيعية في كل مكان، و رزق فضيلة الشهرة بين الفقهاء و العلماء، و طلبة العلوم الشرعية، إذ يسّر لهم الوقوف علي خمسة و ثلاثين ألفا و ثمانمائة و ثمانية و ستين حديثا، فلا غرو إذا أن يكون «وسائل الشيعة» جامعا مأمونا للكتب الحديثية الكثيرة، التي طالما استنزفت من جهود رواد الحركة الفقهية الشي ء الكثير، و أن يكون من أكثر كتب الحديث فائدة عند الشيعة الإماميّة.

ص: 8

و لا يخفي أن «وسائل الشيعة» و إن كان فريدا في بابه، إلّا أن مصنفه- قدس سره- لم يسجل كل ما وصل إلي عصره من حديث العترة الطاهرة عليهم السلام بل ترك الكثير من الأحاديث لأسباب سيأتي بيانها عند الحديث عن الفائدة الأولي من فوائد هذه الخاتمة.

و من هنا برزت الحاجة من جديد إلي كتاب آخر يكمل الشوط الذي انتهي إليه صاحب «الوسائل» فيلم شتات الأخبار الأخري، و يجمع الأحاديث التي لم يسجلها الشيخ الحر- قدس سره الشريف- و يجعلها دررا منسقة، طالما اشتاق العلماء أن يروها مجتمعة.

و قد قيض اللّه تعالي لهذا العمل الضخم رجلا عبقري التتبع، بصيرا، ناقدا، واسع المعرفة، مفرط النباهة، حاد الذكاء، هو فارس ميدان الحديث في عصره، حيث انتهت إليه رئاسة الحديث و أهله، لا عن تقليد و إنكار للجديد، و إنما عن نظر و جد، فأحيا من خلال ما شيده من معارف رسوما و أطلالا أوشكت الأيام أن تجعلها ركاما مسلوب الجمال ألا و هو:

خاتمة المحدّثين الشيخ ميرزا حسين النوري النجفي، المتوفي بها سنة 1320 ه.

لقد وقف المحدّث النوري علي جملة وافرة من الأخبار التي لم يحوها كتاب الوسائل، و ذلك في بضع سنين من التصفح الطويل في كتب الشيعة الإمامية، و التتبع الفريد لكل ما لم يورده الشيخ الحر، و من هنا كانت انطلاقه «مستدرك الوسائل» إكمالا لما استهدفه الأصل نفسه، و جمعا لكلّ ما ربما يستفاد منه في باب الأحكام الشرعية، و لوجوبه، أو في نظر بعض.

قال الشيخ البحاثة الإمام آقا بزرگ الطهراني (ت/ 1389 ه) و هو يصف عمل أستاذه النوري في مكتبته العظيمة المشتملة علي ألوف من الكتب و الآثار النادرة العزيزة الوجود، أو الفريدة، ما نصه:

ص: 9

«فلا يخرج منها إلّا للضرورة، و في الصباح يأتيه من كان يعينه علي مقابلة ما يحتاج إلي تصحيحه و مقابلته مما صنفه أو استنسخه من كتب الحديث و غيرها. و كان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه، أو قضي حاجته باستعجال، لئلا يزاحم وروده إشغاله العلمية و مقابلته.

أما في الأيام الأخيرة، و حينما كان مشغولا بتكميل (المستدرك) فقد قاطع الناس علي الإطلاق، حتي انه لو سئل عن شرح حديث، أو ذكر خبر، أو تفصيل قضية، أو تاريخ شي ء، أو حال راو، أو غير ذلك من مسائل الفقه و الأصول، لم يجب بالتفصيل بل يذكر للسائل مواضع الجواب و مصادره فيما إذا كان في الخارج، و أما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من أحد الكتب و يعطيه للسائل ليتأمله، كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة الشغل الأهم من القراءة و الكتابة».

و قد شهد بمكانة المستدرك و أهميته فحول العلماء، و أقطاب الفقهاء، و كبار المحققين، و أعاظم المجتهدين في عصره، كالشيخ الأعظم الميرزا محمّد تقي الشيرازي (ت/ 1338 ه).

و شيخ الشريعة الأصفهاني (ت/ 1339 ه).

و الشيخ المحقق محمّد كاظم الخراساني (ت/ 1329 ه)- صاحب الكفاية- الذي نقل عنه أنه كان يقول: ان الحجة للمجتهد في عصرنا هذا لا تتم قبل الرجوع إلي المستدرك.

و هذه شهادة تكشف عن أهمية المستدرك في نظر الفقهاء، و تجعله كتابا متحدا مع الوسائل في أهدافه و غاياته، أو كما يقول النوري- قدس سره-: صار الوسائل و مستدركة كتابين كأنهما نجمان مقترنان يهتدي بهما علي مرور الدهور و الأزمان، أو بحران ملتقيان يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان.

ص: 10

خاتمة المستدرك

اشارة

إذا كانت أحاديث المستدرك تعرب عن سعة اطلاع الشيخ النوري- قدس سره- في عالم الرواية، و تكشف عن تتبعه النادر لكل شاردة و واردة من روايات أهل البيت عليهم السلام فإن خاتمة المستدرك هي المرآة العاكسة لنبوغه في علوم الحديث الشريف، و لوحة فنية معبّرة بصدق عن شخصيته العلمية بكل أبعادها.

إذ نجد في فوائد هذه الخاتمة الاثنتي عشرة، تعرضه إلي الكثير من المطالب الرجالية العالية، و المباحث العويصة المرتبطة بعلم الحديث، مع العناية الفائقة في دراسة التوثيقات الرجالية العامة، و اختلاف المشارب و المسارب فيها، و كشف النقاب عن اختلاف المباني العلمية في هذا الاتجاه، و من ثم مناقشتها نقاشا طويلا هادئا متزنا، بيد أنه قد يثور قلمه أحيانا، و يغضب في مناقشة ما يراه تهافتا، و عندها يترك العنان ليراعه ليدبج ملحمة من الأدلة- إن صح التعبير- علي إبطال رأي من الآراء.

لقد ركز المصنف في فوائد هذه الخاتمة علي مناقشة المباني العلمية في التوثيقات الرجالية العامة، خصوصا تلك التي تخالف مبناه، و لا تتفق مع وجهة نظره بوجه من الوجوه.

و لقد كان حريصا علي تتبع الأقوال في كل مسألة يريد بحثها في هذا المضمار، و من ثم استعراض مهارة في الدفاع عن وجهة نظره و إبطال ما خالف مبناه، و بسط ذلك علي وفق منهج ثابت علي الرغم من كثرة الآراء و الأقوال التي حشدها في هذه الخاتمة. كل ذلك بهدف إنشاء هيكل جديد بالمعارف الحديثية.

و بغض النظر عن المباني التي شيدت صروحها في فوائد هذه

ص: 11

الخاتمة، نجد رعيلا من الفقهاء قد وقفوا إزاءها موقف الإعجاب، لما فيها من تحقيق ينم عن قابلية فذة و نادرة، و لهذا لم يكتم بعض الأصوليين إعجابه الشديد بهذه الفوائد، فصرح علي رؤوس الاشهاد بأنهم- في بحوثهم الرجاليّة- كلهم عيال علي النوري، مشيرا بذلك إلي ما في فوائد هذه الخاتمة من إبداع قل نظيره في فوائد كتب الحديث و الرجال عند الشيعة الإمامية.

فالخاتمة إذا معرض فكري حافل بمختلف وجوه الآراء، إلي جنب الكثير من المخالفات و المنافرات في عويصات المسائل الحديثية، و هذا ما أملي علي الشيخ النوري نوعا من الإسهاب في كشف غياهب تلكم المطالب عن موضوع ما رسم لها من فائدة في هذه الخاتمة.

و الحق. أنها روضة رائعة من رياض علم الحديث، فيها من آيات الجمال ما يثير إعجاب الناظر، و من أفانين الورد و أريج الزهر ما ينعش المتنزه، و لكن تلك الروضة الغناء لم تخل من أشواك، و علي الخبير المنقب أن يتحاشاها.

و من آيات حسنها و جمالها انك واجد فيها مجموعة هائلة من رواة الحديث الشريف، مع دراسة تفصيلية لبعض المجهولين منهم، ممن لا دليل- في الظاهر- علي كونه من المعروفين.

و ما ان تحت الخطي مع المصنف في روضته حتي يكشف لك عن أحوالهم بقرائن قد لا تخطر علي بال أهل هذا الفن، و قد يريك أمورا لم ترد في كتاب رجالي قط تشهد علي حسن حالهم فضلا عن وثاقتهم، و ما أكثر ما يوقفك علي أشياء لها دخل كبير في معرفة أحوال الغابرين، و لكن لم يلتفت إليها إلّا القليل من النابغين في هذا الحقل المهم من الدراسة و التحقيق، و عندها ينتزع منك الاعتراف- شئت أم أبيت- بأن في هذه الخاتمة إحياء

ص: 12

لرواة كثيرين لفّهم النسيان بغشائه السميك عبر الأزمان، حتي لم يعد لهم ذلك الدور المهم في نقل الحديث و روايته، و التفاني العظيم من أجل الحفاظ علي رواية حديث أهل البيت عليهم السلام من التلف و الاندثار.

و من مهارته العجيبة أنك تراه يعمد أحيانا إلي الغوص في تفاصيل حياة المهجورين، ثم لا يلبث أن يثبت لك أنهم من العلماء الأجلاء، أما برواية صريحة صحيحة اقتنصها من كتاب بعد موضوعه عن هذا الفن فلم يلتفت إليه أربابه، و إما باعتماده القرائن الكثيرة التي برهن عليها قبل إدخالها ميزان الجرح و التعديل.

انه دفاع عجيب لم يتصد إليه أحد قبله و لا بعده، مع قوة الأسلوب، و روعة البيان حتي يخيل إليك ان التدقيق و التحقيق في علم الرجال ما هو إلّا من السحر الحلال.

و لم يقتصر بدفاعه هذا علي أولئك الرواة، بل اعتني عناية فائقة بكثير من الكتب و الأصول الدراسة، و بيّن أنها كانت في الاعتبار و الاشتهار كالشمس في رائعة النهار، مع البرهان علي انها عند أشهر العلماء المعوّل، إذ لا غناء لهم عنها و لا متحول.

و هذا هو ما نص عليه المصنف- قدس سره- في الفائدة الأوّلي من فوائد هذه الخاتمة.

و لما كان الشيخ النوري لم يترك مقدمة لهذه الخاتمة يبين فيها منهجه، و يكشف من خلالها عما في هذه الفوائد من الخرائد و الفرائد، اكتفاء منه بمقدمة المستدرك، لذا ارتأينا أن نخص كل فائدة من فوائد هذه الخاتمة بشي ء من التعريف بمحتواها العام، مع التركيز علي أهم ما يمكن أن يقال في هذا المقام، ممهدين لذلك بما يوضح للقارئ الكريم جوانب الاتفاق و الافتراق بين فوائد هذه الخاتمة و بين فوائد خاتمة الوسائل، لما في ذلك من

ص: 13

أهمية بالغة في بيان حقيقة الاستدراك علي فوائد خاتمة الوسائل. و من ثم الرجوع إلي ما وعدنا به آنفا، فنقول:

أفردت لكل من خاتمة المستدرك و خاتمة الوسائل اثنتا عشرة فائدة، و قد امتازت فوائد الوسائل- تبعا لمنهج الشيخ الحر في الاختصار و تحاشي ضخامة الكتاب- إلي اختصار شديد بحيث لم تزد بتمامها علي جزء واحد كما في الطبعة الأخيرة من الوسائل، بينما امتازت فوائد المستدرك بسعتها لضخامة المطالب المبحوثة فيها، هذا علي الرغم من وجود التماثل البين بين عناوين فوائد الخاتمتين، و ان افترقت كل منهما بفوائد لم تعنون في الأخري، كما يتضح من الجدول التالي:

اسم الفائدة مختصرا/ ترتيبها في خاتمة المستدرك/ ترتيبها في خاتمة الوسائل 1/ حول الكتب المعتمدة/ الأولي/ الرابعة 2/ صحة الكتب المعتمدة و وثاقة مؤلفيها/ الثانية/ السادسة، و التاسعة 3/ طرق المؤلف إلي مشايخه/ الثالثة/ الخامسة 4/ فيما يتعلق بكتاب الكافي/ الرابعة/ الثالثة 5/ طرق الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه/ الخامسة/ الأولي 6/ طرق الشيخ الطوسي في التهذيب/ السادسة/ الثانية 7/ حول أصحاب الإجماع/ السابعة/ السابعة 8/ أمارة عامة لوثاقة المجاهيل من أصحاب// الإمام الصادق عليه السلام/ الثامنة 9/ في إرجاع الأحاديث الحسنة إلي الصحيحة/ التاسعة/ 10/ الرواة الثقات و الممدوحين/ العاشرة/ الثانية عشرة

ص: 14

11/ موقف الأخباريين من حجية القطع/ الحادية عشرة/ 12/ في شرف علم الحديث الشريف/ الثانية عشرة 13/ القرائن الدالة علي ثبوت الخبر/ الثامنة 14/ في جواب الاعتراضات المحتملة/ العاشرة 15/ حول الأحاديث المضمرة/ الحادية عشرة و من الجدير بالإشارة أن فوائد خاتمة الوسائل (الثامنة، و العاشرة، و الحادية عشرة) قد بحثها صاحب المستدرك ضمنا و في أكثر من فائدة، لا سيما في الفائدتين الرابعة و الخامسة.

و قد وجدنا الشيخ الحر- قدس سره- قد اقتصر في الفائدة الأولي علي ترتيب طرق الصدوق فقط، بينما بحثت هذه الطرق تفصيلا في خاتمة المستدرك في الفائدة الخامسة، مع إعطاء دراسة تامة لكل رجل من رجال هذه الطرق، بل و تعيين من روي عنه من الثقات المشهورين مع تعيين رواياتهم في الكتب الأربعة و غيرها من كتب الحديث عن الشيعة الإمامية، و لم يستثن- من هذه الدراسة- أحد من الرواة إلّا الثقات المشهورين شهرة واسعة جدا مع الإجماع علي وثاقتهم.

و مثل هذا الفارق نجده أيضا فيما تخصص من فوائد الخاتمتين لمشيخة التهذيب و الاستبصار، حيث الاكتفاء بنقلها كما هي من غير ترتيب في خاتمة الوسائل تلافيا للتكرار الذي ينجم من الترتيب، لاعتماد الشيخ الطوسي- قدس سره- علي شطر من طرقه في بيان طرقه الأخري، في حين أضيفت لدراسة هذه الطرق في خاتمة المستدرك جميع طرق الشيخ إلي كتب الشيعة في الفهرست، مع بيان الحكم- بالصحة أو الضعف- علي كل طريق، و لا شك ان هذا الحكم علي كل طريق من طرق الشيخ في

ص: 15

الفهرست بالصحة أو الضعف، هو نتيجة لدراسة رجالية موسعة شملت جميع من ذكر في الفهرست، و لم يشذ عن ذلك إلّا من كان معاصرا للشيخ و له كتاب رواه عنه مباشرة، إذ لا طريق.

إلي غير ذلك من المميزات التي انفردت بها إحداهما عن الأخري، إلّا أن القاسم المشترك بينهما هو الاعتماد علي المباني الاخبارية التي تختلف عن مباني الأصوليين إزاء بعض النتائج المقرّرة في هاتين الخاتمتين، اختلافا يضيق في بعض الأحيان فيعود لفظيا لا تفاوت فيما يرتبه المبنيان عليه من آثار، و لكنه قد يتسع أحيانا اخري اتساعا بحيث لا يمكن الجمع بين آثارهما بحال.

إلّا أن ما نجده في البحوث الرجالية و الدرائية و الكتب المعدة لهذا الغرض- بعد عصر الشيخ النوري- يؤكد علي أن لثمرات «خاتمة المستدرك» أهمية لا يسع أرباب أي مبني- في هذا الحقل- تركها أو الإعراض عنها بحال من الأحوال علي الرغم من اعتماد المباني الخاصة فيها.

و قد اضطرنا هذا الاختلاف المبنوي- أحيانا- إلي الإشارة السريعة إلي أهمه خصوصا فيما يتعلق بالتوثيقات العامة المتركزة في الفوائد:

«الرابعة، و الخامسة، و السادسة» و أعرضنا عن بيان الاختلافات الأخري، التزاما بإظهار نص المؤلف بصورة واضحة خالية من التعقيد و التصحيف و التحريف كما هو منهجنا في التحقيق.

و بهذا المقدار من الحديث عن خاتمة المستدرك قد آن الأوان لأن تحظي فوائده بما وعدنا به من تعريف فنقول:

ص: 16

الفائدة الأولي خصصت هذه الفائدة لبيان مصادر المستدرك،

و هي أقصر فائدة في فوائد هذه الخاتمة، إذ لم يذكر المصنف فيها سوي مقدمة يسيرة تعرب عن جهده في صياغة ما أنشأه من معارف مهمة ذات صلة بالحديث الشريف و من ثم تعداد الكتب التي اعتمدها في تسجيل ما استدركه علي الشيخ الحر من الأحاديث.

و لقد كان الابتداء بها في هذه الخاتمة موفقا من حيث الترتيب الفني لهذه الفوائدة و تسلسلها علي خلاف ما هو عليه في ترتيب فوائد خاتمة الوسائل إذ ابتدأت بنقل مشيخة الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه.

و علي أية حال، فإنّ تنظيم فوائد خاتمة المستدرك ابتداء بمصادره و انتهاء بترجمة مؤلفة قد أضفي علي هذه الخاتمة نوعا من الجمال، لانسجام العرض مع الترتيب.

و لما كان الشيخ الحر العاملي- قدس سره- قد أشار إلي كتب أهملها حين تدوين «الوسائل» لذا قد يكون «المستدرك» موحيا بالاعتماد علي هذه الكتب و نظائرها.

و من هنا يظهر اهتمام المصنف بهذه الفائدة و تقديمها علي ما سواها، لأنها الأساس الذي شيّد عليه صرح المستدرك.

و ما كان الشيخ النوري مغامرا ليختار أرضا رخوة يقيم عليها مثل هذا البناء، لينهار قبل تمامه، كما سنوضحه في هذه السطور، فنقول:

صرح الشيخ الحر العاملي- قدس سره- في الفائدة الرابعة من

ص: 17

خاتمة الوسائل بأسماء الكتب التي نقل منها أحاديث «الوسائل» فكانت علي نحوين و هما:

الأول: كتب نقل منها مباشرة، و هي اثنان و ثمانون كتابا.

الثاني: كتب نقل منها بالواسطة، و هي ستة و تسعون كتابا.

و بهذا يكون مجموع الكتب التي صرح الشيخ الحر باعتمادها في الوسائل- سواء بالواسطة أو غيرها- مائة و ثمانية و سبعين كتابا.

و هذا العدد لا يمثل جميع ما وصل إلي عصر الشيخ الحر من كتب الشيعة قطعا.

و أيضا صرح الشيخ الحر في هامش له علي بداية الفائدة المذكورة (30: 159- 160) بأنه قد ترك النقل من كتب اخري غير معتمدة عنده لسببين و هما:

الأول: عدم العلم بثقة بعض مؤلفي هذه الكتب.

الثاني: ثبوت ضعف بعضهم عنده.

ثم عدد من هذه الكتب ثلاثة عشر كتابا.

و الشيخ النوري- قدس سره- لم يعتمد علي هذه الكتب الثلاثة عشر كلّها، بل ترك سبعة منها لعدم اعتمادها عنده أيضا، و لعل من ألّفها هم «البعض» الذي ثبت ضعفه عند الشيخ الحر- طاب ثراه-.

أما «البعض» الآخر من هذه الكتب التي لم يكن لدي الشيخ الحر علم بثقة مؤلفيها، فلا يبعد ان تكون هي الستة المعتمدة في أحاديث المستدرك، و هي:

1- كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلي الإمام الصادق عليه السلام.

2- كتاب الفقه الرضوي المنسوب إلي الإمام الرضا عليه السلام.

3- كتاب غوالي اللآلئ لابن أبي جمهور الأحسائي.

ص: 18

4- كتاب الشهاب لابن سلامة القضاعي.

5- كتاب جامع الأخبار لمحمّد بن محمّد السبزواري.

6- كتاب الدرر و الغرر للآمدي.

و هذه الكتب الستة لا تمثّل إلّا جزءا يسيرا جدا من أحاديث المستدرك التي اقتنصها المصنف- بعد تصفح طويل في تراث الشيعة- من كتب كثيرة، لم يصرح بها الشيخ الحر لا سلبا و لا إيجابا. و قد ذكر المصنف منها في هذه الفائدة اثنين و سبعين كتابا، كانت سبعة منها هي من مصادر بحار الأنوار، و لو أردنا تصنيف هذه الكتب لوجدناها مشتملة علي بعض الأصول الأربعمائة، و نوادر قدماء الأصحاب، و رسائلهم، و مسائلهم، و صحائفهم، و تفاسيرهم و غيرها مما لم يكن عند الشيخ الحر العاملي وقت تأليف الوسائل.

و من الملفت للنظر هو أن بعض مؤلفي الكتب المذكورة في هذه الفائدة هم من مؤلفي الكتب المعتمدة في الوسائل، كالصدوق الأول علي ابن الحسين بن بابويه القمي (ت/ 329 ه) و الشيخ الصدوق محمّد ابن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت/ 381 ه) و الشيخ المفيد (ت/ 413 ه)، و الطبرسي صاحب مجمع البيان (ت/ 558 ه)، و السيد ابن طاوس (ت/ 664 ه)، و الشهيد الأول (ت/ 786 ه)،- قدس اللّه تعالي أرواحهم-.

و هذا يعني استقصاء المصنف لمؤلفات الأعلام الذين لا شك و لا شبهة في وثاقتهم، و من ثم فرز ما لم يعتمد الحرّ منها في الوسائل، إما لعدم الوقوف عليها، أو لعدم وصول نسخة صحيحة منها إلي الشيخ الحر وقت التأليف.

و مثاله اعتماد الشيخ الحر علي عشرة كتب من كتب السيد ابن طاوس (ت/ 664 ه) إلّا أن الشيخ النوري استدرك عليه ما فاته من أحاديث في

ص: 19

«فلاح السائل» و «سعد السعود» حيث لم ينقل عنهما في الوسائل، و لا يشك أحد بصحة انتساب هذين الكتابين لهذا الفقيه الجليل، و من هنا كانت أهمية هذه الفائدة إذ رسمت صورة واضحة لجهد المصنف في تتبع ما لم يورده الشيخ الحر من مؤلفات أعاظم الشيعة المعلومة النسبة إليهم.

و ممّا يلحظ في هذه الفائدة أنها لم تسجّل جميع مصادر المستدرك، و ما ترك ذكره فيها أكثر مما ذكر، لا عن غفلة من المصنف بل لنكتة مهمة و هي أن ما اعتمده النوري من الكتب و لم يشر إليه في هذه الفائدة إنما هو لاعتماده من قبل الشيخ الحر نفسه، و هذه ميزة مهمة للمستدرك تكشف عن تتبع مصنفه لما في مصادر الوسائل من أحاديث تركها الشيخ الحر، مع أنها تنطوي علي أحكام فقهية بنظر النوري، و مروية بالأسانيد التي احتج بها الشيخ الحر، و هذه الكتب كثيرة نذكر منها:

كتاب المحاسن للبرقي، كامل الزيارات لابن قولويه، رجال الكشي، قرب الاسناد للحميري، تفسير علي بن إبراهيم القمي، تفسير العياشي، الكافي لثقة الإسلام الكليني، و كتاب من لا يحضره الفقيه، و عيون أخبار الرضا عليه السلام، و الخصال، و إكمال الدين، و ثواب الأعمال، و معاني الأخبار للشيخ الصدوق، و أمالي الشيخ المفيد، و الاختصاص له أيضا، و أمالي الطوسي، و كتاب الغيبة، و مصباح المتهجد له أيضا، و نهج البلاغة جمع السيد الشريف الرضي، و كنز الفوائد للكراجكي، و الاحتجاج للطبرسي، و غيرها.

نعم، ذكر النوري في هذه الفائدة أربعة من الكتب المشتركة الاعتماد عليها بينه و بين صاحب الوسائل و هي:

1- صحيفة الإمام الرضا عليه السلام.

2- كتاب علاء بن رزين.

ص: 20

3- تفسير النعماني.

4- كتاب المزار لابن المشهدي.

و لعل السبب في ذلك هو أن الأول منها قد اعتمده الشيخ الحر برواية الشيخ أبي علي الطبرسي، بينما اعتماده في المستدرك برواية غيره، و هي نسخة معتبرة، فيها ما لم يتوفر بنسخة الشيخ الحر.

أمّا الثلاثة الأخري فباعتبار الوقوف المباشر عليها من غير واسطة- دون ما في الوسائل- و لا يخفي ما في هذا الفرق من مبررات الاستدراك.

و خلاصة المقام: أن الفائدة الأولي من فوائد المستدرك جديرة بأن تنال اهتمام الباحثين، و أن تحظي بدراسة مقارنة مع الفائدة الرابعة من فوائد خاتمة الوسائل، لكي تتضح جهود الشيخ النوري في تتبع ما لم يقع في متناول الشيخ الحر من تراث الشيعة، ذلك التراث الذي أوشك أن يضمحل دوره في الفقه الشيعي بعد عصر الوسائل.

ص: 21

الفائدة الثانية دراسة المصادر

بعد ان فرغ المصنف- رحمه اللّه تعالي- من تعداد أسماء الكتب التي اعتمدها في المستدرك في الفائدة الأولي، انتقل إلي هذه الفائدة لدراسة ما ذكره هناك من الكتب دراسة تفصيلية، مع شرح دقيق و مستوعب لمكانة مؤلفيها، و بيان منزلتهم العلمية، و درجة وثاقتهم، و مدي الاعتماد عليهم في عالم الرواية.

و لقد وجدنا المصنف- رحمه اللّه تعالي- في هذه الفائدة حريصا جدا علي إعطاء صورة واضحة لكل كتاب اعتمده و كان محط تأمل البعض من العلماء، إما للشك في صحة نسبته إلي مؤلفه، أو لجهالة حال مصنفه، أو لحكم البعض علي عدم وثاقته، أو لعدم وصول نسخة صحيحة- من هذا الكتاب أو ذاك- إلي المتأخرين مما أدي إلي إهماله، أو لغيره هذا و ذاك من الدواعي الأخري التي حملت الأعلام علي الاعراض عن الكتب المتصفة بهذه الأسباب أو بعضها. كل ذلك فرض علي صاحب المستدرك- قدس سره- أن يدخل في هذا الباب من البحث الذي لم يطرقه أحد غيره، لا قبله- كما صرح به في آخر المطاف- و لا بعده فيما نعلم.

و حيث كانت الإحاطة بما في هذه الفائدة متعذرة عبر هذه السطور، لذا سيكون الحديث عنها مقتصرا علي ما يضمن الوصول إلي تلك الإحاطة الموكول أمرها إلي القارئ الكريم نفسه، فنقول:

يمكن حصر الحديث عما في هذه الفائدة بالمحاور الثلاثة التالية.

المحور الأول: ما يتعلق بالكتب المذكورة في هذه الفائدة.

المحور الثاني: ما يتعلق بمؤلفي هذه الكتب.

ص: 22

المحور الثالث: ما له ارتباط ما بأحد المحورين أو بهما معا.

و سوف نذكر بيانا ملخصا لما جاء في كل محور من هذه المحاور و علي النحو التالي.

المحور الأول: (ما يتعلق بالكتب المذكورة في هذه الفائدة).

لقد اشتمل هذا المحور علي أمرين مهمين في بيان حقيقة الكتب المذكورة في هذه الفائدة و هما:

أحدهما: في وصف هذه الكتب.

و الآخر: في إثبات اعتبارها.

أما الأول: فيتلخص بالنقاط التالية:

1- العناية في تحديد اسم الكتاب- موضع بحث الفائدة- بالضبط، مع عرض سائر الاختلافات في ضبطه إن وجدت لدي العلماء، ثم انتخاب ما يمثل الواقع اعتمادا علي أدلة كثيرة، قد يرتبط بعضها بعصر المؤلف أو تلامذته.

2- التأكيد علي ما في أول الكتاب و آخره من كلام مصنفه، و لا يخفي ما في هذا العمل من أهمية كبيرة بالنسبة إلي الكتاب.

3- الاهتمام الملحوظ في بيان تاريخ تأليف الكتاب المبحوث عنه، و تاريخ الفراغ من تأليفه، و لما كان هذا الأمر غير متيسر بالنسبة إلي كثير من الكتب، صار معوّل الشيخ النوري- قدس سره- علي ما في نسخه منها من حيث بيانه لتاريخ نسخها و وقت الفراغ منه، مع بيان اسم الناسخ، و قد وجدنا بعض نسخه الخطية يرجع تاريخها إلي القرن الرابع الهجري، كما في نسخته من كتاب درست بن منصور و نوادر علي بن أسباط و غيرهما.

4- لغة جميع كتب هذه الفائدة هي اللغة العربية، حيث لم يعتمد فيها إلّا علي النص العربي للحديث الشريف لما في الاعتماد علي النص

ص: 23

المترجم من مضيعة لبلاغة الحديث الشريف و روعة نظمه، و قد نبّه المصنف علي هذا في كتاب روض الجنان لأبي الفتوح الرازي الآتي في هذه الفائدة.

5- الإشارة إلي ما في هذه الكتب من أحاديث الأحكام، فبعضها غزير المادة الفقهية، و بعضها الآخر لا شي ء فيه من ذلك بل موضوعه السنن و الأخلاق و الآداب العامة، و بعضها قد جمع بين الأمرين.

و اما الثاني: فغالبا ما يبتدئ بعرض اختلاف العلماء في الكتاب المبحوث عنه، من حيث طعنهم بالكتاب، أو شكهم بصحة نسبته إلي مؤلفه، مع بيان سائر الوجوه التي اعتمدها من قال بعدم اعتباره، و من ثم الانتقال إلي الدفاع عن هذا الكتاب، و بيان قيمته العلمية، و ذلك بالاعتماد علي كثير من الشواهد و الأدلة، نذكر أبرزها و هي:

1- استقصاء ما كتبه أعلام الشيعة من شروح لهذا الكتاب المطعون فيه، و بيان ما في عملهم هذا من دليل عنايتهم به، و إلّا فأي ثمرة تترتب علي تظافر جهود العلماء في شرحه لو كان الكتاب غير جدير بالاهتمام و الاعتبار؟! كما نلحظه في كتاب الشهاب للقاضي القضاعي محمّد بن سلامة المالكي المصري المتوفي بها ليلة الخميس 16 ذي القعدة/ 454.

2- بيان الطرق الموصلة إلي الكتاب تفصيلا، و قد يتوسع النوري- قدس سره- في كثير من الأحيان في تفصيل هذه الطرق فيذكر العديد منها، لإثبات صحة نسبة الكتاب إلي مصنفه بشكل لا يدع مجالا للشك في صحة هذه النسبة.

3- ذكر أسماء العلماء الذين اعتمدوا الكتاب و صرّحوا باعتباره، و قد يسجل النوري- قدس سره- العشرات من أسماء العلماء القدامي و المعاصرين له في هذا المضمار.

4- تفصيل من روي عن هذا الكتاب من قدامي الأصحاب في كتبهم

ص: 24

الحديثية المعتبرة، كما هو الحال في كتاب عاصم بن حميد المعتمد من قبل المحمدين الثلاثة- رضي اللّه عنهم- في كتبهم الأربعة.

5- الغوص في بحر الإجازات العلمية التي منحها المشايخ العظام إلي فضلاء عصرهم و تلامذتهم، لاستخراج ما فيها من تقريظ و مدح لهذا الكتاب أو ذاك مع الإجازة بروايته، كما ان في تبيين هؤلاء المشايخ لطرقهم إلي هذه الكتب و اتصالها بمؤلفيها ما يؤكد صحة نسبتها إليهم، هذا فضلا عن طرق النوري- قدس سره- إلي هذه المصنفات كما مرّ آنفا.

6- اهتمام الشيخ النوري- قدس سره- بإجراء المقارنة بين محتوي كتبه تلك مع ما في الكتب الأربعة، و غيرها من كتب الشيعة المهمة في مجال التعرف علي أحاديث أهل البيت عليهم السلام لا سيما كتب الشيخ الصدوق و الطوسي و أضرابهما، كل ذلك بهدف التأكيد علي ان الاختلاف بين الاثنين نادر و قليل جدا.

7- اقتناص أدلة الأحكام الفقهية المقررة لدي بعض الفقهاء و المأخوذة من روايات هذه الكتب، أو الموافقة لها من حيث المضمون.

8- إثبات ان بعض الكتب التي تركها صاحب الوسائل- قدس سره- قد اعتمد عليها من حيث لا يعلم، كما هو الحال في كتاب الجعفريات الذي لم يذكره الشيخ الحر- رحمه اللّه- ضمن مصادر الوسائل، إلّا ان خبر الوسائل (10: 32/ 135) قد أخذ من كتاب الإقبال للسيّد ابن طاوس- رضي اللّه عنه- مع أنّ الأخير نقله من كتاب الجعفريات نصا، و هذا تتبع نادر يستحق الثناء. علي أن فيه ما يدل علي اعتماد أكابر الفقهاء العبّاد علي كتاب الجعفريات.

9- الإطالة في الدفاع عن بعض الكتب، مع عرض عشرات الأدلة علي اعتبارها و اعتمادها و شهرتها لدي العلماء، كما هو الحال في كتاب

ص: 25

دعائم الإسلام، و مصباح الشريعة، و كتاب الفقه الرضوي و غيرها.

أما الكتب المعلومة الانتساب إلي أعاظم رجالات الشيعة، فيجدها غير محتاجة إلي الدعم- و هو الصواب- لذا لم يتحدث عنها إلّا قليلا، و ربما ترك الحديث عنها لعدم أهميته قياسا إلي أهمية الحديث عن غيرها من الكتب الأخري، و قد اختص هذا بكتب المشاهير كالشيخ المفيد و شيخ الطائفة- قدس سرهما الشريف- و غيرهما.

إلي غير ذلك من الأمور الأخري المتصلة بهذا المحور و التي لا مجال لإيضاحها في هذه العجالة.

المحور الثاني: ما يتعلق بمؤلفي هذه الكتب.

توسع المصنف في حديثه عن مؤلفي هذه الكتب، و قد أبدي مهارة في إجلالهم، و بيان منزلتهم العلمية، و مكانتهم عند أرباب النظر، مع فضلهم في الحفاظ علي السنة بشقيها- النبوية و الإمامية- و صيانتها من التلف أو الضياع.

هذا و يمكن إجمال ما في هذا المحور بالنقاط التالية:

1- ضبط أسماء المؤلفين كاملة، مع مناقشة جميع الاختلافات الواردة في ذلك.

2- الاعتناء البالغ بالتضعيفات الموجهة إلي أي مؤلف كان من مؤلفي كتب هذه الفائدة. و هذه التضعيفات علي نحوين:

أحدهما: تضعيفات أهل السنة.

و الآخر: تضعيفات علماء الشيعة.

أما الأول: فلا يكلف النوري نفسه- قدس سره- بالردّ عليه، و يهمله تماما، بل و يعد الردّ عليه من تضييع العمر، و قد وجدناه- رحمه اللّه- في غير هذه الفائدة يعد قدح أهل السنة برجال الشيعة و رواتهم من حسن الراوي، و هو

ص: 26

كذلك، إذ يكفي في التضعيف عندهم أن يكون الرجل شيعيا حتي و لو كان من عبّاد هذه الأمة و زهادها!! حتي لكأن اجتماع النقيضين أهون عند متعصبيهم من اجتماع التشيع و الوثاقة في فرد مسلم!!! ناهيك عن كثرة امتداحهم و توثيقاتهم بكتب الرجال لكلاب أهل النار من أحفاد ذي الثدية فيما نصت عليه صحاحهم.

و أمّا الثاني: فهو موضع اهتمام النوري- رحمه اللّه- إذ نراه يستعرض جميع الأقوال المضعفة لأي من أولئك المؤلفين، ثم ينتقل بعد ذلك إلي مناقشة هذه التضعيفات منتهيا إلي الحكم بجلالته و علو قدره و منزلته، و له في إثبات ذلك منها:

أ- النص الصريح- من أحد العلماء المتضلعين في فن الرجال- علي وثاقته.

ب- إيراد الكثير من أسانيد الكتب الأربعة المتصلة بقدامي مؤلفي بعض هذه الكتب خصوصا ما كان داخلا منهم في عداد أصحاب الأصول الأربعمائة المعروفة عند الشيعة، و ذلك للدلالة علي كونه معتمدا في الرواية من قبل رواة الشيعة الأوائل.

ج- رواية أجلاء الشيعة و أصحاب الإجماع: كابن أبي عمير، و صفوان، و البزنطي- الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون إلّا عن ثقة- عن قدامي هؤلاء المؤلفين.

د- بيان موقف العلماء إزاء من ضعّف، و تصريحهم بخلافه.

ه- الإكثار من توظيف استدلالات الفقهاء في مجال الأحكام الفرعية لخدمة التوثيق حين يكون الاستدلال برواية رواها المؤلف أو وقع في إسنادها.

3- إثبات تشيع من يدعي تسننه من أولئك المؤلفين، و له في إثبات

ص: 27

ذلك طرق طريفة، لعل من أهمها كون المدعي تسننه هو «من دعاة الرفض» عند أهل السنة.

4- المسكوت عنهم في كتب الرجال من أولئك المؤلفين قد نالوا حظا وافرا من البحث و التمحيص في هذه الفائدة، كما في شرحه لأصل زيد الزراد. و لقد كان المصنف آية عجيبة في توثيق من لم يذكر منهم في كتب الرجال بمدح أو قدح كأبي محمّد جعفر بن أحمد القمي صاحب كتاب المسلسلات و غيرها من الكتب، إذ أكّد جلالته بمختلف الطرق.

المحور الثالث: ما له ارتباط بموضوع الفائدة.

فرض هذا الباب من البحث علي الشيخ النوري- قدس سره- التطرق إلي الكثير من الأمور الأخري التي لم تذكر في أي من المحورين السابقين و كان لبعضها ارتباط جانبي بأحد المحورين، و لبعضها الآخر صلة وطيدة بموضوع هذه الفائدة.

و فيما يلي أهم تلكم الأمور، التي تكرر ذكر بعضها بين فترة و اخري، مجملة بالنقاط التالية:

1- تنبيه المصنف- قدس سره- علي طريقة حصوله علي بعض مصادر المستدرك الفريدة، و قد يجزم أحيانا بافتقار مكتبات الشيعة في العراق إليها، لحصوله عليها من بلاد الهند، أو إيران أو غيرهما من البلدان النائية عن مكان تأليف خاتمة المستدرك، مما يكشف هذا عن اتصاله الوثيق برجال الفكر و عشاق التراث الشيعي و مكتبات الشيعة في مختلف بقاع العالم الإسلامي.

2- إشارة المصنف إلي أخطائه- رحمه اللّه- إزاء ما ذكره عن بعض هذه الكتب أو بعض المؤلفين في مؤلفاته السابقة كدار السلام، و النجم الثاقب و غيرهما. كما هو الحال في كتاب الدعوات للقطب الراوندي الآتي

ص: 28

في هذه الفائدة برقم/ 34، حيث سبق و ان نسبه إلي غير مؤلفه في كتبه السابقة.

3- التصريح باعتماده علي مؤلفاته السابقة في شرح حال بعض الكتب المذكورة في هذه الفائدة كما يظهر ذلك من كتاب جامع الأخبار الآتي برقم/ 51 و الذي لم يقطع المصنف بنسبته إلي شخص معين، بل جعله مرددا بين اثنين، و الصحيح انه لمحمّد بن محمّد السبزواري كما أثبته المحقق الأستاذ علاء آل جعفر في مقدمة تحقيقه للكتاب المذكور.

4- الإحالة إلي الفوائد الأخري في هذه الخاتمة لا سيما الفائدة الثالثة فيما له علاقة بمؤلفي هذه الكتب في الفائدتين.

5- تعرضه إلي بيان بعض الطرق إلي الكتب التي اعتمدها الشيخ الحر العاملي و لم يعتمدها هو في المستدرك من هذه الطرق بل من طرق اخري، لاختلاف النسخ تبعا لاختلاف طرقها، كما نجده في نسختيهما من صحيفة الامام الرضا عليه السلام.

6- تعرضه إلي بيان التصحيفات الحاصلة في أسماء الرواة الذين وقعوا في الأسانيد التي استفاد منها النوري في مجال التوثيقات العامة أو لأغراض أخري في هذه الفائدة.

7- تناوله لبعض الأمور المهمة المرتبطة بعلم الحديث الشريف، كبحثه عن الصحابة و حجية الحديث المرسل و غير ذلك من الأمور الأخري ذات الصلة بدراية الحديث و روايته.

هذا و قد تسجل بعض المؤاخذات علي المصنف- رحمه اللّه- لعل أهمها ما يأتي:

1- اعتماده علي كتاب واحد مجهول المؤلف و إن اعتذر عن الاستدراك به علي الشيخ الحر باعتبار ان ما سجله منه ليس محتجا به و إنما

ص: 29

هو كشاهد و مؤيد.

2- تصريحه باعتماده علي بعض الكتب التي افتقرت إلي المادة الفقهية تماما معللا ذلك بالحرص علي حفظ مآثر الشيعة الإمامية من الضياع كما في كتاب مصباح الشريعة مما يجب- لو صح الاستدراك بهذا- ان تطرد العلة لتشمل سائر كتب الشيعة الأخري التي هي من قبيل مصباح الشريعة.

3- اعتماده- كما صرح هو- قدس سره- علي كتاب واحد غير شيعي مع ان الاستدراك هو علي «تفصيل وسائل الشيعة»! 4- لم يعر الاهتمام بالدفاع عن التوثيقات الرجالية العامة التي اعتمدها في مجال التوثيق في هذه الفائدة، بل و لم يشر إلي مواضع دفاعه عنها في الفوائد الأخري من هذه الخاتمة كالرابعة و الخامسة و السابعة و غيرها، حتي لكأنها مسلمة عند الجميع و ليس الأمر كذلك.

ص: 30

الفائدة الثالثة في ذكر المشايخ العظام

خصصت هذه الفائدة- التي هي أكبر الفوائد بعد الخامسة- لبيان طريق المصنف إلي أصحاب الكتب التي تقدمت الإشارة إليها في الفائدتين الأولي و الثانية، منضمة إليها مئات الطرق الأخري إلي من ألّف و صنف- من السلف الصالح- في علوم الشريعة الغراء من فقه و حديث و تفسير و أصول و نحو ذلك، ابتداء من عصر المصنف المتوفي سنة- 1320 ه) قدس سره-، و انتهاء بأصحاب الكتب الأربعة المشهورة، و ما تلاها في الاعتبار.

و قد استهلّ هذه الفائدة ببحث ممتاز عن الإجازات العلمية و دورها المهم في رواية الحديث باعتبارها من أهم طرق تحمّل الحديث و آداب نقله، مستعرضا لكثير من الإجازات التي استجازها المشايخ العظام، أو منحوها لمن استجازهم، ذاكرا نتفا من استجازة علماء الشيعة و فقهائهم عن فقهاء أهل السنة و محدثيهم و أرباب العلوم الأدبية، لرواية جميع مؤلفاتهم و مصنفاتهم التي يحتاجون إلي النقل منها، كما حدث ذلك لهم بالشام و مصر و مكة و فلسطين. كما بين في هذا البحث الكيفية التي تتم بها معرفة مشايخ الإجازات بعيدا عن كتب الرجال و نصوصهم- كما بحث أيضا عن أصناف التحمل الأخري-، إلّا انه لم يولها ما أولي الإجازة من اهتمام.

و من مظاهر اعتداده الفائق بالإجازة انه خصص مساحة واسعة في هذا البحث للرّد علي دعوي انحصار الإجازة في التيمن إلّا أن يكون متعلقها كتابا خاصا فتفيد الضمان و تعهد صحته و حفظه من الغلط و التصحيف، حيث أثبت حاجة الفقهاء الأوائل إليها مطلقا حتي في الكتب المتواترة عن

ص: 31

أصحابها، ثم ساق كثيرا من الأدلة التي تضاد هذه الدعوي، مشيرا إلي احتياط بعضهم في إتيان أمور بلا دليل و إنما لمواظبة بعض من سبق من الفقهاء عليها، متسائلا كيف لا تكون الإجازة كذلك بعد أن دأب عليها جميع الفقهاء؟

و لهذا نجده لا يري حجية فتوي الفقيه الذي لم يستجز أحدا في الرواية، لأن الإجازة في نظره هي طريق الاحتياط الوحيد الذي لا ينبغي للفقيه مجانبته.

و بعد أن فرغ المصنف- قدس سره- من بحث الإجازات العلمية في عالم الرواية و التحديث، انتقل إلي موضوع هذه الفائدة، ألا و هو بيان طرقه مفصّلة إلي المشايخ العظام.

ابتدأ المصنف بمشايخه الخمسة، و هم:

الأول: الشيخ مرتضي الأنصاري.

الثاني: الشيخ عبد الحسين الطهراني.

الثالث: السيد مهدي القزويني.

الرابع: المولي علي بن ميرزا خليل الطهراني.

الخامس: الميرزا محمد هاشم الخوانساري.

و هؤلاء الخمسة- قدس سرهم- قد أجازوا المصنف برواية جميع مصنفاتهم و مؤلفاتهم و ما سمعوه أو قرأوه علي مشايخهم، و هم بدورهم استجازوا مشايخهم الذين هم استجازوا أيضا ممن تقدم علي طبقتهم، و هكذا الحال بالنسبة إلي الطبقات الأخري الممتدة علي ما يقرب من ألف عام.

إن القارئ الكريم ليجد في هذه الفائدة جهدا فريدا في تفصيل مشايخ هذه الطبقات التي تزداد تعقيدا كلما ابتعد عن عصر المصنف لكون كل

ص: 32

مجيز منهم- مع كثرتهم- مستجيزا من غيره.

فالشيخ الأنصاري- مثلا- الذي ابتدأ به المصنف، له طريقان إلي المشايخ العظام.

أحدهما: عن الشيخ النراقي.

و الآخر: عن السيد صدر الدين محمّد بن صالح الموسوي.

و لكل من هذين الطريقين طرق اخري، تتفرع منها طرق كثيرة، و تتشعب من فروعها طرق أكثر.

فالشيخ النراقي مثلا يروي عن المشايخ العظام- بالإجازة- من أربعة طرق.

الأول: من طريق السيّد بحر العلوم.

الثاني: من طريق والده الشيخ مهدي النراقي.

الثالث: من طريق السيّد محمد مهدي الشهرستاني.

الرابع: من طريق الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

و السيد بحر العلوم يروي- بالإجازة أيضا- عن المشايخ العظام من ثمانية طرق، و الأول من هذه الثمانية له طريق، و الثاني طريقان، و الثالث طريق، و الرابع طريق، و الخامس طريقان، و السادس طريق، و السابع ثلاثة طرق، و الثامن أربعة طرق. و هكذا الحال فيما يتفرع و يتشعب من طرق جديدة اخري. هذا كله في الطريق الأول للشيخ الأنصاري- قدس سره- و قس عليه طريقه الثاني بل و طرق مشايخ النوري الأربعة- رحمهم اللّه تعالي-.

و الشيخ النوري- قدس سره- لم يكن بعمله هذا مجدولا لسلسلة الإجازات بهذا النمط، و لا رابطا لحلقاتها بعضها ببعض ابتداء من نفسه الشريفة و انتهاء بأصحاب الكتب الأربعة الذين انتهت إليهم إجازات

ص: 33

المشايخ كالكليني و الصدوق و الطوسي و أضرابهم ممن اتصلوا بأهل البيت عليهم السلام عبر سلسلة من الرواة فحسب، بل تجاوز هذا النمط من الترتيب، و لو لم يكن عمله في هذه الفائدة إلّا هو لكان جديرا بأن يحظي باهتمام العلماء الأعلام خصوصا المشتغلين منهم بفن الحديث الشريف رواية و دراية، لما فيه من فوائد و عوائد تكشف للعيان مبلغ اهتمام الشيعة البالغ في الحفاظ علي طريقة التحديث المثلي في سائر العصور.

نعم لم يكتف المصنف- قدس سره- بذلك، حيث أطال الوقوف علي عدد غفير من المشايخ العظام، مبينا منزلتهم العلمية، و ما أحاطت بحياتهم من حوادث و قصص طريفة لم يلتفت إليها العلماء، و لم تعتن بها كتب الرجال.

فهو يذكر أسمائهم، و كناهم، و أنسابهم، و أحسابهم، و ألقابهم، و مناطق سكناهم، و رحلاتهم، و أسفارهم، و إجازاتهم، و علاقات بعضهم ببعض، و درجة القربي فيما بينهم سببا أو نسبا، مع شي ء من أقوالهم، و أشعارهم، و مناظراتهم، و نوادرهم، و تهانيهم بأفراحهم، و تعازيهم بأحزانهم، و تراحمهم، و توادهم، و تعاطفهم، مع تفصيل مصنفاتهم و مؤلفاتهم، و بيان تقواهم و تمسكهم بحبل الولاء و عري الايمان، و ما قيل بشأنهم، بل لم ينس حتي منامات بعضهم في حق بعض، و من ضاعت منه كتبه، أو تلفت، أو سرقت، أو ظهرت بعد وفاته و نسبت لغيره اشتباها، و كثير ما يؤكد علي تاريخ ولاداتهم، و وفياتهم، و من صلّي علي جنائزهم، و مكان قبورهم، بما يعد تاريخا عظيما و سجلا حافلا لكل ما اتصل بمشايخ الإجازات- تغمدهم اللّه تعالي برحمته الواسعة و أجزل الثواب لهم- و علي امتداد عشرة قرون تقريبا.

و قد انتهي به المطاف- علي هذا النهج- إلي الشيخ أبي علي الحسن ابن شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي- أعلي اللّه تعالي

ص: 34

مقامه- لانتهاء أكثر إجازات مشايخ الشيعة إليه، و به تمم المصنف- رحمه اللّه تعالي- الطرق إلي أرباب المؤلفين و المشايخ من الخلف و السلف الصالحين، و اتصال السند إلي أصحاب المجاميع التي تدور عليها رحي مذهب الشيعة كالكتب الأربعة و ما يتلوها في الاعتبار.

و أما عن شرح طرق هؤلاء الأصحاب- قدس سرهم- إلي مصنفات الرواة من الكتب و الأصول المعروفة فلم يبحثها في هذه الفائدة، و اكتفي بالإحالة إلي فهارسهم و كتبهم المسندة التي ضمت مشيختهم تفصيلا.

ثم عرّج بعد هذا علي بيان نبذة من أحوال جملة من هؤلاء المشايخ الذين انتهت إليهم سلسلة الإجازات، و قد خص بالذكر منهم اثني عشر شيخا و هم:

الشيخ الكراجكي، الشيخ النجاشي، شيخ الطائفة الطوسي، الشريف الرضي، السيد المرتضي علم الهدي، الشيخ المفيد، الشيخ ابن قولويه، الشيخ الصدوق، الشيخ النعماني، ثقة الإسلام الكليني، الشيخ علي بن بابويه، الشيخ الكشي.

و قد تحدث عن كل واحد منهم- قدس سرهم- بما لا مزيد عليه إذ ذكر أنسابهم، و أحسابهم، و فضائلهم، و مآثرهم، مع شي ء من قصصهم، و أخبارهم، و ما يتصل بهم، مؤكدا علي اعتراف أهل السنة بفضلهم و تعظيمهم و تبجيلهم.

أما عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني- طاب ثراه- فقد أحال المصنف إلي ما كتبه عنه و عن كتابه الكافي في الفائدة الرابعة.

و قبل أن نعرّف القارئ الكريم بما في الفائدة الرابعة من فوائد هذه الخاتمة، نود أن نبين له بأن الشيخ النوري- قدس سره- قد رسم لسلسلة الإجازات بسائر الطبقات ابتداء من نفسه، و انتهاء بالسفير الرابع لمولانا

ص: 35

و مقتدانا الإمام الحجة أرواحنا فداه، مشجرة رائعة مفصلة تضمنت أسماء المشايخ العظام، و قد كان المصنف حريصا جدا علي كل ما رسمه فيها من حيث سعة الدوائر فيها و ضيقها مع تلوينها، زيادة علي ما رسمه من خطوط لها دلالتها في اتصال المشايخ بعضهم ببعض، و قد وجدنا في مشجرته اختلافا يسيرا مع ما أثبته في هذه الفائدة، أشرنا إلي محله في هامش المتن.

و قد ارتأت مؤسستنا إعادة ترتيب هذه المشجرة بشكل واضح ينسجم مع سهولة تتبع القارئ لسلسلة المشايخ عبر طبقاتهم أجمع، لما في مشجرة المصنف من صعوبة بالغة حيث أودع فيها- و بمساحة ضيقة- من الدوائر الصغيرة و الكبيرة و المتوسطة ما يقرب من عدد المشايخ المذكورين في متن هذه الفائدة، كل هذا مع تشابك خطوطها طولا و عرضا، مما يصعب معه تتبع أسماء مشايخ الإجازات عبر طبقاتهم.

و سوف يكون لنا حديث آخر عن هذه المشجرة في محله من هذا الكتاب لغرض التعريف بها و إزالة ما يكتنفها من غموض نسبي إن شاء اللّه تعالي.

ص: 36

الفائدة الرابعة في شرح حال كتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني

افتتح المصنف- قدس سره- هذه الفائدة بنبذة من أقوال علماء الإمامية في مدح كتاب الكافي، كالشيخ المفيد، و المحقق الكركي، و الشهيد الثاني و أضرابهم.

ثم تعرض بعد ذلك إلي بيان معني الحديث الصحيح عند القدماء، مؤكدا ان اتصاف الحديث عندهم بالصحة هو أعم منه عند المتأخرين الذين اصطلحوا عليه بما لم يكن معروفا لدي القدماء الذين اكتفوا بإطلاقه علي ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به و الركون إليه.

كوجوده في أكثر الأصول الأربعمائة.

أو تكرره في أصل أو أصلين.

أو كثرة طرقه.

أو لوجوده في أصل معروف الانتساب إلي من أجمعت الشيعة علي تصديقه.

أو لأخذه من الكتب التي شاع بين القدماء الوثوق بها و الاعتماد عليها.

أو لاندراجه في أحد الكتب التي عرضت علي أحد الأئمّة عليهم السلام.

أو لاشتهاره و مطابقته لدليل قطعي.

أو لغير هذا و ذاك من الأمور الخارجية الأخري.

ص: 37

ثم بين المصنف أن هذه القرائن لم تراع في اصطلاح المتأخرين للحديث الصحيح لفقدانها كلا أو جلا، و انما كانت عنايتهم بالأمور الداخلية للخبر، و الحالات النفسية للراوي كالوثاقة و التثبت و الضبط.

و من هنا يري المصنّف ان الحكم بصحة حديث أحد من قدماء الأصحاب، من دون الإضافة إلي كتابه- كأن يقال عنه في كتب الرجال:

صحيح الحديث- لا يصح أن يكون ذلك الحكم لأجل الأمور الخارجية المتوقفة علي كل ما رواه و دونه و عرضه عليها فحسب، بل لا بدّ و أن يكون ناظرا لما علم من حال ذلك الشخص، و ما عرف من سيرته و طريقته من الوثاقة و التثبت و الضبط، و البناء علي نقل الصحيح من هذه الجهة.

و عليه فقول النجاشي- مثلا- في حق ثقة الإسلام الكليني: «كان أوثق الناس في الحديث و أثبتهم» رجال النجاشي (ص 377 رقم 1026) يثبت هذا المعني، و يبعد من احتمال تلقي الكليني عن الضعيف و المجهول، لأنه ينافي كونه: أوثق الناس. و أثبتهم.

و قد تنبه المصنف إلي ما قد يرد عليه من نفي الملازمة بين قول النجاشي، و رواية ثقة الإسلام عن ضعيف أو مجهول عند من يقول باجتهاد الكليني في تقييم رواة الكافي، لا سيما و ان النجاشي نفسه قد ضعف رجالا وقعوا في أسانيد الكافي، و حكم بجهالة بعضهم، و رمي آخرين بالغلو بل و وضع الحديث أيضا، مما يدل علي ان اجتهاد ثقة الإسلام إزاء بعض الرواة لم يكن مسلّما عند الجميع! لذا بين المصنف ما قاله العلماء قبله بشأن اختلاف القدماء مع المتأخرين في معني الحديث الصحيح، حيث كان الأوائل ينظرون إلي الحديث من زاوية القرائن المتقدمة و باعتبار ما وثقوا بكونه صادرا عن المعصوم عليه السلام فهو أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من

ص: 38

الثقات أو أمارات أخر، و لهذا صرّح بعض المتأخرين بأن بين صحيحهم و صحيح القدماء: العموم المطلق.

و بناء عليه فان حكم الكليني بصحة حديث لا يستلزم صحته باصطلاح المتأخرين، لاحتمال كون منشأ الحكم غير وثاقة الراوي.

هذا بناء علي اختلاف صحيح القدماء عن صحيح المتأخرين عند بعض العلماء، لكن المصنف يري ان شهادة الكليني بصحة اخبار الكافي تفيد الوثوق برواتها، لأنها بحكم توثيق الجميع بالمعني الأعم.

ثم تعرض بعد ذلك لنقد الخبر الذي شاع مؤخرا بشأن الكافي، من أنه عرض علي الإمام الحجة عليه السلام و انه قال عنه: «ان هذا كاف لشيعتنا» فبين انه لا أصل له و لا أثر في مؤلفات أصحابنا، و لم تأت به رواية قط لا صحيحة و لا ضعيفة، بل صرّح المحدث الأسترآبادي- و هو شيخ الأخباريين في عصره- بأنه لا أصل له و لا حقيقة، مع ان الأسترآبادي- رحمه اللّه تعالي- رام أن يجعل تمام أحاديث الكافي قطعية الصدور لما عنده من القرائن التي لا تنهض بذلك كما صرح به المصنف.

الا ان المصنف- قدس سره- و ان نفي صحة هذا الخبر الا انه احتمل وقوع ما يصحح معناه، و هو عرض كتاب الكافي علي أحد نواب الإمام عليه السلام حيث استبعد أن يكون هذا الكتاب في طول مدة تأليفه البالغة عشرين عاما لم يعرض علي أحد الوكلاء- رضي اللّه تعالي عنهم- و لم يطلبه أحد منهم مع اهتمامهم البالغ بمصنفات ذلك العصر و تأكدهم من سلامة رواياتها و مطابقتها مع الواقع! لقد بيّن المصنف وجوها عديدة في تقريب هذا الاحتمال، و الحق انها كلها حدسية استحسانية لا تفيد القطع، و إلّا لشاع ذلك و اشتهر. أما عن الوثوق المترتب علي الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم السلام راضين

ص: 39

بفعل الكليني- قدس سره- و مجوزين للعمل بأخبار كتابه، فهو ليس بحجة عند من يري ان طريق الوثوق الوحيد- كما هو عليه أكثر علماء الشيعة من المحققين و الأصوليين- هو ما اكتشف من القرائن الرجالية المعوّل عليها في تقييم كل خبر من أخبار الكافي.

ثم ناقش المصنف ما أثير من لدن البعض حول حجية أخبار الكافي، و لعل أهم ما في هذه الفائدة هو هذا لما فيه من ثمرة الوقوف علي آراء العلماء الآخرين بشأن الكافي و ان لم يستقصها المصنف بل اقتصر علي قدر ضئيل منها.

و يمكن تحديد مناقشة المصنف بالجوانب التالية:

1- الرد علي من ناقش في حكم القدماء بصحة أخبارهم.

2- مناقشة من ذهب إلي عدم شهادة الكليني علي صحة أخبار الكافي، و قد نقل في مقام الردّ مقاطع من خطبة كتاب الكافي للتدليل علي صحة ما اختاره من حصول هذه الشهادة.

3- ناقش من تمسك بعدم حجية أخبار الكافي بتضعيف القدماء كالشيخ المفيد- قدس سره- و غيره لبعض هذه الأخبار، و حملها علي وجود المعارض لتلك الأخبار مع كونه أقوي منها.

4- ناقش التصنيف الجديد للحديث الذي ظهر علي يد ابن إدريس و العلّامة الحليين- قدس سرهما-.

5- ردّ تصنيف أحاديث الكافي وفق المصطلح الجديد.

6- وجّه رواية الكليني عن غير الأئمة عليهم السلام مع التصريح في خطبة الكافي بما يشبه التقييد برواية الآثار الصحيحة الواردة عن الصادقين عليهما السلام.

7- ناقش شبهة صاحب رياض العلماء في فصل الروضة عن الكافي و ان

ص: 40

أخباره كلها مروية عن الإمام بلا واسطة، و انه لا تقية في أخباره، و لم يطل الكلام حول هذه الشبهة لعدم وجود ما يدل عليها، و عدم وجود الموافق لصاحبها أصلا، مع قيام الأدلة القطعية علي خلافها.

8- أكد في مناقشاته بعدم تصريح الأخباريين- حتي من قال منهم بقطعية أخبار الكافي- بأن ما رواه ثقة الإسلام صحيح بالمصطلح الجديد، أي: لا قائل منهم بأن رجال أسانيد الكافي كلهم من عدول الإمامية و في جميع الطبقات.

و انه لم يدع أحد منهم ان ما في الكافي مقدم علي ما يوجد في غيره في جميع الحالات حتي عند التعارض، بل قد يقدم عليه غيره، إذا اشتمل علي مزايا توجب تقديمه.

9- العدّة المجهولة في الكافي، لم يعتن بشأنها كثيرا، مع ان بعضهم قد ردّها مطلقا، لأنه- قدس سره- يري رجال هذه العدد- المعلومة و المجهولة- من مشايخ الإجازة، و قد كان رأيه في الفائدة الثالثة في مشايخ الإجازات بأنهم فوق مستوي التوثيق.

و أخيرا لا بدّ من الإشارة السريعة إلي ما حققه المصنف- رحمه اللّه- في هذه الفائدة بشأن عدّة الكافي التي يروي ثقة الإسلام بتوسطها عن سهل ابن زياد، و هل ان محمّد بن الحسن المذكور فيها هو الصفار الثقة الجليل كما صرح به جميع من سبق المصنف؟ أو هو شخص آخر.

لقد نفي النوري- قدس سره- أن يكون المراد هو الصفار و ذلك لوجوه سبعة، قد لا يخلو بعضها من مناقشة، إلّا ان الوجه الرابع منها هو من أقوي الوجوه السبعة علي الإطلاق.

علي ان المصنف لم يكتف بهذا، بل ناقش الآراء التي شخّصت الصفار في رجال هذه العدّة.

ص: 41

الفائدة الخامسة في شرح مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه و هي أكبر الفوائد حجما، إطلاقا

في هذه الفائدة دراسة رجالية قيّمة لحشد هائل من رواة الشيعة الإمامية من حملة حديث العترة عليهم السلام. إذ يجد القارئ الكريم فيها جهدا رجاليا رائعا، و عبقرية فذة في تحقيق الأخبار الرجالية المتعارضة، حيث أزاح مؤلفها النوري- قدس سره- الستار عن رجال كثيرين لفّهم الزمان بغشاء النسيان، و أودعهم تأمل البعض في وثاقتهم في زاوية الإهمال، حيث أسفر بحثه عن جلالتهم و تبديد الشك و الريب عنهم.

أنها فائدة كاسمها و لكن ليس ككل الفوائد، إذ اشتملت علي موارد للظماء و مناهل عذبة ارتوي من فيضها قلم كل من تأخر عنه من أساطين الفن أجمع، لما فيها من تراجم لإعلام مشيخة الفقيه و رواته بما ليس له نظير في كتاب رجالي قط.

ابتدأ المصنف في هذه الفائدة بنقل ما قيل عن مكانة الشيخ الصدوق و أهمية كتابه- من لا يحضره الفقيه- و ما امتاز به هذا الكتاب عن غيره بمميزات أهلته لأن يحتل موقعا متقدما بين الكتب الموثوق بها جدا عند الشيعة الإمامية.

ثم بين بعد ذلك مسلك الشيخ الصدوق- رضي اللّه تعالي عنه- في هذا الكتاب و منهجه في الأسانيد، الذي اختلف عن منهج ثقة الإسلام الكليني- رحمه اللّه تعالي-.

حيث كان الكليني يذكر تمام سلسلة السند في كل حديث يرويه في

ص: 42

جميع أبواب و كتب الكافي- أصولا، و فروعا، و روضة- بينما سلك الصدوق طريقة أخري، و هي اختصار الأسانيد فيما يرويه من الأحاديث و ذلك بحذف أوائل السند و الرواية مباشرة عن المعصوم عليه السلام بواسطة من رواه عنه من أصحابه، و هكذا سار في أغلب أحاديث الفقه، ثم وضح طريقه إلي من روي عنه من أصحاب الأئمة عليهم السلام في آخر الكتاب، و ذلك بتفصيل طرقه إليهم عبر مشايخه، و هو ما يعرف: بمشيخة الفقيه- التي خصصت لها هذه الفائدة- و هذه المشيخة هي المرجع في اتصال أسانيد الكتاب.

ثم بين المصنف اهتمام العلماء بهذه المشيخة، و شرحهم لها، و عدّد جملة من تلك الشروح، منبها إلي ما سيذكره في هذه الفائدة من تنبيهات هامة، مصرحا بأنها بمثابة الشرح و الإيضاح لما ذكره الشيخ الحر العاملي- قدس سره- في الفائدة الأولي من فوائد خاتمة وسائل الشيعة، و لهذا نري المصنف قد اعتمد ترتيب خاتمة الوسائل في ذكر طرق الصدوق- رضي اللّه تعالي عنه- فابتدأها- كما ابتدأ الشيخ الحر فائدته الأولي- بطريق الصدوق إلي أبان بن تغلب، و منتهيا بما كان من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفية، فكان عدد الطرق ثلاثمائة و خمسة و ثمانين طريقا، تشعبت منها و تفرعت طرق كثيرة جدا، و اشتملت هذه الطرق- بشعبها و فروعها- علي الجم الغفير من رواة الشيعة. و ربما لا نجد طريقا واحدا من بين هذه الطرق إلّا و قد ضمّ من رجالات الشيعة من كان قطبا للرواية و محورا لرواية الحديث الشريف في ذلك العصر البهي المستضي ء بنور أهل البيت عليهم السلام.

فلا بدع إذا في أن نجد المصنف قد شغف بأولئك العظام حبا بعد أن تأكد من نزاهتهم و سلامتهم من كل شين، و بعد أن برهن علي صدقهم و دلّ علي وثاقتهم، و عرف ولاءهم لأئمتهم عليهم السلام و وفاءهم لهم، و النصح

ص: 43

لأمة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، و وقف علي ورعهم و تقواهم عن كثب، حيث استفرغ الجهد في البحث عنهم بشكل منقطع النظير.

علي أنّ هذا الكلام لا يعني أنّ رجال مشيخة الفقيه كلهم بهذه المثابة، و هذا لا شك فيه أصلا عند أحد من علماء الشيعة من الأصوليين و الأخباريين جميعا، إذ وجد في طرق الصدوق بعض الرواة الضعفاء أو المجاهيل الذين لم تذكرهم كتب الرجال.

و من هنا يأتي دور المصنف- قدس سره- في بيان ما يراه من أحوال هؤلاء بدراسة تفصيلية يكشف من خلالها إمكانية الاعتماد علي روايتهم و قبولها.

كأن يكون أحدهم من مشايخ الإجازة، و قد فصّل المصنف القول في مشايخ الإجازة و علو مقامهم بحيث يراهم في غني عن التوثيق لأنّهم فوق مستوي التوثيق.

أو لرواية الأجلّة المعروفين بصدقهم و وثاقتهم عنهم.

و من أمارات التوثيق بالمعني العام المعتمدة في هذا الحقل، أن يكون المضعّف هو ممن ذكره الشيخ الطوسي- قدس سره الشريف- في أصحاب الصادق عليه السلام لتصريح العلماء بما قام به ابن عقدة من تأليف كتاب في الرجال جمع فيه أربعة آلاف رجل كلهم من الثقات من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، و من البداهة أنّ كتب الرجال الشيعية- بما فيها رجال الشيخ- لم يبلغ أصحاب الإمام الصادق عليه السلام فيها هذا العدد، فيكون ذلك قرينة علي التوثيق فيما يراه المصنف.

و منها: تصحيح العلماء القدامي و المتأخرين- لا سيما العلّامة الحلي- قدس سره الشريف- لطرق وقع فيها أمثال هؤلاء الذين ضعّفوا أو حكي تضعيفهم في كتب الرجال.

ص: 44

و منها: اعتماد المصنف علي تصريح علماء الشيعة الأوائل بالأخذ بمرويات بعضهم، لا سيما الشيخ المفيد، و الطوسي و أضرابهما.

و منها: ترجيح الأخبار الرجالية التي تفيد التوثيق علي غيرها لمسوغات كثيرة و أسباب علمية بسّط الكلام عنها في محله.

و منها أيضا: رواية أصحاب الإجماع عن شخص تعدّ من أمارات الوثاقة له بالمعني العام.

أو رواية من صرحت كتب الرجال بأنّه لا يروي إلّا عن ثقة، عنه.

و قد يجد المصنف- أحيانا- في تضعيفات بعض من عرف بالتعصب من أهل السنة لرجال الشيعة قرينة علي التوثيق لا سيما و أنّ المعروف عن بعضهم تضعيف من اشتهر بولاية و انقطاعه لأئمة أهل البيت عليهم السلام، و عدّه من الضعفاء لا لشي ء البتة و إنّما لكونه داعية إلي الحق الذي يسمونه (الرفض) كما هو الحال في علم الشيعة جابر الجعفي- رضوان اللّه تعالي عليه- و مؤمن الطاق الذي أطلق عليه رجالهم: شيطان الطاق!!.

و لهذا يعدّ المصنف مدحهم- النادر- لرجال الشيعة كقدحهم لا نفع فيه و لا ضرر كما في شرحه للطريق رقم [97].

إلي غير ذلك من الأمور الأخري الكثيرة التي اعتمدها النوري- قدس سره- في مقام التوثيق و التي يطول المقام هنا بايضاحها و التعريف بها، لذا نتركها روما للاختصار.

و قد يضطر المصنف إلي الإطالة في بيان وثاقة بعض هؤلاء الرواة، لا سيما من حفلت ترجمته بكثرة الأقوال في كتب الرجال مع الاختلاف الحاصل بينهم في توثيقه و اعتبار ما يرويه من الأحاديث، كما هو الحال في أحمد بن هلال، و سهل بن زياد و غيرهما.

و من منهج المصنف في دراسته لرجال مشيخة كتاب من لا يحضره

ص: 45

الفقيه أنه يهتم بتدوين اسم الراوي كاملا، مع بيان نسبه، و ولائه، و مذهبه إن كان ممن ينتسب إلي المذاهب الفاسدة كالواقفية أو الفطحية و غيرهما.

مع التأكيد علي من اتفق معه في الاسم و المعاصرة، و كيفية التمييز بينهما، منبها علي السهو أو الغلط الحاصل في ضبط الاسم أحيانا، مع الإشارة إلي من روي عنهم أو رووا عنه و من نبغ من أسرته في العلم و الرواية، و لم ينس أيضا ذكر مصنفاته، و ربما نبّه إلي طرق النجاشي و شيخ الطائفة- قدس سرهما- إليها، كل ذلك مشفوعا بعدد جم من رواياته في كتب الحديث المشهورة، و تسمية من روي عنه، فان كان مقلا من الرواية نبّه عليه، و إن كان مكثرا أطال في بيان مروياته و أكثر من الحديث في ترجمته و بيان حاله.

و لتمكن المصنف- رحمه اللّه- في فن الرجال، نراه لا يكاد يدع من أقوال علماء الرجال قولا واحدا فيمن تناوله بالبحث إلّا و ناقشه، حيث يستعرض في مقام خلاصة الرأي في الراوي جميع وجوه الذم فيه، و قد يستخلص منها- في الغالب- بفطنة و ذكاء وجوها تضاد الذم، و قد يحملها علي محامل أخري جديرة بالعناية و الاهتمام لما فيها من موافقة قول القادح للموثّق.

و من جملة ما يلفت نظر القارئ الكريم في هذه الفائدة عناية مصنفها- قدس سره- بدراسة و تحقيق ما نسبه علماء الرجال من عامية و وقف- و نحوهما- إلي بعض الرواة.

أما نسبة الغلو إلي البعض الآخر، فقد اهتم بها اهتماما ملحوظا و قد ردّها بحجج قوية مشفوعة بالتحقيق العلمي الرائع في مواضع متعددة من هذه الفائدة، بما يمكن معه استخلاص رأيه النهائي في بيان الأسباب الداعية إلي اتهام بعض الرواة بمسألة الغلو، بأنها نتيجة روايتهم لجملة من الأخبار الدالة علي جلالة قدر الأئمة من أهل البيت عليهم السلام مع ان مروياتهم تلك

ص: 46

ليس فيها من الغلو شيئا كما هو الحق في عدد من الرواة الذين نزّهت ساحتهم من هذه التهمة، هذا فضلا عن إطلاق البعض لهذه النسبة علي ما لا يستلزمها أصلا، كل ذلك بسبب الاحتياط و التشدد و التنفير من الغلو و رواته.

كما اهتم المصنف في هذه الفائدة ببعض المباحث الدرائية في مصطلح الحديث التي فرضت عليه لاتصالها بمن ترجم إليه من الرواة.

منها: دراسة بعض ألفاظ الجرح و التعديل و دلالاتها.

و منها: الاهتمام بدراسة بعض ألفاظ نقل الحديث، لا سيما ما دلّ منها علي جهالة حال المروي عنهم التي تلحق الحديث بصنف المراسيل.

و منها: مسألة الاحتجاج بالحديث المرسل، و آراء العلماء في ذلك، حيث اهتم به كثيرا كما في ترجمة محمّد بن أبي عمير- رضي اللّه تعالي عنه-.

و منها: دلالة بعض الألفاظ و العبارات علي التوثيق الإجمالي أو المدح العام، كتكنية الامام عليه السلام لأحد الأصحاب، أو ترضيه و ترحمه عليه، و قد يتوسع في دلالة ترضي و ترحم غير الامام عليه.

و منها: تصنيف الحديث إلي صحيح و حسن و موثق و ضعيف عند المتأخرين، و الإشارة السريعة إلي كل صنف من أصنافه، إلي غير ذلك من الأمور المهمة المتفرقة المبثوثة في ثنايا تراجم رجال مشيخة الفقيه.

و بعد أن فرغ المصنف من شرح طرق الصدوق في هذه الفائدة، شرع- رحمه اللّه- بتنظيم فهرس تفصيلي- مرتبا علي الحروف- لأهم ما ورد من التراجم الرجالية التي بلغت زهاء مائتين و تسعة عشر ترجمة، علما بأنّه قد ترك ذكر الكثير من الرواة الذين لم يتوسع بتراجمهم.

ثم بين بعد ذلك مشايخ الصدوق مرتبين علي الحروف فبلغوا زهاء

ص: 47

مائتين و أربعة مشايخ.

و أخيرا اختتم هذه الفائدة ببيان عدد أخبار «كتاب من لا يحضره الفقيه» و عدد مراسيله موزعة علي الأبواب، موضحا من أرسل الحديث من رواة «الفقيه» و رأيه في هذا الإرسال.

ص: 48

الفائدة السادسة في نبذ ممّا يتعلّق بكتاب التهذيب

في هذه الفائدة تصنيف تام- من حيث الصحة و عدمها- لكل طرق الشيخ الطوسي (ت/ 460 ه)- قدس سره الشريف- في كتابه التهذيب.

و لما كانت مشيخة التهذيب- التي سيأتي الحديث عنها لاحقا- هي نفس مشيخة الإستبصار، كان لا بدّ من التعرض لطرق الشيخ التي نص عليها في الاستبصار، و حيث ان الفهرست قد اشتمل علي ما يقرب من ألف طريق للشيخ إلي أرباب الأصول و المصنفات التي أخرج عنها في التهذيب كان لا بدّ من الرجوع إلي هذه الطرق بغية الوصول إلي معرفة ما لم يذكره منها في مشيخة التهذيب.

و من هنا جاءت عناية الأعلام بدراسة جميع طرق الشيخ في هذه الكتب الثلاثة: «التهذيب، و الاستبصار، و الفهرست» و عدم الفصل بينها إذ من الممكن الحكم بصحة طريق ضعيف في واحد منها بلحاظ ما في الآخر، لا سيما و ان الشيخ- رضي اللّه تعالي عنه- قد أحال في مشيخة التهذيب- كما سيأتي- إلي طرقه في الفهرست.

و من بين هؤلاء الأعلام الذين اهتموا بمثل هذه الدراسة هو المصنف- قدس سره- كما سيتضح من التعريف لهذه الفائدة.

ابتدأها المصنف- قدس سره- بالإشارة السريعة إلي موقع كتاب التهذيب بين كتب الحديث الأخري عند فقهاء الشيعة الإمامية، فهو أعظمها في الفقه منزلة، و أكثرها منفعة، إذ لا يمكن استغناء الفقيه عنه لما اشتمل عليه من الفقه و الاستدلال، و التنبيه علي الأصول و الرجال، و التوفيق بين

ص: 49

الأخبار، و الجمع بينها بشاهد النقل و الاعتبار، إلي غير ذلك من المميزات الأخري لهذا الكتاب التي لم يحوها كتاب غيره في بابه.

و بعد الإشارة إلي أهمية التهذيب و منزلته، انتقل إلي بيان طريقة شيخ الطائفة- رضي اللّه تعالي عنه- في رواية أحاديث العترة الطاهرة عليهم السلام مبينا عدم جريانها علي نسق واحد في كتابيه: التهذيب و الاستبصار.

فهو- رضي اللّه تعالي عنه- قد يعتمد طريقة ثقة الإسلام الكليني تارة بأن يذكر جميع رجال السند فيهما ابتداء من شيخه و انتهاء بالراوي عن المعصوم عليه السلام و هذا غالبا ما يكون في أوائل الكتابين، و تارة يعتمد طريقة الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» فيقتصر علي ذكر بعض رجال السند ممن بعدوا عن عصره، و ذلك بحذف صدر السند لغرض الاختصار، و هذا غالبا ما يكون في أواخر الكتابين، ثم يستدرك- في نهاية المطاف- علي ما حذفه من الإسناد بخاتمة يبين فيها طرقه إلي من روي عنه من المشايخ بصورة التعليق، لكي يتم من خلال ذلك وصل سلسلة السند بينه و بين الراوي عن المعصوم عليه السلام إلّا أنّ هذه المشيخة لم تكن مستوعبة لكل الطرق المعلقة، و لم يكن الشيخ غافلا عن هذا و إنما ترك تفصيله إلي فهارس الشيوخ المصنفة لرواية الأصول و المصنفات التي نقل الشيخ منها و لم يذكر طرقه إلي أصحابها، و من بين هذه الفهارس التي أحال إليها كتابه المعروف بالفهرست.

و لما كان ميرزا محمد الأردبيلي (ت/ 1100 ه)- قدس سره- قد أعدّ رسالة درس فيها طرق الشيخ- رضي اللّه تعالي عنه- في كتبه الثلاثة، و أطلق عليها اسم: «رسالة تصحيح الأسانيد» ثم اختصرها في الفائدة الرابعة من فوائد كتابه المعروف ب «جامع الرواة»، لذا اختار المصنف- قدس سره- هذه الرسالة من بين نظائرها المعدّة لهذا الغرض، نظرا لما امتازت به عن

ص: 50

غيرها من فوائد مهمة تعرب عن تضلع الميرزا الأردبيلي- رحمه اللّه تعالي- بهذا الحقل من البحث و الدراسة، فأورد مختصرها كاملا في هذه الفائدة، مشيرا إلي منهج مؤلفه الأردبيلي- رحمه اللّه تعالي- بعد اطرائه علي ما قام به من جهد عظيم في معرفة أحوال أحاديث التهذيبين و ذلك برجوعه إلي مشيختهما مع الفهرست.

و قبل بيان جهد المصنف في هذه الفائدة، و ما طرحه من آراء فيها، يحسن بنا أن نبين- باختصار- الهيكل العام لرسالة تصحيح الأسانيد، فنقول:

اشتملت هذه الرسالة علي نحوين من الدراسة، و هما:

الأول: دراسة طرق الشيخ في المشيخة (1) و الفهرست.

الثاني: البحث في الطرق المذكورة في كلّ من التهذيب و الاستبصار.

أمّا الأول: فيتلخص نشاط الأردبيلي فيه بثلاثة أمور و هي:

1- الحكم بالصحة علي الطريق المتفق علي صحته.

2- الحكم بالضعف علي الطريق المتفق علي ضعفه.

3- ترك الحكم علي الطريق المختلف فيه عند عدم إمكان الترجيح، مع ذكر اسم الراوي الذي بسببه صار الطريق مختلفا فيه.

و قد شمل هذا النحو جميع طرق الشيخ في المشيخة و الفهرست إلّا ما استسيغ تركه (2) كما نبهنا عليه في محله.ر.

ص: 51


1- تقدم القول بأن مشيخة التهذيب و الاستبصار واحدة، و هو كذلك، إلّا أنّا وجدنا- في سير التحقيق- اختلافا يسيرا جدا بينهما و ذلك بتشعب طريق واحد في أحدهما إلي طرق أكثر مما تشعب إليه ذلك الطريق في الآخر، و هذا لا يضر بوحدة المشيختين، كما نبهنا عليه في محله.
2- كأن يترك فرعا من الطريق لا أصلا، أو يختار- أحيانا نادرة- أصح الطريقين إلي راو واحد، و يدع الآخر.

أمّا الثاني: فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالطرق الضعيفة، و المرسلة، و المجهولة إلي المشايخ في المشيخة و الفهرست، و ان كان محور البحث ليس فيها أصلا، لاختصاصه بالمتابعة و الاستقصاء التام لكافة ما ذكره الشيخ إلي هؤلاء المشايخ من طرق متصلة الاسناد (صحيحة، أو حسنة، أو موثقة) في أصل التهذيب و الاستبصار، لكي يقارن هذه بتلك، و حينئذ يخرج الضعيف من حيّزه، و يتصل المرسل، و يعرف المجهول، و لهذا لا يذكر- في الغالب- في رسالته طريقا صحيحا، أو حسنا، أو موثقا من أصل الكتابين لمن كان الطريق إليه صحيحا في المشيخة أو الفهرست. و هذا العمل الممتاز الذي خدم به الأردبيلي- قدس سره- أحاديث الكتابين لم يسبقه أحد إليه بهذا الشكل المستوعب فيما نعلم.

أمّا دور المصنف النوري- رحمه اللّه تعالي- في هذه الفائدة، فقد اختصره هو بعبارة واحدة قبل شروعه بنقل ما في رسالة تصحيح الأسانيد، فقال:

«و ربما نبهت علي فائدة في بعض الطرق أدرجتها بقولي: قلت، و في آخره: انتهي».

ثم شرع بعد ذلك بنقل طرق الشيخ علي نحو ما في مختصر رسالة تصحيح الأسانيد.

هذا و يمكن الوقوف علي جهد المؤلف في هذه الفائدة، حيث ضمنها بكثير من الفوائد المهمة التي حملته علي قطع الرسالة بين حين و آخر كما نبه عليه، و ذلك بلحاظ تعليقاته المصدرة بقوله: (قلت)، و لعل أهمها ما يأتي:

1- التأكيد- أحيانا كثيرة- علي وثاقة من حكم بسببه علي الطريق بالضعف و ذلك بالرجوع إلي كتب الرجال.

2- محاولته في وصل بعض الطرق التي حكم عليها بالإرسال.

ص: 52

3- الإشارة إلي حكم المشهور علي بعض الطرق، و حكمها عنده، مع بيان السبب الداعي إلي الحكم بخلاف المشهور.

4- التنبيه علي وثاقة أو حسن بعض الرواة في جامع الرواة مع تضعيف بعض الطرق بسببهم في رسالة تصحيح الأسانيد سهوا.

5- بيان رأيه في الطرق المرسلة، إذا كان المرسل من أصحاب الإجماع.

6- مخالفة صاحب الرسالة في حكمه بالاتحاد بين راويين، و بيان التعدد بوجوه كما هو الحال في محمّد بن جعفر الأسدي الذي حكم الأردبيلي باتحاده مع محمّد بن جعفر الرزاز.

7- التوسع- أحيانا- في بيان بعض الأمور المتعلقة بالرواة الذين حكم عليهم بالضعف أو الجهالة، بما يؤكد من خلالها علي حسن حالهم.

8- التنبيه علي خلو مشيخة التهذيب من بعض الطرق التي نصت الرسالة علي وجوده فيها، و هذه الملاحظة مهمة جدا، إذ صرح الأردبيلي- رحمه اللّه تعالي- بوجود بعض الطرق في المشيخة و لا أثر له فيها فعلا، و قد تكرر ذلك منه بما يقرب من مائة مورد تقريبا، و من البعيد جدا أن تكون كل هذه التصريحات من سهو القلم.

هذا، و لم نهتد- بعد طول البحث و التأمل- إلي السر في ذلك، و ربما قد نبحث الموضوع في مقال مستقل بشكل مفصل.

9- التصريح بأن الحكم بالضعف أو الجهالة علي بعض طرق الشيخ إلي المصنفات و الأصول في الفهرست لا يضر بعد وصول هذه الكتب سالمة إلي عصر المصنف، و قيامه بشرح حالها بما يؤكد الاعتماد عليها كما مر في الفائدة الثالثة.

10- الاهتمام ببيان ما في فهارس الشيوخ المصنفة لروايات الأصول

ص: 53

و المصنفات، حيث أحال إليها الشيخ الطوسي- قدس سره- كما تقدم.

و من هذه الفهارس التي رجع إليها المصنف لمعرفة تلكم الطرق هي:

مشيخة الصدوق، و مشيخة أبي غالب الزراري المفصلة في رسالته المعروفة في آل أعين، و مشيخة النجاشي في كتابه المعروف برجال النجاشي.

و قد أكثر المصنف الرجوع إلي هذه الكتب الثلاثة.

11- بيان سبب حكم الأردبيلي- رحمه اللّه تعالي- علي بعض بعض الطرق بالضعف أو الإرسال أو الجهالة، و إبداء الرأي في ذلك أحيانا.

12- كثرة الإحالة من المصنف إلي ما تقدم في الفوائد السابقة من تراجم الرواة و شرح حال كتبهم، إذ لا يمكن التعقيب بما ذكره فيها علي من ضعف هنا في هذه الفائدة، و بهذا فقد ربط أكثر الطرق الضعيفة أو المجهولة بما فصله في الفوائد السابقة عن رجال هذه الطرق.

هذا و بعد فراغه من تتبع طرق الشيخ و التعليق عليها نبّه علي أربعة أمور- جعلها خاتمة لهذه الفائدة- و هي:

التنبيه الأول: الرد علي تضعيف الأردبيلي- رحمه الله تعالي- لبعض الطرق ردا إجماليا، إذ التعرض لكل حكم بالتفصيل يوجب الاطناب الممل.

التنبيه الثاني: البناء علي إحراز وثاقة مشايخ الإجازة بحصول الظن من الامارات علي ذلك، مع التصريح بعدم قوله بأن مشيخة الإجازة تعدّ من أمارات التوثيق.

ثم نبه إلي ما تقدم من أمور في الفوائد السابقة و التي يمكن من خلالها الحكم بوثاقة مشايخ الإجازة، مشيرا في هذه الفائدة لأهمها لكثرة الحاجة إليها.

التنبيه الثالث: رأيه فيما يخص أبواب الزيادات في كتاب التهذيب،

ص: 54

مع نقله لكلام المحدث الجزائري و مناقشته.

التنبيه الرابع: في بيان عدد الأحاديث و الأبواب في كتاب التهذيب.

ص: 55

الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الإجماع و عدّتهم

في هذه الفائدة بحث مبسوط عن المصطلح الرجالي المعروف عند الشيعة الإمامية ب: (أصحاب الإجماع) تناول فيه المصنف الأمور التالية:

الأول: في نقل أصل العبارة: (أصحاب الإجماع) و بيان مصدرها، و فيه بيان كونهم علي ثلاث طبقات و هي:

الأولي: من أصحاب الإمام الباقر (ت/ 114 ه) عليه السلام.

الثانية: من أصحاب الإمام الصادق (ت/ 148 ه) عليه السلام.

الثالثة: من أصحاب الإمام الكاظم (ت/ 183 ه) عليه السلام.

الثاني: في بيان عدد أصحاب الإجماع و الاختلاف الحاصل بين العلماء في عددهم، و قد نقل المصنف في المقام كلمات الكشي، و ابن داود، و المجلسي، و الأسترآبادي، و الحائري، و الداماد، و الكني.

الثالث: تفصيل موقف علماء الشيعة من هذا الإجماع، و قد ابتدأ بموقف الشيخ الطوسي- قدس سره الشريف- مؤكدا علي تلقي الشيخ لهذا الإجماع بالقبول، و قد استدل علي ذلك بوجوه نشير إليها اختصارا.

منها: ما ذكره السيد ابن طاوس من أن ما اختاره الشيخ الطوسي من رجال الكشي- الذي هو الأصل لهذه العبارة- يمثل مختاره و مرضية و مقبولة، لأنّه اختصر الكثير منه، فلا بدّ و أن يكون قد أثبت ما يراه صحيحا.

و قد يرد هذا الاستدلال بوجود روايات قدح في رجال الكشي بحق من وثقهم الشيخ في الرجال و الفهرست، و لو كانت مرضية و مقبولة من قبل الشيخ لما كان لتوثيق من وردت بحقه معني غير التهافت، و هذا ما لا يقوله أحد.

ص: 56

و منها: ما استفاده المصنف من كلام للشيخ الطوسي في عدّة الأصول لدعم تلقي الشيخ لهذا الإجماع بالقبول.

و منها: ما يخص رأي الشيخ في عبد اللّه بن بكير- و هو من أصحاب الإجماع- و دعوي الإجماع علي تصحيح ما يصح عنه.

ثم بين المصنف موقف ابن شهرآشوب، و العلّامة الحلي، و ابن داود، و الشهيدين الأول و الثاني، في كلام طويل محيلا إلي كلمات غيرهم من الأعلام كبهاء الدين العاملي، و المحقق الداماد، و المجلسيين، و صاحب الذخيرة، و الكاظمي، و الطريحي، و غيرهم من الأعلام.

الرابع: في بيان وجه حجية هذا الإجماع بعد وضوح عدم كون المراد منه هو الإجماع المصطلح الكاشف عن رأي الامام المعصوم عليه السلام بأحد الوجوه المذكورة في محله.

ثم بيّن المصنف- قدس سره- من ذهب من العلماء إلي أن هذا الإجماع دلّ- بالدلالة الالتزامية- علي أن أصحاب الإجماع هم في أعلي درجات الوثاقة، مؤكدا أن هذا القول إنما يتم فيما لو كان مفاد العبارة المنقولة عن الكشي (وثاقتهم) و أما علي ما هو المشهور من كون المراد (صحة أحاديثهم) بالمعني المصطلح عند القدماء فلا دلالة التزامية في المقام.

و لهذا اختار- قدس سره- في بيان وجه الحجية لهذا الإجماع هو إجماع الأصحاب علي اقتران أحاديث (أصحاب الإجماع) بما يوجب الحكم بصحتها.

الخامس: حول تفسير عبارة: (تصحيح ما يصح عنهم) التي أطلقت في حق جماعة.

حاول المصنف استقصاء أقوال من سبقه من العلماء في مجال تفسيرها، و حصرها بأربعة أقوال، سنشير إليها في غاية الاختصار و هي:

ص: 57

القول الأول: و يمثله المحقق الداماد، و خلاصته: عدم الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم و نسبته إلي أهل البيت عليهم السلام من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه، فالصحيح إذن هو الرواية لا المروي.

و قد ردّه المصنف ردا جميلا و ذلك بتفسيره (ما) الموصولة في قولهم (ما يصح عنهم) بما يربطها بمتن الحديث لا سنده حتي تكون بمعني صحة الرواية لا المروي.

القول الثاني: أنها لا تفيد أكثر من كون الجماعة ثقات، و قد نسب هذا القول إلي القيل في كلام الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني.

و ناقشه المصنف بأن العبارة تختلف عن قولهم (ثقة) مع وضوح التغاير و التباين بين مفاد قولهم و العبارة. ثم نقل كلمات كثير من الأعلام مرجحا ما قاله صاحب الفصول الغروية في المقام.

القول الثالث: المراد هو صحة ما رووه حيث تصح الرواية إليهم و لا يلاحظ ما بعدهم إلي المعصوم عليه السلام و هذا هو ما نسب إلي المشهور كما في الرواشح، و صرح به بهاء الدين العاملي، و الوحيد البهبهاني، و حجة الإسلام الشفتي، و هو مما كان قد بني عليه العلماء الأعلام كالعلّامة و ابن داود و الشهيد الثاني و المجلسيين و غيرهم رضي اللّه تعالي عنهم.

القول الرابع: المراد هو توثيق الجماعة و من بعدهم، و هذا القول و القول الثاني هما من فروع القول الثالث و هو قول المشهور الذي اختاره المصنف و استدل عليه بوجوه كثيرة لا مجال في تفصيلها.

ثم عرّج بعد ذلك علي توضيح معني الصحيح عند القدماء مع بيان أمارات الصحة عندهم بما يستفاد منه الاطمئنان بدعوي انحصار مصطلح الصحيح في خبر الثقة و لو من غير الإمامي. و قد استدل بجملة من الأدلة علي إثبات كون المناط في الصحة عندهم حالات نفس السند من غير

ص: 58

ملاحظة اقترانه بأمر خارجي.

كما بحث المصنف في هذه الفائدة ما يفرق بين عمل القدماء بالحسن أو الضعيف مع الشهرة، بما يدل علي أن هذين الصنفين من الحديث غير داخلين في الصحيح عندهم، و إنما سبب العمل بالضعيف أحيانا هو لانجباره بالشهرة رواية كانت أو فتوي، إلّا أنه اختار دخول الكثير من الأحاديث الحسان في قسم الصحاح عندهم علي ما سيبينه في فوائد لاحقة.

ردّ المصنف في هذه الفائدة علي من ذهب إلي نقد طريقة القدماء في حكمهم بالصحة علي بعض الأحاديث بأسباب لا تقتضي بنظره ذلك.

كما ردّ أيضا علي من تأمّل في كون الصحيح بالمعني المصطلح الجديد فردا من الصحيح بالمعني الأعم مع احتماله الفرق بينهما.

و قد بحث المصنف أيضا عن القرائن التي يصير بها خبر الواحد حجة، و قسم تلك القرائن علي قسمين:

القرائن الداخلية: و يعني بها الوثاقة بالمعني الأعم، أو العدالة بالمعني الأعم- أي: عدالة كل راو علي مذهبه- و يعبر عنها تارة بالوثاقة بالمعني الأعم، و اخري بالمعني الأخص، فيدخل فيها الايمان علي اختلاف المذاهب، و غيرها من التثبت و الضبط.

و القرائن الخارجية: و هي مطابقة الخبر لأكثر ما في الأصول الثابتة، أو كثرة رواة الخبر و غير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه في الفوائد السابقة.

ثم فرق بينهما علي أساس اتصاف الراوي بالأولي، و دخول خبره في صنف الحجة بما يمكن الحكم بصحة حديثه من جهتها مطلقا.

بخلاف الثانية التي لا يمكن الحكم بصحة حديث الراوي إلا بعد الوقوف علي اقترانه بها، لأنها أوصاف لنفس الخبر و لا يمكن تصحيحه دون اتصافه بها، و قد جعل بحثه عن تلك القرائن تمهيدا للقول بأنه لو صحت

ص: 59

أعمية صحيح القدماء فإنه لا يكون من جهة القرائن الخارجية و إنما من جهة القرائن الداخلية للخبر، و ذلك لوجهين:

أحدهما: حكم الأصحاب بصحة كل ما صح عن أصحاب الإجماع من غير تخصيص بشي ء.

الآخر: إن جل الأحاديث تنتهي إلي أصحاب الإجماع، و في هذا الوجه مقارنة لطيفة بين ما وصل للشيعة من أحاديث أهل البيت عليهم السلام و بين ما قاله أصحاب الأئمة عليهم السلام في عدد ما يحفظون من أحاديثهم. ثم نقل بعضا من كلمات الأوائل- قدس سرهم- بما يدعم به هذا الوجه، حتي انتهي به البحث إلي اختيار دلالة ما ذكر عن أصحاب الإجماع علي وثاقتهم و وثاقة من بعدهم إلي المعصوم عليه السلام مطابقة أو التزاما علي مسلك المشهور، ثم نبه علي أمور ثلاثة:

الأول: في بيان المراد من الوثاقة المستفادة من الإجماع، و دلالة الإجماع عليها.

الثاني: تأكيد كون أعاظم أصحاب الأئمة عليهم السلام لا يفتون و لا يقولون شيئا ما لم يسمعوه منهم عليهم السلام.

الثالث: في ذكر جماعة من الثقات- دون أصحاب الإجماع- وصف حديثهم بالصحة، مع بيان دلالة قولهم: صحيح الحديث.

ص: 60

الفائدة الثامنة في ذكر أمارة عامة لوثاقة المجهولين من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام

هذه الأمارات العامة التي اعتمدها المصنف كثيرا في توثيق ما لم يوثق من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في كتب الرجال الواصلة إلي عصره، و أفرد لها هذه الفائدة، خلاصتها ما قام به الشيخ الثقة الجليل القدر و العظيم المنزلة أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني الكوفي أبو العباس المعروف بابن عقدة الزيدي الجارودي الحافظ (249- 333 ه) من تأليف كتاب ضخم في الرجال جمع فيه من ثقات أصحاب الإمام الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل، مع التنصيص منه علي وثاقتهم، و قد وردت الإشارة إلي كتاب ابن عقدة في سائر كتب التراجم القديمة و الحديثة.

بيد أن المذكور من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ (ت/ 460 ه)- و هو أوسع كتاب رجالي في تسمية أصحاب الأئمة عليهم السلام بحسب الأبواب- هو أقل مما ذكره ابن عقدة و نص عليه سائر العلماء، حيث بلغوا في رجال الشيخ (3224) ثلاثة آلاف و مائتين و أربعة و عشرين راويا، من بينهم أربعة عشر رجلا ممن لم يسمّ (روي بواسطة عن الامام الصادق عليه السلام) و ثلاث عشرة امرأة من النساء الروايات عنه عليه السلام هذا مع عدم مراعاة المكرر ذكره منهم أو المتحد مع غيره.

و هذا العدد يقل عما ذكره ابن عقدة بسبعمائة و ستة و سبعين اسما.

إلّا أنّ ما احصاه المصنف من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ، يقل عمّا ذكرناه بمائة و أربعة و سبعين اسما، و قد يؤول هذا

ص: 61

الفارق إلي إسقاطه من لم يسمّ منهم، مع حذفه المكرر و المتحد مع غيره.

و إذا علمنا أن الشيخ الطوسي لم ينص علي وثاقة كل من ذكره بل اقتصر علي عدد قليل منهم، و ترك أغلبهم حتي صاروا بحكم المجهولين في الظاهر، بل و ضعف عددا آخر منهم مع ضياع كتاب ابن عقدة- و هذا مما يؤسف عليه حقا و يحزّ في النفوس ألما مع أنه ليس الكتاب الرجالي الأول المفقود- أصبح الوقوف عند هذه الأمارة، و إطالة النظر في مؤداها، و إجالة الفكر في مفادها من المطالب الرجالية المهمة عند علماء هذا الفن و منذ أمد بعيد يكاد يقترب من عصر ابن عقدة نفسه.

حيث وردت الإشارة إليها تلميحا أو تصريحا في كثير من كلمات الأعلام- رضي اللّه تعالي عنهم- كالشيخ المفيد، و شيخ الطائفة، و محققها و علامتها الحليين، و ابن شهرآشوب، و الشيخ محمّد بن علي الفتال، و السيد النيلي، و الشهيد الأول، و الشيخ حسين والد الشيخ البهائي، و التقي المجلسي، و المحقق الداماد و غيرهم مما فصله المصنف في هذه الفائدة، و قد استفاد من مجموع كلماتهم- زيادة علي ما حققه في المقام- وثاقة جميع من ذكره الشيخ في باب أصحاب الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام.

ثم بين المصنف موقف الشيخ النجاشي الرجالي الشهير من كتاب ابن عقدة، و ما ذكره في كتابه- المعروف برجال النجاشي- من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام مع إشارته في تراجم الكثير منهم إلي وثاقتهم عند ابن عقدة و الأخذ بهذا التوثيق.

كما بين أيضا موقف شيخ الطائفة من هذا الكتاب، مشيرا إلي أن ما ذكره الشيخ قد أخذ من كتاب ابن عقدة حرفيا.

ثم ذكر بعد ذلك اعتماد المحقق الداماد علي هذه الأمارة و تصريحه

ص: 62

بوثاقة ما لم يوثقه الشيخ، ناقلا كلامه في مجال معرفة المجاهيل، و طعنه بمن يضعف الرجال لأوهي الأسباب و من غير تحصيل، و قد أيده المصنف غاية التأييد.

ثم نبّه علي أمور مهمة، نشير إليها باختصار و هي:

الأول: في بيان كيفية استقصاء أصحاب الأئمة عليهم السلام و طريقة العلماء في ذلك، و قد حقق المصنف سبب النقص الحاصل في عدد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ عما هو عليه في رجال ابن عقدة و انتهي إلي نتائج مهمة حرية بوقوف الباحثين- من ذوي الاختصاص- عليها.

الثاني: في مجال تزكية العدل الإمامي لغيره من غير تعرضه أو غيره لمذهبه، كقوله: «فلان ثقة» مع بيان دلالة هذه الكلمة، و علاقتها بقول سائر العلماء بأن ابن عقدة الحافظ جمع أربعة آلاف ثقة من أصحاب أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام.

كما سلّط الإضواء علي توثيق المزكي العادل غير الإمامي لعلاقة ذلك بابن عقدة نفسه لكونه زيديا جاروديا، و ناقش من يستشكل علي هذا التوثيق أو يتوقف عن الاعتماد عليه، و قد أجاد في مناقشته معتمدا علي وجوه في الرد بسط القول فيها، مع الاستفادة الملحوظة من أقوال العلماء، و من توثيقات شيخ الرجاليين النجاشي ذات العلاقة بتوثيقات ابن عقدة بما يستخلص منها حصول الوثوق و الاطمئنان بخبر من وثقه ابن عقدة، و في هذا- علي رأي المصنف- كفاية لمن اقتصر في الحجة من الأخبار بالموثوق بصدورها من جهة السند.

الثالث: و هو من أهم ما ذكره من الأمور التي ودّ التنبيه عليها، لتعلقه بمسألة تعارض الأخذ بهذه الأمارة مع تضعيفات الشيخ الطوسي قدس سره

ص: 63

الشريف- لعدد من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في كتابيه: الرجال و الفهرست.

و قد أجاب المصنف عن تضعيفات الشيخ بوجوه ثلاثة هي باختصار:

1- سلامة المقدمات التي توصل بها إلي هذه الأمارة، و لا يضر حينئذ خروج بعض الأفراد منها، و لو لم يصح الأخذ بهذه الأمارة لكان شذوذ فرد من قاعدة يعد نسفا لها، و هذا ما لم يقل به أحد.

2- حمل معني الضعف بما لا ينافي الوثاقة عند المتقدمين، أما ما كان من الضعف منافيا لها بشكل لا يحتمل التأويل كما هو الحال في أبي الخطاب مثلا فقد فصّل جوابه في الوجه الثالث.

3- اختلاف الموثّق مع الجارح تبعا لاختلاف حال الراوي، بمعني: نظر الموثق إلي الراوي في أيام استقامته فوثقه، و نظر الجارح إليه في أيام اعوجاجه و انحرافه عن الحق فضعفه.

ص: 64

الفائدة التاسعة في الأخبار الحسنة و الألفاظ الدالة علي التوثيق و أمارات الوثاقة

تعرض المحدث النوري- رحمه اللّه تعالي- في هذه الفائدة إلي بحث مهم قلما اعتنت به كتب الدراية قبله، ألا و هو كيفية اقتراب الحديث الحسن من الحديث الصحيح، مع مراعاة موقف المتأخرين الذين قالوا بعدم حجية الحسن لاشتراطهم في حجية الخبر عدالة رواته. مع بحثه عما دلّ من الألفاظ علي التوثيق، و كشف النقاب عن الأمارات الدالة علي الوثاقة.

و قد مهّد المصنف لبيان حقيقة هذه المسائل بأمرين مهمين، و هما:

الأوّل: اختلاف العلماء في معني العدالة الشرعية و اتفاقهم علي ترتيب آثارها بحق من ثبت حسن ظاهره.

الثاني: اتفاق أهل الدراية علي دلالة بعض ألفاظ التعديل و بعض ألفاظ المدح، و عدّهم الحديث من جهة من قيل بحقه لفظ تعديل متفق عليه صحيحا، و حسنا إن كان اللفظ المتفق عليه لفظ مدح. هذا مع تصريحهم بأن مثل (شيخ الطائفة) أو (عميدها) أو (رئيسها) و نحو ذلك من الألفاظ إنما تستعمل للمشاهير من أقطاب المذهب ممن يستغني عن التوثيق.

ثم تعرض بعد ذلك إلي عدّهم حديث بعض الأعاظم حسنا، متخذا من الشيخ إبراهيم بن هاشم القمي مثالا علي ذلك، لعدم النص عليه بالوثاقة بل بالمدح المعتد به. و قد ناقش هذا المدح مبينا عدم تخلفه عن حسن الظاهر بستر المعاصي و اجتناب الكبائر و أداء الفرائض و الاستقامة في القول و الفعل مما يعد كاشفا عن الملكة. كما ناقش بعض ألفاظ المدح الأخري

ص: 65

مؤكدا عدم صلاحية إطلاقها علي غير من حسن ظاهره كقولهم: (صالح)، (زاهد)، (شيخ جلي) و نحوها.

ثم خلص إلي أنّ عدم الطعن فيمن وصف بواحد منها مع ذكره في جملة حملة الشريعة و رواة الشيعة يزيد في حسن حديثه و يكشف عن حسن سيرته و نقاء سريرته.

ثم بحث بعد ذلك مسألة مهمة للغاية، و هي عدم تفريق بعض العلماء في مقام العمل و في موارد الترجيح عند التعارض بين من مدح و من وثق صراحة، مؤكدا عدم تقديمهم الصحيح علي الحسن عند التعارض، ممثّلا بما دأب عليه الشيخ في التهذيب و الاستبصار من الجمع بين المتعارضين من غير طعن في سند الحديث الحسن أصلا.

و لهذا يري المصنف- قدس سره- ان توصيفهم لبعض بالوثاقة و لآخر بالصلاح، و لثالث بالزهد أو الديانة مثلا إنما هو لتفننهم في التعبير.

و لقد ساق أمثلة كثيرة ممن قيل بحقهم مثل هذه الألفاظ في أهم كتب الرجال الشيعية علي الإطلاق، مع اتفاق سائر العلماء علي وثاقتهم و جلالتهم و علو منزلتهم و مكانتهم في هذه الطائفة، كما هو الحال في زرارة، و أبان بن تغلب و البزنطي و أضرابهم.

أما عن اكتفاء بعضهم بكلمة (عظيم المنزلة) و نظائرها في مجال التوثيق فقد استفاد منه- بعد أن نقل كلماتهم- إمكانية اتحاد اصطلاح القدماء مع اصطلاح المتأخرين في (الصحيح) من جهة، و أعمية صحيح القدماء من جهة دخول الحديث الموثق فيه أيضا.

ثم أكد بعد ذلك علي ضوابط التصحيح و التحسين و التضعيف، و النظر إلي أصول هذا الفن، و التأمل في ألفاظ المدح، و النظر في مداليلها و ما اقترنت بها من أمور يستشف منها حسن الظاهر الكاشف عن الملكة، و بهذا

ص: 66

يصير الممدوح ثقة، و الخبر الحسن صحيحا.

ثم عطف الكلام إلي تبيين مثل هذه القرائن التي سبق و أن بحثها تفصيلا فيما سبق من فوائد مشيرا إليها في هذه الفائدة علي وجه الاجمال مبينا من أخذ بها من العلماء.

ثم كشف النقاب عن الرواية عن الضعفاء في عرف القدماء، و كيف انهم كانوا يعدونها من أعظم المطاعن و ذلك بأدلة كثيرة استخرجها من تراجم العلماء، ثم ضرب أمثلة أخري علي من عدت أحاديثه حسنة و وردت في حقه من الأوصاف الجليلة التي لا تنفك عن الوثاقة بل حسن الظاهر أيضا.

و من هنا نعي المصنف- قدس سره- تقسيم الحديث إلي أقسامه المعروفة، إذ حكموا من خلال هذا التقسيم علي حسن أكثر الصحاح و أخرجوها عن دائرة الحجية مع ثبوت احتجاج من سبقهم بها.

لقد حاول المصنف- قدس سره- في هذه الفائدة أن يفتح نافذة علي تقسيم الحديث عند المتأخرين، ليطل الباحثون من خلالها علي هذا المصطلح الجديد و ينظروا ما فيه و علي ضوء ما طرحه من مفاهيم.

ص: 67

الفائدة العاشرة في استدراك ما فات الوسائل من الثقات و الممدوحين

اشارة

هذا هو العنوان الذي اختاره المصنف- رحمه اللّه تعالي- لهذه الفائدة التي سجل فيها ثلاثة آلاف و أربعمائة و تسعة و عشرين اسما لتكون مكملة لما سجله الشيخ الحر- رحمه اللّه تعالي- في الفائدة الأخيرة من فوائد خاتمة الوسائل، و إن لم يجر المصنف فيها علي منهج الشيخ الحر كما ستري.

و قبل بيان ما يتعلق بهذه الفائدة من أمور يحسن الرجوع بالقارئ العزيز إلي الفائدة الثانية عشرة و الأخيرة من فوائد وسائل الشيعة، و من ثم تسليط الضوء علي منهج المصنف في هذه الفائدة، لكي يتضح عن كثب طبيعة الاستدراك المسجلة هنا فنقول:

خصصت الفائدة الثانية عشرة من فوائد خاتمة وسائل الشيعة لذكر أحوال رجال السند بغض النظر عن وقوعهم في أسانيد الوسائل أولا، و هذا هو ما صرّح به الشيخ الحر في أول الفائدة المذكورة حيث قال: «و إنما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة علي صحة النقل و ثبوته و اعتماده».

و لم يقصد الشيخ الحرّ ذكر ما في كتب التراجم الشيعية من الأعلام، و لا جميع من ذكر في كتب الرجال من الثقات و الممدوحين، بل اكتفي ببعض من ذكر في أسانيد كتب الشيعة دون البعض الآخر، حسبما بينه من قرائن و أمارات و أسباب التوثيق و الاعتماد، التي قد تنطبق علي الكثيرين جدا ممن ليس لهم في فائدة الوسائل عين و لا أثر، فهو قد أعطي ضابطة كلية- إن صح

ص: 68

التعبير- لمعرفة الرواية المقبولة سندا و لم يرد إحصاء الموارد التي تنطبق عليها هذه الضابطة.

و يدلنا علي ذلك ما جاء في الفائدة المذكورة من أمور و هي:

1- قوله في أول الفائدة المذكورة: «لكني لم أذكر كل أصحاب الكتب» - و إذا ما علمنا انه ضبط في آخر الفائدة الرابعة ما يزيد علي ستة آلاف و ستمائة كتاب من كتب الشيعة- و ان جميع ما ذكره من أسماء في الفائدة المذكورة من أصحاب الكتب و غيرهم لا يزيد علي ألف و خمسمائة اسم، اتضح لنا ان الشيخ الحر ليس بصدد الإحصاء في الفائدة الأخيرة.

2- ما ذكره عن الشهيد الثاني من وثاقة جميع رواة حديث الشيعة الذين كانوا في زمن الشيخ الكليني، و الذين من بعده إلي زمن الشهيد الثاني، و هذا هو اختيار الشيخ الحر و مرضية إذ لم يتعقبه بشي ء، و لا شك أن عدد رواة الشيعة في تلك الفترة- و هي تزيد علي ستة قرون أكثر مما سجله الشيخ الحر العاملي من أسماء الثقات و الممدوحين في الفائدة الأخيرة التي ضمت بعض أسماء المتأخرين عن عصر ثقة الإسلام لا كلهم.

3- تصريحه بوثاقة أربعة آلاف رجل من أصحاب الصادق عليه السلام، و الموجود في رجال الشيخ الطوسي- حسبما أحصيناه- ثلاثة آلاف و مائتين و أربعة و عشرين اسما في باب أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، و ما ذكره الشيخ الحر في الفائدة الأخيرة من الوسائل من أصحاب سائر الأئمة عليهم السلام و غيرهم ممن لم يدرك ذلك العصر البهي هو أقل من نصف العدد المذكور في باب أصحاب الإمام الصادق عليه السلام من رجال الشيخ.

هذا فضلا عن استثناء من ضعف من الرواة مع من لم تنطبق عليه موجبات الاعتماد و التوثيق.

ص: 69

و من خلال قراءتنا التفصيلية لما ورد في هذه الفائدة من أسماء خرجنا بجملة وافرة من النتائج لعل أولاها بالذكر هنا هو أنّا وجدنا الشيخ النوري أراد بهذه الفائدة تعميم النفع و الفائدة، و ذلك بإحصاء ما في كتب الرجال و التراجم و غيرها من أسماء الثقات و الممدوحين من الذين لم يسجلهم الشيخ الحر عن علم مؤكد بأكثرهم إن لم يكن بجميعهم، مع عدم الالتزام بمنهج الشيخ الحر الذي يجب مراعاته في الاستدراك المصطلح و هو نظر المتأخر- في استدراك ما فات علي المتقدم- إلي منهج صاحب الأصل و الكيفية التي سار عليها في تدوينه.

و قد بينا أن من منهج الشيخ الحر في فائدة الوسائل الأخيرة هو الاقتصار علي ذكر بعض من له رواية و وثق أو مدح في كتب الرجال مع ترك الأكثر منهم من دون الالتفات إلي ما في كتب التراجم من الأعلام.

و من هنا نري ان في عنوان فائدة المستدرك مسامحة ظاهرة، و قد يكون المصنف- رحمه اللّه تعالي- ملتفتا إليها إذ لم يذكر مثلا عبارة: «ما غفل عنه الشيخ الحر» أو: «ما لم يطّلع عليه» و نحوهما مما مرّ في الفائدة الأولي و غيرها، بل قال في مقدمة هذه الفائدة: «ما لم يذكره» و عدم ذكر الاسم- مع لحاظ منهج الشيخ الحر- له مسوغات كثيرة لا تدل علي الغفلة.

و بعد بيان منهج الشيخ الحر- رضي اللّه تعالي عنه- في الفائدة الأخيرة من الوسائل، و علاقة تلك الفائدة بعنوان ما نحن بصدده، آن الأوان للحديث عن أهم الأمور التي تضمنتها هذه الفائدة مبتدئين بمنهج النوري- رحمه اللّه تعالي- في التوثيق و التحسين و علي النحو الآتي:

أولا: منهج المصنف في التوثيق و التحسين:

لم يختلف منهج المصنف عن منهج الشيخ الحر كثيرا في مجال اعتماد القرائن و الأمارات الكلية في التوثيقات الرجالية العامة، و قد بين

ص: 70

المصنف جملة منها في أول الفائدة محيلا إلي ما سيذكره منها في تراجم الرواة في هذه الفائدة و يمكن إجمالها جميعا بما يأتي:

1- كون الراوي من مشايخ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره.

2- كونه من مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارات.

3- كونه من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في رجال الشيخ الطوسي.

4- رواية أحد الثلاثة عنه و هم: ابن أبي عمير، و البزنطي، و صفوان.

5- رواية أحد أصحاب الإجماع عنه علي ما هو المشهور.

6- رواية الأجلاء المتفق علي أمانتهم و وثاقتهم عنه.

7- رواية جعفر بن بشير، أو محمّد بن إسماعيل الزعفراني عنه.

8- كون الراوي من مشايخ النجاشي.

و قد سبق للمصنف و ان أفاض بشرح هذه القرائن و الأمارات و أقام مختلف الأدلة علي اعتمادها، و أفرد لبعضها فوائد مستقلة كما هو الحال في الفوائد السابعة، و الثامنة، و التاسعة.

هذا و قد عثرنا علي أمور اخري استفاد منها المصنف في توثيقاته الرجالية، سنشير إليها جميعا و ندل علي مكان واحد من أماكن ورودها، و علي النحو الآتي:

1- اعتماد كتب الرجال في التوثيق كرجال النجاشي كما في الترجمة [597] و قد يبين مستند العلماء في توثيقاتهم و أخذه بها كما في [150] و غيره.

2- اعتماد كتب الحديث في التوثيق و التحسين، إذ استخرج منها الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام و فيها نوع مدح و ثناء بحق

ص: 71

من ترجم له كما في [317] و كثير غيره.

3- اعتماده مشيخة الإجازة في التوثيق كثيرا كما في [361] و غيره.

4- اعتبار رسائل الأئمة عليهم السلام إلي ولاتهم و غيرهم من دلائل الوثاقة و الأمانة كما في [2252].

5- عدّه طعن أهل السنة برواة الشيعة دليلا علي وثاقتهم، لأن من آية جلالة الراوي الشيعي و أمانته و شدة ملازمته لأهل البيت عليهم السلام تضعيف العامّة إياه وعده من غلاة الشيعة، كما في [479] و كثير غيره.

6- الاستفادة من اتحاد الراوي مع غيره تعارض التضعيف مع التوثيق، و من التعدد الوثاقة كما في [1933].

7- إثبات الوثاقة من السند و التشيع من المتن، كأن يكون الراوي عنه من الأجلاء كما تقدم في الأمارات المتقدمة، و ان يكون المروي فيه فضيلة أو منزلة تثقل روايتها علي صدور مبغضي الآل عليهم السلام كما في [2025] و كثير غيره.

8- اهتمام علماء الرجال بذكر أمور دقيقة في ترجمة الراوي كذكرهم صلاة أحد الأجلاء عليه عند وفاته يكشف- عنده- عن كونه من كبار مشايخ الإجازة كما في [2458].

9- التصرف في عبارات التوثيق الواردة في تراجم البعض بكتب الرجال و التي يمكن إرجاعها إلي غير صاحب الترجمة، و جعلها نصا فيه، كما في [432].

10- اعتماد الوكالة و ترضي المشايخ علي أحد الرواة، و ترحمهم عليه في مجالات التوثيق و التحسين كثيرا.

11- قولهم في حق أحد الرواة: (صحيح الحديث) أمارة من أمارات التوثيق عنده كما في [2813] و غيره.

ص: 72

علي ان بعض هذه الأمور لم يعتمدها الشيخ الحر في توثيقاته الرجالية.

ثانيا: منهجه في التصنيف و الاستدراك:

اتبع الشيخ النوري- رحمه اللّه تعالي- منهجا واضحا في تصنيف هذه الفائدة و طريقة ثابتة في الاستدراك، و يمكن إجمال هذا المنهج بالأمور التالية:

1- عدم ذكر من ذكره الشيخ الحر العاملي- رحمه اللّه تعالي- في الفائدة الأخيرة من الوسائل و وثقه.

2- بيان وثاقة من ذكره الشيخ الحر و لم يذكر من وثقه أو مدحه.

3- ترتيب الرواة بحسب الأسماء لا الحروف مع عدم العناية بترتيب الآباء، و جعل أسماء الرواة في أبواب حيث ابتدأ بباب الألف ثم باب الباء و هكذا إلي باب الياء، ثم أفرد بابا للكني، ثم بابا لمن صدر بابن، و اخري في النسب و اللقب.

4- من ذكرهم من الرواة في باب النسب و اللقب لم يبين حالهم من الوثاقة غالبا لمرور أكثرهم في الأبواب المتقدمة في الأسماء، و الظاهر أنه أراد وقوف القارئ علي أسمائهم، إذ بين المصنف أسماء أصحاب الألقاب.

5- مراعاة الاختصار و الإيجاز في التراجم غالبا.

6- الاكتفاء بذكر أمارة واحدة- في الأعم الأغلب- علي وثاقة الراوي.

ثالثا: مصادره في هذه الفائدة:

أمّا عن مصادر الشيخ النوري في هذه الفائدة فهي كثيرة و متنوعة إذ لم يقتصر فيها علي كتب الرجال و الحديث، و إنما استفاد من كتب أخري ككتب التفسير، و العقائد، و التاريخ، و الفضائل و غيرها.

ص: 73

و يمكن القول بأن أهم الكتب التي اعتمدها في هذه الفائدة علي الإطلاق، هو كتاب الرجال للشيخ الطوسي- قدس سره الشريف- إذ اقتبس منه معظم ما في هذه الفائدة من أسماء.

هذا و لم تنحصر استفادة المصنف من كتب الشيعة فحسب، بل استفاد أيضا من كتب أهل السنة في كثير من المواضع، لا سيما في تعيين الوفيات، أو بيان الاتحاد و الاشتراك في الأسماء، و نحو ذلك.

رابعا: نوعية الاستدراك:

مرّ أن المصنف لم يراع منهج الأصل المستدرك عليه في هذه الفائدة و ان اتبع سائر القرائن و الأمارات الكلية في التوثيق المعتمدة في خاتمة الوسائل، و أضاف لها أمورا أخري لم تعتمد في توثيقات الشيخ الحر- رحمه اللّه تعالي-.

و من استعراض طوائف الأسماء المستدرك بها في هذه الفائدة يتضح لنا أن المراد هو تعميم الفائدة لا أكثر و ليس المراد بتسجيلها هو الاستدراك المتبادر عرفا كما مرّ.

و فيما يأتي صورة شاملة لطوائف الأسماء المسجلة في هذه الفائدة، و علي النحو الآتي.

1- الاستدراك بأصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مثل العباس عم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، و خبّاب بن الأرتّ، و عثمان بن مظعون، و هند بن أبي هالة ابن خديجة الكبري عليها السلام- و هو ربيب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم- و أبي قتادة الأنصاري، و البراء بن معرور، و سفينة مولي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و غيرهم من الصحابة- رضي اللّه تعالي عنهم-.

2- الاستدراك بأزواج النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كأم أيمن

ص: 74

- رضي اللّه تعالي عنها-.

3- الاستدراك بأولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- صلوات اللّه و سلامه عليه- كمحمّد بن الحنفية- رضي اللّه تعالي عنه- أو بأصحابه الذين لازموه و تفانوا فيه أو استشهد بعضهم بين يديه عليه السلام. و هم كثر، نذكر منهم: جارية بن قدامة، و ثعلبة بن عمر، و أبا عمرة الأنصاري، و حذيفة ابن أسيد و هو من الصحابة أيضا، و أبا الجوشاء و هو صاحب رأيته عليه السلام يوم خرج من الكوفة إلي صفين، و أبا جند بن عمرو و هو الذي عقر الشيطان [اعني: جمل عائشة] في البصرة، و ابن النباح مؤذنه عليه السلام الذي كان يقول في أذانه: حيّ علي خير العمل.

4- الاستدراك بليوث العرين، و الصفوة من العبّاد المؤمنين، و الخيرة من أصحاب الأئمة الميامين عليهم السلام من الذين ذبوا عن حرم آل الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وضحوا بأرواحهم بين يدي خامس أصحاب الكساء عليه الصلاة و السلام في صبيحة عاشوراء، و ضربوا باستشهادهم يوم الطف أروع أمثلة التضحية و الفداء في سبيل العقيدة و المبدأ، كزاهر مولي عمرو بن الحمق الخزاعي الشهيد في الحملة الأولي، و شوذب مولي شاكر، و عابس بن شبيب، و أبي ثمامة الأنصاري الذي لم ينس الصلاة في لحظات عمره الأخيرة حتي قال له الحسين عليه السلام: «ذكرت الصلاة، جعلك اللّه من المصلين» و من نصر الحسين عليه السلام حيا و ميتا مسلم بن عوسجة، و من رفض الذلّ و الهوان، و أبي إلّا أن يعيش حرا و يمضي سعيدا هاني بن عروة صاحب المقام المحمود، و لمقامه الشريف زيارة مأثورة معروفة لدي الشيعة، و هو من شهداء الحق و الفضيلة عند اللّه سبحانه.

ثم إن المصنف- رحمه اللّه- قد استدرك بهذه الفائدة بينبوع الوثاقة و معدن العلم و الحكمة و الفضيلة، و جبل الكرامة، حامي بيوتا مطهرة أذن اللّه

ص: 75

لها أن ترفع و يذكر فيها اسمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام.

و هل يصح أن يغفل الشيخ الحر مثل مسلم فيستدرك به عليه؟ و هل ترك ابن عقيل سلام اللّه عليه فضيلة لغيره أو مكرمة لسواه من غير أهل البيت عليهم السلام حتي ينسي؟

ان الأقرب إلي الحق و الصواب هو ان المصنف رام بتسجيل هذه الأسماء الزكية الافتخار بأن هكذا عندنا نحن معاشر الشيعة من عيون الرجال.

5- الاستدراك بأصحاب سائر الأئمة عليهم السلام و أكثر من ذكر منهم هم أصحاب الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام.

6- الاستدراك بمن تأخر عن عصر آخر الأئمة عليهم السلام من رواة الشيعة الإمامية.

7- الاستدراك بثقات الفرق المنحرفة عن الخط الإمامي كثقات الفطحية و الواقفية و غيرهم.

8- الاستدراك بالنساء الراويات كما في التراجم [235] و [236] و [237] و [238] و [239] و [871] و [1790] و [2300] و غيرها.

9- الاستدراك بأعلام أهل السنة كمالك بن أنس، و محمّد بن مسلم ابن شهاب الزهري، و ابن أبي ليلي القاضي المعروف، و مقاتل بن سليمان، و غيرهم.

10- الاستدراك ببعض الضعفاء، و الدفاع عنهم- مع الأسف- كاستدراكه بمنخّل بن جميل، و يونس بن ظبيان و غيرهما.

و لعل ما سجله من أسماء بما مر في الفقرتين الأخيرتين هو مما لا يؤيده عليه أحد من أعلام الشيعة.

ص: 76

خامسا: الردود و المناقشات:

ردّ المصنف في هذه الفائدة علي الكثير من علماء الرجال، كما ناقش البعض منهم مناقشات مطولة أحيانا في تراجم معدودة، و تعجب و استغرب من طائفة أخري من العلماء نتيجة لحكمهم بعدم الوثاقة علي بعض الأعلام الذين وثقهم المصنف في هذه الفائدة، و لقد كان الحق معه في أغلب هذه الردود و المناقشات، لأنه قد اعتمد في أغلبها علي أدلة قوية استخرجها من مصادر شتي رجالية و غيرها، إلّا أنه أخفق في بعضها لا سيما فيما يتعلق بالضعفاء المجمع علي ضعفهم تقريبا، و فيما يأتي جملة مختصرة من هذه الردود و المناقشات.

1- رد نسبة الغلو إلي بعض الرواة، و مناقشة من اتهمهم بذلك مع الاضطرار إلي التوسع في تراجم من اتهم بالغلو و بيان حاله و إثبات خلو أقواله و ما رواه من رائحة الغلو، و رجوع من غلا إلي الحق و حسن حاله و صحب الأئمة من آل البيت عليهم السلام كما في [1363] و غيره.

2- رد نسبة وضع كتاب سليم بن قيس الهلالي إلي ابان بن أبي عياش بجملة من الأمور حاول اختصارها كما في [4] لما مر منه في الفائدة الثانية من تفصيل حال هذا الكتاب و إثبات نسبته إلي مؤلفه.

3- رد نسبة الوقف إلي بعض الرواة كما في ترجمة إبراهيم بن أبي بكر برقم [18] و غيره.

4- الرد علي ابن الغضائري كثيرا في التراجم كما في [2510] و [1363] و [2180] و علي جميع من وافقه من الرجاليين كما نراه في ترجمة الفتح بن يزيد، و عدّه ما جاء في كتبهم من الأوهام.

5- مناقشته للنجاشي و العلّامة في ترجمة صالح بن سهل الهمداني

ص: 77

مع الإطالة في بيان حاله و تبرئته مما قذف به.

6- الردّ علي الكشي في ترجمة الصحابي عبد اللّه بن مسعود، مع التعجب ممن اقتصر من الرجال في ترجمته علي ما في الكشي.

7- الرد علي الشيخ سليمان بن عبد اللّه الماحوزي كثيرا و التعجب منه أحيانا كما في ترجمة طرمّاح بن عدي برقم [1412]، و ترجمة عقيل بن أبي طالب برقم [1824]، و كذلك الحال في التراجم [2491] و [2391] و [2421] و غيرها.

8- الرد علي العلّامة المجلسي و التعجب مما ذكره في الوجيزة بحق بعض الرواة كما في [2392] و [2328] و [1417] و [1824]، و غيرها.

9- الرد علي الشيخ أبي علي الحائري ردا مشوبا بالتحامل كما في [2267] و [2608].

10- مناقشته للسيد صاحب المدارك كما في الترجمة [2391].

11- الرد علي جميع الرجاليين تقريبا في ترجمة يونس بن ظبيان برقم [3260] و الإطالة في ترجمته أكثر من غيره، و في جميع ما ذكره من أدلة اختلاف واسع يظهر منه الاتفاق علي تضعيفهم ليونس بن ظبيان.

12- الرد علي نسبة التسنن إلي بعض الرواة، و التأكيد علي تشيعهم بمختلف الأدلة كما في [973] و غيره.

13- الرد أحيانا علي من ذهب إلي الاتحاد بين راويين مع اختيار التعدد كما في [2054].

سادسا: التنبيهات في التراجم الرجالية:

من خلال تتبعنا لجميع ما ذكره المصنف- رحمه اللّه تعالي- في هذه الفائدة، وقفنا علي جملة من التنبيهات المهمة نعرضها علي النحو الآتي:

1- التنبيه علي تعدد الرواة مع اتحادهم في الأسماء كما في [521]

ص: 78

و [843] و غيرهما.

2- تصحيح الأسماء المصحفة كما في [2726] و غيره.

3- التنبيه علي المشتركات و الإطالة فيها أحيانا كما في [721] و [725].

4- الإشارة إلي الأخطاء الحاصلة في التراجم لدي بعض العلماء كما في [3171] و غيره.

5- التنبيه علي بعض النكات المهمة في التراجم، منها ما يتعلق برواية الأئمة عليهم السلام عن جدهم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فان كان المخاطب من أهل السنة حدثوه بلغة الاسناد، بخلاف ما لو كان من شيعتهم، لما بينهما من فارق الاعتقاد بمنزلة أهل البيت عليهم السلام.

6- التنبيه كثيرا في توثيقاته للرواة علي وجود من سبقه في توثيقهم أو عدهم من الممدوحين.

7- التنبيه علي اختلاف النسخ الرجالية أو الحديثية، و خطأ النساخ و تحريفاتهم و تصحيفاتهم، و قد أكثر المصنف من هذه التنبيهات المهمة، نشير إلي بعضها اختصارا.

أ- التنبيه علي وجود كلمة (ثقة) في رجال العلامة بحق صاحب الترجمة [367]، و لا وجود لها في معظم النسخ الأخري، و قد تكرر ذلك في تراجم اخري كما في [1697] و [428] و غيرهما.

ب- التنبيه علي عدم وجود كلمة (ثقة) في نسخته من كتاب رجالي بخط مؤلفه، مع وجودها في النسخ الأخري لهذا الكتاب و نقل العلماء لها منه أيضا كما في [745] و لهذا نراه لا يعتمد علي هذا التوثيق بل يستظهره من وجوه اخري.

ج- التنبيه علي جودة ما اعتمده من النسخ الخطية، كنسخته من

ص: 79

كتاب رجال النجاشي المكتوبة في عهد مؤلفه كما قال في [678]، أو نسخة من كتاب التهذيب صحيحة جدا كما قال في [1592] و غير ذلك.

د- التنبيه علي اختلاف النسخ الرجالية في ضبط ألقاب الرواة كما في [869] أو الأسماء كما في [2047].

ه- التنبيه علي الاختلاف الحاصل بين كتب الحديث و كتب الرجال في أسماء الرواة كما في [1692] و [3313].

و- التنبيه علي تصحيفات النساخ و تحريفاتهم بما له علاقة مباشرة في التوثيق أو التجريح كما في [728]، أو بما له علاقة في ازدياد طبقات الرواة كتحريفهم (ابن) إلي (عن) كما في [3374] و غيرها من التحريفات و التصحيفات.

سابعا: أمور اخري:

هناك بعض الأمور الأخري التي وقفنا عليها في هذه الفائدة نذكر منها:

1- ذكره طرفا من أخبار المترجمين في هذه الفائدة و مدي اتصالهم بأهل بيت العصمة عليهم السلام كما في جعدة بن هبيرة ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام [398] الذي قال له عتبة بن أبي سفيان: انما لك هذه الشدة في الحرب من قبل خالك! فقال له جعدة: لو كان خالك مثل خالي لنسيت أباك.

كما يذكر الكثير من فضائلهم لا سيما إذا كانوا من صحابة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كما في [276] و [1191] و [1421] و غيرها.

2- يذكر ما جري لبعض الرواة مع الأئمة عليهم السلام بما يدل علي منزلتهم عندهم عليهم السلام و دعائهم لهم بظهر الغيب بما يفيد حسن سيرتهم كما في [26].

ص: 80

3- التعرض إلي معاناة أهل البيت عليهم السلام و ما جناه الأوغاد بحقهم حقدا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في مواطن متفرقة من هذه الفائدة كما في [2114] و [1447].

4- التعرض إلي ما قاله بعضهم من الشعر، لا سيما العقائدي الهادف كشعر سفيان بن مصعب العبدي [1189] و غيره.

5- التوسع في إيراد بعض القصص و الحكايات الطريفة التي تنطوي علي عظة نافعة، كما في [1583].

6- نقله الروايات من كتب الحديث بلا إسناد في الغالب مع الإحالة إلي مصدرها اختصارا، و لكنه قد يذكر الاسناد كاملا لنكتة في المقام كما في [3363]، فراجع.

7- اتباعه نظام الإحالة في تراجم الرجال إلي الفوائد المتقدمة لا سيما الفائدة الثانية كما في [416] و السادسة كما في [1931] و غيرهما.

8- تعرضه إلي مباحث درائية في عدة مواضع من هذه الفائدة، كمناقشته لقول النجاشي: «ليس بذاك» في الترجمة [2155] و بيان دلالة هذه الكلمة. و كذلك قولهم: «و حديثه ليس بذلك النقي» في الترجمة [83]، أو المناقشة في لفظة: «وجه» و دلالتها بصورة مختصرة كما في [1921]، أو بيانه معني قول النجاشي «و كان علوا» في [1931]، أو بيانه اختلافهم في دلالة بعض الألفاظ علي المدح أو التوثيق أو عدم دلالتها علي شي ء من ذلك كما في [677].

ثامنا: المؤاخذات علي ما في هذه الفائدة.

هناك بعض المؤاخذات التي يمكن ان تسجل علي الشيخ النوري في هذه الفائدة، و هي:

1- لقد أشار المصنف إلي أن ذم أهل السنة لأحد رواة الشيعة ينبغي

ص: 81

أن يعد من مدائحه كما في الترجمة [4] و قد مر عنه في الفوائد السابقة تصريحه بأن مدح أهل السنة و قدحهم سواء، إلّا أنا وجدناه قد اعتمد توثيق ابن حجر لصاحب الترجمة [36]، و كان عليه ان يقتصر علي ما ذكره من أمارات الوثاقة، و لا يردفها بتوثيق ابن حجر مراعاة للتصريحات السابقة.

2- قد يعتمد علي إثبات وثاقة شخص ما علي رواية رواها ذلك الشخص بعينه، و لا يخفي بأن هذا الشخص متهم بجر منفعة لنفسه، كما حصل في الترجمة [1485]، و كذلك في [1512]، هذا مع التفات المصنف- رحمه اللّه تعالي- إلي ذلك، و تبريره علي أساس وقوع الأجلة في طريق الرواية، و هو كما تري! 3- الاعتداد بعدم الاستثناء من كتاب نوادر الحكمة في مجال التوثيق كما في [1887]، و الرد علي الاستثناء الحاصل لبعض الرواة كما في [1670]. و هذا ما يشكل اضطرابا في منهج التوثيق.

4- الاستدراك بمن لم يذكر له في ترجمته أمارة علي التوثيق، سوي أنه روي عنه فلان أو فلان، و عند تتبعنا لمثل هذه الموارد وجدنا أن الراوي عنه أيضا غير منصوص علي وثاقته، و هي موارد قليلة كما في [1970] و غيره.

5- اعتماده علي أمارات غير متفق عليها في التوثيق، و الأكثر علي خلافها.

6- الخروج عن منهجه في الاختصار كما نص عليه في أول الفائدة، حيث أطال في تراجم كثيرة كما هو الحال في [13] و [39] و [55] و [61] و [62] و [66] و [91] و [95] و [96] و [120] و كثير غيرها.

7- توثيقه لمن لم يوثق قط كمقاتل بن سليمان، و منخل بن جميل، و يونس بن ظبيان كما أشرنا إليهم فيما تقدم.

8- الاستدراك بأهل السنة كمالك بن أنس، و الزهري و قد تقدمت

ص: 82

الإشارة إلي ذلك أيضا.

إلي غير ذلك من الهنات الطفيفة الأخري التي لا تقلل- بنظرنا- من أهمية هذه الفائدة لما فيها من الايجابيات الكثيرة التي نتركها للقارئ العزيز نفسه.

ص: 83

الفائدة الحادية عشرة حول موقف الأخباريين من حجية القطع

لحجية القطع أكثر من معني إلّا أن المراد منها في المباحث الأصولية هو التنجيز و التعذير.

و لما كان ثبوت القطع لدي القاطع أمرا وجدانيا لا يمكن إنكاره، و ان من يحصل لديه مثل هذا القطع يكون قطعه حجة و منجّزا عليه عند سائر الأصوليين، لذا احتدم نقاشهم مع الأخباريين الذين نسب إليهم- كما في هذه الفائدة- القول بعدم حجية القطع.

و قبل بيان موقف المصنف من هذه النسبة يحسن بنا التأكيد علي ثلاثة أمور، و هي:

الأول: اتفاق الشيعة الإمامية من الأصوليين و الأخباريين علي عدم حجية أدلة عقلية ظنية مثل القياس و الاستحسان، و نحوهما، اقتداء بأهل البيت عليهم السلام حيث تواتر عنهم عليهم السلام النهي المطلق عن استعمال مثل هذه الأدلة في استنباط الأحكام الفقهية.

الثاني: اختلافهم في حجية الأدلة العقلية القطعية في مجال استنباط الأحكام الشرعية. حيث ذهب المشهور منهم إلي صحة ذلك، و منعه الأخباريون، بمعني عدم تحققه كما سيأتي في هذه الفائدة.

الثالث: المراد من حكم العقل هنا هو ما يصدره علي نحو الجزم و اليقين، غير مستند بذلك إلي الكتاب و السنة بخصوص الأحكام الشرعية، و ليس المراد منه الحكم العقلي الواقع في مبادئ التصديق بالكتاب و السنة و لا الحكم الواقع في طولهما في مرحلة معلولات الأحكام الشرعية كحكم

ص: 84

العقل بوجوب الامتثال فهذا لا إشكال في حجيته عند الجميع.

ثم ان الشيخ النوري- رحمه اللّه تعالي- قد افتتح هذه الفائدة بإنكار هذه النسبة إلي الأخباريين، مصرحا بأن ما يظهر من كلماتهم هو علي خلاف ما نسب إليهم من إنكار حجية القطع الحاصل من العقل.

ثم بين أصل اشتهار هذه النسبة إليهم، و هو كلام الشيخ الأنصاري- قدس سره الشريف- في رسالته: «حجية القطع». حيث نقل عنه ما حكاه عن المحدث الأسترآبادي- رحمه اللّه تعالي- من تقسيمه العلوم إلي ما ينتهي إلي مادة قريبة من الإحساس، و إلي أخري بعيدة عنه مع وقوع الاختلاف في الثاني دون الأول علي تفصيل بين في محله.

و قد استفاد الشيخ الأعظم- طاب ثراه- من كلام الأسترآبادي- رحمه اللّه تعالي- عدم حجية إدراكات العقل- عنده- في غير المحسوسات، مبينا من استحسن كلام الأسترآبادي من الأخباريين المتأخرين عنه كالمحدث الجزائري و البحراني- رحمهما اللّه تعالي- حيث ذهب الأول إلي القول بحكم العقل في البديهيات، أما في النظريات فان وافقه النقل و حكم بحكمه فهما متّفقان، و ان تعارضا قدم النقل عليه.

أما الثاني فقد استحسن هذا الكلام و أيّده.

و يري المحدث النوري ان ما استفاده أستاذه الشيخ الأنصاري من كلام الأسترآبادي غير تام، و ان الأسترآبادي لم يقصد حصر المعرفة البشرية بأدوات الحسّ و التجربة: بل غرضه حصر المعرفة بالدليل الشرعي النقلي و إلغاء الدليل العقلي النظري في مجال استكشاف الحكم الشرعي، و انه ليس في كلامه إشارة أو تصريح إلي عدم حجية حكم العقل القطعي. بل الظاهر منه نفي حجية الإدراك الظني و الاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية.

ص: 85

و قد استدل المحدّث النوري علي ذلك بأمور كثيرة نذكر منها ما يأتي:

أولا: الاستدلال بالمواضع الساقطة من عبارة الأسترآبادي المنقولة، و الاستفادة من هذه المواضع بأن مقتضي ما أفاده الأسترآبادي هو عدم جواز الاعتماد علي الدليل الظني في أحكامه تعالي سواء كان ظني الدلالة أو الطريق أو كليهما.

مبررا لأستاذه هذا السقط بأنه لم يكن عنده كتاب الفوائد المدنية للاسترآبادي و إنما نقل النص عن حاشية المعالم، و كذلك الحال في نقله عن السيد الجزائري بالواسطة.

ثانيا: نقل عن الفوائد ما يفيد الإشارة إلي كون حكم العقل القطعي حجة عنده و نفي الاستنباطات الظنية، كما نقل نصا آخر صريحا بإفادة هذا المعني.

ثالثا: نقل نصا آخر يفيد عدم جواز العمل بالظن المتعلق بنفس أحكامه تعالي ثم كشف عن إبطال الأسترآبادي التمسك بالاستنباطات الظنية من الكتاب و السنة و الاستصحاب و البراءة و القياس و الإجماع في نفس أحكامه تعالي، بما يفيد انه كان لا يري للعقل إدراكا قطعيا في استنباط الأحكام الشرعية، و إلا لعده من جملة هذه الأمور، بل لقدمه علي الاستصحاب و ما يليه.

رابعا: نقل نصا من الفوائد يفيد وجوب أخذ أصول الدين و فروعه من أصحاب العصمة عليهم السلام و ان العقل لا يستقل بإثباتها، خاصة الفروع.

خامسا: اهتم ببيان رأي الأسترآبادي في تقسيم الأخبار علي نحوين.

أحدهما: ان تكون صحة مضمون الخبر متواترة، و هذا لا يجوز التناقض فيه.

الآخر: وجود قرينة دالة علي صحة مضمونه و اعتباره، و من جملة هذه

ص: 86

القرائن مطابقة المضمون للدليل العقلي القطعي.

سادسا: بين سبب ردّ الأسترآبادي- بنص منه- للترجيحات الاستحسانية بأمرين.

أحدهما: لم يرد من الشارع إمضاء لها بل ورد النهي عنها.

الآخر: عدم ظهور دلالة عقلية قطعية علي حجيتها.

و هكذا نجد المصنف- رحمه اللّه تعالي- ينقل ما هو صريح بحجية إدراك العقل إذا كان قطعيا.

و في آخر ما اقتبسه من نصوص عن الفوائد لرد هذه النسبة نقل عنه كلاما مهما- و هو عنده بخطه- يؤيد فيه صراحة ما ذكره المصنف آنفا، و انه علي الرغم من حصره لإدراك الحكم الشرعي عن طريق الدليل النقلي و إلغاء ما سواه، فإنه لو فرض وجود الإدراك العقلي القطعي لذلك لكان حجة عنده.

أما عن المحدث الجزائري فقد دافع عنه النوري أيضا مبينا انه تبع أقوال الأسترآبادي و عنون مطالب كتبه علي غرار ما ورد في الفوائد ثم نقل عنه كما نقل عن الأسترآبادي أمورا تبين ان ما أسقطه من أدلة العقل إنما هو الأدلة الاستحسانية التي يعبر عنها بالاستنباط الظني و أورد تصريحه في وجوب تأويل الدليل النقلي إذا تعارض مع الدليل العقلي ذي المقدمات البديهية.

و أما عن بيان موقف الشيخ الحر من هذه المسألة فهو لا يحتاج إلي بيان لتصريح الشيخ الحر- قدس سره- بحجية حكم العقل القطعي إذ قال في الفائدة الثامنة في بيان القرائن المعتبرة علي ثبوت الخبر: «و منها: موافقته لدليل عقلي قطعي» (1)، إلّا أن المصنف لم يكتف بهذا التصريح بل تابع- رحمه اللّه تعالي- أقوال الشيخ الحر و آراءه في كتبه الأخري حول هذه7.

ص: 87


1- خاتمة الوسائل- الفائدة الثامنة 30/ 247.

المسألة بالذات، و أطال في نقل كلماته بما حاصله عدم وجود دليل عقلي قطعي في شي ء من مسائل الفروع و لو فرض وجوده فهو حجة.

اما عن كلام البحراني- قدس سره- في الحدائق، و الدرة النجفية، فقد بين المصنف عدم اختلافه عن كلام الأسترآبادي و لا كلام الجزائري أو الشيخ الحر.

و استخلص رأيه بأنه يري عدم استقلال العقل في معرفة الأحكام الشرعية بالقطع و اليقين، لا أنه يستقل و لا يكون- مع ذلك- حجة.

أما عن رأي المصنف في هذه المسألة بالذات و الذي أفصح عنه في آخر هذه الفائدة فخلاصته: عدم تحقق الصغري في هذه المسألة، أي:

عدم تحقق استقلال العقل في مجال استنباط الأحكام الفرعية علي نحو القطع و اليقين.

ص: 88

الفائدة الثانية عشرة في نبذ من فضيلة علم الحديث الشريف

في هذه الفائدة بيان لشرف علم الحديث، و أهميته القصوي، و دوره المتميز في حياة المسلم، و مكانته العظمي من التشريع، مع التأكيد علي ضرورة الجدّ في دراسته و تدريسه.

لقد نقل المصنف- طاب ثراه- عن الشهيد الثاني- رضي اللّه تعالي عنه- كلاما ضافيا في جلالة هذا العلم و رتبته، و المثوبة عليه مع تعريفه، و ما خصت به درايته من اهتمام بالغ، و انها المراد بعلم الحديث عند الإطلاق.

كما أورد عنه- قدس سرهما- بعض الآثار و الأخبار الواردة في فضل علم الحديث الشريف، ثم ساق المصنف ما ورد من عظيم الأثر عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها بأن حديث المصطفي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان يعدل عندها سبطي هذه الأمة الحسن و الحسين صلوات اللّه و سلامه عليهم.

و كفي به دلالة علي شرفه و تفاني بضعة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من أجل الحفاظ علي سلامته.

ثم نقل عن صاحب المعالم- قدس سره- ما يؤكد علي إعطاء الحديث حقه رواية و دراية، لأنه مدار أكثر الأحكام الشرعية. مع الثناء علي السلف الصالح الذين بذلوا ما في وسعهم لأجل تحقيق الغاية من وجود الحديث الشريف.

ثم فصل المصنف دور العلماء في هذا الحقل، و أورد عن كشف اللثام كلمة رائعة أوصي بها الفاضل الهندي- رحمه اللّه تعالي- إخوانه العلماء و المجتهدين بهذا الخصوص.

ص: 89

كما أورد عن غيره من العلماء ما يشحذ الهمم للتصدي إلي استخراج الكنوز المودعة في الحديث الشريف.

ثم ختم المصنف الكلام عن شرف الحديث و أهميته ببث حزنه و لوعته علي افتقاره من يذاكره في هذا العلم الجليل و كأني به يقول:

أين الوجوه أحبّها و أودّ لو أني فداها

أمسي لها متفقدا في العائدين و لا أراها

ثم عطف- رحمه اللّه تعالي- إلي شرح حاله فترجم لنفسه ترجمة مجملة، ذكر فيها تاريخ ولادته، و دراسته و مشايخه ثم سفراته و رحلاته، و اختتم الكلام بتعداد مؤلفاته.

رحم اللّه تعالي شيخنا النوري، فقد كان- كما شهد تلامذته- صواما قواما مخلصا للّه في عمله، مجدا في أداء فرائضه، غزير الدمع من خشيته، متشفعا بالنبي و آل بيته صلّي اللّه عليهم و سلّم.

هذا و قد وافق الفراغ من آخر كلمة في هذه الفائدة بقلمه الشريف اليوم العاشر من ربيع الآخر في السنة التاسعة عشرة بعد الألف و الثلاثمائة من الهجرة الشريفة، و لم يمض طويلا هذا القلم المعطاء- بعد إكمال هذه الخاتمة- إذ انتقل صاحبه إلي جوار الملك المنان في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادي الآخرة لسنة عشرين بعد الألف و الثلاثمائة من الهجرة الشريفة.

تغمده اللّه بواسع رحمته و أسكنه فسيح جناته.

ص: 90

منهجية التحقيق:

للّه درّ من سمّي المحدث النوري (قده) بخاتمة المحدثين، فان ما أجادت به يراعه المباركة لهي بحق تعدّ من أعظم ما سطرته يراع العظماء من أمثاله. و لذلك كان العمل علي خاتمة المستدرك من الصعوبة بمكان و غير خجلين من الإقرار بذلك، بالإضافة إلي نقص النسخ الخطية المتوفرة لدينا و التي تم العمل عليها.

و بعد:

فمن مميّزات مؤسّستنا منهجية العمل الجماعي، و لقد كان هذا المنهج هو الأصل في عملنا مع ما للطاقات الفردية الضخمة المتوافرة من مساهمة فعالة في صياغة هذا العمل ليخرج بهذه الحلة الفريدة نظرا لضخامته و تنوعه.

فخاتمة المستدرك و التي تحتوي علي (12) فائدة هي عبارة عن اثني عشر منهجا مختلفا و كل واحدة منها تحتاج الي جهد خاص و ذوق متميز.

و قد تمت الإشارة الي بعض الجهد المبذول في مقدمة الفوائد و ما تطلّبته من إمكانات في سبيل الوصول الي عرضها و نشرها بما يتناسب مع مالها من مقام شامخ في نفوس طلبة العلوم. و لذلك لا يسعنا القول بأن العمل الذي أنجز، يمكن حصره في لجان معينة و افراد خاصين نتيجة تشعبه و ضخامته، و عليه فقد تمت الاستفادة من كافة الطاقات المتاحة و التي بذلت جهدا مشكورا في التعاون معنا لانجاز هذا العمل.

ص: 91

النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب:

1- النسخة المحفوظة في مكتبة نصيري بطهران، و هي تشتمل علي الفوائد الأولي و الثانية و الثالثة فقط، جاء في آخرها: كتبه الحقير مهدي بن أبو القاسم الحسيني الكاشاني، هذا و علي هذه النسخة حاشية لصدر الأفاضل (دانش) نصيري اميني، هكذا ذكر ذلك في أولها حفيده فخر الدين نصيري اميني، و كذلك حاشية اخري ليحيي بن محمّد شفيع الأصفهاني، و تقع هذه النسخة في 698 صحيفة من الحجم الوزيري.

2- مخطوطة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام، و هي تحتوي علي الفوائد السادسة إلي الثانية عشرة، و هي بخط المصنف قدس سره، و قد جاء في أولها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه و صلّي اللّه علي محمّد و آله آل اللّه الفائدة السادسة.

و في آخرها:

و وافق الفراغ من هذا المجلد أيضا يوم العاشر من ربيع الآخر يوم ولادة سيدنا الإمام الزكي أبي محمّد الحسن بن علي الهادي صلوات اللّه عليهما في السنة المباركة التي أخبر أهل الحساب بتوافق الأضحي و الجمعة و النيروز فيها السنة التاسعة عشرة بعد الألف و ثلاثمائة بيد العبد المذنب المسي ء حسين ابن محمّد تقي النوري الطبرسي حامدا مصليا مستغفرا.

أي قبل سنة واحدة من وفاته كما و انه جاء في الورقة الأولي عبارة هي:

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي شرفني بزيارة هذه النسخة النفيسة التي هي آخر أجزاء مستدرك الوسائل من تصنيف شيخنا العلامة النوري طاب ثراه و هي بخط يده الشريفة في آخر عمره، فإنه توفي سنة 1320، حرره

ص: 92

خادمه المجاز منه العبد الفاني الشهير بآقا بزرك الطهراني في (20- ع 2- 1380).

3- المطبوعة الحجرية: و هي نسخة محفوظة في مكتبة العلامة الحجة السيد عبد العزيز الطباطبائي نقل فيها جميع ما سبق لاستاذه الشيخ آقا بزرك الطهراني إثباته من حواش و تعليقات علي نسخته من خاتمة مستدرك الوسائل، و حيث كان الطهراني- كما هو معروف- من التلامذة المختصين بالمحدث النوري (قدّس سرّه) و الذي يعد من كبار الأساتذة المختصين و البارعين في هذا المضمار، فأضفي علي هذه النسخة أهمية متميزة عن غيرها من النسخ الحجرية الأخري- و قيمة أكبر لا تخفي علي ذوي الاختصاص.

هذا ما توفر لدينا من نسخ لنخوض بها غمار العمل علي خاتمة المستدرك، و قد اعتمدنا صيغة تلفيقية في عملنا مع ما توفر بين أيدينا من مصادر تعدّ قليلة بالنسبة إلي الكم الهائل الذي استفاد منه المصنف (قده) في تأليفه لهذا السفر القيم، و إن كنّا لم نأل جهدا في سبيل تهيئة كل ما أمكن تهيئته من مصادر له.

و أخيرا نشكر كافة أصحاب السماحة و الاخوة الأفاضل الذين عاضدونا في إصدار هذا السفر العظيم و بهذه الحلة الجديدة و التي هي بحق مصداق من مصاديق عمل خاتمة المحدثين قدس سره.

هذا و آخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين.

مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث

ص: 93

صورة

ص: 94

صورة

ص: 95

صورة

ص: 96

صورة

ص: 97

صورة

ص: 98

ص: 1

ص: 2

المقدمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ (1)

ما رنحت أعطافها في رياض الطروس عذبات الأقلام، و لا نسجت ببنان لسانها مطارف تتشح بها غواني الكلام أشرف من حمد اللّه الذي لا زالت آحاد الموجودات تشكر تواتر نعمائه، و تخبر بلسان فقر الحدوث عن مستفيض آلائه، و تروي الرياض كمال قدرته بأصحّ الأسانيد عن عليل النسيم، و تحدث مرسلات قطرات المزن عن متون الغمام باتصال فضله العميم، و الصلاة علي نبيّه و مضمر سره، الذي اجتباه عنوانا لصحيفة أحبائه، و خاتمة لدفتر أنبيائه (2)، و آله الذين جعل مقبول الطاعات موقوفا علي محبتهم، و مرفوع الأعمال معلقا علي طاعتهم، صلاة لا تنقطع ما دامت المعضلات بأنامل الأفكار منحلة، و مجاهيل الأحكام مستفادة من الأدلّة.

و بعد: فقد نجز- بحمد اللّه تعالي و حسن توفيقه- كتاب (مستدرك الوسائل) الحاوي لما خفي عن الأنام من أدلة الأحكام و المسائل، حتّي عرف صدق القائل: «كم ترك للأواخر الأوائل»، و أصبح مصباحا تزاح بأنوار أخباره

ص: 3


1- ورد هنا بعد البسملة- في الحجرية دون المخطوط-: و به نستعين.
2- في المخطوط و الحجرية: أبنائه و الظاهر هو ما أثبتناه.

غياهب الأوهام، و دستورا يرجع إليه في معرفة الحلال و الحرام، و دليلا لرائد الفكر إذا تاه في مجاهل الشبهات، و سبيلا قصدا إلي مستور الأخبار و مخفي الروايات، و هاديا إلي كنوز من العلم لم تزل عن الأبصار مخفيّة، و ناشرا لإعلام هداية لم تزل من قبل مطويّة، و طلع في آفاق المفاخر بدرا كاملا بعد السرار (1)، و عمّ نوره سائر الأمصار، و افتخر به هذا العصر علي ما تقدمه من سائر الأعصار، و أصبحت عيون الفضل به قريرة، و مسالك الأفهام به مستنيرة، و رأي العلماء منه بالعيان، ما زعموا خروجه عن (2) حدّ الإمكان، و نظروا إلي درر متّسقة، طالما اشتاقوا أن يروها و لو متفرّقة.

و لمّا فاح مسك ختامه، و لاح كالبدر ليل تمامه، انتهي ميدان القلم إلي استدراك للفوائد، و ما خفي علي الشيخ المصنف (3) رحمه اللّه من غوالي الفرائد، فاشتمل- بحمد اللّه تعالي- كسابقه علي فوائد جمّة، و نفائس مهمّة، لم تنل لآليها من قبل كفّ غائص، و لا دنت من آرام (4) كناسها حبالة قانص، فكم من راو مجهول بين أبناء صنفه بيّنت فيها حاله، و مهجور لضعفه نبّأت علي أنّه في غاية الجلالة، و مشتبه شخصه و حاله يزول عنه الشكّ و الريب، و مطعون في دينه يظهر براءته عن وصمة العيب.

و كم من عالم ضاع اسمه في زوايا الخمول، و درست من أبيات فضائلهم.

ص: 4


1- السرار: اختفاء القمر آخر ليلة من الشهر، لسان العرب 2: 682 مادة: سرر.
2- في الحجرية: من.
3- الشيخ الإمام، العلامة المحقق، محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن الحسين الحر العاملي المشغري، كان عالما، فاضلا، أديبا، فقيها، محدثا، بل من أجلّة المحدّثين، صنف العديد من الكتب و الرسائل و كان من أهمها و أشهرها «وسائل الشيعة». ولد في قرية مشغرة ليلة الجمعة ثامن شهر رجب المرجب سنة 1033 ه، و توفي في المشهد الرضوي علي مشرفها السلام في الحادي و العشرين من شهر رمضان سنة 1104 ه.
4- الآرام: جمع رئم، و هو الظبي الأبيض الخالص البياض، انظر الصحاح 5: 1927 مادة: رام.

الآثار و الطلول، و أخمدت مصابيح فضائله أعصار الأعصار، و عادت رياض مناقبه ذاوية الأزهار، أظهرت ما خفي من علمه، و جدّدت ما درس من رسمه، حتي عاد منارا به يهتدي، و علما به يقتدي.

و أصل من معظم الأصول، كان عند القدماء عليه المعوّل، لا غناء لهم عنه و لا متحول، كان لهم عليه في العمل المدار، و في اشتهار الصحة كالشمس في رابعة النهار، أصبح في هذه الأعصار مجهول الانتساب و المقدار، و قابله أهله بالردّ و الإنكار، أعرصوا عنه مذ لم يعرفوه، و جهلوا حاله- أو حال مصنّفه- فانكروه، فشيّدت- بحمد اللّه تعالي- فيها أساس صحّته، و أثبتّ علوّ قدر مصنّفه و جلالة رتبته.

و آخر محت آثاره شبهات الغافلين، و تشكيكات الجاهلين، جدّدت معالمه الدارسة، و أحييت آثاره الطامسة، و أجبت عن تلك الشبهات الغثة، و الشكوك الرثّة، حتي أضحت بريئة من تلك التهم، و انجاب عنه ذلك لغمام المدلهم.

و بالجملة فهذه الدرر و الفرائد، التي نظمتها في سلك واحد، جديرة بأن تكون لأجياد غواني المعاني عقودا، و يفصّل هذا السابري لأجسادها حللا و برودا، إذ كلّ فائدة منها فريدة عن غيرها ممتازة، و خريدة عن جاراتها منحازة، تستقل كلّ منها بنفسها، و تفوق علي من سواها من جنسها، و كان من حقها أن نجعل كل فائدة منها كتابا مستقلا، و موردا يروي ظمأ طلّابها علا و نهلا، و لكن صدّنا عن ذلك ما عزمنا عليه من إتمام مستدرك الكتاب، و كراهة أن تبقي مشيدات قصوره ناقصة البيوت و الأبواب، و الناظر في ذلك بالخيار: إن شاء أبقاها علي ما وقع عليه الاختيار، و ان شاء جعلها عقودا مفصّلة في نحور الطروس، و نفائس تتنافس في رؤيتها النفوس، و أسأل اللّه أن يجعل نفعها عامّا لخصوص اولي الألباب، و أن ينفعني بها يوم الحساب.

ص: 5

ص: 6

الفائدة الأولي في ذكر الكتب التي نقلت منها، و جمعت منها هذا المستدرك

ص: 7

ص: 8

في ذكر الكتب التي نقلت منها، و جمعت منها هذا المستدرك، ممّا لم يكن عند الشيخ الجليل المتبحّر صاحب الوسائل رحمه اللّه، أو كان و لم يعرف صاحبه في وقت التأليف، و هي كثيرة نذكر عمدتها:

[1] كتاب الجعفريات: و يعرف في كتب الرجال بالأشعثيات، و يأتي وجه التسمية بها.

[2] كتاب درست بن أبي منصور.

[3] أصل زيد الزرّاد.

[4] كتاب أبي سعيد عبّاد العصفري.

[5] كتاب عاصم بن حميد الحنّاط.

[6] أصل زيد النرسي.

[7] كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي.

[8] كتاب محمّد بن المثنّي.

[9] كتاب عبد الملك بن حكيم.

[10] كتاب المثنّي بن الوليد الحنّاط.

[11] كتاب خلّاد السدي.

[12] كتاب حسين بن عثمان بن شريك.

[13] كتاب عبد اللّه بن يحيي الكاهلي.

[14] كتاب سلام بن أبي عمرة.

[15] جزء من نوادر عليّ بن أسباط.

[16] مختصر كتاب العلاء بن رزين.

ص: 9

[17] كتاب المؤمن- أو ابتلاء المؤمن- للحسين بن سعيد الأهوازي.

[18] كتاب الديات لظريف بن ناصح.

[19] كتاب المسلسلات للشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد القمي.

[20] كتاب المانعات من دخول الجنّة له أيضا.

[21] كتاب الغايات له [أيضا].

[22] كتاب العروس في أعمال الجمعة له أيضا.

[23] كتاب القراءات لأحمد بن محمّد السيّاري، و يعرف أيضا بكتاب التنزيل و التحريف.

[24] كتاب إثبات الوصيّة للشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي.

[25] كتاب دعائم الإسلام للقاضي نعمان بن أبي عبد اللّه المصري.

[26] كتاب شرح الأخبار له أيضا.

[27] كتاب الاستغاثة لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي.

[28] كتاب الآداب و الأخلاق له أيضا.

[29] كتاب النوادر للسيّد الأجل ضياء الدين فضل اللّه بن علي الراوندي.

[30] كتاب روض الجنان- و هو التفسير الكبير- للشيخ أبي الفتوح الحسين بن علي الخزاعي الرازي.

[31] رسالة تحريم الفقّاع للشيخ أبي جعفر الطوسي.

[32] كتاب معدن الجواهر لأبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي.

[33] كتاب لبّ اللباب للشيخ الجليل هبة اللّه بن سعيد المعروف بالقطب الراوندي.

[34] كتاب الدعوات له أيضا.

[35] كتاب فقه القرآن له أيضا.

[36] كتاب التمحيص لأبي علي محمّد بن همام.

[37] كتاب الهداية للصدوق.

ص: 10

[38] كتاب المقنع له أيضا.

[39] كتاب نزهة الناظر لأبي يعلي الجعفري تلميذ الشيخ المفيد رحمه اللّه.

[40] كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلي مولانا الصادق عليه السلام.

[41] صحيفة الرضا عليه السّلام.

[42] الرسالة الذهبيّة لمولانا الرضا عليه السّلام.

[43] كتاب الفقه المنسوب إلي مولانا الرضا عليه السّلام أيضا.

[44] كتاب فلاح السائل و نجاح المسائل للسيّد رضيّ الدين علي بن طاوس، و قد وصل إلينا الجزء الأول منه، و هو من مجلّدات التتمّات و المهمّات.

[45] كتاب مشكاة الأنوار للمحدّث الفاضل سبط أمين الإسلام الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان.

[46] رسالة في المهر للشيخ المفيد رحمه اللّه.

[47] المسائل الصاغانيّة له أيضا، و غيرها من الرسائل و أجوبة المسائل.

[48] كتاب عوالي اللآلي للشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الأحسائي.

[49] كتاب درر اللآلي العمادية له أيضا.

[50] تفسير الشيخ الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني.

[51] كتاب جامع الأخبار المردّد مؤلّفه بين جماعة يأتي ذكر أساميهم.

[52] كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد اللّه محمّد بن سلامة القضاعي.

[53] مزار الشيخ محمّد بن المشهدي.

[54] تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل حسن بن محمّد بن الحسن القمي، المعاصر للصدوق رحمه اللّه.

[55] الخصائص للسيّد الرضيّ، جامع نهج البلاغة.

[56] سعد السعود للسيّد رضيّ الدين علي بن طاوس.

[57] كتاب اليقين- أو كشف اليقين- له أيضا.

[58] كتاب التعازي للشريف الزاهد أبي عبد اللّه محمّد بن علي بن الحسن بن

ص: 11

عبد الرحمن العلوي الحسني.

[59] كتاب المجموع الرائق للسيّد الفاضل هبة اللّه بن أبي محمّد الحسن الموسوي.

[60] طبّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لأبي العباس المستغفري.

[61] مجاميع ثلاثة للشهيد الأوّل قدس اللّه روحه الزكيّة.

[62] كتاب كنوز النجاح للشيخ أبي علي صاحب مجمع البيان.

[63] كتاب عمدة الحضر له أيضا.

[64] كتاب صغير وجدناه في الخزانة الرضوية.

[65] كتاب غرر الحكم و درر الكلم لعبد الواحد الآمدي.

و عندنا كتب اخري قلّما (1) رجعنا إليها، أشرنا إلي أساميها في محلّه.

و أمّا ما نقلنا عنه بتوسّط كتاب بحار الأنوار فهو:

[أ] كتاب الإمامة و التبصرة للشيخ الجليل علي بن الحسين بن موسي بن بابويه.

[ب] كتاب العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القميّ رحمه اللّه.

[ج] كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين للشيخ العارف أبي محمّد الحسن بن محمّد الديلمي.

[د] كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر السوري.

[ه] كتاب مقصد الراغب للشيخ الحسين بن محمّد بن الحسن المعاصر للصدوق رحمه اللّه.

[و] كتاب مصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمّد.

[ز] كتاب العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة، تأليف الشيخ الفقيه رضيّ الدين عليّ بن يوسف بن مطهّر الحلي، أخ العلامة رحمهما اللّه تعالي.ب.

ص: 12


1- في المخطوط و الحجرية: فلما، و قد أثبتنا ما هو أنسب.

الفائدة الثانية في شرح حال هذه الكتب و مؤلّفيها

اشارة

ص: 13

ص: 14

في شرح حال هذه الكتب و مؤلّفيها

1- أمّا الجعفريّات:

فهو من الكتب القديمة المعروفة المعوّل عليها، لإسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السلام.

قال النجاشي في رجاله: إسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسين عليهم السلام، سكن مصر و ولده بها، و له كتب يرويها عن أبيه عن آبائه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن و الآداب، كتاب الرؤيا.

أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه، قال: حدثنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل، قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر- قراءة عليه- قال: حدثنا موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهم السلام (1)، قال: حدثنا أبي بكتبه (2).

و قال الشيخ رحمه اللّه في الفهرست: إسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سكن مصر

ص: 15


1- كذا، و المصدر بطبيعته خال من التحية و هو الصحيح لوقوع المعصوم في عمود النسب.
2- رجال النجاشي: 26/ 48.

و مولده (1) بها، له كتب عن أبيه عن آبائه مبوّبه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الدعاء، كتاب السنن و الآداب، كتاب الرؤيا.

أخبرنا (2) الحسين بن عبيد اللّه، قال: أخبرنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل الديباجي، قال: حدثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر- قراءة عليه- من كتابه، قال: حدثنا موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهم السلام، قال: حدثنا أبي إسماعيل (3).

و قال في رجاله: محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، يكنّي أبا علي و مسكنه بمصر في سقيفة جواد، يروي نسخة عن موسي بن إسماعيل بن موسي ابن جعفر عليهما السلام، عن أبيه إسماعيل بن موسي، عن أبيه موسي بن جعفر عليهما السلام، قال التلعكبري: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشرة و ثلاثمائة (4).

و قال في ترجمة محمّد بن داود بن سليمان: يكنّي أبا الحسن يروي عنه التلعكبري، و ذكر أنّ إجازة محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي وصلت إليه علي يد هذا الرّجل في سنة ثلاث عشرة و ثلاثمائة، قال: سمعت منه في هذه السنةم.

ص: 16


1- جاء في هامش النسخة الحجرية منه قدس سره: «كذا في نسخ الفهرست و الظاهر أنه اشتباه و الصحيح ما في النجاشي من أن ولده بها، و كيف يكون مولده بمصر و أبوه عليه السلام حي بالمدينة، و قد جعله في طبقات الناظرين في صدقاته». نقول: أمّا في النسخة المطبوعة من الفهرست: «و ولده» و هو يطابق ما في النجاشي المتقدم، فلاحظ.
2- في النسخة المطبوعة من الفهرست زيادة لفظ: بجميعها.
3- فهرست الشيخ: 10/ 31. و فيه: عليه بدل عليهما. و تقدم ان لا مورد للتحية.
4- رجال الشيخ: 500/ 63. و فيه: عليه السلام.

من الأشعثيات ما كان إسناده متّصلا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله، و ما كان غير ذلك لم يروه عن صاحبه، و ذكر التلعكبريّ أنّ سماعة هذه الأحاديث المتّصلة الأسانيد من هذا الرجل، و رواية جميع النسخة بالإجازة عن محمّد بن الأشعث، و قال ليس لي من هذا الرجل إجازة (1).

و قال النجاشي: سهل بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن سهل الديباجي، أبو محمّد لا بأس به، كان يخفي أمره كثيرا، ثمّ ظاهر بالدين في آخر عمره، له كتاب إيمان أبي طالب. أخبرني به عدّة من أصحابنا، و أحمد بن عبد الواحد (2).

و قال العلّامة طاب ثراه في الخلاصة بعد نقل كلام النجاشي إلي قوله:

آخر عمره و قال ابن الغضائري: كان يضع الأحاديث، و يروي عن المجاهيل و لا بأس بما يروي عن الأشعثيات، و ما يجري مجراها ممّا رواه غيره (3)، انتهي.

و قال الشيخ رحمه اللّه في رجاله: سهل بن أحمد بن عبد اللّه بن سهل الديباجي، بغداديّ كان ينزل درب الزعفراني ببغداد، سمع منه التّلعكبريّ سنة سبعين و ثلاثمائة، و له منه إجازة و لابنه، أخبرنا عنه الحسين بن عبيد اللّه، يكنّي أبا محمّد (4)، انتهي.

و لا يخفي أنّ مدح النجاشي، و رواية العدّة و التّلعكبريّ و ابنه عنه، و عدم إشارة الشيخ إلي ذمّ فيه، و اعتماده (5) و النجاشي و الحسين بن عبيد اللّه عليه في الرواية عن الأشعثيات، و ذكره بالكنية في مقام ذكر الطريق.

يوجب (6) الاعتماد، و يوهن كلام ابن الغضائري، و ان استثني روايته عنر.

ص: 17


1- المصدر السابق: 504/ 75.
2- رجال النجاشي: 186/ 493.
3- رجال العلامة: 81/ 4.
4- رجال الشيخ: 474/ 3.
5- أي الشيخ الطوسي.
6- جواب لقوله «لا يخفي.» المتقدم قبل أسطر.

الأشعثيات، فإنّ جلالة شأنهم، و علوّ مقامهم، و تثبّتهم، تأبي عن الرواية عن الوضّاع، و جعله شيخا للإجازة.

و يؤيده كلام جماعة من أصحابنا: كالشيخ محمّد في شرح الاستبصار (1)، و الشيخ عبد النبيّ في الحاوي (2)، و سميّه الكاظمي في التكملة، بل نسبه فيها إلي الأكثر (3)، و المجلسي (4)، و صاحب النقد (5)، و أستاده خرّيت هذه الصناعة المولي عبد اللّه التستري (6)، من أنّ المراد من ابن الغضائري صاحب الرجال، هو أحمد الغير المذكور في الرجال، الذي صرّح الجماعة بأنّهم لم يقفوا فيه علي جرح و لا تعديل، بل قال في البحار: و رجال ابن الغضائري، و هو إن كان الحسين فهو من أجلّة الثقات، و إن كان أحمد- كما هو الظاهر- فلا اعتمد عليه كثيرا، و علي أي حال الاعتماد علي هذا الكتاب يوجب ردّ أكثر أخبار الكتب المشهورة (7)، انتهي.

و ممّن روي عن الأشعثيات بتوسط سهل عليّ بن بابويه (8) قدّس سره كماة.

ص: 18


1- عنوانه: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار.
2- الموسوم ب: حاوي الأقوال في معرفة الرجال للشيخ عبد النبي الجزائري المتوفي سنة 1021 هجرية، لا زال مخطوطا.
3- تكملة الرجال 1: 126- 131.
4- بحار الأنوار 1: 41.
5- نقد الرجال: 20/ 44 و 106/ 75.
6- أنظر مجمع الرجال 1: 10.
7- بحار الأنوار 1: 41.
8- يبدو ان الشيخ المؤلف قدس سره اشتبه عليه الأمر، كما اشتبه علي الشيخ المجلسي قدس سره في البحار من قبله. إذ بعد البحث ثبت ان الروايات المقصودة و المشار إليها هي ما رواه جعفر بن أحمد بن علي القمي و ليس علي بن بابويه القمي. و ذلك لأن المشار إليها من الأحاديث أخلاقية في الغالب و الإمامة و التبصرة معلوم بحثه و موضوعه من عنوانه. أضف ان النسخة التي كانت بيد العلامة المجلسي من الإمامة و التبصرة ملفقة منه و جامع الأحاديث حيث سقط صفحة عنوان الجامع و بالتالي عزيت احاديث الجامع إلي الإمامة مما نشأ عنه ذلك، و لمزيد التوضيح راجع مستدرك الوسائل الجزء الأول صفحة 39 من مقدمة التحقيق. هذا و مما يثير العجب ان العلّامة النوري (ره) بنفسه شكك في صحة كون ما ينقل عنه العلّامة المجلسي (ره) بعنوان الإمامة و التبصرة هو نفس هذا الكتاب، و مما استند إليه في هذا التشكيك وجود الرواية فيه عن سهل بن أحمد الديباجي و أن رواية علي بن بابويه عنه تنافي طبقته، راجع الجزء الثالث صفحة 529 من الطبعة الحجرية.

يظهر من كتاب الإمامة و التبصرة له، و قد نقل عنه في البحار كثيرا، سيّما في كتاب العشرة، و وجدناه مطابقا لما في أصله (1).

و لا بعد في رواية علي بن بابويه عنه (2)، مع رواية الحسين- المتأخر عنه بطبقتين- عنه أيضا، فإنّ وفاه علي في سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة، و قد مرّ أنّ التلعكبري سمع منه سنة سبعين و ثلاثمائة، فلو كان عمره حينئذ ثمانين مثلا كان في وقت وفاة علي في حدود الأربعين، و روايته عنه قبله بمدّة غير مستبعد.

و ممّن روي هذا الكتاب عن محمّد بن محمّد بن الأشعث بتوسط سهل:

أبو عبد اللّه محمّد بن الحسن التميمي البكري، كما يأتي في شرح حال كتاب النوادر للسيّد فضل اللّه الراوندي (3).

ثم اعلم أنّ جماعة أخري رووا هذا الكتاب عنه غير سهل:3.

ص: 19


1- راجع بحار الأنوار علي سبيل المثال 74: 80/ 80 و 400/ 44، و جامع الأحاديث: 11 و 27.
2- لكنه في الفائدة الثالثة في ترجمة الحادي عشر من المشايخ العظام الّذين تنتهي إليهم السلسلة في الإجازات، و هو علي بن بابويه القمي (ره): ذكر أن رواية علي ابن بابويه القمي (ره) عن أبي محمد هارون بن موسي التلعكبري و الحسن بن حمزة العلوي و. و عن سهل بن أحمد الديباجي تنافي طبقته، و هذا مناف لما أورده هنا، نعم بعد أن ذكر المنافاة المذكورة قال: (و إن أمكن التكلف في بعضها) و لعلّ مراده بالبعض روايته عن سهل أو أنها جزء من مراده، فيمكن التكلف برفع المنافاة بين ما صدر عنه في المقامين.
3- يأتي في الصفحة: 173.

1- منهم: شيخ هذه الطائفة و وجهها أبو محمّد هارون بن موسي التلعكبري كما تقدّم (1).

2- و منهم: الشيخ الجليل أبو المفضّل الشيباني، قال رضيّ الدين علي ابن طاوس في فلاح السائل: حدّث أبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه رحمه اللّه قال: كتب إليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي من مصر، يقول: حدثنا موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السلام، و ساق السند (2) (3) و الخبر موجود في أواخر هذا الكتاب.

3- و منهم: أبو الحسن علي بن جعفر بن حمّاد، قال العلامة في إجازته الكبيرة لبني زهرة: و من ذلك كتاب الجعفريات، و هي ألف حديث بهذا الإسناد: عن السيّد ضياء الدين فضل اللّه بإسناد واحد، رواها عن شيخه عبد الرحيم، عن أبي شجاع صابر بن الحسين بن فضل اللّه بن مالك، قال:

حدثنا أبو الحسن عليّ بن جعفر بن حمّاد بن دائن (4) الصيّاد بالبحرين، قال:

أخبرنا بها أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي، عن أبي الحسن موسي ابن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السلام.

4- و منهم: عبد اللّه بن المفضل، قال الشيخ رحمه اللّه في باب البيّنات من التهذيب: عنه، عن عبد اللّه بن المفضّل بن محمّد بن هلال (5)، عن محمّدل.

ص: 20


1- تقدم في صفحة: 16، عند نقله كلام الشيخ في رجاله في ترجمة محمّد ابن محمد بن الأشعث الكوفي نقلا عن التلعكبري قال: أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ثلاث عشر و ثلاثمائة.
2- ورد في الحجرية بعد السند زيادة: و المتن.
3- فلاح السائل: 284، و انظر الأشعثيات: 248.
4- كذا و في بحار الأنوار 107: 132: رائق.
5- كذا في النسخة المطبوعة من الاستبصار 3: 24/ 78، و في التهذيب 6: 265/ 710 و رجال النجاشي: 232/ 616: عبيد اللّه بن الفضل بن محمّد بن هلال.

ابن محمّد بن الأشعث الكندي (1)، قال: حدّثنا موسي بن إسماعيل، عن أبيه، قال: حدّثني أبي، [عن أبيه] عن جدّه، عن عليّ عليهم السلام. إلي آخره.

و رواه في الاستبصار أيضا، إلّا أنّ في جملة من نسخه عبد اللّه بن المفضّل، عن محمّد بن هلال، عن محمّد بن محمّد (2). إلي آخره.

5- و منهم: إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه القرشي، ففي التهذيب: محمّد ابن أحمد بن داود، عن أبي أحمد إسماعيل بن عيسي بن محمّد المؤدب، قال:

حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه القرشي، قال: حدثنا محمّد بن محمّد بن الأشعث بمصر، قال: حدثنا أبو الحسن موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر ابن محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام (3). إلي آخره، كذا في نسخة، و في نسخة محمّد بن محمّد بن هيثم بدل الأشعث.

و صرّح الفاضل الأردبيلي في جامع الرّواة: أنّه سهو، لعدم وجوده في كتب الرجال (4).

و الخبر موجود في الكتاب كما رواه (5).

6- و منهم: أبو محمد عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه (6) - المعروف بابن2.

ص: 21


1- جاء في هامش النسخة الحجرية منه قدس سره ما لفظه: كذا في نسخ التهذيب، و لعلّه اشتباه، فإنّ أحدا لم ينسب محمدا إلي كندة، و إنّما صرّحوا بكونه كوفيا، و كأن محمد بن أشعث الكندي الخبيث المعروف خلج في خاطره الشريف، فجري القلم علي ما حضر فيه، و قد وقع له (رحمه اللّه) مثل ذلك في إسحاق بن عمّار من نسبته إلي الفطحية، بشرح لا يليق بالمقام.
2- الاستبصار 3: 24/ 78، و ما بين المعقوفين لم يرد في الحجرية.
3- تهذيب الأحكام 6: 3/ 1.
4- جامع الرواة 2: 187.
5- الأشعثيات: 76.
6- في المخطوط و الحجري: أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه. و هو خطأ و الصحيح المثبت. لما يأتي بعد أسطر، و انظر ترجمته في سير اعلام النبلاء 16: 351/ 252.

السقّاء- كما هو موجود في أوّل النسخة التي وصلت إلينا، ففيه: أخبرنا القاضي أمين القضاة أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن محمّد- قراءة عليه، و أنا حاضر أسمع.

قيل له: حدّثكم والدكم أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد، و الشيخ أبو نعيم محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن خلف الجمازي، قالا: أخبرنا الشيخ أبو الحسن أحمد بن المظفّر العطار، قال: أخبرنا أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان- المعروف بابن السقّاء- قال: أخبرنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي من كتابه، سنة أربع عشرة و ثلاثمائة، قال: حدثني أبو الحسن موسي بن إسماعيل. إلي آخره (1).

ثمّ قد يذكر في أوّل السّند فيقول: أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا محمّد (2)، و الأغلب أن يبتدئ بمحمّد، فيقول: أخبرنا محمّد، حدثني موسي. إلي آخره.

7- و منهم: أبو أحمد عبد اللّه بن عدي بن عبد اللّه (3)، قال العلّامة المجلسي قدس سره في الفصل الرابع من أول البحار: و كلّ ما كان فيه نوادر الراوندي بإسناده، فهذا سنده نقلته كما وجدته: أخبرنا. إلي آخر ما يأتي في شرح حال النوادر (4)، و قال في الحاشية في هذا المقام: أقول أخبار الأشعثيات كانت مشهورة بين الخاصّة و العامّة، و قد جمع الشيخ محمّد بن (محمّد بن) (5) الجزري الشافعي أربعين حديثا، كلّها من تلك الأخبار المذكورة في النوادر بهذا السند، قال في أوّله: أردت جمع أربعين حديثا من رواية أهل البيت الطيّبينت.

ص: 22


1- الجعفريات: 2.
2- الجعفريات: 66.
3- في الحجرية و المخطوط: عبد اللّه بن احمد بن عدي و هو خطأ و الصحيح المثبت، إذ هو صاحب الكامل في الضعفاء.
4- بحار الأنوار 1: 54. و يأتي في صفحة 173، رقم (29).
5- ما بين الأقواس لم يرد في الجعفريات.

الطاهرين عليهم السلام،- حشرنا اللّه في زمرتهم و أماتنا علي محبّتهم- من الصحيفة التي ساقها الحافظ أبو أحمد بن عدي.

ثم قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد اللّه المقدسي، عن سليمان بن حمزة المقدسي، عن محمود بن إبراهيم، عن محمّد بن أبي بكر المديني، عن يحيي بن عبد الوهّاب، عن عبد الرحمن بن محمّد، عن أحمد بن محمّد الهروي، عن أبي أحمد عبد اللّه بن أحمد بن عدي (1).

قال: و أخبرني أيضا أحمد بن محمّد الشيرازي، عن علي بن أحمد المقدسي، عن عمر بن معتمر، عن محمّد بن عبد الباقي، عن أحمد بن علي الحافظ، عن الحسن الحسيني الأسترابادي، عن عبد اللّه بن أحمد بن عديّ (2)، عن محمّد بن محمّد بن الأشعث، عن موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السلام، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه موسي، عن آبائه عليهم السلام، ثم ذكر أسانيد الأخبار بهذا السند (3) انتهي.

و من الغريب بعد ذلك كلّه، ما ذكره الشيخ الجليل في جواهر الكلام في كتاب الأمر بالمعروف، ما لفظه: و أغرب من ذلك كلّه استدلال من حلّت الوسوسة في قلبه، بعد حكم أساطين المذهب بالأصل المقطوع، و إجماع ابني زهرة و إدريس- اللذين قد عرفت حالهما- و ببعض النصوص الدالة علي أنّ الحدود للإمام عليه السلام خصوصا المروي عن كتاب الأشعثيات، لمحمّد بن محمّد بن الأشعث- بإسناده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام: «لا يصلح الحكم، و لا الحدود، و لا الجمعة إلّا بالإمام» (4) - الضعيف سندا، بل الكتاب المزبور علي ما حكي عن بعض الأفاضل، ليس من2.

ص: 23


1- : تقدم ضبطه.
2- : تقدم ضبطه.
3- النص في الجعفريات: 4- 5.
4- الجعفريات: 22.

الأصول المشهورة، بل و لا المعتبرة، و لم يحكم أحد بصحّته من أصحابنا، بل لم تتواتر نسبته الي مصنّفه، بل و لم تصحّ علي وجه تطمئنّ النفس بها، و لذا لم ينقل عنه الحرّ في الوسائل، و لا المجلسي في البحار، مع شدّة حرصهما- خصوصا الثاني- علي كتب الحديث، و من البعيد عدم عثورهما عليه، و الشيخ و النجاشي، و إن ذكرا أنّ مصنّفه من أصحاب الكتب، إلّا أنّهما لم يذكرا الكتاب المزبور بعبارة تشعر بتعيينه، و مع ذلك فإنّ تتبّعه و تتبّع كتب الأصول يعطيان أنّه ليس جاريا علي منوالها، فإنّ أكثره بخلافها، و إنّما تطابق روايته في الأكثر رواية العامّة. إلي آخره (1)، انتهي موضع الحاجة، و فيه مواقع للنظر بل التعجب.

أمّا أولا: فقوله رحمه اللّه: «ضعيف (2) سندا»، فإنّ الكتاب علي ما زعمه لمحمّد بن الأشعث، و هو ثقة من أصحابنا، كما في رجال النجاشي و الخلاصة (3) و الطريق إليه صحيح، كما عرفت.

و الحقّ الذي لا مرية فيه أنّه لإسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السلام كما عرفت سابقا، و انّما وصل إلي محمّد بن محمّد بن الأشعث بتوسط ابنه موسي، و منه انتشر هذا الكتاب، و عرف بالأشعثيات.

و يعرّف جلالة قدر إسماعيل و علوّ مقامه- مضافا الي التأمّل (فيما) (4) في ترجمته- ما ذكره الكشي في ترجمة صفوان بن يحيي، أنّه مات في سنة عشر و مائتين بالمدينة، و بعث إليه أبو جعفر عليه السلام بحنوطه و كفنه، و أمر إسماعيل بن موسي عليه السلام بالصلاة عليه (5).1.

ص: 24


1- جواهر الكلام 21: 397- 398.
2- كذا في المخطوط و الحجرية، و لكن هناك في الحجرية استظهار: الضعيف.
3- رجال النجاشي: 379/ 1031 و رجال العلامة 161/ 152.
4- كذا، و في الحجرية وردت ك: نسخة بدل.
5- رجال الكشي 2: 792/ 961.

و في الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، و عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان. و عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسين جميعا، عن صفوان بن يحيي، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، أنّ أبا الحسن موسي عليه السلام بعث إليه بوصيّة أبيه، و بصدقته، و ساق الحديث (1).

و فيه: و جعل صدقته هذه إلي علي عليه السلام و إبراهيم، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي منهما، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما، فإذا انقرض أحدهما دخل العبّاس مع الباقي منهما، فإذا انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي، فان لم يبق من ولدي إلّا واحد فهو الذي يليه، و زعم أبو الحسن عليه السلام أنّ أباه قدم إسماعيل في صدقته علي العباس، و هو أصغر منه (2).

و قال المفيد رحمه اللّه في الإرشاد- بعد ذكر أولاد موسي عليه السلام-:

و لكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسي عليه السلام فضل و منقبة مشهورة (3).

و أمّا ابن إسماعيل أبو الحسن موسي، فقال الشيخ في الفهرست: موسي ابن إسماعيل له كتاب الصلاة، و كتاب الوضوء، رواهما عنه محمّد بن محمّد بن الأشعث، و له كتاب جامع التفسير (4).

و قال النجاشي: موسي بن إسماعيل له كتاب جوامع التفسير، و له كتاب الوضوء، روي هذه الكتب محمّد بن الأشعث (5).

و يظهر منهما أنّه من العلماء المؤلّفين، مع أنّه في المقام من مشايخ1.

ص: 25


1- الكافي 7: 53/ 8، مع بعض الاختلاف في السند.
2- الكافي 7: 54/ 8.
3- الإرشاد 2: 246.
4- فهرست الشيخ: 163/ 721.
5- رجال النجاشي: 41/ 1091.

الإجازة، و النسخة معلومة الانتساب إلي أبيه إسماعيل، و لذا تلقّاها الأصحاب بالقبول كما عرفت من حال (1) الرّواة و المحدّثين، و رووها عن محمّد بن الأشعث من غير تأمّل و نكير من أحد منهم، بل روي عنه هذه النسخة أيضا الثقة العين محمّد بن يحيي الخزاز، كما في المجلس الحادي و السبعين من أمالي الصدوق قدس سره، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه اللّه، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: أخبرني محمّد بن يحيي الخزاز، قال: حدثني موسي بن إسماعيل، عن أبيه، عن موسي بن جعفر عليهما السلام (2)، و ساق الخبر، ثم قال: و بهذا الإسناد، و ساق خبرين آخرين كلّها موجودة فيها (3).

و يروي عنه أيضا إبراهيم بن هاشم، كما في المجلس الرابع و الخمسين منه، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا موسي بن إسماعيل ابن موسي بن جعفر عليهما السلام (4)، و ساق النسب و الإسناد. إلي آخره.

و يروي عنه أيضا أحمد بن عيسي، ففي المجلس الأربعين منه: حدثنا الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري، قال: حدثنا محمّد بن أحمد القشيري (5)، قال: حدّثنا أبو الحريش أحمد بن عيسي الكوفي، قال: حدّثنا موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السلام (6)، و ساق السند و المتن6.

ص: 26


1- كذا و في الحجرية: أحوال.
2- أمالي الصدوق: 376/ 6، 7، 8، و الجعفريات: 182.
3- المصدر السابق: 377/ 7 و 8 و الجعفريات: 183.
4- المصدر السابق: 277/ 21.
5- ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 463 تحت رقم 7169 و قال: محمّد بن أحمد بن حمدان ابن المغيرة القشيري، أبو جمزي. و جاء في النسخة الحجرية «القرشي» و عن نسخة «القشيري» و نحوه في المصدر، و عن نسخة «القشري».
6- أمالي الصدوق: 189/ 10 و الجعفريات: 176.

كما في الأصل الموجود، و مثله في المجلس الثالث و الخمسين إلّا أنّ فيه أحمد بن عيسي الكلابي (1).

و في أمالي أبي عليّ ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن الصدوق قدّس سرّهم، قال: حدثنا الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري، قال:

حدّثنا محمّد بن أحمد بن حمران بن المغيرة القشيري، إلي آخر السند و المتن (2).

و أنت خبير أنّ رواية ثلاثة من الأجلّاء الثقات، عن موسي- و هم: محمّد ابن الأشعث، و ابن يحيي، و إبراهيم بن هاشم الذي صرّح علي بن طاوس في فلاح السائل بأنّه من الثقات (3) بالاتّفاق- ممّا يورث الظن القويّ بكونه من الثقات، و لعلّنا نشير إليه فيما يأتي ان شاء اللّه تعالي، مضافا إلي كونه من المؤلّفين.

و من الغريب ما في منتهي المقال، فإنّه بعد نقل ما في الفهرست و النجاشي كما نقلنا، قال: أقول: يظهر ممّا ذكراه أنّه من العلماء الإماميّة فتأمّل (4)، فكأنّه لم يعرفه و أنّه سبط الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام، و استظهر منهما كونه إماميّا ثم تأمّل فيه.

و أمّا ثانيا: فقوله: «حاكيا عن بعض الأفاضل أنّه ليس من الأصول المشهورة.» الي آخره ففساده واضح بعد التأمّل فيما ذكرناه، و ليت شعري أيّ كتاب من الرواة الأقدمين أشهر منه، و أيّ مؤلّف لم ينقل منه، بل لم يذكروا كتابا مخصوصا منه في طيّ الإجازات سواه.

و قال ابن طاوس في كتاب عمل شهر رمضان- المدرج في الإقبال:

فصل في تعظيم شهر رمضان (5) -: رأيت و رويت من كتاب الجعفريات و هين.

ص: 27


1- أمالي الصدوق: 268/ 2.
2- أمالي الشيخ 2: 44.
3- فلاح السائل: 158.
4- منتهي المقال: 312.
5- ورد عنوان الفصل في الإقبال باللفظ التالي: فصل في تعظيم التلفظ بشهر رمضان.

ألف حديث بإسناد واحد، عظيم الشأن، إلي مولانا موسي بن جعفر، عن مولانا جعفر بن محمّد، عن مولانا محمّد بن علي، عن مولانا علي بن الحسين، عن مولانا الحسين بن علي، عن مولانا علي [بن أبي طالب عليهم السلام، قال:

«لا تقولوا رمضان» الخبر. و هذا الحديث وقف فيه الإسناد في الأصل إلي مولانا علي عليه السلام (1).

و قد روينا في غير هذا أنّ كل ما روي عن مولانا علي] (2) عليه السلام فهو عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله (3)، انتهي.

و لا يخفي أنّ في قوله: عظيم الشأن، مدح عظيم لإسماعيل و ابنه موسي و محمّد بن الأشعث يقرب من التوثيق، فإنّه في مقام مدح هؤلاء لا الّذين فوقهم صلوات اللّه عليهم. و قد مرّ ما ذكره العلامة في إجازته الكبيرة (4).

و قال شمس الفقهاء الشهيد قدّس اللّه سرّه في البيان- في مسألة عدم منع الدين من الزكاة- ما لفظه: و الدّين لا يمنع زكاة التجارة كما مرّ في العينية، و إن لم يكن الوفاء من غيره، لأنّها و إن تعلّقت بالقيمة فالأعيان مرادة، و كذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا كان مالكا مئونة السنة، و لا من الخمس إلّا خمس الأرباح. نعم يمكن أن يقال: لا يتأكّد إخراج زكاة التجارة للمديون، لأنّه نفل يضرّ بالفرض، و في الجعفريات: من كان له مال، و عليه مال، فليحسب ماله و ما عليه، فإن كان له فضل مائتي درهم فليعط خمسه، و هذا نصّ في منع الدين الزكاة.0.

ص: 28


1- الجعفريات: 59.
2- ما بين المعقوفين لم يرد في المخطوطة و الظاهر أنّه سقط لسهو من كاتبها، كما و ان هذه القطعة قد وردت في الحجرية و كذلك المصدر، و قد أثبتناها في المتن لضرورتها.
3- إقبال الأعمال: 3.
4- لاحظ الإجازة الكبيرة في بحار الأنوار 107: 60- 137، و تقدم في صفحة 20.

و الشيخ في الخلاف ما تمسّك علي عدم منع الدين إلّا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة (1)، انتهي.

و ظاهره كما نسب إليه في المدارك (2) التوقّف في هذا الحكم- الذي ادّعي العلّامة عليه الإجماع في المنتهي (3)، كما حكي- لأجل الخبر المذكور، و هذا ينبئ عن شدّة اعتماده عليه، و لا يكون إلّا بعد صحة نسبة الكتاب إلي مؤلّفه، و صحّة سنده.

و قال في الذكري: إذا لم نقل بوجوب التحليل فالأولي استحبابه استظهارا، و لو مع الكثافة، لما رووه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله فعله، و روينا في الجعفريات أنّه صلّي اللّه عليه و آله قال: «أمرني جبرئيل عليه السلام، عن ربّي أن أغسل فنكي عند الوضوء»، و هما جانبا العنفقة، أو طرف اللحيين عندها، و في الغريبين: مجمع اللحيين و وسط الذقن، و قيل: هما العظمان الناشزان من الأذنين، و قيل: هما ما يتحركان من الماضغ، و عنه صلّي اللّه عليه و آله أنّه كان ينضح غابته- و هي الشعر تحت الذقن- و أنّ عليا عليه السلام كان يخلّل لحيته.

و ما مرّ- مما يدلّ علي نفي التخليل- يحمل علي نفي الوجوب، جمعا بين الأخبار، و حينئذ بطريق الأولي استحباب إفاضة الماء علي ظاهر اللحية طولا، انتهي (4).

فانظر كيف سلك بأخبار الجعفريات سلوكه بما في الكتب الأربعة.8.

ص: 29


1- البيان: 191- 192، الجعفريات: 54، الخلاف 2: 108 مسألة 125.
2- مدارك الاحكام 5: 184.
3- منتهي المطلب 1: 506.
4- ذكري الشيعة: 84، و في النهاية 3: 476 الحديث باللفظ التالي: أمرني جبرئيل أن أتعاهد فنيكي بالماء عند الوضوء، الغريبين: مخطوط، و انظر الجعفريات: 18.

و قال رحمه اللّه: في نكت الإرشاد في شرح الإرشاد- في كتاب الصوم-:

فائدة نهي عن التلفّظ بلفظ رمضان، بل يقال «شهر» في أحاديث من أجودها ما أسنده بعض الأفاضل إلي الكاظم عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: «لا تقولوا رمضان فإنّكم لا تدرون ما رمضان» (1). و مراده الخبر الموجود في الجعفريات (2)، كما لا يخفي علي من نظر سائر أخباره في الوسائل، في باب كراهة قول رمضان من غير إضافة الي الشهر (3).

و عندي مجموعة شريفة كلّها بخط الشيخ الجليل صاحب الكرامات شمس الدين محمّد بن علي الجباعي، جدّ شيخنا البهائي رحمه اللّه نقلها كلّها من خطّ شيخنا الشهيد طاب ثراه و ممّا فيها ما اختصره من هذا الكتاب الشريف يقرب من ثلث هذا الكتاب، و كتب في آخر الأوراق التي فيها هذه الأخبار: يقول محمد بن علي الجباعي: إلي هاهنا وجدت من خطّ الشيخ محمد ابن مكيّ قدس سره من الجعفريات، علي أنّي تركت بعض الأحاديث و أوّلها ناقص، و لعلّ آخرها كذلك، و ذلك يوم الاثنين سادس شهر ربيع الأوّل، سنة اثنتين و سبعين و ثمانمائة، و الحمد للّه أولا و آخرا، و صلّي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

و أمّا ثالثا: فقوله رحمه اللّه: «و لذا لم ينقل عنه الحرّ في الوسائل» فإنّ فيه أنّه من أين علم أنّ الكتاب كان عنده و لم يعتمد عليه؟ و لذا لم ينقل عنه، بل المعلوم المتيقّن أنّه كغيره من الكتب المعتبرة لم يكن عنده، و لو كان لنقل عنه قطعا، فإنّه ينقل عن كتب هي دونه بمراتب من جهة المؤلّف، أو لعدم ثبوت النسبة إليه، أو ضعف الطريق إليه، كفضل الشيعة للصدوق، و تحف العقول،9.

ص: 30


1- نكت الإرشاد: مخطوط.
2- الجعفريات: 54.
3- وسائل الشيعة 10: 319.

و تفسير فرات، و إرشاد الديلمي، و نوادر أحمد بن محمد بن عيسي، و الاختصاص للمفيد.

بل ذكر في أمل الآمل (1) جملة من الكتب لم يعرف مؤلفها، و لذا لم ينقل عنها، و لم يذكر هذا الكتاب مع أنّه يتشبّث في الاعتماد، أو النسبة بوجوه ضعيفة، و قرائن خفيّة، و لو كان الكتاب عنده مع اعتماد المشايخ و تصريح الأجلّة، حاشاه أن يهمله و يتجافي عنه.

هذا كتاب جامع الأخبار لم ينقل عنه في الوسائل لجهله بمؤلّفه، ثم بعده عرفه و نسبه إلي صاحب المكارم، و ينقل عنه في كتاب الرجعة و غيرها (2)، مع أنّ هذه النسبة بمكان من الضعف، كما سنذكره ان شاء اللّه تعالي. مع أنّه نقل في كتاب الصوم- في (باب كراهة قول رمضان من غير إضافة)- عن السيّد في الإقبال الخبر الذي نقله عن الجعفريات، و المدح الذي ذكره (3)، فكيف يعتمد عليه مع الواسطة، و لم يعتمد عليه بدونها؟ و كأنّه رحمه اللّه تعالي زعم أنّ الأشعثيات غير الجعفريات، فوقع في هذا المحذور، مع أنّ اتحادهما من الواضحات لمن تأمّل فيما نقلناه عنهم، و في الكتاب، و في نوادر السيّد فضل اللّه.

و أمّا رابعا: فقوله رحمه اللّه: «و لا المجلسي في البحار». الي آخره، فإنّه قد مرّ (4) كلامه رحمه اللّه في أمر هذا الكتاب، و قال أيضا في الفصل الثاني من أول بحاره: (و [أما] (5) كتاب النوادر فمؤلّفه من الأفاضل الكرام، قال الشيخ منتجب الدين [في الفهرست] (6): علّامة زمانه- إلي آخر ما يأتي (7)، ثم قال4.

ص: 31


1- أمل الآمل 2: 364.
2- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان علي الرجعة: 28.
3- وسائل الشيعة 10: 320/ 135.
4- تقدم في الصفحة: 24.
5- زيادة من بحار الأنوار.
6- زيادة من بحار الأنوار.
7- يأتي في الصفحة: 324.

رحمه اللّه-: و أكثر أحاديث هذا الكتاب مأخوذ من كتاب موسي بن إسماعيل ابن موسي بن جعفر عليهما السلام، الذي رواه سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عنه.

فأمّا سهل فمدحه النجاشي، و قال ابن الغضائري بعد ذمّه: لا بأس بما يروي عن الأشعثيات، و ما يجري مجراها مما رواه غيره.

و ابن الأشعث وثّقه النجاشي و قال: يروي نسخة عن موسي بن إسماعيل. و روي الصدوق في المجالس من كتابه بسند آخر هكذا: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن يحيي الخزاز، عن موسي بن إسماعيل، فبتلك القرائن يقوي العمل بأحاديثه) (1) انتهي.

و أمّا خامسا: فقوله رحمه اللّه و من البعيد عدم عثورهما عليه إذ لا بعد فيه جدّا، فإنّه كان عند الثاني كتب كثيرة معتبرة لم تكن عند الأول، كما لا يخفي علي من راجع البحار و الوسائل، و كان عند ميرلوحي المعاصر للمجلسي، الساكن معه في أصبهان كتب نفيسة جليلة: ككتاب الرجعة لفضل بن شاذان، و الفرج الكبير في الغيبة لأبي عبد اللّه محمد بن هبة اللّه بن جعفر الورّاق الطرابلسي، و كتاب الغيبة للحسن بن حمزة المرعشي، و غيرها، و لم يطلع عليه المجلسي رحمه اللّه مع كثرة احتياجه إليها، فإنّ لعدم العثور أسبابا كثيرة سوي عدم الفحص، منها: ضنّة صاحب الكتاب، كما في المورد المذكور، و هذا الكتاب لم نجد من نقل عنه بعد الشهيد، كجملة من كتب اخري كانت عنده، و ينقل عنها في الذكري و مجاميعه التي سنشير إليها، و لو من الذين لا يبالون في مقام النقل بالمآخذ، و يعتمدون علي الكتب المجهولة، و المراسيل الموجودة في ظهر الكتب، و بهذا يقوي الظن بعدم وجوده في تلك البلاد.6.

ص: 32


1- بحار الأنوار 1: 36.

و أمّا نحن فعثرنا عليه في الكتب التي جاء بها بعض السادة من أهل العلم من بلاد الهند، و كان مع قرب الإسناد، و مسائل علي بن جعفر عليه السلام، و كتاب سليم في مجلد، و الحمد للّه علي هذه النعمة الجليلة.

و أمّا سادسا: فقوله رحمه اللّه: «و الشيخ و النجاشي.» الي آخره، فإنّ من نظر الي ترجمة محمّد بن الأشعث، و إسماعيل بن موسي عليه السلام، و سهل ابن أحمد، لا يشكّ أنّ الكتاب المذكور نسخة كان يرويها إسماعيل، عن آبائه، و وصل الي ابن الأشعث بتوسّط ابنه موسي، و منه تلقّي الأصحاب، و لذا عرف بالأشعثيات، فراجع ما نقلناه.

و ليس لمحمّد كتاب إلّا كتاب في الحج، فيما روته العامّة عن الصادق عليه السلام، و إنّما ذكروا في ترجمته أنّه يروي هذه النسخة.

قال الشيخ رحمه اللّه في الرجال: محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي يكنّي أبا علي، و مسكنه بمصر، يروي نسخة عن موسي بن إسماعيل. (1) إلي أخر ما تقدم، و لم يذكر له كتابا.

و في رجال النجاشي- بعد الترجمة-: له كتاب الحجّ ذكر فيه ما روته العامّة عن جعفر بن محمد عليهما السلام (2). و لم يذكر غيره، و ليس في هذا الكتاب منه خبر فضلا عن توهّم كونه هو.

و ممّا يوضح ما ذكرنا ما في فلاح السائل للسيّد علي بن طاوس قدّس سرّه، قال: و في كتاب محمّد بن محمّد بن الأشعث بإسناده أنّ مولانا عليا عليه السلام، قال: «ما رأيت إيمانا مع يقين أشبه منه بشكّ» (3). الي آخر ما في الجعفريات (4) فلاحظ.7.

ص: 33


1- رجال الشيخ الطوسي: 500/ 63.
2- رجال النجاشي: 379/ 1031.
3- فلاح السائل: 214.
4- الجعفريات: 237.

و قال في جمال الأسبوع: و من ذلك من كتاب رواية الأبناء عن الآباء، رواية أبي علي بن محمّد بن الأشعث الكندي الكوفي، من الجزء العاشر، بإسناده عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من قرأ في دبر صلاة الجمعة» (1). إلي آخر ما فيه.

و أمّا سابعا: فقوله رحمه اللّه: «فإن تتبّعه و تتبّع كتب الأصول». الي آخره، فإنّه من الغرابة بمكان إذ هو أحسن كتاب رأيناه من كتب الأصول ترتيبا و وضعا، و جلّ متون أخباره موجود في الكتب الأربعة، و كتب الصدوق رحمه اللّه، باختلاف يسير في بعضها، كما لا يخفي علي من راجع كتابنا هذا، و الوسائل. و ليس فيه ما يوافق العامّة- و يجب حمله علي التقية- إلّا نزر يسير.

و في الكتب الأربعة التي عليها تدور رحي مذهب الإماميّة من سنخ هذه الأخبار ما لا يحصي.

و هذا الكتاب لم يكن موجودا عنده يقينا، فكيف نسب إليه ما نسبه؟

و لعلّه من تتمّة كلام هذا الفاضل الذي نسب إليه ما ينبئ عن غاية بعده عن هذا الفن، بل الافتراء العظيم علي هذا الكتاب الشريف، و لعمري لولا أنّ إسماعيل هاجر إلي مصر، البعيدة عن مجمع الرواة، و نقلة الأخبار، لكان هذا الكتاب من أشهر كتب الشيعة، و مع ذلك رأيت كيف تلقّوه منه بالمسافرة، و الرسالة، و المكاتبة. و هذا واضح بحمد اللّه تعالي، و يزيده توضيحا إنكار العامّة ذلك الكتاب، و نسبتهم ما فيه إلي الوضع لاشتماله علي المناكير.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي [أبو الحسن] (2) نزيل مصر، قال ابن عدي: كتبت عنه بها، حمله [شدة تشيّعه أن] (3)، أخرج إلينا نسخة قريبا من ألف حديث، عن موسي بن إسماعيل بنر.

ص: 34


1- جمال الأسبوع: 419.
2- زيادة من المصدر.
3- في المخطوط و الحجري: جملة، و ما بين المعقوفين زيادة من المصدر.

موسي بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن آبائه عليهم السلام، بخطّ طريّ عامّتها مناكير، فذكرنا ذلك للحسين بن علي بن الحسين العلوي (1)، شيخ أهل البيت بمصر، فقال: كان موسي هذا جاري بالمدينة أربعين سنة، ما ذكر قطّ أنّ عنده رواية، لا عن أبيه، و لا عن غيره.

فمن النسخة: أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: «نعم الفصّ البلور» و منها «شرّ البقاع دور الأمراء الذين لا يقضون بالحق» و منها: «ثلاثة ذهبت منهم الرحمة: الصيّاد، و القصّاب، و بائع الحيوان» و منها: «لا خيل أبقي من الدهم، و لا امرأة كابنة العمّ» و منها: «اشتدّ غضب اللّه علي من أهرق دمي و آذاني في عترتي» و ساق له ابن عدي عدة موضوعات.

قال السهمي: سألت الدار قطني، فقال: آية من آيات اللّه وضع ذلك الكتاب- يعني العلويات (2) - انتهي زخرف قوله، و صرف الوقت في ردّه تضييع للعمر مع خروجه عن وضع الكتاب.

و أمّا ثامنا: ففي الكتاب المذكور خبر آخر، لعلّه أدلّ علي المطلوب من الخبر المذكور، ففيه بالسند المعهود، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:

«ثلاثة إن أنتم فعلتموهن لم ينزل بكم بلاء: جهاد عدوّكم، و إذا رفعتم إلي أئمتكم حدودكم فحكموا فيها بالعدل» (3) الخبر.

و الخبر الذي ذكره لا ينحصر مأخذه في الأشعثيات، فقد رواه القاضي نعمان المصري قدس سره في دعائم الإسلام، و يأتي ما يدلّ علي الاعتماد عليه، حتي عنده رحمه اللّه. و أمّا حكم أصل المسألة فمحلّه الفقه.5.

ص: 35


1- كذا و في المصدر: «الحسين بن علي الحسني العلوي» و في هامش الصفحة عن بعض نسخ الميزان: «بن علي بن الحسين العلوي». و ذكره ابن حجر في لسان الميزان 5: 362 و قال: «ابن علي بن الحسين بن عمر بن علي بن الحسين بن علي العلوي».
2- ميزان الاعتدال 4: 27- 28.
3- الجعفريات: 245.

هذا و ينبغي التنبيه علي أمور:

الأول: إنّ أخبار هذا الكتاب كلّها مروية عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أو عن علي عليه السلام بالسند المتقدم، و قد ينتهي إلي السجّاد، و الباقر، و الصادق عليهم السلام في موارد قليلة. و في الكتاب أخبار قليلة متفرّقة بغير طريق أهل البيت عليهم السلام رواها محمّد بن الأشعث، بإسناده عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و في آخره أيضا عشرون حديثا كذلك، و الظاهر أنّ طرقها عاميّة ألحقها بهذا الكتاب، و صرّح في عنوان بعضها بأنّه من غير طريق أهل البيت عليهم السلام، و قد نقلناها و وزّعناها علي الأبواب تأسّيا بصاحب الوسائل، من نقله كلّ ما وجد في كتب الصدوق، و غيره، و إن كان تمام رجال سنده عاميّة مع أنّها ممّا يتسامح فيه من الأحكام و الآداب، أو له شواهد من أخبار الأصحاب.

الثاني: إنّ جامع الكتاب ذكر تمام السند في كل خبر، إلّا إنّه تفنّن في المقامات.

ففي كتاب الطهارة، و الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و قليل من الحجّ هكذا: أخبرنا محمّد، حدثني موسي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر ابن محمّد عليهما السلام. إلي آخره.

و في كتاب الحجّ، و الجهاد، و النكاح، و الطلاق، و الحدود، و الديات، و قليل من السير و الآداب هكذا: أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا محمّد، حدثني موسي.

إلي آخره (1).

و في باقيها: أخبرنا عبد اللّه بن محمّد، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال:

حدثني موسي بن إسماعيل، قال: حدثنا أبي. الي آخره، و هكذا في كتابه.

ص: 36


1- هنا زيادة في الحجرية لم ترد في المخطوط هي: و في جملة من أبواب كتاب السير و الآداب هكذا: و بإسناده عن جعفر بن محمّد عليهما السلام. الي آخره.

الجنائز، و كتاب الدعاء، و كتاب الرؤيا. و في كتاب غير مترجم مثل كتاب السير هكذا: و بإسناده.

و نحن أخرجنا الخبر منه كما وجدناه، متبرّكين بذكر تمام السند كما فيه، إلّا في بعض المواضع، فبعد ذكر خبر بسنده نقول: و بهذا السند. إلي آخره.

الثالث: إنّك تجد- بعد النظر في أبواب الوسائل، و ما استدركناه- إنّ كثيرا ممّا نقلناه من هذا الكتاب مرويّ في الكتب الأربعة، بطرق المشايخ قدس سرهم إلي النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام، عن آبائه عليهم السلام كما فيه، و يظهر من هذا أنّ السكوني كان حاضرا في المجلس الذي كان أبو عبد اللّه عليه السلام يلقي إلي ابنه الكاظم عليه السلام سنّة جدّه صلّي اللّه عليه و آله بطريق (1) التحديث، فألقاه إلي ابنه إسماعيل علي النحو الذي تلقّاه، و هذا ممّا ينبئ عن علوّ مقام السكوني عنده عليه السلام، و لطفه به، و اختصاصه بهذا التشريف، و يضعّف جعل أسلوب رواياته قرينة علي عامّيته فإنّها- عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام- و هذا ظاهر علي المنصف البصير، و لا ينبّئك مثل خبير.ق.

ص: 37


1- في المخطوطة: بطرق.

2- و كتاب درست:

و أخواته، إلي جزء من نوادر عليّ بن أسباط، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي، و هو نقلها من خط الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي، و كان تأريخ كتابتها سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، و ذكر أنّه أخذ الأصول المذكورة من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسي التلعكبري، و هذه النسخة كانت عند العلّامة المجلسي قدّس سرّه، كما صرّح به في أوّل البحار (1) و منها انتشرت النسخ، و في أوّل جملة منها و آخرها يذكر صورة النقل (2).

أمّا كتاب درست: فهو ساقط من أوّله، و في آخره: تمّ كتاب درست، و فرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيّوب القمّي أيّده اللّه سماعا له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن موسي بن أحمد التلعكبري أيّده اللّه بالموصل، في يوم الأربعاء، لثلاث ليال بقين من ذي القعدة، سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و آله و سلّم تسليما.

و درست هذا رمي بالوقف، و في رجال النجاشي: درست بن أبي منصور محمّد الواسطي، روي عن أبي عبد اللّه، و أبي الحسن عليهما السلام، و معني درست أي صحيح. له كتاب يرويه جماعة: منهم سعد بن محمّد الطاطري عمّ عليّ بن الحسن الطاطري، و منهم محمّد بن أبي عمير.

أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه، قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا

ص: 38


1- بحار الأنوار 1: 43.
2- هنا زيادة في الحجرية هي: المذكور.

حميد بن زياد، قال: حدّثنا محمّد بن غالب الصيرفي، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن الطاطري، قال: حدّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم، قال: حدّثنا درست بكتابه.

و أخبرنا محمّد بن عثمان، قال: حدثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا عبيد اللّه ابن أحمد بن نهيك، قال: حدثنا محمّد بن أبي عمير، عن درست بكتابه (1).

و قال الشيخ في الفهرست: درست الواسطي له كتاب، و هو ابن أبي منصور، أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي، عن أحمد ابن عمر بن كيسبة، عن علي بن الحسن الطاطري، عن درست.

و رواه حميد، عن ابن نهيك، عن درست (2).

و ظاهر النجاشي أنّ علي بن الحسن يروي عنه بتوسط عمّه. و صريح الشيخ رحمه اللّه أنّه يروي عنه بلا واسطة، و يؤيد الأخير ما في الاستبصار، في باب الطيب من أبواب ما يجب علي المحرم اجتنابه، روايته عنه بعنوان علي الجرمي (3).

و في التهذيب في باب ما يجب علي المحرم اجتنابه (4)، و فيه في باب الطواف قريبا من آخره روايته عنه بعنوان الطاطري (5)، و فيه في باب الكفارة عن خطأ المحرم، روايته عنه مرّتين بعنوان علي بن الحسن الجرمي (6).ب.

ص: 39


1- رجال النجاشي: 162/ 430.
2- فهرست الشيخ: 69/ 278.
3- الاستبصار 2: 178/ 592.
4- التهذيب 5: 298/ 1008.
5- التهذيب 5: 139/ 259.
6- التهذيب 5: 351/ 1220. أمّا الحديث الثاني الذي أشار إليه المصنف قدس سره في التهذيب 5: 342/ 1186 في النسخة المطبوعة بواسطة محمد، و لعلّ المصنف اعتمد نسخة من التهذيب خالية من هذه الواسطة و اللّه أعلم بالصواب.

ثم لا يخفي أنّه يروي عنه غير هؤلاء جماعة من أجلّاء الرواة، و المشايخ الثقات:

كنضر بن سويد: في التهذيب في باب ضروب الحجّ (1)، و في الكافي في باب ثواب المرض (2)، و في باب تعجيل عقوبة الذنب (3)، و في الاستبصار في باب أنّ التمتع فرض من نأي عن الحرم (4)، و في الكافي في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (5).

و الحسن بن علي الوشّاء: في مشيخة الفقيه (6)، و في الكافي في باب التقية (7). و في التهذيب في باب العتق (8)، و في الاستبصار في باب الرجل يعتق عبدا له و علي العبد دين بعنوان الحسن بن علي (9)، و الظاهر أنّه الوشاء بقرينة ما في الفقيه (10).

و أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي: في الكافي في باب ثواب المرض (11) و في التهذيب في باب الصيد و الذكاة (12).ي.

ص: 40


1- التهذيب 5: 26/ 77.
2- الكافي 3: 114/ 6.
3- المصدر السابق 2: 323/ 11.
4- الاستبصار 2: 151/ 495.
5- الكافي 5: 58/ 8.
6- من لا يحضره الفقيه 4: 78.
7- الكافي 2: 173/ 8.
8- التهذيب 8: 248/ 895.
9- الاستبصار 4: 20/ 629.
10- من لا يحضره الفقيه 4: 78.
11- الكافي 3: 114/ 7.
12- النسخة المطبوعة من التهذيب (في الباب المذكور) خالية من رواية البزنطي عن درست، و لعلّه من سهو قلم المصنف، و اللّه أعلم بالصواب. و سبب السهو أنه نقل في جامع الرواة رواية البزنطي عن درست في الكافي في باب ثواب المرض. ثم قال: أحمد بن محمد بن عيسي عن محمد بن علي عنه في التهذيب في باب الصيد و الذكاة. نسبه المصنف إلي البزنطي.

و إسماعيل بن مهران: في الكافي في باب الصبر (1)، و في باب أنّ الميّت يزور أهله (2)، و في باب بعد باب أرواح المؤمنين (3)، و في التهذيب في باب القود بين الرجال و النساء (4).

و عبد اللّه بن بكير: في التهذيب في باب ديات الأعضاء (5)، و في الكافي في باب مولد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله (6).

و جعفر بن محمّد الأشعري: في الكافي في كتاب العقل و الجهل (7).

و الحسن بن محبوب: في الكافي في باب مجالسة العلماء (8).

و علي بن معبد: فيه في باب المشيئة و الإرادة (9).

و الحسين بن زيد: فيه في باب البيان و التعريف من كتاب التوحيد (10).).

ص: 41


1- الكافي 2: 74/ 13.
2- الكافي 3: 230/ 4.
3- الكافي 3: 244/ 3.
4- التهذيب 10: 186/ 732.
5- التهذيب 10: 261/ 1031.
6- النسخة المطبوعة خالية من هذا السند في الباب المذكور و اللّه أعلم بالصواب، هذا و في جامع الرواة: رواية عبد اللّه بن بكير عنه في التهذيب في باب ديات الأعضاء. علي بن المعلي عن أخيه محمد عنه في الكافي في مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله. و الظاهر سقوط (علي بن المعلي، عن أخيه محمد) من نسخة المحدث النوري (ره) من جامع الرواة التي يعتمد عليها في نقل موارد الرواية.
7- روي الشيخ الكليني في الكافي في الباب المذكور الحديث عن جعفر بن محمّد الأشعري عن عبيد اللّه الدهقان عن درست كما في النسخة المطبوعة، 1: 18 الحديث 17. و لكن الأردبيلي في جامع الرواة 1/ 311 في ترجمة درست قال عنه جعفر بن محمد الأشعري في الكافي في باب العقل و الجهل.
8- الكافي 1: 31/ 2.
9- الكافي 1: 117/ 5.
10- الكافي 1: 125 الحديث الأول، و قد وضع في النسخة المطبوعة تحت عنوان (باب اختلاف الحجة علي عباده).

و أبو شعيب المحاملي: فيه في باب حجج اللّه علي خلقه (1).

و محمّد بن معلّي: فيه في مولد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله (2).

و أميّة بن عليّ القيسي: فيه أيضا (3).

و زياد القندي: في الكافي في باب القنوت في الفريضة (4)، و بعد حديث نوح عليه السلام من كتاب الروضة (5) و محمّد بن إسماعيل: في التهذيب في باب الزيادات في فقه الحجّ (6)، و في الاستبصار في باب المرأة الحائض متي تفوت متعتها (7)، و في الكافي في باب ما يجب علي الحائض من أداء المناسك (8).

و عليّ بن أسباط: في التهذيب في باب الزيادات في فقه الحجّ (9)، و في الاستبصار في باب ما يجب علي الحائض من أداء المناسك (10).

و سلمة بن الخطّاب: في التهذيب في الباب المذكور (11)، و في الاستبصار في باب المرأة الحائض متي تفوت متعتها (12) (13).ك.

ص: 42


1- الكافي 1: 125 الحديث الأول.
2- الكافي 1: 372/ 27.
3- الكافي 1: 370/ 18.
4- الكافي 3: 340/ 15.
5- روضة الكافي: 272/ 405.
6- التهذيب 5: 391/ 1368.
7- الإستبصار 2: 312/ 1109.
8- الكافي 4: 446/ 2.
9- التهذيب 5: 394/ 1374.
10- الإستبصار 2: 314/ 1115، في باب المرأة الحائضة متي تفوت متعتها.
11- التهذيب 5: 392/ 1369.
12- الاستبصار 2: 312/ 1110.
13- ورد هنا في الحجرية زيادة: و في الكافي في باب ما يجب علي الحائض من أداء المناسك.

و ابن رباط: في الكافي في باب ما يجب علي الحائض من أداء المناسك (1).

و يوسف بن عليّ: فيه في باب شارب الخمر (2).

و إبراهيم بن محمّد بن إسماعيل: فيه في باب أنّ الفرائض لا تقام إلّا بالسيف (3).

و واصل بن سليمان: فيه في باب الشواء من أبواب الأطعمة (4).

و أبو يحيي الواسطي: فيه في باب طبقات الأنبياء و الرسل (5).

و أبو عثمان: فيه في باب البصل (6).

و هؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة، و فيهم:

ابن أبي عمير، و البزنطي، اللّذان لا يرويان إلّا عن ثقة، و فيهم من الّذين أجمعت العصابة علي تصحيح أخبارهم، أربعة: هما (7)، و الحسن بن محبوب، و عبد اللّه بن بكير.

و يأتي في شرح أصل النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.

و فيهم من الثقات الأجلّاء غيرهم جماعة: كالوشاء، و ابن سويد، و ابن نهيك، و ابن مهران، و ابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيي، و الحسين ابن زيد، و أبو شعيب المحاملي، و ابن أسباط، و إبراهيم بن محمّد بن إسماعيل، و سعد بن محمّد الّذين يروي عنهم علي الطاطري، و قد قال الشيخ قدس سره:ي.

ص: 43


1- الكافي 4: 446/ 3.
2- الكافي 6: 398/ 12.
3- الكافي 7: 77/ 2.
4- الكافي 6: 319/ 5.
5- الكافي 1: 133/ 1.
6- الكافي 6: 374/ 4.
7- أي ابن أبي عمير و البزنطي.

إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريّون (1).

و بعد رواية هؤلاء عنه لا يبقي ريب في أنّه في أعلي درجة الوثاقة، و رواياته مقبولة، و كتابه معتمد، و قد تأمّل في التعليقة في وقفيّته (2)، و لعلّه في محلّه و لا حاجة لنا إلي شرحه.ل.

ص: 44


1- انظر عدة الأصول 1: 381.
2- تعليقة الوحيد: 138، ضمن منهج المقال.

3- و أمّا أصل زيد الزرّاد:

فأوّله في النسخة الموجودة هكذا: حدثنا أبو محمّد هارون ابن موسي بن أحمد التلعكبري، قال: حدثنا أبو علي محمّد بن همام، قال: أخبرنا حميد بن زياد بن حمّاد، قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن نهيك أبو العباس، قال: حدثنا محمّد بن أبي عمير، عن زيد الزرّاد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:. الخبر، ثم ساق الأخبار مصدّرة بزيد عنه عليه السلام.

و في رجال النجاشي: زيد الزرّاد كوفي، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب.

أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدثنا جعفر بن محمّد، قال: حدثنا أبي و علي بن الحسين بن موسي، قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا محمّد بن عيسي بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن زيد، بكتابه (1).

و في الفهرست: زيد النرسي، و زيد الزرّاد، لهما أصلان لم يروهما محمّد ابن علي بن الحسين بن بابويه، و قال في فهرسته: لم يروهما محمّد بن الحسن بن الوليد، و كان يقول: هما موضوعان، و كذلك كتاب خالد بن عبد اللّه بن سدير، و كان يقول: وضع هذه الأصول محمّد بن موسي الهمداني، و كتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير، عنه (2).

و قال العلّامة قدس سره في الخلاصة- بعد نقل ما في الفهرست-: و قال ابن الغضائري: زيد [الزرّاد] (3) كوفي، و زيد النرسي رويا عن أبي عبد اللّه

ص: 45


1- رجال النجاشي: 175/ 461.
2- فهرست الشيخ الطوسي: 71 برقم 289 و 290.
3- زيادة من الخلاصة.

عليه السلام، و قال أبو جعفر ابن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسي السمّان، قال: و غلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة عن محمّد بن أبي عمير.

و الذي قاله الشيخ [عن] (1) ابن بابويه رحمه اللّه، و ابن الغضائري قدس سره لا يدلّ علي طعن في الرجلين، فإن كان توقّف ففي رواية الكتابين، و لمّا لم أجد لأصحابنا تعديلا لهما، و لا طعنا فيهما توقّفت في (2) روايتهما (3)، انتهي.

و لا يخفي أنّ عطف ابن الغضائري علي ابن بابويه في غير محلّه، فإنّه نسبه إلي الخطأ، و صرّح بسلامة (4) الكتاب عن هذه النسبة، و أنّه من الأصول المعتمدة، فكيف يجعل كلامه طعنا في الكتاب؟.

و اعلم أنّ الكلام في حال زيد الزرّاد و أصله يأتي مفصّلا في حال زيد النرسي و أصله، لاشتراكهما في جملة من الكلمات، غير أنّا نذكر بعض ما يختصّ به هنا فنقول:

كلام النجاشي صريح في أنّه من أصحاب الأصول، لقوله- في أول الترجمة-: روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (5) و هذا دأبه في ترجمة أصحاب الأصول، كما لا يخفي علي من تأمّل فيه. و سنده إليه صحيح علي الأصحّ، فإنّه ليس فيه من يتوقّف فيه إلّا إبراهيم بن هاشم (6)، و قد قال السيّدظ.

ص: 46


1- زيادة من الخلاصة.
2- في المصدر: عن قبول».
3- الخلاصة: 222 برقم 4.
4- هنا زيادة في الحجرية هي: هذا.
5- رجال النجاشي: 175/ 461.
6- يبدو ان الكلام عن إبراهيم بن هاشم لا مورد له لعدم وروده في شي ء من المصادر المتقدمة كالنجاشي- و لدينا ثلاث طبعات منه- و الفهرست و الخلاصة، نعم ورد ذكر لعلي بن إبراهيم ابن هاشم و لم يتوقف أحد في وثاقته، فلاحظ.

علي بن طاوس قدس سره في فلاح السائل- بعد نقل حديث عن أمالي الصدوق رحمه اللّه في سنده إبراهيم ما لفظه-: و رواة الحديث ثقات بالاتّفاق (1).

و محمّد بن عيسي يأتي في النرسي أنّ الأصحّ توثيقه.

و ممّا يستغرب أنّ علي بن بابويه قدس سره، شيخ مشايخ القميّين، يروي الأصل المذكور، و ولده الصدوق قدس سره لا يعوّل عليه في روايته له، المنبئة عن اعتماده عليه، و يقلّد شيخه ابن الوليد فيما نسب إليه. و أغرب من هذا أنّه مع ما نسب إليه يروي من الأصل المذكور بالسند المتقدم.

ففي معاني الأخبار: أبي قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن أبي عمير، عن زيد الزرّاد (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال، قال أبو جعفر عليه السلام: «يا بنيّ اعرف منازل الشيعة علي قدر روايتهم و معرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، و بالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلي أقصي درجات الإيمان، إنّي نظرت في كتاب عليّ عليه السلام فوجدت في الكتاب أنّ قيمة كلّ امرئ و قدره معرفته، إنّ اللّه تبارك و تعالي يحاسب الناس علي قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا» (3)، و كأنّه رجع عمّا توهّمه تبعا لشيخه.

و روي عنه أيضا ثقة الإسلام في الكافي، بسند صحيح بالاتّفاق، في باب شدّة ابتلاء المؤمن، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن ابن محبوب، عن زيد الزرّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال3.

ص: 47


1- فلاح السائل: 158.
2- في النسخة المطبوعة من معاني الأخبار: بريد الرزاز، و في البحار عن المعاني: يزيد الرزاز، و الظاهر كونهما من سهو النسّاخ.
3- معاني الأخبار: 1- 2/ 2 أصل زيد الزراد: 3.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحبّ اللّه عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند اللّه الرضا، و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط» (1).

و أمّا السند الموجود في أوّل هذا الأصل، فهو أيضا في غاية القوّة و الاعتبار، فإنّ كلّهم من المشايخ العظام و إن رمي حميد بن زياد بالوقف، إلّا أنّهم قالوا فيه- مضافا إلي التوثيق-: عالم، جليل، واسع العلم، كثير التصانيف (2).

و في رسالة أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري إلي ولد ولده: و سمعت من حميد بن زياد، و أبي عبد اللّه بن ثابت، و أحمد بن رباح، و هؤلاء من رجال الواقفة إلّا أنّهم كانوا فقهاء، ثقات، كثيري الدراية (3).

فظهر بما ذكرنا: أنّ زيد الزرّاد ثقة، و أنّ كتابه من الأصول، و أنّ المشايخ اعتمدوا عليه، و خلاصته وجوه:

الأوّل: رواية ابن أبي عمير عنه، و لا يروي و لا يرسل إلّا عن ثقة.

الثاني: رواية الحسن بن محبوب عنه، و هو من أصحاب الإجماع، و علي المشهور يحكم بصحّة ما رواه و قد صح السند إليه، و علي الأقوي هو من أمارات الوثاقة، كما يأتي في النرسي وفاقا للعلّامة الطباطبائي قدّس سرّه.

الثالث: رواية المشايخ الأجلّة عنه، و عن كتابه: كالكليني، و الصدوق، و والده، و التلعكبري، و غيرهم ممّن روي كتابه، أو نقل حديثه في كتابه الذي ضمن صحّته.

الرابع: عدّ كتابه من الأصول، و يأتي أنّه لا يصير أصلا إلّا بعد كونه0.

ص: 48


1- الكافي 2: 197/ 8.
2- قاله الشيخ الطوسي في رجاله: 463/ 16، و انظر الفهرست: 60/ 228، و رجال النجاشي: 132/ 339.
3- رسالة أبي غالب الزراري: 40.

معتمدا معوّلا عليه عند الأصحاب.

الخامس: إنّ النجاشي- و هو المقدّم في هذا الفنّ- ذكره و لم يطعن عليه، و ذكر كتابه و الطريق إليه، و الذي عليه المحقّقون أنّ هذا ينبئ عن مدح عظيم.

قال السيّد المحقّق الكاظمي قدس سره في عدّته- في جملة كلام له-:

و هنا دقيقة غفل عنها أكثر الناس، و هي أنّهم إذا أرادوا أن يعرفوا حال راو من الرواة عمدوا إلي كتب الرجال، فما وثّقه أهل الرجال أو مدحوه حكموا بوثاقته و مدحه، و ما ضعّفوه أو قدحوه حكموا بضعفه و قدحه، و (ما) (1) لم يتعرّضوا له بمدح و لا قدح حسبوه في عداد المجاهيل، و عدّوا الرواية بمكانه مجهولة، و أسقطوها عن الاعتبار، إلّا أن ينضم إليها ما يقوّمها، و علي هذا بني العلّامة المجلسي قدس سره أمره في الوجيزة.

و أصحاب التحقيق: إنّ عدّ الرجل في جملة أصحاب الأئمّة عليهم السلام و الرواة عنهم و حملة أخبارهم، ممّا يدلّ علي كونه إماميّا، و يفيده نوعا من المدح.

أمّا الأول: فلما مرّ في الفائدة، من جريان عادة أهل الرجال علي عدم التعرّض لبيان مذهب الراوي، إذا لم يعرف منه إلّا المذهب، إلّا أن يكون محل ريبة، و أنّهم متي عثروا منه علي وصمة، أو انحراف، نادوا عليه بذلك و شهروه ليعرف، و خاصّة في الأصول الأربع (2).

أ تراهم جهلوا حال المسكوت عنه (3)، و نحن نعلم فيما لا يحصي أنّهمة.

ص: 49


1- لم ترد في المخطوطة.
2- ورد هنا زيادة في الحجرية و قد أشير إلي زيادتها في المخطوطة و هي: أي رجال الكشي و النجاشي و رجال الشيخ و الفهرست.
3- (عنه) لم ترد في المخطوطة.

إماميّون؟!.

و أمّا الثاني: فلا ريب أنّ انضمام الرجل إلي حملة الشريعة، و علمائها فضلا عن الأئمّة عليهم السلام، و تناوله منهم، و روايته عنهم، ممّا يدلّ علي حسن حاله، بل ربما جعل ذلك طريقا إلي تعرّف العدالة، فما ظنّك بأصحاب الأئمّة عليهم السلام، و رواتهم، و خاصّة إذا بلغت بهم المحافظة علي أحكام الشريعة، و ما يتلقّونه عن أربابها إلي تأليف الكتب، و جمع الصحف، حتي صارت دفاترهم مرجعا للعلماء، يتدارسونها مدي الأيام.

و قد أشار المفيد رحمه اللّه إلي مثل هذا في الرسالة التي عملها في أمر شهر رمضان- ردّا علي الصدوق عند ذكر الرواة و مدحهم- حيث قال: و هم أصحاب الأصول المدوّنة (1)، فإنّ عدّهم في العلماء، و تلقّي العلماء عنهم سيّما الأجلّاء، و بذل الجهد، و تحمّل المشاقّ، و مقاساة مرارات التقيّة في التحصيل، و شدّ الرحال إلي أرباب العلم في أطراف البلاد، و جمع الكتب في أسمائهم و أحوالهم، و هي كتب المشيخة، كما وقع لداود بن كورة، و غيره، فدلالة ذلك علي حسن الحال، بل علوّ الطبقة ممّا لا خفاء فيه.

ثمّ إنّي رأيت الأستاذ قدّس سرّه العلّامة البهبهاني طاب ثراه يحكي عن بعضهم أنّه كان يعدّ ذكر أهل الرجال للراوي من دون طعن سببا لقبول روايته، و يشير بذلك إلي (2) قول الشهيد قدّس سرّه في الذكري، في مبحث الجمعة، في الحكم بن مسكين (3) إنّ ذكره غير قادح، و لا موجب للضعف، لأنّ الكشي رحمه اللّه ذكره و لم يطعن عليه (4) ثم تأمّل في ذلك، و جعل يتأوّل عليه (5)،ل.

ص: 50


1- الرسالة العددية: 14.
2- «إلي» لم ترد في المخطوطة و الحجرية.
3- ذكري الشيعة: 231، آخر الشرط الثاني.
4- رجال الكشي 1: 54.
5- فوائد الوحيد البهبهاني: 12، الفائدة الثانية، المطبوع ضمن منهج المقال.

و يقول: لعلّ مراده أنّ الكشيّ ذكره في سند رواية استند إليها و لم يطعن فيه قلت: لو أراد هذا، لكفي الاستناد إليه و لم يحتج إلي ضميمة عدم الطعن (1)، انتهي ما أردنا نقله بطوله لكثرة فائدته هنا، و في الكتب الآتية، و يأتي في النرسي كلام للسيّد الطباطبائي قدس سره يقرب من ذلك.

السادس: إنّه من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام، و سنذكر إن شاء اللّه تعالي أنّ ابن عقدة وثّق أربعة آلاف منهم، و ألّف فيهم كتابا، و أسند إلي كلّ واحد منهم خبرا أخرجه فيه، و من البعيد أن لا يذكره فيه و هو صاحب الأصل المعروف.

السابع: إنّ في مجموعة عندي كلّها بخط الشيخ الجليل محمد بن علي الجباعي، نقلها (2) كلّها من خطّ الشيخ الشهيد رحمه اللّه و فيها أوراق أخرج فيها أحاديث مختصرة، اختارها من الأصول التي كانت عنده، مثل كتاب الصلاة للحسين بن سعيد، و كتاب إسحاق بن عمّار، و كتاب معاذ بن ثابت، و كتاب علي بن إسماعيل الميثمي، و كتاب معاوية بن حكيم، و كتاب إبراهيم بن محمد الأشعري، و كتاب الفضل بن محمّد الأشعري، و كتاب زيد الزرّاد و هو آخر ما نقله منه، و في آخره- بخطّ الجباعي-: قال ابن مكيّ يعني الشهيد قدّس سرّه: أكثر هذه مقروءة علي الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه اللّه. و لولا اعتبار الكتاب (3)، و عدم اعتنائه بما نسب إليه من الوضع، لما أخرج منه، و لما نسبه إلي زيد، و لما سلكه في عداد كتب المشايخ، و أعاظم الرّواة، و لو دخل في الأكثر المقروء علي الشيخ- رحمه اللّه كما لعلّه الظاهر- لزاده قوّة و اعتبارا.

الثامن: إنّ أخبار هذا الكتاب كلّها سديدة متينة، ليس فيها ما يوهم الجبر، و الغلوّ، و التفويض، و موافقة العامة، و جملة من متونها و مضمونها موجودة فيد.

ص: 51


1- إلي هنا انتهي كلام المحقق الكاظمي رحمه اللّه في عدته: 27/ أ.
2- في المخطوط و الحجرية: نقل.
3- هنا وردت زيادة في الحجرية هي: عند الشهيد.

سائر كتب الأخبار، فأيّ داع إلي وضع مثله.

و يأتي بعض ما يتعلّق به في حال زيد النرسي إن شاء اللّه تعالي.

و في آخر الأصل المذكور: فرغ من نسخه من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن أيّوب القمي أيّده اللّه تعالي في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة، سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي رسوله محمد و آله و سلّم تسليما، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.

ص: 52

4- و أمّا كتاب أبي سعيد عباد العصفري قدس سره:

و هو بعينه عباد بن يعقوب الرواجني (1)، ففيه تسعة عشر حديثا، كلّها نقيّة، دالّة علي تشيّعه، بل تعصّبه فيه.

كالنص علي الأئمة الاثني عشر، و أنّ اللّه خلقهم من نور عظمته، و أقامهم أشباحا في ضياء نوره، يعبدونه قبل خلق الخلق، و أنّهم أوتاد الأرض، فإذا ذهبوا ساخت الأرض بأهلها، و مفاخرة أرض الكعبة و كربلاء، و أنّ اللّه أوحي إليها أنّ كفّي و قرّي، فوعزتي ما فضل ما فضّلت به، فيما أعطيت أرض كربلاء، إلّا بمنزلة إبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، و لولا تربة كربلاء ما فضّلت، و لولا ما تضمّنت أرض كربلاء ما خلقتك، و لا خلقت البيت الذي به افتخرت (2) الخبر.

و حديث نهي خالد عمّا أمره به من قتل علي عليه السلام، قبل السلام (3).

و بعث عمر إلي قدامة عامله بمقدار، لا يجوزها أحد من الموالي إلّا قتل (4).

و عزل أبي بكر في قصّة سورة براءة.

و تفسير قول علي عليه السلام- لما سجّي أبو بكر-: «ما أحد أحبّ أن ألقي اللّه بمثل صحيفة من هذا المسجّي» (5).

و قوله صلّي اللّه عليه و آله: «إذا رأيتم معاوية علي المنبر فاضربوه» و قصّة طرد الحكم بن العاص، و أمره بقتله، و أنّ عثمان آواه و أجازه

ص: 53


1- يستفاد مما ذكره الشيخ الطوسي قدس سره انه غير واحد حيث نسب في الفهرست: 119 لعباد ابن يعقوب الرواجني العامية و ذكر الثاني بعد ذكره للأول و لم ينسب له شيئا.
2- الأصول الستة عشر: 16.
3- المصدر السابق: 18.
4- المصدر السابق: 17.
5- المصدر السابق: 18.

بمائة ألف درهم من بيت المال (1).

و من الغريب بعد ذلك رمي الشيخ و العلّامة طاب ثراهما إيّاه بالتسنّن، و أنّه عامّيّ المذهب، مع أنّ علماءهم رموه بالرفض و التشيّع، فصار المسكين مطرود الطرفين، و غرض النصال في البين.

و عن السمعاني في الأنساب: كان رافضيّا، داعية الي الرفض، و مع ذلك يروي المناكير، عن أقوام مشاهير، فاستحق الترك، و هو الذي يروي عن شريك، عن عاصم (عن زر) عن عبد اللّه، قال: قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه».

و روي حديث أبي بكر أنّه قال: لا يفعل خالد ما أمرته (2).

و عن ابن الأثير في جامع الأصول: كان أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حدثني الصدوق في روايته المتّهم في دينه عباد بن يعقوب (3).

و قال ابن حجر في التقريب: عباد بن يعقوب الرواجيني- بتخفيف الواو، و بالجيم المكسورة، و النون الخفيفة- أبو سعيد الكوفي، صدوق، رافضيّ، حديثه في البخاري مقرون، بالغ ابن حيّان فقال: يستحقّ الترك، من العاشرة، مات سنة خمسين، أي بعد المائة (4).

و السّند إليه علي ما في أوّل الكتاب هكذا: أبو محمد هارون بن موسي بن أحمد التلعكبري، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همّام بن سهيل، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن خاقان النهدي، قال: حدثني محمد بن علي بن إبراهيم الصيرفي أبو سمينة، قال: حدثني أبو سعيد العصفري و هو عباد، عن عمرو بن ثابت و هو ابن المقدام. إلي آخره.8.

ص: 54


1- المصدر السابق: 19.
2- الأنساب 6: 170، و ما بين قوسين من المصدر.
3- جامع الأصول: القسم المخطوط.
4- تقريب التهذيب 1: 394/ 118.

و هذا السّند ضعيف علي المشهور بأبي سمينة، إلّا أنّ الذي يهون الخطب أمور:

الأول: إنّ ابن داود قال في رجاله: حمدان بن أحمد- كش- هو من خاصّة الخاصّة، أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، و الإقرار له بالفقه في آخرين (1).

و حمدان هذا لقب لمحمد بن أحمد بن خاقان، و ليس هو في عداد المجمع عليهم، الموجودين في «اختيار رجال الكشي» للشيخ، الدائر بين الأصحاب، و لم ينقل هذا الإجماع في حقّه أحد غيره، إلّا أنّ المحتمل القريب نقله من أصل رجال الكشي، و قد سقط من قلم الشيخ رحمه اللّه عند اختصاره رجاله، و قد ذكرنا في بعض تعاليقنا علي رجال أبي علي شواهد علي وجوده في تلك الأعصار، و إن لم يكن في أعصارنا منه عين و لا أثر، و مع هذا الاحتمال لا مصحّح لنسبة ابن داود الي السّهو و الخطأ، و إن كان في رجاله أغلاط كثيرة، أشار إليها السّيد التفريشي في نقد الرجال (2)، إلّا أنّ نقل مثل هذه العبارة من الكتاب المذكور، خطأ بعيد في الغاية. و عليه فالسّند إليه صحيح، فلا بدّ من الحكم بصحّة ما في هذا الكتاب.

الثاني: اعتماد المشايخ علي النقل منه، ففي كامل الزيارة للشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه: عن أبيه و علي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن علي، عن عباد أبي سعيد، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أرض الكعبة قالت: من مثلي. الخبر» (3) و هو موجود فيه سندا و متنا.

و عن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد، عن6.

ص: 55


1- رجال ابن داود: 84/ 524
2- نقد الرجال: 2
3- كامل الزيارات: 267 الحديث 3. الأصول الستة عشر: 16.

رجل، عن أبي الجارود، عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: «اتّخذ اللّه كربلاء حرما قبل أن يتّخذ مكّة حرما بأربعة و عشرين ألف عام. الخبر» (1).

و هو فيه بالسند و المتن.

و يظهر منه طريق آخر إلي عباد، من غير توسّط أبي سمينة، و الظاهر أنّ الراوي عنه غير محمد بن الحسين، و كيف يروي جعفر بن قولويه عن عباد بواسطتين؟ و نسخ الكامل كما نقلناه، و الظاهر بل المقطوع أنّه سقط بينهما الواسطة.

و في روضة الكافي محمد بن يحيي و الحسين بن محمد جميعا، عن جعفر ابن محمد، عن عباد بن يعقوب، عن أحمد بن إسماعيل، عن عمرو بن كيسان.

الخبر (2). فالظاهر أنّ (الساقط في سند) (3) خبر الكامل هو جعفر بن محمد، و اللّه العالم.

و يروي عنه الجليل إبراهيم الثقفي أيضا، في كتاب الغارات (4).

و اعلم أنّ الشيخ رحمه اللّه أخرج عنه في أماليه أخبارا طريفة كلّها تنبئ عن حسن حاله و عقيدته، ففيه:

أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدثني محمد بن جعفر بن محمد ابن رباح الأشجعي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، و ساق السند عن زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه [عن علي بن أبي طالب] (5) عليهم السلام،ع.

ص: 56


1- كامل الزيارات: 268 الحديث 5. الأصول الستة عشر: 17.
2- روضة الكافي 8: 381 الحديث 576.
3- بين القوسين في المخطوط: السند في، و الصحيح المثبت.
4- لدينا من الغارات نسختان الاولي بتحقيق المحدث الارموي و الثانية بتحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، و النسختان خاليتان من ذلك. ثم ان الثقفي توفي سنة 283 ه و عباد توفي سنة 150 ه فكيف يروي عنه؟ و لعله وقع في طريق روايته. و اللّه العالم.
5- زيادة من المصدر المطبوع.

و ذكر وصيّة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله إليه في مرض وفاته، و تسليم المواريث إليه، و هو حديث طويل معروف، و فيه: «يا بني هاشم، يا معشر المسلمين، لا تخالفوا عليّا فتضلّوا، و لا تحسدوه فتكفروا. الخبر» (1).

و فيه: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: أخبرنا محمد بن وهبان، قال: حدثني أبو عيسي محمد بن إسماعيل بن حيّان الوراق بدكانه في سكّة الموالي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي الأسدي، قال: حدثني أبو سعيد عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا خلّاد أبو علي، و ساق الخبر، و هو وصيّة الصادق عليه السلام الي أصحابه، و فيه:

«فإنّكم لن تنالوا ولايتنا إلّا بالورع». (2) الي آخره. و فيه: أخبرنا أحمد بن محمد ابن الصّلت، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أحمد ابن القاسم أبو جعفر الأكفاني من أصل كتابه، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، و ساق السند و المتن، و فيه: نزول عقيل علي أمير المؤمنين عليه السلام، و وفوده بعده علي معاوية، و الخبر معروف (3).

و فيه: بهذا السند أنّ عليا عليه السلام قنت في الصّبح فلعن معاوية، و عمرو بن العاص، و أبا موسي، و أبا الأعور، و أصحابهم (4).

و فيه: خبر آخر بهذا السند، و فيه: أنّه قال يوم الجمعة علي المنبر: «ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله». الخبر (5).

و المتأمّل في هذه الأخبار، و أخبار كتابة، يعلم أنّ من رماه بالعامّيّة فقد جفاه.6.

ص: 57


1- أمالي الشيخ الطوسي 2: 185.
2- أمالي الشيخ الطوسي 2: 291.
3- أمالي الشيخ الطوسي 2: 334.
4- المصدر السابق 2: 335.
5- المصدر السابق 2: 336.

الثالث: إنّه ليس فيه من الأحكام الفرعيّة ما يحتاج الي النظر في سند أخبارها.

ص: 58

5- و أمّا كتاب عاصم بن حميد:

فقال النجاشي: عاصم بن حميد الحنّاط الحنفي أبو الفضل، مولي كوفي، ثقة، عين، صدوق، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب.

أخبرنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي ابن الحسن بن فضّال، قال: حدثنا محمد بن عبد الحميد، عن عاصم، بكتابه (1).

و قال الشيخ رحمه اللّه في الفهرست: عاصم بن حميد الحنّاط الكوفي له كتاب. أخبرنا أبو عبد اللّه، عن محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن ابن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار و سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن عبد الحميد و السندي بن محمد، عن عاصم بن حميد.

و بهذا الإسناد، عن سعد و الحميري، عن أحمد بن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد (2).

و قال الصدوق قدس سره في مشيخة الفقيه: و ما كان فيه عن عاصم بن حميد، فقد رويته عن أبي و محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم ابن هاشم، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد (3).

و أمّا سنده في النسخة الموجودة: حدثني أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب القمّي- أيّده اللّه تعالي- قال: حدثني أبو محمد هارون بن موسي بن أحمد التلعكبري- أيّده اللّه- قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب، قال: حدثنا أبو القاسم حميد بن زياد بن هوارا، في سنة تسع و ثلاثمائة، قال: حدثنا عبيد اللّه بن أحمد، عن مساور و سلمة، عن عاصم بن

ص: 59


1- رجال النجاشي: 301/ 821.
2- الفهرست: 120/ 532.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 77.

حميد الحنّاط.

و ذكر أبو محمد قال: حدثني بهذا الكتاب أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد اللّه بن موسي بن جعفر العلوي الموسائي، بمصر سنة إحدي و أربعين، قال: حدثني الشيخ الصالح أبو العباس عبيد اللّه بن أحمد بن نهيك، عن مساور و سلمة جميعا، عن عاصم بن حميد الحنّاط (1).

و في أخر الكتاب: كمل الكتاب، و نسخه منصور بن أبي الحسن الآبي، من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن القمّي أيده اللّه في ذي الحجّة لليلتين مضتا منه، سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، يوم الأحد، الحمد للّه وحده، و صلّي اللّه علي رسوله محمد و آله و سلّم تسليما، و حسبي اللّه و نعم الوكيل (2).

و روي ثقة الإسلام عن كتابه، في باب التفويض: عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن أبي زاهر، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النحوي، قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام. الخبر، كما هو موجود فيه متنا و سندا (3).

و يروي عنه غير هؤلاء جماعة، منهم: يونس بن عبد الرحمن (4)، و أحمد بن محمد بن أبي نصر (5)، و نضر بن سويد (6)، و محمد بن الوليد (7)، و ابن أبي3.

ص: 60


1- أصل عاصم بن حميد، ضمن الأصول الستة عشر: 21.
2- أصل عاصم بن حميد، ضمن الأصول الستة عشر: 41. و فيه بدل منصور بن أبي الحسن، منصور بن الحر.
3- الكافي 1: 207/ 1.
4- تهذيب الأحكام 9: 349/ 1254.
5- تهذيب الأحكام 5: 165/ 550.
6- تهذيب الأحكام 3: 19/ 69.
7- تهذيب الأحكام 3: 333/ 1043.

عمير (1)، و يحيي بن إبراهيم بن أبي البلاد (2)، و محمد بن علي (3)، و عليّ بن الحسن بن فضّال عن أخويه عنه، (4) و عبد اللّه بن جبلة (5)، و الحسن بن علي الوشاء (6)، و الحسن بن علي بن يوسف الأزدي (7)، و محمد بن أسلم الجبليّ (8)، و علي بن الحكم (9)، و الحسن بن محبوب (10)، و الحجّال (11)، و يوسف بن عقيل (12)، و ابن أخيه سليمان بن سماعة (13)، و موسي بن القاسم (14)، و ابن أبي ليلي (15)، و الحسن بن علي بن يقطين (16)، و الحسن بن عبد الرحمن (17).

و من جميع ذلك يظهر علوّ مقامه، و عظم شأنه، و صحّة كتابه، بل هو قريب من التواتر، و أخباره نقيّة، سديدة، و متون أكثرها موجودة في الكتب الأربعة.1.

ص: 61


1- تهذيب الأحكام 5: 105/ 340.
2- الكافي 2: 49/ 3.
3- الكافي 1: 391/ 4.
4- تهذيب الأحكام 8: 80/ 275.
5- تهذيب الأحكام 6: 310/ 856.
6- الكافي 1: 43/ 1.
7- تهذيب الأحكام 7: 370/ 1500.
8- تهذيب الأحكام 10: 46/ 168.
9- تهذيب الأحكام 10: 112/ 444.
10- الكافي 3: 398/ 6.
11- الكافي 2: 264/ 4.
12- تهذيب الأحكام 9: 359/ 1283.
13- الكافي 2: 131/ 5.
14- تهذيب الأحكام 5: 68/ 221.
15- الكافي 2: 264/ 4.
16- الكافي 5: 391/ 7.
17- الكافي 8: 285/ 431.

6- و أمّا أصل زيد النرسي:

فقد كفانا مئونة شرح اعتباره العلّامة الطباطبائي طاب ثراه في رجاله، قال رحمه اللّه تعالي: زيد النرسي أحد أصحاب الأصول، صحيح المذهب، منسوب إلي نرس، بفتح الموحّدة الفوقانيّة، و إسكان الراء المهملة: قرية من قري الكوفة، تنسب إليها الثياب النرسيّة، أو نهر من أنهارها، عليه عدّة من القري، كما قاله السمعاني في كتاب الأنساب، قال: و نسب إليها جماعة من مشاهير المحدّثين بالكوفة (1).

و قال الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي رحمه اللّه في كتاب الرجال: إنّ زيد النرسي من أصحاب الصادق، و الكاظم عليهما السلام، له كتاب يرويه عنه جماعة. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح السيرافي، قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، بكتابه (2).

و قد نصّ شيخ الطائفة طاب ثراه في الفهرست علي رواية ابن أبي عمير كتاب زيد النرسي، كما ذكره النجاشي، ثم ذكر في ترجمة ابن أبي عمير طرقه التي تنتهي إليه (3).

و الذي يناسب وقوعه في إسناد هذا الكتاب، هو ما ذكره فيه و في المشيخة، عن المفيد، عن ابن قولويه قدس سرهما، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن عبيد اللّه بن أحمد بن نهيك، عن ابن أبي عمير (4).

ص: 62


1- الأنساب 585/ ب.
2- رجال النجاشي: 174/ 460.
3- فهرست الشيخ: 71/ 289 و 142/ 607.
4- تهذيب الأحكام 10/ 79 من المشيخة.

و في البحار طريق آخر الي كتاب زيد النرسي، ذكر أنّه وجده في مفتتح النسخة التي وقعت اليه، و هي النسخة التي أخرج منها أخبار الكتاب، و الطريق هكذا: حدثنا الشيخ أبو محمد هارون بن موسي التلعكبري- أيّده اللّه- قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا جعفر بن عبد اللّه العلوي أبو عبد اللّه المحمدي، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي (1).

و إنّما أوردنا هذه الطرق، تنبيها علي اشتهار الأصل المذكور فيما بين الأصحاب و اعتباره عندهم، كغيره من الأصول المعتمدة المعوّل عليها، فإنّ بعضا حاول إسقاط هذا الأصل، و الطعن في من رواه.

و اعترض أوّلا: بجهالة زيد النّرسي، إذ لم ينصّ عليه علماء الرجال بمدح، و لا قدح.

و ثانيا: بأنّ الكتاب المنسوب إليه مطعون فيه، فإنّ الشيخ قدس سره حكي في الفهرست، عن ابن بابويه قدس سره: أنّه لم يرو أصل زيد النّرسي، و لا أصل زيد الزّراد، و أنّه حكي في فهرسته، عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد: أنّه لم يرو هذين الأصلين، بل كان يقول: هما موضوعان، و كذلك كتاب خالد بن عبد اللّه بن سدير، و أنّ واضع هذه الأصول محمد بن موسي الهمداني (2)، المعروف بالسّمان.

و الجواب عن ذلك: إنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ علي صحّته، و اعتباره، و الوثوق بمن رواه، فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث، و كتب الرجال بلوغه الغاية في الثقة، و العدالة، و الورع، و الضبط، و التحذّر عن التخليط، و الرواية عن الضعفاء و المجاهيل، و لذا تري أنّ الأصحاب يسكنون0.

ص: 63


1- بحار الأنوار 1: 43.
2- الفهرست: 71/ 290.

الي روايته، و يعتمدون علي مراسيله.

و قد ذكر الشيخ قدس سره في العدّة: أنه لا يروي، و لا يرسل إلّا عمّن يوثق به (1)، و هذا توثيق عام لمن روي عنه، و لا معارض له هاهنا.

و حكي الكشي في رجاله إجماع العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، و الإقرار له بالفقه و العلم (2)، و مقتضي ذلك صحّة الأصل المذكور، لكونه ممّا قد صحّ عنه، بل توثيق راويه أيضا، لكونه العلة في التصحيح غالبا، و الاستناد إلي القرائن و إن كان ممكنا، إلّا أنّه بعيد في جميع روايات الأصل، و عدّ النرسي من أصحاب الأصول، و تسمية كتابه أصلا، ممّا يشهد بحسن حاله و اعتبار كتابه، فإنّ الأصل في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعني الكتاب المعتمد، الذي لم ينتزع من كتاب آخر، و ليس بمعني مطلق الكتاب، فإنّه قد يجعل مقابلا له، فيقال: له كتاب، و له أصل.

و قد ذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء، نقلا عن المفيد طاب ثراه:

أنّ الإماميّة صنّفت من عهد أمير المؤمنين عليه السلام، إلي عهد أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام أربعمائة كتاب تسمّي الأصول، قال:

و هذا معني قولهم: له أصل (3).

و معلوم أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد علي ذلك بكثير، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل إذا أخصّ من الكتاب، و لا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر و إن لم يكن معتمدا، فإنّه يؤخذ في كلام الأصحاب مدحا لصاحبه، و وجها للاعتماد علي ما تضمّنه، و ربما ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في شي ء من الأصول، كما اتّفق للمفيد، و الشيخ3.

ص: 64


1- عدة الأصول 1: 387.
2- اختيار معرفة الرجال 2: 830/ 1050.
3- معالم العلماء: 3.

قدس سرهما، و غيرهما، فالاعتماد مأخوذ في الأصل بمعني كون ذلك هو الأصل فيه، إلي أن يظهر فيه خلافه.

و الوصف به في قولهم: له أصل معتمد، للإيضاح و البيان، أو لبيان الزيادة علي مطلق الاعتماد المشترك فيما بين الأصول، فلا ينافي ما ذكرناه، علي أنّ تصنيف الحديث- أصلا كان المصنّف أم كتابا- لا ينفكّ غالبا عن كثرة الرواية و الدلالة علي شدّة الانقطاع إلي الأئمّة عليهم السلام، و قد قالوا: «اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنّا» (1) و ورد عنهم في شأن الرواية للحديث ما ورد.

و أمّا الطعن علي هذا الأصل و القدح فيه بما ذكر، فإنّما الأصل فيه محمد ابن الحسن بن الوليد القمّي رحمه اللّه، و تبعه علي ذلك ابن بابويه قدس سره علي ما هو دأبه في الجرح، و التعديل، و التضعيف، و التصحيح، و لا موافق لهما فيما أعلم.

و في الاعتماد علي تضعيف القميين و قدحهم في الأصول و الرجال كلام معروف، فإنّ طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقّاد، و تسرّعهم إلي الطعن بلا سبب ظاهر، ممّا يريب اللّبيب الماهر، و لم يلتفت أحد من أئمّة الحديث و الرجال إلي ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال، بل المستفاد من تصريحاتهم و تلويحاتهم، تخطئتهما، في ذلك المقال.

قال الشيخ ابن الغضائري: زيد الزرّاد و زيد النرسي، رويا عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال أبو جعفر (بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمد بن موسي السمّان، و غلط أبو جعفر) (2) في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمدة.

ص: 65


1- لفظ الحديث في المصادر مختلف انظر: رجال الكشي 1: 3/ 1، 1: 6/ 3، 3 و الكافي 1: 40/ 13 و غيرها.
2- ما بين القوسين سقط من المخطوطة و اثبت من الحجرية.

ابن أبي عمير (1)، و ناهيك بهذه المجاهرة في الردّ من هذا الشيخ، الذي بلغ الغاية في تضعيف الرّوايات، و الطعن في الرّواة، حتي قيل أنّ السالم من رجال الحديث من سلم منه، و أنّ الاعتماد علي كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب، و لولا أنّ هذا الأصل من الأصول المعتمدة المتلقاة [بالقبول] (2) بين الطائفة، لما سلم من طعنه و من غمزه، علي ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض، فإنّه قد ضعّف فيه كثيرا من أجلّاء الأصحاب المعروفين بالتوثيق، نحو: إبراهيم بن سليمان بن حيّان، و إبراهيم بن عمر اليماني، و إدريس بن زياد، و إسماعيل بن مهران، و حذيفة بن منصور، و أبي بصير ليث المرادي، و غيرهم من أعاظم الرّواة، و أصحاب الحديث.

و اعتمد في الطعن عليهم غالبا بأمور لا توجب قدحا فيهم، بل في رواياتهم، كاعتماد المراسيل، و الرواية عن المجاهيل، و الخلط بين الصحيح و السقيم، و عدم المبالاة في أخذ الروايات، و كون رواياتهم ممّا تعرف تارة و تنكر اخري، و ما يقرب من ذلك.

هذا كلامه في مثل هؤلاء المشاهير الأجلّة، و أمّا إذا وجد في أحد ضعفا بيّنا أو طعنا ظاهرا، و خصوصا إذا تعلّق بصدق الحديث، فإنّه يقيم عليه النوائح، و يبلغ منه كلّ مبلغ، و يمزّقه كلّ ممزّق، فسكوت مثل هذا الشيخ عن حال زيد النرسي، و مدافعته عن أصله بما سمعت من قوله، أعدل شاهد علي أنّه لم يجد فيه مغمزا، و لا للقول (في أصله) (3) سبيلا.

و قال الشيخ في الفهرست: زيد النرسي و زيد الزّراد لهما أصلان، لم يروهما محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، و قال في فهرسته: لم يروهما محمد بنه.

ص: 66


1- رجال العلامة: 222/ 4.
2- لم ترد في المخطوطة و أضيفت من المصدر.
3- في المخطوطة: فيه.

الحسن بن الوليد، و كان يقول: هما موضوعان، و كذلك كتاب خالد بن عبد اللّه بن سدير، و كان يقول: وضع هذه الأصول محمد بن موسي الهمداني.

قال الشيخ طاب ثراه: و كتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه (1).

و في هذا الكلام (2) تخطئة ظاهرة للصدوق و شيخه، في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي من موضوعات محمد بن موسي الهمداني، فإنّه متي صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن صاحبه، امتنع إسناد وضعه إلي الهمداني، المتأخّر العصر عن زمن الراوي و المرويّ عنه.

و أمّا النجاشي- و هو أبو عذرة هذا الأمر، و سابق حلبته كما يعلم من كتابه، الذي لا نظير له في فنّ الرجال- فقد عرفت ممّا نقلناه عنه روايته لهذا الأصل- في الحسن كالصحيح، بل الصحيح علي الأصحّ- عن ابن أبي عمير، عن صاحب الأصل (3).

و قد روي أصل زيد الزرّاد: عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه و علي ابن بابويه، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن زيد الزرّاد (4)، و رجال هذا الطريق وجوه الأصحاب و مشايخهم، و ليس فيه من يتوقّف في شأنه، سوي العبيدي و الصحيح توثيقه.

و قد اكتفي النجاشي بذكر هذين الطريقين، و لم يتعرّض لحكاية الوضع في شي ء من الأصلين، بل أعرض عنها صفحا، و طوي عنها كشحا، تنبيها علي غاية فسادها، مع دلالة الاستناد الصحيح المتّصل علي بطلانها، و في كلامه السابق دلالة علي أنّ أصل زيد النرسي من جملة الأصول المشهورة، المتلقّاة1.

ص: 67


1- فهرست الشيخ: 71/ 290.
2- في المخطوط و الحجرية: الكتاب، و في حاشية المخطوط استظهار: الكلام، و كذا المصدر، و هو الصحيح
3- رجال النجاشي: 174/ 460.
4- رجال النجاشي: 175/ 461.

بالقبول بين الطائفة، حيث أسند روايته عنه أوّلا إلي جماعة من الأصحاب، و لم يخصّه بابن أبي عمير، ثم عدّه في طريقه إليه من مرويّات المشايخ (1) الأجلّة، و هم:

أحمد بن علي بن نوح السيرافي، و محمد بن أحمد بن عبد اللّه الصفواني، و عليّ بن إبراهيم القمّي، و أبوه إبراهيم بن هاشم.

و قد قال في السيرافي: إنّه كان ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه، فقيها (2) بصيرا بالحديث و الرّواية (3).

و في الصفواني: إنّه شيخ، ثقة، فقيه، فاضل (4).

و في القمّي: إنّه ثقة في الحديث، ثبت، معتمد (5).

و في أبيه: إنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم (6).

و لا ريب أنّ رواية مثل هؤلاء الفضلاء الأجلّاء يقتضي اشتهار الأصل في زمانهم، و انتشار أخباره فيما بينهم.

و قد علم ممّا سبق كونه من مرويّات الشيخ المفيد، و شيخه أبي القاسم جعفر بن قولويه، و الشيخ الجليل الذي انتهت إليه رواية جميع الأصول و المصنّفات أبي محمد هارون بن موسي التلعكبري، و أبي العبّاس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ المشهور، و أبي عبد اللّه جعفر بن عبد اللّه رأس المذري، الذي قالوا فيه: إنه أوثق الناس في حديثه.

و هؤلاء هم مشايخ الطائفة، و نقدة الأحاديث، و أساطين الجرح و التعديل، و كلّهم ثقات إثبات، و منهم المعاصر لابن الوليد، و المتقدم عليه،8.

ص: 68


1- في الحجرية و المخطوط: (مشايخ)، و الصحيح من المصدر.
2- زيادة من المصدر و الحجرية. دون المخطوط.
3- رجال النجاشي: 86/ 209.
4- رجال النجاشي: 393/ 1050.
5- رجال النجاشي: 260/ 680.
6- رجال النجاشي: 16/ 18.

و المتأخر عنه الواقف علي دعواه، فلو كان الأصل المذكور موضوعا معروف الواضع كما ادّعاه، لما خفي علي هؤلاء الجهابذة النقّاد بمقتضي العادة في ذلك.

و قد أخرج ثقة الإسلام الكليني قدس سره لزيد النرسي في جامعه الكافي- الذي ذكر أنّه قد جمع فيه الآثار الصحيحة، عن الصادقين عليهم السلام- روايتين:

إحداهما في باب التقبيل من كتاب الايمان و الكفر: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن مزيد (1) صاحب السابري، قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام، فتناولت يده فقبلتها، فقال عليه السلام: «أما إنّها لا تصلح إلّا لنبيّ، أو وصيّ نبيّ» (2).

و الثانية في كتاب الصوم في باب صوم عاشوراء: عن الحسن بن علي الهاشمي، عن محمد بن عيسي، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، قال: سمعت عبيد بن زرارة، يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء، فقال: «من صامه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة و ابن زياد»، قلت: و ما حظّهما من ذلك اليوم؟ قال: «النار» (3).

و الشيخ قدس سره في كتابي الأخبار: أورد هذه الرواية، بإسناده عن محمد بن يعقوب (4)، و أخرج لزيد النرسي في كتاب الوصايا من التهذيب في باب وصية الإنسان لعبده، حديثا آخر عن علي بن الحسن بن فضّال، عن معاوية بن حكيم و يعقوب الكاتب، عن ابن أبي عمير، عنه (5).6.

ص: 69


1- نسخة بدل: زيد، من المخطوط.
2- الكافي 2: 148/ 3.
3- الكافي 4: 147/ 6.
4- تهذيب الأحكام 4: 301/ 912، و الاستبصار 2: 135/ 443.
5- تهذيب الأحكام 9: 228/ 896.

و الغرض من إيراد هذه الأسانيد، التنبيه علي عدم خلوّ الكتب الأربعة عن أخبار زيد النرسي، و بيان صحّة رواية ابن أبي عمير عنه، و الإشارة إلي تعدّد الطرق إليه، و اشتمالها علي عدّة من الرجال الموثوق بهم، سوي من تقدّم ذكره في الطرق السالفة، و في ذلك كلّه تنبيه علي صحّة هذا الأصل، و بطلان دعوي وضعه كما قلنا.

و يشهد لذلك أيضا أنّ محمد بن موسي الهمداني، و هو الذي ادّعي عليه وضع هذه الأصول، لم يتّضح ضعفه بعد، فضلا عن كونه وضّاعا للحديث، فإنّه من رجال نوادر الحكمة، و الرواية عنه في كتب الأحاديث متكرّرة، و من جملة رواياته حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير، و هو حديث مشهور، أشار إليه المفيد رحمه اللّه في مقنعته، و في مسار الشيعة (1)، و رواه الشيخ رحمه اللّه في التهذيب (2)، و أفتي به الأصحاب، و عوّلوا عليه، و لا رادّ له سوي الصدوق (3) و ابن الوليد، بناء علي أصلهما فيه.

و النجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه و لم يضعّفه، بل نسب الي القميين تضعيفه بالغلوّ، ثم ذكر له كتبا منها كتاب الردّ علي الغلاة، و ذكر طريقه الي تلك الكتب، قال رحمه اللّه: و كان ابن الوليد رحمه اللّه يقول: إنّه كان يضع الحديث و اللّه أعلم (4).

و ابن الغضائري و إن ضعّفه، إلّا أنّ كلامه فيه يقتضي أنّه لم يكن بتلك المثابة من الضعف، فإنّه قال فيه: إنّه ضعيف، يروي عن الضعفاء، و يجوز أن يخرج شاهدا، تكلّم فيه القميون فأكثروا، و استثنوا من نوادر الحكمة ما رواه (5)، و كلامه ظاهر في أنّه لم يذهب فيه مذهب القمّيين، و لم يرتض ما قالوه،4.

ص: 70


1- المقنعة: 204، مسار الشيعة: 39 ضمن المجلد السابع من مصنفات الشيخ المفيد.
2- التهذيب 3: 143/ 317.
3- الفقيه 2: 55/ ذيل الحديث 241.
4- رجال النجاشي: 338/ 904.
5- حكاها عنه العلامة في الخلاصة: 255/ 44.

و الخطب في تضعيفه هيّن، خصوصا إذا استهونه.

و العلّامة قدس سره في الخلاصة حكي تضعيف القميين و ابن الوليد، حكاية تشعر بتمريضه، و اعتمد في التضعيف علي ما قاله ابن الغضائري قدس سره و لم يزد عليه شيئا (1). و فيما سبق عن النجاشي و ابن الغضائري في أصلي الزّيدين، و عن الشيخ في أصل النرسي، دلالة علي اختلال (2) ما قاله ابن الوليد في هذا الرجل.

و بالجملة فتضعيف محمد بن موسي يدور علي أمور:

أحدها: طعن القميين في مذهبه بالغلوّ و الارتفاع، و يضعّفه ما تقدّم عن النجاشي أنّ له كتابا في الرّد علي الغلاة.

و ثانيها: إسناد وضع الحديث إليه، و هذا ممّا انفرد به ابن الوليد، و لم يوافقه في ذلك الّا الصدوق قدس سره لشدّة وثوقه به، حتّي قال رحمه اللّه في كتاب من لا يحضره الفقيه: إنّ كل ما لم يصححه ذلك الشيخ، و لم يحكم بصحته من الأخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح (3).

و سائر علماء الرجال و نقدة الاخبار تحرّجوا عن نسبة الوضع الي محمد بن موسي، و صحّحوا أصل زيد النرسي، و هو أحد الأصول التي أسند وضعها إليه، و كذا أصل زيد الزرّاد، و سكوتهم عن كتاب خالد بن سدير لا يقتضي كونه موضوعا، و لا كون محمد بن موسي واضعا، إذ من الجائز أن يكون عدم تعرّضهم له لعدم ثبوت صحّته، لا لثبوت وضعه، فلا يوجب تصويب ابن الوليد لا في الوضع و لا في الواضع، أو لكونه من موضوعات غيره فيقتضي تصويبه في الأوّل دون الثاني.

و ثالثها: استثناؤه من كتاب نوادر الحكمة، و الأصل فيه محمد بن الحسن1.

ص: 71


1- انظر الهامش المتقدم.
2- في المخطوط و الحجري: اختلاف، و التصويب من المصدر
3- من لا يحضره الفقيه 2: 55/ ذيل الحديث 241.

ابن الوليد أيضا، و تابعه علي ذلك الصدوق، و أبو العباس بن نوح، بل الشيخ، و النجاشي أيضا.

و هذا الاستثناء لا يختصّ به، بل المستثني من ذلك الكتاب جماعة، و ليس جميع المستثنين وضعة للحديث، بل منهم المجهول الحال، و المجهول الاسم، و الضعيف بغير الوضع، بل الثقة علي أصحّ الأقوال: كالعبيدي، و اللّؤلؤي، فلعلّ الوجه في استثناء غير الصدوق و شيخه ابن الوليد جهالة محمد ابن موسي، أو ضعفه من غير سبب الوضع، و الموافقة لهما في الاستثناء لا تقتضي الاتّفاق في التعليل، فلا يلزم من استثناء من وافقهما ضعف محمد بن موسي عنده، فضلا عن كونه وضّاعا، و قد بان لك بما ذكرنا مفصّلا اندفاع الاعتراضين بأبلغ الوجوه (1).

قلت: و روي جعفر بن قولويه رحمه اللّه في كامل الزيارة، عن أبيه و أخيه علي ابن محمد و علي بن الحسين كلّهم، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن أبي الحسن موسي عليه السلام، قال: «من زار ابني هذا- و أومي إلي أبي الحسن الرضا عليه السلام- فله الجنّة» (2) و الخبر موجود في الأصل.

و منه يعلم أنّ علي بن بابويه والد الصدوق، يروي أصل النرسي كما مرّ أنّه يروي أصل الزرّاد، و يظهر منه أنّ أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلي الصدوق تبعا لشيخه ضعيف، أو رجع عنه بعد ما ذكره في فهرسته، فإنّ ولده شيخ القميّين، و فقيههم (3) و ثقتهم، و الذي خاطبه الإمام العسكري عليه السلام بقوله- في توقيعه-: «يا شيخي و معتمدي» (4) يروي الأصل المذكور و ولده يعتقد8.

ص: 72


1- الفوائد الرجالية (رجال السيد بحر العلوم): 2: 360.
2- كامل الزيارات: 306 الحديث 10، و انظر الأصول الستة عشر: 52.
3- لم ترد في المخطوطة، بل في الحجرية.
4- انظر مقدمة الإمامة و التبصرة تحقيق السيد الجلالي: 58.

كونه موضوعا؟! هذا ممّا لا ينبغي نسبته إليه.

و يؤيّد ضعف النسبة، أو يدلّ علي الرجوع، روايته عن الأصلين في كتبه، أمّا الزرّاد فقد تقدم.

و أمّا عن أصل النرسي ففي ثواب الأعمال: أبي رحمه اللّه، قال: حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن بعض أصحابه، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يغسل رأسه بالسدر» (1) إلي آخر ما في الوسائل منقولا عنه (2)، و في كتابنا منقولا عن الأصل المذكور هذا (3).

و قد أخرج الخبر المذكور شيخه جعفر بن أحمد القمي في كتاب العروس، عن زيد (4) كما في أصله.

و أخرج الصدوق رحمه اللّه أيضا (5) في الفقيه، في باب ضمان الوصيّ لما يغيّره عمّا أوصي به الميّت، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن عليّ ابن مزيد صاحب السابري، قال: أوصي إليّ رجل. و ساق الحديث (6)، و هو طويل ذكره الشيخ في الأصل في كتاب الوصية، مثل ما نقلناه عن أصل النرسي في الكتاب المذكور فلاحظ (7).ر.

ص: 73


1- ثواب الأعمال: 36.
2- وسائل الشيعة 2: 63/ 1491.
3- مستدرك الوسائل 1: 387/ 937.
4- النسخة المطبوعة من العروس خالية من هذا الحديث. و قد روي عن زيد النرسي عن أبي الحسن عليه السلام حديثا في (باب غسل الرأس يوم الجمعة بالخطمي من السنة) و هو يخالف الحديث المار سندا و متنا.
5- لم ترد في المخطوط.
6- من لا يحضره الفقيه 4: 154 الحديث 534.
7- وسائل الشيعة 19: 349/ 24742، و انظر: مستدرك الوسائل 14: 119/ 16252، أصل زيد الزراد: 55، ضمن الأصول الستة عشر.

و أخرج أحمد بن محمّد بن فهد في عدّة الداعي، عن الأصل المذكور حديث معاوية بن وهب في الموقف (1)، و هو حديث شريف في الحثّ علي الدعاء للإخوان.

و أخرج الحسين بن سعيد في كتاب الزهد، عن الأصل المذكور خبر فناء العالم، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول. (2)، إلّا أنّه اختصره.

و أخرج الخبر المذكور عنه عليّ بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد، و ساقه كما هو موجود في الأصل (3).

و قال العلامة المجلسي قدس سره في البحار- بعد نقل كلمات الجماعة في الأصلين و صاحبيهما-: و أقول: و إن لم يوثّقهما أصحاب الرجال، لكن أخذ أكابر المحدّثين من كتابهما، و اعتمادهم عليهما حتّي الصدوق قدس سره في معاني الأخبار، و غيره، و رواية ابن أبي عمير عنهما، و عدّ الشيخ كتابهما من الأصول، لعلّها تكفي لجواز الاعتماد عليهما، مع أنّا أخذناهما من نسخة عتيقة مصحّحة بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي، و هو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمد ابن الحسن القمّي، و كان تاريخ كتابتها سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، و ذكر أنّه أخذهما و سائر الأصول المذكورة بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسي التلّعكبري (4)، انتهي.

و أمّا محمد بن موسي فلعلّنا نشير إلي بعض ما يؤيّد كلام السيّد رحمه اللّه فيه، في بعض الفوائد الآتية.1.

ص: 74


1- عدة الداعي: 171. و انظر: أصل زيد النرسي (ضمن الأصول الستة عشر): 44.
2- الزهد: 90 حديث 242. و انظر: أصل زيد النرسي (ضمن الأصول الستة عشر): 47.
3- تفسير علي بن إبراهيم القمي: 256، الأصول الستة عشر: 47.
4- بحار الأنوار 1: 431.

7- و أمّا كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي:

فقال الشيخ قدس سره في الفهرست: جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي له كتاب، رويناه بالإسناد الأول، عن ابن همّام، عن حميد، عن أحمد بن زيد الأزدي البزّاز، عن محمد بن أمية بن القاسم الحضرمي، عن جعفر بن محمد بن شريح (1).

و مراده بالإسناد الأوّل- كما ذكره في ترجمة جعفر بن قولويه، و جعفر بن محمد بن مالك: الشيخ المفيد، و الحسين بن عبيد اللّه، و أحمد بن عبدون، و غيرهم-: عن أبي محمد هارون بن موسي التّلعكبري، عن أبي علي بن همّام (2).

و سنده في النسخة الموجودة، و النسخة المتقدّمة للمجلسي طيب اللّه ثراه هكذا: الشيخ أبو محمد هارون بن موسي بن أحمد بن إبراهيم التلّعكبري أيده اللّه قال: حدثنا محمد بن همّام، قال: حدثنا حميد بن زياد الدهقان، قال:

حدثنا أبو جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي، قال: حدثنا محمد بن المثني بن القاسم الحضرمي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي، عن حميد بن شعيب السبيعي، عن جابر الجعفي، قال: قال: أبو جعفر عليه السلام. الخبر (3).

و الظاهر أنّ أميّة في سند الشيخ مصحّف، و الصواب- كما في سند الكتاب- المثني، و أشار الي ذلك في البحار أيضا (4).

و محمد بن أميّة غير مذكور في الرجال، و لا في أسانيد الأخبار. و الظاهر

ص: 75


1- الفهرست: 43/ 137.
2- الفهرست: 42/ 130 و 43/ 136.
3- بحار الأنوار 1: 44. أصل جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي (ضمن الأصول الستة عشر): 60.
4- بحار الأنوار 1: 44. أصل جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي (ضمن الأصول الستة عشر): 60.

أنّ أحمد بن زيد في السندين هو بعينه أحمد بن زيد الخزاعي، الذي ذكر الشيخ قدس سره في الفهرست أنه يروي كتاب آدم بن المتوكّل، عن أحمد بن عبدون، عن أبي طالب الأنباري، عن حميد بن زياد، عن أحمد بن زيد الخزاعي، عنه (1). و كتاب أبي جعفر شاهطاق، و الظاهر أنّه محمد بن علي بن النعمان، الملقّب بمؤمن الطاق، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن حميد، عن أحمد بن زيد الخزاعي، عنه (2).

و وافقنا علي اتّحادهما المتبحّر النقّاد المولي الحاج محمد الأردبيلي، في جامع الرّواة (3) و ظهر ممّا نقلنا أنّه من مشايخ الإجازة، و أنّ حميدا اعتمد عليه في رواية الكتب المذكورة، و كتاب محمد بن المثني كما يأتي.

و قد مرّ في شرح أصل زيد الزرّاد ما يقتضي الاعتماد علي حميد، و السكون إلي رواياته.

و ستعرف أنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلي التزكية و التوثيق، إمّا لعدم الضرر في ضعفهم و جهالتهم، أو لكونهم ثقات إثبات علي اختلاف بينهم.

و منه و ممّا نقلنا عن السيد الكاظمي، و العلامة الطباطبائي، في مدح أرباب الكتب و أصحاب التصانيف، يظهر حسن حال الحضرمي، مع أنّ رواياته في الكتاب سديدة مقبولة، يوجد متونها أو مضمونها في سائر الكتب المعتبرة، و ممّا يشهد علي حسن حاله اعتماد محمد بن مثني عليه، فإنّ جلّ روايات كتابه عنه فراجع و تأمل.

و أبوه محمد بن شريح من ثقات أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة عنه، كما في رجال النجاشي و الفهرست، و غيرهما (4).5.

ص: 76


1- فهرست الشيخ: 16/ 47.
2- فهرست الشيخ: 191/ 866.
3- جامع الرواة 2: 158.
4- رجال النجاشي: 366/ 991، و الفهرست: 141/ 605.

8- و أمّا كتاب محمد بن المثنّي بن القاسم الحضرمي قدس سره:

فالسند إليه في النسخة المتقدّمة ما تقدّم في سند كتاب جعفر.

و قال النجاشي قدس سره: محمد بن المثنّي بن القاسم، كوفي ثقة، له كتاب، أخبرنا الحسين، قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا حميد، قال:

حدثنا أحمد، عن محمد بن المثنّي بكتابه (1).

و يروي عنه الثقة سيف بن عميرة، كما في روضة الكافي (2).

و بملاحظة ما ذكرنا لا ريب في اعتبار الكتاب، و الاعتماد عليه، و ذكر في آخر الكتاب حديثين من غير توسّط محمد، و وصف فيه أحمد هكذا: بالإسناد عن حميد بن زياد، عن أبي جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي البزّاز، ينزل في طاق [زهير] و لقيه بزيع، قال: حدثني علي بن عبيد اللّه (3). إلي آخره.

ص: 77


1- رجال النجاشي: 371/ 1012.
2- روضة الكافي 8: 303.
3- انظر كتاب محمد بن المثني (ضمن الأصول الستة عشر): 93.

9- و أمّا كتاب عبد الملك بن حكيم:

ففي رجال النجاشي: عبد الملك بن حكيم الخثعمي، كوفي ثقة، عين، روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعة: أخبرنا القاضي أبو عبد اللّه الجعفي، قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضّال، قال:

حدثنا جعفر بن محمد بن حكيم، قال: حدثنا عبد الملك بن حكيم بكتابه (1).

و في الفهرست: عبد الملك بن حكيم، له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن التلعكبري، عن ابن عقدة، و ذكر مثله (2).

و السند في أوّل الكتاب أيضا: التلعكبري، عن ابن عقدة. (3) إلي آخره.

و يظهر من النجاشي أنّه من الأصول، و إن نسبة الكتاب إليه معلومة، و يرويه عنه جماعة، و إنّما اقتصر علي الطريق الواحد لمجرّد الاختصار، علي حسب عادتهم في فهارسهم، فلا يضرّ إذا ضعف جعفر كما توهّم، أو جهالته كما قيل، بل اعتماد المشايخ الثلاثة- و هم وجوه الطائفة، و نقدة الأخبار في طريقهم إلي كتاب عمّه عليه- قرينة ظاهرة علي حسن حاله، بل وثاقته في الحديث، مع أنّه يروي عنه مثل [علي بن] الحسن بن فضال، و هو بمكان من التثبّت و الاحتياط في النقل و الرواية، و ورد فيه و في سائر بني فضّال ما ورد من الأخذ بما رووا، و الثقة الجليل موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب كما في التهذيب في باب المواقيت من كتاب الحج (4)، و الثقة الجليل محمد بن إسماعيل

ص: 78


1- رجال النجاشي: 239/ 636
2- الفهرست: 110/ 474.
3- كتاب عبد الملك بن حكيم (ضمن الأصول الستة عشر: 98.
4- التهذيب 5: 57/ 179.

ابن بزيع كما في الكافي في باب بيض الدجاج من كتاب الأطعمة (1) و أحمد بن محمد بن خالد فيه أيضا (2)، و بعد رواية هؤلاء عنه لا وقع لما توهّم أو قيل فيه.1.

ص: 79


1- الكافي 6: 324/ 1.
2- الكافي 6: 324/ 1.

10- و أمّا كتاب مثني بن الوليد الحناط:

ففي رجال النجاشي: مثنّي بن الوليد الحنّاط، مولي، كوفي، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة:

أخبرنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال:

حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح، قال:

حدثنا مثنّي بكتابه (1).

و في الفهرست: مثنّي بن الوليد الحنّاط له كتاب، رواه الحسن بن علي الخزّاز عنه، و فيه بلا فصل: مثنّي بن الحضرمي له كتاب، أخبرنا بهما جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن أبي عمير، عنهما (2).

و أمّا طريق التلعكبري في النسخة الموجودة، ففيها قال الشيخ رحمه اللّه:

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضّال التيملي، قال: حدثنا العباس بن عامر القصبي، قال: حدثنا مثنّي بن الوليد الحنّاط، عن ميسر بياع الزّطي (3). إلي آخره.

و قال الشيخ الجليل أبو غالب أحمد بن محمد بن سليمان الزراري في رسالته إلي ولد ولده، في ذكر طرقه الي الكتب: كتاب مثنّي الحنّاط، حدّثني به جدّي، عن الحسن بن محمد الطيالسي، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس الخزاز، عن مثنّي (4).

و قال أبو عمرو الكشي قدس سره في رجاله: قال أبو النضر محمد بن

ص: 80


1- رجال النجاشي: 414/ 1106.
2- الفهرست: 167/ 736 و 737 و فيه بدل بهما: به، و بدل عنهما: عنه.
3- كتاب مثني بن الوليد الحناط (ضمن الأصول الستة عشر): 102.
4- رسالة أبي غالب الزراري: 66/ 59.

مسعود: قال علي بن الحسن: سلام، و مثنّي بن الوليد، و المثنّي بن عبد السلام كلّهم حنّاطون، كوفيون، لا بأس بهم (1).

و قد قرّر في محلّه أنّ قولهم: لا بأس به، أي بوجه من الوجوه، فيفيد التوثيق كما عليه جماعة، مع أنّه يكفي في وثاقته رواية ابن أبي عمير عنه كما عرفت، و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي كما في الكافي في باب بيع الزرع الأخضر، و باب من زاد علي خمس تكبيرات من أبواب الجنائز (2).

و في التهذيب في باب الأغسال المفروضات، و في باب الحيض من أبواب الزيادات، و في باب أحكام السهو في الصلاة (3). و غيرهما من الأجلّاء الثقات من أصحاب الإجماع و غيرهم، سوي من تقدّم ذكرهم مثل:

عبد الرحمن بن أبي نجران كما في التهذيب في باب البينات (4)، و في الكافي في باب الصدق و الأمانة، و في باب نادر قبل باب دخول القبر، و في باب ما يجب علي الحائض في أداء المناسك (5)، و في التهذيب في باب ميراث ابن الملاعنة، و في باب العتق (6).

و علي بن الحكم في الكافي في مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، و في باب صلاة فاطمة عليها السلام، و في باب الاهتمام بأمور المسلمين، و في باب ما جاء في الهندباء، و في باب الحمّام من كتاب الزّي و التجمّل (7)، و في التهذيب مكررا في باب ميراث الاخوة (8).0.

ص: 81


1- اختيار معرفة الرجال 2: 629/ 623.
2- الكافي 5: 375/ 4 و 3: 186/ 1.
3- التهذيب 1: 106/ 276، و 1: 399/ 1246، و 2: 190/ 754.
4- التهذيب 6: 265/ 706.
5- الكافي 2: 85/ 3، و 3: 192/ 2، و 4: 447/ 5.
6- التهذيب 9: 339/ 1221، و 8: 227/ 821.
7- الكافي 1: 391/ 3، و 3: 468/ 1، و 2: 131/ 8، و 6: 362/ 1، و 6: 497 5.
8- التهذيب 9: 320/ 1149 و 1150.

و الحسن بن علي الوشاء في الكافي في كتاب العقل، و في باب البدع و الرأي، و في باب المستضعف، و في باب الرمي عن العليل (1).

و الحسن بن راشد فيه في باب الشكر (2).

و ابن فضّال فيه في باب اللقيط، و في باب شدّة ابتلاء المؤمن (3)، و في التهذيب في باب ابتياع الحيوان (4).

و علي بن الحسن بن رباط، في الكافي في باب أنّ النساء لا يرثن من العقار شيئا (5)، و في الاستبصار في باب أن المرأة لا ترث من العقار و الدور (6).

و عبد اللّه بن مسكان في التهذيب في باب تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات (7).

و الحسن بن محبوب فيه في باب التلقي و الحكرة (8)، و في الكافي في باب التلقي (9).

و معاوية بن حكيم في التهذيب في باب أحكام الطلاق (10)، و في الاستبصار في باب من طلّق امرأته ثلاث تطليقات (11).0.

ص: 82


1- الكافي 1: 19 حديث 21، و 1: 46 حديث 11 و 2: 298 حديث 6، و 4: 486 حديث 4.
2- الكافي 2: 79/ 19.
3- الكافي 5: 224/ 1، و 2، و 2: 199/ 24.
4- التهذيب 7: 78/ 332.
5- الكافي 7: 129/ 10.
6- الاستبصار 4: 152/ 575.
7- التهذيب 1: 432/ 1385.
8- التهذيب 7: 158/ 696.
9- الكافي 5: 168/ 2.
10- التهذيب 8: 56/ 181.
11- الاستبصار 3: 289/ 1020.

و الحسين بن أبي العلاء في التهذيب في باب التيمّم من أبواب الزيادات (1)، و في الاستبصار في باب من دخل الصلاة بتيمّم ثم وجد الماء (2).

و هؤلاء كلّهم أجلّاء ثقات، بل جلّهم معدودون في الفقهاء الكبار، و أساطين حملة الأخبار، و حاشاهم أن يرووا مع اختلاف مشاربهم عمّن لا يثقون به، و لا يعتمدون عليه، و هذا من أجلي القرائن للتزكية و التوثيق عند أرباب التحقيق، و اللّه تعالي وليّ التوفيق.1.

ص: 83


1- التهذيب 1: 406/ 1277.
2- الاستبصار 1: 168/ 581.

11- و أمّا كتاب خلّاد السدّي قدس سره:

ففي النجاشي: خلّاد السدي البزاز، كوفي، روي عن أبي عبد اللّه، و قيل:

أنّه خلّاد بن خلف المقرئ، خال محمد بن علي الصيرفي أبي سمينة، له كتاب يرويه عدّة: منهم ابن أبي عمير، أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيي بن زكريا بن شيبان و محمد بن مفضّل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري، قال حدثنا ابن أبي عمير، عن خلّاد بكتابه (1).

و في الفهرست: خلاد السدي له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن التلّعكبري، عن ابن عقدة، عن يحيي بن زكريا بن شيبان، عن ابن أبي عمير، عن خلاد السدي (2).

و هذا بعينه طريق التّلعكبري في النسخة الموجودة (3).

و قد أخرج الكليني عنه في الكافي باب من مات و ليس له وارث، عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن خلاد (4).

و الشيخ في التهذيب في باب من مات و ليس له وارث من العصبة، بإسناده عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن خلّاد (5). و في الاستبصار في باب تحريم ما يذبحه المحرم من الصيد (6).

و السدّي كما في الإيضاح: بضمّ السين (7)، و الموجود المضبوط في نسخ

ص: 84


1- رجال النجاشي: 154/ 405.
2- الفهرست: 66/ 261.
3- كتاب خلاد، (ضمن الأصول الستة عشر): 106.
4- الكافي 7: 169/ 2.
5- التهذيب 9: 387/ 1382، و فيه عن خلاد عن السري
6- الاستبصار 2: 215/ 739، و فيه: خلاد السندي.
7- الإيضاح: 35.

كتب الرجال و الأخبار- ثم الدال، كأنّه منسوب الي سدّة، و هي سدّة مسجد الكوفة، و كان السدّي المعروف يبيع بها المقانع، و هي ما يبقي من الطاق المسدود، و لذا نسب إليها.

و قد وقع في كتب الفقهاء و الأخبار تحريفات عجيبة، حتي من الشيخ في التهذيب، فتارة حرّفوه بالسري، و اخري بالسندي، و في موضع من الجواهر بالبرقي، بل في التهذيب في الباب المتقدّم عن خلّاد، عن السري، بل فيه في باب الكفارة عن خطأ المحرم: عن حمّاد السري (1)، مع نقله في الاستبصار خلّاد، و كلّ هذا تحريف غير خفيّ علي الخبير النقّاد.

و قد اتّضح بما ذكرنا اعتبار الكتاب (2)، و حسن حال خلّاد، بل وثاقته لرواية ابن أبي عمير عنه، و اعتماد المشايخ عليه.ة.

ص: 85


1- التهذيب 5: 378 حديث 1319 و فيه: خلاد السندي، و انظر جامع الرواة 1: 296.
2- لم يرد في المخطوطة.

12- و أمّا كتاب الحسين بن عثمان:

ففي النجاشي: الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي، ثقة، روي عن أبي عبد اللّه، و أبي الحسن عليهما السلام.

ذكره أصحابنا في رجال أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب تختلف الرواية فيه، فمنها ما رواه ابن أبي عمير، أخبرنا أجازه محمد بن جعفر، عن أحمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم سنة خمس و ستين و مائتين، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان (1).

و السند إليه في أول الكتاب هكذا: الشيخ أيّده اللّه تعالي- يعني التلعكبري- قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا جعفر بن عبد اللّه المحمدي، قال حدثنا محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن عبد اللّه بن مسكان. إلي آخره، و الطريقان في غاية القوّة و الاعتبار.

و قد روي عن الحسين غير ابن أبي عمير جماعة من الأجلّاء، فمنهم:

الحسين بن سعيد في الكافي في باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيه (2).

و أيوب بن نوح في باب كيفيّة الصلاة من التهذيب (3).

و محمد بن الحسين في باب الصلاة في السفر من أبواب الزيادات من التهذيب، و في الاستبصار في باب من يجب عليه التمام (4).

و موسي بن القاسم في أواسط باب الزيادات في فقه الحجّ من

ص: 86


1- رجال النجاشي: 53/ 119.
2- الكافي 4: 119/ 7.
3- التهذيب 2: 137/ 532.
4- التهذيب 3: 219/ 544، و الاستبصار 1: 235/ 839.

التهذيب (1).

و القاسم بن محمد في الكافي في باب التعزية (2)، و في التهذيب في باب تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات (3).

و قد أشرنا غير مرّة أنّ رواية الأجلّة عن راو من علائم الوثاقة.

و ذكره الشيخ قدس سره في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، و قال فيه: أسند عنه (4).

و قد ذكرنا في محلّه دلالة هذه الكلمة علي التوثيق، و ابن عقدة ذكره في رجاله الذي ذكر فيه أربعة آلاف رجل من ثقات أصحاب الصادق عليه السلام.

و قال العلامة قدس سره في الخلاصة: قال الكشي، عن حمدويه، عن أشياخه: إنّ الحسين بن عثمان خيّر، فاضل، ثقة (5).

و اعترض عليه صاحب التلخيص بأنّ الكشي قال ذلك في الحسين بن عثمان بن زياد الرواسي، و الاتّحاد محلّ نظر (6).

قلت عبارة اختيار رجال الكشي هكذا: حمدويه: سمعت أشياخي يذكرون أنّ حمّادا و جعفرا و الحسين بني عثمان بن زياد الرواسي، كلّهم4.

ص: 87


1- لم نقف علي هذا الحديث في الباب المشار إليه في النسخة المطبوعة من التهذيب. نعم في 5: 461 حديث 1606 و فيه. ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان. و لكن ذلك الأردبيلي في جامع الرواة: 1/ 247.
2- الكافي 3: 204/ 5.
3- التهذيب 1: 463/ 1513.
4- رجال الشيخ الطوسي: 169/ 63، و انظر في تفسير هذه الكلمة ما ورد في العدد 3 من السنة الاولي من نشرة تراثنا التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بقلم العلامة المحقق المتتبع السيد محمد رضا الجلالي.
5- الخلاصة: 51/ 15.
6- التلخيص (مخطوط): 114.

فاضلون خيار ثقات (1).

و العلامة ذكره هذه العبارة في ترجمة حمّاد بفاصلة قليلة (2).

و من البعيد أن يكون ما نقله في العامري الوحيدي ملتقطا ممّا ذكره الكشي في الرواسي و اخوته، و عدم وجود ما نقله في الأول في الكشي الموجود لا يوجب الحمل علي الاشتباه و توهّم الاتّحاد، لما أشرنا إليه سابقا من وجود نسخة أصل رجال الكشي في عصره، و لعلّ ما نقله أولا يوجد فيه، إلّا أنّ الذي يقرّب هذا البعيد أنّه لم يذكر الرواسي في الخلاصة، مع أنه مذكور في الكشي تبعا، و في الفهرست منفردا، و ذكر له كتابا، و ذكر طريقه إليه (3)، إن هذا إلّا لتوهّم الاتّحاد و اللّه العاصم.5.

ص: 88


1- رجال الكشي 1: 670/ 694.
2- انظر الخلاصة: 56/ 3.
3- الفهرست: 57/ 215.

13- و أمّا كتاب عبد اللّه بن يحيي الكاهلي:

ففي النجاشي: عبد اللّه بن يحيي أبو محمد الكاهلي، عربي أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام، و كان عبد اللّه وجيها عند أبي الحسن عليه السلام، و وصّي به علي بن يقطين رحمه اللّه فقال له: «اضمن لي الكاهلي و عياله أضمن لك الجنّة». و قال محمد بن عقدة الناسب: عبد اللّه بن يحيي الذي يقال له الكاهلي، هو تميميّ النسب، و له كتاب يرويه جماعة منهم: أحمد بن محمد بن أبي نصر، أخبرنا القاضي أبو عبد اللّه الجعفي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال:

حدثنا محمد بن أحمد القطواني، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الكاهلي بكتابه (1).

و في الفهرست: عبد اللّه بن يحيي الكاهلي له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن يحيي.

و أخبرنا به أبو عبد اللّه المفيد قدس سره، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه و حمزة بن محمد و محمد بن علي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن الكاهلي (2).

و في مشيخة الفقيه: و ما كان فيه عن عبد اللّه بن يحيي الكاهلي فقد رويته عن أبي رحمه اللّه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن

ص: 89


1- رجال النجاشي: 221/ 580، و فيه بدل محمّد بن عقدة الناسب: محمّد بن عبدة الناسب، هذا و في المخطوطة و الحجرية بدل احمد بن محمد بن سعيد: محمد بن محمد ابن سعيد.
2- الفهرست: 102/ 430.

أحمد بن أبي نصر البزنطي، عن عبد اللّه بن يحيي الكاهلي (1).

و طريق التلعكبري في النسخة الموجودة: الشيخ- أيّده اللّه تعالي- قال:

حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن بن الحكم القطواني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: حدثنا عبد اللّه بن يحيي الكاهلي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول (2). الخبر.

و يروي عنه سوي البزنطي و ابن أبي عمير جماعة، منهم:

زكريا بن آدم قدس سره في التهذيب في باب اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان، و في باب أنّه يعقّ يوم السابع (3)، و في باب القول علي العقيقة (4).

و الحسن بن محبوب فيه في باب الشركة و المضاربة، و في باب التلقي و الحكرة، و في باب الذبح (5)، و في الاستبصار في باب الهدي المضمون، و في باب المضارب يكون له الربح (6).

و صفوان بن يحيي في الكافي في باب صفات الذّات، و في باب فضل الحجّ و العمرة، و في باب صفة التيمّم (7)، و في التهذيب في باب الإجازات، و في باب صفة التيمّم (8).0.

ص: 90


1- من لا يحضره الفقيه (المشيخة): 101.
2- كتاب عبد اللّه الكاهلي (ضمن الأصول الستة عشر): 114.
3- التهذيب 4: 181/ 505، و 7: 443/ 1772.
4- لعلّ الإشارة إلي التهذيب من سهو النساخ حيث لا يوجد في التهذيب بابا تحت هذا العنوان. و الظاهر أنّه الكافي 6: 31/ 6.
5- التهذيب 7: 188/ 831، و 7: 158/ 698، و 5: 225/ 759.
6- الاستبصار 2: 273/ 968، و 3: 127/ 454.
7- الكافي 1: 83/ 3، و 4: 253/ 7، و 3: 62/ 3.
8- التهذيب 7: 219/ 957، و 1: 207/ 600.

و فضالة بن أيّوب في الفقيه في باب إحرام الحائض (1)، و في باب بيع الماء و المنع منه من التهذيب (2).

و القاسم بن محمد فيه فيه، و في باب المهور و الأجور منه، و في باب الذبائح و الأطعمة (3).

و علي بن الحكم الكوفي الثقة فيه في باب الصلاة في السفر، و باب الشفعة (4) و غيرها، و في الكافي في باب الماء الذي فيه قلّة و غيره (5).

و الحسين بن سعيد في التهذيب في باب العقود علي الإماء، و في باب ضروب الحج (6)، و في الاستبصار في باب البئر تقع فيها العذرة اليابسة، و في باب من لم يجد الهدي و وجد الثمن، و في باب النهي عن بيع الذهب بالفضّة (7).

و الحسن بن محمد الحضرمي في التهذيب في باب المهور و الأجور، و في باب عقد المرأة علي نفسها النكاح (8)، و في الكافي في باب الرجل يهوي امرأة و أبوه يهوي غيرها (9).

و محمد بن خالد فيه في باب الكتمان، و في باب الشرك، و في باب2.

ص: 91


1- من لا يحضره الفقيه 2: 241/ 1152.
2- التهذيب 7: 139/ 617.
3- التهذيب 7: 139/ 617، و 7: 365/ 1479، و 9: 88/ 370.
4- التهذيب 3: 207/ 493، و 7: 165/ 732.
5- الكافي 3: 3/ 1.
6- التهذيب 7: 350/ 1428، و 5: 38/ 112.
7- الاستبصار 1: 41/ 116، و 2: 260/ 919 و 3: 93/ 317 و فيه: الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن يحيي (بحر).
8- التهذيب 7: 376/ 1523، و 7: 392/ 1569.
9- الكافي 5: 401/ 2.

التقدّم في الدعاء (1).

و علي بن مهزيار فيه في باب من وصف عدلا و عمل بغيره (2).

و علي بن الحسن بن رباط في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة (3)، و في الاستبصار في باب المذي و الودي (4).

و محمد بن حمّاد بن زيد الثقة في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة، و في باب فضل الصلاة من أبواب الزيادات، و مرّتين في باب كيفية الصلاة منها (5)، و في الاستبصار في باب الجهر ب بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* (6).

و إسحاق بن عمار في الكافي في باب حقّ الجوار (7).

و ثعلبة بن ميمون الفقيه المقدّم في هذه العصابة في التهذيب في باب صفة الوضوء (8)، و في الاستبصار في باب كيفيّة المسح علي الرجلين (9).

و عبد اللّه بن مسكان في التهذيب في باب تلقين المحتضرين (10)، و في الاستبصار في باب موضع الكافور من الميت (11).7.

ص: 92


1- الكافي 2: 177 حديث 8، و 2: 292 حديث 7، و 2: 343 حديث 5، و فيها عن محمد ابن خالد عن عبد اللّه بن يحيي.
2- الكافي 2: 227/ 4.
3- التهذيب 1: 19/ 46.
4- الاستبصار 1: 93/ 299.
5- التهذيب 1: 34 حديث 92، و 2: 236 حديث 933، و 2: 288 حديث 1155، و 2: 289/ 1159.
6- الاستبصار 1: 311/ 1157.
7- الكافي 2: 489/ 4.
8- التهذيب 1: 90/ 240.
9- الاستبصار 1: 60/ 179.
10- التهذيب 1: 307/ 892.
11- الاستبصار 1: 212/ 747.

و حمّاد بن عثمان في الكافي في باب التسليم و فضل المسلمين (1).

و غيرهم ممّن لا حاجة إلي ذكرهم بعد رواية هؤلاء، الذين فيهم الثلاثة الذين نصّوا علي عدم روايتهم إلّا عن الثقة، و جمع من أصحاب الإجماع و الفقهاء، من الثقات و الأجلّاء من الرواة، الذين بلغوا الغاية في التثبّت و الإتقان، فلا ينبغي التشكيك في توثيق من عكفوا عليه، و أخذوا عنه.

و في رجال أبي عمرو الكشي: عبد اللّه بن يحيي الكاهلي: علي بن محمّد، قال: حدثني محمّد بن عيسي، قال: زعم ابن أخي الكاهلي أنّ أبا الحسن الأول عليه السلام، قال لعلي بن يقطين: «اضمن لي الكاهلي و عياله، أضمن لك الجنّة» (2).

و في موضع آخر منه: حدثني حمدويه بن نصير (قال: حدثني محمّد بن نصير) (3) قال: حدثني محمّد بن عيسي، قال: زعم الكاهلي أنّ أبا الحسن عليه السلام، قال لعلي بن يقطين: «اضمن لي الكاهلي و عياله، أضمن لك الجنّة» فزعم ابن أخيه أنّ عليّا رحمه اللّه لم يزل يجري عليهم الطعام، و الدراهم، و جميع النفقات مستغنين حتي مات الكاهلي، و أنّ نفقته كانت تعمّ عيال الكاهلي و قراباته. و الكاهلي يروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (4).

وجدت بخط جبرئيل بن أحمد: حدثني محمّد بن عبد اللّه بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أخطل الكاهلي، عن عبد اللّه بن يحيي الكاهلي، قال: حججت فدخلت علي أبي الحسن عليه السلام، فقال لي:

«اعمل خيرا في سنتك هذه، فإنّ أجلك قد دنا» قال: فبكيت، فقال:

«ما يبكيك» قلت: جعلت فداك نعيت إليّ نفسي، قال: «أبشر فإنّك من1.

ص: 93


1- الكافي 1: 321/ 2.
2- رجال الكشي 2: 704/ 749.
3- النسخ المطبوعة خالية من هذا القول.
4- رجال الكشي 2: 745/ 841.

شيعتنا، و أنت إلي خير» قال أخطل: فما لبث عبد اللّه بعد ذلك إلّا يسيرا حتي مات (1).2.

ص: 94


1- رجال الكشي 2: 745/ 842.

14- و أمّا كتاب سلام بن أبي عمرة:

ففي النجاشي: سلام بن أبي عمرة الخراساني، ثقة، روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، سكن الكوفة، له كتاب يرويه عنه عبد اللّه بن جبلة، أخبرني عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم، قال: قال: حدّثنا عبد اللّه بن جبلة، قال: حدثنا سلام (1).

و المراد بالعدّة هنا كما صرّح به العلامة الطباطبائي: رجال ابن عقدة، و هم:

محمّد بن جعفر الأديب، و أحمد بن محمّد بن هارون، و أحمد بن محمّد بن الصلت، و القاضي أبو عبد اللّه الجعفي. قال رحمه اللّه: و الظاهر اشتراك الكلّ في التوثيق (2).

و في الفهرست: سلام بن عمرو له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن التلّعكبري، عن ابن عقدة، عن القاسم بن محمّد بن الحسين بن حازم، عن عبد اللّه بن جبلة، عن سلام بن عمرو (3).

و السند في الكتاب أيضا مثله (4)، إلّا أنّ فيه سلام بن أبي عمرو، فالظاهر أنّ ما في الفهرست اشتباه، أو أنّ عمرو اسم أبي عمرة.

و في رجال الشيخ رحمه اللّه في أصحاب الصادق عليه السلام: سلام بن أبي عمرة الخراساني (5).

و احتمال التعدّد من الأوهام.

ص: 95


1- رجال النجاشي: 189/ 502.
2- رجال السيد بحر العلوم 2: 103.
3- الفهرست: 82/ 339.
4- كتاب سلام بن أبي عمرة (ضمن الأصول الستة عشر): 117 و فيه بن أبي عروة.
5- رجال الشيخ الطوسي: 210/ 129.

و القاسم بن محمّد المذكور في طرق المشايخ الثلاثة غير مذكور في الرجال، و لكنّ الظاهر أنّه من مشايخ الإجازة، و من اعتماد الشيخ و النجاشي و التلّعكبري في طريقهم إلي الأصل المذكور عليه، يظهر حسن حاله.

و ليس فيه من الأخبار الفرعية إلّا نزر يسير.

ص: 96

15- و أمّا نوادر علي بن أسباط:

ففي النجاشي: علي بن أسباط بن سالم، بيّاع الزطي، أبو الحسين المقرئ، كوفي، ثقة، و كان فطحيا، جري بينه و بين علي بن مهزيار رسائل، رجعوا فيها الي أبي جعفر الثاني عليه السلام، فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول و تركه، و قد روي عن الرضا عليه السلام من قبل ذلك، و كان أوثق الناس و أصدقهم لهجة، له كتاب الدلائل. إلي أن قال: و له كتاب نوادر مشهور، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسي الجرّاح الجندي، قال:

حدثنا محمّد بن علي بن همّام أبو علي الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن موسي، قال: حدثنا أحمد بن هلال، عن علي بن أسباط (1).

و في الفهرست: علي بن أسباط الكوفي، له أصل و روايات، أخبرنا به الحسين بن عبيد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن يحيي العطار، عن أبيه، عن محمّد ابن أحمد بن أبي قتادة، عن موسي بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط.

و أخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط (2).

و في مشيخة الفقيه: و ما كان فيه عن علي بن أسباط فقد رويته عن محمّد ابن الحسن رضي اللّه عنه و ساق مثله (3).

و السند في أول النسخة هكذا: الشيخ أيّده اللّه تعالي- يعني التلعكبري رضي اللّه عنه- قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن فضال، قال: حدثنا علي بن أسباط،

ص: 97


1- رجال النجاشي: 252/ 663 و فيه: أخبرنا. ابن الجرّاح الجندي.
2- الفهرست: 90/ 374.
3- الفقيه 4: 97، من المشيخة.

قال: أخبرنا يعقوب بن سالم الأحمر، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «لما قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بات آل محمّد عليهم السلام بليلة أطول ليلة» (1) الخبر.

و في الكافي: الحسين بن محمّد، عن المعلّي بن محمّد، عن منصور بن العباس، عن علي بن أسباط، عن يعقوب، و ساق مثله (2).

و قد اختلفت كلمات الأصحاب في رجوعه عن الفطحيّة و عدمه، و في زمان رجوعه، و لا حاجة إلي نقلها و تحقيق الحقّ بعد اعتبار كتابه، و اعتماد المشايخ عليه، و كونه أوثق الناس و أصدقهم، و كثرة الطرق إلي كتبه، و فيها الصحيح، و إكثار رواية الأجلّاء عنه، فقد روي عنه سوي من تقدم:

أحمد بن محمّد بن عيسي في الكافي في باب العجب (3)، و في التهذيب في باب ميراث من علا من الآباء، و في باب السنّة في عقود النكاح، و في باب الاستخارة له (4).

و إبراهيم بن هاشم في الكافي في باب العجب، و في باب أصول الكفر و أركانه، و في باب ذي اللسانين، و في باب صلاة الاستخارة (5)، و في التهذيب في باب من يحرم نكاحهنّ من الأزواج (6).

و يعقوب بن يزيد فيه في باب تلقين المحتضرين (7)، و في الكافي في باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي قبله، و في باب من حثا علي8.

ص: 98


1- نوادر علي بن أسباط، ضمن الأصول الستة عشر: 121.
2- الكافي 1: 370/ 19.
3- الكافي 2: 236/ 1.
4- التهذيب 9: 312/ 1121، و 7: 414/ 1657 و 7: 407/ 1628.
5- الكافي 2: 236/ 3، و 2: 220/ 7، و 2: 257/ 3، و 3: 471/ 5.
6- التهذيب 7: 310/ 1285.
7- التهذيب 1: 319/ 928.

ميّت (1).

و الحسين بن سعيد فيه فيه، و في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ولاة أمر اللّه عزّ و جلّ (2).

و الحسن بن موسي الخشاب في التهذيب في باب التيمّم، و في باب فضل المساجد، و غيرها (3).

و الحسن بن علي الوشّاء فيه في باب أحكام السهو في الصلاة (4).

و منصور بن حازم في الاستبصار في باب النفر الأول (5).

و موسي بن القاسم البجلي في الكافي في باب صلاة الاستخارات، و في باب البخور (6)، و في التهذيب في باب المدينة و فضلها (7).

و عمران بن موسي في الكافي في باب ماء السماء في كتاب الأشربة (8).

و علي بن الحسن الطاطري- الذي قالوا فيه: روي عن الرجال الموثوق بهم و برواياتهم- في التهذيب في باب أوقات الصلاة (9).

و محمّد بن عيسي بن عبيد في الكافي في باب مولد الحسين عليه السلام (10).

و عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني في الكافي في باب أنّ الأئمّة عليهم6.

ص: 99


1- الكافي 1: 216/ 3، و 3: 199/ 5.
2- الكافي 1: 216/ 1، و 1: 148/ 2.
3- التهذيب 1: 202/ 587، و 3: 249/ 682.
4- التهذيب 2: 197/ 774.
5- الإستبصار 2: 301/ 1075.
6- الكافي 3: 471/ 5، و 6: 518/ 3.
7- التهذيب 6: 16/ 37.
8- الكافي 6: 388/ 3.
9- التهذيب 2: 23/ 65.
10- الكافي 1: 387/ 6.

السلام نور اللّه عزّ و جلّ، و باب التسليم، و باب معاني الأسماء، و غيرها (1).

و أحمد بن محمّد بن خالد فيه في باب النيّة في كتاب الكفر و الإيمان (2).

و الحجال فيه في باب معرس النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم (3).

و هؤلاء من أجلّاء الثقات، و فقهاء الرواة، يكفي روايتهم عنه في علوّ مقامه، و سموّ شأنه.

و يروي عنه غيرهم جماعة لا حاجة إلي ذكرهم، فإنّ الغرض بيان وثاقته، و اعتبار كتابه، لإتمام ما يتعلّق به، فإنّه موكول إلي كتب الرجال.2.

ص: 100


1- الكافي 1: 151/ 4، و 1: 322/ 8، و 1: 92/ 11.
2- الكافي 2: 69/ 4.
3- الكافي 4: 565/ 2.

16- مختصر كتاب العلاء:

وجدناه بخطّ الشيخ الجليل صاحب الكرامات محمد بن علي الجباعي، نقله من خطّ الشيخ الشهيد الأوّل قدس سرهما، أوّله هكذا: من كتاب العلاء، و ساق الأخبار، و كتب في آخره: آخر المختار نقلا من خطّ الشيخ العالم محمّد بن مكي، و هو نقل من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن إدريس في العشرين من جمادي الأولي، سنة ستين و ثمانمائة (1).

و تأريخ الكاتب (2) (للأصل آخر يوم الجمعة) (3) ثامن عشر من شهر رمضان، سنة ثلاث و ستين و سبعمائة، و ذهب هنا (4) نصف السطر في آخر الصفحة، و بقي منه هذا: سبعين و خمسمائة، قال و هو يسأل من اللّه التوفيق و اللطف، و ذهب سطر آخر أيضا، و الظاهر أنّ هذا تأريخ خطّ ابن إدريس.

و العلاء كما في النجاشي: ابن رزين القلّاء، ثقفي، مولي، قاله ابن فضال، و قال ابن عبدة الناسب: مولي يشكر، كان يقلي السويق، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و صحب محمّد بن مسلم قدس سره وفقه عليه، و كان ثقة وجها، و الهلال بن العلاء روي عنه و عبد الملك بن محمّد بن العلاء.

له كتب يرويها جماعة، أخبرنا جماعة، عن الحسن بن حمزة، قال: حدثنا محمّد بن جعفر، عن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: حدثنا

ص: 101


1- مختصر أصل علاء بن رزين (ضمن الأصول الستة عشر): 150.
2- ورد في المخطوطة فوقها: كذا.
3- وردت في المخطوطة هكذا: الأصل يوم آخر الجمعة، و ورد فوقها: تاريخ خط الجباعي قدس سره.
4- ورد في المخطوطة فوقها: تاريخ خط الشهيد قدس سره.

الحسن، عن العلاء بكتابه (1).

و في الفهرست: العلاء بن رزين القلّاء، جليل القدر، ثقة، له كتاب، و هو أربع نسخ، منها رواية الحسن بن محبوب، و ذكر النسخ و الطرق و جلّها صحاح، و قال في آخر كلامه: قال ابن بطّة: العلاء بن رزين أكثر رواية من صفوان بن يحيي (2).

و في هذا المقدار كفاية لاعتبار كتابه، و علوّ مقامه.8.

ص: 102


1- رجال النجاشي: 298/ 811.
2- فهرست الشيخ: 112/ 488.

17- كتاب المؤمن أو ابتلاء المؤمن:

هو للثقة الجليل الحسين بن سعيد الأهوازي، أمّا جلالة قدره و بيان حاله فلا يحتاج إلي البيان، و أمّا الكتاب المذكور فهو داخل في كتبه الثلاثين التي يضرب باعتبارها المثل، إلّا أنّ النجاشي عبّر عنه بكتاب حقوق المؤمنين و فضلهم (1)، و الشيخ في الفهرست بكتاب المؤمن (2). و الطرق إليها كثيرة- مذكورة في النجاشي، و الفهرست، و مشيخة الفقيه (3)،- غنيّة عن التزكية و التصحيح.

و قد ذكر هذا الكتاب بخصوصه الشيخ الجليل أبو غالب الزراري في رسالته، فقال: كتاب ما يبتلي به المؤمن لابن سعيد، حدثني به عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد (4) قدس سرهم.

ص: 103


1- رجال النجاشي: 58/ 136- 137.
2- فهرست الشيخ: 58/ 220.
3- الفقيه 4: 90، من المشيخة.
4- رسالة أبي غالب الزراري: 47.

18- كتاب الديات:

هو من الأصول المشهورة و اعتمد عليها المشايخ الثلاثة قدس سرهم في الكافي، و التهذيب، و الفقيه، و ذكروا طرقهم إليه، و بين نسخهم اختلاف يعرفه النظّار.

و قال في النجاشي: ظريف بن ناصح أصله كوفيّ، نشأ ببغداد، و كان ثقة في حديثه، صدوقا، له كتب منها كتاب الديات، رواه عدّة من أصحابنا، عن أبي غالب أحمد بن محمّد، قال: قرئ علي عبد اللّه بن جعفر و أنا أسمع، قال: حدثنا الحسن بن ظريف، عن أبيه به (1).

و في الرسالة المذكورة نسب الكتاب إلي الحسن، فقال: كتاب الديات للحسن بن ظريف، حدثني به عبد اللّه بن جعفر، عن الحسن بن ظريف (2).

و قد نقل العالم الفقيه يحيي بن سعيد، ابن عمّ المحقّق تمام الكتاب، في آخر جامعه، و ذكر طريقه إليه فقال: فصل، و لمّا انتهيت إلي هنا و هو المقصود بالكتاب، سأل من وجب حقّه إثبات كتاب الديات لظريف بن ناصح رحمه اللّه بإسناده، و أجبته إلي ذلك و ها أنا ذاكره علي وجهه إن شاء اللّه تعالي:

أخبرني السيد الفقيه العالم الصالح محيي الدين أبو حامد محمّد بن عبد اللّه ابن علي بن زهرة الحسيني الحلبي رحمة اللّه عليه قال: أخبرني الشيخ الفقيه محمّد بن علي بن شهرآشوب، عن أبي الفضل الداعي و أبي الرضا فضل اللّه ابن علي الحسيني و أبي الفتوح أحمد بن علي الرازي و أبي علي محمّد بن الفضل الطبرسي و محمّد و علي ابني علي بن عبد الصمد النيشابوري و محمّد بن الحسن الشوهاني و جماعة، و كلّهم عن أبي علي و عبد الجبار المقري، عن الشيخ أبي

ص: 104


1- رجال النجاشي: 209/ 553. و فيه زيادة: أخبرنا عدة من أصحابنا عن أبي غالب.
2- رسالة أبي غالب الزراري: 49.

جعفر الطوسي قدس سره.

و أخبرني الشيخ محمّد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني، في شهر رجب سنة ستّ و ثلاثين و ستمائة، عن الشيخ أبي عبد اللّه الحسين بن هبة اللّه ابن رطبة السوراوي، عن أبي علي، عن والده الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس سره.

و أخبرني السيد المذكور، عن الفقيه عزّ الدين أبي الحارث محمّد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي، عن الفقيه قطب الدين أبي الحسين الراوندي، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس سره.

قال: أخبرني الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (1)، عن محمّد بن الحسن ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسّان الرازي، عن إسماعيل ابن جعفر الكندي، عن ظريف بن ناصح، قال: حدثني رجل يقال له:

عبد اللّه بن أيوب، قال: حدثني أبو عمرو المتطبّب، قال: عرضت هذه الرواية علي أبي عبد اللّه عليه السلام.

و عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن الشيخ أبي عبد اللّه، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم ابن هاشم.

و عنه، عن الشيخ أبي عبد اللّه و الحسين بن عبيد اللّه و أحمد بن عبدون، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري، عن علي بن إبراهيم بن هاشم.

و عنه، عن الحسين بن عبيد اللّه، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراريح.

ص: 105


1- في المصدر زيادة: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ظريف بن ناصح.

و أبي محمّد هارون بن موسي التلّعكبري و أبي القاسم بن قولويه و أبي عبد اللّه أحمد ابن أبي رافع الصيمري (1) و أبي المفضّل الشيباني و غيرهم، كلّهم عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم قدس سرهم.

و عنه، عن أحمد بن عبدون، عن أحمد بن أبي رافع و أبي الحسين عبد الكريم بن عبد اللّه بن نصر البزّاز بتنيس و بغداد، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ظريف بن ناصح.

و سهل بن زياد، عن الحسن بن ظريف، عن أبيه ظريف.

و عن ابن فضال و محمّد بن عيسي، عن يونس، قالا (2): عرضنا عليه هذا الكتاب فقال: نعم هو حقّ و قد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر عمّاله بذلك (3).

و بالجملة فهذا الكتاب معروف مشهور، معتمد عليه، و قد نقله في الوسائل عن الكافي، و التهذيب، و الفقيه، و فرّق أجزاءه علي الأبواب، و نحن نقلناه عن الأصل، و بينهما اختلاف في بعض المواضع لا يخفي علي الناظر البصير.5.

ص: 106


1- في المخطوط و الحجرية: أحمد بن محمد الصيمري. و لم نعرف له وجه، انظر جامع الرواة 1: 39، رجال النجاشي: 84/ 203، الفهرست: 32/ 86، تنقيح المقال 1: 46 و 3: 40 من الكني.
2- ورد في حاشية المخطوطة: أي ابن فضال و يونس.
3- الجامع للشرائع: 605.

19- كتاب المسلسلات 20- و كتاب المانعات من دخول الجنّة 21- و كتاب الغايات 22- و كتاب العروس:

كلّها لأبي محمّد جعفر بن أحمد القمي، و هذا الشيخ غير مذكور فيما وصل إلينا من كتب الرجال، إلّا في رجال ابن داود (1) كما ستعرف، مع أنّه من المؤلّفين المعروفين و أجلّة المحدّثين، و مؤلّفاته دائرة بين الأصحاب.

قال السيد الأجلّ علي بن طاوس في كتاب الدروع الواقية- و هو الجزء الرابع من تتمّات المصباح-: و لقد ذكر أبو محمّد جعفر بن أحمد القمّي في كتاب زهد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، من اللّه عزّ و جلّ ما فيه بلاغ (2).

و هذا جعفر بن أحمد عظيم الشأن، من الأعيان، ذكر الكراجكي في كتاب الفهرست أنّه صنّف مائتين و عشرين كتابا بقم و الريّ، فقال حدّثنا الشريف أبو جعفر محمّد بن أحمد القمي. إلي آخره (3).

و قد نقل عن هذا الكتاب الشيخ الجليل ورّام في تنبيه الخاطر (4).

و قال أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي في كتاب التحصين: روي الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي قدس سره نزيل الريّ، في كتاب المنبئ عن زهد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن بلال (5). إلي آخره.

و قال السيد ابن طاوس في كتاب المضمار في أعمال شهر رمضان: و رأيت

ص: 107


1- رجال ابن داود: 64/ 316.
2- الدروع الواقية: 58.
3- راجع الذريعة 16: 393.
4- تنبيه الخاطر: لم نعثر عليه فيه.
5- التحصين: 20، ضمن كتاب مثير الأحزان.

في كتاب اعتقادي (1) أنّه تأليف أبي محمّد جعفر بن أحمد القمي، عن الصادق عليه السلام (2)، الخبر.

و قال أيضا في فلاح السائل- بعد رواية التكبيرات الثلاث عقيب الصلاة-:

روي ذلك الشيخ الفقيه السعيد أبو محمّد جعفر بن أحمد القمي قدس سره في كتاب آداب الإمام و المأموم، و ساق السند (3) إلي آخره.

و قال شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان: و روي الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد القمي نزيل الري في كتاب الإمام و المأموم، بإسناده إلي أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم (4). الخبر.

و في أوّل تفسير الإمام الهمام أبي محمّد العسكري عليه السلام علي ما في نسختي، و جملة من النسخ، و أشار إليها في أوّل البحار أيضا: قال محمّد بن علي ابن محمّد بن جعفر بن الدقاق: حدثني الشيخان الفقيهان أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان و أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمي رحمهما اللّه تعالي قالا: حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن موسي بن بابويه القمي- رحمه اللّه-. الي آخره (5).

و منه يعرف طبقته و أنّه في طبقة المفيد، و ابن الغضائري و أضرابهما، بل و طبقة الصدوق، بل يروي عنه كما يروي هو عنه، و يأتي (6) ذكره في الفائدة الخامسة في مشايخه، و يظهر من مسلسلاته أنّه يروي عن الصاحب بن عباد.

و من جميع ما ذكرنا يظهر أنّه كان من العلماء المعروفين الذين لا يحتاجونه.

ص: 108


1- في المخطوطة: اعتقاد، و في الحاشية: ظاهرا اعتقادي، كذا في النسخ.
2- الإقبال: 14.
3- فلاح السائل. و عنه في البحار 76: 22 حديث 22.
4- روض الجنان: 363.
5- تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 9، بحار الأنوار 1: 73.
6- يأتي في آخر الفائدة الخامسة عند عده لمشايخ الصدوق برقم: 45 و رمز: مه.

إلي التزكية و التوثيق، و داخل في الجمع الذين أشار إليهم الشهيد الثاني قدس سره في شرح الدراية بقوله: تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها، أو بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل، و غيرهم من أهل العلم، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ الكليني و ما بعده إلي زماننا هذا، و لا يحتاج أحد من هؤلاء المشهورين إلي تنصيص علي تزكيته، و لا تنبيه علي عدالته لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم، و ضبطهم و ورعهم، زيادة علي العدالة، و إنّما يتوقّف علي التزكية غير هؤلاء (1)، انتهي.

و قال ابن داود في رجاله: جعفر بن علي بن أحمد القمّي المعروف بابن الرازي، و في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام من رجال الشيخ: أبو محمد ثقة مصنّف (2).

قال السيّد في منهج المقال: و لم أجده في غيره (3).

و قال السيّد مصطفي أيضا في رجاله- بعد نقل ما في رجال ابن داود-:

و لم أجده في الرجال و غيره (4).

قال الشيخ عبد النبي الكاظمي في تكملة الرجال، و هو كالتعليقة عليه:

هذا أحد شيوخ الصدوق رحمه اللّه كما يظهر من كتاب معاني الأخبار، و كأنّ ابن داود أخذ توثيقه من وصف الصدوق إيّاه بأنّه فقيه، قال في الكتاب المذكور: حدّثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضي اللّه عنه (5) انتهي.

و احتمال رجوع الصفة و الترضي الي جدّه أحمد غير بعيد، إلّا أنّ الظاهر3.

ص: 109


1- الدراية: 69.
2- رجال ابن داود: 64/ 316، رجال الشيخ 457/ 1.
3- منهج المقال: 83.
4- نقد الرجال: 71/ 47.
5- معاني الأخبار: 6/ 3.

رجوعه إلي جعفر لأنّه هو المسوق له الكلام، و أنّ رعاية تعظيم الشيوخ أولي، و تعرّضه لتعظيم أواسط السند قليل، إلّا أنّ هذا غايته الحسن لا الوثاقة، و لعلّ النسخة التي وقعت لديه فيها بدل الفقيه بالثقة (1)، انتهي.

قلت: ظاهر الميرزا و السيّد التفريشي أنّهما لم يجدا أصل الترجمة في رجال الشيخ، و فيه أنّ الشيخ أبا علي صرّح في رجاله بوجودها فيه، قال في منتهي المقال: و في نسختين عندي من رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام: جعفر بن علي بن أحمد القمي المعروف بابن الرازي، يكنّي أبا محمد صاحب المصنّفات، و ليس فيه التوثيق، لكن نقله في المجمع (2) عن من لم يرو عنهم عليهم السلام كما ذكره ابن داود (3).

و يظهر من جميع ذلك اختلاف نسخ رجال الشيخ بالزيادة و النقيصة، و كلّ من الواجد و العادم صادق في دعوي الوجدان و عدمه، و عليه فنقل ابن داود التوثيق من رجال الشيخ لا ينافي عدم وجوده في بعض النسخ، لاحتمال وجوده في نسخته، فلا سبيل إلي تكذيبه أو تخطئته، هذا بناء علي كون التوثيق من تتمّة ما نقله من رجال الشيخ، و إن كان من كلام نفسه، كما يظهر من الكاظمي، فتصديقه أولي، و لا حاجة إلي ما تمحّل له في التكملة من أخذه الوثاقة من الفقاهة، التي وصفه بها الصدوق في معاني الأخبار، حتي يستشكل بعدم دلالتها عليها، لجواز أخذها من كلام أخي أستاذه السيّد الأجلّ علي بن طاوس في الدروع الواقية كما نقلناه، فإنّه يدلّ علي الوثاقة و فوقها، مع أنّ في عدم الدلالة نظر، كما صرّح به الأستاذ الأكبر في فوائده (4)، فراجع و تبصر.0.

ص: 110


1- تكملة الرجال 1: 248.
2- مجمع الرجال 2: 31.
3- منتهي المقال: 78.
4- انظر فوائد البهبهاني (رجال الخاقاني): 50.

23- كتاب القراءات للسياري:

و يعبّر عنه أيضا بالتنزيل و التحريف، و قد غمز عليه مشايخ الرجال، إلّا أنّه يظهر من بعض القرائن اعتبار الكتاب و اعتماد الأصحاب عليه، بل و النظر فيما ذكروا، فنقول:

قال الشيخ في الفهرست: أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبد اللّه الكاتب، بصريّ كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمد عليه السلام، و يعرف بالسيّاري، ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفوّ الرواية، كثير المراسيل، و صنّف كتبا منها: كتاب ثواب القرآن، كتاب الطب، كتاب القراءات، كتاب النوادر، أخبرنا بالنوادر خاصّة الحسين بن عبيد اللّه، عن أحمد بن محمد بن يحيي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا السيّاري، إلّا بما كان فيه من غلوّ أو تخليط.

و أخبرنا بالنوادر و غيره جماعة من أصحابنا، منهم الثلاثة الذين ذكرناهم، عن محمد بن أحمد بن داود، قال: حدثنا سلامة بن محمد، قال: حدثنا علي ابن محمد الحنائي، قال: حدثنا السيّاري (1).

و قال النجاشي: أحمد بن محمد بن سيّار أبو عبد اللّه الكاتب، بصريّ كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد عليه السلام، و يعرف بالسيّاري، ضعيف الحديث، فاسد المذهب، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد اللّه، مجفوّ الرواية، كثير المراسيل، له كتب وقع إلينا منها: كتاب ثواب القرآن، كتاب الطب، كتاب القراءات، كتاب النوادر، كتاب الغارات، أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه، قال:

حدثنا أحمد بن محمد بن يحيي، و أخبرنا أبو عبد اللّه القزويني، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن يحيي، عن أبيه، قال: حدثنا السيّاري، إلّا ما كان من غلوّ

ص: 111


1- الفهرست: 23/ 60.

و تخليط (1).

و ظاهرهما بعد كون مستند التضعيف الغضائري، بل و عدم قبول الثاني للضعف و الفساد، و إلّا لما نسبه إليه، و لذكره مع ما رماه به الاعتماد علي رواياته الخالية عن الغلوّ و التخليط، كما يظهر من ذكر الطريق و الاستثناء.

و قد أكثر ثقة الإسلام في الكافي من الرواية عنه، و قد تعهّد أن يجمع فيه الآثار الصحيحة، عن الصادقين عليهم السلام، و السنن القائمة التي عليها العمل من جملة الأخبار المختلفة، مع قرب عهده به، و قلّة الواسطة بينهما.

فروي عنه في باب كراهية التوقيت، عن محمد بن يحيي و أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عنه (2).

و في مولد أمير المؤمنين عليه السلام، عن علي بن محمد بن عبد اللّه، عنه (3).

و في باب الدعاء في طلب الولد، في كتاب العقيقة، عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري الثقة، عنه. و كذا في كتاب العقل و الجهل، و باب من يشتري الرقيق فيظهر به عيب (4).

و في باب فضل القرآن، عن محمد بن يحيي، عن عبد اللّه بن جعفر، و هو الشيخ الجليل الحميري، عنه. و كذا في باب دهن الزنبق، و باب صفة الشراب الحلال (5).

و في باب سويق الحنطة، عن محمد بن يحيي، عن موسي بن الحسن- و هو الأشعري الثقة الجليل- عنه. و كذا في باب صفة الشراب الحلال (6).3.

ص: 112


1- رجال النجاشي: 80/ 192.
2- الكافي 1: 301 حديث 6.
3- الكافي 1: 377/ 2.
4- الكافي 6: 8/ 5 و 1: 18/ 20 و 5: 125/ 12.
5- الكافي 2: 457/ 21 و 6: 523/ 1 و 6: 426/ 4.
6- الكافي 6: 307/ 13 و 6: 426/ 3.

و في باب أنّ الرجل إذا دخل بلدة فهو ضيف، عن أبي عليّ الأشعري- و هو شيخ القميين- عنه (1).

و يروي عنه في الكافي سهل بن زياد (2)، و المعلّي بن محمد (3)، و علي بن محمد بن بندار (4) في أبواب متفرّقة.

و قال في باب الفي ء و الأنفال: علي بن محمد بن عبد اللّه، عن بعض أصحابنا- أظنّه السيّاري (5) -.

و ظاهره- كرواية هؤلاء الأجلّة عنه- عدم الاعتناء بما قيل فيه، بناء علي ظهور أصحابنا في مشايخ الإماميّة، أو مشايخ أرباب الرواية و الحديث، المعتبرة رواياتهم، و كيف يجتمع هذا مع فساد المذهب؟ إلّا أن يريد به بعض المسائل الأصوليّة الكلاميّة التي ساقه- و جماعة من الأجلّة- إليه بعض الأدلّة، ممّا لا يوجب الكفر و الارتداد، و لم يكن ضروريّا في تلك الأعصار، و أظنّ أنّ مأخذ جميع ما قيل فيه استثناؤه ابن الوليد عن رواة نوادر الحكمة (6).

و يروي عنه الصفّار في بصائر الدرجات، منه في باب ما لا يحجب عن الأئمّة عليهم السلام من علم السماء (7). إلي آخره.

و قال ابن إدريس في آخر السرائر (باب الزيادات) (8) و هو آخر أبواب هذا الكتاب: ممّا استنزعته و استطرفته من كتب المشيخة المصنّفين، و الرواةة.

ص: 113


1- الكافي 6: 282/ 2 و فيه: أبو عبد اللّه الأشعري.
2- الكافي 6: 531/ 1.
3- الكافي 1: 342/ 10.
4- الكافي 6: 506/ 13.
5- الكافي 1: 456/ 5.
6- انظر رجال النجاشي: 348/ 939 و فهرست الشيخ: 145/ 612.
7- بصائر الدرجات: 145/ 4.
8- لم ترد في المخطوطة.

المحصلين، و ستقف علي أسمائهم. إلي أن قال: و من ذلك ما استطرفته من كتاب السيّاري، و اسمه أبو عبد اللّه، صاحب موسي و الرضا عليهما السلام (1). ثم أخرج جملة من الأخبار من كتابه.

و في قوله صاحب موسي عليه السلام نظر لا يخفي علي البصير بطبقته.

و قد أكثر من الرواية عنه الثقة الجليل محمد بن العباس بن ماهيار في تفسيره بتوسّط أحمد بن القاسم.

ثم إنّ الكتاب المذكور ليس فيه حديث يشعر بالغلوّ، حتّي علي ما اعتقده القميّون نفيه فيهم، و أكثر رواياته موجودة في تفسير العيّاشي، بل لا يبعد أخذه منه، إلّا أنّه لم يصل إلينا سند الأخبار المودعة في تفسيره لحذف بعض النسّاخ.

و نقل عنه الشيخ الجليل الحسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر سعد ابن عبد اللّه، و عبّر عنه بالتّنزيل و التحريف (2).

و نقل عنه الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك في بحث القراءة، و أخرج منه حديثين (3).

و بالجملة فبعد رواية المشايخ العظام: كالحميري، و الصفّار، و أبي علي الأشعري، و موسي بن الحسن الأشعري، و الحسين بن محمد بن عامر، عنه، و هم من أجلّة الثقات. و اعتماد ثقة الإسلام عليه، و خلوّ كتابه عن الغلوّ و التخليط، و نقل الأساطين عنه، لا ينبغي الإصغاء إلي ما قيل فيه، أو الريبة في كتابه المذكور.ة.

ص: 114


1- السرائر 3: 549 و 568.
2- مختصر بصائر الدرجات: 204.
3- حاشية المدارك، لم نعثر علي الروايتين في بحث القراءة.

24- إثبات الوصيّة:

للعالم الجليل شيخ المؤرّخين و عمادهم علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن الهذلي.

قال النجاشي: علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن الهذلي، له كتاب المقالات في أصول الديانات، كتاب الزّلف، كتاب الاستبصار، كتاب نشر (1) الحياة، كتاب نشر الأسرار، كتاب الصّفوة في الإمامة، كتاب الهداية في تحقيق الولاية، كتاب المعالي في الدرجات، و الإبانة في أصول (2) الديانات، رسالة إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، رسالة إلي ابن صفوة المصيصي، أخبار الزّمان من الأمم الماضية و الأحوال الخالية، كتاب مروج الذهب و معادن الجواهر، كتاب الفهرست.

هذا رجل زعم أبو المفضّل الشيباني أنّه لقيه و استجازه و قال: لقيته، و بقي هذا الرجل إلي سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة (3).

و قال العلامة في القسم الأوّل من الخلاصة: علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن الهذلي، له كتب في الإمامة و غيرها، منها كتاب في إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، و هو صاحب مروج الذهب (4).

و قال الشهيد الثاني قدس سره في حواشيه عليها: ذكر المسعودي في مروج الذهب أنّ له كتابا اسمه الانتصار، و عدّد كتبا منها حدائق الأذهان في أخبار

ص: 115


1- في المصدر: كتاب سر الحياة.
2- في المخطوط و الحجرية: كتاب المعالي و الدرجات و الإمامة في أصول الديانات، و الذي أثبتناه عن النجاشي و عن نسخة معلمة بخط الشيخ آغا بزرگ الطهراني، فلاحظ.
3- رجال النجاشي: 254/ 665.
4- رجال العلامة: 100/ 40.

آل محمد عليهم السلام (1).

و قال السيد علي بن طاوس قدس سره في كتاب فرج المهموم- عند ذكر العلماء العاملين بالنجوم-: و منهم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنّف كتاب مروج الذهب (2).

و في رياض العلماء: قال: قال السيد الداماد (3) في حاشيته علي اختيار رجال الكشي للشيخ الطوسي قدس سره: قال الشيخ الجليل الثقة الثبت المأمون الحديث عند العامّة و الخاصّة، علي بن الحسين المسعودي أبو الحسن الهذلي في كتاب مروج الذهب (4).

و قال ابن إدريس في السرائر في كتاب الحج: قال أبو الحسن علي بن الحسين في كتابه المترجم بمروج الذهب و معادن الجواهر في التاريخ و غيره، و هو كتاب حسن كبير كثير الفوائد، و هذا الرجل من مصنّفي أصحابنا، معتقد للحق، له كتاب المقالات (5). إلي آخره.

الي غير ذلك من العبارات الصريحة في كونه من علماء الإماميّة، و لم يتأمّل أحد فيه حتي أنّ طريقة الشهيد قدس سره في حواشي الخلاصة أن يتعرّض في كلّ موضع لا ينبغي ذكر الرجل في القسم الأوّل لقدح في نفسه أو مذهبه، و لم يتعرّض في هذا المقام، بل استدرك ما فات من الكتاب من كتب هذا الشيخ.

و ذكره ابن داود أيضا في القسم الأوّل (6).8.

ص: 116


1- حاشية الشهيد علي الخلاصة: 48، و انظر كذلك مروج الذهب 3: 193 و 2: 54، و في حاشية الشهيد و المروج: كتاب الانتصار و كتاب الاستبصار.
2- فرج المهموم: 126.
3- تعليقة الداماد علي رجال الكشي 1: 100.
4- رياض العلماء 3: 432.
5- السرائر 1: 615.
6- رجال ابن داود: 137/ 1038.

بل في رجال أبي علي: و لم أقف إلي الآن علي (1) من توقّف في تشيّع هذا الشيخ، سوي ولد الأستاذ العلامة- أعلي اللّه في الدارين مقامه و مقامه- فإنّه أصرّ علي الخلاف و ادّعي كونه من أهل الخلاف (2)، انتهي.

قلت: مراده من ولد الأستاذ: العالم النحرير آغا محمّد علي صاحب المقامع، و رأيت بخطّه الشريف علي ظهر كتاب نقد الرجال- و عليه حواشي كثيرة منه بخطّه- قال: علي بن الحسين بن علي المسعودي أبو الحسن الهذلي، له كتاب في الإمامة، و غيرها، منها كتاب في إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، و هو صاحب كتاب مروج الذهب، عنه أبو المفضل الشيباني إجازة، بقي إلي سنة 333، أو سنة 345- النجاشي-.

و قال السيد ابن طاوس قدس سره في كتاب النجوم- عند ذكر العلماء العاملين بالنجوم-: إنّ منهم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب. انتهي (3).

و عدّه الخال المفضال في الوجيزة من الحسان (4)، و نقل عن كتابيه: كتاب الوصيّة، و كتاب مروج الذهب في البحار.

أقول (5): ظاهر كلامه في مروج الذهب أنّه كان من العامّة، حيث نسج (6) علي منوالهم، و اعتمد علي أخبارهم و آثارهم و أقوالهم، من ذكر أيام الخلفاء الأربعة و خلفاء بني أميّة و بني العباس، من غير تعرّض لمطاعنهم و مساويهم و مظالمهم، و مذهب المتقدّمين إنّما يثبت من كلماتهم، أو تصريح6.

ص: 117


1- لم ترد في المخطوطة و الحجرية، بل هي زيادة مناسبة للشيخ آقا بزرك علي نسخته.
2- منتهي المقال: 213.
3- ورد هنا في حاشية المخطوط: كلام السيد.
4- الوجيزة: 41.
5- ورد هنا في حاشية المخطوط: من كلام ولد الأستاذ قدس سره.
6- نسج- ينسج: أي ضم الشي ء إلي الشي ء، لسان العرب 2: 376.

العلماء بمذاهبهم، و كلامه في ذلك الكتاب كما لا يخفي علي المطّلع ظاهر، بل صريح فيما ذكرنا.

و كتاب إثبات الوصيّة ليس بنصّ في خلافه، لأنّه ممّا اتّفق عليه الفريقان، و حمل الجمهور حكاية الغدير عليها، و أرادوا بالوصيّة: الوصية في الأموال و الديون، لا الخلافة المختلف فيها، و رووا مخاصمة عليّ عليه السلام في تركة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلم، و حكم الشيخين بها لعليّ عليه السلام.

و كذا ذكره لبعض علمائنا و رواتنا فيه، ليس بنصّ و لا ظاهر فيه، فإنّه ديدن أكثر المخالفين في كتبهم الرجاليّة و الأخبارية، كوفيّات الأعيان، و التقريب، و التهذيب، و الأنسابيين، و غيرها.

و كذا ما ذكره ابن عقدة الزيدي في رجال الصادق عليه السلام.

ففي ميزان الاعتدال للذهبي- ذهب اللّه بنوره- في ترجمة أبان هكذا:

أبان بن تغلب كوفيّ، شيعيّ جلد [لكنه] (1) صدوق، فلنا صدقه و عليه بدعته، و كان غاليا في التشيّع.

فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع؟ و حدّ الثقة: العدالة و الإتقان، و كيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟.

و جوابه: إنّ البدعة علي ضربين: فبدعة صغري كغلوّ التشيع، أو التشيّع بلا غلوّ و لا تحرف، فهذا كثير في التابعين و تابعيهم مع الدين و الورع و الصدق، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، و هذه مفسدة بيّنة، ثم بدعة كبري كالرفض الكامل، و الغلوّ فيه، و الحطّ علي أبي بكر و عمر، و الدعاء إلي ذلك، فهذا النوع لا يحتجّ به و لا كرامة (2)، انتهي.2.

ص: 118


1- زيادة من المصدر.
2- ميزان الاعتدال 1: 5/ 2.

و لو سلّم لجاز أن يكون قد رجع عن العاميّة إلي التشيّع، الذي هو أعمّ من الإماميّة- أي الأثناء عشريّة- الذي هو المراد الآن من الشيعة، فلا يكون هذا دالّا علي حسنه و إماميّته، بل يصير من قياس صاحب كتاب إخوان الصفا، و هو الفاضل أبو سلمة أحمد المجريطي، علي ما قيل في اسمه و لقبه و كنيته.

فقد صرّح الفاضل العارف الكاشاني في الفصل الآخر من كتاب الأصول الأصلية: أنّه من حكماء الشيعة (1).

و قال المدقّق الأسترآبادي في أواخر الفوائد المدنيّة: إنّه أفضل الحكماء الإسلاميّين، و من الواقفين علي موسي بن جعفر عليهما السلام، يستفاد ذلك من صريح كلامه، و كان في دولة العباسيّة (2). إلي آخر ما قال، و هو كما قال.

و لو سلّم فلا ينافي تسنّنه في كتاب المروج و إن كان في غيره إماميّا، فليتدبّر.

ثمّ ذكر تعجّب صاحب رياض العلماء من الشيخ الطوسي أنّه لم يذكر له ترجمة في الفهرست، مع أنّه جدّه، أو جدّ ولده أبي عليّ، و أطال الكلام في ردّه بما لا فائدة لنا في نقله، إنّما المهمّ رفع هذا التوهّم، و بيان اعتبار الكتاب، و جلالة شأن صاحبه.

فنقول: ما ذكره من أنّ مذهب المتقدّمين. إلي آخره، حقّ لو لم يعارضه كلام مثل النجاشي، الخبير بمذاهبهم مع قرب عهده بهم، و اطّلاعه علي ما خفي علينا من أحوالهم، فإنّه لم يتعرّض لمذهبه من التسنّن دائما، أو رجوعه، أو وقفه، أو غيره من سائر المذاهب، مع استقرار ديدنه عليه، و عدمه.

ص: 119


1- الأصول الأصيلة: لم نعثر عليه فيه.
2- الفوائد المدنية: لم نعثر عليه فيه.

التعرّض للإماميّة لبناء كتابه علي ذكر علمائها و رواتها و مصنّفيها، و لم يكن ليخفي حاله أو كتبه عليه، و علي الأساطين الذين أشرنا إلي أساميهم.

و كتاب المروج من الكتب المعروفة المشهورة، و هو بمرأي منهم و مسمع، و هو كما ذكره علي منوال العامّة و طريقتهم، إلّا أنّ المتأمّل في خبايا كلماته، خصوصا فيما ذكره من خلافة عثمان و سيرته (و خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، لعلّه يستخرج ما كان مكتوما في سريرته) (1) و كفاك شاهدا في هذا المقام آخر كلامه بعد ذكر جملة من مناقبه المقتضية لأحقّيته بالخلافة، كحديث المنزلة، و الطير، و الغدير، و الاخوّة ما لفظه: فلما قبض الرسول صلّي اللّه عليه و آله و ارتفع الوحي، حدثت أمور تنازع الناس في صحّتها، و لا يقطع عليهم بها، و اليقين من أمورهم ما تقدّم، و ما روي ممّا كان في إحداثهم بعد نبيّهم صلّي اللّه عليه و آله فغير متيقّن، بل هو ممكن، و نحن نعتقد فيهم ما تقدّم، و اللّه أعلم بها حدث (2).

(و أصرح (3) منه ما ذكره في أوائل الكتاب، في ذكر المبدأ و شأن الخليقة ما لفظه: و روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال:

«إنّ اللّه حين شاء تقدير الخليقة، و ذرء البريّة، و إبداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض، و رفع السماء و هو في انفراد ملكوته، و توحّد جبروته، فأتاح نورا من نوره فلمع، و نزع قبسا من ضيائه فسطع.ة.

ص: 120


1- زيادة لم ترد في المخطوطة.
2- مروج الذهب 2: 426. و قوله: و ما روي مما كان في إحداثهم. فغير متيقن، كلام صريح في دفاعه عن الذين أحدثوا بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و تنزيههم عن الجرائم التي ارتكبوها بحق أهل البيت عليهم السلام.
3- من هنا تبدأ زيادة لم ترد في النسخة الخطية.

ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفيّة، فوافق ذلك صورة نبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و آله، فقال اللّه عزّ من قائل: أنت المختار المنتخب، و عندك مستودع نوري و كنوز هدايتي، من أجلك اسطّح البطحاء، و اموج الماء، و أرفع السماء، و أجعل الثواب و العقاب، و الجنّة و النار، و أنصب أهل بيتك للهداية، و أوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق، و لا يعييهم خفيّ، و أجعلهم حجّتي علي بريّتي، و المنبّهين علي قدرتي و وحدانيّتي.

ثم أخذ اللّه الشهادة عليهم بالربوبيّة، و الإخلاص بالوحدانيّة.

فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمّدا و آله عليهم السلام، و أراهم أنّ الهداية معه، و النور له، و الإمامة في آله، تقديما لسنّة العدل، و ليكون الأعذار متقدّما.

ثم أخفي اللّه الخليقة في غيبة، و غيّبها في مكنون علمه، ثم نصب العوالم، و بسط الزمان، و موّج الماء، و أثار الزبد، و أهاج الدخان، فطفي عرشه علي الماء، فسطّح الأرض علي ظهر الماء، ثم استجلبهما إلي الطاعة فأذعنتا بالاستجابة.

ثم أنشأ اللّه الملائكة من أنوار أبدعها، و أرواح اخترعها، و قرن توحيده بنبوّة محمّد صلّي اللّه عليه و آله، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض.

فلمّا خلق اللّه آدم أبان فضله للملائكة، و أراهم ما خصّه به من سابق العلم، حيث عرّفه عند استنبائه إيّاه أسماء الأشياء، فجعل اللّه آدم محرابا و كعبة و قبلة، أسجد إليها الأبرار و الروحانيّين الأنوار.

ثم نبّه آدم علي مستودعه، و كشف له عن خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سمّاه إماما عند الملائكة، فكان حظّ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا.

و لم يزل اللّه تعالي يخبّئ النور تحت الزمان، الي أن وصل محمّدا صلّي اللّه عليه و آله، في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهرا و باطنا، و نبّههم سرّا و إعلانا، و استدعي صلّي اللّه عليه و آله التنبيه علي العهد الذي قدّمه إلي الذّر

ص: 121

قبل النسل، فمن وافقه و اقتبس من مصباح النور المقدّم اهتدي إلي سيره، و استبان واضح أمره، و من ألبسته الغفلة استحقّ السخط.

ثم انتقل النور إلي غرائزنا، و لمع في أئمّتنا، فنحن أنوار السماء و أنوار الأرض، فبنا النجاة، و منّا مكنون العلم، و إلينا يصير الأمور، و بمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمّة، و منقذ الأمّة، و غاية النور، و مصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، و أشرف الموحّدين، و حجج ربّ العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسّك بولايتنا و قبض عروتنا.

فهذا ما روي عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام (1)، انتهي. و لا أظنّ أحدا يروي هذا الخبر من غير إنكار و لا يكون إماميّا) (2).

و قوله (رحمه اللّه): و كتاب إثبات الوصيّة ليس بنصّ. إلي آخره، كلام من لا عهد له بهذا الكتاب، و لم يظفر بنسخته، و إنّما استظهر من اسمه أنّه موضوع لإثبات وصايته عليه السلام في بعض تركته، و قضاء ديونه، و إنجاز عداته (3)، و تجهيز جسده المبارك صلّي اللّه عليه و آله، ممّا تلقاه الأمّة علي اختلاف مشاربهم بالقبول، و لو كان عثر عليه لعلم أنّه أحسن كتاب صنّف في هذا الباب، و في إثبات وصاية عليّ عليه السلام و إمامته، و أولاده الأطياب عليهم السلام، فشرع في شرح خلقة صفيّ اللّه آدم، و مجمل أحواله، و ذكر أسامي أوصيائه، مرتّبا إلي نوح عليه السلام، ثم منه إلي إبراهيم عليه السلام، ثم منه إلي موسي عليه السلام، ثم منه إلي داود عليه السلام، ثم منه إلي2.

ص: 122


1- مروج الذهب 1: 42 باختلاف في الألفاظ.
2- إلي هنا تنتهي الزيادة التي لم ترد في النسخة الخطية.
3- العدات: جمع عدة، و هي الوعد. لسان العرب 3: 462.

المسيح عليه السلام، ثم منه إلي نبيّنا صلّي اللّه عليه و آله و عليهم، و مختصر من سيرتهم، و الغالب أنّهم في كلّ طبقة اثنا عشر، و يذكر في آخر حال كلّ واحد منهم أن اللّه تعالي أوحي إليه أن يستودع التابوت، و مواريث الأنبياء إلي فلان.

ثم شرع في الجزء الثاني في حال خاتم الأنبياء صلّي اللّه عليه و آله من ولادته إلي وفاته صلّي اللّه عليه و آله مختصرا.

ثم شرع في خلافة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و ذكر قصّة المتقدّمين عليه علي طريقة الإماميّة، و من جملة كلامه.

فأقام أمير المؤمنين عليه السلام و من معه من شيعته في منازلهم، بما عهد إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فوجّهوا إلي منزله فهجموا عليه، و أحرقوا بابه، و استخرجوه منه كرها، و ضغطوا سيّدة النساء عليها السلام بالباب، حتي أسقطت محسنا، و أخذوه بالبيعة فامتنع، فقال: «لا أفعل» فقالوا: نقتلك، فقال: «إن تقتلوني فإنّي عبد اللّه و أخو رسوله» و بسطوا يده فقبضها و عسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها و هي مضمومة.

ثمّ لقي أمير المؤمنين عليه السلام بعد هذا أحد القوم، فناشده اللّه و ذكّره بأيّام اللّه، و قال له: «هل لك أن أجمع بينك و بين رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حتي يأمرك و ينهاك» فخرجا إلي قبا. إلي آخر القصّة.

قال: و همّوا بقتل أمير المؤمنين عليه السلام، و تواصوا و تواعدوا بذلك، و أن يتولّي قتله خالد بن الوليد- إلي أن قال- و كان الموعد في قتله أنّه يسلّم إمامهم، فيقوم خالد إليه بسيفه، فأحسّوا بأسه، فقال الإمام قبل أن يسلّم:

لا يفعلنّ خالد ما أمرته به، ثم كان من أقاصيصهم ما رواه الناس (1).

ثم ساق حالاته، و بعض معاجزه، و وفاته، و نصّه علي ابنه أبي محمّد عليه السلام، و هكذا إلي صاحب الزمان صلوات اللّه عليه، و ذكر في حال كلّ4.

ص: 123


1- إثبات الوصية: 123 و 124.

إمام ولادته، و سيرته، و معاجزه، و وفاته، علي أحسن نظم و ترتيب.

و من طريف ما رواه في حال أبي جعفر الثاني عليه السلام قوله: و روي أنّه عليه السلام كان يتكلّم في المهد.

و روي عن زكريا بن آدم قال: إنّي لعند الرضا عليه السلام، إذ جي ء بأبي جعفر عليه السلام و سنّه نحو أربع سنين، فضرب بيده الأرض، و رفع رأسه إلي السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا عليه السلام: «بنفسي أنت فيم تفكّر طويلا (منذ قعدت) (1).

فقال: فيما صنع بأمّي فاطمة عليها السلام، أما و اللّه لأخرجنّهما، ثم لأحرقنّهما، ثم لاذرينّهما، ثم لأنسفنّهما في اليمّ نسفا، فاستدناه و قبّل بين عينيه، ثم قال: أنت لها- يعني الإمامة-» (2).

و ذكر في أحوال الحجّة عليه السلام النصوص علي الأئمّة الاثني عشر، و قال في آخرها و هو آخر الكتاب: فلمّا أفضي الأمر إلي أبي محمد عليه السلام، كان يكلّم شيعته الخواصّ و غيرهم من وراء الستر، إلّا في الأوقات التي يركب فيها إلي دار السلطان، و إنّ ذلك إنّما كان منه و من أبيه قبله، مقدّمة لغيبة صاحب الزمان عليه السلام، لتألف الشيعة ذلك و لا تنكر الغيبة، و تجري العادة بالاحتجاب و الاستتار.

و في تسع عشرة سنة من الوقت- أي وقت إمامته عجّل اللّه تعالي فرجه- توفّي المعتمد، و بويع لأحمد بن الموفّق- و هو المعتضد- و ذلك في رجب سنة تسع و سبعين و مائتين، ثمّ ذكر الخلفاء إلي عصره، ثم قال: و للصاحب عليه السلام منذ ولد إلي هذا الوقت، و هو شهر ربيع الأوّل، سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة، خمس و سبعون سنة و ثمانية أشهر (3)، أقام مع أبيه أبي محمد علير.

ص: 124


1- في المخطوطة و الحجرية: فقعد، و ما أثبتناه في المتن نقلناه عن المصدر.
2- إثبات الوصية: 184.
3- في المصدر: ست و سبعون سنة و أحد عشر شهرا و نصف شهر.

السلام أربع سنين و ثمانية أشهر، و منها منفردا بالإمامة إحدي و سبعون سنة (1)، و قد تركنا بياضا لمن يأتي بعد و السلام، و هو آخر الكتاب (2).

و قال في مروج الذهب: و في أيّام عثمان اقتني جماعة من الصحابة الضياع و الدور، منهم الزبير بن العوام بني داره بالبصرة، و هي المعروفة في هذا الوقت، و هو سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة، تنزلها التجّار و أرباب الأموال (3).

إلي آخره. و يعلم من هذا أنّه صنّف كتاب إثبات الوصيّة في خلال أيّام تأليفه المروج، و منه يعلم فساد احتمال كونه منهم في أيام تأليفه، و رجوعه بعد ذلك بملاحظة الكتاب المذكور.

هذا و قال الثقة الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة، في باب ما نزل من القرآن في القائم عليه السلام: أخبرنا علي بن الحسين المسعودي، قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار القمّي، قال: حدثنا محمد بن حسان (4) الرازي، قال: حدثنا محمد بن علي الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَليٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (5) هي في القائم عليه السلام و أصحابه (6).1.

ص: 125


1- في المصدر: اثنتان و سبعون سنة و شهورا.
2- إثبات الوصية: 231.
3- مروج الذهب 2: 332.
4- في المخطوطة و الحجرية: الحسن، و الذي أثبتناه هو ما اتفقت عليه كتب الرجال، انظر علي سبيل المثال لا الحصر: رجال النجاشي 338/ 903 و فهرست الشيخ 147/ 617 و رجال العلامة: 255/ 43 و تنقيح المقال 3: 99/ 10528 و كذلك المصدر.
5- الحج: 22: 39.
6- الغيبة للنعماني: 241.

و روي عنه في الكتاب المذكور- بهذا السند إلي الكوفي- في الأبواب المختصة مضامين أخبارها بالإماميّة أخبارا كثيرة:

ففي باب ما جاء في الإمامة و الوصيّة، و أنّهما من اللّه عزّ و جلّ باختياره و أمانته، لا باختيار خلقه، بالسند المذكور، عن الكوفي، بإسناده عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أيّما أفضل الحسن أو الحسين عليهما السلام؟ قال: «إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا، و فضل آخرنا يلحق فضل أوّلنا، فكلّ له فضل» قال، فقلت له: جعلت فداك وسّع عليّ في الجواب، فإنّي و اللّه ما أسألك إلّا مرتادا، فقال عليه السلام: «نحن من شجرة برأنا اللّه تعالي من طينة واحدة، فضلنا من اللّه، و علمنا من عند اللّه، و نحن أمناء اللّه علي خلقه، و الدعاة إلي دينه، و الحجّاب فيما بينه و بين خلقه، أزيدك يا زيد؟ قال: نعم، فقال: خلقنا واحد، و علمنا واحد، و فضلنا واحد، و كلّنا واحد عند اللّه عزّ و جلّ، فقلت: أخبرني بعدّتكم؟ فقال: نحن اثنا عشر، هكذا حول عرش ربّنا عزّ و جلّ و في مبتدإ خلقنا، أوّلنا محمّد صلّي اللّه عليه و آله، و أوسطنا محمد صلّي اللّه عليه و آله و آخرنا محمد (1)».

و بالسند عن الكوفي، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ذات يوم، فلمّا تفرّق من كان عنده قال:

«يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه قيام قائمنا، فمن شكّ فيما أقول لقي اللّه و هو به كافر و له جاحد، ثمّ قال: بأبي و أمّي المسمّي باسمي، و المكنّي بكنيتي، و السابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا (2).» الخبر.

و قس علي الخبر سائر ما رواه عنه فيه، و إن لم يصفه بالمسعودي في كثير6.

ص: 126


1- الغيبة للنعماني: 85 و الحديث في باب: ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماما.
2- الغيبة للنعماني: 86.

من المواضع، إلّا أنّ اتّحاد السند، و توصيفه به في بعض المواضع، كاف للمستأنس بالطريقة، في ثبوت كونه المقصود في جميع المواضع، و في بعضها:

حدّثنا محمد بن يحيي العطار بقم، و لا يناسب صدور هذا الكلام عن علي بن الحسين بن بابويه الساكن فيه كما لا يخفي، و من هنا ظهر أنّ ما فعله في الرياض- في مقام جمع مشايخ النعماني من عدّ المسعودي منهم دون ابن بابويه- في محلّه (1).ة.

ص: 127


1- رياض العلماء 5: 13، و لم نقف في ترجمة النعماني علي ذكر مشايخه في النسخة المطبوعة.

25- كتاب دعائم الإسلام:

تأليف نعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، قاضي مصر.

قال في البحار: قد كان أكثر أهل عصرنا (1) يتوهّمون أنّه تأليف الصدوق- رحمه اللّه- و قد ظهر لنا أنّه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيليّة، و كان مالكيّا أولا، ثم اهتدي و صار إماميّا، و أخبار هذا الكتاب أكثرها موافقة لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرو عن الأئمّة بعد الصادق عليه السلام، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة، و تحت ستر التقيّة أظهر الحقّ لمن نظر فيه متعمّقا، و أخباره تصلح للتأييد و التأكيد.

قال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء المشار إليهم، ذكره الأمير المختار المسبّحي في تأريخه، فقال: كان من العلم، و الفقه، و الدين، و النبل، علي ما لا مزيد عليه، و له عدّة تصانيف، منها كتاب اختلاف أصول المذاهب، و غيره، انتهي (2).

و كان مالكيّ المذهب، ثم انتقل إلي مذهب الإماميّة.

و قال ابن زولاق في ترجمة ولده علي بن النعمان: و كان أبوه النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل، من أهل القرآن و العلم، بمعانيه، و عالما بوجوه الفقه، و علم اختلاف الفقهاء، و اللّغة و الشعر الفحل، و المعرفة بأيّام الناس، مع عقل و إنصاف، و ألّف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق، بأحسن تأليف، و أملح سجع، و عمل في المناقب و المثالب كتابا حسنا، و له ردود علي المخالفين: له ردّ علي أبي حنيفة، و علي مالك و الشافعي، و علي ابن سريج، و كتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيت عليهم السلام (3).

ص: 128


1- كذا في المصدر و الحجرية، و في المخطوطة: أهلنا.
2- أي كلام المختار المسبّحي في تأريخه (تاريخ مصر).
3- وفيات الأعيان 5: 415.

أقول: ثمّ ذكر كثيرا من فضائله و أحواله، و نحوه ذكر اليافعي و غيره.

و قال ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء: القاضي النعمان بن محمد ليس بإماميّ، و كتبه حسان، منها شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ذكر المناقب إلي الصادق عليه السلام، الاتّفاق و الافتراق، المناقب و المثالب [الإمامة] أصول المذاهب، الدّولة، الإيضاح، انتهي ما في البحار (1).

و قال العلامة الطباطبائي في رجاله: نعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر، و قد كان بدو أمره مالكيّا، ثم انتقل إلي مذهب الإماميّة، و صنّف علي طريق الشيعة كتبا، منها كتاب دعائم الإسلام، و له فيه و في غيره ردود علي فقهاء العامّة، كأبي حنيفة، و مالك، و الشافعي، و غيرهم.

و ذكر صاحب تأريخ مصر: عن القاضي نعمان: إنّه كان من العلم و الفقه، و الدين و النبل، علي ما لا مزيد عليه.

و كتاب الدعائم كتاب حسن جيّد، يصدّق ما قيل فيه، إلّا أنّه لم يرو فيه عمّن بعد الصادق من الأئمة عليهم السلام، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة، حيث كان قاضيا منصوبا من قبلهم بمصر، لكنّه قد أبدي من وراء ستر التقيّة مذهبه، بما لا يخفي علي اللبيب (2).

و قال العالم المتبحّر الجليل السيّد حسين القزويني، في المبحث الخامس- من كتاب جامع الشرائع- في شرح حال المشايخ، و هو كرسالة لطيفة قال:

النعمان بن محمد عالم فاضل، له كتاب دعائم الإسلام.

قال في البحار- و ساق بعض ما نقلناه- و قال (3): و أخباره صالحةي.

ص: 129


1- بحار الأنوار 1: 38، معالم العلماء: 126/ 853
2- رجال السيد بحر العلوم 4: 5- 14.
3- أي القزويني.

للتأييد و التأكيد، و لما اشتهر [من] الفتوي بين العلماء الثقات و لم يوجد له مستند منسوب إلي الأئمة الأطهار عليهم السلام (1).

و قال المحقّق النحرير الكاظمي في المقابس، في ذكر القائلين بعدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة: و ذهب إليه من القدماء صاحب دعائم الإسلام، كما يظهر من كلامه في هذا الكتاب- و ساق بعض ما رواه فيه و بيّنه و شرحه- ثمّ قال: و هذا الرجل كما يلوح في كتابه من أفاضل الشيعة، بل الإماميّة، و إن لم يرو في كتابه إلّا عن الصادق و من قبله من الأئمّة عليهم السلام، و قد ظهر للعلّامة المجلسي قدس سره أنّ اسمه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر (2)، و ذكر بعض ما مرّ (3).

و قال: و ما في معالم السّروي من نفي كونه إماميّا منظور فيه، و قد ذكر السروي أنّ له كتبا حسانا في الإمامة، و فضائل الأئمّة عليهم السلام، و غيرها، و عدّ منها كتابا في المناقب الي الصادق عليه السلام، و لعلّ الوجه في اقتصاره عليه عليه السلام ما سبق (4)، مع احتمال كون [مراد] (5) من نسبه من العامّة إلي الإماميّة أنّه من الشيعة، لكنّه خلاف الظاهر و اللّه يعلم.

و أكثر الأخبار التي أوردها في الدعائم موافقة لما في كتب أصحابنا المشهورة، و قال في أوّله: إنّه اقتصر فيه علي الثابت الصحيح ممّا جاء عن الأئمّة، من أهل بيت الرسول صلّي اللّه عليه و آله، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم، و إنّه إنّما أسقط الأسانيد طلبا للاختصار، إلّا أنّه مع ذلك خالفر.

ص: 130


1- انتهي كلام القزويني و الزيادة التي بين المعقوفتين أثبتناها لمقتضي السياق.
2- مقابس الأنوار: 65- 66.
3- من كلام العلامة المجلسي رحمه اللّه.
4- أي كونه قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّيّة المتعة، فربّما كان مخالفته لهم هنا، و بقاؤه علي مذهب مالك من هذا الباب، و لعلّه لبعض ما ذكر، و لعدم اشتهاره بين الأصحاب، و عدم توثيقهم له، و عدم تصحيحهم لحديثه أو كتابه، لم يورد صاحب الوسائل شيئا من أخباره، و لم يعدّ الدعائم من الكتب التي يعتمد عليها.

و قال صاحب البحار: (إنّ أخباره تصلح للتأييد و التأكيد) مع أنّ أخبار كثير من الأصول و المصنّفات يعتمد عليها و إن كان مؤلّفوها فاسدي المذهب كابن فضّال و غيره، فليعرف ذلك (1)، انتهي.

و في أمل الآمل: نعمان بن أبي عبد اللّه محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، أحد الأئمّة الفضلاء المشار إليهم (2)، ثم ساق بعض ما مرّ عن ابن خلّكان.

و ذكره الشهيد الثالث القاضي نور اللّه في مجالسه في عداد علمائنا الأعلام، و رواة أخبارنا الكرام (3).

و لنرجع الي توضيح بعض ما ذكره هؤلاء المشايخ العظام، بما فيه قوّة اعتبار كتاب دعائم الإسلام، و يتمّ ذلك برسم أمور:

الأوّل في قول المجلسي قدس سره: قد كان أكثر أهل عصرنا. آخره.

و الظاهر أنّ سبب التوهّم عدّ الشيخ في الفهرست من كتب الصدوق كتاب دعائم الإسلام (4)، فظنّوا أنّه الموجود بأيدينا، و يرتفع ذلك بعد كثرة الاشتراك في أسامي الكتب، و بعد طريقة الصدوق عن تأليف مثله، بأنّه يظهر من مواضع (5) منه أنّه كان في مصر، و (6) مختلطا مع المنصور باللّه، و المهدي باللّهن.

ص: 131


1- مقابس الأنوار: 66.
2- أمل الآمل 2: 335/ 1034.
3- مجالس المؤمنين 1: 538.
4- الفهرست: 157/ 695.
5- لم ترد في المخطوطة.
6- في الحجرية زيادة: أنه كان.

من ملوك الفاطميّين (1)، فراجع.

الثاني في قوله، و قول الجماعة: إنّه لم يرو عن الأئمّة بعد الصادق عليهم السلام. إلي آخره، و الأمر كما قالوا إلّا أنّي رأيت فيه الرواية عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، و عن الرضا عليه السلام، ففي كتاب الوصايا: عن ابن أبي عمير (2) أنّه قال: كنت جالسا علي باب أبي جعفر عليه السلام، إذ أقبلت امرأة، فقالت: استأذن لي علي أبي جعفر عليه السلام، قيل لها: و ما تريدين منه، قالت: أردت أن أسأله عن مسألة، قيل لها: هذا الحكم، فقيه أهل العراق فاسأليه، قالت: إنّ زوجي هلك و ترك ألف درهم، و كان لي عليه من صداقي خمسمائة درهم (فأخذت صداقي و أخذت ميراثي، ثمّ جاء رجل فقال: لي عليه ألف درهم) (3) و كنت أعرف له ذلك فشهدت بها، فقال الحكم: اصبري حتي أتدبّر في مسألتك و أحسبها، و جعل يحسب، فخرج إليه أبو جعفر عليه السلام و هو علي ذلك، فقال: «ما هذا الذي تحرّك به أصابعك يا حكم» فأخبره، فما أتمّ الكلام حتي قال أبو جعفر عليه السلام: «أقرّت له بثلثي ما في يديها، و لا ميراث لها حتي تقضيه (4)».

و المراد به أبو جعفر الثاني عليه السلام قطعا، لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الصادق عليه السلام فضلا عن الباقر عليه السلام، بل أدرك الكاظم عليه9.

ص: 132


1- دعائم الإسلام 1: 54- 55.
2- روي القاضي النعمان في دعائمه الحديث المذكور عن الحكم بن عيينة، بدلا من ابن أبي عمير، و رواه الشيخ الكليني في الكافي 7: 24 حديث 1 و 167 حديث 1، و الشيخ الطوسي في التهذيب 9: 164 حديث 671، و الاستبصار 4: 114 حديث 436 كلها عن الحكم بن عتيبة، و الشيخ الصدوق في الفقيه 4: 166 حديث 579 عن الحكم بن عيينة، فعليه يكون استنتاج المصنف (قده) من أن المقصود بأبي جعفر في هذه الرواية هو الجواد عليه السلام، و ليس الباقر عليه السلام لرواية ابن أبي عمير عنه فيه تأمل، فلاحظ.
3- ما بين القوسين زيادة من الحجرية لم ترد في المخطوطة.
4- نسخة بدل: يقبضه (مخطوط). دعائم الإسلام 2: 360/ 1309.

السلام و لم يرو عنه، و إنّما هو من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام، و هو من مشاهير الرواة، بل الفقهاء العظام الذين لا يخفي عصرهم، و زمانهم و طبقتهم، علي مثله من أهل العلم و الفضل، و هذا ظاهر علي الخبير المنصف.

و في كتاب الوقوف: عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، أنّ بعض أصحابه كتب إليه: إنّ فلانا ابتاع ضيعة و جعل لك في الوقف الخمس (1).

إلي آخر الخبر المروي في الكافي، و التهذيب، و الفقيه، مسندا عن علي ابن مهزيار، قال: كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام (2). إلي آخره، و عليّ من أصحاب الجواد و الرضا عليهما السلام، لم يدرك قبلهما من الأئمة عليهم السلام أحدا فلاحظ.

و في كتاب الميراث: عن حذيفة بن منصور، قال: مات أخ لي و ترك ابنته، فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن عليّا صلوات اللّه عليه عن ذلك، فسأله فقال: «المال كلّه لابنته» (3).

الثالث في تصريح الجماعة بأنّه أظهر الحقّ تحت أستار التقيّة لمن نظر فيه متعمّقا. و هو حقّ لا مرية فيه، بل لا يحتاج إلي التعمّق في النظر.

أمّا أولا: فلانّ الإسماعيليّة الخالصة كما صرّح به الشيخ الجليل الحسن ابن موسي النوبختي في كتاب الفرق، هم الذين أنكروا موت إسماعيل في حياةه.

ص: 133


1- دعائم الإسلام 2: 344/ 1290 كتاب العطايا، فصل: ذكر ما يجوز من الصدقة و ما لا يجوز.
2- الكافي 7: 36 حديث 30، و التهذيب 9: 130 حديث 557، و الفقيه 4: 178 حديث 628.
3- لم نعثر علي هذه الرواية في النسخة المطبوعة من الدعائم، و لم نعثر عليها في الكتب الحديثية و لعلها مذكورة في نسخته.

أبيه، و قالوا: كان ذلك علي جهة التلبيس من أبيه علي الناس، لأنّه خاف فغيّبه عنهم، و زعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتي يملك الأرض يقوم بأمر الناس، و أنّه هو القائم (1).

و أمّا الباطنيّة منهم فلهم ألقاب كثيرة، و مقالات شنيعة، و زعموا كما في الكتاب المذكور أنّ اللّه عزّ و جلّ بدا له في إمامة جعفر عليه السلام و إسماعيل، فصيّرها في محمد بن إسماعيل.

و زعموا أنّه حيّ لم يمت، و أنّه يبعث بالرسالة، و بشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمّد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و أنّه من اولي العزم.

و أولو العزم عندهم سبعة: نوح، و إبراهيم، و موسي، و عيسي، و محمّد، و علي- صلوات اللّه عليهما و آلهما- و محمّد بن إسماعيل، علي أنّ السموات سبع، و أنّ الأرضين سبع، و أنّ الإنسان بدنه سبع: يداه، و رجلاه، و ظهره، و بطنه، و قلبه، و أنّ رأسه سبع: عيناه، و أذناه، و منخراه و فمه، و فيه لسانه- كصدره الذي فيه قلبه- و أنّ الأئمّة كذلك، و قلبهم محمد بن إسماعيل، و أنّ اللّه تبارك و تعالي جعل له جنّة آدم، و معناها عندهم الإباحة للمحارم، و جميع ما خلق في الدنيا، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: وَ كُلٰا مِنْهٰا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمٰا وَ لٰا تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ (2): [أي] (3) موسي بن جعفر بن محمد، و ولده عليهم السلام من بعده من ادّعي الإمامة منهم.

و زعموا أنّه خاتم النبيّين الذي حكاه اللّه عزّ و جلّ في كتابه.

و زعموا أنّ جميع الأشياء التي فرضها اللّه عزّ و جلّ علي عباده، و سنّها نبيّهر.

ص: 134


1- فرق الشيعة: 79.
2- البقرة 2: 35.
3- ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

و أمر بها، لها ظاهر و باطن، و أنّ جميع ما استعبد اللّه به العباد في الظاهر من الكتاب و السنّة، فأمثال مضروبة، و تحتها معان هي بطونها، و عليها العمل، و فيها النجاة، و أنّ ما ظهر منها ففي استعمالها الهلاك و الشقاء، و هي جزء من العذاب الأدني، عذّب اللّه به قوما إذ لم يعرفوا الحقّ، و لم يقولوا به.

الي غير ذلك من مقالاتهم الشنيعة، التي نسبها إليهم في الكتاب المذكور (1)، و غيره في تصانيفهم في هذا الباب.

و أنت خبير بأنّه ليس في كتاب الدعائم ذكر لإسماعيل، و لا لمحمد أصلا في موضع منه، حتي في مقام إثبات الإمامة، و ردّ مقالات العامّة و أئمّتهم الأربعة، فكيف يرضي المنصف أن ينسب إليه هذا المذهب؟! و لا يذكر في كتابه اسم إمامه أو نبيّه، مع أنّ خلفاء عصره الذين كان هو في قاعدة سلطنتهم، و منصوبا للقضاوة من قبلهم، المدّعين انتهاء نسبهم الي محمد بن إسماعيل، المستولين علي بلاد المغاربة، و مصر الإسكندرية، و غيرها، كانوا في الباطن من الباطنية- كما صرّح به العالم الخبير البصير السيد المرتضي الرازي، في كتاب تبصرة العوام (2) - و كان دعاتهم متفرّقين في البلاد، و منهم الحسن الصبّاح المعروف في خلافة المستنصر منهم، و مع ذلك ليس فيه إشارة إلي هذا المذهب، و في مواضع لا بدّ من الإشارة إليه لو كان ممّن يميل إليه.

و أمّا ثانيا: فلأنّه صرّح في كتابه بكفر الباطنيّة و ضلالتهم، و خروجهم عن الدين، فإنّه قال في باب ذكر منازل الأئمّة عليهم السلام، و تنزيههم ممّن وضعهم بغير مواضعهم، و تكفيرهم من ألحد فيهم ما لفظه.

أئمّة الهدي صلوات اللّه عليهم و رحمته و بركاته، خلق مكرّمون من خلق1.

ص: 135


1- فرق الشيعة: 84- 85.
2- تبصرة العوام: 181.

اللّه جلّ جلاله، و عباد مصطفون من عباده، افترض طاعة كلّ إمام منهم علي أهل عصره، و أوجب عليهم التسليم لأمره، و جعلهم هداة خلقه إليه، و أدلّاء عباده عليه، و قرن طاعتهم في كتابه بطاعته و طاعة رسوله صلّي اللّه عليه و آله، و هم حجج اللّه علي خلقه، و خلفاؤه في أرضه.

ليس كما زعم الضالّون المفترون بآلهة غير مربوبين، و لا بأنبياء مرسلين- إلي أن قال- و لمّا كان أولياء اللّه الأئمّة الطاهرين، حجج اللّه التي احتجّ بها علي خلقه، و أبواب رحمته التي فتح لعباده، و أسباب النجاة التي سبّب لأوليائه و أهل طاعته، و من لا يقبل العمل إلّا بطاعتهم، و لا يجازي بالطاعة إلّا من تولّاهم و صدّقهم، كان الشيطان أشدّ عداوة لأوليائهم و أهل طاعتهم، ليستزلّهم كما استزلّ أبويهم من قبلهم، فاستزلّ كثيرا منهم و استغواهم (1)، و استهواهم، فصاروا إلي الحور بعد الكور (2)، و الي الشقوة بعد السعادة، و الي المعصية بعد الطاعة.

و قصد الشيطان كلّ امرئ منهم من حيث يجد السبيل اليه والي الإجلاب بخيله و رجله عليه، فمن كان منهم قصير العلم، متخلّف الفهم ممّن تابع هواه، استفزّه و استغواه، و استزلّه فمال إلي الجحد لهم و النفاق عليهم، و الخروج عن طاعتهم و الكفر بهم، و الانسلاخ من معرفتهم.

و من كان قد برع في العلم و بلغ حدود الفهم، فاستزلّه و خدعه و دخل إليه، من باب محبوبة، و موضع رغبته، و مكان طلبته، فبيّن (3) له زخرف التأويل، و نمّق له قول الأباطيل، فأغراه بالفكرة في تعظيم شأنهم، و رفعر.

ص: 136


1- ورد هنا في الحجرية و المصدر زيادة: و سول لهم.
2- في الدعاء: نعوذ باللّه من الحور بعد الكور، أي نعوذ باللّه من الرجوع إلي النقصان بعد الزيادة و التمام، انظر مجمع البحرين 4: 279.
3- نسخة بدل: فزين (مخطوطة)، و كذا في المصدر.

مكانهم، و قرّب منه الوسائل، و أكّد له الدلائل علي أنّهم آلهة غير مربوبين، أو أنبياء مرسلون، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه، و تهيأ له منه ما تجرّأ به عليه، و دخل إلي طبقة ثالثة من مدخل الشبهات، و استثقال الفرائض الواجبات، و أباح لهم المحارم، و سهّل عليهم العظائم، في رفض فرائض الدين، و الخروج من جملة المسلمين، بفاسد أقام لهم من التأويل، و دلّهم عليه بأسوء دليل، فصاروا إلي الشّقوة و الخسران، و انسخلوا من جملة الإيمان.

نسأل اللّه العصمة من الزّيغ، و الخروج من الدنيا سالمين، غير ناكثين و لا مارقين، و لا مبدّلين، و لا مغضوب علينا و لا ضالّين (1).

ثم ذكر قصّة الغلاة في عصر أمير المؤمنين عليه السلام، و إحراقه إيّاهم بالنار، ثم قال: و كان في أعصار الأئمّة من ولده عليهم السلام من مثل ذلك، ما يطول الخبر بذكرهم، كالمغيرة بن سعيد و كان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام و دعاته، فاستزلّه الشيطان- إلي أن قال-: و استحلّ المغيرة و أصحابه المحارم كلّها و أباحوها، و عطّلوا الشرائع و تركوها، و انسلخوا من الإسلام جملة، و بانوا من جميع شيعة الحقّ، و أتباع الأئمّة عليهم السلام، و أشهر أبو جعفر عليه السلام لعنهم، و البراءة منهم.

ثمّ كان أبو الخطّاب في عصر جعفر بن محمد عليهما السلام من أجلّ دعاته، ثمّ أصابه ما أصاب المغيرة فكفر و ادّعي أيضا النبوّة، و زعم أنّ جعفرا عليه السلام إلها، تعالي اللّه عزّ و جلّ عن قوله، و استحلّ المحارم كلّها، و رخّص لأصحابه فيها، و كانوا كلّما ثقل عليهم أداء فرض أتوه، فقالوا: يا أبا الخطّاب خفّف عنّا، فيأمرهم بتركه، حتي تركوا جميع الفرائض، و استحلّوا جميع المحارم، و أباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور، و قال: من عرف الإمام حلّ له كلّ شي ء كان حرم عليه، فبلغ أمره جعفر بن محمد عليهما7.

ص: 137


1- دعائم الإسلام 1: 45- 47.

السلام، فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه و تبرّأ منه، و جمع أصحابه فعرّفهم ذلك، و كتب إلي البلدان بالبراءة منه و باللعنة عليه، و عظم أمره علي أبي عبد اللّه عليه السلام، و استفظعه و استهاله.

ثمّ ساق بعض الأخبار في ذلك، قال: و روينا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه كتب إلي بعض أوليائه، و قد كتب إليه بحال قوم قبله، ممّن انتحل الدعوة: تعدّوا الحدود، و استحلّوا المحارم، و اطّرحوا الظاهر.

فكتب إليه أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام، بعد أن وصف حال القوم: «و ذكرت أنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الصلاة، و الزكاة، و صوم شهر رمضان، و الحجّ و العمرة، و المسجد الحرام، و البيت الحرام، و المشاعر، و الشهر الحرام، إنّما هو رجل، و الاغتسال من الجنابة رجل، و كلّ فريضة فرضها اللّه تبارك و تعالي علي عباده هو رجل، و إنّهم ذكروا أنّ من عرف ذلك الرجل فقد اكتفي بعلمه من غير عمل، و قد صلّي، و أدّي الزكاة، و صام و حجّ البيت و اعتمر، و اغتسل من الجنابة و تطهّر، و عظّم حرمات اللّه و الشّهر الحرام، و المسجد الحرام، و أنّهم زعموا أنّ من عرف ذلك و ثبت في قلبه، جاز له أن يتهاون، و ليس عليه أن يجتهد، و أنّ من عرف ذلك الرجل فقد قبلت منه هذه الحدود لوقتها، و إن هو لم يعملها.

و أنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الفواحش التي نهي اللّه تعالي. عنها الخمر، و الميسر، و الزنا، و الربا، و الميتة، و الدم، و لحم الخنزير أشخاص، و ذكروا أنّ اللّه عزّ و جلّ إنّما حرّم من نكاح الأمّهات، و البنات، و الأخوات، و العمّات، و الخالات، و ما حرّم علي المؤمنين من النساء، إنّما عني بذلك نساء النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و ما سوي ذلك فمباح، و بلغك أنّهم يترادفون نكاح المرأة الواحدة، و يتشاهدون بعضهم لبعض بالزور، و يزعمون أنّ لهذا ظهرا و بطنا يعرفونه، و أنّ الباطن هو الذي يطالبون به، و به أمروا.

و كتبت تسألني عن ذلك، و عن حالهم و ما يقولون، فأخبرك أنّه من كان

ص: 138

يدين اللّه بهذه الصفة التي كتبت تسأل عنها، فهو عندي مشرك بيّن الشرك، و لا يسع لأحد أن يشكّ فيه» (1). إلي آخر الخبر الشريف الطويل، الذي رواه سعد بن عبد اللّه في بصائره، و محمّد بن الحسن الصفار في أواخر بصائر الدرجات، و فيهما: إنّ الذي كتب إليه عليه السلام هو المفضل بن عمر (2)، و لا يخفي أنّ صاحب هذه المقالات الشنيعة هو أبو الخطاب و أصحابه.

و قال الشيخ المقدّم الحسن بن موسي النوبختي في كتاب المقالات: فأمّا الإسماعيلية فهم الخطابيّة، أصحاب أبي الخطاب محمّد بن أبي زينب الأسدي الأجدع، و قد دخلت منهم فرقة في فرقة محمّد بن إسماعيل، و أقرّوا بموت إسماعيل بن جعفر عليه السلام في حياة أبيه، و هم الذين خرجوا في حياة أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام، فحاربوا عيسي بن موسي بن علي بن عبد اللّه بن العباس، فبلغه عنهم أنّهم أظهروا الإباحات، ثم ساق قصّة مقاتلتهم و هلاكهم (3).

ثمّ أنّ الظاهر من كتب المقالات أنّ الإسماعيليّة كلّهم منكرون للشرائع، تاركون للفرائض، مستبيحون للمحارم، و لذا يذكرون- إذا بلغوا إلي شرح حالهم- أنّهم لقّبوا بسبعة ألقاب، منها الباطنيّة بالمعني الذي أشرنا إليه، صرّح بذلك السيد المرتضي الرازي في تبصرة العوام، و غيره.

و وافقنا علي ذلك السيد الفاضل المعاصر رحمه اللّه في الروضات، في ترجمة جلال الرومي حيث قال: الإسماعيليّة و إن كانوا في ظاهر دعاويهم الكاذبة، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير المؤمنين عليه السلام، إلّا أنّ الغالب عليهم الإلحاد، و الزندقة، و المروق عن الدين، و الخروج عن1.

ص: 139


1- دعائم الإسلام 1: 48- 52.
2- بصائر الدرجات: 546، و مختصر بصائر الدرجات: 78.
3- فرق الشيعة: 80- 81.

دائرة الموحّدين، و الملّيّين، و أتباع النبيّين، انتهي (1).

و لعلّه لذلك لم يتعرّض شيخ الطائفة رحمه اللّه في كتاب الغيبة لإبطال مذهبهم، كما تعرّض لإبطال مذهب الكيسانيّة، و الناوسيّة، و الواقفيّة، و الفطحيّة، و غيرها، لظهور فساد مذهبهم عند جميع فرق المسلمين.

و من ذلك كلّه ظهر أنّ نسبة هذا العالم الجليل، صاحب هذا المؤلّف الشريف إلي هذا المذهب السخيف، افتراء عظيم.

و أمّا ثالثا: فلأنّ لأرباب هذا المذهب و دعاته قواعد و اصطلاحات و رموزا و إشارات، لا أثر لها في هذا الكتاب، و لا إشارة فيه إليها، فعندهم أنّه لا بدّ في كلّ عصر من سبعة، بهم يقتدون، و بهم يؤمنون، و بهم يهتدون، و هم متفاوتون في الرتب: إمام يؤدي عن اللّه و هو غاية الأدلّة إلي دين اللّه. و حجّة يؤدّي عن الإمام يحمل علمه. و ذو مصّة يمصّ العلم من الحجّة أي يأخذه منه، فهذه ثلاثة. و أبواب و هم الدعاة: فداع أكبر هو رابعهم، يرفع درجات المؤمنين. و داع مأذون يأخذ العهود علي الطالبين من أهل الظاهر، فيدخلهم في ذمّة الإمام، و يفتح لهم باب العلم و المعرفة و هو خامسهم. و مكلّب قد ارتفعت درجته في الدين، و لكن لم يؤذن له في الدعوة، بل في الاحتجاج علي الناس، فهو يحتجّ و يرغّب إلي الداعي، ككلب الصائد، حتي إذا احتجّ علي أحد من أهل الظاهر، و كسر عليه مذهبه بحيث رغب عنه، و طلب الحقّ، أدّاه المكلّب إلي الداعي المأذون ليأخذ عليه العهود، و إنّما سمّي مكلّبا لأنّ مثله مثل الجارح يحبس الصيد علي الصائد، علي ما قاله تعالي: وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ (2) و هو سادسهم. و مؤمن يتبع الداعي، و هو الذي أخذ عليه العهد، و آمن و أيقن بالعهد، و دخل في ذمّة الإمام و حزبه و هو سابعهم.4.

ص: 140


1- روضات الجنات 8: 71.
2- المائدة: 5: 4.

الي غير ذلك من الزخارف التي برئت ساحة الكتاب المذكور عنها، و ما ألّف إلّا علي طريقة العلماء الإماميّة، بل هو من أجلّ ما ألّفوا، و أحسن ما دوّنوا، من تقديم ما يحتاج إليه الفقه من مسائل الإمامة، علي أبدع نظم و ترتيب، كما لا يخفي علي الناظر اللّبيب.

و أمّا رابعا: فلأنّك تجد في كتب الرجال لكثير من الفرق الباطلة- كالزيدية التي هم أبعد الفرق عن الإماميّة. و الناووسيّة، و الواقفيّة، و الفطحيّة- علماء فقهاء ثقات قد أكثروا من التأليف، و الرواية و جمع الأحاديث و تدوينها، و تلقّوها عنهم أصحابنا بالرواية و القبول، و لا تجد في جميع الرواة رجلا إسماعيليّا و إن كان ضعيفا، فضلا عن كونه ثقة، أو فقيها، أو مؤلّفا، و منه يظهر أنّهم كانوا في أوّل الأمر خارجين عن حدود الشرائع، و حفظ الأخبار و روايتها و تدوينها، غير معدودين من الرواة العلماء.

و قد أشار الي ذلك الشيخ المفيد قدس سره في الإرشاد، فقال: و لمّا مات إسماعيل رحمة اللّه عليه انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه، و أقام علي حياته شرذمة، لم تكن من خاصّة أبيه، و لا من الرواة عنه، و كانوا من الأباعد و الأطراف، انتهي (1).

و قال العالم الجليل عليّ بن يونس العاملي في كتابه الموسوم «بالصراط المستقيم» بعد ذكر جملة من الفرق الباطلة من الشيعة، ما لفظه: و هذه الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها، بل أكثرها لا وجود لها، و في انقراضها بطلان قولها.

إن قلت هذا لا يتمّ في الإسماعيليّة، قلت سنبيّن أنّهم خارجون عن الملّة الحقيقيّة بالاعتقادات الرديّة، ثم ذكر بعضها (2) و يمكن إرجاع هذا الوجه إلي سابقه.2.

ص: 141


1- الإرشاد 2: 210.
2- الصراط المستقيم 2: 272.

و أمّا خامسا: فلما أشار إليه في بعض المواضع، منها ما ذكره في آخر أدعية التعقيب ما لفظه: و روينا عن الأئمّة عليهم السلام أنّهم أمروا بعد ذلك بالتقرّب لعقب كلّ صلاة فريضة، و التقرب أن يبسط المصلّي يديه، إلي أن ذكر الدعاء، و هو:

اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد رسولك و نبيّك، و بعليّ- وصيّه- وليّك، و بالأئمّة من ولده الطاهرين الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد، و يسمّي الأئمّة إماما إماما حتي يسمّي إمام عصره عليهم السلام، ثم يقول. إلي آخره (1).

و غير خفيّ علي المنصف أنّه لو كان إسماعيليّا لذكر بعده إسماعيل بن جعفر، ثم محمّد بن إسماعيل، إلي إمام عصره المنصور باللّه، و المهدي باللّه، و لم يكن له داع إلي الإبهام، أمّا باطنا فلكونه معتقده، و أمّا ظاهرا فلموافقته لطريقة خليفة عصره، و إنّما الإجمال لكونه إماميّا لا يمكنه إظهار إمامة الكاظم و من بعده عليهم السلام، بل في ذكره الأسامي الشريفة إلي الصادق عليه السلام، و عدم إجماله من أوّل الأمر بعد عليّ عليه السلام، تصريح بذلك لمن له دربة (2) بمزايا الكلام.

و منها روايته عن ابن أبي عمير، عن الجواد عليه السلام كما تقدم (3). و كذا عن حذيفة بن منصور، عن إسماعيل بن جابر، عن الرضا عليه السلام.

و قال الشيخ المفيد قدس سره في الإرشاد بعد ذكر فرق الإسماعيليّة:

و المعروف منهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده، و ولد ولده إلي آخر الزمان (4).0.

ص: 142


1- دعائم الإسلام 1: 171 باختلاف.
2- الدربة: العادة و الجرأة (لسان العرب 1: 374).
3- مرّ التعليق عليهما في صحيفة: 132.
4- الإرشاد 2: 210.

و فيه تأييد لما استظهرناه، و طبقته تقرب من عصر القاضي، فإنّ موت القاضي كان في شهر رجب سنة 363 ه. ق بمصر.

و منها ما رواه في ذكر العقائق، و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أنّه نهي عن أربع كني- إلي أن قال- و أبي القاسم إذا كان الاسم محمّدا، نهي عن ذلك سائر الناس و رخّص فيه لعليّ عليه السلام، و قال: «المهديّ من ولدي، يضاهي اسمه اسمي، و كنيته كنيتي» (1).

و منها مطابقة كثير من متون أخباره لما في الجعفريات، بحيث تطمئنّ النفس أخذها منها، و قد عرفت أنّ سند أخبارها ينتهي إلي موسي بن جعفر عليهما السلام، و حاله عند الإسماعيليّة يعرف ممّا تقدّم، و في عصرنا هذا يأتون من هذه الطائفة من بلاد الهند إلي زيارة أمير المؤمنين، و أبي عبد اللّه عليهما السلام، و ينزلون بغداد، و يسيرون منه الي كربلاء و لا يمرّون الي بلد الكاظم عليه السلام، بل تواتر عنهم أنّ طاغوتهم حرّم عليهم النظر الي قبّته المباركة من بعيد، بل حدّثني جماعة أنّهم يسبّونه نعوذ باللّه من الخسران.

و من ذلك كلّه ظهر أنّ ما ذكره صاحب المقابس من النظر فيما ذكره السروي في محلّه، و أنّ احتمال كونه من الإسماعيليّة بمكان من الوهن (2).

الرابع: فيما ذكره صاحب المقابس و هو قوله: إلّا أنّه مع ذلك خالف فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّية المتعة. إلي آخره (3).

قلت: ما ذكره حقّ، فقد خالف القوم في جملة من المواضع في فروع الأحكام، إلّا أنّه معذور في ذلك من وجوه:6.

ص: 143


1- دعائم الإسلام 2: 188 حديث 683.
2- مقابس الأنوار: 66.
3- مقابس الأنوار: 66.

الأوّل: إنّه لم يخالف في موضع منها إلّا لما ساقه الدليل، من ظاهر كتاب أو سنّة، و لم يتمسّك في موضع بالقياس، و الاستحسان، و الاعتبارات العقليّة، و المناطات الظنّية، و لم يبلغ اجتماع الأخبار في عصره الي حدّ يقف عليه كلّ مؤلّف مستنبط، فيسهل عليه معرفة مشهورها، و آحادها، و شواذها، و نوادرها، و ربّما كان ما تمسّك به أكثر ممّا ذكره و اطّلعنا عليه، و ذهب فيما ذهب ممّا لم يصل إلينا.

و قال هو رحمه اللّه بعد مسائل الشكّ و اليقين، في الوضوء و الحدث:

فهذا هو الثابت ممّا روينا في هذا الباب، عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و عن الأئمّة الطاهرين من ذريّته عليهم السلام دون ما اختلف فيه عنهم عليهم السلام، و علي ذلك تجري أبواب كتابنا هذا إن شاء اللّه لما قصدنا فيه من الاختصار و إلّا فقد كان ينبغي لنا أن نذكر كلّ ما اختلف الرواة فيه عنهم عليهم السلام، و ندلّ علي الثابت ممّا اختلفوا بالحجج الواضحة، و البراهين اللائحة، و قد ذكرنا ذلك في كتاب غير هذا كثير الأجزاء، لكن تعظم المئونة فيه، و يثقل أمره علي طالبيه، و هذا لبابه و محضه و الثابت منه، و لولا ما وصفناه أيضا من التطويل بلا فائدة، لذكرنا قول كلّ قائل من العامّة يوافق ما قلنا و ذهبنا اليه، و قول من خالف ذلك و الحجّة عليه، و لكن هذا يكثر و يطول و لا فائدة فيه، لأنّ اللّه بحمده قد أظهر أمر أوليائه و أعزّ دينه، و جعل الأحكام علي ما حكموا به و ذهبوا اليه، و الدّين علي ما عرفوه و دلّوا عليه، فهم حجج اللّه علي الخلق أجمعين (1)، انتهي.

و ما ذكرنا هو الوجه فيما نسب الي القدماء المقاربين عصره، ممّا لا ريب في جلالتهم، من الأقوال النادرة، حتي من مثل يونس بن عبد الرحمن، و فضل3.

ص: 144


1- دعائم الإسلام 1: 103.

ابن شاذان، فلا تغفل.

الثاني: إنّه لم تكن الأحكام في تلك الأعصار بين فقهاء أصحابنا منقّحة متميّزة، يتبيّن لكلّ أحد المجمع عليه منها من غيره، و المشهور منها عمّا سواه، و هذا باب لو دخلنا فيه أخرجنا من وضع الكتاب، و لعلّه غير خفيّ علي البصير النقّاد، و معه لا طعن علي من ساقه الدليل إلي ما خالف فيه أصحابه.

مع أنّ الشيخ المفيد قدس سره قال في المقالات: و لم يوحشني من خالف فيه، إذ بالحجّة لي أتمّ انس، و لا وحشة من حق (1).

و قال السيد المرتضي رضي اللّه عنه في بعض رسائله: لا يوجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهب إليه و العاثر عليه، بل ينبغي أن لا يوحش منه إلّا ما لا دلالة له تعضده، و لا حجّة تعمده.

الثالث: إنّه ما خالف في فرع غالبا إلّا و معه موافق معروف، و لولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك، نعم في مسألة المتعة لا موافق له، إلّا أنّ بعد التأمّل ظهر لي أنّه ذكر ذلك علي غير وجه الاعتقاد، و إن استند للحرمة إلي أخبار رواها تقيّة أو تحبّبا الي أهل بلاده، فإنّها عندهم من المنكرات العظيمة، و الشاهد علي ذلك، مضافا الي بعد خفاء حلّيتها عند الإماميّة عليه، أنّه ذكر في كتاب الطلاق في باب إحلال المطلقة ثلاثا ما لفظه: و عنه- يعني جعفر بن محمّد عليهما السلام- أنّه قال: «من طلّق امرأته (أي ثلاثا) (2) فتزوّجت تزويج متعة، لم يحلّها ذلك له» (3).

و لولا جوازها و عدم كونها الزنا المحض، لم يكن ليوردها في مقام ما اختاره من الأحكام الثابتة عنهم، بالأثر الصحيح، و هذا ظاهر و الحمد للّه.9.

ص: 145


1- المقالات: 129، باب القول في الألم للمصلحة دون العوض، الظاهر أن الرواية نقلها عن جعفر بن محمد عليه السلام كما يظهر من عبارة المصدر.
2- لم ترد في المخطوطة و لا في المصدر.
3- دعائم الإسلام 2: 297/ 1119.

و مثله ما ذكره في باب ذكر الحدّ في الزنا ما لفظه: و عن علي صلوات اللّه عليه: «و لا يكون الإحصان بنكاح متعة» (1)، و دلالته علي ما ادّعيناه أوضح.

الرابع: بعد محل إقامته عن مجمع العلماء و المحدّثين، و الفقهاء الناقدين، و تعسّر اطّلاعه علي زبرهم و تصانيفهم، و آرائهم و فتاويهم، لطول المسافة و صعوبة السير، و قلّة التردّد، خصوصا بعد تعدّد الخليفة، فإنّه كان في مصر، و كانت تحت ملوك الفاطميين، و الأصحاب في أقطار العراق و العجم، و كانت في تصرّف العباسيّين، و من جميع ذلك ظهر عذره في المخالفة في بعض الفروع.

و ظهر الجواب عمّا أشار إليه بقوله: و لعدم اشتهاره. إلي آخره، فإنّه لعدم اطّلاعهم عليه و عدم حاجتهم إليه. فإنّ جلّ الفقهاء من بعد زمان الشيخ، إلي عصر صاحب البحار و الوسائل قدس سرهم، عكفوا علي الكتب الأربعة التي عليها تدور رحي الإماميّة، و لم يتجاوزوا عنها، و لم يستندوا الي غيرها، إلّا المحقّق، و الشهيد، في مواضع نادرة، ينقلون عن بعض الأصول التي كانت عندهما، لا لإعراض منهم عن سائر الكتب و عدم اعتمادهم عليها، خصوصا مثل العلل، و الأمالي، و ثواب الأعمال، و غيرها من كتب الصدوق، و كتاب قرب الإسناد، و المحاسن، و غيرهما من الكتب المعتمدة، التي لا يحتمل ذو مسكة أنّ عدم النقل عنها لوهن في الكتاب، أو ضعف في صاحبه، بل هو لما ذكرناه، أو لعدم العثور عليها.

و أمّا صاحب الوسائل فلم يعلم أنّ عدم نقله عن الدعائم لعدم اعتماده عليه، بل الظاهر أنّه لعدم عثوره عليه، فإنّه قال في آخر كتاب الهداية- و هو مختصر الوسائل- في ذكر الكتب التي لم ينقل عنها: إمّا لقلّة ما فيها من النصوص و عدّ منها جملة، أو لعدم ثبوت الاعتماد عليه، و عدّ منها فقه الرضا، و طبّه عليه السلام، أو ثبوت عدم اعتباره، و عدّ منها مصباح الشريعة (2).ط.

ص: 146


1- دعائم الإسلام 2: 451/ 1577.
2- الهداية: مخطوط.

و قال في أمل الآمل: و عندنا أيضا كتب لا نعرف مؤلّفيها، و عدّ منها عشرة (1)، و ليس لهذا الكتاب ذكر في الموضعين، و من البعيد أنّه كان عنده و لم يشر إليه، لأنّه إن عرف صاحبه، و أنّه هو القاضي نعمان- فقد مدحه في أمله- فينبغي ذكره فيما اعتمد عليه و نقل عنه. و إن لم يعرفه فذكره في الكتب المجهولة أولي من ذكر طبّ الرضا عليه السلام، و الكشكول الذي ليس فيه حكم فرعيّ أصلا.

ثمّ إنّ ابن شهرآشوب و إنّ صرّح بكونه غير إماميّ، إلّا أنّه قال: و كتبه حسان (2)، و قد نقل في مناقبه عن كتابه شرح الأخبار (3)، الذي هو من نفائس الكتب الدالّة علي كثرة فضله، و طول باعه، و خلوص ولائه.

و في السرائر في باب التيمّم: و ذهب قوم من أصحابنا إلي المسح (4) من أصول الأصابع إلي رؤوس الأصابع (5).

قال في الجواهر: و هو محجوج بجميع ما تقدّم من الأخبار و محكيّ الإجماع، بل لعلّه كسابقه لا يقدح في المحصّل منه، و إن جهل نسبه عندنا، لكنّه مع عدم اعتبار ذلك في الإجماع عندنا معروف عند ناقله علي الظاهر، و إنّه غير الإمام. إلي آخره (6).

و ظنّي أنّ المراد منه صاحب الدعائم فإنّه مذهبه فيه (7)، و اللّه العالم.

و من الغريب من بعد ذلك كلّه، ما في روضات الجنات للسيد الفاضل0.

ص: 147


1- أمل الآمل 2: 364.
2- معالم العلماء: 126/ 853.
3- مناقب ابن شهرآشوب 2: 16.
4- في المصدر هنا زيادة: علي اليدين.
5- السرائر 1: 137.
6- جواهر الكلام 5: 203.
7- راجع دعائم الإسلام: 1: 120.

المعاصر رحمه اللّه تعالي فإنّه بعد ما نقل في ترجمته ما في أمل الآمل، و مقدمة البحار، قال: و لكنّ الظاهر عندي أنّه لم يكن من الإماميّة الحقّة، و إن كان في كتبه يظهر الميل إلي طريقة أهل البيت عليهم السلام، و الرواية من أحاديثهم من جهة مصلحة وقته، و التقرّب الي السلاطين من أولادهم، و ذلك لما حقّقناه مرارا في ذيل تراجم كثير ممّن كان يتوهّم في حقّهم هذا الأمر، بمحض ما يشاهد في كلماتهم من المناقب و المثالب، اللتين يجريهما اللّه تعالي علي ألسنتهم الناطقة، لطفا منه بالمستضعفين من البريّة.

و أنت تعلم أنّه لو كان لهذه النسبة واقعا، لذكره سلفنا الصالحون و قد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون، و لم يكن يخفي ذلك إلي زمان صاحب الأمل الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة أبي الفرج الأصبهاني الخبيث، كما قدّمنا ذلك في ذيل ترجمته، ثمّ نقل كلام السروي، و ما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله، و قال بعده: و قد وافق في جميع ما ذكره خاله العلامة المعظم عليه، من نهاية حسن ظنّه به و بكلامه، انتهي (1).

و فيه مواضع للنظر:

أمّا أولا: فلأنّ كتاب الدعائم كلّه في فقه الإماميّة، و فروعها و أحكامها، مستدلّا عليها بأخبار أهل البيت عليهم السلام، علي أحسن نظم و ترتيب، بل ليس في أيدينا من علماء تلك الأعصار ما يشبهه في الوضع و التنقيح، مفتتحا بمسائل في الإمامة و شروطها، و فضائل الأئمّة عليهم السلام و وصاياهم، و شرح عدم جواز أخذ الأحكام الدينيّة عن غيرهم، كسائر كتب أصحابنا في هذا الباب، و ما ذكره من إظهار الميل في كتبه إنّما هو في مثل كتاب الراغب الأصبهاني و أضرابه، ممّن يظهر من بعض كلماتهم و اسلوبهم ميلهم الي التشيّع، و أين هذا من كتاب بني أساسه علي التشيّع، و علي ما ذكره يفتح باب عظيم9.

ص: 148


1- روضات الجنات 8: 149.

للطعن علي كثير من العلماء، الذين كانوا في عصر السلاطين الفاطميّة (في مصر)، كالعلامة الكراجكي، أو الصفويّة و غيرها.

و ظنّي أنّه رحمه اللّه لم يقف علي الدعائم، و لا علي شرح الأخبار، فصدر منه ما صدر، و قاس علي ما ليس له أساس.

و أمّا ثانيا: فلأنّ سبب عدم ذكرهم له لا ينحصر فيما ذكره، بل لوجوه أشرنا إليها، مع أنّهم قد أهملوا جمّا من الأعلام، أرباب التصانيف الرائقة، و المؤلّفات الرشيقة، كجعفر بن أحمد القمي رحمه اللّه (المتقدّم ذكره) (1) و فرات ابن إبراهيم الكوفي صاحب التفسير، و محمّد بن عليّ بن إبراهيم صاحب العلل، و الحسن بن عليّ بن شعبة صاحب تحف العقول، و السيد عليّ بن الحسين بن باقي صاحب اختيار المصباح، و الحسن بن أبي الحسن الديلمي صاحب إرشاد القلوب، و غرر الأخبار، و غيرها، و سبط الطبرسي صاحب مشكاة الأنوار، و غيرهم ممّن تقدّم عنهم أو تأخّر، و قد وقف علي كتبهم و حالاتهم المتبحّرون من المتأخّرين، و لا يوجب سقوط قلم السلف عن ذكر أساميهم الشريفة للغفلة، أو لعدم الاطّلاع، أو للعجلة طعنا فيهم.

و أمّا ثالثا: فلأنّ القاضي قد ذكره في مجالسه (2) قبل صاحب الأمل.

و في الرياض، في ترجمة- معين الدين المصري- سالم بن بدران: و عندنا رسالة في الفرائض من مؤلّفات الشيخ معين الدين المصري هذا، قال: و هو ينقل مرارا من كتب القاضي نعمان المصري، مؤلّف كتاب دعائم الإسلام، و غيره فتدبّر (3).

و أمّا رابعا: فلما في رسالة شريفة، في فهرست كتب الشيخ الفقيه أبي1.

ص: 149


1- لم ترد في المخطوطة.
2- مجالس المؤمنين 1: 538.
3- رياض العلماء 2: 411.

الفتح محمد بن عثمان بن علي الكراجكي، عملها بعض معاصريه، فإنّ فيها ما لفظه: مختصر كتاب الدعائم للقاضي النّعمان، عمله و هو من جملة فقهاء الحضرة، كتاب الاختيار من الأخبار، و هو اختصار كتاب الأخبار للقاضي النعمان، يجري مجري اختصار الدعائم، و الظاهر أنّ المراد منه شرح الأخبار الآتي، و فيه من الدلالة علي جلالة قدره ما لا يخفي، و لم أعرف صاحب الفهرست، إلّا أنّ في موضع منه هكذا: كتاب غاية الإنصاف في مسائل الخلاف، يتضمّن النقض علي أبي الصلاح الحلبي- رحمه اللّه- في مسائل خلف بينه و بين المرتضي رضي اللّه عنه، نصر فيها رأي المرتضي، و نصر والدي رحمه اللّه.

و في موضع آخر: جواب رسالة الحازميّة في إبطال العدد و تثبيت الرؤية، و هي الردّ علي أبي الحسن بن أبي حازم المصري، تلميذ شيخي رحمة اللّه عليه عقيب انتقالي من العدد، أربعون ورقة، و من ذلك يظهر أنّه و والده من فقهاء عصرهما، و لعلّي أقف علي مؤلّفه ان شاء اللّه تعالي.

و أمّا خامسا: فقوله في حقّ صاحب الأمل: إنّه من فرط صداقته.

إلي آخره، فإنّه من غرائب الكلام، فإنّ أبا الفرج ما ترجمه أحد من الفريقين إلّا و صرّح بتشيّعه، و إنّه كان زيديّا، و الزيدية من فرق الشيعة، كما صرّح به كل من تعرّض لذكر المذاهب في كتاب الوقف، بل الفقهاء و غيره.

و ذكره النجاشي (1)، و العلامة في الخلاصة (2)، و ابن شهرآشوب في معالم العلماء (3)، و تبعهم صاحب الأمل في ذكره في سلك الرّواة و العلماء، و لم يزد في6.

ص: 150


1- لم نعثر في رجال النجاشي المطبوع علي ترجمة لأبي الفرج الأصفهاني مستقلة و انما ذكره في ترجمة علي بن إبراهيم بن محمد الجواني: 263/ 687.
2- خلاصة الأقوال: 267.
3- معالم العلماء: 141/ 986.

مقام تعيين مذهبه إلّا أن قال: و كان شيعيّا (1)، تبعا للعلّامة قدس سره في الخلاصة.

فأيّ صداقة فيما فعله، و إنّما الصداقة فيما فعله هو رحمه اللّه في كتابه، فقال ما لفظه: باب ما أوّله الطاء و الظاء من أسماء فقهاء أصحابنا الأمجاد- رحمة اللّه عليهم أجمعين- السيّد طالب بن علي. إلي آخره (2) ثم قال:

الشيخ أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، كان من أهل اليمن، و من أبناء الفرس، و أحد الأعلام التابعين، سمع من ابن عبّاس، و أبي هريرة، و روي عنه مجاهد، و عمرو بن دينار، و هو في طبقة مالك بن دينار، و المنسلكين علي طريقته، ثم نقل شرح حاله و مدائحه من كتاب تلخيص الآثار، و من تاريخ ابن خلّكان، و ذكر بعده حكاية ملاقاته للسجاد عليه السلام في المسجد الحرام، في الحجر و تحت الميزاب (3)، و لم ينقل من أحد من العلماء في حقّه شيئا، و لم يذكر قرينة و لو ضعيفة تدلّ علي ميلة إلي التشيّع، فضلا عن الإماميّة، فضلا عن كونه من فقهاء أصحابنا الأمجاد، و هذا منه مما لا ينقضي تعجّبه، فإنّ الرجل من فقهاء العامّة و متصوّفيهم، لم يشكّ فيه أحد، و لم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم الرجاليّة، و لم يسندوا إليه خبرا في مجاميعهم في الأحاديث، أصولا و فروعا، و كان من التابعين المعروفين، القاطنين في أرض الحجاز، معاصرا للسجّاد و الباقر عليهما السلام.

نعم عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّاد عليه السلام (4)، و لعلّه للحكاية المتقدّمة، و إلّا فليس في الكتب الأربعة خبر واحد أسند إليه، مع أنّه3.

ص: 151


1- أمل الآمل 2: 181/ 548.
2- روضات الجنات 4: 138/ 362.
3- روضات الجنات 4: 142.
4- رجال الطوسي: 94/ 3.

من الفقهاء الذين يذكرون أقواله في كتب الفروع، مع أنّ ما ذكره في ترجمته كاف في الدلالة علي تسنّنه، فإنّ من كان شيخه أبا هريرة، و راويه مجاهد و عمرو ابن دينار، لحريّ بأن يعدّ من كلاب أصحاب النّار، بل في حكاية ملاقاته مع السجّاد عليه السلام التي أوردها- و أورثت في قلبه حسن الظنّ به- ما يشعر بانحرافه، ففي أحدها عن طاوس، قال: كنت في الحجر ليلة إذ دخل عليّ ابن الحسين صلوات اللّه عليهما، فقلت: رجل من أهل بيت النبوّة و لأسمعنّ دعاءه. الخبر.

و أنت خبير بأنّ قوله: رجل من أهل بيت النبوّة كلام من لم يعرفه عليه السلام إلّا بالسيادة، و شطر من العلم و الزهادة، و لو عرفه عليه السلام بالولاية و الإمامة، مع ما يعتقدون في حقّه من الفقه و النّسك، لعبّر عنه لا محالة بقوله:

سيّدي و مولاي، و ما أشبه، أ رأيت أحدا من أجلّاء أصحاب الأئمّة عليهم السلام يعبّر عن واحد منهم بهذا التّعبير السّخيف.

و في حكاية أخري عنه، قال: رأيت رجلا في المسجد الحرام تحت الميزاب، و هو يدعو و يبكي، فجئته و قد فرغ من الصلاة، فإذا هو عليّ بن الحسين عليه السلام، فقلت له: يا ابن رسول اللّه رأيتك علي حالة كذا و كذا، و لك ثلاثة أرجو أن يؤمنك من الخوف: أحدها أنّك ابن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، و الثاني شفاعة جدّك، و الثالث رحمة اللّه، فقال: يا طاوس.

و أجابه بما هو معروف، و هذا في الدلالة كسابقه، فإنّ من كان يعتقد فيهم عليهم السلام أدني ما يجب اعتقاده في الإيمان، فكيف بمثله من أهل الفضل و العرفان، لا يشافهه بهذا الكلام و إن كان صادقا فيه.

و ذكر الشيخ ورّام ابن أبي فراس قدس سره في تنبيه الخاطر: أنّه دخل علي جعفر بن محمد عليهما السلام، فقال له: «أنت طاوس» قال: نعم، فقال عليه السلام: «طاوس طير مشوم، ما نزل بساحة قوم إلّا آذنهم

ص: 152

بالرحيل». و لا يخفي ما فيه من الإشارة إلي نكارته و خباثته (1).

و قريب منه ما رواه الراوندي في قصص الأنبياء، بإسناده عن ابن بابويه قدس سره، عن محمد بن ماجيلويه، عن محمد بن يحيي العطّار، عن الحسين ابن الحسن بن أبان، عن ابن أورمة، عن عمر بن عثمان، عن العبقري (عن أسباط) (2) عن رجل حدّثه عليّ بن الحسين عليهما السلام: أنّ طاووسا قال في المسجد الحرام: أوّل دم وقع علي الأرض دم هابيل حين قتله قابيل، و هو يومئذ قتل ربع الناس، قال له عليّ زين العابدين عليه السلام: «ليس كما قلت، إنّ أوّل دم وقع علي الأرض دم حوّاء حين حاضت، يومئذ قتل سدس الناس، كان يومئذ آدم، و حوّا، و هابيل، و قابيل، و اختاه». الخبر (3).

و في البحار عن اعلام الدين للديلمي: روي أنّ طاوس اليماني دخل علي جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، و كان يعلم أنّه يقول بالقدر، فقال له: «يا طاوس من أقبل للعذر من اللّه ممّن اعتذر، و هو صادق في اعتذاره» فقال: لا أحد أقبل للعذر منه، فقال له: «من أصدق ممّن قال لا أقدر و هو لا يقدر» فقال طاوس: لا أجد أصدق منه، فقال الصادق عليه السلام له: «يا طاوس فما بال من هو أقبل للعذر، لا يقبل عذر من قال لا أقدر و هو لا يقدر»، فقام طاوس و هو يقول: ليس بيني و بين الحقّ عداوة، اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، فقد قبلت نصيحتك (4).

و فيهما من الدلالة- علي أنّه بمراحل عمّا نسبه إليه- ما لا يخفي.

و في منتخب بصائر سعد بن عبد اللّه للحسن بن سليمان الحليّ: عن7.

ص: 153


1- مجموعة ورام 1: 15.
2- لم يرد في المخطوطة.
3- قصص الأنبياء للراوندي: 59/ 36.
4- بحار الأنوار 5: 58 حديث 105، اعلام الدين: 317.

محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن محمد بن مسلم، قال: دخلت أنا و أبو جعفر عليه السلام مسجد الرّسول صلّي اللّه عليه و آله و سلم، فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه: أ تدرون متي قتل نصف الناس، فسمع أبو جعفر عليه السلام قوله: نصف الناس، فقال: «إنما هو ربع الناس، إنّما هو آدم و حوّا و قابيل و هابيل»، قال: صدقت يا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله. الخبر (1).

و رواه الراوندي في القصص: بإسناده عن الصدوق، عن محمد بن موسي بن المتوكل، عن محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كان أبو جعفر الباقر عليه السلام جالسا في الحرم، و حوله عصابة من أوليائه إذ أقبل طاوس اليماني في جماعة، فقال: من صاحب الحلقة، قيل:

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إيّاه أردت، فوقف بحياله، و سلّم و جلس، ثم قال: أتاذن لي في السؤال، فقال الباقر عليه السلام: «قد آذنّاك فاسأل» قال: أخبرني بيوم هلك ثلث الناس، فقال: «وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس، و ذلك يوم قتل هابيل كانوا أربعة: هابيل، و قابيل، و آدم، و حوّا، فهلك ربعهم» قال: أصبت، و وهمت.

الخبر (2).

هذا، و من راجع الكتب الفقهيّة، و عدّهم قوله في قبال أقوال أصحابنا مع المخالفة، و مع الموافقة إدخالهم إيّاه فيمن وافقنا من فقهاء العامّة، لا يكاد يحتاج الي التجشّم في إبداء الامارة علي انحرافه، و كأنّ الفاضل المذكور لم يكن له عهد بها.7.

ص: 154


1- منتخب البصائر: 60.
2- قصص الأنبياء للراوندي: 66/ 47.

و لنشر الي بعض المواضع، و باقيها موكول علي همّة المراجع:

فمنها ما في المعتبر: و آخر وقت فضيلة الظهر إذا صار ظلّ كلّ شي ء مثله، ثمّ يمتد وقت الإجزاء حتي يبقي للغروب قدر أربع ركعات، فيخلص الوقت للعصر، و بهذا قال علم الهدي قدس سره، و ابن الجنيد قدّس سرّه، و هو قول عطاء، و طاوس، إلي أن قال في ردّ أبي حنيفة- القائل بأنّ آخر وقته إذا صار ظلّ الشخص مثليه-: و لأنّ الحائض تؤدّي الظهر و العصر إذا طهرت قبل أن تغرب الشمس، ذهب إليه طاوس، و مجاهد، و النخعي، و الزهري، و ربيعة، و مالك، و اللّيث، و الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور، و أحمد بن حنبل، و رواه الأثرم، و ابن المنذر. إلي آخره (1).

و منها ما في التذكرة في مسألة آخر العشاء: و قال مالك: يمتدّ وقتها إلي طلوع الفجر، و به قال عطاء، و طاوس، كما يقول في الظهر و العصر (2).

و فيها أيضا: لو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد، و هو قول عامّة العلماء- الي أن قال- و قال طاوس: يعيد ما صلّي بالتيمّم فإنّه بدل، فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل، كالحاكم إذا حكم بالقياس، ثمّ وجد النصّ بخلافه، و هو خطأ (3).

و في المعتبر: و اتّفق العلماء علي أنّ ميقات أهل العراق العقيق، لكن اختلفوا في وجه ثبوته، فقال الأصحاب: ثبت نصّا، و به قال الشافعي و أبو حنيفة، و قال طاوس و ابن سيرين: ثبت قياسا، لما روي عن ابن عمر قال: لمّا فتح المصران (4) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّ رسول اللّه صلّي اللّهة.

ص: 155


1- المعتبر: 135.
2- تذكرة الفقهاء 2: 312 مسألة 31.
3- تذكرة الفقهاء 2: 212- 213 مسألة 314- 315.
4- في هامش المخطوطة و الحجرية: يعني الكوفة و البصرة.

عليه و آله حدّ لأهل نجد قرن المنازل، و إنّا إذا أردنا قرن المنازل شقّ علينا، قال: فانظروا حذوها فحدّ لهم ذات عرق، لنا ما رووه عن ابن عبّاس- الي أن قال- و من طريق الأصحاب روايات. إلي آخره (1).

و فيه: لو ائتمّ المسافر بالمقيم لم يتمّ، و اقتصر علي فرضه و سلّم منفردا، و اتّفق الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد علي وجوب المتابعة، سواء أدركه في آخر الصلاة أو أوّلها، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «لا تخلفوا عن أئمّتكم» و قال الشعبي و طاوس: له القصر. إلي آخره (2) و في هذا القدر كفاية للناظر البصير.

و قال النقّاد الخبير الآميرزا عبد اللّه الأصفهاني في الصحيفة الثالثة: روي ابن شهرآشوب في مناقبه، عن طاوس اليماني، الفقيه من العامّة، أنّه قال:

رأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام (3) الخبر.

ثمّ إنّه رحمه اللّه عكس الأمر في ترجمة القطب الرازي، فجعله من علماء العامّة (4)، خلافا لكلّ من تعرّض لحاله، و شرح ذلك يأتي ان شاء اللّه تعالي.

و أمّا سادسا: فقوله في حقّ العلّامة الطباطبائي: إنّه وافق خاله- يعني العلامة المجلسي قدس سرهما- لحسن ظنّه به. فإنّه أجلّ قدرا، و أعظم شأنا، و أرفع مقاما من أن يظنّ في حقّه ذلك، كما لا يخفي علي من وقف علي حاله.

هذا و قال الفاضل الآميرزا عبد اللّه قدس سره في رياض العلماء في ترجمته:

و اعلم أنّ من مؤلّفات القاضي نعمان هذا كتاب مختصر الآثار، و قد رأيت في9.

ص: 156


1- المعتبر: 342.
2- المعتبر: 255.
3- الصحيفة السجادية الثالثة: 191.
4- روضات الجنّات 6: 38/ 559.

خطّة لار مجموعة عتيقة، مشتملة علي نسخة صحيفة ابن أشناس البزاز، و في تلك المجموعة أدعية كثيرة، منقولة من كتاب مختصر الآثار المذكور، و عندنا نسخة من تلك الأدعية، و يظهر من مطاويها أنّ ذلك الكتاب أيضا علي نهج كتاب دعائم الإسلام، و إنّه أيضا في ذكر أحاديث أهل البيت عليهم السلام، و فقههم إلي آخر أبواب الفقه.

و قد تعرّض الكاتب أيضا في تلك الأدعية لاختلاف النسخ، التي كانت بين ما وقع في كتاب دعائم الإسلام، و في كتاب مختصر الآثار المذكور.

ثمّ إنّ عندنا نسخة عتيقة جدّا من النصف الأخير من كتاب دعائم الإسلام له، و علي حواشيها فوائد جليلة كثيرة، من كتاب مختصر الآثار له أيضا.

و اعلم أنّ أصل كتاب الآثار النبويّة للقاضي النعمان المذكور أيضا في الفقه، ثمّ اختصر منه كتاب مختصر الآثار.

ثمّ نقل كلام ابن خلّكان، و ما ذكره أستاذه في أوّل البحار، ثمّ تأمّل في كونه من الاثني عشريّة لعدم الدليل عليه، قال: من أين علم أنّه كان من أصحابنا، و أنّه اتّقي الخلفاء الإسماعيليّة؟ فهل هذا إلّا مجرّد دعوي و احتمال.

إذ ما الدليل علي أنّه لم يكن إسماعيليّا حقيقة من بين مذاهب الإمامية؟ فتأمّل، انتهي (1).

و قد عرفت بحمد اللّه القرائن علي كونه اثنا عشريّا، و الدليل علي أنّه لم يكن إسماعيليّا.

تنبيه: و لا بدّ من ذكر ما صدّر به الكتاب، ليعرف أنّه ما أخرج فيه إلّا الخبر الثابت الصحيح، عن الأئمة الأطياب عليهم السلام قال: فإنّه لمّا كثرت الدعاوي و الآراء، و اختلفت المذاهب و الأهواء، و اخترعت الأقاويل اختراعا،5.

ص: 157


1- رياض العلماء 5: 275.

و صارت الأمة شيعا، و افترقوا افتراقا، و درس أكثر السنن و انقطع، و نجم حادث البدع فارتفع، و اتّخذت كلّ فرقة من فرق الضلال رئيسا لها من الجهّال، فاستحلّت بقوله الحرام، و حرّمت به الحلال، تقليدا له و اتّباعا لأمره، بغير برهان من كتاب و لا سنّة، و لا بإجماع جاء من الأمّة، فذكرنا عند ذلك قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لتسلكنّ سبيل الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل، و القذّة بالقذّة، حتي لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه، فكانت الأمّة- إلّا من عصمه اللّه منها بطاعته، و طاعة رسوله و أوليائه، الذين افترض اللّه طاعتهم- في ذلك كمن حكي اللّه عزّ و جلّ نبأه من الأمم السالفة، بقوله جلّ و عزّ:

اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ (1).

و روينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام، أنّه تلا هذه الآية فقال:

«و اللّه ما صاموا لهم، و لا صلّوا إليهم، و لكنّهم أحلّوا لهم حراما فاستحلّوه، و حرّموا عليهم حلالا فحرّموه».

و روينا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله انه قال: «إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة اللّه».

و قد رأينا و باللّه التوفيق عند ظهور ما ذكرناه، أن نبسط كتابا جامعا مختصرا، يسهل حفظه، و يقرب مأخذه، و يغني ما فيه من جمل الأقاويل، عن الإسهاب و التطويل، نقتصر فيه علي الثابت الصحيح، ممّا رويناه عن الأئمّة من أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم أجمعين، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم، في دعائم الإسلام، و ذكر الحلال و الحرام، و القضايا و الأحكام.

فقد روينا عن أبي جعفر محمد بن عليّ عليهما السلام، أنّه قال: «بني الإسلام علي سبع دعائم: الولاية و هي أفضلها، و بها و بالوليّ يوصل إلي1.

ص: 158


1- التوبة 9: 31.

معرفتها، و الطهارة، و الصلاة، و الزكاة، و الصوم [و الحج] (1) و الجهاد (2).

إلي آخره.

و قال الچلبي في كشف الظنون: دعائم الإسلام: و في سنة ست عشرة و أربعمائة أمر الظاهر، فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكيّين، و أمر الدعاة الوعّاظ أن يعظوا من كتاب دعائم الإسلام، و جعل لمن حفظه مالا، انتهي (3).

فانظر إلي شدّة تعصّبه، حيث لم يذكر اسم مؤلّفه و مذهبه، مع طول باعه و بنائه عليه، و علي ذكر تأريخ وفاته.5.

ص: 159


1- ما بين معقوفين أثبتناه من المصدر.
2- دعائم الإسلام 1: 1- 2.
3- كشف الظنون 1: 755.

26- كتاب شرح الأخبار:

للقاضي النعمان المذكور أيضا، و هو مقصور في الفضائل و المناقب، و شطر من المثالب، مشتمل علي سبعة (1) أجزاء، ينبئ عن كثرة اطّلاعه، و طول باعه، و فضله و كماله.

عثرنا بحمد اللّه تعالي علي نسخة عتيقة منه، إلّا أنّه ناقص من أوّله و آخره، أظنّه أوراقا يسيرة، قال في آخر الجزء السادس: فهذه نكت قد ذكرناها كما شرطنا مختصرا، من مثالب معاوية و بني أميّة، و قد ذكرنا تمام القول في ذلك في كتاب المناقب و المثالب، فمن أراد استقصاء ذلك نظر فيه، انتهي.

و في آخره تمّ الجزء السادس من كتاب شرح الأخبار، تأليف سيّدنا القاضي الأجلّ الأوحد الأفضل، النعمان بن محمد قدّس اللّه روحه و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمد خير بريّته، و علي الأئمّة الطاهرين أبرار عترته، و سلّم تسليما.

و نقل ابن خلّكان، عن ابن زولاق في كتاب أخبار [قضاة] (2) مصر، في ترجمته: أنّه ألّف لأهل البيت عليهم السلام، من الكتب آلاف أوراق،

ص: 160


1- قوله: كتاب شرح الأخبار. مشتمل علي سبعة أجزاء، اما ان تكون نسخته ناقصة كثيرا لا يسيرا كما قال أو ان يكون تقسيم الأجزاء فيها يختلف، إذ ان الكتاب يحتوي علي 16 جزء كما صرح بذلك في فهرس مجذوع 69- 73، انظر مقدمة شرح الأخبار- طبع جامعة المدرسين: 72، و ذكر فهرست موجز للأجزاء الستة عشر. و قد خرج القسم الأول منه و هو يحتوي بين دفتيه علي أربعة أجزاء من أصل الكتاب، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي و نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين، و طبع منه أيضا منفصلا الجزء الثالث عشر- في من قتل مع الحسين عليه السلام من أهل بيته- تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي.
2- زيادة أثبتناها من المصدر.

بأحسن تأليف، و أملح سجع، و عمل في المناقب و المثالب كتابا حسنا، و له ردود علي المخالفين: له ردّ علي أبي حنيفة، و علي مالك، و الشافعي، و ابن سريج، و غيرهم، و كتاب اختلاف الفقهاء، و ينتصر فيه لأهل البيت عليهم السلام (1)، انتهي.

و الظاهر أنّ كتاب المناقب و المثالب، هو الذي أشار إليه القاضي في كلامه المتقدّم.

و قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء: و كتبه حسان، منها شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السلام (2). و ينقل عنه في مناقبه، ففي أحوال المجتبي عليه السلام: القاضي النعمان في شرح الأخبار، بالإسناد عن عبادة بن الصامت- و رواه جماعة عن غيره-: أنّه سأل أعرابي أبا بكر، فقال: إنّي أصبت بيض نعام. الخبر (3).

و من الغريب بعد ذلك ما في رياض العلماء قال: و قد نسب ابن شهرآشوب في بعض مواضع المناقب إلي القاضي النعمان كتاب شرح الأخبار، و ينقل عنه فيه، و قد صرّح بذلك في معالم العلماء أيضا، و لكنّ الحقّ عندي أنّ ذلك سهو منه، فإنّ ابن شهرآشوب قد صرّح نفسه في عدة مواضع أخر من مناقبه المذكور، بأنّ شرح الأخبار من مؤلّفات ابن فيّاض من أصحابنا، و أغرب منه أنّه عدّ هو نفسه هذا الكتاب- علي ما في بعض نسخ معالم العلماء- في جملة الكتب التي لم يعلم مؤلّفها، فتدبّر، انتهي (4).

و لكنّه رحمه اللّه استدرك بخطّه في حاشية الكتاب، فقال: و لكن يظهر5.

ص: 161


1- وفيات الأعيان 5: 416/ 766.
2- معالم العلماء: 126/ 853.
3- مناقب ابن شهرآشوب 4: 10.
4- رياض العلماء 5: 275.

من نسخ المعالم (1) أنّ ابن فيّاض هو القاضي النعمان، فتأمّل و لاحظ.

و فيه: في الفصل الخامس من القسم الأول بعد نقل ما في آخر معالم العلماء، من الكتب المجهولة: و أقول: قد يوجد في بعض نسخ المعالم، في هذا المقام كتاب شرح الأخبار أيضا. و هو غير متوجّه، لأنّه قد صرّح نفسه في المعالم بأنّه تأليف القاضي النعمان، و صرّح في غير موضع من المناقب بأنّه تأليف ابن فيّاض، انتهي (2).

قلت: الموجود في بعض نسخ المعالم- و منه نسختي- هكذا: ابن فيّاض القاضي النعمان بن محمد. إلي آخر الترجمة (3). و بعد التأمّل فيما ذكرنا لا مجال للشبهة في اتّحادهما، و كون الكتاب له، إلّا أنّ ما فيه من الأحكام في غاية الندرة.3.

ص: 162


1- معالم العلماء: 126/ 853 علما ان نسخة الرياض المطبوعة خالية منه.
2- رياض العلماء 6: 41.
3- معالم العلماء: 12/ 853.

27- كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة:

و يعرف بكتاب البدع أيضا، و تارة بالبدع المحدثة، لأبي القاسم عليّ بن أحمد الكوفي، كان إماميّا مستقيم الطريقة، ثمّ غلا في آخر عمره، و صنّف كتبا في حالتي الاستقامة و الانحراف، و هذا الكتاب من القسم الأوّل، و لنذكر ما ذكروا فيه ثم نتبيّن ما ادّعيناه.

قال الشيخ قدس سره في الفهرست: عليّ الكوفي، يكنّي أبا القاسم، كان إماميّا مستقيم الطريقة، و صنّف كتبا كثيرة سديدة، منها كتاب الأوصياء، و كتاب في الفقه علي ترتيب كتاب المزني، ثمّ خلط و أظهر مذهب المخمّسة (1)، و صنّف كتبا في الغلوّ و التخليط، و له مقالة تنسب إليه (2).

و قال النجاشي قدّس سرّه: عليّ بن أحمد أبو القاسم الكوفيّ، رجل من أهل الكوفة، كان يقول: إنّه من آل أبي طالب، غلا في آخر عمره، و صنّف كتبا كثيرة، أكثرها علي الفساد:

كتاب الأنبياء، كتاب الأوصياء، كتاب البدع المحدثة، كتاب التبديل و التحريف، كتاب تحقيق اللسان في وجوه البيان، كتاب الاستشهاد، كتاب تحقيق ما ألّفه البلخي من المقالات، كتاب منازل النظر و الاختيار، كتاب أدب النظر و التحقيق، كتاب تناقض أحكام المذاهب الفاسدة- تخليط كلّه- كتاب

ص: 163


1- المخمسة: من فرق غلاة الشيعة و هم منهم براء، ملعونون لديهم، إذ يعتقدون ان اللّه تعالي أو كل ادارة مصالح العباد إلي خمسة: سلمان- و هو رئيسهم- و المقداد و عمار و أبو ذر و عمرو بن أمية الضمري. و هناك مخمسة آخرون ملقبون في كتب الفرق بالخطابية أتباع أبو الخطاب، هم غلاة ملعونون، تبرأ الشيعة الاثني عشرية منهم يعتقدون ان اللّه تعالي ظهر بصورة النبي، و النبي ظهر بخمسة صور هي محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام.
2- فهرست الشيخ: 91/ 379.

الأصول في تحقيق المقالات، كتاب الابتداء، كتاب معرفة وجوه الحكمة، كتاب معرفة ترتيب ظواهر الشريعة، كتاب التّوحيد، كتاب مختصر في فضل التوبة، كتاب في تثبيت نبوّة الأنبياء، كتاب مختصر في الإمامة، كتاب مختصر في الأركان الأربعة، كتاب الفقه علي ترتيب المزني، كتاب الآداب و مكارم الأخلاق، كتاب فساد أقاويل الإسماعيليّة، كتاب الردّ علي أرسطاطاليس، كتاب المسائل و الجوابات، كتاب فساد قول البراهمة، كتاب تناقض أقاويل المعتزلة، كتاب الردّ علي محمد بن بحر الرهني، كتاب الفحص عن مناهج الاعتبار، كتاب الاستدلال في طلب الحقّ، كتاب تثبيت المعجزات، كتاب الردّ علي من يقول إنّ المعرفة من قبل الموجود، كتاب إبطال مذهب داود بن عليّ الأصبهاني، كتاب الردّ علي الزيديّة، كتاب تحقيق وجوه المعرفة، كتاب ما تفرّد به أمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل، كتاب الصلاة و التسليم علي النبيّ و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما و آلهما، كتاب الرسالة في تحقيق الدلالة، كتاب الردّ علي أصحاب الاجتهاد في الأحكام، كتاب في الإمامة، كتاب فساد الاختيار، رسالة الي بعض الرّؤساء، الردّ علي المثبتة، كتاب الراعي و المرعي، كتاب الدلائل و المعجزات، كتاب ماهيّة النفس، كتاب ميزان العقل، كتاب إبّان حكم الغيبة، كتاب الرّد علي الإسماعيليّة في المعاد، كتاب تفسير القرآن- يقال: إنّه لم يتمه- كتاب في النفس.

هذه جملة الكتب التي أخرجها ابنه أبو محمد.

توفّي أبو القاسم بموضع يقال له: كرمي (1)، من ناحية فسا، و بين هذه الناحية و بين فسا خمسة فراسخ، و بينها و بين شيراز نيف و عشرون فرسخا، توفّي في جمادي الأولي، سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة، و قبره بكرمي بقرب الخانظ.

ص: 164


1- في حاشية المخطوطة منه قدس سره: في رياض العلماء: لعلّ مراده بكرمي هو آب كرم و هو بقرب بلدة فسا، فلاحظ.

و الحمّام، أوّل ما يدخل كرمي من ناحية شيراز، و آخر ما صنّف مناهج الاستدلال.

و هذا الرجل يدّعي له الغلاة منازل عظيمة، و ذكر الشريف أبو محمد المحمّدي رحمه اللّه أنّه رآه (1).

و قال العلّامة في الخلاصة: عليّ بن أحمد الكوفي، يكنّي أبا القاسم، قال الشيخ الطوسي طاب ثراه فيه: إنّه كان إماميّا مستقيم الطريقة، صنّف كتبا كثيرة سديدة، و صنّف كتبا في الغلوّ و التخليط، و له مقالة تنسب إليه.

قال النجاشي: إنّه كان يقول: إنّه من آل أبي طالب، و غلا في آخر عمره و فسد مذهبه، و صنّف كتبا كثيرة أكثرها علي الفساد، توفّي بموضع يقال له كرمي، بينه و بين شيراز نيّف و عشرون فرسخا، في جمادي الأولي، سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة، و هذا الرجل يدّعي له الغلاة منازل عظيمة.

و قال ابن الغضائري: عليّ بن أحمد أبو القاسم الكوفي، المدّعي العلويّة، كذّاب غال، صاحب بدعة و مقالة، و رأيت له كتبا كثيرة، لا يلتفت إليه.

و أقول: و هذا هو المخمّس، صاحب البدع المحدثة، و ادّعي أنّه من بني هارون بن الكاظم عليه السلام، و معني التخميس عند الغلاة- لعنهم اللّه تعالي- أنّ سلمان الفارسي، و المقداد، و عمّار، و أبا ذر، و عمرو بن أميّة الضمري، هم الموكّلون بمصالح العالم، تعالي اللّه عن ذلك علوّا كبيرا (2)، انتهي.

و قد تلخّص من كلماتهم أنّه كان إماميّا مستقيما، من أهل العلم و الفضل، و المؤلّفات السديدة، ثمّ غلا و صار من المخمّسة في آخر عمره، فلو كان الكتاب المذكور في حال الاستقامة، ما كان في تخليطه بعده وهن في0.

ص: 165


1- رجال النجاشي: 265/ 691.
2- الخلاصة: 233/ 10.

الكتاب، و هذا ظاهر لمن نظر فيه، و ليس فيه ممّا يتعلّق بالغلوّ و التخليط شي ء، بل و ممّا يخالف الإماميّة، إلّا في مسألة تحديد حدّ شارب الخمر بالثمانين، و كم له نظائر من أصحابنا، بل هو في أسلوبه، و وضعه، و مطالبه من الكتب المتقنة البديعة، الكاشفة عن علوّ مقام فضل مؤلّفه، و لذا اعتمد عليه علماء أعلام مثل ابن شهرآشوب في مناقبه (1)، و في معالمه إشارة الي ذلك كما لا يخفي علي النّاظر اللّبيب (2)، و الشيخ يونس البياضي في كتاب الصراط المستقيم (3)، بل و كلام العلّامة يشير إلي أنّه من الكتب المعروفة بين الإماميّة، و القاضي في الصوارم المهرقة (4) و غيرهم.

و في رياض العلماء: و هذا السيّد قد ذكره علماء الرجال، لكن قدحوا فيه جدّا، إلّا أنّه قد ألّف في زمان استقامة أمره كتبا عديدة، علي طريقة الشّيعة الإماميّة، منها: كتاب الإغاثة في بدع الثلاثة، و يقال له كتاب الاستغاثة، و كتاب البدع المحدثة أيضا- إلي أن قال- و بالجملة من مؤلّفات هذا السيّد كتاب تثبيت المعجزات في ذكر معجزات الأنبياء جميعا، و لا سيّما نبيّنا صلّي اللّه عليه و آله، و قد ألّف الشيخ حسين بن عبد الوهّاب- المعاصر للسيّد المرتضي رحمه اللّه و الرضي رضي اللّه عنه- تتميما لكتابة هذا كتابه المعروف بكتاب عيون المعجزات في ذكر معجزات فاطمة و الأئمة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم، و إن ظنّ الأستاذ (5) الاستناد، و جماعة أيضا كون عيون المعجزات للسيّد المرتضي، و قد سبق وجه بطلان هذا الحسبان في ترجمة الحسين بن عبد الوهاب المذكور.ي.

ص: 166


1- المناقب 2: 364.
2- معالم العلماء: 64/ 436.
3- منها في 2: 17 من الصراط المستقيم.
4- الصوارم المهرقة: 20.
5- حاشية المخطوطة: يعني العلامة المجلسي.

قال الشيخ حسين بن عبد الوهاب- المشار إليه- في أواخر كتاب عيون المعجزات، ما هذا لفظه: و كنت حاولت أن اثبت في صدر هذا الكتاب البعض من معجزات سيّد المرسلين، و خاتم النبيّين صلّي اللّه عليه و آله الطاهرين الطيّبين، فوجدت كتابا ألّفه السيّد أبو القاسم عليّ بن أحمد بن موسي ابن محمد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، سمّاه، تثبيت المعجزات، و قد أوجب في صدره بطريق النظر و الاختيار، و الدليل و الاعتبار، كون معجزات الأنبياء و الأوصياء صلوات اللّه عليهم أجمعين، بكلام بيّن، و حجج واضحة، و دلائل نيّرة، لا يرتاب فيها إلّا ضالّ غافل غويّ، ثمّ أتبعها المشهور من المعجزات لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و ذكر في آخرها أنّ معجزات الأئمّة الطاهرة صلوات اللّه عليهم أجمعين زيادة تنساق في أثرها، فلم أر شيئا في آخر كتابه هذا، الّذي سمّاه كتاب تثبيت المعجزات، و تفحّصت عن كتبه و تأليفاته التي عندي و عند إخواني المؤمنين- أحسن اللّه توفيقهم- فلم أر كتابا اشتمل علي معجزات الأئمّة الطاهرة صلوات اللّه عليهم، و تفرّد الكتاب بها، فلمّا أعياني ذلك استخرت اللّه تعالي، و استعنت به في تأليف شطر وافر من براهين الأئمّة الطاهرة عليهم السلام. إلي آخره.

قال رحمه اللّه: ثمّ اعلم أنّ علماء الرجال قد ذمّوه ذمّا كثيرا كما سنفصّله، و لذلك لا يليق بنا إيراد ترجمته في القسم الأوّل من كتابنا هذا، و لكن دعاني الي ذلك أمران.

الأوّل: اعتماد مثل الشيخ حسين بن عبد الوهاب- الذي هو أبصر بحاله- عليه و علي كتابه، و تأليف كتاب تتميما لكتابة.

الثاني: أنّ كتبه جلّها، بل كلّها معتبرة عند أصحابنا، حيث كان في أوّل أمره مستقيما محمود الطريقة، و قد صنّف كتبه في تلك الأوقات، و لذلك اعتمد علماؤنا المتقدمون علي كثير منها، إذ كان معدودا من جملة قدماء علماء الشيعة

ص: 167

برهة من الزمان (1).

و نقل رحمه اللّه في موضع آخر عن الحسين بن عبد الوهّاب، أنّه قال في موضع من كتاب عيون المعجزات: و قرأت من خطّ نسب الي أبي عمران الكرماني، تلميذ أبي القاسم عليّ بن أحمد الموسوي الكوفي رضي اللّه عنه (سمع أبا القاسم رضي اللّه عنه (2) يذكر أنّ التوقيعات تخرج علي يد عثمان أبي (3) عمرو العمري، و كان السّفير بين الصّاحب عليه السلام و الشيعة (4).

إلي آخره.

و في موضع آخر، و من كتاب الاستشهاد: قال أبو القاسم عليّ بن أحمد الكوفي- رضي اللّه عنه- أخبرنا جماعة من مشايخنا الّذين خدموا بعض الأئمّة عليهم السلام، عن قوم جلسوا لعليّ بن محمد عليهما السلام (5). إلي آخره، انتهي ما أردنا نقله من الرياض، و ينبغي التنبيه علي أمرين:

الأوّل: في أنّه سيّد رضويّ، ينتهي نسبه الي موسي بن محمد الجواد عليه السلام، كما صرّح به في عيون المعجزات.

أو موسوي ينتهي نسبه الي هارون بن الكاظم عليه السلام، كما أشار إليه في الخلاصة (6).

أو ليس بعلويّ هاشميّ، كما يشير إليه كلام ابن الغضائري.

و هذا أمر لا يهمّنا تحقيقه، و لا يعود لصرف العمر فيه فائدة لكتابنا هذا، و لذا أعرضنا عنه.3.

ص: 168


1- رياض العلماء 3: 355.
2- ما بين قوسين لم ترد في المخطوطة.
3- في المخطوطة و الحجرية: ابن.
4- لم نجده في الرياض و ما في كتاب عيون المعجزات: 143 باختلاف.
5- لم نجده في القسم المطبوع فلاحظ.
6- رجال العلامة: 233.

الثاني: إنّك قد عرفت تصريح الجماعة بأنّ كتاب البدع المحدثة- المعروف بالاستغاثة- لأبي القاسم الكوفي، كالنجاشي، و العلامة، و السروي، و البياضي، و يلائم سند بعض أخباره طبقته ففي أوّل بدع الثاني: و في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام، برواية الأئمّة من ولده صلوات اللّه عليهم (من المرفق و الي الكعبين)، حدّثنا بذلك عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام (1).

الخبر، فهو في طبقة الكليني رحمه اللّه و أضرابه، و يشير في الكتاب أحيانا الي كتابه، كتاب الأوصياء (2) الذي صرّح النجاشي بأنّه له.

و قال في أواخر الكتاب، في تحقيق أنّ المقتول في يوم الطفّ عليّ بن الحسين الأكبر أو الأصغر- لمناسبة- ما لفظه: فمن كان من ولد الحسين عليه السلام قائلا بالإمامة بالنصوص، يقول إنّهم من ولد عليّ الأكبر ابن الحسين عليه السلام، و هو الباقي بعد أبيه، و إنّ المقتول الأصغر منهما، و هو قولنا و به نأخذ، و عليه نعوّل ثمّ نقل القول الآخر و نسبه إلي الزيديّة، و طعن عليهم- إلي أن قال- و إنّما أكثر ما بينهم و بينه من الآباء في عصرنا هذا، ما بين ستّة آباء أو سبعة، فذهب عنهم أو عن أكثرهم معرفة من هم من ولده من الأخوين (3).

إلي آخره، و هذا أيضا لا يلائم إلّا الطبقة المذكورة.

فمن الغريب بعد ذلك نسبة هذا الكتاب الي المحقّق ميثم بن عليّ البحراني، ففي الفصل الأوّل من أوّل البحار: كتاب شرح نهج البلاغة، و كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة، للحكيم المدقّق العلّامة كمال الدين ميثم بن3.

ص: 169


1- الاستغاثة: 29 هامش 1، و فيه بدل ما بين القوسين (من المرافق- و من الكعبين).
2- الاستغاثة: 8 و 22 و 116، و غيرها.
3- الاستغاثة: 83.

عليّ بن ميثم البحراني (1). و في الفصل الثاني: و المحقّق البحراني من أجلّة العلماء و مشاهيرهم، و كتاباه في غاية الاشتهار، انتهي (2).

و لولا كلامه الأخير لاحتملنا كما في الرياض، أن يكون لابن ميثم أيضا كتاب سمّاه بالاستغاثة، فإنّ الاشتراك في أسامي الكتب غير عزيز، و لكنّ الكتاب المتداول المعروف ليس من مؤلّفاته قطعا لما عرفت.

قال المحقّق المحدّث البحراني في اللّؤلؤة بعد نقل ترجمة ابن ميثم، عن رسالة السلافة البهيّة في الترجمة الميثميّة، لشيخه العلّامة الشيخ سليمان البحراني، و عدّ الكتاب المذكور من مؤلّفاته، و توصيفه بأنّه لم يعمل مثله ما لفظه:

ثم إنّ ما ذكره شيخنا المذكور من نسبة كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة للشيخ المشار إليه غلط قد تبع فيه من تقدّمه، و لكن رجع عنه أخيرا فيما وقفت عليه من كلامه، و بذلك صرّح تلميذه الصالح الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني رحمه اللّه، و إنّما الكتاب المذكور كما صرّحا به لبعض قدماء الشيعة من أهل الكوفة، و هو عليّ بن أحمد أبو القاسم الكوفي، و الكتاب يسمّي كتاب البدع المحدثة، ذكره النجاشي في جملة كتبه، و لكن اشتهر في ألسنة الناس تسميته بالاسم الأوّل، و نسبته للشيخ ميثم، و من عرف سليقة الشيخ ميثم في التصنيف، و لهجته و أسلوبه في التأليف، لا يخفي عليه أنّ الكتاب المذكور ليس جاريا علي تلك اللّهجة، و لا خارجا من تلك اللجّة (3)، انتهي.

و بعد الوقوف علي ما أشرنا إليه من القرائن و الحجّة، لا وقع للتشبّث باللّهجة، فإنّه لغريق صار في غمرات اللجّة.

و أغرب من جميع ذلك أنّ الفاضل المتبحّر الشيخ عبد النبيّ الكاظمي في0.

ص: 170


1- بحار الأنوار 1: 19.
2- بحار الأنوار 1: 37.
3- لؤلؤة البحرين: 260.

تكملة الرجال، في ترجمة عليّ بن الحسين الأصغر عليه السلام قال: في كتاب الاستغاثة لبدع الثلاثة للشيخ ميثم البحراني، قال: و كان للحسين عليه السلام ابنان، و نقل بعض ما في الكتاب إلي قبيل العبارة التي نقلناها، و هي قوله: و إنّما أكثر ما بينهم- يعني السادات- و بينه- يعني الحسين عليه السلام- من الآباء في عصرنا هذا ما بين ستّة آباء أو سبعة. إلي آخره (1).

و لم يلتفت أنّه لا يمكن أن يكون بين من في عصر ابن ميثم من السادة و بينه عليه السلام ستة أو سبعة بحسب العادة، فإنّ بينهما قريبا من ستمائة سنة، و لنذكر نسب واحد من السادة المعاصرين لابن ميثم، و هو رضيّ الدين عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاوس بن إسحاق بن محمّد ابن سليمان بن داود بن الحسن المثني بن الحسن المجتبي عليه السلام، و اللّه الهادي.9.

ص: 171


1- تكملة الكاظمي 2: 159.

28- كتاب الآداب و مكارم الأخلاق:

له أيضا، و هو كتاب لطيف، بديع في فنّه، ذكر فيه الأخلاق الحسنة، و الصّفات الذميمة، يبتدئ في كلّ خصلة بالأخبار المأثورة عن النبيّ و الأئمّة عليهم السلام، ثم يذكر كلمات الحكماء، و يختم بأبيات رائقة انشدت فيها، و هو كسابقه في الخلوّ عمّا يوهم التخليط و الغلوّ، و قد عثرنا علي نسخة عتيقة منه، إلّا أنّها ناقصة في مواضع منها.

و في الرياض: و من مؤلّفاته أيضا كتاب في الآداب و مكارم الأخلاق، و هو كتاب جيّد حسن، رأيت نسخة عتيقة منه بقطيف بحرين، و قد قال في أوّله: أنّه ألّف كتبا كثيرة في العلوم و الآداب و الرّسوم، و عندنا أيضا منه نسخة (1).

و قال في موضع آخر: و عندنا من كتبه كتاب الأخلاق حسنة الفوائد (2).

ص: 172


1- رياض العلماء 3: 359.
2- رياض العلماء 3: 340.

29- كتاب النوادر:

هو تأليف السيّد الإمام الكبير ضياء الدين أبي الرضا، فضل اللّه بن علي بن عبيد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه بن محمد بن أبي الفضل عبيد اللّه بن الحسن بن عليّ بن محمد السيلق بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثني بن الحسن المجتبي عليه السلام- الراوندي الكاشاني-.

وصفه العلامة في إجازة بني زهرة، بالسيّد الإمام (1).

و في فهرست الشيخ منتجب الدين: علامة زمانه، جمع مع علوّ النسب كمال الفضل و الحسب، و كان أستاذ أئمّة عصره (2).

قال أبو سعد السمعاني في كتاب الأنساب: لمّا وصلت إلي كاشان قصدت زيارة السيّد أبي الرضا المذكور، فلمّا انتهيت إلي داره (وقفت علي الباب هنيئة) (3) انتظر خروجه، فرأيت مكتوبا علي طراز الباب هذه الآية المشعرة بطهارته و تقواه: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (4) فلمّا اجتمعت به، رأيت منه فوق ما كنت أسمعه عنه، و سمعت منه جملة من الأحاديث، و كتبت عنه مقاطيع من شعره، و من جملة إشعاره التي كتبها لي بخطّه الشريف هذه الأبيات:

هل لك يا مغرور من زاجر أو حاجز عن جهلك الغامر

أمس تقضّي و غدا لم يجئ و اليوم يمضي لمحة الباصر

ص: 173


1- بحار الأنوار 107: 135.
2- فهرست منتخب الدين: 143/ 335.
3- في حاشية المخطوطة نسخة بدل عنها: قرعت الحلقة و قعدت علي الدكة.
4- الأحزاب 33: 33.

فذلك العمر كذا ينقضي ما أشبه الماضي بالغابر (1)

انتهي.

و بالجملة هو من المشايخ العظام الذي تنتهي كثير من أسانيد الإجازات إليه، و هو تلميذ الشيخ أبي عليّ بن شيخ الطائفة قدس سره، و يروي عن جماعة كثيرة من سدنة الدين، و حملة الأخبار، و له تصانيف تشهد بفضله و أدبه، و جمعه بين موروث المجد و مكتسبه، و منه انتشرت الأدعية الجليلة المعروفة بأدعية السرّ، و هو صاحب ضوء الشّهاب في شرح الشهاب، الذي أكثر عنه النقل في البحار، و يظهر منه كثرة تبحّره في اللّغة و الأدب، و علوّ مقامه في فهم معاني الأخبار، و طول باعه في استخراج مأخذها.

و شرح حاله، و عدّ مؤلّفاته، و ذكر مشايخه و رواته، يطلب من رياض العلماء (2)، و غيره و ما يأتي إن شاء اللّه تعالي في ترجمته، في الفائدة الآتية (3) و غيره.

قال الفاضل السيّد علي خان في الدرجات الرفيعة: و قد وقفت علي ديوان هذا السيّد الشريف، فرأيت فيه ما هو أبهي من زهرات الربيع، و أشهي من ثمرات الخريف، فاخترت منه ما يروق سماعه لاولي الألباب، و يدخل الي المحاسن من كلّ باب (4)، ثمّ ساق جملة منها.

ثمّ لا يخفي انّا قد ذكرنا شطرا ممّا يتعلّق بكتاب النوادر في شرح حال الجعفريات، و لنذكر بعض ما يتعلّق بسند أوّله، فنقول: قال في صدر الكتاب، كما في نسختي و كذا نقله في البحار: أخبرني السيّد الإمام ضياء7.

ص: 174


1- أنساب السمعاني 10: 18 باختلاف.
2- رياض العلماء 4: 364.
3- يأتي في الفائدة الثالثة عند ذكر مشايخ ابن شهرآشوب.
4- الدرجات الرفيعة: 507.

الدين، سيّد الأئمّة، شمس الإسلام، تاج الطالبيّة، ذو الفخرين، جمال آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، أبو الرّضا فضل اللّه بن علي بن عبيد اللّه الحسني الراوندي- حرس اللّه جماله و أدام فضله- قال: أخبرنا الإمام الشهيد أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني- إجازة و سماعا- أخبرني الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن الحسن التميمي البكري- إجازة، أو سماعا- حدّثنا أبو محمد سهل بن أحمد الديباجي، قال: حدّثنا أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي. إلي آخر ما تقدّم (1).

و قد مرّ أيضا شرح حال جملة من رجال هذا السند.

و أمّا أبو المحاسن: ففي رياض العلماء: الشيخ الإمام أبو المحاسن، القاضي فخر الإسلام، الشهيد عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الطبري الروياني، كان من أجلّة علماء حلب، و لكن كان يتّقي، و إن ظنّ أنّه من علماء الشافعيّة، و كان في ابتداء أمر الباطنيّة، و كان يطعن فيهم و لذلك قتلوه، و كان من مشايخ السيّد فضل اللّه الراوندي و نظرائه، فكان من المتأخّرين عن المفيد قدس سره بدرجتين، بل درجات، إلّا أنّه قد يظهر من بعض المواضع أنّه كان من مشايخ المفيد، و هو غريب فلاحظ.

و يروي عن جماعة كثيرة، منهم الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن الحسن التميمي البكري، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الأشعث، كما يظهر من كتاب نوادر الراوندي.

ثم إنّه وقع في بعض أحاديث كتاب الأربعين للشيخ منتجب الدين صاحب الفهرس، هكذا: أخبرنا أبو النجيب سعيد بن محمد بن أبي بكر الحمامي- بقراءتي عليه- أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حازم الركاب، حدّثنا أبو4.

ص: 175


1- بحار الأنوار 1: 54.

معمّر جعفر بن عليّ الوزان (1).

(حيلولة): و أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أبي القاسم الحصيري- قراءة عليه- أخبرنا أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، قالا: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن شجاع بن محمد المصقلي الحافظ. إلي آخره.

و في موضع آخر منه: أخبرنا أبو الفتوح محمود بن محمد بن عبد الجبار المذكر الهرمز دياري السّروي، ثم الجرجاني- قدم علينا الريّ قراءة عليه- أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني (2). إلي آخره.

قال: و قد نقل بعض الأفاضل أنّ الشيخ أبا المحاسن هذا أوّل من أفتي بإلحاد الطائفة الباطنيّة، حيث كانوا يقولون بأنّه لا بدّ من معلّم يعلّم الناس الطريق الي اللّه تعالي، و كان ذلك المعلّم يقول لا يجب عليكم إلّا طاعتي، و ما سوي ذلك إن شئتم فافعلوا و إن شئتم فلا تفعلوا، و لمّا جاء هذا الشيخ الي قزوين أفتي بإلحادهم، و وصي لأهل قزوين التجنّب عنهم حين كان بينهم و [بين] (3) الباطنيّة اختلاط، و قال: إن وقع بينكم و بينهم اختلاط ففيهم قوم عندهم حيل يخدعون بعضكم، و إذا خدعوا بعضكم وقع الاختلاف و الفتنة، و الأمر كان علي ما أشار إليه هذا الشيخ، و قال: إن جاء من ذلك الجانب طائر فاقتلوه، فلمّا عاد هذا الشيخ إلي بلدة رويان (4)، بعث الباطنيّة بعض الفدائيّة».

ص: 176


1- في المخطوطة: الوازن، و قد أثبتنا ما في الحجرية و المصدر.
2- الأربعون حديثا عن الأربعين: 24/ 5، 20/ 2.
3- أثبتناه من المصدر.
4- قال السيد الداماد في حواشي اختيار الكشي [1: 40] الروياني: نسبة إلي رويان- بضم الراء قبل الواو الساكنة، و الياء المثناة من تحت قبل الألف، و النون بعدها- بلد بطبرستان. قال الفاضل البيرجندي بينه و بين قزوين ستة عشر فرسخا. و في القاموس [4: 230، مادة: الرين]: محلة بالري، و قرية بحلب، و بلد بطبرستان منه الإمام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل، انتهي «منذ مد ظله العالي».

كما هو دأب هؤلاء الملاعين، فقتله غيلة بالخفية، و قد عاش سعيدا و مات حميدا.

و قال ابن الأثير الجزري في الكامل: إنّ القاضي الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن، عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري، الفقيه الشافعي، كان مولده سنة خمس عشرة و أربعمائة، و قتل في محرّم سنة اثنتين و خمسمائة، و كان حافظا للمذهب، و يقول: لو أحرقت كتب الشافعي لأمليتها من قلبي، انتهي (1).

و أقول: و الحقّ أنّ الروياني كان يعمل بالتقيّة، فلذلك قد ظنّ به العامّة كونه من الشافعيّة انتهي ما أردنا نقله من الرياض (2).

و صرّح ابن شهرآشوب في المناقب: إنّ جدّه شهرآشوب يروي عن القاضي أبي المحاسن الروياني (3).

و أمّا الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن الحسن التميمي البكري، فلم أجد له ترجمة، و الظاهر أنّه من مشايخ الإجازة، ذكروه لمجرّد اتّصال السند الي كتاب علم انتسابه إلي مؤلّفه، فلا يضرّ الجهل بحاله، أو هو من علائم الوثاقة إن اعتمدوا عليه في الانتساب، و اللّه العالم.0.

ص: 177


1- الكامل لابن الأثير 1: 473.
2- رياض العلماء 3: 276- 278.
3- مناقب ابن شهرآشوب 1: 10.

30- كتاب روض الجنان:

و هو التفسير الكبير، للشيخ الجليل أبي الفتوح الحسين بن عليّ بن محمد ابن أحمد الخزاعي، الرازي، النيشابوري، قدوة المفسرين، من مشايخ الشيخ منتجب الدين و ابن شهرآشوب.

ذكراه في الفهرست (1) و المعالم، و في الثاني: إنّ تفسيره فارسي (2)، إلّا أنّه عجيب.

قال في الرياض: و أمّا تفسيره الفارسي فهو من أجلّ- الكتب، و أفيدها و أنفعها، و قد رأيته فرأيت بحرا طمطاما، قال: و كان هو، و ولده الشيخ الإمام تاج الدين محمد، و والده، و جدّه القريب، و جدّه الأعلي الشيخ أبو بكر أحمد، و عمّه الأعلي و هو الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر أحمد المذكور، كلّهم من مشاهير العلماء.

و بالجملة هؤلاء سلسلة معروفة من علماء الإماميّة، و لكلّ واحد منهم تأليفات جياد، و تصنيفات عديدة حسان (3)، انتهي.

و هذا التفسير العجيب في عشرين مجلّدا، و فيه أخبار كثيرة تناسب أبواب كتابنا هذا، إلّا أنّه لكونه بالفارسيّة، و يحتاج نقله إلي الترجمة ثانيا بالعربيّة، و يخاف منها فوات بعض مزايا الأخبار، لم نرجع إليه إلّا قليلا، و قد ينقل الخبر بمتنه ثم يترجمه، فأخرجناه سالما و الحمد للّه.

ص: 178


1- فهرست منتجب الدين: 173/ 424.
2- معالم العلماء: 141/ 987.
3- رياض العلماء 2: 158.

31- رسالة تحريم الفقاع:

للشيخ الأجلّ الأعظم أبي جعفر الطوسي قدس سره، و جلالة قدر صاحبها تغني عن التعرّض لحاله.

ص: 179

32- كتاب معدن الجواهر:

للشيخ الجليل أبي الفتح محمد بن عليّ بن عثمان بن عليّ الكراجكي، الفقيه المتكلّم، الذي يعبّر عنه الشهيد قدس سره في الدروس بالعلّامة (1)، تلميذ شيخنا المفيد و السيّد المرتضي قدس سرهما، صاحب كتاب كنز الفوائد الذي طابق اسمه معناه، و هذا الكتاب علي حذو كتاب القرائن من كتب المحاسن، و كتاب الخصال، إلّا أنّه لم يتجاوز فيه من أبواب العشرة، و زاد بعد نقل الأخبار ما يناسبها من كلمات العلماء الأخيار.

ص: 180


1- الدروس 1: 152.

33- كتاب لبّ اللباب أو اللباب:

للشيخ الفقيه، المحدّث النبيه، سعيد بن هبة اللّه، المدعو بالقطب الراوندي صاحب الخرائج، و شارح النهج، اختصره من كتاب فصول نور الدين عبد الوهاب الشعراني العامي، لخصه و ألقي ما فيه من الزخارف و الأباطيل. و قد رأيت المجلّد الثاني من الفصول في المشهد الرضوي عليه السلام يقرب من تمام كتاب اللّباب، و هذا كتاب حسن كثير الفوائد، مشتمل علي مائة و خمسة و خمسين مجلسا، في تفسير مثلها من الآيات علي ترتيب القرآن.

و في الرياض: و له كتاب تلخيص فصول عبد الوهاب في تفسير الآيات و الروايات، مع ضمّ الفوائد و الأخبار من طرق الإماميّة، قد رأيته في بلدة أردبيل، و هو كتاب حسن، انتهي (1).

و هو داخل في فهرست البحار، قال قدس سره: و كتاب اللّباب المشتمل علي بعض الفوائد (2). لكنّه رحمه اللّه غفل عنه فلم ينقل عنه في البحار، و الظاهر أنّه لم يكن عنده وقت تأليفه، كما يظهر من المكتوب الذي أرسله إليه بعض تلامذته، و أدرجه في آخر إجازات البحار، في استدراك ما فاته من الكتب الموجودة و غير ذلك، ثمّ استدرك رحمه اللّه بعضا و ترك بعضا. و في المكتوب:

و شرحا النهج للراونديّين قد نقلتم عنهما في كتاب الفتن و غيره، من كتب البحار، و كتاب اللّباب للأوّل عند الأمير زين العابدين بن سيّد المبتدعين عبد الحسيب، حشره اللّه مع جدّه القمقام يوم الدين (3). إلي آخره.

و بالجملة فاعتبار الكتاب يعرف من اعتبار مؤلّفه، الذي هو في المقام فوق ما يصفه مثلي بالقلم، أو اللّسان.

ص: 181


1- رياض العلماء 2: 421.
2- بحار الأنوار 1: 31.
3- بحار الأنوار 110: 168.

34- كتاب الدعوات:

له أيضا سمّاه سلوة الحزين، قال في البحار: وجدنا منه نسخة عتيقة، و فيه دعوات موجزة شريفة، مأخوذة من الأصول المعتبرة، علي أنّ الأمر في سند الدعاء هيّن (1)، انتهي.

قلت: ليس هو مقصورا علي الأدعية، بل فيه ممّا يتعلّق بحالتي الصحّة و المرض، و آداب الاحتضار، و ما يتعلّق بما بعد الموت، و فوائد كثيرة، و نوادر عزيزة.

و ممّا يجب التنبيه عليه في هذا المقام، انّني كنت معتقدا في سالف الزمان، أنّ هذا الكتاب من تأليف السيّد فضل اللّه الراوندي المتقدّم ذكره، و نسبته إليه في كلّ مقام نقلت منه فيما برز منّي، كدار السلام، و النجم الثاقب و غيرهما، و قد ظهر لي من بعد ذلك أنّه للقطب الراوندي و هذا اشتباه لا يترتّب عليه أثر، و لا يضعّف به خبر، لأنّ كلاهما من أجلّة المشايخ و أساتيذ العصر، إلّا أنّه يوجد في النفس بعد التنبيه انكسار لا بدّ من جبره، و لا جابر إلّا الالتفات الي ما وقع لمولانا العلامة المجلسي رحمه اللّه في هذا المقام من الاشتباه، و اختلاط كتب هذين العالمين الراونديّين عليه، و نسبته تأليف أحدهما إلي الآخر.

و لحسن الظنّ به اعتمدنا عليه و لم نراجع المأخذ، فوقعنا فيما وقعنا مع إنّه رحمه اللّه جذيلها المحكّك و عذيقها المرجّب. فقال في الفصل الأوّل: و كتاب الخرائج و الجرائح، للشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي، و كتاب قصص الأنبياء له أيضا، علي ما يظهر من أسانيد الكتاب و اشتهر أيضا، و لا يبعد أن يكون تأليف فضل اللّه بن عليّ بن عبيد اللّه الحسني الراوندي، كما يظهر من بعض أسانيد السيّد ابن طاوس قدس سره.

ص: 182


1- بحار الأنوار 1: 31.

و قد صرّح بكونه منه في رسالة النجوم، و كتاب فلاح السائل، و الأمر فيه هيّن لكونه مقصورا علي القصص، و أخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق.

و كتاب فقه القرآن للأوّل أيضا. و كتاب ضوء الشهاب، شرح شهاب الأخبار للثاني فضل اللّه- رحمه اللّه- و كتاب الدعوات، و كتاب اللّباب، و كتاب شرح نهج البلاغة، و كتاب أسباب النزول له أيضا، انتهي (1).

و ظاهر العبارة بل صريحها أنّ الكتب الأربعة الأخيرة للسيّد الراوندي لا لقطبها، إذ عود ضمير «له» إليه مستهجن جدّا، إذ لا وجه لتوسيط ذكر كتاب ضوء الشهاب الذي هو من مؤلّفات السيد.

و قد تفطّن صاحب الرياض الي هذا الاشتباه، و أشار إليه في ترجمتهما، و صرّح هو و غيره بأنّ الكتب الأربعة للقطب لا له (2).

و العجب أنّ العلّامة المذكور قال في الفصل الثاني في شرح حال الكتب المذكورة: و كتاب ضوء الشهاب كتاب شريف، مشتمل علي فوائد جمّة، خلت عنها كتب الخاصّة و العامّة، و كتاب اللّباب المشتمل علي بعض الفوائد، و شرح النهج مشهور معروف، رجع إليه أكثر الشرّاح، و كتاب أسباب النزول فيه فوائد، انتهي (3).

و فيه أيضا تأكيد لما ذكرنا، مع أنّ شرح النهج المتداول غير خفيّ أنّه للقطب، فراجع.1.

ص: 183


1- بحار الأنوار 1: 12.
2- رياض العلماء 2: 429، و 4: 365.
3- بحار الأنوار 1: 31.

35- كتاب فقه القرآن:

و هو بعينه كتاب آيات الأحكام له أيضا، و هو من نفائس الكتب النافعة الجامعة، الكاشفة عن جلالة قدر مؤلّفها، و علوّ مقامه في العلوم الدينيّة، و قد عثرنا- بحمد اللّه تعالي- علي نسخة عتيقة منه، كتب في آخره: كتبه سعيد بن هبة اللّه بن الحسن، في محرّم سنة اثنتين و ستّين و خمسمائة، حامدا لربّه، و مصلّيا علي محمّد و آله- إلي هنا كلام المصنّف رحمه اللّه- و تمّ الكتاب علي يد العبد الفقير الي اللّه تعالي، الحسن بن الحسين بن الحسن (السدّ السوي) (1) ناقلا عن خطّ المصنّف إلّا قليلا، أواسط صفر، ختم بالخير و الظفر، شهور سنة أربعين و سبعمائة هجريّة، بمدينة قاشان. إلي آخره.

قال في الرياض: ثمّ إنّ القطب الراوندي قدس سره هو أوّل من شرح نهج البلاغة، و أوّل من ألّف تفسير آيات الأحكام، فلاحظ (2).

قلت: أمّا الثاني فالظاهر أنّه كما ذكره، و أمّا النهج فأوّل من شرحه أبو الحسن البيهقي (3) و هو حجّة الدين، فريد خراسان، أبو الحسن بن أبي القاسم زيد- صاحب لباب الألباب، و حدائق الحدائق، و غيرها- ابن محمد ابن عليّ البيهقي، من أولاد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين.

قال في أوّل شرحه: قرأت كتاب نهج البلاغة علي الإمام الزاهد الحسن ابن يعقوب بن أحمد القاري، و هو و أبوه في فلك الأدب قمران، و في حدائق

ص: 184


1- هكذا في الحجرية، و في المخطوطة غير مقروءة و قد علم فيهما عليها ب: كذا.
2- رياض العلماء 2: 421.
3- فيه تأمل، إذ الظاهر ان أول من شرحه هو علي بن الناصر- المعاصر للسيد الرضي- و هو من أخصر و أتقن الشروح، سماه أعلام نهج البلاغة، راجع الذريعة 2: 240.

الورع ثمران، في شهور سنة ستّ عشرة و خمسمائة، و خطّه شاهد لي بذلك- إلي أن قال- و لم يشرح قبلي من كان من الفضلاء السابقين هذا الكتاب بسبب موانع (1). إلي آخره.4.

ص: 185


1- معارج نهج البلاغة: 2- 4.

36- كتاب التمحيص:

قال في البحار: هو لبعض قدماء أصحابنا، و يظهر من القرائن الجليّة أنّه من مؤلّفات الثقة الجليل أبي عليّ محمد بن همام (1).

و قال في موضع آخر: و كتاب التمحيص، و متانته تدلّ علي فضل مؤلّفه، و إن كان مؤلّفه أبا عليّ كما هو الظاهر، ففضله و توثيقه مشهوران (2).

قلت: و لم يشر إلي القرائن، و الذي يظهر منها من الكتاب، قوله في أوّل الكتاب بعد الديباجة، باب سرعة البلاء إلي المؤمنين: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثني عبد اللّه بن جعفر (3). إلي آخره، و هذا هو المرسوم في غالب كتب المحدّثين من القدماء، أنّ الرواة عنهم من تلاميذهم يخبرون عن روايتهم عنه في صدر كتبهم، فراجع الكافي، و كتب الصدوق، و غيرها، تجدها علي ما وصفناه.

و بهذا يظنّ أنّ التمحيص له، و لكنّ الشيخ الجليل النبيل، الشيخ إبراهيم القطيفي، قال في خاتمة كتاب الفرقة الناجية، الحديث الأول: ما رواه الشيخ العالم، الفاضل العامل، الفقيه النبيه، أبو محمد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني قدّس اللّه روحه الزكيّة في كتابه المسمّي بالتمحيص، ثمّ أخرج منه خمسة أحاديث، و هو صاحب كتاب تحف العقول المتداول المعروف.

و في الرياض: و أمّا قول الأستاذ الاستناد بأنّ كتاب التمحيص من مؤلّفات غيره- أي غير الحسن المذكور- فهو عندي محلّ تأمّل، لأنّ الشيخ

ص: 186


1- بحار الأنوار 1: 17.
2- بحار الأنوار 1: 34.
3- التمحيص: 30.

إبراهيم أقرب و أعرف، مع أنّ عدم ذكر كتاب التمحيص في جملة مؤلّفاته، التي أوردها أصحاب الرجال في كتبهم مع قربهم إليه، يدلّ علي أنّه ليس منه، فتأمّل (1).

و وافقهما علي ذلك الشيخ الجليل في أمل الآمل، إلّا أنّه نسبه إلي القاضي في المجالس (2)، و فيه سهو ظاهر، فإنّ القاضي نقل في ترجمة القطيفي (3) ما أخرجه من كتاب التمحيص بعبارته (4)، و لا يظهر منه اختياره ما اختاره من النسبة.

ثمّ إنّي إلي الآن ما تحقّقت طبقة صاحب تحف العقول (5)، حتّي استظهر منها ملاءمتها للرواية عن أبي عليّ محمد بن همام و عدمها.

و القطيفي من العلماء المتبحّرين، إلّا أنّه لم يعلم أعرفيّته في هذه الأمور من العلامة المجلسي رحمه اللّه، و هو في طبقة المحقّق الكركي، و هذا المقدار من التقدّم غير نافع في المقام.

نعم ما ذكره صاحب الرياض أخيرا يورث الشك في النسبة، إلا أنّه يرتفع بملاحظة ما ذكرنا.

و مع الغضّ عنه فالكتاب مردّد بين العالمين الجليلين الثقتين، فلا يضرّ الترديد في اعتباره، و الاعتماد عليه.ي.

ص: 187


1- رياض العلماء 1: 245.
2- أمل الآمل 2: 74/ 198.
3- بل في ترجمة أبو بكر الحضرمي.
4- مجالس المؤمنين 1: 383.
5- ذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني في طبقات اعلام الشيعة القرن الرابع: 93 ان الحسن بن علي ابن شعبة صاحب تحف العقول معاصر للصدوق المتوفي سنة 381، و يروي عن أبي علي محمد ابن همام بن سهيل الإسكافي المتوفي سنة 336، و يروي عنه المفيد المتوفي سنة 413 كما ذكره حسين ابن علي بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق، و لعل كتاب التمحيص للحسن بن علي بن شعبة البحراني كما استظهره إبراهيم القطيفي و الحر و صاحب الرياض، و الاحتمال الآخر للمجلسي.

37- كتاب الهداية:

هو للصدوق قدس سره، صرّح به النجاشي (1) و غيره (2).

ص: 188


1- رجال النجاشي: 390/ 1049.
2- بحار الأنوار: 1/ 6 و روضات الجنات 6: 136.

38- كتاب المقنع:

له أيضا، و هو داخل في فهرست مآخذ الوسائل (1)، إلّا أنّ المؤلّف رحمه اللّه لم ينقل منه إلّا ما صرح فيه بالرواية، و ترك باقيه لزعمه انّه من كلامه، و الحقّ إنّ ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة، بالمعني الأخصّ الذي عليه المتأخّرون، لا لما اشتهر من أنّ فتاوي القدماء في كتبهم متون الأخبار، و إن كان حقّا، و لذا كانوا يرجعون إلي شرائع أبيه- و هو رسالته إليه- عند اعوزاز النصوص، بل لأمرين آخرين:

الأوّل: تصريحه بذلك في أوّل الكتاب، قال رحمه اللّه بعد الخطبة: قال محمد بن عليّ: ثمّ إنّي صنّفت كتابي هذا، و سمّيته كتاب المقنع لقنوع من يقرؤه بما فيه، و حذفت الإسناد منه لئلّا يثقل حمله، و لا يصعب حفظه، و لا يملّه قارئه، إذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصوليّة موجودا، مبيّنا عن المشايخ العلماء، الفقهاء الثقات رحمهم اللّه أرجو بذلك ثواب اللّه، و أبتغي به مرضاته، و أطلب الأجر عنده (2)، و هذه العبارة كما تري متضمّنة لمطالب:

الأوّل: إنّ ما في الكتاب خبر كلّه، إلّا ما يشير إليه.

الثاني: إنّ ما فيه من الأخبار مسند كلّه، و عدم ذكر السند فيه للاختصار، لا لكونها من المراسيل.

الثالث: إنّ ما فيه من الأخبار مأخوذ من أصول الأصحاب، التي هي مرجعهم، و عليها معوّلهم، و إليها مستندهم، و فيها مباني فتاويهم.

الرابع: إنّ أرباب تلك الأصول و رجال طرقه إليها، من ثقات العلماء،

ص: 189


1- وسائل الشيعة 30: 154/ 17، في ذكر الكتب المعتمدة.
2- المقنع: 2.

و بذلك فاق قدره عن كتابه الفقيه، الذي عدّ من مآخذه كتاب نوادر الحكمة، و كتب المحاسن، و فيهما من ضعاف الأخبار بزعمه و زعم المتأخّرين ما لا يحصي، فإذا لا فرق فيما أدرجه فيه بين أن يقول: روي عن فلان و ما أشبهه، أو يذكر حكم المسألة من غير استناد في الاعتبار و التعويل عليه.

الثاني: ما يظهر من مواضع من الكتاب أنّ ما يذكره متن الحديث.

ففي أحكام البئر: و إن وقعت في البئر فأرة، أو غيرها من الدواب فماتت، فعجن من مائها، فلا بأس بأكل ذلك الخبز إذا أصابته النار، و في حديث آخر: أكلت النار ما فيه (1). فلو لا أنّ الكلام الأوّل متن الخبر، لما كان لقوله:

و في حديث آخر محلّ.

و مثله في غسل الجنابة: و إن اغتسلت من الجنابة و وجدت بللا، فإن كنت بلت قبل الغسل فلا تعد الغسل، و إن كنت لم تبل قبل الغسل فأعد الغسل و في حديث آخر: إن لم تكن بلت فتوضّأ (2).

و مثله في الخلل: و إن لم تدر اثنتين صلّيت أو خمسا، أو زدت أو نقصت، فتشهّد و سلّم، و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت جالس بعد تسليمك. و في حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع، و لا قراءة (3).

و مثله في آخر الباب، و في باب الصوم: اعلم أنّ الصوم علي أربعين وجها، و ساق الخبر المرويّ عن الزهري، عن السجاد عليه السلام- الي أن قال- قال الزهري: و كيف يجزي صوم تطوّع عن صوم فريضة (4)، مع أنّه ما تعرّض للراوي، و لا المروي عنه في صدر الخبر.7.

ص: 190


1- المقنع: 10.
2- المقنع: 13.
3- المقنع: 31.
4- المقنع: 55- 57.

و في كتاب النكاح: و إذا تزوّج الرجل المرأة فزني قبل أن يدخل بها، لم تحلّ له لأنّه زان، و يفرّق بينهما، و يعطيها نصف الصداق، و في حديث آخر:

يجلد الحدّ، و يحلق رأسه. إلي آخره (1).

و فيه: و لا تحلّ القابلة للمولود و لا ابنتها، و هي كبعض أمّهاته، و في حديث آخر: إن قبّلت و مرّت فالقوابل أكثر من ذلك، و إن قبّلت و ربّت حرمت عليه (2).

و هذا المقدار يكفي لإثبات ما أردناه، و من هنا ظهر وجه نقل المجلسي رحمه اللّه ما فيه كنقله عن سائر كتب الأخبار، لكنّه رحمه اللّه فعل بكتاب الهداية ما فعل به، لظنّه أنّه أيضا مثله، و الظاهر أنّه كذلك، و لكنّا ما اعتمدنا عليه، لعدم ما يدلّ علي اعتباره، فاقتصرنا في النقل عنه بما أسنده إلي المعصوم عليه السلام.9.

ص: 191


1- المقنع: 109.
2- المقنع: 109.

39- كتاب نزهة الناظر و تنبيه الخاطر:

في كلمات النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام. للشيخ الأجلّ الشريف أبي يعلي محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي (1)، تلميذ الشيخ المفيد قدس سره، و الجالس مجلسه، و هو متكلّم فقيه، قائم بالأمرين جميعا، قاله النجاشي (2)، و العلّامة (3).

و قال الأوّل في ترجمة السيّد المرتضي: تولّيت غسله و معي الشريف أبي يعلي محمد بن الحسن الجعفري، و سلّار بن عبد العزيز (4).

و هذا كتاب لطيف، صغير الحجم، عظيم القدر، أسقط أسانيد جميع ما فيه، إلّا خبرا واحدا ذكره في آخر الكتاب، و هو الخبر المعروف في ذكر جماعة زهّاد ثلاثين، كانوا عند المستجار، و شاهدوا الصّاحب عليه السلام من غير أن يعرفوه، و علّمهم بعض الدعوات، فقال: لمع ممّا روي عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام: أخبرني الشيخ أبو القاسم عليّ بن محمد بن محمد المفيد

ص: 192


1- لم نجد من صرح بأن الكتاب له، حتي ان النجاشي المعاصر له لم يصرح بأن كتاب النزهة من مصنفاته. هذا، و الاعتقاد إن مؤلفه هو الحسين بن الحسن بن نصر الحلواني المعاصر لأبي يعلي الجعفري كما هو مصرح به في صحيفة: 76 من الكتاب إذ قال: قال الحسين بن محمد بن الحسن لما انتهي إلي هذا الفصل من كتابه. كما و انه يروي عن أبي يعلي الجعفري في ذات الكتاب في صحيفة: 47. و قد نسب ابن شهرآشوب في معالمه 42/ 273 الكتاب إليه حيث قال: الحسين بن محمد بن الحسن له كتاب نزهة الناظر و تنبيه الخاطر، فلاحظ.
2- رجال النجاشي: 404/ 1070.
3- رجال العلامة: 164/ 179.
4- رجال النجاشي: 271/ 708.

رضي اللّه عنه قال: حدّث أبو محمد هارون بن موسي (1). إلي آخره. و ما رأينا ترجمة و ذكرا لولد المفيد هذا (2)، إلّا في هذا المقام.ظ.

ص: 193


1- نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 74.
2- نقول: ان الشيخ في فهرسته: 158/ 706 في ترجمته للشيخ المفيد عند ذكر مصنفاته قال: و رسالة في الفقه إلي ولده لم يتمها. كما و ان الحسين بن محمد الحلواني في كتابه الآخر الموسوم بنهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين و الأئمة الطاهرين من ذريته صلوات اللّه عليهم أجمعين روي عنه بقوله: حدثنا أبو القاسم بن المفيد، أنظر كتاب اليقين في إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: 140 فإنه نقل ذلك عن النهج. و عليه فللمفيد ولد يكني أبا القاسم و ان لم يذكره علماء الرجال، فلاحظ.

40- كتاب مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة:

المنسوب إلي أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، علي ما صرّح به جماعة من العلماء الأعلام، أوّلهم فيما أعلم السيّد الأجلّ رضيّ الدين عليّ بن طاوس، في الفصل السابع من الباب السادس، من كتاب أمان الأخطار قال: و يصحب- أي المسافر- معه كتاب الإهليلجة، و هو كتاب مناظرة مولانا الصادق عليه السلام للهندي، في معرفة اللّه جلّ جلاله، بطرق غريبة عجيبة ضروريّة، حتي أقرّ الهندي بالإلهيّة و الوحدانيّة، و يصحب معه كتاب مفضّل ابن عمر، الذي رواه عن الصادق عليه السلام، في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السفلي، و إظهار إسراره، فإنّه عجيب في معناه، و يصحب معه كتاب مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة، عن الصادق عليه السلام، فإنّه كتاب لطيف شريف، في التعريف بالتسليك الي اللّه جلّ جلاله، و الإقبال عليه، و الظفر بالأسرار التي اشتملت عليه، فإنّ هذه الثلاثة كتب تكون مقدار مجلّد واحد، و هي كثيرة الفوائد (1).

و الفاضل المتبحّر الشيخ إبراهيم الكفعمي قدس سره- صاحب الجنّة- في كتاب مجموع الغرائب، قال: و من كتاب مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة:

قال الصادق عليه السلام: «إعراب القلوب أربعة.» إلي آخره. و قال الصادق عليه السلام: «سمّي المستراح مستراحا.» إلي آخره. و قال الصادق عليه السلام: «السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام.» إلي آخره، ثمّ نقل شيئا من فضل الحلم و التقوي (2).

و شيخ الفقهاء الشهيد الثاني قدس اللّه روحه، فإنّه اعتمد عليه غاية الاعتماد، و نسب ما فيه إلي الصادق عليه السلام من غير تردّد و ارتياب، فقال

ص: 194


1- الأمان: 91- 92.
2- مجموع الغرائب: 49.

في كشف الريبة، في مقام ذكر علاج الغيبة ما لفظه: جملة ما ذكروه من الأسباب الباعثة علي الغيبة عشرة أشياء، قد نبّه الصادق عليه السلام عليها بقوله: «أصل الغيبة عشرة» و ذكر ما فيه، ثم قال: و نحن نشير إليها مفصّلة، ثمّ شرح الأصول العشرة المذكورة، ثمّ شرع في ذكر علاجها (1).

و قال رحمه اللّه في منية المريد: و قال الصادق عليه السلام: «المراء داء دويّ، و ليس في الإنسان خصلة شرّ منه» إلي آخر ما في المصباح. و قال في آخره: هذا كلّه من كلام الصادق عليه السلام (2).

و قال رحمه اللّه في مسكّن الفؤاد: فصل، قال الصادق عليه السلام:

«البلاء زين المؤمن، و كرامة لمن عقل» إلي آخر ما في الباب التسعين من الكتاب. و قال في آخر الفصل: و هذا الفصل كلّه من كلام الصادق عليه السلام (3)، ثمّ قال: فصل، قال الصادق عليه السلام: «الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور» إلي آخر ما في الباب الذي بعده، و لم يذكر في هذا الفصل أيضا من غيره (4).

و في كتاب أسرار الصلاة أخرج منه جميع ما له تعلّق بالصلاة، من مقدّماتها، و آدابها، و أفعالها إلي التسليم، مبتدئا في جميع المواضع بقوله: قال الصادق عليه السلام، من دون أن يذكر اسم الكتاب، و دأبه في نقل سائر الأخبار أن يقول: روي فلان، أو عن فلان، و بذلك يظهر ما أشرنا إليه من شدّة اعتماده، لأنّه رحمه اللّه تعالي قال في شرح درايته: و إذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحّة، بأن قابلها هو، أو ثقة، علي وجه وثق به، لمصنف من8.

ص: 195


1- كشف الريبة: 69، و مصباح الشريعة: 277.
2- منية المريد 69، مصباح الشريعة: 267.
3- مسكن الفؤاد: 52- 53، و مصباح الشريعة: 486.
4- مسكن الفؤاد: 53، و مصباح الشريعة: 498.

العلماء، قال فيه- أي في نقله من تلك النسخة: - قال فلان- يعني ذلك المصنّف- و ألا يثق بالنسخة، قال: بلغني عن فلان أنّه ذكر كذا و كذا، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني و ما أشبه ذلك من العبارات.

و قد تسامح أكثر الناس في هذا الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك، من غير تجوّز و تثبّت، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلي مصنّف معيّن، و ينقل منه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا: قال فلان كذا، و ذكر فلان كذا.

و ليس بجيّد، بل الصواب ما فصّلناه (1). و هذا الكلام منه رحمه اللّه و إن كان في مقام علم انتساب النسخة إلي المؤلّف، و لم يطمئن بصحّة ما فيها، و لكنّه يدلّ فيما لم يعلم أصل النسبة بطريق أولي.

و قال المحقّق الداماد قدس سره في الرواشح، في ردّ من استدلّ علي حجّيّة المراسيل مطلقا: بأنّه لو لم يكن الوسط الساقط عدلا عند المرسل، لما ساغ له إسناد الحديث إلي المعصوم سلام اللّه عليه، و كان جزمه بالإسناد الموهم لسماعة إيّاه من عدل تدليسا في الرواية، و هو بعيد من أئمّة النقل، قال: و إنّما يتمّ إذا كان الإرسال بالإسقاط رأسا و الإسناد جزما، كما لو قال المرسل: قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، أو قال الإمام عليه السلام ذلك، و ذلك مثل قول الصدوق، عروة الإسلام رضي اللّه عنه في الفقيه، قال عليه السلام: «الماء يطهّر و لا يطهّر (2)» إذ مفاده الجزم، أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنّه، و إلّا كان الحكم الجازم بالإسناد هادما لجلالته و عدالته، بخلاف ما لو التزم العنعنة و أبهم الواسطة، كقوله: عن رجل، أو عن صاحب لي، أو عن بعض أصحابه مثلا، انتهي (3).4.

ص: 196


1- الدراية: 109.
2- الفقيه: 1: 6/ 2.
3- الرواشح السماوية: 174.

و من هنا قيل: إنّ هذا الصنف من مراسيل الفقيه، إن لم يكن أقوي ممّا عرف إسناده، فلا يقصر عنه.

و بالجملة فهو- رحمه اللّه- أحقّ بأن يعمل بما قرّره، و من سبر مؤلّفاته عرف شدّة إتقانه و ضبطه في نقل الأخبار و الآثار، و رعاية القوانين المودعة في كتب الدراية.

و السيّد الجليل، العالم المتبحّر النبيل، السيد حسين القزويني، قال في المبحث الخامس من كتاب جامع الشرائع، في بيان الاعتماد علي مؤلّفي الكتب المنتزعة منها، قال: و مصباح الشريعة المنسوب إليه- يعني الصادق عليه السلام- بشهادة الشارح الفاضل- يعني الشهيد الثاني رحمه اللّه- و السيد ابن طاوس، و الفاضل العارف مولانا محسن القاساني، و غيرهم، فلا وجه لتشكيك بعض المتأخّرين بعد ذلك، انتهي.

و قال العلّامة المجلسي في البحار: و كتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللّبيب الماهر، و أسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهم السلام و آثارهم، و روي الشيخ في مجالسه بعض أخباره هكذا: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل الشيباني، بإسناده عن شقيق البلخي، عمّن أخبره من أهل العلم.

و هذا يدلّ علي أنّه كان عند الشيخ- رحمه اللّه- و في عصره، و كان يأخذ منه، و لكنّ لا يثق به كلّ الوثوق، و لم يثبت عنده كونه مرويّا عن الصادق عليه السلام، و إنّ سنده ينتهي إلي الصوفيّة، و لذا اشتمل علي كثير من اصطلاحاتهم، و علي الرواية من مشايخهم، و من يعتمدون عليه في رواياتهم، و اللّه يعلم، انتهي (1).

قلت: أمّا مغايرة الأسلوب فغير مضرّ، و سنشير ان شاء اللّه إلي وجهه.

و أمّا قوله: و روي الشيخ بعض أخباره. إلي آخره، ثمّ فرّع عليه2.

ص: 197


1- بحار الأنوار 1: 32.

وجود الكتاب عنده، و عدم اعتماده عليه، فهو في غاية الغرابة سيّما من مثله، إذ ليس فيه إلّا حديث واحد غير مأخوذ عن هذا الكتاب يقينا، و نحن نذكر الخبرين حتّي يتبيّن للناظر صدق ما ادّعيناه.

ففي الباب الثامن و السبعين من المصباح و هو في تبجيل الإخوان، بعد التصدير بكلام الصادق عليه السلام، علي ما هو رسم الكتاب و ظهور اختتام كلامه عليه السلام: قيل لعيسي بن مريم عليه السلام: كيف أصبحت؟ قال:

«لا أملك نفع ما أرجوه، و لا أستطيع دفع ما أحذره، مأمورا بالطاعة، منهيّا عن المعصية، فلا أري فقيرا أفقر منّي».

و قيل لأويس القرني: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح رجل إذا أصبح لا يدري أ يمسي و إذا أمسي لا يدري أ يصبح؟! قال أبو ذر- رضي اللّه عنه-: أصبحت أشكر ربي، و أشكو نفسي.

قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «من أصبح و همّته غير اللّه فقد أصبح من الخاسرين المعتدين» انتهي (1).

و في مجالس الشيخ، في مجلس يوم الجمعة، الثاني من رجب سنة 457:

أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا غياث بن مصعب بن عبدة أبو العباس الخجندي الرياطي، قال: حدّثنا محمد بن حمّاد الشّاسي (2)، عن حاتم الأصمّ، عن شقيق بن إبراهيم البلخي، عمّن أخبره من أهل العلم، قال: قيل لعيسي بن مريم عليه السلام: كيف أصبحت يا روح اللّه؟ قال:

«أصبحت و ربّي تبارك و تعالي من فوقي، و النار أمامي، و الموت في طلبي، لا أملك ما أرجو، و لا أطيق دفع ما أكره، فأيّ فقير أفقر منّي؟!».

و قيل للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: كيف أصبحت؟ قال: «بخير مني.

ص: 198


1- مصباح الشريعة: 429.
2- في المصدر: الشاشي.

رجل لم يصبح صائما، و لم يعد مريضا، و لم يشهد جنازة».

قال: و قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري: لقيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم صباحا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: «بنعمة من اللّه، و فضل من رجل لم يزر أخا، و لم يدخل علي مؤمن سرورا» قلت: و ما ذلك السرور؟ قال: «يفرّج عنه كربا، أو يقضي عنه دينا، أو يكشف عنه فاقة».

قال جابر: و لقيت عليّا عليه السلام يوما، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: «أصبحنا و بنا من نعم اللّه و فضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه، فما ندري أيّ نعمة نشكر، أ جميل ما ينشر، أم قبيح ما يستر؟».

و قيل لأبي ذر- رضي اللّه عنه-: كيف أصبحت يا صاحب رسول اللّه؟

قال: أصبحت بين نعمتين، بين ذنب مستور، و ثناء من اغترّ به فهو مغرور.

و قيل للربيع بن خيثم: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحت في أجل منقوص، و عمل محفوظ، و الموت في رقابنا، و النار من ورائنا، ثمّ لا ندري ما يفعل بنا.

و قيل لأويس بن عامر القرني: كيف أصبحت يا أبا عامر؟ قال: ما ظنّكم بمن يرحل الي الآخرة كل يوم مرحلة، لا يدري إذا انقضي سفره، أعلي جنّة يرد أم علي نار؟! قال: و قال عبد اللّه بن جعفر الطيّار: دخلت علي عمّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام صباحا، و كان مريضا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: «يا بنيّ كيف أصبح من يفني ببقائه، و يسقم بدوائه، و يؤتي من مأمنه».

و قيل لعليّ بن الحسين عليهما السلام: كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟

قال: «أصبحت مطلوبا بثمان: اللّه تعالي يطلبني الفرائض، و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالسنّة، و العيال بالقوت، و النفس بالشهوة، و الشيطان باتّباعه،

ص: 199

و الحافظان بصدق العمل، و ملك الموت بالروح، و القبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب».

و قيل لابنه محمد بن عليّ عليهما السلام: كيف أصبحت؟ قال: «أصبحنا غرقي في النعمة، موفورين بالذنوب، يتحبّب إلينا إلهنا بالنعم، و نتمقّت إليه بالمعاصي، و نحن نفتقر إليه، و هو غنيّ عنّا».

و قيل لبكر بن عبد اللّه المزني: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت قريبا أجلي، بعيدا أملي، سيّئا عملي، و لو كان لذنوبي ريح ما جالستموني.

قال: و قيل لرجل من المعمّرين: كيف أصبحت؟ قال:

أصبحت لا رجلا يغدو لحاجته و لا قعيدة بيت تحسن العملا

و قيل لأبي الرجاء العطاردي، و قد بلغ عشرين و مائة سنة: كيف أصبحت؟ قال:

أصبحت لا يحمل بعضي بعضا كأنّما كان شبابي قرضا

(1) و أنت خبير بما بين الخبرين من الطول و الاختصار، و لو كان ما في الأوّل أطول لأمكن احتمال أن يكون الثاني مختصرا منه، و أمّا العكس فغير متصوّر، مع أنّ في المقدار المتّفق منهما من الاختلاف ما لا يحتمل أن يكون أحدهما مأخوذا من الآخر.

ثمّ من أين علم أنّ الشيخ أخرج الخبر عنه؟ فلعلّه أخرجه من كتب بعض من ذكر في رجال السند كحاتم الأصمّ، و شقيق البلخي، و غيرهما، و التعبير عنه عليه السلام بقوله: عمّن أخبره من أهل العلم منه كما هو الظاهر لا من الشيخ، بل هذا غير معهود منه و من غيره من المصنّفين، فإنّهم إذا أخرجوا خبرا من كتاب، ما كانوا ليغيّروا بعض ما في سنده أو متنه، إلّا ان يقع منهم3.

ص: 200


1- أمالي الشيخ الطوسي 2: 253.

سهو فيهما.

ثمّ إنّ الذي يستظهر من العلماء من التأمّل في الكتاب، أنّ ما نسب إليه هو ما صدّر به الأبواب بقوله: قال الصادق عليه السلام، و ما فيه من الرواية و نقل الآثار من الجامع الذي كان يملي عليه، فلو أغمضنا من جميع ما ذكرنا، فالذي أخرجه الشيخ من كلام الجامع، و التعبير «عنه» بما عبّره، لا يدلّ علي عدم الوثوق الذي استظهره، و لكنّ الظاهر من الشهيد في مسكّن الفؤاد بل صريحه، كون كلّه منه عليه السلام، فلاحظ.

و قال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي، في آخر مقدّمة كتاب درر اللآلي العماديّة ما لفظه: و سأختم هذه المقدّمة بذكر أحاديث تتعلّق ببعض حقائق الدين، و شي ء من حقائق العبادات، أكثر اسنادها عن الصادق الامام أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام، محذوفة الأسانيد كما رؤيتها.

و اعلم أنّي قد التزمت في هذه الأحاديث المرويّة في هذه الخاتمة- و في جميع الأحاديث الواردة في الأقسام الثلاثة الآتية بعدها- أن أذكر بعض ما يتعلّق بها من الأحكام الشرعيّة، و ما استدلّ بها عليه، و كيفيّة الاستدلال بها عليها، و بعض الفروع المأخوذة منها علي سبيل الاختصار، ممّا نقلته عن مشايخنا السابقين، و علمائنا الماضين- قدّس اللّه أرواحهم- ليكون الكتاب المشتمل علي هذه الأحاديث المتعلّقة بالأحكام الفقهيّة تامّ النفع، مغنيا عن مطالعة غيره من الكتب، و اللّه الموفّق.

قال الصادق عليه السلام: «بحر المعرفة يدور علي ثلاثة: الخوف، و الرجاء، و المحبة. إلي آخره» (1).

ثمّ نقل كثيرا من مطالب هذا الكتاب، و في جملة من المواضع ينقل كلامه عليه السلام بقوله: قال الصادق عليه السلام، ثمّ يشرحه بقوله: قال العارف8.

ص: 201


1- درر اللآلي 1: 39، و مصباح الشريعة: 8.

كذا، و لم أتحقّق أنّ المراد منه نفسه، أو شرح هذا الكتاب أحد قبله، و هذه المقدّمة طويلة نافعة، جامعة لفوائد شريفة.

و في رياض العلماء، في ذكر الكتب المجهولة: فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة في الأخبار و المواعظ، كتاب معروف متداول، و قد ينسب إلي هشام ابن الحكم (1) علي ما رأيت بخطّ بعض الأفاضل، و هو خطأ. أمّا أوّلا: فلأنّه قد اشتمل علي الرواية عن جماعة، هم متأخّرون عن هشام. و أمّا ثانيا: فلأنّه يحتوي علي مضامين تنادي علي أنّه ليس من مؤلّفاته، بل هو من مؤلّفات بعض الصوفيّة كما لا يخفي. لكن وصي به ابن طاوس، انتهي (2).

و قال شيخنا الحرّ رحمه اللّه في آخر كتاب الهداية: تتمّة، قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة، قد ألّفت و جمعت في زمانهم عليهم السلام، نذكرها هاهنا، و هي ثلاثة أقسام- إلي أن قال رحمه اللّه- الثالث: ما ثبت عندنا كونه غير معتمد، فلذا لم ننقل منه، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلي الصادق عليه السلام، فانّ سنده لم يثبت، و فيه أشياء منكرة مخالفة للمتواترات، و ربّما نسب تأليفه إلي الشيخ زين الدين، و هذه النسبة باطلة لأنّه مذكور في أمان الأخطار لابن طاوس قدس سره (3). انتهي.

قلت: للصوفيّة مقصدان، أحدهما مقدّمة الأخري:

الأوّل: تهذيب النفس، و تصفيتها عن الكدورات و الظلمات، و تخليتها عن الرذائل و الصفات القبيحة، و حفظها عمّا يظلمها و يفرّقها و يقسّيها، و تحليتها2.

ص: 202


1- نسخة بدل: سالم.
2- رياض العلماء 6: 45. و لعلّه أراد به وصيّة ابن طاوس المتقدمة في أول التعريف بكتاب مصباح الشريعة فلاحظ.
3- هداية الأمة: مخطوط. الأمان: 91- 92.

بالأوصاف الجميلة، و الكمالات المعنويّة، و هذا يحتاج إلي معرفة النفس و القلب إجمالا، و معرفة الصفات الحسنة و القبيحة، و مبادئها و آثارها، و ما به يتوسّل الي التطهير و التزكية، و التنوير و التحلية.

و هذا مقصد عظيم يشاركهم أهل الشرع، و كافة العلماء علي اختلاف مشاربهم و آرائهم، و كيف لا يشاركون فيما وضعت العبادات و الآداب لأجله، و بعث الأنبياء لإكماله! و كفي بما في الكتاب المجيد من الاهتمام بأمر القلب و تهذيبه، بما وصفه به من الرين و الطبع، و الغشاوة، و الكبر، و الضيق، و التحجر، و إرادة العلوّ، و الصرف، و الزيغ، و المرض، و القسوة، و الظلمة، و الغلف، و القفل، و الجهل، و العمي، و الموت، و أمثالها.

و مدحه الذين اتّصفوا بما يضادّها من الخشوع، و اللّين، و الرقّة، و العلم، و الهداية، و السلامة، و الاطمئنان، و الربط، و الحياة، و المحبّة، و الصبر، و الرضا، و التوكّل، و التقوي، و اليقين، و أمثالها شاهدا في المقام.

و للقوم في هذا المقصد العظيم كتب و مؤلّفات فيها مطالب حسنة نافعة، و إن أدرجوا فيها من الأكاذيب و البدع خصوصا بعض الرياضات المحرّمة ما لا يحصي، و من هنا فارقوا أهل الشرع المتمسكين بالكتاب و السنّة، و المتشبّثين بأذيال سادات الأمّة، فحصول هذا المقصد عندهم منحصر بالعمل، بتمام ما قرّروه لهم، و الاجتناب عمّا نهوا عنه، دون ما أبدعوه في هذا المقام من الرياضات، و متابعة الشيخ و المرشد علي النحو الذي عندهم، و هذا هو مراد الشهيد قدس سره في الدروس، في بحث المكاسب، حيث قال: و تحرم الكهانة- إلي أن قال- و تصفية النفس، أي بالطرق الغير الشرعيّة (1).

الثاني: ما يدعون من نتيجة تهذيب النفس، و ثمرة الرياضات من المعرفة4.

ص: 203


1- الدروس 3: 163- 164.

و فوقها، من الوصول و الاتّحاد و الفناء، و مقامات لم يدّعيها نبيّ من الأنبياء و وصيّ من الأوصياء، فكيف بأتباعهم من أهل العلم و التقي! مع ما فيها ممّا لا يليق نسبته الي مقدّس حضرته جلّ و علا، و يجب تنزيهه عنه سبحانه و تعالي عمّا يقوله الظالمون.

و أمّا المقصد الثاني فحاشا أهل الشرع و الدين، فضلا عن العلماء الراسخين، أن يميلوا إليه أو يأملونه، أو يتفوّهون به، و أغلب ما ورد في ذمّ الجماعة ناظر الي هذه الدعوي و مدّعيها.

و أمّا الأوّل فقد عرفت مشاركتهم فيه، و إن فارقوا القوم في بعض الطرق، و حيث إنّهم بلغوا الغاية فيما القوة في هذا المقام، و الحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها أخذها، تري مشايخنا العظام، و الفقهاء الكرام كثيرا ما يراجعون إليه، و ينقلون عنه، و يشهدون بحقّيته، و يأمرون بالأخذ به، فصار ذلك سببا للطعن عليهم، و نسبتهم إلي الصوفيّة، أو ميلهم الي المتصوّفة، ظنّا منهم الملازمة بين المقصدين، و إنّ من يحضّ علي تهذيب النفس، و تطهير القلب، و يستشهد في بعض المقامات، أو تفسير بعض الآيات بكلمات بعضهم، ممّا يؤيّده أخبار كثيرة، فهو منهم و معهم في جميع دعاويهم.

و هذا من قصور الباع، و جمود النظر، و قلّة التدبّر في مزايا الكتاب و السنّة.

و آل أمرهم الي أن نسبوا مثل الشيخ الجليل، ترجمان المفسّرين أبي الفتوح الرازي، و صاحب الكرامات علي بن طاوس، و شيخ الفقهاء الشهيد الثاني- قدّس اللّه أرواحهم- إلي الميل الي التصوّف كما رأيناه، و هذه رزيّة جليلة، و مصيبة عظيمة لا بدّ من الاسترجاع عندها.

نعم يمكن أن يقال لهم تأدّبا لا إيرادا، إنّ فيما ورد عن أهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم غني و مندوحة عن الرجوع الي زبرهم و ملفّقاتهم و مواعظهم، فإنّك إن غمرت في تيّار بحار الأخبار، لا تجد حقّا صدر منهم إلّا

ص: 204

و فيها ما يشير إليه، بل رأينا كثيرا من الكلمات التي تنسب إليهم، هي ممّا سرقوها من معادن الحكمة، و نسبوها إلي أنفسهم، أو مشايخهم.

قال تلميذ المفيد قدس سره، أبو يعلي الجعفري، في أول كتاب النزهة (1): إنّ عبد الملك بن مروان كتب الي الحجّاج: إذا سمعت كلمة حكمة فاعزها الي أمير المؤمنين- يعني نفسه- فإنّه أحقّ بها، و أولي من قائلها (2)، انتهي.

و لولا خوف الإطالة لذكرت شطرا من هذا الباب، بل قد ورد النهي عن الاستعانة بهم. فروي سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار، عن الباقر عليه السلام أنّه قال لجابر: «يا جابر و لا تستعن بعدوّ لنا [في] حاجة، و لا تستطعمه، و لا تسأله شربة، أما إنّه ليخلّد في النار، فيمرّ به المؤمن، فيقول: يا مؤمن ألست فعلت بك كذا و كذا؟ فيستحيي منه، فيستنقذه من النار» (3).

الحجّة: هذا حال طعام الأجساد، فكيف بقوت الأرواح؟.

إذا عرفت ذلك فلنرجع الي ما في كلمات هؤلاء المشايخ العظام فنقول:

أمّا أوّلا: فما في البحار، و الرياض، من أنّه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهم السلام، و أنّه علي أسلوب الصوفيّة، و مشتمل علي مصطلحاتهم (4).

ففيه: إنّ كلماتهم عليهم السلام و عباراتهم عليهم السلام في كشف المطالب المتعلّقة بالمعارف و الأخلاق، مختلفة بحسب الألفاظ و التأدية، و إن لم تختلف بحسب المعني و الحقيقة، و هذا ظاهر لمن أجال الطرف في أكناف كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، و سائر الأئمّة عليهم السلام في هذه المقامات، و ليس لمن5.

ص: 205


1- تقدم في صحيفة (192) كلام حول مؤلف الكتاب فراجع.
2- لم نعثر علي هذا الكلام في النسخة المطبوعة من النزهة.
3- مشكاة الأنوار: 99.
4- بحار الأنوار 1: 32، و رياض العلماء 6: 45.

تقدّم الصادق عليه السلام من الصوفيّة، كطاوس اليماني، و مالك بن دينار، و ثابت البناني، و أيّوب السجستاني، و حبيب الفارسي، و صالح المري، و أمثالهم، كتاب يعرف منه أنّ المصباح علي أسلوبه، و من الجائز أن يكون الأمر بالعكس، فيكون الذين عاصروه عليه السلام منهم، أو تأخّروا عنه، سلكوا سبيله عليه السلام في هذا المقصد، و أخذوا ضغثا من كلماته الحقّة، و مزجوها بضغث من أباطيلهم، كما هو طريقة كلّ مبدع مضلّ، و يؤيّده اتّصال جماعة منهم إليه، و الي الأئمّة من ولده، كشقيق البلخي، و معروف الكرخي، و أبي يزيد البسطامي طيفور السقّاء، كما يظهر من تراجمهم في كتب الفريقين، فيكون ما الّف بعده علي أسلوبه و وتيرته.

ثم نقول: ليس في هذا الكتاب من عناوين أبوابه شي ء لا يوجد في كثير من الأخبار مثله، سوي عناوين ثلاثة أبواب من أوّل الكتاب، و لكن ما شرحه و فصّله فيها كلّها ممّا عليه الكتاب و السنّة، مع أنّه يوجد في جملة من ادعيتهم، و مناجاتهم، و خطبهم عليهم السلام من العبارات الخاصة، و الكلمات المختصّة، ما لا يوجد في سائر كلماتهم، فارجع البصر إلي المناجاة الإنجيليّة الكبري و الوسطي، و آخر دعاء كميل، و المناجاة الخمسة عشر، التي عدّها صاحب الوسائل في الصحيفة الثانية من أدعية السجاد عليه السلام، و نسبها إليه من غير تردد، مع أنّه لا يوجد لها سند، و لم يحتو عليها كتاب معتمد، و ليس في تمام المصباح ما يوجد فيها من الألفاظ الدائرة في ألسنة القوم.

ثمّ نقول: إنّك بعد التأمّل في ملفّقات القوم في هذا الباب، تجد المصباح خاليا عن مصطلحاتهم الخاصّة، التي عليها تدور رحي تمويهاتهم، كلفظ العشق، و الخمر، و السكر، و الصحو، و المحو، و الفناء، و الوصل، و القطب، و الشيخ، و الطرب، و السماع، و الجذبة، و الإنيّة، و الوجد، و المشاهدة، و غير ذلك ممّا ليس فيه شي ء منه.

ثمّ نقول: و في كتبهم أيضا أخبار معروفة متداولة، لا توجد فيه.

ص: 206

و أمّا ثانيا: فما في الأوّل من أنّه يروي فيه عن مشايخهم- أي الصوفيّة- ففيه، بعد تسليم كون ما فيه من الرواية و الحكاية، من تتمّة كلام الصادق عليه السلام- كما يظهر من الشهيد رحمه اللّه في مسكّن الفؤاد- لا لمن كان يملي عليه فيجمعه، و يردفه بها، أنّ تمام ما فيه من حكاية أقوالهم، و الاستشهاد بكلامهم، لا يزيد علي ستّة عشر موضعا (1)، خمسة منها عن الربيع بن خثيم، و حكايتان عن أويس القرني، و هرم بن حيّان، و هؤلاء الثلاثة من الزهّاد الثمانية الذين كانوا مع أمير المؤمنين عليه السلام.

روي الكشيّ، عن عليّ بن محمد بن قتيبة، قال: سئل أبو محمد الفضل ابن شاذان عن الزهّاد الثمانية، فقال: الربيع بن خثيم، و هرم بن حيّان، و أويس القرني، و عامر بن عبد قيس، و كانوا مع عليّ عليه السلام و من أصحابه، و كانوا زهّادا أتقياء- إلي أن قال- و أويس القرني مفضّل عليهم كلهم (2).

و ثلاثة عن أبي ذر رضي اللّه عنه، و حكاية عن عبد اللّه بن مسعود، و اخري عن أبيّ بن كعب، و حالهم غير خفيّ، و حكاية عن وهب بن منبه، و اخري عن زيد ابن ثابت، و اخري عن سفيان بن عيينة في ذمّ القرّاء، و الفتيا لمن ليس من أهلها.

فإن كان المراد من قول المجلسي رحمه اللّه أنّه اشتمل علي الرواية من مشايخهم، و من يعتمدون عليه في رواياتهم، ما حكاه عن زيد بن ثابت، و سفيان في المقامين.

فلعمري إنّه طعن في غير محلّ، فإنّ الاستشهاد بكلامهما في المقامين، كالاستشهاد بمدائح الأعداء في إثبات فضائل الخلفاء عليهم السلام، فإنّهما من رؤساء القرّاء، و أرباب الفتيا.4.

ص: 207


1- مصباح الشريعة: علي التوالي 106، 175، 445، 507، 431، 480، 181، 432، 462، 244، 464، 180، 497، 373، 354.
2- اختيار معرفة الرجال: 313/ 154.

و أمّا الذين سبق ذكرهم غير وهب، فقد سبقت لهم من اللّه، و رسوله، و وصيّه صلوات اللّه عليهما و آلهما الحسني، و إن كان في ضعف معرفة الربيع كلام، لا يضرّ في المقام، و في غير واحد من أخبارهم عليهم السلام الاستشهاد بكلمات سلمان و حكمه و نصائح أبي ذرّ و موعظته، فلاحظ.

و أمّا ثالثا: فما في الرياض من أنّه قد اشتمل علي الرواية عن جماعة هم متأخّرون عن هشام (1)، قد ظهر بما ذكرنا ضعفه و بطلانه، فإنّ الذين عددناهم غير سفيان متقدّمون علي هشام بطبقات، و أمّا هو ففي طبقته، و هذا منه رحمه اللّه مع طول باعه عجيب.

و أمّا رابعا: فما في الهداية من أنّ سنده لم يثبت، ففيه إنّ المراد من السند إن كان هو المعني المصطلح، و المراد من الثبوت هو أحد الأقسام الثلاثة منه، من الصحيح أو الحسن أو الموثّق، ففيه مع أنّه غير معترف به، و خارج من طريقته إنّه لم يدعه أحد، و لا حاجة إليه خصوصا علي مسلكه.

و إن كان المراد مطلق الاطمئنان بثبوته، و الوثوق بصدوره ففيه إنّه يكفي شهادة هؤلاء المشايخ العظام، الذين أشرنا إليهم في الوثوق به، و قد اكتفي هو بأقلّ من ذلك في إثبات اعتبار تمام ما اعتمد عليه من الكتب، و نقل عنه.

هذا كتاب تحف العقول، للحسن بن عليّ بن شعبة، قد اكتفي بمدحه و مدح الكتاب، و نسبته إليه في الأمل (2) بما في مجالس المؤمنين (3)، و ليس له و لا لكتابة ذكر في مؤلّفات أصحابنا قبله، إلّا ما نقلناه عن الشيخ إبراهيم القطيفي في رسالته، في الفرقة الناجية، و قد أكثر من النقل عن التحف في الوسائل.

و مثله في عدم الذكر و الجهالة الحسن بن أبي الحسن الديلمي و كتبه، سيّما3.

ص: 208


1- رياض العلماء 6: 45.
2- أمل الأمل 2: 74.
3- مجالس المؤمنين 1: 383.

إرشاد القلوب، الذي قد أكثر من النقل عنه، و عدّه من الكتب المعتمدة، التي نقل منها، و شهد بصحّتها مؤلّفوها، و ليس له أيضا ذكر فيما وصل إليه و إلينا من مؤلّفات أصحابنا، سوي ما نقله عنه الشيخ ابن فهد في عدّة الداعي، في بعض المواضع، بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي (1)، فمن أين عرفه، و عرف وثاقته، و عرف نسبة الكتاب إليه و شهادته بصحّته؟ فهل هذا إلّا تهافت في المذاق، و تناقض في المسلك! و إن كانت المسامحة فيهما لعدم اشتمالهما علي فروع الأحكام، و اقتصارهما غالبا علي ما يتعلّق بالأخلاق و الفضائل و المواعظ، فهلّا كانت شهادة هؤلاء الأجلّة علي صحّة المصباح، كافية في عدّه ثالثا لهما! فإنّه أيضا مثلهما. و كذا الكلام في صحّة نسبة كتاب الاختصاص الي المفيد رحمه اللّه، و قد تسامح فيه بما لا يخفي علي الناقد البصير.

و أمّا خامسا: فما في الهداية أيضا، إنّ فيه أشياء منكرة، مخالفة للمتواترات قلت: ليته رحمه اللّه أشار الي بعضها، فإنّا لم نجد فيه ما يخالف المشهور، فضلا عن المتواتر، نعم فيه باب في معرفة الصحابة (2)، و ذكر فيه ما).

ص: 209


1- عدة الداعي: 237 و 241 و 269 و.
2- جاء في هامش النسخة الحجرية من المستدرك ص 332 ما نصه: «الباب في معرفة الصحابة، قال الصادق (عليه السلام): لا تدع اليقين بالشك، و المكشوف بالخفي، و لا تحكم علي ما لم تره بما تروي عنه، قد عظم اللّه عز و جلّ أمر الغيبة، و سوء الظن بإخوانك من المؤمنين، فكيف بالجرأة علي إطلاق قول، و اعتقاد، و زور، و بهتان، في أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال اللّه عز و جلّ: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ و ما دمت تجد الي تحسين القول و الفعل في غيبتك و حضرتك سبيلا، فلا تتخذ غيره، قال اللّه تعالي: وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً و اعلم إنّ اللّه تبارك و تعالي اختار لنبيه صلّي اللّه عليه و آله من أصحابه طائفة أكرمهم بأجل الكرامة، و حلاهم بحلية التأييد و النصر و الاستقامة، لصحبته علي المحبوب و المكروه، و أنطق لسان نبيه محمد صلّي اللّه عليه و آله بفضائلهم و مناقبهم و كراماتهم، و اعتقد محبتهم، و ذكر فضلهم. و أحذر مجالسة أهل البدع، فإنها تنبت في القلب كفرا و ضلالا مبينا، و إن اشتبه عليك فضيلة بعضهم فكلهم إلي عالم الغيب، و قل: اللهم إني محب لمن أحببته أنت و رسولك، و مبغض لمن أبغضت أنت و رسولك، لم يكلفك فوق ذلك» انتهي. و في قوله: من أصحابه طائفة. الي آخره، تصريح بما تقوله الإمامية فتأمل. (منه قده).

يوهم أنّ الأصل فيهم الحسن، و الفضل، و العدالة، علي طريقة أهل السنّة.

فأوّل ما يقال: إنّ هذا الباب من دسيس بعضهم في هذا الكتاب، و يشهد له أنّه بني علي مائة باب علي ما يظهر من النسخ، و ما لها من الفهرست، و الباب السبعون الذي يوجد فيها أنّه في معرفة الصحابة، هو في الفهرست في حرمة المؤمنين، و عليه يتم الأبواب، و ليس في الفهرست عنوان لمعرفة الصحابة، و في النسخة جعل الباب السبعين في معرفة الصحابة، و الحادي بعده في حرمة المؤمنين، و الثاني و السبعين في برّ الوالدين، ثمّ كرّر و قال: الباب الثاني و السبعون في الموعظة، فإن جعلناه من غلط النسّاخ يزيد باب علي المائة، و هو خلاف ما في الفهرست و النسخ، و إلّا فهو أيضا من تدليس المدسّس و يكشف عن أنّ الباب المذكور خارج عن الأصل، لاحق به، فلاحظ.

و لو سلّمنا كونه من أبوابه، فمن المحتمل أنّه عليه السلام لمّا كان في مقام تهذيب الأخلاق، و نشر الآداب و السنن، و شرح حقيقتها و حكمتها، و قد شاع في عصره عليه السلام من صوفيّتهم، الذين أضلّوا الناس بمموهات كلماتهم، ألحقه في هذا المقام، و إن أرادوا بها جلب العوام، و كانوا يفتخرون بهم، و يعجبون من كلماتهم، و ينقلونها في محافلهم و ناديهم، و يذكرونها في زبرهم و مؤلّفاتهم، بل كان خلفاء عصرهم يشيّدون أركانهم إطفاء لهذا النور، الذي كان من اللّه جلّ جلاله في أهل بيت نبيّهم، و صرف القلوب التي كانت تهوي و تحنّ إليهم، بما شاهدوا من المقامات العالية من صفات قلوبهم عنهم عليهم السلام، أراد صلوات اللّه عليه أن يريهم أنّهم حيث ما كانوا، و أينما بلغوا بفهمهم القاصر، و فكرهم الفاتر، فهم دون رتبته و مقامه، و محتاجون الي

ص: 210

التوسّل بكلامه، و التمسّك بمرامه، فذكر في مقام حال الصحابة ما يصير سببا لاستئناسهم و ألفتهم، و رغبتهم في النظر إليه و التدبّر فيه، الموجب لولوج علوّ شأنه عليه السلام و عظم مقامه في صدورهم و قلوبهم، و يهوّن عليهم مقام البصري، و اليماني، و يصغر في أعينهم البلخي، و البناني.

ثمّ نقول بعد ذلك: إنّ ما فيه في مدح الصحابة دون ما في الصحيفة الكاملة، من الصلاة علي أتباع الرسل، قال عليه السلام: «اللهم و أصحاب محمد صلّي اللّه عليه و آله، خاصّة الذين أحسنوا الصحابة، و الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة، و كانفوه (1)، و أسرعوا إلي وفادته، و سابقوا الي دعوته، و استجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، و فارقوا (الأزواج و الأولاد في إظهار كلمته، و قاتلوا) (2) الآباء و الأبناء في تثبيت نبوّته، و انتصروا به، و من كانوا منطوين علي محبّته، يرجون تجارة لن تبور في مودّته، و الذين هجرتهم العشائر و تعلّقوا بعروته، و انتفت منهم القرابات، إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنس لهم اللّهم ما تركوا لك و فيك، و أرضهم من رضوانك، و بما حاشوا (3) الخلق عليك، و كانوا مع رسولك دعاة لك إليك، و اشكرهم علي هجرهم فيك ديار قومهم، و خروجهم من سعة المعاش الي ضيقه، و من كثّرت في إعزاز دينك من مظلومهم (4).

بل مدحهم أمير المؤمنين عليه السلام بما فوق ذلك، ففي حديث أبي أراكة، الذي رواه جماعة من المشايخ بطرق متعدّدة، و متون مختلفة، بالزيادة و النقيصة، و هو علي لفظ السيّد في النهج: «لقد رأيت أصحاب محمد صلّي اللّهع.

ص: 211


1- كانفوه: عاونوه، و المكانفة: المعاونة. (لسان العرب 9: 308.
2- لم ترد في المخطوطة.
3- حاشوا الخلق عليك: أي جمعوا الخلق علي طاعتك. (لسان العرب 6: 209).
4- الصحيفة السجادية الكاملة: الدعاء الرابع.

عليه و آله، فما أري أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، قد باتوا سجّدا و قياما، يراوحون بين جباههم و خدودهم، و يقفون علي مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم ركب المعزي من طول سجودهم، إذا ذكر اللّه هملت أعينهم حتّي تبلّ جيوبهم، مادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، و رجاء للثواب» (1).

و التحقيق: أن يقال في أمثال هذه الأخبار: إنّ أصحابه صلّي اللّه عليه و كانوا علي هذه الصفات، فمن كان ممّن لقيه صلّي اللّه عليه و آله حاويا لها كان من أصحابه، و من فقدها كان في زمرة المنافقين، خارجا عن اسم الصحابة، كما يشهد لذلك قوله تعالي: وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَي الْكُفّٰارِ (2) الآية، علي ما حقّق في محلّه.

و ما في المصباح أيضا إيماء إلي ذلك حيث قال: و اعلم أنّ اللّه تعالي اختار لنبيّه من أصحابه طائفة أكرمهم بأجلّ الكرامة، إلي آخر ما ذكره، فلاحظ (3).

أو يقال: إنّ هذه المدائح للذين كانوا في عصره، لا لمن بقي بعده و أحدث، و لعلّ الأصل فيهم الصحّة و السلامة، إلّا من عرف بالنفاق و الخيانة.

ففي الخصال: بالسند الصحيح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«كان أصحاب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله اثنا عشر ألف رجل، ثمانية آلاف رجل من المدينة، و ألفان من مكة، و ألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري، و لا مرجئ، و لا حروري، و لا معتزلي، و لا صاحب رأي، كانوا يبكون اللّيل و النهار، و يقولون: اقبض أرواحنا قبل أن نأكل خبز الخمير (4). و لعلّ فيه0.

ص: 212


1- نهج البلاغة 1: 190/ 93.
2- الفتح 48: 29.
3- مصباح الشريعة: 388.
4- الخصال: 640.

إشارة، أو دلالة علي الاحتمال الأوّل.

و في دعائم الإسلام: عن عليّ بن الحسين، و محمد بن عليّ عليهم السلام أنّهما ذكرا وصيّة عليّ عليه السلام عند وفاته و فيها: «و أوصيكم بأصحاب محمد الذين لم يحدثوا حدثا، و لم يؤوا محدثا، و لم يمنعوا حقّا، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد أوصانا بهم، و لعن المحدث منهم، و من غيرهم» (1).

هذا و في رجال النجاشي: محمد بن ميمون، أبو نصر الزعفراني، عاميّ، غير أنّه روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام نسخة، روي ذلك عبد اللّه بن أحمد ابن يعقوب بن البواب المقرئ، قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي، قال: حدّثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدّثنا محمد بن ميمون، عن جعفر بن محمد عليهما السلام (2).

و فيه: الفضيل بن عياض، بصري، ثقة، عاميّ، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام نسخة، أخبرنا علي بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن سعد، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، قال: حدّثنا سليمان بن داود، عن فضيل، بكتابه (3).

و فيه: عبد اللّه بن أبي أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، حليف بني تيم بن مرّة، أبو أويس له نسخة عن جعفر بن محمد عليهما السلام، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن عبيد اللّه، قال: حدّثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الكسائي الرازي، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدّثني أبي أبو أويس، عن جعفر بن محمد عليهما السلام، بكتابه (4).6.

ص: 213


1- دعائم الإسلام 2: 350.
2- رجال النجاشي: 355/ 950.
3- رجال النجاشي: 310/ 847.
4- رجال النجاشي: 224/ 586.

و فيه: سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، كان جدّه أبو عمران عاملا من عمّال خالد القسري، له نسخة عن جعفر بن محمد عليهما السلام، أخبرنا أحمد بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن الحسن، قال: حدّثنا الحميري.

و أخبرنا أحمد بن عليّ بن العباس، عن أحمد بن محمد بن يحيي، قال:

حدّثنا الحميري، قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الرحمن، عنه (1).

و فيه: إبراهيم بن رجاء الشيباني أبو إسحاق، المعروف بابن أبي هراسة- و هراسة امّه- عامّي روي عن الحسين بن عليّ بن الحسين عليهما السلام، و عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ عليه السلام، و جعفر بن محمد عليهما السلام، و له عن جعفر عليه السلام نسخة، أخبرنا عليّ بن أحمد، عن محمد ابن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن هارون بن مسلم، عن إبراهيم (2).

و في فهرست الشيخ: جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل القدر- إلي أن قال- و له كتاب ينسب الي جعفر بن محمد عليهما السلام، رواية عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام (3).

فهذه ستّة نسخ منسوبة إلي الصادق عليه السلام، غير الرسالة الأهوازيّة، و الرسالة إلي أصحابه، المرويّة في أول روضة الكافي (4)، فمن الجائز أن تكون إحداها المصباح، خصوصا ما نسب الي الفضيل بن عيّاض، و هو من مشاهير الصوفيّة، و زهّادهم حقيقة، كما يظهر من توثيق النجاشي، و مدحه الشيخ بالزهد (5).8.

ص: 214


1- رجال النجاشي: 190/ 506.
2- رجال النجاشي: 23/ 34.
3- الفهرست: 43/ 131.
4- الكافي 8: 2.
5- رجال النجاشي: 310/ 847، رجال الشيخ: 271/ 18.

و في أمالي الصدوق قدس سره: بإسناده عن الفضيل بن عيّاض، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أشياء من المكاسب، فنهاني عنها، و قال: «يا فضيل و اللّه لضرر هؤلاء علي هذه الأمّة أشدّ من ضرر الترك و الديلم»، و سألته عن الورع من الناس، قال: «الذي يتورّع عن محارم اللّه، و يتجنّب هؤلاء، و إذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام و هو لا يعرفه، و إذا رأي منكرا فلم ينكره و هو يقدر عليه، فقد أحبّ أن يعصي اللّه [و من أحب أن يعصي اللّه] فقد بارز اللّه بالعداوة، و من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصي اللّه، إنّ اللّه تبارك و تعالي حمد نفسه علي هلاك الظالمين، فقال: فَقُطِعَ دٰابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ (1)» (2).

و قال الأستاذ الأكبر في التعليقة: و في هذه الرواية ربّما يكون إشعار بأنّ فضيلا ليس عاميّا، فتأمل. ثم ذكر خبرا من العيون فيه إشعار بعاميّته (3).

و قد أخرج الكليني قدس سره عنه خبرا، في باب الحسد (4)، و آخر في آخر باب الإيمان و الكفر (5)، و آخر في باب الكفالة و الحوالة (6).

و بالجملة فلا أستبعد أن يكون المصباح هو النسخة التي رواها الفضيل، و هو علي مذاقه و مسلكه، و الذي اعتقده أنّه جمعه من ملتقطات كلماته عليه السلام، في مجالس وعظه و نصيحته، و لو فرض فيه شي ء يخالف مضمونه بعض1.

ص: 215


1- الأنعام 6 آية 45.
2- لم نقف علي هذا الحديث في النسخ المطبوعة من الأمالي. و رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 108 حديث 11.
3- تعليقة الوحيد علي منهج المقال: 261، و انظر عيون أخبار الرضا 1: 81 قطعة من حديث 9.
4- الكافي 2: 232 حديث 7.
5- الكافي 2: 334 حديث 2.
6- لم نعثر علي حديث للفضيل في الباب المذكور. و إنّما في الباب الذي يليه و هو باب «عمل السلطان و جوائزهم» الكافي 5: 108 حديث 11.

ما في غيره، و تعذّر تأويله فهو منه علي حسب مذهبه، لا من فريته و كذبه، فإنّه ينافي وثاقته.

و قد أطنبنا الكلام في شرح حال المصباح مع قلّة ما فيه من الأحكام، حرصا علي نشر المآثر الجعفريّة، و الآداب الصادقيّة، و حفظا لابن طاوس، و الشهيد، و الكفعمي- رحمهم اللّه تعالي- عن نسبة الوهم و الاشتباه إليهم، و اللّه العاصم.

ص: 216

41- صحيفة الرضا عليه السلام:

و يعبّر عنه أيضا بمسند الرضا عليه السلام، كما في مجمع البيان (1)، و بالرضويات كما في كشف الغمة (2)، و هو من الكتب المعروفة المعتمدة، الذي لا يدانيه في الاعتبار و الاعتماد كتاب صنّف قبله، أو بعده، و هو داخل في فهرست كتاب الوسائل، إلّا أنّ له نسخا متعدّدة، و أسانيد مختلفة، و يزيد متن بعضها علي بعض، و اقتصر صاحب الوسائل علي نسخة الشيخ الطبرسي قدس سره و روايته، و كأنّه لم يلتفت إلي اختلافها، أو لم يعثر علي باقيها، و قد عثرنا علي بعضها، و أخرجنا منها ما ليس في نسخة الطبرسي، فرأيت إن أشير إلي الاختلاف، و أذكر الطرق، فربما وقف الناظر علي خبر نقلته، أو نقل منها، و لا يوجد في النسخة المعروفة، فلا يبادر إلي التخطئة.

و قد جمعها الفاضل الآميرزا عبد اللّه في رياض العلماء، و نحن نسوقها بألفاظه قال:

فمن ذلك ما رأيته في بلدة أردبيل، في نسخة من هذه الصحيفة، و كان صدر سندها هكذا:

قال الشيخ الإمام الأجلّ العالم نور الملّة والدين، ظهير الإسلام و المسلمين، أبو أحمد أناليك العادل المروزي: قرأ علينا الشيخ القاضي الإمام الأجلّ الأعزّ الأمجد الأزهد، مفتي الشرق و الغرب، بقيّة السلف، أستاذ الخلف، صفيّ الملّة والدين، ضياء الإسلام و المسلمين، وارث الأنبياء و المرسلين أبو بكر محمود بن عليّ بن محمد السرخسي، في المسجد الصلاحي بشاذياخ

ص: 217


1- مجمع البيان: لم نعثر عليه فيه.
2- كشف الغمة 1: 89.

نيسابور- عمّرها اللّه- غداة يوم الخميس، الرابع من ربيع الأوّل من شهور سنة عشر و ستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ السيد الزاهد، ضياء الدين حجة اللّه علي خلقه، أبو محمد الفضل بن محمد بن إبراهيم الحسيني- تغمّده اللّه بغفرانه، و أسكنه أعلي جنانه- في شهور سنة سبع و أربعين و خمسمائة، قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن عبد الرحمن اللبيدي، قال:

أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد، قال: حدّثنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب- رضي اللّه عنه- سنة خمس و أربعمائة، بنيسابور في داره، قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد- حافد العباس بن حمزة- سنة سبع و ثلاثين و ثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه. بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي في سنة ستين و مائتين، قال: حدّثنا عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام، إمام المتّقين، و قدوة أسباط سيّد المرسلين، ممّا أورده في مؤلّفه المعنون بصحيفة أهل البيت عليهم السلام، سنة أربع و تسعين و مائة، قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر عليهما السلام، قال. إلي آخره.

و بسند آخر: و بعد فيقول الفقير إلي اللّه تعالي الكريم الغنيّ، طاهر بن محمد الراونبزي- غفر له و لوالديه و أحسن في الدارين إليهما و اليه-: أخبرني بالصحيفة المباركة الميمونة، الموسومة بصحيفة الرضا عليه السلام- إجازة بإجازته العامّة- شيخي و مخدومي، قدوة أرباب الهدي، أسوة أصحاب التقي، بقيّة كرام الأولياء، قطب دوائر المحقّقين، الشيخ سعد الحقّ و الملّة و الدين، يوسف بن الشيخ الكبير، و البدر المنير، خلف الأقطاب، الشيخ فخر الحقّ و الملّة و الدين، عبد الواحد الحموي- قدّس سرّهما، و أكثر برّهما- قال: أخبرني إجازة شيخي و مخدومي، و عمّي و أستاذي، و من عليه في أمور الدنيا اعتمادي، الشيخ غياث الحقّ والدين، هبة اللّه الحموي- تغمّده اللّه بغفرانه، بالإجازة العامّة- عن سيّده و جدّه، شيخ الإسلام و المسلمين، سلطان المحدّثين، الشيخ

ص: 218

صدر الحقّ و الملّة والدين، إبراهيم الحموي- قدّس سرّه- قال: أخبرني الشيخ السند، شرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة اللّه الدمشقي قراءة بها و أنا أسمع، يوم الأربعاء، الحادي عشر من ربيع الأوّل، سنة خمس و تسعين و ستمائة، بالخانقاه الشّمياطي، قيل له: أخبرك الشيخ أبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي، بروايته عن الشيخ أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي إجازة، قال:

أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي، قال: أخبرني الإمام أبو القاسم حبيب، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد النيسابوري الحفيد، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي سنة ستين و مائتين، قال: حدّثني الإمام علي بن موسي عليهما السلام سنة أربع و تسعين و مائة قال: حدّثني أبي. إلي آخره.

و بسند آخر: حدّث القاضي مرشد الأزكياء، أبو منصور عبد الرحيم بن أبي سعيد المظفّر بن عبد الرحيم الحمدوني، قال: حدّثني القاضي الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ العالم أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن محمد العريضي النيسابوري- بالريّ قدم حاجّا- قال: أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسّر (1)، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد- حفدة العباس ابن حمزة، سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة- قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد ابن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي سنة ستّين و مائتين، قال: حدّثني علي ابن موسي الرضا عليهما السلام سنة أربع و تسعين و مائة.

و بسند آخر: أخبرني الشيخ الفقيه أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفزاري (2) - المعروف بخابوسة، سنة سبع و عشرين و خمسمائة- قال: أخبرنيي.

ص: 219


1- في نسخة: المفتي.
2- نسخة بدل: الفزري.

القاضي الزكيّ الكبير، أبو الفضل عبد الجبّار بن الحسين بن محمد الزبربري، قال: أخبرنا الشيخ الجليل عليّ بن أحمد بن عليّ بن أميرك الطريقي، قال:

أخبرنا الشريف أبو عليّ الحسن بن محمد بن يحيي بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه ابن موسي (1) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام- نزله في المسجد الحرام، في قبّة الشراب، يوم الاثنين السابع و العشرين من ذي الحجّة، سنة أربع و تسعين و ثلاثمائة- قال: أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن حمدونة، أبو نصر البغدادي- بمرو الرود- قال: أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي- بالبصرة- قال: حدّثني أبي- سنة ستّين و مائتين- قال: حدّثني أبو الحسن عليّ ابن موسي الرضا عليهما السلام، قال: حدّثني أبي. إلي آخره.

و بسند آخر: قال الشيخ الإمام الأجلّ العالم، عماد الدين، جمال الإسلام، أبو المعالي، محمد بن محمد بن الحسين المرزباني القمي- مدّ اللّه في عمره-: أخبرني بهذه الصحيفة- من أوّلها إلي آخرها، و بالزيادة في آخرها- الشيخ الإمام نجم الدين، شيخ الإسلام، أبو المعالي، الحسن بن عبد اللّه بن أحمد البزّاز، قال: أخبرني بها الشيخ الإمام ركن الدين، علي بن الحسن بن العباس الصندلي، قال: أخبرني أبو القاسم يعقوب بن أحمد، قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد- حفدة العباس بن حمزة- قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي- بالبصرة- قال: حدّثني أبي- في سنة ستّين و مائتين- قال: حدّثني عليّ بن موسي الرضا عليه السلام- سنة أربع و تسعين و مائة- قال: حدّثني. إلي آخره.

و بسند آخر: أخبرنا الشيخ الفاضل، العالم الكامل، قطب السالكين، مؤيّد الإسلام و المسلمين، عبد العلي بن عبد الحميد (2) بن محمد السبزواري،د.

ص: 220


1- جاء في حاشية المخطوطة و الحجرية: كذا و الظاهر انه هنا سقط بعض الأسامي.
2- هامش الحجرية نسخة بدل: عبد المجيد.

و هو يرويه (1) عن الشيخ المعظم، و المفخر المكرّم، جلال الدّين محمد بن عبد اللّه القائني، و هو يروي عن تاج الدين إبراهيم بن قصاع الطبسي الكيلكي، و هو يروي عن شيخه الكامل مولانا تاج الدين علي تركه الكرماني، و هو عن شيخه غياث الدين هبة اللّه بن يوسف، عن جدّه صدر الدين إبراهيم بن محمد بن مؤيد الحموي، عن ابن العساكر، عن أبي (2) الروح الصوفي الهروي، عن زاهر بن طاهر، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي، قال:

أخبرنا أبو القاسم حبيب، قال: أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن محمّد النيسابوري، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي- بالبصرة- قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام- سنة أربع و تسعين و مائة (3).

قلت: قد عثرنا (4) علي هذه النسخة- بحمد اللّه تعالي- و فيها ما ليس في مسند الشيخ الطبرسي قدس سره، و في أوّلها: هذا إسنادنا في رواية هذه الصحيفة، المنسوبة إلي حضرة الرضا عليه السلام، أخبرني الشيخ. إلي آخره.

و يأتي في الفائدة الثالثة، في ذكر مشايخ عماد الدين الطبري سند آخر إليها، ذكره في كتابه بشارة المصطفي.ي.

ص: 221


1- نسخة بدل: يروي.
2- نسخة بدل: ابن.
3- رياض العلماء 4: 350.
4- هنا حاشية لآغا بزرك علي نسخته هي: رأيت تلك النسخة عند صدر الدين بن الشيخ أحمد الناهضي. كتب شيخنا النوري علي ظهرها بخطه: ان هذا الاسناد غير طريق الطبرسي، و تاريخ كتابتها سنة خمس و تسعمائة سنة 905. و في النجف عند السيد محمّد مفتي الشيعة نسخة بهذا السند كتبها إبراهيم بن حسن الكوهزري بخطه النسخ الجيد تاريخها 1044 لعله من آذربيجان مثل كوهكمري.

و لنذكر طريق الطبرسي قدس سره، فإنّ شيخنا الحرّ أهمل ذكرها، و كان عليه أن يذكرها، ففي نسخته: أخبرنا الشيخ الإمام العالم الراشد، أمين الدين، ثقة الإسلام، أمين الرؤساء، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي- أطال اللّه بقاءه، في يوم الخميس غرة شهر اللّه الأصمّ رجب، سنة تسع و عشرين و خمسمائة- قال: أخبرنا الشيخ الإمام، السعيد الزاهد، أبو الفتح عبد اللّه بن عبد الكريم بن هوازن القشيري- أدام اللّه عزّه، قراءة عليه، داخل القبّة التي فيها قبر الرضا عليه السلام، غرّة شهر اللّه المبارك، سنة إحدي و خمسمائة- قال: حدّثني الشيخ الجليل العالم، أبو الحسن عليّ بن محمد الحاتمي الزوزني- قراءة عليه، سنة اثنتين و خمسين و أربعمائة- قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن هارون الزوزني- بها- قال: أخبرني الشيخ أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد- حفدة العباس بن حمزة النيشابوري سنة سبع و في نسخة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة- قال: حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد.

إلي آخر ما تقدم.

و لا يخفي أنّ من راجع كتب الصدوق، سيّما عيون أخبار الرضا عليه السلام، و أمالي المفيد، و ترجمة عبد اللّه، و أبيه أحمد الطائي، و غيرها، علم أنّ هذه الصحيفة المباركة من الأصول المشهورة، المتداولة بين الأصحاب.

ثم لنذكر ما ذكره النجاشي تبرّكا، ففيه الكفاية، قال: أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر- و هو الذي قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام بكربلاء- ابن حسّان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن عمرو ابن طريف بن عمرو بن تمامة بن ذهل بن جذعان بن سعد بن قطرة بن طيّ، و يكنّي أحمد بن عامر أبا الجعد. قال عبد اللّه ابنه- فيما أجازنا الحسن بن أحمد ابن إبراهيم، حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبد اللّه قال-: ولد أبي سنة سبع و خمسين و مائة، و لقي الرضا عليه السلام سنة أربع و سبعين و مائة، و مات الرضا عليه السلام بطوس، سنة اثنتين و مائتين، يوم الثلاثاء، لثمان عشر خلون من جمادي

ص: 222

الاولي، و شاهدت أبا الحسن، و أبا محمد عليهما السلام، و كان أبي مؤذّنهما، و مات عليّ بن محمد عليهما السلام سنة أربع و أربعين و مائتين، و مات الحسن عليه السلام سنة ستّين و مائتين، يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرّم، و صلّي عليه المعتمد أبو عيسي بن المتوكّل.

دفع إليّ هذه النسخة- نسخة عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي- أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسي الجندي شيخنا رحمه اللّه- قرأتها عليه- حدّثكم أبو الفضل عبد اللّه بن أحمد بن عامر، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا الرضا عليّ بن موسي عليهما السلام، و النسخة حسنة (1)، انتهي.

و ساق النسب في ترجمة ابنه عبد اللّه، و زاد بعد قوله حسّان: المقتول بصفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام (2).6.

ص: 223


1- رجال النجاشي 100/ 250.
2- رجال النجاشي 229/ 606.

42- الرسالة الذهبية:

و يعرف بالذهبيّة، و كتاب طبّ الرضا عليه السلام.

قال في البحار: هو من الكتب المعروفة.

و ذكر الشيخ منتجب الدين في الفهرست: إنّ السيد فضل اللّه بن عليّ الراوندي كتب عليه شرحا، سمّاه ترجمة العلوي للطبّ الرضوي (1).

و قال ابن شهرآشوب في المعالم، في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي: له الملاحم و الفتن، الواحدة، الرسالة المذهّبة عن الرضا صلوات اللّه عليه في الطبّ (2).

و قال في المجلّد الرابع عشر من البحار: وجدت بخطّ الشيخ الأجلّ الأفضل، العلّامة الكامل في فنون العلوم و الأدب، مروّج الملّة و المذهب، نور الدين عليّ بن عبد العالي الكركي- جزاه اللّه سبحانه عن الإيمان و عن أهله الجزاء السنيّ- ما هذا لفظه: الرسالة الذهبيّة في الطبّ، التي بعث بها الإمام عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام الي المأمون العباسي، في حفظ صحّة المزاج، و تدبيره بالأغذية و الأشربة و الأدوية، قال إمام الأنام، غرّة وجه الإسلام، مظهر الغموض بالرؤية اللامعة، كاشف الرموز بالجفر و الجامعة، أقضي من قضي بعد جدّه المصطفي، و أغزا من غزا بعد أبيه عليّ المرتضي، إمام الجنّ و الإنس، أبو الحسن عليّ بن موسي الرضا صلوات اللّه عليه، و علي آبائه النجباء النقباء، الكرام الأتقياء: اعلم يا أمير المؤمنين. إلي آخره.

و وجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السندين: قال موسي بن عليّ ابن جابر السلامي: أخبرني الشيخ الأجلّ، العالم الأوحد، سديد الدين يحيي

ص: 224


1- فهرست منتخب الدين: 144/ 334.
2- معالم العلماء 103/ 689، بحار الأنوار 1: 30.

ابن محمد بن عليان الخازن- أدام اللّه توفيقه- قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور.

و قال هارون بن موسي التلعكبري- رضي اللّه عنه-: حدّثنا محمد بن هشام بن سهل- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن جمهور، قال:

حدّثني أبي- و كان عالما بأبي الحسن علي بن موسي الرضا عليهما السلام خاصّة به، ملازما لخدمته، و كان معه حين حمل من المدينة، إلي أن سار إلي خراسان، و استشهد عليه السلام بطوس، و هو ابن تسع و أربعين سنة- قال: و كان المأمون في نيشابور، و في مجلسه سيّدي أبو الحسن الرضا عليه السلام، و جماعة من المتطبّبين و الفلاسفة، مثل يوحنّا بن ماسويه، و جبرئيل بن بختيشوع، و صالح ابن سلهمة (1) الهندي، و غيرهم من منتحلي العلوم، و ذوي البحث و النظر.

فجري ذكر الطبّ و ما فيه صلاح الأجسام و قوامها، فأغرق المأمون و من بحضرته في الكلام، و تغلغلوا في علم ذلك، و كيف ركّب اللّه تعالي هذا الجسد، و جميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادّة من الطبائع الأربع، و مضارّ الأغذية و منافعها، و ما يلحق الأجسام من مضارّها من العلل.

قال: و أبو الحسن عليه السلام ساكت لا يتكلّم في شي ء من ذلك، فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الذي نحن فيه هذا اليوم، و الذي لا بدّ منه من معرفة هذه الأشياء، و الأغذية النافع منها و الضارّ، و تدبير الجسد؟.

فقال أبو الحسن عليه السلام: «عندي من ذلك ما جرّبته، و عرفت صحّته بالاختبار و مرور الأيّام، مع ما وقفني (2) عليه من مضي من السلف، ممّا لا يسع الإنسان جهله، و لا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج).

ص: 225


1- نسخة بدل: ملهمة.
2- التوقيف: الاطلاع، يقال وقفته علي ذنبه: أي أطلعته عليه، و يقال: وقفته علي الكلمة توقيفا أي بينتها. (لسان العرب 9: 361).

الي معرفته».

قال: و عاجل المأمون الخروج إلي بلخ، و تخلّف عنه أبو الحسن عليه السلام، و كتب- اليه عليه السلام- المأمون كتابا يتنجزّه ما كان ذكره، مما يحتاج الي معرفته من جهته، علي ما سمعه منه، و جرّبه من الأطعمة و الأشربة، و أخذ الأدوية، و الفصد و الحجامة، و السواك، و الحمّام، و النورة، و التدبير في ذلك، فكتب اليه الرضا عليه السلام كتابا، نسخته:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، اعتصمت باللّه، أمّا بعد فإنّه وصل إليّ كتاب أمير المؤمنين، فيما أمرني من توقيفه علي ما يحتاج إليه، ممّا جرّبته و سمعته، في الأطعمة و الأشربة، و أخذ الأدوية، و الفصد، و الحجامة، و الحمّام، و النورة، و الباه، و غير ذلك ممّا يدبّر استقامة أمر الجسد، و قد فسّرت له ما يحتاج إليه، و شرحت له ما يعمل عليه، من تدبير مطعمه و مشربه، و أخذه الدواء، و فصده، و حجامته، و باهه، و غير ذلك، ممّا يحتاج إليه من سياسة جسمه، و باللّه التوفيق. اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يبتل الجسد بداء حتي جعل له دواء. إلي آخره».

أقول: و ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي- قدّس اللّه روحه القدسي- في الفهرست، في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري، له كتب منها كتاب الملاحم، و كتاب الواحدة، و كتاب صاحب الزمان عليه السلام، و له الرسالة المذهبّة عن الرضا عليه السلام، أخبرنا برواياته كلّها- إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط- جماعة، عن محمد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن سعد ابن عبد اللّه عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور.

و رواها محمد بن عليّ بن الحسين، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسن بن متيل، عن محمد بن أحمد العلوي، عن العمركي بن عليّ، عن محمد بن جمهور (1).5.

ص: 226


1- الفهرست: 146/ 615.

و ذكر النجاشي أيضا طريقه إليه هكذا: أخبرنا محمد بن عليّ الكاتب، عن محمد بن عبد اللّه، عن عليّ بن الحسين الهذلي، قال: لقيت الحسن بن محمد بن جمهور، فقال لي: حدّثني أبي محمد بن جمهور و هو ابن مائة و عشر سنين.

و أخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيي، عن سعد، عن أحمد ابن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور، بجميع كتبه (1).

ثمّ نقل ما تقدّم عن المعالم، و فهرست ابن بابويه، و قال: فظهر أنّ هذه الرسالة كانت من المشهورات بين علمائنا، و لهم إليها طرق و أسانيد، انتهي ما في البحار (2).

قلت: الرسالة كما ذكره من المشهورات، و كفي في ذلك شرح السيّد الراوندي عليها، و تصريح المحقّق الثاني بأنّها منه عليه السلام. و أمّا تضعيف النجاشي، و ابن الغضائري، و العلّامة، و ابن طاوس، تبعا لهما لمحمد بن جمهور، فيمكن تضعيفه و لو بوجه لا يضرّ باعتبارها، و ذلك من وجوه:

الأوّل: ما ذكره النجاشي في ترجمة ابنه، قال: الحسن بن محمد بن جمهور العمي، أبو محمد، بصريّ ثقة في نفسه، ينسب إلي بني العم من تميم، يروي عن الضعفاء، و يعتمد علي المراسيل، ذكر أصحابنا ذلك و قالوا: كان أوثق من أبيه و أصلح (3).

الثاني: إنّه يروي عن جعفر بن بشير، كما في الفهرست في ترجمة أبان بن عثمان (4)، و قد قال النجاشي في حقّه: و كان يعرف بقفّة (5) العلم، لأنّه كان).

ص: 227


1- رجال النجاشي: 338/ 901.
2- البحار 62: 306- 309.
3- رجال النجاشي: 62/ 144.
4- الفهرست: 19/ 52.
5- القفّه: وعاء من خوص شبه الزبيل (لسان العرب 9: 287).

كثير العلم، ثقة روي عن الثقات، و رووا عنه (1).

الثالث: رواية الأجلّاء عنه، منهم الثقة الجليل شيخ أصحابنا العمركي ابن عليّ كما تقدّم، و الثقة الصدوق يعقوب بن يزيد كما في الكافي، في باب فضل الخبز من كتاب الأطعمة (2)، و ابنه الصالح الثقة الحسن (3)، و شيخ الكليني عليّ ابن محمد (4)، في مواضع عديدة.

الرابع: إكثار الكليني قدس سره في الرواية عنه (5)، في كتابه الذي عهد فيه ما عهد.

الخامس: اعتماد الصدوق عليه، في طريقه الي ميمون بن مهران، كما يظهر من مشيخة الفقيه (6).

السادس: إنّ له كتاب صاحب الزمان عليه السلام، و كتاب خروج القائم عليه السلام، قال في التعليقة: فما ندري ما معني الغلوّ الذي يرمونه به و هو في محلّه، فإنّ الغالي- الذي مرق عن الدين، و يكفّر صاحبه- لا يعتقد له عليه السلام الإمامة، و البقاء، و الخروج (7).

السابع: ما يظهر من الشيخ من الاعتماد علي رواياته، الخالية عن الغلوّ و التخليط، و هذه الرسالة منها، مضافا إلي اعتماد السيّد الراوندي مع قرب عهده عليها، إذ لولاه لما تصدّي لشرحها، و لعلّه وقف علي طرق اخري لم نعثر عليها.

و من الغريب بعد ذلك، ما ذكره شيخنا الحرّ رحمه اللّه في آخر الأمل،1.

ص: 228


1- رجال النجاشي: 119/ 304.
2- الكافي 6: 304 حديث 13.
3- الكافي 2: 416/ 9.
4- الكافي 2: 449/ 4.
5- كثيرة، انظرها في معجم رجال الحديث 15: 177 رقم 10412 و 365.
6- الفقيه: 93 (المشيخة).
7- تعليقة الوحيد:.، و هذه العبارة ذكرت في منتهي المقال: 271.

قال: و عندنا أيضا كتب لا نعرف صاحبها.

كتاب إلزام النواصب بإمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

الفقه الرضوي لا يعرف جامعه و روايته.

الطبّ الرضوي كذلك (1).

و قال في كتاب الهداية: الثاني، ما لم يثبت عندنا كونه معتمدا، فلذلك لم ننقل عنه، فمن ذلك كتاب الفقه الرضوي، كتاب طبّ الرضا عليه السلام (2)، انتهي.

و قد عرفت أنّ الشيخ صرّح في الفهرست بأنّه لمحمد بن جمهور (3).

و ذكر هو في ترجمة السيد فضل اللّه أنّ له شرحا عليه. فعدم نقله عنه، إن كان للجهالة كما يظهر من الأمل، فرافعها ما في الفهرست، و معالم العلماء، و إن كان لضعف الراوي، فهو مع بعده عن مذاقه، و مخالفته لطريقته، لا يجتمع مع تصريحه في الهداية قبيل هذا، بأنّ توحيد المفضّل من الكتب المعتمدة، و كذا الرسالة الإهليلجيّة فلاحظ، فإنّهما أسوأ حالا في هذا المقام منه، فما دعاه إلي التفريق، ثمّ التقديم هذا. و رأيت للسيّد الجليل، و العالم النبيل السيّد عبد اللّه الشبّر شرحا علي هذه الرسالة الشريفة (4).4.

ص: 229


1- أمل الأمل 2: 364.
2- هداية الأمة: مخطوط.
3- الفهرست: 146/ 615.
4- راجع الذريعة 13: 364.

43- فقه الرضا عليه السلام:

وقف عليه الأصحاب في عصر المجلسيّين، و اختلفوا في صحّته، و اعتباره، و حجّيته غاية الاختلاف، و صار معركة لآراء الناظرين، و إنكار المتبحّرين النقّادين: فبين من صحّحه و جعله حجّة، و من عدّه من الضعاف المفتقرة إلي جابر ذي قوة، و ثالث أخرجه من صنوف الأخبار، و أدرجه في مؤلّفات أصحابنا الأخيار.

و لهم في تحقيق الحقّ كلمات في رسائل منفردة، و غير منفردة، و نحن نلخّص ما ذكروه، و نذكر ما عندنا ممّا يؤيّده أو يشينه، فنقول للأصحاب: فيه أقوال:

الأوّل: القول بالحجيّة و الاعتماد.

ذهب إليه العلامة المجلسي، و والده المعظم قدس سرهما.

قال الأوّل في البحار: كتاب فقه الرضا عليه السلام، أخبرني به السيد الفاضل، المحدّث القاضي، أمير حسين- طاب ثراه- بعد ما ورد أصفهان، قال: قد اتّفق في بعض سني مجاورة بيت اللّه الحرام، أن أتاني جماعة من أهل قم حاجّين، و كان معهم كتاب قديم يوافق تأريخ عصر الرضا عليه السلام، و سمعت الوالد رحمه اللّه أنّه قال: سمعت السيّد يقول: كان عليه خطّه صلوات اللّه عليه، و كان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، و قال السيّد:

حصل لي العلم بتلك القرائن أنّه تأليف الإمام عليه السلام، فأخذت الكتاب، و كتبته و صحّحته، فأخذ والدي- قدّس اللّه روحه- هذا الكتاب من السيّد، و استنسخه و صحّحه، و أكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير مستند، و ما يذكره والده في رسالته إليه، و كثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا و لا يعلم مستندها

ص: 230

مذكورة فيه، كما ستعرف في أبواب العبادات، انتهي (1).

و قال الثاني- كما في فوائد العلّامة الطباطبائي، و مفاتيح الأصول-: من فضل اللّه علينا أنّه كان السيّد الفاضل، الثقة المحدّث، القاضي أمير حسين- رحمه اللّه- مجاورا عند بيت اللّه الحرام سنين كثيرة، و بعد ذلك جاء الي هذا البلد- يعني أصفهان- و لمّا تشرّفت بخدمته و زيارته، قال: إنّي جئتكم بهدية نفيسة، و هي الفقه الرضوي، قال: لمّا كنت في مكّة المعظّمة، جاءني جماعة من أهل قم مع كتاب قديم، كتب في زمان أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا عليه السلام، و كان في مواضع منه بخطّه صلوات اللّه و سلامه عليه، و كان علي ذلك إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، بحيث حصل لي العلم العادي بأنّه تأليفه عليه السلام، فاستنسخت منه و قابلته مع النسخة.

ثم أعطاني الكتاب، و استنسخت منه نسخة أخذها بعض الفضلاء ليكتب عليها، و نسيت الآخذ، ثمّ جاءني [بها] بعد إتمام الشرح العربي علي الفقيه، المسمّي بروضة المتّقين، و قليل من الشرح الفارسي.

ثمّ لما تفكّرت فيه ظهر لي أنّ هذا الكتاب كان عند الصدوق و أبيه، و كلّ ما ذكره عليّ بن بابويه، في رسالته إلي ابنه، فهو عبارته إلا نادرا، و كلّ ما ذكره الصدوق في هذا الكتاب بدون السند، فهو أيضا عبارته، فرأيت أن أذكر في مواضعه أنّه منه، لتندفع اعتراضات الأصحاب و شبهاتهم، و الظاهر أنّ هذا الكتاب كان موجودا عند المفيد أيضا، و كان معلوما عندهم أنّه من تأليفه عليه السلام و لذا قال الصدوق: ما افتي به، و أحكم بصحّته. و الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة علي محمد و آله الأقدمين، انتهي (2).

و قال في شرحه الفارسي علي الفقيه، في مسألة الحدث الأصغر في أثناء1.

ص: 231


1- بحار الأنوار 1: 11.
2- فوائد السيد بحر العلوم: 147، و مفاتيح الأصول: 351.

غسل الجنابة، بعد ذكر ما نقل الصدوق من رسالة أبيه إليه، فيها ما ترجمته:

الظاهر أنّ عليّ بن بابويه أخذ هذه العبارات، و سائر عباراته في رسالته إلي ولده من كتاب الفقه الرضوي، بل أكثر عبارات الصدوق التي يفتي بمضمونها، و لم يسندها إلي الرواية كأنها من هذا الكتاب، و هذا الكتاب ظهر في قم، و هو عندنا.

و الثقة العدل القاضي أمير حسين- طاب ثراه- استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من عشر سنين، و كان في عدّة مواضع منه خطّ الإمام الرضا عليه السلام، و إنّي أشرت إليه، و رسمت صورة خطه عليه السلام علي ما رسمه القاضي.

و من موافقة الكتاب لكتاب الفقيه، يحصل الظنّ القويّ بأنّ عليّ بن بابويه، و محمد بن عليّ كانا عالمين بأنّ هذا الكتاب تصنيف الامام عليه السلام، و قد جعله الصدوق حجّة بينه و بين ربّه.

و لمّا وقع لي السهو عنه، لم يتّفق لي من ملاحظته الي هذا الموضع، و سأنقل منه من هنا إلي آخر الكتاب.

و قال أيضا في كتاب الحجّ، من الشرح المذكور، في شرح رواية إسحاق ابن عمّار، فيمن ذكر في أثناء السعي أنّه ترك بعض الطواف: إنّ المشهور بين الأصحاب صحّة الطواف و السعي، إذا كان المنسيّ من الطواف أقلّ من النّصف، و هو موافق لما في الفقه الرضوي، و المظنون أنّ الصدوق كان علي يقين من كونه من تأليف الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، و إنّه كان يعمل به، و إنّ القدماء منهم كان عندهم ذلك، و منهم من كان يعتمد علي فتاوي الصدوق المأخوذة منه، لجلالة قدره عندهم.

ثمّ حكي عن شيخين فاضلين، صالحين ثقتين، أنّهما قالا: إنّ هذه النسخة قد اتي بها من قم إلي مكّة المشرّفة، و عليها خطوط العلماء، و إجازاتهم،

ص: 232

و خطّ الإمام عليه السلام في عدّة مواضع، قال: و القاضي أمير حسين قد أخذ من تلك النسخة، و أتي بها إلي بلدنا، و إنّي استنسخت. نسخته من كتابه.

و العمدة في الاعتماد علي هذا الكتاب: مطابقة فتاوي عليّ بن بابويه في رسالته، و فتاوي ولده الصدوق لما فيه من دون تغيير، أو تغيير يسير في بعض المواضع، و من هذا الكتاب تبيّن عذر قدماء الأصحاب فيما أفتوا به.

و السيد الأجلّ بحر العلوم و النهي العلّامة الطباطبائي عقد لتحقيق حاله، و قرائن اعتباره فائدة في آخر فوائده (1).

و العالم الفقيه النبيه، محمد بن الحسن المعروف بالفاضل الهندي- جعله بحر العلوم، ثالث المجلسيّين في الاعتماد عليه- قال: فقد سلكه في كتابه كشف اللّثام في شرح قواعد الأحكام في جملة الاخبار، و عدّه رواية عن الرضا عليه السلام، و علي ذلك جري جماعة من مشايخنا الأعلام- عطّر اللّه مراقدهم انتهي (2).

و كذا نسبه إليه المولي النراقي في العوائد (3).

و لكنّ بعض السادة من العلماء المعاصرين- أيّده اللّه- جعله من المتوقّفين، قال: و ثالثها: التوقّف في أمره، كما يستفاد من الشيخ الفقيه الأوحد، بهاء الدين محمد الأصفهاني- الشهير بالفاضل الهندي- حيث يعبّر عن رواياته بقوله: و روي عن الرضا عليه السلام، أو في رواية عن الرضا عليه السلام، من غير ان يعتمد عليها، أو يركن إليها، و ظاهره في المناهج السويّة أيضا ذلك (4).

و فيه ما لا يخفي.

و الشيخ المحدّث المحقّق البحراني: قال المولي الجليل النراقي في4.

ص: 233


1- و هي الفائدة: 45.
2- فوائد السيد بحر العلوم: 145.
3- عوائد الأيام: 250.
4- رسالة الخوانساري في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام): 4.

العوائد، في مقام ذكر من عدّه حجّة بنفسه: و منهم شيخنا يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة، و هو من المصرّين علي ذلك، و يجعله حجّة بنفسه.

و منهم شيخنا الفاضل السيّد علي الطباطبائي، صاحب رياض المسائل شرح المختصر النافع.

و منهم الوالد الماجد المحقّق، صاحب اللوامع بردّ اللّه مضاجعهم الشريفة.

و بعض من تقدّم عليهم، كالفاضل الكاشاني شارح المفاتيح قد سلكوه في مسلك الأخبار، و أدرجوه في كتب أحاديث الأئمّة الأطهار، و نقلوه في مؤلّفاتهم بطريق الروايات (1).

و الأستاذ الأكبر البهبهاني- طاب ثراه-، قال السيّد الأجلّ السيّد حسين القزويني، في مقدّمات شرحه علي الشرائع، في كلام له في فقه الرضا عليه السلام ما لفظه: و احتمل المولي الجليل الماهر الألمعي، مولانا محمد باقر البهبهاني- دام ظلّه العالي- أن يكون تأليفه صادرا من بعض أولاد الأئمّة عليهم السلام بأمر الرضا عليه السلام، و اعتني به، و اعتمده غاية الاعتماد، و كذا شيخنا الجليل الشيخ يوسف البحراني، انتهي.

هذا، و قال الفقيه النبيل الشيخ موسي النجفي، في شرح الرسالة في أحكام السجود: سادس عشرها استقبال القبلة بالأصابع حال السجود، علي ما ذكره كثير من الأصحاب. و لعلّ مستنده ما في الفقه الرضوي، من الأمر بوضعها مستقبل القبلة، و عموم التشبيه في خبر سماعة، في قوله: فإنّهما يسجدان كما يسجد الوجه.

الثاني: عدم الاعتبار، لعدم كونه منه عليه السلام، و جهالة مؤلّفه.1.

ص: 234


1- عوائد الأيام: 251.

ذهب إليه صاحب الوسائل، و تقدم أنّه عدّه من الكتب المجهولة، و جماعة من الفقهاء، كالسيّد السند الجليل صاحب تحفة الأبرار.

و المحقّق صاحب الفصول، قال في آخر كلامه فيه: فالتحقيق أنّه لا تعويل علي الفتاوي المذكورة فيه، نعم ما فيه من الروايات فهي من الروايات المرسلة، لا يجوز التعويل علي شي ء ممّا اشتمل عليه، إلّا بعد الانجبار بما يصلح جابرا لها (1). إلي آخره.

و بعض السادة الأجلّاء من العلماء المعاصرين- دام علاه- و قد كتب في عدم حجّيته ما هو كرسالة مستقلّة (2).

الثالث: انّه مندرج تحت الأخبار القويّة، التي يحتاج التمسّك بها الي عدم وجود معارض أقوي منها، أو انجبارها بالشهرة و نحوها، حسب اختلاف الأنظار في مراتب القوّة الحاصلة له بملاحظة القرائن التي ذكروها، من الشدّة الي ما يقرّب الاطمئنان بصدوره، و الضعف الي حدّ يدخله في سلك الضعفاء.

قال السيّد السند في المفاتيح: و في الاعتماد عليه بمجرّده إشكال، لعدم ثبوت كونه من مولانا الرضا عليه السلام بطريق صحيح، و لكن لا بأس بأن تعدّ رواياته من الروايات القويّة، التي ينجبر قصورها بنحو الشهرة، الي أن شرح أسباب قوّته، و قال: و لكن في بلوغه درجة الحجّية إشكال، و لكن لا أقلّ من عدّه قويّا، و عليه يمكن جعله مرجّحا لأحد الخبرين المتعارضين علي الآخر (3).

و في الفوائد، بعد إثبات اندراجه في جملة الأخبار و الأحاديث: و أمّا الكلام في حجّيته و عدمها، فهذا أمر يختلف باختلاف المذاهب، و المسالك و الآراء، في الحجّة من الأخبار الآحاد.1.

ص: 235


1- الفصول الغروية: 313.
2- الخوانساري في رسالة تحقيق حال فقه الرضا عليه السلام.
3- مفاتيح الأصول: 351.

فإنّ منهم من يقول باختصاص الحجّيّة بالأسانيد من الأخبار الصحاح، أو مع الحسان و الموثّقات، و لا شكّ أنّ ذلك ليس منها لعدم ثبوت الكتاب من الإمام، من جهة العلم و اليقين، و لا بالنقل المتصل بالثقات المحدّثين.

و منهم من يقول باختصاص الحجّيّة بأخبار الكتب الأربعة الدائرة، و هذا أيضا كسابقه.

و منهم من يقول بحجّيّة كل خبر مظنون الصدق أو الصدور، و بعبارة أخري كلّ خبر مفيد للظنّ، و اللازم علي ذلك ملاحظة ما نقلنا من الشواهد و الأمارات، فإن حصل له منه الظنّ فليقل بحجّيّته، و إلّا فلا.

و منهم من يقول بحجّيّة كلّ خبر غير معلوم الكذب، أو مظنونه، و لا شكّ أنّ هذا الكتاب منه، فيكون حجّة معمولا به، انتهي (1).

و ظاهر شيخنا الأعظم المحقّق الأنصاري- قدّس اللّه روحه- في مصنّفاته الشريفة، و سلوكه مع الرضوي أنّه يراه من الأخبار القويّة، و يتمسّك به حيث يتمسّك بها.

الرابع: انّه بعينه رسالة عليّ بن بابويه الي ولده الصدوق، و هو المعروف بشرائعه.

قال الآميرزا عبد اللّه الأفندي، في الفصل الخامس من القسم الأوّل، من رياضة: و أمّا الفقه الرضوي، فقد مرّ في ترجمة السيّد أمير حسين، الحقّ انه بعينه كتاب الرسالة المعروفة لعليّ بن موسي بن بابويه القمي إلي ولده الصدوق محمد بن عليّ، و انّ الاشتباه قد نشأ من اشتراك اسم الرضا عليه السلام معه، في كونهما أبا الحسن عليّ بن موسي، فتأمل (2).

و قال في ترجمة السيّد، بعد نقل ما في أوّل البحار: ثمّ إنّه قد يقال: إنّ3.

ص: 236


1- فوائد السيد بحر العلوم: لم نعثر عليه في مظانها.
2- رياض العلماء 6: 43.

هذا الكتاب بعينه رسالة عليّ بن بابويه الي ولده الشيخ الصدوق، و انتسابه الي الرضا عليه السلام غلط نشأ من اشتراك اسمه و اسم والده، فظنّ أنّه لعليّ ابن موسي الرضا عليه السلام، حتي لقّب تلك الرسالة بفقه الرضا عليه السلام، و كان الأستاذ العلّامة- قدّس سرّه- يميل الي ذلك، و قد يؤيّد ذلك بعد توافقهما في كثير من المسائل، باشتماله علي غريب من المسائل، و من ذلك توقيت وقت قضاء غسل الجمعة من الجمعة (إلي الجمعة) (1) و هو تمام أيّام الأسبوع الأخري، و المرويّ المشهور هو اختصاصه بيوم السبت، و نحو ذلك من المطالب، لكن لو لم يشتبه الحال علي هذا السيّد، لتمّ له الدست (2)، و ثبت ما اختاره الأستاذ الاستناد- سلّمه اللّه تعالي- انتهي (3).

و مراده بالأستاذ: العلّامة العالم المدقّق، النحرير الخبير، الآميرزا محمد ابن الحسن الشيرواني الشهير بملا ميرزا، و بالأستاذ الاستناد: العلّامة المجلسي رحمه اللّه و لا يخفي أنّ هذا الاحتمال بمكان من الضعف، كما تأتي الإشارة إلي أسبابه ان شاء اللّه تعالي.

و الظاهر أنّ هذا منه قبل اطّلاعه علي النسخة، التي كانت عند السيّد علي خان، شارح الصحيفة، كما سنذكره ان شاء اللّه، و ظاهره هنا، و ما ذكره في ترجمة ناصر خسرو هو الأوّل كما سيأتي.

و قال السيّد الجليل، السيّد حسين القزويني في شرح الشرائع: كان الوالد العلّامة يرجّح كونه رسالة والد الصدوق، محتملا كون عنوان الكتاب أوّلا هكذا: يقول عبد اللّه عليّ بن موسي، و زيد لفظ «الرضا» بعد ذلك من النسّاخ، لانصراف المطلق الي الفرد الكامل الشائع المتعارف.

و هذا كلام جيّد، لكن يبعّده بعض ما اتّفق في تضاعيف هذا الكتاب،1.

ص: 237


1- لم ترد في المخطوطة.
2- أي نال ما كان يروم. (انظر المعجم الوسيط 1: 283).
3- رياض العلماء 2: 30، و انظر: بحار الأنوار 1: 11.

انتهي (1).

و ملخّص هذه الأقوال: إنّ هذا الكتاب للرضا عليه السلام تأليفا، أو إملاء، أم لا؟ و علي الثاني هل هو داخل في جملة الأخبار القويّة أو الضعاف، أو لا؟ و علي الثاني هل يعرف مؤلّفه أم لا؟ ذهب الي كلّ واحد منها ذاهب، علي حسب اختلافهم في الكثرة و القلّة، و الذي أعتقده أنّ إملاء بعض الكتاب منه عليه السلام، و الباقي لأحمد بن محمد بن عيسي الأشعري، و هو داخل في نوادره.

و للسيّد السند المحقّق، السيّد محسن الأعرجي الكاظمي كلام فيه يؤيّد ما اعتقدنا، و إن لم يكن للوجه الذي دعانا إليه، قال رحمه اللّه في شرح مقدّمات الحدائق، عند تعرّض صاحبه للفقه الرضوي ما لفظه: و أمّا الكتاب الشريف، المشرّف بهذه النسبة العليا، فالذي يقضي به التصفّح و الاستقراء أنّه لبعض أصحابه عليه السلام، يحكي في الغالب كلامه عليه السلام و يجعله هو الأصل، حتي كأنّه عليه السلام هو المتكلّم الحاكي، فيقول: قال أبي، و ربّما حكي عن غيره من الأصحاب مثل صفوان، و يونس، و ابن أبي عمير، و غيرهم، و يقول بهذا الاعتبار: قال العالم عليه السلام، و يعنيه عليه السلام.

و أمّا أنّ جمعه له فبمكان من البعد، فكيف كان فأقصاه أن يكون و جادة، و أين هو من الرواية! و كذا الحال فيما نقله المجلسي في البحار، من الكتب القديمة التي ظفر بها، فإنّ أقصاه الوجادة، و ليس من الرواية في شي ء، و إنّما يصلح مؤيّدا، انتهي (2).

و في بعض ما ذكره تأمّل يأتي وجهه.

و كيف كان فليس في المقام إجماع و لا شهرة، و لو ادّعاها أحد فهي غير نافعة، فإنّ المستند هي القرائن التي ذكروها، و ضعّفها المنكرون.ط.

ص: 238


1- شرح الشرائع: مخطوط.
2- شرح مقدمات الحدائق: مخطوط.

فالمهمّ في المقام شرح تلك القرائن، ثمّ شرح ما يضعّفها، فنقول، معتصما باللّه تعالي، و رسوله، و خلفائه عليهم السلام: إنّ ما يمكن أن يقال أو قيل للأوّلين وجوه:

الأوّل: إنّ السيّد الثقة، الفاضل القاضي أمير حسين، أخبر بأنّ هذا الكتاب له عليه السلام، و أخبره بذلك أيضا ثقتان عدلان من أهل قم و هذا خبر صحيح، داخل في عموم ما دلّ علي حجية خبر العدل، و قد أشار إلي ذلك العلّامة الطباطبائي في فوائده، قال رحمه اللّه: و نحن نروي عن هذا السيّد الأمجد، و السند الأوحد، ما صحّت له روايته، و اتّضحت لديه درايته، بطرقنا المتكثّرة من شيخنا العلّامة المجلسي- طاب ثراه- عن والده المقدّس المجلسي- قدّس سرّه- و قد دخل في ذلك هذا الكتاب- و هو كتاب الفقه الرضوي- حيث ثبت برواية الثقات عنه، كونه عنده من قول الرضا عليه السلام، و هو ثقة و قد أخبر بشي ء ممكن، و ادّعي العلم فيصدق، و يعضده حكاية الثقة المجلسي رحمه اللّه فيما تقدّم من كلامه، عن الشيخين الذين مدحهما و وثّقهما، ما يطابق تلك الدعوي و يصدّقها، انتهي (1).

قلت: أمّا بناء علي طريقة المشهور بين المتأخّرين عن العلّامة، في معني الصحيح من الأحاديث، فلا نقض في المقدّمات المذكورة، التي لازمها دخول أخبار السيّد فيها، إلّا ما يتوهّم من عدم كون مستند علمه- بأن الكتاب المذكور منه عليه السلام- الأمور الحسّية، كالسماع منه عليه السلام، أو ممّن يتّصل سنده بوصفه المعتبر في المقام إليه عليه السلام، و غيره من أنواع التحمّل، و إنّما هو الحدس الناشئ عن ملاحظة الخطوط المنسوبة إليه، التي كانت علي هوامش الكتاب المعهود، و الإجازات التي كانت عليها من الأفاضل، و عليه فلا يشمله أدلّة حجّيّة الخبر الصحيح، لاختصاصها علي ما حقّق في محلّه بالطائفة9.

ص: 239


1- فوائد السيد بحر العلوم: 149.

الاولي، و لذا أنكروا حجّية الإجماع المنقول علي من ادّعي دخوله فيها، بناء علي أنّ الذي يدّعيه جزما بخبر عن المعصوم جزما ناشئا عن الحدس.

و يمكن رفعه بأنّ المتيقّن من الخارج، هو ما لم يكن له مبادئ محسوسة، و أمور حسّية يلزم من العلم بها، العلم بالمخبر عنه الغير المحسوس. و لذا لم يعدّوا الإخبار عن الشجاعة، و السخاء، و العدالة، بناء علي تفسيرها بالملكة من الاخبار الحدسيّة، بل و جميع الصفات النفسانيّة حسنة كانت، أو قبيحة.

و كذا الأخبار عن الولادة، و النسب، و أمثالها، ممّا يكون الإخبار عن نفس المخبر عنه بالحدس، و إنّما كان سبب علمه ما سمعه أو رآه، و علي ذلك فلا بأس بعدّ الخبر المذكور من قبيل الأخبار المذكورة، و يشهد لذلك أنّهم كثيرا ما يعتمدون في نقل الفتاوي علي كتب الأصحاب، و يرتّبون عليها آثارها من غير أن يعلم استناد الموجود منها عنده الي صاحبه، إلّا بأمور حدسيّة، كذكر هذا الكتاب في ترجمته، و مطابقة ما نقل عنه بما وجده فيه، أو وجود خطّ بعض العلماء علي هوامشه، أو إجازاتهم في آخره أو ظهره، و غير ذلك من الأمارات التي أغلبها حدسيّة، و لا يقتصرون في النقل علي الكتب المعروفة، التي تلقّاها الأصحاب خلفا عن السلف بالقراءة، و السماع، و المناولة، كجملة من كتب الشيخ الطوسي، و الفاضلين، و أضرابهم، و هذا من الوضوح بمكان لا يحتاج الي نقل الشواهد، و ذكر الأمثال، نعم ليس بناؤهم علي الاعتماد علي كلّ امارة و قرينة، بل علي ما يوجب للناظر القطع، أو الاطمئنان التامّ، و الوثوق المعتد به، و إن كان تمامها أو بعضها حدسيّة.

و أمّا علي ما نراه من عدم انحصار الحجّية من الأخبار في الصحيح المصطلح، بل دليل الحجّية يشمله و كلّ خبر حصل من الأمارات الداخليّة أو الخارجيّة الوثوق بصدوره، و الاطمئنان بوروده، و لعلّه هو الصحيح عند القدماء، فالأمر سهل كما لا يخفي.

ثم نقول: و من الممكن أن يكون الثقتان الصالحان، اللذان أتيا بالكتاب

ص: 240

من قم إلي مكّة المشرّفة، تلقّياه عن آبائهما يدا بيد، إلي الإمام عليه السلام، فيخرج بذلك عن حدود الأخبار الحدسيّة، و هذا أمر غير عزيز.

هذا ابن شهرآشوب ذكر في مناقبه: إنّ العهد الذي كتبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لحيّ سلمان بكازرون، موجود فيه إلي هذا العصر، و يعملون به (1).

و ذكر القطب الراوندي في دعواته: إنّ المكتوب الذي كتبه مولانا الرضا عليه السلام لجمّاله، الذي حمله إلي طوس لمّا استدعاه منه ليتبرّك به،- و كان من أهل كرمند (2) - هو موجود إلي الآن. و نقل رحمه اللّه ما في المكتوب (3)، و هو خبر شريف، و لعلّ الجماعة، لضنّتهم به ما أفشوه، خوفا من خروجه من أيديهم، خصوصا من أهل قم فإنّهم الذين سلبوا دعبل، و أخذوا جبّة الرضا عليه السلام منه قهرا، للتبرّك و الاستشفاء بها، فكيف لو اطّلعوا علي مثل هذا الكتاب، الذي عليه خطّه عليه السلام في جملة من المواضع!؟

ثمّ إنّ خطّه عليه السلام أيضا في ذلك العصر لم يكن بذلك العزيز، الذي لا يعرفه أحد، و قد كان بأيدي الناس كتاب اللّه المجيد بخطّه عليه السلام، و هو موجود الآن في خزانة كتبه الشريفة، فمن الممكن أنّهم عرفوا أنّه خطّه عليه السلام لمعرفتهم بخطّه عليه السلام، و اللّه العالم.

الثاني: إنّ الفاضل الخبير، الآميرزا عبد اللّه الأصفهاني قال في رياض العلماء: السيّد السند الفاضل، صدر الدين علي خان المدني، ثمّ الهندي الحسيني الحسني، ابن الأمير نظام الدين أميرزا أحمد بن محمد معصوم (4) ابنظ.

ص: 241


1- المناقب لابن شهرآشوب 1: 111.
2- كذا، و لعل الصحيح كرند، إذ لم نعثر علي كرمند، و لا گرمند علما للمكان في المعاجم الفارسية و غيرها.
3- الدعوات المطبوع خال منه و كذا النوادر.
4- في المخطوطة و الحجرية: محمد بن معصوم، و الظاهر كون الابن زيادة، فلاحظ.

السيّد نظام الدين أحمد بن إبراهيم بن سلام اللّه بن عماد الدين مسعود بن صدر الدين محمد بن السيّد الأمير غياث الدين منصور بن الأمير صدر الدين محمد الشيرازي- الي أن قال- هو ابن إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن عليّ بن عربشاه بن أمير أنبه بن أميري بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن زيد الاعثم ابن عليّ بن محمد بن عليّ أبي الحسن نقيب نصيبين ابن جعفر بن أحمد السكين بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليهم السلام.

الي أن قال: ثمّ اعلم أنّ أحمد السكين، و قد يقال أحمد بن السكين، هذا الذي قد كان في عهد مولانا الرضا صلوات اللّه عليه، و كان مقرّبا عنده في الغاية، و قد كتب الرضا عليه السلام لأجله كتاب فقه الرضا عليه السلام، و هذا الكتاب بخطّ الرضا عليه السلام موجود في الطائف بمكّة المعظّمة، في جملة كتب السيّد علي خان المذكور، التي قد بقيت في بلاد مكّة، و هذه النسخة بالخطّ الكوفي، و تاريخها سنة مائتين من الهجرة، و عليها إجازات العلماء و خطوطهم، و قد ذكر الأمير غياث الدين- المذكور نفسه- أيضا في بعض إجازاته بخطّه هذه النسخة، ثمّ أجاز هذا الكتاب لبعض الأفاضل، و تلك الإجازة بخطّه أيضا، موجودة في جملة كتب السيّد علي خان، عند أولاده بشيراز، انتهي (1).

و فيما ذكره فوائد:

الاولي: إنّ هذه النسخة التي صرّح بأنّها كانت بخطّه عليه السلام، غير النسخة التي كانت في قم، كما لا يخفي.

الثانية: إنّها أيضا كانت معلّمة بإجازات العلماء و خطوطهم، و ليس في علمائنا من القديم الي الآن من هو أعرف بأحوال العلماء و خطوطهم، من3.

ص: 242


1- رياض العلماء 3: 363.

الفاضل المذكور، فتراه يذكر في أكثر التراجم أنّه رأي كتابه الفلاني، و إجازته لفلان، في البلد الفلاني، عند فلان، و يصف خطّه بالجودة أو الرداءة، فما كان يخفي عليه حال المجيز و خطّه.

و الثالثة: إنّ النسخة كانت عند جدّه الأعلي، الأمير غياث الدين منصور، الذي يعبّر عنه بغوث العلماء، و غياث الحكماء، صاحب التصانيف المعروفة المتداولة، المعاصر للمحقّق الثاني- رحمه اللّه- المتوفّي سنة ثمان و أربعين و تسعمائة.

فقول بعض السادة من العلماء المعاصرين: إنّ أوّل من ذهب الي ذلك- أي في كون الكتاب من تأليفه- و أصرّ في ترويجه، رجل فاضل محدّث، كان يقال له: القاضي أمير حسين، و هو الذي أظهر أمر هذا الكتاب، و جاء به من مكّة المشرّفة الي أصبهان، في عصر الفاضلين المجلسيّين، و أراهما إيّاه، و قبل ذلك لم يوجد منه عين و لا أثر، بين محقّقي أصحابنا، انتهي (1).

ناشئ من عدم الاطّلاع، و قلّة التجسس، و هذا غير غريب، إنّما الغريب أنّ أخاه السيد الجليل، صاحب روضات الجنّات- طاب ثراه- الذي هو من المنكرين- حتّي قال في ترجمة السيّد الكركي الآتي ذكره: إن المجلسي الأوّل هو الباعث علي إيقاظ هذه الفتنة النائمة (2)،. إلي آخره- نقل العبارة السابقة عن الرياض كما نقلناه، و لم يزد في ردّه، إلّا أن قال: و هو غريب.

و لعمري لو كان له سبيل إلي ردّه، بتكذيب صاحب الرياض، أو غياث الحكماء لفعل.

ثمّ لا يخفي أنّ أحمد السكين المذكور، داخل في سلسلة الأسانيد، فقال السيّد الفاضل المذكور: السيد علي خان فيما جمعه من أخبار المسلسلة بالآباء:6.

ص: 243


1- رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام): 3.
2- روضات الجنات 2: 336.

حدّثني والدي السيّد الأجلّ أحمد نظام الدين، عن والده السيّد الجليل محمد معصوم، عن شيخه المحقّق المولي محمّد أمين الأسترابادي، عن شيخه طراز المحدّثين الميرزا محمد الأسترابادي، عن السيّد أبي محمد محسن، قال: حدّثني أبي عليّ شرف الآباء، عن أبيه منصور غياث الدين أستاذ البشر، عن أبيه محمد صدر الحقيقة (1)، عن أبيه إبراهيم شرف الملّة، عن أبيه محمّد صدر الدين، عن أبيه إسحاق عزّ الدين، عن أبيه عليّ ضياء الدين، عن أبيه عربشاه زين الدين، عن أبيه أبي الحسن أميران به نجيب الدين، عن أبيه أميري خطير الدين، عن أبيه أبي عليّ الحسن جمال الدين، عن أبيه أبي جعفر الحسين العزيزي، عن أبيه أبي سعيد عليّ، عن أبيه أبي إبراهيم زيد الأعشم، عن أبيه أبي شجاع عليّ، عن أبيه أبي عبد اللّه محمد، عن أبيه عليّ، عن أبيه أبي عبد اللّه جعفر، عن أبيه أحمد السكين، عن أبيه جعفر، عن أبيه السيّد محمد المحروق، عن أبيه أبي جعفر محمد، عن أبيه زيد الشهيد، عن أبيه عليّ زين العابدين عليه السلام، عن أبيه الحسين سيّد الشهداء عليه السلام، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: «سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول، و قد سئل بأيّ لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج، قال: خاطبني بلسان عليّ عليه السلام» الخبر (2).

ثمّ شرح الحديث، و ساق تمام خمسة (3) أحاديث مسلسلة بالآباء، بسبعةه.

ص: 244


1- نسخة بدل: الدين.
2- ورد في هامش الطبعة الحجرية ما نصه: تمامه: فألهمني أن قلت: يا ربّ خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد أنا شي ء ليس كالأشياء، لا اقاس بالناس، و لا أوصف بالشبهات، خلقتك من نوري، و خلقت عليا من نورك، اطّلعت علي سرائر قلبك، فلم أجد في قلبك أحبّ من عليّ بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك. (منه قده).
3- جاء في حاشية المخطوطة: اختصاص السيد الجليل السيد علي خان شارح الصحيفة بمزية خمسة أحاديث مسلسلة بالآباء بسبعة و عشرين أبا و هو من خصائصه و ليس في أخبار الخاصة و لا العامة له نظير فطوبي له.

و عشرين أبا، و هو من خصائصه، و ليس في أخبار الخاصّة، و لا العامّة، له نظير.

إذا عرفت ذلك، فاسمع لما نتلوه عليك، من كلام العلّامة الطباطبائي قدس سره في فوائده، قال: و قد اتّفق لي في سنّي مجاورتي المشهد المقدّس الرضويّ، علي مشرّفه سلام اللّه العليّ، إنّي وجدت في نسخة من هذا الكتاب، من الكتب الموقوفة علي الخزانة الرضويّة، أنّ الإمام عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام، صنّف هذا الكتاب لمحمد بن السكين، و إنّ أصل النسخة وجدت في مكّة المشرّفة، بخطّ الإمام عليه السلام، و كان بالخطّ الكوفي، فنقله المولي المحدّث الآميرزا محمد- و كان صاحب الرجال- الي الخطّ المعروف، و محمد بن السكين في رجال الحديث رجل واحد، و هو محمد بن السكين بن عمّار النخعي الجمّال، ثقة له كتاب، روي أبوه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قاله النجاشي في كتابه (1). و فيه، و في الفهرست (2): إن الطريق إليه إبراهيم بن سليمان، و هو إبراهيم بن سليمان بن عبد اللّه بن حيّان.

و الطبقة تلائم كونه من أصحاب الرضا عليه السلام. قيل: و روي عنه ابن أبي عمير، و هو من أصحاب الرضا عليه السلام و الجواد عليه السلام، فيكون محمد بن سكّين من كبار أصحاب الرضا عليه السلام، و هذا النقل و إن لم نجده لأحد من المعتبرين، إلّا أنّه تلوح عليه آثار الصدق فيصلح لتأييد ما تقدّم، انتهي (3).

و أنت بعد التأمّل في كلام صاحب الرياض، و ما نقله- طاب ثراه- عن0.

ص: 245


1- رجال النجاشي: 361/ 969.
2- الفهرست: 151/ 644.
3- فوائد السيد بحر العلوم: 150.

النسخة الرضويّة، لا تكاد تشكّ أنّ هذه النسخة الرضويّة استنسخت من النسخة التي كانت عند شارح الصحيفة، و آبائه الأجلّاء الكرام.

و الظاهر بل المقطوع أنّ محمدا تصحيف أحمد، إما ممّن نقلها من الخطّ الكوفي إلي العربي، أو من الناسخ، و عليه فما تكلّفه من تحصيل وثاقته، و ملاءمة طبقته، في غير محلّه. و أمّا أحمد السكين، فهو في طبقته عليه السلام، لأنّ بينه و بين السجّاد عليه السلام ثلاثة من الآباء، بعدد ما بينهما عليهما السلام منها.

و عندي مجموعة شريفة، فيها الإيضاح، و الخلاصة، و ابن داود، و الفهرست، و معالم العلماء، و المنتخب، و جملة من الإجازات كانت لبعض العلماء، من أولاد الأمير سلام اللّه، المذكور في آباء السيد المذكور، و جملة منها بخطّه و قد صحّحها، و عليها حواش منه، و في آخرها إجازة له من بعض العلماء، و مدحه فيها بقوله: و قد استجاز من الفقير الحقير: السيّد السند، الحسيب النسيب النقيب، ذو المجدين، و صاحب الرئاستين، خيرة نجل سيّد المرسلين، صلّي اللّه عليه و آله و عليهم أجمعين، و خلاصة سلالة أمير المؤمنين عليه السلام، الأمير معين الدين محمد بن المغفور المبرور شاه أبو تراب بن أمير سلام اللّه. إلي آخره.

و في ظهر الإجازة كتب الأمير معين الدين المذكور نسبه بخطه، و ساقه كما ذكرنا، إلّا أنّه قال: معين الدين محمد بن عماد الدين محمود- الشهير بأبي تراب- الي آخره، و بالغ في مدح أحمد السكين، و لم يتعرّض لمدح غيره، قال:

زيد الأعشم بن عليّ بن محمد بن علي بن جعفر بن قدوة المتّقين، برهان ذوي اليقين، الشاهر سيفه في نصر الدين، أبي جعفر أحمد السكّين، إلي أخره.

و تاريخ الإجازة المذكورة سنة 994.

و في رياض العلماء، في ترجمة شارح الصحيفة، بعد أن ساق نسبه كما تقدّم، قال في الحاشية: و يظهر من طيّ بعض المواضع نسبه، كما رأيته بخطّ

ص: 246

بعض (1) أفاضل هذه السلسلة المباركة، و كان تأريخ ذلك الخطّ سنة 982 (2)، هكذا: و هو الأمير معين الدين محمد بن محمود، و ساق الي قوله: عليّ بن جعفر ابن قدوة المتّقين، برهان ذوي اليقين، نصير الدين أبي جعفر أحمد السكين.

إلي آخره (3).

و نقل في إجازات البحار صورة لخط إجازة الأمير صدر الدين محمد بن الأمير غياث الدين منصور الحسيني الشيرازي الدشتكي (4)، للسيد الفاضل عليّ بن القاسم الحسيني اليزدي، و هي إجازة لطيفة حسنة، و فيها بعد ذكر سنده المعنعن بالآباء كما تقدّم، قال: ثمّ إنّ أحمد السكين جدّي صحب الإمام الرضا عليه السلام، من لدن كان بالمدينة إلي أن اشخص تلقاء خراسان، عشر سنين، فأخذ منه العلم، و إجازته عليه السلام عندي، فأحمد يروي عن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و هذا الإسناد أيضا ممّا انفرد به لا يشركني فيه أحد، و قد خصّني اللّه تعالي بذلك، و الحمد للّه (5).

و من جميع ذلك ظهر أنّ أمارات الوثوق و الاعتماد بهذه النسخة المكّية أزيد من النسخة القميّة، فلاحظ و تأمّل.

الثالث: ما في فوائد العلّامة المذكور، قال: و ممّا يؤيده و يؤكّده، أنّ الشيخ الجليل منتجب الدين، و هو الشيخ أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه بن الحسن ابن الحسين بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن بابويه القميّ، قال في رجاله الموضوع لذكر العلماء المتأخّرين عن الشيخ الطوسي قدس سره- ما هذا لفظه:8.

ص: 247


1- لم ترد في المخطوطة.
2- في المخطوطة: سنة 983.
3- رياض العلماء 3: 364.
4- في المخطوطة: الأشتكي.
5- بحار الأنوار 108: 124- 128.

السيد الجليل محمد بن أحمد بن محمد الحسيني، صاحب كتاب الرضا عليه السلام، فاضل، ثقة. كذا في عدّة نسخ مصحّحة من رجال المنتجب (1). و في كتاب أمل الآمل، نقلا عنه (2).

و الظاهر أنّ المراد بكتاب الرضا عليه السلام هو هذا الكتاب، و أمّا الرسالة المذهّبة، المعروفة بالذهبيّة، و طبّ الرضا عليه السلام، فهي عدّة أوراق في الطبّ، صنّفها الرضا عليه السلام للمأمون و إرادتها من هذه العبارة في غاية البعد، و المراد بكونه صاحب كتاب الرضا عليه السلام، وجود نسخة الأصل عنده، أو انتهاء إجازة الكتاب إليه، لا أنّه روي هذا الكتاب عنه بلا واسطة، أو أنّه صنّفه له، فإنّه من العلماء المتأخّرين، الذين لم يدركوا أعصار الأئمّة عليهم السلام، فهذا بناء ما عندي، و بناء من قبلي في هذا الكتاب، انتهي (3).

و ردّه في الفصول بقوله: و أمّا ما ذكره البعض في محمد بن أحمد، من أنّه صاحب كتاب الرضا عليه السلام فلا دلالة فيه علي أنّ إجازة هذا الكتاب منتهية إليه، لجواز أن يكون المراد به بعض رسائله عليه السلام، ممّا رواه الصدوق في العيون، و لو سلم أنّ المراد به الكتاب المذكور، فلا دلالة في كونه صاحبه علي إنّه كان يرويه بطريق معتبر لجواز أن يكون واجدا له، أو راويا بطريق غير معتبر، انتهي (4).

و قال بعض العلماء المعاصرين، بعد ذكر كلام السيد في جملة القرائن ما لفظه: و امّا ما مرّ من أنّ الشيخ منتجب الدين. الي3.

ص: 248


1- فهرست منتجب الدين 171/ 412.
2- أمل الآمل 2: 242/ 714.
3- فوائد السيد بحر العلوم: 150.
4- الفصول الغروية: 313.

آخره، فلا يظهر منه غير أنّ له مصنّفا له تعلّق بمولانا الرضا عليه السلام، كعيون اخبار الرضا عليه السلام، و صحيفة الرضا عليه السلام، التي رواها (الطبرسي، و فيها أخبار جميلة، كما أنّ الظاهر من قولهم فلان صاحب كذا أنّه مصنّفه) (1) مع أنّه يحتمل قويّا أن يكون المراد بالرضا معناه اللغوي، فإنّه كثيرا ما يسمّي المصنّفون كتبهم بنظائر ذلك، لكنّه لا يخلو عن تأمّل، فما ذكره بعضهم من أنّ كونه صاحب كتاب الرضا عليه السلام، باعتبار أنّه ممّن وجدت عنده نسخته، أو انتهت إليه إجازة الكتاب، ففي غاية البعد، انتهي.

قلت: و فيهما مواقع للنظر:

أمّا أوّلا: فإنّ السيد- رحمه اللّه- لم يتمسّك بكلام المنتجب دليلا علي. فيردّ بإبداء الاحتمالات المذكورة فيه، و إنّما ذكره تأييدا و أمارة علي ما هو المرسوم عند المشايخ، في أمثال هذا المقام، من ذكر القرائن و الأمارات التي تورث الوثوق و الاطمئنان من تراكمها، و إن تطرّق في كلّ واحدة احتمال يضعّف الظنّ الحاصل منها، و لا يكترثون به بعد وجود ما يحصل بانضمامه قوّته، و عليه مدار الظنون الرجاليّة في مقام التعديل، و المدح، و الجرح، و تمييز المشتركات، و تشخيص الطبقات، مع إمكان إبداء جملة من الاحتمالات في آحاد ما ساقوه من الامارات، و القرائن.

و أمّا ثانيا: فلأنّ الظاهر من الكلام المذكور، مع قطع النظر عن كلّ شبهة، أنّ للرضا عليه السلام كتابا و السيد المذكور صاحبه، و توصيف الرجل بأنّه صاحب كتاب الغير، لا يكون إلّا بما ذكره رحمه اللّه من وجود نسخة الأصل عنده، و عدم وجودها عند غيره، أو انتهاء السند إليه، و كلّ ما ذكراه خلاف الظاهر.

و أمّا ثالثا: فما ذكره من جواز كونه بعض رسائله. الي آخره، ففيه إنّه ليسة.

ص: 249


1- ما بين قوسين لم يرد في المخطوطة.

في العيون ممّا أخرج مفردا، إلّا الأخبار المنثورة، التي أخذها من صحيفة الرضا عليه السلام، و قد مرّ في حالها ما يمكن به القطع بكونه غير مراد هنا.

و أمّا رابعا: فما ذكره السيّد المعاصر- سلّمه اللّه- بقوله: فلا يظهر منه غير أنّ له مصنّفا له تعلّق، إلي آخره، كلام صدر من غير تأمّل، فإنّه ليس في المنتجب أنّ له كذا و كذا، كما هو رسمه في سائر التراجم، و إنّما قال: محمد بن أحمد بن محمد الحسيني، صاحب كتاب الرضا عليه السلام (1)، و لا دلالة له علي أنّه مؤلّفه، و إلّا لقال: له كتاب الرضا عليه السلام.

نعم قد يعبّرون عن المؤلّف بالصاحب إذا اشتهر الكتاب، و أرادوا تشخيص صاحبه، إذ ليس له معرّف غيره، لا في كتاب لم يكن معروفا عندهم، و لا في مقام أضافوا الكتاب الي الغير الظاهر كونه من تأليفه، أو إملائه، ثمّ إنّ ما قوّاه من الاحتمال، ثمّ تأمّل فيه كان حريّا بأن يمحا من الرسالة، خصوصا في مقام ردّ من هو فوق ما يحوم الخيال حوله من الجلالة.

و أمّا خامسا: فما في الأوّل من أنّه لا دلالة في كونه صاحبه علي أنّه يرويه، الي آخره، ففيه إنّ كلام السيد الأجلّ، خال عن دعواه، و تسليم كون الكتاب له عليه السلام رواه عنه عليه السلام السيد المتقدّم، و لو بطريق غير معتبر كاف للتأييد، و التقوية، و حصول الظنّ بكون الموجود له عليه السلام، و هذا هو ما ادّعاه. مع أنّ بعد فرض التسليم، و ظهور كلام صاحب المنتجب، في معهوديّة وجود كتاب له عليه السلام يصير السيّد و مشايخه من مشايخ الإجازة، و للأصحاب فيها كلام معروف من أنّهم لا يحتاجون إلي التزكية و التوثيق، أو كون الرجل من مشايخ الإجازة من أمارات الوثاقة، أو تفصيل بين المشايخ ليس هنا مقام ذكره، فراجع.

الرابع: ما ذكره السيّد المحدّث، السيّد نعمة اللّه الجزائري، في المطلب2.

ص: 250


1- فهرست منتجب الدين: 171/ 412.

السادس من مطالب مقدّمات شرح التهذيب، قال في جملة كلام له: و كم قد رأينا جماعة من العلماء، ردّوا علي الفاضلين بعض فتاويهما بعدم الدليل، فرأينا دلائل تلك الفتاوي في غير الأصول الأربعة، خصوصا كتاب الفقه الرضوي، الذي اتي به من بلاد الهند في هذه الأعصار إلي أصفهان، و هو الآن في خزانة شيخنا المجلسي- أدام اللّه أيّامه- فإنّه قد اشتمل علي مدارك كثيرة للأحكام، و قد خلت منها هذه الأصول الأربعة و غيرها، انتهي.

و ظاهره أنّ هذه نسخة اخري غير التي كانت في قم، و هذا ممّا يؤيّد الوثوق و الاطمئنان.

و اعترض السيّد العالم المعاصر، فقال: و أيضا فإنّ الظاهر أنّ مرجع كلّ ما حكاه المولي الفاضل المجلسي، عن الشيخين المذكورين، و ما قاله السيّد الفاضل الجزائري، و ما نبّه عليه سيّدنا بحر العلوم، إلي النسخة التي ظفر عليها القاضي أمير حسين بمكّة المشرّفة، و كأنّها ظهرت في قم، و ذهب بها بعض أهلها إلي جانب البيت المعظّم و الهند، ثم انتشر المنتسخ منها بأصبهان، و المشهد المقدّس الرضوي.

إلي أن قال: و أيضا لو كانت النسخة التي أشار إليها المحدّث الجزائري، و ذكر أنّها في خزانة المولي المجلسي- رحمه اللّه- غير ما جاء السيّد المتقدّم بها إليه، لكان المولي المذكور أولي بأن يذكر ذلك في مقدّمات بحاره، حيث تصدّي لتنقيحه و تأييده، و نحن قد لاحظنا مظانّ ذلك في البحار، و لم نقتصر علي المقدّمات خاصّة، و لم نجد لذلك عينا و لا أثرا، و لا يخفي أنّ المولي المجلسي- رحمه اللّه- قد ذكر جملة ممّا ظفر عليه في أواخر عمره، في المجلّد الأخير من البحار، و نحن كلّ ما تأمّلناه لم نجد ذلك فيه أيضا، انتهي (1).

قلت: استظهار اتّحاد النسخ الثلاث ممّا يكذّبه الوجدان:9.

ص: 251


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 29.

أمّا أوّلا: فلأنّ النسخة المكّيّة كانت عند السيّد علي خان بالطائف، و كانت عند جدّه الأعلي مير غياث الدين، كما صرّح به صاحب الرياض، و كانت داخلة في مرويّاته، و الظاهر أنّها وصلت إليه بالوراثة، و لا أستبعد أن يكون السيّد محمد- الذي ذكر في المنتجب أنّه كان صاحب الرضا عليه السلام- من هذه السلسلة الشريفة، فإنّه أيضا كان حسينيّا كشارح الصحيفة، و كان عالمها في عصره، المناسب لكون النسخة عنده، و اللّه العالم.

و أمّا النسخة القميّة فجاء بها الحجّاج من قم إلي مكّة، و لو كان بدل بلد قم شيراز لكان للاستظهار وجه.

و أمّا ثانيا: فلأنّ المكّيّة كانت بخطّه عليه السلام، و القميّة بخطّ غيره، و قد رسم في بعض مواضعها بخطّه عليه السلام، كما صرّح به التقيّ المجلسي- رحمه اللّه-.

و أمّا ثالثا: فلمّا مرّ من أنّه كان في المكّية مرسوما، إنّه عليه السلام كتبه لأحمد السكين المقرّب عنده، و لو كان في القيمية ذلك، لأشار إليه مولانا التقيّ في شرح الفقيه، لشدّة حرصه علي نقل كلّ ما كان له ربط و تعلّق بالكتاب، و لذكر تأريخه، و إنّه كان بالخطّ الكوفي، كما ذكر في المكّية.

و أمّا رابعا: فلأنّ السيّد الجزائري كان تلميذ العلّامة المجلسي- رحمه اللّه-، و صرّح سبطه السيّد عبد اللّه- شارح النخبة- في إجازته الكبيرة، في طيّ أحوال جدّه: أنّه أحلّه منه محلّ الولد البارّ من الوالد المشفق الرؤوف، و التزمه بضع سنين لا يفارقه ليلا و لا نهارا. إلي آخره (1).

أ تراه يخفي عليه ما كتبه أستاذه في أوّل البحار، و قبله والده في موضعين من شرح الفقيه، من حال هذه النسخة فيعرض عنه، و يذكر النسخة التي جاؤوا بها من الهند، و هي فرعها، أو فرع فرعها، و يترك ذكر ما شهد مشايخه6.

ص: 252


1- الإجازة الكبيرة للسيد عبد اللّه الجزائري: 16.

بأنّه ينتهي الي الأصل بواسطة واحدة!؟ هذا بعيد في الغاية.

و أمّا خامسا: فلأنّ عدم ذكر المجلسي له في المقدّمات، لعدم عثوره عليها في وقت تأليف المجلّد الأوّل، و لم يكن كتاب آخر يحتاج إلي الذكر و التثبّت، و إنّما هي هي، مع اختلاف ينبئ عن عدم اتّحاد أصلهما، و لم يعهد من المجلسي- رحمه اللّه- الإشارة إلي اختلاف النسخ، مع أنّه كان عنده من الكتب نسخ مختلفة بالزيادة و النقصان و غيرها، من كتاب و أصل، و لم يتعرّض له في المقدّمات، و إنّما أشار إليه في محلّه.

و أمّا سادسا: فقوله: و نحن قد لاحظنا مظانّ ذلك، و لم نقتصر علي المقدّمات خاصّة الي آخره، فإنّه- سلّمه اللّه- لو استقصي النظر ما صدر عنه ما ذكر، و نحن نذكر ما صرّح به في البحار، الكاشف عن بطلان الاستظهار.

قال- رحمه اللّه- في المجلد الحادي و العشرين من البحار، و هو كتاب الحجّ و الجهاد، بعد ما فرغ من أبواب أعمال الحجّ، و فرّق ما في النسخة المشهورة من الرضوي في الأبواب المناسبة له، قال: باب سياق مناسك الحج، أقول: وجدت في بعض نسخ الفقه الرضوي فصولا في بيان أفعال الحجّ و أحكامه، و لم يكن فيما وصل إلينا من النسخة المصحّحة، التي أوردنا ذكرها في صدر الكتاب، فأوردناه في باب مفرد، ليتميّز عمّا فرّقناه علي الأبواب.

فصل: إذا أردت الخروج الي الحجّ، الي آخره، انتهي (1).

و لا يخفي علي الناظر البصير أنّ هذه النسخة هي النسخة الهنديّة، و لو فرض أنّها أخذت من المكّيّة، و صارت الثلاثة اثنتان، لكان كافيا في بطلان استظهار الاتّحاد.

و قال في أوائل مجلّد المزار: وجدت في بعض نسخ الفقه الرضوي علي من نسب إليه السلام: روي عن موسي بن جعفر عليهما السلام أنّه قال:3.

ص: 253


1- بحار الأنوار 99: 333.

«يستحب إذا قدم المدينة، مدينة الرسول صلّي اللّه عليه و آله» (1)، الي آخر ما تقدّم في أبواب المزار من كتاب الحج، و لا يوجد في النسخ المعروفة، و إنّما هو موجود في النسخة الأخري في الباب المذكور، فلاحظ.

و أمّا سابعا: فقوله: و لا يخفي أنّ المولي المجلسي- رحمه اللّه- الي آخره، غريب، فإنّه- رحمه اللّه- كلّما عثر عليه من الكتب في طول تأليف البحار، استدركه في المقدّمات، و لذا اختلفت المقدّمات بالزيادة و النقصان، و شرحنا ذلك في رسالتنا الموسومة بالفيض القدسي في أحواله، و لم يذكر في المجلّد الأخير من ذلك قليلا و لا كثيرا، نعم أورد فيه كتابا كتبه إليه بعض تلاميذه، فيه فهرست الكتب التي ينبغي أن تلحق بالبحار، و هذه الكتب جملة منها موجودة في مقدّمات البحار، و نسي- رحمه اللّه- أن ينقل منها، أو نقل منها قليلا، و جملة كانت عنده ثمّ ألحقها، و اخري عند غيره من فضلاء عصره، و كيف كان فلم يقتصر فيه علي ما عثر عليه في آخر عمره.

و قد عرفت الجواب عن وجه عدم ذكر النسخة الهنديّة فيه.

الخامس: ما في رياض العلماء، و تذكرة الشعراء، في ترجمة ناصر خسرو، الحكيم الشاعر المعروف، المدّعي انتهاء نسبه إلي الرضا عليه السلام، هكذا: ناصر بن خسرو بن حارث بن عليّ بن حسن بن محمد بن عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام- المرمي بالتسنّن، و الزيديّة، و الزندقة، و الإسماعيليّة، و الإلحاد- الأصفهاني البلخي، قال في رسالته التي ألّفها في شرح حاله، من أوّل عمره الي أيّام وفاته، من كيفيّة تحصيله، و رياضاته، و وزارته، و غير ذلك، قال ما حاصل ترجمته: و من حدّ سبعة عشر سنة من عمري إلي خمسة عشر سنة أخري اشتغلت بعلم الفقه، و التفسير، و معرفة الناسخ و المنسوخ، و وجوه القراءات، و الجامع الكبير، و السير الكبير، الذي صنّفه9.

ص: 254


1- بحار الأنوار 100: 159.

الامام الأعلم، الزكيّ الأقدم، محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، و كتاب الشامل، الذي صنّفه جدّي عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام، أخذته مصاحبا لنفسي، و وجدت التفاوت بينهما- يعني تصنيف الامام عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام، و تصنيف محمد الشيباني- و قرأت نسخا كثيرة من كتب الفقه، و الأخبار المتداولة، انتهي.

قال في الرياض- بعد نقل تمام الرسالة- ثمّ أقول: مراده من الكتاب الشامل- الذي نسبه نفسه إلي جدّه الرضا عليه السلام- علي الظاهر في الفقه، ليس إلّا كتاب الفقه الرضوي المشهور كما قيل (1).

قلت: ليس الغرض من نقل كلام الناصر، الذي لا حظّ له في الدين الاعتماد علي كلامه، و الاستناد بنقله، فإنّه بمعزل عن ذلك، و إنّما الغرض مجرّد ذكر هذا الكتاب في تلك الأعصار، و وجوده في كلام بعيد عن الحمل علي الكذب و الافتراء، و كانت وفاة ناصر سنة ثمان و عشرين و أربعمائة.

السادس: إنّ هذا الكتاب إمّا للإمام عليه السلام تأليفا أو إملاء، أو موضوع اختلقه بعض الواضعين، و لا ثالث لهما، فإن بطل الثاني تعيّن الأوّل.

بيان ذلك: إنّ فيه ما لا ينبغي صدوره إلّا من الحجج عليهم السلام، و ما هو كالصريح في أنّه منه عليه السلام، و هو أمور:

الأوّل: ما في أول الكتاب، ففيه: يقول عبد اللّه عليّ بن موسي الرضا عليه السلام: أمّا بعد.، إلي آخره.

الثاني: ما في أواخره: ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت، الي آخره (2).

الثالث: ما في باب الخمس: و قال جلّ و علا: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ (3) إلي آخر الآية، فتطوّل علينا1.

ص: 255


1- رياض العلماء- القسم الثاني: 268.
2- فقه الرضا (عليه السلام): 402.
3- الأنفال 8: 41.

بذلك، امتنانا منه و رحمة، إلي آخره (1).

الرابع: ما في باب النوادر: أروي عن العالم عليه السلام، أنّ رجلا سأله فقال: يا ابن رسول اللّه علّمني ما يجمع لي خير الدنيا و الآخرة، و لا تطوّل عليّ، فقال عليه السلام: «لا تغضب».

و أروي أنّ رجلا سأله عمّا يجمع به خير الدنيا و الآخرة، قال: لا تكذب.

و سألني رجل عن ذلك، فقلت: خالف نفسك (2).

الخامس: في باب الأغسال: ليلة تسعة عشر من شهر رمضان، هي التي ضرب فيها جدّنا أمير المؤمنين عليه السلام (3).

السادس: في كتاب الزكاة: روي عن أبي العالم عليه السلام في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر (4).

السابع: في باب الربا، و العينة: روي حديث اللؤلؤة، ثمّ قال: و قد أمرني أبي، ففعلت (5).

الثامن: في كتاب الحجّ: و قال أبي: إنّ أسماء بنت عميس، إلي آخره (6).

و فيه: و ليس الموقف هو الجبل، و كان أبي يقف حيث يبيت (7).

و فيه: أبي، عن جدّي، عن أبيه (عليه السلام) قال: «رأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام يمشي و لا يرمل». (8).ة.

ص: 256


1- فقه الرضا (عليه السلام): 293.
2- فقه الرضا (عليه السلام): 390.
3- فقه الرضا (عليه السلام): 83.
4- فقه الرضا (عليه السلام): 197.
5- فقه الرضا (عليه السلام): 258.
6- فقه الرضا (عليه السلام): 72 من الطبعة الحجرية.
7- فقه الرضا (عليه السلام): 72 من الطبعة الحجرية.
8- فقه الرضا (عليه السلام): 73 من الطبعة الحجرية.

و فيه: و قال أبي (عليه السلام): «من قبّل امرأته قبل طواف النساء» إلي آخره (1).

و ساق بعده أحكاما كثيرة.

و فيه: أبي (عليه السلام) و كان بالخروج إلي مكّة: «إيّاكم و الأطعمة التي يجعل فيها الزعفران» إلي آخره (2).

و فيه: قال أبي: رجل أفاض من عرفات، إلي آخره، و ذكر بعده أحكاما مصدّرة بقوله: قال أبي (عليه السلام) (3).

و فيه: أبي العالم عليه السلام، أنا سمعته يقول عند غروب الشمس: «اللّهمّ أعتق رقبتي من النار» (4).

التاسع: في باب غسل الميّت: و أروي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام لمّا مات، قال أبو جعفر عليه السلام: «لقد كنت أكره أن أنظر الي عورتك في حياتك، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك» فأدخل يده و غسل جسده، ثمّ دعا بأمّ ولد له، فأدخلت يدها فغسلت مراقة و عورته، و كذلك فعلت أنا بأبي (5).

قال في الفوائد: و ظاهر أنّه لولا هو المعصوم، الذي فعله حجّة، لم تكن فائدة في قوله، بل ذكره بعد نقل فعل أبي جعفر عليه السلام بأبيه أوّل شاهد علي أنّه أيضا من أقرانه، و أمثاله (6).

العاشر: في باب الصوم: و أمّا صوم السفر و المرض، فإنّ العامّة اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، و قال قوم: لا يصوم- إلي أن قال- و نحن نفطر فيه.

ص: 257


1- فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
2- فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
3- فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
4- فقه الرضا (عليه السلام): 74 من الطبعة الحجرية.
5- فقه الرضا (عليه السلام): 188.
6- فوائد السيد بحر العلوم: لم نعثر عليه فيه.

الحالتين جميعا (1).

فإنّ قوله: و نحن نفطر، دالّ علي أنّه ممّن هو قوله حجّة.

الحادي عشر: في باب البدع و الرئاسة: أروي أنّه قرئ بين يدي العالم عليه السلام قوله تعالي: لٰا تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ (2) فقال:

إنّما عني أبصار القلوب، و هي الأوهام، فقال تعالي: لا تدرك الأوهام كيفيّته، و هو يدرك كلّ و هم، و أمّا عيون البشر فلا تلحقه، لأنّه لا يحدّ و لا يوصف، هذا ما نحن عليه كلّنا (3).

الثاني عشر: في باب حديث النفس: و أروي إنّ اللّه تبارك و تعالي أسقط عن المؤمن ما لا يعلم، و ما لا يتعمّد، و النسيان، و السهو، و الغلط، و ما استكره عليه، و ما اتّقي فيه، و ما لا يطيق (4). أقول: ذلك خطّه عليه السلام.

إلي غير ذلك ممّا هو صريح في كونه للرضا عليه السلام، أو للإمام الحجّة، أو ظاهر فيه، و أمّا ما فيه ممّا يدلّ صريحا علي أنّه من أصحاب الكاظم عليه السلام و الراوي عنه فكثير، سنشير إليه إن شاء اللّه تعالي، في ردّ من زعم أنّه بعينه رسالة والد الصدوق إليه، و نوضّح أنّ العالم من ألقاب الكاظم عليه السلام في ألسنة المحدّثين و الرّواة، قبل وقوع الغيبة الصغري، و فيها، و بعدها.

هذا و قد تصدّي صاحب الفصول لإسقاط دلالة العبائر المذكورة علي المطلوب، فقال: و قوله في أوّل الكتاب: يقول عليّ بن موسي الرضا عليه السلام: أمّا بعد، الي آخر الحديث غير صريح فيما ظنّ، لجواز أن يكون مؤلّف6.

ص: 258


1- فقه الرضا (عليه السلام): 202.
2- الأنعام 6: 103.
3- فقه الرضا (عليه السلام): 384.
4- فقه الرضا (عليه السلام): 386.

الكتاب قد سمع الحديث المذكور منه (عليه السلام)، أو وجده بخطّه عليه السلام فنقله عنه، محافظا علي كلمة «أمّا بعد» الموجودة في كلامه عليه السلام لمناسبتها لأوّل الكتاب، و لا يلزم التدليس، لذكره بعد ذلك ما يصلح قرينة علي عدوله بعد ذلك الحديث الي نقل أحاديث أخر، بقوله: و يروي عن بعض العلماء، و قوله بعد ذلك: و أروي، و نحو ذلك، مما يدلّ علي أنّ الإسناد المذكور مقصور علي الحديث الأوّل.

و قوله: ضرب جدّنا يحتمل أن يكون من تتمّة قول أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم ذكره، و لو سلّم كونه من كلام المؤلّف، فاللازم منه كونه علويّا لا إماما.

و قوله: روي أبي (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام. لا دلالة علي كونه موسي ابن جعفر عليهما السلام، إذ لا تختصّ الرواية عنه به.

و قوله: أروي عن أبي العالم يحتمل أن يكون بزيادة الياء من أبي، أو بحذف (عن) عن العالم، و مثل هذا التصحيف غير بعيد فيما تتّحد فيه النسخة، و يحتمل أيضا حمل الأب، أو العالم علي خلاف ظاهره.

و حديث اللؤلؤة غير واضح فيما ذكر، لأنّه قال بعد ذكره: و روي في خبر آخر بمثله: لا بأس، و قد أمرني أبي ففعلت مثل هذا. و لا يبعد أن يكون قوله:

و قد أمرني أبي، من تتمّة الرواية، مع أنّه لا بعد في تعويل راو علي قول أبيه، كما يشهد به تعويل الصدوق علي رسالة أبيه إليه.

و ممّا مرّ يظهر ضعف الاستشهاد بقوله: و ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت.

و قوله: فتطوّل يمكن أن يكون من تتمّة الرواية السابقة عليه، و ليس في سوق العبارة ما ينافيه، و ان يكون من كلام صاحب الكتاب فلا يدلّ إلّا علية.

ص: 259


1- لم ترد في المخطوطة.

كونه هاشميّا، لتحقّق التطوّل و الامتنان في حقّه أيضا، بالنسبة الي ما يستحقّه من الخمس، مع احتمال أن يكون التطوّل، و الامتنان باعتبار الأمر بالإعطاء أيضا، فلا يدلّ علي ذلك أيضا، انتهي (1).

و أنت خبير بأنّ كلّ ما ارتكبه من المحامل خلاف الظاهر، لا يصار إليه إلّا بعد لزوم رفع اليد عنه بقرائن ذكرها المنكرون، فلو تمّت فلا مناص عمّا ذكره أو مثّله، و إلّا فلا بدّ من التمسّك بظاهره المؤيّد بما مرّ من الشواهد، مع أنّه ترك ذكر الوجه لما هو أصرح في الدلالة ممّا ذكره، كما لا يخفي علي من تأمّل فيما نقلناه عنه، بل لا سبيل الي ارتكاب بعض ما ارتكبه، كاحتمال أن يكون قوله: و ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت، من تتمّة الرواية السابقة، و لا يخفي أنّ الرواية السابقة من أخبار باب الآداب و آخرها و هي هكذا: و أحسن مجاورة من جاورك، فإنّ اللّه تبارك و تعالي يسألك عن الجار، و قد نروي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه تبارك و تعالي أوصاني في الجار حتّي ظننت أنّه يرث»، و باللّه التوفيق.

و ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت باب دعاء الوتر، و ما يقال فيه: لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، إلي آخره (2).

فقوله (عليه السلام): و باللّه التوفيق علامة إتمام الباب السابق، و نظيره كثير في أبواب الكتاب، بل و جعله من تتمّة الرواية السابقة لازمه نسبة هذا الكلام الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و لا يخفي ما فيها من الحزازة، بل و يلزم أن يكون قوله: باب دعاء الوتر، الي آخره مستهجنا.

و ظنّي أنّ قوله: و ممّا نداوم، الي آخره كان بعد قوله: و ما يقال فيه، و وقع2.

ص: 260


1- الفصول الغروية: 312.
2- فقه الرضا (عليه السلام): 401- 402.

التقديم و التأخير من الناسخ سهوا، و إن كان للموجود وجه أيضا. و كذا احتمال التصحيف فيما ذكره، فإنّ فتح هذا الباب يرفع الوثوق عن كثير من الظواهر، مع أنّ التعبير عن الصادق عليه السلام بأب العالم غير معهود عن جاهل غبيّ، فضلا عن العالم المؤلّف، بل و لم يعهد رواية صاحب الكتاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ثمّ أنّه بعد ظهور ما نقلناه- أو صراحته في كون الكتاب من تأليفه أو إملائه عليه السلام- يدور الأمر بين كونه منه فهو المطلوب، أو كونه موضوعا و احتمال الوضع فيه بعيد، لما يلوح عليه من حقيقة الصدق و الحقّ، و لأنّ ما اشتمل عليه من الأصول و الفروع و الأخلاق أكثرها مطابق لمذهب الإماميّة، و ما صحّ عن الأئمّة عليهم السلام، و لا يخفي أنّه لا داعي للوضع في مثل ذلك، فإنّ غرض الواضعين تزييف الحقّ و ترويج الباطل، و الغالب وقوعه من الغلاة و المفوّضة، و الكتاب خال عمّا يوهم ذلك.

و قد وافقنا علي ذلك السيّد العالم المعاصر، مع إنكاره كون الكتاب منه عليه السلام أشدّ الإنكار، فقال في جملة كلماته: فإنّ التأمّل في الأحكام المذكورة فيه، و إمعان النظر في تضاعيف أبوابه، و سياق عباراته و فتاويه، يكشف أنّه ليس من المجعولات، و من قبيل كتب الكذّابة و الغالين، الذين يصنّفون الكتب لتخريب المذهب، بل يظهر ممّا ذكرنا أنّه من مؤلّفات بعض أعاظم فقهاء قدماء أصحابنا، الذين كانوا لا يعملون إلّا بالأخبار المعتبرة لديهم، و إنّ ما ذكر فيه مأخوذ من متون الأخبار، و إنّ أكثر ما ذكر فيه يوافق أصول المذهب علي طريقة سائر كتب قدماء أصحابنا، العاملين بأخبار الآحاد (1).

قال: و ممّا يؤيّد ما ذكرناه من عدم كونه من المجعولات، أنّ السيد المذكور8.

ص: 261


1- رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 38.

ذكر أنّ النسخة التي رآها كانت نسخة قديمة مصحّحة، يوافق تأريخها عصر الرضا عليه السلام، و لا يخفي إنّ من يصنّف كتابا لتخريب الدين، و يصرف أيّاما من عمره في تأليف كتاب مجعول، إنّما يصرّ في ترويجه و اشتهاره، و يدعو الناس إليه، و يأمرهم بالاعتماد عليه، كما هو المشاهد من الكذّابة و الغلاة، الذين ظهروا في أعصار الحضور، و أوائل الغيبة، و وردت في شأنهم أخبار، و خرجت في ردّهم توقيعات مشهورة بين الأصحاب، فلو كان هذا الكتاب من المجعولات، لكان يظهر منه عين أو أثر بين قدماء الأصحاب و المتوسّطين، و لكان أهل الرجال يذكرون كلمات في ردّه أو قبوله (1).

و قال في الفصول:. مع احتمال أن يكون موضوعا، و لا يقدح فيه موافقة أكثر أحكامه للمذهب، إذ قد يتعلّق غرض الواضع بدسّ القليل، بل هذا أقرب الي حصول مطلوبه، لكونه أقرب إلي القبول (2).

و فيه: إنّ القليل المدسوس إن كان من الأباطيل المتعلّقة بالعقائد، التي هي الغرض الأهمّ لهم، فلا يبعد ما احتمله، و إلّا فهو من البعد بمكان لا يجوّزه ذو دربة.

السابع من القرائن: ما ذكره بعضهم من مناسبته لما ورد في مواضع عديدة من كتب الرجال، من كون الراوي ممّن له مسائل عن الرضا عليه السلام، أو ممّن له كتاب عن الرضا عليه السلام، أو صاحب كتاب الرضا عليه السلام، و قد تقدّم كلام الشيخ منتجب الدين.

و نقول هنا: قال النجاشي: محمد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، له نسخة يرويها عن الرضا عليه السلام، أخبرنا أبو الفرج محمد بن عليّ بن أبي قرّة، قال: حدّثنا محمد بن3.

ص: 262


1- رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 41.
2- الفصول الغروية: 313.

عبد اللّه، قال: حدّثنا جعفر بن محمد الحسني، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن الحسين بن زيد، قال: حدّثنا عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام بالنسخة (1).

و قال: عليّ بن عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي، أبو الحسن، أخو دعبل بن عليّ، ما عرف حديثه إلّا من قبل ابنه إسماعيل، له كتاب كبير عن الرضا عليه السلام، قال عثمان بن أحمد الواسطي و أبو محمد بن عبد اللّه بن محمد الدعجلي: حدّثنا أحمد بن عليّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّ (بن عليّ) بن رزين، أبو القاسم، قال: حدّثنا أبي أبو الحسن عليّ بن عليّ- ببغداد سنة اثنين و سبعين و مائتين- قال: حدّثنا أبو الحسن الرضا عليه السلام- بطوس سنة ثمان و تسعين و مائة- إلي آخره (2).

و قال: وريزة بن محمد الغساني، له كتاب عن الرضا عليه السلام، أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: حدّثني أحمد بن عليّ القميّ، عن أبيه، قال: حدّثنا وريزة بن محمد بكتابه. قال شيخنا أبو الحسن الجندي: حدّثنا وريزة بن محمد بن وريزة- بالبصرة سنة خمس و عشرين و ثلاثمائة، و له ثمانون سنة- قال: ولدت سنة خمس و أربعين و مائتين، قال: حدّثني جدّي، قال:

حدّثنا الرضا عليه السلام- سنة تسعين و مائة- (3).

و قال: موسي بن سلمة، كوفيّ له كتاب عن الرضا عليه السلام، أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا محمد بن سالم بن عبد الرحمن، قال: حدّثنا موسي بن سلمة عن الرضا عليه السلام (4).0.

ص: 263


1- رجال النجاشي: 366/ 992.
2- رجال النجاشي: 276/ 727، و ما بين القوسين لم يرد في المخطوطة.
3- رجال النجاشي: 432/ 1163.
4- رجال النجاشي: 409/ 1090.

و قال: الحسن بن محمد بن الفضل بن يعقوب بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، أبو محمد، ثقة جليل، روي عن الرضا عليه السلام نسخة. إلي آخره (1).

و ذكر في ترجمة عيسي بن عبد اللّه بن سعد بن مالك الأشعري، أنّ له مسائل للرضا عليه السلام (2).

و قال: عليّ بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن عليّ الرقي الأنصاري، أبو الحسن له كتاب عن الرضا عليه السلام، أخبرنا محمد ابن عثمان، قال: حدّثنا أبو عليّ أحمد بن عليّ بن مهدي- بالرملة قراءة عليه- قال: حدّثنا أبي: قال: حدّثنا الرضا عليه السلام (3).

و ذكر الشيخ في الفهرست، في ترجمة محمد بن سهل بن اليسع، أنّ له مسائل عن الرضا عليه السلام (4).

و مثله في ترجمة ياسر الخادم (5).

و قال في ترجمة جعفر بن بشير: له كتاب ينسب الي جعفر بن محمد، رواية عليّ بن موسي الرضا عليهم السلام (6).

و أمّا ما ذكره في ترجمة أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر- الذي قتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء- أبي الجعد أن له نسخة عن الرضا عليه السلام (7). فالمراد بها صحيفته المعروفة، كما شرحناه فيما تقدّم.0.

ص: 264


1- رجال النجاشي: 51/ 112.
2- رجال النجاشي: 296/ 805.
3- رجال النجاشي: 277/ 728.
4- الفهرست: 147/ 620.
5- الفهرست: 183/ 797.
6- الفهرست: 43/ 131.
7- رجال النجاشي: 100/ 250.

الثامن: ما ذكره بعضهم من موافقة أكثر فتاويه لفتاوي الصدوقين، و المفيد، في رسالة الشرائع، و المقنع، و المقنعة، و شدّة قربه من الرسالة، فإنّ أكثر عباراته عباراتها، بل ظنّ بعضهم أنّه هو بعينه رسالة الشرائع.

قال في الفصول: و يدلّ علي ذلك أيضا أنّ كثيرا من فتاوي الصدوقين مطابقة له في اللّفظ، و موافقة له في العبارة، لا سيّما عبارة الشرائع، و إنّ جملة من روايات الفقيه، التي ترك فيها الإسناد موجودة في الكتاب، و مثله مقنعة المفيد، فيظنّ بذلك أنّ الكتاب المذكور كان عندهم، و أنّهم كانوا يعوّلون عليه و يستندون إليه، مع ما استبان من طريقة الصدوقين، من الاقتصار علي متون الأخبار، و إيراد لفظها في مقام بيان الفتوي، و لذا عدّ الصدوق رسالة والده إليه من الكتب التي عليها المعوّل، و إليها المرجع، و كان جماعة من الأصحاب يعملون بشرائع الصدوق عند إعواز النّص، فإنّ الوجه في ذلك ما ذكرناه (1).

ثمّ اعترض عليه بأنّ مطابقة جملة من عبارات المفيد و الصدوقين لما فيه، لا دلالة فيها علي أخذها من الكتاب المذكور، لجواز العكس، أو كونهما مأخوذين من ثالث.

و فيه: إنّ النسخة القديمة التي كان عليها خطوط العلماء و إجازاتهم علي ما تقدّم، كانت مكتوبة في عصر الرضا عليه السلام، فاحتمال العكس منفيّ بتأخّر زمان الصدوقين، و الأخذ من ثالث مع بعده لا ينافي الاستظهار المذكور، و ظنّ كونه من مأخذهم، خصوصا علي ما نراه من كونه من إملائه، و إنّ تأليفه من أحمد بن محمد بن عيسي، و داخل في نوادره المعدود في الفهارس من الكتب المعتمدة و يأتي لهذا الكلام تتمّة في التنبيه الأوّل.

التاسع: ما ذكره في الفصول أيضا قال: و أيضا مأخذ جملة من فتاوي القدماء، التي لا دليل عليها ظاهرا موجود فيه، فيظهر أنّه كان مرجعهم في1.

ص: 265


1- الفصول الغروية: 311.

تلك الفتاوي، و مستندهم فيها، فيسقط عنهم ما أورده المتأخّرون عليهم من عدم الدليل عليها (1).

و ردّه بما احتمله سابقا في عبائر الصدوقين، الغير المنافي للظهور المذكور.

هذا، و احتجّ أرباب القول الثاني بوجوه من الاستبعاد، و قرائن تدلّ علي عدم كونه من تأليفاته عليه السلام.

الأوّل: ما ذكره في الفصول قال: و ممّا يبعّد كونه تأليفه عليه السلام، عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه، في شي ء من المصنّفات التي بلغت إلينا، مع ما يري من خوضهم في جمع الأخبار، و توغّلهم في ضبط الآثار المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام، بل العادة قاضية بأنّه لو ثبت عندهم مثل هذا الكتاب، لاشتهر بينهم غاية الاشتهار، و لرجّحوا العمل به علي العمل بسائر الأصول و الأخبار، لما يتطرّق إليها من احتمال سهو الراوي، أو نسيانه، أو قصوره في فهم المراد، أو في تأدية المفهوم، أو تقصيره، أو تعمّد الكذب، لا سيما مع تعدّد الوسائط، و سلامة الكتاب المذكور عن ذلك، و لبعد ما فيه عن التقيّة بخلاف غيره (2).

و قال السيد العالم المعاصر- سلّمه اللّه-: إنّ هذا الكتاب لو كان من تصنيف الإمام عليه السلام، لكان يشتهر بين أصحابنا غاية الاشتهار، و لكان يطّلع عليه كثير من قدماء أصحابنا، الذين جمعوا الأخبار، و بالغوا في إظهار آثار الأئمّة الأطهار عليهم السلام، و بذلوا جهدهم في حفظ ما صدر منهم من الأحكام، كجملة من أكابر محدّثي فقهائنا، الذين أدركوا عصره، أو كانوا قريبا من عصره عليه السلام، كالفضل بن شاذان، و يونس بن عبد الرحمن، و أحمد ابن محمد بن عيسي، و أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، و إبراهيم بن هاشم، و محمد2.

ص: 266


1- الفصول الغروية: 312.
2- الفصول الغروية: 312.

ابن أحمد بن يحيي- صاحب نوادر الحكمة- و سعد بن عبد اللّه، و محمد بن الحسن الصفار، و عبد اللّه بن جعفر الحميري، و أضرابهم من أجلّاء الفقهاء و المحدّثين.

و من الواضح أنّ هذا الكتاب لو كان معروفا بين هؤلاء الإعلام، أو كان يعرفه بعضهم، لما كانوا يسكتون عنه، و لما كانوا يتركون روايته لمن تأخّر عنهم من نقّاد الآثار و أصحاب الكتب المصنّفة في تفصيل الأخبار، و لما كان يخفي علي مشايخنا المحمّدين الثّلاثة، المصنّفين للكتب الأربعة، المشتملة علي أكثر ما ورد عنهم في الأحكام، لا سيّما علي مثل شيخنا الأجلّ الأكرم، رئيس المحدّثين، فإنّه قد بلغ في جمع الأخبار الواردة عن أهل بيت العصمة و الطّهارة الغاية، و تجاوز النهاية، و قد صنّف في ذلك الباب نحوا من ثلاثمائة مصنّف، كما صرّح به شيخ الطائفة في فهرسته. و من جملة مصنّفاته كتابه الذي عمله لبيان كلّ ما يتعلّق بمولانا أبي الحسن الرّضا عليه السلام، و سمّاه بعيون اخبار الرّضا عليه السلام، و هو مشتمل علي أخبار كثيرة، محيطة بأكثر ما وصل إليه من الأخبار الصادرة عنه (عليه السلام) في الأحكام و غيرها.

و لا يخفي أنّه لو كان مطّلعا علي هذا الكتاب، لكان يذكر بعضه، أو أكثره في كتابه المذكور، و لكان يشير إليه، و يذكر أنّ له كتابا في الفقه، و نحن كلّما تأمّلنا في كتابه المذكور، لم نجد إشارة إلي أمر هذا الكتاب، فضلا عن أن نطّلع علي شي ء من أخباره، و أيضا لو كان هذا من الكتب المعروفة لديه في زمانه، لكان يذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه، الذي قد تصدّي فيه لذكر الأحكام المستخرجة من الكتب المشهورة، التي عليها المعوّل، و إليها المرجع، و أنت خبير بأنّه ممّا لم يوجد له عين و لا أثر، في هذا الكتاب.

و بالجملة فالعادة قاضية بأنّ هذا الكتاب لو كان من رشحات عيون إفادات هذا المولي لكان يطّلع عليه جملة من قدماء فقهاء الشيعة، و ما كان يبقي في زاوية الخمول، في مدّة تقرب من ألف سنة، كما لم يخف علي كثير منهم نظائره

ص: 267

من الكتب المشتملة علي الأحكام و غيرها، كفرائض مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، و الجعفريّات المرويّة عن سيّدنا موسي بن جعفر عليه السلام، و رسالة عليّ بن جعفر، و تفسير ينسب الي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، برواية النعماني، و لا يخلو عن اعتبار.

و من ذلك القبيل الصحيفة السجاديّة، فإنّها أيضا ممّا اتّصل سندها الي الإمام، و ظفر عليه جماعة من القدماء، كما يظهر من الشيخ (1) و النجاشي (2)، حيث ذكرا أنّ متوكّل بن عمير ممّن روي دعاء الصحيفة، و من جمع آخر، حيث نقلوا بعض ادعيتها في كتبهم. و أيضا لو كان هذا الكتاب من تأليف الإمام عليه السلام لما كان يخفي علي ولده الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، الأنوار الأربعة: سيّدنا أبي جعفر الجواد، و مولانا أبي الحسن الهادي، و سيّدنا أبي محمد العسكري، و إمامنا الحجّة عجّل اللّه تعالي فرجهم.

و من الظاهر أنّهم ما كانوا يخفون أمثال ذلك عن شيعتهم و مواليهم، و لا سيّما عن خواصّهم و معتمديهم، كما أخبروهم بكتاب عليّ، و صحيفة فاطمة صلوات اللّه عليهما، و لو كانوا مطّلعين عليه لكانوا يصرّحون به في كثير من أخبارهم، و لكانوا يأمرون الشيعة بالرجوع إليه، و الأخذ عنه، كما أمروهم بالرجوع إلي جملة من كتب الرواة، في عدّة من الروايات.

و الظاهر أنّ هذا لو كان واقعا لكان يشتهر بين القدماء، و لكان يصل إليهم أثر منه، كما وقع في نظائره، و من جملتها الرسالة المذهّبة، المنسوبة الي أبي الحسن الرضا عليه السلام، المعروفة في هذه الأعصار بالذهبيّة، باعتبار أنّ المأمون العبّاسي أمر أن تكتب بالذهب، و أن تترجم بذلك، فإنّها كانت مشهورة بين القدماء، و قد اتّصل سندها بالإمام، و قد تعرّض لذكرها و بيان سندها جملة4.

ص: 268


1- الفهرست: 170/ 747.
2- رجال النجاشي: 426/ 1144.

من أكابر أصحابنا. ثم ذكر شطرا ممّا قدّمناه في ترجمة هذه الرسالة- الي أن قال- و أنت إذا أحطت بما ذكرنا في أمر هذه الرسالة، و وقفت عليها و لاحظتها أيضا، اتّضح لك أنّ الفقه الرضوي لو كان من تأليف الإمام، لكان أولي بالاشتهار بين الخاصّ و العامّ، و ذلك لأنّ الرسالة المذكورة لا تزيد علي وريقات قليلة، ألّفها الامام عليه السلام في الطبّ، و الفقه الرضوي كتاب مبسوط، مشتمل علي أكثر أمّهات أحكام الفقه، و لا يخفي علي المتتبّع الماهر، البصير بأحوال الرجال، أنّ اهتمام أصحابنا في حفظ مثله، كان أشدّ من اهتمامهم في أمر مختصر، لا مدخليّة له في الأحكام.

إن قيل: أنّ الأمر منعكس، و الأولويّة ممنوعة، لأنّ الرسالة المذكورة مقصورة علي جملة من أحكام الطبّ و تدبير الأبدان، و ليس فيها شي ء ممّا يتعلّق بالأديان و أحكام الإيمان، و مثلها ما كان يخفي علي الطائفة الحقّة الإماميّة، لعدم مانع عن إظهارها، و التزام إخفائها من تقيّة و غيرها، بخلاف الكتاب المذكور، فإنّ التقيّة التي كانت من أشدّ الموانع في أعصار الظهور، منعت من ظهورها و وصولها إلي الأصحاب.

قلت: لا يخفي علي من اطّلع علي تفصيل ما منّ اللّه تعالي علي الإمام الثامن، و شيعة الحقّ من الإعزاز و الاحترام في دولة المأمون العبّاسي، و لاحظ ما مرّ بينه و بين علماء المخالفين من المناظرات و المباحثات، في أمر الإمامة، و غصب حقوق أهل البيت، و سائر بدع الخلفاء، أنّ التقيّة كانت مرفوعة في مدّة مديدة، من أواخر عصره في العراق و ما والاها، و كانت الطائفة الحقّة الإماميّة لا يتّقون من المخالفين في أصول عقائدهم، فضلا عن فروع مذهبهم و أحكامهم، لا سيّما أهل بلدة قم، فإنّها كانت في عصره مملوءة من علماء الشيعة، و كانوا يعلنون كلمة الحقّ غاية الإعلان، و لا يتّقون في أمر دينهم من أحد من أولياء الشيطان.

ص: 269

و هذا هو الذي بعثني علي ما قوي في نفسي، و لم يسبقني إليه من قبلي، من أنّ المسائل المتكثّرة التي صدرت عنه في أرض خراسان و العراق، ممّا لا ينبغي حملها علي التقيّة، و هي من أبعد احتمالاتها، بخلاف ما صدر عن سائر الأئمّة عليهم السلام في عصر الدولة الأمويّة، و جملة من أعصار العبّاسيّة، كالأخبار الصادرة عن الحسنين، و السجاد، و سيّدنا أبي جعفر، و موسي بن جعفر عليهم السلام، فإنّ الأصل في احتمالات تلك الأخبار احتمال التّقيّة، و هي من أظهر وجوهها.

و كيف كان فاحتمال التقيّة في أمر مثل هذا الكتاب من أبعد الوجوه، و لو كان من تأليفه (عليه السلام) لكان يظهره أيّام ظهور أمره، و كان يأمر الطائفة بالرجوع إليه، و باعتبار ذلك كان يشتهر غاية الاشتهار بين العلماء (1).

إن قلت: لعلّه كان معروفا في عصره، و إنّما خفي بعده باعتبار اشتداد التقيّة في أعصار مولانا الجواد و العسكريّين عليهم السلام، و لا سيّما في خلافة المتوكّل لعنه اللّه.

قلت: إنّ عروض التقيّة بعد الاشتهار بين علماء الطائفة و رواة الأخبار المعاصرين له عليه السلام، لا يقتضي عدم وصوله إلي المتأخّرين عنهم من أصحابنا، الذين أخذوا منهم و رووا عنهم، و ذلك لأنّ التقيّة مانعة عن إظهار الأمر لدي المخالفين، و لا يخفي أنّه لا يستلزم عدم اشتهاره بين أهل المذهب أيضا. ألا تري أنّ أكثر الأمور التي تختصّ بأهل مذهبنا لم يخف علي أصحابنا؟ و شاع بينهم بحيث بلغ حدّ ضرورة المذهب، و كذا الأخبار9.

ص: 270


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 9.

المشتملة علي طعن الخلفاء، و تزييف مذاهبهم الرديّة، و إظهار بدعهم المحدثة. و منه يظهر أنّ التقيّة لا تمنع من شيوع الحقّ لدي أهله في أوّل الأمر أيضا (1).

قال: ثمّ لا يذهبن عليك إنّا لا نريد بما فصّلناه في المقام ما قيل: إنّ الكتاب المذكور لو كان منه لتواتر، لتوفّر الدواعي علي نقله. و اللّازم باطل، فالمقدّم مثله. لينتقض بما يشاهد من عدم تواتر جملة كثيرة من نظائره، كالصحيفة السجاديّة، و الفقرات المسقطة من كتاب اللّه بالنصوص المعتبرة البالغة حدّ التواتر المعنوي، و كثير من معجزات النبيّ و الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين و أفعالهم، و ليقال: إنّ مجرّد اقتضاء توفّر الدواعي لا يكفي في تحقّق التواتر، بل لا بدّ فيه من فقد المانع منه أيضا، علي طريقة سائر المحدثات المسبّبة عن أشياء تقتضيها، و هو ممّا تخلّف في كثير من أمثال المقام، فلا يبعد أن يكون ما نحن فيه أيضا من هذا القبيل.

و الذي ندّعيه إنّما هو قضاء العادة، بأنّه لو كان من الإمام عليه السلام، لكان يوجد منه أثر بين أصحابنا في الأعصار السابقة، و القرون الخالية، كما هو المشاهد في نظائره.

و القول: بأنّ تحقّق هذا أيضا موقوف علي عدم المانع و هو غير معلوم في غاية السقوط، و ذلك لأنّا لا نريد أن نثبت بذلك عدم كونه منه علي سبيل القطع و اليقين، بل المقصود أنّ هذا ممّا يوجب الظنّ القويّ بعدم صدوره منه، و أقلّ ما يقتضيه ذلك أنّه يمنع مؤيّدات طرف الثبوت عن إفادتها الظنّ به، و هو أيضا كاف في عدم الحجّيّة، و لا يخفي أنّ الظنّ بعدم المانع قائم في المقام، فإنّ من لاحظ أمثال ذلك، تبيّن له أنّه قلّ أن يوجد فيها شي ء لم يكن3.

ص: 271


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 13.

منه أثر و لا عين في القدماء. انتهي كلامه الذي هو غاية ما يقال في توضيح هذا الوجه (1).

و الظاهر أنّ مراده بالقيل، هو السيد السند صاحب المفاتيح، فإنّه- رحمه اللّه- بعد ما ذكر بعض قرائن الاعتبار، قال: لا يقال: لو كان الكتاب المذكور من الإمام عليه السلام لتواتر، أو نقل بطريق صحيح و اللّازم باطل، فالملزوم مثله.

امّا الملازمة فلأنّ العادة قاضية بأنّ تصنيف الإمام عليه السلام لا بدّ أن يكون كذلك، لتوفّر الدواعي عليه، كيف و هو أجلّ من مصنّفات المصنّفين! فإذا تواترت فينبغي أن يتواتر تصنيفه عليه السلام.

و أمّا بطلان اللّازم فواضح، لأنا نقول: لا نسلّم تواتر كلّ ما كان من الإمام عليه السلام و لو كان تصنيفا، و لا نقله بطريق صحيح إذ لا برهان عليه، و توفّر الدواعي إنّما يؤثّر حيث لا يكون هناك مانع، و أمّا معه فلا.

و ممّا يكسر صولة الاستبعاد، النصوص الواردة بوقوع النقيصة في القرآن، و قال به أيضا جملة من العلماء الأعيان، إذ لو كان توفّر الدواعي بنفسه موجبا لذلك لتواتر ما حذف منه، و كذلك عدم تواتر الصحيفة السجّاديّة، و كثير من المعجزات النبويّة و خلفاء خير البريّة.

فإن قلت: لم نجد مانعا من ذلك.

قلت: عدم وجدان المانع لا يكفي، بل لا بدّ من عدمه في الواقع، علي أنّه لا بعد في أنّ المانع هو التقيّة. ثم إنّا لو سلّمنا تواتر تصنيفه عليه السلام فإنّما4.

ص: 272


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام): 14.

نسلّمه لو كان كتابا دوّنه بنفسه كالكتب المصنّفة، و أمّا لو كان المدوّن غيره- كنهج البلاغة- فلا نسلّمه، و لعلّ فقه الرضا عليه السلام من هذا القبيل، انتهي (1).

و ما استدركه أخيرا بقوله: و الذي ندّعيه، إلي آخره أخذه منه أيضا، حيث قال فيه: و لا يقال: وجوه القدح المذكورة تندفع بما ذكر، لو كان المقصود إثبات القطع بعدم كونه منه، و ليس كذلك، بل المقصود استفادة الظنّ منها بذلك، و هي تنهض له.

لأنّا نقول: هي معارضة بما ذكره الفاضلان المشار إليهما، الي آخره، و عني بهما المجلسيّين. فإذا انضمّ الي ما ذكراه ما تقدّم من القرائن، لا يكاد يوجد من الوجه المذكور ظنّ و لا قابلية لمنع المؤيّدات و القرائن لإفادة الظنّ، مع أنّ لما ذكره من قضاء العادة نقوضا لا تحصي.

هذا ثقة الإسلام، ذكر في أوّل الروضة بأسانيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه كتب بهذه الرسالة إلي أصحابه، و أمرهم بمدارستها و النظر فيها، و تعاهدها (2) و العمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها، الي آخره.

و علي ما ذكره من قضاء العادة، كان اللازم وصول هذه الرسالة إلينا بأزيد من ألف طريق، و وجودها في أغلب المصنّفات و الجوامع المناسبة لها، مع أنّه ليس لها في غير الروضة عين و لا أثر، فكيف بالفقه الرضوي بناء علي مال.

ص: 273


1- مفاتيح الأصول: 351.
2- في نسخة في هامش المخطوطة: تعاهد العمل بما فيها، و في نسخة في هامش الحجرية: تعاهد العمل.

سبق من أنّه عليه السلام كتبه لأبي جعفر أحمد السكين، و كان هو حامله و لا يعلم مقرّه! هل كان في مجمع الرواة من الشيعة، كالكوفة و قم، أو أبعد البلاد منهم كأصفهان؟ كما ذكر النجاشي في ترجمة إبراهيم بن محمد الثقفي، أنّه كان سبب خروجه من الكوفة أنّه عمل كتاب المعرفة، و فيه المناقب المشهورة و المثالب، فاستعظمه الكوفيّون و أشاروا إليه، بأن يتركه و لا يخرجه، فقال: أيّ البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: أصفهان، فحلف لا أروي هذا الكتاب إلّا بها، فانتقل إليها و رواه بها، ثقة منه بصحّة ما رواه فيه، انتهي (1).

فلو فرض أنّه كان ساكنا فيه أو فيما شاكله، لم تكن عادة هنا تقضي بنشره. مع أنّ المانع لا ينحصر في التقيّة التي نفاها في عصره (عليه السلام) فقد يكون ضنّة صاحب الكتاب و حرصه عليه أوجب اختصاصه به، أو سكونه في بلد لا يجد من يلقيه إليه كما عرفت، أو أمره (عليه السلام) بكتمانه و ستره إلي مدّة لبعض الحكم المخفيّة علينا، و لو كان الكتاب من إملائه (عليه السلام) كما ذكره السيّد المحقّق البغدادي في عدّته، و احتمله صاحب المفاتيح، و قوّيناه، فهو كسائر الأخبار المتكثّرة التي لم تصل إلينا، أو وصلت بعد برهة من الزمان.

قال الشيخ الطوسي قدّس سرّه في ترجمة ابن عقدة: سمعت جماعة يحكون عنه أنّه قال: أحفظ مائة و عشرين ألف حديث بأسانيدها و اذاكر بثلاثمائة ألف حديث (2). فلعلّه كان له ذكر فيها خفي فيما خفي منها.

و أمّا ما ذكره من أنّه لو كان منه عليه السلام لما خفي علي الأئمّة من ولده عليهم السلام، و لما أخفوه عن شيعتهم، الي آخره، ففيه أنّه ما كان من دأبهم و طريقتهم عليهم السلام إرجاع شيعتهم- خصوصا السائلين منهم- في صنوف0.

ص: 274


1- رجال النجاشي: 16/ 19.
2- رجال الشيخ الطوسي: 441، 442/ 30.

الحوائج، من المعارف و الأخلاق و الآداب، و ما يتوسّلون به الي مآربهم، و صرف بلاياهم و رفعها، من الأدعية و الأوراد، إلي ما دوّن فيها قبلهم من آبائهم عليهم السلام، أو أصحابهم الذين أخذوا منهم، و تلقّوه من أفواههم.

هذا كتاب ديات أمير المؤمنين عليه السلام من الأصول المعروفة، المعروضة علي الصادق عليه السلام، أ رأيت خبرا فيه أنّه سئل إمام عن شي ء منها فأحاله إليها!؟.

و هذه الصحيفة المباركة، التي فيها من الأدعية ما يستغني قارئها عن كلّ دعاء لأيّ حاجة، و قد كانوا يسألون الأئمّة عليهم السلام ما يقضون به حوائجهم، فيعلّمونهم ذلك، أ رأيت موضعا أحال أحدهم السائل إليها؟! و هكذا الكلام بالنسبة إلي جميع الأدعية المأثورة عن الأئمّة الذين هم قبل الإمام المسؤول، فما رأينا أحدا منهم أمر برجوع السائل إليها، مع أنّ في الأدعية المأثورة عن مولانا أمير المؤمنين، و السجّاد عليهما السلام ما فيه غني عن كلّ ورد و دعاء، و لعلّ السرّ في ذلك أنّ كلّ إمام حاو لجميع ما كان عند الماضي، ممّا يحتاج إليه العباد في مآرب دينهم و دنياهم، علي اختلاف أحوالهم و أزمانهم، و معرفتهم ذلك- خصوصا الضعفاء منهم في المعرفة- تتوقّف علي إجابتهم (عليهم السلام) مسائلهم من عند أنفسهم، و في الإرجاع إيهام إلي عدم بلوغهم ذلك المقام، و إلقائهم إيّاهم إلي التهلكة، كما لا يخفي علي النقّاد البصير.

و كذا الكلام بالنسبة الي جميع الأصول المدوّنة في عهد الصادقين عليهما السلام، خصوصا ما جمعه محمد بن مسلم، و زرارة، و أضرابهما، و هذا ظاهر علي المنصف الخبير.

الثاني: ما في الرسالة من أنّ كثيرا من أحكام هذا الكتاب، بل أكثرها من مرويّات صاحبه، و ليست مستندة إليه صادرة عنه من غير رواية و إسناد،

ص: 275

و جملة كثيرة من رواياته ليست مرويّة عن شخص معلوم و إمام مشخّص، بل غالبها من المراسيل التي عبّر عنها بألفاظ تبعّدها عن درجة المراسيل المعتبرة، كألفاظ: روي، و يروي، و أروي، و نروي، و قيل، و نظائرها ممّا في معناها، و لا يخفي علي من تتبّع الأخبار، و لاحظ سياق كلمات الأئمّة الأطهار، و خصوص ما صدر عن مولانا الرضا عليه السلام و من تقدّمه أنّ أمثال ذلك لا تكون صادرة عنهم و ما ينبغي لهم، من وجهين:

أحدهما: إنّ هذا ممّا لم يعهد عنهم، و لم يوجد في شي ء من أخبارهم التي بين أيدينا، و كتب أخبارنا مملوءة منها، و حيث لم يوجد ذلك في سائر رواياتهم، و لم يشاهد إلّا في نادر من الأخبار، حصل الظّن القويّ بأنّ ما كان غالبه من ذلك القبيل لا يكون صادرا عنهم، بل قد يحصل القطع للمتتبّع الماهر بأنّ مثل ذلك ليس من إفاداتهم، و لم يظهر من معدن العلم و المعرفة، و بيان ذلك: أنّ من تتبّع عبائر شخص، و تصفّح كلماته، بحيث عرف أنّ ديدن هذا الشخص قد استقرّ علي أن يتكلّم علي نهج خاص، و طريقة معهودة، ثمّ وقف علي كتاب منسوب إليه، أو جاءه أحد يخبر منه، و كانت عبائر هذا الكتاب أو ذاك الخبر علي منهج آخر، و أسلوب مخالف لطريقته، في سائر كلماته، اتّضح له أنّ هذا لم يصدر عن هذا الشخص، و ردّه أشدّ الردّ، و هذا أمر معروف بين العقلاء، و قاطبة اولي العرف، و يعبّر عنه بالاستقراء، و نظيره آت في أصل المطالب و المعاني أيضا، انتهي (1).

و أنت خبير بأنّ مراده من أخبارهم التي بأيدينا، إن كان هو الأخبار المختصرة المتشتّتة في الأصول و الفروع، فليس فيها مقام ذكر ما ذكره من الموهنات، و إن كان المراد مؤلّفاتهم و كتبهم عليهم السلام، فليس بأيدينا كتاب منها يستكشف منه ديدنهم و طريقتهم في التأليف، فلم يبق لما ذكر من الاستقراء4.

ص: 276


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 24.

فرد يقاس عليه غيره.

هذا إذا كان الكتاب الرضوي من تأليفه عليه السلام و علي أن يكون من إملائه، فجميع ما ذكره صادر من جامعه إن كان وهنا حقيقة، و كيف يكون و هنا و قد صدر منهم ما ذكره- كما اعترف به- و إن كان نادرا، ففي رسالة أبي الحسن الهادي عليه السلام الي شيعته، في الردّ علي أهل الجبر و التفويض، المرويّة في تحف العقول، بعد ذكر مقدّمة: و نبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام:

«لا جبر و لا تفويض، و لكن منزلة بين المنزلتين» الي أن قال: و خبر آخر عنه عليه السلام موافق لهذا: أنّ الصادق عليه السلام سئل: هل أجبر اللّه العباد علي المعاصي؟ فقال الصادق عليه السلام: «هو أعدل من ذلك» فقيل له:

فهل فوّض إليهم؟ فقال: «هو أعزّ و أقهر لهم من ذلك».

و روي عنه عليه السلام أنّه قال: «الناس في القدر علي ثلاثة. الي آخره.

و فيها: و بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام عباية بن ربعي الأسدي، حين سأله عن. إلي أن قال عليه السلام: - و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة اللّه- إلي أن قال عليه السلام: - و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام، الخبر (1).

و في غيبة الشيخ الطوسي- رحمه اللّه- بالسند المعتبر، في مسائل محمد بن عبد اللّه بن جعفر، عن الحجّة صلوات اللّه عليه، عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل للركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، و يجزيه أن يقول: بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد.

الجواب، قال: «إنّ فيه حديثين: أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة الي9.

ص: 277


1- تحف العقول: 343- 349.

حالة اخري فعليه تكبير، و أمّا الآخر فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر، ثم جلس ثم قام، فليس عليه للقيام بعد القعود تكبير، و كذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجري، و بأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا».

و عن الفصّ الحديد (1) هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟.

الجواب: «فيه كراهة أن تصلّي فيه، و فيه أيضا إطلاق، و العمل علي الكراهية» (2).

و رواه الطبرسي في الاحتجاج (3).

و فيه: في مسائل أخري للحميري: و سئل: هل يجوز للرجل أن يتزوّج بنت امرأته؟ فأجاب عليه السلام: «إن كانت ربّيت في حجره فلا يجوز، و إن لم تكن ربّيت في حجره و كانت أمّها في غير حباله (4) فقد روي أنّه جائز» انتهي (5).

و لا مناص لأحد من سدنة علومهم عليهم السلام من ذكر الوجه لما ذكره عليه السلام، فيكون هو الوجه أيضا لما في الرضوي، و لا فرق بين القلّة و الكثرة، مع أنّه لا كثرة بعد ملاحظة النسبة بينه و بين ما في الرسالة الشريفة و التوقيع المبارك.

الثالث: ما قاله أيضا: إنّ كثيرا من مطالبه و أحكامه رواها مؤلّفه عن غيره، ممّا عبّر فيها عن قائلها ببعض العلماء، أو العالم المطلق.

ففي أوّله بعد سطيرات ثلاثة: و نروي عن بعض العلماء أنّه قال في تفسير9.

ص: 278


1- في المصدر: الخماهن.
2- كتاب الغيبة: 232.
3- الاحتجاج: 483.
4- في المصدر: عياله.
5- الاحتجاج: 389.

هذه الآية هَلْ جَزٰاءُ الْإِحْسٰانِ إِلَّا الْإِحْسٰانُ (1) قال: ما جزاء من أنعم اللّه عليه بالمعرفة إلا الجنّة.

و بعده بسطرين: إنّ بعض العلماء سئل عن المعرفة، و هل للخلق فيه صنع؟ فقال: لا.

و في موضع آخر منه: روي عن العالم، أو أروي عن العالم، أو سئل العالم، أو سألت العالم، أو شكا رجل الي العالم، أو كنت عند العالم، أو رجل سأله، الي غير ذلك، ممّا في معناها.

و الظاهر أنّ مراده من العالم أحد المعصومين، نظرا الي ما يعطيه تعقيبه بالتسليم عليه، و ذكر كلامه علي سبيل الاستناد إليه، و أيضا الظاهر أن يكون المراد به إماما خاصّا، و يكون ذلك اصطلاحا منه في مقام التعبير عن إمام خاص قد أدركه صاحب الكتاب، فإنّه كثيرا ما يعبّر عن جملة من الأئمّة من أمير المؤمنين، و الحسنين، و السجاد، و الصادقين، و أبي الحسن عليهم السلام بأساميهم الشريفة، و ظاهر هذه التعبيرات يعطي أنّ ديدنه لم يستقر علي التعبير عن مطلق المعصوم بلفظ العالم، و وجه منافاة هذه الكلمات لكلمات المعصومين، و كلمات خصوص مولانا الرضا عليه السلام عين ما مرّ آنفا من أنّ هذه الطريقة طريقة لم توجد في شي ء من أخبارهم، و لم يعهد عن أحد منهم في الآثار المعروفة، و الروايات المشهورة، المدوّنة في كتب أخبارنا المتداولة بين الطائفة.

نعم قد يوجد في بعض التوقيعات الواردة من الناحية المقدّسة نظير ذلك، ففي الاحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، شيخنا المتقدّم، عند ذكر جوابات مسائل محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، الخارجة عن سيّدنا الحجّة عليه السلام: و سئل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات، فبعض يري أنّ التسبيح فيهما أفضل، و بعض قراءة الحمد وحدها0.

ص: 279


1- الرحمن 55: 60.

أفضل، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟.

فأجاب عليه السلام: «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج (1)، إلّا للعليل، أو من يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه» (2).

و فيها أيضا: و سئل عن الرجل ينوي إخراج شي ء من ماله، و أن يدفعه الي رجل من إخوانه، ثمّ يجد في أقربائه محتاجا، أ يصرف ذلك عمّن نواه له الي قرابته؟.

فأجاب عليه السلام: «يصرفه إلي أدناهما و أقربهما إلي مذهبه، فإن ذهب الي قول العالم عليه السلام: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج، فليقسّم بين القرابة و بين الذي نوي، حتي يكون قد أخذ بالفضل كلّه» (3).

و فيها أيضا: و سئل عن الرجل تعرض له الحاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين، فيكتب في أحدهما نعم افعل، و في الآخر لا تفعل، فيستخير اللّه تعالي مرارا، ثمّ يري فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ و العامل به و التارك له، أ هو يجوز مثل الاستخارة أم هو سوي ذلك؟.

فأجاب عليه السلام: «الذي سنّه العالم عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع و الصلاة» (4).

و فيها أيضا: أدام اللّه بقاك، و أدام عزّك و كرامتك، و سعادتك1.

ص: 280


1- الخداج: النقصان. (لسان العرب- خدج- 2: 248).
2- الاحتجاج: 491.
3- الاحتجاج: 491.
4- الاحتجاج: 491.

و سلامتك، و أتمّ نعمته عليك، و جزيل قسمه ذلك، و جعلني من السوء فداك و قدّمني قبلك، إنّ قبلنا مشايخ و عجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة و أكثر، و يصلون شعبان بشهر رمضان، و روي لهم بعض أصحابنا أنّ صومه معصية.

فأجاب عليه السلام: «قال الفقيه: يصوم منه أيّاما إلي خمسة عشر يوما، ثم يقطعه إلّا (1) أن يصوم عن الثلاثة الأيّام الفائتة، للحديث المنقول عن واحد من الصادقين، إنّ نعم شهر القضاء رجب و شعبان» (2).

و فيها: و سئل، فقال: روي لنا عن صاحب العسكر عليه السلام أنّه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب، فوقّع: «يجوز»، و روي عنه عليه السلام أيضا أنّه لا يجوز، فأيّ الخبرين يعمل به؟.

فأجاب عليه السلام: «إنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود، فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال».

و قد سئل بعض العلماء عن معني قول الصادق عليه السلام: «لا يصلّي في الثعلب، و لا في الثوب الذي يليه» فقال: إنّما عني الجلود دون غيرها (3).

و فيها أيضا حيث سأله عليه السلام الحميري عن التّوجه للصلاة و ما يقال فيه.

فأجاب عليه السلام: «التوجّه كلّه ليس بفريضة، و السنّة المؤكّدة فيه التي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجّهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض، حنيفا مسلما علي ملّة إبراهيم، و دين محمّد، و هدي عليّ أمير المؤمنين، و ما أنا من المشركين، إنّ صلاتي و نسكي، و محياي و مماتي للّه ربّ العالمين، لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين، اللهمّ اجعلني من المسلمين، أعوذ2.

ص: 281


1- في المخطوطة و الحجرية عن نسخة بدل: إلي.
2- الاحتجاج: 488.
3- الاحتجاج: 492.

باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ثمّ تقرأ الحمد. قال الفقيه الذي لا شكّ في علمه: إنّ الدين لمحمّد صلّي اللّه عليه و آله، و الهداية لعليّ أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّها له صلّي اللّه عليه و في عقبه باقية الي يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، و من شكّ فلا دين له، و نعوذ باللّه من الضلالة بعد الهدي» (1) انتهي.

و التحقيق في دفع ذلك أن يقال: إنّ هذه الفقرات الواقعة في التوقيعات المذكورة، و إن كانت صريحة في أنّه (عليه السلام) عبّر عن بعض آبائه بالعالم، و عن بعضهم ببعض العلماء، و عن بعض بالفقيه، إلّا أنّ التتبّع في الأخبار، و التّأمل التّام في موارد الآثار فيها يكشف عن أنّ التعبير عن بعض الأئمّة بالعالم، و الفقيه، و نحوهما، إنّما هو شي ء شاع في أصحابنا في زمن الغيبة الصغري و انقطاع أوان الحضور، و قبله لم يعهد عن أصحابنا ذلك، و لم يكونوا يعبّرون بمثل هذا إلّا نادرا، و كان المعروف بينهم التعبير عنهم عليهم السلام بكناهم و ألقابهم المشهورة، و الظاهر أنّ ما وقع لمولانا القائم عليه السلام- أقام اللّه به أركان الشريعة، و أقرّ بظهوره عيون الشيعة- في جملة توقيعاته ممّا مرّ، و غيره من أمثال ذلك التعبير، إنّما نشأ من جهة ما شاع في أوائل الغيبة في ألسنة الرواة، و علماء الأصحاب، و ما كان معهودا بين السفراء و غيرهم، و استقرّ عليه ديدنهم في مكاتباتهم إيّاه، و مخاطباتهم له (عليه السلام) من تعبيرهم عن بعض آبائه عليهم السلام بذلك اللّقب.

و الوجه في ذلك أنّ من الشاهد المعروف بين أهالي العرف و العادات أنّ من يجب أحدا في مسألة من المسائل، و يتكلّم معه في أمر من الأمور، يوافقه كثيرا في اصطلاحاته، و يتكلّم معه علي وفق ما هو المعهود لديه، فبعد التأمّل في هذه الطريقة، و ثبوت أنّ هذا الاصطلاح كان شائعا بين الشيعة في زمان الغيبة6.

ص: 282


1- الاحتجاج: 486.

الصغري، يظهر وجه تعبير القائم عليه السلام بأمثال ذلك اللّقب، و لا يخفي أنّ هذا لا يقتضي تعميم الاصطلاح و القول بجريانه في زمن الحضور، فإنّ المعهود من أئمتنا عليهم السلام خلافه كما نبّهنا عليه، و لا يبعد أن يكون المراد بالعالم، و الفقيه، في خصوص هذه التوقيعات أحد العسكريّين عليهما السلام، فإنّهما ممّا عدّا من ألقاب أحدهما عليهما السلام كما يستفاد من جملة من كتب المناقب و السير، و لعل مراد السفراء و المكاتبين أيضا ذلك، و هذا الاحتمال جار في كلام الكليني قدّس سره في خطبة الكافي أيضا حيث قال:

فاعلم يا أخي- أرشدك اللّه- أنّه لا يسع أحدا تمييز شي ء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه، إلّا ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله: «اعرضوها علي كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فردّوه».

و قوله عليه السلام: «دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم».

و قوله عليه السلام: «خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه».

و نحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه، و لا نجد شيئا أحوط و لا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه الي العالم عليه السلام، و قبول ما وسع من الأمر فيه، بقوله عليه السلام: «بأيّهما أخذتم» من باب التسليم «وسعكم» (1) انتهي.

و بالجملة فتعبير مولانا الرضا عليه السلام في خصوص كتاب من كتبه- دون سائر ما وصل إلينا من أخبارنا- عن بعض آبائه عليهم السلام ببعض العلماء أو العالم في غاية البعد، و يؤيّده ما وقع في هذا الكتاب كثيرا من التعبير عن آبائه، من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي سيدنا موسي بن جعفر عليهم السلام بأساميهم و كناهم الشريفة.

و ممّا فصّلناه سابقا يظهر لك أنّ احتمال وقوع ذلك اللّقب في ذلكة.

ص: 283


1- الكافي 1: 7 المقدمة.

الكتاب علي سبيل التقيّة في غاية البعد، انتهي (1).

أقول: و في كلامه مواقع للنظر، و قبل الإشارة إليها لا بدّ من الإشارة الي مقدّمة، هي: أنّ كلّ ما وقع التعبير به في أسانيد الأخبار بالنسبة إلي الحجج الطاهرين عليهم السلام من الأسامي، و الألقاب، و الكني، فهو ممّن وقع في آخر السند من رجاله، الذي يتلقّي متن الخبر منه، و هو صاحب التعبير عن الإمام بما اقتضاه المقام من أساميهم و ألقابهم الشريفة، لا من صاحب الكتاب الذي أخرج الخبر في كتابه، بل و لا من بعض من وقع في وسط السند، لو فرض أنّ صاحب الكتاب أخرج الخبر من كتابه، و منه علم الناس جملة من ألقابهم و أدرجها الأصحاب في طيّ أحوالهم.

قال شيخنا الكشيّ في رجاله، في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد الصنعاني (2) قال نصر بن الصباح: إبراهيم يروي عن أبي الحسن موسي، و عن الرضا، و عن أبي جعفر عليهم السلام، و هو واقف علي أبي الحسن عليه السلام، و كان يجلس في المسجد و يقول: أخبرني أبو إسحاق كذا، و فعل أبو إسحاق كذا- يعني أبا عبد اللّه عليه السلام- كما كان غيره يقول: حدّثني الصادق عليه السلام، و حدّثني العالم، و حدّثني الشيخ، و حدّثني أبو عبد اللّه عليه السلام، و كان في مسجد الكوفة خلق كثير من أصحابنا، فكلّ واحد منهم يكنّي عن أبي عبد اللّه عليه السلام باسم (3).

و لمعرفة صاحب هذه الألقاب و الكني، و تمييز المشترك منها، عقد كثير من مصنّفي الرجال مقدّمة في أوائل كتبهم أو أواخرها و ذكروا فيها المراد منها، و مستند تمييزهم بعض الأخبار الخاصّة، الذي يستكشف منه المراد، و من عبّر9.

ص: 284


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 17.
2- في النسخة الخطية: إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي.
3- اختيار معرفة الرجال 2: 744/ 839.

عنهم عليهم السلام بلقب أو كنية من المؤلّفين، في الغيبة صغراها و كبراها، فإنّما أخذوه من أصحابهم عليهم السلام، و تلقّوه من رواياتهم، و هذه الألقاب و الكني بعضها كأساميهم الشريفة إلهيّ (1) تلقّوه منهم عليه السلام، و بعضها من أصحابهم- علي ما يظهر من مطاوي الأخبار- عبّروا به عنهم لبعض الحكم، منها التقيّة في أيّام اشتدادها، كالتعبير عن أمير المؤمنين عليه السلام بأبي زينب (2) في أيّام بني أميّة، و ولاية زياد و الحجّاج، و عن الحجّة عليه السلام بالغريم (3)، كمّا صرّح به الشيخ المفيد قدّس سرّه في الإرشاد، و منه التعبير عن الكاظم عليه السلام بالعالم (4)، كما يأتي.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلي ما عدّه من الأمور الموهنة من التعبير عن الكاظم عليه السلام فيه بالعالم عليه السلام، فنقول: فيما نقله من التوقيع المبارك كفاية في رفع هذا الاستبعاد، و ما ذكره في التحقيق من أنّه من مصطلحات رواة الشيعة في أوائل الغيبة، و أنّه عليه السلام كلّمهم علي طريقتهم، دعوي لم يأت لها ببيّنة و لا شاهد من كلام أحد قبله من العلماء الأعلام. و العجب أنّه قال: فبعد التأمّل في هذه الطريقة، و ثبوت أنّ هذا الاصطلاح كان، إلي آخره.

و نحن تأمّلنا فلم نجد في كلامه أدني شاهد لصدق ما ادّعاه، فهل يثبت دعوي بلا شاهد و لا برهان؟! نعم يظهر للمراجع في كلمات الأصحاب في مقام تمييز الروايات، و تشخيص الألقاب: أنّ العالم كان من ألقاب الكاظم عليه السلام كما هو من ألقاب الصادق عليه السلام أيضا، كما مرّ في خبر الكشيّ،2.

ص: 285


1- في النسخة الخطية: التي.
2- الاختصاص: 128.
3- الإرشاد: 2: 362.
4- الاختصاص: 142 و 251 و 252.

و صرّح به جماعة.

قال الشيخ فرج اللّه الحويزاوي في رجاله: إذا أطلق في الروايات، قال صلّي اللّه عليه و آله: أو: و عنه صلّي اللّه عليه و آله، فالمراد الرسول صلّي اللّه عليه و آله- إلي أن قال- و إذا أطلق أبو الحسن عليه السلام، فالمراد به الكاظم عليه السلام، و كذا إذا قيّد بالماضي، و كذا إذا أطلق أبو إبراهيم، و العالم، و الشيخ، و الفقيه، و العبد الصالح، و عبد صالح، فهو المراد عليه السلام- إلي أن قال- و قال بعض الأصحاب: إذا ورد في كتب أصحابنا أبو عبد اللّه مطلقا، كان المراد به الصادق عليه السلام، و كذا الفقيه مطلقا، و كذا العالم مطلقا.

و قال المولي الحاجّ محمّد الأردبيلي في جامع الرّواة: قال مولانا خدا وردي الأفشار في رجاله: اعلم أنّ الأئمّة صلوات اللّه عليهم يذكرون كثيرا بالكني، فينبغي للمحدّث أن يبيّن كناهم، و يميّز الاشتراك- إلي أن قال- و أبو الحسن مشترك بين زين العابدين، و الكاظم، و الرضا، و النقي عليهم السلام، لكن المطلق هو الكاظم عليه السلام، و كذا الأول، و الماضي، و العالم، و الفقيه، و العبد الصالح (1).

و قال شيخنا في الفائدة الثالثة من خاتمة الوسائل: إذا أطلق في الرواية قال صلّي اللّه عليه و آله، فالمراد به النبيّ صلّي اللّه عليه و آله.

قال: و إذا أطلق أبو الحسن، فالمراد به موسي الكاظم عليه السلام، و كذا أبو إبراهيم، و العالم، و الفقيه، الي آخره (2).

و نقل الشيخ أبو علي الحائري في رجاله، عن رجال المولي عناية اللّه أنّه ذكر كني الأئمّة عليهم السلام، و ألقابهم- الي أن قال- و أبو عبد اللّه للحسين و الصادق عليهما السلام، لكنّ المراد في كتب الأخبار الثاني، كالعالم، و الشيخ،).

ص: 286


1- جامع الرواة 2: 462.
2- وسائل الشيعة 30: 150. (الفائدة الثالثة).

و كذا الفقيه، و العبد الصالح، و قد يراد بهما، و بالعالم الكاظم عليه السلام.

قال أبو علي: أقول: في الأكثر يراد بالعالم، و الشيخ، و الفقيه، و العبد الصالح الكاظم، لنهاية شدّة التقيّة في زمانه صلوات اللّه عليه، و خوف الشيعة من تسميته، و ذكره بألقابه الشريفة، و كناه المعروفة (1).

و في جمال الأسبوع للسيّد علي بن طاوس قدّس سرّه: حدّث أبو عبد اللّه أحمد بن محمد الجوهري، قال: كتب إليّ محمد بن أحمد بن سنان أبو عيسي- رحمة اللّه عليه- يقول: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه محمد بن سنان، قال:

قال العالم صلوات اللّه عليه: «هل دعوت في هذا اليوم بالواجب من الدعاء» و كان يوم الجمعة، الخبر (2).

و في كتاب عمل شهر رمضان له، في دعاء الليلة السابعة عشر: رويناه بإسنادنا إلي العالم عليه السلام، أنّه قال: «هذه اللّيلة هي الليلة التي التقي فيها الجمعان يوم بدر» الخبر (3).

و في مكارم الأخلاق: روي عن العالم عليه السلام أنّه قال: «ثلاثة لا يحاسب عليها المؤمن: طعام يأكله، و ثوب يلبسه، و زوجة صالحة تعاونه و يحرز بها دينه» (4).

و فيه: و قال العالم عليه السلام: «في القرآن شفاء من كل داء» (5).

و فيه: و روي عن العالم عليه السلام أنّه قال: «من نالته علّة.»

الخبر (6).3.

ص: 287


1- منتهي المقال: 6 (كني الأئمة، المقدمة) و انظر مجمع الرجال 7: 192.
2- جمال الأسبوع: 229.
3- الإقبال: 159.
4- مكارم الأخلاق: 197.
5- مكارم الأخلاق: 363.
6- مكارم الأخلاق: 363.

و في علل الشرائع للصدوق قدس سره: حدّثنا عليّ بن أحمد- رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري أنّ العالم كتب إليه- يعني الحسن بن علي عليهما السلام- «إنّ اللّه عزّ و جلّ.» الخبر (1). و إنّما فسّره بالعسكريّ عليه السلام لعدم انصراف الإطلاق إليه.

و في توحيده: عن عليّ بن أحمد الدقاق، عن الكليني، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلّي قال: سئل العالم عليه السلام كيف علم اللّه.؟

الخبر (2).

و لعلّ في هذا المقدار كفاية لمن أراد معرفة ثبوت ما ادّعيناه، من كون العالم من ألقابهما عليهما السلام، الدائرة علي ألسنة أصحابهم عليهم السلام في أيّام حضورهم.

و لا يبعد أن يكون الأصل فيه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي، و الصفّار في بصائر الدرجات، بأسانيد متكثّرة، و غيرهما في غيرها، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «يغدو الناس علي ثلاثة صنوف: عالم، و متعلّم، و غثاء، فنحن العلماء، و شيعتنا المتعلّمون، و سائر الناس غثاء» (3) بل فيه، و في تأويل الايات مسندا أنّ المراد من العلماء، في قوله تعالي: إِنَّمٰا يَخْشَي اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ (4) هو أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام (5).

الرابع: ما ذكره في الفصول من اشتماله علي نقل أخبار متعارضة في موارد عديدة، من غير إشارة إلي طريق الجمع بينها، و لا الي ما هو الحقّ منها2.

ص: 288


1- علل الشرائع: 249 حديث 6.
2- التوحيد: 334 حديث 9.
3- الكافي 1: 26 حديث 4 بصائر الدرجات: 28 الأحاديث 1، 3، 4، 5.
4- فاطر 35: 28.
5- بصائر الدرجات: 29- 31 باب 6 و 7، و تأويل الآيات: 172.

و الصواب، و لا إلي أنّه ممّا يجوز الأخذ بكلّ منهما من باب التسليم، فيستفاد منه قاعدة كليّة أفيد من بيان ما هو المعتبر في خصوص الواقعة، ثمّ عدّ بعض الأمثلة لذلك (1).

و يمكن أن يقال بعد الغضّ عن احتمال كون الكتاب من إملائه الجائز علي هذا الفرض كون ذكر المعارض من الجامع لا المملي عليه السلام، و تسليم كونه من تأليفه عليه السلام: إنّ هذا الاعتراض يأتي في كلّ خبر صادر عن إمام و عند الراوي عمّن قبله من الأئمّة عليهم السلام ما يعارضه، لعلمه عليه السلام بذلك، و بابتلاء الراوي و السائل بالمعارض، و احتياجه الي رفعه بما أشار إليه، و هذا أمر غير عزيز في الأخبار.

و حلّه في المقامين: أنّهم عليهم السلام ألقوا إلي أصحابهم طريق العلاج في موارد ابتلائهم بالأخبار المتعارضة، من التخيير و التسليم، و وجوه الترجيح، و أكثر ما ورد في هذا الباب مروي عن الصادق عليه السلام، و كانت دائرة بين الأصحاب خصوصا أخبار التسليم منها، و بعد رفع تحيّرهم و معرفتهم طريق العلاج، ما كانوا محتاجين الي التنبيه و الإشارة في كلّ واقعة و مورد، و ربما كان في عدم الإشارة مع ذكر المعارض للراوي، أو علمه بوجوده عنده، أو بعثوره عليه، تقرير لما في أيديهم من طرق العلاج، و تمرين لهم بإعمال ما عندهم منها في موارد التعارض التي لا تحصي، مع أنّ فيه ما أشار إليه من الإشارة إلي طريق العلاج.

ففي باب النفاس قال: و النفساء تدع الصلاة. أكثره، مثل أيّام حيضها و هي عشرة- الي أن قال- و قد روي ثمانية عشر يوما، و روي ثلاثة و عشرين يوما. و بأيّ هذه الأحاديث أخذ من جهة التسليم جاز (2) فالإيراد ساقط من1.

ص: 289


1- الفصول الغروية: 312.
2- فقه الرضا (عليه السلام): 191.

أصله، و اللّه العالم.

الخامس: ما فيه أيضا من أنّه قال في باب القدر: سألت العالم عليه السلام: أجبر اللّه العباد علي المعاصي؟ فقال: «اللّه أعزّ من ذلك» فقلت له:

ففوّض إليهم؟ فقال: «هو أعزّ من ذلك» فقلت له: فصف لنا المنزلة بين المنزلتين، الي آخره (1)، و لا خفاء في أنّ مثل هذا السؤال، ممّا يبعد صدوره عن الامام عليه السلام، انتهي (2).

و لا يخفي أنّ علمهم عليهم السلام بما يحتاجون إليه من الأصول و الفروع، و ما يحتاج إليه العباد كان معهم في صغرهم، علّمهم اللّه تعالي بالطرق التي اختصّهم بها، و في الظاهر كانوا يتعلّمون بعضهم من بعض، و يتلقّونه منهم كما يتلقّي غيرهم منهم أو من غيرهم بالسؤال الظاهر في جهالة صاحبه، أو بالإلقاء من غير مسألة.

و في الأخبار في المقامين ما لا يحصي من سؤال بعضهم عليهم السلام من بعض، أو تعليم بعضهم عليهم السلام بعضا، فيما يتعلّق بالأصول و الفروع، و لا بدّ في جميعها من جميعها من ذكر وجه، أو وجوه لرفع البعد عن ظاهرها، من الدلالة علي جهلهم، الذي ينبغي تنزيههم عنه.

و لنتبرّك بذكر خبر واحد:

روي القطب الراوندي في لبّ اللباب: و نزل فيه- يعني عليّا عليه السلام- إِذٰا نٰاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً (3) و لم يعمل بها غير عليّ عليه السلام، كان معه دينار فباعه بعشرة دراهم، و أعطاها المساكين، و سأل النبي صلّي اللّه عليه و آله عشر مسائل:

أوّلها: قال: «يا رسول اللّه كيف ادعوا اللّه؟» قال صلّي اللّه عليه و آله:

ص: 290


1- فقه الرضا (عليه السلام): 348.
2- الفصول الغروية: 312.
3- المجادلة 58: 12.

«بالصدق و الوفاء».

الثاني: قال: «ما أسأل اللّه؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «العافية».

الثالث: قال: «ما أصنع لنجاتي؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «كل حلالا، و قل صدقا».

قال: «فما النور؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «القرآن».

قال: «فما الفساد؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «ظهور الكفر و البدع و الفسق».

قال: «فما عليّ؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «أمر اللّه و أمر رسوله» (1).

قال: «فما الحيلة؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «ترك الحيلة».

قال عليه السلام: «فما الحقّ؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «الإسلام و القرآن و الخلافة».

قال عليه السلام: «فما الوفاء؟» قال صلّي اللّه عليه و آله: «شهادة أن لا إله إلّا اللّه».

قال عليه السلام: «فما الراحة؟» قال صلّي اللّه عليه و آله:

«الجنّة».

السادس: ما في الرسالة السابقة أيضا من أنّ كثيرا من أحكام ذلك الكتاب، ممّا خالف جملة من ضروريّات المذهب و قطعيّاته، و جملة منها ممّا لا يناسب شيئا من قواعد مذهبنا، و لا شيئا من قواعد المخالفين، و كثيرا منها ممّا لا يساعده ما عليه معظم أصحابنا، و لا ما انعقد عليه إجماعهم في سائر الأعصار و الأمصار، ثمّ شرع في التفصيل و لم يذكر من موارد الطوائف الثلاثة، إلّا مسائل معدودة:

منها: ما في باب المواقيت من قوله: و إن غسلت قدميك و نسيت المسحه.

ص: 291


1- في الحجرية: أمر اللّه و رسوله.

عليهما فإنّ ذلك يجزيك، لأنّك قد أتيت بأكثر ممّا عليك، و قد ذكر اللّه الجميع في القرآن المسح و الغسل في قوله: وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ (1) أراد به الغسل، بنصب اللام، و قوله: وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ بكسر اللام (2)، و كلاهما جائزان، الغسل و المسح (3).

و منها: ما وقع فيه من تحديد مقدار الكرّ، و هو قوله: و العلامة في ذلك أن تأخذ الحجر و ترمي به في وسطه فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكرّ، و إن لم تبلغ فهو كرّ، و لا ينجسه شي ء (4).

و منها: ما وقع في باب لباس المصلّي منه، من جواز الصلاة في جلد الميتة بتعليل أنّ دباغته طهارته (5).

و منها: ما وقع فيه من نفي كون المعوذتين من القرآن، و عدّهما من الرّقي (6).

و منها: ما فيه في باب الشكوك، من فروع بعضها موافق للعامّة، و بعضها لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، إلّا عليّ بن بابويه، و الإسكافي، و بعض نادر منهم.

و منها: ما وقع فيه في باب النكاح، من اشتراط حضور الشاهدين في النكاح الدائم (7).2.

ص: 292


1- سورة المائدة 5: 6.
2- في المصدر زيادة: أراد به المسح.
3- فقه الرضا (عليه السلام): 79، و في نسختنا في باب التخلّي و الوضوء، و ليس في باب المواقيت الذي هو قبل هذا الباب علما أن عبارة باب التخلّي و الوضوء ساقطة من بعض النسخ فتأمل.
4- فقه الرضا (عليه السلام): 91.
5- فقه الرضا (عليه السلام): 302.
6- فقه الرضا (عليه السلام): 113.
7- فقه الرضا (عليه السلام): 232.

و منها: ما في أواخر الكتاب، من التفصيل في أمر المتعة، و هو قوله: و نهي عن المتعة في الحضر، و لمن كان له مقدرة علي الأزواج و السراري (1)، و إنّما المتعة نكاح الضرورة للمضطرّ الذي لا يقدر علي النكاح، منقطع عن أهله و ولده، انتهي (2).

قلت: أمّا بناء علي كون الكتاب من إملائه عليه السلام، فقد أشار المجلسي إلي دفع هذا الإيراد، بقوله في أبواب الشكوك من بحاره: و لعلّ جامع الكتاب جمع بين ما سمع منه عليه السلام في مقامات التقيّة و غيرها، و أوردها جميعا (3).

و علي الاحتمال الآخر، فيمكن أن يقال: إنّه لا يشترط في الحمل علي التقيّة حضور من يخاف منه، فيكون وجود ما ينافي التقيّة في جملة الكلام ممّا يبعّد الحمل المذكور، سواء في ذلك أقوالهم و مكاتيبهم عليهم السلام، فإنّ علمهم عليهم السلام بابتلاء المكتوب إليه في بعض المقامات بما يوجب التقيّة، كاف في تعليمه بما يدفعها في محلّ الحاجة، و إن لم يحتج إليه في غيره، فلا يلزم أن يكون كلّ ما في الكتاب جاريا علي طريقة المخالف، و لا يمنع وجود ما ينافي التقيّة فيه عن حمل ما يلائمها عليها، فلعلّه عليه السلام كان يعلم بابتلاء أحمد السكين الذي كتب الكتاب لأجله في هذه المقامات بما يلزمه العمل بما يخالف الحقّ و يوافق القوم أو بعضهم.

مع أنّ جملة ممّا ذكر قابل للتوجيه، فإنّ ما نقله في أمر المتعة ليس في النسخة الصحيحة القميّة، بل ذكر فيها أحكام المتعة كما هو موجود في الأخبار7.

ص: 293


1- السرية: الجارية المتّخذة للملك و الجماع. (لسان العرب- سرر- 4: 358).
2- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام): 20 25.
3- بحار الأنوار 88: 217.

المعتبرة، و دائر في ألسنة الفقهاء، و إنّما هو في النسخة الأخري التي ألحقت بها نوادر أحمد بن محمد بن عيسي، و أدرج فيها ما يظنّ كونه أيضا من إملائه عليه السلام.

و منه ما نقله في أمر المتعة فلاحظ.

و الإشهاد في الدائم يحمل علي الاستحباب، كما حمل (1) عليه ما دلّ علي الإشهاد في بعض الأخبار.

و مرّ في كتاب الطهارة وجه لما فيه من تحديد الكرّ (2).

و أمّا ما نقله من لباس المصلّي، ففي الكتاب في الباب المذكور في كتاب الصلاة: و لا تصلّ في جلد الميتة علي كلّ حال (3). نعم في باب آخر منه بعد باب الصناعات ذكر جواز اللّبس فيه معلّلا بما ذكر، و لا يظهر منه جواز الصلاة فيه إلّا بملاحظة سابقه و لاحقه (4)، و بعد التسليم فلا مناص من الحمل علي التقيّة بعد النصّ المتقدّم.

الي غير ذلك من الوجوه القريبة أو البعيدة، التي يرتكبون مثلها في سائر الأخبار، حتي في الواحد منها، المنافي صدره لذيله، و قد أشار الي جملة من تلك الوجوه في الرضوي، العالم الفاضل، المولي الجليل محمد، المعروف بشاة قاضي اليزدي، صاحب المؤلّفات الرائقة (5) في ترجمته للفقه الرضوي.

السابع: ما فيها أيضا: أنّ من جملة الأمور المذكورة، ما وقع في أوائله من الرواية عن أبي بصير و بعض آخر من الرّواة علي طريقة المحدّثين، و ما يوجد في الخمس الأخير منه من الرواية عن بعض الأئمّة عليهم السلام بوسائط).

ص: 294


1- في الحجرية: يحمل.
2- مستدرك الوسائل 1: 199 ذيل الحديث 345.
3- فقه الرضا: 157.
4- فقه الرضا: 302.
5- منها رسالة في شرح حديث: ان اللّه لا يجمعهم- أي أمته صلّي اللّه عليه و آله- علي ضلالة، صنفها في سنة 1301 ه. و ترجمة آيات الأحكام صنفها للسلطان محمد قطب شاه. (منه قدّس سره).

متعدّدة.

ففي باب فضل صوم شعبان و صلته برمضان منه: أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسي، عن سماعة بن مهران (1)، الي آخره، ثمّ أطال الكلام في نقل أمثاله.

و الاعتراض فاسد لفساد أصله، من كون ما نقله من أجزاء كتاب فقه الرضا عليه السلام، بل هو من أجزاء نوادر أحمد بن محمد بن عيسي، أدخل هو أو بعض الرواة أو النسّاخ الرضوي فيه، و قد التفت- سلّمه اللّه- الي ذلك بعد مدّة، فاستدرك ما ذكره في الحاشية.

فقال: من جملة ما عثرت عليه بعد مضيّ سنين عديدة من تأليف هذا الكتاب، إنّي وقفت علي كتاب نوادر أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري القمّي، فوجدته مطابقا لهذه الأخبار المسندة المذكورة في الكتاب، و قد حصل لي الظنّ القويّ، بل المتاخم للعلم بأنّ هذه الأخبار مأخوذة عن النوادر، و يؤيده أنّ الحديث الأوّل المذكور في الكتاب أوّل رواته أحمد بن محمد بن عيسي، و هذا موافق لطريقة قدماء أهل الحديث، حيث يذكرون في أوّل كتبهم المصنّفة أساميهم، انتهي.

و لا يخفي أنّ الموجود من النوادر ليس إلّا المنضمّ بالرضوي، و لم يكن عند العلّامة المجلسي، و شيخنا الحرّ أزيد من ذلك، كما لا يخفي علي من راجع البحار و الوسائل، و راجع الرضوي، فلا يجد فيهما خبرا منقولا عن النوادر إلّا و هو موجود فيه، هذا علي ما في بعض نسخ الرضوي، و ما أكثرها، فآخره هو باب القضاء و القدر، و باب الاستطاعة، الذي يتبعه باب فضل صوم شعبان في النسخة الأخري، و هو أوّل النوادر، و ليس فيها خبر مسند أصلا. و في النوادر أيضا أبواب و مقالات يظنّ أنّها من أصل الرضوي، اختلطت به حتّي1.

ص: 295


1- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 25، نوادر احمد بن محمّد بن عيسي: 1.

صار سببا للاشتباه، و يحتاج الناظر في تمييز أحدهما من الآخر إلي بصيرة المعيّة (1)، و رأينا في بعض مواضع الوسائل نقل عن النوادر، و المنقول رضوي لا يعتني هو به كما تقدّم.

الثامن: ما أشار إليه والي جوابه السيّد السند في المفاتيح، قال: لا يقال لو كان من الامام عليه السلام لكانت عباراته فصيحة سلسلة، و اللازم باطل، أمّا الملازمة فلأنّه اللائق بحالهم، و أمّا بطلان اللازم فلأنّك إذا تتبّعت عباراته لتحقّقت ذلك.

لأنّا نقول: لا نسلّم أنّ ذلك لائق بحالهم، بل اللائق بحالهم التعبير بما تقتضيه الحكمة، و قد تقتضي الحكمة التعبير بما يخالف القواعد العربيّة، حيث يتوقّف فهم المسائل عليه، و لعلّ التعبير في ذلك الكتاب مستند الي حكمة خفيّة، انتهي (2).

قلت: روي عليّ بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصيّة، عن الكلابي، عن أبي الحسن عليّ بن بلال و أبي يحيي النعماني، قالا: ورد كتاب من أبي محمد عليه السلام و نحن حضور عند أبي طاهر بن بلال، فنظرنا فيه، فقال النعماني: فيه لحن، أو يكون النحو باطلا، و كان هذا بسرّ من رآي، فنحن في ذلك حتي جاء توقيعه عليه السلام: «ما بال قوم يلحنوننا، و إنّ الكلمة نتكلّم بها تنصرف علي سبعين وجها، فيها كلّها المخرج منها و المحجّة» (3).

هذا، و ما يوجد في بعض مواضعه ممّا هو علي خلاف العربيّة، فالظاهر أنّه من الناقلين له من الخطّ الكوفيّ، و عدم مهارتهم في قراءته و في القواعد العربيّة، فلاحظ.4.

ص: 296


1- في النسخة الخطية: تامة.
2- مفاتيح الأصول: 351.
3- إثبات الوصية: 214.

خاتمة تتعلّق بالمقام: اعلم أنّ الراوي إذا كان عدلا إماميا فالخبر من جهته صحيح، و لا يحتاج في مقام الحجيّة بعد إحراز الإيمان و العدالة فيه الي فضيلة اخري، كالفقاهة، و الزهّادة، و التصنيف، و غيرها، فإن وجدت فيه فهو كمال لا يضرّ فقده، و قد نقل في المفاتيح اتّفاق الأصحاب علي عدم اشتراط الفقاهة. نعم قد يحتاج إليه في مقام الترجيح المؤخّر عن مقام الحجيّة.

و قد تقدّم عن العلّامة الطباطبائي في فوائده أنّه تمسّك في كلامه في حجيّة الكتاب: بأنّ القاضي السيّد مير حسين أخبر بأنّه من الإمام عليه السلام، الي آخره. و قد وثّقه المجلسي كما تقدّم (1)، و قال خرّيت هذه الصناعة الآميرزا عبد اللّه في رياض العلماء: السيد القاضي الأمير حسين، فاضل عالم، جليل نبيل، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد- أدام اللّه تعالي فيضه- و عليه اعتمد في صحّة كتاب فقه الرضا عليه السلام، و تصحيح انتسابه الي مولانا الرضا عليه السلام، انتهي (2).

و هذا المقدار يكفي في الحكم بصحّة خبره و حجيّته لو فرض خلوصه عن بعض الاعتراضات، كما أشرنا إليه في صدر كلامنا، و العلّامة الطباطبائي ظنّ أنّ القاضي أمير حسين المذكور، هو بعينه السيّد حسين الكركي، فذكر شطرا من مناقبه، و فضائله، و مؤلّفاته.

و هذا اشتباه لم يصدر منه- رحمه اللّه- إلّا لما قيل من أنّ الجواد قد يكبو، و هذا الاشتباه غير مضرّ بأصل المقصود من وثاقة حامل الكتاب، بل عدّه صاحب الرياض- المعاصر له- من العلماء كما عرفت، إلّا أنّ السيد الميرزا محمد المتقدم- صاحب الرسالة- و أخاه الفاضل في الروضات (3) لمّا وقفا علي هذا1.

ص: 297


1- انظر للاول صحيفة: 239. و للثاني: 230.
2- رياض العلماء 2: 30.
3- روضات الجنات 2: 331.

الاشتباه، جعلا يطعنان علي هذا السيّد الجليل، خصوصا الأخير منهما أشدّ الطعن، و أساء الأدب إليه و أطال في الروضات الكلام بما لا ينبغي صدوره منه إليه، و لا فيه منفعة سوي الإطالة.

قال العلامة المذكور: و القاضي أمير حسين الذي حكي عنه الفاضلان المجلسيّان ذلك هو السيّد أمير حسين بن حيدر العاملي الكركي، ابن بنت المحقّق الشيخ عليّ بن عبد العالي الكركي- طاب ثراه- و كان قاضي أصبهان و المفتي بها في الدولة الصفويّة، أيّام السلطان العادل الشاه طهماسب الصفوي، و هو أحد الفقهاء المحقّقين، و الفضلاء المدقّقين، مصنّف مجيد، طويل الباع، كثير الاطّلاع، وجدت له رسالة مبسوطة في نفي وجوب الجمعة عينا في زمن الغيبة، و كتاب النفحات القدسيّة في أجوبة المسائل الطبرسيّة، و كتاب دفع المناواة عن التفضيل و المساواة، وضعه لبيان أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام علي جميع الأنبياء، و مساواته لنبيّنا صلّي اللّه عليه و آله إلّا في النبوة، و هو كتاب جليل ينبئ عن فضل مؤلّفه النبيل، و له كتاب الإجازات فيه إجازة جمّ غفير من العلماء المشاهير، منهم خاله المحقّق المدقّق الشيخ عبد العالي بن المدقّق الشيخ علي الكركي، و ابن خالته السيّد العماد الأمير محمد باقر الداماد، و الشيخ الفقيه الأوحد الشيخ بهاء الدين محمد، و قد وصفه جميعهم بالعلم، و الفضل، و التفقّه، و النبالة.

ثمّ ذكر بعض ما في إجازة الشيخ البهائي- الي أن قال- و نحن نروي عن هذا السيّد الأمجد، و السند الأوحد، ما صحّت له روايته، و اتّضحت لديه درايته، بطرقنا المتكثّرة، عن شيخنا العلّامة المجلسي، عن والده المقدّس المجلسي، عنه، الي آخره (1). و فيه اشتباه من جهتين:

الأولي: حكمه باتّحاد القاضي أمير حسين المذكور، مع السيّد حسين9.

ص: 298


1- فوائد السيد بحر العلوم: 149.

ابن السيّد حيدر العاملي الكركي.

الثانية: حكمه بأنّ السيد حسين الكركي المذكور، هو بعينه ابن بنت المحقّق الثاني، و ابن خالة المحقّق الداماد و المفتي في الدولة الصفويّة، و صاحب كتاب دفع المناواة، و كلاهما فاسدتان.

أمّا الاولي: فلأنّ صاحب الرياض- الذي هو استاد أهل هذه الصناعة، و كان في عصرهم- جعل القاضي أمير حسين- صاحب الرضوي- عنوانا مستقلا في الرياض، و لم يذكر له نسبا، و لا شيخا في الإجازة، و لا شغلا من الإفتاء في الدولة الصفويّة، و لا تأليفا (1). و ذكر السيّد الكركي المذكور بعد ذلك، و ذكر نسبه، و بلده، و مشايخه، و بعض ما يتعلّق به (2). فلو كانا متّحدين لأشار في إحدي الترجمتين الي ذلك، لشدّة حرصه علي ضبط أمثال هذه الأمور، و نهاية اطّلاعه عليها، و أمّا الطبقة فغير مضرّ، فإنّه يروي عن المحقّق الداماد، و الشيخ البهائي، و الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد، و تأريخ إجازته له في سنة تسع و عشرين و ألف، فيكون في طبقة المجلسي الأوّل، فلا يبعد روايته و ولده العلّامة عنه.

و أمّا الثانية: فلأنّ العالم المفتي، الملقّب بخاتمة المجتهدين، صاحب كتاب دفع المناواة، هو سيّد المحقّقين، السيّد حسين بن السيّد ضياء الدين أبي تراب حسن بن صاحب الكرامات الباهرة، و المقامات الزاهرة، شمس الدين السيّد أبي جعفر محمد الموسوي الكركي، المعروف بالأمير سيّد حسين المجتهد، و الأمير حسين المفتي، و هو ابن بنت المحقّق الثاني، و كان نازلا منزلته عند الأمراء و السلاطين، توفّي بالطاعون سنة إحدي و ألف بقزوين، و عندي نسخة صحيحة من كتاب دفع المناواة، علي ظهرها خطّ المجلسي، و في آخرها: و فرغ1.

ص: 299


1- رياض العلماء 2: 30.
2- رياض العلماء 2: 91.

من تسويدها مؤلّفها المذنب الجاني الحسين بن الحسن، في رابع ربيع الأوّل من سنة تسع و خمسين و تسعمائة، فهو في طبقة الشهيد الثاني، فلا يمكن رواية المجلسي الأوّل عنه، و قد تولّد بعد وفاة السيّد بسنتين، و هذا من الظهور بمكان لا يخفي علي من راجع الرياض و غيره، و لكن هذا الاشتباه الغير المضرّ بشي ء من الأمور المتعلّقة بالدين، لا يقتضي هذا الحدّ من الجسارة و سوء الأدب إلي مثل هذا النّحرير، الذي هو آية اللّه عند نواميس الدين، و حملة الشريعة.

فقال الأول في الرسالة: و أمّا ما تقدّم من اتّحاد القاضي أمير حسين المذكور، مع السيّد الأجلّ الأكمل، السيّد حسين بن حيدر العاملي المجتهد، كما توهّمه سيّدنا صاحب الدرّة، فهو أيضا كلام عار عن التحقيق، و ناشئ عن قلّة التتبّع و التدقيق، ثمّ ذكر ما شرحنا خلاصته (1).

و قال الثاني في الروضات: ثمّ من عجب العجاب كلّ العجاب في هذا الباب، هو ما اتّفق لأفضل متأخّرينا البارع المتتبّع، الذي هو بحر العلوم في نواظر أصحاب الرسوم، من أنّ الأمير سيّد حسين القاضي الأصبهاني، الذي قد جاء بنسخة كتاب «الفقه الرضوي» في هذه الأواخر معه من سفر الحجّ إلي أصفهان، و أخذ منه تلك النسخة، و رواها عنه، و أسندها إليه من بعد ذلك المجلسيان، لمّا رأياه يدّعي القطع بصدوره عن مولانا الرضا عليه السلام، و هو من الثقات لديهما، هو بعينه نفس هذا السيّد الأجل الأفخر، حسين بن السّيد حيدر الكركي العاملي، و إنّه أيضا المتولّي لمنصبي القضاء و الإفتاء بأصفهان، في دولة الشاه طهماسب الصفوي الموسوي، و أحد الفقهاء المحقّقين، الي آخر ما تقدم عن الفوائد، قال: قصدا إلي تأييد ما هو بصدده من إثبات حجيّة هذا الكتاب: بكون الراوي له، الواجد إيّاه، الحاكم بقطعيّة صدوره هو مثل هذا الجناب المستطاب، مع كلّ ما قد عرفته فيه من المراتب العالية، و جميل1.

ص: 300


1- رسالة في تحقيق فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 31.

الألقاب، دون رجل مجهول الحال، ليس يعرف قدره و منزلته الي الآن من كتب الرجال، إلّا من جهة استفادة مصداق مّا من التوثيق له، الخارج مرّة علي سبيل الاتّفاق، دون التعمّد في الإطلاق، الذي هو بعد التأمّل في الأعماق، من فم مولانا المجلسي بل قلمه المسامح فيه فحسب.

و كان السبب في مثل صدور هذا الخبط العظيم، و الخلط الجسيم، من مثل هذا الرجل العليم، و الحبر الحكيم- بناء علي أنّ الصارم قد ينبو، و الجواد قد يكبو، بل الفاضل من تعدّ أغلاطه- هو ما ورد في الأخبار من أنّ: حبّ الشي ء يعمي و يصمّ (1).

فإذن المهمّ كلّ المهمّ، أن نعطف عنان الهمّة الي صوب كشف هذا الملمّ، بتذنيب من الكلام هو لجدوي هذه الترجمة متمّ، و يتوجّه منه النظر الي جواب هذه المغلطة العظمي، مدّعي و دليلا، بأربعة وجوه.

ذكر في أوّلها شرح البون البعيد بين الرجلين، و ذكر جملة من اللوازم الباطلة للقول باتّحادهما، ممّا أخرج الكتاب عن الكتب العلميّة، و أطال الطعن و التشنيع علي السيّد الجليل، معبّرا عنه في خلال كلماته بالموحّد، فكأنّه أبدع في الدين، و زاد أو نقص في شريعة سيّد المرسلين صلّي اللّه عليه و آله.

و ذكر في ثانيها كلام صاحب الرياض، و احتجّ بما صنعه فيه من ذكره القاضي الأمير حسين، الخالي عن النّسبة إلي أبيه، في ترجمة له بالخصوص مختصرة، عقيب (2) ترجمة السيّدين المقدّمين بأكمل التفضيل، من غير إشارة إلي منزله فيه، أو قابليّة دخوله في زمرة المصنّفين من الأصحاب، أو نسبة شي ء إليه سوي محض النقل لما ذكره أستاذه المعظّم إليه في حقّه، قال: و يظهر منه كون الرجل في ذلك العصر غير معروف بنسب أو حسب عند أحد من غير الخواصّ، كأحد من المريدين لهم، بحيث لم يكن عنده في زمان التصنيف1.

ص: 301


1- عوالي اللآلي 1: 290/ 149.
2- كذا و الصحيح: قبل. انظر الترجمة في الرياض 2: 30 و السيدين فيه صحيفة 62 و 88 و 91.

- من شدّة خمول اسم الرجل عليه- بسمة أبيه. (1).

إلي آخر ما ذكره ممّا يقضي منه العجب، فكأنّه ظنّ أنّ أحدا لا يطّلع علي الرياض فاشتبه الأمر علي الناظرين، فإنّه قال فيه: السيّد القاضي الأمير حسين:

فاضل، عالم، جليل، نبيل، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد- أدام اللّه فيضه- الي آخره (2). أ ليس كلامه صريحا في كونه عنده من العلماء الأجلّاء؟! أ يشترط في عدّ الرجل منهم ذكر أبيه، أو كونه من المؤلّفين؟ فلو اخرج الرجل- للجهل باسم أبيه، و عدم تأليف له- من زمرة العلماء لخرج منهم جمّ غفير من الذين ترجمهم في الكتاب المذكور، الذي يطعن فيه علي معاصره شيخنا الحرّ- رحمه اللّه- من ذكر بعض الرجال في أمل الآمل، الموضوع لذكر العلماء مع أنّه ليس منهم.

ففي ترجمة الأمير سيّد حسين المفتي المتقدّم ما لفظه: و لقد أغرب شيخنا المعاصر في أمل الآمل حيث قال: إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الحسن الموسوي العاملي الكركي، عالم، فاضل، جليل القدر، شيخ الإسلام في طهران، من المعاصرين، و هو ابن أخي ميرزا حبيب اللّه، أو ابن عمّه، انتهي.

إذ عدّ مثل هذا الرجل من العلماء، و إيراده في هذا الرجال المخصوص بالفضلاء يورث الوهن في سائر من أوردها، و لذلك قد نسبنا إليه كلّ من لا نعرفه، و انفرد هو بنقله، سيّما في شأن معاصريه، كي تكون العهدة عليه.

و نظير ذلك بل أغرب منه، إيراده- رحمه اللّه- أميرزا حبيب اللّه المذكور أيضا في هذا الرجال كما سيأتي، و كذا قوله: السيّد ميرزا عليّ رضا بن ميرزا حبيب اللّه الموسوي العاملي الكركي، كان عالما، فاضلا، محقّقا، مدقّقا، فقيها، متكلّما،0.

ص: 302


1- روضات الجنات 2: 331- 334.
2- رياض العلماء 2: 30.

جليل القدر، عظيم الشأن، شيخ الإسلام في أصفهان، توفّي سنة إحدي و تسعين و ألف، انتهي.

و نحوه قوله: السيّد ميرزا محمد معصوم بن ميرزا محمد مهدي بن ميرزا حبيب اللّه الموسوي العاملي الكركي، كان عالما، فاضلا (1)، جليل القدر، عظيم الشأن، اعتماد الدولة في أصفهان، انتهي.

فإنّ عدّ هؤلاء من أجلّة العلماء، و إدخاله في رجال هؤلاء الكبراء في وقاحة شنعاء، لا سيّما مع غاية المدح و الإطراء، كما لا يخفي، انتهي ما في الرياض (2).

فليتأمّل المنصف في كلامه هذا، و فيما نسبه إليه في الروضات، من أنّه ذكر في عداد العلماء النبلاء الأجلّاء، رجلا مجهولا لا يعرف إلّا بحمله كتاب فقه الرضا عليه السلام من مكّة المعظّمة إلي أصفهان، و إنّ ما نسبه إليه من العلم، و الفضل، و الجلالة، و النبالة، في أصل الترجمة كأنّه افتراء، مع أنّه احتمل في كلامه أنّ صاحب الرياض لاقاه.

و ليت شعري ما الدّاعي لذكره فيه لولا أنّه من العلماء، و كيف صار حمل الكتاب- و إن كان الحامل ثقة، صالحا، ورعا- مقتضيا للضبط و الترجمة، و التوصيف بالعلم و الجلالة؟! لولا معرفته به، و اعتقاده بما وصفه به، مع كونه في عصره، مع أنّ جميعهم وصفوه بالقضاوة.

و أنت خبير بأنّ حال القاضي و صفاته غير خفيّة علي أهل عصره، لابتلائهم به، إمّا: بعلوّ الدرجة في العلم، و الفضل، و التقوي كما هو الغالب في4.

ص: 303


1- في المصدر زيادة: محققا، جليل القدر، عظيم الشأن، شيخ الإسلام في أصفهان. انتهي، و مثله قوله: السيد ميرزا محمّد مهدي بن ميرزا حبيب اللّه الموسوي العاملي الكركي، كان عالما فاضلا.
2- الرياض 2: 63، 64.

قضاة أعصار الصفويّة، الذين كانوا غير متمكّنين من القضاوة و الحكم إلّا بعد تصديق شيخ الإسلام المعاصر له، كالمحقّق الكركي، و السيّد المتقدّم، و الشيخ علي المنشار، و الشيخ البهائي، و المحقّق السبزواري، و أضرابهم من أعاظم العلماء، أو بالجهل، و الحرص، و الحيف، و الطمع، و غيرها كما هو الغالب في طبقات من بعدهم، فكيف يصير قاضيا، و يوصف بالقضاوة، و لا يعرف علمه، و جهله، و عدالته و فسقه؟!.

و أعجب من ذلك نسبة المجلسي الأوّل إلي المسامحة في التوثيق، في قوله كما تقدّم: إنّ من فضل اللّه علينا، إنّه كان السيّد الفاضل، الثقة، المحدّث، القاضي أمير حسين- رحمه اللّه- الي آخره، و مثله كلام الثاني في البحار، فلينصف الناظر.

إنّ حبّ التأييد و الحجيّة أعمي و أصمّ السيد المؤيّد بحر العلوم، أو حبّ عدم الحجيّة أعمي من يتشبّث له بهذه الأمور، التي هي أوهي من الحشيش، من إنكار العلم و الوثاقة في السيّد بعد أزيد من مائتي سنة، مع تصريح هؤلاء الأعلام المعاصرين له بهما، و بالجلالة و النبالة، مع عدم وجود ما يعارض كلامهم في حقّه، و لو من جاهل غبيّ في عصره و بعده.

و أغرب منه أيضا إنّه في هذا المقام نقل كلام صاحب الرياض في ترجمة الفاضل السيّد علي خان المدني، كما ذكرناه سابقا، و قال في آخره: و هو غريب، و لم يذكر وجه الغرابة، و لم يتمكّن من ردّه بتكذيب صاحب الرياض، أو تسامحه و غفلته، أو تجهيله، فإنّه عنده و عند كلّ من وقف علي حاله فوق ما يحوم حول الخيال، من البصيرة و الاطّلاع، و الخبرة و المعرفة و الضبط، مع شدّة الوثاقة في النقل، مع أن في هذا المنقول تكذيب جملة من دعاويه مع قطع النظر عن الحجيّة و عدمها، كانحصار النسخة فيما أتي به القاضي، و إنّ المجلسي الأوّل هو مروّجها، و إنّه لم يكن لها ذكر قبله، و غير ذلك ممّا مرّ.

قال: و ثالثها: إنّ الرجل لو كان بمثابة من الفضل تتطرّق هذه الشبهة

ص: 304

ساحتها، لما تطرّق ريب ساحة حجيّة كتابه المأتيّ به، الموصوف أيضا من لدن تحدّثه عنه، مع ادّعائه القطع بصدوره، و المفروض خلافه، ضرورة كون من تقدّم علي هذا الموحّد، و بعض مشايخه الأجلّاء، المستفيد غاية جلالة الرجل و منزلته في العلم و الدين من كلام المجلسيّين، بين شاكّ في الأمر، و ساكت عن الردّ و الاعتماد، و مشير الي فتاواه علي سبيل الإرسال، و عاد إيّاه من جملة الكتب المجهولة المصنّف، أو منكر علي حجيّته أشدّ الإنكار مثل صاحبي الأمل و الرياض، في ذيل ترجمته المذكورة، تبعا لسائر أفاضل محقّقينا المتقدّمين، المطّلعين علي وجوده بين أظهرنا في الجملة يقينا، كما استفيد من كلمات من ادّعي بعد ذلك الظفر بنسخ الكتاب الموصوف، في خزانة مولانا الرضا عليه السلام و غيره، اللازم منه حصول الاطّلاع عليها من جملة من العلماء المتقدّمين و المتأخّرين، فضلا عن الذين كتبوه و وقفوه، و أودعوه في تلك المواضع لما هو الظاهر المعتضد بما قيل: كلّ سرّ جاوز الاثنين شاع، مع عدم ظهور إشارة منهم إليه في شي ء من المواضع، فضلا عن الاعتداد به، فليتأمّل.

بيان الملازمة: أنّ الكتاب يصير بذلك من مصاديق ما أخبر بقطعيّة صدوره عن المعصوم، رجل عدل مطّلع علي علوم الأخبار، بصير بدقائق الأمور، فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدّث عن الامام، المتّفق علي حجيّته في هذه الأعصار، أولا أقلّ من الإجماعات المنقولة عنهم، المعتبرة أيضا عند سائر اولي البصائر و الأبصار، و يدلّ علي وجوب التعبّد به بمحض ذلك- أو بعد تعلّق ظنون الأشخاص أيضا بموجبه- ما يدلّ علي حجيّة أخبار الآحاد، لعدم فهمهم الفرق بين المقامين من جهة حسيّة المخبر عنه في الأوّل دون غيره، فليتدبّر.

فظهر من كلّ ذلك أنّ تركهم الاعتداد به كذلك، بل ترك سائر من تأخّر عن هذا الموحّد المصرّ علي حجيّته ليس إلّا من جهة اعتقادهم عدم كون الرجل بصيرا بشرائط مثل هذه الأخبار، لعدم ذكر له بمنزلة من منازل الرجال

ص: 305

في شي ء من المواضع، يظنّ علي مطابقة ما يذكر فيه لمتن الواقع، أو اعتقادهم أنّه لو كان يناقش في وجوه قطعه الناشئة عن قلّة المعرفة بدقائق أنظار المجتهدين حين ادّعائه إيّاه، أو يقرأ عليه شرائط الرواية، أو يأنس بكلمات أهل بيت العصمة، أو يطّلع علي قرائن الصدور، لتزلزل فيه، أو ردع عنه، أم تاب منه الي اللّه تعالي، كسائر قطعيات العوام الغير المأمونة عن الجهل المركّب التي لا حجيّة فيها لغيرهم بالإجماع، بخلاف الأوّلين اللذين هما بعد التأمّل في الأطراف يخبران عن الحس و اليقين (1).

انتهي كلامه الذي فيه مواقع للنظر و التعجّب، بل الإغفال و التعمية التي لا ينبغي صدورها من أهل العلم:

أمّا أوّلا: فقوله: ضرورة كون من تقدّم علي هذا الموحّد، الي آخره.

و فيه: إنّ من تقدّم عليه: المجلسيّان، و الفاضل الهندي، و السيّد المحدّث الجزائري، و الأستاذ الأكبر البهبهاني، و الشيخ يوسف البحراني.

و من عاصره: السيّد صاحب الرياض، و المحقّق المولي مهدي النراقي.

و من تأخّر عنه: المحقّق الكاظمي، و غيرهم ممّن أشرنا إلي أساميهم الشريفة.

و هم أساطين الشريعة، و نواميس المذهب و الملّة، و لم يصل إلينا و إليه كلام جملة ممّن تقدّم عليه يستظهر منه الردّ و القبول، و مع ذلك استقلّهم و استحقرهم، و جعلهم شرذمة قليلة، ثمّ في تعبيره عن العلّامة الطباطبائي بالموحّد مرّة بعد اخري ما لا يخفي من الركاكة.

و أمّا ثانيا: فقوله: بين شاكّ، الي قوله: مثل صاحبي الأمل و الرياض.

فإنّه لو كان بين من تقدّمه من الأساتيذ من صرّح بالشكّ أو الردّ لذكره، و لم نعثر الي الآن عليه و لا نقله أحد، أ ليس هذه النسبة محض التخرّص6.

ص: 306


1- روضات الجنات 2: 335، 336.

و التخمين؟! و إنّما ذكر صاحبي الأمل و الرياض لما وقف عليهما، أ رأيت فقيها متبحّرا يذكرهما في قبال هؤلاء الإعلام؟ مع أنّ صاحب الرياض لم يكن من أهل القوّة و الاستنباط، المحتاج إليهما في أمثال هذه الموارد، كما صرّح به جمال المحقّقين الخوانساري، في مجلس الشاه سلطان حسين الصفوي، في يوم الأحد، تاسع ذي القعدة، سنة خمس عشرة بعد المائة و الألف، لما طلب منه السلطان تعيين أحد لإعطاء منصب الشيخ الإسلامي لمّا ردّه هو و السيّد الأجل مير محمد باقر الخواتون آبادي.

فقال المحقّق: هنا جماعة أنت أعرف بأحوالهم، ليس أحد منهم بمجتهد، و لا قابل شرعا لإعطاء هذا الشغل، فمن كان منهم أتقي و أرغب في تحصيل العلم فاختره له.

و بالآخرة صار الأمر مردّدا بين أربعة، و هم: الشيخ علي المدرّس في مدرسة مريم بيگم، و الميرزا عبد اللّه أفندي، و الميرزا علي خان، و مير محمد صالح الخواتون آبادي، الي أخر ما ذكره الفاضل الخواتون آبادي المعاصر لهم في تأريخه.

مع أنّا نقلنا سابقا كلام صاحب الرياض في ترجمة السيّد علي خان، و هو ظاهر بل صريح في صحّة النسبة عنده، و هذا الكلام منه بعد مدّة مديدة عن كلامه في ترجمة القاضي، فإنّه في ترجمة القاضي، قال في حقّ أستاذه المجلسي:

أدام اللّه فيضه، و في ترجمة السيّد علي خان لمّا ذكره في جملة شرّاح الصحيفة قال:

و شرح الأستاذ الاستناد- قدّس سرّه (1) -.

فظهر من ذلك أنّ ما كتبه أوّلا كان قبل عثوره علي النسخة المكيّة التي كانت عليها- بتصريحه- خطوط العلماء و إجازتهم، و قبل عثوره علي إجازة الأمير غياث الدين كما تقدّم، فلاحظ.7.

ص: 307


1- رياض العلماء 3: 367.

و أمّا صاحب الأمل، فهو الذي قال هو في حقّه، في ترجمة صاحب الدعائم ما لفظه: و أنت تعلم أنّه لو كان لهذه النسبة واقع لذكره سلفنا الصالحون، و قد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون، و لم يكن يخفي ذلك الي زمان صاحب الأمل، الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة أبي الفرج الأصفهاني الأموي الخبيث، الي آخره (1)، فكيف صار في هذا المقام من المتبحّرين النّقاد؟! الذي يعارض بقوله كلام هؤلاء الإعلام، مع أنّ نسبة الإنكار بل شدّته إليه افتراء.

أمّا في الأمل، فعدّ الكتاب من الكتب المجهولة (2).

و أمّا في الهداية فقال: تتمّة: قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة قد ألّفت، و جمعت في زمانهم عليهم السلام نذكرها هنا، و هي ثلاثة أقسام- الي أن قال-:

الثاني: ما لم يثبت كونه معتمدا، و لذلك لم ننقل عنه، فمن ذلك الفقه الرضوي كتاب الرضا عليه السلام، و غير ذلك. الثالث: ما ثبت عندنا كونه غير معتمد فلذلك لم ننقل عنه، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة، الي آخره (3).

و ظاهر أنّ عدم العلم غير العلم بالعدم، و الإنكار من آثار الثاني لا الأول.

و أمّا ثالثا: فقوله: تبعا لسائر أفاضل محقّقينا المتقدّمين، الي آخره، لا يخلو من الجزاف، سواء أراد من المتقدّمين ما هو المصطلح بين أصحابنا، و هو من تقدّم علي شيخ الطائفة، و لهذا يعدّون ابن إدريس و من بعده من المتأخّرين، أو من تقدّم علي المجلسيّين، أو علي بحر العلوم علي ما هو الظاهر من كلامه، وليته أشار الي أسامي بعضهم، و لو عثر عليه لنقله يقينا لشدّة حرصه علي إثبات عدم حجيّة الكتاب من جهة عدم اعتناء الأصحاب به. و أمّا عدم نقل اعتباره عن جملة منهم فلا يدلّ علي عدم اعتباره، لكونه أعمّ منه،ط.

ص: 308


1- روضات الجنات 8: 149.
2- أمل الآمل 2: 364.
3- هداية الأمة: مخطوط.

و من عدم العثور عليه، أو ظنّ عدم الحاجة إليه لعكوف الأصحاب علي أبواب الكتب الأربعة قديما و حديثا، و بناهم علي عدم الحاجة الي المراجعة إلي غيرها.

و علي ما ذكره من المقدّمات التخمينيّة تتطرّق الشبهة إلي كثير من مآخذ البحار و الوسائل، كما أشرنا إليه سابقا، إذ لم ينقل عنها، و لا اعتمد عليها، و لا أشار إليها من تقدّم علي صاحبيهما، من أرباب المؤلّفات و التصانيف في الفقه و الأحكام.

و أمّا رابعا: فقوله: رجل عدل مطّلع علي علوم الأخبار، بصير بدقائق الأمور، الي آخره (1) فإنّا لم نطّلع الي الآن من بين الفقهاء و الأصوليّين، فضلا عن المحدّثين و الأخباريّين، علي اختلاف مشاربهم في حجيّة الخبر الواحد من اشترط في الراوي بعد العدالة، و الضبط بالمعني العدمي- لا الوجودي الذي هو من شروط الكمال- كونه عالما، مطّلعا بعلوم الأخبار، و بصيرا بدقائق الأمور، حتي علي طريقة صاحب المعالم، الذي اشترط في صحّة الخبر كون الراوي ممّن زكاه عدلان (2)، فضلا عمّن اكتفي في التزكية بالظنون، و الأمارات الداخلية و الخارجية، فضلا عمّن لم يشترط في الحجيّة عدالة الراوي، و لم يقتصر علي الصّحيح من الأخبار، و عمل بالموثّق، و الحسن، و الضعيف المنجبر، كما عليه الأساطين منهم، و قريب منهم من اقتصر في الحجيّة علي ما اطمأنّ بصدوره بالقرائن الداخليّة و الخارجيّة، و هو الخبر الصحيح علي طريقة القدماء، كما حقّق في محلّه.

و علي ما ذكره لا تكاد تجد خبرا صحيحا في الكتب الأربعة، فضلا عن غيرها، فإنّ الصحيح علي ما ذكره هو ما كان تمام رجال سنده مثل زرارة، و محمد4.

ص: 309


1- روضات الجنات 2: 336.
2- معالم الدين: 204.

ابن مسلم، ممّن حاز بعد العدالة و الوثاقة، مقام العلم، و الاطّلاع، و البصيرة بدقائق الأمور، و هو غير موجود أو نادر، بل الغالب في الصحاح وجود واحد أو أكثر في سندها ممّن اقتصروا في ترجمته بذكر التوثيق، أو أثبتوا وثاقته بالأمارات، ككونه ممّن روي عنه صفوان، أو البزنطي، و غير ذلك، و ليس في كلامهم إشارة إلي إحرازه المقامات المذكورة، فتخرج هذه الطوائف من الصحاح- و هي جلّها- عن حدود الصحّة و الحجيّة، و فيه من اللوازم الباطلة ما لا يخفي علي أحد من أهل العالم.

و أمّا خامسا: فقوله: فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدّث عن الإمام، المتّفق علي حجيّته في هذه الأعصار.

فإنّه صحيح، غير قوله: الكذائي، المشير به الي ما اشترطه في الحجيّة، ممّا هو من خصائصه، إلّا أنّهم مختلفون في وجه الحجيّة، و لا يوجب دخول الخبر المذكور في حدّ الصحيح التزام كلّ طائفة منهم بأخذه.

فمن كان الحجّة عنده الخبر الموثوق بصدوره، فربّ صحيح لا يعمل به لعدم الاطمئنان بالصدور، لأمور تبعده، و لعلّ منه الخبر المذكور بالنظر الي الموهنات السابقة، و كذا من اقتصر علي حصول الظنّ به، لما ذكر، و من المحتمل دخوله في الأخبار الحدسيّة، بملاحظة بعض مقدّماته عند بعضهم، فلا تشمله أدلّة الحجيّة.

و كذا من جعل الحجّة ما يحصل به الظنّ بالواقع، فلعلّه لا يحصل له الظنّ به بعد النظر الي الموهنات المذكورة.

مع أنّ فيمن اعتني به علي أحد الوجهين من كونه من تأليفه أو إملائه غني عن تخلّف من تخلّف، بل يمكن جعل ما ذكره اعتراضا عليهم، من عدم تمسكهم بما هو جامع لما قرروه من الشرائط.

و أمّا سادسا: فقوله: أو لا أقلّ من الإجماعات المنقولة، الي آخره (1)، ففيه6.

ص: 310


1- روضات الجنات 2: 336.

أنّ المحقّق الثابت عند أولي البصائر في هذه الأعصار عدم الحجيّة و الاعتبار.

و أمّا سابعا: فقوله: إنّ تركهم الاعتداد به، الي قوله: عدم كون الرجل بصيرا، الي آخره (1)، ففيه مضافا الي ما عرفت- من عدم اشتراط أحد في الخبر ما اشترطه- أنّه كان جامعا لما قرّره، لما تقدّم من كلام صاحب الرياض من أنّه كان عالما فاضلا، جليلا، فإن أراد ما هو فوق هذا المقام فالمشتكي الي اللّه تعالي، و إن خطّأ صاحب الرياض في كلامه، فلا يمكنه ذلك، لاعترافه بأنّه المبرّز المقدّم في هذا الفنّ، مع كونه في عصره.

ثمّ في باقي كلامه من الضعف و الوهن ما لا يخفي علي النقّاد البصير.

و ذكر في الوجه الرابع ما خلاصته: إنّ المجلسي الأوّل الذي هو الباعث علي إيقاظ هذه الفتنة النائمة، كان سبب اعتماده علي هذا الكتاب مطابقة فتاوي عليّ بن بابويه في رسالته، و فتاوي ولده الصدوق في الفقيه، لما فيه من غير تغيير أو تغيير يسير، و عليه لا يمكن تنزيله منزلة خبر الواحد العدل المستدلّ علي حجيّته بمفهوم آية النبإ، أو الأخبار المتواترة، أو عمل الأصحاب، أو غير ذلك (2).

قلت: إن المجلسي أخبر عن القاضي المذكور- الذي صرّح بأنّه ثقة عدل- أنّ هذا الكتاب من الإمام عليه السلام، و به يدخل في الأخبار الصحاح، فيشمله ما دلّ علي حجيّتها سواء اطمأنّ المجلسي بما أخبره به من جهة نفس إخباره، أو كان سبب اعتماده عليه القرائن الخارجيّة الدالّة علي صحّة صدور متنه- كالمطابقة المذكورة- لا علي واقعيّة مضمونه، فاسد (3) إذ لا مدخليّة لاعتقاد الراوي بعد إحراز الشرائط فيه و في المروي عنه، بل لو كان المروي عنه كذّاباي.

ص: 311


1- روضات الجنات 2: 336.
2- روضات الجنات 2: 336.
3- كذا، و لم نهتد الي وجهها، و الصحيح عدمها. و هي موجودة في الأصل الحجري.

وضّاعا عند الراوي، و ثقة ثبتا عند غيره، فروي عنه حديثا فالخبر صحيح، لا جناح في العمل به فضلا عن مثل المقام، فلعلّه بملاحظة غرابة الخبر، أو بعض الموهنات أراد جبر كسره- مع اجتماعه للشرائط- بما ذكره في المؤيّدات، و اللّه العالم.

و حاصل ما ذكره في الوجوه الأربعة، و أتعب نفسه في طول العبارة: أنّ القاضي مير حسين لم يكن من العلماء العارفين بدقائق الأخبار، و هو الوجه في عدم اعتناء العلماء بما أخبر من أمر الكتاب، و إنّه لو كان منهم لتلقّوه بالقبول.

و قد عرفت ما في جميع تلك الدعاوي من الضعف، و ما رأينا أحدا فصّل في شمول أدلة حجيّة خبر العادل في أمثال المورد، بين كون الراوي العادل عالما بصيرا، و بين غيره، فإنّ المخبر به فيها إن كان من الأمور الحسيّة- كما أشرنا إليه سابقا، و اعترف به في كلامه- تشمله الأدلة، و إن نوقش في ذلك بملاحظة أنّ بعض مقدّماته حدسيّة فلا تشمله، و إن كان الراوي في أعلي الدرجة من العلم و الخبرة.

ثمّ اعلم أنّ من سنن اللّه التي لن تجد لها تبديلا و لا تحويلا، علي ما نطق به كلام أهل العصمة عليهم السلام، و عاضدة الاستقراء و التجربة: إنّ من عيّر مؤمنا بذنب لم يمت حتّي يرتكبه، و هذا السيّد المعظّم صاحب الروضات مع طول باعه، و كثرة اطّلاعه، و تعييره العلّامة الطباطبائي بما لا مزيد عليه من جهة اعتقاده اتّحاد السيّدين، بل الثلاثة مع اختلاف الطّبقة، و قد عرفت أنّ اتّحاد القاضي مع أحدهما غير مناف للطبقة. و ما بينه و الآخر لا يزيد علي ثلاثين سنة.

قد صدر منه في الكتاب المذكور في موارد عديدة أعجب من هذا بمراتب عديدة، نشير الي بعضها، و الباقي موكول الي تتبّع النّاظر:

منها: قوله في ترجمة المقدّس الأردبيلي: ثمّ إنّ من جملة كراماته التي نقلها صاحب اللؤلؤة، عن تلميذه السيّد نعمة اللّه الجزائري- رحمه اللّه- هو

ص: 312

أنّه،. الي آخره (1).

و ولادة السيّد بعد وفاة المولي المذكور بأزيد من خمسين سنة، كما يأتي في الفائدة (2) الآتية.

و منها: قوله في ترجمة علّامة عصره الشيخ أبي الحسن، الشريف العاملي الغروي، في ضمن ترجمة الآميرزا محمد الأخباري، المتأخّر، المقتول بمناسبة جزئيّة، و في ذلك من إساءة الأدب بالنسبة الي هذا المولي الجليل ما لا يخفي، قال: و قد كان من أعاظم فقهائنا المتأخّرين، و أفاخم نبلائنا المتبحّرين، سكن ديار العجم طوالا من السنين، و نكح هناك في بعض حوافد مقدّم المجلسيّين، ثمّ لمّا هاجر الي النجف الأشرف نكح في بعض بناته والد شيخنا الفقيه المعاصر، صاحب كتاب جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر، انتهي (3).

و علي ما ذكره: أمّ صاحب الجواهر بنت الشيخ أبي الحسن، و هو الوجه في تعبيره عن المولي المذكور في الجواهر بالجدّ، كما في باب الاستخارة (4)، و الرضاع (5)، و غيرهما.

و أنت خبير بما فيه من الوهم المهين، و لوازمه الباطلة أضعاف ما أوردها علي العلّامة السابق، فإن وفاة المولي الذي هو من تلامذة المولي المجلسي في سنة 1140، و صاحب الجواهر في سنة 1260، و لم يستند ما ذكره الي محلّ.

و الذي وجدناه في الوقفنامه التي كان عليها خطّ جماعة من العلماء الفقهاء، كفقيه عصره الشيخ راضي، و سبط كاشف الغطاء الشيخ مهدي،3.

ص: 313


1- روضات الجنات 1: 81.
2- الثالثة، و حاصله: ان وفاة المقدس الأردبيلي سنة 993، و ولادة السيد الجزائري سنة 1050 و وفاته سنة 1112. و منشأ هذا توهم عود ضمير تلميذه إلي الأردبيلي بينما هو عائد إلي المجلسي.
3- روضات الجنات 7: 142.
4- جواهر الكلام 12: 175.
5- جواهر الكلام 29: 313.

و غيرهم، ما صورة محلّ الحاجة منها هكذا:

علي ذريّة ملّا أبو الحسن، و هم الشيخ أبو طالب، و أخته فاطمة، ثمّ لمّا توفّيا رجع الوقف الي ولد أبي طالب المذكور، و هو الشيخ علي، والي آمنة بنت فاطمة المذكورة، و من بعد وفاة الشيخ علي و آمنة المذكورين، رجع الوقف المذكور الي ولد الشيخ علي، و هو الشيخ حسن، و الي الشيخ باقر بن آمنة، ثمّ لمّا توفّيا رجع الوقف إلي أولاد الشيخ حسن، و هم الشيخ حسين، و الشيخ محمد، و حليمة، و خديجة، والي ولد الشيخ باقر، و هو جناب الشيخ المرحوم الشيخ محمد حسن- طاب ثراه- انتهي موضع الحاجة منها.

و الشيخ الطالب المذكور من العلماء المعروفين، ذكره السيّد عبد اللّه الجزائري في إجازته الكبيرة، و بالغ في مدحه (1).

و منها: قوله في ترجمة السيّد عبد الكريم بن طاوس: إنّ من جملة أساتيذه و مشايخه الإماميّة والده- الي أن قال- و الشريف أبي الحسن علي بن محمد بن علي العلوي العمري النسابة، مؤلّف كتاب «المجدي في أنساب الطالبيّين» (2) و نسب كلّ ذلك الي الرياض أيضا.

و هذه عثرة لا تنجبر، فإنّه من معاصريّ السيّد المرتضي، و قد صرّح في المجدي علي ما في الرياض (3) أنّه دخل علي السيّد سنة 425، فبينه و بين ابن طاوس أزيد من مائتي سنة، و ما نسبه الي الرياض افتراء محض، فلاحظ.

الي غير ذلك ممّا لا يحصي، و يأتي بعضه في الفائدة الآتية.

و قد وفينا- بحمد اللّه تعالي- بما وعدناه من ذكر ما قيل، أو يمكن أن يقال من الوجوه و القرائن، لاعتبار الكتاب المذكور، و الشواهد و الموهنات (4)د.

ص: 314


1- إجازة السيد عبد اللّه الجزائري الكبري: 27.
2- روضات الجنات 4: 223.
3- انظر: الرياض 4: 231 و 3: 164. و السبب في ذلك هو الاشتباه في عود الضمير في عنه. فلاحظ.
4- كذا، و لعل الصحيح: و الموهنات و الشواهد.

لعدمه، فعلي الناظر أن يتأمّل فيها، و ينظر إليها بعين الإنصاف، و يختار ما أدّاه إليه نظره الثاقب بعد مجانبة الاعتساف، و لنا علي ما ادّعيناه في صدر كلامنا شاهد لا حجّة فيه لغيرنا، و اللّه علي ما نقول وكيل.

بقي التنبيه علي أمرين:

الأوّل: فيما ظنّه، أو احتمله بعض الأصحاب من كونه بعينه رسالة عليّ ابن بابويه الي ولده كما تقدّم، و ليس لهم علي ذلك شاهد سوي مطابقة عبارة كثير من مواضع الكتاب لها، و يوهنه:

أوّلا: ما ذكرناه في الوجه السادس ممّا في «الرضوي» من الكلمات الدّالة علي صدورها من المعصوم، أو العلوي من السادة.

و ثانيا: ما في أوّل الخطبة من قوله: يقول عبد اللّه علي بن موسي الرضا، و احتمال زيادة كلمة الرضا من النسّاخ لا يعتني به، إلّا بعد ثبوت الاتّحاد المفقود دليله.

و ثالثا: بما تقدّم من أنّ النسخة المكيّة كان تأريخ كتابتها سنة مائتين، و القميّة كتبت في زمان الرضا عليه السلام علي ما ذكره السيّد، و هذا أمر محسوس لا سبيل للخطإ فيه إلّا في الندرة، و وفاة علي بن بابويه في سنة ثمان، أو تسع و عشرين و ثلاثمائة، فكيف يحتمل كونه رسالته؟.

و رابعا: ما يوجد في خلال الرسالة علي ما في كتب ولده الصدوق من قوله في صدر بعض المطالب: يا بنيّ افعل كذا و كذا، و ليس منه في الرضوي أثر أصلا.

و خامسا: ما فيهما من المخالفة ما لا يتوهّم بينهما الاتّحاد، ففي المقنع:

قال والدي في رسالته إليّ: إذا لبست يا بنيّ ثوبا جديدا، فقل: الحمد للّه الذي كساني من اللباس ما أتجمّل به في الناس، اللهمّ اجعلها ثياب بركة أسعي فيها بمرضاتك، و أعمر فيها مساجدك، فإنّه روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال: «من فعل ذلك لم يتقمّصه حتي يغفر له»، و إذا أردت لبس السراويل،

ص: 315

الي آخره (1).

و في الرضوي: و إذا لبست ثوبك الجديد، فقل: الحمد للّه الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي، و أتجمّل به عند الناس، اللهمّ اجعله لباس التقوي، و لباس العافية، و اجعله لباسا أسعي فيها لمرضاتك، و أعمر فيها مساجدك، و إذا أردت أن تلبس السراويل، الي آخره (2).

و إن شئت الزيادة فعليك بالمراجعة.

و سادسا: إنّ الموجود في كتب الأحاديث و الرجال التعبير عن والد الصدوق بقولهم: علي بن الحسين، أو عليّ بن بابويه، و لم أجد موضعا عبّر فيه عنه بعلي بن موسي، كي يقاس عليه الموجود في خطبة الكتاب.

هذا و للسيّد المؤيّد صاحب الرسالة هنا كلام لا بأس بنقله، بل جعله تاسع الموهنات، فتنطبق عدد قرائن الاعتبار، و عدد عدمه، قال:

إنّ من تتبّع ما حكاه الصدوق عن رسالة أبيه إليه في تضاعيف أبواب الفقه، و شاهد ما نقله في ذلك الكتاب من عبارات الرسالة، و التفت الي موافقة أكثر هذه العبارات لعبارات «الفقه الرضوي» حصل له القطع بأنّ هذه الموافقة التامّة لم تقع من باب الاتّفاق، و حصل له العلم بأنّ الأمر دائر بين أمور خمسة:

أحدها: أن يكون ذلك الكتاب مأخوذا من الرسالة.

و ثانيها: أن تكون الرسالة مأخوذة عنه.

و ثالثها: أن يكون كلّ منهما مأخوذا من ثالثا.

و رابعها: أن يكون الرضوي مأخوذا ممّا أخذ من الرسالة.

و خامسها: عكسه.5.

ص: 316


1- المقنع: 194.
2- فقه الرضا (عليه السلام): 395.

و علي كلّ من هذه الوجوه يلزم عدم كونه من تأليفه (عليه السلام).

أمّا علي الأوّل، و الثالث، و الرابع فهو من أوضح الواضحات.

و أمّا علي الثاني، فلأنّ سياق كلماته- علي ما حكي عن رسالته- ينادي بأعلي صوتها أنّ ما يذكر فيه من عبارته التي أنشأها، و أنّه ليس من كلمات غيره، و هو الذي فهمه منه ولده الصدوق علي ما يعطيه سياق نقله عنه في الفقيه.

و أيضا نقول: إنّ عليّا إمّا لم يعلم أنّه من تأليف الإمام عليه السلام، و ظنّه تأليف غيره أم لا، و علي كلّ منهما يلزم محذور.

أمّا علي الأوّل، فلأنّه لا يخفي علي ذي فطنة، بصير بأحوال القدماء الأجلّاء، خبير بديدن هؤلاء الأعلام، أنّ جلالة عليّ، و علوّ قدره، و سموّ مرتبته، ممّا يأبي عن أن يظنّ في حقّه أنّه أخذ رسالته المذكورة من كلمات غير الإمام، و ذكر عبارات ذاك الغير في كتابه، و نسبها الي نفسه، و سكت عن بيان أصله، فإنّ هذا أمر قبيح، و تدليس شنيع، و عجز بيّن، لا ينبغي أن يصدر ممّن شمّ رائحة العلم، فضلا عن أن يصدر عن علي بن بابويه. و أيضا من البعيد أن يقال: إنّ ذلك الكتاب كان من تأليف الإمام، و قد خفي علي عليّ، بحيث ظنّه من تأليف غيره، مع أنّه- رحمه اللّه- كان أكثر تتبعا، و أقرب عصرا، و أشدّ اهتماما في أمثال هذه الأمور.

و من الواضح أنّ أمثال علي بن بابويه ما كانوا يكتفون بمجرّد سواد علي بياض، و ما كانوا يعتمدون علي ما لم يثبت لديهم قائله، أو علي كتاب لم يكن لهم طريق معتبر الي مؤلّفه، كما لا يخفي علي من أمعن النظر في تضاعيف فهرست الشيخ، و رجال النجاشي، و نظائرهما من كتب الرجال.

و أمّا علي الثاني، فيلزم محذور أشدّ ممّا ذكرنا، فإنّ الطبع السليم، و الفهم القويم المستقيم، ممّا يحكم بأنّ هذا الكتاب لو كان حاله معلوما لدي عليّ بن بابويه، و كان يعلم أنّه من تصنيف الإمام عليه السلام لما كان يخفيه عن ولده الصدوق، الناقد البصير، و لكان يطلعه علي ذلك. و قد عرفت ممّا مرّ أن من

ص: 317

تأمّل في كلمات شيخنا الصدوق، و لاحظ مؤلّفاته المشهورة، المتداولة بيننا في هذه الأعصار، و تأمّل في تضاعيف كتابه الذي عمله لبيان أحوال مولانا الرضا عليه السلام و أخباره، و كذا كتاب فقيهه الذي عمله في الفقه، و سعي في تهذيبه و تنقيحه، و جعله حجّة فيما بينه و بين اللّه، حصل له العلم بأنّه لم يكن لديه.

و أمّا الخامس: فيظهر حاله ممّا فصّلناه سابقا، و لا يخفي أنّه من أبعد الوجوه.

و حيث قد وقفت علي ما تلوناه عليك، علمت أنّ ما مرّ- من أنّ كون كثير من عباراته عبارات (رسالة عليّ، ممّا يؤيّد اعتباره- خلاف التحقيق، و إنّ الأمر منعكس.

قال: و ما يتوهّم من أنّ بناء الصدوق علي الاعتماد علي) (1) رسالة أبيه، يشهد بأنّه كان يعلم أنّه أخذها من هذا الكتاب، و منه يظهر عذره في عدّه الرسالة في الفقيه من الكتب التي عليها المعوّل، و إليها المرجع، فإنّه لم يكن يقلّد أباه حاشاه عن ذلك.

مدفوع، بأنّه يكفي في اعتماده عليه علمه بأنّ ما يذكره فيه مأخوذ عن أهل بيت العصمة و الطهارة، و إنّه ملخّص من متون الأخبار المعتبرة المعتمدة، و ليس أمرا صادرا عن اجتهاد، و عن سائر القواعد المستنبطة المعروفة بين أصحابنا المتأخّرين، كما يشهد به ديدن القدماء.

و لذا ذكر شيخنا الشهيد في الذكري أنّ الأصحاب كانوا يتمسّكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند إعواز النصّ، لحسن ظنّهم به، و إنّ فتواه كروايته (2)، فإنّ الظاهر أنّ كتاب الشرائع هو الرسالة إلي ولدهر.

ص: 318


1- بين القوسين ساقط من المخطوط.
2- الذكري: 4 السطر الأخير.

كما قال النجاشي (1)، و هو أضبط من شيخ الطائفة في أمثال هذه الأمور، فما يظهر من الشيخ في فهرسته (2) من تغايرهما، حيث عدّ كلّا منهما من كتب عليّ، و عطف أحدهما علي الآخر خلاف التحقيق، انتهي كلامه (3).

قلت: و لقد أجاد فيما أفاد، إلّا أنّ نتيجة ما ذكره من المقدّمات بعد التأمّل التّام عكس المراد.

توضيح ذلك: إنّ ما في الشرائع كما عرفت متون الأخبار المعتبرة عند الأصحاب، بل أصحّ و أتقن ممّا في مقنع ولده، الذي صرّح في أوّله بأنّه حذف أسناد ما أودعه فيه، لوجود كلّه في الأصول الموجودة، المرويّة عن المشايخ العلماء الثقات، للاتّفاق المذكور في كلام الشهيد- رحمه اللّه- فيه دونه، و قد عرفت، و اعترف هو بمطابقة عباراته المنقولة لعبارة «الرضوي» بحيث لا يمكن جعلها من باب الاتّفاق.

و ظاهر أنّ سياقها ينادي بأعلي صوته أنّها صادرة من واحد، سواء كان منشئها عليّ بن بابويه، أو صاحب الكتاب، أو ثالث كان كتابة مأخذا لهما، فالموجود في «الرضوي» المطابق لما في الشرائع صادر من معدن العصمة، فهو إمّا من الرضا عليه السلام إملاء، أو تأليفا، أو ممّن أخذه منه، أو من إمام آخر.

و من تأمّل في الرضوي لا يكاد يشكّ في أنّه غير مأخوذ من كتاب آخر، أو مرويّ من شخص آخر، و إنّ صاحبه أنشأه من غير توسّل بغيره. فإذا لم يكن موضوعا و مختلفا- كما اعترف به في مواضع من الرسالة- و لا يحتمل كونه من الأئمّة السابقة عليه عليهم السلام، فينحصر كونه له عليه السلام و احتمال الانتساب إلي الأئمّة اللاحقة بعيد، لعدم ذكر منهم عليهم السلام فيه،7.

ص: 319


1- رجال النجاشي: 261/ 684.
2- الفهرست: 93/ 382.
3- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 27.

و كون تأريخ النسختين في عهده عليه السلام.

و أمّا إخفاء عليّ عن ولده ذلك، بقرينة عدم تعرّض له «للرضوي» في كتبه، خصوصا العيون، ففيه بعد النقض بالرسالة الذهبيّة، التي اعترف هو باعتبارها و صحّتها، و ليس له ذكر في كتبه أصلا، فهي شبهة بدّ من رفعها علي كلّ الوجوه، و لو قلنا بعدم كونه له عليه السلام، أو لغيره من الأئمّة عليهم السلام، فإنّ عليّا كان يعلم من أيّ كتاب أخذه، و الي أيّ إمام تنتهي هذه العبارات، التي هي متون ما صدر منه، التي لا شكّ في وحدة منشئها، و أنّها لم تكن أخبارا متشتّتة، و أحاديث متبدّدة، بأسانيد مختلفة، و طرق متفرّقة، من أئمّة متعدّدة عليهم السلام، ألقي عليّ أسانيدها، و انتظمها في سلك واحد، خصوصا بملاحظة المطابقة المذكورة، الظاهرة علي هذا الاحتمال السخيف، في أنّ صاحب الكتاب هو الجامع للشتات قبله.

فنقول كما قال: إنّ عليّا [إمّا] أخفي عن ولده مأخذ هذه العبارات الصادرة عن الأئمّة السادات أو لا، و علي التقديرين يلزم ما ذكره من المحذورات حرفا بحرف، فإنّ الصدوق علي ما أسّسه من الكلام كان يعلم مأخذ ما في رسالة أبيه إليه، الذي لا بدّ و أن يكون معتبرا معتمدا عند الأصحاب، و عليه فلم لم يشر في موضع إليه، و اعتمد في مواضع الحاجة علي النقل منها و الاتّكال عليها، فهل هذا إلّا مجازفة في القول، و تشبّث بأوهي من الهشيم؟! و أيّ فرق بين كون مأخذ الرسالة «الرضوي» الذي يستوحش منه، أو غيره الذي لا بدّ و أن يكون من أصول الأصحاب؟ فكيف جاز الإخفاء من الوالد و الولد في أحدهما، و يستبعد في الأخر؟.

الثاني: إنّه علي القول بعدم كون له عليه السلام، و عدم كونه من الموضوعات و المجعولات، و عدم كونه رسالة شرائع عليّ بن بابويه، و إنّ ما فيه من الأخبار القويّة أو الضعاف القابلة للانجبار، فجامعه و مولّفه غير معلوم، و إن علم إجمالا أنّه كان في عصر الأئمّة عليهم السلام و زمان الحضور، لبعض

ص: 320

القرائن الموجود فيه، و لكن يوجد في كلمات بعضهم بعض الاحتمالات، لا بأس بالإشارة إليها.

فمنها: ما وجدناه منقولا عن خطّ السيّد السند المؤيّد صاحب مطالع الأنوار، علي ظهر نسخة من هذا الكتاب ما لفظه- بعد الإصرار علي عدم كونه له عليه السلام-: و يحتمل أن يكون هذا الكتاب لجعفر بن بشير، لما ذكره شيخ الطائفة في الفهرست: جعفر بن بشير البجلي، ثقة جليل القدر، له كتاب ينسب الي جعفر بن محمد عليهما السلام، رواية عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، انتهي كلامه.

و جعفر بن بشير لمّا كان من أصحاب مولانا الرضا عليه السلام، يمكن أن يكون ما كتبه في أوّل الكتاب، عن لسانه عليه السلام، فصار منشأ لنسبة الكتاب إليه عليه السلام و كان الكتاب قبل زمان الشيخ منسوبا الي جعفر ابن محمد عليهما السلام، للاشتراك في الاسم، كما أنّه في هذه الأزمنة ممّا ينسب الي مولانا الرضا عليه السلام.

قال- رحمه اللّه-: و يحتمل أن يكون هذا الكتاب لمحمد بن عليّ بن الحسين ابن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، لما قال النجاشي في ترجمته ما هذا لفظه: له نسخة يرويها عن الرضا عليه السلام، أخبرنا أبو الفرج محمد بن عليّ بن قرّة- الي أن قال- حدّثنا محمد بن عليّ بن الحسين بن زيد، قال: حدّثنا عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام بالنسخة (2).

و قال النجاشي أيضا: وريزة بن محمد الغساني له كتاب عن الرضا عليه السلام، أخبرنا أحمد بن (3)، الي آخره.3.

ص: 321


1- فهرست الشيخ: 43/ 131.
2- رجال النجاشي: 366/ 992.
3- رجال النجاشي: 432/ 1163.

و يحتمل أيضا أن يكون لعليّ بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن عليّ الرقي الأنصاري، لما في النجاشي أنّ له كتابا عن الرضا عليه السلام، قال: أخبرنا محمد بن عثمان (1)، الي آخره، انتهي المنقول من خطّه- رحمه اللّه-.

و منها: ما في الرسالة السابقة قال: و بالجملة ففي المقام احتمالات:

أحدها: أن يكون هذا الكتاب من تأليف الإمام الثامن عليه السلام، و قد عرفت ضعفه مفصّلا.

و ثانيها: (أن يكون كلّه أو بعضه مجعولا عليه، و قد ظهر ما فيه أيضا.

و ثالثها:) (2) أن يكون متّحدا مع رسالة عليّ بن بابويه، و ضعّفه أيضا ظاهر.

و قال: و رابعها: أن يكون من مؤلّفات بعض أكابر قدماء رواة أخبارنا، أو فقهائنا العاملين بمتون الأخبار، و هو الذي يقوي في نفسي، و يترجّح في نظري بمقتضي ما حصل لي من القرائن و الأمارات.

و خامسها: أن يكون عين كتاب المنقبة الذي قد ذكر جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ الجليل ابن شهرآشوب، و الشيخ السعيد السديد علي بن يونس العاملي، في كتاب المناقب (3)، و الصراط المستقيم (4)، أنّه تصنيف الإمام الهمام مولانا أبي محمد العسكري عليه السلام، و يؤيّده ما ذكراه أنّه مشتمل علي أكثر الأحكام، و متضمنّ أغلب مسائل الحلال و الحرام، ثمّ استبعده ببعض ما مرّ في الرضوي (5).1.

ص: 322


1- رجال النجاشي: 277/ 728.
2- ما بين القوسين ساقط من المخطوطة.
3- ذكر له في المناقب 4: 424، أن له كتاب المقنعة.
4- الصراط المستقيم: لم نعثر عليه فيه.
5- رسالة في تحقيق حال فقه الرضا (عليه السلام) للخوانساري: 41.

44- فلاح السائل:

و هو الجزء الأوّل من الأجزاء العشرة من كتاب «التتمّات و المهمّات» للسيّد رضيّ- الدين عليّ بن طاوس- رحمه اللّه- و جلالة قدر مؤلّفه، و إتقانه و تثبّته في كلّ ما ينقله أشهر- عند كلّ من عاصره، أو تأخّر- من أن يذكر، جزاه اللّه تعالي عن الإسلام و المسلمين خير جزاء الصالحين، و قد ذكرنا شرح حال التتمّات، و أسامي أجزائها علي الترتيب الذي وضعه في آخر الصحيفة الرابعة السجاديّة، من أرادها فليراجعها [1].

****

[1] نظرا لاشتمال ما افاده علي فوائد إليك نص ما افاده قدس سره في آخر الصحيفة السجادية الرابعة:

اعلم أصلح اللّه تعالي مكنون سريرتك، و فتح عين بصرك و بصيرتك، أنّ كلّ ما أوردناه في هذه الصحيفة الرابعة من أدعية شهر رمضان و نسبناه إلي كتاب الإقبال للسيّد الأجلّ عليّ بن طاوس- قدس اللّه روحه- فإنّما هو تبعا للمحدّثين، و جريا علي ما تداول بينهم، و الّا فالظاهر بل المقطوع أنّه ليس في كتاب الإقبال عمل شهر الصّيام، و كلّ ما نقلوه من أدعية شهر رمضان و نسبوه إليه فإنّما هو من كتاب آخر للسيّد مقصور علي ذكر أعماله، و اشتبه عليهم جميعا، حتي العلّامة المجلسي، و المحدث الحر العاملي، و السيّد الجزائري، و النحرير الماهر في هذا الفن صاحب الصحيفة الثالثة، و صاحب العوالم، و أضرابهم، و نحن نوضح المقصود و نبيّن سبب الاشتباه بعون اللّه تعالي.

اعلم انّ السيّد الأجلّ صاحب الكرامات الباهرة طاوس آل طاوس علي بن موسي بن جعفر بن محمّد- رحمهم اللّه- صنف كتابا كبيرا سماه (مهمّات في صلاح المتعبد و تتمات المصباح المتهجّد) و عبّر عنه في سائر كتبه و غيره بالمهمات و التتمات، و هو- علي ما صرح به في كشف المحجة- إن تم يصير أكثر من عشر مجلّدات (1)، و قد خرج منه ثمانية، عثرنا علي خمسة منها، و لم نعثر علي باقيه، و لا نقل عنه احد.

ثم انه رحمه اللّه قد سمي كل مجلد عنه باسم علي حده:

***

(1) كشف المحجة: 137.

ص: 323

فالمجلد الأول، و الثاني منه؟ سماه: فلاح السائل و نجاح المسائل في عمل اليوم و اللّيلة (1).

و الثالث سمّاه: زهرة الربيع في أدعية الأسابيع.

و الرّابع سمّاه: جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع (2) في صلوات أيام الأسبوع و اعمال الجمعة زائدا علي ما جمعه في الجزء الثالث.

و الخامس سمّاه: الدروع الواقية من الاخطار (3) فيما يعمل مثلها كل شهر علي التكرار.

و السادس سمّاه: مضمار السبق في ميدان الصدق في اعمال شهر رمضان، و له اسم آخر كما يأتي.

و السابع سمّاه: مسالك المحتاج الي مناسك الحاج.

و الثامن سمّاه: الإقبال بالاعمال الحسنة فيما يعمل مرة في سنة (4)، و هو مقصور علي ذكر اعمال شهر شوال الي آخر شهر رمضان، و هو مجلد كبير مختلف النسخ بالزيادة و النقصان، و ليس فيه ذكرا لشهر الصيام لقرائن كثيرة.

الأول: تصريحه رحمه اللّه في الفصل السادس من الباب السادس من كتاب أمان الأخطار بما لفظه و ينبغي أن يصحب معه كتابنا في عمل السنة منها كتاب عمل شهر رمضان و اسمه كتاب المضمار، و كتاب التمام لمهام شهر الصيام، و كتاب الإقبال بالاعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة، و هما مجلدان الأول من شهر شوال الي آخر ذي الحجة و الثاني من شهر محرم الحرام الي آخر شهر شعبان فإنهما قد تضمّنا من مهمات الإنسان ما هو كالفتح لابواب الأمان (5).

الثاني: قوله رحمه اللّه في كتاب الإجازات في الفصل الموضوع لذكر ما صنفه: و ممّا صنفته- و ما عرفت أنّ أحدا شرفه اللّه جل جلاله بالسبق الي مثل تأليفه و تصنيفه- كتاب مهمات في صلاح المتعبد و تتمّات المصباح المتهجد، خرج منه مجلدات، منها كتاب فلاح السائل الي أن قال بعد ذكر ما ذكرنا: و بقي منه ما يكون في السنة مرّة واحدة، و قد شرعت منها في كتاب

ص: 324


1- مطبوع مشهور.
2- مطبوع أيضا مشهور.
3- طبع أخيرا ضمن سلسلة مصادر بحار الأنوار من قبل المؤسسة.
4- مطبوع معروف.
5- الأمان من الاخطار: 90- 91.

مضمار السبق في ميدان الصدق لصوم شهر رمضان. و في كتاب مسالك المحتاج الي مناسك الحاج: و ما يبقي من عمل السنة سوف اتممه، الي آخر ما قال.

الثالث: قوله رحمه اللّه في اعمال اليوم الثالث عشر من شهر رمضان: و قد قدمنا في عمل رجب عملا جسيما في الليالي البيض منه، و من شعبان، و من شهر الصيام، الي ان قال و ذلك الجزء منفرد فربما لا يتفق حضوره عند العامل بهذا الكتاب فنذكر هاهنا صفة هذه الصلاة إلي آخره.

الرابع: قوله رحمه اللّه في اعمال المحرم من الإقبال قبيل الباب الأول ما لفظه: و نبئنا بالإشارة الي بعض تأويل ما ورد من الاختلاف في الاخبار، هل أول السنة شهر رمضان أو شهر المحرم؟ فنقول: قد ذكرنا في الجزء السّادس من الذي سميناه كتاب المضمار ما معناه: انه يمكن ان يكون أوّل السنة في العبادات و الطاعات شهر رمضان، و ان يكون أول السنة لتواريخ أهل الإسلام و متجددات العام شهر محرّم الحرام، و قدمنا هناك بعض الاخبار المختصة بأنّ أول السنة شهر رمضان إلي آخره (1).

و قد ذكر تلك الاخبار و الجمع الّذي ذكره في الباب الثاني من المضمار الذي أدرجوه في الإقبال.

الخامس: قوله في آخر أعمال شعبان: و هذا آخر ما اقتضاه حكم الامتثال لمراسم الموافق لنا و مالك العناية بنا في ذكر الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة واحدة في كل سنة (2).

و ذكر في آخر عمل ذي الحجة: أنه آخر الجزء الأول من الإقبال، و أنّ أول الجزء الثاني شهر المحرّم (3)، و ذكر في أول شهر شوال فهرس فصوله، و يوجد في بعض النسخ خطبة ناقصة من أوّلها و أول الموجود منها هكذا: للتنوّر بأنوارها، و الاستضاءة بأضواء عنايات اللّه جل جلاله و إسرارها، الي آخره (4)، و هذا دأبه في أول كل جزء من ذكر الخطبة و فهرس الفصول، و في صدر الكتاب، و لو كان عمل شهر رمضان جزءا من الإقبال لكان جزءا ثالثا منه، و هو خلاف ما صرّح به، و لم يذكر فهرس أبوابه و فصوله في صدر أحد الجزءين، بل سقط من أصل نسخة المضمار2.

ص: 325


1- الإقبال: 541.
2- الإقبال: 726.
3- الإقبال: 531.
4- الإقبال: 302.

الخطبة و الفهرس و نزر يسير من فصول الباب الأول منه، و أول الموجود منه كلمات من آخر حديث في فضل شهر رمضان، و بعده الخطبة المعروفة للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله نقلها عن بشارة المصطفي لعماد الدين الطبري (1).

ثم وقع بيد النّسّاخ فرأوا كتابا للسيّد في اعمال شهر رمضان علي نسق الإقبال فظنّوا انّه منه فألحقوه به، و اشتهرت النسخ و صار ذلك سببا لتوهم الجماعة المذكورين، و لم أر من تنبه لذلك الا الشيخ الأجلّ الخبير إبراهيم بن علي الكفعمي الجبعي في جنته، فإنّه عدّ في فهرس كتبه كتاب الإقبال و كتاب عمل شهر رمضان، و كلّ ما نقله في الفصل الخامس و الأربعين في عمل شهر رمضان عن السيّد ينسبه الي الثاني، و قال في آخر الفصل: ثمّ ما اختصرنا من الأدعية في هذا الشهر الشريف و هي كثيرة جدا من أرادها فعليه بكتاب عمل شهر رمضان تأليف السيّد الجليل رضي الدين عليّ بن طاوس الحسني ختم اللّه له بالحسني و لنا بمحمّد خاتم النبيّين و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين (2).ه.

ص: 326


1- الإقبال: 2.
2- الجنة الواقية: لم نعثر عليه فيه.

45- كتاب مشكاة الأنوار في غرر الأخبار:

قال في الرياض: الشيخ ثقة الإسلام أبو الفضل عليّ بن الشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الشيخ أبي عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، الفاضل العالم، الفقيه المحدّث الجليل، صاحب مشكاة الأنوار، روي عن السيّد السعيد جلال الدين أبي عليّ بن حمزة الموسوي و غيره، كما يظهر من المشكاة المذكور، و له من المؤلّفات أيضا كتاب «كنوز النجاح» في الأدعية، و ينقل عن هذا الكتاب ابن طاوس في «المجتني من الدعاء المجتبي» (1) و غيره، و كذا الكفعمي في «المصباح» كثيرا، و هذا الشيخ سبط الشيخ أبي عليّ الطبرسي صاحب «مجمع البيان»، و قد ألّف المشكاة المذكور تتميما لكتاب «مكارم الأخلاق» لوالده أبي نصر الحسن بن الفضل المذكور، فيكون نسب هذا الشيخ هو: أبو الفضل عليّ بن رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن أمين الدين أبي عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، و حمله علي غلط الكاتب، و أنّه كان أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ممّا لا حاجة إليه.

و ممّا قلناه وضح اسم سبطه- أعني مؤلّف كتاب مشكاة الأنوار- و إن كان مخفيّا علي الأستاذ الاستناد في بحار الأنوار (2).

و قد نقل الشيخ نعمة اللّه بن خاتون العاملي في الرسالة المعمولة لمعني العدالة، بعض الفتاوي عن الشيخ أبي الفضل الطبرسي.

و نقل الأمير سيّد حسين المجتهد أيضا، في أواخر كتاب «دفع المناواة» عن كتب ثقة الإسلام أبي الفضل الطبرسي بعض الفوائد.

و الظاهر أنّ مرادهما به هو هذا الشيخ، و علي هذا فله مؤلّفات اخري.

ص: 327


1- انظر: 84، 86، 87 منه.
2- بحار الأنوار 1: 9، حيث نسبه الي السبط من دون ذكره بالاسم.

و قد يستشكل بأنّ ثقة الإسلام لقب جدّه صاحب «مجمع البيان» و لكنّ الأمر فيه سهل لاحتمال الاشتراك، مع أنّ المشهور في لقب جدّه هو «أمين الدين».

و قال الأستاذ الاستناد- أيّده اللّه تعالي- في أوّل البحار: و كتاب مشكاة الأنوار لسبط الشيخ أبي علي الطبرسي، ألّفه تتميما لمكارم الأخلاق تأليف والده الجليل، ثمّ قال: و كتاب مشكاة الأنوار كتاب طريف، يشتمل علي أخبار غريبة، انتهي (1).

و أقول: قال نفسه في أوّل المشكاة المذكور- بعد إيراد حكاية تأليف والده كتاب «مكارم الأخلاق» و كتاب «الجامع» الذي لم يتمّه كما سبق في ترجمته- بهذه العبارة: ثمّ سألني جماعة من المؤمنين، الراغبين في أعمال الخير أن اؤلّف هذا الكتاب فتقرّبت الي اللّه عزّ و جلّ بتأليفه، و كتبت ما حضرني من ذلك، و رتّبته و بوّبته، و تركت في آخر كلّ باب أوراقا لاحق به ما شذّ عنّي، و سمّيت هذا الكتاب بمشكاة الأنوار في غرر الأخبار، انتهي كلام صاحب الرياض (2).

قلت: و يأتي أنّ كتاب كنوز النجاح من مؤلّفات جدّه، و صرّح به في الرياض أيضا في ترجمة جدّه (3)، و أغلب أخبار المشكاة منقولة من كتب المحاسن، و كان عنده تمامها، أو أغلبها، و يعرف اعتباره من اعتباره، و في أواخره حديث عنوان البصري المعروف، عن الصادق عليه السلام (4)، الذي نقله في البحار (5) عن خطّ الشيخ البهائي، منقولا عن خطّ الشهيد الأوّل، و غفل عن نقله عنه.7.

ص: 328


1- بحار الأنوار 1: 9 و 28.
2- رياض العلماء 3: 406.
3- رياض العلماء 4: 356.
4- مشكاة الأنوار: 325.
5- بحار الأنوار 1: 224/ 17.

46- رسالة في المهر:

للشيخ الجليل أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان المفيد، و غيرها ممّا لا حاجة إلي ذكرها.

ص: 329

47- المسائل الصاغانيّة.

(1).

ص: 330


1- أثبتنا العنوان حفظا للتسلسل العام الوارد في الفائدة الأولي صحيفة: 20.

48- كتاب عوالي اللآلئ الحديثية علي مذهب الإمامية:

تأليف المحقّق الفاضل محمد بن الشيخ زين الدين أبي الحسن عليّ بن حسام الدين إبراهيم بن حسن بن إبراهيم بن أبي جمهور بن الهجري الأحسائي.

قال في أمل الآمل: محمد بن أبي جمهور الأحسائي، كان عالما، فاضلا، راوية، له كتب منها: «عوالي اللآلئ الأحاديثيّة علي مذهب الإماميّة» (1)، كتاب الأحاديث الفقهيّة، كتاب معين المعين، شرح الباب الحادي عشر، كتاب زاد المسافرين في أصول الدين، و له مناظرات مع المخالفين، كمناظرة الهروي و غيرها، و رسالة في العمل بأخبار أصحابنا (2).

و قال في موضع آخر: محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي، فاضل، محدّث، الي آخره (3).

و في اللؤلؤة: و الشيخ محمد بن أبي جمهور كان فاضلا، مجتهدا، متكلّما، له كتاب عوالي اللآلئ، جمع فيه جملة من الأحاديث، إلّا أنّه خلط فيه الغثّ بالسمين، و أكثر فيه من أحاديث العامّة، و لهذا إنّ بعض مشايخنا لم يعتمد عليه، ثمّ عدّ بعض مؤلّفاته (4).

و ذكره القاضي في مجالس المؤمنين، و مدحه و أطراه، و قال: إنّه مذكور في سلك المجتهدين (5).

ص: 331


1- ضبط المؤلف اسم كتابه هذا هكذا عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية. انظر: الذريعة 1: 358 و رقم 49 من خاتمة المستدرك صحيفة 168.
2- أمل الآمل 2: 253.
3- أمل الأمل 2: 280.
4- لؤلؤة البحرين: 168/ 64.
5- مجالس المؤمنين 1: 581.

و في البحار: و كتاب عوالي اللآلئ، و إن كان مشهورا، و مؤلّفه في الفضل معروفا، لكنّه لم يميّز القشر من اللّباب، و أدخل أخبار متعصبي المخالفين بين روايات الأصحاب، فلذا اقتصرنا منه علي نقل بعضها، و مثله نثر اللآلئ (1).

و قال العالم الجليل، الأمير محمد حسين الخاتون آبادي، في مناقب الفضلاء: و عن السيّد حسين المفتي- رحمه اللّه- عن الشيخ نور الدين محمد ابن حبيب اللّه، عن السيد النجيب الحسيب الفاضل السيد مهدي، عن والده الشريف المنيف، الكريم الباذل، السخيّ الزكيّ، السيد محسن الرضوي المشهدي، عن الشيخ المدقّق العلّامة محمد بن علي بن إبراهيم الأحساوي- طيّب اللّه ضرائحهم- إلي آخر أسانيدهم التي أوردها في عوالي اللآلئ، و إجازته المبسوطة التي رقّمها للسيّد المذكور.

و في إجازات البحار، بعد ذكر الإجازة المذكورة قال: و لنتبع هذه الإجازة بإيراد الطرق السبعة، التي ذكرها الشيخ المحقّق محمد بن أبي جمهور المذكور- قدس اللّه روحه- في كتابه المسمّي بعوالي اللآلئ، فقال قدّس سرّه فيه: الطريق الأوّل، الي آخره (2).

و فيها قال: قال السيّد حسين المفتي المذكور: أروي عن الشيخ نور الدين محمد بن حبيب اللّه، عن السيّد محمد مهدي، عن والده السيّد محسن الرضوي المشهدي، عن الشيخ الفاضل محمد بن عليّ بن إبراهيم بن جمهور الأحساوي، بسنده المذكور في عوالي اللآلئ، علي ما ذكره في إجازته التي كتبها للسيّد محسن (3).

و قال السيّد النبيل، السيّد حسين القزويني- طاب ثراه- في مقدّمات3.

ص: 332


1- بحار الأنوار 1: 31.
2- بحار الأنوار 108: 7.
3- بحار الأنوار 109: 173.

شرح الشرائع: محمد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحساوي، فاضل، جامع بين المعقول و المنقول، راوية للأخبار، ذكره الفاضل الأسترابادي في «الفوائد المدنيّة» (1) و الفاضل المجلسي في «إجازات البحار» (2) و شيخنا الحرّ في موضعين من «أمل الآمل» (3)، له كتب، منها العوالي اللآلئ، و المجلي، و شرح الألفية، و الأقطاب في الأصول، و غيره، و ما وصل الي النظر القاصر من نسخة العوالي كان بخطّ الوالد العلّامة مع حواشيه.

و قال المحقّق الكاظمي في أوّل كتاب المقابيس: و منها: الأحسائي، للعالم العلم، الفقيه النبيل، المحدّث الحكيم، المتكلّم الجليل، محمد بن عليّ ابن إبراهيم بن أبي جمهور، سقاه اللّه يوم النشور من الشراب الطهور، و كان من تلامذة الشيخ الفاضل، شرف الدين حسن بن عبد الكريم الفتال الغروي، الخادم للروضة الغرويّة، و الشيخ عليّ بن هلال الجزائري في كرك، في أثناء مسيره إلي حجّ بيت اللّه، و في رجوعه من الحجّ، و هو صاحب كتاب عوالي اللآلئ، و نثر اللآلئ في الأخبار، و رسالة كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال في الأصول، و الجامعيّة في شرح الألفية الشهيديّة، و المجلي في الحكمة و المناظرات مع العامّة، و غيرها، و روي كالكركي عن ابن هلال، عن أبي العباس، و روي أيضا عن أبيه، و غيره من المشايخ (4).

و قال العالم المتبحّر السيّد عبد اللّه، سبط المحدّث الجزائري في إجازته الكبيرة، في ذكر مشايخ المجلسي- رحمه اللّه-: و منهم السيّد السند، الأمير فيض اللّه بن غياث الدين محمد الطباطبائي، عن السيّد الحسيب القاضي حسين- الي أن قال- عن الشيخ الجليل محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور4.

ص: 333


1- الفوائد المدنية: 186.
2- بحار الأنوار 108: 3- 20.
3- أمل الأمل 2: 253، 280.
4- مقابس الأنوار: 14.

الأحسائي (1).

و قال السيّد الأجلّ، الأمير عبد الباقي في إجازته للعلّامة الطباطبائي:

و قال الشيخ الجليل المبرور محمد بن أبي جمهور الأحسائي، في كتابه المعروف بعوالي اللآلئ: روي عنده من المشايخ بطريق صحيح، عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول» الخبر.

و قال الفاضل الخبير في الرياض، في باب الكني: أبي جمهور اللحساوي، و هو الأشهر في ابن أبي جمهور، و قد يقال: ابن أبي جمهور، و يقال في هذه النسبة: الأحساوي أيضا، و يقال تارة: الأحسائي، و اللحسائي- الي أن قال- و هو في الأشهر يطلق علي الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن أبي جمهور، كذا بخطّه رحمه اللّه علي ظهر بعض مؤلّفاته، و هو الفقيه الحكيم المتكلّم، المحدّث الصوفي، المعاصر للشيخ علي الكركي، و كان تلميذ عليّ بن هلال الجزائري، و صاحب كتاب «عوالي اللآلئ» و كتاب «نثر اللآلئ» و كتاب «المجلي في مرآة المنجي» و غيرها من المؤلّفات، ذو الفضائل الجمّة لكنّ التصوّف العالي المفرط قد أبطل حقّه (2). الي غير ذلك من عبارات الأصحاب علي اختلاف طبقاتهم و مشاربهم في حقّه، و ذكرهم إيّاه بأوصاف و ألقاب يذكرون بها العلماء الأعلام و الفقهاء العظام.

فمن الغريب بعد ذلك ما ذكره السيّد الأيّد المعاصر في الروضات، في ترجمته بعد ذكر طرقه السبعة حيث قال: و أمّا نحن فقد قدّمنا ذكر شيخه الأجلّ الأعظم علي بن هلال الجزائري، الذي هو من جملة مشايخ المحقّق الشيخ علي الكركي، و بقي سائر مشايخه السبعة- المذكورين هنا، و في مقدّمة كتابه العوالي علي سبيل التفصيل- عند هذا العبد، و سائر أصحاب التراجم و الإجازات، من جملة علمائنا المجاهيل، بل الكلام في توثيق نفس الرجل، و التعويل علي رواياته3.

ص: 334


1- الإجازة الكبيرة للسيد عبد اللّه الجزائري: 19.
2- رياض العلماء 6: 13.

و مؤلّفاته، و خصوصا بعد ما عرفت له من التأليف في إثبات العمل بمطلق الأخبار، الواردة في كتب أصحابنا الأخيار، و ما وقع في أواخر وسائل الشيعة، من كون كتابي حديثه خارجين عن درجة الاعتماد و الاعتبار، مع أنّ صاحب الوسائل من جملة مشاهير الأخباريّة، و الأخباريّة لا يعتنون بشي ء من التصحيحات الاجتهاديّة، و التنويعات الاصطلاحيّة، انتهي (1).

و أنت خبير بأنّ كثيرا من العلماء المعروفين، المذكورين في الإجازات و الكتب المعدّة لترجمتهم، ما قالوا في حقّهم أزيد ممّا قالوا في ترجمة صاحب العنوان، و لم يعهد منهم تزكيتهم و توثيقهم بالألفاظ الشائعة المتداولة في الكتب الرجاليّة، التي يستعملونها في مقام تزكية الرواة و تعديلهم، فإنّهم أجلّ قدرا، و أعظم شأنا من الافتقار إليه.

و لذا قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح الدراية: و قد مرّ أيضا: تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها، أو بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل و غيرهم من أهل العلم، كمشايخنا السابقين من عهد الشيخ الكليني و ما بعده الي زماننا هذا، و لا يحتاج أحد من هؤلاء المشهورين الي تنصيص علي تزكيته، و لا تنبيه علي عدالته، لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم، و ضبطهم، و ورعهم زيادة علي العدالة، و إنّما يتوقّف علي التزكية غير هؤلاء (2).

و علي ما أسّسه تتطرق الشبهة في جماعة كثيرة من علمائنا الأخيار، الذين قالوا في ترجمتهم مثل ما قالوا في حقّ صاحب العوالي، أو أقلّ، فتخرج أخبار هؤلاء الأعاظم، و رواياتهم، و منقولاتهم، و أقوالهم عن حدود الصحّة و الاعتماد، و لا يخفي ما في ذلك من القبح و الفساد، بل قدّمنا ذكر جماعة منهم ليس لهم في كتب التراجم ذكر أصلا، فضلا عن المدح و الثناء، و التزكية و الإطراء، و مع ذلك كتبهم شائعة، متداولة، معتمدة.9.

ص: 335


1- روضات الجنات 7: 33.
2- الدراية: 69.

و العجب أنّه- رحمه اللّه- ذكره في أوّل الترجمة بهذا العنوان: الشيخ الفاضل المحقّق، و الحبر الكامل المدقّق، خلاصة المتأخّرين، محمد، الي آخره (1)، ثمّ تأمّل في وثاقته، و هي أدني درجة الكمال.

و قوله: خصوصا بعد ما عرفت، الي آخره، فيه:

أوّلا: إنه ليس في اسم الكتاب الذي ألّفه فيه دلالة علي اعتقاده علي حجيّة مطلق الأخبار.

ففي الأمل: و رسالة في العمل بأخبار أصحابنا (2) و لم أجده في غيره، و لكنّه ذكر في أوّل الترجمة هكذا: و رسالة في أنّ علي أخبارنا الآحاد في أمثال هذه الأزمان المعوّل، كما نسبها إليه صاحب الأمل، و هو أعرف بوجه التعبير، و لا دلالة فيه أيضا علي ما نسبه إليه، مع أنّه يمكن أن يكون غرضه الموجودة في الكتب الأربعة، كما عليه جمع من المحقّقين، أو اشتراط في ضعافها الانجبار، و لا ينافي ذلك كون المستند هو الخبر الضعيف، فينطبق علي ما عليه جماعة من حجيّة الأقسام الثلاثة (3): الصحيح و الحسن و الموثّق، و الضعيف إذا انجبر.

و ثانيا: إنّ اعتقاد حجيّة مطلق أخبار أصحابنا- بالنظر الي ما أدّاه إليه).

ص: 336


1- روضات الجنات 7: 26 ترجمة 749.
2- أمل الآمل 2: 253 رقم 749.
3- في هامش الحجرية ما لفظه: ثم اني بعد ما كتبت هذا الموضوع بأشهر عثرت علي هذه الرسالة الشريفة فوجدتها في غاية المتانة و الدقة و التحقيق، وضعها علي طريقة الفقهاء- لكيفية استنباط الأحكام من أدلة الفروع- في ضمن فصول، ذكر في بعضها العلوم التي يحتاج إليها الفقيه و قال فيه: و اما الأصول: فهو العلم الذي عليه مدار الشريعة، و أساس الفقه، و جميع أصوله و فروعه مستفادة منه، فالاحتياج اليه أمسّ من سائر العلوم، فلا بدّ من ضبطه غاية الضبط، و كلّما انتهي في معرفته و جوّد البحث في معانيه، و أكثر من المطالعة في مسائله، و عرف قوانينه، و علم مضمون دلائله كان أقرب إلي معرفة الفقه، و أسهل طريقا الي سلوك الاستدلال علي مسائله، و يكفي منه الإتقان لمثل: مبادئ الوصول، و تهذيب الوصول، و ان انتهي إلي منتهي الوصول و نهاية الوصول كان غاية المراد. و بالجملة فالاحتياج إلي هذا العلم شديد، و التوصية به جاءت من جميع المشايخ، و باهماله أهملت الشريعة و ضاع الدين، لأنه الأصل الحافظ لها، و الضابط لأصولها و فروعها، و كيف يستقيم لطالب ان يعرف الفرع بدون الاطلاع علي الأصل، و أنّي يحسن لعاقل ان يطلب العلم بالفقه و يصف نفسه بكونه من أهله مع إهماله للأصل الذي لا يعرف الفرع الا منه. الي أن قال: و أمّا الرجال، فهو علم يحتاج اليه المستدل غاية الحاجة، لأن به يعرف صحيح الأحاديث من فاسدها، و صادقها من كاذبها، لأنه متي عرف الراوي عرف الحديث، و متي جهله جهله، فلا بدّ من معرفة الرجال الناقلين للأحاديث عن الأئمة عليهم السلام من زمان الإمام الحق أمير المؤمنين عليه السلام إلي زمان العسكري عليه السلام، و منه إلي زماننا هذا، اما: بعدالة، أو بفسق، أو بجهل أحدهما، ليكون علي بصيرة فيقبل ما رواه العدل بلا خلاف، و يرد ما رواه الفاسق بلا خلاف، و يتوقف فيمن جهله. إلي ان قال: فما عدلوه فمعدّل و روايته صحيحة، و ما مدحوه فممدوح و روايته حسنة، و ما وثقوه فثقة و روايته موثقة و ما فسقوه ففاسق و روايته مردودة، و ما جهلوا حاله فمجهول يجب التوقف في روايته. و في كيفية العمل بهذه الأحاديث بحث يأتي في فصل كيفية الاستدلال ان شاء اللّه تعالي. و قال في الفصل الثالث في الاستدلال: و فيه بحثان، الأول: في الأدلة: و هي بالاتفاق من الأصوليين أربعة: الكتاب، و السنة، و الإجماع، و أدلة العقل، ثم شرح حال الأدلة علي طريقة الفقهاء. و قال في موضع بعد ذكر أوصاف المفتي في جملة كلام له: لكن يشترط بقاء المفتي إذ لو مات بطلت الرواية لفتواه و حكاية أقواله للعمل بها، إذ لا قول للميت، و عليه إجماع الأصحاب و به نطقت عباراتهم في أكثر مصنفاتهم، و لا تبطل الرواية لأقواله و حكاية فتاويه مطلقا بل يصح ان تروي لتعلم و ليعرف وفاقه و خلافه لمن يأتي بعده من أهل الاجتهاد. الي غير ذلك من الكلمات الصريحة في جموده علي طريقة الفقهاء و الأصوليين و المقام لا يقتضي نقل أزيد من هذا و فيه الكفاية (منه قدس سره). لدينا نسخة خطية من هذه الرسالة المسماة كاشفة الحال عن وجه الاستدلال صححنا ما تقدم عليها. قال السيد الأجل بحر العلوم في ترجمة السكوني: و وصف فخر المحققين في الإيضاح سند رواية الكليني في باب السحت- الشيخ عنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة، الحديث- بالتوثيق، قال: احتج الشيخ بما رواه عن السكوني في الموثق عن الصادق عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة الحديث. و تبعه علي ذلك ابن أبي جمهور في درر اللآلئ، و فيه شهادة بتوثيق السكوني و النوفلي و إبراهيم بن هاشم، انتهي (منه قدّس سرّه).

دليله- ليس بكبيرة و لا صغيرة تضرّ بالوثاقة و العدالة، و لا ينافي الاعتماد علي منقولاته و مرويّاته، فيكون بعد التسليم من الذين يقال في حقّهم: خذوا ما

ص: 337

رووا، و ذروا ما رأوا (1).

و ثالثا: إنّ طريقته- كما تظهر من- كتابيه طريقة المجتهدين، كما لا يخفي علي المراجع، فكلّ ما ذكره في حقّه حدس و تخمين، ناشئ من عدم ظفره بالكتابين.

و قوله: و ما وقع في أواخر وسائل الشيعة، الي آخره (2)، فلم أجدهما فيها (3)، نعم ذكر في آخر كتاب الهداية الكتب الغير المعتبرة عنده، بأقسامها الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا، و ليس منها الكتابان.

قوله: و الأخبارية لا يعتنون، الي آخره (4).

قلت: نعم، و منه يظهر أنّ ابن أبي جمهور كان من المجتهدين، فإنّه في الكتابين لم يسلك إلّا مسلكهم، و لم يجر إلّا علي مصطلحاتهم في الأخبار، من الصّحة و الحسن، و القوّة و الضعف، و الترجيح بذلك، فراجعهما، و لولا خوف الإطالة لذكرت شطرا منها:

و منها يظهر أنّ المقصد من الرسالة السابقة ليس إثبات حجيّة مطلق الأخبار، كما توهّمه فجعله من مطاعنه.

كما يظهر إنّ كلّ ما ذكره في هذا المقام ناشئ من عدم العثور عليهما، و اللّه العاصم.

نعم قد يطعن فيه، و في كتابه من جهتين:

الاولي: ميلة الي التصوّف، بل الغلو فيه، كما أشار إليه في الرياض (5).

و فيه: إنّ ميلة إليه حتي في بعض مقالاتهم الكاسدة، المتعلّقة بالعقائد، لا يضرّ بما هو المطلوب منه في المقام من الوثاقة، و التثبّت، و غير ذلك ممّا يشترط1.

ص: 338


1- غيبة الشيخ: 240، و فيه: خذوا بما رووا.
2- روضات الجنات 7: 33.
3- في هامش المطبوعة عن هامش الأصل و المصححة بعنوان منه ما يلي: هذه كتب غير معتمدة، لعدم العلم بثقة مؤلفيها و. عوالي اللآلئ و انظر وسائل الشيعة 30: 159.
4- روضات الجنات 7: 33.
5- رياض العلماء 5: 51.

في الناقل، كغيره من العلماء علي ما هم عليه من الاختلاف، حتي في أصول الكلام، و مع ذلك يعتمد بعضهم علي بعض في مقام النقل و الرواية، و لذا رأيتهم وصفوه بما هو دائر بينهم في مواضع مدح الأعاظم و شأنهم، و أدخلوه في إجازاتهم.

و ليس هو أسوأ حالا فيما نسب إليه من: المحدّث الكاشاني، و لم يطعن عليه أحد في منقولاته.

و لا من السيّد حيدر الآملي المعروف، صاحب الكشكول، الذي ينسب إليه بعض الأقاويل المنكرة، و قد تلمّذ علي فخر المحقّقين، و عندي مسائل السيّد مهنّا، و أجوبة العلّامة بخطّه (1)، و قد قرأها علي الفخر، و علي ظهرها إجازة الفخر له بخطّه الشريف، و هذه صورته:

هذه المسائل و أجوبتها صحيحة، سئل والدي عنها فأجاب بجميع ما ذكره فيها، و قرأتها أنا علي والدي- قدّس اللّه سرّه- و رؤيتها (2) عنه، و قد أجزت لمولانا السيّد الإمام، العالم العامل، المعظّم المكرّم، أفضل العلماء، أعلم الفضلاء، الجامع بين العلم و العمل، شرف آل الرسول، مفخر أولاد البتول، سيّد العترة الطاهرة، ركن الملّة و الحقّ و الدّين، حيدر بن السيّد السعيد تاج الدين عليّ بن السيّد السعيد ركن الدين حيدر العلوي الحسيني- أدام اللّه فضائله، و أسبغ فواضله. أن يروي ذلك عنّي، عن والدي- قدّس اللّه سرّه- و أن يعمل بذلك و يفتي به، و كتب محمد بن الحسن بن يوسف بن عليّ بن مطهّر الحليّ، في أواخر ربيع الآخر، لسنة إحدي و ستّين و سبعمائة، و الحمد للّه تعالي، و صلّي اللّه علي سيّد المرسلين محمد النّبي و آله الطاهرين.

و ما كان يخفي علي الفخر مقالاته، و ما منعه ذلك عن أن يصفه بما ترين.

ص: 339


1- أي بخط السيد حيدر و استنسخت منه نسخة بخط يدي. (كذا في هامش المخطوطة).
2- في المخطوطة و الحجرية: (و رؤيته) في الموردين.

من الأوصاف الجميلة، أرايت من يعظّمه كذلك، يتأمّل و يطعن في منقولاته؟! و هكذا الكلام في جمع ممّن تقدّم عليه، أو تأخّر عنه.

و ليس الغرض من الاعتماد و الاعتبار صحّة كلّ ما رواه في الكتابين، بل الصحّة من جهته فيكون كسائر مرويّات الأصحاب في كتبهم الفقهيّة، و المجاميع الحديثيّة، و عدم الفرق بين الخبر الموجود في العوالي، و الموجود في غيره ممّا لم يتبيّن مأخذه، و إنّ هذا المقدار من التصوّف، أو الميل إليه، غير قادح في المطالب النقليّة عند الأصحاب.

الثانية: ما في الكتاب المذكور من اختلاط الغثّ بالسمين، و روايات الأصحاب بأخبار المخالفين، كما أشار إليه في اللّؤلؤة (1).

و قال في الحدائق، بعد نقل مرفوعة زرارة في الأخبار العلاجيّة: إنّ الرواية المذكورة لم نقف عليها في غير كتاب العوالي، مع ما هي عليها من الإرسال، و ما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه الي التساهل في نقل الأخبار، و الإهمال، و خلط غثّها بسمينها، و صحيحها بسقيمها، كما لا يخفي علي من لاحظ الكتاب المذكور (2).

قلت: ما ذكره صحيح في الجملة في بعض الكتاب، و هو أقلّ القليل منه، و أمّا في الباقي فحظّه منه نقل مجاميع الأساتيذ، الذين ساحتهم بريئة عن قذارة هذه الطعون.

توضيح ذلك: إنّ العوالي مشتمل علي مقدّمة، و بابين، و خاتمة، و ذكر في المقدّمة فصولا، ذكر فيها طرقه، و جملة من الأخبار النبويّة في فنون الآداب و الأحكام، و اختلط هنا الغثّ بالسمين كما قالوا.

و أمّا البابان، فقال: الباب الأوّل في الأحاديث المتعلّقة بأبواب الفقه،9.

ص: 340


1- لؤلؤة البحرين: 64، 167.
2- الحدائق الناضرة 1: 93- 99.

الغير المترتّبة بترتيب أبوابه، و لي فيها مسالك كثيرة، إلّا أنّي أقتصر في هذا المختصر علي ذكر أربعة مسالك لا غير، طلبا للإيجاز، حذرا من الملال.

المسلك الأوّل: في أحاديث ذكرها بعض متقدّمي الأصحاب، رؤيتها عنه بطرقي إليه، لا يختصّ إسنادها بالرسول صلّي اللّه عليه و آله، بل بعضها ينتهي إسنادها إليه، و بعضها الي ذريّته المعصومين، و خلفائه المنصوصين، عليهم أفضل الصلوات و أكمل التحيات، لأنّ الأصحاب- قدّس اللّه أرواحهم- إنّما يعتبرون من الأحاديث ما صحّ طريقه إليهم، و اتّصلت روايته بهم، سواء وقف علي واحد منهم، أو أسنده الي جدّه المصطفي صلّي اللّه عليه و آله- الي أن قال- روي المنقول عنه هذا المسلك في الأحاديث من طرقه الصحيحة (1)، عمّن رواه، قال: سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: «كلّ سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي و نسبي» ثمّ ساق الأخبار (2)، الي أن قال:

المسلك الثاني: في أحاديث تتعلّق بمصالح الدين، رواها جمال المحقّقين في بعض كتبه بالطريق التي له الي روايتها، روي في كتابه قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «أكثروا من سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلّا اللّه، و اللّه أكبر» الخبر، و ساق أخبار كتابه (3)، الي أن قال:

المسلك الثالث: في أحاديث، رواها الشيخ العالم، شمس الملّة و الدين، محمد بن مكّي في بعض مصنّفاته، يتعلّق بأبواب الفقه، رؤيتها عنه بطرقي إليه، قال- رحمه اللّه-: روي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله قال:. الخبر،9.

ص: 341


1- جاء في هامش النسخة الحجرية ما نصه «قال في الحاشية في هذا المقام لا يلزم من عدم ذكر اسم المنقول عنه في هذا المسلك أن يكون من المرسل، لما تقرأ في الأصول أن الراوي إذا علم من حاله أنه لا يروي إلّا عن الثقات كان إرساله إسنادا» (منه قده).
2- عوالي اللآلي 1: 299.
3- عوالي اللآلي 1: 349.

و ساق أخباره (1)، الي أن قال:

المسلك الرابع: في أحاديث رواها الشيخ العلّامة الفهّامة، خاتمة المجتهدين، شرف الملّة و الحقّ و الدين، أبو عبد اللّه المقداد بن عبد اللّه السيوري- تغمّده اللّه برضوانه- قال- رحمه اللّه-: روي في الحديث عنهم عليهم السلام و ساق مرويّاته المتفرّقة في أبواب الفقه (2)، الي أن قال:

الباب الثاني في الأحاديث المتعلّقة بأبواب الفقه بابا بابا، و لنقتصر في هذا المختصر منها علي قسمين:

القسم الأوّل: في أحاديث تتعلّق بذلك، رؤيتها بطريق فخر المحقّقين، ذكرها عنه بعض تلاميذه، علي ترتيب والده جمال المحقّقين- رضوان اللّه عليهما-، باب الطهارة: روي محمد بن مسلم. و ساق الي باب الديات (3)، ثمّ قال:

القسم الثاني: في أحاديث رواها الشيخ الكامل الفاضل، خاتمة المجتهدين، جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الحلّي- قدّس اللّه روحه- علي ترتيب الشيخ المحقّق المدقّق، أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلّي- رحمه اللّه- باب الطهارة. و ساق أيضا الي باب الديات (4).

و ذكر في الخاتمة أيضا جملتين، ذكر فيهما الأخبار المتفرّقة (5) كما في المقدّمة، إلّا أنّ جلّها خاصيّة، و عمدة أخبار الكتاب ما أودعه في البابين.

و أنت خبير بأنّ حظّه منه النقل عن مجاميع هؤلاء المشايخ، الذين هم أساطين الشريعة، و أساتيذ علماء الشيعة، لا مسرح للطعن عليهم، و لا سبيل5.

ص: 342


1- عوالي اللآلي 1: 380.
2- عوالي اللآلي 2: 5.
3- عوالي اللآلي 2: 165.
4- عوالي اللآلي 3: 7.
5- عوالي اللآلي 4: 5.

لأحد في نسبة الخلط و المساهلة إليهم، فإن اتّهم صاحب العوالي في النقل عن تلك المجاميع، فهو معدود في زمرة الكذّابين الوضّاعين، فيرجع الأمر إلي الطعن و الإساءة الي سدنة الدين، و حفظة السنّة، و نقّاد الأخبار، الذين مدحوه بكل جميل، و أدناه البراءة عن تعمّد الكذب و وضع الأحاديث.

و قد عثرت بعد ما كتبت هذا المقام علي كلام السيّد المحدّث الجزائري في شرحه علي الكتاب المذكور يؤيّد ما ذكرناه قال: إنّي لمّا فرغت من شروحي- الي ان قال-: تطلّعت الي الكتاب الجليل، الموسوم بعوالي اللآلئ، من مصنّفات العالم الربّاني، و العلّامة الثاني، محمد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي- أسكنه اللّه تعالي غرف الجنان و أفاض علي تربته سجال الرضوان- فطالعته مرارا، و تأمّلت أحاديثه ليلا و نهارا.

فشوّقتني عادتي في شرح كتب الأخبار، و تتّبع ما ورد عنهم عليهم السلام من الآثار، الي أن أكتب عليه شرحا يكشف عن بعض معانيه، و يوضّح ألفاظه و مبانيه، فشرعت بعد الاستخارة في ترتيب أبوابه و فصوله، و استنباط فروعه من أصوله، و سمّيته «الجواهر الغوالي في شرح عوالي اللآلئ»، ثمّ عنّ لي أن اسمّيه «مدينة الحديث» - الي أن قال في ذكر ما دعاه الي شرحه-: إنّه و إن كان موجودا في خزائن الأصحاب إلّا أنّهم معرضون عن مطالعته، و مدارسته، و نقل أحاديثه، و شيخنا المعاصر- أبقاه اللّه تعالي- ربّما كان وقتا من الأوقات يرغب عنه لتكثّر مراسيله، و لأنّه لم يذكر مأخذ الأخبار من الكتب القديمة، و رجع بعد ذلك الي الرغبة فيه، لأنّ جماعة من متأخّري أهل الرجال و غيرهم من ثقات أصحابنا وثقوه، و أطنبوا في الثناء عليه، و نصّوا علي إحاطة علمه بالمعقول و المنقول. و له تصانيف فائقة، و مناظرات في الإمامة و غيرها مع علماء الجمهور، سيّما مجالسه في مناظرات الفاضل الهروي في الإمامة، في منزل السيّد محسن في المشهد الرضوي، علي ساكنه و آبائه و أبنائه من الصلوات أكملها، و من التسليمات أجزلها.

ص: 343

و مثله لا يتّهم في نقل الأخبار من مواردها، و لو فتحنا هذا الباب علي أجلّاء هذه الطائفة، لأفضي بنا الحال الي الوقوع علي أمور لا نحبّ ذكرها، علي أنّا تتبعنا ما تضمّنه هذا الكتاب من الأخبار، فحصل الاطّلاع علي أماكنها التي انتزعها منه، مثل الأصول الأربعة و غيرها، من كتب الصدوق و غيره من ثقات أصحابنا أهل الفقه و الحديث. قال: و أمّا اطّلاعه و كمال معرفته بعلم الفلسفة و حكمتها، و علم التصوف و حقيقته، فغير قادح في جلالة شأنه، فإنّ أكثر علمائنا من القدماء و المتأخّرين قد حقّقوا هذين العلمين، و نحوهما من الرياضي، و النجوم، و المنطق، و هذا غنيّ عن البيان، و تحقيقهم لتلك العلوم و نحوها ليس للعمل بأحكامها و أصولها، و الاعتقاد بها، بل لمعرفتهم بها، و الاطّلاع علي مذاهب أهلها.

ثمّ نقل قصصا عن الشهيد الثاني، و ابن ميثم، و الشيخ البهائي، تناسب المقام لا حاجة الي نقلها.

فظهر أنّ الحقّ الحقيق أن يعامل الفقيه المستنبط بأخبار البابين، معاملته بما في كتب أصحاب المجاميع من الأحاديث، و ما في طرفي الكتاب خصوصا أوّله، و إن كان مختلطا إلّا أنّ بالنظر الثاقب يمكن تمييز غثّه من سمينة، و صحيحه من سقيمه.

بقي التنبيه علي شي ء، و هو أنّ المعروف الدائر في ألسنة أهل العلم، و الكتب العلميّة «الغوالي» - بالغين المعجمة- و لكن حدّثني بعض العلماء، عن الفقيه النبيه، المتبحّر الماهر، الشيخ محسن خنفر- طاب ثراه، و كان من رجال علم الرجال- أنّه بالعين المهملة، فدعاني ذلك الي الفحص فتفحّصت، فما رأيت من نسخ الكتاب و شرحه فهو كما قال، و كذا في مواضع كثيرة من الإجازات التي كانت بخطوط العلماء الأعلام، بحيث اطمأنّت النفس بصحّة ما قال، و يؤيّده أيضا أنّ المحدّث الجزائري سمّي شرحه: الجواهر الغوالي- بالمعجمة- فلاحظ، و اللّه العالم.

ص: 344

49- كتاب درر اللآلئ العمادية:

للفاضل المتقدّم أيضا، ألّفه بعد العوالي، و هو أكبر و أنفع منه، قال في أوّله:

فإنّي لمّا ألّفت الكتاب الموسوم «بعوالي اللآلئ العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة» و كان من جملة الحسنات الإلهيّة، و الانعامات الربانيّة، أحببت أن أتبع الحسنة بمثلها، و الطاعة بطاعة تعضدها، كما جاء في الأحاديث اتباع الطاعة بالطاعة دليل علي قبولها، و علامة علي حصولها، فألّفت عقيبه هذا الكتاب الموسوم «بدرر اللآلئ العماديّة في الأحاديث الفقهية» ليكون مؤيّدا، لما بين يديه ناصرا و مقويا، لما تقدّمه مذكّرا، فأعززت الأوّل بالثاني لإثبات هذه المباني، لإعزاز الطاعة بالطاعة، و اجتماع الجماعة مع الجماعة، لتقوي بهما الحجّة و الاعتصام، و يظهر بمعرفتهما سلوك آثار الأئمّة الكرام، عليهم السلام، و الفقهاء القوّام، و المجتهدين العظام. و ساق الكلام، الي أن ذكر أنّه ألّفه لخزانة السّيدين السندين، الأميرين الكبيرين، الأمير الجليل، كمال الملّة و الحقّ و الدين، و السيّد العضد النبيل، عماد الملّة و الحقّ و الدين، في كلام طويل- الي أن قال: - و رتّبته علي مقدّمة، و أقسام ثلاثة، و خاتمة.

ذكر في المقدّمة الأخبار النبويّة، التي فيها الترغيب في فعل العبادات، و الحثّ علي فعلها، و في الخاتمة ما يتعلّق بالأخلاق، أخرج كلّه من الكافي، و في الأقسام ذكر أبواب الفقه علي الترتيب، و كلّ ما فيها من الأحاديث أخرجه من الكتب الأربعة، بتوسّط كتب العلّامة، و الفخر، إلّا قليلا من النبويّات الموجودة فيها، مع الإشارة إلي التعارض و الترجيح، و بعض أقوالهما علي طريقة الفقهاء، و ذكر في آخر الكتاب طرقه و أسانيده، و في آخر المجلّد الأوّل منه:

هذا آخر المجلّد الأوّل من كتاب «درر اللآلئ العماديّة في الأحاديث الفقهيّة»، و يتلوه بعون اللّه و حسن توفيقه المجلّد الثاني منه، و به يتمّ الكتاب،

ص: 345

و أوّله: النوع الثاني فيما يتعلّق بالإيقاعات، و قد وقع الفراغ في هذا المجلّد نقلا عن النسخة المبيضة من المسودة، في أوّل ليلة الأحد، التاسع من شهر ربيع الثاني، أحد شهور سنة إحدي و تسعمائة، علي يد مؤلّفه، الفقير الي اللّه العفوّ الغفور، محمد بن علي بن أبي جمهور الأحساوي عفا اللّه عنه، و عن والده، و عن جميع المؤمنين و المؤمنات، إنّه غفور رحيم، و وقع كتابة هذا المجلّد بعد تأليف الكتاب، بولاية أستراباد- حميت من شرّ الأعداء- في فصل الشتاء، في قرية كلبان، و سروكلات- حماهما اللّه من الآفات، و صرف عنهما العاهات و البليّات- و كان تأليف الكتاب بتمامه في ذلك المكان، في أواخر شوّال من شهور سنة تسع و تسعين و ثمانمائة.

و بالجملة: فهو كتاب شريف، محتو علي فوائد طريفة، و نكات شريفة، خال عمّا توهّم في أخيه من الطّعن، فلاحظ و تبصّر.

ثم إنّ اسم الكتاب كما عرفت «درر اللآلئ العماديّة» فما في البحار، و الرياض، و المقابيس (1)، أنّه نثر اللآلئ و هم من الأوّل، و تبعه من بعده، و احتمال التعدّد بعيد غايته.4.

ص: 346


1- بحار الأنوار 1: 13، رياض العلماء 4: 347، مقابس الأنوار: 14.

50- تفسير الشيخ الجليل الأقدم، أبي عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الكاتب:

المعروف بابن زينب، و هو خبر واحد مسند عن أمير المؤمنين عليه السلام، في أنواع الآيات و أقسامها، و أمثلة الأقسام، اختصره علم الهدي السيّد المرتضي، وقف عليه صاحب الوسائل فأخرج ما فيه من الأحكام، و لم أجد في الأصل زائدا منه، و لذا قلّ رجوعنا إليه مع أنّ الكتاب في غاية الاعتبار، و صاحبه شيخ من أصحابنا الأبرار.

و لكن يجب التنبيه علي شي ء لا يخلو من غرابة، و هو أنّ العلّامة المجلسي قال في مجلّد القرآن من بحاره: باب ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في أصناف آيات القرآن و أنواعها، و تفسير بعض آياتها برواية النعماني، و هي رسالة مفردة مدوّنة، كثيرة الفوائد، نذكرها من فاتحتها الي خاتمتها: بسم اللّه الرحمن الرحيم. و ساقها الي آخرها.

ثم قال: أقول: وجدت رسالة قديمة مفتتحها هكذا: حدّثنا جعفر بن محمد بن قولويه القميّ- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد الأشعري أبو القاسم- رحمه اللّه- و هو مصنّفه: الحمد للّه ذي النعماء و الآلاء، و المجد و العزّ و الكبرياء، و صلّي اللّه علي محمد سيّد الأنبياء، و علي آله البررة الأتقياء، روي مشايخنا، عن أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: انزل القرآن علي سبعة أحرف كلّها شاف كاف، أمر، و زجر، و ترغيب، و ترهيب، و جدل، و قصص، و مثل» و ساق الحديث الي آخره، لكنّه غيّر الترتيب و فرّقه علي الأبواب، و زاد فيما بين ذلك بعض الأخبار، انتهي (1).

و الظاهر أنّ المراد من سعد، هو ابن عبد اللّه الأشعري، الثقة الجليل

ص: 347


1- بحار الأنوار 93: 1- 97.

المعروف، و عدّ النجاشي من كتبه كتاب «ناسخ القرآن و منسوخه و محكمه و متشابهه» (1) و عليه فيشكل ما في أوّل السند، فإنّ جعفر بن محمد بن قولويه (2) يروي عن سعد بتوسّط أبيه، الذي كان من خيار أصحاب سعد، فيمكن أن يكون قد سقط من السند قوله: عن أبيه، ثمّ لا يخفي أنّ ما في أوّل تفسير الجليل عليّ بن إبراهيم، من أقسام الآيات و أنواعها، هو مختصر هذا الخبر الشريف، فلاحظ و تأمّل.ظ.

ص: 348


1- رجال النجاشي: 177/ 467.
2- تنبيه: 1- روايته عن سعد ليست بواسطة أبيه فقط بل و أخيه أيضا، كما نبه علي ذلك النجاشي (123/ 178، 318/ 467) في ترجمة جعفر و سعد. 2- نقل النجاشي (123/ 318) في ترجمة جعفر عنه أنه روي أربعة أحاديث عن سعد بلا واسطة. و حكي عنه في ترجمة سعد (178/ 467) أنه روي عنه بلا واسطة حديثين. فمن المحتمل كون روايته عن سعد في الرسالة المذكورة أحد الحديثين اللذين لا ريب في روايته لهما عنه لأنهما القدر المتبقي، فلاحظ.

51- كتاب جامع الأخبار:

قد كتبنا في سالف الزمان، في كتابنا المسمّي «بنفس الرحمن» ما قيل فيه، فنذكره هنا إذ استقصينا فيه الكلام في اختلافهم في مؤلّفه، المردّد بين جماعة:

منهم: الصدوق، كما يظهر من بعض أسانيده، و صرّح به السيّد حسين المفتي الكركي المتقدّم ذكره في «دفع المناواة»، و هو ضعيف لا لما قيل:

إنّه يروي عنه بوسائط، لأنّه كثيرا ما يوجد في أسانيد الكتب القديمة أمثال ذلك من تلامذة المصنّف و رواة الكتب، بل لأنّه نقل فيه عن سديد الدين محمود الحمّصي (1)، الذي هو متأخّر عن الصدوق بطبقات عديدة، و فيه أيضا هكذا:

في أمالي الشيخ أبي جعفر، الي آخره (2)، مضافا الي بعد وضع الكتاب عن طريقة الصدوق في كتبه.

و منهم: الشيخ أبو الحسن علي بن أبي سعد بن أبي الفرج الخيّاط، احتمله المجلسي في البحار، لما قاله الشيخ منتجب الدين في فهرسته: إنّ له كتاب جامع الأخبار (3)، و فيه أنّه قال بعد هذا الكلام: أخبرنا به الوالد، عنه (4). مع أنّ منتجب الدين من تلامذة الحمصي، فلعلّ هذا كتاب آخر.

و صرّح المتبحّر صاحب الرياض أنّ نسخ جامع الأخبار مختلفة، فلاحظ (5).

قلت: و هو كذلك، فإنّ بعضها مبوّبة بأبواب، و لكلّ باب فصول، و بعضها أكبر منها لكنها غير مبوّبة، و إنما قسّمها بالفصول.

و منهم: محمد بن محمد الشعيري، اختاره الفاضل صاحب الرياض،

ص: 349


1- جامع الأخبار: 163.
2- جامع الأخبار: 96.
3- بحار الأنوار 1: 14.
4- فهرست منتجب الدين: 121/ 257.
5- رياض العلماء 5: 121.

قال في ترجمة عليّ بن سعد: إن جامع الأخبار لمحمد بن محمد الشعيري، و قد صرّح صاحب الكتاب نفسه في فصل تقليم الأظفار، بأنّ اسم مؤلّفه محمد بن محمد (1).

و قال في ترجمة صاحب مكارم الأخلاق: إنّ نسبة جامع الأخبار إليه- كما سيأتي- إن كان المراد منه النسخ المشهورة فهو سهو ظاهر، لأنّه يقول في بحث تقليم الأظفار- أعني في الفصل الرابع و الستين-:

قال محمد بن محمد- مؤلّف هذا الكتاب-: قال أبي في وصيّته إليّ: قلّم أظفارك، الي آخره (2).

و من الغرائب أنّ بعضهم توهّم من آخر تلك العبارة المنقولة أنّه من مؤلّفات الصدوق، و غفل عن أوّلها، فإنّ اسم الصدوق محمد بن عليّ.

و أغرب منه قول بعضهم: إنّه من مؤلّفات والد هذا الشيخ، أعني الشيخ أبا عليّ الطبرسي (3).

قلت: ليس الكلام المنقول في النسخة الأخري، و الموجود في النسخة الكبيرة، إنّما هو في الفصل الثامن و السبعين.

و قال أيضا في ترجمة عليّ بن أبي سعد، بعد نقل ما في المنتجب، و ما ذكره أستاذه في أوّل البحار: الظاهر أنّ هذا الكتاب غير كتاب جامع الأخبار المشهور:

أمّا أوّلا: فلأنّ في أثناء ذلك الكتاب صرّح نفسه بأنّ مؤلّفه محمد بن محمد.

و أمّا ثانيا: فلما سيجي ء في ترجمة شمس الدين محمد بن محمد بن حيدر الشعيري، أنّه مؤلّف ذلك الكتاب مع الخلاف في ذلك أيضا.8.

ص: 350


1- رياض العلماء 4: 99.
2- جامع الأخبار: 142.
3- رياض العلماء ج 1: 298.

و أمّا ثالثا: فلما يظهر من مطاوي ذلك الكتاب أنّه من مؤلّفات المتأخّرين عن الشيخ منتجب الدين و أمثاله، فلاحظ. ثمّ قال: إنّ ما يظهر من كلام الأستاذ الاستناد- أنّه من مؤلّفات محمد بن محمد الشعيري- ليس بصريح، لأنّ أصل العبارة في الكتاب ليس إلّا محمد بن محمد، و هو مشترك، و لا يختصّ بالشعيري (1) و في كلامه تشويش لا يخفي.

و منهم: العالم الجليل جعفر بن محمد الدوريستي، نقله الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي في رسالة الرجعة، عن المجلسي، و عن بعض مشايخه.

و النقل الأوّل غريب لأنّه قال في البحار: و يظهر من بعض مواضع الكتاب أنّ اسم مؤلّفه محمد بن محمد الشعيري، و من بعضها أنّه يروي عن الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي بواسطة، انتهي (2).

و هو كما ذكره، و يظهر ضعف هذه النسبة بما تقدّم، إذ جعفر بن محمد من تلامذة المفيد، و الحمصي متأخّر عنه جدّا.

و منهم: الحسن بن محمد السبزواري، قال الشيخ المتقدّم: قال بعض المشايخ: وقفت علي نسخة صحيحة عتيقة جدّا، في دار السلطنة أصفهان، و فيها تمّ الكتاب علي يد مصنّفه الحسن بن محمد السبزواري.

و منهم: الشيخ المفسّر أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن بن أبي الفضل الطبرسي، نقله صاحب الرياض عن بعضهم كما عرفت (3)، و استغربه، و هو في محلّه.

و منهم: ولده أبو نصر الحسن- صاحب مكارم الأخلاق- نسبه إليه من غير تردّد الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، في كتاب «إيقاظ الهجعة في إثبات الرجعة» كما رأيته بخطّه الشريف، مع أنّه كان عنده من الكتب8.

ص: 351


1- رياض العلماء 3: 333.
2- بحار الأنوار 1: 14.
3- رياض العلماء 1: 298.

المجهولة، و لذا لم ينقل عنه في الوسائل.

و قال في ترجمته في أمل الآمل: و ينسب إليه أيضا كتاب جامع الأخبار، و ربّما ينسب الي محمد بن محمد الشعيري، لكن بين النسختين تفاوت (1). و لم أقف علي مستنده في الجزم بالنسبة في الإيقاظ.

و قال في البحار: و قد يظنّ كونه تأليف مؤلّف مكارم الأخلاق (2). و ممّن نسبه إليه السيّد الأجلّ بحر العلوم، علي ما وجدته بخطّه الشريف في فهرست كتبه.

قلت: في النسختين في فصل فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: حدّثنا الحاكم الرئيس الإمام، مجد الحكّام أبو منصور عليّ بن عبد الواحد الزيادي- أدام اللّه جلاله و جماله، إملاء في داره يوم الأحد، الثاني من شهر اللّه الأعظم رمضان سنة ثمان و خمسمائة- قال: حدّثنا الشيخ الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الدوريستي- إملاء- أورد القصّة مجتازا في أواخر ذي الحجّة، سنة أربع و سبعين و أربعمائة، الي آخره (3).

و وفاة أمين الإسلام الفضل، والد صاحب المكارم في سنة ثمانية و أربعين، أو اثنتين و خمسين بعد خمسمائة، فصاحب الجامع تلائم طبقته طبقة الوالد لا الولد، إلّا علي تكلّف، مع أنّه ألّفه بعد مضي خمسين من عمره و لم ينقل فيه عن والده شيئا، و مع اتفاق المكارم و حسن ترتيبه بخلافه، فربّما يستبعد من جميع ذلك كونه له.

و الذي يهوّن الخطب قلّة ما فيه من الأخبار المحتاجة إلي النظر في أسانيدها، مع أنّ المعلوم من جميع ما مرّ كونه من مؤلّفات علماء المائة الخامسة، الداخلة في عموم من زكّاهم الشهيد- رحمه اللّه- في درايته (4) و اللّه العالم.3.

ص: 352


1- أمل الآمل 2: 75/ 203.
2- بحار الأنوار 1: 14.
3- جامع الأخبار: 11.
4- الرعاية: 192، 193.

52- كتاب الشهاب:

للقاضي أبي عبد اللّه محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المغربي القضاعي، المحدّث المعروف، و المعاصر للشيخ الطوسي رحمه اللّه و أضرابه، المتوفي سنة أربع و خمسين و أربعمائة، و هو مقصور علي الكلمات الوجيزة النبويّة.

قال في أوّله بعد الحمد: فإنّ في الألفاظ النبويّة، و الآداب الشرعيّة جلاء لقلوب العارفين، و شفاء لأدواء الخائفين، لصدورها عن المؤيّد بالعصمة، المخصوص بالبيان و الحكمة، الذي يدعو إلي الهدي، و يبصّر من العمي، و لا ينطق عن الهوي، صلّي اللّه عليه و آله أفضل ما صلّي علي أحد من عباده الذين اصطفي، و قد جمعت في كتابي هذا ممّا سمعت من حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ألف كلمة من الحكمة، في الوصايا، و الآداب، و المواعظ، و الأمثال، قد سلمت من التكلّف مبانيها، و بعدت عن التعسّف معانيها، و بانت بالتأييد عن فصاحة الفصحاء، و تميّزت بهدي النّبوة عن بلاغة البلغاء، و جعلتها مسرورة يتلو بعضها بعضا، محذوفة الأسانيد، مبوّبة أبوابا علي حسب تقارب الألفاظ، ليقرب تناولها، و يسهل حفظها، ثمّ زدتها مائتي كلمة، و ختمت الكتاب بأدعية مرويّة عنه صلّي اللّه عليه و آله و أفردت الأسانيد جميعها كتابا يرجع في معرفتها إليه، انتهي.

و هذا الكتاب صار مطبوعا شائعا بين الخاصّة و العامّة، و قد شرحه جماعة من علماء الفريقين.

فمن الخاصّة: العالم الجليل السيّد ضياء الدين فضل اللّه بن عليّ بن عبيد اللّه الحسني الراوندي، سمّاه «ضوء الشهاب في شرح الشهاب» ينقل عنه في البحار كثيرا.

ص: 353

و منهم: أفضل الدين الشيخ حسن بن عليّ بن أحمد الماهابادي، قال منتجب الدين: إنّه علم في الأدب، فقيه، و عدّ من كتبه «شرح الشهاب» (1).

و منهم: برهان الدين أبو الحارث محمد بن أبي الخير عليّ بن أبي سليمان ظفر الحمداني، عدّ في المنتجب من كتبه «شرح الشهاب» (2).

و منهم: قطب الدين سعيد بن هبة اللّه الراوندي، عدّ في المنتجب من كتبه «ضياء الشهاب في شرح الشهاب» (3).

و منهم: الشيخ أبو الفتوح الحسين بن عليّ بن محمد الخزاعي، عدّ في المنتجب من كتبه «روح الأحباب و روح الألباب في شرح الشهاب» (4) و كذا ابن شهرآشوب في معالم العلماء (5). و غير هؤلاء الأعلام ممّا يجده المتتبّع.

و أمّا من العامّة: ففي كشف الظنون: لخّصه الشيخ نجم الدين الغيطي محمد بن أحمد الاسكندري، المتوفّي سنة أربع و ثمانين و تسعمائة، و أصلحه الامام حسن بن محمد الصغاني، و سمّاه «كشف الحجاب عن أحاديث الشهاب» وضع علامة للصحيح، و الضعيف، و المرسل، و رتّبه علي الأبواب كالمشارق، و قد أوصي ابن الأثير في «المثل السائر» بمطالعته للكاتب الفقيه، و له ضوء الشهاب.

و شرحه أبو المظفّر محمد بن أسعد- المعروف بابن الحكيم الحنفي- المتوفّي سنة سبع و ستّين و خمسمائة.

و شرحه الشيخ عبد الرؤوف المناوي شرحا ممزوجا، و سمّاه «رفع النقاب عن كتاب الشهاب» لكنّ الأميني الشامي قال في ترجمته: و رتّب كتاب7.

ص: 354


1- فهرست منتجب الدين: 50/ 93.
2- فهرست منتجب الدين: 161/ 378.
3- فهرست منتجب الدين: 87/ 186.
4- فهرست منتجب الدين: 45/ 78.
5- معالم العلماء: 141/ 987.

الشهاب للقضاعي و شرحه، و سمّاه «إمعان الطلّاب بشرح ترتيب الشهاب» و له ترتيب أحاديثه علي ترتيب «جامع الصغير» و رموزه.

و من شروحه «حلّ الشهاب» و شرحه بعضهم أوّله: الحمد للّه الذي جعل سنّة نبيّه مشكاة لاقتباس أنوار الرشد و الهدي، الي آخره.

و شرحه ابن وحشي محمد بن الحسين الموصلي.

و اختصر هذا الشرح الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن الوادياشي، المتوفّي سنة سبعين و خمسمائة.

و شرحه الأستاذ أبو القاسم بن إبراهيم الورّاق العابي شرحا بالقول.

و رتّبه السيوطي كترتيب الجامع الصغير له، و سمّاه «إسعاف الطلّاب بترتيب الشهاب» انتهي. و صرّح في أوّل كلامه بشافعيّة القاضي (1).

و قال في البحار: كتاب الشهاب، و إن كان من مؤلّفات المخالفين، لكنّ أكثر فقراته مذكورة في الخطب و الأخبار المرويّة من طرقنا، و لذا اعتمد عليه علماؤنا، و تصدّوا لشرحه.

و قال الشيخ منتجب الدين: السيّد فخر الدين شميلة بن محمد بن هاشم الحسيني، عالم صالح، روي لنا كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد اللّه محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، عنه (2).

هذا و ربّما يستأنس لتشيّعه بأمور:

منها: توغّل الأصحاب علي كتابه، و الاعتناء به، و الاعتماد عليه، و هذا غير معهود منهم بالنسبة إلي كتبهم الدينيّة، كما لا يخفي علي المطّلع بسيرتهم.

و منها: إنّه قال في خطبة الكتاب بعد ذكر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:2.

ص: 355


1- كشف الظنون 2: 1067، 1068.
2- بحار الأنوار 1: 42.

أذهب اللّه عنهم الرجس، و طهّرهم تطهيرا (1). و لم يعطف عليهم الأزواج و الصحابة، و هذا بعيد عن طريقة مؤلّفي العامّة غايته.

و منها: إنّه ليس في تمام هذا الكتاب من الأخبار الموضوعة في مدح الخلفاء، سيّما الشيخين، و الصحابة، خبر واحد مع كثرتها، و حرصهم في نشرها و درجها في كتبهم بأدني مناسبة، مع أنّه روي فيه قوله صلّي اللّه عليه و آله: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، و من تخلّف عنها غرق» (2).

و منها: إنّ جلّ ما فيه من الأخبار موجود في أصول الأصحاب و مجاميعهم، كما أشار إليه المجلسي أيضا (3)، و ليس في باقيه ما ينكر و يستغرب، و ما وجدنا في كتب العامّة له نظيرا و مشابها.

و بالجملة: فهذا الكتاب في نظري القاصر في غاية الاعتبار، و إن كان مؤلّفه في الظاهر- أو واقعا- غير معدود من الأخيار.

و قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء: القاضي أبو عبد اللّه محمد بن سلام القضاعي، عامّي، له «دستور الحكم في مأثور معالم الكلم» و هو مجموع من كلام أمير المؤمنين عليه السلام (4) و فيه أيضا تأييد لما قلنا.

و قال العلّامة في الإجازة الكبيرة لبني زهرة: و من ذلك جميع كتاب الشهاب للقاضي أبي عبد اللّه محمد بن سلامة القضاعي المغربي، و باقي مصنّفاته و رواياته عنّي، عن والدي- رحمه اللّه- عن السيّد فخار بن معد الموسوي، عن القاضي ابن الميداني، عن القاسم بن الحسين، عن القاضي7.

ص: 356


1- شهاب الأخبار، المقدمة: ه.
2- شهاب الاخبار (شرح الشهاب): 156/ 849.
3- بحار الأنوار 1: 42.
4- معالم العلماء: 118/ 787.

أبي عبد اللّه المصنف (1).

هذا و لعلّ من يقف علي بعض شروحه التي أشرنا إليها، يجد لاعتباره قرائن خفيت علينا.8.

ص: 357


1- بحار الأنوار 107: 78.

53- كتاب المزار:

قال في البحار: كتاب كبير في الزيارات، تأليف محمد بن المشهدي، كما يظهر من تأليفات السيّد ابن طاوس، و اعتمد عليه و مدحه، و سمّيناه بالمزار الكبير، و قال في الفصل الآخر: و المزار الكبير يعلم من كيفيّة إسناده أنّه كتاب معتبر، و قد أخذ منه السيّدان ابنا طاوس كثيرا من الأخبار و الزيارات.

و قال الشيخ منتجب الدين في الفهرست: أبو البركات محمد بن إسماعيل المشهدي، فقيه، محدّث، ثقة، قرأ علي الإمام محيي الدين الحسين ابن المظفّر الحمداني، [و قال في ترجمة الحمداني:] أخبرنا بكتبه السيّد أبو البركات المشهدي، انتهي (1).

و مراده من ابني طاوس: السيّد رضيّ الدين عليّ في مزاره، و السيّد عبد الكريم في فرحة الغري.

و ما استظهره من أنّه الذي ذكره في المنتجب كأنّه في غير محلّه، فإنّ المذكور في المنتجب هو السيّد ناصح الدين أبو البركات، الذي ينقل عنه أبو نصر الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق بهذا العنوان: من مسموعات السيّد الإمام ناصح الدين أبي البركات المشهدي (2).

و كذا ولده عليّ في كتاب مشكاة الأنوار كثيرا، تارة بهذا العنوان: من مجموع السيّد ناصح الدين أبي البركات، و اخري: من كتاب السيّد ناصح الدين أبي البركات، و ثالثة: من كتاب السيّد الإمام ناصح الدين أبي البركات (3).

ص: 358


1- بحار الأنوار 1: 18، 35. و انظر فهرست منتجب الدين: 163/ 387 و 43/ 73.
2- مكارم الأخلاق: 281.
3- مشكاة الأنوار: 24، 174، 200، 228.

و قال القطب الراوندي في الخرائج: أخبرنا السيّد أبو البركات محمد بن إسماعيل المشهدي، عن الشيخ جعفر الدوريستي، عن المفيد (1).

و بالجملة: فهو مذكور في كتب الأصحاب بكنية أبي البركات، و لقبه ناصح الدين، و بالإمامة و السيادة معروف بها لا بعنوان المشهدي، بخلاف صاحب المزار فإنّه معروف به لا غير.

ففي فرحة الغري: و ذكر محمد بن المشهدي في مزاره، أنّ الصادق عليه السلام علّم محمد بن مسلم الثقفي هذه الزيارة- الي أن قال-: و قال ابن المشهدي أيضا ما صورته. الي آخره (2).

و صاحب الرياض ذكر السيّد المذكور تارة بعنوان السيّد ناصح الدين أبو البركات المشهدي، و اخري بعنوان السيّد أبو البركات المشهدي، و حكم باتّحادهما، بل و اتّحادهما مع السيّد أبي البركات العلوي، الذي نقل صاحب تبصرة العوام قصّة مناظرته في الإمامة مع أبي بكر بن إسحاق الكرامي (3)، و مع ذلك لم يحتمل كونه صاحب المزار، و هو من الكتب المعروفة.

و كذا صاحب المنتجب، لم يسند إليه المزار (4)، و لا كتابه الآخر الذي أشار إليه في آخر آداب المدينة من المزار، قال فيه: ثمّ تصلّي في مسجد المباهلة ما استطعت، و تدعو فيه بما تحبّ، و قد ذكرت الدعاء بأسره في كتابي المعروف «ببغية الطالب و إيضاح المناسك لمن هو راغب في الحجّ»، فمن أراده أخذه من هناك ففيه كفاية (5).

و منه يظهر أنّه معدود في زمرة الفقهاء، كما أنّه يظهر من صدر كتابه9.

ص: 359


1- الخرائج و الجرائح 2: 797/ 7.
2- فرحة الغري: 93- 94.
3- رياض العلماء 5: 423، و انظر: تبصرة العوام: 70.
4- فهرست منتجب الدين: 163/ 387.
5- المزار الكبير: 119.

الاعتماد علي كلّ ما أودعه فيه، و إنّ ما فيه من الزيارات كلّها مأثورة، و إن لم يستند بعضها إليهم عليهم السلام في محلّه.

قال بعد الخطبة: فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد، و ما ورد في الترغيب في المساجد المباركات، و الأدعية المختارات، و ما يدعي به عقيب الصلوات، و ما يناجي به القديم تعالي، من لذيذ الدعوات في الخلوات، و ما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات، ممّا اتّصلت به من ثقات الرواة إلي السادات، و حثّني الي ذلك أيضا. إلي آخره (1).

و الذي أعتقده أنّه من مؤلّفات محمد بن جعفر المشهدي، و هو بعينه محمد بن جعفر الحائري، و إن جعل في أمل الآمل له عنوانين، و ظنّه اثنين، قال فيه: الشيخ محمد بن جعفر الحائري فاضل جليل، له كتاب «ما اتّفق من الأخبار في فضل الأئمّة الأطهار، عليهم السلام» - الي أن قال- الشيخ محمد ابن جعفر المشهدي كان فاضلا محدّثا، صدوقا، له كتب، يروي عن شاذان ابن جبرائيل القمّي، انتهي (2).

و الذي يبيّن ما ادّعيناه أنّا عثرنا علي مزار قديم، يظهر من بعض أسانيده أنّه في طبقته، و طبقة الشيخ الطبرسي صاحب الاحتجاج، و النسخة عتيقة، يظنّ أنّه كتبت في عصر مؤلّفه، و فيه فوائد حسنة جميلة (3)، و يظهر منه غاية).

ص: 360


1- المزار الكبير: 3.
2- أمل الآمل 2: 252/ 253/ 744، 747.
3- منها: أنّ أعمال مسجد الكوفة، و الأدعية المخصوصة بمقاماتها الشريفة- الموجودة في كتب المزار من غير نسبتها الي المعصوم عليه السلام- مروية و ليست من مؤلفات الأصحاب كما احتمله المجلسي رحمه اللّه، و لذا لم يوردها في كتاب التحفة الذي لم يجمع فيه إلّا ما نسب إليهم عليهم السلام، فإنّه من أول الكتاب ساق أعمال المقامات علي الترتيب المعهود، و ذكر لكلّ مقام دعاء طويلا، و بعد الفراغ منها قال: أعمال الكوفة برواية أخري، ثم ساق الأعمال المعروفة، فيظهر أنّ كليهما مرويان. و منها: ان السيد علي بن طاوس ذكر في مصباح الزائر [164] في زيارات أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام ما لفظه: زيارة بألفاظ شافية يذكر فيها بعض مصائب يوم الطف، يزار بها الحسين صلوات اللّه عليه، زاره بها المرتضي علم الهدي. الي آخره، و ساق زيارة طويلة مشتملة علي آداب و كيفيات و صلاة مخصوصة و أكثر مضامين الزيارة الناحية القائمة. قال المجلسي في البحار: [بحار الأنوار 101: 231- 251/ 38] زيارة اخري أوردها السيد و غيره، و الظاهر انه من تأليف السيد المرتضي رضي اللّه عنه، و قال بعد شرح مشكلات الزيارة: و الظاهر ان هذه الزيارة من مؤلفات السيد و المفيد رحمهما اللّه، و لعله وصل إليهما خبر في كيفية الصلاة، فإنّ الاختراع فيها غير جائز انتهي. و في المزار المذكور: زيارة أخري يختص بالحسين عليه السلام- و هي مروية بأسانيد- و هي أول زيارة زار بها المرتضي علم الهدي. إلي آخره. فظهر أن ما استظهره العلامة المجلسي في غير محله، و بين ما أورده و أورداه اختلافا بعد زيارة علي بن الحسين عليه السلام لا يضر بالمقصود. و منها: أن الزيارة الطويلة الغديرية المروية عن أبي محمّد العسكري، عن أبيه عليهما السلام مرسلة في كتب المزار، و الأصل فيها المفيد و السيد في مزاريهما. و في المزار المذكور: زيارة اخري لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هي الزيارة التي زارها مولانا الهادي عليه السلام في يوم الغدير، وقفت عليها مروية عن شاذان بن جبرئيل القمي، عن الفقيه العماد محمّد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ أبي علي الحسن، عن السعيد والده أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدس اللّه روحه، عن الشيخ المجيد محمّد ابن محمّد بن النعمان، المفيد، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن الشيخ أبي القاسم بن روح، عن الشيخ الجليل عثمان بن سعيد العمري قدس اللّه أرواحهم، عن مولانا أبي محمّد الحسن بن علي العسكري، عن مولانا أبيه علي بن محمّد الهادي عليهما السلام. الي آخره. و هذا سند لا يوجد نظيره في الصحة، و ذكره السيد عبد الكريم في فرحة الغري [111] قال: أخبرني والدي و عمي رضي اللّه عنهما، عن محمّد بن نما، عن محمّد بن جعفر، عن شاذان ابن جبرئيل. الي آخره. و في مزار المشهدي [359] المذكور: أخبرني الفقيه الأجل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي. الي آخره، إلّا أنّ فيهما علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي القاسم بن روح و عثمان بن سعيد العمري. الي آخره. و فيه مخالفة لسند المزار القديم من جهتين، و الثاني أقرب إلي الاعتبار. و العجب أن العلامة المجلسي نقل الزيارة عن مزار المفيد مرسلا و شرحها (البحار 100: 359- 368، ح 6) و لم يشر إلي هذا السند الصحيح العالي الموجود في الكتابين الموجودين عنده نقل عنهما كثيرا (منه نور اللّه قلبه).

اعتباره و اعتبار مؤلّفه، و أظنّه القطب الراوندي، لملاءمة الطبقة، و عدّ

ص: 361

الأصحاب من كتبه كتاب المزار، و قد نقل فيه جملة من الأخبار المختصّة سندا و متنا بمزار محمد بن المشهدي، كما يظهر من مزار البحار.

و عبّر عنه في موضع هكذا: حدث أبو عبد اللّه محمد بن جعفر الحائري- رضي اللّه عنه- قال: حدّثني الشيخ الجليل أبو الفتح- المقيم بالجامع- الي آخر ما في مزار المشهدي.

و في موضع: ثم تخرج الي ظاهر الكوفة، و تتياسر الي مسجد جعفي، و هو غربيّ مسجد النجار، فيه منارة لا رأس لها، فتصلّي فيه أربع ركعات، فقد روي أبو عبد اللّه محمد بن جعفر الحائري باتّصال الإسناد الي أبي الحسن عليّ بن ميثم، الي آخر ما في المزار المذكور. و النسبة إلي البلدين غير عزيزة بين الرواة و الأصحاب، كما لا يخفي علي المصطلع الخبير، بل نسبه إليهما الشيخ الجليل حسين بن العالم الأكمل عليّ بن حمّاد، في إجازته لنجم الدين خضر بن نعمان المطارآبادي، قال فيها: و من ذلك ما رواه- يعني والده- عن الشيخ محمد بن جعفر بن عليّ بن جعفر المشهدي الحائري، الي آخره.

و كذلك المحقّق النقّاد صاحب المعالم في إجازته الكبيرة، قال: و بالإسناد عن الشيخ نجيب الدين محمد- يعني محمد بن جعفر بن نما- عن الشيخ السعيد أبي عبد اللّه محمد بن جعفر المشهدي الحائري، جميع كتبه و رواياته، الي أن قال:

و عن الشيخ أبي عبد اللّه محمد بن جعفر المشهدي، عن الشيخ الزاهد أبي الحسين ورّام، الي آخره.

و عن ابن جعفر، عن الشيخ الفقيه أبي الحسين يحيي بن الحسن بن البطريق، و عدّ مؤلّفاته و قال: و حكي الشيخ نجم الدين بن نما، عن والده،

ص: 362

أنّ الشيخ محمد بن جعفر قرأ هذه الكتب المعدودة، و كتبا اخري من تصانيف أبي الحسين بن البطريق عليه، و أجاز له جميع رواياته و مؤلّفاته.

و بالإسناد أيضا عن الشيخ محمد بن جعفر المشهدي، عن الشيخ المقرئ أبي عبد اللّه محمد بن هارون- المعروف والده بالكال- جميع كتبه و رواياته، ثمّ عدّ كتبه و قال: و عن ابن جعفر، عن الشيخ الفقيه أبي محمد جعفر بن أبي الفضل بن شعرة الجامعاني جميع رواياته.

و عن ابن جعفر أيضا، عن الشيخ الفقيه أبي عبد اللّه الحسين بن أحمد ابن ردة جميع رواياته.

و عن ابن جعفر، عن الشريف الأجلّ شرفشاه بن محمد بن زيادة، و الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرائيل، عن الشريف محمد- المعروف بابن الشريف- الجمل البحري (1)، عن البصروي، كتاب المفيد في التكليف له، و كانت رواية ابن جعفر للكتاب، عن السيد شرفشاه و أبي الفضل شاذان، قراءة عليهما في شهر رمضان، سنة ثلاث و سبعين و خمسمائة. إلي أن قال:

و ذكر الشيخ نجم الدين بن نما في الإجازة المذكورة سابقا، أنّ والده أجاز له أن يروي عنه، عن الشيخ محمد بن جعفر المشهدي كتاب «إزاحة العلّة في معرفة القبلة من سائر الأقاليم» تصنيف الشيخ الفقيه أبي الفضل شاذان بن جبرائيل رحمه اللّه عن مصنّفه رضي اللّه عنه. إلي ان قال: و ذكر الشيخ نجم الدين بن نما أنّه يروي المقنعة للمفيد بالإجازة، عن والده، عن محمد ابن جعفر المشهدي.

و حكي عن محمد بن جعفر أنّه قال: إنّه قرأها و لم يبلغ العشرين علي الشيخ المكين أبي منصور محمد بن الحسن بن منصور النقّاش الموصلي، و هوي.

ص: 363


1- بحار الأنوار 109: 23: الهجري.

طاعن في السنّ، و أخبره أنّه قرأها في أوّل عمره علي الشريف النقيب المحمّدي بالموصل، و هو يومئذ طاعن في السنّ، و أخبره أنّه قرأها في أوّل عمره علي المصنّف، انتهي (1).

و يظهر منه أنّه- رحمه اللّه- من أعاظم العلماء، واسع الرواية، كثير الفضل، معتمد عليه، كما أنّه يظهر ممّا ذكرنا من خطبة كتابه، أنّ كلّ ما فيه من الدعوات و الزيارات مأثورة عنهم عليهم السلام، و منها أعمال مسجد الكوفة، و الزيارات المختصّة بأبي عبد اللّه عليه السلام في الأيّام المخصوصة و يأتي تتمّة الكلام في ترجمة رضيّ الدين بن طاوس رحمه اللّه، و في مشايخ ابن نما- شيخ المحقّق- شرح مشايخ محمد بن المشهدي، فلاحظ.5.

ص: 364


1- بحار الأنوار 109: 21- 45.

54- كتاب تأريخ قم:

تأليف الشيخ الأقدم الحسن بن محمد.

قال في الرياض: الشيخ الجليل الحسن بن محمد بن الحسن القميّ، من أكابر قدماء علماء الأصحاب، و من معاصري الصدوق، و يروي عن الشيخ حسين بن عليّ بن بابويه- أخي الصدوق- بل عنه أيضا، فلاحظ.

و له كتاب «تأريخ قم» و قد عوّل عليه الأستاذ- قدّس سرّه- في البحار، و قال: إنّ كتابه معتبر، و ينقل عن كتابه المذكور في مجلّد المزار من البحار، لكن قال: إنّه لم يتيسر لنا أصل الكتاب، و إنّما وصل إلينا ترجمته، و قد أخرجنا بعض أخباره في كتاب السماء و العالم (1)، انتهي.

أقول: و يظهر من رسالة الأمير المنشئ في أحوال بلدة قم، و مفاخرها و مناقبها، أنّ اسم صاحب هذا التأريخ هو الأستاذ أبو علي الحسن بن محمد ابن الحسين الشيباني القمي، فتأمّل.

ثمّ أقول: سيجي ء في باب الميم ترجمة محمد بن الحسن القمّي، و ظنّي أنّه والد هذا الشيخ، فلا تغفل.

و قد يقال: إنّه العمي- بالعين المهملة المفتوحة- فهو غيره.

و اعلم أنّي رأيت نسخة من هذا التاريخ بالفارسيّة في بلدة قم، و هو كتاب كبير جيّد، كثير الفوائد، في مجلّدات، محتو علي عشرين بابا، و يظهر منه أنّ مؤلّفه بالعربيّة إنّما هو الشيخ حسن بن محمد المذكور، و سمّاه كتاب قم، و قد كان في عهد الصاحب بن عبّاد، و ألّف هذا التاريخ له، و قد ذكر في أوّله كثيرا من أحواله و خصاله و فضائله، ثمّ ترجمه الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك (2) القمّي بالفارسيّة، بأمر الخواجه فخر الدين إبراهيم بن الوزير الكبير

ص: 365


1- بحار الأنوار 1: 42.
2- في الرياض: عبد اللّه.

الخواجه عماد الدين محمود بن الصاحب الخواجه شمس الدين محمد بن علي الصفّي، في سنة ثمانمائة و خمسة و ستّين.

ثم إنّ لهذا المورّخ الفاضل- أعني مؤلّف الأصل- أخا فاضلا، و هو أبو القاسم عليّ بن محمد بن الحسن الكاتب القمي، كما يظهر من هذا الكتاب أيضا، و أكثر فوائد هذا الكتاب ما يتعلّق بأحوال خراج قم، و بعض أحواله منه، انتهي (1).

قلت: و يظهر من كتاب فضائل السادات، المسمّي بمنهاج الصفوي، تأليف السيّد العالم المتبحّر، الأمير سيّد أحمد الحسيني، سبط المحقّق الكركي، و ابن خالة المحقّق الداماد و صهره علي بنته، صاحب مصقل الصفا في الردّ علي النصاري و غيره، أنّ لهذا الكتاب ترجمة اخري ينقل فيها عنها. كما أنّه يظهر منه أنّ النسخة العربيّة كانت عنده.

و هذا الكتاب مشتمل علي عشرين بابا، و الذي وصل إلينا منه ثمانية أبواب، و يظهر من فهرست أبوابه أنّ فيه فوائد جميلة، خصوصا: الباب الحادي عشر منه، الذي ذكر أنّه يذكر فيه واحدا و مائتين من أخبار قم، و الباب الثاني عشر منه، الذي ذكر أنّه يذكر فيه أسامي علماء قم، و مصنّفاتهم و رواياتهم، و هم مائتان و ستّة و ستّون، الي تأريخ التصنيف الذي كان في سنة ثمان و سبعين و ثلاثمائة، رزقنا اللّه تعالي العثور عليه.

و قد نقل عن أصل الكتاب أيضا العالم الجليل، الآغا محمد علي، ابن الأستاذ الأكبر البهبهاني في حواشي نقد الرجال كما وجدناه بخطّه الشريف.8.

ص: 366


1- رياض العلماء 1: 318.

55- كتاب الخصائص:

تأليف السيد رضي الدين، محمّد بن الحسين الموسوي، جامع نهج البلاغة، و هو الذي قال في حقّه في أوّل النهج: فإنّي كنت في عنفوان السنّ، و غضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمّة عليهم السلام يشتمل علي محاسن أخبارهم، و جواهر كلامهم، حداني إليه غرض ذكرته في صدر الكتاب، و جعلته أمام الكلام، و فرغت من الخصائص التي تخصّ أمير المؤمنين عليّا عليه السلام، و عاقت عن إتمام بقيّة الكتاب محاجزات الأيّام، و مماطلات الزمان، و كنت قد بوّبت ما خرج من ذلك أبوابا، و فصّلته فصولا، فجاء في آخرها: فصل يتضمّن محاسن ما نقل عنه عليه السلام من الكلام القصير، في المواعظ، و الحكم، و الأمثال، و الآداب. إلي آخره (1).

و الذي ذكره في صدر الكتاب، هو ما قال بعد ذكر ميلة و قصده الي جمعه ما لفظه: الي أن أنهضني الي ذلك اتّفاق اتّفق لي، فاستثار حميّتي، و قوّي نيّتي، و استخرج نشاطي، و قدح زنادي، و ذلك أنّ بعض الرؤساء ممّن غرضه القدح في صفاتي، و الغمز لقناتي، و التغطية علي مناقبي، و الدلالة علي مثلبة إن كانت لي، لقيني و أنا متوجّه عشيّة عرفة، من سنة ثلاث و ثمانين و ثلاثمائة هجرية، إلي مشهد مولانا أبي الحسن موسي بن جعفر، و أبي جعفر محمد بن علي بن موسي عليهما السلام، للتعريف هناك، فسألني عن متوجّهي، فذكرت له إلي أين قصدي.

فقال لي: متي كان ذلك؟! يعني أنّ جمهور الموسويّين جارون علي منهاج واحد في القول بالوقف، و البراءة ممّن قال بالقطع.

و هو عارف بأنّ الإمامة مذهبي، و عليها عقدي و معتقدي، و إنّما أراد التنكيت لي، و الطعن عليّ بديني.

ص: 367


1- شرح نهج البلاغة لمحمد عبده 1: 2 المقدمة.

فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه، و استدعاه خطابه، وعدت و قد قوي عزمي علي عمل هذا الكتاب، إعلانا لمذهبي، و كشفا عن مغيّبي، و ردّا علي العدوّ الذي يتطلب عيبي، و يروم ذمّي و قصبي، انتهي (1).

و يروي فيه عن أبي محمد هارون بن موسي التلعكبري رحمهما اللّه تعالي (2).5.

ص: 368


1- خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 3.
2- خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 25.

56- كتاب سعد السعود:

للسيّد الأجلّ عليّ بن موسي بن جعفر الطاوس، و هو كتاب لطيف بديع.

قال في أوّله: فإنّي وجدت في خاطري يوم الأحد في ذي القعدة، سنة إحدي و خمسين و ستمائة، اعتبرته بميزان الإلهيّة، و وجدان الألطاف الربّانيّة، فوجدته واردا عن تلك المراسم، و عليه أرج أنوار هاتيك المعالم و المواسم، في أن اصنّف كتابا اسميّه «سعد السعود» للنفوس منضود، من كتب وقف علي ابن موسي بن طاوس (1). إلي آخره.

ص: 369


1- سعد السعود: 3.

57- كتاب اليقين، أو كشف اليقين:

باختصاص مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بإمرة المؤمنين.

له أيضا، جلالة قدر مؤلّفه و تثبته أشهر من أن يذكر.

ص: 370

58- كتاب التعازي:

(1) تأليف الشريف الزاهد أبي عبد اللّه محمد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسني، ذكر فيه ما يتعلّق بالتعزية و التسلية، و صدّره بحديث وفاة النبي صلّي اللّه عليه و آله، ثمّ بما صنعه و قاله عند موت أولاده صلّي اللّه عليه و آله، و ما عزّي به غيره.

قال في أوّله: أخبرني الشيخ الجليل العفيف أبو العباس أحمد بن الحسين ابن وجه (2) المجاور- قراءة عليه، في داره بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، في شهر اللّه من سنة إحدي و سبعين و خمسمائة- قال:

حدّثنا الشيخ الأجل الأمير أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن شهريار الخازن- بالمشهد المقدّس بالغري، علي ساكنه السلام، في شهر ربيع الأوّل من سنة ست عشرة و خمسمائة- قال: حدّثنا الشريف النقيب أبو الحسين زيد بن الناصر الحسيني- رحمه اللّه، في شوّال من سنة ثلاث و أربعين و أربعمائة (3)، بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام- قال: حدّثنا (الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي) (4) عن عليّ بن العباس البجلي، عن محمد بن سهل بن زنجلة الرازي، عن عبد العزيز بن عبد اللّه الاويسي (5)،

ص: 371


1- النسخة الخطية فيما يخص هذا الكتاب مضطربة، حيث فيها تقديم و تأخير و سقط و زيادة، و لذا آثرنا إبقاء نظم الحجرية.
2- هكذا ضبطه الشيخ الطهراني في ثقات العيون: 11، و في الحجري: و حر، و أمّا المخطوطة دحر، و انظر الذريعة 4: 205/ 1024.
3- في المخطوطة: ست عشرة و خمسمائة.
4- ما بين القوسين ساقط من المصدر.
5- في الحجرية: العريسي، و الصحيح المثبت، انظر ميزان الاعتدال 2: 630/ 5108، و الجرح و التعديل 5: 387/ 1804.

عن القاسم بن عبد اللّه بن عمر بن حفص، عن عاصم العمري و علي بن علي اللّهبي، عن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام، عن أبيه الحديث (1).

ثم يقول بعد ذلك: و بالإسناد. الي آخره.

و في آخر هذا الكتاب- و هو من خصائصه- الخبر الشريف المعروف، الذي يذكر فيه بلاد أولاد الحجّة عليه السلام، و أساميهم، و أحوالهم، و قد نقله الأعلام في مؤلفاتهم.

قال السيّد الأجلّ علي بن طاوس في أواخر كتاب جمال الأسبوع:

و وجدت رواية متّصلة الإسناد، بأنّ للمهدي صلوات اللّه عليه أولاد جماعة ولاة، في أطراف بلاد البحر، علي غاية عظيمة من صفات الأبرار (2).

و ذكر مختصره الشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي، في الفصل الخامس عشر من الباب الحادي عشر من كتابه الصراط المستقيم (3).

و رواه السيد الجليل عليّ بن عبد الحميد النيلي، في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان.

و رواه السيّد المحدّث الجزائري في الأنوار، عن المولي الفاضل، الملقّب بالرضا علي بن فتح اللّه الكاشاني، قال: روي الشريف الزاهد. إلي آخره.

و في كتاب حديقة الشيعة، ما ملخّص ترجمته في كتاب الأربعين، الذي صنّفه بعض أكابر المصنّفين، و أعاظم المجتهدين: روي العالم العامل، المتّقي الفاضل، محمد بن عليّ العلويّ الحسني، بسند ينتهي إلي أحمد بن محمد الأنباري، و ساق الخبر بطوله (4).5.

ص: 372


1- التعازي: 2.
2- جمال الأسبوع: 512.
3- الصراط المستقيم 2: 264.
4- حديقة الشيعة: 765.

و يظهر من جميع ذلك أنّه من العلماء الأعلام، و الأتقياء الكرام، و المؤلّفين العظام، و إن لم أجد له ترجمة في الكتب المعدّة لذلك، و لم أعثر علي باب الميم من الرياض، الذي هو أجمع و أكمل ما صنّف في هذا الباب.

و قال السيّد الأجلّ عبد الكريم بن طاوس، في الباب الثاني من كتاب فرحة الغري: روي أبو عبد اللّه محمد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسني في كتاب فضل الكوفة، بإسناد رفعه الي عقبة بن علقمة أبي الجنوب (1)، قال: اشتري أمير المؤمنين عليه السلام ما بين الخورنق إلي الحيرة إلي الكوفة،- و في حديث ما بين النجف إلي الحيرة إلي الكوفة-، من الدهاقين بأربعين ألف درهم، و أشهد علي شرائه، قال: فقيل له يا أمير المؤمنين تشتري هذا بهذا المال و ليس تنبت حظّا، قال: «سمعت من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: كوفان كوفان يرد أوّلها علي آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي».

أقول: هذا الحديث فيه إيناس بما نحن بصدده، و ذلك أنّ ذكره عليه السلام ظهر الكوفة إشارة الي ما خرج عن الخندق، و هي عمارة آهلة الي اليوم، و إنّما اشتري أمير المؤمنين عليه السلام ما خرج عن العمارة الي حيث ذكروا، و الكوفة مصرت سنة سبع عشرة من الهجرة، و نزلها سعد في محرّمها، و أمير المؤمنين عليه السلام دخلها سنة ست و ثلاثين، فدلّ علي أنّه عليه السلام اشتري ما خرج عن الكوفة الممصرّة، فدفنه بملكه أولي، و هو إشارة إلي دفن الناس عنده، و كيف يدفن بالجامع و لا يجوز، أو بالقصر و هو عمارة الملوك؟ و لم يكن داخلا في الشراء لأنّه معمور من قبل (2)، انتهي.

و منه يظهر اعتماده عليه، و اعتناؤه بما رواه، و وثوقه بخبره، و كفاه مادحا9.

ص: 373


1- و ما ورد في فضل الكوفة من اعتبار الكنية علما آخر غير صحيح، انظر الإكمال لابن مأكولا 1: 158. و فضل الكوفة 42 حديث 6 و 7.
2- فرحة الغري: 29.

و معتمدا.

و قال رضيّ الدين علي بن طاوس في الإقبال، في الفصول المتعلّقة بفضائل يوم الغدير و أعماله: فصل فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحة الشريف، و ساقها. إلي أن قال:

أقول: و اعرف أنّني دخلت حضرته الشريفة كم مرّة في أمور هائلة لي، و تارة لأولادي، و تارة لأهل ودادي، فبعضها زالت و أنا بحضرته (و بعضها زالت باقي نهار مخاطبته) (1) و بعضها زالت بعد أيام في جواب زيارته، و لو ذكرتها احتاجت الي مجلّد كبير، و قد صنّف أبو عبد اللّه محمد بن عليّ بن الحسن ابن عبد الرحمن الحسني، مصنّفا في ذلك متضمنا للأسانيد و الروايات الي آخره (2).

و يستظهر من كلامه ما استظهرنا من كلام ابن أخيه رضي اللّه تعالي عنهم.

و في الرياض في ترجمة غياث الدين السيّد عبد الكريم بن طاوس:

أقول: قد سبقه في تأليف ما ضمّنه هذا السيّد في كتاب فرحة الغري السيّد أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الحسني، و ألّف مصنّفا في ذلك، مشتملا علي الأسانيد و الروايات، علي ما حكاه السيد رضيّ الدين عليّ ابن طاوس، عمّ السيّد عبد الكريم هذا، في أواخر كتاب الإقبال في هذا المبحث، كما سنذكره في ترجمة السيّد أبي عبد اللّه المذكور، و العجب أنّه لم يعثر السيّد عبد الكريم هذا عليه، و لم ينقل عنه، انتهي (3).

و لم أعثر علي باب الميم من الرياض، رزقنا اللّه تعالي زيارته.

و يأتي في الفائدة الثالثة في مشايخ محمد بن المشهدي أنّه يروي عنه بواسطتين، و هو يروي عن أبي تمام عبد اللّه بن أحمد بن عبيد الأنصاري9.

ص: 374


1- ما بين القوسين لم يرد في المخطوطة.
2- الإقبال: 469.
3- رياض العلماء 3: 169.

المؤدّب.

و يأتي أيضا أنّ عماد الدين أبا القاسم الطبري يروي عنه كثيرا في كتاب بشارة المصطفي بواسطة واحدة، قال في الجزء الثاني منه: أخبرنا الشيخ أبو البركات عمر بن محمد بن حمزة العلوي- بالكوفة في مسجده، في صفر سنة عشر (1) و خمسمائة- و أخبرنا أبو غالب سعيد بن محمد بن أحمد الثقفي الكوفي بها، قال: أخبرنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه محمد بن عبد الرحمن العلوي العلّامة.

الي آخره (2).

و قال غياث الدين عبد الكريم بن طاوس في فرحة الغري: أقول:

و قد ذكر هنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين ابن عبد الرحمن الشجري، بالإسناد المتقدم إليه، حدّثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد اللّه الجواليقي لفظا. إلي آخره (3).

و قال في الباب السادس: أخبرني الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الحربي، عن عبد العزيز الأخضر- سنة أربع و ستمائة- عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر، قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون البرسي- و هو المعروف بابي (4) - قال:

أخبرنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عبد الرحمن القسري بن القاسم بن محمد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام الحسني، قال: أخبرنا جعفر ابن محمد بن عيسي بن علي بن محمد الجعفري، قال: أخبرني أبي- إملاء- قال: أخبرنا جعفر بن مالك، قال: حدّثنا محمد بن الحسين الصائغ، أخبرنا عبد اللّه بن عبيد بن زيد، قال: رأيت جعفر بن محمد عليهما السلامس.

ص: 375


1- في المصدر: ستة عشر.
2- بشارة المصطفي: 87.
3- فرحة الغري: 139.
4- كذا، و في المصدر: أبي العباس.

و عبد اللّه بن الحسن بالغري، عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام، فأذّن عبد عبد اللّه، و أقام الصلاة، و صلّي مع جعفر بن محمد عليهما السلام، و سمعت جعفرا عليه السلام يقول: «هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام» انتهي (1).

و في الشجرة الكبيرة: محمد العالم الزاهد بالكوفة، ابن عليّ، بالكوفة يعرف بابن عبد الرحمن، و وصف جدّه الحسين بن عبد الرحمن بالشاعر، و قال:

كنيته أبو عاتقة.5.

ص: 376


1- فرحة الغري: 55.

59- كتاب المجموع الرائق من أزهار الحدائق:

تأليف السيّد العالم الفاضل، السيّد هبة اللّه بن أبي محمد الحسن الموسوي.

قال في أمل الآمل: كان عالما، صالحا، عابدا، له كتاب «الرائق (1) من أزهار الحدائق» (2).

و في الرياض: السيّد هبة اللّه بن أبي محمد الحسن الموسوي، الفاضل العالم الكامل، المحدّث الجليل، المعاصر للعلّامة و من في طبقته، صاحب كتاب «المجموع الرائق» المعروف، و هو كتاب لطيف، جامع لأكثر، المطالب، و غلط من نسب هذا الكتاب الي الصدوق، أو الي المفيد.

أمّا أولا: فلأنّه غير مذكور في فهرس مؤلّفاتهما علي ما ذكر في كتب الرجال.

و أمّا ثانيا: فلأنّه يروي في هذا الكتاب عن جماعة من المتأخّرين عنهما و عن كتبهم.

و أمّا ثالثا: فلأنّه يظهر من مطاوي هذا الكتاب أنّه ألّف سنة ثلاث و سبعمائة.

و أمّا رابعا: فلأنّه صرّح نفسه مرارا في أثناء ذلك الكتاب باسمه، علي ما رأيته في طائفة من نسخه.

و بما ذكرناه من تأريخ التأليف يعلم أنّه ألّفه في أواخر عصر العلّامة.

و لعل وجه هذا الظنّ أنّ في أوائل ذلك الكتاب أورد أكثر كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق، بل كلّه، و قد صدّر كلّ مبحث منه بقوله: قال

ص: 377


1- في الأمل: المجموع الرائق.
2- أمل الآمل 2: 341/ 1051.

الشيخ أبو جعفر محمد بن عليّ بن موسي بن بابويه. و كذلك ينقل من كتاب الشيخ المفيد أيضا.

و بالجملة كتابه هذا مجلّدان كبيران، و يشتمل علي الأخبار الغريبة، و الفوائد الكلاميّة، و المسائل الفقهيّة، و الأدعية و الأذكار، و أمثال ذلك من المطالب، و هو محتو علي اثني عشر بابا، كلّ مجلد ستّة أبواب، و هو كتاب معروف و إن لم يورده الأستاذ الاستناد في بحار الأنوار.

قال: ثمّ من مؤلّفاته كتاب «الشرفي» في معجزات النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و دلائل أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام، كما صرّح به نفسه في كتاب «المجموع الرائق» المشار إليه، انتهي (1).

قلت: قد أورد في هذا الكتاب تمام كتاب «الأربعين» لجمال الدين يوسف ابن حاتم الشامي، تلميذ المحقّق- صاحب كتاب «الدّر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم- و «الأربعين» لجمال الدين الحافظ الفاضل أبي الخطّاب عمر الأندلسي، بقراءة المبارك بن موهوب الإربلي، سنة عشر و ستمائة، في مجلس واحد.

و قال في موضع من الكتاب: و ممّا ظفرت به من خطب أمير المؤمنين عليه السلام نقلته من الخزانة المولويّة الرضويّة الطاووسيّة، قدّس اللّه روح جامعها و مؤلّفها، و أمتع اللّه بدوام أيّام المولي الطاهر مالكها، و أعزّ نصره، من كتاب وجدته، عليه مكتوب بخطّ السيّد مولي السعيد رضيّ الدين، مؤلّف هذه الخزانة، و حاوي كتبها ما صورته. إلي آخره (2).

و بالجملة: فالنسبة المذكورة من الأغلاط الواضحة.

و قال في أوّل الكتاب: فإنّي لمّا نظرت في بعض الكتب المسندة عند الفضلاء المعظّمين، و السادة النبلاء المقدّسين، و القادة علماء المصنّفين، آثرت4.

ص: 378


1- رياض العلماء 5: 305.
2- المجموع الرائق: 184.

أن أجمع ما صنّفوه، و سبقوا الي جمعه و ألّفوه، و عرفوا صحّته و حقّقوه، و سبروا معانيه و وقفوه و رووه و صنّفوه، من منافع آيات القرآن الكريم، و ما يحترز به من العوذ و الحروز، و الروايات، و ما يستشفي به من طبّ الأئمّة عليهم السلام (1)، الي آخر ما ذكره ممّا يظهر منه تثبّته، و اعتبار ما نقله فيه، و اللّه العالم.ث.

ص: 379


1- المجموع الرائق: 1 السطر الثالث.

60- كتاب طبّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:

قال في الرياض في باب الكني من القسم الأوّل: الشيخ الإمام أبو العباس المستغفري، هو الإمام الخطيب الحافظ، أبو العباس جعفر بن أبي عليّ محمد بن أبي بكر المعتز بن محمّد بن المستغفر النسفي السمرقندي، صاحب كتاب طبّ النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و يلوح من فهرس بحار الأنوار، للأستاذ الاستناد- قدّس سرّه- أنّه من علماء الشيعة، قال- رحمه اللّه- في أول البحار، في طيّ تعداد كتب الإماميّة:

و كتاب طبّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله للشيخ أبي العباس المستغفري، ثم قال: و كتاب طبّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و إن كان أكثر أخباره من طرق المخالفين، لكنّه مشهور متداول بين علمائنا.

و قال نصير الدين الطوسي في كتاب آداب المتعلّمين: و لا بدّ أن يتعلّم شيئا من الطبّ، و يتبرّك بالآثار الواردة في الطبّ، الذي جمعه الشيخ الإمام أبو العباس المستغفري، في كتابه المسمّي بطبّ النّبي صلّي اللّه عليه و آله، انتهي ما في البحار (1) (2).

و أقول: في جعله من علماء الإمامية سهو ظاهر، فإنه من علماء العامة و من الحنفية، كما سيأتي شرح أحواله في القسم الثاني إن شاء اللّه تعالي، و قد أوردنا ترجمة في هذا القسم رعاية لما قاله الأستاذ في البحار.

و يظهر من كتاب دلائل النبوّة للإمام أبي العباس المستغفري نفسه التسنّن، كما حكي من ذلك الكتاب المولي الجامي كثيرا، في كتاب شواهد النبوّة فتأمل (3).

ص: 380


1- آداب المتعلمين: 153 ضمن كتاب شرح الباب الحادي عشر. (حجري).
2- بحار الأنوار 1: 23، 42.
3- في النقل عن الرياض تقديم و تأخير مخل، صححناه علي رياض العلماء 5: 472.

و قال في القسم الثاني بعد ذكر النّسب الي محمد بن المستغفر: الكامل الجليل، المعروف بالشيخ الإمام أبي العباس المستغفري، الحنفي، السمرقندي، النسفي، صاحب تأريخ نسف، و يروي عن جدّه أبي بكر ابن المستغفر، و هما من القدماء. و قد سبق في باب الكني ترجمة الشيخ الإمام أبي العباس المستغفري، صاحب كتاب طبّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و إنّ الحقّ كونه من علماء العامّة، و له كتاب دلائل النبوّة، فلاحظ.

قلت: لم يذكر شاهدا لتسنّنه إلّا ما ذكره في دلائل النبوّة، و في كونه له تأمّل.

قال المولي كاتب الچلبي في كشف الظنون: دلائل النبوّة للإمام أبي داود كما ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (1)، أو ابن عباس جعفر بن محمد المعروف بالمستغفري، النسفي، الحنفي، المتوفّي سنة اثنين و ثلاثين و أربعمائة، جعل فيه الدلائل- أعني ما كان قبل البعثة- سبعة أبواب، و المعجزات عشرة أبواب (2).

و قال في باب التاء: تاريخ نسف و كش: لأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري (3).

و لم يشر الي المذهب، و لعلّه لتردّد فيه.

و علي كلّ حال فالذي دعانا الي النقل منه ما دعا صاحب الرياض من رعاية المحقّق الطوسي، و العلّامة المجلسي، مضافا الي خلوّه عمّا لا مسرح الي التسامح فيه، و مطابقة أكثره لما روي من طرقنا.8.

ص: 381


1- صحيح العبارة هكذا:. داود ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب، و لأبي العباس جعفر. انظر المصدر.
2- كشف الظنون 1: 760.
3- كشف الظنون 1: 308.

61- مجاميع:

لشمس الفقهاء محمد بن مكّي الشهيد- قدّس اللّه روحه- و هي ثلاث مجلّدات، مجلّدان منها بخطّ الشيخ الجليل شمس الدين محمد بن عليّ الجباعي، جدّ شيخنا البهائي، فإنّه بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد بن عليّ بن الحسن بن محمّد بن صالح الجباعي، الحارثي، الهمداني، من ولد الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني، من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

و قد وصفه جماعة من العلماء في مقام النقل عنه بكونه صاحب الكرامات.

و نقل في الروضات، عن حدائق المقرّبين: للأمير محمد صالح الخواتون آبادي، عن المولي محمد تقي، عن شيخه الشيخ البهائي، أنّه نقل عن جدّه الشيخ شمس الدين: أنّ في يوم من الأيّام نزل ثلج عظيم بديارنا، و لم يكن في منزل جدّنا ما يقوت به عياله، و كان الأطفال يبكون و يريدون منه الطعام، فقال جدّنا لجدّتنا: سكّتي الأطفال لندعو اللّه كي يطعمهم و إيّانا، فأخذت جدّتنا شيئا من الثلج، و ذهب به الي التنور المحمي، و قال: هذا هو الخبز أطبخه لكم ثمّ أوقد عليه، و جعل الثلج شبه الرغائف يضربها بالتنور (1)، و جدّنا مشغول بالدعاء، فلم يمض ساعة إلّا خرج من التنوّر رغائف متعدّدة، فلمّا رأي جدّنا ذلك شكر اللّه سبحانه، انتهي (2).

و النسخ الشائعة من الصحيفة الكاملة السجادية علي منشئها آلاف سلام و تحيّة تنتهي اليه، و الي خطّه.

ص: 382


1- الظاهر أن التي صنعت الخبز هي الجدة بقرينة أن الجد كان مشغولا بالدعاء و كذلك أول الرواية، حيث قال فأخذت جدتنا، فعليه تكون جميع الأفعال بصيغة المؤنث.
2- روضات الجنات 2: 340.

قال السيّد المحدّث الجزائري، في شرح صحيفته: و قد بنينا شرحنا هذا علي نسخة شيخنا البهائي- قدّس سرّه- التي هي بخطّ أبيه شمس الدين محمد- صاحب الكرامات و المقامات- و هو قد نقلها من خطّ الشهيد- رحمه اللّه- انتهي.

و صرّح في رياض العلماء: إنّه كان تلميذ ابن فهد (1).

و كلّ ما في هذين المجلدين منقول عن خطّ الشهيد- رحمه اللّه- و المجلّد الآخر بخطّ بعض أحفاده، نقل عن خطّه، و هذه المجلّدات كالبساتين النضرة، و الحدائق الخضرة التي فيها ما تشتهيه الأنفس، و تلذّ الأعين، مشتملة علي رسائل مستقلّة في الأحاديث، و العلوم الأدبية، و الأشعار، و الأخبار المستخرجة من الأصول، و الحكايات و النوادر، و غيرها، خالية عن الهزليّات التي توجد في أمثالها، نعم يوجد فيها بعض اللطائف و الطرائف.

ففي أحد المجاميع (2): بلغ من عناية الصوفيّة بكثرة الأكل أن كان نقشي.

ص: 383


1- رياض العلماء 5: 189.
2- جاء في هامش المخطوطة: و من الألطاف الإلهية علي العبد الجاني يحيي بن محمد شفيع الأصفهاني عفي عنهما: أني تشرفت قبل ذلك بثلاث سنين إلي زيارة ائمة العراق عليهم صلوات اللّه و سلامه و كان أوان تشر في بكربلاء في أول شهر رجب و المولي الجليل المصنف قد تشرف للزيارة الرجبية من النجف الأشرف إلي كربلاء المشرفة، و كان بيني و بينه صداقة قديمة من أيام التحصيل و اقامتنا في النجف الأشرف، فبادر إلي زيارتي و فرحت كثيرا بزيارته. و لما تشرفنا بالنجف الأشرف كنا مراودين، فجاء يوما إلي منزلي و معه هذه المجاميع الثلاث التي اثنان منها بخط الشيخ الجليل الشيخ محمد الجبعي جد شيخنا البهائي، و قال رحمه اللّه لي: هاتان المجموعتان بعينهما كانتا عند المجلسي، و كلما نقل عن خط الشيخ محمد المذكور عن خط الشهيد محمد بن مكي من هاتين المجموعتين، و لولا المحبة الكاملة ما ابرزتهما لك. فأخذت المجاميع الثلاث كلها و نقلت أكثر ما فيها بخط يدي، و كانت موجودة عندي، و كذا المجموعة التي بخط السيد الجليل السيد حيدر الآملي المشتملة علي الرسائل الثلاث في سؤالات مهنا بن سنان المدني، و غيرها التي نقلها سابقا قبل ذلك و فيها خطوط فخر المحققين ولد العلامة و أجازته للسيد حيدر في ظهر سؤالات المهنا بخطه رحمه اللّه، و غيرها من الرسائل الشريفة كلها بخط السيد حيدر الآملي، و نقلت جميعها بخط يدي، و هي الان موجودة عندي بحمد اللّه و كانت نسخة الأصل من هذا الكتاب أيضا عندي الي ان رجعت، و أودعته رحمه اللّه باستنساخ نسخة من هذا الكتاب فاستنسخها و أرسلها و وصلت إليّ بعد أشهر من وفاته. حرره العبد في يوم عرفة في بيتي في أصفهان سنة 1320. و كذلك المجموعة التي للسيد السند بحر العلوم فيها إجازات العلماء الاعلام له بخطوطهم الشريفة و بعض إجازاته لبعض تلاميذه هي أيضا كانت عندنا و نقلتها بخط يدي.

خاتم بعضهم «أُكُلُهٰا دٰائِمٌ» و آخر «آتِنٰا غَدٰاءَنٰا» و آخر «لٰا تُبْقِي وَ لٰا تَذَرُ».

و فسّر بعضهم «الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ»: بالخلال المجيئة بعد الطعام، و الياس منه.

و فسّر بعضهم «بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالًا» فقال: هم الذين يثردون و يأكل غيرهم، و قيل: هم الذين لا سكاك لهم في أيّام البطيخ.

و قال بعضهم: العيش فيما بين الخشبتين، يعني الخوان و الخلال.

و لقّبوا الطّست و الإبريق إذا قدّما قدّام المائدة ببشر و بشير، و بعدها بمنكر و نكير.

و في مجموعة اخري: أبو مغيث (1) الحسين بن منصور الحلّاج الصوفي، كان جماعة يستشفون ببوله، و قيل: إنّه ادّعي الربوبيّة، و وجد له كتاب فيه: إذا صام الإنسان ثلاثة أيّام بلياليها و لم يفطر، و أخذ و ريقات هندباء فأفطر عليه أغناه عن صوم رمضان، و من صلّي في ليلة ركعتين، من أوّل الليل إلي الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك، و من تصدّق بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه عن الحجّ، و إذا أتي قبور الشهداء بمقابر قريش، فأقام فيها عشرة أيّام يصلّي و يدعو، و يصوم و لا يفطر إلّا علي قليل من خبز الشعير و الملح، أغناه ذلك عن العبادة.7.

ص: 384


1- في المخطوط و الحجرية: أبو معتب، و هو خطأ انظر سير أعلام النبلاء 14: 313، و طبقات الأولياء: 187.

و في هذه المجموعة «مختصر الجعفريات» و «ذكر الدر» (1) الذي وجد في الكوفة و عليه منقوش البيتان المعروفان، و نظائر أخري له لا مناسبة لنقلها.

و قد ذكر في كثير من المواضع تأريخ كتابته و كتابة الشهيد، و في آخر الأربعين للشيخ منتجب الدين المدرج في أحدها: نجز لإحدي و عشرين مضت من شهر اللّه رجب الأصمّ، سنة إحدي و ستّين و ثمانمائة بكرك نوح عليه السلام، بقلم العبد الفقير محمد بن عليّ بن حسن بن محمد صالح الجبعي اللويزاني، و الحمد للّه حمدا كثيرا مباركا، و صلّي اللّه علي سيّدنا محمد و آله و سلّم، من نسخة بخط الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي، كتبها بالحلّة سنة ستّ و سبعين و سبعمائة، و هو نقل من نسخة بخطّ محمد بن محمد بن عليّ الحمداني القزويني- رحمه اللّه- تاريخها سنة ثلاث عشرة و ستمائة.

قلت: و هو تلميذ المصنّف.

و قد أكثر في البحار من النقل عنها، و عن اخري لم تصل إلينا معبّرا عنه هكذا: وجدت بخطّ الشيخ محمد بن عليّ الجبعي. إلي آخره.

و بالجملة: فاعتبار ما يوجد فيها من الأخبار و غيرها يعرف من اعتبار جامعها، الذي لا يحوم حول جلالة قدره خيال.

قال صاحب المعالم في إجازته الكبيرة: و رأيت بخطّ شيخنا الشهيد الأوّل في بعض مجاميعه حكاية أمور تتعلّق بهذا الشيخ- يعني شمس الدين محفوظ بن وشاح- ثمّ نقل بعض أبيات له بعثها الي المحقق- رحمه اللّه- (2).4.

ص: 385


1- إشارة إلي ما نقل من العثور علي فص در منقوش عليه البيتان: أنا در من السماء نثروني يوم تزويج والد السبطين كنت أنقي من اللجين بياضا صبغتني دماء نحر الحسين انظر منتهي الآمال (: 838، عن الكشكول).
2- بحار الأنوار 109: 14.

62- كتاب كنوز النجاح:

للشيخ الشهيد أمين الإسلام أبي عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، العالم المفسّر الجليل، صاحب مجمع البيان، و قد نقل عن هذا الكتاب و نسبه إليه رضيّ الدين عليّ بن طاوس، في جمال الأسبوع (1)، و مهج الدعوات (2)، و أمان الأخطار (3)، و الشيخ إبراهيم الكفعمي في الجنّة المعروفة بالمصباح و حواشيها (4).

ص: 386


1- جمال الأسبوع: 176 السطر الأول.
2- مهج الدعوات: 249.
3- الأمان من الاخطار: لم نعثر علي ذلك فيه.
4- المصباح للكفعمي: 244.

63- و كتاب عدّة السفر و عمدة الحضر:

له أيضا نسبه إليه الكفعمي في المصباح (1).

قال في الرياض. و قد عثرت منه علي نسخ، و عندنا منه نسخة أيضا (2).

و فيهما من الأدعية الشريفة، و التعقيبات و الصلوات المستحبّة، و الأذكار و الإحراز شي ء كثير.

و في عصر السلطان شاه سلطان حسين الصفوي وجد مجموعة و فيها هذان الكتابان الشريفان، و قد عرضا علي مروّج المذهب، المحقق الثاني الكركي- طاب ثراه- و نظر فيهما، و باشر تصحيحهما، فأمر السلطان أن يترجما بالفارسيّة، فترجمهما السيّد العالم الجليل، الأمير محمد باقر الخواتون آبادي.

و العجب أنّه لم يعرف مؤلّفهما، فقال بعد ذكر المجموعة المشتملة عليهما: إنّ الرسالتين الشريفتين من مؤلّفات محدّثي علماء الإماميّة- رضوان اللّه عليهم- ثم شرح ما أجملناه.

ص: 387


1- المصباح للكفعمي: 24.
2- رياض العلماء 4: 347.

64- كتاب صغير:

وجدناه في الخزانة الرضوية، فيه أخبار طريفة، يوجد متون أغلبها في الكتب المشهورة، أوّله هكذا:

أخبرنا الشريف الأجلّ، العالم ضياء الدين أبو الفتح محمد بن محمد العلوي الحسيني، المعروف بابن جعفر الحائري- بحلّة في شهر جمادي الآخرة من سنة ثلاث و سبعين و خمسمائة- قال: حدّثنا الشيخ العالم أبو المكارم ابن كتيلة العلوي- بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، في جمادي الأولي، سنة ثلاث و خمسين و خمسمائة- قال: حدّثنا إخبارا و إجازة أبو عبد اللّه محمد بن احمد بن شهريار الخازن، قال: حدّثنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن عالان العدل، قال: حدّثنا القاضي أبو عبد اللّه، قال: حدّثنا أبو محمد صالح بن وصيف البكائي، قال: حدّثنا معاذ بن الميسي، قال: حدّثنا سويد بن سعيد، قال حدّثنا مبارك بن محيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن ابن مالك، عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله أنّه قال لأصحابه: «ما من صدقة أفضل من سقي الماء» (1) و قد أخرجنا بعض أخباره شاهدا و مؤيّدا.

ص: 388


1- و حكي قريبا منه في بحار الأنوار 74: 369/ 60

65- كتاب غرر الحكم

للآمدي، ذكرنا ما يتعلّق به و بمؤلّفه في الفائدة الآتية، في شرح مشايخ ابن شهرآشوب، فلاحظ.

و الحمد للّه الذي وفّقنا لإنجاز ما وعدنا في صدر الكتاب، من شرح حال الكتب التي هي مأخذ لكتابنا هذا، و ترجمة مؤلّفيها، و ما قيل فيها أو ينبغي أن يقال، مدحا و تأييدا، و جرحا و تضعيفا، مع رعاية الاحتياط و التثبّت في النقل، و مجانبة الاعتساف في البيان، و هذا باب لم أعثر علي من دخله قبلي، إلّا كلمات معدودة لبعضهم في بعضها، و أنت بعد التأمّل و التدبّر فيما سطرناه تجد- بعون اللّه تعالي- فوائد لا تحصي، و ذلك من فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

ص: 389

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.