مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 19

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 5

كتاب الفرائض و المواريث

اشاره

و فيه خمس مقدّمات، و ثلاثة مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 7

[المقدمات الخمسة]

المقدّمة الاولى في بيان معناهما، و الأصل في ثبوتهما

أما المعنى : فالفرائض جمع فريضة، من الفرض، و هو لغةً: التوقيت، و التقدير، و القطع، و البيان، و الوجوب، و الثبوت، و العطيّة الموسومة «1».

و في العرف العام لفقهائنا مرادفٌ للواجب. و في الخاص: ما يستحقّه الإنسان من السهام المقدّرة في كتاب اللَّه بموت آخر بينهما نسب أو سبب.

و المواريث جمع ميراث، من الإرث، و هو في اللغة: الأصل، و البقية، و الأمر القديم، و الرماد «2».

و في الاصطلاح: حقّ منتقل من ميّت حقيقة أو حكماً إلى حيّ كذلك ابتداءً.

فدخل في الحدّ الحقّ المالي و غيره كالحدّ. و دخل بقولنا «حكماً» في الموضعين: المرتدّ الفطري و إن لم يقتل، و المفقود، و الحمل، و الغريق،

______________________________

(1) لاحظ النهاية. لابن الأثير 3: 432، و القاموس 2: 352، و الصحاح 3: 1097 و قال: و يسمى العلم بقسمة المواريث فرائض، و المصباح المنير: 469، و المغرب 2: 92، و قال: قيل لانصباء المواريث: الفرائض لأنها مقدرة لأصحابها، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض، و لسان العرب 7: 202، مجمع البحرين 4: 220، و زاد بعضهم معاني أُخرى منها: ما أعطيت من غير قرض، و الحزّ في الشي ء، و السنة، و التُّرس، و ما فرضته على نفسك فوهبته أو جُدت به لغير ثواب، و الهبة.

(2) كما في لسان العرب 2: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 8

و نحوه. و بالابتداء خرج الوقف المرتب و الوصايا.

و لو أُبدل الأخير بقولنا: «بنسب أو سبب» لأفاد ما يفيد.

و هو أعم من الفريضة، لشموله للحقوق المالية و غيرها و اختصاصها بالأُولى ، و لاعتبار التقدير فيها و عدم

اعتباره فيه.

و قد يقال بتساويهما بإرادة ما يشمل غير المقدّر من الفرائض و لو بالتغليب. و هذا إنّما يفيد لو أُريد منها ما يشمل غير المالية أيضاً، و إطلاقها عليه غير متعارف.

و أما الأصل في ثبوتهما سوى الضرورة الدينية و الإجماع القطعي الآيات المتكاثرة:

قال اللَّه سبحانه لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «1».

و قال سبحانه يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «2» الآيتين.

و قال إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ «3» الآية.

و الأخبار المتضافرة التي يأتي ذكرها في طيّ بيان تفاصيل الأحكام.

و روى في المبسوط، عن ابن مسعود، عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «تعلّموا الفرائض، و علّموها الناس، فإنّي امرؤ مقبوض، و العلم سيقبض، و تظهر الفتن حتّى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما» «4».

______________________________

(1) النساء: 7.

(2) النساء: 11.

(3) النساء: 176.

(4) المبسوط 4: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 9

قيل: و ذلك لابتناء مسائل الفرائض على أُصول غير عقلية و عدم اشتمال القرآن على جميعها «1».

و روى فيه أيضاً عنه (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «تعلّموا الفرائض، فإنّها من دينكم، و إنّه نصف العلم، و إنه أوّل ما ينتزع من أُمتي» «2».

و مصداق ما ذكره بقوله: «و إنّه أوّل ما ينتزع» ما شاع و ذاع من قصة غصب فدك، و خيبر، و وضع حديث لا نورث.

و يمكن إرجاع الضمير إلى العلم. و كونه أوّل ما ينتزع، لكونه الخلافة التي يوجب انتزاعها انتزاع العلم و التعليم.

و توجيه كون العلم بالفرائض نصف العلم باختصاصه بإحدى حالتي الإنسان من الحياة و الممات، أو بكونه أحد سببي الملك من الاضطراري و الأعمّ، أو أحد قسمي

العلم مما يكون المقصود بالذات فيه التعليم و التعلم و العمل تابع و عكسه، أو باعتبار ثوابه، أو لإيجابه وضع الإمامة «3» في موضعها الموجب لتمامية العلم، أو لتوقّفه على مشقّة عظيمة.

تكلّف «4» لا تقبله الأذهان السليمة، و إن كان أخيرها أولاها.

و يمكن أن يراد بالفرائض ما يجب فعله، فيكون إشارة إلى الحكمة العملية التي هي أحد قسمي العلم، و التخصيص بالفرائض لكونها أهم.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 334.

(2) المبسوط 4: 67، بتفاوت.

(3) في «ق»: الأمانة.

(4) قوله «تكلف» خبرٌ لقوله «و توجيه» المتقدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 10

المقدّمة الثانية في موجبات الإرث و أسبابه

اشاره

و هي اثنان بالاستقراء و الضرورة من الدين: النسب و السبب.

و المراد بالنسب عرفاً: اتّصال بين شخصين عرفاً بالولادة شرعاً.

فخرج بقولنا عرفاً من يتّصل بالآخر اتّصالًا بعيداً عرفاً «1»، كاتّصالهما بالولادة من آدم أو النبي أو غيرهما. و بقولنا بالولادة اتّصال أحدهما بالآخر بزوجيّة أو إخاء أو ولاء أو نحوها. و بقولنا شرعاً ولد الزنا، و دخل به من ألحقه الشارع و لو لم تعلم الولادة.

و بالسبب: اتّصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء مخصوص.

و لا يلزم خروج المطلّقة رجعية مع ارتفاع الزوجيّة و ثبوت التوارث؛ لأنّ الزوجيّة و إن كانت مرتفعة إلّا أنّها سبب لنوع اتّصال بينهما يمكن معه الرجوع، فالاتّصال الحاصل بينهما إنّما هو بسببها.

ثم للنسب عمود و حاشية؛ و عموده الآباء و إن صعدوا، و الأبناء و إن نزلوا، و البواقي حاشيته.

و الفقهاء جعلوه على طبقات و مراتب، باعتبار الاجتماع و الافتراق في الإرث، و التباين و التناسب في جهة النسبة.

و بيان ذلك: أنّهم لمّا تتّبعوا تفاصيل الأدلّة رأوا أنّ جميع الأنسباء لا يجتمعون في الإرث بل يمنع بعضهم بعضاً.

ثم رأوا أنّ بعض من

يمنع بعضاً يجامع آخر أيضاً، و أنّ البعض الذي

______________________________

(1) في «ق»: عادةً.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 11

يمنعه هذا البعض على قسمين «1»: قسم لا يمنعه البعض الذي يجامع الأوّل و يمنع سائر من يمنعه، و قسم يمنعه أيضاً.

و أيضاً رأوا أنّهم إمّا متحدون في جهة النسبة، أو متباينون؛ و الأوّل إمّا لا يجامع بعضه من يمنعه البعض الآخر، أو يجامع.

فجعلوا كل نسيبين متباينين في جهة النسبة يجامعان في الإرث منضمّاً مع من يجامع أحدهما و يمنع سائر من يمنعانه و إن لم يجامع الآخر، أو متّحدين فيها غير مجتمع «2» أحدهما مع من يمنعه الآخر و إن لم يجتمعا في الإرث في طبقة واحدة.

و بتقرير آخر: الأنسباء إمّا متناسبون في جهة النسبة، أو متباينون؛ و الأوّلون إمّا يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر أو لا؛ و الآخرون إمّا يجتمعون في الإرث أولا.

فجعلوا كل نسيبين متناسبين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر، أو متباينين مجتمعين في الإرث في طبقة واحدة.

و لأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث.

الأُولى : الأبوان من غير ارتفاع، و الأولاد و إن نزلوا.

الثانية: الإخوة و الأخوات لأب أو لُام أو لهما، و أولادهم و إن نزلوا، و الأجداد و الجدات لأب أو لُام أو لهما و إن علوا.

الثالثة: الأخوال و الخالات و الأعمام و العمات و إن علوا، و أولادهم

______________________________

(1) فالقسم الأول كأولاد الأولاد الذين يمنعهم الأولاد، فإنه لا يمنعهم الأبوين اللذين يجامعان الأولاد، و يمنعون سائر من يمنعه الأولاد، و القسم الثاني كالأجداد «منه قدس سره».

(2) هذا القيد لتصحيح جعلهم الجد و الأب في طبقتين مع اتحادهما في جهة النسبة (منه قدس سره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص:

12

و إن سفلوا.

ثمّ لمّا كان في كلّ طبقة أنسباء متفرقين باعتبار النسبة جعلوا كل طائفة متحدة فيها صنفاً واحداً، و باعتبار ذلك حصل له خمسة أصناف. تشتمل الاولى على صنفين: أصل محصور و هو الأبوان، و فرع غير محصور و هو الأولاد. و كذلك الثانية، و صنفاها غير محصورين عروجاً و نزولًا، و هما الإخوة و الأجداد. و لا تشمل الثالثة إلّا على واحد غير محصور.

و لمّا كان أنسباء كل صنف متفاوتة باعتبار القرب و البعد إلى الميت جعلوا كلّ طائفة متساوية قرباً و بعداً درجة واحدة، فحصل له درجات، و هي غير محصورة إلّا أنّ للصنف الأوّل من الأُولى درجة واحدة.

و قد تجعل «1» الطبقات أكثر بجعل الأعمام و الأخوال و أولادهم طبقة ثالثة، و أعمام كل من الأبوين و أخواله و أولادهم رابعة، و أعمام كل من الجدين و أخواله و أولادهم خامسة، و هكذا فتتصاعد طبقات إلى غير النهاية. و لا بأس به.

و هذه الطبقات مترتّبة في الإرث، فلا يرث أحد من اللاحقة مع وجود واحد من سابقتها خالٍ من الموانع و إن كان أُنثى. كما أنّ درجات كل طبقة كذلك أيضاً، فلا ترث الثانية مع وجود واحدٍ من الاولى و هكذا. و لكن لا يمنع أحدٌ من صنفٍ و إن كان أقرب أحداً من صنف آخر في طبقته و إن كان أبعد.

و أمّا السبب فقسمان: زوجيّة و ولاء «2».

و للولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، و ولاء تضمّن الجريرة، و ولاء الإمامة.

و أوّل قسميه يجامع النسب، فيرث من له الزوجيّة مع كل من

______________________________

(1) جعلها صاحب المفاتيح أكثر (منه رحمه اللَّه).

(2) الولاء بالفتح و المد و هو في اللغة القرب (منه رحمه اللَّه).

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 13

الأنسباء، و إن كان في أوّل الدرجات من الطبقة الأُولى . دون ثانيهما، فلا يرث أحدٌمنه و إن كان في أوّل المراتب مع واحدٍ منه و إن كان في آخر الطبقات.

و لا ممانعة بين قسمي السبب، فيجامع من له الولاء من له الزوجيّة، إلّا من كان له ولاء الإمامة ففيه خلاف يأتي.

و مراتب الولاء مرتّبة، فيقدّم العتق على ضمان الجريرة المقدّم على الإمامة.

فوائد:
الأُولى :

كل وارث مناسب أو مسابب إمّا سمّى اللَّه تعالى له في كتابه سهماً معيناً أو لا، و الأوّل يسمّى ذا فرض، و الثاني قرابة. و الأوّل إمّا سمّى له في جميع حالاته، أو في حالة دون اخرى . فالوارث ثلاثة:

الأوّل: ذو فرض لا غير إلّا على الردّ، و هو ثلاثة أصناف:

الأُم، قال اللَّه تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «1».

سمّى لها في جميع حالاتها سهماً معيناً.

و الزوجان، قال اللَّه سبحانه وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ «2».

و قال وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ «3».

و كلالة الام، اتّحدت أم تعدّدت، قال عزّ شأنه وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 14

يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ «1».

الثاني: ذو فرض تارة و قرابة اخرى ، و هو أيضاً ثلاثة أصناف:

الأب، فيرث

بالفرض إذا اجتمع مع الولد، قال تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «2».

و بالقرابة إذا انفرد، قال فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ «3».

فرض للُام على تقديري وجود الولد و عدمه، و لم يجعل للأب على الأخير فرضاً فيرث حينئذٍ بالقرابة.

و البنت و البنات، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن الذكر، قال عزّ من قائل يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «4».

فلم يجعل لهن حينئذٍ فرضاً.

و بالفرض إذا انفردن، قال سبحانه فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ . «5»

و الأُخت من قبل الأبوين أو الأب، اتّحدث أم تعدّدت، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن ذكر من الأب، قال سبحانه وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «6».

و بالفرض إذا انفردن أو دخلت عليهن كلالة الأُم، قال عزّ شأنه إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ «7».

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 11.

(3) النساء: 11.

(4) النساء: 11.

(5) النساء: 11.

(6) النساء: 176.

(7) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 15

الثالث: ذو قرابة لا غير، و هم الباقون.

ثم إنّ ما ذكرنا من التقسيم هو الموافق للدروس «1»، و هو أحسن ما ذكر في هذا المقام، و لكنّه يصحّ إذا لم يجعل الردّ داخلًا في القرابة، أو قطع النظر عنه، و هو بعيد، بل خلاف مدلول كلمات القوم.

و لذا قسّمه «2» بعضهم بأنّه إمّا ذو فرض أو قرابة، و الأوّل إمّا ذو فرض دائماً، أو في حالة دون

أُخرى، أو ذو فرض و قرابة معاً كما في صورة الرد.

و هذا و إن كان أتم من الأوّل إلّا أنّه يخرج منه قسم رابع: و هو من يرث بالفرض في حالة، و بالقرابة في أُخرى، و بهما معاً في ثالثة، كالأب يرث بالفرض مع مجامعة الذكر من الولد، و بالقرابة إذا انفرد أو جامع الام، و بهما معاً مع مجامعة البنت أو البنات.

و بالجملة ما عثرت في عباراتهم في هذا المقام على كلام خالٍ عن القصور و الخلل، إما استقصاءً، أو تعبيراً، أو تمثيلًا، أو معنى. و أكثرها خللًا كلام المسالك «3»، كما لا يخفى على المتدبر فيه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    16     الأولى: ..... ص : 13

الأولى في التقسيم أن يقال: الوارث إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة؛ و على الأوّل إمّا يكون كذلك دائماً، أو في حال دون حال؛ و على الأوّل إمّا لا يرث إلّا بالفرض، أو لا يرث إلّا به و بالقرابة معاً، أو يرث به في حال و بهما في أُخرى، و كذلك على الثاني فيما يرث به.

و هذه الأقسام و إن جرت فيمن يرث بالقرابة أيضاً، إلّا أنّ غير واحد من أقسامها يرجع إلى أقسام ذي الفرض.

______________________________

(1) الدروس 2: 333، 334.

(2) أي الوارث (منه قدس سره).

(3) المسالك 2: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 16

أو يقال: إنّ الوارث إما ذو فرض دائماً أو قرابة كذلك، أو ذو فرض في حالة و قرابة في أُخرى؛ فالأوّل إمّا ذو فرض محض دائماً، أو مع القرابة كذلك، أو محض في حال و معها في أُخرى؛ و الثاني أيضاً إمّا قرابة محضة دائماً أو مع الفرض كذلك، أو محضة

في حال و معه في أُخرى.

و إن شئت أمثلة هذه الأقسام فارجع إلى هذين الجدولين «1».

الثانية:

الوارث إن لم يكن ذا فرض فالمال له، اتّحد أم تعدّد، و إن كان ذا فرض أخذ فرضه كذلك، فإن فضل شي ء يردّ عليه على التفصيل الآتي. و في الردّ على الزوجين خلاف يأتي.

و لو نقصت الفريضة عن ذوي الفروض دخل النقص على بعضهم على ما سيجي ء.

و لا تعصيب عندنا في الأوّل، كما لا عول كذلك في الثاني، كما يأتي.

الثالثة:

إذا اجتمع لوارث موجبان نسبيان أو سببيان، أو نسبي و سببي أو أكثر يرث بالجميع إذا لم يكن هناك من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما، و لم يكن أحدهما مانعاً من الآخر، فإن كان هناك أقرب منه فيهما فلا يرث بشي ء منهما، أو في أحدهما فلا يرث به وحده، أو كان أحدهما مانعاً فلا يرث بالممنوع.

ثم الموجبان إما يوجبان بالفرض، أو بالقرابة، أو بعض بالفرض و بعض بالقرابة، و في جميع الصور لكلٍّ حكمه. و لا يمنع ذو الموجبين من هو في طبقته من ذوي الموجب الواحد.

و لمّا كانت الصور المتصورة ثمانية و أربعين، الحاصلة بضرب ثمانية صور اجتماع الموجبين أو أكثر، في اثنين المانع أحدهما عن الآخر و غيره، ثمّ

______________________________

(1) الجدولان غير مثبتين في النسخ التي بأيدينا، و ذكر في هامش النسخة الحجرية أن هذين الجدولين غير مرقومين في نسخة الأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 17

ضرب الستّة عشر في الثلاثة كونهما موجبين بالفرض أو بالقرابة أو بعض بالفرض و بعض بالقرابة، و كان بعض هذه الصور ممكن الوقوع و بعضها ممتنع الوقوع، فرسمنا هذا الجدول لبيان ما يمكن وقوعه و مثالهُ و ما يمتنع:

ثمّ الصور و إن تصاعدت بضربها في الثلاثة: وجود من هو أقرب فيهما، أو في أحدهما، و

عدم الأقرب مطلقاً، و لكن تركنا بيانها لوضوحها عند من أحاط بالصور الثمانية و الأربعين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 18

المقدّمة الثالثة في بيان موانع الإرث و لواحقها

اشاره

و هي أُمور:

الأوّل: الكفر.
اشاره

و المراد به كل ما يُخرج معتقده عن الإسلام، سواء كان حربياً أو ذميّاً أو مرتدّا أو منتحلًا للإسلام كالخوارج و الغلاة.

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الكافر بأنواعه لا يرث المسلم و لا من في حكمه و إن قرب

، كافراً كان المسلم في الأصل أو لا، خلّف وارثاً غيره أم لا.

للإجماع المحقّق و المحكي في المسالك و التنقيح و ظاهر الكفاية و المفاتيح «1».

و الروايات المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب، كصحيحة أبي بصير و في آخرها: «و إن لم يسلم من قرابته أحد فإنّ ميراثه للإمام» «2».

و صحيحة أبي ولّاد «3»: «المسلم يرث امرأته الذمّية و لا ترثه» «4».

______________________________

(1) المسالك 2: 311، التنقيح 4: 132، كفاية الأحكام: 289، المفاتيح 3: 311.

(2) الكافي 7: 144، 2، الفقيه 4: 244، 787، التهذيب 9: 369، 1316، الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.

(3) و كون رواية أبي ولّاد صحيحة إنما هو على طريق الفقيه، حيث إنه روى عن السّراد، و طريقه إليه صحيح (منه قدس سره).

(4) الكافي 7: 143، 6، الفقيه 4: 244، 784، التهذيب 9: 366، 1306، الإستبصار 4: 190، 710، الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 19

و موثّقة سماعة: عن المسلم هل يرث المشرك؟ فقال: «نعم، فأما المشرك فلا يرث المسلم» «1» و قريبة منها موثقته الأُخرى «2».

و حسنة جميل و هشام: فيما روى الناس عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «لا يتوارث أهل ملتين» فقال: «نرثهم و لا يرثونا، إنّ الإسلام لم يزده إلّا عزّاً في حقه» «3».

و في الكافي: «لم يزده في حقه إلّا شدة» «4».

و حسنة محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: «لا يرث اليهودي و النصراني المسلم،

و يرث المسلم اليهودي و النصراني» «5».

و رواية الحسن بن صالح: «المسلم يحجب الكافر و يرثه، و الكافر لا يحجب المؤمن و لا يرثه» «6».

و رواية أبي العباس: «لا يتوارث أهل ملتين، يرث هذا هذا، و هذا هذا، إلّا أنّ المسلم يرث الكافر، و الكافر لا يرث المسلم» «7».

______________________________

(1) الفقيه 4: 244، 781، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.

(2) الكافي 7: 143، 3، التهذيب 9: 366، 1304، الإستبصار 4: 190، 708، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.

(3) التهذيب 9: 365، 1302، الإستبصار 4: 189، 706، الوسائل 26: 15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 14.

(4) الكافي 7: 142، 1.

(5) الكافي 7: 143، 2، الفقيه 4: 244، 786، التهذيب 9: 366، 1303، الإستبصار 4: 190، 707، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 7.

(6) الكافي 7: 143، 5، الفقيه 4: 244، 783، التهذيب 9: 366، 1307، الإستبصار 4: 190، 711، الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 2.

(7) التهذيب 9: 367، 1313، الإستبصار 4: 191، 717، الوسائل 26: 15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 20

و قول الباقر و الصادق (عليهما السّلام) في روايتي ابني أعين «1» بعد سؤالهما عن النصراني يموت و له ابن مسلم، أ يرثه؟: «نعم، إنّ اللَّه لم يزده بالإسلام إلّا عزّاً، فنحن نرثهم و لا يرثونا» «2».

و قريب منه قول الأوّل في رواية أُخرى «3» لأحدهما «4».

و روايته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم و لا يرثونا، إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدة»

«5».

و قريب منه روايته الأُخرى «6».

و رواية أبي خديجة «7»: «لا يرث الكافر المسلم، و للمسلم أن يرث الكافر» «8».

______________________________

(1) عبد اللَّه بن أعين و عبد الرحمن بن أعين، و الأول روى عن الباقر و الثاني عن الصادق (عليهما السّلام) (منه قدس سره).

(2) الموجود في المصادر قول الباقر (عليه السّلام) فقط في كلتي الروايتين: رواية عبد اللَّه بن أعين في الكافي 7: 143، 4، و التهذيب 9: 366، 1305، رواية عبد الرحمن بن أعين في الفقيه 4: 243، 780، و الاستبصار 4: 190، 709، و رواهما في الوسائل 26: 12 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 4.

(3) و هو قول أبي جعفر (عليه السّلام) لعبد الرحمن بن أعين، التهذيب 9: 370، 1321، الإستبصار 4: 192، 719، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 19.

(4) أي أحد ابني أعين و هو عبد الرحمن (منه قدس سره).

(5) الفقيه 4: 244، 782، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 6. و فيهما «عزّاً» بدل «شدّة».

(6) التهذيب 9: 367، 1312، الإستبصار 4: 191، 716، الوسائل 26: 15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 17.

(7) أبي خديجة هذا هو سالم بن مكرم، و لا يبعد توثيقه فتكون الرواية صحيحة، إذ ليس في رجاله من يتوقف في شأنه دونه (منه قدس سره).

(8) الفقيه 4: 244، 785، التهذيب 9: 372، 1329، الوسائل 26: 12 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 21

و الرضوي: «و اعلم أنّه لا يتوارثان أهل الملّتين، نحن نرثهم و لا يرثونا، و لو أنّ رجلًا مسلماً أو ذميّاً ترك ابناً مسلماً و ابناً ذميّاً لكان الميراث من الرجل

المسلم و الذمي للابن المسلم» «1».

و فيه أيضاً: «و لو مات مسلم و ترك امرأة يهوديّة أو نصرانيّة لم يكن لها ميراث، و إن ماتت هي ورثها الزوج المسلم» «2» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة «3».

و عدم شمول الجميع لجميع أصناف الكفّار لا يضرّ؛ لعدم القول بالفصل. مع كون كثير منها عاما شاملًا للجميع. و ضعفها بعد الانجبار بالعمل و الاعتضاد بالإجماعين غير ضائر.

و يدلّ على المطلوب أيضاً الأخبار الآتية «4» الدالّة على أنّ من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له، كما لا يخفى .

و قد يستدلّ عليه أيضاً بوجوه ضعيفة أُخرى لا فائدة في ذكرها.

المسألة الثانية: المسلم يرث الكافر أصليّاً كان أم لا

. خلافاً لأكثر العامّة فنفوا التوارث من الجانبين، و نسبوه إلى علي (عليه السّلام) و زيد و عامة الصحابة «5»، و هو فِرية بلا مِرية.

لنا

: إجماع أصحابنا الكاشف عن قول الحجّة المحقّق، و المحكيّ في الاستبصار و الانتصار و التحرير و المسالك و التنقيح و ظاهر الكفاية «6».

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السّلام): 290، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

(2) فقه الرضا (عليه السّلام): 290، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1.

(4) في ص 28.

(5) بداية المجتهد 2: 352، المغني و الشرح الكبير 7: 166.

(6) الاستبصار 3: 191، الانتصار: 302، التحرير 2: 171، المسالك 2: 311، التنقيح 4: 132، كفاية الأحكام: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 22

و ما عدا الاولى من الروايات المتقدّمة. و لعموم آيات الإرث و رواياته، خرج إرث الكافر من المسلم بالإجماع فيبقى الباقي.

و يؤكّده الاعتبار، كما قال في الفقيه قال: فإنّ اللَّه عزّ و جلّ

حرّم على الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم، كما حرّم على القاتل عقوبة لقتله، و أمّا المسلم فلأيّ جرم و عقوبة يُحْرَم الميراث «1»؟! و أشار إلى ذلك الاعتبار في بعض ما تقدّم من الأخبار بمثل قوله (عليه السّلام): «لم يزده الإسلام إلّا عزّاً».

احتجّوا

بما رووه عن أُسامة عنه (صلّى اللَّه عليه و آله): «لا يرث المسلم الكافر، و لا الكافر المسلم» «2».

و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله): «لا يتوارث أهل ملّتين» «3».

قلنا

: ثبوت الرواية عنه ممنوع، على أنّه يمكن حمل الأخيرة على نفي التوارث من الجانبين كما هو مقتضى التفاعل، و هو لا ينافي ثبوته من طرف، و قد فسّر التوارث بهذا المعنى في كثير من الروايات المتقدّمة، و بهذا يحمل ما ورد في روايات أصحابنا أيضاً من نفي التوارث بين أهل ملّتين على الإطلاق، كموثقتي ابن سدير «4» و جميل «5»، و رواية ابن حمران «6».

______________________________

(1) الفقيه 4: 243.

(2) صحيح مسلم 3: 1233، 1614.

(3) سنن البيهقي 6: 218.

(4) التهذيب 9: 366، 1308، الإستبصار 4: 190، 712، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 20.

(5) التهذيب 9: 367، 1309، الإستبصار 4: 190، 713، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 21.

(6) التهذيب 9: 367، 1310، الإستبصار 4: 190، 714، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 23

و يمكن حملها على التقية أيضاً، كما تحمل عليها موثّقة البصري قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «قضى أمير المؤمنين في نصراني اختارت زوجته الإسلام و دار الهجرة، أنّها في دار الإسلام لا تخرج منها، و أنّ بضعها في يد زوجها النصراني، و أنّها لا

ترثه و لا يرثها» «1».

و رواية عبد الملك بن عمير القبطي، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): أنّه قال للنصراني الذي أسلمت زوجته: «بضعها في يدك، و لا ميراث بينكما» «2».

و يؤكد هذا الحمل في الأخير كون بعض رجاله من العامّة، فإن منهم أُميّ الصيرفي أبو ربيعة المرادي، و هو منهم، و وثّقه ابن حجر في تقريبه، و منهم عبد الملك المذكور، و هو أيضاً منهم، ذكره فيه أيضاً و طعن في حفظه، و ظهر منه مفاسد كثيرة «3».

المسألة الثالثة [ميراث الكافر للمسلم و إن بعد دون الكافر و إن قرب ]:

المعروف من مذهب الأصحاب أنّه لو مات كافر و له ورثة كافر و مسلم كان ميراثه للمسلم و إن بَعُد كمولى نعمة أو ضامن

______________________________

(1) التهذيب 9: 368، 1314، الإستبصار 4: 191، 718، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 23.

(2) التهذيب 9: 367، 1311، الإستبصار 4: 191، 715، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 22.

(3) فإنّه هو الذي روى حديث ما طلعت الشمس و لا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر، و كان مع عسكر الشام في حرب الحسين (عليه السّلام)، و كلّما وصل إلى واحد من عسكر الحسين (عليه السّلام) و قد رمي من فرسه إلى الأرض قطع رأسه من بدنه، و هو الذي روى عن أُسيد بن صفوان راوي الزيارة المعروفة بزيارة الخضر لأمير المؤمنين أنّ أمير المؤمنين لمّا مات أبو بكر زاره بتلك الزيارة، و هو أيضاً قال عبد اللَّه بن يقطر رضيع الحسين (عليه السّلام) و رسوله إلى ابن زياد بالكوفة فأمر به ابن زياد فرمي من فوق القصر مكشوفاً فوقع على الأرض و به رمق فذبحه عبد الملك، و روى عنه البخاري حديث كفر

أبي طالب في آخر باب صفة أهل الجنة و النّار بواسطتين، و مع ذلك كلّه كان مشهوراً بسوء الولادة أيضاً (منه قدس سره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 24

جريرة دون الكافر و إن قرب كالولد. و ادّعى عليه الإجماع في المفاتيح «1»، و نفى عنه الخلاف في السرائر و المسالك «2» و غيرهما «3».

و تدلّ عليه رواية الحسن بن صالح المتقدّمة «4».

و رواية مالك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن نصراني مات و له ابن أخ مسلم و ابن أُخت مسلم، و للنصراني أولاد و زوجة نصارى قال، فقال: «أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما ترك، و يعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار ممّا ورثا من أبيهم حتّى يدركوا» قيل له: كيف ينفقان؟ قال، فقال: «يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، و يخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم» قيل له: فإن أسلم الأولاد و هم صغار؟ قال، فقال: «يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتّى يدركوا، فإن بقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثهم إليهم، و إن لم يبقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه و ابن أُخته المسلمَين، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، و يدفع إلى ابن أُخته ثلث ما ترك» «5».

و حكم في الدروس بكون الرواية صحيحة «6».

و مرفوعة ابن رباط، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لو أنّ رجلًا ذمّيا

______________________________

(1) المفاتيح 3: 312.

(2) السرائر 3: 266، المسالك 2: 311.

(3) الرياض 2: 335.

(4) في ص: 17.

(5) الكافي 7: 143، 1، الفقيه

4: 245، 788، التهذيب 9: 368، 1315، الوسائل 26: 18 أبواب موانع الإرث ب 2 ح 1.

(6) الدروس 2: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 25

أسلم و أبوه حي و لأبيه ولد غيره ثمّ مات الأب ورثه المسلم جميع ماله، و لم يرثه ولده و لا امرأته مع المسلم شيئاً» «1».

و ما تقدّم من قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه «2». و فيه أيضاً: «و كذلك من ترك ذا قرابة مسلمة و ذا قرابة من أهل ذمّة ممّن قرب نسبه أو بعد لكان المسلم أولى بالميراث من الذمّي، و لو كان الذمّي ولداً و كان المسلم أخاً أو عمّاً أو ابن أخ أو ابن عم، أو أبعد من ذلك، لكان المسلم أولى بالميراث من الذمّي، كان الميت مسلماً أو ذمّيا» «3».

و يدلّ عليه أيضاً ما سيأتي من أخبار من أسلم على الميراث قبل قسمته «4»، كما لا يخفى .

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما في المسالك من حصر المستند في خبر ابن صالح «5».

ثمّ بعد تحقّق الشهرة العظيمة الّتي كادت أن تكون إجماعاً لا يضرّ ضعف المستند، مع أنّ في روايات من أسلم على الميراث ما ليس بضعيف، هذا.

و أمّا ما رواه التميمي مرسلًا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد مسلمون و أولاد غير مسلمين، فقال: «هم على

______________________________

(1) الكافي 7: 146، 1، التهذيب 9: 371، 1326، الإستبصار 4: 193، 723، الوسائل 26: 24 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 1.

(2) راجع ص: 19.

(3) فقه الرضا (عليه السّلام): 290، بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

(4) انظر ص 18.

(5) المسالك 2: 311.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 26

مواريثهم» «1». فمع ما فيه من الإرسال لا دلالة له، إذ معنى كونهم على مواريثهم أنّهم على ما استحقّوا من المواريث، و استحقاق غير المسلمين محل الكلام. و جوّز في التهذيبين حمله على التقية أيضاً «2».

المسألة الرابعة [ميراث المرتد للمسلم مطلقا و للإمام إن مات و لم يرثه سوى الكافر]:

إذا مات المرتد فإن كان له وارث مسلم كان الميراث له، كان معه كافر أو لا، قرب أم بعد. و يدلّ عليه بعد الإجماع، ما مرّ من اختصاص الوارث المسلم بإرث الكافر.

و إن لم يكن له وارث غير الكافر، فالمشهور أنّه يرثه الإمام و لا شي ء للكافر، فطرياً كان المرتد أم ملّيّاً، بل نفي عنه الخلاف في الأوّل «3».

و صريح المقنع كظاهر الفقيه و الاستبصار: أنّ ميراثه للكافر إن ارتدّ عن ملّة «4»، و رواه ابن الجنيد في الأحمدي، عن ابن فضّال و ابن يحيى، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و قال: لنا في ذلك نظر «5».

للمشهور: تنزيله منزلة المسلم في كثير من الأحكام، كقضاء عبادته الفائتة من الردّة.

و كونه في حكمه حيث لا يقبل منه إلّا الإسلام أو القتل.

و موثّقة أبان على ما في الفقيه «6» عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): في الرجل

______________________________

(1) الكافي 7: 146، 2، التهذيب 9: 371، 1327، الإستبصار 4: 192، 722، الوسائل 26: 24 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 2.

(2) التهذيب 9: 371، الإستبصار 4: 192.

(3) كما في الرياض 2: 339.

(4) المقنع 1: 179، الفقيه 4: 245، الاستبصار 4: 189.

(5) المختلف: 751.

(6) حيث روى فيه أبان عن الصادق (عليه السّلام) بلا واسطة، و أما على طريق الكافي و التهذيب فمرسل لتوسيط عمن ذكره (منه قدس سره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 27

يموت مرتداً عن

الإسلام و له أولاد و مال فقال: «ماله لولده المسلمين» «1».

حيث إنّ تقييد الولد بالمسلمين يدلّ بمفهوم القيد على عدم كون إرثه لأولاده الكافرين، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفار بالإجماع أو فحوى الخطاب، فانحصر الميراث للإمام.

و يضعّف الأوّل: بالمعارضة بالنجاسة، و الدعوة أو القتل، و عدم توريثه من المسلم، و غيرها. و بعدم ثبوت حجّية مثل هذا التنزيل.

و الثاني: بأنّ هذه الحيثيّة لا توجب كونه في حكمه.

و الثالث: بأنّ الكلام فيمن لم يكن له ولد مسلم، و المفهوم مفهوم وصف لا حجيّة فيه، سيّما مع احتمال كونه وارداً مورد الغالب كما قيل «2».

للمقنع: موثقة إبراهيم بن عبد الحميد على ما في الفقيه «3»، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده النصارى» و مسلم تنصّر ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده المسلمين» «4».

و صحيحة محمّد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرتد فقال: «يقسّم ما ترك على ولده» «5».

______________________________

(1) الفقيه 3: 92، 342، الوسائل 26: 28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.

(2) انظر رياض المسائل 2: 339.

(3) فإن في الفقيه روى عن ابن أبي عمير و طريقه إليه صحيح عن إبراهيم، عن الصادق (عليه السّلام)، و أما على ما في التهذيب حيث روى فيه عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم، عن رجل فيكون الحديث مرسلًا (منه قدس سره).

(4) الفقيه 4: 245، 789، التهذيب 9: 377، 1346، الإستبصار 4: 193، 724، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1.

(5) الكافي 7: 153، 4، التهذيب 9: 373، 1333، الوسائل 26: 27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19،

ص: 28

و موثقة الساباطي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: «كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن دين الإسلام» إلى أن قال: «و يقسّم ماله على ورثته» «1».

و صحيحة الحنّاط عنه (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل ارتدّ عن دين الإسلام، لمن يكون ميراثه؟ قال: «يقسم ميراثه على ورثته على كتاب اللَّه» «2».

و عموم آيات الإرث و رواياته، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و أُجيب «3» عن الموثّقة: بالحمل على الصغير من الولد تارة.

و لا يخفى ما فيه.

و على التقية أُخرى «4»، لموافقته لمذهب العامّة.

و فيه: أنّها غير ثابتة، مع أنه لا موجب للحمل.

و عن الصحاح: بكونها مبنيّة على الغالب، من كون ورثة المرتد عن الإسلام مسلمين «5».

و فيه: أنّه لو سلّم فإنّما هو في الفطري دون الملي.

و المسألة محلّ إشكال، حيث إنّ الحدس «6» يأبى عن ذهاب فحول العلماء و معظم الفقهاء إلى قول بلا مستند، مع دلالة الأخبار على خلافه.

______________________________

(1) الكافي 7: 257، 11، الفقيه 3: 89، 333، التهذيب 10: 136، 541، الإستبصار 4: 253، 957، الوسائل 28: 324 أبواب حد المرتد ب 1 ح 3.

(2) الكافي 7: 152، 2، الفقيه 4: 242، 771، التهذيب 9: 374، 1334، الوسائل 26: 27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 3.

(3) انظر الرياض 2: 339.

(4) كما في النهاية: 667.

(5) انظر الرياض 2: 339.

(6) في «س»: العقل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 29

و إنّ جواز الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة و الموثقة و العمومات الكثيرة بمجرد هذا الاستبعاد و عدم ثبوت الإجماع و فقد المخرج غير معلوم.

و قول المقنع لا يخلو عندي من قوّة. و اللَّه العالم.

و لو رفعنا اليد من هذه الأخبار الخاصّة بمخالفة

الشهرة العظيمة للقدماء و الشذوذ فلا يمكن رفعها عن عمومات الكتاب و السنّة، و مع ذلك مظنة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحقّقة. و اللَّه العالم.

المسألة الخامسة [الإمام يرث المسلم إذا لم يكن له ورثة غير الكفار]:

إذ عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلم، فلو مات و كان له ورثة كفّار لا غير لم يرثوه و ورثه الإمام. أمّا الأوّل فلما مرّ. أمّا الثاني فلأنّ الإمام وارث من لا وارث له كما يأتي. و تدلّ عليه خصوص صحيحة أبي بصير المتقدّمة «1».

و قد يستدلّ أيضاً بصحيحة سليمان بن خالد: في رجل مسلم قتل و له أب نصراني لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين، لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين» «2».

و لا خلاف فيه أيضاً بين الأصحاب كما صرّح به غير واحد «3».

المسألة السادسة [إسلام الكافر على الميراث قبل القسمة و بعدها]:

لو أسلم الكافر على ميراث كافر أو مسلم قبل قسمته شارك أهله مع المساواة مرتبة و إسلاماً. و اختص به مع التقدّم فيهما أو في أحدهما. و لو أسلم بعدها فلا شي ء له.

للإجماع، و المستفيضة من الصحاح و غيرها.

منها: صحيحة أبي بصير: عن رجل مسلم مات و له أُمّ نصرانيّة و له

______________________________

(1) في ص 16.

(2) الفقيه 4: 243، 775، التهذيب 9: 370، 1322، الوسائل 26: 22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 6.

(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 278، و صاحب الرياض 2: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 30

زوجة و ولد مسلمون قال: فقال: «إن أسلمت أُمّه قبل أن يُقسَّم ميراثه اعطيت السدس» قلت: فإن لم يكن له امرأة و لا ولد و لا وارث له سهم في الكتاب من المسلمين و له أُمّ نصرانيّة و له قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت امّه فإنّ جميع ميراثه لها، و إن لم تسلم امّه و أسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب

فإنّ ميراثه له، و إن لم يسلم من قرابته أحدٌ فإنّ ميراثه للإمام» «1».

و حسنة ابن مسكان: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه، و إن أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له» «2».

و في حسنة ابن مسلم: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم الميراث فهو له، و من أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له» «3».

و موثقة البقباق: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له» «4».

و موثقة ابن مسلم: في رجل يسلم على الميراث قال: «إن كان قسّم فلا حقّ له، و إن كان لم يقسّم فله الميراث» «5». إلى غير ذلك.

و كذا لو كان الوارث واحداً سوى الإمام أو أحد الزوجين فالمال له، و لا ينتقل إلى من أسلم بعد الموت. و لا أعرف فيه أيضاً خلافاً، و في

______________________________

(1) الكافي 7: 144، 2، الفقيه 4: 244، 787، التهذيب 9: 369، 1316، الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.

(2) الكافي 7: 144، 3، التهذيب 9: 369، 1317، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 2.

(3) الكافي 7: 144، 4، التهذيب 9: 369، 1318، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 3.

(4) التهذيب 9: 370، 1320، الوسائل 26: 22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 5.

(5) الفقيه 4: 237، 758، التهذيب 9: 336، 1211، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 31

السرائر و التنقيح ادّعى الإجماع عليه «1».

و وجهه أنّه قد استحقّ المال عند الموت و انتقل إليه و حصل في ملكه، فالانتقال منه يحتاج إلى دليل. و أخبار من أسلم قبل القسمة لا

توجب الانتقال، لأنّ القسمة إنّما تتصوّر إذا كان بين نفسين فصاعداً، و لا تتأتى في الواحد على حال، فلا قبليّة مع الوحدة و لا بعديّة، إذ القبليّة من الأُمور الإضافيّة فهي لا تتحقق إلّا فيما أمكن له البعديّة و هي منتفية هنا، فهي ظاهرة في صورة إمكان القسمة.

و لو كان الواحد هو الإمام فالمسلم أولى وفاقاً للأكثر؛ لصحيحة أبي بصير المتقدّمة الخاصّة الناصّة.

و تدلّ عليه أيضاً صحيحة أبي ولّاد، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مسلم قتل مسلماً عمداً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل ذمّته من قرابته فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه، يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل و إن شاء عفا و إن شاء أخذ الدّية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره» الحديث «2».

و قيل: الإمام أولى ؛ لأنّه واحد فلا قسمة. و نسب إلى النهاية «3»، و لم أجده فيها، و إلى المبسوط «4»، و الحلي «5»، و ظاهر النافع أيضاً «6».

______________________________

(1) السرائر 3: 268، التنقيح 4: 133.

(2) الكافي 7: 359، 1، الفقيه 4: 79، 248، التهذيب 10: 178، 697، علل الشرائع: 581، 15، الوسائل 29: 124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.

(3) كما في التنقيح 4: 133.

(4) المبسوط 4: 79.

(5) حكاه عنه في التنقيح 4: 133. و الموجود في السرائر 3: 268، إذا كان الوارث المسلم واحداً استحق بنفس الموت الميراث و لا يرد على من أسلم بعد الموت من الميراث شي ء على حال لأن هاهنا لا تتقدر القسمة.

(6) المختصر النافع: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 32

و قيل:

المسلم أولى إن كان إسلامه قبل النقل إلى بيت المال، و الإمام أولى إن كان بعده. و هو مختار المبسوط و الوسيلة و الإيجاز و الإرشاد «1» و الإيضاح «2».

و الكل ضعيف، بعد ورود النصّ الصحيح المنجبر «3» بخلافه.

و لو كان أحد الزوجين فيبنى على الأقوى على أنّ الزوجين إذا لم يكن وارث غيرهما هل يردّ الفاضل عليهما، أم لا يردّ على أحدهما أصلًا، أم يردّ على الزوج دون الزوجة؟

فعلى الأوّل لا يؤثّر الإسلام أصلًا، للوحدة المنافية للقسمة الموجبة لتوريث المسلم قبلها.

و على الثاني اعتبرت المقاسمة مع أحدهما و الإمام قبل الإسلام و بعده فيهما، لإمكانها.

و على الثالث اعتبرت فيمن يردّ عليه دون الآخر.

و الشيخ في النهاية كالقاضي شارك المسلم مع الزوج مع اختيار الردّ عليه «4».

و نصره في النكت محتجّاً بأنّ الردّ إنّما يستحقّه الزوج إذا لم يوجد وارث محقّق أو مقدر أي من يصلح أن يكون وارثاً و المقدر هنا موجود.

و بأن استحقاق الزوج الفاضل ليس أصليّاً، بل لفقد الوارث و كونه أقوى من الإمام، فيجري في الفاضل مجراه، و هو ممنوع إذا أسلم «5».

______________________________

(1) المبسوط 4: 79، الوسيلة: 394.

(2) الإيضاح 4: 175، الموجود فيه اختيار القول الأول، و لكن الذي نسبه إليه هو الصيمري في غاية المرام كما في مفتاح الكرامة 8: 29.

(3) كذا في جميع النسخ، و الصحيح لا يحتاج إلى الانجبار.

(4) النهاية: 664. و القاضي في المهذب 2: 157.

(5) نكت النهاية 3: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 33

و يضعّف الأول أولًا: بمنع وجود المقدّر هنا، فإنّه عين المتنازع فيه.

و ثانياً: بأن استحقاق الزوج للتركة و انتقالها إليه إنّما هو بعد الموت كلّها فرضها و ردّها إذا لم يكن

وارث و الوارث حقيقة في المحقق، و اعتبار المقدّر لا دليل عليه. مع أنّ في اعتباره إيقاف الفاضل إلى موت الكافر أو إسلامه، لوجود التقدير و عدم دليل على زواله في حال، و بعد الانتقال إليه لا ينتقل منه إلّا بناقل، و هو غير متحقق، لتحقق الوحدة المذكورة.

و الثاني: بأنّ الفرق بين الاستحقاق الأصلي و غيره لا دخل له في الحكم، بعد ثبوته في الجملة عند عدم الوارث حين انتقال الإرث.

المسألة السابعة [ارتداد أحد الورثة بعد الموت أو قبل القسمة]:

لو ارتدّ أحد الورثة بعد الموت فسهمه في حكم مال المرتد، و هو لوارثه كما يأتي و لو كان الارتداد قبل القسمة؛ لحصول الانتقال إليه، فيكون في حكم ماله.

المسألة الثامنة [تبعية الطفل في الإسلام لأحد أبويه ]:

إذ عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلم و هو محجوب به، فإن كان الوارث بالغاً فالحكم بكفره أو إسلامه واضح.

و إن كان طفلًا فهو في الإسلام تابع لأحد أبويه، فلو كان الأبوان أو أحدهما مسلماً وقت العلوق يحكم بإسلام الطفل، و كذا لو أسلما أو أحدهما بعده قبل البلوغ. و لا أعرف في ذلك خلافاً بين الأصحاب، و قال في المسالك: و الحكم في ذلك موضع وفاق «1»، و نفى الخلاف في أصل التبعيّة في الكفاية و المفاتيح «2».

و كذا لا خلاف في التبعيّة في الكفر إذا كان أبواه معاً كافرين، و في التنقيح الإجماع عليها بالخصوص «3».

______________________________

(1) المسالك 2: 312.

(2) الكفاية: 289، المفاتيح 3: 312.

(3) التنقيح 4: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 34

و قيل «1»: و لعلّ التبعيّة في الإسلام و الكفر للأبوين من الضروريّات، يمكن استنباطها من الأخبار المتواترة معنى ، المتشتتة في مواضع كثيرة كأبواب المواريث، و الحدود، و الجهاد، و الوصية.

و تدلّ على التبعيّة في الجملة رواية زيد بن علي: «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فإن أبى قتل» «2».

و موثقة أبان على ما في الفقيه: في الصبي إذا شبَّ فاختار النصرانيّة و أحد أبويه نصراني أو جميعاً مسلمين، قال: «لا يترك، و لكن يضرب على الإسلام» «3».

و رواية عبيد: في الصبيّ يختار الشرك و هو بين أبويه، قال: «لا يترك، و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً» «4».

وجه الاستدلال بالأخيرتين أنّه لا

شكّ في أنّه لا يجبر غير المرتد على الإسلام من أهل الذمّة بل يترك، و حكم فيهما بجبر صبيّ اختار الكفر بعد البلوغ إذا أسلم أحد أبويه على الإسلام، فيكون مرتداً، و لا ارتداد إلّا بسبق الإسلام.

و لو ارتد الأبوان و هو طفل لم يرتدد، لسبق إسلامه فيستصحب، و إيجاب ارتدادهما لارتداده غير ثابت.

و في إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدات بالأبوين وجهان، و الظاهر الإلحاق إن لم يكن الواسطة حيّاً، و أمّا إذا كان حيّاً ففيه إشكال. و قوّى

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 337.

(2) التهذيب 8: 236، 852، الوسائل 23: 107 أبواب العتق ب 70 ح 1.

(3) الفقيه 3: 91، 341، الوسائل 28: 326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 2.

(4) الكافي 7: 256، 4، التهذيب 10: 140، 553، الوسائل 28: 326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 35

الشيخ «1» كالشهيد في المسالك «2» الإلحاق، و ظاهر التحرير كالكفاية التردد «3».

و على هذا فلو مات مسلم أو كافر و له أولاد كفّار و أطفال أخ مسلم أو أُخت مسلمة، يرثه الأطفال دون الأولاد.

و لو مات مسلم و له أطفال أخ كافر و كانت أُمّهم أيضاً كافرة لم يرثوه.

و لو مات كافر و له ابن كافر و طفل ابن مسلم، ورثه الطفل دون الابن.

و لو مات مسلم و له ابن كافر يرثه طفل ابنه إن مات أبوه، و إلّا ففيه وجهان.

و لو مات الكافر و خلّف أباً و ابناً صغيراً كافرين، فأسلم الأب يرثان معاً.

و لو مات كافر و له جدّ كافر و ابن صغير فأسلم الجدّ قبل القسمة اختصّ الابن بالإرث.

المسألة التاسعة [حكم إنفاق الورثة على أولاد الكافر من تركته حتى يبلغوا]:

روى مالك بن أعين، عن أبي جعفر

(عليه السّلام) كما سبق أنّه لو خلّف نصراني أولاداً صغاراً و ابن أخ و ابن أُخت مسلمَين كان لابن الأخ ثلثا التركة، و لابن الأُخت ثلثها، و ينفقان على الصغار بنسبة حقهما، و إن أسلموا و هم صغار دفعت التركة إلى الإمام، فإن بلغ الأولاد مسلمين فهم أحقّ بها، و إلّا فتعطى الوارثين «4».

و أفتى بمضمونها معظم القدماء و جمع من المتأخّرين، منهم الشيخان و الصدوق و القاضي و ابن زهرة و الحلبي و الكيدري و نجيب الدين

______________________________

(1) حكاه عنه في التحرير 2: 171.

(2) المسالك 2: 312.

(3) التحرير 2: 171، كفاية الأحكام: 289.

(4) راجع ص: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 36

و الدروس «1»، و نسبه جماعة إلى أكثر المتقدمين أيضاً «2»، و في النكت و الدروس و المسالك نسبته إلى الأكثر و المعظم مطلقاً «3».

و كثير منهم طردوا الحكم إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد مطلقاً، كما طردوه إلى الكافر كذلك، و قالوا: إنّ المسلمين ينفقون على الأولاد إلى أن يبلغوا، فان أسلموا دفعت إليهم التركة، و إلّا استقرّ ملك المسلمين عليها.

و ردّها الحلّي و المحقق و العلّامة و التنقيح و المسالك «4» و سائر المتأخرين، و أقرّوا الإرث على المسلمين، و أنكروا وجوب الإنفاق، محتجّين بوقوع الإجماع على تبعيّة الولد لأبويه في الكفر، و اختصاص المسلم بالإرث إلّا أن يسلم الكافر قبل القسمة، و حرمانه لو لم يسلم قبلها، صغيراً كان أو كبيراً كما ثبت.

و أجاب في الدروس بأن الخروج عن الأُصول جائز إذا قام عليه دليل «5». قيل «6»: إنّ قيام الدليل ممنوع، كيف؟! و هو يتوقّف على صحة الرواية، و هي ممنوعة، و إن قال بها في المختلف و التحرير

و الدروس

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 701، الطوسي في النهاية: 665، الصدوق في المقنع: 176، القاضي في جواهر الفقه: 167، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلبي في الكافي في الفقه: 375، نجيب الدين في الجامع للشرائع: 502، الدروس 2: 345، 346.

(2) كما في تحرير الأحكام 2: 171، و التنقيح 4: 135.

(3) حكاه عن نكت الإرشاد في الرياض 2: 337، الدروس 2: 346، المسالك 2: 312.

(4) الحلي في السرائر 3: 269، المحقق في الشرائع 4: 13، العلّامة في تحرير الأحكام 2: 172، التنقيح 4: 135، المسالك 2: 312.

(5) الدروس 2: 346.

(6) انظر رياض المسائل 2: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 37

و الغاية و المهذب «1»، و تحقّق الشهرة الجابرة غير معلوم.

و فيه أوّلًا: عدم ضير ضعف السند بعد اعتبار الرواية.

و ثانياً: أنّه لو سلّم ينجبر بشهرة القدماء المحققة قطعاً، حتى قيل: إنّه لا يرى منهم مخالف عدا الحليّ «2»، أو بالشهرة المحكية مستفيضة، و هي كافية في الجبر، مع أنّها صحيحة عن السراد المجمع على تصحيح ما يصح عنه، و مثلها في قوّة الصحيحة، و مع ذلك وصفها كثير من الأصحاب بل أكثرهم كما عن التقي المجلسي «3» بالصحة، كما هي مقتضى بعض نسخ الفقيه، حيث أسندها إلى عبد الملك و مالك ابني أعين معاً، فالرواية معتبرة، و للخروج بها عن مقتضى الاصول صالحة، و مثله ليس بعزيز، فعليه الفتوى .

و أمّا القول بأنّها لا تخالف الأُصول، من حيث إنّ الولادة على الفطرة، فهم بحكم المسلمين إلّا أن يبلغوا و يعرفوا الكفر.

ففيه: أنّه خلاف الإجماع، لجواز استرقاقهم كما يسترقّ أبواهم، بل يخالف الرواية حيث حكم فيها بعدم استحقاقهم إلّا أن يسلموا و هم صغار.

ثمّ

إنّ الرواية لما كانت مشهورة بالاعتبار تصدّى العاملين بها و الرادّين لها لتوجيهها بوجوه لا فائدة في ذكرها.

و هل يختصّ الحكم بالمورد كما عن ظاهر الأكثر، أم يطرد بالاطرادين المتقدمين، أو أحدهما كما عن بعضهم «4»؟ الحق هو الأوّل.

المسألة العاشرة [توارث المسلمين بعضهم بعضا و إن اختلفوا في المذاهب ]:

المسلمون يتوارثون، بمعنى أنّ بعضهم يرث

______________________________

(1) المختلف: 740، تحرير الأحكام 2: 172، الدروس 2: 345.

(2) انظر رياض المسائل 2: 337.

(3) روضة المتقين 11: 387.

(4) انظر: المقنعة: 701، و النهاية: 665، و الكافي في الفقه: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 38

بعضاً و إن اختلفوا في المذاهب، ما لم يخرجوا به عن سمة الإسلام، و لم يدخلوا في عنوان الكافر، وفاقاً للمشهور.

و خلافاً للمفيد في أكثر نسخ المقنعة، فيرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة و المرجئة «1» و الخوارج من الحشوية، و لا يرثوه «2».

و للحلبي، فيرث المسلم المجبّر و المشبّه و جاحد الإمامة، و لا عكس «3».

لنا

: عموم أدلّة التوارث، و عدم ما يصلح للتخصيص. و لم أعثر للمخالف على دليل، و يمكن أن يكون بناؤه على تكفيرهم، و هو صحيح إن ثبت المبنى، لعمومات منع الكافر عن إرث المسلم، و لكن الكلام في المبنى .

و منه يظهر حكم المنكر لضروري الدين، فإنّه لو لزم من إنكاره إنكار صاحب الدين و رجع إليه بأن لم تحتمل الشبهة في حقّه يمنع من إرثه و إن أظهر الشهادتين، لأن إيجابهما للإسلام إنّما هو إذا لم يقارنه ما ينافيهما قولًا أو فعلًا و يدلّ على اعتقاد خلافهما.

و كذا الكفّار يتوارثون على اختلاف مللهم كما يأتي.

و خالف فيه الثاني أيضاً فيرث كفّار ملتنا غيرهم و لا عكس «4»،

______________________________

(1) المرجئة بالهمزة و المرجية بالياء مخففة: من الإرجاء، أرجأت الأمر أي آخرته،

و هم فرقة من فرق الإسلام يزعمون أنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون و يعتقدون أن اللَّه تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخّره عنهم الصحاح 1: 52، القاموس 1: 16؛ راجع كتاب المقالات و الفرق: 5 فرقة 14، و مجمع البحرين 1: 177.

(2) انظر المقنعة: 701.

(3) الكافي في الفقه: 375، قال: لا يرث الكافر المسلم .. و يرث المسلم الكافر و إن بعد، كابن خال مسلم لموروث مسلم، أو كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة ميراثه لابن خاله المسلم.

(4) الكافي في الفقه: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 39

و اختاره في التنقيح إن كان المراد كفر من أظهر كلمة الشهادة، محتجّاً بأنّ لهم خصوصية بذلك على غيرهم «1».

و فيه: أنّها لو سلّمت فإيجابها لمنع التوارث ممنوع، و قوله: «الإسلام يَعلو و لا يُعلى عليه» «2» لا يفيد، لكون الصغرى ممنوعة.

و أمّا ما في موثقة حنان من أنّه لا يتوارث أهل ملتين «3»، فمحمول على ملتي الإسلام و الكفر، كما يشعر به كثير من الأخبار المتقدّمة، و صرّح به غير واحد من الأصحاب «4». و لو سلّم عمومها فلا يفيد أيضاً، لجواز إرادة نفي التوارث من الجانبين، و لمّا لم يتعين الجانب الممنوع فيكون كلّ منهما باقياً على مقتضى الأصل.

و قد يقال: بكون الكفر كلّه ملة واحدة فليس فيه ملّتان. و هو خلاف الظاهر، و ما ذكروا في بيانه ضعيف.

المسألة الحادية عشرة [توارث الكفار بعضهم بعضا ما لم يكن هناك وارث مسلم خاص ]:

الكفار يتوارثون بعضهم من بعض إذا لم يكن هناك وارث مسلم خاص، بلا خلاف فيه ظاهر كما صرّح به غير واحد منّا «5».

لعموم أدلّة الإرث، و سلامتها عن المعارض في محلّ البحث، لاختصاصه بما إذا

كان هناك وارث خاص مسلم.

و لمرسلة ابن أبي عمير: في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد غير

______________________________

(1) التنقيح 4: 138.

(2) الفقيه 4: 243، 778، الوسائل 26: 14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.

(3) التهذيب 9: 366، 1308، الإستبصار 4: 190، 712، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 20.

(4) كالطوسي في النهاية: 666، الشهيد الثاني في المسالك 2: 312.

(5) منهم السبزواري في الكفاية: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 40

مسلمين، فقال: «هم على ميراثهم» «1».

و لما مرّ من النصوص في ميراث المجوسي «2».

و المستفاد من المرسلة أنّ طريق توريثهم إنّما هو على ملّتهم، و أنّه تجري على أهل الذّمة أحكام مواريثهم على دينهم، و ليست كغيره من الأحكام بأن يكون مخيراً في الحكم أو الردّ على أهل ملتهم.

و يمكن أن يكون المراد بميراثهم ميراث الأولاد على طريقة الإسلام. أو أنّ لهم إرثهم على التخيير المذكور، فلا يمكن الاستدلال به لشي ء من الطرفين، فيجري فيه على قاعدة سائر الأحكام من التخيير.

و في صحيحة أبي حمزة: «إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه لم يكن قسّم قبل الإسلام أنّه كان يجعل للنساء و الرجال حظوظهم منه على كتاب اللَّه و سنّة نبيّه» «3».

و قريبة منها صحيحة محمد بن قيس «4».

و قد يستدل بها على أصل الحكم من توارث الكفّار.

و فيه نظر، لكونها مجملة ذات احتمالات ثلاثة، فلا يمكن الاستدلال بها على شي ء منها.

المسألة الثانية عشرة [كيفية تقسيم تركة المرتد]:

المرتد إمّا فطري أو ملّي، فالأوّل إن كان

______________________________

(1) التهذيب 9: 372، 1330، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 3.

(2) لم يتقدّم البحث عن ميراث المجوسي. انظر: الوسائل 26:

317 أبواب ميراث المجوس ب 1.

(3) الكافي 7: 144، 1، التهذيب 9: 370، 1324، الإستبصار 4: 192، 720، الوسائل 26: 23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 1.

(4) الكافي 7: 145، 2، التهذيب 9: 371، 1325، الإستبصار 4: 192، 721، الوسائل 26: 23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 41

رجلًا تُقسّم تركته من حين ارتداده بين ورثته و إن كان حيّاً، بالإجماع.

لصحيحة محمد، عن الباقر (عليه السّلام): «من رغب عن دين الإسلام و كفر بما أنزل اللَّه على محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله) بعد إسلامه فلا توبة، و وجب قتله، و بانت امرأته، و يقسّم ما ترك على ولده» «1».

و موثّقة الساباطي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: «كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن دين الإسلام و جحد محمداً (صلّى اللَّه عليه و آله) نبوته و كذّبه فإنّ دمه مباح لكل من سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه، و يقسّم ماله على ورثته» الحديث «2»، و غيرهما «3».

و غيره لا تقسّم تركته ما دام حيّاً؛ للأصل، و عدم الدليل.

ثمّ لو مات المرتد فإن كان له وارث مسلم فالمال له، و لا شي ء لوارثه الكافر إن كان، فطريّاً كان المرتد أو مليّاً؛ للإجماع، و لما مرّ.

و إن لم يكن له وارث مسلم فالمشهور سيّما بين المتأخّرين أنّ تركته للإمام، و في بعض العبارات نسبة خلافه إلى الشذوذ «4».

لظاهر الاتّفاق. و لمرسلة أبان: في الرجل يموت مرتداً عن الإسلام و له أولاد و مال، قال: «ماله لولده المسلمين» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 153، 4، التهذيب 9: 373، 1333، الوسائل 26: 27 أبواب موانع

الإرث ب 6 ح 5.

(2) الكافي 7: 257، 11، الفقيه 3: 89، 333، التهذيب 10: 136، 541، الإستبصار 4: 253، 957، الوسائل 28: 324 أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 3.

(3) الوسائل 28: 323 أبواب حد المرتد ب 1.

(4) كما في المفاتيح 3: 312.

(5) الكافي 7: 152، 1، الفقيه 3: 92، 342، التهذيب 9: 374، 1335، الوسائل 26: 28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 42

و الاتّفاق غير ثابت كما يأتي، و المرسلة غير دالّة، لظهورها بل صراحتها في وجود الأولاد المسلمين.

خلافاً للمحكي عن صريح المقنع و ظاهري الفقيه و الاستبصار في الملّي فميراثه لورثته الكفّار «1».

لعمومات الإرث مطلقاً، و عمومات ميراث ورثة المرتد و أنّه لورثته على كتاب اللَّه «2»، و خصوص موثقة إبراهيم عن عبد الحميد: في نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثم مات قال: «ميراثه لولده النصارى» الحديث «3».

و ردّ تارة: بالحمل على التقية، و أُخرى: بالطرح للشذوذ، و ثالثة: بالضعف بالإرسال، و رابعة: بالمخالفة للقاعدة الثابتة من أنّ المرتد بحكم المسلم، و خامسة: بعدم المقاومة للمرسلة المتقدّمة.

و الأوّل مردود: بأنّه فرع وجود المعارض، و الثاني: بكفاية العمومات الكتابيّة و الخبريّة، و الثالث: بأنّها في الفقيه مسندة، مع أنّها عن ابن أبي عمير صحيحة، و الرابع: بأنّ القاعدة كليّة غير ثابتة، و الخامس: بأنّ المرسلة كما مرّ غير دالّة.

فإذاً قول الصدوق هو الأقرب، بل مقتضى الإطلاقات ذلك في الفطري أيضاً، إلّا أنّ ظاهر الإجماع فيه يمنع عن القول به، بل ميراثه مع عدم المسلم للإمام.

______________________________

(1) المقنع: 179، الفقيه 4: 242، الاستبصار 4: 193.

(2) الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6.

(3) الفقيه 4: 245،

789، التهذيب 9: 372، 1328، الاستبصار 4: 193، 724، التهذيب 9: 377، 1346، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 43

و الثاني من الموانع: القتل.
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : القاتل إذا كان متعمّداً بغير حقّ لا يرث

، قريباً كان أو بعيداً، بلا خلاف يعرف، و نقل الإجماع عليه متكرر «1»، و اقتضاء الحكمة له يرشد إليه، إذ لولاه لم يأمن مستعجل الإرث أن يقتل مورثه.

و الدليل الشرعي عليه الأخبار المستفيضة، كصحيحة هشام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): لا ميراث للقاتل» «2».

و رواية أبي بصير عنه (عليه السّلام) قال: «لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه» «3».

و رواية القاسم بن سليمان: عن رجل قتل امّه أ يرثها؟ قال: «سمعت أبي يقول: أيّما رجل ذي رحم قتل قريبه لم يرثه» «4».

و صحيحة الحذاء: في رجل قتل امّه قال: «لا يرثها» «5».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يقتل ابنه، أ يقتل به؟ قال: «لا، و لا يرث أحدهما الآخر إذا قتله» «6».

______________________________

(1) انظر الخلاف 4: 28 30، و الروضة البهية 8: 31، و الرياض 2: 340.

(2) الكافي 7: 141، 5، التهذيب 9: 378، 1352، الوسائل 26: 30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 1.

(3) الكافي 7: 140، 1، التهذيب 9: 377، 1348، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 5.

(4) الكافي 7: 140، 2، التهذيب 9: 377، 1349، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 6.

(5) الكافي 7: 140، 4، التهذيب 9: 378، 1351، الوسائل 26: 30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 2.

(6) التهذيب 10: 238، 948، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 44

و حسنته: «إذا قتل الرجل أباه قُتل به، و إن قتله أبوه لم يُقتل به و لم يرثه» «1».

و صحيحتي عبد اللَّه بن سنان و

جميل، و روايتي جميل و محمّد بن قيس الآتية «2».

و لو تعدّد القاتل مُنعوا جميعاً لو كانوا ورثة، و الوارث إن اختلفوا؛ للإطلاقات.

و لو كان بحقّ كحدّ أو قصاص أو نحوهما يرث كذلك، سواء جاز للقاتل تركه أم لا.

و يدلّ عليه مضافاً إلى عمومات الإرث رواية حفص بن غياث: عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية و الأُخرى عادلة اقتتلوا، فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه و هو من أهل البغي و هو وارثه، أ يرثه؟ قال: «نعم، لأنّه قتله بحقّ» «3».

و ضعفها غير ضائر؛ لانجبارها بالعمل، و اعتضادها بنقل الإجماع. كاختصاصها بالباغي؛ لإيجاب التعليل التعدّي إلى ما سواه.

و بها تقيّد إطلاقات القاتل المتقدمة. و دعوى اختصاصها بحكم التبادر بالقاتل بغير حقّ دعوى موهونة جدّاً.

و إن كان خطأً ففي إرثه و منعه أقوال:

الأوّل للمفيد على نقل و الديلمي و المحقّق و ظاهر المسالك «4»،

______________________________

(1) الكافي 7: 141، 10، التهذيب 9: 378، 1355، الوسائل 26: 30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 4.

(2) في ص 44 و 45 و 50.

(3) الفقيه 4: 233، 748، التهذيب 9: 381، 1364، الوسائل 26: 41 أبواب موانع الإرث ب 13 ح 1.

(4) المفيد في المقنعة: 703، و الديلمي في المراسم: 218، و المحقق في الشرائع 4: 14، المسالك 2: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 45

و اختاره بعض الثالثة «1» و نسبه المحقّق في الشرائع و الفاضل في التحرير و غيرهما في غيرهما إلى الأشهر «2»، و اختاره الشيخ في النهاية و إن عمل بالتفصيل لكونه أحوط «3».

و الثاني للعماني «4».

و الثالث و هو أنّه يرث مما عدا الدية للشيخ و المفيد على نقل

و الإسكافي و السيد و القاضي و الكيدري و الحلبي و ابني حمزة و زهرة و الحلّي و المختلف «5»، و استجوده في القواعد و شرحه «6»، كما استحسنه في التحرير «7»، و قرّبه في الإرشاد، و نسبه في المسالك و النكت و الكفاية إلى أكثر الأصحاب «8» و عن السيد و الشيخ و الحلبيين و الحلّي الإجماع عليه «9».

و ظاهر الدروس و التنقيح التردد مطلقاً «10»، كصريح الكفاية في

______________________________

(1) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 314.

(2) الشرائع 4: 14، التحرير 2: 172، و أُنظر المفاتيح 3: 314.

(3) النهاية: 672.

(4) حكاه عنه في المختلف 2: 742.

(5) الشيخ في النهاية: 672، و حكاه عن المفيد في التهذيب 9: 380، و نقله عن الإسكافي في المختلف 2: 742، و السيد في الانتصار: 307، و القاضي في المهذب 2: 162، و الحلبي في الكافي في الفقه: 375، و ابن حمزة في الوسيلة: 296، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، و الحلّي في السرائر 3: 274، المختلف 2: 743.

(6) القواعد 2: 163، و أُنظر الإيضاح 4: 179، و كشف اللثام 2: 280.

(7) التحرير 2: 172.

(8) المسالك 2: 313، كفاية الأحكام: 290.

(9) السيد في الانتصار: 308، الشيخ في الخلاف 4: 28 30، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 375 و ابن زهرة الحلبي في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلّي في السرائر 3: 274.

(10) الدروس 2: 347، التنقيح 4: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 46

الدية «1».

للأوّل: عمومات الإرث كتاباً و سنة، و رفع المؤاخذة عن الخطاء.

و صحيحة ابن سنان: «عن رجل قتل امّه، أ يرثها؟ قال: «إن كان خطأً يرثها، و إن كان عمداً لم يرثها»

«2».

و صحيحة محمد بن قيس، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل قتل امّه قال: «إن كان خطأً فإنّ له ميراثه، و إن كان قتلها متعمّداً فلا يرثها» «3».

و حسنته عنه (عليه السّلام) قال: «إذا قتل الرجل امّه خطأً ورثها، و إن قتلها عمداً لم يرثها» «4».

و يؤيّد المطلوب انتفاء الحكمة الموجبة لنفي الإرث.

قيل: هذه الروايات قاصرة عن الدلالة على إرثه من الدية المأخوذة منه أو من العصبة، لاختصاصها بحكم التبادر بإرث ما عداها من التركة، على أنّ ما يرث منه غير مذكور، و القرينة على إرادة ما يشمل الدية مفقودة، فلا دلالة لها على إرث القاتل من الدية «5».

قلنا، لو سلّمنا ذلك نقول: إنّ استدلالنا بهذه الأخبار على الإرث من الدية أيضاً ليس باعتبار دلالتها وحدها على ذلك، بل ثبت بها كون القاتل

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 290.

(2) التهذيب 9: 379، 1358، الإستبصار 4: 193، 726، الوسائل 26: 34 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 2.

(3) التهذيب 9: 379، 1357، الإستبصار 4: 193، 725، الوسائل 26: 33 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 1. و لكن الرواية فيها إما موثقة بعلي بن الحسن بن فضال أو ضعيفة بابن أبي المفضل أو ابن بطة.

(4) الفقيه 4: 232، 742، الوسائل 26: 33 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 1.

(5) الرياض 2: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 47

وارثاً مطلقاً، أو وارثاً لسائر الأموال، ثمّ بانضمام الأحاديث المستفيضة من الصحاح و غيرها الآتية في المسألة السابعة «1»، الدالة على أنّ الدية كسائر الأموال، أو يأخذها من يأخذ سائر الأموال، أو يأخذها الورثة على كتاب اللَّه- أي ورثة سائر الأموال يتمّ المطلوب.

و الحاصل أنّه ليس المراد بالاستدلال بتلك

الأخبار إثبات تمام المطلوب بها وحدها، بل يثبت بعضه بها، و بعضه بها و بغيرها، هذا.

على أنّ هذه الروايات توجب تخصيص القاتل في روايات نفي الإرث للقاتل مطلقاً بالعامد، فيبقى الخاطئ تحت عمومات الإرث بلا مخصص.

للثاني: العمومات، و خصوص رواية الفضيل: «لا يرث الرجل الرجل إذا قتله و إن كان خطأً» «2».

و أُجيب: بأنّ العمومات مخصصة. و الرواية مع كونها ضعيفة فإنّها رويت بطرق ثلاثة، اثنان منها يشتمل على محمد بن سنان و الآخر مرسلة «3»

______________________________

(1) في ص 53 و 54.

(2) الكافي 7: 141، 7 و فيه: لا يرث الرجل أباه، التهذيب 9: 379، 1359، الاستبصار 4: 193، 727، و قد وردت فيهما بسندين مرسلين في أحدهما محمَّد بن سنان، الوسائل 26: 34 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 3، و فيه مثل ما في الكافي.

(3) الرواية مروية بخمسة طرق: ثلاثة منها عن الفضيل بن يسار و جميعها مرسلة و في أحدها محمد بن سنان تقدمت الإشارة إليها، و طريقان عن العلاء بن الفضيل و فيهما محمد بن سنان كما في التهذيب و الوسائل أو ابن سنان كما في الكافي. لاحظ الكافي 7: 298، 5، التهذيب 10: 237، 946، الوسائل 26: 35 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 4. فيمكن أن يكون مراده من الطريقين اللذين فيهما محمد بن سنان هو طريقي رواية العلاء بن الفضيل، و من الآخر المرسل هو طرق رواية الفضيل بن يسار الثلاثة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 48

موافقة لمذهب أبي حنيفة و أصحابه، كما صرّح به في الانتصار، و التهذيبين «1»، فحملها على التقية ممكن؛ و مع ذلك حكم الشيخ في النهاية بشذوذها «2».

و للثالث: الجمع بين الدليلين.

و قوله

تعالى وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ «3» و لا يعقل تسليمه أو عاقلته إلى نفسه.

و ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «ترث المرأة من مال زوجها و من ديته، و يرث الرجل من مالها و من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله و لا من ديته، و إن قتله خطأ ورّث من ماله و لا يرث من ديته» «4».

و الأخبار الآتية في أواخر المسألة السابعة «5»، الدالّة بإطلاقها على عدم إرث الزوج أو الزوجة القاتل من الدية شيئاً، سواء كان خطأً أو عمداً؛ و الاختصاص بالزوجين لا يضرّ، لعدم قائل بالفصل.

و ما روي في الصحيح: عن امرأة شربت دواءً و هي حامل و لم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها، قال: فقال: «إن كان له عظم و قد نبت عليه اللحم عليها دية تسلّمها إلى أبيه، و إن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً، أو غرّة تؤدّيها إلى أبيه» قلت: فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال: «لا لأنّها قتلته» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 307، التهذيب 9: 380، الاستبصار 4: 194.

(2) النهاية: 672.

(3) النساء: 92.

(4) سنن البيهقي 6: 221.

(5) في ص 56.

(6) الكافي 7: 141، 6، الفقيه 4: 233، 746، التهذيب 9: 379، 1356، الإستبصار 4: 301، 1130، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 49

و الإجماع المنقول عن السيد و الشيخ و الحلبيين «1».

و يردّ الأوّل: بأنّه لا جمع إلّا مع وجود الدليلين، و هو ممنوع.

و الثاني: بأنّ عدم تعقل التسليم إلى القاتل محض استبعاد.

و الثالث: بأنّ الرواية

ضعيفة غايته، فإنّها و إن كانت خاصة بالنسبة إلى الأخبار الأُول حيث إنّها توجب ثبوت الإرث في الدية و غيرها، و هذه مخصصة بالغير، و لكنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص.

و أمّا الأخبار الآتية، فبالنسبة إلى دليلنا «2» عامّة أو مطلقة، فتخصّص أو تقيّد بقتل العمد.

و أمّا الصحيح فهو ظاهر بل صريح في العمد، حيث قال: «عليها دية» و لو كان خطأ لم يكن الدية عليها، و أيضاً «طرحته» مشعر بذلك، و على فرض العموم فالتخصيص لازم.

و أمّا الإجماع المنقول فلا حجّية فيه، سيّما في مثل هذا المقام الذي ادّعى جمع كثير الشهرة على خلافه. بل يمكن أن يقال: نقل الشهرة معارض لنقل الإجماع فيتساقطان، و لو لم يعارضه لإمكان اجتماعهما فلا أقلّ من تضعيفهما. على أنّ كلام السيّد الذي رأيناه ليس بصريح في نقل الإجماع، بل ظاهره أنّ الإجماع إنّما هو على أصل توريث القاتل خطأ، لا على مجموع الحكم الذي ذكره من توريثه من أمواله و عدم توريثه من الدية، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه في الانتصار.

أقول

: كلّ ما ذكر للأقوال الثلاثة دليلًا و جواباً و رداً له وجه، إلّا

______________________________

(1) السيّد في الانتصار: 308، الشيخ في الخلاف 4: 28 30، أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 375 و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(2) في «س»: أخبارنا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 50

ما قيل في ردّ الرواية النبويّة من أنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص، فإنّها و إن كانت ضعيفة و لكنها مرويّة في كتب أصحابنا الفقهية، منجبرة بدعوى الشهرة العديدة، و حكاية الإجماع المستفيضة، و مثل ذلك لا يقصر عن الصحاح في الحجّية.

و كذا ما ذكر في ردّ الأخبار

الآتية من كونها أعمّ مطلقاً من جميع ما تقدّم، فإنّها ليست كذلك، بل النسبة بينها و بين أخبار القول الأوّل بالعموم من وجه فيتعارضان، و يصلح النبوي للجمع بما تضمنه، بل هو أخص مطلقاً من الجميع فتخصص به.

فالحقّ هو القول الثالث.

و هل يلحق شبه العمد بالعمد أو الخطأ؟

قال في القواعد بالأوّل «1»، و حكي عن أبي علي «2». و بالثاني في التحرير و المختلف «3»، و حكي عن الديلمي «4».

و الأوّل هو الأظهر، لعمومات منع القاتل. و دعوى ظهورها في العامد المحض ممنوعة، و الاحتمال غير ضائر.

و الاستشكال في جواز تخصيص عمومات الإرث مع ذلك الاحتمال- كالأردبيلي لعدم جواز تخصيص القطعي بالظني غير جيد؛ لأنّ شمول عمومات الإرث للقاتل أيضاً ظنّي، بل المتبادر غيره.

و هل يختص المنع بالقتل بالمباشرة، أو يعمّ التسبيب أيضاً فعمدة يمنع و خطؤه لا يمنع؟

______________________________

(1) القواعد 2: 163.

(2) حكاه عنه في المختلف: 743.

(3) التحرير 2: 172، المختلف: 743.

(4) المراسم: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 51

الأوّل محكيّ عن الفضل بن شاذان و العماني «1»، لعدم صدق القاتل على المسبب. و الثاني للقواعد «2».

و لعل الأوّل أظهر، إذ يقال: إنّه صار سبباً للقتل، لا أنّه قتل، و لا أقلّ من الشك فيعمل بالعمومات.

المسألة الثانية:

لا فرق في ذلك بين مراتب النسب و السبب، لعموم الأدلّة.

المسألة الثالثة: لو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث للإمام (ع)

لأنّه وارث من لا وارث له. و ظاهر الشرائع أنّه لبيت مال المسلمين «3»، و به صرّح في صحيحتي الحنّاط في خصوص الدية «4»، و سيأتي تحقيقه و مصرفه حال الغيبة، كما يظهر.

المسألة الرابعة: لا يُمنع من كان تقرّبه بواسطة القاتل

بلا خلاف يعرف، فلو كان له ولد يرث لولا من يحجبه، و كذا ابن الأخ القاتل، لموثقة جميل: في رجل قتل أباه، قال: «لا يرثه، فإن كان للقاتل ابن ورث الجد المقتول» «5». و رواها في الفقيه بطريق حسن.

و روايته، قال: «لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده، و لكن يكون الميراث لورثة القاتل» «6».

______________________________

(1) حكاه عن الفضل بن شاذان في الفقيه 4: 234، و حكاه عن العماني في المختلف: 742.

(2) القواعد 2: 163.

(3) الشرائع 4: 14.

(4) الآتية في ص 51.

(5) الفقيه 4: 232، 741، التهذيب 9: 380، 1361، الوسائل 26: 39 أبواب موانع الإرث ب 12 ح 1.

(6) الكافي 7: 140، 3، التهذيب 9: 378، 1350، الوسائل 26: 40 أبواب موانع الإرث ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 52

و لأنّ القرب الموجب متحقق و المانع منتف، و وجوده في الواسطة غير صالح للمانعية.

فإن قيل: نفس وجودها مانع، لأنّه موجب لأمرين انتقال الإرث إليها، و حجبها لمن يرث بواسطة، و انتفاء أحدهما لا يستلزم انتفاء الآخر.

قلنا: يستلزمه، لأنّ أحدهما معلول للآخر، فينتفي بانتفاء علته. و بتقرير آخر: لانسلّم أنّ المانع نفس وجودها بل توريثها، و يدلّ عليه توريث غير من يتقرب به من الوارث إجماعاً.

المسألة الخامسة: لو كان للقاتل أو معه وارثٌ كافر

مُنعا، و كان الميراث للإمام لولا وارث غيرهما، لوجود المانع في كلّ منهما.

المسألة السادسة: إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام (عليه السّلام)

فله المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي، و ليس له العفو، وفاقاً للمشهور؛ و خلافاً للحلّي فأثبت له الثلاثة «1».

لنا: صحيحة أبي ولّاد، قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يقتل و ليس له ولي إلّا الإمام: «إنّه ليس للإمام أن يعفو، و له أن يقتل أو يأخذ الدية» «2».

و صحيحته الأُخرى : قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مسلم قتل رجلًا مسلماً عمداً إلى أن قال-: قلت له: فإن عفا عنه الإمام؟ قال، فقال: «إنّما هو حقّ جميع المسلمين، و إنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، و ليس له أن يعفو» «3».

و هما بإطلاقهما يتناولان الخطإ أيضاً.

______________________________

(1) السرائر 3: 336.

(2) التهذيب 10: 178، 696، الوسائل 29: 125 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 2.

(3) الكافي 7: 359 ح 1، الفقيه 4: 79، 248، التهذيب 10: 178، 697، علل الشرائع: 581، 15، الوسائل 29: 124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 53

للمخالف: أولويّة الإمام (عليه السّلام) بالعفو.

قلنا: لو كان حقّ الإمام دون جميع المسلمين، على أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

المسألة السابعة [الأقوال في وارث الدية]:
اشاره

اختلفوا في وارث الدية على أقوال:

الأوّل:

أنّه يرثها من يرث غيرها. و هو مختار الشيخ في المبسوط و موضع من الخلاف «1»، و حكي عن ابن حمزة «2» و الفاضل في جنايات القواعد «3»، و نسب أيضاً إلى الحلّي في السرائر و الفاضل في المختلف «4» و أنكرها بعض مشايخنا، و أرجع قولهما إلى أمر آخر «5».

و هو قريب، بل صرّح في السرائر في هذه المسألة بعدم توريث كلالة الأُم من الدية و نفى الخلاف فيه.

و الثاني:

أنّه يرثها من عدا المتقرب بالأُم. ذهب إليه المفيد «6» و الشيخ في النهاية و جنايات الخلاف «7»، و الحلّي في ميراث السرائر «8»، و القاضي و الحلبي و ابن زهرة و الكيدري «9»، و المحقق في جنايات الشرائع و النافع «10»،

______________________________

(1) المبسوط 4: 80، الخلاف 4: 114.

(2) حكاه عنه في الإيضاح 4: 180.

(3) القواعد 2: 163.

(4) نسبه إلى الحلي في الدروس 2: 348، و انظر السرائر 3: 328، المختلف: 742.

(5) انظر رياض المسائل 2: 341.

(6) المقنعة: 702.

(7) النهاية: 673، و حكاه عن جنايات الخلاف في كشف اللثام 2: 280، و انظر الخلاف 2: 356.

(8) السرائر 3: 274، 336.

(9) القاضي في جواهر الفقه: 168، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(10) الشرائع 4: 288، المختصر النافع: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 54

و استقربه في الدروس «1»، كما استجوده في المسالك «2»، و قال في الكفاية: و لعلّه قول الأكثر «3»، و ادّعى عليه الإجماع في الخلاف و السرائر «4».

و الثالث:

أنّه يرثها غير المتقرب بالأُم و بالأب وحده، و هو قول الشيخ في موضع من الخلاف «5».

للأوّل: عموم آيات الإرث و أخباره، و خصوص رواية إسحاق بن عمّار: «إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال» «6».

و رواية العبدي: «الدية تقسّم على من أحرز الميراث» «7».

و للثاني: صحيحة سليمان بن خالد: «قضى أمير المؤمنين في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللَّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين، إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً» «8».

و صحيحة ابن سنان: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ الدية يرثها الورثة،

إلّا الإخوة و الأخوات [من الأُم «9»]، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً» «10».

و صحيحة محمد بن قيس: «الدية يرثها الورثة على فرائض

______________________________

(1) الدروس 2: 348.

(2) المسالك 2: 314.

(3) كفاية الأحكام: 291.

(4) انظر الخلاف 2: 356، السرائر 3: 336.

(5) الخلاف 2: 356.

(6) التهذيب 9: 377، 1347، الوسائل 26: 41 أبواب موانع الإرث ب 14 ح 1.

(7) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، علل الشرائع: 569، 4، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 12.

(8) الكافي 7: 139، 2، الفقيه 4: 232، 744، التهذيب 9: 375، 1338، الوسائل 26: 35 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.

(9) أثبتناه من المصدر.

(10) الكافي 7: 139، 4، التهذيب 9: 375، 1339، الوسائل 26: 36 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 55

المواريث، إلّا الإخوة من الأُم، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً» «1».

و موثقة عبيد بن زرارة: «لا يرث الإخوة من الامّ من الدية شيئاً» «2».

و رواية البقباق: هل للإخوة من الام من الدية شي ء؟ قال: «لا» «3».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه قال: «و اعلم أنّ الدية يرثها الورثة على كتاب اللَّه، ما خلا الإخوة و الأخوات من الأُم، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً» «4».

و هذه الروايات و إن كانت مخصوصة إلّا أنّهم عمّموا الحكم، لمفهوم الموافقة، و عدم القول بالفصل.

و مستند الثالث غير معلوم، نعم يظهر من الصيمري أنّ فيه رواية «5»، و لم أقف عليها و لا نقله غيره.

أقول

: إنّ عموم آيات الإرث و أخباره و شمولها للدّية غير ظاهر، فإنّ الحكم فيها إمّا متعلق بالإرث و الميراث، أو بغيرهما نحو المال و ما

ترك و ما خلّف و غيرها، و عدم شمول الثاني للدّية حقيقة واضح. و أمّا الأوّل، فإمّا نقول بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أو لا، فإن قلنا به فنقول بثبوتها فيما كان مالًا للميت حين حياته، و أما في غيره فغير ثابت، فلا نقول به. و إلّا فيكون مجازاً، فيجب الحمل على الأقرب إن كان، و إلّا فعلى المتيقن، و اختصاصهما بغير الدية من أموال الميت ظاهر، على أنّه لو سلم العموم

______________________________

(1) الكافي 7: 139، 5، التهذيب 9: 375، 1340، الوسائل 26: 37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    56     و الثالث: ..... ص : 54

(2) الكافي 7: 139، 6، التهذيب 9: 376، 1343، الوسائل 26: 37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 5.

(3) الكافي 7: 140، 8، التهذيب 9: 375، 1342، الوسائل 26: 37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 6.

(4) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 290، مستدرك الوسائل 17: 147 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 2.

(5) حكاه عنه في الرياض 2: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 56

فيجب التخصيص، لوجود المخصص الشرعي، و هو ما تمسك به الأكثر من الأحاديث الصحيحة.

و كذا روايتا ابن عمار «1» و العبدي فلا وجه للحكم بالعموم.

و لكن المخصص لا يشمل غير الإخوة و الأخوات، و لذا حكم في الدروس بالقصر على موضع النص و إن قال بعده: و الأقرب منع قرابة الأُم مطلقاً «2»، و استوجهه في المسالك أيضاً «3»، و قال في الكفاية: فالوجه الاقتصار عليهما في الحكم «4».

فعدم التعدّي و الاقتصار على ما خصصه المخصص أولى و أظهر، إلّا أن يثبت عدم القول بالفصل و

هو غير معلوم، و الأولويّة المدعاة بل المساواة ممنوعتان. و دعوى أنّ العرف يفهم من هذه الأحاديث أنّ المراد كل من يتقرب بالامّ دعوى عجيبة.

و أمّا قسمتها على غيرهما من الورثة فليست لعموم آيات الإرث و أخباره، لما عرفت، بل للتصريح بها في صحاح أبناء خالد و سنان و قيس المتقدمة.

و أمّا رواية السكوني: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئاً، و لا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً، و لا الإخوة من الام من الدية شيئاً» «5».

______________________________

(1) و قد يقالُ بعدم دلالة رواية ابن عمّار، فإنّ الثابت منها أنّها تصير مالًا فيحتمل أن يكون لمن يرث الدية. و فيه أنّ الظاهر من قوله «فهي ميراث» أنه يصير مالًا للميت فتأمل. (منه قدس سرّه).

(2) الدروس 2: 348.

(3) المسالك 2: 314.

(4) كفاية الأحكام: 291.

(5) التهذيب 9: 380، 1360، الإستبصار 4: 195، 731، الوسائل 26: 39 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 57

فمع ضعفها بالنوفلي و السكوني و عدم العامل بها و احتمال حملها على التقية كما ذكره الشيخ «1» معارضة بما هو أقوى منها، كحسنة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «المرأة ترث من دية زوجها و يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه» «2».

و حسنة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): هل للمرأة من دية زوجها شي ء؟ و هل للرجل من دية امرأته شي ء؟ قال: «نعم ما لم يقتل أحدهما الآخر» «3».

و رواية عبيد بن زرارة عنه (عليه السّلام) قال: «للمرأة من دية زوجها، و للرجل من دية امرأته، ما لم يقتل أحدهما صاحبه» «4».

و

غيرها من الأخبار الدالّة على أنّ المرأة المطلّقة إذا كانت في العدة الرجعيّة ترث من زوجها و يرث منها من الدية و غيرها، كموثقتي محمد بن مسلم، و محمد بن قيس، و رواية عبد اللَّه بن سنان الآتية في بحث ميراث الأزواج في مسألة ميراث المطلّقة «5».

فيجب اطراحها، على أنّ حملها على التقية ممكن، لموافقتها لمذهب العامّة، كما صرّح به في التهذيب.

و حملها على ما إذا قتل أحدهما صاحبه كما فيه أيضاً بعيد جدّاً.

______________________________

(1) التهذيب 9: 380، الإستبصار 4: 195.

(2) الكافي 7: 141، 8، التهذيب 9: 378، 1353، الإستبصار 4: 194، 728، الوسائل 26: 32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 2.

(3) الكافي 7: 141، 9، التهذيب 9: 378، 1354، الإستبصار 4: 194، 729، الوسائل 26: 32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 3.

(4) الفقيه 4: 232، 743، الوسائل 26: 38 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 1.

(5) ستأتي موثقتا محمد بن مسلم و محمد بن قيس في ص 347، و أمّا رواية عبد اللَّه بن سنان فلم نعثر عليها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 58

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين دية العمد و الخطأ، لعموم الأدلة.

المسألة الثامنة [هل الدية في حكم مال المقتول ]:

قالوا: إنّ الدية في حكم مال المقتول، و يتفرّع عليه أنّه تُقضى منها ديونه، و تخرج منها وصاياه.

و الأوّل «1» مع كونه موضع الوفاق ظاهراً، تدلّ عليه رواية ابن عمار و صحيحة سليمان المتقدمتان.

و صحيحة يحيى الأزرق «2»: في رجل قتل و عليه دين، و لم يترك مالًا، و أخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: «نعم» قال، قلت: و هو لم يترك شيئاً؟! قال: «إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه» «3».

و

قريب منها صحيحته الأُخرى «4».

و صحيحته الأُخرى : عن رجل قتل و عليه دين، و أخذ أولياؤه الدية، أ يقضى دينه؟ قال: «نعم إنّما أخذوا ديته» «5».

و رواية أبي بصير: رجل قتل رجلًا متعمّداً أو خطأ و عليه دين و [ليس له «6»] مال، فأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل، فقال: «إن وهبوا دمه ضمنوا الدين» قلت: فإنّهم أرادوا قتله، فقال: «إن قتل عمداً قتل قاتله و ادّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين» قلت: فإن هو قتل عمداً و صالح أولياؤه

______________________________

(1) أي قضاء ديونه عنها (منه قدس سره).

(2) ذكرها الثلاثة المتوالية في الوافي في باب قضاء الدين (منه قدس سره).

(3) الكافي 7: 25، 6، الفقيه 4: 167، 584، التهذيب 9: 167، 681، و ج 9: 245، 952.

(4) الكافي 7: 139، 7، التهذيب 9: 375، 1341.

(5) التهذيب 6: 312، 862، و كل ذلك في الوسائل 18: 364 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 1.

(6) أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 59

قاتلَه على الدية، فعلى من الدين، على أوليائه من الدية؟ أو على إمام المسلمين؟ فقال: «بل يؤدّوا دينه من ديته الّتي صالح عليها أولياؤه، فإنه أحقّ بديته من غيره» «1».

و رواية عبد الحميد بن سعيد: عن رجل قتل و عليه دين، و لم يترك مالًا، و أخذ أهله الدية من قاتله، أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: «نعم» قلت: و هو لم يترك شيئاً؟! قال: «أما إنّه إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا عنه الدين» «2» و غيرها.

و قد يستدلّ عليه أيضاً بأنّه لو أتلف متلف ماله أو جنى عليه في بعض أطرافه فأخذ العوض أو الدية بعد الموت أو قتله يصرف

في ديونه وفاقاً، فصرف ما هو عوض نفسه فيها أولى .

و لمانع أن يمنع الأولويّة، متمسكاً بأنّ عوض المال و الأطراف قد انتقل إليه حال حياته و صار مالكاً له، فهو حقّ ثابت له بخلاف عوض النفس، فإنّه لا يجب على القاتل إلّا بعد الموت.

و ربّما قيل بعدم صرفها في ديونه، لأنّ الدين كان متعلقاً بالمديون في حال حياته و بماله بعدها، و الميت لا يملك بعد وفاته.

قلنا: اجتهاد في مقابلة النص. و الحاصل أنّ اختصاص تعلق الدين بالمديون أو ماله ممنوع، بل يتعلق بديته أيضاً.

______________________________

(1) لم نعثر على رواية بهذا النص عن أبي بصير، و لكن هناك رواية عنه بلفظ آخر في الفقيه 4: 119، 411، التهذيب 10: 180، 703. و هناك رواية بهذا النص مروية عن علي بن أبي حمزة في الفقيه 4: 83، 264، الوسائل 29: 122، 123 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 1، 2.

(2) التهذيب 6: 192، 416، الوسائل 18: 364 أبواب الدين و القرض ب 24 ذيل الحديث 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 60

أو نقول: إنّ الدية أيضاً في حكم ماله و لذا تقسّم كتقسيم سائر الأموال.

و لا فرق في الدية المأخوذة على المشهور بين قتل العمد و الخطأ.

و ربما قيل باختصاصه بالأخير، لأنّ العمد إنّما يوجب القود الذي هو حقّ للوارث، فإذا رضي بالدية فقد باذل حقه بغيره، فكان أبعد عن استحقاقها المقتول من الخطأ الذي يوجب الدية.

و يدفعه إطلاق النصوص، بل صريح روايتي ابن عمار «1»، و أبي بصير.

ثمّ لو أراد الوارث في العمد الاقتصاص لم يكن للديان منعه و إن لم يكن للميت مال آخر، وفاقاً للمشهور، و خلافاً للشيخ و الإسكافي و الحلبي

و القاضي و ابن زهرة مدعياً عليه الإجماع «2»، و يأتي تفصيله في كتاب القصاص «3».

و الثاني «4» يدلّ عليه بعد ظاهر الوفاق إطلاق رواية ابن عمار «5» «6»، و صحيحة محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أوصى

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 53.

(2) الشيخ في النهاية: 309، و حكاه عن الإسكافي في الرياض 2: 341، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، القاضي في المهذب 2: 163 قال: فإن كان على المقتول دين قضي عنه من ديته كما يقضى عنه من ميراثه سواء كان المقتول مقتولًا عمداً أو خطأ. و نقله عنه في المختلف: 413. و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(3) لا يوجد كتاب القصاص في النسخ المتوفرة.

(4) يعني: إخراج وصايا الميت من الدية.

(5) المتقدمة في ص 53.

(6) هذه الروايات الخمس المتوالية نقلها في الوافي في باب أن ثلث الدية داخل في وصيته (منه رحمه اللَّه).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 61

لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله، ثلثاً أو ربعاً أو أقل من ذلك أو أكثر، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي، فقضى في وصيته أنّها تنفذ من ماله و ديته كما أوصى» «1».

و روايته: رجل أوصى لرجل بوصية من ماله، ثلث أو ربع، فقتل الرجل خطأ يعني الموصي فقال: «تُجاز لهذا الوصية من ميراثه و من ديته» «2».

و مثلها رواية محمد بن مسلم «3».

و رواية السكوني: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً فثلث ديته داخل في وصيته» «4».

و مرسلة الفقيه: عن رجل أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ، فقال: «ثلث ديته داخل في وصيته» «5».

المسألة التاسعة: لو قتل أحدٌ مورّثه و قتله وارثهما

فهو يرث عنهما. أمّا عن المقتول فلانتفاء المانع،

و أمّا عن القاتل فلكون قتْلِهِ حقاً.

المسألة العاشرة: لو قتل الصبي أو المجنون مورّثه عمداً

، فهل يلحق بالعمد أو الخطأ؟

صرّح في القواعد بالأوّل، لصدق القاتل «6». و عن الفضل بن شاذان و العماني الثاني، لأنّ عمدهما خطأ «7». و فيه: أنّه في حكم الخطأ و ليس

______________________________

(1) التهذيب 9: 207، 823، الوسائل 19: 286 أحكام الوصايا ب 14 ح 3.

(2) الكافي 7: 63، 21، الفقيه 4: 168، 588، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 1.

(3) التهذيب 9: 207، 822، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 1.

(4) الكافي 7: 11، 7، التهذيب 9: 193، 774، التهذيب 9: 207، 821، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 2.

(5) الفقيه 4: 169، 589، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 2.

(6) القواعد 2: 163.

(7) نقله عن الفضل في الفقيه 4: 234، و حكاه عنهما في المختلف: 742.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 62

خطأً حقيقة، فالأقرب الأوّل.

و النائم كالعامد في القواعد «1». و كالخاطئ عند بعض آخر «2». و صدق القاتل عليه يقرّب الأوّل. فهو المعوّل.

و الضارب تأديباً إذا قتله يلاحَظ الحال، فإن كان له ذلك شرعاً و لم يتعدّ يرث، و إلّا لم يرث.

و الثالث من الموانع: الرق.
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الرقّ يمنع الإرث من الجانبين

، فلا يرث المملوكَ مملوكٌ و لا حرٌّ بل ماله لمولاه، و لا يرث المملوكُ مملوكاً و لا حرّا، و لا أعرف في شي ء منهما خلافاً، و نقل عليهما الإجماع في المفاتيح «3» و غيره، و قال في الكفاية: لا أعرف خلافاً في شي ء من الحكمين «4».

و هما على القول بأنّ الرقّ لا يملك شيئاً واضحان، و إن كان [عدّ «5» الرق مانعاً في الأوّل حينئذٍ خلاف الظاهر.

و تدلّ عليه مطلقاً في الأوّل أيضاً صحيحة ابن رئاب: «العبد لا يورث» «6». و قدسها صاحب الوافي حيث أورد: لا يرث «7».

______________________________

(1) القواعد 2: 163.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 313، صاحب الرياض 2: 340.

(3) المفاتيح 3: 313.

(4) كفاية الأحكام: 289.

(5)] () في جميع النسخ: عدا، أصلحناه لاستقامة العبارة.

(6) الفقيه 4: 247، 796، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 7.

(7) الوافي 3: 133. و أورده كذلك في الوسائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 63

و صحيحة ابن عطية: عن رجل مكاتب مات و لم يؤدّ مكاتبته و ترك مالًا و ولداً، من يرثه؟ قال: «إنّ كان سيّده حين كاتبه اشترط عليه إن عجز عن نجم من نجومه فهو ردّ في الرق و كان قد عجز عن نجم فما ترك من شي ء فهو لسيده» الحديث «1».

وجه الاستدلال أنّه لولا منع الرقيّة المعادة لما كان ما ترك لسيّده بل كان لوارثه من ذي قرابةٍ أو مولى و إن لم يكن سوى الإمام.

و ما رواه العامّة عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): قال في العبد يعتق بعضه: «يرث و يورث على قدر ما عتق منه» «2».

و تدلّ عليه أيضاً الأخبار المتكثرة من الصحاح

و غيرها الدالّة على أنّه يورث من المكاتب بقدر ما عتق منه «3».

و اختصاص المورد في أكثر الروايات بالعبد لا يضرّ، لعدم القول بالفصل.

و الاستدلال على المطلوب بأنّه على القول بأنّ العبد يملك يكون الملك غير مستقر، يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته لا يخلو عن مصادرة، كما لا يخفى. هذا و أما انتقال ماله إلى مولاه على القول بأنه يملك فليس من باب التوريث المتنازع فيه.

و في الثاني رواية الفضيل بن يسار: «العبد لا يرث» «4».

و صحيحة محمد و هي طويلة و فيها: «لا يرث عبد حراً» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 151، 5، التهذيب 9: 350، 1257، الإستبصار 4: 38، 128، الوسائل 26: 57 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 1.

(2) سنن النسائي 8: 46.

(3) انظر الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 19.

(4) الكافي 7: 150، 4، التهذيب 9: 336، 1209، الإستبصار 4: 178، 671، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 3.

(5) ستأتي في ص: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 64

و رواية مهزم الآتية.

و الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها الدالّة على أنّ المملوك لا يرث إن اعتق بعد القسمة «1» كما هو المطلوب.

و الدالّة على اشتراء الوارث و عتقه ثمّ إعطائه الإرث «2»، كما يأتي.

و الاستدلال على الحكمين بصحيحة محمد عن أحدهما «3» (عليه السّلام)، و موثقتي جميل «4»، و ابن جبلة «5»، و رواية محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا يتوارث الحر و المملوك» «6».

لا يخلو عن مناقشة؛ لصدق انتفاء التوارث بانتفائه من جانب واحد؛ و لعدم تعيّنه و احتمال كونه كلا منهما تتطرق المناقشة في الاستدلال.

المسألة الثانية: لو تقرب الوارث بالمملوك

لم يمنع و

إن مُنع الواسطة، بلا خلاف يُعرف، و قال في الكفاية: لا أعلم فيه خلافاً بين الأصحاب «7».

لما مرّ من وجود المقتضي و انتفاء المانع؛ و احتمال كونه وجودها مدفوع بتوريث غير من يتقرب بها معه من الممنوعين بها عند توريثها.

و لرواية مهزم: في عبد مسلم و له أُمّ نصرانيّة، و للعبد ابن حرّ، قيل

______________________________

(1) انظر الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18.

(2) الوسائل 26: 49 أبواب موانع الإرث ب 20.

(3) الكافي 7: 150، 3، التهذيب 9: 335، 1206، الإستبصار 4: 177، 668، الوسائل 26: 43 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 1.

(4) الكافي 7: 149، 1، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 4.

(5) التهذيب 9: 336، 1207، الإستبصار 4: 177، 669، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 5.

(6) الكافي 7: 150، 2، التهذيب 9: 336، 1208، الإستبصار 4: 177، 670، الوسائل 26: 43 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 2.

(7) كفاية الأحكام: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 65

أ رأيت إن ماتت أُمُّ العبد و تركت مالًا؟ قال: «يرثها ابن ابنها الحر» «1».

و ضعفها لانجبارها بالعمل، و اشتمال سندها على السراد الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه غير ضائر.

و صحيحة محمد: عن المملوك و المشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «2».

و موثقة البقباق: عن المملوك و المملوكة، هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «3».

و مثلها موثقة الفضل «4».

المسألة الثالثة: لو أُعتق بعد موت مورثه

، فإن كان الوارث الحرّ متعدداً شاركهم مع التساوي، و اختص به مع التقدم، إن تقدم العتق القسمة، بلا خلاف يعرف.

لصحيحة ابن سنان: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيمن ادّعى عبد إنسان أنّه ابنه: أنه

يعتق من مال الذي ادّعاه، فإن توفّي المدّعى و قسم ماله قبل أن يعتق العبد فقد سبقه المال، و إن أُعتق قبل أن يقسّم ماله فله نصيبه منه» «5».

و موثقة محمّد: في رجل يسلم على ميراث قال: «إن كان قُسّم

______________________________

(1) الكافي 7: 150، 1، التهذيب 9: 337، 1214، الوسائل 26: 45 أبواب موانع الإرث ب 17 ح 1.

(2) التهذيب 9: 284، 1027، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 1.

(3) الفقيه 4: 247، 798، الوسائل 26: 45 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 9، وص 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 9: 282، 1021، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 2.

(5) الفقيه 4: 246، 794، التهذيب 9: 337، 1212، الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 66

فلا حقّ له، و إن كان لم يُقسّم فله الميراث» قال: قلت: العبد يعتق على ميراث؟ قال: «هو بمنزلته» «1».

و حسنته و فيها: «و من أُعتق على ميراث قبل أن يُقسّم الميراث فهو له، و إن اعتق بعد ما قسّم فلا ميراث له» «2».

و رواية ابن مسكان: «من أُعتق على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه، و إن اعتق بعد ما يقسّم فلا ميراث له» «3».

و إن تأخّر عنها لم يرث، لما مرّ.

و لو قُسِّم بعض التركة ثمّ أُعتق، ففي إرثه من الجميع أو الباقي خاصّة أو عدمه مطلقاً أوجه.

أظهرها الأوّل، وفاقاً للفاضل في الإرشاد «4» و غيره «5»؛ لأنّ المتبادر من قسمة الميراث قسمة جميعه.

و كذا لا يرث إذا كان الوارث الحر واحداً غير الإمام؛ لما سبق في الكفر. و الظاهر

أنّه إجماعيّ، و قال في الكفاية: لا أعرف فيه خلافاً «6».

و أمّا إذا كان إماماً فإن كان الرقّ ممّن يفكّ فلا عبرة بعتقه قبلها أو بعدها، و إلّا فالظاهر إلحاقه بغيره، لانتقال المال إليه أولًا و عدم ما يدل على

______________________________

(1) الفقيه 4: 237، 758، التهذيب 9: 336، 1211، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 4.

(2) الكافي 7: 144، 4، التهذيب 9: 369، 1318، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 9: 336، 1210، الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 2.

(4) الإرشاد 2: 127.

(5) انظر القواعد 2: 162، و التحرير 2: 171، و مجمع الفائدة و البرهان 11: 488، و الرياض 2: 342.

(6) كفاية الأحكام: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 67

الانتقال منه. و التفرقة في صورة كفر الوارث و إسلامه للنص، فلا يتعدّى عنه.

المسألة الرابعة: إذا مات و لم يكن له وارث حرّ سوى الإمام
اشاره

و إن كان بعيداً و كان له وارث مملوك، فإن كان أحد الأبوين أو كليهما اشتريا من التركة و أُعتقا و أُعطيا البقية إرثاً، بالإجماع، و ادّعى الإجماع عليه في الانتصار و السرائر و الشرائع و القواعد و التنقيح و الروضة و المسالك و المفاتيح «1».

و المستند فيه الأخبار. أمّا في الأُم فكثيرة، كصحيحة سليمان: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول في الرجل الحرّ يموت و له أُمّ مملوكة: تشترى من مال ابنها، ثم تعتق، ثمّ يورثها» «2».

و صحيحة ابن سنان: في رجل توفّي و ترك مالًا و له أُم مملوكة، قال: «تشترى امّه، و تعتق، ثمّ تدفع إليها بقية المال» «3».

و حسنته: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الرجل يموت و له أُم مملوكة و له مال: أن تشترى

امه من ماله، و تدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذوو قرابة لهم سهم في كتاب اللَّه» «4».

______________________________

(1) الانتصار: 308، السرائر 3: 273، الشرائع 4: 14، القواعد 2: 164، التنقيح 4: 143، الروضة البهية 8: 41، المسالك 2: 314، المفاتيح 3: 313.

(2) الكافي 7: 146، 1، التهذيب 9: 334، 1199، الإستبصار 4: 175، 661، الوسائل 26: 49 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 1.

(3) الكافي 7: 147، 2، التهذيب 9: 334، 1200، الإستبصار 4: 176، 662، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 2.

(4) الكافي 7: 147، 7، التهذيب 9: 333، 1196، الإستبصار 4: 175، 658، الوسائل 26: 51 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 68

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «و إذا مات رجل حرّ فترك أمّاً مملوكة، فإنّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه أمر أن تشترى الأُمّ من مال ابنها و تعتق و يورثها» «1».

و رواية ابن طلحة الآتية «2».

و ورودها بالجمل الخبريّة هنا غير ضائر في إثبات الوجوب، لأنّ الجواز هنا يستلزمه بالإجماع المركب، على انّ في رواية ابن طلحة الآتية في الفرع الرابع «3» دلالة على الوجوب، حيث قال: «ليس لهم ذلك».

و أمّا في الأب فمرسلة ابن بكير: قال: «إذا مات الرجل و ترك أباه و هو مملوك أو أُمّه و هي مملوكة و الميت حرّ، اشتري ممّا ترك أبوه أو قرابته و ورث ما بقي من المال» «4».

و قريب منها مرسلته الأُخرى ، و زاد بعد قوله: «أو امّه و هي مملوكة»: «أو أخاه أو أُخته و ترك مالًا» «5».

و إرسالهما غير ضائر، لانجبارهما بعمل الأصحاب، و اعتضادهما بالإجماعات

المنقولة، على أنّ ابن بكير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 291، بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 17: 149 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 3.

(2) في ص 70.

(3) انظر ص 74.

(4) الكافي 7: 147، 3، التهذيب 9: 334، 1202، الإستبصار 4: 176، 664، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 3.

(5) التهذيب 9: 334، 1203، الإستبصار 4: 176، 665، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 69

و يدلّ عليه أيضاً الإجماع المركب، فإنّه لا قائل بالفصل بين الأب و الأُم.

و قد يؤيّد أيضاً باستبعاد الفرق بين الامّ و الأب، بل بأولويّته منها.

و أمّا غيرهما فقد وقع الخلاف فيه على أقوال:

الأوّل: المنع من الاشتراء و العتق، و دفع التركة إلى الإمام. و هو مختار الديلمي «1» و ظاهر الصدوقين في المقنع و الرسالة «2»، بل كلامهما فيهما مخصوص بالامّ.

و الثاني: إضافة الأولاد للصلب إليهما خاصّة. ذهب إليه المفيد. و الحلّي و ابن حمزة و المحقّق «3» و جماعة «4»، و نسبه الحلي إلى الأكثر «5»، و في التحرير إلى السيّد «6»، و كلامه في الانتصار لا يفيده و إن لم ينفيه «7».

و الثالث: إضافة الأقارب النَّسبيّة إليهم مطلقاً دون السببيّة، و ذهب إليه الإسكافي و القاضي و الحلبي و صاحب التنقيح «8»، و قال في القواعد بعد ذكر الأبوين و الأولاد: و كذا الأقارب على إشكال «9».

______________________________

(1) الديلمي في المراسم: 219.

(2) المقنع: 178 و حكاه عن الرسالة أيضاً.

(3) المفيد في المقنعة: 695، الحلي في السرائر 3: 272، ابن حمزة في الوسيلة: 396، المحقق في الشرائع 4: 14، و النافع: 265.

(4)

منهم: الشهيد الثاني في الروضة 8: 41.

(5) الحلّي في السرائر 3: 272.

(6) التحرير: 172.

(7) قال في الانتصار: 308 من مات و خلف مالًا و أباً مملوكاً و أمّا مملوكة، فإن الواجب أن يشترى أبوه و أُمه من تركته و يعتق عليه و يورثا باقي التركة.

(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 741، القاضي في جواهر الفقه: 167، الحلبي في الكافي في الفقه: 375، السيوري في التنقيح 4: 145.

(9) القواعد 2: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 70

و الرابع: تعميم الحكم إلى كل وارث قريب، نَسبّياً كان أو زوجاً و زوجة، و هو قول الشيخ في النهاية و الكيدري و ابن زهرة و الإرشاد و المحقّق الثاني و اللمعة و الدروس و المسالك و المفاتيح «1»، و احتمل في الكفاية إلحاق الزوج و تأمل في الزوجة «2»، و ظاهر المختلف و التحرير التوقّف «3».

و الأقوى هو الثالث.

لنا على ثبوت الحكم في الأولاد بعد ظاهر الإجماع كما ادّعاه في الروضة أيضاً «4»: صحيحة جميل: الرجل يموت و له ابن مملوك قال: «يشترى و يعتق و يدفع إليه ما بقي» «5».

و رواية سليمان، الصحيحة عن ابن أبي عمير: في رجل مات و ترك ابناً له مملوكاً، و لم يترك وارثاً غيره، و ترك مالًا فقال: «يشترى الابن و يعتق و يورث ما بقي من المال» «6».

و هما و إن اختصتا بالابن و لكن يلحق به البنت بالإجماع المركب، و لإطلاق القرابة في مرسلتي ابن بكير المتقدمتين.

______________________________

(1) النهاية: 668، و حكاه عن الكيدري في المختلف: 741، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، الإرشاد 2: 128 و حكاه عن المحقّق الثاني في الرياض 2: 344، اللمعة (الروضة البهية 8):

41، الدروس 2: 343، المسالك 2: 315، المفاتيح 3: 313.

(2) كفاية الأحكام: 290.

(3) المختلف: 741، التحرير 2: 172.

(4) الروضة البهيّة 8: 41.

(5) الكافي 7: 147، 4، الفقيه 4: 246، 792، التهذيب 9: 334، 1221، الإستبصار 4: 176، 663، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 4.

(6) التهذيب 9: 335، 1205، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 71

و تؤيّده موثقة إسحاق بن عمار قال: مات مولى لعلي (عليه السّلام) فقال: «انظروا هل تجدون له وارثاً؟» فقيل: له ابنتان باليمامة مملوكتان، فاشتراهما من مال مولاه الميت ثمّ دفع إليهما بقية المال «1».

و تدلّ عليه أيضاً صحيحة وهب بن عبد ربه، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال: سألته عن رجل كان له أُمّ ولد إلى أن قال قلت: فولدها من الزوج قال: «إن كان ترك مالًا اشتري بالقيمة منه فأُعتق و ورث» «2».

فإنّ الولد يشمل الذكر و الأُنثى.

و على ثبوته في سائر الأقارب النَّسبية: مرسلتا ابن بكير، و رواية عبد اللَّه بن طلحة: عن رجل مات و ترك مالًا كثيراً، أو ترك امّاً مملوكة و أُختاً مملوكة قال: «يشتريان من مال الميت و يعتقان و يورثان» «3».

و ضعف الروايات الثلاثة بعد صحّة المرسلتين عن ابن بكير الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و الانجبار بالعمل لا يضرّ.

و الجمع بين الامّ و الأُخت في الأخيرة لا يقدح، إذ يلزم أن يراد بلفظ الواو معنى «أو» تجوّزاً، لوجود القرينة، و هي الإجماع و الأخبار الناصّة بحرمان الاخت بالامّ.

و لنا على نفيه في الزوجين: الأصل، و عدم ما يصلح دليلًا للإثبات كما يأتي.

______________________________

(1) الكافي 7: 148،

8، التهذيب 9: 333، 1197، الإستبصار 4: 175، 659، الوسائل 26: 52 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 8.

(2) الفقيه 4: 246، 795، التهذيب 8: 153، 531، الوسائل 26: 54 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 12.

(3) الكافي 7: 147، 6، التهذيب 9: 333، 1198، الإستبصار 4: 175، 660، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 72

للديلمي: الأصل.

قلنا: العمل به بعد فقد الدليل، و هو موجود.

للمفيد و تابعيه، أمّا في الأولاد فما مرّ، و أمّا في النفي في غيرهم فالأصل و ضعف المرسلتين و الرواية.

قلنا: ضعفهما سنداً غير ضائر.

و استدل من ضمّ الزوجين بصحيحة سليمان بن خالد: «كان علي (عليه السّلام) إذا مات الرجل و له امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثمّ ورّثها» «1».

دلّت على ثبوت الحكم في الزوجة، و يثبت في الزوج بالأولويّة، لأنّه أكثر نصيباً و أقوى سبباً منها.

قلنا: الثابت منه فعل عليّ (عليه السّلام) و يحتمل أن يكون تبرّعاً منه، لكون التركة ماله فيكون ممّا لم يعلم جهته، و حكمه لنا الاستحباب على الأقوى كما بيّن في موضعه، على أنّ ثبوته أيضاً هنا محل نظر.

و قوّى الشيخ هذا الاحتمال بتوريثها مطلقاً، مع أنّه ليس لها أكثر من الربع «2».

و ردّه في المختلف باحتمال أن يكون ثمنها أقلّ من الربع، فتشترى ثم تعطى بقية الربع «3».

______________________________

(1) الفقيه 4: 246، 793، التهذيب 9: 337، 1213، الإستبصار 4: 178، 674، الوسائل 23: 89 أبواب العتق ب 53 ح 1.

(2) انظر الاستبصار 4: 179. قال بعد نقل صحيحة سليمان: فالوجه في هذا الخبر أن أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يفعل على طريق التطوع، لأنا قد بينا

أن الزوجة إذا كانت حرة و لم يكن هناك وارث لم يكن لها أكثر من الربع و الباقي يكون للإمام، و إذا كان المستحق للمال أمير المؤمنين (عليه السّلام) جاز أن يشتري الزوجة و يعتقها و يعطيها بقية المال تبرعاً و ندباً دون أن يكون فعل ذلك واجباً لازماً.

(3) المختلف: 742.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 73

قال في التنقيح بعد نقل قول المختلف: و فيه نظر، لأنّ الشيخ لا ينفي هذا الاحتمال، و إنّما ذكر احتمال التبرع، لأنّ مع وجوده لا يلزم المطلوب «1».

أقول: غرض الفاضل ليس أنّ الشيخ ينفي هذا الاحتمال، بل يريد أنّ مع قيامه لا يصحّ التعليل للتبرع بما ذكر، فكلامه في التعليل دون الاحتمال كما صرّح به. نعم إن كان المراد نفي تعليل الشيخ بذلك لكان له وجه، و الظاهر من كلام الشيخ إرادة التعليل، هذا.

ثمّ إنّ إجراء الحكم في الزوج لو ثبت مشكل، لمنع الأولويّة، بل ظاهر صحيحة محمّد ينفي الحكم في الزوج، حيث قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن مملوك لرجل أبق منه فأتى أرضاً فذكر لهم أنّه حرّ من رهط بني فلان، و أنّه تزوّج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها أولاداً، ثمّ إن المرأة ماتت و تركت في يده مالًا وضيعة و ولدها، ثمّ إنّ سيده بعدُ أتى تلك الأرض فأخذ العبد و جميع ما في يديه و أذعن له العبد بالرقّ فقال: «أمّا العبد فعبده، و أمّا المال و الضيعة فإنّه لولد المرأة الميّتة، لا يرث عبد حراً» قلت: جعلت فداك فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد و لا وارث، لمن يكون المال و الضيعة التي تركتها في يد العبد؟ فقال: «جميع ما

تركت لإمام المسلمين خاصّة» «2».

فإنّ هذه الصحيحة دلّت على خروج الزوج عن هذا الحكم.

و حملها على أنّ ذلك لخدعته المرأة كما في الوافي «3» مردود بأنه لا معارض لها ظاهراً حتّى تحمل عليه و يخرج عن ظاهرها، مع أنّ القائلين

______________________________

(1) التنقيح الرائع 4: 147.

(2) الفقيه 3: 288، 1371، الوسائل 21: 224 أبواب العيوب و التدليس ب 11 ح 3.

(3) الوافي 3 (الجزء 13): 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 74

بوجوب فك الزوجين لا يقولون باشتراطه بعدم الخدعة.

و احتمال استناد عدم الفكّ في هذه الصحيحة إلى عدم وقوع التزويج لوقوعه بدون إذن المولى، لا يلائم قوله: «لا يرث عبد حراً» حيث يظهر منه أنّ المانع من عدم الإرث هو العبوديّة لا عدم الزوجيّة.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ ظاهر حسنة محمد بن حكيم نفي الحكم في الزوجة أيضاً و هي: أنّه قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن رجل زوّج أمته من رجل حرّ ثم قال لها: إذا مات زوجك فأنت حرّة، فمات الزوج. قال، فقال: «إذا مات الزوج فهي حرّة تعتدّ منه عدّة الحرة المتوفّى عنها زوجها، و لا ميراث لها منه لأنّها صارت حرّة بعد موت الزوج» «1».

حيث دلّت بالتعليل على أنّ حريتها بعد موت الزوج مانعة عن التوريث، فتكون كذلك الحرّية المتعقبة للشراء، فتأمل.

فروع:
أ: الأقوى عدم كفاية الشراء عن العتق

، للأمر به بعده في الصحاح الأربع و روايتي ابني خالد و طلحة و الرضوي. و عدم ذكر العتق في بعض الروايات بعد الأمر به في عدة اخرى لا يضر، لوجوب تقييده بها.

ب: قالوا: إنّ المباشر للشراء و العتق هو الإمام أو نائبه الخاص أو العام

، و لا يبعد كونهما من الواجبات الكفائيّة، فتجوز المباشرة لكل أحدٍ و إن لم يكن عدلًا، لإطلاق الأخبار و فقد المقيد.

ج: إذا قلنا بعدم تعيّن الإمام

، فهل يجب وقوع الشراء و العتق من

______________________________

(1) الفقيه 3: 302، 1445، التهذيب 8: 213، 760، الوسائل 21: 183 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 65 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 75

واحد أو يجوز التعدد؟

الأظهر الثاني، للأصل، و فقد الدليل على وجوب الإعتاق على من يشتري بخصوصه.

د: لو أبى المالك من بيع المملوك

يقهر عليه و تدفع إليه القيمة العادلة، و لم أجد في ذلك مخالفاً من الأصحاب، و ظاهر المسالك كصريح المفاتيح ادّعاء الإجماع عليه «1»؛ لوجوب البيع على المالك، لتوقف الشراء الواجب عليه، فيجب من باب المقدمة. فإذا امتنع يجب قهره، لوجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و تدلّ عليه أيضاً رواية عبد اللَّه بن طلحة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و فيها: قلت: أ رأيت إنْ أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال: «ليس لهم ذلك، يقوّمان قيمة عدل ثمّ يُعطى ما لهم على قدر القيمة» «2».

و المستفاد من هذه الرواية أنّ القدر اللازم إعطاؤه للمالك هو القيمة العادلة السوقيّة، فلا يلزم بل لا يجوز إعطاء الزائد و لو رضي بالزائد دون العادلة، و يدلّ عليه أيضاً قوله في صحيحة وهب المتقدمة «3» «اشتري بالقيمة» بل هو المتبادر من جميع الأخبار المتضمنة للشراء.

ه: لو اتّحد الوارث المملوك

، و قصرت التركة عن ثمنه، لا يشترى البعض، و كان المال للإمام، وفاقاً للمشهور، و نفى عنه الخلاف في السرائر «4».

______________________________

(1) المسالك 2: 314، المفاتيح 3: 313.

(2) تقدّم مصدرها في ص: 70، الرقم (2).

(3) في ص 70.

(4) السرائر 3: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 76

لأنّ وجوب الشراء بل أصل فك الرقبة مخالف للأصل «1» فيقتصر على موضع اليقين؛ و الأخبار الموجبة له لا توجبه في موضع النزاع، لظهورها فيما إذا وَفَت بالقيمة بل زادت عنها. و لأنّ لفظ الام و الأب و الابن و أمثالها حقيقة في الكل مجاز في البعض، فلا يفهم منه البعض إلّا مع قرينة، و هي منتفية ها هنا.

و نقل الشيخ و الإسكافي و القاضي عن بعض أصحابنا قولًا بأنّه يفك بما وجد و يستسعى

في الباقي «2»، و نفى عنه البعد في المختلف «3»، و استوجهه في المسالك مطلقاً أوّلًا ثمّ قوّاه في الأبوين و استضعفه في غيرهما «4»، و اختاره في المفاتيح «5».

و استدلّ عليه: بأنّ هذا الجزء المملوك الممكن شراؤه لو كان حراً لكان وارثاً بالفعل بالإجماع في المبعّض، و كل مملوك لو كان حراً لكان وارثاً يشترى و يعتق، للنصّ، فهذا الجزء يشترى و يعتق.

و بأنّ عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأُمور المطلوبة شرعاً، فيساويه في الحكم.

______________________________

(1) كون فكّ الرقبة مخالفاً للأصل إنّما هو من وجوه، أحدها: أنّ لازم الفكّ حصول نوع تسلط على ملك الغير و الأصل عدمه، و ثانيها: أنّ كل ملك لأحد يستصحب إلى أن يثبت المزيل و الفك إزالته، فهو خلاف الأصل، و ثالثها: أنّ فكّه يوجب انتقال المملوك إلى غير مالكه الأوّل من نفسه أو غيره فهو خلاف الأصل، و رابعها: أنّ من لوازم هذا الفك التوريث و الإعتاق و هما في الرقّ خلاف الأصل. (منه رحمه اللَّه).

(2) الشيخ في النهاية: 668، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 742، القاضي في المهذب 2: 155.

(3) المختلف: 742.

(4) المسالك 2: 314.

(5) المفاتيح 3: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 77

و بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» «1».

و بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.

و الجواب أمّا عن الأوّل: فبمنع كلية الكبرى، لأنّا نقول باختصاص النص بغير الجزء.

و أمّا عن الثاني: فبأنّ مشاركة عتق الجزء لعتق الجميع في بعض الأُمور لا تقتضي مساواته له في وجوب الشراء، و إنّما هو قياس لا نقول به.

و أمّا عن الثالث: فبأنّ اللازم منه هو الإتيان بما استطاع من المأمور به لا

من غيره، و شراء الجزء ليس مأموراً به و إنّما هو شراء الكل، و لا يستطاع منه شي ء.

و بهذا يظهر الجواب عن الرابع أيضاً، فإنّ المراد بالميسور الميسور من المأمور به، على أنّه كسابقه معارض بعموم ما دلّ على أنّه لا ضرر و لا ضرار في الإسلام، و إجبار المالك على بيع مملوكه نوع ضرر، هذا.

و قال الفضل بن شاذان: يفكّ من قصرت التركة عن ثمنه، إلّا أن يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء من قيمته فلا يفكّ «2». و لم يظهر لي وجهه.

و: لو كان الوارث الرقيق متعدداً

، فإن كانوا متساوي المرتبة و النصيب كابنين و وفت التركة بشرائهم جميعاً وجب، لشمول النص المتعدد و المنفرد، و يؤيّده خصوص موثقة ابن عمار المتقدّمة «3».

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 975، 412، و ج 4: 1830، 130، سنن النسائي 5: 110، 1. و في الجميع: «بشي ء» بدل «بأمر».

(2) حكاه عنه في الكافي 7: 148.

(3) في ص: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 78

و لو قصرت عن شراء الكل و وَفَت ببعضهم، ففي عدم فكّه أو التخيير أو فكه بالقرعة أوجه، أشهرها أوّلها، و خيرها أوسطها، للأمر بشراء الوارث و إمكانه فيجب امتثاله. و بتقرير آخر: للأمر بشراء كلّ منهم مع الإمكان، و يمكن في بعضها فيجب شراؤه، و عدم إمكان شراء البعض لا ينفي وجوب شراء غيره ممّا ثبت وجوب شرائه. و لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و لقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ثمّ انتفاء المرجح يوجب التخيير.

و لا يبعد الأخير أيضاً، لأنّ القرعة لرفع الاشتباه الحاصل بين المتعدد.

للمشهور: أنّ الوارث هو المجموع و لم تَفِ التركة بقيمته الذي هو شرط

وجوب الفك، لا كلّ واحد.

قلنا أوّلًا: إنّ الوارث ليس هو المجموع من حيث هو بل كل واحد.

و ثانياً: إنّ الحكم في النصوص ليس معلقاً بالوارث، بل بالأُم و الأب و الابن و أمثالها، و ليس شي ء منها هو المجموع.

هذا إذا لم يكن البعض الذي تفي التركة بقيمته معيناً، و أمّا إذا تعيّن، كأن تفي بقيمة أحد الابنين دون الآخر تعيّن شراؤه، لوجود المقتضي فيه و انتفاء المانع و وجوده في الآخر.

و لو اختلفوا في النصيب، فإن و في نصيب كل بقيمته فالحكم واضح.

و لو قصر نصيب بعضهم عنها، فإن وَفَت التركة بشراء الجميع فيجب شراؤهم أجمع، إجماعاً، كما ادّعاه في الإيضاح «1»، سواء بقي منها شي ء أو لا، لتساويهم في أصل سبب الشراء؛ و أكثرية نصيب الأكثر نصيباً إنّما هي

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 4: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 79

فيما بقي بعد الشراء.

و إن لم يف به و وفى بالبعض المعيّن يجب شراؤه دون غيره و إن كان أقلّ نصيباً، لما مرّ.

و إن وَفى بالبعض الغير المعيّن فقيل بعدم فكّه «1»، و قيل بتقديم الأكثر نصيباً «2».

و الأقوى وجوب الفكّ، لما سبق، و عدم وجوب تقديمه، للأصل. و أكثرية نصيبه بعد شرائه و عتقه لا توجب وجوب تقديمه، و لا يقتضي نفي المانع فيه و إثباته في غيره. و يحتمل الرجوع إلى القرعة أيضاً.

ز [هل يجب الشراء إذا كان هناك وارث بعيد؟]:

لا يخفى أنّ هذا الحكم كما عرفت مختصّ بما إذا لم يكن له وارث حرّ، و أمّا إذا كان و لو بعيداً فلا يجب الشراء بالإجماع، كما صرّح به في التهذيبين «3».

و تدلّ عليه روايات العتق قبل القسمة أو بعدها «4»، فإنّه لو وجب الشراء مع جود الحرّ أيضاً فلا

تجوز القسمة قبل الشراء بل يجب الشراء، و لا يترتب التوريث و عدمه على العتق قبل القسمة و بعدها.

و الاحتجاج بحسنة ابن سنان المتقدمة «5» لا يخلو عن نظر، لأنّ الظاهر شرعاً رجوع القيد إلى الأخير إذا تعقّب جُملًا متعاطفة كما بيّنا في الأُصول، و على هذا فلا يتمّ الاستدلال، لأنّ اشتراط انتفاء ذي القرابة حينئذ يكون لدفع تمام بقية المال لا للشراء.

______________________________

(1) كما في القواعد 2: 164، و كشف اللثام 2: 282.

(2) كما في المسالك 2: 314.

(3) التهذيب 9: 335، الاستبصار 4: 177.

(4) انظر الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18.

(5) في ص: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 80

و أمّا ما رواه السائي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في رجل توفي و ترك مالًا و له أُمّ مملوكة قال: «تشترى و تعتق و يدفع إليها بعدُ ماله إن لم تكن له عصبة، فإن كانت له عصبة قسم المال بينها و بين العصبة» «1».

فضعيف، على أنّه غير معمول به، لأنّه متى دخلت الام لا ترث العصبة، فجزؤه الذي يدلّ على خلاف المطلوب متروك بالإجماع، و لذا قال في الاستبصار: اللّهم إلّا أن نحمله على ضرب من التقية إذ ثبتت حرّية الأُم، لأنّ العامّة يورّثونها الثلث و الباقي يعطون العصبة «2».

و يظهر من بعض المتأخّرين الميل إلى وجوب الاشتراء و العتق لو كان له حرّ وارث بالولاء كمنعم أو ضامن جريرة. و هو مردود بما ذكرنا.

ح: لو اشتري و أعتق ثمّ ظهر الوارث

، فالأقرب بطلانهما. و الوجه واضح.

المسألة الخامسة: المشقّص يرث من نصيبه بقدر حرّيته، و كذا يورث منه
اشاره

، بلا خلاف يعرف، و في المفاتيح: بلا خلاف منّا «3»، و قيل: ظاهر جماعة أنّ عليه إجماع الإماميّة «4».

و خالف فيه جماعة من العامّة، فنفى بعضهم الحكمين، و الآخر الأخير «5».

لنا على الحكمين بعد ظاهر الإجماع: ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) المنجبر ضعفه بما ذكر-: أنّه قال في العبد يعتق بعضه: «يرث و يورث

______________________________

(1) التهذيب 9: 335، 1204، الإستبصار 4: 176، 666، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 11.

(2) الاستبصار 4: 177.

(3) المفاتيح 3: 313.

(4) انظر رياض المسائل 2: 344.

(5) انظر المُغني و الشرح الكبير 7: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 81

بقدر ما عتق منه» «1».

و صحيحة ابن حازم: «المكاتب يرث و يورث على قدر ما أدّى» «2».

و على الأوّل أيضاً بخصوصه: ما روي عن علي (عليه السّلام) قال: «إنّه يُحجب بقدر ما فيه من الرقيّة» «3».

و حسنة محمد بن قيس: في رجل مكاتب كانت تحته امرأة حرّة، فأوصت عند موتها بوصيّة فقال أهل الميراث: لا يرث، و لا نجيز وصيتها له، لأنّه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى (عليه السّلام): أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه «4».

و على الثاني أيضاً بخصوصه: صحيحة محمد بن قيس: قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مكاتب توفي و له مال، قال: «يحسب ميراثه على قدر ما أُعتق منه لورثته، و ما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله» «5».

و موثقة محمد: في مكاتب مات و قد أدّى من مكاتبته شيئاً و ترك مالًا و له ولدان أحرار فقال: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: يجعل ماله بينهم و بين

مواليه بالحصص» «6».

و صحيحة العجلي: عن رجل كاتب عبداً له على ألف درهم

______________________________

(1) جواهر الكلام 39: 56، المغني 7: 136.

(2) الكافي 7: 151، 1، الفقيه 4: 248، 802، التهذيب 9: 349، 1255، الوسائل 26: 48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 3.

(3) المسالك 2: 315.

(4) الكافي 7: 151، 3، الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 1.

(5) الكافي 7: 151، 4، الفقيه 4: 248، 801، التهذيب 9: 349، 1254، الوسائل 26: 48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 2.

(6) الكافي 7: 152، 7، التهذيب 9: 352، 1262، الوسائل 26: 58 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 82

و لم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرقّ، و أنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم، ثمّ مات المكاتب و ترك مالًا و ترك ابناً له مدركاً، قال: «نصف ما ترك المكاتب من شي ء فإنّه لمولاه الذي كاتبه، و النصف الباقي لابن المكاتب، لأنّ المكاتب مات و نصفه حرّ و نصفه عبد للذي كاتبه، فابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حرّ و نصفه عبد للذي كاتب أباه، فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ لا سبيل لأحد من الناس عليه» «1».

و هذه الأخبار و إن كانت مخصوصة بالمكاتب الا أنه غير ضائر، لأن العلة هي عتق البعض، كما صرح به في الأخيرة، و يشعر به حسنة ابن قيس أيضاً.

و أما ما في بعض الاخبار الصحيحة و غيرها، من ان ولد المكاتب إذا أدّى ما بقي على أبيه كان ما يبقى له «2» فلإطلاقه و احتمال ان يكون المراد ما

بقي من نصيبه يقيد و يحمل على انه إذا أدّى ما بقي على أبيه ممّا يخصّه ثم بقي بعد ذلك شي ء كان له، لوجود المقيّد، و بهذا صرّح في التهذيب «3».

فائدة: المراد بإرثه بقدر حرّيته:

ان تقدر حرّيته كلّه و ينظر الى ما يستحقّه على هذا التقدير فينسب شقصه الحرّ الى الجميع، و يرث ممّا يستحقّه حرّا بهذه النسبة، فلو كان للميت ابنان نصف أحدهما حرّ فله الربع، و لو لم يكن غيره فله النصف، و لو تحرّر ثلث أحدهما فله السدس، و لو لم يكن غيره فله الثلث، و لو كان له ابنان نصفهما حرّ فلكل واحد منهما الربع، و احتمال التكميل فلكل منهما النصف كاحتمال التنزيل أو الخطاب فلكل منهما ثلاثة أثمان خروج عن ظاهر النص. و كذا في سائر

______________________________

(1) التهذيب 9: 350، 1259، الوسائل 26: 59 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 5.

(2) الوسائل 26: 57 أبواب موانع الإرث ب 23.

(3) التهذيب 9: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 83

الفروض.

و الحاصل أنّ التوريث بقدر ما حرّر ظاهر في النسبة، و الرجوع الى التكميل أو التنزيل أو الخطاب خلاف الظاهر المتبادر فلا يصار إليه «1».

______________________________

(1) المراد بالنسبة أن يورث المشقّص بنسبة ما فيه من الحرّية من نصيبه و يعطى الزائد لمن بعد.

و بالتكميل أن يضم مقدار الحرّية من المشقّص إلى الحرّية ممن في طبقته، فإن كمل منهما حرّ واحد لا أزيد ورثا جميعاً المال و ميراث حرّ كامل، ثم يقسّم المال بينهما على قدر ما فيهما من الحرّية، فلذي النصف النصف، و لذي الثلثين الثلثان و هكذا، فإن زاد ما فيهما عن حرّ عيل الفريضة و وزع المال على مفاد الحرّية، فللكامل الثلثان، و لذي النصف

الثلث، و إن نقص ما فيهما عن حرّ كامل ورثا بقدر ما فيهما من الحرّية و يكون الباقي لمن بعدُ.

و بالتنزيل و يسمّى تنزيل الأحوال أيضاً ضبط جميع الأحوال المتصورة للمشقص و تعيين سهمه على كل من تلك الأحوال، ثمّ أخذ سهم منتزع من مجموع تلك السهام على السواء، فلذي الحالين نصف ما حصل له فيهما، و لذي الأربع ربع ما حصل له فيها، و إذا زاد المشقص على اثنين لوحظ كل من الورثة مع كل منهم و يجمع ما حصل له في الأربعين أو الأربعات.

و بالخطاب أن يخاطب المشقص بحالاته و ينظر إلى ما يصل إليه.

و حاصله أنّ حرية بعض الوراث المشاركين تمنع البعض الآخر الذي لو انفرد لأخذ الكل عن قدر نصيبه المانع، فتمنع حرّية المشقّص جزء النسبة إلى ما يمنعه الكل كنسبة الجزء إلى الكل.

و توضيحه أنّه يخاطب من ثلثاه حرّ بأنّه: لو كنت وحدك و كنت حراً كاملًا أخذت المال كله، و لو كنتما حرين كاملين كان لكل منكما النصف فقد حجبك أخوك بحريته الكاملة عن النصف فثلثه يحجبك عن ثلث النصف و هو السدس فيبقى لك خمسة أسداس لو كنت حراً، فلك بثلثي الحرية ثلثا الخمسة أسداس و هما خمسة أتساع و هي عشرة من ثمانية عشر، و يقال لمن ثلثه حرّ: حجبك أخوك بثلثي حريته عن ثلثي النصف و هو ثلث الكل، يبقى لك ثلثاه لو كنت حراً، و لكن لك الآن بثلث حريتك ثلث ذلك و هو تُسعان أربعة من ثمانية عشر، و يبقى تسعان و هو الأربعة الباقية لمن بعد. (منه رحمه اللَّه).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 84

ثم بعد النسبة و التوريث يكون الزائد لمن

بعده من الطبقات إن اتفق، لوجود المقتضي و عدم المانع على ما سبق. و لو لم يتفق فلو اتفق وارث مملوك اشتري و ورث أن يفي الزائد بقيمته، و إلّا ففي شراء الجزء من المشقص أو توريث الامام وجهان، خيرهما أخيرهما.

و أمّا الإرث منه بنسبة الحريّة فذكروا في كيفيته وجهين:

أحدهما: أن يقسّط جميع ما كسبه بجزئه الحرّ بين مولاه و وارثه بالنسبة، فاذا كان نصفه حرا و نصفه رقاً فنصف ما ملكه بكسبه في أيّامه للمولى و نصفه للوارث.

و ثانيهما: أن يكون جميع ما كسبه بجزئه الحرّ ملكاً لوارثه من غير نصيب لمولاه فيه، لأنّه قد استوفى نصيبه بحقّ ملكيته، فما كسبه في أيّام رقيته فهو ملك لمولاه و لا سبيل له على ما كسبه في زمان حرّيته، فعلى هذا فالتقسيط بينهما بالنسبة إنّما هو مخصوص بما إذا كانت تركته مكتسبة بكل السعاية من دون مهاياة.

و الظاهر هو الوجه الأوّل، لأنّ ما اكتسبه في أيّام مولاه ملك لمولاه، و ملكه منحصر فيما اكتسبه في أيّامه، فلو اختص الوارث بذلك لم يصدق التوريث بالنسبة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الوجهين إنّما هو في غير المكاتب المشقّص، لانتفاء التقسيط و المهاياة فيه و اختصاص جميع أيامه به.

المسألة السادسة: عدم توريث أُمّ الولد و المدبّر و المكاتب المشروط و المطلق

الّذي لم يؤدّ شيئاً عن غير المولى ما داموا رقيقاً واضح، لتحقق الوصف المانع.

و أمّا عنه إذا كان لأحدهم جهة وراثة فكذلك في الطرفين، أمّا في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 85

الأخير فلما مرّ. و أمّا في الأوّل، لأنّ الولد المفروض بقاؤه حجاب لها لا محالة. و أمّا المدبّر فإن تعدد الوارث الحرّ فيرث جميع التركة إن تقدّمهم مرتبة، و شاركهم إن ساواهم، لانعتاقه بمجرد موت المولى فتتأخر القسمة عن عتقه.

و إن اتّحد فلا يرث، لعدم صدق العتق قبل القسمة، لانتفائها مع الاتّحاد كما سبق، فيبقى على الأصل الثابت و هو عدم توريث المملوك، و لمقارنة انتقال التركة إلى الحرّ لانعتاقه، لكونهما معلولين لعلة واحدة هي موت المولى، و الانتقال منه ثانياً يحتاج إلى ناقل شرعي، و هو مفقود. و الاستدلال بمسبوقية الانعتاق بالانتقال- كما في المسالك «1» خطأ.

الرابع من الموانع: اللعان.

و هو يقطع إرث الزوجين و الولد المنفي من جانب الأب و الابن، فيرث الابن امّه و ترثه، و كذا يرثه ولده و قرابة الامّ و الزوج و الزوجة، فإن اعترف به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس، لورود النص بذلك.

[اللواحق ]
اشاره

و يلحق بهذا المقام مسائل:

المسألة الأُولى [الأقوال في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة منقطعة]:
اشاره

اختلفوا في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة منقطعة على أقوال:

الأوّل: أنّه يحبس ماله و يتربّص به حتّى يتحقّق موته أو تنقضي مدة لا يعيش مثله إليها عادة

. و هو مذهب الشيخ في الخلاف و المبسوط، و القاضي و ابن حمزة و الحلّي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه و الشهيدين

______________________________

(1) المسالك 2: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 86

في اللمعة و المسالك «1»، و جعله في التنقيح أولى و أحوط «2»، و به كان يحكم والدي العلّامة طاب ثراه، بل هو المشهور كما في المسالك و الروضة و المفاتيح و الكفاية «3».

و الثاني: أنّه يحبس ماله أربع سنين، و يطلب فيها في (كل) «4» الأرض

، فإن لم يوجد قسّم ماله بين ورثته. و إليه ذهب الصدوق و السيد و الحلبي و ابن زهرة «5»، و نفى البأس عنه في المختلف «6»، و قوّاه في الدروس و الروضة «7»، و استوجهه في المسالك «8»، و قال في المفاتيح و شرحه: إنّه سيّد الأقوال «9»، و اختاره في الكفاية «10»، و ادّعى عليه الإجماع في الإنتصار و الغنية «11».

و الثالث: أنّه يحبس إلى عشر سنين، ثمّ يقسّم من غير طلب

إن كان

______________________________

(1) الخلاف 4: 119، المبسوط 4: 125، القاضي في المهذب 2: 166، ابن حمزة في الوسيلة: 400، الحلّي في السرائر 3: 298، المحقّق في الشرائع 4: 16، الفاضل في القواعد 2: 167، و التحرير 2: 173، و المختلف: 749، اللمعة (الروضة 8): 49، المسالك 2: 315.

(2) التنقيح 4: 207.

(3) المسالك 2: 315، الروضة البهية 8: 49، المفاتيح 3: 218، كفاية الأحكام: 291.

(4) ليس في «ق» و «س».

(5) الصدوق في المقنع: 119، السيّد في الانتصار: 307، الحلبي في الكافي في الفقه: 378، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(6) المختلف: 749.

(7) الدروس 2: 352، الروضة البهية 8: 50.

(8) المسالك 2: 315.

(9) المفاتيح 3: 319.

(10) كفاية الأحكام: 292.

(11) الانتصار: 307، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 87

خبره منقطعاً لغيبة أو لكونه مأسوراً، و لو كان فقده في عسكر قد شهرت هزيمته و قتل من كان فيهم أو أكثره كفى مضيّ أربع سنين. ذهب إليه الإسكافي «1».

و الرابع: أنّه يقسّم بعد مضيّ عشر سنين مطلقاً

. نقله في القواعد و النافع و الشرائع و الروضة «2»، و لم أعثر على قائله، و الظاهر أنّه قول الإسكافي «3»، و لكنّه سامحوا في نقل قوله، لاستلزامه التقسيم بعد العشر مطلقاً، أو لأنّ المفقود في العسكر المذكور خارج عن محل المسألة من جهة مظنة قتله.

الخامس: أنّه يدفع المال إلى وارثه المَلي ء

. نقله جماعة من غير تعيين قائله «4»، و نسبه في المفاتيح «5» و غيره «6» إلى المفيد، و كلامه مخالف لذلك من وجوه، فإنّه قال: و لو مات إنسان و له ولد مفقود لا يعرف له موت و لا حياة عزل ميراثه حتّى يعرف خبره، فإن تطاولت المدّة في ذلك و كان للميّت ورثة سوى الولد ملأ بحقه لم يكن بأس باقتسامه، و هم ضامنون له إن عرف للولد خبر بعد ذلك، و لا بأس أن يبتاع الإنسان عقار المفقود بعد عشر سنين من غيبته و فقده و انقطاع خبره، و يكون البائع ضامناً للثمن و الدرك «7».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 748.

(2) القواعد 2: 167، النافع 2: 274، الشرائع 4: 16، الروضة البهية 8: 50.

(3) انظر المختلف: 749.

(4) انظر الشرائع 4: 16، القواعد 2: 167.

(5) المفاتيح 3: 319.

(6) كالمسالك 2: 315.

(7) المقنعة: 706.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 88

و حاصله أنّه يجوز أن يدفع إلى وارث مورث المفقود الملي ء ميراثه مع ضمانهم بعد تطاول المدّة، و يجوز بيع العقار بعد عشر سنين مع كون الثمن للمفقود، فإنّ مقتضى ذلك وجوب العزل حتّى يجي ء خبره، و بعد طول المدة يجوز إقراضه لورثة مورث المفقود، و ذلك غير التقسيم لوارث المفقود، و مع ذلك مقيد بطول المدّة، و المحكوم به نفي البأس عن ذلك العمل لا تعيينه؛

و مع ذلك قول المفيد مخصوص بميراث المفقود من مورّثه دون سائر أمواله لو كان له مال آخر.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّه لو كان مراده الإقراض أو الإيداع الذي يجوز للحاكم لم يكن وجه للتخصيص بورثة الميت ثمّ للاقتسام، فالظاهر أنّ مراده نقل ملكه إليهم و إن ضمنوا لو انكشفت حياته، كما هو المحتمل على القولين الأولين أيضاً لو قسّم بعد المدة التي لا يعيش، أو بعد أربع سنين ثمّ جاء المفقود، بل هو الأظهر كما يأتي. و على هذا يتّحد قول المفيد مع ذلك القول في التقسيم.

و يمكن أن يكون تخصيصه بورثة الميت، لفرض أنّهم ورثة المفقود أيضاً، كما هو مقتضى الأصل. و حينئذ فيتحد القولان إلّا في التقييد بطول المدة و عدمه، و لا بُعد أن يكون القيد أيضاً مراد القائل بذلك القول فيتحدان رأساً.

و كذا يتحدان مع القول الثاني، إلّا في تعيين طول المدة و الطلب- حيث إنّهما مذكوران في الثاني دون ذلك القول و في اشتراط الملاءة في الوارث.

دليل الأوّل: أصالة عدم الانتقال إلى الوارث، إلّا بناقلٍ قطعي. و أصالة بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت. و أصالة عصمة مال الغير عن التصرف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 89

حتى يثبت المبيح له. و توقف العلم بالمشروط على العلم بالشرط. و العمومات الدالّة على عدم جواز التصرف في مال الغير.

و حسنة هشام: كان لأبي أجير، و كان له عندي شي ء، فهلك الأجير فلم يدع وارثاً و لا قرابة، و قد ضقت بذلك فكيف أصنع إلى أن قال-: إنّي قد ضقت بذلك فكيف أصنع؟ فقال: «هو كسبيل مالك، و إن جاء طالب أعطيته» «1».

و رواية الهيثم أبي روح: إنّي أتقبّل الفنادق،

فينزل عندي الرجل فيموت فجأة لا أعرفه و لا أعرف بلاده و لا ورثته، فيبقى المال عندي، كيف أصنع به؟ و لمن ذلك المال؟ فكتب: «اتركه على حاله» «2».

أقول: الأُصول إنّما يعمل بها لولا الدليل المخرج عنها، و أمّا معه كما يدّعيه المخالف فلا أثر لها.

و أمّا الروايتان فهما خارجتان عن محل النزاع، لأنّ النزاع في مال عرف صاحبه و فقد، و موردهما إنّما هو فيما علم موت صاحبه و لم يعرف له صاحب آخر.

و القول بأنّه يمكن أن يثبت حكمه في المطلوب بالأولويّة، بأن يقال: إذا وجب الانتظار في مال لم تعلم حياة صاحبه و لا وجوده أوّلًا لوجب فيما

______________________________

(1) الفقيه 4: 241، 767، الوسائل 26: 301 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 10. و الرواية كاملةً هي: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء، فهلك الأجير فلم يدع وارثاً و لا قرابة، قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ فقال: رأيك المساكين رأيك المساكين، فقلت: جعلت فداك إني قد ضقت ..

(2) الكافي 7: 154، 4، التهذيب 9: 389، 1390، الاستبصار 4: 197، 738 و فيه هيثم بن روح صاحب الخان، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 90

لم تعلم حياته مع العلم بوجوده أوّلًا بطريق أولى ، إذ ليست علته إلّا احتمال مجيئه أو حياته مطلقاً، و أيّهما كان يكون تحققه في الأخير أولى من الأوّل.

مردود، بمنع العلم بانحصار العلّة فيما ذكر و إنّما هي علّة مستنبطة لا عبرة بها.

هذا مع أنّ الاولى ليست واردة في مجهول المالك أيضاً، بل هي صريحة في أنّه مال من لا وارث له، حيث

قال: لم يدع وارثاً و لا قرابة، فهو مال الإمام قطعاً و ليس له مالك معروف و لا مجهول غيره.

و الظاهر أنّ المراد بالطالب فيها أيضاً الإمام نفسه أو من يوكّله في المطالبة، و ليس في الرواية دلالة على الحبس بالمال أيضاً.

و الثانية أيضاً كذلك، فإنّها واردة فيما لا يُعرف أنّه هل له مالك أو لا، و سبيل مثل ذلك أيضاً سبيل مال من لا وارث له، مع أنّ المأمور به فيها الترك على حاله، و لم يذكر فيها منتهى الترك هل هو حتّى يطلب الإمام أو أربع سنين أو عشر أو غير ذلك، غايته أنّها تكون عامّة تُخصَّص بالمخصصات الآتية.

هذا مع أنّهما و ما بمعناهما معارضة بأخبار أُخر، كمرسلة الفقيه و فيها: «إن لم تجد له وارثاً و علم اللَّه منك الجهد فتصدّق به» «1».

و رواية نصر بن حبيب: قد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك إلى أن قال-: «أعمل فيها وأُخرجها صدقة قليلًا قليلًا حتّى تخرج» «2».

______________________________

(1) الفقيه 4: 241، 770، الوسائل 26: 301 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 11.

(2) الكافي 7: 153، 3، التهذيب 9: 389، 1389، الإستبصار 4: 197، 740، إلّا أنفيه فيض بن حبيب صاحب الخان، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 3. و في «ق»، «ح»: نضر بن حبيب، و هو المنقول عن بعض نسخ الكافي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 91

و صحيحة يونس: كنّا مرافقين لقوم بمكة و ارتحلنا عنهم و حملنا بعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم- إلى أن

قال فقال: «بعه و أعط ثمنه أصحابك» قال، فقال: جعلت فداك أهل الولاية؟ فقال: «نعم» «1».

و رواية هشام: كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «تدفع إلى المساكين» إلى أن قال بعد المسألة ثالثة: «تطلب له وارثاً، فإن وجدت له وارثاً و إلّا فهو كسبيل مالك» إلى أن قال: «توصي بها فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل مالك» «2» إلى غير ذلك.

و قد يستدل عليه أيضاً بصحيحة ابن وهب عن الصادق (عليه السّلام): في رجل كان له على رجل حق، ففقده و لا يدرى اين يطلبه و لا يدري أ حيّ هو أم ميّت، و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً، قال: «اطلب» قال: إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال: «اطلبه» «3».

و صحيحة هشام، قال: سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم (عليه السّلام) و أنا جالس فقال: إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر، ففقدناه و بقي له من أجره شي ء و لا نعرف له وارثاً، قال: «فاطلبه» قال: قد طلبناه و لم نجده

______________________________

(1) التهذيب 6: 395، 1189، الوسائل 25: 450 أبواب اللقطة ب 7 ح 2.

(2) التهذيب 7: 177، 781، الوسائل 26: 254 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 7.

(3) الكافي 7: 153، 2، الفقيه 4: 241، 769، التهذيب 9: 389، 1388، الإستبصار 4: 196، 737، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 92

قال، فقال: «مساكين» و حرّك يديه، قال: فأعاد عليه قال: «اطلب و أجهد، فإن قدرت

عليه، و إلّا كسبيل مالك حتى يجي ء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه» «1».

و فيهما مضافاً إلى ما مرّ من الخروج عن محل النزاع: أنّهما لا تدلان على مطلوبه، لأنّه أمر بالطلب، و لم يحكم في الأُولى على قدر الطلب، و على ما بعد اليأس و في الثانية حكم بأنّه كسبيل ماله بعد اليأس حتّى يجي ء طالب- أي من الإمام و لا أقلّ من احتماله.

هذا مع أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك فدلالتهما موقوفة على ان يكون المستتر في اطلب و البارز في اطلبه راجعين إلى المفقود دون الوارث، و لكنه يحتمل أن يكونا راجعين إليه دونه، و حينئذ فلا دلالة لهما على المطلوب، بل تكونان دالّتين على خلافه.

نعم يمكن أن يستدلّ لذلك القول بموثقتي إسحاق الآتيتين في دليل القول الخامس «2»، الآمرتين بعزل نصيب الغائب المفقود حتى يجي ء؛ و لا ينافيه حكمه فيهما بالاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له، لأنّه نوع اقتراض لا ينكره أرباب هذا القول مع المصلحة.

إلّا أن فيه ما مرّ و يأتي من أنّه لو كان المراد الاقتراض لما كان وجه للتخصيص و التقسيم.

احتج الثاني «3» بالإجماع المنقول. و بأنّ التفحّص على هذا الوجه

______________________________

(1) التهذيب 9: 389، 1387، الإستبصار 4: 197، 739، الوسائل 26: 296 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 1.

(2) انظر ص: 94 و 95.

(3) كما في الانتصار: 307، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 93

مقتضٍ لاعتداد زوجته عدّة الوفاء بالإجماع، و عصمة الفروج أهمّ من عصمة الأموال، فإذا جاز لزوجته أن تنكح غيره بعد انقضاء تلك المدّة مضافاً إلى العدّة

فلتجز قسمة أمواله بطريق أولى .

و بموثقة إسحاق بن عمار: «المفقود يُتربّص بماله أربع سنين ثمّ يقسّم» «1».

و موثّقة سماعة: «المفقود يحبس ماله عن الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسّم ماله بين الورثة» «2».

أقول: الدليلان الأوّلان و إن كانا ضعيفين: أمّا الأوّل فلأنّ الإجماع المنقول لا حجّية فيه عندنا أصلًا كما بيّنا في الأُصول، سيّما مع مخالفة أكثر الأصحاب، و معارضته بدعوى الشهرة من جمع أكثر من المدّعين للإجماع.

و أمّا الثاني فلأنّه إن أُريد به أنّه يدلّ على الحكم بموته فيجب تقسيم أمواله فهو ظاهر الفساد، لأنّه لو دلّ على ذلك لما احتاج إلى طلاق من الولي أو الوالي، مع أنّ المذكور في أكثر الأخبار «3» و المشهور بين الأصحاب الاحتياج إليه، و الاعتداد بعدّة الوفاة يمكن أن يكون بعيداً، بل هو كذلك.

و إن أُريد أنّ جواز فسخ نكاح زوجته و إن لم يكن للحكم بالموت يدلّ على جواز قسمة أمواله بطريق أولى فالأولويّة بل المساواة ممنوعة، لجواز أن يكونَ لجواز الفسخ داعٍ و ضرورة لم يكن للقسمة، كتضرر الزوجة لاحتياجها إلى النفقة و أمثالها، أ لا ترى أنه ينفسخ النكاح أو يجوز

______________________________

(1) الكافي 7: 154، 5، الفقيه 4: 240، 766، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 5.

(2) الكافي 7: 155، 9، التهذيب 9: 388، 1386، الوسائل 36: 300 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 9.

(3) الوسائل 22: 156، أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 94

فسخه بأُمور لا يوجب شي ء منها قسمة الأموال.

و لكن الخبرين معتبران حجتان، لوجودهما في الأُصول المعتبرة، و كونهما

من الموثق الّذي هو بنفسه حجة، بل وصف الأوّل بعض الأجلّة بالصحة «1»، و مع ذلك منجبران بالإجماعين المنقولين و بعمل طائفة من أجلّة القدماء «2». و لا خفاء في دلالتهما أيضاً، و الجملة الخبرية فيها للإرشاد و إراءة الحكم، أي الحكم كذلك.

و احتج الثالث و الرابع بصحيحة علي بن مهزيار: عن دار كانت لامرأة و كان لها ابن و بنت، فغاب الابن بالبحر و ماتت المرأة، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها كانت صيّرت هذه الدار لها، و باعت أشقاصاً منها، و بقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، و هو يكره أن يشتريه لغيبة الابن و ما يتخوّف من أنّ لا يحلّ له شراؤها، و ليس يُعرف للابن خبر، فقال لي: «و منذ كم غاب؟» فقلت: منذ سنين كثيرة، فقال: «ينتظر به غيبة عشر سنين ثمّ يشتري» فقلت: فإن انتظر به غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال: «نعم» «3».

و الرواية و إن لم تدلّ على التفصيل الّذي ذكره، إلّا أنّه يمكن أن يكون وجهه الجمع بينها و بين روايتي سماعة و إسحاق.

و فيه: أنّه لا يلزم من جواز بيع حصّته من الدار بعد العشر جواز تقسيم تركته بعده، لجواز أن يكون تجويز بيعها لادّعاء البنت لها، مع عدم ظهور منازع في عشر سنين، فيمكن أن يكون تسويغ البيع لذلك و إن بقي الغائب على حجته.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 373 و 374.

(2) راجع ص: 84 86.

(3) الكافي 7: 154، 6، التهذيب 9: 390، 1391، الوسائل 26: 299 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 95

و لا ينافيه الحكم بالتأخير إلى تلك المدّة، لاحتمال كونه

من باب الاحتياط كما قيل «1»، أو لأنّ الأرض التي تركها صاحبها في هذه المدّة يزول حقّه عنها و إن لم يكن مفقوداً. و يؤيد ذلك ما ورد في أخبار متكثرة من أنّ من ترك أرضاً في ثلاث سنين فلا حقّ له «2». أو يكون بيعها لصونها من البوار فيكون ثمنها للمفقود، كما قاله المفيد «3». فإنّه ليس فيها ما يدلّ على انتقالها إلى البنت، و للحاكم بيع مال الغائب للمصلحة، فكيف بالإمام (عليه السّلام).

على أنّه لو تمّ لم يثبت منه إلّا جواز بيع الدار بعد العشر دون التفصيل الذي ذكره، و لا دليل عليه. و الجمع لا يفيده.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك و قلنا بدلالة الرواية تكون شاذّة غير صالحة للحجيّة.

حجة الخامس على ما ذكروه «4»: موثّقة إسحاق بن عمار: عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل، كيف يُصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال: «يعزل حتّى يجي ء»، قلت: فُقد الرجل و لم يجي ء، فقال: «إن كان ورثة الرجل ملأ بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو جاء ردّوه عليه» «5».

و قريبة منها موثقته الأُخرى «6».

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 374.

(2) الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17.

(3) المقنعة: 706.

(4) كما في التنقيح 4: 206، المفاتيح 3: 319، كشف اللثام 2: 286.

(5) الكافي 7: 154، 7، التهذيب 9: 388، 1384، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 6.

(6) الكافي 7: 155، 8، الفقيه 4: 241، 768، التهذيب 9: 388، 1385، الوسائل 26: 300 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 96

و فيه: أنّها

لا تدلّ على مطلوبه من تقسيمه بين وارث المفقود أصلًا، نعم تدلّ على جواز الاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له، و مرجعه إلى الإقراض أو الإيداع. و من يقول بوجوب التربّص إلى زمان لا يعيش مثله فيه لا يشك في جواز إقراض ماله أو إيداعه للحاكم مع كون المستقرض و المستودع مليئاً، سيّما مع طول المدّة و خوف الضياع، و هذا أيضاً نوع إقراض أو إيداع فيكون جائزاً، و على هذا فيكون قوله «اقتسموا» في الروايات محمولًا على الإباحة أو الإرشاد.

إلّا أن يقال: إنّه لو كان الغرض الإقراض و نحوه لم يكن وجه للتخصيص بالورثة و لا للاقتسام، سيّما قد يكون المال من الضياع و العقار و الحيوان التي لها إجارة و غلة و منفعة و لم يحكم بردّها أيضاً، و هو خلاف مصلحة الغائب قطعاً، فالمراد التمليك و التقسيم لهم. و أمّا التخصيص بورثة المورث فيمكن أن يكون لأجل عدم وجود وارث آخر للابن أو يكون المراد بالرجل هو الابن. و أمّا الردّ حين مجي ء خبره فلا ينافي التمليك حينئذ كما يأتي.

و لكن بعض ما ذكر مجرد احتمال لا يكفي في مقام الاستدلال، فتأمّل.

ثمّ أقول: هذا غاية ما ذكر في المسألة من الاستدلال، و لتحقيق الحال فيها نقول: إنّه قد ظهر أنّ الأقوال فيها خمسة أو ستة بجعل قول المفيد قولًا سادساً، و أنّ الثالث و الرابع و الخامس منها ليس لها دليل أصلًا، و مع ذلك هي شاذة مخالفة لظاهر الإجماع، فالثلاثة ساقطة من البين قطعاً. و كذا السادس لما ذكر أخيراً، فالخبر الدالّ عليه لشذوذه ليس بحجّة، مع أنّه قد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة للاحتمالات المذكورة، مضافاً إلى أنّه

غير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 97

مقيّد بطول المدّة، و لم يقل بإطلاقه أحد، و مخصوص بحصّته من ميراثه، فلا يفيد في غيرها، فبطلان هذا القول أيضاً ظاهر.

فبقي منها اثنان:

الأوّل: التربّص حتى يعلم موته عادة، و دليله التام كما صرّح به في الروضة أيضاً «1» منحصر في الأُصول المذكورة «2»، لما عرفت من حال الأخبار التي ذكروها دليلًا له. و الأُصول يجب رفع اليد عنها مع الدليل المخرج، و هو موجود، و هو موثقتا إسحاق و سماعة المذكورتان دليلًا للقول الثاني «3»، و جعلهما من الأخبار الموهونة المرجوحة كما في النافع «4» ممّا لا وجه له، كيف؟! و هما معتبرتان سنداً، واضحتان دلالة، معتضدتان بعمل أجلّاء الأصحاب، و بالإجماعين المنقولين «5»، و بما دلّ على حكم الزوجة، و ليست في الأدلّة التي يدفع بها الأُصول الكلية في كثير من الموارد أقوى منهما.

و الشهرة المدّعاة في كلام جماعة «6» ليست إلّا شهرة متأخرة، كما صرّح به جماعة منهم صاحب الكفاية «7»، و مثلها لا يوجب المرجوحيّة، سيّما إذا كان في مقابلها الإجماعات المحكيّة و عمل الأجلّة.

و أمّا موثقتا إسحاق اللتان أشرنا إليهما فقد عرفت ما فيهما من

______________________________

(1) الروضة البهية 8: 49.

(2) انظر ص 88.

(3) انظر ص: 92.

(4) المختصر النافع: 274.

(5) انظر ص: 93.

(6) انظر ص: 84 و 85.

(7) كفاية الأحكام: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 98

الاحتمالات المنافية للاستدلال، مع أنّه لو قطع النظر عنها تدلّان بالمفهوم على أنّه إذا لم يجي ء حتّى مضت المدّة التي يعيش فيها عادة لم يردّ المال و إن علمت حياته بعد موت مورّثه و كان له وارث آخر، و لا يقول به أرباب القول بالتربّص. و مع قطع

النظر عن ذلك أيضاً تكونان أعمّين مطلقاً من الموثقتين اللتين هما دليلان للقول الثاني، لأنّ مفاد الأُوليين الإبقاء حتّى يجي ء، سواء مضت أربع سنين مع الطلب أو بدونه، و مقتضى الأخيرتين الإبقاء إلى أربع سنين ثمّ التقسيم، فيجب تخصيصهما بهما.

الثاني: التربّص أربع سنين ثمّ التقسيم، و دليله الموثقتان المذكورتان فيه، و لا معارض لهما يكافئهما، فيتعين العمل بهما، و بهما تندفع الأُصول المذكورة، و يخصّص ما يحتمل عمومه.

و منه يظهر أنّ الأقوى هو القول الثاني بلا إشكال.

فروع:
أ [مقتضى الموثقتين:]

مقتضى إطلاق إحدى الموثقتين «1» جواز التقسيم بعد الأربع سنين مطلقاً من غير تقييد بالطلب و الفحص عن المفقود، و الأُخرى «2» و إن كانت مقيّدة بالطلب و لكنها لتضمنها للجملة الخبريّة القاصرة عن إفادة اللزوم و الوجوب لا توجب تقييد الاولى بعنوان اللزوم، بل غايتها الرجحان.

بل فيها كلام آخر، لأنّ المذكور فيها أنّه يحبس ماله قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، و هو كما يمكن أن يكون قوله: «أربع سنين» متعلقاً بقوله: «يطلب» و ظرفاً له، يحتمل أن يكون بدلًا للقدر و يكون المعنى : أنّه

______________________________

(1) انظر ص: 92.

(2) انظر ص: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 99

يحبس ماله قدر ما يطلب المفقود في الأرض فيما هو المعهود لأمر زوجته و هو أربع سنين، فيرجع المعنى إلى الحبس أربع سنين من غير تقييده.

و هذا معنى واضح مناسب لذكر لفظ القدر، و يكون التعبير بذلك لبيان التقدير بهذا القدر، لأنّه الذي قرر لطلبه لخلاص زوجته، و أنّه مظنة لوصول خبر منه فيما يطلب لأمر الزوجة، و على هذا فتكون هذه أيضاً مطلقة.

إلّا أنّ الظاهر من القائلين بذلك القول انعقاد إجماعهم على التقييد. فبه يقيّد الإطلاق، و لكن

مقتضاه الاقتصار في التقييد على ما علم الإجماع فيه.

ب [بيان المراد من الأمر بالطلب ]:

الظاهر من الأمر بطلب شي ء اختصاصه بما إذا كان ذلك الأمر محتمل الحصول بل مظنونه لو طلب، بل هذا مقتضى معنى الطلب عرفاً بل لغة و المتبادر منه، فلا طلب فيما يكون مأيوساً عن الوصول إليه و يعلم عدم حصوله، و لازم ذلك اختصاص التقييد بالطلب بما إذا كان مظنون الوصول إليه و لا أقل من احتماله.

و ذلك أيضاً مقتضى ما ذكرنا من لزوم الاقتصار في التقييد بما علم الإجماع فيه، و لا يعلم ذلك في صورة اليأس، فلا حاجة فيها إلى الطلب. نعم يحبس الأربع حينئذ امتثالًا لظاهر النصّ و اتّباعاً للأصل، و لا حاجة حينئذ إلى جعل مبدأ التربّص من حين طلب الوارث أو تأجيل الحاكم، بل يكفي مضي هذه المدّة من حين الفقد، لصدق الحبس سنين.

و كذا لا يحتاج إلى الطلب فيما لم يمكن الطلب، كما إذا فقد في صقع لم يمكن الوصول إلى ذلك الصقع لمانع، لعدم العلم بالإجماع على التقييد «1»

______________________________

(1) في «ح»: التعبد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 100

حينئذ أيضاً؛ بل لو قلنا برجوع الضمير المجرور في قوله في الموثقة الثانية «فإن لم يقدر عليه» «1» إلى الطلب دون المفقود يثبت ذلك من الموثقة أيضاً، و لكنّه لكونه احتماليّاً بل مرجوحاً لا يصلح للاستدلال به.

و لو أمكن الطلب في بعض النواحي دون بعض يجب الطلب فيما يمكن، و لا يحتاج إلى الطلب في غيره. و لو حصل الفراغ منه في ما دون الأربع يتربّص في الباقي منها من غير طلب، و كذا لو حصل اليأس في أثناء الأربع؛ بل للكلام في لزوم الطلب فيما دون الأربع إذا علم أوّلًا

عدم إمكان الإكمال أو حصول اليأس قبل الإكمال مجالٌ، إلّا أنّ الاحتياط في الطلب.

ج [لو احتمل الوصول إليه في ناحية مخصوصة دون غيرها]:

مقتضى ما ذكرنا من معنى الطلب أنّه لو احتمل الوصول إليه في ناحية مخصوصة دون غيرها يكفي الاقتصار على الطلب فيها من غير حاجة إلى الطلب في سائر الأصقاع و النواحي.

و يستأنس لذلك بالأخبار الواردة في طلبه لخلاص زوجته، كصحيحة الحلبي: «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يجد له أثرٌ أمر الوالي وليّه» الحديث «2».

و صحيحة العجلي: عن المفقود كيف يصنع بامرأته إلى أن قال-: «فإن رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين، ثمّ يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه، فإن خبّر عنه بحياة صبرت، و إن لم يخبر عنه بشي ء حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود» الحديث «3».

______________________________

(1) انظر ص: 92.

(2) الكافي 6: 147، 1، الوسائل 22: 158 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 23 ح 4.

(3) الكافي 6: 147، 2، الفقيه 3: 354، 1696، التهذيب 7: 479، 1922، الوسائل 22: 156 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 101

د: اللازم في الطلب ما يسمّى طلباً عرفاً

، و هو كما يحصل بإنفاذ شخص أو أشخاص إلى تلك الناحية أو النواحي ليستخبر عنه، كذلك يحصل بإنفاذ الكتب إليها أو أمر من فيها بالفحص، و بالجملة لا يلزم نصب شخص بخصوصه أو أشخاص كذلك لذلك الأمر بل يحصل بكل ما يسمّى طلباً، و كذا لا يلزم السؤال في تلك الناحية عن كل بيت بيت فيها و كل زاوية و جبل و قرية، بل يكفي ما يصدق عليه الطلب في تلك الناحية.

ه [هل يشترط رفع الأمر إلى الحاكم ]

الحقّ عدم اشتراط رفع الأمر هنا إلى الحاكم و حصول ضرب الأجل و الفحص و الطلب منه، بل يكفي حصوله من كل شخص؛ للأصل. و الرجوع إلى الحاكم في أمر زوجته لتوقف التطليق أو الأمر بالإنفاق عليه، و ليس هنا كذلك؛ نعم الأولى و الأحوط الرجوع إليه مع الإمكان، و بدونه إلى العدول أو العدل، و حصول ذلك باطلاعه.

و: مبدأ الأربع حين الفقد مطلقاً إن لم يكن هناك طلب

، للإطلاق، و حين الشروع في صُورة لزوم الطلب، ليصدق الطلب في الأربع.

ز: لو احتاج الطلب إلى مئونة

لا يجوز أخذها من مال المفقود، للأصل، بل هو على طالبه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    102     ح: لو قسمت التركة بعد الأربع مع الطلب أو بدونه فيما لا يحتاج إليه ثم جاء المفقود ..... ص : 101

ح: لو قسّمت التركة بعد الأربع مع الطلب أو بدونه فيما لا يحتاج إليه ثمّ جاء المفقود

، فإن لم تكن عين المال باقية بل أتلفتها الورثة فلا تسلّط له عليهم، لأنّه إتلاف بإذن من الشرع، و الأصل عدم الضمان؛ و كذا إن بدّلوا العين بأعيان اخر باقية، لأصالة عدم تسلّطه على تلك الأعيان الباقية.

و إن كانت العين باقية كلا أو بعضاً، فمقتضى التقسيم و إن كان تمليكها للوارث، حيث إنّه المتبادر من التقسيم للورثة دون الإيداع أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 102

الإقراض الغير المتوقفين على الطلب و لا المقصورين على الوارث، بل الظاهر كونه إجماعياً، و الأصل عدم الانتقال عنه إلّا بناقلٍ شرعيّ، إلّا أنّ مقتضى عموم موثقتي إسحاق الأخيرتين «1» الشاملتين لما إذا كانت ورثة الميت ورثة المفقود أيضاً و لما إذا كان بعد الفحص أيضاً: لزوم الردّ الذي هو الظاهر في ردّ خصوص العين الباقية لرجاء المفقود بنفسه، فيجب العمل بهما.

و لا يتوهّم أنّه على ذلك يشترط ملاءة الوارث لاشتراطها فيهما؛ لاحتمال كون اشتراطها لأجل الإطلاقين، فيكون التقسيم قبل الفحص لورثة الميت مطلقاً مشروطاً بالملاءة، فتأمّل.

ط: المقسوم بينهم بعد الأربع الواقعة بعد الطلب أو مطلقاً ورثته حين انقضاء الأربع

، لأنّهم الوارث حينئذ دون الوارث حين الفقد أو قبل الأربع.

ي: لو لم ينهض أحد للطلب مع إمكانه لا تجوز القسمة

إلى أن تمضي مدّة لا يعيش مثلها عادة كما يقوله أرباب القول الأوّل «2»، و الوجه واضح. و يقسّم حينئذ بين ورثته في ذلك الزمان كما يأتي.

يا: المرجع في انقضاء زمان لا يعيش مثله فيه [إلى العادة]

على القول بالتربص إلى انقضائه أو إذا لزم التربّص لعدم النهوض للطلب مع الإمكان إلى العادة، و هو يختلف باختلاف الأزمان و الأصقاع، و قد قدّره الجمهور بمائة و عشرين سنة «3»، و قال في المسالك: و الظاهر الاكتفاء في زماننا بما دونها، فإنّ بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة «4».

______________________________

(1) انظر ص: 94 و 95.

(2) انظر ص: 84.

(3) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 208، مغني المحتاج 3: 26.

(4) المسالك 2: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 103

أقول: الاكتفاء بما قدّره الجمهور ممّا لا شكّ فيه، و أمّا بالمائة فلا يخلو عن إشكال، و ذلك لأنّ الظاهر و إن منع من العيش إلى المائة، و لكنّ الظاهر لا يرجح عندي على الأصل إذا تعارضا إلّا إذا أفاد العلم العادي بخلافه، و إفادته له هنا فيها غير ظاهرة، لكنّه يفيده في المائة و العشرين قطعاً، بل فيما دونها أيضاً كالمائة و العشر و ما فوقها. نعم من يرجّح الظاهر على الأصل مطلقاً أو فيما إذا أفاد ظنا مساويا لما يفيده الأصل أو أقوى منه يجب أن يكتفي بالمائة بل بما دونها بقليل.

يب: مبدأ هذا التقدير وقت التولّد دون الغيبة

، و الوجه ظاهر. و لو اشتبه وقته يؤخذ بالمتيقن، لأصالة تأخّر الحادث.

يج: إذا انقضت هذه المدّة يرثه من يرثه من الموجودين حين الانقضاء دون الغيبة

، إذ لا ميراث إلّا للوارثين الموجودين بعد الموت، و انقضاء المدّة قائم مقامه. و لأنّ انتقال الإرث إلى الوارث موقوف على العلم بموت المورث و حياة الوارث، و الأوّل منتف قبل الانقضاء، و الثاني بعده بالنسبة إلى من فرض موته من الورثة الموجودين قبله.

يد: لو مات من يرثه غائب عزل نصيبه

، فإن بان حياً أخذه، أو ميتاً بعد موت مورّثه دفع إلى ورثته، أو قبله ردّ إلى ورثة مورّثه.

و إن مضت المدّة و لم ينكشف حاله فقال في التحرير: يردّ إلى ورثة مورّثه «1»، لاشتراط انتقال التركة إليه بحياته بعد موت المورث، و العلم بالمشروط مشروط بالعلم بوجود الشرط، و هو منتف، للشكّ في حياته حين موت مورّثه.

و يعارض بأنّ الانتقال إلى غيره مشروط بموته قبله، للعلم بحياته

______________________________

(1) التحرير 2: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 104

أوّلًا، و العلم بالمشروط مشروط بالعلم بوجود الشرط، و هو منتف، للشك في موته قبله، على أنّ الشرط في الأول مستصحب، فيترتّب عليه مشروطه.

فإن قيل: استصحاب الشي ء لا يوجب العلم بوجوده.

قلنا: إن أُريد وجوده الواقعي فعدم إيجاب الاستصحاب للعلم به مسلّم، و إن اريد وجوده الشرعي أي ما كان في حكم الموجود شرعاً فغير مسلّم، و الأحكام مترتبة على الوجود الشرعي دون الواقعي.

و أيضاً: معنى الاستصحاب الذي هو حجّة شرعيّة إمّا الحكم بوجود ما علم وجوده سابقاً بعد الشك في وجوده، أو الحكم بترتب الأحكام الشرعيّة المعلّقة عليه عليه و إن كان وجوده مشكوكاً فيه، و كلّ ما كان يستلزم ترتّب المشروط الشرعي عليه، أمّا الثاني فظاهر، و أمّا الأوّل فلأنّ الأحكام المعلّقة على الشي ء من لوازمه، و الحكم بوجود الملزوم يستلزم الحكم بوجود اللازم.

و أيضاً: لو كان هذا الشك معتبراً لزم نقض

اليقين بالشك، مع أنّه لا ينقض اليقين بالشك أبداً.

و أيضاً: لو لم يوجب الاستصحاب طرد هذا الشك و دفعه و عدم الاعتناء به لزم عدم حجّيته في موضع أصلًا، إذ لو لم يوجبه لكان لأجل أنّه لا يوجب الحكم بالوجود و لا يترتّب الحكم، فإنّه لو استلزم أحدهما لما بقي للشك مجال، و إذا لم يوجب شيئاً منهما لما كان حجّة:

أمّا في الموضوعات، فلأنّ كلّ حكم معلّق على شي ء فإنّما هو معلّق على وجوده، فإذا لم يفد الاستصحاب الحكم بوجوده و لا ترتّب الحكم عليه لما أفاد فائدة أصلًا. و أمّا الحكم بعدم تحقّق ما اشترط على عدمه فإنّما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 105

هو ليس لاستصحابه بل لعدم العلم بالشرط.

و أمّا في نفس الأحكام، فلأنّ معنى استصحابها الحكم بوجودها بعد الشك فيه، فإذا لم يفد الاستصحاب في ذلك فكيف يستصحب.

و أيضاً أصالة تأخّر الحادث تؤيّد تأخر موته عن موت مورّثه.

و يعلم ممّا ذكر أنّ القول بالانتقال إلى ورثة المفقود أقرب إلى الحقّ.

قال في التحرير: و كذا لو علمنا موته قبل الانقضاء و لم نعلم هل مات قبل المورّث أو بعده «1». و يعلم ضعفه ممّا ذكرنا.

المسألة الثانية [حكم الحمل إذا انفصل حيا أو ميتا]
اشاره

الحمل يرث حيث يحكم بإلحاقه بالميّت قطعاً أو شرعاً إن انفصل حيّاً، و لو ولد ميّتاً لم يرث.

أمّا الأوّل فتدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع: عمومات الإرث، و المستفيضة من الأخبار كصحيحة ربعي: في المنفوس: «إذا تحرّك ورث، إنّه ربّما كان أخرس» «2».

و المنفوس هو المولود الذي لم يستهلّ و لم يصِحْ.

و الأُخرى: في السقط إذا سقط من بطن امّه فتحرّك تحرّكاً بيّناً: «يرث و يورث، فإنّه ربّما كان أخرس» «3».

و موثقة أبي بصير: «إذا تحرّك المولود تحرّكاً

بيّناً فإنّه يرث و يورث، فإنّه ربّما كان أخرس» «4».

______________________________

(1) التحرير 2: 173.

(2) الكافي 7: 155، 1، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 3.

(3) الكافي 7: 155، 2، التهذيب 9: 391، 1394، الإستبصار 4: 198، 742، الوسائل 26: 303 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 4.

(4) التهذيب 9: 392، 1398، الإستبصار 4: 198، 743، الوسائل 26: 304 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 106

و صحيحة الفضيل: قال: سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر (عليه السّلام) عن الصبي يسقط عن امّه غير مستهلّ، أ يورث؟ فأعرض عنه فأعاد عليه، فقال: «إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث، فإنّه ربّما كان أخرس» «1».

و الروايات الآتية الدالّة على أنّ المستهلّ يرث و يورث.

و أمّا ما ورد في بعض الأخبار من اشتراط إرثه باستهلاله كصحيحة ابن سنان: «لا يصلّى على المنفوس، و هو المولود الذي لم يستهلّ و لم يصِحْ، و لم يورث من الدية و لا من غيرها، و إذا استهلّ فصلّ عليه و ورّثه» «2».

و روايته: في المنفوس قال: «لا يرث من الدية شيئاً حتّى يصيح و يسمع صوته» «3».

و رواية السكوني: «يورث الصبي و يصلّى عليه إذا سقط من بطن امّه فاستهلّ صارخاً، فإذا لم يستهلّ صارخاً لم يورث» «4».

و مضمرة ابن عون يقول: «إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتّى يستهلّ و يسمع صوته» «5».

فلا تصلح لمعارضة ما مرّ، لشذوذها المخرج لها عن الحجيّة

______________________________

(1) التهذيب 9: 392، 1399، الإستبصار 4: 198، 744، الوسائل 26: 304 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 8.

(2) التهذيب 3:

199، 459، الوسائل 26: 303 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 5.

(3) الكافي 7: 156، 5، التهذيب 9: 391، 1397، الإستبصار 4: 198، 745، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 3: 331، 1035، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.

(5) الكافي 7: 156، 6، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 107

بالمرّة، حتّى قيل: إنّه أطبق الأصحاب على ترك العمل بها «1»، و هو كذلك، و مع ذلك فهي مرجوحة عند المعارضة، لموافقتها العامّة كما صرّح به الشيخ «2»، و كثير من الطائفة «3»، و يومئ إليه إعراضه «4» عن ابن عتيبة أوّلًا كما في صحيحة الفضيل المتقدّمة.

و يدلّ عليه أيضاً الأمر بالصلاة عليه في صحيحة ابن سنان و رواية السكوني المتقدّمتين، و كذا التعليل في الأخبار المتقدّمة بقوله «فإنّه ربّما كان أخرس» فإنّ المتبادر منه أنّه ردّ على جماعة يقولون باشتراط الصياح و الاستهلال.

و الجمع بين الأخبار بالتخيير ينافي ما يستفاد من الأخبار الأخيرة من عدم التوريث قبل الاستهلال. و بحمل الأخيرة على الإرث من الدية كما في الوافي «5» كان حسناً لولا صحيحة ابن سنان المصرّحة بعدم إرثه من الدية و لا من غيرها قبل الاستهلال، حيث إنّ روايته و المضمرة خاصتان بالنسبة إلى سائر أخبار الطرفين، و أمّا الصحيحة فلصراحتها في الدية و غيرها لا تلائم ذلك الجمع، و لعلّه لم يلتفت إليها، لما ذكره من اختلاف النسخ فيها، و أنّها في بعض النسخ و لم يورث من الدية و لا من غيرها، و لكن مع

ذلك أيضاً لا يمكن المصير إلى ذلك الجمع، لما عرفت من شذوذ تلك الأخبار، و عدم وجود قائل بذلك التفصيل.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 372.

(2) التهذيب 3: 199، الاستبصار 1: 480.

(3) منهم العلّامة في المختلف: 119، و الشهيد الأول في الدروس 2: 355، و صاحب الرياض 2: 372.

(4) و إنّما اعرض عليه السلام أوّلًا عن الحكم، لأنّه كان منافقاً مخالفاً غير مصدق له عليه السلام (منه قدس سرّه).

(5) الوافي 3 ج 13: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 108

و أمّا الثاني فيدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع أيضاً: مفاهيم الأخبار المتقدمة، و ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «السقط لا يرث و لا يورث» «1» خرج المتحرّك بالدليل فبقي غيره.

و قد يستدلّ عليه أيضاً بعدم صلاحية الميّت للمالكية، و فيه كلام «2».

فروع:
أ: لا يشترط استقرار حياته بحيث يمكن أن يعيش

، فلو سقط بجناية و تحرّك حكرة المذبوح ورث بلا خلاف يعرف؛ لإطلاق الروايات بل عمومها، و لتصريح صحيحة الفضيل المتقدمة بأن السقط إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً يرث، و الغالب في السقط عدم استقرار الحياة.

و قد ينسب الخلاف إلى ظاهر الشرائع «3»، و هو غير ظاهر.

ب [بيان المراد من حركة الحمل الموجبة للإرث ]:

الحكم في الأخبار وجوداً و عدماً و منطوقاً و مفهوماً و إن كان معلّقاً على الحركة، و لكنّهم صرّحوا بأنّ المعتبر في الحركة الموجبة للإرث هي الحركة الدالّة على الحياة المعبّر عنها بالحركات الإراديّة دون غيرها كالتقلّص و الاختلاج، و ادّعوا الإجماع على ذلك «4»؛ و يدلّ عليه تقييد الحركة في أكثرها بالبيّنة، فإنّ الحركات الغير الدالّة على الحياة لا تكون بيّنة، و يدلّ عليه أيضاً قوله فيها: «ربّما كان أخرس» فإنّه لولا إناطة الحكم

______________________________

(1) كنز العمّال 11: 6، 30383، نقله عن سنن الترمذي 2: 248، 1037.

(2) و هو أنّه إنّما يصح إذا تولد و لم تلج الحياة فيه أوّلًا أيضاً، أمّا لو كان حياً أوّلًا ثمّ مات فتولد فلا يصح ذلك، إلّا أن يقال: إنّه لا سبيل إلى العلم بحياته أوّلًا أيضاً و الأصل عدمه (منه قدس سره).

(3) الشرائع 4: 16.

(4) كما في الخلاف 4: 112، الرياض 2: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 109

بالحياة لكان قوله هذا لغواً.

ج: لو لم تعلم حركته الدالّة على الحياة

لم يرث و إن لم يعلم عدم التحرّك أيضاً، لاشتراط الإرث بها في الأخبار المذكورة، و العلم بالمشروط يتوقّف على العلم بالشرط.

د: لا يشترط حياته و ولوج الروح فيه عند موت المورّث

، بل لو كان نطفة ورث بشرطه بلا خلاف يعرف، لإطلاق الروايات، و أصالة عدم الاشتراط.

ه: تحرّكه في البطن لا يوجب إرثه إذا انفصل ميّتاً

؛ لإناطة الإرث بحركة المولود أو السقط، و ما دام في البطن لا يصدق عليه ذلك، فينفى إرثه حينئذ، لعموم المفهوم.

و: لا فرق في الحكم وجوداً و عدماً [بين الموارد الآتية]

بين ما إذا كان التولّد في أقصى مدّة الحمل أو ما دونها، و ما إذا تولّد تامّاً سويّاً كامل الخلقة أو لا، و ما إذا كان خروجه بنفسه أو بسبب خارجي، كضرب أو سقط؛ للإطلاق.

ز [اشتراط حياته عند تمام الانفصال ]:

صرّح جمع من الأصحاب باشتراط حياته عند تمام الانفصال، فلو خرج بعضه حيّاً و مات قبله لم يرث «1».

و لعلّ وجهه عدم صدق المنفوس و المولود و السقط و الصبي إلّا على المنفصل تماماً، فمن مات قبل تمام الانفصال يكون داخلًا تحت المفاهيم فيمنع. و أيضاً: انتقال المال من الميت إلى غيره يحتاج إلى دليل، خرج من انفصل تمامه حيّاً بالإجماع و الأخبار فبقي الباقي، و خروج المبعّض بالأخبار يتوقّف على صدق الألفاظ المذكورة عليها و هو غير ثابت، كصدق الولد و الابن و البنت الثابت إرثهم بالآيات «2».

______________________________

(1) كما في التحرير 2: 174، و الدروس 2: 355، و الرياض 2: 373.

(2) انظر سورة النساء: 11، 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 110

ح: لو مات عقيب انفصاله حيّاً

كان نصيبه لورثته؛ و الوجه ظاهر.

ط [جريان طرفي الحجب في حق الحمل ]:

الحمل كما يُحجب عن الإرث إلى أن ينفصل و ينكشف الأمر، كذلك يَحجب غيره من الوارث على قدر حجب ذكرين موجودين إلى ان ينكشف و يستبين أمره؛ فلو كان الوارث ممّن لا يرث مع الولد حجب مطلقاً كالأخ، و لو كان ممّن ينقص نصيبه معه يمنع عن الزائد كالأبوين و الزوجين، و لو كان ولداً واحداً أو متعدداً منع عن نصيب ولدين ذكرين، و لو كان مع الولد الواحد أحد الزوجين أو الأبوين أو كلاهما لم يكن حجب مطلقاً كما لا يخفى .

أمّا أصل الحجب، فلأنّ انتقال ما يرثه الحمل على تقدير انفصاله حيّاً إلى غيره إذا كان هناك حمل مشروط بانفصاله ميّتاً، إذ لولاه لم ينتقل إليه. و انفصاله ميّتاً غير معلوم، فكذلك انتقال ما يرثه إلى غيره، لأنّ العلم بالمشروط يتوقّف على العلم بالشرط؛ ثمّ انتقاله إلى الحمل أيضاً لما كان مشروطاً بانفصاله حيّاً و هو أيضاً غير معلوم، فيجب تركه إلى أن يستبين الأمر.

فإن قيل: المسلّم هو اشتراط الانتقال بعدم الانفصال حيّاً لا بالانفصال ميّتاً.

قلنا: لو كان كذلك لكان الانتقال إلى الحمل لو انفصل حيّاً انتقالًا من الوارث إليه لا توريثاً، مع أنّ الأخبار مصرّحة بالتوريث، فانفصاله حيّاً كاشف عن سبق الانتقال.

فإن قيل: وجود الوارث و هو غير الحمل يقيني، و تحقّق المانع و هو انفصاله حيّاً مشكوك فيه، فيجب الحكم بانتقاله إليه إلى أن يعلم المانع.

قلنا: تيقن وجود الوارث ممنوع، لتوقفه على العلم بعدم انفصاله

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 111

حيّاً.

فإن قيل: أدلّة إثبات وارثيّته مطلقة بالنسبة إلى ما نحن فيه.

قلنا: أخبار إرث الحمل قيّدتها.

فإن قيل: المخرج بالتقييد هو صورة الانفصال حيّاً لا غير، و

هو غير معلوم فيما نحن فيه، فلا يحكم بخروجه حتّى يثبت المخرج.

قلنا: نسلّم أن المخرج إنّما هو صورة الانفصال حيّاً، و لكن خروج هذه الصورة لا يختص بهذه الحالة أيضاً، بمعنى أن يكون غير الحمل وارثاً قبل الانفصال و خرج عن الوارثية بعده، بل في هذه الصورة ينكشف الخروج السابق، فقبل الكشف لا يعلم أنّ هذا هل هو من الفرد المخرج أم لا.

فإن قيل: الأصل عدم خروجه.

قلنا: هذا إنّما يصحّ فيما إذا شكّ في عروضه لفرد معيّن، و أمّا إذا علم عروضه لفرد معيّن و لم يعلم أنّ هذا الفرد هل هو الفرد المخرج أم لا فلا يصحّ بإطلاقه، بل يجب الرجوع إلى ما نيط به الخروج، فإن كان مخالفاً للأصل و الاستصحاب غير ثابتٍ بدليل آخر من ظاهر أو غيره يصحّ إجراء أصل العدم فيه و إلّا فلا، و الانفصال حيّاً لا يخالف الأصل كما لا يخفى .

و أمّا الحجب عن نصيب الذكرين فلاحتمال وجودهما، فلا يعلم انتقال قدر نصيبهما إلى وارث آخر؛ و أمّا الزائد عنهما و إن كان محتملًا عقلًا إلّا أنّ العادة تأبى عنه.

و لو اتّفق الزائد على الذكرين يستردّ من سائر الورثة على حسب ما يقتضيه الحال.

ثمّ بعد عزل نصيب الذكرين لا يخلو من احتمالات عشرة: لأنّه إمّا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 112

يولد ذكراً، أو أُنثى، أو خنثى ، أو ذكرين، أو أُنثيين، أو خنثيين، أو ذكراً و أُنثى ، أو ذكراً و خنثى ، أو أُنثى و خنثى ، أو يسقط ميّتاً؛ فلو اجتمع مع الحمل ذكراً اعطي الثلث و عزل الثلثان، و لو اجتمعت معه الأُنثى أُعطيت الخمس إن ولد حيّاً كما فرض، و إلّا وزّعت التركة بينهم كما يقتضيه حال

الحمل.

المسألة الثالثة: من مات و عليه دين يستغرق التركة
اشاره

فذهب الشيخ في الخلاف و المحقق في الشرائع و الحلّي في السرائر و الشهيد و أكثر الأصحاب كما في المسالك و الكفاية إلى أنّها لا تنتقل إلى الورثة، بل هي باقية على حكم مال الميّت سواء كان الدين مساوياً لها أو زائداً عليها «1».

و ذهب الفاضل في ميراث القواعد و ثاني الشهيدين في المسالك «2» و جماعة «3» إلى انتقالها إليهم مطلقاً، لكنّهم يُمنعون من التصرّف فيه إلى أن يوفّى الدين منها أو من غيرها، أو ضمانهم مع رضا الديّان. و استقربه في التحرير «4»، و حكي عن المبسوط و الجامع «5».

و الأقوى هو الأوّل.

لنا بعد أصالة عدم الانتقال: أنّ انتقالها إليهم ليس إلّا بالإرث، و لا توريث هنا، لأنّه لا يكون إلّا بعد الدين، و إذا كان الدين مساوياً لها أو

______________________________

(1) الخلاف 2: 144، الشرائع 4: 16، السرائر 3: 219، و الشهيد في الدروس 2: 352، المسالك 2: 316، الكفاية: 292.

(2) القواعد 2: 167، المسالك 2: 316.

(3) كفخر المحققين في الإيضاح 2: 62، و ج 4: 205، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 286.

(4) التحرير 2: 173.

(5) كما في كشف اللثام 2: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 113

أكثر لم يبق منها شي ء بعده حتّى يورث.

أمّا أنّه لا توريث إلّا بعد الدين، فبالكتاب و السنة، أمّا الكتاب فقوله تعالى في مواضع مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ «1».

و أمّا السنّة فكثيرة، منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة في وارث الدية «2»، حيث دلّت بمفهوم الشرط على أنّه إذا كان على المقتول دين لا ترث الورثة الدية، فلا تنتقل إليهم، إذ لا ناقل سوى التوريث.

و حسنة محمّد بن قيس: «إنّ الدين قبل

الوصيّة، ثم الوصية على أثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصية، فإنّ أوّل القضاء كتاب اللَّه تعالى » «3».

و خبر السكوني: «أول شي ء يبدأ به من المال: الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث» «4».

و قريب منه خبره الآخر «5».

احتجّ المخالف بأنّ بقاء الملك بلا مالك مستحيل، و الميّت غير مالك، و الديّان لا يملكه إجماعاً، فتعيّن الوارث. و حملوا الآية و الروايات على أنّ الملك المستقر الغير الممنوع معه من التصرف فيه بعد الدين و الوصية.

و الجواب: إنّ هذا اجتهاد في مقابلة النص، و استحالة بقاء الملك

______________________________

(1) النساء 11: 12.

(2) في ص: 53.

(3) الكافي 7: 23، 1، الفقيه 4: 143، 489، التهذيب 9: 165، 675، الإستبصار 4: 116، 441، الوسائل 19: 330 في أحكام الوصايا ب 28 ح 2.

(4) الكافي 7: 23، 3، الفقيه 4: 143، 488، التهذيب 9: 171، 698، الوسائل 19: 329 في أحكام الوصايا ب 28 ح 1.

(5) الفقيه 4: 143، 491، التهذيب 9: 171، 699، الوسائل 19: 329 في أحكام الوصايا ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 114

بلا مالك مطلقاً ممنوعة، نعم يستحيل لو لم يكن في حكم مال الميت، و أمّا معه فلا، كيف؟! و قد جوّزه جمع كثير من الأصحاب.

و الحاصل أنّ الملك يستحيل أن لا يكون لمالك و لا في حكم مال الميت، بل يجب تحقّق أحدهما، و الثاني فيما نحن فيه متحقّق.

و بعبارة اخرى لا ريب في أنّ المراد باستحالة بقاء الملك بلا مالك ليس استحالته عقلًا، إذ لا يترتّب عليه محال، و لا ينكره العقل أصلًا، فيكون المراد استحالته شرعاً، و الاستحالة الشرعيّة لا تثبت إلّا بدليل شرعي، و لا دليل من نصّ

أو إجماع على الاستحالة المطلقة.

و حمل الآية على الملك المستقر إنّما يصحّ لو ثبت ناقل موجب للملك المتزلزل، و هو غير ثابت. و ظهور اللام في المستقر لو سلّم لا يفيد أيضاً؛ لانتفاء ما يدلّ على المتزلزل حينئذ، لإمكان القول بهذا الظهور في جميع ما يدلّ على ثبوت الإرث، فيبقى المال على أصله، أي يكون في حكم مال الميّت.

و تظهر فائدة الخلاف في النماء المتجدّد بين الموت و أداء الدين، فعلى ما اخترناه يتبع العين في تعلّق الدين به، و تقديمه على حقّ الوارث لو لم تف التركة به، لأنّ النماء تابع للعين. و على القول الآخر يكون للوارث مطلقاً.

و قيل: إنّ الفائدة تظهر أيضاً فيما إذا أراد الوارث أخذ التركة و أداء الدين من غيرها، فعلى الأوّل ليس لهم ذلك بل يتعيّن عليه تسليمها إلى الديّان، و على الثاني له الخيار بين تسليمها و بين أداء الدين من غيرها «1».

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 115

و هو حسن لو لم يثبت الإجماع على خيار الورثة.

و قد يقال بظهورها أيضاً فيما إذا كانت التركة داراً و لم يكن للوارث دار اخرى غيرها و لا شي ء آخر، فعلى الأوّل يكون الديّان مسلّطين على أخذها، و على الثاني ليس لهم ذلك، إذ بعد انتقالها إلى الوارث تكون سكناهم و لا تؤخذ السكنى بالدين.

و فيه أوّلًا: أنّ هذا إنّما يصحّ لو قيل بالملك المستقر، و أمّا المتزلزل فلا يمنع من الأخذ. و ثانياً: أنّ الإجماع متحقّق هنا على جواز الأخذ مطلقاً.

و لو كان الدين غير مستغرق للتركة فلا ريب في انتقال ما فضل عن الدين إلى الوارث.

و في منعه من التصرف مطلقاً، أو

فيما قابل الدين خاصّة وجهان، الأوّل للقواعد و الدروس «1» و بعض آخر «2» حيث جعلوا جميع التركة كالرهن. و الثاني للمسالك و الكفاية «3»، و هو الأجود، لثبوت الانتقال المقتضي لجواز التصرف و عدم المانع منه. و شركة الديّان كاحتمال تلف ما قابل الدين لا يصلح للمانعية، لأنّ إفراز حقّهم إنّما هو بيد الورثة إجماعاً، و احتمال التلف يجبر بالاسترداد عنهم لو تلف، و ليس المراد من كون الإرث بعد الدين و الوصية أنّه بعد ادائه و العمل بها، و لذا يجوز التصرف قبل العمل بالوصية، بل المراد أنّ أوّل ما يتعلق بالتركة هو الدين ثمّ الوصية ثمّ الميراث.

______________________________

(1) القواعد 2: 167، الدروس 2: 352.

(2) كما في إيضاح الفوائد 2: 63.

(3) المسالك 2: 316، الكفاية: 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 116

فروع:
أ: لو تصرّف الوارث في الزائد ثمّ قصر الباقي

لتلفٍ أو نقصٍ لزم الوارث الإكمال بحسب الزائد، للإجماع، و وجوب أداء الدين عليه من التركة، و أداؤه يتوقّف عليه.

ب: لو تعذّر استيفاء الدين ممّا قابلة

فالظاهر تسلط المُدين أو الحاكم على نقض التصرّف في الزائد أو مطالبة الدين، لوجوب أدائه و توقّفه على أحدهما، فيجب من باب المقدمة.

ج: لو كان المُدين غائباً و أراد الوارث التصرّف في التركة

في صورة الاستيعاب أو فيما قابل الدين في صورة عدمه، فيجب على الحاكم أو المؤمنين عند فقده منعه، لأنّه تصرّف فيما ليس له، فيجب المنع من باب النهي عن المنكر.

د: يجب أن يكون ما قابل الدين الممنوع من التصرّف فيه ممّا يعلم وفاؤه بالدين

إذا كان من غير جنسه، فكفّ اليد عمّا يحتمل وفاؤه به غير كاف، لأنّ انتقال قدر المحصّل لليقين بالوفاء إلى الوارث غير معلوم، فتصرّفه فيه غير جائز.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 117

المقدمة الرابعة في الحجب

اشاره

و هو لغةً: المنع «1»، و المراد منه هنا منع من له سبب الإرث عنه بالكليّة أو من بعضه، و الأوّل يسمّى : حجب حرمان، و الثاني: حجب نقصان.

و التوضيح: أنّه قد عرفت أنّ الورثة إمّا نسبيّات أو سببيّات، و لكل منهما مراتب و طبقات، و لكل منها أصناف و درجات. و قد عرفت أيضاً و ستعرف أنّ جميع هذه الطبقات و الدرجات لا يجتمعون في الإرث، بل يمنع بعضهم بعضاً من الإرث بالكليّة، و منعه إيّاه منه يسمّى حجب حرمان.

ثمّ إنّ الذين يجتمعون منهم قد يصير الاجتماع مع بعضٍ موجباً لنقص ما يرثه الآخر عند عدمه، فيمنعه عن الزائد و إن لم يمنعه بالكليّة، و منعه هذا يسمّى حجب نقصان.

و علم من ذلك أنّ الحجب قسمان، و تفصيل كل منهما مع أدلّة تفاصيله و إن يأتي في المقاصد، إلّا أنّه نذكره هنا إجمالًا، لأوقعيّة التفصيل بعد الإجمال.

فنقول: أمّا القسم الأوّل، فكلّ قريب من الأنسباء يحجب البعيد منهم، و لا خلاف فيه إلّا في مسألة إجماعيّة، و إن وقع الخلاف في أقربيّة

______________________________

(1) مجمع البحرين 2: 34، الصحاح 1: 107، نهاية ابن الأثير 1: 340، المغرب 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 118

بعض بالنسبة إلى آخر.

و يدلّ على أصل الحكم مضافاً إلى الإجماع و الروايات الآتية الواردة في تفاصيل المواريث موثقة زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «1» قال:

«إنّما عنى بذلك اولي الأرحام في المواريث، و لم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرحم التي تجرّه إليها» «2».

و صحيحة الخزاز في كتاب علي (عليه السّلام): «أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت» «3».

و موثقته، و فيها: «و كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه» «4».

و مرسلة يونس: «إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه» «5».

و رواية البزاز: «المال للأقرب، و العصبة في فيه التراب» «6».

و رواية حمّاد بن عثمان: عن رجل ترك امّه و أخاه، فقال: «يا شيخ تريد على الكتاب؟» قال، قلت: نعم. قال: « [كان ] عليٌّ (عليه السّلام) يعطي

______________________________

(1) النساء: 33.

(2) الكافي 7: 76، 2، التهذيب 9: 268، 975، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 1.

(3) الكافي 7: 77، 1، التهذيب 9: 269، 976، الإستبصار 4: 169، 640، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.

(4) الكافي 7: 77، 1، التهذيب 9: 269، 976، الإستبصار 4: 169، 640، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.

(5) الكافي 7: 77، 3، التهذيب 9: 269، 978 و فيه: إذا التقت، الوسائل 26: 69 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 3.

(6) الكافي 7: 75، 1، التهذيب 9: 267، 972، الوسائل 26: 64 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 3 إلّا أنّ الراوي فيه و في الكافي: حسين الرزّاز.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 119

المال الأقرب: فالأقرب» قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئاً؟! قال: «قد أخبرتك أنّ عليّاً (عليه

السّلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب» «1».

و صحيحة البزنطي: عن ابن بنت و بنت ابن، قال: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان لا يألو أن يعطي الميراث الأقرب» «2».

ثمّ إنّ كثيراً منهم «3» فرّعوا على ذلك أنّ الولد للصلب يحجب أولاد الأولاد مطلقاً و يمنع الأقرب منهم الأبعد، كما يحجب من يتقرّب بالأبوين أو أحدهما، و لا يشاركه سوى الأبوين و الزوجين.

و الأبوين أو أحدهما يحجب من يتقرّب بهما أو به.

و إذا عدم الأولاد و الآباء فالميراث للإخوة و الأجداد، يحجب الأقرب منهم الأبعد، فالأخ و الأُخت يحجبان أولادهما و الأقرب منهم الأبعد، كما يحجبان من يتقرّب بالأجداد، و الجدّ يحجب أباه كما يحجب أبوه أباه، و هكذا.

و إذا عدم الإخوة و الأجداد فينتقل الإرث إلى الأعمام و الأخوال، يحجب الأقرب منهم الأبعد، فيحجب كل منهما الأبعد صعوداً و نزولًا، فيحجب أولادَه (و أولاد) «4» الآخر، كما يحجب أولاد كلّ منهما أولادهم، و هكذا، و يحجب أعمامُ أحدهما و أخوالُه أولادَهم، كما يحجبون أعمام

______________________________

(1) الكافي 7: 91، 2، التهذيب 9: 270، 981، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 6.

(2) التهذيب 9: 318، 1144، الاستبصار 4: 168، 636، قرب الإسناد: 389، 1365، الوسائل 26: 113 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 9.

(3) كالعلامة في القواعد 2: 168، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 309، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 287.

(4) في «س»: و أولاده، و في «ح»: أولاد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 120

الجدّ و أخواله و أولادهم، و هكذا إلّا في مسألة إجماعيّة.

و يحجب في الطبقتين الأخيرتين المتقرّب بالأبوين المتقرب بالأب مع التساوي في الدَّرَج.

و كلّ

من هؤلاء يحجب الوارث بالسبب سوى الزوجين، فيحجب النسب مطلقاً مولى النعمة، و هو ضامن الجريرة و الإمام (عليه السّلام).

أقول

: إنّ ما ذكروه من تفاصيل الحجب كثبوت حجب الأقرب للأبعد و إن كان صحيحاً كما يأتي بأدلّتها، و لكن في تفريع هذا التفصيل على حجب الأقرب للأبعد نظر.

بيانه: أنّ المراد بالأقرب إمّا ما كان أقرب عرفاً، فكون مثل ولد ولد ولد العم أقرب من عمّ الأب غير معلوم، و كذلك أقربيّة المتقرّب بالأبوين عن المتقرب بالأب دون الأُمّ.

أو ما كانت واسطته إلى الميّت أقلّ كما صرّح به بعضهم، فينتقض بحجب ولد ولد الولد للأخ و عدم حجب الأب له، و كذلك حجب ولد ولد ولد العمّ لعمّ الأب، و بالفرق بين المتقرّب بالأب و بالأُمّ و غيرها.

أو تكون الأقربيّة ملحوظة بالنسبة إلى الصنف الواحد دون صنفين مختلفين، كما ذهب إليه آخر، فلا يكون لتفريع حجب أحد الصنفين للآخر عليها وجه.

أو بالنسبة إلى صنفين مختلفين دون صنف واحد، بجعل درجات كلّ صنف متساوية في القرب بالنسبة إلى غيرهم، لكون كل منهم بمنزلة الرحم الذي يجرّه إليه، فلا يكون تفريع حجب الأقرب من صنف للأبعد منه عليها صحيحاً.

و القول بأنّ المراد منه الأقرب شرعاً و هو ما قدّمه الشارع في الإرث

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 121

من قبيل جعل الضابط عين المطلوب، و فساده ظاهر، على أنّ في كون من قدّمه أقرب من غيره مطلقاً نظر، فإنّ الثابت من الأخبار و الإجماع هو أنّ كل أقرب حاجب للأبعد، و أمّا أنّ كل من هو حاجب لغيره فهو أبعد منه فلا، فالصواب في الضبط هو الرجوع إلى الطبقات و الدرجات، كما مرّ.

و أمّا القسم الثاني: فهو من

حيث المفهوم و إن لم يختصّ بمواضع معيّنة، لثبوته في حقّ كلّ وارث لولاه لورث الآخر أزيد ممّا يرث معه، كحجب الزوج للأولاد عمّا زاد عن ثلاثة أرباع، و الأب لهم عمّا زاد عن خمسة أسداس، و للأُمّ عمّا زاد عن الثلثين، و هكذا.

و تخصيصه بالحجب عن بعض الفرض كما في الشرائع «1» خطأٌ، لأنّ حجب الولد للأب عمّا زاد عن السدس ليس حجباً عن بعض الفرض، مع أنّه عدّه من أقسامه.

و لكنّهم خصّوا استعماله بمواضع مخصوصة، تنقسم أوّلًا إلى قسمين: حجب الولد، و حجب الإخوة.

و الأوّل على قسمين: حجب الأبوين، و حجب الزوجين. أمّا الأوّل: فالولد و إن نزل يحجبهما عمّا زاد عن السدسين و أحدهما عمّا زاد عن السدس، كما يأتي، إلّا مع بنت واحدة الخالية عن الإخوة الحاجبة للُامّ مطلقاً، أو أكثر من الواحدة مع أحدهما، فإنّ نصيبهما أو نصيبه يزيد على السدس بسبب الردّ على المشهور، و فيه خلاف للإسكافي يأتي «2». و أمّا الثاني: فالولد أيضاً يحجب الزوجين عن النصيب الأعلى إلى الأخفض، فإنّ الزوج يرث لا معه النصف و معه الربع، و الزوجة لا معه الربع و معه

______________________________

(1) الشرائع 4: 18.

(2) في ص: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 122

الثمن.

و الثاني فالإخوة يحجبون الامّ عمّا زاد عن السدس مطلقاً، سواء كان بالفرض أو الردّ، و حجبهم إيّاها عنه في الجملة ثابت بالإجماع و الكتاب و السنة،

[شروط حجب الإخوة]
اشاره

و لكنّه مشروط بأُمور:

الأول: أن لا يكونوا أقلّ من ذكرين

، أو ذكر و أُنثيين، أو أربع إناث، فلو كانوا أقلّ لا يحجبون.

أمّا الحجب مع الشرط فبالثلاثة: أمّا الإجماع فظاهر، و ادّعاه جماعة من الطائفة أيضاً «1».

و أمّا الكتاب فقوله سبحانه فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «2».

و لفظ الإخوة و إن كان حقيقة في ثلاثة ذكور فصاعداً دون غيرهم، إلّا أنّه محمول على ما زاد عن الواحد مجازاً، لوجود القرينة من الإجماع و الأخبار.

و أمّا الأخبار فكثيرة جدّاً، كصحيحة محمد: «لا يحجب الامّ من الثلث إذا لم يكن ولد إلّا أخوان أو أربع أخوات» «3».

و مثله موثقة البقباق، و زاد في آخرها: «لأب و أُم، أو لأب» «4».

و صحيحته: «إذا ترك الميّت أخوين فهم إخوة مع الميّت حجبا الامّ عن الثلث، و إن كان واحداً لم يحجب الامّ، قال: و إذا كنّ أربع أخوات

______________________________

(1) كالسيد في الانتصار: 298، و الشيخ في الخلاف 4: 39، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 605.

(2) النساء: 11.

(3) الكافي 7: 92، 4، التهذيب 9: 282، 1019، الإستبصار 4: 141، 527، الوسائل 26: 121، أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 4.

(4) الكافي 7: 92، 5، التهذيب 9: 281، 1017، الإستبصار 4: 141، 526، الوسائل 26: 120، ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 123

حجبن الامّ من الثلث، لأنّهنّ بمنزلة الأخوين، و إن كنَّ ثلاثاً فلا يحجبن» «1».

و روايته عنه (عليه السّلام): قال: سألته عن أبوين و أُختين لأب و أُم هل يحجبان الامّ من الثلث؟ قال: «لا» قلت: فثلاث؟ قال: «لا» قلت: فأربع؟ قال: «نعم» «2».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك أبوين و

أخوين أو أربع أخوات أو أخاً و أُختين، فللأُم السدس، و ما بقي فللأب» «3».

و الخبر المروي في الفقيه: «و لا يحجبها إلّا أخوان، أو أخ و أُختان، أو أربع أخوات لأب، أو لأب و أُم، و أكثر من ذلك؛ و المملوك لا يحجب و لا يرث» «4».

و رواية العياشي في تفسيره: «لا يحجب عن الثلث الأخ و الأُخت حتى يكونا أخوين أو أخاً و أُختين» الحديث «5».

و يظهر من الروايات الأخيرة و المنزلة المستفادة من الصحيحة الثانية أنّ الحصر في الروايات إضافيّ، و يدلّ عليه الإجماع أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 7: 92، 2، التهذيب 9: 281، 1015، الإستبصار 4: 141، 524، الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 1، مع تفاوتٍ يسير.

(2) الكافي 7: 92، 3، التهذيب 9: 281، 1016، الإستبصار 4: 141، 525، الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 2.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 288، مستدرك الوسائل 17: 170 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 2.

(4) الفقيه 4: 198، 674، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 1.

(5) تفسير العياشي 1: 226، 52، الوسائل 26: 122 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 124

و أمّا عدم حجب الأقلّ، فللأصل، و عدم الدليل، و الأخبار المتقدّمة.

الثاني: أن لا يكونوا كفَرَةَ و لا أرِقّاء

، فلا يحجب الكافر و الرقّ إجماعاً محقّقاً و محكيّاً في الخلاف و المسالك و المفاتيح «1» و غيرها «2»، و هو الحجة مع المستفيضة، كصحيحة محمّد: عن المملوك و المشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «3».

و موثقة البقباق: عن المملوك و المملوكة هل يحجبان

إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «4».

و خبر حسن بن صالح: «المسلم يحجب الكافر و يرثه، و الكافر لا يحجب المؤمن و لا يرثه» «5».

و رواية الفقيه المتقدمة.

و في خبر آخر: «الكفّار بمنزلة الموتى لا يحجبون و لا يرثون» «6».

و القول باحتمال كون المراد فيها عدم حجب الكافر القريب المسلم البعيد حتى يكون المراد من الحجب حجب الحرمان لا حجب النقصان.

مردود بأنّ الحجب مطلق، و نفي المطلق إنّما هو نفي جميع أفراده،

______________________________

(1) الخلاف 4: 32، المسالك 2: 318، المفاتيح 3: 327.

(2) كالرياض 2: 353.

(3) التهذيب 9: 284، 1027، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 9: 282، 1021، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 14 ح 3.

(5) الكافي 7: 143، 5، الفقيه 4: 244، 783، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 1، مع تفاوت يسير.

(6) الفقيه 4: 243، 778، الوسائل 26: 125 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 125

و منها حجب الإخوة، لصدقه عليه لغة، و إطلاقه عليه شرعاً، فالتقييد يحتاج إلى الدليل. و دعوى شيوعه في غيره ممنوعة، و لو سلّم فيجري مثله في الإخوة الحاجبة، بل فيها أولى ، لأنّها مطلقة و ليست بعامّة.

و يؤيّده في الرقّ ما في بعض الأخبار من أنّ الحجب لحصول التوفير على الأب، لأجل إنفاقه عليهم «1»، و الرقيق لا تجب نفقته عليه.

ثمّ المشهور اشتراط عدم كونهم قتلة، و الشيخ في النهاية و الديلمي لم يتعرضا له، و الصدوقان و العماني قالوا بعدم اشتراطه «2»، و هو الظاهر من الشيخ في النهاية «3»، و من الديلمي «4»،

و هو الظاهر من المسالك «5»، و استقربه في الكفاية «6»، و نفى عنه البأس في المختلف «7»، و تردد في الشرائع و المفاتيح «8»، و إن قال في الأوّل بظهور الأوّل ثانياً.

و الحق عدم الاشتراط، لإطلاق الإخوة في الآية «9»، و الرواية «10»، و عدم المعارض.

قيل: لا عموم في الإخوة في الآية و الرواية، لكونه جمع منكّر في

______________________________

(1) الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10.

(2) حكاه عنهم في المسالك 2: 318، و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 743.

(3) النهاية: 629.

(4) المراسم (الجوامع الفقهية): 654.

(5) المسالك 2: 318.

(6) كفاية الأحكام: 293.

(7) المختلف: 743.

(8) الشرائع 4: 19، المفاتيح 3: 327.

(9) انظر ص: 121.

(10) انظر ص: 121 و 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 126

سياق الإثبات، فهو مطلق، و شموله لمثل الاخوة القتلة غير معلوم «1».

قلنا، أوّلًا: إنّه قد عبّر في رواية بكير الآتية في الشرط الثالث بالجمع المعرّف «2»، و هو يفيد العموم. و ثانياً: إنّه لا حاجة إلى عموم الإخوة، بل إطلاقه كافٍ. نعم يحتاج إلى ثبوت عموم تعليق الحكم بالمهية المطلقة، بأن يثبت أنّ هذا الحكم يترتّب على هذا المطلق في جميع أوقات وجوده؛ و هو هنا ثابت، لمكان أداة الشرط، سيّما في حسنة البقباق المتقدمة التي عبّر بلفظة «إذا» الظاهرة في العموم.

و دعوى عدم شمول الإخوة للإخوة القتلة بإطلاقه، بمعنى عدم صدقه عليه دعوى غريبة.

و يؤيّد [عدم «3»] الاشتراط أيضاً وجود العلّة المنصوصة، فإنّ الأخ لا يخرج بقتل أخيه عن عيال الأب.

للمشهور: نقل الإجماع في الخلاف «4»، و مشاركته لهما «5» في العلّة المقتضية، و هو وجود المانع من الإرث لو كان وارثاً.

قلنا: تحقّق الإجماع ممنوع، و

المنقول لا يفيد، لعدم كونه حجّة عندنا، كالشهرة؛ و العلّة غير صالحة للعلّية، و لو سلّم فمستنبطة لا يحكم بها من لا يقيس.

الثالث: حياة الأب

، وفاقاً للمعظم، و ظاهر المجمع ادّعاء الإجماع

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 354.

(2) انظر ص: 126.

(3) أضفناه لتصحيح المتن.

(4) الخلاف 4: 32.

(5) أي: للكافر و الرق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 127

عليه «1».

و نَسَب المسالك القول بعدم الاشتراط إلى بعض الأصحاب «2» و إلى ظاهر الصدوق، حيث قال: لو خلّفت زوجها و أُمّها و إخوة فللأُمّ السدس و الباقي يردّ عليها «3». حيث أثبت لها الزائد بالردّ دون الفرض، و هو مذهب العامّة.

لنا بعد الأصل: رواية بكير عن الصادق (عليه السّلام)، قال: «الام لا تنقص من الثلث أبداً إلّا مع الولد و الإخوة إذا كان الأب حيّاً» «4».

و موقوفة زرارة المتصلة به بطريق صحيح، قال: «و إن مات رجل و ترك امّه و إخوة و أخوات لأب و أُم، و إخوة و أخوات لأب، و إخوة و أخوات لُام، و ليس الأب حيّاً، فإنّهم لا يرثون و لا يحجبونها» «5».

و يؤيّده أنّ علّة هذا الحجب توفير نصيب الأب، لأجل وجوب إنفاقه عليهم كما في الموقوفة: «و إنّما وفّر للأب من أجل عياله».

و في اخرى : «و حجَبها الإخوة للأب و الأُم و الإخوة من الأب، لأنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه» «6».

و ضعف الروايتين غير ضائر، على أنّ الحكم لموافقته للأصل يستعني عن الدليل، و إنّما يحتاج إليه المخالف.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 15.

(2) المسالك 2: 318.

(3) الفقيه 4: 198.

(4) التهذيب 9: 282، 1020، الوسائل 26: 122 أبواب ميراث الأبوين ب 12 ح 1.

(5) الكافي 7: 91، 1، التهذيب 9: 280، 1013، الإستبصار 4:

145، 545، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين ب 12 ح 3.

(6) الكافي 7: 103، 6، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 128

و قد يستدلّ له بالآية. و فيه نظر؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها هو الحكم في صورة وجود الأب، و أمّا اشتراط وجوده فلا.

و يحتجّ لعدم الاشتراط بإطلاق أدلّة الحجب، و برواية زرارة: امرأة تركت امّها و أخواتها لأبيها و أُمّها، و إخوة لُام، و أخوات لأب، قال: «لأخواتها لأبيها و أُمّها الثلثان، و لأُمّها السدس و لإخوتها من أُمّها السدس» «1».

و روايته الأُخرى : «امرأة تركت زوجها و أُمّها، و إخوتها لُامّها، و إخوتها لأبيها و أُمّها، فقال: «لزوجها النصف، و لأُمّها السدس، و للإخوة من الامّ الثلث، و سقط الاخوة من الامّ و الأب» «2».

و الجواب أمّا عن الأوّل، فبأنّ الإطلاق في الجميع ممنوع، فإنّ الآية سياقها ظاهر في ثبوت الحجب فيما لو ورثه أبواه، المستلزم لوجود الأب.

سلّمنا عدم الظهور، و لكن نقول: إنّ لفظة الفاء في الجملة الشرطيّة إمّا رابطة الجزاء بالشرط، على أن يكون مجموع جملتي الشرط و الجزاء جزاءً للشرط المحذوف الّذي يدلّ عليه الشرط الأوّل، أو عاطفة.

فعلى الأوّل يحتمل اشتراطها بانتفاء الولد فقط و به مع أن يرثه أبواه، فلا يثبت الإطلاق.

و على الثاني فإمّا أن يكون مدخولها معطوفاً على الجملة الجزائية المحذوفة، شرطيّة كانت أو معطوفة، فتكون مخصوصة بما لو ورثه أبواه،

______________________________

(1) التهذيب 9: 320، 1149، الإستبصار 4: 146، 550، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 12.

(2) التهذيب 6: 321، 1152، الإستبصار 4: 146، 549، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و

الأجداد ب 1 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 129

أو على الشرطيّة المذكورة، و حينئذ فيحتمل أن يكون تقديرها: فإن كان له إخوة و ورثه أبواه، فتكون مخصوصة أيضاً، و يحتمل عدم تقدير المعطوف فتكون مطلقة و إن كان الظاهر هو الأخير. و التخصيص بالأوّل كما في المجمع «1» لا وجه له؛ و لكن ظهوره في هذه الصورة مع جريان الاحتمالات المذكورة غير كافٍ في الاستدلال.

و أما الروايات «2» فالأخيرتان منها خاصّتان، و البواقي و إن كانت مطلقة إلّا أنّها مقيدة، لوجود المقيِّد.

و أمّا عن الروايتين، فبأنّهما لاشتمالهما على الحكم بتوريث الإخوة مع الامّ صريحتان في كونهما واردتين مورد التقية، فيلزم حمل الحكم بحجب الإخوة فيهما أيضاً عليها، لاتّفاق العامّة على عدم اشتراط وجود الأب، كما صرّح به في المجمع.

و أمّا حملهما على إلزام الأُم على معتقدها، فإنّما يصحّ لو كان السؤال فيهما عن واقعة محقّقة، و الظاهر أنّ السؤال عن المقدرة، فلا معنى للإلزام على المعتقد، مع عدم كون السائل منهم.

هذا، و لا يخفى أنّه لا يترتب على هذا الخلاف ثمرة، لأنّ المخالف يخصّص الحجب حينئذ بالفرض دون الردّ، فعلى القولين ترث الامّ السدس مع الولد، و يردّ عليهما إذا كان هناك ردّ، و ترث الجميع مع عدمه؛ نعم يتفاوت الفرض في الأخير على القولين، فتظهر الفائدة فيما لو صالحت

______________________________

(1) قال في المجمع: قال أصحابنا إنما يكون لها السدس إذا كان هناك أب، و يدلُّ عليه ما تقدمه من قوله: و ورثه أبواه، فإنّ هذه الجملة معطوفة على قوله: فإن لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلأُمه الثلث، و تقديره فإن كان له إخوة و ورثه أبواه فلأُمه السدس (منه رحمه

اللَّه). راجع مجمع البيان 2: 15.

(2) عنى بها الروايات المتقدمة في ص 121 و 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 130

فرضها لغيرها أو نذرته، إلّا أن يقال: إنّ تخصيص المخالف الحجب بالفرض عند انتفاء الولد، و أمّا معه فتُحجب عنهما، لمكان من يُردّ عليه.

الرابع: كونهم من الأب و الأُمّ، أو من الأب

، فلا تَحجب كلالة الأُم، و لا أعرف فيه خلافاً بين الأصحاب، و الإجماع عليه منقول في الانتصار و المسالك و المفاتيح «1»، و خالفنا العامّة في ذلك «2».

لنا: انتفاء العلّة المنصوصة، و موثقة البقباق: «لا يَحجب الامَّ عن الثلث إلّا أخوان أو أربع أخوات، لأب و أُم، أو لأب» «3».

و موثقة عبيد بن زرارة: «إنّ الإخوة من الام لا يحجبون الامّ عن الثلث» «4».

و في رواية زرارة: «و يحك يا زرارة، أُولئك الإخوة من الأب، فإذا كان الإخوة من الام لم يحجبوا الامّ عن الثلث» «5».

و في رواية إسحاق بن عمار بعد سؤاله عن رجل مات و ترك أبويه و إخوة لُام: «اللَّه سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال، و ينقصها من الميراث الثلث» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 298، المسالك 2: 318، المفاتيح 3: 327.

(2) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 22.

(3) الكافي 7: 92، 5، التهذيب 9: 281، 1017، الإستبصار 4: 141، 526، الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 3.

(4) الكافي 7: 93، 6، التهذيب 9: 281، 1018، الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 1.

(5) الكافي 7: 93، 7، التهذيب 9: 280، 1014، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 2.

(6) التهذيب 9: 284، 1026، الوسائل 26: 118 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10

ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 131

و قول زرارة في موقوفته: «و أمّا الإخوة لأُم ليسوا للأب فإنّهم لا يحجبون الامّ عن الثلث» «1».

و في أُخرى: «فأمّا الإخوة من الامّ فليسوا من هذا في شي ء، فلا يحجبون امّهم من الثلث» «2» إلى غير ذلك.

الخامس: انفصالهم

، فلا يَحجب الحمل و لو بكونه متمّماً للعدد، وفاقاً للمشهور كما في المسالك و الروضة و الكفاية «3».

و ظاهر الدروس عدم الاشتراط «4»، حيث جعل عدم حجبه قولًا مؤذناً بتمريضه، و تردّد في الشرائع أوّلًا و إن جعل المشهور الأظهر ثانياً «5».

لنا: أصالة عدم الحجب، فيقتصر فيه على موضع اليقين، و هو فيما وجد مَن يُطلق عليه اسم الإخوة حقيقة يقيناً، و إطلاقه على الحمل غير معلوم و لو كان ذكراً، بل نفى الإطلاق في الروضة «6»، فيكون باقياً على الأصل.

فإن قيل: ثبوت السدس للُامّ مطلقاً يقينيّ، و الأصل عدم الزيادة، خرج ما إذا لم يكن هناك ولد و لا حمل و لا إخوة بالدليل فيبقى الباقي، و أصالة عدم الحجب إنّما هي فيما علم ثبوته لها.

______________________________

(1) الكافي 7: 92، ذ. ح 1، التهذيب 9: 280، 1013، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 4.

(2) الكافي 7: 104، ذ. ح 6، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 3.

(3) المسالك 2: 318، الروضة 8: 63، الكفاية: 293.

(4) الدروس 2: 357.

(5) الشرائع 4: 19.

(6) الروضة 8: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 132

قلنا: المخرج «1» مطلق، فلا يقيّد إلّا بمقيّد معلوم.

و قد يستدلّ له أيضاً: بالشك في وجود الإخوة، لاحتمال كونه أُنثى. و بانتفاء العلّة، و هي وجوب الإنفاق. و

بقول الصادق (عليه السّلام) في رواية العلاء: «إنّ الطفل و الوليد لا يَحجب و لا يرث إلّا من اذن بالصراخ» «2».

و يضعّف الأوّل: بإمكان حصول اليقين بحصول العدد المعتبر كثيراً «3»، و بالانكشاف بعد الانفصال.

و الثاني: بمنع العلّية أوّلًا، و إلّا لما حجب الإخوة الأغنياء و حجب أولاد الإخوة الفقراء، و إنّما يتمسّك بها في مقام التأييد. و بمنع انتفائها ثانياً، كيف؟! و قد أفتى الشيخ بثبوت النفقة للحمل «4».

و الثالث: بأنّ القيد المتعقب للجمل المتعاطفة و إن كان راجعاً إلى الأخير على الأظهر، إلّا أنّ القرينة قائمة هنا على رجوع الاستثناء إلى الجملتين، و إلّا للزم عدم حجب الصبي ما لم يبلغ حدّ الكمال، و لم يقل به أحد؛ و إذا رجع إليهما يلزم ثبوت الحجب للحمل بعد انفصاله حيّاً، بمعنى أن يجعل الحجب مراعي إلى أن يظهر الحال، كما في إرثه، إلّا أن يقال: إنّ الثبوت في الإرث مستفاد من دليل آخر، فتأمل.

للمخالف: أصالة عدم اشتراط الانفصال. و عموم أدلّة الحجب.

قلنا: أصالة عدم الاشتراط إنّما تكون بعد ثبوت المقتضي، و ثبوته

______________________________

(1) أي مُخرج ما إذا لم يكن هناك ولد و لا حمل و لا إخوة. (منه رحمه اللَّه).

(2) الفقيه 4: 198، 674، التهذيب 9: 282، 1022، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 1.

(3) كما إذا كان هناك أربع نسوان حاملات، أو ثلاث نسوة مع وجود بنت، أو اثنتين مع وجود ابن أو بنتين، أو واحدة مع وجود ثلاث بنات (منه رحمه اللَّه).

(4) المبسوط 6: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 133

غير ثابت. و عموم الأدلّة ممنوع.

السادس: كونهم أحياءً عند موت المورّث

، فلو كان بعضهم ميّتاً عنده أو كلّهم، لم يحجب، و

وجهه ظاهر.

فروع:
أ: أولاد الإخوة لا يقومون مقام آبائهم

في هذا الحكم، فهم لا يحجبون؛ للأصل، و عدم صدق الاخوة عليهم.

ب: الحكم في الخنثى الواضح واضح، و في المشكل مشكل

. فقيل بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل «1». و قيل كالأُنثى ، فيعتبر عددها؛ لاحتمال أن يكون أُنثى، فلا يخرج عن الأصل إلّا مع القطع بالحاجب، و هو لا يحصل هنا إلّا باعتبار عدد الانثى «2»، و هو الأقوى .

ج [هل الغائب يحجب ما لم يقض بموته؟]

قال في الدروس: و الأقرب أنّ الغائب يحجب ما لم يقض بموته «3».

و هو كذلك: لأنّه مقتضى استصحاب الحياة؛ و لأنّ ثبوت الحجب قبل الغيبة لو مات أخوه يقينيّ فيستصحب؛ و لأنّ انتقال الزائد عن السدس إلى الأُم مشروط بموت الغائب حين موت أخيه، للعلم بحياته أوّلًا، و العلم بالمشروط مشروط بالعلم بالشرط، و هو منتف. و المعارضة باشتراط الحجب بالعلم بالحياة و هو غير معلوم قد مرّ دفعها.

ثمّ إنّه إذا بان موته قبل موت الأخ يردّ الزائد عن السدس إلى الأب؛

______________________________

(1) انظر الدروس 2: 357.

(2) انظر المسالك 2: 318.

(3) الدروس 2: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 134

لانكشاف عدم الشرط.

د: لو مات أخوان و لهما أبوان و أخ، و لم يعلم المتقدم

، فقال في الدروس: الظاهر عدم الحجب «1». و به حكم في الروضة «2»؛ و وجهه أنّ حجب كلّ منهما مشروط بتأخر موته، و هو غير معلوم، و استصحاب حياته كأصالة تأخر الحادث معارض بالمثل في الآخر. و هو حسن، إلّا أنّه يشكل فيما إذا كان لهما مال مشترك بينهما، فإنّ الامّ محجوبة عن نصف سدسه قطعاً، لأنّ موت أحدهما متأخر لا محالة فيحجب.

ه: لو مات أخوان غرقاً و معهما أبوان و أخ

، فتوقّف في الدروس، من حيث إنّ فرض موت كل منهما يستدعي كون الآخر حيّاً فيتحقّق الحجب، و من عدم القطع بوجوده، و الإرث حكم شرعيّ، فلا يلزم منه اطّراد الحكم الحياة «3». و الحقّ عدم الحجب، كما في الروضة «4»؛ للشكّ، و الوقوف فيما خالف الأصل على مورده.

و: [ثبوت حجب الإخوة عن الردّ أيضاً]

لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ثبوت حجب الإخوة عن الردّ أيضاً، كحجبهم عن الفرض، كما في أبوين و ابنة. و الأدلّة قاصرة عن إفادته، و سيأتي تحقيقه.

______________________________

(1) الدروس 2: 357.

(2) الروضة 8: 64.

(3) الدروس 2: 357.

(4) الروضة البهية 8: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 135

المقدمة الخامسة في تفصيل السهام المنصوصة، و بيان أهلها، و ما يلحق به

اشاره

اعلم أنّ السهام المنصوصة ستة: النصف، و الربع، و الثمن، و الثلثان، و الثلث، و السدس. و بعبارة اخرى : النصف و نصفه و نصف نصفه، و الثلثان و نصفهما و نصف نصفهما. و بثالثة: الربع و الثلث و ضعف كلّ و نصفه. و بيان موضع كل منها و إن يأتي بدليله، إلّا أنّا نذكر هنا إجمالًا لبيان بعض متفرعاتها.

ثمّ أهل هذه السهام ثلاثة عشر:

فالنصف لثلاثة

: لزوج مع عدم الولد للزوجة و إن نزل، قال اللَّه سبحانه وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ «1».

و البنت المنفردة، قال تعالى وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ «2».

و الأُخت المنفردة لأب و أُم، أو للأب مع عدمها، قال عزّ من قائل وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «3».

و تقييد البنت و الأُخت بالانفراد كالأخيرة بكونها لأب و أُم أو لأب مستفاد من الخارج كما يأتي.

و الربع لاثنين

: الزوج مع الولد للزوجة و إن نزل، سواء كان منه أو من

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 11.

(3) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 136

غيره، قال تعالى فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ «1».

و الزوجة لا مع الولد للزوج كذلك، قال تعالى وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ «2».

و الثمن لواحد

: الزوجة معه، قال سبحانه فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ «3».

و

لا فرق في الزوجة في المقامين بين الواحدة و المتعددة، فالمتعددة مطلقاً يرثن الربع أو الثمن، و تقسيمه بينهن على عددهن سواء.

و الثلثان لاثنين

: البنتين فصاعداً إذا انفردن من الإخوة. و هذا إما بناءً على ما ذهب إليه الأكثر «4»، من استفادة حكم البنتين من الآية على ما يأتي، أو على عدم تخصيص السهام بالمنصوصة في الكتاب، و إلّا فالصواب جعل الثلثين سهم ثلاث بنات فصاعداً.

و الأُختين فصاعداً لأب و أُم، أو لأب مع عدمهما، قال سبحانه فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ «5».

و هذا أيضاً بناءً على أنّ المراد في الآية اثنتان فأكثر، أو عدم تخصيص السهام بالمنصوصة في الكتاب، و إلّا فالصواب التخصيص بالأُختين.

و الثلث لاثنين

: الامّ مع عدم الحاجب و الولد و إن نزل، قال تعالى شأنه فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 12.

(4) كما في الشرائع 4: 20، و القواعد 2: 168، و الدروس 2: 338، و المسالك 2: 319.

(5) النساء: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 137

فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «1».

و الأكثر من واحد من ولدها، قال سبحانه فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ «2» و التخصيص للمخصّص.

و السدس لثلاثة

: الأب مع الولد.

و الأُمّ معه أو بدونه مع الإخوة الحاجبة، قال تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «3».

و الواحد من كلالة الأُم مطلقاً، قال عزّ شأنه وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ «4».

و قد يجعل مواضع السهام خمسة عشر، بجعل كلّ من الأُخت و الأُختين قسمين: ما يتقرب بالأبوين و ما يتقرّب بالأُم خاصة

مع عدم المتقرّب بالأبوين.

ثمّ إنّ هذه الفروض منها ما يجتمع شرعاً، و منها ما لا يجتمع، إمّا لامتناع الوقوع، أو لاستلزامه العول. و الاجتماع يكون ثنائيّاً، أو ثلاثيّاً، أو رباعيّاً، و أمّا الأزيد فلا يمكن. ثمّ الثلاثة ليست بحيث يمكن بجميع أقسامها بل منها ما يمتنع و منها ما يجتمع.

و القانون الكلّي في معرفة الممكن و الممتنع هو أنّه إذا كانت السهام سهاماً لجماعة يمتنع اجتماعهم إرثاً أو وجوداً أو سهماً مخصوصاً، أو لزم من اجتماعها زيادة السهام على الفريضة يعني لو رفعت كسور السهام

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 11.

(4) النساء: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 138

حصل الزائد عن الواحد امتنع الاجتماع، و إلّا جاز.

و أمّا الجائز من أقسام الثنائي و هي واحد و عشرون بعد حذف المكرّرات من الستّة و الثلاثين التي هي حاصل ضرب الستّة في نفسها، و هي خمسة عشر ثلاثة عشر، و الممتنع منها ثمانية. و المتكفل لبيانها هذا الجدول:

النصف النصف الثلثان الثلث الربع السدس الثمن النصف زوج و أُخت للأب مكرّر مكرّر مكرّر مكرّر مكرّر الثلثان ممتنع ممتنع مكرّر مكرّر مكرّر مكرّر الثلث زوج و أُم مع عدم الحاجب اختان للأب و أُختان للُام ممتنع مكرّر مكرّر مكرّر الربع زوج و بنت زوج و بنتان زوجة و أُم مع عدم الحاجب ممتنع مكرّر مكرّر السدس زوج و واحدة من ولد الأُم أُم و بنتان ممتنع زوج و أُم و ولد ذكر أب و أُم مع ولد مكرّر الثمن زوجة و بنت زوجة و بنتان ممتنع ممتنع زوجة و أُم و ولد ممتنع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 139

و أمّا الجائز من أقسام الثلاثي و هي خمسة

و خمسون بعد حذف المكرّرات من مائتين و ستة عشر التي هي حاصل ضرب الستة في الستة و الثلاثين سبعة:

1 اجتماع النصف و الربع و السدس، كزوجة و أُخت لأب و أُخت لُام.

2 النصف و السدس و السدس، كبنت و أُم و أب.

3 النصف و السدس و الثمن، كبنت و أحد الأبوين و زوجة.

4 الثلثين و السدس و السدس، كبنتين و أب و أُم.

5 الثلثين و السدس و الثمن، كبنتين و أحد الأبوين و زوجة.

6 الربع و السدس و السدس، كزوج و أب و أُم مع الولد.

7 السدس و السدس و الثمن، كأب و أُم و زوجة مع الولد.

و الممتنع منها ثمانية و أربعون.

و أمّا الجائز من أقسام الرباعي و هي ألف و مائتان و ستة و تسعون مع المكررات، التي هي حاصل ضرب الستة في مائتين و ستة عشر واحد، و هو اجتماع النصف و السدس و السدس و الثمن، كبنت، و أب، و أُم، و زوجة. و البواقي إمّا مكررة أو ممتنعة.

و لا يخفى أنّ المراد اجتماع هذه السهام فرضاً لا قرابة، و إلّا فكثير من الأقسام الممتنعة ممكنة في القرابة.

هذا، و اعلم أنّه إذا وجد وارث ذو فرض أو أكثر، فإمّا يكون معه مساوٍ لا فرض له، أو لا يكون، و على التقديرين فإمّا تكون التركة مساوية للفروض أو أزيد أو أنقص فهذه ستة أقسام: اثنان منها ممتنعان وقوعاً، و هما: أن يكون مع ذوي الفروض مساوٍ لا فرض له و نقصت التركة عن فروضهم، أو ساوتها.

و حكم اثنين منها واضح، و هما: أن تزيد التركة عن الفروض و كان هنا مساوٍ لا فرض له فإنّ الزائد له بالقرابة بلا خلاف؛ أو

ساوتها و لم يكن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 140

هناك مساوٍ، فيعطى كلّ ذي فرض فرضه.

بقي اثنان آخران، أحدهما: أن تزيد التركة عن الفروض و لم يكن مساوٍ لا فرض له: و ثانيهما: أن تنقص التركة عنها. و قد وقع الخلاف في حكمهما بين الفريقين و نحن نشير إلى حكمهما في مسألتين:

المسألة الأُولى : إذا زادت التركة عن السهام و لم يكن مساوٍ

لا فرض له ردّ الزائد إلى ذوي الفروض على التفصيل الآتي عندنا، و العامّة ذهبوا فيه إلى التعصيب، أي يعطون الزائد العَصَبة «1».

و اعلم أوّلًا أنّه لمّا كان بناؤهم في مطلق التوريث على التعصيب و كان ذلك- أي إعطاء الزائد عن الفرض للعصبة أيضاً من شعبه خلط جمع من فقهائنا في مقام الردّ عليهم بين أدلّة بطلان أصل التعصيب و بين أدلّة بطلان ردّ الزائد إلى العصبة، لاشتراكهما في كثير من الأدلّة، و لذلك تحصل كثيراً ما شُبه لغير المتعمقين. و قد أحسن في الانتصار، حيث عنونهما بعنوانين «2».

و نحن نبيّن أوّلًا طريقة توريثهم و قسمتهم إجمالًا، ثمّ نبيّن موضع مخالفتهم معنا، ثمّ نورد ما يقتضيه المقام من الأدلّة.

فنقول: إنّ طريقهم في التوريث أنّهم يقسّمون الورثة أوّلًا إلى قسمين: الرجال و النساء.

فالوارث من الرجال عندهم عشرة: الأب، و أبوه و إن علا، و الابن، و ابن الابن و إن نزل، و الأخ، و ابن الأخ لا من الام، و العمّ لا من الام، و ابنه، و الزوج، و المعتق. و لا يرث عندهم غير هؤلاء من الرجال، فلا يرث ابن البنت، و أب الام، و ابن الاخت، و ابن الأخ من الام، و الخال، و ابن الخالة، و العمّ من الام.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 20.

(2) الانتصار: 277.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 19، ص: 141

و من النساء سبعة: الأُمّ، و البنت، و بنت الابن و إن سفلت، و الجدّة، و الأُخت، و الزوجة، و المعتقة. و لا يرث عندهم غيرهنّ من النساء، فلا ترث بنت بنت، و بنت أخ، و بنت أُخت، و بنت عمّ، و عمّة، و خالة.

ثمّ يقسّمون هؤلاء إلى قسمين: أصحاب الفروض، و العَصَبات. فمن كان له سهم مقدّر من السهام الستّة فهو من أصحاب الفروض، و من لم يكن له سهم مقدّر فهو من العصبات، و من كان له سهم في حالة و لم يكن له في أُخرى فهو ذو الحالتين.

و الرجال كلّهم عندهم من العصبات، إلّا الأب و الجد، فإنّهما ذوا الحالتين؛ و الأخ من الام و الزوج، فإنّهما ذوا فرض دائماً.

و أمّا النساء فثلاثة منهنّ عندهم ذوات فرض دائماً، الام و الزوجة و الأُخت من الام؛ و واحدة عَصَبة كذلك و هي المعتقة؛ و البواقي ذوات فرض تارة و عصبات اخرى ، فالبنت عَصَبة إن كان لها أخ و ذات فرض إن لم يكن، و كذا بنت الابن و الجدّة عَصَبة مع الجد أو الأخ و ذات فرض منفردة، و الأُخت لا من الام عصبة مع البنت أو الأخ و ذات فرض بدونهما. و يقولون: إنّ هؤلاء النساء لسن بعصبة، بل يُعصَبن بغيرهنّ، فالابن يَعصب البنت، و ابن البنت بنت الابن، و الجد أو الأخ الجدّة، و البنت أو الأخ الأُخت.

فالعصبات عندهم ثلاثة أقسام: العصبات بأنفسهم، و هم الذكور من العصبات. و العصبة بواسطة عصبة، و يسمّونه العصبة بغيره، و هي أربعة من النساء: البنت، و بنت الابن، و الأُخت من الأبوين، و الأُخت من الأب. و العصبة بواسطة غير

عصبة و يسمّونه العصبة مع غيره، و هي اثنتان منهنّ: الأُخت من الأبوين، و الأُخت من الأب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 142

و أمّا طريق توريثهم هؤلاء: فهو أنّه إن لم يكن ذو فرض فيعطون التركة العصبات الأقرب فالأقرب، فيبدؤون بالابن أو هو و البنت، ثمّ ابن الابن أو هو و أُخته، ثمّ أبوه أو هو و الجدّة و الإخوة بدون الأخوات أو معها، ثمّ الأخ من الأبوين، ثمّ الأخ من الأب كلاهما مع الأُخت العصبة أو بدونها، ثمّ ابن الأخ من الأبوين، ثمّ ابن الأخ من الأب، ثمّ العمّ من الأبوين، ثم العمّ من الأب، ثمّ ابن العمّ من الأبوين، ثمّ ابن العمّ من الأب و إن سفل، ثمّ عمّ الأب من الأبوين، ثمّ من الأب، و هكذا، ثمّ المعتق أو المعتقة، ثمّ بيت المال إن انتظم، و إلّا فأُولو الأرحام، الذين ليسوا بذوي فرض و لا عصوبة.

و إن كان ذو فرض فيقدّم الأقرب منه على الأبعد و على جميع العصبات، و يأخذ فرضه. فإن ساوى فرضه التركة أو زاد عليها فهو، و إن نقص فيعطون الزائد على العصبة ذكراً كان أم أُنثى الأقرب فالأقرب، و لا يعطونه ذا فرض آخر إذا لم يكن عصبة، فإن لم يكن عصبة نقل إلى بيت المال إن انتظم، و إلّا فردّ إلى ذوي الفروض على نسبة فروضهم غير الزوجين.

هذه خلاصة طريقتهم في الفرائض، و ظهر منها أنّ مخالفتهم مع الإماميّة في التوريث كلية في أمرين:

أحدهما: إعطاء الميراث للعصبة و أصحاب الفروض مع مراعاة الأقربيّة بينهم، و حرمان جمع من الأقربين مع أقربيّتهم ذكوراً و أُناثاً من التركة مطلقاً، و يسمّى بالتعصيب، و الإماميّة لا يحرمون شيئاً

من الأقرباء، بل يقولون بكون الجميع وارثاً و إن كان بعضهم حاجباً لبعض، و الأقربيّة ملحوظة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 143

و ثانيهما: إعطاء الزائد من الفروض للعصبة، دون أصحاب الفروض. و الإمامية يذهبون إلى الردّ إليهم. و به قال: جمع من العامّة أيضاً «1»، و رووها عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) و ابن عباس و ابن مسعود «2».

و قد ذكر أصحابنا لبطلان كلّ من الأمرين وجوهاً كثيرة لا فائدة في ذكرها، و كثير منها ممّا يتطرّق الخدش فيها، و اعتمادنا في بطلانهما على الإجماع القطعي الكاشف عن قول الحجّة، بل الضرورة المذهبيّة، و الأخبار المستفيضة، بل المتواترة معنى عن أئمتنا الطاهرين، مضافة إلى أخبار مرويّة في طرقهم. و منها الأخبار المتكثرة الدالّة على لزوم تقديم الأقرب فالأقرب، و أنّ العصبة في فيه التراب. و خصوص الأخبار الواردة في جزئيّات المسائل، كما يأتي.

و قد يستدلّ عليه أيضاً بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «3» الآية. و بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «من ترك مالًا فلأهله» «4» «5».

و هاهنا إشكال: و هو أنّ أخبار توريث الأقرب و إن أبطلت التعصيب، لدلالتها على توريث الأقرب مطلقاً و إن لم يكن عصبة، و لكنّها غير ملائمة لما ذهب إليه أصحابنا، و ذلك لأنّ المراد بالأقرب إن كان ما كان أقلّ واسطة كما قال بعضهم، يلزم أن لا يرث أولاد الابن مع الأب، و لا أولاد الإخوة مع الجدّ، و لا ابن ابن الأخ مع العمّ. و إن كان ما كان عرفاً يلزم حجب العمّ

______________________________

(1) كما في بداية المجتهد 2: 344.

(2) المغني و الشرح الكبير 7: 7.

(3) النساء: 7.

(4) مسند أحمد 2: 287، سنن

أبي داود 3: 137، 2954، سنن ابن ماجة 1: 17، 45.

(5) في «س» زيادة: و احتج الخصم بروايات العصبة الآتية، و يأتي جوابها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 144

لابن ابن ابن الأخ، و عمّ الأب لابن ابن ابن العمّ، و كذلك في أقربيّة المتقرّب بالأبوين عن المتقرّب بالأب دون الام. و لا يمكن أن يكون المراد الأقرب شرعاً، لفقد الحقيقة الشرعيّة، و إرادة من قدّمه الشارع في الإرث لا معنى محصل له، سيّما في بعض الأحاديث التي سأل فيه عمّن يرث، على أنّه لو كان المراد لما بطل التعصيب بها، إذ للخصم أن يقول: إنّ العصبة هي الأقرب، لتقديم الشارع إيّاها في الإرث.

و يمكن دفعه بوجهين، الأوّل: أنّ المراد بالأقرب أحد الأوّلين، و لكنّ العام يخصّ مع وجود المخصّص، فخصّت هذه الأخبار بما دلّ على حجب من ليس أقرب للأقرب. و الثاني: أنّه ثبت بنص الشارع أنّ أولاد كلّ صنف قائمون مقام آبائهم و بمنزلتهم، و لا شكّ أن آباء من ذكر أنّه أبعد ممّن حُجب به أقرب من المحجوب، و أولادهم بمنزلتهم، فيجب توريث الأولاد لا محالة.

و قد يوجّه أيضاً بأنّ أولاد كلّ صنف إنّما يرثون سهم آبائهم، فهم ورثة لآبائهم لا للميّت، و لا شكّ أنّهم أقرب إلى آبائهم من غيرهم.

و قد نقل في الكافي عن يونس وجهاً آخر «1» ما حصل لي منه معنى محصلًا، إلّا أن يرجع إلى الأخير.

و احتج الخصم «2»: بأنّه لو شرّع توريث ذوي الفروض أكثر من فرضهم و جاز إعطاء الجميع عند الانحصار و عدم القصر على الفرض لكانوا مثل غيرهم، فوجب بيان إرثهم على نحو يدلّ على ذلك دون القصر و الفرض كما في غيرهم،

و لمّا قصر و فرض دلّ على أنّه لا يجوز التعدّي عنه.

______________________________

(1) الكافي 7: 115.

(2) كما في الانتصار: 291، الخلاف 4: 64، المسالك 2: 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 145

و بأنّه لو ورث ذوو الفروض زيادة عن فروضهم لبيّنه اللَّه سبحانه.

و بأنّه لو لم يكن نصيبهم مقصوراً لما كان في القصر فائدة.

و بقوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ الآية «1»، حيث حكم بتوريث الاخت النصف، و الأخ الجميع، فلو ورثت الأُخت الجميع لم تكن للتفرقة ثمرة.

و بقوله تعالى فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي «2» حيث سأل الولي الذي هو الذكر مخافة توريث العصبة، فلو كانت الأُنثى تمنعها لما كان في التخصيص فائدة.

و ببعض روايات يروونها عن طريقهم.

و أُجيب عن الأوّل «3»: بأنّ الفرض لو دلّ على أنّه لا يجوز التعدّي عنه بالزيادة لدلّ على عدم جواز التعدّي عنه بالنقصان، لاشتراكهما في مخالفة الفرض، بل النقصان أولى ، لمنافاته الفرض، بخلاف الزيادة، لتحقق الفرض معها، ففيها إعمال الدليلين، و فيه طرح دليل الفرض، و لكن يجوز النقص باعتراف الخصم كما في العول، فما المانع من الزيادة؟

و بأنّ آيات الفرض معارضة بآية اولي الأرحام، فيجب الجمع، و هو يحصل بالردّ بالأقرب، لأنّ الاولى لا تدلّ صريحاً على المنع من الردّ، و إنّما تدلّ عليه بمفهوم اللقب، الذي هو من أضعف المفاهيم، و الثانية تدلّ على الردّ صريحاً، فيجمع بالأخذ بصريحتهما.

و بأنّه لا بد من ردّ الفاضل على شخص بدليل، و دليل الردّ على

______________________________

(1) النّساء: 176.

(2) مريم: 5 و 6.

(3) كما في كنز العرفان 2: 336، المسالك 2: 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 146

العَصَبة باطل، فتعيّن الردّ إلى ذوي الفروض بالإجماع المركب.

و

يرد على الأوّل: أنّ النقص إنّما هو ممّا لا بد منه، لأنّه لا يكون إلّا فيما لا تفي التركة بالفروض و حينئذ لا مفرّ منه، و الأمر بعدم النقص حينئذ أمر بما لا يطاق، فيعلم أنّ النقص جائز و لم يُردّ الفرض حينئذ، بخلاف الزيادة، فإنّها ليست كذلك.

و على الثاني: أنّه إنّما يتمّ لو سلّم الخصم أنّ المراد بآية اولي الأرحام الأقرب فالأقرب مطلقاً، و هو غير معلوم، فإنّ له أن يقول: إنّ المراد بالبعضين إمّا مطلق البعض، أي بعض اولي الأرحام أيُّ بعض كان أولى ببعض من غيرهم، كما في قوله تعالى وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «1» و قول القائل: قتل الحِزبان بعضهم بعضاً، أو بعضاً خاصّاً. و على التقديرين لا تدلّ على أولويّة كلّ أقرب على الوجه المخصوص. و قول الخصم بمنع الأقرب من العصبة للأبعد لا يدلّ على قوله بمنع كلّ أقرب و لو لم يكن عصبة كالبنت و الأُخت له.

و القول بأنّهم يقولون في الوارث بآية اولي الأرحام إنّ الأقرب منهم يمنع الأبعد، إن أُريد أنّهم يقولون بمنع الأقرب من اولي الأرحام مطلقاً فهو ظاهر البطلان، لتصريحهم بخلاف ذلك في التعصيب، و إن أُريد أنّهم يقولون بمنع الأقرب منهم على وجه مخصوص عندهم فلا يفيد.

و على الثالث: أنّ بطلان دليل الردّ على العصبة إنّما يوجب عدم تعيين الردّ عليهم و لا يوجب الردّ على ذوي الفروض. على أنّ هذا لو تمّ لكان بالدليل على الردّ على ذوي الفروض أشبه من الجواب عن دليل

______________________________

(1) الحجرات: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 147

الخصم كما لا يخفى .

فالصواب أن يجاب: بأنّ شرعية توريث ذوي الفروض أكثر من فرضهم لا توجب كونهم مثل غيرهم

مطلقاً، لوجود الفرق في جانب النقص، فإنّهم لا ينقص عن نصيبهم شي ء بازدياد الورثة مهما أمكن، إلّا إذا خرج عن كونه ذا فرض، كالبنت و الأُخت، بخلاف غيرهم. و كونهم مثله في جانب الزيادة في بعض الصور لا يقتضي بيان الفرض و الزيادة بكلام واحد، فإنّهما حكمان يجوز بيان كلّ منهما منفرداً، فبيّن الفرض بآياته و الزيادة بغيرها كآية اولي الأرحام أو السنّة. و ذكر الفرض لا دلالة له على عدم جواز الزيادة إلّا بمفهوم اللقب الذي لا حجّية فيه أصلًا، نعم يدل على عدم جواز النقص مهما أمكن، و هو كذلك.

و بأنّه إذا كان لأمر أسباب متعددة تجتمع و تتفارق لا يلزم عند بيان سبب ذكر الآخر أيضاً، و لا من عدم ذكره عدم تأثيره إذا اجتمع مع الأوّل. و للإرث أسباب من التسمية و القرابة أو العصوبة، و منها الرد عندنا، و لا يلزم من ذكر التسمية في موضع دون الردّ مثلًا عدم تأثيره إذا اجتمع، كما تؤثّر القرابة أو العصوبة إذا اجتمعت مع التسمية، كما في زوج هو ابن عمّ.

و عن الثاني «1»: بأنّ اللَّه سبحانه بيّنه بآية اولي الأرحام، على أنّ بيانه سبحانه جميع الأحكام على نحو يظهر لنا من الكتاب غير لازم.

و عن الثالث: بأنّ الفائدة لا تنحصر في عدم جواز الزيادة، بل تظهر في عدم جواز النقص مهما أمكن، و في حصول النقص على نسبة الفروض

______________________________

(1) عطف على قوله: و أُجيب عن الأول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 148

كما هو مذهب الخصم، فإنّ غير ذوي الفروض لا ينقص عن نصيبهم على نسبة فروضهم عندهم، بل يقع تمام النقص عليه، كما في زوج و أُختين من أُم و أخ

من الأبوين فيقع النقص على الأخ. و أيضاً تظهر الفائدة في الرد إذا اجتمع مع ذي فرض آخر و لم يكن هناك مساوٍ لا فرض له، فإنه يزيد نصيب غيره من ذوي الفروض حينئذ بسبب الردّ، و لو لا كونه ذا فرض لم يردّ على غيره.

و عن الرابع: بأنّه و إن لم يكن للتفرقة ثمرة في صورة الزيادة، و لكنّها تظهر في صورة النقصان على ما سبق، و كذا في الردّ على غيرها من ذوي الفروض المجتمع معها عندنا. و بأنّه قد عرفت أنّ للإرث أسباباً متعددة: التسمية و القرابة أو العصوبة و الردّ عندنا، و لكلٍّ تأثير خاص، فتكون فائدة التفرقة بيان أثر التسمية الحاصلة للبنت.

و قد يجاب أيضاً عنه بالوجوه الثلاثة المذكورة في الجواب عن الأوّل، و قد عرفت ضعفها، على أنّ الخصم استدلّ على مطلوبه بانتفاء فائدة التفرقة لولاه، فاللازم في الجواب إبداء الفائدة و لم يُبدَ بشي ء منها فائدة.

و عن الخامس: بالمنع من كون المسئول هو الذَّكَر، و الولاية لا تدلّ عليه، لاحتمال أن يكون المراد منها غير المعنى الذي علم اختصاصه بالذكَر شرعاً، و تذكير الوصف لا يثبته، لاحتمال أن يكون بمعنى المفعول، فيستوي فيه المذكّر و المؤنث، أو كان من باب التغليب و هو باب شائع.

سلّمنا، و لكنّه أيّ مانع من أن تكون إرادة الذَّكَر لأنّه أحبّ إلى طباع البشر، أو إنّما طلبه لأن يرث منه العلم و النبوة دون المال، بل لا بدّ و أن يكون هذا هو المراد من قوله يَرِثُنِي عندهم، كيف؟! و هم الذين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 149

يروون عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث

ديناراً و لا درهماً و ما تركناه صدقة» «1» فكيف يمكن لهم حمل الإرث في الآية على إرث المال؟! و لذا ترى مفسّريهم بأجمعهم فسّروها بإرث العلم و النبوة «2»، و يشهد لذلك قوله وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «3» فإنّه لو كان طلبه للولد لخوف توريث العصبة كيف لا يخافه على آل يعقوب.

و أيضاً: الأنبياء أعظم شأناً من أن يبخلوا على مواليهم من إرثه المال، و لأجل ذلك يطلبون من يمنعهم.

و عن السادس: بعدم حجّية الروايات العاميّة عندنا أوّلًا، و عدم دلالتها على مطلوبهم ثانياً، كما لا يخفى على الناظر المتأمّل فيها.

المسألة الثانية: إذا انعكس الأمر فزادت السهام عن التركة

، كزوج و أبوين و بنتين، فلا يدخل النقص على الجميع عندنا، بل على بعض معيّن على التفصيل الآتي، و به قال ابن عباس من الصحابة «4» و عطاء «5» و داود بن علي الأصفهاني «6» من فقهاء العامّة، و نقله مخالفونا عن الصادقين (عليهما السّلام) «7».

و ذهب باقي العامّة إلى دخوله على الجميع بنسبة سهامهم، فيأخذون المخرج المشترك، و يجمعون كسور السهام أو يزيدون السهم الزائد عليه،

______________________________

(1) الموطأ 2: 993، 27، صحيح مسلم 3: 1379، 51، سنن أبي داود 3: 139، 2963.

(2) انظر تفسير الطبري 16: 31، تفسير البيضاوي 4: 3، روح المعاني 16: 62، البحر المحيط 6: 171، تفسير أبي السعود 5: 254.

(3) مريم: 6.

(4) انظر الخلاف 4: 73، الجامع لأحكام القرآن 5: 79، الدر المنثور 2: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    150     المسألة الثانية: إذا انعكس الأمر فزادت السهام عن التركة ..... ص : 149

(5) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 70، الدر المنثور 2: 127.

(6) حكاه عنه في الخلاف 4: 73، المغني و الشرح

الكبير 7: 70.

(7) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 150

و يقسّمون التركة على الحاصل، و يعطون كلّ ذي فرض فرضه منسوباً إلى المخرج من الحاصل، ففي المثال المتقدّم يأخذون اثنى عشر، و يجمعون ربعه و سدسيه و ثلثيه يحصل خمسة عشر، فيقسّمون التركة عليها، فيعطون الزوج ربع اثني عشر من خمسة عشر أي ثلاثة من خمسة عشر، و كلا من الأبوين سدسه منها أي اثنين منها، و البنتين ثلثيه منها أي ثمانية، و المجموع خمسة عشر فدخل النقص على الجميع بنسبة سهامهم.

و يسمّون هذا بالعول، و هو من لغات الأضداد جاء بمعنى الزيادة و النقصان و هو يتعدّى و لا يتعدّى ، كما صرّح به الجوهري «1»، سمّي به لأنّ العائل يزيد التركة عن المخرج، أو لأنّه ينقص سهم كل ذي سهم بعمله هذا، أو لأنّ السهام زادت على التركة، أو لأنّ التركة نقصت عن السهام، فعلى الأوّلين يكون فعلًا للعائل، و على الثانيين وصفاً للسهام، أو التركة.

لنا

: إجماع الطائفة المحقّة، بل هذا من ضروريات مذهبهم أيضاً. و أنّه لو صحّ العول لسمّى اللَّه تعالى هذه السهام المفروضة في صورة الاجتماع أيضاً، فإن كان مراده تعالى عدم جواز النقص لزم المحال، و إن كان جوازه لزم التناقض و الإغراء بالجهل.

و القول بورود الإيراد على النافي أيضاً مردود، فإنّه يقول بعدم عموم التسمية بجميع أفرادها لصورة الاجتماع الموجب للنقص، بل إمّا لا تسمية حينئذ أصلًا، أو يختصّ ببعض معيّن، فيرجع فيها إلى دليل آخر، و قد دلّ الدليل على الاختصاص بالبعض، كما يأتي.

و أنّ الظاهر من آيات التسمية شمولها لجميع الصور «2»، و لكن لضيق

______________________________

(1) انظر الصحاح 5: 1778.

(2) في

«س»: التركة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 151

التركة في بعضها لا مفرّ من ارتكاب تخصيص فيها، إمّا في التسمية، بأن يقال: إنّها مخصوصة بغير صورة الاجتماع، أو في نفس المسمّى، بأن يقال: إنّ المسمّى في صورة الاجتماع مخصوص ببعضه، فالمراد بالنصف تمام النصف إلّا الخمس مثلًا، و إثبات العول يقتضي ارتكاب التخصيص في جميع الآيات و نفيه يقتضيه في البعض، و لا شكّ أنّ التخصيص خلاف الأصل لا يصار إلى أكثره مع إمكان أقلّه.

و الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنىً عن أئمّتنا المعصومين (عليهم السّلام)، و إنكارهم على ذلك أشدّ الإنكار «1»، و احتجاجهم على بطلانه كما ورد في الأخبار، و لا حاجة إلى ذكرها بعد وضوح المسألة عندنا.

و يدلّ عليه أيضاً بعض الأخبار الواردة في طرقهم، و منها ما يصرّح بأنّ أوّل من عال الفرائض عمرهم «2». و قد يستدلّ أيضاً بوجوه أُخر كثيرة لا فائدة في ذكرها.

احتجّ المخالفون «3»: بأنّه لا بدّ من النقص، و إدخاله على البعض ترجيح بلا مرجّح، فيجب الإدخال على الجميع.

و بالقياس على الوصيّة لجماعة بما قصرت التركة عنها، حيث لا يجوز التقديم، لتصريح الموصي بجامع استحقاق الجميع، فإنّ منكري العول في الميراث يعولون «4» فيها.

و على الدين إذا كان لجماعة و لم يف المال به، فإنّهم يقسّمونه

______________________________

(1) الوسائل 26: 72 أبواب موجبات الإرث ب 6.

(2) كما في المغني و الشرح الكبير 7: 70.

(3) كما في المغني و الشرح الكبير 7: 71.

(4) في «ح»: يقولون.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 152

بالحصص.

و بما رووه: إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان على المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات و ترك ابنتيه و أبويه و زوجته؟ فقال عليّ

(عليه السّلام): «صار ثمن المرأة تسعاً» «1».

و بأنّ عمر حكم بالعول و لم ينكر عليه أحد.

و الجواب عن الأوّل: أنّ المرجح موجود، و هو ما قدّمنا من الأدلّة. سلّمنا و لكن بطلان الترجيح بلا مرجّح ينفي دخول النقص على البعض المعيّن، و أمّا المبهم «2» على سبيل التخيير فلا.

و عن الثاني: بأنّه قياس و لا نقول به، و لو سلّمنا فمع الفارق، لأنّ العول في الوصية عندنا لا يكون إلّا مع تصريح الموصي به، فيجب اتّباعه و لا محذور، لأنّ تصريحه به دَفَعَ المحال أو الإغراء بالجهل، و لا تصريح في الفرائض، و لو كان فيها لاتّبعناه؛ أو مع تصريحه بعدم الترتيب من غير ذكر العول، كما قيل «3»، فإن دلّ هذا التصريح على إرادته العول فكسابقه، و إن لم يدلّ عليها باحتمال جهله بالاستحالة أو أمره بالمحال فيجب الأخذ بالمقدور، لأنّ متابعة الموصي مهما أمكن واجبة، و لما صرّح بعدم الترتيب فلا يجوز تقديم البعض، و لما كانت السهام مفروضة لهم في هذه التركة فيجب النقص بنسبتها و لا يلزم محذور، لعدم قبح الجهل أو الإغراء به أو الأمر بالمحال في حقّه، بخلافه سبحانه تعالى شأنه عن ذلك علوّاً كبيراً.

و عن الثالث أيضاً: بأنّه قياس، و لو سلّمنا فمع الفارق، لأنّك قد

______________________________

(1) المغني و الشرح الكبير 7: 36.

(2) في «ح» و «ق»: السهم.

(3) انظر التهذيب 9: 258، المسالك 2: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 153

عرفت أنّ ثبوت العول يتوقّف على اجتماع هذه الفروض في المال تسمية، و كان هذا محالًا، بخلاف الديون، فإنّها مجتمعة في الذمة دون المال، و اجتماع كلّ ما يتصوّر من الدين في الذمة ليس محالًا و إنّما عرض

تعلّقها بعين المال، و العارض هو القدر الذي يفي به دون الزائد، فإنّه تعلّق استحقاقٍ لا تعلّق انحصارٍ، و لهذا لا يعدّ أخذ أحد من الديان قسطه استيفاءً لجميع حقّه.

و لو فرض قدرة المديون على إيفاء الدين بعد تقسيط ماله يجب عليه، و مع موته يبقى الباقي في ذمّته، و يصحّ احتسابه عليه و إبراؤه منه بخلاف الإرث. و لو سلّمنا تعلّقها بأجمعها بالمال، فنقول: إنّ الباعث له إنّما هو المديون، حيث استدان ما لم يكن عنده به وفاء، و أمّا الباعث لتعلق سهام الفرائض بالتركة إنّما هو اللَّه سبحانه، و لا يجوز عليه أن يوجب على مالٍ ما لا وفاء له به.

و عن الرابع: بعدم ثبوت الرواية، لضعف سندها، مع أنّها معارضة بخلافها مما رواه راويها كما في التهذيب «1» و الأئمة المعصومون، مع أنّ أهل البيت أدرى بما فيه، و مع ذلك فاحتمال التقيّة كإرادة التهجين أو الاستفهام الإنكاري قائم.

و عن الخامس: بأنّ حكم عمرهم ليس بحجّة، مع أنّه أيضاً لم يحكم به بل اعترف بالجهل، و عدم إنكار أحد غير مسلّم. و لو سلّم فلا يدلّ على الرضا.

______________________________

(1) التهذيب 9: 259، 971، الوسائل 26: 82 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 154

فوائد:
أ:

لا يحصل النقص إلّا بمزاحمة أحد الزوجين مع البنات أو الأخوات من الأبوين «1»؛ و حينئذٍ فيحصل النقص على البنات أو الأخوات من الأبوين، دون الزوجين أو الأبوين أو كلالة الأُم، و يأتي دليله.

ب:

من أصحابنا من ضبط إدخال النقص بأنّه يدخل على من لم يهبطه اللَّه عزّ و جل من فريضة إلى دونها دون من أهبطه، و قد عرفت ما فيه، فإنّ كلالة الأُمّ غير هابطة مع أنّه لا يدخل عليها النقص.

ج:

إذا قلنا بالعول فلمخارج أُصول الفرائض الثلاثة «2» حدّ خاص لا تتجاوز عنه، فتُعال الستة و هي المخرج إذا لم يكن ربع أو ثمن إلى العشرة شفعاً وتراً و لا يزيد، و اثنا عشر و هو المخرج إذا دخل الربع وتراً إلى سبعة عشر، و أربعة و عشرون و هي المخرج إذا دخل الثمن إلى سبعة و عشرين لا غير، و بهذا صرّح جمع من القائلين به أيضاً؛ و الوجه فيه ظاهر.

______________________________

(1) أي يشترط أن يكون أحد الزوجين مع البنات و الأخوات و إن كان معهم غيرهم أيضاً، و ليس المراد كون أحد الزوجين مع البنات أو الأخوات و لم يكن غيرهم (منه رحمه اللَّه).

(2) وصفٌ لمخارج الأُصول لا الفرائض (منه رحمه اللَّه).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 155

و أمّا المقاصد فثلاثة:

اشاره

@@@

المقصد الأوّل في مواريث ذوي الأنساب

اشاره

و فيه فصول:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 157

الفصل الأوّل في ميراث الأبوين و الأولاد
اشاره

و فيه ستّة أبحاث «1»:

البحث الأوّل: في ميراث الأبوين إذا لم يكن معهما ولد
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى [هلا يرث مع الأبوين أو أحدهما غير الولد و ولده و إن نزل من الأنسباء]:

لا يرث مع الأبوين أو أحدهما غير الولد و ولده و إن نزل من الأنسباء، بالإجماع في غير الجدّ، فإنّ فيه خلافاً يأتي في البحث السادس «2»، و غير الزوج و الزوجة من ذوي الأسباب.

للأصل، و المستفيضة من الأخبار، كصحيحة محمد: «لا يرث مع الام، و لا مع الأب، و لا مع الابن، و لا مع الابنة، إلّا زوج أو زوجة» «3».

و صحيحة زرارة: «و لا يرث مع الام، و لا مع الأب، و لا مع الابن،

______________________________

(1) الأول في ميراث الأبوين، و الثاني في ميراث الأولاد، و الثالث في الأبوين و الأولاد إذا اجتمعا، الرابع ميراث أولاد الأولاد، الخامس في ميراث الحبوة، السادس في حكم الجدّ إذا اجتمع مع الأولاد و الأبوين (منه قدس سره).

(2) انظر ص 237.

(3) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 251، 969، الوسائل 26: 91 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 158

و لا مع الابنة أحد خلقه اللَّه، غير زوج أو زوجة» «1».

و رواية أبي بصير: عن رجل مات و ترك أباه و عمّه و جدّه قال، فقال: «حجب الأب الجدّ، الميراث للأب، و ليس للعمّ و لا للجدّ شي ء» «2».

و صحيحة زرارة الموقوفة المتقدمة في الشرط الثالث من شرائط حجب الإخوة «3».

و رواية أبي بصير: في امرأة توفيت و تركت زوجها و أُمّها و أباها و إخوتها قال: «هي من ستة أسهم، للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للأب الثلث سهمان، و للأُم السدس، و ليس للإخوة شي ء» «4».

و الأُخرى: في رجل ترك أبويه و إخوته، قال: «للامُّ السدس، و للأب خمسة أسهم، و سقط الإخوة» «5».

و رواية الحسن

بن صالح: قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة مملّكة لم يدخل بها زوجها ماتت و تركت أُمّها و أخوين لها من أبيها و أُمّها وجداً لأُمّها و زوجها؟ قال: «يعطى الزوج النصف، و تعطى الأُمّ الباقي، و لا يعطى

______________________________

(1) الكافي 7: 83، 2، التهذيب 9: 251، 970، الوسائل 26: 80 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 8.

(2) الكافي 7: 114، 9، التهذيب 9: 310، 1112، الاستبصار 4: 161، 609، مستطرفات السرائر: 85، 33، الوسائل 26: 135 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 3.

(3) المتقدمة في ص 126 و 127.

(4) التهذيب 9: 283، 1023، الإستبصار 4: 145، 546، الوسائل 26: 119 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 6.

(5) التهذيب 9: 283، 1024، الإستبصار 4: 146، 547، الوسائل 26: 119 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 159

الجدّ شيئاً، لأنّ ابنته أُم الميتة حجبته عن الميراث، و لا تعطى الإخوة شيئاً» «1».

و صحيحة عبد اللَّه بن جعفر: امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها و جدّها و جدّتها، فكيف يقسّم ميراثها؟ فوقع (عليه السّلام): «للزوج النصف، و ما بقي فللأبوين» «2».

ثمّ إنّ في شي ء منها و إن لم يكن تصريحاً بمنع أولاد الجدّ و أولاد الإخوة، إلّا أنّ عموم الأُوليين يكفي له، بل تدلّ عليه البواقي أيضاً، فإنّه إذا منع الجدّ و الأخ بالأبوين يمنع أولادهما بهما بطريق أولى ، لكونهما أقرب منهم.

و يدلّ على المطلوب أيضاً أنّ الأقرب يمنع الأبعد كما مرّ، و لا شكّ أنّ الأبوين أقرب من سائر الانسباء غير الولد، بأيّ معنى أُخذ.

و تدلّ عليه أيضاً الأخبار الآتية الواردة

فيمن مات و ترك أبويه «3»، حيث حكم فيها بأنّ للأُمّ الثلث و للأب ما بقي أو الثلثان، و الواردة في ميراث الأبوين أو أحدهما و أحد الزوجين «4»، فإنّ إطلاقها أو عمومها الحاصل من ترك الاستفصال يشمل ما إذا كان معهما قريب آخر أيضاً.

و أمّا رواية زرارة: قلت: امرأة تركت أُمّها و أخواتها لأبيها و أُمّها و إخوة لُام و أخوات لأب قال: «لأخواتها لأبيها و أُمّها الثلثان، و لأُمّها السدس،

______________________________

(1) الكافي 7: 113، 8، التهذيب 9: 310، 1111، الإستبصار 4: 161، 608، الوسائل 26: 134 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 2. و كلمة «أُم الميتة» غير موجودة في المصادر.

(2) التهذيب 9: 310، 1113، الإستبصار 4: 161، 610، الوسائل 26: 135 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 4.

(3) انظر ص 161 و 162.

(4) الوسائل 26: 125 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 160

و لإخوتها من أُمّها السدس» «1».

و الأُخرى: امرأة تركت زوجها، و أُمّها، و إخوتها لُامّها، و إخوتها لأبيها و أُمّها فقال: «لزوجها النصف، و لأُمّها السدس، و للإخوة من الامّ الثلث، و سقط الإخوة من الامّ و الأب» «2».

و موثقة فضيل بن يسار: في رجل مات و ترك امّه و زوجته و أُخته و جدّه قال: «للُامّ الثلث، و للمرأة الربع، و ما بقي بين الجدّ و الأُخت، للجدّ سهمان، و للأُخت سهم» «3».

و رواية أبي بصير: عن رجل مات و ترك امّه و زوجته و أُختين له و جدّه، فقال: «للُامّ السدس، و للمرأة الربع، و ما بقي نصفه للجدّ، و نصفه للأُختين» «4».

فهي لموافقتها لمذهب العامّة «5» و

مخالفتها لإجماع الطائفة المحقّة مردودة مطروحة؛ على أنّ بعضها يناقض بعضاً، حيث حكم في الأُولى بتوريث الإخوة من الأبوين، و في الثانية بسقوطهم. و حكم في الثالثة بأنّ للأُمّ الثلث، و في الرابعة بأنّ لها السدس، و هذا يوجب وهنها. و يجوز أن يكون إلزاماً للعامّة بما ألزموا به أنفسهم.

المسألة الثانية [الوالدان لا يمنعهما أحد و إن دنت فريضتهم ]:

لا يمنعهما أحد و إن دنت فريضتهم بالإجماع،

______________________________

(1) التهذيب 9: 320، 1149، الإستبصار 4: 146، 550، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 12.

(2) التهذيب 9: 321، 1152، الإستبصار 4: 146، 549، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 13.

(3) التهذيب 9: 315، 1133، الإستبصار 4: 161، 611، الوسائل 26: 149 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 1 ح 10.

(4) التهذيب 9: 315، 1134، الإستبصار 4: 161، 612، الوسائل 26: 149 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 11.

(5) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 161

و المستفيضة، كموثقتي زرارة «1» و بكير «2»، و روايتي سالم «3» و أبي المغراء «4»، و حسنة أبي بصير «5». و لأنّه لا أحد أقرب منهما، لتساويهما مع الولد في القرب حيث يجتمعان معه.

المسألة الثالثة [كل المال للأب و الأم إذا انفردا به ]

الأب إذا انفرد كان له المال كلّه بالإجماع؛ و الوجه ظاهر، فإنّه لا وارث غيره يمنعه إيّاه.

و الأُمّ إذا انفردت كان لها المال كلّه كذلك، ثلثه بالفرض، و الباقي بالردّ.

أمّا الأوّل: فبالإجماع و الكتاب و السنة، أما الأوّلان فظاهران، و أما الثالث، فالروايات المتقدمة في بحث حجب الإخوة «6».

و أمّا الثاني: فبالإجماع و السنة، أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني فالروايات المتقدمة، الدالّة على أنّ الأقرب يمنع الأبعد، و أنّ السابق أحقّ بميراث قريبه.

و رواية سليمان بن خالد: «إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحق بالمال» «7».

______________________________

(1) التهذيب 9: 273، 987، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 11.

(2) التهذيب 9: 292، 1046، الوسائل 26: 134 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 1.

(3) الكافي

7: 82، 2، التهذيب 9: 250، 966، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 2.

(4) الكافي 7: 82، 4، التهذيب 9: 251، 968، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 4.

(5) الكافي 7: 82، 3، التهذيب 9: 250، 967، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 3.

(6) راجع ص 121 و 122.

(7) الكافي 7: 77، 2، التهذيب 9: 269، 977، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 162

و الأحقيّة أعمّ من تقديم فريضته و ردّ ما يبقى بعد فريضته عليه.

و قول الباقر (عليه السّلام) في رواية بكير: «لأنّ اللَّه قد سمّى لهما، و من سمّى لهما فيردّ عليهما بقدر سهامهما» «1».

حيث علّل أحقيّة الباقي بالتسمية، و العلّة هنا متحقّقة.

و قد يستدلّ عليه، و على أمثاله من جزئيّات الردّ بآية اولي الأرحام أيضاً «2»، حيث تدلّ على أنّ بعض اولي الأرحام و هو الأقرب أولى ببعض من الأبعد، كما ورد في الروايات.

و هو إنّما يصحّ إذا كان المراد بقوله سبحانه بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ أنّ بعضاً منهم أي بعضاً خاصّاً أولى ببعض من بعض آخر منهم.

و يمكن أن يكون المراد مطلق البعض، أي بعض اولي الأرحام أيّ بعضٍ كان- أولى ببعض من غيرهم، و حينئذٍ فلا دلالة لها على الردّ.

و يمكن ترجيح إرادة الأوّل، بل تعيّنها، برواية الفضيل بن يسار، عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال بعد ذكر أنّ عباسا و عليّاً (عليه السّلام) ما ورثا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و لا ورثه إلّا فاطمة (سلام اللَّه عليها) وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75

«3».

فيشعر بأنّ المراد أولويّة بعض اولي الأرحام من بعضهم، لأنّ عبّاساً و عليّاً لم يكونا من غيرهم.

______________________________

(1) التهذيب 9: 273، 988، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 6.

(2) الأنفال: 75.

(3) الفقيه 4: 190، 660، الوسائل 26: 101 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 4، و الآية في الأنفال: 75، و الأحزاب: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 163

و رواية العياشي في تفسيره: في قول اللَّه سبحانه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 33: 6 «إنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض، لأنّ أقربهم إليه رحماً أولى به» «1». و هذا نصّ.

و أمّا المروي في العيون: عن قول اللَّه عزّ و جلّ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية «2»، فيمن نزلت؟ قال: «نزلت في الإمرة، إنّ هذه الآية جرت في الحسين بن علي، و في ولد الحسين من بعده، فنحن أولى بالأمر و برسوله» «3».

و في كتاب ابن الحجام عن الصادق (عليه السّلام): إنّه سئل عن قول اللَّه عزّ و جلّ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ قال: «نزلت في ولد الحسين» قال، قلت: جعلت فداك نزلت في الفرائض؟ قال: «لا» قلت: في المواريث؟ فقال: «لا» قال: «نزلت في الإمرة» «4».

فهما واردتان في التأويل و البطون، مع أنّ الأخيرة غير مذكورة في كتاب معتبر، و معارضة بأخبار معتبرة أُخر، دالّة على نزولها في الميراث، كما يأتي شطر منها.

المسألة الرابعة: لو اجتمع الأبوان

، فللأُمّ الثلث مع عدم الإخوة الحاجبة و الباقي للأب، و لها السدس مع الإخوة و له الباقي، بلا خلاف

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 72، 86، الوسائل 26: 89 أبواب موجبات الإرث

ب 8 ح 11.

(2) و الأحزاب: 6.

(3) لم نعثر عليها في العيون، و هي موجودة في علل الشرائع: 206، 4.

(4) تأويل الآيات الظاهرة 2: 447، 4، و نقله عنه و عن كنز جامع الفوائد في البحار 23: 257، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 164

فيهما.

و يدلّ على حكم الأُم في الصورتين صريح الكتاب «1»، و عليه و على حكم الأب فيهما المستفيضة من الروايات، أمّا الدالّة على حكمهما في الصورة الاولى ، فصحيحة زرارة: في رجل مات و ترك أبويه، قال: «للأب سهمان، و للأُمّ سهم» «2».

و الأُخرى: في رجل ترك أبويه، قال: هي من ثلاثة أسهم، للأُمّ سهم، و للأب سهمان» «3».

و رواية أبان بن تغلب: في رجل مات و ترك أبويه، قال: «للُامّ الثلث، و ما بقي فللأب» «4».

و رواية أبي بصير: في رجل ترك أبويه، قال: «هي من ثلاثة أسهم، للأُمّ سهم، و للأب سهمان» «5» إلى غير ذلك.

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة، إلّا أنّها قيّدت بصورة عدم الإخوة بالثلاثة «6».

و على حكم الأُمّ في الثانية روايات حجب الإخوة المتقدمة «7».

______________________________

(1) انظر النساء: 11.

(2) الكافي 7: 91، 1، التهذيب 9: 270، 980، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 1.

(3) الكافي 7: 91، 3، التهذيب 9: 269، 979، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 9: 273، 989، الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 4.

(5) الكافي 7: 91، 3، التهذيب 9: 269، 979، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 2.

(6) أي: بالإجماع و الكتاب و السنّة.

(7) في ص 121 و

122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 165

و على حكمهما فيها رواية أبي بصير: في رجل ترك أبويه و إخوته، قال: «للُامّ السدس، و للأب خمسة أسهم، و سقط الإخوة، و هي من ستة أسهم» «1».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه، المتقدم في مسألة حجب الإخوة.

و على حكمهما فيهما، صحيحة زرارة الموقوفة، و فيها: «إنّ الرجل إذا ترك أبويه فللأُمّ الثلث، و للأب الثلثان، في كتاب اللَّه، فإن كان له إخوة» يعني للميّت، يعني إخوة لأب و أُمّ، أو إخوة لأب «فلأُمّه السدس، و للأب خمسة أسداس» «2».

و ضعف بعضها سنداً بعد اعتضادها بعمل الكلّ غير ضائر.

المسألة الخامسة: لو كان معهما أحد الزوجين

فلا يخلو إمّا أن يكون معهما، أو معه، أو معها.

فعلى الأوّل: فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى: النصف أو الربع، و للأُم الثلث مع عدم الإخوة، و السدس معهم، و الباقي للأب، للإجماع و المستفيضة من الأخبار.

كموثقة الجعفي: في زوج و أبوين، قال: «للزوج النصف، و للأُمّ الثلث، و للأب ما بقي» و قال في امرأة و أبوين، قال: «للمرأة الربع، و للأُم الثلث، و ما بقي فللأب» «3».

و صحيحته: في زوج و أبوين قال: «للزوج النصف، و للأُم الثلث،

______________________________

(1) التهذيب 9: 283، 1024، الإستبصار 4: 146، 547، الوسائل 26: 119 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 7.

(2) الكافي 7: 92، ذ. ح 1، التهذيب 9: 280، 1013، الإستبصار 4: 145، 545، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 4.

(3) الكافي 7: 98، 1، الإستبصار 4: 142، 529، التهذيب 9: 284، 1028، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 166

و ما بقي

فللأب» «1».

و الأُخرى: رجل مات و ترك امرأة و أبويه، قال: «لامرأته الربع، و للأُمّ الثلث، و ما بقي فللأب» «2».

و رواية عقبة بن [بشير «3»]: في رجل مات و ترك زوجته و أبويه، قال: «للمرأة الربع، و للأُم الثلث، و ما بقي فللأب» و عن امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها، قال: «للزوج النصف، و للأُم الثلث مع جميع المال، و ما بقي فللأب» «4».

و صحيحة محمد: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) أقرأني صحيفة الفرائض التي هي إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و خطّ علي (عليه السّلام) بيده، فقرأت فيها: «امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها فللزوج النصف ثلاثة أسهم، و للأُمّ الثلث تاماً سهمان، و للأب السدس سهم» «5».

و موثقة أبي بصير: في امرأة توفّيت و تركت زوجها و أُمّها و أباها، قال: «هي من ستّة أسهم، للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للأُمّ الثلث سهمان، و للأب السدس سهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 98، 2، التهذيب 9: 284، 1029، الإستبصار 4: 142، 530، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 2.

(2) الفقيه 4: 195، 671، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 2.

(3) في «ح»: كثير، و في «ق» و «س»: بشر، و الصحيح ما أثبتناه موافقاً للمصادر، حيث إنّ عقبة بن كثير، و عقبة بن بشر غير مذكورين في كتب الرجال.

(4) التهذيب 9: 286، 1039، الإستبصار 4: 143، 536، الوسائل 26: 127 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 8.

(5) الكافي 7: 93، 1، الفقيه 4: 192، 668، التهذيب 9: 270، 982، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و

الأولاد ب 17 ح 1.

(6) الكافي 7: 98، 5، التهذيب 9: 285، 1032، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 167

و رواية زرارة: عن امرأة تركت زوجها و أبويها، فقال: «للزوج النصف، و للأُمّ الثلث، و للأب السدس» «1».

و صحيحة صفوان: في زوج و أبوين: «أنّ للزوج النصف، و للأُم الثلث كاملًا، و ما بقي فللأب» «2» إلى غير ذلك.

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة إلّا أنّها مقيدة بصورة عدم الإخوة، للإجماع، و روايتي أبي بصير المتقدمتين في المسألة الاولى «3»، و عموم قوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ «4» و عموم روايات الحجب.

كما أنّ رواية أبان بن تغلب: في امرأة ماتت و تركت أبويها و زوجها، قال: «للزوج النصف، و للأُمّ السدس، و للأب ما بقي» «5» مقيدة بصورة وجودهم. و حملها في التهذيبين على التقية «6»، لموافقتها للعامّة «7».

و على الثاني: فلأحدهما نصيبه الأعلى، و للأب الباقي. أمّا الأوّل، فبالإجماع، و الكتاب و السنّة، أمّا الأوّلان فظاهران، و أمّا الثالث فصحيحة الجعفي، و فيها: «فإن تركت زوجها و أباها فللزوج النصف، و ما بقي فللأب» «8».

______________________________

(1) التهذيب 9: 286، 1034، الإستبصار 4: 143، 533، الوسائل 26: 127 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 5.

(2) التهذيب 9: 286، 1035، الإستبصار 4: 143، 534، الوسائل 26: 127 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 7.

(3) في ص: 155 و 156.

(4) النّساء: 11.

(5) التهذيب 9: 287، 1040، الإستبصار 4: 143، 537، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 9.

(6) التهذيب 9: 287، الإستبصار 4: 144.

(7) انظر المغني

و الشرح الكبير 7: 21.

(8) الفقيه 4: 195، 671.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 168

و أمّا الثاني، فبها أيضاً، أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني، فقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «1» وجه الاستدلال: أنّه يدلّ على أنّ اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم في الميراث، كما يظهر من الروايات، كصحيحة ابن سنان: «كان علي (عليه السّلام) إذا مات مولى له و ترك قرابته لم يأخذ من ميراثه شيئاً، و يقول أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75 «2»».

و صحيحته الأُخرى : «اختلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) و عثمان بن عفّان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو قرابة لا يرثون، فقال علي (عليه السّلام): ميراثه لهم، يقول اللَّه تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75 و كان عثمان يقول: يجعل في بيت مال المسلمين» «3».

و حسنة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل مات فقرأ هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75 فدفع الميراث إلى الخالة و لم يعط المولى» «4» إلى غير ذلك.

و إذا ثبت أنّ اولي الأرحام أولى من غيره فلا يرث غيره معه شيئاً، فيجب أن لا يرث مع الأب زوج و لا زوجة شيئاً، خرج النصف أو الربع

______________________________

(1) الأنفال: 75.

(2) الكافي 7: 135، 5، التهذيب 9: 328، 1181، الإستبصار 4: 171، 647، الوسائل 26: 234 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 5.

(3) التهذيب 9: 396، 1416، الوسائل 26: 191 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 1.

(4) الكافي 7: 135، 2، التهذيب 9: 329، 1183،

الإستبصار 4: 172، 649، الوسائل 26: 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 169

بالدليل، فيبقى الباقي.

و أمّا الثالث فصحيحة الجعفي المتقدمة.

و على الثالث: فلأحدهما النصيب الأعلى أيضاً، و للأُمّ الباقي، الثلث بالفرض، و الباقي بالردّ. أمّا الأوّلان فظاهران. و أما الثالث «1»، فللإجماع، و قضيّة الأقربيّة، و آية اولي الأرحام على ما مرّ، و قول الصادق (عليه السّلام) في صحيحة الجعفي: «فإن تركت امرأة زوجها و أُمّها فللزوج النصف، و ما بقي فللأُم» «2» و رواية الحسن بن صالح المتقدمة في المسألة الاولى «3»، و موثقة جميل عنه (عليه السّلام)، قال: «لا يكون الردّ على زوج و لا على زوجة» «4».

و أمّا عموم علّية التسمية للردّ الواردة في رواية بكير «5» فمخصّص.

______________________________

(1) أي أنّ الباقي بالردّ. منه رحمه اللَّه.

(2) الفقيه 4: 195، 671.

(3) في ص: 156.

(4) التهذيب 9: 296، 1061، الإستبصار 4: 149، 563، الوسائل 26: 204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 10.

(5) المتقدّمة في ص: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 170

البحث الثاني في ميراث الأولاد من الصلب إذا لم يكن معهم واحد من الأبوين
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لا يرث مع الولد مطلقاً «1» غير الوالدين من الأنسباء

، بالإجماع في غير الجدّ، فإنّ فيه خلافاً يأتي.

للأصل، و كونه أقرب من غيره، و صريح الأخبار، كصحيحتي محمّد و زرارة المتقدمتين في المسألة الاولى «2»، و المروي في الكافي و التهذيب عن كتاب موسى بن بكر عن زرارة عن الصادقين (عليهما السّلام) و الحديث طويل و فيه: «و لا يرث أحد من خلق اللَّه مع الولد، إلّا الأبوان و الزوج و الزوجة» «3».

و رواية العبدي العاميّة عن علي (عليه السّلام)، و فيها: «و لا يرث مع الولد، إلّا الأبوان و الزوجة» «4».

و روايات ميراث الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله) «5»، و سائر الأخبار الواردة في جزئيات المسائل.

______________________________

(1) أي ذكراً كان أو أُنثى، واحداً أو متعدداً. منه رحمه اللَّه.

(2) في ص: 155.

(3) الكافي 7: 97، 3، التهذيب 9: 288، 1043، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(4) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، الوسائل 26: 196 أبواب ميراث الأزواج ب 2 ح 1.

(5) انظر الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 171

المسألة الثانية: لا يمنعهم أحد

بالإجماع؛ إذ لا أحد أقرب منهم، و لمنعهم غيرهم.

المسألة الثالثة: الابن المنفرد من الأبوين و الزوجين له المال كلّه

بالإجماع؛ لقضيّة الأقربيّة، و لاستفاضة الروايات بأنّ الابنة المنفردة لها المال كلّه «1»، كما يأتي، فلو نقص عن الابن المنفرد شي ء لزم نقص الرجل عن المرأة لو كان مكانها، و هو باطل، لما في كتاب موسى المتقدم و فيه: «و لا تزاد المرأة أبداً على نصيب الرجل لو كان مكانها».

و ما في صحيحة ابن أُذينة المتقدمة و هي طويلة و فيها: «لأنّها لو كانت ذكراً لم يكن لها غير خمسة من اثني عشر» و فيها أيضاً: «لأنّهما لو كانا ذكرين لم يكن لهما غير ما بقي» «2».

و إن تعدّد الأبناء فالمال كلّه لهم، يقسّم بينهم بالسويّة، بالإجماع بل الضرورة. و يدلّ على التسوية أيضاً استواء النسبة، و صحيحة محمد و بكير، و فيها: «فإن تركت المرأة زوجها و أبويها و ابناً أو ابنين أو أكثر، فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين بينهم بالسوية» «3».

المسألة الرابعة: البنت المنفردة لها المال كلّه

، نصفه بالفرض و الباقي بالردّ.

أمّا الأوّل: فبالثلاثة.

و أمّا الثاني: فبالإجماع و السنّة، كروايات ميراث الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله)،

______________________________

(1) انظر الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4.

(2) الكافي 7: 96، 1، الفقيه 4: 193، 669 بتفاوت، التهذيب 9: 288، 1041، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.

(3) الفقيه 4: 194، ذكرها في ذيل الرواية السابقة، و الظاهر أنّها من كلام الصدوق (رحمه اللَّه)، و لذا لم تُنقل في الوسائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 172

و صحيحتي زرارة «1» و البزنطي «2»، و روايات العجلي «3»، و ابن خداش «4»، و عبد اللَّه بن محرز «5»، و سلمة بن محرز «6».

و إن تعدّدت البنات فالمال كله لهنّ، يقسم

بينهنّ بالسوية، الثلثان بالفرض و الثلث بالردّ.

أمّا الدليل على كون المال كله لهنّ بعد الإجماع بل الضرورة فحديث الأقربيّة، و موثقة إسحاق بن عمّار المتقدمة في ميراث المملوك «7».

و رواية ابن أبي حمزة: عن جار لي هلك و ترك بنات، فقال: «المال لهنّ» «8».

و رواية أبي بصير: «إنّ رجلًا مات على عهد النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) و كان يبيع التمر، فأخذ أخوه التمر، و كان له بنات، فأتت امرأته النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) فأعلمته، فأنزل اللَّه تعالى عليه، فأخذ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) التمر من العمّ، فدفعه إلى البنات» «9».

______________________________

(1) الكافي 7: 86، 1، الفقيه 4: 190، 659، التهذيب 9: 277، 1003، بصائر الدرجات: 294، 6، الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 1.

(2) الفقيه 4: 191، 661، الوسائل 26: 107 ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 11.

(3) الكافي 7: 87، 6، التهذيب 9: 278، 1007، الوسائل 26: 104 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 3.

(4) الكافي 7: 87، 4، التهذيب 9: 278، 1006، الوسائل 26: 104 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 2.

(5) الكافي 7: 87، 8، التهذيب 9: 278، 1009، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 5.

(6) الكافي 7: 86، 3، التهذيب 9: 277، 1004، الوسائل 26: 101 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 3.

(7) راجع ص: 69.

(8) الفقيه 4: 191، 662، الوسائل 26: 102 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 5.

(9) التهذيب 9: 279، 1011، الوسائل 26: 106 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 8.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 173

و أمّا على كون ثلثيه بالفرض فصريح الكتاب «1»، و لكنّه يختصّ بما إذا كنّ فوق اثنتين، و أمّا فيهما فينحصر المستند بالإجماع، و النقل الذي ادّعاه في المسالك «2» ما عثرت عليه.

و استدلّ عليه جمع من الأقدمين «3» بقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «4».

وجه الدلالة: أنّه ليس المراد منه أنّ للذّكر حالة الانفراد مثل حظّهما، لأنّ له تمام المال ان اتّحد و لهم جميعه بالسوية إن تعدّد، بل المراد حالة اجتماعه مع الأُنثى ؛ و كذا ليس المراد أنّ له حظّهما حالة اجتماعهما مع الذكر، لأنّ لهما في أول صوره النصف، و ليس نصيب الابن النصف في أوّل صور اجتماعه مع الأُنثى ، و هو أن يخلّف ابناً و بنتاً، فيكون المراد أنّ نصيب الابن في حالة الاجتماع مثل نصيب البنتين في حالة الانفراد (و نصيب الابن في أوّل صور الاجتماع الثلثان، فكذا نصيب البنتين في حالة الانفراد) «5».

و ردّه والدي العلّامة طاب ثراه في مشكلات العلوم: بأنّ قوله سبحانه لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بيان لإرث الذكور و الإناث مع اجتماعهما، و المراد أنّهم إذا اجتمعوا يقسّم المال بينهم على هذا النحو، أي يأخذ كلّ ذكر ضعف كلّ أُنثى و كلّ انثى نصف كلّ ذكر، سواء كان الوارث ذكراً و أُنثى ، أو ذكراً و أُنثيين أو أناثي، أو ذكوراً و إناثاً كثيرة، فالآية بيان

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) المسالك 2: 319.

(3) انظر الخلاف 4: 44، و السرائر 3: 233.

(4) النّساء: 11.

(5) ما بين القوسين ليس في «ق» و «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 174

لكيفيّة القسمة، و ليس فيها بيان لتعيين سهم الذكر أو سهم الأُنثيين، فإنّ الذكر ليس من ذوي

السهام و لم يقدّر له سهم، بل المعيّن بالآية أنّه في الإرث ضعف الانثى و هو يختلف باختلاف أعداد الورثة، فربّما كان نصيبه العُشر، و ربما كان نصف العشر، و ربّما كان أقلّ أو أكثر، و ليس فيها دلالة على أنّ حظّه ثلثان حتّى يفهم منه أنّ حظّ الأُنثيين أيضاً كذلك، غاية الأمر أنّه يستفاد من عموم الآية أنّ الورثة إذا انحصرت في ذكر و أُنثى ، يكون حظّ الذكر ثلثين و حظّ الأُنثى ثلثاً، كما يستفاد منه أنّ الذكور لو كانوا ثلاثة و الإناث أربعاً كان حظّ كلّ ذكر خُمساً و حظّ كلّ أُنثى عُشراً و هكذا في سائر فروض الاجتماع، فمجرّد استفادة كون سهم الذكر ثلثين إذا اجتمع مع أُنثى واحدة لا يفيد في المطلوب.

نعم لو كان المراد من الآية أنّ الذكر الواحد لو اجتمع مع أُنثى واحدة فحظّ الذكر كالحظّ المقرّر المعلوم بدليل آخر للُانثيين إذا لم يكن معهما ذكر ظهر كون سهمهما ثلثين، إلّا أنّه لا يعلم ذلك من هذه الآية، بل لا بدّ أن يكون ثابتاً بدليل آخر.

المسألة الخامسة: إذا اجتمع الذكور و الإناث فالمال كلّه لهم، لكلّ ذكر مثل حظّ الأُنثيين

. أمّا الأوّل فظاهر ممّا مرّ.

و أمّا الثاني فبالضرورة الدينيّة، و الكتاب، و السنّة.

أمّا الكتاب فقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «1».

______________________________

(1) النّساء: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 175

فإنّ المعنى أنّ لكلّ ذكر مثل حظّ الأُنثيين لا جنس الذكر، بإجماع المفسّرين «1».

و أمّا السنة فكثيرة، كموثقة أبي بصير، و فيها: فإن ترك بنات و بنين و أُماً، قال: «للُام السدس، و الباقي يقسّم لهم، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و صحيحة محمد و بكير، و في آخرها: «فإن تركت زوجها و أبويها و ابنة و ابناً أو بنين

و بنات، فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين و البنات، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «3».

و الروايات الواردة في علّة تفضيل الرجال، كرواية ابن سنان: لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؟ قال: «لما يجعل لها من الصداق» «4».

و رواية يونس: كيف صار الرجل إذا مات و ولده من القرابة سواء ترث النساء نصف ميراث الرجال و هنّ أضعف من الرجال و أقلّ حيلة؟ فقال: «لأنّ اللَّه تعالى فضّل الرجال على النساء بدرجة، و لأنّ النساء يرجعن عيالًا على الرجال» «5» و غيرها.

______________________________

(1) انظر مجمع البيان 2: 14، التفسير الكبير 9: 404، مجالس التأويل 5: 50، الكشاف 1: 480، التبيان 3: 129، تفسير أبي السعود 2: 148.

(2) التهذيب 9: 274، 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.

(3) الكافي 7: 96، 1، التهذيب 9: 288، 1041، و في الفقيه 4: 193، 669 ذيله، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.

(4) الفقيه 4: 253، 815، التهذيب 9: 398، 1421، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 5.

(5) الكافي 7: 84، 1، التهذيب 9: 274، 991، الوسائل 26: 94 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 176

المسألة السادسة: لو اجتمع مع الولد أحد الزوجين كان له نصيبه الأدنى الربع أو الثمن، و الباقي للولد

، ذكراً كان أو أُنثى، واحداً أو متعدداً، فيختصّ الردّ مع البنت أو البنات بها.

و الدليل بعد الإجماع، أمّا على الأوّل: فنصّ الكتاب «1»، و صريح الأخبار كصحيحة محمد و فيها: «فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع، و للزوجة الثمن» «2» و غيرها.

و أمّا على الثاني: فآية اولي الأرحام «3»، و قول الصادق (عليه السّلام)

في موثقة جميل المتقدمة: «لا يكون الردّ على زوج و لا على زوجة» «4».

و رواية سويد بن غفلة، قال: اتي علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في ابنة و امرأة و موالي، فاعطى البنت النصف، و أعطى المرأة الثمن، و ما بقي ردّه على البنت، و لم يعط الموالي شيئاً «5».

______________________________

(1) النّساء: 12.

(2) الكافي 7: 82، 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.

(3) الأنفال: 75.

(4) راجع ص: 168.

(5) التهذيب 9: 332، 1193، الوسائل 26: 237 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 177

البحث الثالث في ميراث الأولاد و الأبوين إذا اجتمعوا
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : إذا اجتمع أحد الأبوين أو كلاهما مع الولد الذكر

واحداً كان أم متعدداً، كان لكلّ منهما نصيبه الأدنى السدس، و الباقي للولد.

و الدليل بعد الإجماع، أمّا على الأوّل: فصريح الكتاب «1».

و أمّا على الثاني: فإنّه لو كان مكان الذكر أُنثى كان لها الباقي، كما يأتي، فلو نقص عن الذكر شي ء لزم [نقص الرجل عن «2»] المرأة لو كان مكانها و هو باطل كما مرّ.

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك أبوين و ابناً أو أكثر من ذلك، فللأبوين السدسان، و ما بقي فللابن» «3».

المسألة الثانية: إذا اجتمع أحد الأبوين مع بنت

فله السدس و لها النصف، و الباقي يردّ عليهما أرباعاً، فتكون التركة مقسومة على أربعة و عشرين، الحاصلة من ضرب الأربعة في الستّة، ربعها له و ثلاثة أرباع لها.

و الدليل على ذلك بعد الإجماع، الأخبار المستفيضة، كصحيحة محمد: «رجل ترك ابنته و أُمّه: للابنة النصف ثلاثة أسهم و للأُمّ السدس

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أن يزاد الرجل على ..، و هو سهو، راجع ص 169 المسألة الثالثة.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 287، مستدرك الوسائل 17: 172 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 178

سهم، يقسّم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهماً فهو للُامّ» قال: و قرأت فيها: «رجل ترك ابنته و أباه فللابنة النصف ثلاثة أسهم و للأب السدس سهم، يقسّم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهماً فللأب» «1».

و صحيحته الأُخرى و هي قريبة منها «2».

و رواية سلمة بن محرز: في بنت و أب، قال: «للبنت النصف و للأب السدس، و بقي سهمان، فما أصاب ثلاثة أسهم منها فللبنت، و ما

أصاب سهماً فللأب، و الفريضة من أربعة أسهم: للبنت ثلاثة أرباع و للأب الربع» «3».

و روايتي بكير و حمران الآتيتين.

المسألة الثالثة: إذا اجتمع أحدهما مع بنتين فصاعداً

فله السدس و لهما أو لهنّ الثلثان، بقي سدس فيردّ أخماساً على الحقّ المشهور، كما في المختلف و المسالك و الكفاية «4»، بل نسب في الروضة القول المخالف إلى الندور و قال: و هو متروك «5» و عن التحرير الإجماع عليه «6»، فخمسه له و أربعة أخماسه لهما أو لهنّ، فتكون التركة من ثلاثين.

لرواية بكير: في رجل ترك ابنته و أُمّه: «أنّ الفريضة من أربعة، للبنت

______________________________

(1) الكافي 7: 93، 1، الفقيه 4: 192، 668، التهذيب 9: 270، 982، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 1.

(2) الكافي 7: 96، 2، التهذيب 9: 288، 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 2.

(3) التهذيب 9: 328، 1179، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 4.

(4) المختلف: 750، المسالك 2: 316، الكفاية: 295.

(5) الروضة 8: 61.

(6) التحرير 2: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 179

ثلاثة أسهم، و للأُم السدس سهم و بقي سهمان، فهما أحقّ بهما من العمّ و الأخ و العصبة، لأن اللَّه تعالى قد سمّى لهما، و من سمّي لهم فيردّ عليهما بقدر سهامهما» «1».

و قريبة منها رواية حمران «2»، و رواية اخرى لبكير و فيها: «ثمّ المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب» «3».

و هذه العلة موجودة في الابنتين و أحد الأبوين.

و قد يستدلّ «4» أيضاً: بأنّ الفاضل لا بدّ له من مستحقّ، و لا يمكن استحقاق غير هؤلاء، لمنع الأقرب للأبعد، و لا بعضهم، لاستواء النسبة و عدم

الأولويّة، فتعيّن الجميع على النسبة، كما في الفاضل في غيرهم.

و فيه نظر: فإنّ عدم الأولويّة لا يعيّن الجميع و لا التقسيم بالنسبة، لإمكان التخيير أو التقسيم بنحو آخر، إلّا أن يتمّ بالإجماع المركب.

مع أنّ ادّعاء الإجماع البسيط المحقّق أيضاً ممكن؛ لعدم قدح مخالفة النادر و هو الإسكافي «5»، حيث خصّ الفاضل بالبنتين أو البنات، لدخول النقص عليهما بدخول الزوجين، و لموثّقة أبي بصير: في رجل مات و ترك ابنتيه و أباه، قال: «للأب السدس، و للابنتين الباقي» «6».

______________________________

(1) التهذيب 9: 273، 988، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 6.

(2) التهذيب 9: 272، 985، الوسائل 26: 129 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 3.

(3) الكافي 7: 81، 7، الوسائل 26: 73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.

(4) كما في المختلف: 750.

(5) حكاه عنه في المختلف: 750.

(6) التهذيب 9: 274، 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 180

و يردّ الأوّل: بأنّه نوع قياس لا نقول به، على أنّه إنّما يجب جبر النقص بذلك إذا لم يكن جبر بشي ء آخر غيره، مع أنّه قد جبره الشارع به حيث جعل لهنّ فريضة عُليا خاصّة لا دنيا، فيكون النقص لهما بمنزلة الدنيا للأبوين، فيتساويان من جميع الوجوه.

و الثاني: بأنّها لمخالفتها عمل المعظم عن حيّز الحجيّة خارجة بالمرّة، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ، مضافاً إلى ما يخدشها من كلام صاحب الوافي، حيث قال: و الصواب «ابنيه» بدل «ابنتيه» كما يظهر من بعض النسخ أنّه كان كذلك فغُيّر، و كذا قوله «و للابنتين» الصواب: «و للابنين» «1».

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الأبوان مع البنتين أو أكثر

فلكلّ منهما السدس و لهما

أو لهنّ الثلثان، يقسّم بينهم بالسويّة، و الوجه في الكلّ ظاهر.

و إذا اجتمعا مع بنت فلكلّ منهما السدس و لها النصف، بقي سدس، يردّ عليهم أخماساً على نسبة سهامهم، لكلّ منهما خُمسه، و لها ثلاثة أخماسه، فتقسّم التركة على ثلاثين.

و الدليل بعد الإجماع الأخبار المستفيضة، كصحيحة محمد: «رجل ترك أبويه و ابنته فلابنته النصف ثلاثة أسهم، و للأبوين لكلّ واحد منهما السدس، لكلّ واحد منهما سهم، يقسّم المال على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة فللبنت، و ما أصاب سهمين فللأبوين» «2».

و قريبة منها صحيحته الأُخرى «3».

______________________________

(1) الوافي 25: 753.

(2) الكافي 7: 93، 1، الفقيه 4: 192، 668، التهذيب 9: 270، 982، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 1.

(3) الكافي 7: 96، 2، التهذيب 9: 288، 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 181

و رواية زرارة: «رجل مات و ترك ابنته و أبويه: للابنة ثلاثة أسهم، و للأبوين لكلّ واحد منهما سهم، يقسّم المال على خمسة أجزاء، فما أصاب ثلاثة أجزاء فللابنة، و ما أصاب جزأين فللأبوين» «1».

و في فقه الرضا (عليه السّلام): «فإن ترك أبوين و ابنةً فللابنة النصف و للأبوين السدسان، يقسّم المال على خمسة، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهمين فللأبوين» «2».

و لكن هذا الحكم مختصّ بما إذا لم يكن معهم إخوة حاجبة. و أمّا مع وجودهم فالامّ محجوبة عن الردّ، و هو مخصوص بالبنت و الأب.

و المخصِّص الإجماع المحقق و به أيضاً صرّح في المسالك «3»، و قال في الكفاية: لا أعرف خلافاً بين الأصحاب «4».

و قد يعلّل ذلك بقوله تعالى فَإِنْ

كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «5».

و في دلالته نظر؛ لأنّ سياقها يقتضي الاختصاص بصورة عدم الولد، و لا أقلّ من احتمالها، فلا يصحّ الاستدلال.

نعم يمكن أن يستدلّ له بقوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 94، 2، التهذيب 9: 272، 984، الوسائل 26: 129 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 2.

(2) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 287، مستدرك الوسائل 17: 172 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 3.

(3) المسالك 2: 324.

(4) الكفاية: 295.

(5) النّساء: 11.

(6) النّساء: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 182

حيث يدلّ على أنّ لكلّ منهما مع الولد ليس إلّا السدس، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و أمّا الاستدلال عليه بالقياس بطريق الأولى، بأن يقال: إنّ وجود الإخوة يوجب حرمانها عن أصل الفريضة العليا فيوجب حرمانها عن الردّ بطريق أولى .

فلا يخفى ما فيه؛ لمنع الأولويّة، لأنّها إنّما تُعلم لو كانت العلّة معلومة و كانت في الفرع أولى ، و هي غير معلومة هنا، على أنّه صرّح في الأخبار بأنّ التوفير لكون الإخوة عيال الأب، و ذلك في الأصل و الفرع سواء من غير أولويّة، نعم يمكن تأييد المطلوب بوجود العلّة المنصوصة فيما نحن فيه أيضاً.

ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ ما حجب منه الام من نصيبه من الردّ هل يقسّم بين الأب و البنت على نسبة سهامهم أو يخصّ بالأب؟

المشهور هو الأوّل، فيقسّم الزائد أرباعاً. و ذهب الشيخ معين الدين المصري إلى الثاني، فيقسّمه أخماساً خمساه له و ثلاثة أخماسه لها «1»، و ما عثرت لشي ء من القولين له على دليل يمكن الركون إليه.

نعم لا يبعد دعوى الإجماع على أوّلهما،

بل التشبث بقوله (عليه السّلام): «فيردّ عليهما بقدر سهامهما» بعد قوله: «فهما أحقّ بهما» في رواية بكير المتقدمة «2»، حيث رتّب الردّ بقدر السهام على الأحقيّة، فتدل على علّيتها له، و أحقيّة الأب و البنت هنا متحقّقة، فيترتّب عليها الردّ بالنسبة.

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 324.

(2) في ص: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 183

المسألة الخامسة: إذا دخل عليهم أحد الزوجين

فلا يخلو إمّا أن يكون في الأولاد ذكر منفرداً أو مع أُنثى أو لا، فإن كان فلكلّ من الأبوين و أحد الزوجين النصيب الأدنى، بالإجماع، و الآية، و الأخبار، و الباقي للأولاد، للإجماع، و صحيحة محمد و بكير و فيها: «فإن تركت المرأة زوجها و أبويها و ابناً أو ابنين أو أكثر فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين بينهم بالسوية، فإن تركت زوجها و أبويها و ابنة و ابناً أو بنين و بنات فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين و البنات للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «1».

و إن لم يكن و يكون الجميع حينئذ ذوي فروض، فإمّا أن تكون التركة زائدة على الفروض و يكون ذلك باجتماع أحد الأبوين و الزوجة مع البنتين فصاعداً، أو باجتماعه مع الزوج و البنت أو اجتماع الأبوين أو أحدهما و الزوجة معها، أو ناقصة، و ذلك في سائر الصور.

فعلى الأوّل يأخذ كلّ ذي فرض فرضه و يردّ الزائد في المثال الأوّل على البنتين و أحد الأبوين أخماساً، فتكون التركة مقسومة على مائة و عشرين و في الثاني على البنت و أحدهما أرباعاً، فتكون مقسومة على ثمانية و أربعين. و في الثالث عليها و عليهما أخماساً، و تكون مقسومة على مائة و عشرين إلّا مع الإخوة الحاجبة فيرد

عليها و على الأب خاصّة أرباعاً، و تكون مقسومة على ستة و تسعين. و في الرابع عليها و على أحدهما أرباعاً، فيقسّم أيضاً على ستة و تسعين، و لا يكون ردّ على أحد الزوجين.

______________________________

(1) الكافي 7: 96، 1، الفقيه 4: 193، 669، التهذيب 9: 288، 1041، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 184

و الدليل على ذلك كلّه بعد الإجماع، و عدم الردّ على الزوج الزوجة بالنصّ، رواية زرارة و فيها: «و إن ترك الميت امّاً أو أباً و امرأة و بنتاً، فإنّ الفريضة من أربعة و عشرين سهماً: للمرأة الثمن ثلاثة من أربعة و عشرين، و لأحد الأبوين السدس أربعة أسهم و للابنة النصف اثنا عشر سهماً، و بقي خمسة أسهم هي مردودة على سهام الابنة و أحد الأبوين على قدر سهامهم، و لا يردُّ على المرأة شي ء. و إن ترك أبوين و امرأة و بنتاً فهي أيضاً من أربعة و عشرين سهماً: للأبوين السدسان ثمانية أسهم لكلّ واحد أربعة أسهم، و للمرأة الثمن ثلاثة أسهم، و للبنت النصف اثنا عشر سهماً، و بقي سهم واحد مردودٌ على الابنة و الأبوين على قدر سهامهم، و لا يردّ على المرأة شي ء. و إن ترك أباً و زوجاً و ابنة فللأب سهمان من اثني عشر و هو السدس، و للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، و للابنة النصف ستّة أسهم من اثني عشر، و بقي سهم واحد مردودٌ على الابنة و الأب على قدر سهامهما، و لا يردُّ على الزوج شي ء» الحديث «1».

و على الثاني «2» يأخذ أحد الزوجين و الأبوان أو

أحدهما النصيب الأدنى بلا نقص، و الباقي للبنت أو البنتين؛ للإجماع، و بطلان العول، و الأخبار المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس أبداً و الزوج و الزوجة من الربع و الثمن كذلك «3»، فيختصّ النقص بالبنت أو البنتين.

و رواية زرارة و فيها: عن امرأة تركت زوجها و أُمّها و ابنتيها، فقال: «للزوج الربع، و للأُم السدس و للابنتين ما بقي» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(2) أي: إذا كانت التركة ناقصة عن الفروض.

(3) الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17.

(4) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 185

و صحيحة محمد: في امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها و ابنتها، قال: «للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، و للأبوين لكلّ واحد منهما السدس سهمان من اثني عشر سهماً، و بقي خمسة أسهم فهي للابنة» إلى أن قال: «لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحد منهما من السدس شيئاً، و أن الزوج لا ينقص من الربع شيئاً» «1».

و صحيحة محمد و بكير: في زوج و أبوين و ابنة: «للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، و للأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً، و بقي خمسة أسهم فهي للابنة» إلى أن قال: «و إن كانتا ابنتين فلهما خمسة من اثني عشر سهماً» الحديث «2».

______________________________

(1) الكافي 7: 96، 2، التهذيب 9: 288، 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 2.

(2) الكافي 7: 96، 1، الفقيه 4: 193، 669، التهذيب

9: 288، 1041، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 186

البحث الرابع في ميراث أولاد الأولاد
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى [أولاد الأولاد و إن نزلوا يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم ]:

الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد و إن نزلوا يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم، ذهب إلى ذلك الفضل و الكليني «1»، و الشيخان و السيدان «2»، و العماني و الديلمي و الحلبي و الحلّي و القاضي و الكراجكي «3»، و عامّة من تأخر عنهم «4».

و ذهب الصدوق في المقنع و الفقيه إلى أنّهم يمنعون بالأبوين أو أحدهما، و لا يرثون إلّا مع فقدهما «5»، و يظهر من الوافي الميل إليه «6».

لنا بعد الإجماع المحقّق، و المنقول في الخلاف و الكافي في أوّل كتاب الفرائض و الانتصار و السرائر و الغنية و الكنز و التنقيح «7»، رواية

______________________________

(1) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 88، ذح 4، الكليني في الكافي 7: 70.

(2) المفيد في المقنعة: 688، الطوسي في النهاية: 634، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 605، المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 222.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 729، الديلمي في المراسم: 216، الحلبي في الكافي في الفقه: 368، الحلي في السرائر 3: 257، القاضي في المهذب 2: 132.

(4) كالمحقق في الشرائع 4: 24، و العلّامة في القواعد 2: 170، و الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 102.

(5) المقنع: 169، الفقيه 4: 196.

(6) الوافي 25: 791 792.

(7) الخلاف 4: 50، الكافي 7: 70، الانتصار: 298، السرائر 3: 240، 248، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، كنز العرفان 2: 329، التنقيح 4: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 187

زرارة: «فإن لم يكن له ولد و كان ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثاً فإنّهم بمنزلة الولد، و ولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، و ولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات، و يحجبون الأبوين و الزوج

و الزوجة عن سهامهم الأكثر و إن سفلوا ببطنين و ثلاثة و أكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب، و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» «1».

و صحيحة البجلي: «بنات الابنة يرثن، إذا لم تكن بنات كنّ مكان البنات» «2».

و روايته، قال: «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن» قال: «و ابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت» «3».

دلّتا بعموم الشرط على أنّ ابن الابن و ابنة البنت يقومان مقام الابن و البنت عند عدمهما دائماً، فيشمل حال وجود الأبوين أيضاً، و التخصيص يحتاج إلى المخصّص، و القول بعدم توريثهما مع وجودهما يستلزم عدم قيامهما مقامهما حينئذ كما لا يخفى . و أيضاً لو كان قيامهما مقامهما مشروطاً بعدم الأبوين لزم قيام غير الشرط مقامه، لأنّ عدم الولد حينئذٍ يكون جزءاً للشرط و هو غيره.

فإن قيل: الشرط ما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده الوجود، و جزء الشرط أيضاً كذلك، فهو أيضاً شرط فلا محذور في جعله

______________________________

(1) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(2) الكافي 7: 88، 3، التهذيب 9: 317، 1138، الإستبصار 4: 166، 630، الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 1.

(3) التهذيب 9: 317، 1141، الوسائل 26: 112 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 188

شرطاً، و لا يلزم قيام غير الشرط مقامه.

قلنا: هذا إنّما هو فيما إذا جعل شي ء شرطاً لوجود شي ء آخر فلا يلزم من وجوده الوجود، و أمّا إذا حكم بوجود شي ء بشرط شي ء آخر فيلزم في صدقه

من استلزام وجوده الوجود، و إلّا لزم الكذب، و ما نحن فيه كذلك.

و تؤيّده أيضاً رواية إسحاق بن عمّار: «ابن الابن يقوم مقام الابن» «1».

و قد يستدلّ أيضاً: بأنّ الآية و الأخبار مصرّحة بإرث الولد مع الأبوين «2»، و هو يصدق على ولد الولد حقيقة.

و فيه: أنّ الصدق ممنوع كما يأتي.

للصدوق: صحيحة البجلي عن الصادق (عليه السّلام): قال: «بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميّت بنات و لا وارث غيرهنّ، و بنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد و لا وارث غيرهنّ» «3».

دلّت بعموم النكرة على اشتراط قيامهنّ مقام الابنة و الابن على انتفاء الوارث مطلقاً، خرج غير الأبوين و الأولاد بالإجماع.

و صحيحة الخزّاز: «كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلّا أن يكون وارث للميّت أقرب منه» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 88، 2، التهذيب 9: 317، 1139، الاستبصار 4: 167، 631 و فيها: مقام أبيه، الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 2.

(2) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(3) الكافي 7: 88، 4، التهذيب 9: 316، 1136، الإستبصار 4: 166، 628، الوسائل 26: 111 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 4.

(4) الكافي 7: 77، 1، التهذيب 9: 269، 976، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 189

و كون الأبوين أقرب منه.

و كون نسبته كنسبة الجد، و هو لا يرث مع أحدهما، فكذلك ذلك.

و كونهما متساويي النسبة مع الولد، و هو يحجب ولد الولد، فهما أيضاً كذلك.

و الجواب أمّا عن الأوّل: بعدم الدلالة أوّلًا، لاحتمال أن يكون المراد: و لا يرث

معهن غيرهن، كما لا يرث مع الابن و الابنة غيرهما، فيكون قوله: «و لا وارث غيرهن» معطوفاً على بنات الابنة «1». و بعدم الحجيّة ثانياً، لشذوذه بمخالفته للشهرتين القديمة و الجديدة، بل الإجماع في الحقيقة. و بلزوم التخصيص، للإجماع و لكون رواية زرارة خاصّة مع اعتضادها بالعمل ثالثاً.

و بالأخيرتين يجاب عن الثاني أيضاً.

و أمّا عن الثالث: فبالمعارضة بأولاد الأخ و الجدّ و أمثالهما. و الحلّ بأنّ عموم تقديم الأقرب مخصّص. و أجاب في الكفاية بمنع الأقربيّة «2»، و لعلّه لم يلاحظ فيها قلّة الوسائط، أو لكون ولد الولد بمنزلة الولد الذي ليس أحد الأبوين أقرب منها.

و أمّا عن الرابع: فبأنّه [قياس «3»] و هو باطل عندنا.

و أمّا عن الخامس: فبأنّه إن أُريد التساوي من جميع الوجوه فممنوع، و إن أُريد ببعض الوجوه جازت المخالفة بوجه آخر.

______________________________

(1) بأن يخصّ قوله «لا وارث غيرهنّ» المذكور أوّلًا بالذكور، و المذكور ثانياً بالإناث. (منه (رحمه اللَّه)).

(2) الكفاية: 296.

(3) في النسخ: مناسب، و هو تصحيف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 190

المسألة الثانية [أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم ]:

الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم، و لكلّ منهم نصيب من يتقرّب به، فلأولاد الابن نصيبه و إن كان أُنثى، و لأولاد البنت نصيبها و إن كان ذكراً، فلبنت الابن المنفردة جميع المال، و لابن البنت و إن تعدّد النصف بالفرض و الباقي بالردّ، إلى غير ذلك من الأحكام.

و هو مذهب الصدوق و الشيخين «1»، و العماني في أحد قوليه «2»، و الحلبي و القاضي و ابن حمزة «3»، و عامة من تأخر عنهم «4»، و في كنز العرفان: انعقاد الإجماع عليه بعد السيّد «5»، و في الغنية: إنّ عليه إجماع الطائفة «6».

و ذهب جماعة منهم

العماني في قوله الآخر «7»، و السيد و المصري «8»، و الحلّي إلى أنّهم يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به، فللذكر منهم مثل حظ الأُنثيين و إن كان الذكر من الأُنثى و الأُنثى من الذكر «9»،

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 171، المفيد في المقنعة: 688، الطوسي في النهاية: 634.

(2) حكاه عنه في المختلف: 729.

(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 368، القاضي في المهذب 2: 132، ابن حمزة في الوسيلة: 387.

(4) كالمحقق في الشرائع 4: 24، و العلّامة في القواعد 2: 170، و الشهيد الثاني في الروضة 8: 102.

(5) كنز العرفان 2: 328.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(7) حكاه عنه في السرائر 3: 240.

(8) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 222، حكاه عن المصري في كشف الرموز 2: 448 و المختلف: 732.

(9) السرائر 3: 232 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 191

و قال في المفاتيح: و لا يخلو من قوّة «1»، و في الكفاية: و لا يبعد ترجيحه «2»، و جعله الأردبيلي قريباً.

لنا: رواية زرارة المتقدمة «3»، و هي نص في المطلوب، و ضعفها سنداً غير ضائر من وجوه.

و صحيحة سليمان بن خالد: قال: «كان علي (عليه السّلام) يجعل العمّة بمنزلة الأب في الميراث، و يجعل الخالة بمنزلة الأُم، و ابن الأخ بمنزلة الأخ» قال: «و كلّ ذي رحم لم يستحقّ له فريضة فهو على هذا النحو» «4».

و صحيحة الخزّاز عنه (عليه السّلام): قال: «إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) أنّ العمّة بمنزلة الأب، و الخالة بمنزلة الأُم، و بنت الأخ بمنزلة الأخ، و كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه» «5».

وجه الاستدلال: أنّ المراد

بكون العمّة و الخالة و كلّ ذي رحم بمنزلة من ذكر في الميراث ليس كونهم بمنزلته في مطلق التوريث، و إلّا لم يكن لهذا التفصيل وجه، و لا في الحاجبيّة و المحجوبيّة، لانتفاء التنزيل فيهما، فبقي أن يكون المراد في قدر الميراث، أو في جميع الأحكام إلّا ما خرج بالدليل، إذ ليس شي ء آخر يصلح للتقدير سواهما.

______________________________

(1) المفاتيح 3: 322.

(2) الكفاية: 296.

(3) في ص: 185.

(4) التهذيب 9: 326، 1171، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 7.

(5) التهذيب 9: 325، 1170، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 192

و قد يستدل أيضاً بصحيحتي البجلي و روايته المتقدمة «1».

و ردّ باحتمال أن يكون المراد بقيامهنّ مقام الابن و البنت قيامهنّ مقامهما في الإرث، أو في حجب الأبوين و الزوجين عن أعلى فروضهم، لا في قدر النصيب.

و هو و إن كان محتملًا إلّا أنّه بعيد، لمكان التفصيل.

احتج المخالف «2»: بقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «3» و سائر عمومات قسمة الأولاد «4»، قال: إنّ ولد الولد ولد حقيقة، فيكون للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و الجواب أولًا: أنّه لو سلّم الصدق تكون الآية و ما بمعناها عامّة فتخصّص بما ذكر.

و ثانياً: أنّه إن أُريد صدقه عليه لغةً فممنوع، فإنّ ولد الشي ء في اللغة ما يتولّد عنه «5»، و لا يصدق على ولد ولد الشخص أنّه تولّد عنه، و أمّا الاستعمال فلا يفيد، لكونه أعمّ من الحقيقة.

و إن أُريد الصدق الشرعيّ، فيتوقّف على ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه؛ و ثبوتها إمّا بتصريح الشارع بالوضع، أو بكثرة الاستعمال و غلبته بحيث يهجر المعنى الأوّل؛ و شي ء منهما

لم يتحقّق، فإنّه لم ينقل من كتاب و لا سنّة، و لم يثبت إجماع على الوضع، و الاستعمال لا يفيد، و الغلبة هنا ممنوعة، كيف؟! مع أنّهم يستعملون الولد في الولد للصلب أكثر من

______________________________

(1) في ص 185 و 186.

(2) انظر السرائر 3: 232 240.

(3) النساء: 11.

(4) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(5) انظر لسان العرب 3: 467، المصباح المنير: 671.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 193

استعماله في ولد الولد أو في القدر المشترك. و أمّا ذِكر الولد أحياناً و التصريح بإرادة ولد الولد منه فلا يثبت الحقيقة الشرعيّة، على أنّ في بعض الأخبار دلالة على خلافه كما يأتي.

و إن أُريد العرفيّ، فثبوته فرع حصول التبادر عند أهل العرف، و هو ممنوع، كيف؟! و قد ذهب الأكثر إلى خلافه، و هم من أهل العرف. و أمّا التبادر في بعض المواضع فإنّما هو لأجل القرينة.

و يدلّ على عدم الصدق أيضاً الأخبار النافية لصدق الولد على ولد الولد و سلبه عنه، و الأخبار الجاعلة ولد الولد بمنزلة الولد، كرواية زرارة «1»، و صحيحتي البجلي «2»، و روايته المتقدمة «3»، حيث إنّ فيها قوله: «إذا لم يكن ولد» «و لم يكن بنات» فسُلب الولد و البنات، و لو كان الولد صادقاً على ولد الولد لما جاز السلب، و لما كان بمنزلته، بل كان هو هو.

و استدلّوا على الصدق بوجوه:

منها: الآيات، كقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ «4».

فإنّه لا خلاف في أنّه تحرم بهذه الآية زوجة الجدّ، فتدلّ على أنّ أب الأب و الأُم أبٌ حقيقة، فيكون ولد الابن و البنت ولداً حقيقة للتّضايف.

و قوله سبحانه وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «5».

فإنّه لا خلاف في

أنّ بهذه الآية يحرم نكاح زوجة ولد الولد، لصدق الابنيّة و البنتيّة.

______________________________

(1) في ص: 185.

(2) في ص: 185 و 186.

(3) في ص: 185.

(4) النساء: 22.

(5) النساء: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 194

و قوله تعالى أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ «1».

فإنّه يحلّ بهذه الآية لابن الولد النظر إلى زينة جدّته، أو زوجة جدّه.

و قوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ و فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ «2» و لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ «3».

فإنّ الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد الولد، و الأحكام المذكورة مترتّبة عليه بلا خلاف، و من الظاهر أنّه لولا الصدق حقيقة لما ترتّب.

و يجاب عنه: بأنّ غاية ما ثبت منه الاستعمال و هو أعمّ من الحقيقة.

و منها: الأخبار المجرية أحكام الأولاد على أولادهم بالاستدلال بهذه الآيات، كالأخبار التي استدلّ فيها على حرمة زوجات النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) على الحسنين (عليهما السّلام) بقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ و غيرها «4».

و الجواب: أنّ الاستدلال بها لا يدلّ على كونها حقائق، لجواز الاستدلال بالألفاظ المستعملة في المجازات عند وجود القرينة، أو تسليم الخصم، و الخصم يدّعي أنّ القرينة في هذه الآيات موجودة و إن لم يكن غير الإجماع.

و منها: الأخبار الواردة في تسمية الحسنين (عليهما السّلام) و أولادهما أولاد الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله)، و هي كثيرة «5».

______________________________

(1) النور: 31.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 11.

(4) انظر الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(5) الاحتجاج: 324، الوسائل 20: 416 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 2 ح

12، و قد وردت رواية أُخرى في الدعائم 2: 367، 1332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 195

و الجواب ظاهر بعد ما مرّ.

و منها: مدحهما بأنّهما ابنا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و هما يفضّلان بذلك، و لا فضيلة و لا مدح في وصف مجاز مستعار.

و الجواب: أنّه كيف لا مدح في المجاز، مع أنّ أكثر مدائح الأئمة الواردة في الزيارات و الأدعية من باب المجاز، و إنّ المدح بالوصف المجازي باعتبار العلاقة الكائنة في الممدوح.

و منها: أنّ لفظ الولد استعمل في ولد الولد، و الأصل في الاستعمال الحقيقة.

و الجواب: أنّ أصالته في مثل ذلك ممنوعة، و إنّما هي مسلّمة فيما لم يعلم له معنى حقيقي آخر.

و منها: الإجماع، ادّعاه السيّد و الحلّي «1».

و الجواب: أنّه ممنوع، و المنقول منه غير حجّة.

و منها: اقتسام المال بين أولاد الأنثى «2» للذكر مثل حظ الأنثيين، مستدلًا بقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فلولا الصدق لما صحّ الاستدلال.

قلنا: انحصار الدليل فيه ممنوع، بل المناط الإجماع و غيره، و لو انحصر فلا نقول به، على أنّه لا يرد على من قال بالتسوية بينهم.

و ممّا يمكن أنّ يستدلّ به على أنّ أولاد الأولاد يتقاسمون تقاسم الأولاد، الأخبار الواردة في علّة تفضيل الرجال، كما رواه الفقيه في الصحيح، عن هشام: إنّ ابن أبي العوجاء قال لمحمد بن النعمان الأحول: ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد و للرجل القوي الموسر سهمان؟ قال

______________________________

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 257 265، الحلي في السرائر 3: 240، 257.

(2) في «ق»: الأولاد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 196

فذكرت ذلك لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: «إنّ المرأة ليس لها عاقلة، و لا عليها نفقة، و

لا جهاد» و عدّ أشياء غير هذا «و هذا على الرجل، فلذلك جعل له سهمان و لها سهم» «1».

و حسنة مؤمن الطاق، قال: قال لي ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً و يأخذ الرجل سهمين؟! قال: فذكر بعض أصحابنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: «لأنّ المرأة ليس عليها جهاد، و لا نفقة، و لا معقلة، و إنّما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهم و للرجل سهمان» «2».

و ما كتب الرضا (عليه السّلام) إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: «علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجت أخذت و الرجل يعطي» «3».

و رواية عبد اللَّه بن سنان: قال، قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؟ قال: «لما يجعل لها من الصداق» «4» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة «5».

و جوابه: أنّ عمومها لو سلّم مخصّص بما مرّ، و علل الشرائع معرّفات

______________________________

(1) الفقيه 4: 253، 816، الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 1.

(2) الكافي 7: 85، 3، التهذيب 9: 275، 993، المحاسن: 329، 89، الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 1.

(3) الفقيه 4: 253، 814، التهذيب 9: 398، 1420، العلل: 570، 1، العيون 2: 96، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 4.

(4) الفقيه 4: 253، 815، التهذيب 9: 398، 1421، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 5.

(5) كما في الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص:

197

يجوز التخلّف عنها لمانع، و أصالة عدم المانع مندفعة بما مرّ.

ثمّ إن السيّد قد ذكر إلزامات على المذهب المختار، و زعم أنّه لا مخلص منها.

منها: لزوم كون نصيب البنت أزيد من نصيب الابن بل البنين، كما في رجل خلّف بنت ابن و أبناء بنت، و هو غير جائز، كما نطقت به حسنة محمد و بكير، و رواية زرارة المتقدمتان «1».

و منها: لزوم تساوي نصيب البنت نصيب الابن لو كان مكانها، فإن كلّاً منهما يرث جميع التركة.

و منها: لزوم توريث البنت و البنتين الجميع، مع أنّ لها النصف و لهما الثلثان، بظاهر القرآن.

و منها: لزوم عدم تقاسم أولاد البنت تقاسم الأولاد، إذ لا دليل عليه سوى الآية، و هي لا تشمل أولاد الأولاد عندهم.

و لا يخفى أنّ هذه التشنيعات لازمة عليه في أولاد الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمّات، فما يجيب به عنه نجيب به، على أنّه لا تشنيع في شي ء منها:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا استبعاد في زيادة نصيب البنت على نصيب الابن أو البنين، نعم لا يزيد نصيبها على نصيبه لو كان مكانها، كما في الأخبار، أي فيما إذا لم تكن البنت و كان الابن مكانها متقرّباً على وجه تتقرّب هي به، و ليس موضع الإلزام من هذا القبيل.

و أمّا الثاني: فلأنّه لا دليل على بطلان تساوي نصيب الابن و البنت

______________________________

(1) في ص 172 و 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 198

لغير الصلب.

و أمّا الثالث: فلأنّ التسميتين إنّما تثبتان بظاهر القرآن للبنت و البنتين اللتين هما من الأولاد، و قد عرفت اختصاص صدق الولد على الولد للصلب.

و أمّا الرابع: فقد سبق دفعه.

المسألة الثالثة [اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين ]:

لا خلاف في أنّ أولاد الابن يقتسمون نصيبهم للذّكر مثل حظّ

الأُنثيين.

و هو المشهور في أولاد البنت أيضاً، و عليه الإجماع عن التنقيح و ظاهر الشرائع «1».

و نقل الشيخ عن بعض أصحابنا قولًا بأنّهم يقتسمون بالسويّة «2»، و اختاره القاضي «3»، و نقل في التنقيح عن بعض الفضلاء أنّه قال: لا يخلو من قوة «4».

و الحقّ هو الأوّل؛ لا لقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «5» لعدم صدق الولد.

بل للإجماع، و أخبار علّة تفضيل الرجال المتقدمة «6».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «و جعل الأموال بعد الزوج و الزوجة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    199     المسألة الثالثة اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين: ..... ص : 198

____________________________________________________________

(1) التنقيح 4: 164، الشرائع 4: 25.

(2) النهاية: 634.

(3) المهذب 2: 133.

(4) التنقيح 4: 163.

(5) النساء: 11.

(6) في ص: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 199

و الأبوين للأقرب فالأقرب، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «1».

خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

احتجّ القاضي باقتسام المتقرّبين بالأُنثى نصيبهم بالسويّة «2»، كما يأتي.

قلنا: عمومه ممنوع، و دليله خاصّ، و لذا اعترف باقتسام أولاد الأُخت للأبوين و الأب بالتفاوت، مع الاشتراك في التقرّب بالأُنثى .

و استدلّ «3» أيضاً: بأنّ القول بأنّهم يأخذون نصيب آبائهم يستلزم بطلان اقتسامهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و لكنّ الأول حقّ، فالثاني باطل، و بالإجماع المركّب يثبت تمام المطلوب؛ أمّا الاستلزام، فلأنّ القول بكون نصيبهم نصيب آبائهم فرع عدم صدق الولد حقيقة على ولد الولد، فلا تشمله الآية، فلا تكون دليلًا على وجوب الاقتسام للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

قلنا: أوّلًا لا يلزم من عدم شمول الآية له بطلان الاقتسام المذكور، لجواز الاستناد إلى دليل آخر، كما بيّنا.

و ثانياً: أنّ كون القول بأخذه نصيب أبيه فرع عدم صدق

الولد عليه ممنوع، لجواز اجتماعه مع القول بالصدق و ارتكاب التخصيص في الآية، كما ذهب إليه جماعة «4».

و ثالثاً: أنه لو سلمنا عدم دليل آخر لا يلزم منه ثبوت القول الثاني، لاستواء القولين حينئذ في عدم الدليل، إلّا أن يتمسّك بعدم إمكان الترجيح

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 286، مستدرك الوسائل 17: 159 أبواب موجبات الإرث ب 5 ح 2.

(2) حكاه عنه في المسالك 2: 325.

(3) كما في التنقيح 4: 163.

(4) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 200

بلا مرجح، و فيه هنا كلام.

المسألة الرابعة: ولد الولد كالولد في حجب النقصان

، فيحجب الأبوين و الزوجين عن النصيب الأعلى؛ للإجماع «1»، و خصوص رواية زرارة المتقدمة «2»، المنجبرة بالعمل، و بصفوان الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه. و لأنّه قد ثبت أنّه يرث نصيب من يتقرّب به، و لو لا هذا الحجب لنقص نصيبه منه، فالروايات المثبتة له دالة عليه أيضاً.

المسألة الخامسة: لا يرث مع ولد الولد غير الأبوين و الزوجين إذا لم يكن ولد

، بالإجماع في غير الجدّ، و فيه خلاف يأتي؛ لرواية زرارة المتقدمة، و رواية الكناسي عن الباقر (عليه السّلام)، و فيها: «و ابن ابنك أولى بك من أخيك» «3» و لمّا ثبت من أنّ له نصيب أبيه، فإنّه لو حجبه غيره أو شاركه لما كان له نصيبه.

المسألة السادسة: كل حكم ثابت لولد الولد فهو ثابت لولد ولد الولد مع فقد أبيه

و إن نزل ببطنين أو أكثر؛ للإجماع، و خصوص رواية زرارة المتقدمة، و لكون كل ولد ولد قائماً مقام أبيه في أحكام الإرث، و منها كون أبيه أيضاً قائماً مقام أبيه فهو أيضاً قائم مقام أب أبيه، و هكذا.

المسألة السابعة: أولاد الأولاد المتنازلة مترتبة في الإرث

، فكل بطن أقرب منهم يمنع الأبعد؛ للإجماع، و قضيّة الأقربيّة.

______________________________

(1) أي الإجماع المركب في حجب الأبوين، و البسيط في حجب الزوجين، بل البسيط في الأول، فلا تضر مخالفة الصدوق من عدم حجب الأبوين في دعوى الإجماع (منه (رحمه اللَّه)).

(2) في ص 187.

(3) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 114 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 201

البحث الخامس في الحبوة
اشاره

و هي مثلّثة، اسم في اللغة للإعطاء بلا جزاء و لا منٍّ، أو عام «1».

و اصطلاحاً قيل: هو إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً. أو أعيانٌ مخصوصة يُعطاها الابن الأكبر من ميراث الأب ابتداءً «2». و احترز بالأخير عما لو أوصى له بها، أو وصلت إليه بالقسمة، فإنّ الاختصاص حينئذٍ بواسطة الوصية و القسمة.

و الأولى أن يقال: هي إعطاءُ مَن لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك أشياء مخصوصة من تركة أبيه بأمر الشارع «3»، أو أعيان مخصوصة يُعطاها مَن لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك بأمر الشارع ابتداءً.

ثم القول بثبوتها في الجملة مما اتفقت عليه الكلمة، و تفرّدت به طائفتنا الحقّة، إلّا أنّهم اختلفوا في بعض خصوصياتها الراجعة إما إلى كيفيتها، أو كمّيتها، أو المحبوّ، أو المحبوّ منه.

و نحن نتكلّم فيها في مسائل:

المسألة الأُولى [هل الحبوة واجبة أو مستحبة؟]:
اشاره

اختلفوا في أنّها هل هي واجبة فليس لسائر الورثة الامتناع منها، أو مستحبة فلهم ذلك؟

______________________________

(1) القاموس 4: 316.

(2) انظر رسائل الشهيد الثاني: 220.

(3) في «ق»: زيادة: ابتداء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 202

فالشيخان و القاضي و الحلّي و ابن حمزة و ابن سعيد و المحقّق «1»، و العلّامة في غير المختلف «2»، و الشهيدان و السوراوي «3»، و جماعة اخرى «4» على الأوّل، و ادعى الحلّي عليه إجماع الأصحاب.

و ذهب السيّد و الإسكافي إلى الثاني «5»، و هو المحكيّ عن الإصباح و الغنية و الرسالة النصيريّة في الفرائض، و ظاهر الوافي، و هو صريح المختلف و الكفاية «6»، و نسب إلى الحلبي أيضاً «7»، و كلامه ليس بصريح فيه ككلام السيد في الانتصار، و ظاهر المسالك و المفاتيح التوقّف «8».

و الحق هو

الأوّل.

لنا: موثقة الفضلاء: «الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه، فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما» «9».

______________________________

(1) حكاه عن المفيد في الإيضاح 4: 216 و انظر المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، القاضي في المهذب 2: 132، الحلي في السرائر 3: 258، ابن حمزة في الوسيلة: 387، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 509، المحقق في الشرائع 4: 25.

(2) كالتحرير 2: 164.

(3) الشهيد الأول في الدروس 2: 362، الشهيد الثاني في الروضة 8: 107، السوراوي و هو الفاضل المقداد في التنقيح 4: 168، راجع طبقات أعلام الشيعة في القرن التاسع ص 138.

(4) كالفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 451، و صاحب الرياض 2: 349.

(5) السيد في الانتصار: 299، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 732.

(6) حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2: 291، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، انظر الوافي 25: 725 729، المختلف: 733، الكفاية: 297.

(7) الكافي في الفقه: 371.

(8) المسالك 2: 325، المفاتيح 3: 329.

(9) التهذيب 9: 276، 998، الإستبصار 4: 144، 542، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 203

و صحيحة ربعي: «إذا مات الرجل فسيفه و خاتمه و مصحفه و كتبه و رحله و راحلته و كسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور» «1».

و الأُخرى: قال: «إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه و مصحفه و خاتمه و درعه» «2».

و موثقة العقرقوفي: عن الرجل يموت، ما له من متاع بيته؟ قال: «السيف» و قال: «الميت إذا مات فإنّ لابنه السيف و الرحل و الثياب ثياب جلده» «3».

و قريب منها صحيحته «4».

و صحيحة حريز: «إذا هلك الرجل و ترك بنين فللأكبر

السيف و الدرع و الخاتم و المصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم» «5».

و مرسلة ابن أُذينة الصحيحة عن ابن أبي عمير: «الرجل إذا ترك سيفاً و سلاحاً فهو لابنه، و إن كان له بنون فهو لأكبرهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 86، 4، الفقيه 4: 251، 805، التهذيب 9: 275، 997، الإستبصار 4: 144، 541، الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 1.

(2) الكافي 7: 86، 3، التهذيب 9: 275، 996، الإستبصار 4: 144، 540، الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 2.

(3) التهذيب 9: 276، 999، الإستبصار 4: 145، 544، الوسائل 26: 99 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 7.

(4) الفقيه 4: 251، 806، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 5.

(5) الكافي 7: 85، 1، التهذيب 9: 275، 994، الإستبصار 4: 144، 538، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 3.

(6) الكافي 7: 85، 2، التهذيب 9: 275، 995، الإستبصار 4: 144، 539، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 204

فإنّ الظاهر الشائع المتبادر من كون المال لفلان لزوم اختصاصه به.

و التوضيح: أنّه لا تصلح اللام فيها من معانيها إلّا الملكية، أو الاستحقاق، أو الاختصاص، أو القدر المشترك بينها، و هو الاختصاص أيضاً؛ و على التقادير يثبت المطلوب.

أمّا على الأوّلين، فلأنّ مقتضى الملكيّة و الاستحقاق لشي ء أن لا يجوز لغيره مزاحمته فيه، و لأنّ مقتضى الاستحباب ليس إلّا أولويّة الإعطاء و هي لا توجب الملكيّة و الاستحقاق.

و أمّا على الأخيرين، فلأنّ معنى اختصاص مال بشخص

اختصاص ملكيّته، أو جواز الانتفاع به، و لذا صرّح بعضهم برجوع الاختصاص إلى الملكيّة «1»، و لو كانت مستحبّة لما اختص شي ء منهما بأكبر الأبناء.

و لو قلنا بجواز توصيف المال بالاختصاص أيضاً من غير احتياج إلى تقدير- كما هو الظاهر و الموافق للأصل لأفاد الوجوب أيضاً، لمنافاة الاستحباب لاختصاصه، فإنّ مقتضى الاختصاص أن لا يشارك المختصّ غيره في المختصّ به.

و أمّا إرادة اختصاص استحباب التخصيص فخلاف الأصل، لا يصار إليه إلّا مع الاقتضاء، و اقتضاء الكلام له غير معلوم، و لو سلّم فيقدّر ما قام عليه قرينة أو شاع تقديره و استبق الذهن إليه، و قرينة الظاهر تدلّ على إرادة الملكيّة و الاستحقاق، و هي الشائع و المتبادر، و لذا استدلّوا لملكيّة السهام للورثة بآيات الإرث و أخباره المشتملة على مجرّد اللام، من غير استناد و اعتضاد بإجماع أو غيره، و لذا اكتفوا في الأقارير و الوصايا و الجعائل،

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 325، و صاحب الرياض 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 205

بقولهم: لفلان كذا.

احتجّ المخالف: بالأصل.

و عموم آيات الإرث و رواياته و سائر أدلّته، خرج أولويّة الاختصاص بالإجماع فيبقى الباقي.

و عدم دلالة الاختصاص المذكور في الروايات على أكثر من الاستحباب.

و الاختلاف في الأخبار.

و الجواب: أنّ الأصل مندفع بما مرّ.

و عمومُ كثير من الآيات و الروايات ممنوع، و ما كان منها عامّاً لا دلالة فيه على وجوب إعطاء الجميع أو سهم كلّ واحد للورثة بناءً على قول المخالف، لمكان اللّام، و هو لا يقول بدلالته على الوجوب. و الحاصل: أنّ آيات الإرث و رواياته بين ما لا عموم فيه و ما لا دلالة فيها على وجوب تقسيم جميع التركة، لاشتماله على

اللّام الغير المفيد لوجوب الإعطاء عنده. و أمّا الإجماع فهو غير منعقد على الأمر العام، بل مخصوص بغير الحبوة من التركة. و لو سلّمنا عمومها و دلالتها على الوجوب لوجب التخصيص، لوجود المخصّص؛ على أنّ هذا إنّما يرد لو قلنا بالإعطاء مجّاناً و أمّا على القول باحتساب القيمة فلا منافاة بين وجوب الحبوة و عمومها، و لا حاجة إلى تخصيص.

و عدمُ دلالة الروايات على الأكثر من الاستحباب مردود بما ذكرنا؛ على أنّها لو لم تدلّ على الأكثر لما دلّت على الاستحباب أيضاً، لعدم إفادة اللّام له أصلًا، و تقديره تقدير بلا مقدّر، بل تكون مجملة.

و اختلاف الأخبار لا دلالة له على الاستحباب، مع أنّ الاختلاف الذي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 206

قد يؤيّد به الاستحباب هو الاختلاف في السلب و الإيجاب دون المقدار.

فرعان:
أ: على القول بالاستحباب هل يكون الاستحباب ثابتاً في نفسه، أو يستحب على سائر الورثة فقط؟

ظاهر أدلّتهم الأوّل، و التخصيص خلاف الأصل.

و الحقّ هو الثاني؛ إذ الاستحباب حكم شرعيّ فلا بد له من أحد يستحبّ له، و لا أحد سوى سائر الورثة، إذ الاستحباب لغيرهم ينافي ملكيّة الورثة.

ب: على هذا القول لو امتنع باقي الورثة فهل يسقط الحباء أم لا؟

ظاهر كلماتهم يدلّ على الأوّل. و قيل: الدليل لا يساعده، لعدم دليل على السقوط، فيجوز للحاكم إعطاء الحبوة، إلّا أن يتمسك بالإجماع المركب «1».

و بعد ما ذكرنا من أنّ الاستحباب مختصّ بالورثة، فالحكم ظاهر.

المسألة الثانية: المشهور أنّها تؤخذ مجّاناً، و المحبوّ يشارك الباقي في الباقي بقدر نصيبه
اشاره

، و ذهب السيد في الانتصار و الإسكافي إلى أنّها تعطى و تحسب عليه من ميراث أبيه «2»، و اختاره في المختلف و الكفاية و شرح القواعد للهندي «3»، و ظاهر المسالك الميل إليه «4»، و نفى عن البأس المحقّق

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 244.

(2) الانتصار: 299، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 733.

(3) المختلف: 733، الكفاية: 297، كشف اللثام 2: 291.

(4) المسالك 2: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 207

الأردبيلي و إن جعل الأولى بعده أحد الأمرين إمّا الاستحباب أو الاحتساب، بأن يجعل الأكبر مخيّراً بين الأخذ بالقيمة و الترك، كما أنّ ظاهر الروضة و المفاتيح و صريح شرحه: التوقّف «1».

و الحقّ هو الثاني.

لنا: أنّ الثابت من النصوص ليس إلّا مجرّد اختصاص الحبوة بالابن الأكبر، و لا شكّ أنّ الاختصاص و التملّك كما يكونان بغير عوض و مجرّدين عن احتساب القيمة كذلك يكونان مع العوض و مع احتسابهما، و يجتمعان مع كلّ من الأمرين، و لا ينافيان شيئاً منهما.

و احتساب القيمة و مراعاة العوض و إن كان أمراً مخالفاً للأصل، و لو لا دليل على ثبوته وجب عدم القول به و المصير إلى خلافه، و لكنّ الدليل عليه موجود، و هو قوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «2» و قوله تعالى فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ «3» و قوله تعالى فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ «4».

حيث دلّت بعموم الموصول على أنّ لهم السدس و

الربع و الثمن من جميع ما تركه الميّت، و عدم الاحتساب يستلزم أن يكون لهم هذه من بعضه.

و الروايات المتقدّمة المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس شيئاً، و الزوجين لا ينقصان من الربع و الثمن كذلك «5». و بأنّ أربعة لا يدخل

______________________________

(1) الروضة 8: 109، المفاتيح 3: 329.

(2) النّساء: 11.

(3) النّساء: 12.

(4) النّساء: 12.

(5) في ص: 182 و 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 208

عليهم ضرر في الميراث: الوالدان و الزوجان «1»، و عدم الاحتساب يوجب النقص و الضرر.

و موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام) و فيها: «و لو ترك بنات و بنين لم ينقص الأب من السدس شيئاً» قلت له: فإن ترك بنات و بنين و أُمّاً، قال: «للُام السدس، و الباقي يقسّم لهم للذكر مثل حظ الأُنثيين» «2».

و غيرها مما يضاهيها، حيث دلّت على أنّ غير السدس يقسّم للذكر مثل حظ الأُنثيين، و عدم الاحتساب يوجب زيادة نصيب بعض الذكور عن حظهما.

و بتقرير أحسن: لا ريب في أنّ الآيات و الروايات المذكورة عامة، فلا يخصص إلّا بمخصص يقيني، و لا شي ء ها هنا يصلح للتخصيص سوى أخبار الحبوة، و التخصيص بها فرع دلالتها على عدم الاحتساب يقيناً، و هي لا تدل على أكثر من الاختصاص و التملك، و هما كما يكونان مع عدم الاحتساب يكونان معه أيضاً، و لا يلزمهما عدمه، فوجود المخصص غير معلوم، فيجب إبقاء العام على عمومه.

و بتقرير ثالث: لا شك في أنّ المستفاد من نصوص الحبوة ليس سوى الاختصاص، و لا شك أيضاً في أنّ نفس الاختصاص لا دلالة لها على عدم الاحتساب، لاجتماعها معه؛ نعم إطلاقها مع كون وجوب الاحتساب مخالفاً للأصل يصلح دليلًا على

نفيه، و لكن العمل بالأصل إنما هو عند عدم الدليل على خلافه، و العمومات دليل عليه.

______________________________

(1) الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7.

(2) التهذيب 9: 274، 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 209

فإن قيل: الثابت من العمومات استحقاق الأبوين و من شابههما نصيبهم، كالسدس مثلًا من جميع التركة مشاعاً، و منها الحبوة، فإذا علم بدليلٍ اختصاصها بواحد من الورثة يعلم عدم استحقاقهم السدس منها، فيبقى سدس غيرها، و لا دلالة على وجوب أخذ سدس الحبوة من غيرها.

قلنا: لا دلالة في قوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ و غيره من العمومات على الإشاعة، بل يدل على اشتراكهم في التركة بالسدس مثلًا، و الاشتراك أعم من الإشاعة و غيرها، و إنما يحكم بالإشاعة لدليل من خارج، و هو عدم المرجح. أ لا ترى أنّ قول القائل: نصف هذه الدار لزيد، يحتمل الإشاعة و عدمها، و لذا يصح الاستفسار بأنّ هل له النصف مشاعاً أو مفروزاً. ثم أخبار الحبوة دلت على ترجيح غير الحبوة، في وجوب أخذ نصيبهم منه فيأخذون منه؛ على أنّ العمومات لو دلت على الإشاعة تكون أخبار الحبوة كالمقسّم لبعض التركة.

احتج المشهور بعد الإجماع الذي ادعاه الحلي «1»:

بأنّ الثابت من النصوص اختصاص الحبوة به، و احتسابها من سهمه أمر خارج عن حقيقة الاختصاص، و لا دلالة له عليه مطلقاً، فالأصل عدم وجوبه.

و أنّ إطلاقها يدل على استحقاقه لها من غير شرط، فلو كان مشروطاً بالاحتساب لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب و الحاجة.

و أنّ قوله «سيفي لفلان» يوجب ملكه بغير عوض، فكذا هنا، للاشتراك في المانع و المقتضي. و

أنّ الوارث يخصّ بسهمه من غير عوض

______________________________

(1) السرائر 3: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 210

بآيات الإرث و رواياته، المشتركة مع هذه النصوص في وجه الدلالة.

قلنا: أما الإجماع المنقول فلا حجية فيه، سيما مع مخالفة جمع كثير.

و أما الأصل فمندفع بالعمومات المذكورة الخالية عن المعارض القطعي.

و أما تأخير البيان، فإنما يلزم لولا هذه العمومات مقدمة عليها، و معها فلا تأخير، مع أنّ ورود أخبار الحبوة في وقت الحاجة لا دليل عليه.

و أما تملك السيف بغير عوض، فلعدم المقتضي للعوض، و هنا موجود، فالاشتراك المدعى ممنوع، و كذا في تملك كل وارث سهمه.

و قد يستدل لكل من القولين بوجوه ضعيفة جدّاً.

فروع:
أ: هل المعتبر القيمة عند الموت أو الإعطاء أو الاحتساب

«1»؟

الأظهر هو الأول؛ لانتقال الحبوة إليه عنده، لتعليق اختصاصها به على الموت و قد تحقق، و الأصل عدم اشتراط أمر آخر، و لأنه وقت انتقال التركة إلى الوارث فينتقل المختص بالبعض إليه، لعدم انتقاله إلى غيره قطعاً و لو بالاشتراك؛ و المعتبر هو القيمة وقت الانتقال، إذ لا معنى لاعتبارها قبله، و هو ظاهر، و لا بعده، لأنه حينئذ ملك للمحبوّ و لا يحتسب قيمة ملك أحد عليه، و لأنه لا ينتفع أحد بزيادة قيمة ملك غيره و لا يخسر بنقصانها.

و بتقرير آخر: لو اعتبرت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب لكانت

______________________________

(1) أي إذا تغاير وقت الاحتساب و الإعطاء و لم يحتسب عند الإعطاء (منه (رحمه اللَّه)).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 211

الحبوة قبلهما إمّا ملكاً للمحبوّ، أو الورثة، أو غيرهما، أو باقية في حكم مال الميت، و الثلاثة الأخيرة باطلة، أما الأول: فلاستلزامه عدم اختصاص المحبوّ بها، و أما الثاني: فبالإجماع، و أمّا الثالث: فلاستلزامه اشتراط الانتقال بشرط آخر، و الأصل عدمه فتعيّن

الأول، فيلزم أن يكون العين ملكاً لأحد و مختصّة به دون قيمتها.

فإن قيل: جاز أن يكون تملّكه تملّكاً متزلزلًا.

قلنا: الملك المتزلزل أيضاً يعتبر قيمته عند حصوله.

فإن قيل: إذا نقصت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب، فالأصل براءة الذمة عن الزائد، فأين المخرج.

قلنا: المخرج ما ذكرنا، على أنّها لو زادت عندهما لكان الأصل براءة الذمّة عن الزائد أيضاً.

قيل: ذلك معارضة و قيمة المعوّض إنما تعتبر عند دفع العوض.

قلنا: ممنوع، بل المعتبر حين الانتقال و إن لم يدفع العوض.

قيل: الانتقال مشروط بالاحتساب على هذا القول، فلا يتحقق المشروط قبل الشرط.

قلنا: الاشتراط ممنوع، بل الاحتساب أمر لازم في الواقع، كما أنّ دفع الثمن ليس شرطاً لانتقال المبيع.

ب: لو تلفت الحبوة كلّاً أو بعضاً قبل القبض

، فإن كان من تفريط أو امتناع تسليم من غير المحبوّ فيغرم، و إلّا فالتالف من مال المحبوّ، و يحسب عليه؛ و وجهه على ما اخترناه ظاهر.

ج: لو نقص نصيبه عنها فيعطى بقدره منها على القولين

، و مع الزائد على المشهور، و أما على ما اخترناه ففي إعطاء الزائد مجّاناً، أو مع أخذ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 212

قيمته منه، أو دفعه إلى باقي الورثة، أوجُه، أوجَهها أخيرها؛ لأنّه إذا ترك أبوين و ابناً مثلًا فعمومات الإرث تقتضي أنّ ثلثه لهما، و بعضٌ منه هو القدر الزائد من الحبوة، و نصوص الحبوة تقتضي أنّ مجموع الحبوة له و بعض منها من الثلث، و لا يمكن العمل بهما إلّا بإعطاء المجموع له و أخذ قيمة الزائد منه، و هو أمر مخالف للأصل لا دليل عليه أصلًا، فيجب إمّا تخصيص العمومات بغير هذا الموضع، أو تخصيص أخبار الحبوة بغير القدر الزائد عن النصيب، و لكن الأول يتوقّف على تيقّن شمول نصوص الحبوة للقدر الزائد، و هو غير معلوم «1»، فتعيّن الثاني.

د: لا يعتبر رضا المحبوّ و لا غيره من الورثة في الحباء و الاحتساب

؛ للأصل، و إطلاق النصوص.

ه: لو كان المحبوّ غير مكلف أو غائباً

يحبى و يحتسب، و لا ينتظر التكليف أو الحضور؛ و الوجه ظاهر. و المتولي لجميع ذلك الولي، ثم عدول المؤمنين، ثمّ الورثة.

المسألة الثالثة [هل تنحصر الحبوة بالسيف و المصحف و الخاتم و ثياب البدن؟]
اشاره

ذهب الأكثر إلى أنّ ما يُحبى به أربعة: السيف، و المصحف، و الخاتم، و ثياب بدنه، لا غير «2». و زاد الإسكافي السلاح «3»، و الصدوق الكتب و الرحل و الراحلة «4». و لم يذكر في الانتصار الثياب، و كذا

______________________________

(1) و ذلك لأنّ اختصاص الحبوة يحتمل أن يكون اختصاصاً معوضاً بنصيب الإرث و أن يكون غير معوض، و المعوض منه يتوقّف على وفاء نصيب الإرث، فمع عدم وفائه فإمّا ينتفى الاختصاص أو وجوب الاحتساب، فشي ء منها ليس يقيناً فلا يصلح للتخصيص. (منه (رحمه اللَّه)).

(2) انظر الروضة 8: 107، و المفاتيح 3: 329، و الرياض 2: 349.

(3) حكاه عنه في المختلف: 732.

(4) الفقيه 4: 251، 805.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 213

في الغنية «1» و الإصباح و الرسالة النصيريّة و أعلام المفيد. و عن الكافي تخصيص الثياب بثياب مصلّاه «2». و عن الخلاف عدم ذكر الخاتم «3».

أقول: وجوب الحباء بالأربعة ممّا لا إشكال فيه، لتصريح الأخبار المتقدمة جميعاً بالكل و إن لم يذكر بعضها في البعض، و لا يضرّ عدم ذكر بعضها في البعض، لأنّ البعض الخالي عن بعض آخر لا ينفي ذلك الآخر إلّا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة أصلًا، و لا يجب اشتمال كل حديث على كل حكم، كما لا يضرّ تضمّن كل من الأخبار ما لا يقول به أحد، لأنّ خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يوهن في حجية الباقي، مع أنه ليس في الكل «4» بل و لا في الأكثر ما لا يقول به أحد. نعم يتضمّن ما

لا يقول به الأكثر، بل قد يقال: بعدم معلومية ذلك أيضاً كما يظهر وجهه ممّا يأتي.

و إنّما الإشكال فيما هو المشهور من الاقتصار عليها مع عدم الاقتصار عليها في رواية بخصوصها ليمكن أن يوجّه بانحصار المعلوم صحتها عندهم فيها، أو بغير ذلك بل الروايات بين مقتصرة على بعضها و مشتملة على غيرها، فيجب إما الاقتصار على الاولى إن لم يعلم صحة الأخيرة، أو عدم الاقتصار على الأربعة إن علمت، بل المقتصرة على البعض يشمل الغير أيضاً.

و قد يعلّل بأنها معلومة الإرادة، و أما غيرها فمشكوك فيه،

______________________________

(1) الانتصار: 299، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(2) الكافي: 371.

(3) الخلاف 4: 115.

(4) بل ليست رواية من الروايات مقتصرة على بعضها فقط أيضاً، و ما اقتصر فيها على بعض الأربعة زيد فيها بعض من غيرها أيضاً كما لا يخفى . (منه (رحمه اللَّه)).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 214

و الاختصاص خلاف الأصل، فاقتصر فيه على موضع اليقين «1».

أما كون السلاح مشكوكاً فيه، فلاحتمال أن يكون ذكره تأكيداً و تفسيراً للسيف، فإنه أحد معانيه كما في القاموس «2»، على أنّه لم يذكر إلّا في المرسلة، و موثقة الفضلاء «3»، و الأولى لإرسالها لا تصلح للحجيّة، و الثانية عطفته بلفظه «أو» المفيدة للترديد، فيمكن أن يكون الترديد من الراوي.

و أمّا الرحل، فلاشتراكه بين المسكن، و ما يستصحبه الإنسان من الأثاث، و رحل البعير، و لا قرينة على التعيين، فيجب التوقّف. و يمكن أن يكون المراد به الثاني، و به الكِسوة «4»، و يكون عطفهما للتأكيد.

و أمّا الراحلة، فلعدم ذكرها في بعض نسخ الفقيه، مع ما في معناها من الإجمال.

و أمّا الكتب، فلاحتمال كونها تأكيداً للمصحف، أو كان المراد الكتب السماويّة، و تكون الحبوة

كالإرث غير مختصّة بالملة الحنيفة.

و أمّا الدرع، فلاحتمال أن يراد به القميص أو الثوب، لإطلاقه عليهما و إن كان في الرحل مجازاً، و القرينة عدم ذكر الثوب المجمع عليه فيما اشتمل عليه، بل قيل: إنه مشترك بين ما ذكر و بين درع الحديد لغة «5»، و ورد بمعنى القميص في الأخبار كثيراً.

و لا يخفى ضعف هذا التعليل و بُعده، و لو جاز فتح باب هذه

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 223.

(2) القاموس 1: 237.

(3) المتقدمتين في ص 200 و 201.

(4) أي: و المراد بالثاني الكسوة.

(5) انظر الرياض 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 215

الاحتمالات لبطلت الاستدلالات رأساً، على أنّ بعضها مما لا يحتمله الكلام، كما لا يخفى على المتأمل.

و الأولى أن يقال: لعلّ مستندهم الإجماع.

و ما في المسالك من أنّه لا بدّ للإجماع من مستند و المستند هنا غير ظاهر «1» غير صحيح؛ فإنّ اللازم الثابت هو وجود المستند لا ظهوره لنا، لِمَ لا يجوز أن يكون هنا مستند خفي علينا؟ و عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

و القدح في الإجماع بأنه لو ثبت هنا لكان سكوتياً و لا حجية فيه غير جيد؛ لأنّ كونه سكوتياً لنا لا يوجب كونه سكوتياً لهم أيضاً.

و يمكن أن يكون المستند لهم دليل آخر لا نعلمه. و أما نحن فيكفينا مستنداً للاقتصار اقتصار الأصحاب، و شذوذ القول بالتعدي عن الأربعة، الموجب لخروج المتضمّن للزائد عن الحجيّة في الزائد.

فروع:
أ: لو تعددت هذه الأجناس فهل يحبى بالجميع أو لا؟

كلام أكثر القدماء خال عن التعيين.

و قال الشهيد: ما كان منها بلفظ الجمع تدخل أجمع، و ما كان بلفظ الوحدة يتناول واحداً «2». و تبعه جمع من تأخر عنه «3».

و حكم في القواعد بعموم الثياب و استشكل في البواقي

«4».

______________________________

(1) المسالك 2: 326.

(2) المسالك 2: 326، و الروضة 8: 112.

(3) كالسبزواري في الكفاية: 297، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 292.

(4) القواعد 2: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 216

و مال في الكفاية إلى عموم الجميع «1». و هو الأقرب.

أما عموم الثياب، فلأنّ الجمع المعرّف يفيده، بل المفرد المضاف عند عدم القرينة على التخصيص.

و أما عموم البواقي، فلظهوره من قوله: «إذا ترك سيفاً» «2»، و لأنه يصدق على كل سيف من سيوفه أنّه سيف أبيه، و كذا البواقي. و لأنّ المفرد المعرّف يفيد العموم شرعاً عند عدم العهد و إن لم يفده لغة، كما بيّنا في موضعه، و كذا المفرد المضاف. نعم من لا يقول بإفادته له شرعاً فله المنع.

احتجّ الشهيد، بأنّ الحبوة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على موضع اليقين، و إفادة الجمع للعموم يقينية دون غيره «3». و جوابه ظاهر.

ب: العموم الذي ثبت في هذه الأجناس، هل هو ثابت في نوع خاص منها- فيحبى بجميع أفراد هذا النوع أو في جميع أنواعها؟

الحق المشهور هو الأول، فالثياب التي تحبى بأجمعها هو ثياب بدنه، و هي التي لبسها أو أعدّها للبسه و إن لم يلبسها، فتخرج الثياب المعدّة للتجارة أو إلباس الغير أو الادخار و نحوها.

للإجماع. و لأنها المتبادر من لفظ كسوته، و من ثياب جلده، و يؤكدها التخصيص بثياب الجلد بعد التعميم «4». و لأنّ المراد بثياب جلده إما الملاصقة له، أو المحيطة به و لو بالواسطة، أو الملبوسة و لو في وقت ما، أو المعدّة له، أو الصالحة له. و المعنى الحقيقي هو الأول، و لكنه غير

______________________________

(1) الكفاية: 297.

(2) راجع ص 200 و 201.

(3) رسائل الشهيد الثاني: 223.

(4) انظر: موثّقة العقرقوفي المتقدمة في ص 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 217

مراد بخصوصه بالإجماع، فيحمل إما على الأقرب، أو ما دلت

عليه القرينة، و الإجماع قرينة على إرادة المحيطة و الملبوسة و المعدّة، فلا يحمل على غيرها، بل هي أقرب بالنسبة إلى غيرها أيضاً. و كذا إضافة الكسوة إلى الميت و نسبتها إليه إما نسبة ملكية، أو اكتسائية، و كل محتمل، و لكن الثانية مرادة بالإجماع، فتنفى الأُولى بالأصل.

و الحلبي خصّ الثياب بثياب الصلاة «1»؛ و مستنده غير ظاهر. و الحلّي بما يلبسه و يديمه «2»؛ و كأنّ نظره إلى الإضافة، و هي لا تفيده.

و كذا السيوف و المصاحف و الخواتيم التي تحبى بأجمعها هي التي أعدّها للاستعمال، و لخاصّة نفسه، دون ما أعدّه للتجارة و نحوها؛ لشهادة ظاهر لفظ سيفه و مصحفه و خاتمه بذلك.

نعم يشكل الأمر فيها من حيث ورودها في بعض النصوص بالتعريف دون الإضافة، إلّا أن يتمسّك في تخصيصها بالإجماع، و لكن إثباته لا يخلو عن إشكال.

ج: لمّا كان الوارد في النصوص لفظ: «الكسوة و الثياب» فاللازم في تعيينها ملاحظة صدق الاسم عرفاً

، فيدخل فيها القميص و الزبُون «3» و القباء و السراويل و نحوها بلا خفاء «4»، و كذا المِمْطَر «5» و العباء و الرداء و الفراء و الثوب من اللبد، لصدق الكسوة لغة، بل عرفاً.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 371.

(2) السرائر 3: 258.

(3) الزبون: الذي يقطع على قدر الجسد و يلبس. تاج العروس 9: 224.

(4) في «س»: بلا خلاف.

(5) الممطر: ما يلبس في المطر يُتوقّى به. الصحاح 2: 818.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 218

و أخرج في المسالك القلنسوة «1»، و الدخول أظهر و عدم الاكتفاء بها في الكفارات لدليل آخر و مثلها الجورب.

و اختلفوا في العمامة، و الظاهر الدخول، لما مرّ.

و النعل و الخف خارجان، للشكّ في صدق الاسم. و كذا ما يشدّ به الوسط من المنطقة و الحزام، إلّا أن يكون من شالات

العجم، فإنّ دخولها أقرب.

و في الشبه بالبسط الذي يلبسه العجم بالتلفف لدفع البرد و المطر تردد، و الخروج أظهر، و الوجه في الجميع يظهر مما مرّ.

و لا يدخل لباس الحرب، كالدرع و المغفر، لعدم الصدق.

د: لو كان الثوب مما يحتاج إلى القصّ و الخياطة و لم يتحقّق شي ء منهما

فلا يدخل؛ لعدم صدق الاسم لغة و عرفاً. و لو قصّه و لم يخِطه ففي الدخول نظر، و لعل الخروج أقرب، للشك في الصدق، و لو سلم الإطلاق فهو أعم من الحقيقة و المجاز.

ه: في دخول غمد السيف و بيت المصحف و حمائلهما و حليتهما

وجهان، من إطلاق الاسم على الجميع عرفاً، و صحة سلبه عنها حقيقة.

و الحق أنّ ما لا ينفكان عنه غالباً كالجلد في المصحف و القراب و القبضة و الحمائل في السيف داخل، لشهادة العرف بذلك.

و الاستدلال عليه بصدق الاسم عرفاً محل نظر؛ لصدقه عليها مجردة أيضاً، فيكون إمّا مشتركاً، أو مجازاً راجحاً في المجموع، و على التقديرين لا يتم الاستدلال. و لا فرق في الدخول بين رخيصه و غاليه، و إن أمكن

______________________________

(1) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 219

الأرخص منه.

و أما غير ذلك فخارج، لعدم الصدق، و فقد الدليل.

و: الخاتم يطلق على ما يوضع على الحجج، و على حلي للإصبع

، معروف، و بين المعنيين عموم من وجه، فما كان من الخواتيم جامعاً للوصفين فلا إشكال في دخوله، و كذا ما اختص بالأخير، للإطلاق حقيقة و عرفاً. و أمّا ما اختص بالأول و لا يمكن لبسه كأكثر ما يختم به العجم ففي دخوله إشكال، لعدم كونه متعارفاً عند العرب، خصوصاً في الصدر الأول، فيشك في صدق الاسم عليه في عرف هذا الزمان، و لذا صرّح الشيخان و ابن حمزة باشتراط لبسه «1»، فتأمل.

ز: فصّ الخاتم داخل فيه و إن كان غالياً

؛ لشهادة العرف بذلك، بل لعدم الصدق على الخالي منه.

و لا فرق فيه بين ما كان فصّه منقوشاً أم لا، و لا بين المأخوذ من الفضة أو الحديد أو غيرهما، إلّا الذهب، و فيه كلام يأتي، و لا بين ما يلبس في الخنصر و غيرها، في اليمين أو اليسار؛ للصدق.

و في دخول ما يلبس في الرجل أو الإبهام لأجل الرمي، أو لأجل الزينة، و يقال له بالفارسيّة: زهگير، وجهان، أوجههما العدم؛ للشك في صدق الاسم.

ح: لو كان بعض هذه الأجناس مما يحرم استعماله على الرجل

، كالثوب من الحرير، و الخاتم من الذهب، فظاهر بعضهم الدخول؛ لصدق الاسم عرفاً، و عدم الملازمة بين الحرمة و الحرمان «2». و يمكن الإخراج، بأنّ

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، ابن حمزة في الوسيلة: 387.

(2) انظر رسائل الشهيد الثاني: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 220

الاسم و إن كان صادقاً، إلّا أنّ القرينة المخصصة موجودة، و هو عدم كون مثله الثوب المضاف إليه، و الخاتم المضاف إليه، و عدم معهوديّته عند الشارع، و لا يخلو عن قوة.

ط: لو كان المحبوّ منه ممن لا ينتفع بمصحفه كالامّي، أو بسيفه و خاتمه كمقطوع اليدين

، ففي إحباء تلك الأعيان و عدمه احتمالان، أظهرهما الأول، لعموم الأدلة، و صدق التسمية. و الأظهر منه ما لو كان سبب عدم الانتفاع طارئاً بعد إمكانه. و كذا الكلام فيما لو كان المحبو ممن لا ينتفع، و احتمال المنع هنا أضعف.

ي: لو خَلِق الثوب بحيث انتفى الصدق

خرج؛ للخروج عن الاسم. كما لو أحدث فيه تغييراً أخرجه عنه. و كذا لو كسر السيف و الخاتم، أو تغيّرا على وجه خرجا عن إطلاق الاسم. و لا فرق في التغيير بين كونه للإصلاح فاتفق موته قبله أو لا؛ لزوال الاسم، و تغيّر الموضوع حال الاستحقاق، و عدم مدخلية النية.

يا: لو انفصل جزء من هذه الأعيان قبل الموت

، كالفصّ من الخاتم، و الجلد من المصحف، و القبضة من السيف، و غيرها، مما لا يُخرج انفصاله الباقيَ عن صدق الاسم و كان داخلًا قبل الانفصال، فهل يدخل بعده أيضاً أم لا؟

فيها وجهان، من تنزيل المنفصل منزلة المتصل للاستصحاب، و من خروج المنفصل عن الاسم. و الأقرب الثاني، لما ذكر. و الاستصحاب إنما يكون عند عدم تغيّر الموضوع و لو لأجل عروض وصف، و قد تغيّر هنا.

يب: لو نقص عن واحد من هذه الأعيان بعضه

، فحكم بعضهم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 221

بدخول الباقي و إن كثر الناقص «1»، كما لو كان نصف سيف أو سورة من المصحف، محتجاً باستلزام استحقاق الكل استحقاق بعضه، و لقوله (عليه السّلام): «لا يسقط الميسور» «2» «و ما لا يدرك كله» «3» و «إذا أمرتكم بشي ء» «4».

و في الكل نظر، أما الأول: فلأنّ المسلّم هو استلزام استحقاق الكل استحقاق البعض إذا كان في ضمن الكل، و أما مطلقاً فغير مسلّم.

و أما في الثاني: فلأنّ المراد منه عدم سقوط الميسور من المأمور به، و كون البعض مطلقاً منه عين النزاع. و منه يظهر ما في البواقي.

و التحقيق: أنّ الناقص إن كان مما يوجب نقصه زوال الصدق كنصف سيف أو أكثر المصحف يوجب الخروج، و إلّا فلا. و شيوع إطلاق المصحف على البعض و لو كان قليلًا ممنوع، و لو سلّم فإنّما هو في عرف خاص لا يلزم اتباعه.

يج: لا فرق في هذه الأعيان بين ما يليق [و ما لا يليق ]

منها بحاله عادة و بين ما لا يليق؛ للعموم.

يد: لو شك في الثوب بأنه معدّ للّبس أو لغيره

، أو في الخاتم و السيف و المصحف بكونها معدّة لنفسه أو للتجارة و مثلها، على القول بالتخصيص فلا يُحبى به؛ لكونه أمراً مخالفاً للأصل، فيقتصر فيه على موضع اليقين، و هو ما كان معدّاً للّبس أو لنفسه يقيناً، و هذه ليست منه.

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 227.

(2) عوالي اللآلي 4: 58، 205.

(3) عوالي اللآلي 4: 58، 207.

(4) عوالي اللآلي 4: 58، 206.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 222

المسألة الرابعة: المحبوّ هو الولد الذكر
اشاره

، فلا حبوة للأُنثى مطلقاً «1» بالإجماع؛ للأصل، و للتقييد به في أكثر النصوص، فإطلاق الولد في بعضها محمول عليه، لوجوب حمل المطلق على المقيّد، و تشهد له إحدى صحيحتي ربعي «2».

ثمّ الذكور إن تعدّدوا، فلأكبرهم و إن كانت هناك أُنثى أكبر منه، أمّا مع فقد الأكبر من الأُنثى فللإجماع، و صريح الأخبار «3»، و إطلاق الابن في بعضها مقيّده و أمّا مع وجودها، فلخصوص صحيحة ربعي «4»، و إطلاق الباقي، و الظاهر أنّه أيضاً مجمع عليه، و قد ينسب الخلاف فيه إلى الإسكافي فيحكم بسقوط الحبوة معه «5»، و لم يثبت.

و إن اتّحد فله، بالإجماع، و صريح موثقة الفضلاء، و مرسلة ابن أُذينة حيث حكم فيهما بالتفصيل القاطع للشركة، و إطلاق موثقة العقرقوفي «6».

و الاستشكال مع الاتّحاد، لأنّ أفعل التفضيل يقتضي مشاركاً في أصل الفعل، و إطلاق الابن في بعض الأخبار لا يفيد، لوجوب حمله على الأكبر مع التعدد حملًا للمطلق على المقيّد، كما في المسالك «7».

ضعيف، لأنّه إنّما يصحّ لو انحصرت الأخبار بما فيه التفضيل أو الإطلاق، على أنّ اعتبار وجود المفضّل عليه في أفعل التفضيل أكثري

______________________________

(1) أي سواء كانت منفردة أم لا، و سواء كانت من الأكبر أم لا. (منه رحمه الله).

(2)

راجع ص 201.

(3) الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3.

(4) المتقدّمة في ص 201.

(5) حكاه عنه الشهيد الثاني في رسائله: 234.

(6) قد تقدّمت الروايات في ص 200 و 201.

(7) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 223

لا كلّي.

و لو تعدّد الأكبر بأن كان هناك ذكور متساوية سنّاً، فيشتركون فيها على المشهور، و أسقطها ابن حمزة هناك «1»، و حكي عن النهاية و المهذب أيضاً «2»، و نفى بعض مشايخنا المعاصرين عنه البعد «3».

و استدلّ للمشهور: بالأصل، و بأنّ الأكبر اسم جنس يقع على القليل و الكثير.

و يرد على الأوّل: أنّ الأصل الثابت هو ثبوت الحبوة للابن الواحد أو المتعدد مع وجود الأكبر لا مطلقاً.

فإن قيل: قد صرّحت موثقة العقرقوفي بثبوتها للابن الشامل للمتنازع فيه أيضاً.

قلنا: الابن فيها و إن كان مطلقاً إلّا أنّه يقيّد بالواحد أو الأكبر مع التعدّد، لوجوب حمل المطلق على المقيّد، إلّا أن يقال: بأنّ وجوب الحمل إنّما هو فيما إذا وجد المقيّد لا مطلقاً.

و على الثاني: أنّ الأكبر و إن صدق على المتعدّد لغة، إلّا أنّه ظاهر في الواحد عرفاً، و أيضاً فرض وجود بنين متساوين في السنّ نادر جدّاً، و المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع، و أيضاً لو تمّ ذلك، فإنّما يصحّ فيما لو كان هناك ولد أصغر منهم أيضاً. و أمّا مع الانحصار في المتساويين مثلًا فلا يصدق الأكبر عليهما.

و احتجّ لابن حمزة: بأنّه يجب الوقوف فيما خالف الأصل على

______________________________

(1) الوسيلة: 387.

(2) النهاية: 633، المهذّب 2: 132.

(3) انظر: الرياض 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 224

موضع اليقين، و بظهور الأكبر المصرّح به في الأخبار في الواحد، و بأنّه مع التعدّد لا يصدق

استحقاق كلّ واحد ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف و الخاتم، لأنّ بعض الواحد ليس هو «1».

و لا يخفى أنّه لا يبعد ترجيح هذا القول، سيّما مع ما أُشير إليه من ندرة هذا الفرض، بحيث يشكّ في اندراجه تحت الإطلاقات، هذا.

ثمّ إنّه على المشهور تقسّم الحبوة بينهم كما صرّح به الشيخ «2» و غيره «3»، و الوجه ظاهر. و قد يجوّز احتمال القرعة هاهنا، و هو ضعيف.

فروع:
أ: الأكبر في التوأمين أوّلهما خروجاً

، و لو كان التفاوت يسيراً لا يعتدّ به عرفاً؛ و الوجه ظاهر.

و أمّا ما رواه في الكافي في باب العقيقة-: «أصاب رجل غلامين في بطن فهنّأه أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «أيُّهما أكبر؟» قال: الذي خرج أوّلًا، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «الذي خرج آخراً هو أكبر، أما تعلم أنّها حملت بذلك أوّلًا و إنّ هذا دخل على ذلك فلم يمكنه أن يخرج حتّى خرج، فالذي يخرج آخراً هو أكبرهما» «4».

فهو ضعيف، للشذوذ؛ على أنّه يمكن حمله على أنّ المراد بيان كبره في نفس الأمر و إن لم تتعلق به الأحكام الشرعيّة المبتنية على الدلالات

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 238.

(2) المبسوط 4: 126.

(3) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 509، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 326.

(4) الكافي 6: 53، 8، الوسائل 21: 497 أبواب أحكام الأولاد ب 99 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 225

اللفظيّة، و مع ذلك يعارضه ما رواه في الفقيه عن الصادق (عليه السّلام): إنّه قال: «أكبر ما يكون الإنسان يوم يولد، و أصغر ما يكون يوم يموت» «1».

ب: لو اشتبه الأكبر

، ففي إخراج مستحقّها بالقرعة، أو تشريك كلّ من اشتبه الأمر فيه، أو سقوطها أوجه، أوجهها الأوّل، لأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

ج: الحقّ اعتبار كون الولد للصلب

، كما قطع به في الإرشاد «2»، لتعليق الحكم على الابن و الولد، و شي ء منهما لا يصدق على ولد الولد كما مرّ «3»، و لوجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

د: هل يشترط انفصال الولد عند موت أبيه

، أو يحبى و لو كان حملًا؟

فيه وجهان، حكم بعض معاصرينا في شرحه على المفاتيح بالأوّل، و استجود ثاني الشهيدين في الرسالة الثاني مطلقاً «4»، و استوجهه فيما لو كان عند موت أبيه متّصفاً بالذكوريّة، و ظاهر المسالك التوقّف «5».

للأوّل: عدم الحكم على الحمل حين موت أبيه بكونه ذكراً، و الحكم بالحبوة معلّق عليه.

و أنّ إفرازها له إن كان في ذلك الوقت كان حكماً غير مطابق للواقع، لأنّه ليس بمعلوم الذكوريّة، و إن كان حين التولّد، فإن حكم بها قبله للورثة، لزم الاستصحاب إلى أن يثبت الناقل، و إن لم يحكم بها لهم، لزم

______________________________

(1) الفقيه 1: 124، 595.

(2) الإرشاد 2: 120.

(3) في ص 190 و 191.

(4) رسائل الشهيد الثاني: 236.

(5) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 226

بقاء المال بغير مالك.

و أنّ استحقاقها مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيه على موضع اليقين.

و يرد على الأوّل: أنّ الحكم بالحبوة ليس معلّقاً على ما حكم بذكوريّته بالفعل، بل معلّق على ما حكم له بها في نفس الأمر و لو بعد ظهور الكاشف، و لذا يحبى من لم يعلم ذكوريّته أوّلًا ثمّ علمت بالفحص و الاستعلام.

و على الثاني: النقض بسهم الحمل قبل انفصاله، فإنّه يعزل له نصيب ذكرين، مع أنّه ليس بمعلوم الذكوريّة أيضاً.

و على الثالث: أنّه إنّما يتمّ لولا دلالة على خلاف الأصل، و المخالف يدّعيها.

و للثاني: كون الحبوة إرثاً، فإنّ انتقالها ليس إلّا بالإرث، سيّما على القول بالاحتساب، و قد ثبت أنّ

الحمل يرث.

و استحقاقه نصيبَه من غير الحبوة.

و صدق كونه ذكراً في نفس الأمر و إن لم يظهر بعدُ، و من ثَمّ أجمعوا على استحقاقه بحسب ما يظهر من ذكوريّته و أُنوثيّته.

و يرد على الأوّل: أنّ اللازم من أخبار توريث الحمل هو ثبوت التوريث المطلق له لا جميع أنواعه التي منها الإحباء.

و يمكن أن يقال: إنّ الثابت مطلق التوريث و هو يشمل الحبوة.

و على الثاني: أنّه قياس لا نقول به، مع أنّ الفارق موجود، و هو أنّ استحقاقه لغيرها ليس من حيث كونه ذكراً، بل من حيث كونه ولداً، و هو معلوم في جميع الأحوال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 227

و على الثالث: أنّ الأحكام منوطة بالظاهر دون الواقع و نفس الأمر.

و يمكن دفع ذلك: بأنّ الأحكام و إن كانت منوطة بالظاهر، و لكن لا بما كان ظاهراً بالفعل، بل بالظاهر و لو بعد تحقّق الكاشف، فتحقّق الذكوريّة في نفس الأمر و لو كان مشتبهاً علينا بالفعل يكفي في إثبات الأحكام المعلّقة عليها بعد ظهورها.

فإن قيل: فاللازم الحكم بالحبوة بعد الظهور لا قبله.

قلنا: لا يحكم بها قبله، بل يبقى مراعى حتّى ينكشف الحال.

فإن قيل: لا دليل على لزوم الإبقاء مراعى، بل يجب الحكم بها للورثة فيستصحب.

قلنا: الدليل موجود، و هو أنّ الحبوة حقّ للذّكر الظاهر ذكوريّته بالفعل، أو بعدتحقّق الكاشف، فالحكم بها للورثة مشروط بانتفاء ذكر كذلك، و الشرط غير معلوم فكذلك المشروط، فيجب إبقاؤها مراعى.

و من هذا يظهر أنّ الترجيح مع القول بعدم الاشتراط إذا كان عند موت أبيه متّصفاً بالذكوريّة. و أمّا إذا لم يكن كذلك كما إذا لم يتمّ للحمل أربعة أشهر، حيث صرّح في صحيحة زرارة المروية في كتاب العقيقة من

الكافي «1»، و رواية ابن الجهم المرويّة فيه أيضاً «2»: بأن الذكوريّة و الأُنوثيّة تحصل بعد تمام أربعة أشهر، فالحكم بذلك مشكل، لعدم صدق الوصف مطلقاً لا في الواقع و لا في الظاهر، و الصدق المتأخر لا يفيد.

ه: لو كان هناك حملان أو أكثر

، فإن تبيّن انحصار الذكر بالواحد فلا إشكال.

______________________________

(1) الكافي 6: 16، 7.

(2) الكافي 6: 13، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 228

و إن تعدّد ففي الحكم بتساويهما مطلقاً، أو بأكبريّة الأقدم علوقاً، أو الأسبق تولّداً أوجه:

من إناطة الكبر و الصغر عرفاً بيوم التولّد و عدم مدخليّة تقدّم العلوق و تأخره فيه كما مرّ، و لم يتولّدا بعدُ حتّى يصدق الكبر و الصغر العرفيان، و الصدق المتأخر غير مجد فيتساويان.

و من أنّ كون قدم التولّد مناطاً في الكبر عرفاً إنّما هو في المتولّد و أمّا في الحمل فلا، بل يناط بتقدم العلوق في العرف.

و من أنّ الحكم بلزوم الإحباء إنّما هو بعد التولّد، و إنّما يبقى قبله مراعى، فالمناط هو الكبر الصادق حينئذ، و هو ليس إلّا بقدم التولّد.

و بالجملة المسألة محلّ الإشكال، نعم لا يبعد الحكم بأكبريّة من كان جامعاً لوصفي قدم العلوق و سبق التولّد، و لكن تحققه ثمّ العلم به ممّا لا يكاد يتحقّق.

و: لو كان الولد خنثى

فإن كان واضحاً فواضح. و إن كان مشكلًا فالظاهر حرمانه من الحبوة؛ للشكّ في حصول الموجب.

و احتمل بعضهم العمل بالقرعة «1». و هو حسن لو ثبت الانحصار في الذكر و الأُنثى، فهو في نفس الأمر أحدهما، فيستخرج بالقرعة. و في الانحصار نظر، لجواز الطبيعة الثالثة.

و احتمل ثاني الشهيدين في رسالته استحقاقه نصف الحبوة، قياساً على استحقاقه نصف النصيبين في السهم «2»، و هو ضعيف.

ثمّ لو كان معه ذكر أصغر منه ففي أحبائه أيضاً نظر؛ للشكّ في كونه

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في رسائله: 237.

(2) رسائل الشهيد الثاني: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 229

أكبر الذكور، و العمل بالقرعة محتمل.

ز: لا يشترط في المحبوّ البلوغ

، فيحبى الصغير؛ للأصل، و إطلاق النصوص، بل عمومها.

و صريح ابن حمزة كالظاهر الحلّي الاشتراط «1»؛ لكونها في مقابلة القضاء، و لا يتأتّى من الصبي.

قلنا: لا نسلّم المقابلة، و لو سلّمت ففوريّة القضاء ممنوعة.

ح: لا يشترط سداد رأيه

«2»، وفاقاً للكركي «3»، و مال إليه في الدروس «4»؛ للأصل، و إطلاق النصّ.

و ذهب الشيخ في النهاية «5» و صاحب الجامع «6» و ابن حمزة «7» و الحلّي «8» و أكثر من تأخر عنهم منهم الشهيد في اللمعة «9» إلى اشتراطه، و نسبه في الشرائع إلى قول مشهور «10»؛ لأنّ المخالف لا يعتقد ما يقابلها من وجوب القضاء، و لأنّه لا يرى استحقاقها، فيمنع منها إلزاماً له بما التزم، كما يُلزم بغيره من الأحكام الشرعيّة.

______________________________

(1) ابن حمزة في الوسيلة: 387، الحلّي في السرائر 3: 258.

(2) أي إيمانه بالمعنى الخاص و اعتقاده للحقّ. منه (رحمه اللَّه).

(3) قال في مفتاح الكرامة 8: 138: إن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد قائل باشتراط عدم فساد الرأي.

(4) الدروس 2: 362.

(5) النهاية: 636.

(6) الجامع للشرائع: 509.

(7) الوسيلة: 387.

(8) السرائر 3: 258.

(9) اللمعة (الروضة البهية 8): 120.

(10) الشرائع 4: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 230

و دفع الأوّل بمنع المقابلة أوّلًا، و منع لزوم اعتقادها ثانياً. و الثاني بأنّ وجوب الإلزام في جميع المواضع غير ثابت، و جوازه لا يمنع لأنّ الثابت من الأخبار و فتاوى الأصحاب، إلّا أنّه لا يكون من باب الشرطية، و لذا لم يشترط أحد في إبطال العول و التعصيب عدم فساد الرأي.

ط: يشترط كونه مسلماً

؛ لأنّ الحبوة ميراث، و الكافر لا يرث.

ي: لا يشترط خلوه عن السفه

، وفاقاً للكركي و الشهيد الثاني «1»، و مال إليه في الدروس «2»؛ للإطلاق، و عدم الدليل.

و جماعة على اشتراطه، منهم المقنعة و النهاية و السرائر و الجامع «3»، و تبعهم الفاضل في القواعد «4»، و جمع آخر ممّن تأخر عنه «5»، و لم نقف على مأخذه.

يا: لا يشترط عقله

لما مرّ، فيحبى و لو كان مجنوناً، و اختاره الشهيد الثاني «6».

المسألة الخامسة: المحبوّ منه هو الأب

، فلا تؤخذ الحبوة من تركة غيره وفاقاً؛ لأنّه المنصوص عليه، فيبقى غيره على الأصل السالم عن المعارض.

و لا يشترط إسلامه و لا إيمانه، لإطلاق النصّ. و احتمال الاشتراط

______________________________

(1) حكاه الشهيد الثاني عن الكركي في رسائله: 238، الشهيد الثاني في الروضة 8: 120.

(2) الدروس 2: 362.

(3) المقنعة: 684، النهاية: 634، السرائر 3: 258، الجامع: 509.

(4) القواعد 2: 171.

(5) كالشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 120.

(6) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 231

نظراً إلى اعتقاده عدم الاستحقاق، و كونها في مقابلة القضاء، و لا قضاء عن الكافر ضعيف؛ لأنّ اعتقاده لا يؤثّر في استحقاق غيره، و لو أثر فإنّما هو في استحقاق المعتقد. و ارتباطها بالقضاء ممنوع.

المسألة السادسة: اختلفوا في أنّه هل يشترط الحباء بأن يخلّف الميت مالًا غير الحبوة أم لا؟

فذهب الشيخان و الحلّي و ابن حمزة و المحقّق و الفاضل في بعض كتبه «1» و جمع آخر «2» إلى الاشتراط، و نسبه في المسالك إلى المشهور «3»، و في شرح القواعد للهندي: اتّفقوا على ذلك «4»، و الظاهر منه اتّفاق الأصحاب، و إن احتمل بعيداً إرادة اتّفاق الذين ذكرهم في المسألة السابقة على تلك المسألة.

و ظاهر الشهيد الثاني في الرسالة «5» كصريح بعض آخر «6» العدم، و ظاهر الدروس و المسالك التوقّف «7».

و لا يخفى أنّ هذا الاختلاف إنّما يتمشّى على المشهور من القول بعدم الاحتساب. و أمّا على القول به كما اخترناه فلا شكّ في الاشتراط، بل يشترط أن لا ينقص نصيب كلّ من الورثة عمّا كان عليه قبل الحبوة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 634، الحلي في السرائر 3: 258، ابن حمزة في الوسيلة: 387، المحقق في الشرائع 4: 25، الفاضل في القواعد 2: 171.

(2) كالشهيد في اللمعة (الروضة 8): 121

و صاحب الرياض 2: 350.

(3) المسالك 2: 326.

(4) كشف اللثام 2: 292.

(5) رسائل الشهيد الثاني: 248.

(6) كالفيض في مفاتيح الشرائع 3: 330.

(7) الدروس 2: 362، المسالك: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 232

ثم على المشهور فالظاهر هو العدم؛ لإطلاق النصوص، و فقد المقيّد.

احتجّ المشترط: بلزوم الإضرار و الإجحاف بالورثة لولاه. و إيذان لفظ الحبوة ببقاء شي ء آخر. و وجوب الاقتصار في خلاف الأصل على المتيقن. و انصراف المطلق إلى الفرد الشائع، و الشائع تخلّف مال آخر.

قلنا: لزوم الإضرار و الإجحاف ممنوع، و لو سلّم فلا ضير فيه، لأنّ الحق إذا ثبت بالدليل لا يقدح فيه الإضرار و الإجحاف بغير المستحق، و له نظائر كثيرة «1». و لا إشعار في لفظ الحبوة، على أنّه غير وارد في النصوص. و الإطلاق ممنوع، بل الأخبار عامّة، لذكر أداة الشرط المفيدة للعموم، كقوله: «إذا ترك» و «إذا مات» و «إذا هلك» «2» و لو سلّم فوصول الشيوع إلى حدّ يجب حمل المطلق عليه ممنوع.

ثمّ على الاشتراط ففي كفاية بقاء أقلّ ما يتموّل كما هو مقتضى إطلاق كلامهم، أو اشتراط كونه كثيراً يزول به الإضرار كما يقتضيه تعليلهم، احتمالان.

و على الثاني لو تعدّد الوارث بحيث لم يندفع الإضرار بنصيب كلّ واحد و اندفع بالجملة، ففي اعتبار الجملة أو الإفراد وجهان. و على تقدير اعتبار ذلك كلّه ففي اعتبار بلوغ نصيب كلٍّ قدر الحبوة قولان.

المسألة السابعة: يشترط الحباء بخلوّ الميت عن دين مستغرق
اشاره

، فلو

______________________________

(1) كحرمان كلّهم إذا لم يخلّف الميّت شيئاً أصلًا، أو زائداً على كفنه و دينه، و كحرمان المحجوبين، و الزوجة عن الأرضين على المشهور إذا انحصرت التركة فيهما، و كما إذا أوصى بجميع التركة و أجاز الورثة ثم ندموا بعد الموت، إلى غير ذلك.

منه (رحمه اللَّه).

(2) الوسائل 26: 97 و 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 1 و 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 233

استغرق دينه تركته التي منها الحبوة لا يحبى . و لم أعثر في ذلك على مخالف، و كلام الشهيد الثاني في الرسالة يشعر بوجوده «1».

و الوجه فيه أنّ الحبوة ليس إلّا اختصاص في الإرث، و انتقالها ليس بسبب إلّا التوريث، و قد تقدّم أنّ الدين مقدّم على الإرث، بل لو قيل بعدم كونها إرثا أيضاً، يمكن إثبات المطلوب بصحيحتي زرارة «2»، و أبي ولّاد «3»، و خبر السكوني المتقدّم في بحث استغراق الدين للتّركة «4»، كما لا يخفى .

فرعان:
أ: لو بذل المحبوّ قيمتها حينئذٍ، و أراد الاختصاص بها دون غيره من الورثة

، فعلى القول بعدم انتقال التركة إلى الوارث كما هو المختار ليس له ذلك مطلقاً، إلّا أن يثبت إجماع على خيار كلّ ذي نصيب في نصيبه.

و على القول بالانتقال، فعلى القول بعدم الاحتساب، له ذلك، و الوجه ظاهر. و على القول به، فلو كانت الحبوة مساوية لسهمه لولا الدين، فله ذلك أيضاً، و إلّا فلو كان استحقاق كل من الورثة منها على السواء، بأن لم يخلَّف شي ء سواها فالكلّ في ذلك سواء، و لو لم يكن كذلك فلكلٍ يكون ذلك بقدر نصيبه.

ب: لو كان الدين غير مستغرق

فالحكم على القول بالاحتساب واضح.

______________________________

(1) رسائل الشهيد الثاني: 249.

(2) التهذيب 6: 187، 391، الوسائل 18: 345 أبواب الدين و القرض ب 13 ح 1.

(3) التهذيب 6: 193، 421، الإستبصار 3: 8، 20، الوسائل 18: 415 أحكام الحجر ب 5 ح 3.

(4) في ص: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 234

و أمّا على القول بعدمه فإن استغرق بعض الحبوة فيمنع المحبوّ منه قطعاً.

و أمّا في توزيع الدين على جميع التركة حينئذ و فيما لو استغرق ما عداها أو قصر عنه أيضاً و عدمه فوجهان:

الأوّل: التوزيع، و جعله في المسالك الأظهر «1»، و في الرسالة متّجهاً؛ لأنّ الدين يتعلّق بالتركة على الشياع، و الحبوة منها فيصيبها نصيبها «2».

و الثاني، و هو الذي نسبه في الرسالة إلى ظاهر الأصحاب: عدمه؛ لعموم النصوص. قال فيها: و يؤيّده إطلاق النصوص و الفتاوى باستحقاق جميع الحبوة، مع أنّ الميّت لا ينفكّ عن دين في الجملة إلّا نادراً، فلو كان لمطلق الدين أثر في النقص عليها لنبّهوا عليه فيهما، و أيضاً: فإنّ الواجب من الكفن و مؤنة التجهيز كالدين بل أقوى، لتقدّمه عليه و يتعلّق بالتركة شياعاً، فيلزم أن

لا تسلّم الحبوة لأحد، و هو مناف لإطلاق إثباتها فيهما. و ردّ العموم بالتخصيص و البواقي بأنّها مجرد استبعاد، لا يعارض ما سبق «3».

أقول

: لا ريب في أنّ تعلّق الدين إنّما هو بالشياع، و لكنّ الشياع ليس ثابتاً بالنّص، بل إنّما يحكم به لعدم المرجّح و فقد ما يوجب تخصيصه ببعض، و لكن أخبار الحبوة تخصّصه بغيرها فلا يوزّع.

فإن قيل: ما الوجه في تخصيصه بغيرها بهذه الأخبار؟

قلنا: شهادة العرف بذلك، أ لا ترى أنّه إذا قال قائل: نصف هذه الدار

______________________________

(1) المسالك 2: 326.

(2) رسائل الشهيد الثاني: 251.

(3) انظر رسائل الشهيد الثاني: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 235

لزيد، يحكم له به مشاعاً، فإذا أشار إلى بيت معيّن و قال: إنّه لعمرو، يحكم بالنصف المشاع من غير هذا البيت [لزيد «1»].

فإن قيل: إنّ هذا إنّما يتمّ لو دلّت الأخبار على اختصاص المحبوّ بالحبوة من بين جميع ذوي الحقوق، لم لا يجوز أن يكون المراد اختصاصه من بين الورثة؟

قلنا: تخصيص بلا مخصّص.

فإن قيل: التبادر يخصّص.

قلنا: التبادر ممنوع.

فإن قيل: فيلزم تقدّم الحبوة على الدين و لو استغرق.

قلنا: لا يلزم لتعلّق الدين حينئذٍ بجميع التركة التي منها الحبوة، على أنّه يقع التعارض حينئذ بين وفاء الدين و إخراج الحبوة، فيقدّم الأوّل، لكون أوامر الوفاء أقوى و أكثر من روايات الحباء، مع أنّه قد نطقت الأخبار بتقديم الدين على الإرث «2»، و الحبوة إرث مخصوص.

فإن قيل: مقتضى تقديم الدين عدم اختصاص الحبوة بالمحبوّ أوّلًا فيبقى الدين مشاعاً.

قلنا: تقديمه إنّما هو عند التزاحم و التعارض أي الاستغراق كلا أو بعضاً وأمّا بدونه فيتعلقان بالتركة معاً.

ثمّ إنّه يؤيّد ما ذكرناه أوّلًا من التخصيص، أنّه لو أوصى الميّت بعين لواحد لا يوزّع

الدين عليها بل يخصّص بما عداها، فتخصيصها بشخص خَصّص تعلّق الدين بغيرها.

______________________________

(1) في النسخ: لعمرو، غيّرناه لتصحيح المتن.

(2) كما في الوسائل 19: 329 أبواب أحكام الوصايا ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 236

و بهذا يظهر أنّ الترجيح لما عليه ظاهر الأصحاب.

المسألة الثامنة: لو أوصى الميّت بوصايا

، فإن كانت بعين غير الحبوة لم يمنع منها؛ لبقائها سالمة من المعارض.

و إن كانت بعين منها فالأقوى الصحّة؛ لعموم الأدلّة، و لأنّ الميّت مسلّط على ماله ما دام فيه الروح، و اختصاص المحبوّ بها إنّما هو بعد الموت.

و حينئذ لو زادت عن الثلث اعتبرت إجازة الجميع على القول بالاحتساب، و على القول بعدمه لم يعتبر إلّا إجازة المحبو. و احتمال اعتبار إجازة الجميع لإطلاق النصّ و الفتوى ضعيف، لأنّ الظاهر أنّ هذا الإطلاق مقيّد بالمستحقّ.

و إن كانت بجزء من التركة مطلقٍ كمائة درهم، أو منسوبٍ كالثلث، فالظاهر أنّها حينئذٍ كالدين.

المسألة التاسعة: لو كانت بعض أعيان الحبوة أو كلّها مرهونة على دين على الميّت

، قدّم حقّ المرتهن، و روعي في استحقاق المحبوّ لها مجاناً أو مع الاحتساب افتكاكها، و لا يجب على الوارث، للأصل.

و حينئذ فللمحبوّ فكّها من ماله، و لا يرجع بما غرم إلى التركة، لتبرّعه بالأداء.

و لو افتكّها وارث غيره، فإن كان قبل حلول الأجل فالظاهر عدم استحقاقه لها، و رجوعها إلى المحبوّ، لعدم ناقل شرعيّ. و إن كان بعده، فإن نقلها المرتهن إليه فيستحقّها، و إن كان بمجرّد الافتكاك فالظاهر أيضاً عدم الاستحقاق و اختصاص المحبوّ بها.

المسألة العاشرة [هل ثبوت الحبوة للمحبو مشروط بقضاء ما فات أباه من صلاة و صيام؟]:

اشترط ابن حمزة في الوسيلة في ثبوت الحبوة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 237

للمحبوّ قضاءه ما فات أباه من صلاة و صيام، و جعلها عوضاً عن ذلك، فإذا لم يفعل المعوّض لم يستحقّ العوض «1».

و الأكثر على عدم الاشتراط. و هو الأقوى ؛ لإطلاق النصوص، و عدم دليل على التقييد. على أنّه قد يقال بوجوب القضاء على غير الولد مع أنّه لا حبوة له، و قد يقال بوجوبه عن المرأة مع أنّه لا حبوة عنها.

المسألة الحادية عشرة: لو كان هناك مجتهدان مختلفان في مسائل الحبوة

من الوجوب و الاستحباب، أو المجّانيّة و الاحتساب، أو في ما يُحبى به من الأنواع أو أفراد الأنواع، أو نحو ذلك، و قلّد كلّ من أكبر الذكور و سائر الورثة واحداً منهما ممّن فيه الصرفة له:

فإن عمل أحدهما بمقتضى رأي مجتهده و لم يزاحمه الآخر إمّا تبرّعاً له أو جهلًا بأنّ له المزاحمة، أو لعدم اقتداره على مزاحمته، فلا شي ء على الأوّل، و يحلّ له ما أخذه تقليداً لمجتهده.

فإن نازعه و زاحمه: فإن اتفقا على اختيار مجتهد للترافع فلا كلام، و الحكم حكمه.

و إن تنازعا في ذلك: فإن كان بعد التصرّف في المتنازع فيه و أخذه فالمزاحم للمتصرّف المريد استرداده منه يكون مدّعياً، و يقدّم من اختاره للمرافعة، لأنّه يكون مدّعياً.

و إن كان قبل ذلك، كأن يكون المتنازع فيه في يد ثالث لا يؤدّيه إلّا بعد تعيّن من يجب الأداء إليه، أو مَنَعهما مانع من التصرّف قبل رفع النزاع، أو امتنع كلّ منهما من التصرّف مخافة صيرورة الآخر مدّعياً، فيقدّم مختار

______________________________

(1) الوسيلة: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 238

من رجّحه الإمام في مقبولة عمر بن حنظلة «1» و ما بمعناها، من الأفقه و الأصدق و الأورع كما يأتي، لتلك

الأخبار. و إن لم يكن هناك راجح بل تساوى المجتهدان، أو لم يمكن تعيين الراجح فالظاهر حينئذ نفوذ حكم كلّ من حكمَ أوّلًا بعد مطالبة أحد المتنازعين الحكم منه، لأنّه حاكم منصوب من الإمام حكم بحكمه، فينفذ لكلّ من حكم له و على كلّ من حكم عليه.

______________________________

(1) الكافي 1: 67، 10، الفقيه 3: 5، 18، التهذيب 6: 301، 845، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 239

البحث السادس في حكم الجد و الجدّة إذا اجتمعا أو أحدهما مع الأبوين و الأولاد أو أحدهم
اشاره

و فيه مسائل و خاتمة:

أمّا المسائل فثلاثة:

المسألة الاولى : لا يرث الجد و لا الجدّة مع أحد الأبوين مطلقاً

، وفاقاً لغير الصدوق حيث شرّك الجد من الأب معه، و من الامّ معها، على ما حكاه جماعة «1»، و قيل: إنّ كلامه و إن كان موهماً لذلك إلّا أنّه صرّح بعده بخلافه «2». و الإسكافي حيث شرّك الجدّين و الجدتين مع الأبوين و البنت الواحدة، و جعل الفاضل عن سهام الأبوين و البنت لهم «3».

و الظاهر كون الحكمين إجماعيين، و في التنقيح الإجماع [على خلاف الثاني «4»] و في الكافي على كون الجد بمنزلة الأخ «5».

لنا بعد الإجماع المحقق، و منع الأقرب للأبعد، و كون الأبوين و البنت أقرب-: روايتا الحسن بن صالح و أبي بصير، و صحيحة عبد اللَّه بن

______________________________

(1) كما في المفاتيح 3: 302، الرياض 2: 351.

(2) انظر كشف اللثام 2: 291.

(3) حكاه عنه في التنقيح 4: 170.

(4) بدل ما بين المعقوفين في «س» و «ح»: في الثاني، غيّرناه لتصحيح المتن. و مراده من الثاني قول الإسكافي انظر: التنقيح 4: 170.

(5) الكافي 7: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 240

جعفر، المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الأول «1».

و هذه الروايات الثلاث باجتماعها تنفي قول الصدوق بشقوقها، فالأُولى تنفي تشريكه الجد للُام معها، و الثانية تشريكه الجدّ للأب معه، و الثالثة تشريكه الجدين لهما.

و تضعيف دلالة الثانية باحتمال اختصاص الجد فيها بالجد من الام ضعيف؛ لأنّه تخصيص للعموم الحاصل من ترك الاستفصال بلا مخصص.

بل كل منها بانفراده ينفي جميع الشقوق أيضاً بضميمة الإجماع المركب.

و لا ينفي شي ء منهما قول الإسكافي، إلّا أن يقال: إن تشريكه لا يختص بالصورة المذكورة، و إنما ذكرت تمثيلًا، بل أعم منها و من سائر الصور المشتملة على زيادة الفريضة عن

سهام ذوي الفروض، أو أعم منهما و من الصورة التي لا تشتمل على رد، كاجتماع الجدودة مع الأبوين أو الأب كما هو الظاهر من استدلاله، كما يأتي، فحينئذ ينفي بعض صور ما اختاره بهذه الروايات، و يمكن حينئذ نفي البواقي أيضاً بالإجماع المركب.

و لنا أيضاً: الأخبار المستفيضة الدالة على أنّه لا يرث مع الأب أو الأُم أو الولد أحد إلّا الزوج و الزوجة، كصحيحتي محمد و زرارة المتقدمة في المسألة المذكورة «2»، و رواية العبدي المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «3»، و غيرها.

______________________________

(1) في ص: 156.

(2) في ص: 155.

(3) في ص: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 241

و لنا أيضاً: الأخبار الواردة في بيان فريضة الأبوين مع الولد و بدونه، فإنّها ظاهرة في انقسام التركة بينهما و بينه خاصة على الأول، و بينهما خاصة على الثاني مطلقاً من دون تقييد بما إذا لم يكن هناك جد.

و قد يستدل لنا أيضاً «1»: بالأدلة الدالة على أنّ الأجداد و الجدّات في مرتبة الإخوة لا يرثون إلّا حيث يرثون، و لا ريب في أنّ الإخوة لا يرثون مع الأبوين فكذلك الأجداد.

و بالنصوص الآتية في الطعمة، الدالة على أنّ اللَّه تعالى لم يفرض للجد شيئاً، و إنما أطعمه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و أجازه اللَّه تعالى .

و فيهما نظر:

أما في الأُولى، فلخلو الأخبار عن كون الأجداد و الجدّات بمنزلة الإخوة مطلقاً، بل هي دالة على أنّهم بمنزلة واحد منهم في النصيب إذا اجتمعوا. نعم إن كان نظره إلى الإجماع المنقول على ذلك فله وجه عند القائلين بحجية الإجماع المنقول.

و أما في الثانية، فلأنّ عدم فرض اللَّه سبحانه إنما يفيد لو لم يعقبه إطعام الرسول

و إجازة اللَّه، و أمّا بعد إطعامه و إجازته فلا يفيد، لاحتمال كونه على سبيل الوجوب.

فإن قيل: فعل النبي إذا لم يعلم جهته يحمل على الندب على الأصحّ، فيستفاد من هذه النصوص استحباب الطعمة، فيبطل التشريك وجوباً كما هو قول المخالف.

قلنا: إذا لم يعلم جهة فعله فلا يحكم بكونه ندباً في الواقع، بل نقول

______________________________

(1) انظر: الرياض 2: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 242

بكونه مستحباً لنا، لثبوت الرجحان و عدم تيقّن الزيادة، فهذا إنّما يصلح دليلًا على إثبات الرجحان لا على نفي الوجوب، كما لا يخفى .

و أمّا الأخبار الدالة على اجتماع الجدّة مع الأبوين أو أحدهما، كرواية أبي بصير الأخيرة، المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الأول «1»، و صحيحة البصري قال: دخلت على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عنده أبان بن تغلب، فقلت: أصلحك اللَّه إنّ ابنتي هلكت و أُمي حيّة؟ فقال أبان: ليس لأُمّك شي ء، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «سبحان اللَّه أعطها السدس» «2».

و رواية إسحاق بن عمّار: في أبوين و جدّة لُام قال: «للُام السدس، و للجدّة السدس، و ما بقي و هو الثلثان للأب» «3».

و مرفوعة ابن رباط: «الجدّة لها السدس، مع ابنها و ابنتها» «4».

فهي لعدم قائل بها من جهة التوريث لعدم انطباقها على مذهب عن درجة الحجية ساقطة، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ البتة. و لو انطبق بعضها على بعض صور مذهب المخالف في المسألة فلشذوذه لا يصلح للحجيّة أيضاً، فكيف بالأخبار المعتبرة التي منها الصحاح الموافقة لعمل الأصحاب مع أنّ منها ما يوافق العامّة أيضاً.

______________________________

(1) في ص: 158.

(2) الكافي 7: 114، 15، الفقيه 4: 204، 681، التهذيب 9: 310، 1114، الإستبصار 4: 162، 613،

الوسائل 26: 138 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 6.

(3) الفقيه 4: 205، 684، التهذيب 9: 312، 1119، الإستبصار 4: 163، 617، الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 10.

(4) الفقيه 4: 205، 685، التهذيب 9: 312، 1120، الإستبصار 4: 163، 618، الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 243

مع أنّها أعمّ من أن يكون السدس من جهة الميراث، لجواز أن يكون من جهة الطعمة، أي الأرزاق المأمور به في قوله سبحانه وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ «1». و هي غير المتنازع.

بل في الأخبار ما يصرّح بأنّ السدس من باب الطعمة، كما يأتي.

و أمّا روايات الطعمة فسيأتي عدم منافاتها للمسألة، فهي بحمد اللَّه ظاهرة. هذا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    243     المسألة الاولى: لا يرث الجد و لا الجدة مع أحد الأبوين مطلقا ..... ص : 239

ّ إنّي لم أقف للمخالف الأوّل على حجّة. و أمّا الروايات المتقدمة فمنها ما هو أخص من مدّعاه، و منها ما لا ينطبق على مذهبه، و مع ذلك عرفت ما فيه.

و أما الثاني فاستدل على ما نقل بمشاركة الجد و الجدة للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم، و هي الأُبوّة و الأُمومة. و بالروايات المتقدمة. و بأخبار الطعمة.

و الجواب عن الأوّل: بمنع مشاركتهما لهما في التسمية، فإنّ الجد لا يدخل في اسم الأب حقيقة، بدليل صحّة السلب و تبادر الغير، و كذا الجدّة بالنسبة إلى الأُم، على أنّه لو ثبتت التسمية لم تدل على مطلبه الذي هو جعل نصيب

الجد و إن تعدّد الفاضل من السهام، و لزم توريثهما في صور كثيرة لا يقول به فيها.

و عن البواقي: بما مرّ و يأتي، مع أنّها لا تطابق مذهبه في القسمة.

المسألة الثانية: لا يرث الجد و الجدة مع الأولاد

، ذكراً كان أم أُنثى،

______________________________

(1) النساء: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 244

بالإجماع في غير البنت الواحدة، فإنّ فيها خلافاً للإسكافي «1»، و قد مرّ. و تدل عليه العمومات المتقدمة الخالية عن المخصص.

المسألة الثالثة: لا يرث الجد و لا الجدة مع أولاد الأولاد و إن نزلوا مطلقاً

، وفاقاً لغير الصدوق، و عن السيد في الناصريات «2» و ابن فضال الإجماع عليه «3».

و عن الصدوق تشريك الجد مع ولد الولد «4».

لنا بعد الإجماع عند التحقيق لعدم قدح مخالفة من ذكر-: رواية زرارة المتقدمة، و فيها: «فإن لم يكن له ولد و كان ولد الولد، ذكوراً كانوا أو إناثاً، فإنّهم بمنزلة الولد، و ولد البنين بمنزلة البنين، و ولد البنات بمنزلة البنات، يرثون ميراث البنات و يحجبون الأبوين و الزوج و الزوجة عن سهامهم الأكثر و إن سفلوا ببطنين و ثلاثة و أكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» «5».

و ما تقدم من الأخبار المتضمنة لأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، المصرّحة بأنّ ولد الولد يقوم مقام الولد «6»؛ فإن قيامه مقامه كما مرّ ليس في مطلق التوريث و إلّا لم تكن فائدة للتخصيص، بل إمّا في جميع الأحكام، أو الحجب، أو قدر الميراث، و بالكلّ يثبت المطلوب.

احتجّ المخالف: بتساوي الجد و أولاد الأولاد في القرب. و بصحيحة

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 751.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 221.

(3) حكاه عنه في التهذيب 9: 315.

(4) الفقيه 4: 208.

(5) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(6) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 245

سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن بنات بنت و

جدّ، فقال: «للجد السدس، و الباقي لبنات البنت» «1».

و الجواب أمّا عن حديث التساوي: فبأنّ الثابت أنّ الأقرب يمنع الأبعد، أمّا اشتراك المتساويين في الإرث فغير ثابت، مع أنّه لو صح إنما يتبع لولا دليل على خلافه.

و أما عن الصحيحة فمع شذوذها المخرج لها عن الحجية-: بعدم صراحتها في المطلوب أوّلًا، لإمكان أن يكون المراد بالجد جد بنات البنت أي أب البنت، لا جد البنت، فيكون الميّت هي البنت، و يكون السؤال عن أب و بنات.

و بأخصّيتها عن مدّعاه ثانياً.

و بمعارضتها للروايات المتقدمة الراجحة عليها باعتضادها بالشهرة العظيمة بل الإجماعين ثالثاً.

و بدعوى ابن فضّال الإجماع على ترك العمل بها رابعاً «2».

و بإمكان الحمل على الاستحباب حتى يكون هو الطعمة المستحبة خامساً.

و بالحمل على التقية كما احتمله العلّامة المجلسي «3» و الحرّ العاملي «4» سادساً.

و الإيراد على الأول بعدم إمكان إرادة جد بنات البنت، لقوله

______________________________

(1) التهذيب 9: 314، 1128، الإستبصار 4: 164، 622، الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 15.

(2) حكاه عنه في التهذيب 9: 315.

(3) المجلسي الأول في روضة المتقين 11: 248.

(4) الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ذيل الحديث 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 246

«و الباقي لبنات البنت» فإنّه لو كان المراد بالجد ذلك لم يكن الباقي [لهنّ «1»] لمكان الرد، و الحمل على الباقي من الرد و الفرض خلاف الأصل و الظاهر.

مردود، بأنّ الرد على الأب مع البنات مختلف فيه أيضاً، و ظهور أدلة الرد عليه ليس بأكثر من ظهوره في منع ولد الولد للجد، بل هنا أقوى، حيث تكرّر نقل الإجماع من القدماء أيضاً «2» و تعاضد بالعمومات الكثيرة، فلو كانت

أدلّة الردّ على الأب قرينة على عدم إرادة الأب هنا، فتكون أدلة منع ولد الولد للجد أولى بالقرينة على عدم إرادة الجد، فيبقى الاحتمالان متساويين.

و أمّا الخاتمة ففي حكم الطعمة للجدّ:
اشاره

اعلم أنّ الجدّ و الجدّة و إن كانا لا يرثان مع أحد الأبوين، و لا مع الأولاد، و لا مع أولاد الأولاد، لكن يستحب إطعامهما. و الظاهر أنّ المراد بالإطعام الإعطاء من باب الإرزاق المأمور به في قوله سبحانه وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ «3».

فكيف كان يدل على استحبابه، وفاقاً لكل من لا يقول بتوريثهما.

و تدل عليه المستفيضة من الأخبار، كصحيحة جميل: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة السدس» «4».

و الأُخرى: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة أُمّ الأُم السدس، و ابنتها

______________________________

(1) في النسخ: له، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) كما في الانتصار: 299.

(3) النساء: 8.

(4) الكافي 7: 114، 11، التهذيب 9: 311، 1115، الإستبصار 4: 162، 614، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 247

حيّة» «1».

و الثالثة: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة أُم الأب السدس و ابنها حيّ، و أطعم الجدّة أُمّ الأُم السدس و ابنتها حية» «2».

و موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة السدس، و لم يفرض اللَّه لها شيئاً» «3».

و روايته: قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: «إنّ نبي اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة السدس طعمة» «4».

و وجه الدلالة على الاستحباب ليس لما قيل من أنها تدل على أنّ الإعطاء على جهة الطعمة

التي هي في اللغة بمعنى الهبة، و هي غير الإرث «5»؛ لعدم ثبوت أنها معناها، و لو فرض فلا دلالة للهبة على الاستحباب و إن قلنا أنها غير الإرث.

بل لما ثبت في محله، من أنّ ما لم تظهر جهته لنا من أفعال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) فيستحب لنا التأسي و لا يجب.

فإن قيل: إطعامه (صلّى اللَّه عليه و آله) قضية في واقعة، يحتمل أن يكون مع رضاء الأبوين أو بدونه، و عدم ظهور الجهة إنّما هو في الأول، و أما في الثاني

______________________________

(1) الكافي 7: 114، 12، الوسائل 26: 136 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 1.

(2) الفقيه 4: 204، 680، التهذيب 9: 311، 1118، الإستبصار 4: 162، 616، الوسائل 26: 139 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 9.

(3) الكافي 7: 114، 13، الفقيه 4: 205، 683، التهذيب 9: 311، 1116، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 3.

(4) الكافي 7: 114، 14، التهذيب 9: 311، 1117، الإستبصار 4: 162، 615، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 4.

(5) انظر الرياض 2: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 248

فيكون الإطعام واجباً قطعاً، إذ لا يستحب لأحد إعطاء مال الغير بدون رضاه.

قلنا: لمّا كان ذلك الاحتمال غير معلوم أيضاً، فيكون فعله ممّا لم تُعلم جهته حينئذ أيضاً، مع أنه لا قائل بوجوب الإطعام، بل كل من قال به، فقال باستحبابه، فالإجماع قرينة على تعيينه.

و من ذلك يظهر لزوم حمل الأخبار الآمرة بالإعطاء أو الدالة على الاختصاص و الملكية الظاهرة في الوجوب كصحيحة البصري و روايتي ابن عمار و ابن رباط المتقدمة «1»

على الاستحباب أيضاً، لأنّ السدس المذكور فيها محمول على الإطعام بقرينة الموثقة و الرواية الأخيرتين، و الإطعام ليس إلّا مستحبّاً. مع أنّ القول بالسدس مطلقاً في الصور المذكورة في الروايات على جهة التوريث إمّا لا قائل به، أو شاذ لا اعتبار به، كما مرّ، فهذه الروايات أيضاً أدلة على الإطعام، فقد عرفت وجه التفصّي عنها.

ثم إنّ القدر المجمع عليه الثابت من هذه الأخبار هو استحباب الطعمة في الجملة، و قد وقع فيها مواضع خلاف كما نبيّنها في مسائل:

المسألة الأُولى : المطعم بالفتح هو الجدّ و الجدّة مطلقاً

، سواء كانا من الأب أو الأُم، وفاقاً للمشهور.

و خلافاً للحلبي حيث خصّه بالمتقرب بالأب «2»، و حكاه بعض الأجلّة عن ابن زهرة و المحقق الطوسي أيضاً «3».

و للمحكيّ عن ابن زهرة حيث خصه بأمّ الأُمّ «4».

______________________________

(1) في ص: 240.

(2) الكافي في الفقه: 378.

(3) حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 291.

(4) في «ح»: بأم الأب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 249

و يبطل الأول: بصحيحتي جميل الأخيرتين «1»، و روايتي ابن عمار، و ابن رباط «2».

و الثاني بالصحيحة الثالثة لجميل «3»، و صحيحة البصري «4» و رواية ابن رباط.

و تمام المطلوب يثبت بعدم القول بالفصل.

مضافاً في الجدّ إلى المرسلة المروية في الكافي قال: و قد روي أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّ و الجدّة السدس «5».

فإنّ إطعام السدس قرينة على أنّه لم يكن في صورة فقد الأبوين و الأولاد، إذ ليس نصيبه السدس حينئذ.

و تدل عليه أيضاً صحيحة سعد المتقدمة «6»، بناءً على ما حملها عليه الأكثر من إرادة جدّ البنت منها.

و قد يستدلّ لإلحاق الجدّ: بالأولوية. و بالنصوص المروية في التهذيب و بصائر الدرجات، الدالة على أنّ اللَّه تعالى لم

يذكر الجدّ و لم يفرض له فرضاً، و إنّما جعل له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) سهماً كما في بعضها «7»، أو أطعمه سهماً كما في آخر «8»، أو أطعم من دون ذكر السهم

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 244.

(2) المتقدمتين في ص: 240.

(3) المتقدمة في ص: 245.

(4) المتقدمة في ص: 240.

(5) الكافي 7: 114، 10، الوسائل 26: 136 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 5.

(6) في ص: 242.

(7) التهذيب 9: 311، 1117، بصائر الدرجات: 379، 4، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 5.

(8) بصائر الدرجات: 378، 3، الوسائل 26: 142 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 250

كما في ثالث «1»، فأجاز اللَّه تعالى له ذلك.

و يمكن منع الأولوية: و يحتمل كون السهم الذي جعله النبي للجدّ كما في البعض الأول هو ما يرثه عند عدم الأبوين و الأولاد، فإنه أيضاً ممّا لم يذكره اللَّه سبحانه، دون ما يطعم استحباباً عند وجودهما.

المسألة الثانية: مقدار الطعمة هو سدس الأصل

، وفاقاً للمشهور؛ لظهوره من لفظ السدس الوارد في الأخبار، و صريح رواية إسحاق المتقدمة «2».

و قال الإسكافي: سدس نصيب المطعِم «3»؛ لأنّ السدس يحتمل الأمرين، و الأقلّ ثابت قطعاً، فينفى الزائد بالأصل.

و قال الفاضل في القواعد: أقلّ الأمرين من سدس الأصل و زيادة نصيب المطعم من السدس مع الزيادة «4».

و لا دليل عليه، و ظاهر الأخبار و صريح الرواية يدفعه، على أنه لا يمكن فرض أقليّة الزيادة مع وجودها عن سدس الأصل، فيرجع إلى المشهور، إلّا أن يكون من مذهبه استحباب الطعمة مع الولد أيضاً، و هو بعيد.

و احتج له بعض شرّاح القواعد: بأنه لو أطعمناهم

سدس الأصل مطلقاً بقي الأب أو الأُم في بعض الفروض بلا شي ء، أو بأقل من نصيبهم،

______________________________

(1) بصائر الدرجات: 381، 13، الوسائل 26: 142 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 17.

(2) في ص: 240.

(3) حكاه عنه في المسالك 2: 327.

(4) القواعد 2: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 251

مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الأُم لا تنقص من السدس أبداً «1».

و فيه: أنه لا استبعاد فيما ذكره بعد قول الشارع، سيّما مع الاستحباب. و أما بعض الأخبار الذي ذكره فإنه عام يجب تخصيصه، كما أنه يخصص مثل رواية بكير المتقدمة: «الام لا تنقص من الثلث أبداً إلّا مع الولد و الإخوة إذا كان الأب حيّاً» «2».

مع أنه لو صلح ما ذكره للاستناد لأوجب سقوط الطعمة في تلك الفروض، لا الأقل الذي ذكره؛ إذ لا دليل على إطعام الأقل، فتأمّل.

المسألة الثالثة: هل تختص الطعمة بصورة عدم الولد أم تستحب و لو كان ولد أيضاً؟

الظاهر هو الأول، كما هو ظاهر الأصحاب كما صرح به في المفاتيح «3»؛ للأصل، و عدم الدليل، فيقتصر على المتيقن.

قيل: الأخبار مطلقة.

قلنا: ممنوع، أما الأخبار الأخيرة فظاهرة. و أما أخبار إطعام النبي، فلأنّ الثابت منها هو إطعام النبي في واقعة أو وقائع خاصة، و هي غير صالحة للإطلاق أو العموم، فتكون مجملة، فيجب الأخذ بالمتيقن. و حمل الإطعام على الأمر به تجوّز لا يصار إليه إلّا بدليل.

فإن قيل: إذا كانت الواقعة مجملة فمن أين تيقن الاستحباب عند عدم الولد؟

قلنا: من الأخبار المقيدة المفصلة، كرواية إسحاق بن عمار

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 291.

(2) راجع ص: 126.

(3) المفاتيح 3: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 252

المتقدمة «1»، و المرسلة المروية في الكافي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم

الجدّ السدس مع الأب، و لم يعطه مع وجود الولد «2».

و من هذا يعلم عدم استحبابها مع ولد الولد أيضاً لو قلنا بحجبه للجدّ.

المسألة الرابعة:

كما أنه لا تستحبّ للأبوين الطعمة عند وجود الولد، كذلك لا تستحب للولد و لا لولده بدونهما الطعمة، و الوجه ما مرّ.

المسألة الخامسة:

و إذا عرفت أنه لا طعمة مع الولد و لا مع ولد الولد تعرف أنّ المطعِم بالكسر هو أحد الأبوين أو كلاهما، إذ لولاهما لكان الجدّ وارثاً فلا طعمة، و هذا هو المراد من قولهم أنّ المطعم أحد الأبوين.

المسألة السادسة [أنّ كلّاً من الجدودة يطعَم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين ]:

و إذا عرفت أن المطعِم هو الأبوان أو أحدهما فأعلم أنهم ذكروا أنّ كلّاً من الجدودة يطعَم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين، و لا يكفي وجود من يتقرّب بالآخر، فمع الأب يطعَم أبوه و أُمّه و مع الام يطعَم أبوها و أُمّها، و لو فقد أحدهما فلا طعمة لمن يتقرّب به.

و ظاهر الكفاية و المفاتيح التردد «3».

و الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ الروايات بين مجملة و مبيّنة بوجود المتقرّب للمطعَم- بالفتح فيؤخذ بالمبيّن و يعمل بالأصل في غيره.

المسألة السابعة: سدس الأصل الذي يطعم به الجد و الجدة

، فهل يخرج من التركة قبل القسمة، أو من نصيب من يتقرّب به المطعم؟

______________________________

(1) في ص: 240.

(2) الكافي 7: 115، ذ. ح 16، الوسائل 26: 139 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 8 و فيه: و لم يطعمه.

(3) الكفاية: 297، المفاتيح 3: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 253

الظاهر هو الثاني؛ لإجمال غير ما يبيّنه بهذا النحو، و هو رواية إسحاق بن عمار المتقدمة «1».

المسألة الثامنة:

قد صرّحوا بأنه يشترط في استحباب إطعام كل من الأبوين زيادة نصيبه عن السدس؛ فلو لم يحصل لأحدهما سوى السدس كالأب في أبوين و زوج بدون الإخوة الحاجبة، و الأُم في أبوين و زوج مع الإخوة لم تستحب له الطعمة. و هو كذلك، و إن كان ظاهر المفاتيح و الكفاية التردد «2».

لنا: ما مرّ من إجمال غير المبيّن بهذا النحو، و هو رواية ابن عمار، فينفى غيره بالأصل. و يؤيده اختصاص الأخبار بحكم التبادر و الاعتبار بما إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة.

المسألة التاسعة: هل يكفي في زيادة المطعِم بالكسر عن السدس مسمّى الزيادة، أم يشترط كونها بقدر السدس؟

ذهب جماعة منهم: المحقق في الشرائع و الفاضل في القواعد و الشهيد الثاني في المسالك إلى الأول «3».

و أُخرى، منهم: المحقق في النافع و الشهيد في اللمعة و الدروس إلى الثاني «4»، و في الروضة إنّه الأشهر «5».

و هو الأظهر؛ لوجهين أحدهما: ما مرّ من الإجمال و التفصيل في رواية ابن عمار. و ثانيهما: أنّ بعد القول بعدم الاستحباب عند وجود الولد

______________________________

(1) في ص: 240.

(2) المفاتيح 3: 302، الكفاية: 297.

(3) الشرائع 2: 25، القواعد: 170، المسالك: 327.

(4) النافع: 268، اللمعة (الروضة البهية 8): 122، الدروس 2: 367.

(5) الروضة 8: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 254

لا تبقى صورة كانت الزيادة فيها أقلّ من السدس.

و من هذا يظهر أنه لا ثمرة لهذا النزاع إلّا عند من قال بالاستحباب مع وجود الولد للميت أيضاً.

المسألة العاشرة:

مقتضى الأصل الذي أصلناه من إجمال الأخبار اختصاص الاستحباب بما إذا كان للمطعِم بالكسر جدّ واحد أو جدّة واحدة، دون ما إذا كانا له معاً؛ لاختصاص المبيّن به، بل لعدم ظهور جميع الأخبار إلّا في الصورة الاولى خاصة، فيتمسك في نفي الطعمة في الثانية بالأصل.

لكنّ الإجماع المركّب كما قيل ينفي الفرق «1»، و لكون المقام مقام التسامح يمكن الاكتفاء فيه بهذا الإجماع المنقول، و لكن يقع في المفصّلة «2» حينئذٍ في التقسيم، كما يأتي.

المسألة الحادية عشرة:

لا يتوهم أنّ مقتضى الأصل المذكور اختصاص الاستحباب بصورة عدم اجتماع المتقرّبين، فلا تستحب الطعمة إذا كان جدّا و جدّة لأب و جدّ أو جدّة لأُم؛ إذ من الأخبار ما صرّح فيه بالاستحباب مع اجتماعهما، كرواية جميل المرسلة، قال: «إذا ترك الميت جدتين أُمّ أبيه و أُمّ امّه فالسدس بينهما» «3».

و ردّها بظهورها في عدم وجود الأبوين، و الانحصار في الجدّتين، فيكون مخالفاً للإجماع.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 352.

(2) في «س»: الفصلة.

(3) التهذيب 9: 313، 1125، الإستبصار 4: 163، 619، الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 255

مدفوع، بأنّ ذكر السدس قرينة على عدم الانحصار، فيكون وجود الأبوين محتملًا، فلم يقطع بالمخالفة.

نعم جعل السدس الواحد بينهما لو كان مخالفاً للإجماع لكان موجباً لردّ الحديث، و حينئذ فلا بدّ في تعميم الحكم بالإجماع المركب.

المسألة الثانية عشرة [حكم المتعدد لو كان من طرف واحد أو من طرفين ]:

و إذ عرفت أنّ الاستحباب ثابت في صورة التعدّد أيضاً سواء كان المتعدّد من طرف واحد أو من طرفين.

فنقول: إنّ المتعدّد إذا كان من طرف واحد، بأن يكون هناك جدّ و جدّة لُام أو لأب، فالمشهور أنّ السدس الذي يطعمه أحدهما مشترك بينهما، يقسّم بالسوية و لا زيادة.

أما عدم الزيادة، فلأنّ الاستحباب في هذه الصورة إنّما هو بالإجماع المركب، و الثابت منه ليس إلّا مجرّد الاستحباب، و لا أقلّ من السدس إجماعاً، فينفى الزائد بالأصل.

و أما التقسيم بالسوية فاستدل عليه بعدم مرجّح لأحدهما بالسدس أو زيادة. و القياس على باطل و في هذا الاستدلال نظر؛ إذيلزم من عدم المرجح ثبوت التسوية بينهما؛ لأنّ الترجيح بلا مرجّح إنّما يلزم قلنا باختصاص واحد منهما بالسدس أو الزيادة، أمّا لو قلنا بالتخيير الأوّل أو الثاني فلا يلزم الترجيح

بلا مرجّح، بل هو الحكم بين الشيئين عند عدم المرجّح لأحدهما في الشرعيّات.

و توضيح ذلك: أنّ هاهنا يتصوّر صور، إحداها: اختصاص أحدهما بالسدس. و الثانية: الاشتراك مع اختصاص أحدهما بزيادة. و الثالثة: الاشتراك مع التسوية. و الرابعة: التخيير بين الاختصاص و الاشتراك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 256

الخامسة: التخيير في الاختصاص بين كلّ واحد منهما. السادسة: التخيير بين التسوية و التفاوت. السابعة: التخيير في الزيادة بين كلّ واحد منهما.

و المحذور الذي هو الترجيح بلا مرجّح إنّما يلزم لو قلنا بالأُولى أو الثانية، دون البواقي، فاختيار واحد منها لا وجه له.

نعم يمكن إثبات أصل الاشتراك بالإجماع. و أمّا التسوية فمحلّ تردد و إشكال.

و ما ذكرنا في إبطال التمسّك بالترجيح بلا مرجح هنا يجري في غير ذلك الموضع من أمثاله، مما تمسكوا به فيه، فليكن في ذكر منك.

و إن كان من طرفين، فظاهر الأكثر أنّ لكل من يتقرّب من طرف واحد السدس، فيستحب إطعام السدسين للأبوين.

و لا دلالة في الأخبار على ذلك، و مرسلة الجميل صريحة في خلافه، فالأخذ بمضمونها متّبع، إلّا أن يدّعى الإجماع على خلافه، و هو غير محقّق عندي.

و قول الشيخ في التهذيب: إنّ هذا الخبر غير معمول عليه «1»، فإنّما هو لأجل ما يستفاد من ظاهره، أنّ الجدّة تستحق الطعمة مع عدم وجود ولدها، كما يشعر به كلمات الشيخ «2»، لا لأجل كون السدس بينهما. و بعد ما ذكرنا من أنّ المراد ليس الانحصار فلا يكون هذا الخبر غير معمول عليه من هذه الجهة أيضاً.

و كلام صاحب المفاتيح ظاهر في الاكتفاء بالسدس «3»، و على هذا

______________________________

(1) التهذيب 9: 313.

(2) التهذيب 9: 313.

(3) الوافي 3 الجزء 13: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19،

ص: 257

فيقسّم السدس بين الأربع أو الثلاث أو الاثنين سويّة.

المسألة الثالثة عشرة: هل يختصّ الجدّ و الجدّة بالقريبين أم يعمّان البعيدين أيضاً؟

صرّح الفاضل في القواعد بالأول «1». و هو الأظهر؛ للأصل، و إجمال الأخبار، و تبادر القريب من لفظ الجدّ و الجدّة، بل صحّة السلب بالنسبة إلى البعيد.

و استوجه بعض معاصرينا الثاني، تمسّكاً بإطلاق النصّ و الفتوى .

و الإطلاق ممنوع؛ لما عرفت من الإجمال، و لو سلّم فينصرف إلى أفراده الشائعة.

المسألة الرابعة عشرة [حكم إطعام الجدتين ]

روى الشيخ في الموثق، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، عن أبيه (عليه السّلام): قال: «أطعم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) الجدّتين السدس، ما لم يكن دون أُم الأُم أُم و لا دون أُمّ الأب أب» «2».

و يحتمل أن يكون معنى قوله: «دون أُم الأُم أُم» أي أُم أُمّ الأُم، و كذا معنى قوله: «دون أُم الأب أب» أي أب أُم الأب، فيكون المعنى : أنّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعمهما حين عدم وجود الجدّ البعيد، و على هذا فلا منافاة بين هذه الرواية و بين شي ء من الأحكام المتقدمة، بل يكون مضمونها موافقاً لمرسلة الجميل.

و أن يكون معناه انتفاء أُم الميّت و أبيه.

و حينئذ فإمّا يكون معنى قوله «أطعم الجدّتين» أطعم كلّاً منهما، حتى يمكن أن يكون إطعام كلّ واحد منهما في واقعة. و يمكن أن يكون إطعام

______________________________

(1) القواعد 2: 171.

(2) التهذيب 9: 313، 1126، الإستبصار 4: 163، 620، الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 258

أُم الأُم مع وجود الأب، و إطعام أُم الأب مع وجود الام. و على هذا فتكون الرواية منافية للحكم المذكور في السادسة.

أو يكون معنى قوله: «أطعم الجدّتين» أنه أطعمهما معاً حتى يكون في واقعة واحدة، و حينئذٍ فلا يمكن أن يكون ذلك في صورة عدم الولد

و لا ولد الولد، و لا شي ء من الإخوة؛ لأنّ تمام التركة حينئذ للجدّتين. فإمّا يكون مع بعض من الإخوة بحيث يكون إرث الجدّتين السدس، و لكنه خلاف الظاهر من قوله أطعم. أو مع الولد أو ولد الولد و حينئذ فتكون منافية لما ذكر في الرابعة و السادسة.

و تحتمل الرواية محامل أُخرى أيضاً، و بعد قيام تلك الاحتمالات الكثيرة فتكون مجملة غير ناهضة لإبطال شي ء من الأحكام المذكورة.

و لو أبيت عن جميع الاحتمالات المذكورة أو المتصوّرة غير أنْ يكون المراد أطعمهما معاً عند عدم أب الميّت و أُمّه، لأجل كون البواقي موجبة لارتكاب خلاف ظاهر أو أصل من تقديرٍ أو تجوّزٍ، فنقول: إنّ إطعامهما عند عدمهما يمكن أن يكون مع وجود الولد أو ولد الولد، فلا يمكن أن يخرج عن مقتضى الأصل في شي ء من الصورتين بهذه الرواية، لإمكان كون القضيّة واقعة في الصورة الأُخرى ، هذا، مع ما في هذه الرواية من كونها متروك العمل بها، كما صرّح به الشيخ في التهذيب «1».

______________________________

(1) التهذيب 9: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 259

الفصل الثاني في ميراث الإخوة و الأجداد
اشاره

و يعبّر عن الإخوة بالكلالة، من الكلّ، و هو الثقل، لكونها ثقلًا على الرجل، لقيامه بمصالحهم مع عدم التولّد «1» الموجب لمزيد الإقبال و الخفّة على النفس. أو من الإكليل، و هو ما يزيّن بالجوهر شبه العصابة، لإحاطتهم بالرجل كإحاطته بالرأس.

و فيه [خمسة «2»] أبحاث:

البحث الأول: في ميراث الإخوة إذا لم يكن معهم جدّ
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى :

لا يحجب الإخوة و لا الأخوات عن الإرث أحدٌ خلقه اللَّه غير الأبوين و الأولاد و أولاد الأولاد و إن نزلوا، بالإجماع؛ للأقربية، و خصوصيات الأخبار الواردة في الموارد الجزئية، كما يأتي.

المسألة الثانية: إذا فقد الأبوان و الأولاد و أولادهم

فلا يرث مع الإخوة أو الأخوات أحد غير الجدودة و الزوجين إجماعاً؛ لما مر. و في ابن الأخ للأبوين مع الأخ للُام خلاف يأتي.

______________________________

(1) في «ح»: التوالد، و في «ق»: ولد.

(2) في «ح» و «ق» و «س»: أربعة، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 260

المسألة الثالثة: إذا انفرد الأخ للأب و الأُم

كان له المال كله بالقرابة؛ للإجماع، و منع الأقرب للأبعد، و أحقيّة السابق، و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة بكير الطويلة-: «فإنّ اللَّه قد سمّى للأخ الكل» «1».

و صحيحته الأُخرى : عن أُختين و زوج، فقال: «النصف و النصف» فقال الرجل: أصلحك اللَّه قد سمّى اللَّه لهما أكثر من هذا: لهما الثلثان، فقال: «ما تقول في أخ و زوج؟» فقال: النصف و النصف، فقال: «أ ليس قد سمّى اللَّه له المال فقال وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» «2».

و رواية موسى بن بكر: قال، قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام): «أنّ الإخوة للأب و الأخوات للأب و الأُم يزادون و ينقصون لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيباً من الإخوة و الأخوات للأب و الأُم لو كانوا مكانهنّ، لأنّ اللَّه تعالى يقول إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ يقول: يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمّى اللَّه له النصف كملًا، و عمدوا فأعطوا الذي سمّى اللَّه له المال كله أقلّ من النصف، و المرأة لا تكون أبداً أكثر نصيباً من رجل لو كان مكانها» قال: فقال زرارة: و هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه «3».

و الأخ و إن كان مطلقاً إلّا

أنه خرج المتقرب بالأُمّ بالكتاب و السنة كما

______________________________

(1) الكافي 7: 102، 4، الفقيه 4: 202، 677، التهذيب 9: 291، 1046، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 3.

(2) التهذيب 9: 293، 1048، الوسائل 26: 154 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 1.

(3) الكافي 7: 104، 7، التهذيب 9: 319، 1148، الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 261

يأتي، و المروي في تفسير علي الآتي.

و إذا كانوا متعدّدين كان لهم المال بالسوية. أما الأول فللإجماع، و الأقربية، و الأحقية، و لأنه لما كان المال كله للواحد فالتعدّد أولى بذلك. و أما الثاني فللإجماع.

و لو كانت معه أو معهم أُخت أو أخوات من الأبوين فالمال كله للكل، للذكر مثل حظّ الأنثيين؛ للإجماع، و قوله سبحانه وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «1».

و إطلاق الإخوة مقيّد بما ذكرنا، بالأخبار، كما يأتي، و صحيحة بكير و فيها: قال «و قال في آخر سورة النساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ يعني أُختاً لأُمّ و أب أو أُختاً لأب فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ .. وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فهم الذين يزادون و ينقصون» الحديث «2».

و قريبة منها صحيحة محمد «3».

و لو انفردت أُخت لأب و أُم كان لها النصف فرضاً و الباقي ردّاً.

أما الأول: فللإجماع، و قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «4».

______________________________

(1) النساء: 176.

(2)

الكافي 7: 101، 3، الفقيه 4: 202، 676، التهذيب 9: 290، 1045، الوسائل 26: 154 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 2.

(3) الكافي 7: 103، 5، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.

(4) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 262

و إطلاق الأُخت مقيّد بما ذكر بالنسبة، كما مرّ.

و أمّا الثاني: فللإجماع و منع الأقرب للأبعد، و أحقيّة السابق، و رواية سليمان بن خالد المتقدمة: «إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحقّ بالمال» «1».

و قول الباقر (عليه السّلام) في رواية بكير المتقدمة مكرراً «لأنّ اللَّه قد سمّى لهم».

و خصوص ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السّلام): قال: «إذا مات الرجل و له أُخت تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ الابنة لو كانت، و النصف الباقي يردّ عليها بالرحم، إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الأُخت أخ أخذ الميراث كله بالآية، لقول اللَّه وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فإن كانتا اختين أخذتا الثلثين بالآية و الثلث الباقي بالرحم» الحديث «2».

و لو كانوا أُختين أو أخوات من الأبوين كان لهما أو لهنّ الثلثان و الباقي يردّ عليهما أو عليهنّ. أما الأول فبعد الإجماع لقوله تعالى فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ «3» و أما الثاني فلما مر.

المسألة الرابعة: إذا انفرد الأخ أو الأُخت للأُم

كان له أو لها المال، السدس بالفرض، و الباقي بالرد، بالإجماع فيهما.

______________________________

(1) التهذيب 9: 326، 1171، 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 7، و قد تقدم صدر الحديث في ص 189.

(2) تفسير

القمي 1: 159، الوسائل 26: 153 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 2 ح 5.

(3) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 263

و يدلُّ على الأول قوله تعالى وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ «1».

و يدلُّ على أنّ المراد بالأخ و الأُخت في الآية ما كان من الأُم خاصة- بعد الإجماع أخبار كثيرة، منها صحيحة محمد، و فيها: «و الذي عنى اللَّه في قوله وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ إنّما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الأُم خاصة» «2».

و على الثاني ما مر في الرد على الأُخت و الأُختين للأبوين.

و يدلُّ على أنّ الأخ للأُم يجمع المال كلّه مضافاً إلى ما مرّ صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك أخاه لأُمّه لم يترك وارثاً غيره، قال: «المال له» «3».

و لو كان المتقرّب بالأُم متعدداً سواء كانوا اثنين أو أكثر، ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً و إناثاً، كان المال لهما أو لهم، الثلث بالفرض، و الباقي بالردّ، بالإجماع.

و يدلّ على الأول قوله تعالى فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ «4».

و على الثاني ما سبق.

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) الكافي 7: 103، 5، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.

(3) الكافي 7: 111، 1، الفقيه 4: 206، 688، التهذيب 9: 307، 1096، الإستبصار 4: 159، 600، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 8 ح 1.

(4) النساء: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 264

و يقتسمون

المال بالسوية، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، أم ذكوراً و إناثاً، بالإجماع القطعي، و نقله جمع كثير أيضاً، منهم الكليني في الكافي «1»، و صاحب مجمع البيان، قال: و لا خلاف بين الأُمة في أنّ الإخوة و الأخوات من قبل الام متساوون في الميراث «2».

و هو الحجة في ذلك، مضافاً إلى ما رواه مسمع: عن رجل مات و ترك إخوة و أخوات لُام وجداً، فقال: «الجد بمنزلة الأخ من الأب، له الثلثان، و للإخوة و الأخوات من الام الثلث، فهم فيه شركاء سواء» «3».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك أُختين أو أخوين أو أخاً أو أُختاً لأُم أو أكثر من ذلك و جدّاً، فللإخوة و الأخوات من الام الثلث بينهم بالسوية، و ما بقي فللجدّ» «4».

و المرسلة المروية في المجمع، و فيها: «و متى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الأُم مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الأُم الثلث بينهم بالسوية، و الباقي لقرابة الأب للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «5».

و صحيحة محمد الآتية في المسألة الحادية عشرة «6».

إلّا أنّ هذه الروايات و إن كان بعضها مختصاً بصورة وجود الجد

______________________________

(1) الكافي 7: 111.

(2) مجمع البيان 2: 17.

(3) الكافي 7: 111، 3، التهذيب 9: 307، 1098، الإستبصار 4: 159، 602، الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 4.

(4) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 182 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 7 ح 3.

(5) مجمع البيان 2: 18، الوسائل 26: 65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.

(6) انظر ص: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 265

و بعضها بصورة وجود قرابة الأب إلّا أنّ بالإجماع المركب يتم

المطلوب.

و قد يستدل للتعميم بعدم مدخلية وجودهم في التسوية بين الإخوة. و قد تنفى المدخلية بأصالة عدمها.

و فيه: أنّ للتسوية علة لا محالة، فيحتمل أن تكون هي التقرب بالأُم أو وجود الجدّ أو غيرهما، و كما أنّ الأصل يجري في وجود الجد و قرابة الأب يجري في غيره أيضاً.

و تدلّ على ذلك أيضاً رواية أبي عمر العبدي، عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، و فيها: «و لا تزاد الإخوة من الام على الثلث، و لا ينقصون من السدس، و هم فيه سواء الذكر و الأُنثى» الحديث «1».

و قال الفضل: هذا حديث صحيح «2».

و شهادته هذا كافية في حجيته، و لكنها مخصوصة بالثلث و السدس، و إن كان الإجماع المركب كافياً للتعدية.

و قد يستدلّ على التسوية ببطلان الترجيح بلا مرجح.

و فيه ما مرّ «3»، فإن بعد ثبوت الاشتراك يحتمل التسوية و الاختلاف و التخيير بينهما، ثمّ على الاختلاف يحتمل اختصاص واحد معيّن بالزيادة أو التخيير، و لزوم المحذور إنّما هو على القول باختصاص الواحد المعيّن دون غيره. على أنّ عموم أخبار تفضيل الرجال على النساء يرجّح تخصيص الرجال بالزيادة، فلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

______________________________

(1) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، العلل: 569، ذ. ح 4، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 12.

(2) حكاه عنه في الفقيه 4: 189.

(3) في ص 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 266

و قد يستدل عليها أيضاً باقتضاء إطلاق الشركة التسوية فيما اشترك فيه.

و لا يخفى أنّ المراد إمّا اقتضاؤه لغةً أو عرفاً أو باعتبار دليل يدل عليه. و الاقتضاء اللغوي مفقود؛ لكونه موضوعاً للقدر المشترك بين التسوية و التفاوت. و كذا العرفي؛ لاستعماله عرفاً

في المعنيين، و صحّة الاستفهام عن كيفيّة الشركة.

نعم إن أُريد الاقتضاء في عرف الشرع باعتبار أنّ التسوية هو المراد من الشركة حيث أُطلقت، لكان له وجه؛ و لكن تحقق الحقيقة الشرعية فيها غير معلوم، بل انتفاؤها معلوم، و مجرد أكثرية الاستعمال لا توجب جواز الحمل عند الإطلاق. و أمّا فهم الأصحاب من المفسرين و العلماء منها التسوية فيما نحن فيه فيمكن أن يكون باعتبار القرينة.

و أمّا الدليل على وجوب حمل الشركة المطلقة على التسوية فلم أعثر عليه، و لزوم الترجيح بلا مرجّح لا يفيدها كما مرّ.

فإن قيل: الأصل عدم اختصاص أحدهما بالزيادة.

قلنا: لو لم يختصّ لكانت الزيادة بينهما سويّة، فيلزم اختصاص كلّ منهما بنصفه، و الأصل عدمه أيضاً.

و بالجملة لا دليل على التسوية سوى الإجماع المعلوم تحقّقه قطعاً بالتتبّع و النقل، المؤيّد بالأخبار المذكورة «1»، و هو كافٍ في إثبات المطلوب.

المسألة الخامسة: حكم المتقرّب بالأب وحده حكم المتقرّب بالأبوين حال عدم المتقرّب بهما

في الإرث و التقسيم، بالإجماع،

______________________________

(1) راجع ص: 261 و 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 267

و العمومات الدالّة على حكم الأخ مطلقاً «1»، و عمومات تفضيل الرجال على النساء، خرج المتقرّب بالأُم وحدها بالدليل فيبقى الباقي، و خصوص صحيحتي بكير و محمّد و رواية موسى بن بكر المتقدّمة في المسألة الثالثة «2».

و يدلّ عليه أيضاً صدر الصحيحتين المتقدّمتين «3» و هو أنه قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامّها و إخوتها و أخواتها لأبيها، فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام الثلث للذّكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي فهو للإخوة و للأخوات من الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين».

و على هذا فلو انفرد الأخ أو الأخت للأب حاز المال كلّه، لكنّ الأوّل جمعه بالقرابة،

و الثانية النصف بها و الباقي بالتسمية. و كذا الإخوة و الأخوات المتعدّدون، لكن فريضتهنّ الثلثان و الباقي بالقرابة، و يقتسمون بالسويّة مع التساوي في الذكورة و الأُنوثة، و بالتفاوت مع الاختلاف فيهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

المسألة السادسة: إذا اجتمعت الإخوة أو الأخوات المتفرّقون في جهة التقرّب

فيسقط المتقرّب بالأب وحده، سواء كان ذكراً أو أُنثى أو ذكراً و أُنثى ، واحداً أو متعدّداً، إذا كان معه واحد من المتقرّب بالأبوين سواء كان معهم متقرّب بالأُم أيضاً أولا، فلا يرث أصلًا لا من الفريضة و لا من القرابة.

و الدليل عليه بعد الإجماع المحقّق و المحكي في كلام جماعة،

______________________________

(1) الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 2.

(2) راجع ص: 258.

(3) في ص: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 268

منهم الفضل بن شاذان من قدماء الطائفة «1»، و السيد في الانتصار «2»: صحيحة يزيد الكناسي و فيها: «أخوك لأبيك و أُمّك أولى بك من أخيك لأبيك» «3».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإذا ترك الرجل أخاه لأبيه و أخاه لُامّه و أخاه لأبيه و أُمّه فللأخ من الأم السدس، و ما بقي فللأخ من الامّ و الأب، و سقط الأخ من الأب، و كذلك إذا ترك ثلاث أخوات متفرّقات [فللأُخت «4»] من الام السدس، فما بقي فللأُخت من الامّ و الأب» «5».

و رواية الحسن بن عمارة: قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «أيّما أقرب ابن عمّ لأب و أُم أو عمّ لأب؟» قال، قلت: حدّثنا أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أنه كان يقول: «أعيان بني الأُم أقرب من بني العَلّات» قال: فاستوى جالساً [ثمّ ] قال: «جئت بها من عين صافية، إنّ عبد اللَّه

أبا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أخو أبي طالب لأبيه و أُمّه» «6».

و رواية الحارث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): قال: «أعيان بني الأُم يرثون دون بني العَلّات» «7».

______________________________

(1) انظر الكافي 7: 105.

(2) الانتصار: 301.

(3) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

(4) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار 104: 343، 12.

(5) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 288، مستدرك الوسائل 17: 178 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 4.

(6) التهذيب 9: 326، 1172، الإستبصار 4: 170، 644، الوسائل 26: 192 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 2؛ و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(7) التهذيب 9: 327، 1174، الوسائل 26: 182 أبواب الإخوة و الأجداد ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 269

و مرسلة الفقيه عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): «أعيان بني الأُم أحقّ بالميراث من ولد العَلّات» «1».

أقول: و العَلّة كالضرّة زِنةً و معنًى، مأخوذ من العلّ، و هو شرب الإبل مرّة بعد أُخرى ، يقال لها: نَهَل محرّكة فيقال: علّ بعد نهل، و النَّهَل أن يشرب أوّلًا ثمّ يترك، حتّى يسري الماء في عروقه ثمّ يشرب، فكأنّ من تزوج بامرأة بعد اخرى نهل بالأُولى ثمّ علّ بالثانية.

قال في النهاية: و فيه «الأنبياء أولاد عَلّات» أولاد العَلّات الذين [أُمَّهاتهم «2»] مختلفة و أبوهم واحد، أراد أنّ إيمانهم واحد و شرائعهم مختلفة، و منه حديث علي (عليه السّلام): «يتوارث بنو الأعيان من الإخوة دون بني العَلّات» أي يتوارث الإخوة من الأب و الأُم و هم الأعيان، دون الإخوة للأب إذا اجتمعوا معهم، مأخوذ من عين

الشي ء و هو النفيس منه. و بنو العَلّات الإخوة لأب واحد و أُمّهاتهم شتّى. فإذا كانوا لأُمّ واحدة و آباء شتّى فهم الأخياف «3»، انتهى .

و على ما ذكره من تفسير الأعيان بالإخوة تكون الإضافة في قوله: «أعيان بني الام» بيانيّة. و أمّا ما رواه من حديث علي من قوله «بنو الأعيان من الإخوة» فهو لا يلائم ذلك؛ لأنّ فيه فسّر بني الأعيان بالإخوة؛ إلّا أن يجعل قوله: «من الإخوة» بياناً للأعيان.

و بالجملة بعد تفريعه (عليه السّلام) في رواية ابن عمار أولوية عبد اللَّه و بملاحظة تفسير اللغويين «4» يعلم أنّ المراد هو تقديم المتقرّب بالأبوين

______________________________

(1) الفقيه 4: 199، 675، الوسائل 26: 183 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 13 ح 4. و فيهما: بني العلّات.

(2) في النسخ: آبائهم، و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(3) النهاية الأثيرية 3: 291 و 333.

(4) انظر الصحاح 5: 1773، لسان العرب 11: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 270

على المتقرب بالأب، فيدلّ على المطلوب.

و ضعف أسنادها بعد انجبارها بالشهرة و شهادة الصدوق في المقنع: بأنّه خبر صحيح وارد عن الأئمّة «1» غير ضائر، و مراده من الصحة هي الصحة بطريقة القدماء.

و استدل في الشرائع على ذلك تبعاً للمفيد في مثله: بأنّ المتقرب بالأبوين اجتمع فيه السببان و بالأب يتقرب بسبب واحد، و المتقرب بالسببين أحقّ من المتقرب بسبب «2». و استدل المفيد على أحقيته بآية أُولي الأرحام «3».

و لا يخفى ما فيه: أمّا أولًا، فلعدم دليل على أحقيّة المتقرّب بالسببين، و لا دلالة للآية. و أما ثانياً، فبالانتقاض بالمتقرب بالأُم، و غير ذلك.

ثمّ لا يخفى أنّه يمكن أن يستدلّ على مانعية المتقرب بالأبوين للمتقرب بالأب وحده، بمنع الأقرب للأبعد، و

المراد من الأقرب ما صدق عليه الأقرب عرفاً، سواء كان لأجل أقلية الواسطة أو لأشدية الارتباط و الانتساب، و لا شكّ أنّ المتقرب بالأبوين أقرب عرفاً و أشد ارتباطاً، بل جهة قربه إلى الميّت أيضاً أكثر من المتقرب بأحدهما فيجب حجبه له، خرج المتقرب بالأُم وحدها بالإجماع، فيبقى الباقي.

و على هذا فتكون المسألة باقية على مقتضى الأصل الثابت المخصِّص لعمومات الإرث سالمة عن المعارض، و يمكن أن يكون نظر المحقّق

______________________________

(1) لم نعثر عليه في المقنع و هو موجود في الفقيه 4: 212.

(2) الشرائع 4: 26.

(3) المقنعة: 693.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 271

و المفيد إلى ذلك أيضاً.

المسألة السابعة: إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الأُم و كلالة الأبوين

، فلكلالة الام السدس مع الوحدة، و الثلث مع التعدد، و الباقي لكلالة الأبوين إجماعاً إن كانت غير ذات فرض، بأن كانت ذكراً، أو ذكراً و أُنثى .

و الدليل عليه بعد الإجماع قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه المتقدم ذكره، و أنّ كلالة الأبوين بمنزلة قريبة إذا لم تكن ذات فرض دون كلالة الأُم لكونها ذات فرض؛ فإنّ الأخبار المصرّحة بأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به «1» مخصوصة بذي رحم (لم يكن) «2» له فريضة، إذ معها لا معنى للتنزيل، و قد صرّح بذلك الاختصاص في بعض تلك الأخبار أيضاً.

و على هذا فيلزم أن يكون تمام المال لكلالة الأبوين؛ لأنّه بمنزلة الأب و الأُم، و كلالة الام لا يرث معه، خرج السدس أو الثلث بالإجماع و النصّ، فيبقى الباقي.

و إن كانت كلالة [الأبوين «3»] ذات فرض فإن لم تزد التركة عن فرضها و فرض كلالة الام، كأُختين للأبوين و الإخوة و الأخوات للُام فلا إشكال.

و إن زادت التركة فيأخذ كل ذي فرض فرضه. و هل

يردّ الزائد على كلالة الأبوين خاصّة؟

أو يردّ عليهما على قدر نصيبهما، فيردّ أخماساً إذا كان أخ أو أُخت

______________________________

(1) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.

(2) ما بين القوسين ليس في «س».

(3) في النسخ: الأب، و الظاهر هو سهو.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 272

لأُم و أُختان فصاعداً للأبوين، أو كان إخوة أو أخوات لأُمّ و أُخت للأبوين؛ و أرباعاً إذا كان أخ أو أُخت للأُم و أُخت للأبوين؟

الأوّل هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه عامّة المتأخرين، بل سوى الفضل و العماني كما في الكفاية «1»، و في السرائر «2» بل في كلام جماعة كما في المسالك «3» بل في كلام أكثر علمائنا كما في المختلف: الإجماع عليه «4»، و هو الحقّ.

و الثاني للفضل «5»، و العماني «6».

لنا: قول علي (عليه السّلام) في رواية العبدي التي شهد الفضل بصحتها كما مرّ: «و لا تزاد الإخوة من الام على الثلث» «7».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه المتقدم «8».

و قول الصادق (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن مسلم و غيرها «9»، مشيراً إلى كلالة الأبوين و الأب «فهم الذي يزادون و ينقصون» الدال على الحصر.

______________________________

(1) الكفاية: 298.

(2) السرائر 3: 260.

(3) المسالك 2: 327.

(4) المختلف: 738.

(5) حكاه عنه في الكافي 7: 106.

(6) حكاه عنه في المختلف: 738.

(7) راجع ص: 263.

(8) في ص: 266.

(9) راجع ص: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 273

و يؤكد ذلك قول الكليني في باب بيان الفرائض: و الإخوة و الأخوات من الام لا يزادون على الثلث و لا ينقصون عن السدس، و الذكر و الأُنثى فيه سواء، و هذا كلّه مجمع عليه «1»، انتهى .

و قد يستدل على المطلوب: بأنّ كلالة الأبوين

يتقرب بسببين دون كلالة الأُم، فتكون وصلته أقوى، فهو أولى بالردّ «2».

و فيه نظر، إلّا أن يكون مراده أنّ التقرب بالسببين يوجب الأقربيّة عرفاً، فيمنع المتقرب بالسبب الواحد، خرج فرضه بالدليل، فيبقى الباقي تحت المنع، و له وجه.

و لم أعثر للمخالف على حجة سوى ما يتوهّم من التساوي في القرب و عدم أولوية البعض.

و فيه: أنّ عدم الأولوية ممنوع، فإنّ النّص يفيد أولوية البعض.

و يمكن أن يحتجّ له بما احتجّوا به على الردّ على البنتين و أحد الأبوين من رواية بكير المتقدّمة في مسألة ميراث أحد الأبوين و البنتين، و وجه الاستدلال و الجواب ما مرّ فيها «3».

المسألة الثامنة: إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الأُم و كلالة الأب خاصّة

، فلكلالة الام السدس مع الوحدة، و الثلث مع التعدّد، و الباقي لكلالة الأب إجماعاً، إن كانت غير ذا فرضٍ؛ لمثل ما مرّ في كلالة الأبوين.

و إن كانت ذا فرضٍ فلا إشكال مع عدم زيادة التركة على الفرائض

______________________________

(1) الكافي 7: 74.

(2) انظر السرائر 3: 260، و المفاتيح 3: 326.

(3) راجع ص: 176 177، و لا يخفى أنه (رحمه اللَّه) لم يجب عن الاستدلال بتلك الرواية في مسألة اجتماع أحد الأبوين مع البنتين، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 274

أيضاً، و معها فيأخذ كلّ ذي فرض فرضه. و الزائد يردّ على كلالة الأب خاصّة، وفاقاً للشيخين و الصدوق و القاضي و التقي و ابن حمزة و نجيب الدين «1» و الفاضل في بعض كتبه «2» و أكثر المتأخرين كما في المسالك و الكفاية «3»، لأعلى الكلالتين أرباعاً أو أخماساً كما اختاره الشيخ في المبسوط و الإسكافي و الفضل و العماني و ابن زهرة و الحلّي و المحقق و الكيدري و التحرير «4»، و لا يتردّد كظاهر القواعد

«5».

لنا: أنّ النقص يدخل على كلالة الأب فيلزم أن تكون الزيادة له.

أمّا دخول النقص عليها فلما يأتي.

و أمّا لزوم كون الزيادة لمن عليه النقصان فلحسنة ابن أُذينة: قال، قال زرارة: إذا أردت أن تلقي العول «6» فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد و الإخوة من الأب، و أمّا الزوج و الإخوة من الأُمّ فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّي لهم شيئاً «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 690، الطوسي في النهاية: 638، الصدوق في المقنع: 172، القاضي في المهذب 2: 135، 136، 138، التقي في الكافي في الفقه: 372، ابن حمزة في الوسيلة: 389، نجيب الدين في الجامع للشرائع: 513.

(2) كالمختلف: 738.

(3) المسالك 2: 327، الكفاية: 298.

(4) المبسوط 4: 73، نقله عن الإسكافي و العماني في المختلف: 738، و حكاه عن الفضل في المسالك 2: 327، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، الحلّي في السرائر 3: 260، المحقق في الشرائع 4: 27 و النافع: 269، و نقله عن الكيدري في الكفاية: 298، التحرير 2: 164.

(5) القواعد 2: 172.

(6) في «ق» و «س»: القول.

(7) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 250، 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 275

وجه الدلالة: أنّها تدلّ على أنّ النقص منحصر بمن له الزيادة، فكلّ من يكون عليه النقصان يلزم أن تكون له الزيادة.

و اعترض عليه: بالنقص بالبنت مع الأبوين، فإنّ الزيادة للجميع مع أنّ النقصان ليس إلّا على البنت «1».

و أجاب في الكفاية: بأنّ الأبوين أيضاً يدخل النقص عليهما، لأنّ فريضتهما مختلفة «2».

و يرد عليه: أنّه إن أردت بدخول النقص بأن كان له فريضة أنقص من فريضة اخرى فليست

كلالة الأب كذلك، و إن أردت مطلق النقص فكلالة الام أيضاً كذلك، إذ يدخل عليهم النقص بدخول الجدّ و الجدّة للُام.

فالمراد بالنقص: اللازم عند تحقق العول كما تشعر به الحسنة أيضاً، و لا شكّ أنّ الأبوين لا يدخل عليهما هذا النقص.

و لنا أيضاً: موثقة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام): في ابن أُخت لأب و ابن أُخت لأُم قال: «لابن الأُخت للأُم السدس، و لابن الأُخت للأب الباقي» «3».

وجه الاستدلال: أنّه قد وقع التصريح في أخبار كثيرة بأنّ كلّ ذي رحم لم تكن له فريضة فهو بمنزلة قريبه، فتدلّ هذه الأخبار بعمومها أنّ ابن الأُخت للأب بمنزلة الاخت له، و قد بيّنا سابقاً و نبيّن بعد ذلك أيضاً أنّه بمنزلته في قدر الميراث، فيعلم بذلك أنّ قدر ميراث ابن الأُخت للأب هو

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 328.

(2) الكفاية: 298.

(3) التهذيب 9: 322، 1157، الإستبصار 4: 168، 637، الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 276

قدر ميراث الأُخت، فيلزم من ذلك أن يكونا متساويين في الميراث، إذ لو كان لأحدهما ما ليس للآخر لم يكن هذا بمنزلته، فإذا كان لابن الأُخت للأب الذي هو بمنزلة الأُخت له الفرض و الردّ مع ابن الأُخت للأُم الذي بمنزلة الأُخت لها فيكون كذلك الأُخت له مع الأُخت لها.

و لنا أيضاً: رواية العبدي المتقدمة «1»، و الحصر المستفاد من الصحيحة و غيرها «2»، و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة يزيد الكناسي: «و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأُمّك» «3» حيث دلّ على أولويّته منه في جميع المال، خرج المجمع عليه، فيبقى الباقي.

و المرسلة المرويّة في المجمع

و فيها: «و يصحّ اجتماع الكلالتين معاً، لتساوي قرابتهما، و إذا فضلت التركة يردّ الفاضل على كلالة الأب و الأُم، أو الأب، دون كلالة الام» «4».

احتجّ المخالف بما احتجّ به المخالف في المسألة السابقة. و الجواب الجواب.

المسألة التاسعة: إذا اجتمعت كلالة الأُم مع أحد الزوجين

، فللكلالة السدس أو الثلث، و لأحدهما النصف أو الربع، و الزائد يردّ على الكلالة دون أحدهما.

أمّا عدم الردّ على أحدهما فللإجماع، مضافاً إلى موثقة جميل عن

______________________________

(1) في ص: 265.

(2) راجع ص 261 و 262.

(3) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 4.

(4) مجمع البيان 2: 18، الوسائل 26: 65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 277

أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال: «لا يكون الردّ على زوج و لا على زوجة» «1».

و أما الردّ عليها فلبطلان التعصيب.

المسألة العاشرة: إذا اجتمعت كلالة الأب أو الأبوين مع أحدهما

، فإن لم تكن الكلالة من ذوي الفروض و هذا إذا كانت الكلالة ذكراً أو ذكراً و أُنثى فلأحدهما النصيب الأعلى، و الباقي للكلالة.

أمّا الأوّل: فبالإجماع، و الآية «2»، و الأخبار «3».

و أمّا الثاني: فبالإجماع، و عموم روايات كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، و لا شكّ أنّ الباقي لأحد الأبوين بعد فريضة الزوجين.

و إن كانت من ذوي الفروض، فإن ساوى فرضها و فرض أحدهما التركة كأن يكون هناك أُخت و زوج فيأخذ كلّ فرضه.

و إن زادت التركة عن الفروض كأُخت أو أكثر و زوجة فالزائد بعد وضع الفروض للكلالة؛ لما مرّ، و للأحاديث المصرّحة بأنّ كلالة الأب و الأبوين هم الذين يزادون و ينقصون «4».

و إن نقصت التركة عنها كأُختين و زوج، فللزوج النصف نصيبه الأعلى، و الباقي للكلالة؛ للإجماع، و الأخبار الدالة على أنّهم هم الذين ينقصون، و خصوص حسنة ابن أُذينة المتقدمة «5».

و صحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها: «و إنّ الزوج لا ينقص

______________________________

(1) التهذيب 9: 296، 1061، الإستبصار 4: 149،

563، الوسائل 26: 199 و 204 أبواب ميراث الأزواج ب 3 و 4 ح 8 و 10.

(2) النساء: 12.

(3) الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1.

(4) راجع ص: 259 و 260.

(5) في ص: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 278

من النصف شيئاً إذا لم يكن ولدٌ، و لا تنقص الزوجة من الربع شيئاً إذا لم يكن ولدٌ» «1».

و صحيحة محمد الآتية، و غير ذلك.

المسألة الحادية عشرة: إذا اجتمعت الكلالتان مع أحدهما

، فإن كانت كلالة الأب أو الأبوين غير ذات فرض بأن كانت ذكراً أو ذكراً و أُنثى كان الثلث أو السدس لكلالة الامّ، و النصف أو الربع لأحدهما، و الباقي لكلالة الأب أو الأبوين؛ لكونها بمنزلة أحد الأبوين، و هو يأخذ الباقي بعد إخراج الفروض، و لأنّهم يزادون و ينقصون.

و إن كانت ذات فرض، فإن نقصت التركة عن الفروض فيأخذ كلّ من كلالة الام و أحد الزوجين فريضته، و يدخل النقص على كلالة الأب أو الأبوين؛ لصحيحة محمّد المتقدم بعضها، و هي: إنّه قال، قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامّها و إخوتها و أخواتها لأبيها، فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام الثلث الذكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي فهو للإخوة و الأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأُنثيين، لأنّ السهام لا تعول، و لا ينقص الزوج من النصف و لا الإخوة من الام من ثلثهم، لأنّ اللَّه تعالى يقول فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ و إن كانت واحدة فلها السدس، و الذي عنى اللَّه في قوله وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ

كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ إنما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الأُم خاصة، و قال في آخر سورة النساء:

______________________________

(1) الكافي 7: 82، 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 279

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ يعني أُختاً لأُم و أب أو أُختاً لأب فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ [فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «1»] فهم الذين يزادون و ينقصون و كذلك أولادهم الذي يزادون و ينقصون. و لو أنّ امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامها و أُختيها لأبيها كان للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام سهمان، و بقي سهم فهو للُاختين للأب، و إن كانت واحدة فهو لها، لأنّ الأُختين لو كانتا أخوين لأب لم يزادا على ما بقي و لو كانت واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزد على ما بقي، و لا تزاد أُنثى من الأخوات و لا من الولد على ما لو كان ذكراً لم يزد عليه» «2».

و إن زادت التركة عن الفروض فالزائد يردّ على كلالة الأب أو الأبوين دون كلالة الأُم أو أحد الزوجين؛ لما مرّ مفصلًا.

______________________________

(1) أثبتناه من الكافي.

(2) الرواية في الكافي 7: 103، 5، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) بلفظ قريب، و بنقيصة: و لا تزاد أُنثى إلى آخره، و أيضاً في الكافي 7: 101، 3 الرواية بالنص عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير

و محمد بن عيسى عن يونس جميعاً عن عمر بن أُذينة عن بكير بن أعين و في الفقيه 4: 202، 676 أورد بعضها، و أشار إلى ذلك و إلى غيره في الوسائل 26: 154، 155 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ح 2، 3. و الرواية بسند آخر وردت في التهذيب 9: 292، 1047.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 280

البحث الثاني في ميراث الأجداد إذا لم يكن معهم إخوة
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لا يحجب الجدَّ عن الإرث أحد سوى الأبوين و الأولاد و أولاد الأولاد

؛ بالإجماع، و حديث الأقربية، و جزئيات الأخبار الواردة في مواردها، و كونه بمنزلة الأُم أو الأب.

و لا يرث معه أحد سوى الأخ و أولاده و الزوجين؛ لما مرّ.

المسألة الثانية: إذا انفرد الجد كان المال كله له

، لأب كان أو لُام، و كذا الجدة؛ للإجماع، و الأقربيّة.

و يدلُّ على الحكم في الجدة أيضاً رواية سالم بن أبي الجعد: إنّ عليّاً (عليه السّلام) أعطى الجدّة المال كلّه «1».

و في الجدّ في الجملة، صحيحة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السّلام): قال: سئل عن ابن عم وجد، قال: «المال للجدّ» «2».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «و من ترك عماً وجداً فالمال للجد» «3».

المسألة الثالثة: لو كان جدّاً أو جدة أو هما لُام، وجداً أو جدة أو هما لأب

______________________________

(1) الفقيه 4: 207، 703، التهذيب 9: 315، 1132، الإستبصار 4: 158، 599، الوسائل 26: 176 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 4: 207، 700، التهذيب 9: 315، 1131، الوسائل 26: 181 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 12 ح 2.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 189 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 281

، كان لمن يتقرب منهم بالأُم الثلث و لمن يتقرب بالأب الثلثان، في الصور التسع، الحاصلة من ضرب ثلاث صور وجود المتقرب بالأُم- الجد أو الجدة أو هما في ثلاث صور وجود المتقرب [بالأب «1»].

إجماعاً في ثلاث صور منها، و هي: صور اجتماع الجدين للُام مع الجدين أو الجد أو الجدة للأب.

وفاقاً لعلي بن بابويه و النهاية و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «2»، و عامة المتأخرين كما في المسالك «3» و غيره «4» في جميع الصور التسع، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5».

و خلافاً للفضل و العماني في صورة اجتماع الجدتين، فجعلا للجدة للُام السدس و للجدّة للأب النصف، و ردّ الباقي عليهما بالنسبة «6».

و للصدوق في صورة اجتماع الجدّ للُام مع الجدّ للأب، فجعل السدس للجد

للأُم و الباقي للجد للأب «7».

و للتقي و ابن زهرة و الكيدري في غير الصور الإجماعية جميعاً، فجعلوا للمتقرب بالأُم السدس، و بالأب الباقي «8».

______________________________

(1) في جميع النسخ: بالأُم، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) حكاه عن ابن بابويه في المختلف: 733، النهاية: 647، القاضي في المهذب 2: 142، 143، و جواهر الفقه: 166، الحلي في السرائر 3: 259، ابن حمزة في الوسيلة: 392.

(3) المسالك 2: 327.

(4) كما في الرياض 2: 356.

(5) الخلاف 4: 88.

(6) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 116، حكاه عن العماني في المختلف: 733.

(7) الهداية: 84.

(8) التقي في الكافي في الفقه: 371، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، حكاه عن الكيدري في المختلف: 733.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 282

لنا على الحكم في صورة اجتماع الجد للأب و الجد للُام: قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك جدّاً من قبل الأب وجداً من قبل الام فللجد من قبل الام الثلث، و للجد من قبل الأب الثلثان» «1».

و في صورة اجتماع جد الأب مع جدة الأُم (و جدة الأب مع جدة الأُم) «2» موثقة محمد بن مسلم: «إذا لم يترك الميت إلّا جده أبا أبيه وجدته أُم امّه فإنّ للجدة الثلث، و للجد الباقي» قال: «و إذا ترك جده من قبل أبيه وجد أبيه و جدّته من قبل امّه و جدة امّه كان للجدة من الام الثلث و سقطت جدّة الأُم، و الباقي للجدّ من قبل الأب و سقط جدّ الأب» «3».

و في صورة اجتماع الجدود الأربعة: قول الرضا (عليه السّلام): «فإن ترك جدّين من قبل الام و جدّين من قبل الأب فللجدّ و الجدّة من قبل الام الثلث بينهما بالسوية،

و ما بقي فللجدّ و الجدّة من قبل الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «4».

و في جميع الصور: الأخبار المصرحة بأنّ لكل قريب أو كل من ليس له فريضة نصيب من يتقرب به، كصحيحتي سليمان بن خالد و الخزاز المتقدمتين في مسألة ميراث أولاد الأولاد «5»، و مرسلة يونس عن

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 290، مستدرك الوسائل 17: 183 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 2.

(2) الظاهر أنّ ما بين القوسين زائد، و لكنّه موجود في جميع النسخ.

(3) التهذيب 9: 313، 1124، الإستبصار 4: 165، 625، الوسائل 26: 176 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 9 ح 2.

(4) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 290، مستدرك الوسائل 17: 183 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 2.

(5) راجع ص: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 283

أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال: «إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه» «1».

و لا ريب أنّ الجد و الجدة من الام يتقرب بالأُم، فيكون لهما نصيبها، و هو الثلث.

لا يقال: إنّ هذه الأخبار إنّما تدلّ على أنّ لكلّ واحد من ذوي الأرحام نصيب من يتقرّب به، و يلزم منه ثبوت الثلث لكلّ واحد من الجدّ و الجدّة للُام لا الثلث لهما معاً، فلا يتمّ الاستدلال بها على ثبوت الثلث في صورة اجتماعهما، نعم يتمّ الاستدلال في صورة الانفراد.

لأنّا نقول: إنّ المراد أنّ كلّ نوع بمنزلة من يتقرّب به لا كلّ شخص، لفهم العلماء، و الإجماع على عدم إرادته، بل عدم صحّة إرادته، إذ قد يجتمع مائة من كلالة الام مع مثلهم من كلالة الأب أو أقلّ، و إعطاء

كلّ منهم نصيب من يتقرّب به محال.

ثمّ إنّه اعترض على الاستدلال بهذه الأخبار: بأنّه كما أنّ الثلث نصيبها فكذلك السدس، فترجيح الأوّل على الثاني يحتاج إلى مرجّح «2».

و أجيب بمنع كون السدس نصيبها الأصلي بل هو الثلث، و إنما السدس نصبها بالحاجب، و اللازم ثبوت النصيب الأصلي الذي هو الثلث «3».

و فيه: منع كون الثلث نصيبها الأصلي، بل لها نصيبان أصليّان أحدهما الثلث، و هو عند عدم الإخوة، و الآخر السدس، و هو عند وجودهم، و على

______________________________

(1) الكافي 7: 77، 3، التهذيب 9: 269، 978، الإستبصار 4: 170، 641، الوسائل 26: 69 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 3.

(2) الرياض 2: 356.

(3) الرياض 2: 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 284

التسليم فترجيح الأصلي يحتاج إلى دليل.

فالصواب أن يجاب: بأنّ للأُم نصيبين، أحدهما عند وجود الإخوة الحاجبة، و الآخر عند عدمهم، فليكن الجدّ أو الجدّة المتقرّب بها أيضاً كذلك؛ و لكن الإخوة الحاجبة مع الجدّ أو الجدّة مفقودة، لأنّ لحجب الإخوة شروطاً منصوصة، منها حياة الأب، حيث نصّ بأنّ حجبهم إذا كان الأب حيّاً، و الأب هاهنا ليس بحيٍّ، فالشرط مفقود، فيرث نصيبها عند عدم الإخوة الحاجبة.

فإن قيل: الجدّ أو الجدّة للأب يكون حينئذ بمنزلة الأب، فتكون الإخوة حاجبة.

قلنا: الثابت إنّما هو كون الجدّ أو الجدّة للأب بمنزلته في قدر الميراث، و أمّا في كلّ حكم حتّى في ذلك فهو ليس بمعلوم، فيكون وجود شرط الحجب مشكوكاً فيه فكذلك المشروط. و أيضاً: عموم مفهوم الشرط في قوله: «إذا كان الأب حيّاً» يقتضي عدم الحجب للأُم إذا لم يكن حيّاً، و حينئذ ليس بحيّ، و قيام الجدّ مقامه غير ثابت، فيكون لها الثلث فكذلك لمن يتقرّب

بها.

فإن قيل: كون الجدّ بمنزلة الأب في قدر الميراث كافٍ في إثبات المطلوب؛ لأنّ ميراثه مع الإخوة ما عدا السدس فكذلك الجد، و يتبعه كون السدس للمتقرّب بالام.

قلنا: ميراثه مع الإخوة الحاجبة السدس، و حجب الإخوة هنا غير معلوم، إلّا بتنزيله الجدّ الأبي منزلة الأب في هذا الحكم أيضاً.

و لم أعثر للمخالف على حجة واضحة.

نعم قد يتوهّم أنّ رواية محمد بن حمران عن زرارة: قال: أراني

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 285

أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صحيفة الفرائض فإذا فيها: «لا ينقص الجد من السدس شيئاً» و رأيت سهم الجدّ فيها مثبتاً «1». ممّا يمكن أن يستدلّ بها على مذهب التقيّ و موافقيه.

وجه الاستدلال: أنّ المراد بالجدّ ليس الجدّ للأب، لأنّه إذا كان مع إخوة كان كأحدهم فيمكن أن ينقص من السدس كثيراً، و أُلحقت به الجدّة، لأنّ نصيب الانثى لا يكون أزيد من الذكر إذا كانت مقامه.

و هو ضعيف: أمّا أولًا، فلعدم دلالتها على مطلوبهم أصلًا، لأنّه لا ينفي الزيادة عن السدس. نعم يستفاد منه كونه نصيبه في بعض الأحيان، و هو كذلك، فإنّه إذا اجتمع مع الجدّة للأُم فلهما الثلث بالسويّة لكلّ منهما السدس، أ لا ترى الأخبار المتكثّرة الناصّة على أنّ نصيب الأبوين لا ينقص من السدس أبداً و نصيب الزوجين من الربع و الثمن كذلك، مع أنّه يزيد عليها أيضاً.

و أمّا ثانياً، فلأنّ حمل الجدّ على الأُمّي لكون الأبي كأحد الإخوة إنّما يصحّ إذا لم يكن من مذهب المستدلّ أنّ الأُمي أيضاً كأحد الإخوة من الام، مع أنّه يقول بذلك.

و قد ينتصر لهم أيضاً بالأخبار المنزِّلة للأجداد منزلة الإخوة، و الأخ الواحد من الام نصيبه السدس، فليكن كذلك الجدّ المنزَّل

منزلته، عملًا بعموم المنزلة.

و فيه أولًا: أنّ الثابت من تلك الأخبار كون الجدّ بمنزلة واحد من الإخوة إذا اجتمع معهم لا مطلقاً، و لا دلالة في شي ء منها على الإطلاق. و بذلك

______________________________

(1) التهذيب 9: 306، 1095، الإستبصار 4: 158، 597، الوسائل 26: 170 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 286

صرّح الصدوق في الفقيه في جملة كلامه في الردّ على الفضل فيما قال به من أنّ الجدّ بمنزلة الأخ أبداً يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط ما لفظه: فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ أبداً و كيف يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط؟ بل الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحد منهم، فأمّا أن يكون أبداً بمنزلتهم يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط الأخ فلا «1»، انتهى .

و ثانياً: أنّا لو سلّمنا عدم التقييد، فعموم المنزلة ممنوع، لأنّ التنزيل لو أفاد العموم فإنّما يفيد لو لم يبيّن وجه كونه بمنزلته، و جميع الأخبار المنزِّلة مبيّنة لوجه المنزلة أيضاً، فلا يثبت العموم.

ثمّ إنّ الثلث الذي يحوزه المتقرّب بالأُم ينقسم بين الجدّ و الجدّة للُام حين اجتماعهما بالسويّة، و الثلثين الذين يحوزها المتقرّب بالأب ينقسم بين الجدّ و الجدّة للذّكر مثل حظّ الأُنثيين مع اجتماعهما، بالإجماع فيهما، و قال في الكفاية: و لا أعرف في الحكمين خلافاً «2».

و تدلّ عليهما المرسلة المرويّة في المجمع المتقدّمة «3» و الرضوي المتقدّم «4» المنجبران بعمل الأصحاب؛ مع كون الحكم في المتقرّب بالأب موافقاً للأصل الثابت بالأحاديث المستفيضة من الصحاح و غيرها، من تفضيل الذكر على الأُنثى ؛ مضافاً إلى الإجماع المحقّق في الحكمين.

و أمّا الاستدلال بالتسوية في المتقرّب بالأُم بأنّه مقتضى الشركة حيث

______________________________

(1) الفقيه

4: 208.

(2) الكفاية: 298.

(3) في ص: 262.

(4) في ص: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 287

أُطلقت، فضعيف كما مرّ «1».

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجدّ و الجدّة من الأب أو من الام

كان المال لهما، و يقتسمان الأوّلان للذّكر ضعف الأُنثى ، و الثانيان سويّة، و الدليل في الكلّ يظهر ممّا مرّ.

المسألة الخامسة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأُم أو من قبل الأب

، كان لأحد الزوجين نصيبه الأعلى من النصف أو الربع، و الباقي للباقي واحداً كان أو متعدّداً.

و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع كون الجدود بمنزلة الأب أو الأُم، و لكلّ منهما الباقي بعد نصيب أحد الزوجين.

و تدلّ عليه أيضاً في الجملة رواية أبي بصير: عن زوج و جدّ، قال: «يجعل المال بينهما نصفين» «2».

و إذا اجتمع أحدهما مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب، و الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الام، كان لأحدهما نصيبه الأعلى و للمتقرّب بالأُم الثلث واحداً كان أو متعدّداً، و الباقي للمتقرّب بالأب.

و الدليل عليه بعد الإجماع أنّ المتقرّب بالأُم بمنزلة الأُم و بالأب بمنزلة الأب، و هكذا حكمهما إذا اجتمعا مع أحد الزوجين.

______________________________

(1) راجع ص: 263 و 264.

(2) التهذيب 9: 315، 1129، الوسائل 26: 180 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 288

البحث الثالث في ميراث الإخوة و الأجداد إذا اجتمعوا
اشاره

اعلم أولًا أنّ الجدودة المجتمعة مع الكلالة إمّا يكون المتقرّب بالأُم أو الأب أو يجتمع المتقرّبان، ثمّ الكلالة إمّا تكون كلالة الأُم أو الأب أو تجتمع الكلالتان، ثمّ كلّ من الكلالات إمّا يكون واحداً أو متعدّداً، ذكراً أو أُنثى، أو ذكوراً و إناثاً، و بملاحظة هذه الأقسام تحصل صور غير محصورة تتجاوز عن المائة.

و نحن نبيّن أحكام الجميع في تسع مسائل، و نتبعها بمسألة في حكم دخول أحد الزوجين مع الجدودة و الكلالة، فتلك عشرة كاملة.

المسألة الأُولى : إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الام مع كلالتها

، واحدة كانت أو متعدّدة، ذكراً أم أُنثى أم ذكراً و أُنثى ، فالمال كلّه لهم بالسويّة، بمعنى أنّ الجدّ أو الجدّة بمنزلة واحد من الكلالة.

أمّا كون المال كلّه لهم فوجهه ظاهر.

و أمّا الانقسام بالسويّة فللإجماع المحقّق، و مرسلة المجمع المتقدّمة «1».

و موثقة أبي بصير: في ستّة إخوة و جدّ، قال: «للجدّ السبع» «2».

و صحيحته: رجل مات و ترك ستّة إخوة و جدّاً، قال: «هو كأحدهم» «3».

______________________________

(1) في ص: 262.

(2) الكافي 7: 110، 5، الفقيه 4: 207، 698، التهذيب 9: 304، 1084، الإستبصار 4: 156، 586، الوسائل 26: 168 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 15.

(3) الفقيه 4: 207، 697، الوسائل 26: 165 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 289

و روايته: في رجل ترك خمسة إخوة و جدّاً، قال: «هي من ستّة، لكلّ واحد منهم سهم» «1».

و غيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون «2».

و تلك الأخبار بإطلاقها تُثبت حكم الجدّ مع الإخوة فقط.

و أمّا صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك أخاه لأُمّه لم يترك وارثاً غيره، قال: «المال له» قلت: فإن كان مع الأخ للأُم جدّ، قال: «يعطى الأخ

للأُم السدس، و يعطى الجدّ الباقي» الحديث «3».

فمحمولة على الجدّ للأب، لمكان الإجماع.

المسألة الثانية: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة من قبلها مع كلالة الأب

، فإن كانت الكلالة ممّن يرث بالقرابة دون الفريضة كالذكر أو الذكر و الأُنثى، فالثلث للجدّ أو الجدّة أو هما بالسويّة، و الثلثان للكلالة، للذّكر ضعف الأُنثى .

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    289     المسألة الثانية: إذا اجتمع الجد أو الجدة من قبلها مع كلالة الأب ..... ص : 289

ّا كون الثلث للجدّ أو الجدّة، و الثلثان للكلالة، فللأصل الثابت بالمستفيضة من الأخبار من أنّ لكلّ قريب ليس له فريضة نصيب من يتقرّب به. و أمّا تقسيم الجدّ و الجدّة سويّة فلما مرّ. و أمّا تقسيم الكلالة على التفاوت فللآية «4»، و تفضيل الذكر على الأُنثى ، و الروايات المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 7: 110، 6، التهذيب 9: 304، 1085، الإستبصار 4: 156، 587، الوسائل 26: 168 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 16.

(2) كما في الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6.

(3) الكافي 7: 111، 1، الفقيه 4: 206، 688، التهذيب 9: 307، 1096، الإستبصار 4: 159، 600، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 1.

(4) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 290

و أمّا الأخبار الآتية الدالّة بإطلاقها على أنّ مطلق الجدّ كواحد من الإخوة للأب «1»، فمحمولة على الجدّ للأب.

و الأخبار الدالّة على أنّ مطلقه كواحد من الإخوة مطلقاً «2»، فمحمولة على أنّ الجدّ للأب كواحد من الإخوة له، و الجدّ للُام كواحد من الإخوة لها.

و الدليل على هذا الحمل هو الإجماع، فإنّه لا خلاف في أنّ الجدّ للُام ليس كالأخ للأب و بالعكس. و يؤيّده تفسير الجدّ في بعضها

بالجدّ للأب «3».

و إن كانت الكلالة ممّن له فريضة، و هو إذا كانت أُنثى، فإن كانت أكثر من واحد فللجدّ أو الجدّة أو هما نصيب من يتقرّبان به، و للكلالة فريضتها «4»، فيكون للجدّ أو الجدّة الثلث أيضاً و للكلالة الثلثان. و الدليل على إعطائه الثلث ما مرّ. و على إعطائها الثلثين كونهما فريضتها «5» بالآية.

و إن كانت واحدة فللجدّ أو الجدّة الثلث أيضاً، لأنّه نصيب من يتقرّبان به، و للكلالة النصف لأنّه فريضتها، بقي السدس فيردّ عليها، وفاقاً للنهاية و القاضي و نجيب الدين بن نما و الدروس و النكت و ظاهر الإيضاح «6». لا عليهما بنسبة سهامهما، فيردّ عليهما أخماساً كما نقل عن ابن زهرة

______________________________

(1) انظر ص: 297.

(2) انظر ص: 297.

(3) الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6.

(4) في «س» و «ق»: فريضتهما.

(5) في «س»: كونهما فريضتهما.

(6) النهاية: 638، القاضي في المهذّب 2: 136، و حكاه عن نجيب الدين في الرياض 2: 357، الدروس 2: 369، الإيضاح 4: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 291

و الكيدري «1». و لا يستشكل كالقواعد و التحرير في الأُخت للأب خاصّة دون الاخت للأبوين «2».

لنا: رواية بكير بن أعين: «أصل الفرائض عن ستّة أسهم لا تزيد على ذلك و لا تعول عليها، ثمّ المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب» «3».

و الأُخت من أهل السهام المذكورة فيه دون الجد.

و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «4»، مشيراً إلى كلالة الأب: «فهم الذين يزادون و ينقصون» فيدلّ بمفهوم الحصر على أنّ غيرهم ممّن يجتمع معهم لا يزاد و لا ينقص مطلقاً، سواء كان الجدّ أو الجدّة للأُم

أو كلالتهما.

و الإشارة و إن كانت صالحة لكونها راجعة إلى الإخوة من الأب رجالًا و نساءً فكان الحكم مختصّاً بهم دون الأخت للأب، بل رجوعها إليهم أولى من الرجوع إلى الجميع كما بيّن في محله.

إلّا أنّ تصريح غيرها من الأخبار بحصول الزيادة و النقصان للأخوات المتقرّبات بالأب أو الأبوين قرينة على رجوعها إلى الجميع، كحسنة ابن أُذينة: قال، قال زرارة: إذا أردت أن تلقي العول فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد و الإخوة من الأب «5» الحديث.

______________________________

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، حكاه عن الكيدري في الرياض 2: 357.

(2) القواعد 2: 173، التحرير 2: 165.

(3) الكافي 7: 81، 7، الوسائل 26: 73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.

(4) في ص: 276.

(5) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 250، 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 292

و رواية عبد اللَّه بن عتبة «1»، عن ابن عبّاس، و فيها: «و الأخوات لها النصف و الثلثان، فإن أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلّا ما بقي، فتلك التي أخّر» «2».

و رواية موسى بن بكر: قال، قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إنّ الإخوة للأب و الأخوات للأب و الأُم يزادون و ينقصون» إلى أن قال: فقال زرارة: و هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه «3».

و صحيحة بكير بن أعين: قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السّلام) يسأله عن امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامّها و أُختها لأبيها، فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم و للإخوة من الام الثلث سهمان، و للأُخت من الأب السدس سهم» «4».

و

تعضده صحيحة محمّد بن مسلم: قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن ابن أُخت لأب و ابن أُخت لأُم، قال: «لابن الأُخت من الام السدس، و لابن الأُخت من الأب الباقي» «5».

فجعل الزيادة لمن هو بمنزلة الأُخت من الأب فكذلك الأُخت نفسها.

بقي هاهنا شي ء و هو أنّه قد يتوهّم أنّ كلّاً من الزيادة و النقصان لكونه

______________________________

(1) في المصادر: عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة.

(2) الكافي 7: 79، 3، الفقيه 4: 187، 656، التهذيب 9: 248، 963، العلل: 568، 4، الوسائل 26: 78 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 6.

(3) الكافي 7: 104، 7، التهذيب 9: 319، 1148، الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 2 ح 2.

(4) الكافي 7: 102، 4، الفقيه 4: 202، 677، التهذيب 9: 291، 1046، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 9: 322، 1157، الإستبصار 4: 168، 637، الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 11، و قد ذكرها أيضاً في ص 273 بعنوان الموثقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 293

أمراً نسبيّاً لا بدّ له من حدّ ينتسب إليه، و لا شي ء هنا يصلح لذلك إلّا الفريضة، فيكون المعنى : فهم الذين قد يزادون من فروضهم و قد ينقصون، دون غيرهم؛ و لا بدّ من تخصيص الغير بذوي الفروض أيضاً حتّى يتصوّر في حقّهم الزيادة و النقصان فيصح نفيهما، و السلب مع انتفاء الموضوع و إن كان جائزاً إلّا أنّه مجاز. و على هذا فلا يثبت عدم الردّ على الجدّ و الجدّة بذلك، لعدم كونهما من ذوي الفروض حتى يشملهما عموم مفهوم الحصر.

و هذا توهّم فاسد؛ لأنّ

قوله (عليه السّلام): «فهم» إشارة إلى الإخوة من الأبوين أو الأب أيضاً قطعاً، مع أنّهم ليسوا من ذوي الفروض، فمعنى قوله (عليه السّلام): «هم الذين يزادون و ينقصون» أنهم هم الذين ليس لميراثهم حدّ خاصّ يقف لديه كالثلث أو السدس أو غيرهما، بل يزاد مرة على مرة و ينقص مرّة عنها، أي يحصل في ميراثه الزيادة و النقصان، فتارة يكون لهم تمام المال، و أُخرى نصفه، و أُخرى ثلثه، و أُخرى سدسه، و هكذا، بخلاف غيرهم من الذين في مرتبتهم، فإنّ لميراثهم حدّا خاصّاً، لا يزاد عليه و لا ينقص منه، فالجدّ لا بدّ أن يكون كذلك، أي يكون له حدّ خاصّ لا يزاد عليه و لا ينقص منه، و قد ثبت الثلث له في بعض الصور فيكون كذلك هاهنا أيضاً.

و مما يمكن أن يستدل به على أصل المطلوب أيضاً: قول عليّ (عليه السّلام) في صحيحة سليمان بن خالد: «إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحقّ بالمال» «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 77، 2، التهذيب 9: 269، 977، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 294

دلّت على أنّ الأُخت للأب أو الأبوين التي لها الفريضة أحقّ بجميع المال، خرج الثلث بالدليل فيبقى الباقي.

و احتجّ في الإيضاح «1» على المطلوب برواية محمد بن مسلم.

و يمكن أن يكون مراده منها الصحيحة الأُولى التي فيها قوله: «فهم الذين يزادون و ينقصون» «2».

و أن يكون مراده الأخيرة التي وردت في ميراث ابن الأُخت للأُم و ابن الاخت للأب، حيث جعل لابن الأُخت للأب الذي هو بمنزلة الأُخت النصف و الردّ، مع ابن الأُخت للأُم الذي هو المتقرّب بالأُم كالجدّ.

و في تماميتها

نظر واضح.

و احتجّ المخالف بتساويهما في درجة اولي الأرحام التي هي سبب في الردّ، و عدم أولويّة أحدهما، فيتساويان في مطلق الردّ، لكن على نسبة النصيبين.

و فيه: منع عدم الأولويّة، و لو سلّم فإيجابه للردّ عليهما ممنوع، كما مرّ نظيره «3».

و أمّا الاستشكال في الأُخت للأب خاصّة دون الأُخت للأبوين، فيمكن أن يكون لأجل تقرّب الأخيرة بسببين فيكون أكثر تقرّباً و أشدّ سبباً من الجدّ أو الجدّة للُام، فتحصل لها أولويّة بخلاف الاولى .

و فيه ما فيه.

المسألة الثالثة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبلها مع الكلالتين

،______________________________

(1) الإيضاح 4: 221.

(2) راجع ص: 276 و 277.

(3) راجع ص: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 295

فللجدّ أو الجدّة أو هما مع كلالة الأُم الثلث للذّكر مثل الأُنثى ، و لكلالة الأب الثلثان للذّكر ضعف الأُنثى .

أمّا تقسيم أقرباء الأُم نصيبهم سويّة و أقرباء الأب بالتفاوت فلما مرّ.

و أمّا التقسيم أثلاثاً فللإجماع، و كون كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم التي يجره إليه، و قد عرفت أنّ المراد أنّ كلّ نوع من ذوي الأرحام كذلك، فنوع أقرباء الأُم يأخذون نصيبها، و نوع أقرباء الأب نصيبه.

فإن قيل: المراد من قوله: «كلّ ذي رحم» كلّ نوع لم تكن له فريضة خاصّة، و إلّا فيأخذ فريضته، و كلالة الأُمّ في مسألتنا من ذوي الفروض، فليست المسألة داخلة في عموم قوله: «كلّ ذي رحم».

قلنا: النوع في المسألة هو كلالة الأُمّ مع الجدودة من قبلها، لا الكلالة منفردة، و ليست للجميع فريضة، و كون البعض ذا فرضٍ لا يوجب كون الجميع كذلك.

فإن قيل: يلزم أن يكون نصيب المركب من ذوي الفروض و غيره مساوياً لنصيب ذي الفرض وحده.

قلنا: لا استبعاد فيه، بل قد يصير أقلّ، كما في بنت و أخ «1»؛ و سببه انتفاء الفريضة

حينئذ و كون التوريث بالقرابة، فيمكن أن يكون توريث كلالة الأُم بدون الجدودة بالفرض و معهم بالقرابة.

فإن قيل: الخروج عن الفرض بعد ثبوته إلى القرابة يحتاج إلى دليل.

قلنا: الدليل بعد الإجماع عموم قوله: «كلّ ذي رحم».

فإن قيل: هذا العموم معارض بإطلاق قوله تعالى وَ لَهُ أَخٌ أَوْ

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الظاهر هو سهو، لأنهما ليسا في طبقة واحدة، فلا يرث الأخ مع وجود البنت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 296

أُخْتٌ «1» و قوله فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ «2» و ليس لتقييد هذا مرجّح على تخصيص ذلك.

قلنا: الإجماع يرجّحه.

فإن قيل: روى ابن أُذينة في الحسن، عن زرارة أنه قال: «إذا أردت أن تلقي العول فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد و الإخوة من الأب، و أمّا الزوج و الإخوة من الأُم فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّي لهم شيئاً» «3».

و روى محمّد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السّلام): أنّه قال، قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): امرأة ماتت و تركت زوجها و إخوتها لُامّها و إخوتها و أخواتها لأبيها فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام الثلث، الذكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي فهو للإخوة و الأخوات من الأب، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، لأنّ السهام لا تعول، و لا ينقص الزوج من النصف و لا الإخوة من الامّ من ثلثهم» الحديث «4».

و جَعْل الثلث للجدودة و الكلالة للُام معاً يوجب حصول النقص على الكلالة من الثلث.

قلنا أوّلًا: إنّه خرج صورة المسألة عن عموم الحديثين بالإجماع.

و ثانياً: إنّه لا عموم في الرواية الأُولى بحيث كان شاملًا لما نحن فيه أصلًا، لأنّه قال: «إذا أردت أن

تلقي العول فلا تنقص الإخوة من الام»

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 12

(3) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 250، 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 1.

(4) الكافي 7: 103، 5، التهذيب 9: 292، 1047، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 297

و نحن نقول به، و لا عول هاهنا. و أمّا الثانية و إن كان ظاهرها العموم إلّا أنّها مختصة بصورة العول بقرينة المقام، و يشهد لذلك قوله: «و لا ينقص الزوج من النصف» فإنّه ينقص عنه مع وجود الولد قطعاً، و المراد أنّه لا ينقص بسبب العول.

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب مع كلالة الأُم

، كان الثلث للكلالة، يقتسمونه بالسويّة إن كانوا أكثر من واحدة، و السدس إن كانت واحدة، و الباقي للجدّ أو الجدّة أو هما، للذّكر ضعف الأُنثى .

و الدليل: أمّا على كون الثلث للكلالة مع التعدّد و الثلثين لقرابة الأب جدّاً كانت أو جدّة أو هما فالإجماع، و كون الثلث ما يورثه الكلالة بالفرض للآية، و الثلثين ما يورثه قرابة الأب بالقرابة لأخبار المنزلة «1».

و يدلّ على هذا التقسيم إن كانت القرابة جدّاً مضافاً إلى ما ذكر، الروايات المستفيضة، كموثقة الحلبي: «للإخوة من الام الثلث مع الجدّ، و هو شريك الإخوة من الأب» «2».

و صحيحة الحلبي: في الإخوة من الام مع الجدّ، قال: «للإخوة من الام فريضتهم الثلث مع الجدّ» «3».

______________________________

(1) إنّما خصصنا التوريث بالمنزلة بالقرابة دون الكلالة، لاختصاصه بمن لم يستحق له فريضة. (منه (رحمه اللَّه)).

(2) الفقيه 4: 205، 687، الوسائل 26: 175 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 9.

(3) الكافي 7: 112، 7، التهذيب 9: 308، 1102، الإستبصار 4: 160،

606، الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 298

و مثلها روايتا الشحّام «1»، و الكناني «2».

و رواية أبي الربيع: «في كتاب عليّ صلوات اللَّه عليه: إنّ الإخوة من الام يرثون مع الجد الثلث» «3».

و صحيحة الحلبي: في الإخوة من الام مع الجدّ، قال: «للإخوة من الام مع الجدّ نصيبهم الثلث مع الجدّ» «4».

و موثقة أبي بصير: «اعطي الأخوات من الام فريضتهنّ مع الجدّ» «5».

و أمّا على كون السدس للكلالة مع الوحدة و الباقي للقرابة جدّاً كانت أو جدّة أو هما: الإجماع، و كون قرابة الأب بمنزلة الأب فيرث الجميع مع عدم الولد، خرج السدس بالآية، فيبقى الباقي.

و يدلّ على هذا التقسيم إن كانت القرابة جدّاً مضافاً إلى ما ذكر صحيحة ابن سنان المتقدّمة في المسألة الاولى «6».

المسألة الخامسة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب مع كلالته

كان الجدّ بمنزلة الأخ و الجدّة بمنزلة الأُخت يقتسمون المال للذّكر مثل حظّ

______________________________

(1) الكافي 7: 112، 6، التهذيب 9: 308، 1101، الإستبصار 4: 160، 605، الوسائل 26: 174 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 7.

(2) الكافي 7: 111، 2، الفقيه 4: 206، 689، التهذيب 9: 307، 1097، الإستبصار 4: 159، 601، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 2.

(3) الفقيه 4: 206، 690، الوسائل 26: 175 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 10.

(4) الكافي 7: 112، 5، التهذيب 9: 308، 1100، الإستبصار 4: 160، 604، الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 3.

(5) الكافي 7: 111، 4، التهذيب 9: 307، 1099، الإستبصار 4: 159، 603، الوسائل 26: 174 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8

ح 6.

(6) في ص: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 299

الأُنثيين.

و الدليل على ذلك بعد الإجماع: حسنة الفضلاء: «إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا» قال، قلت: رجل ترك أخاه لأبيه و أُمّه و جدّه، أو قلت: ترك جدّة و أخاه لأبيه أو أخاه لأبيه و أُمّه، قال: «المال بينهما، فإن كانا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من الإخوة» قال، قلت: رجل ترك جدّه و أُخته، فقال: «للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و إن كانتا أُختين فالنصف للجدّ و النصف الآخر للأُختين، و إن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، و إن ترك إخوة و أخوات لأب و أُم أو لأب و جدّاً فالجدّ أحد الإخوة، المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «1».

و صحيحة زرارة: عن رجل ترك أخاه لأبيه و أُمّه و جدّه، قال: «المال بينهما، و لو كانا أخوين أو مائة كان الجدّ معهم كواحد منهم، للجدّ ما يصيب واحداً من الإخوة» قال: «و إن ترك أُخته فللجدّ سهمان، و للأُخت سهم، و إن كانتا اختين فللجدّ النصف و للأُختين النصف» قال: «و إن ترك إخوة و أخوات من أب و أُمّ كان الجدّ كواحد من الإخوة، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك إخوة و أخوات من أب و أُم و جدّ، قال: «الجدّ كواحد من الإخوة، المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 109، 2، التهذيب 9: 303، 1081، الإستبصار 4: 155، 583، الوسائل 26: 165 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 9.

(2) الكافي 7: 110، 8، الفقيه 4: 206، 694، التهذيب 9:

305، 1087، الإستبصار 4: 156، 589، الوسائل 26: 167 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 13.

(3) الفقيه 4: 207، 699، الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 300

و صحيحة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السّلام): في رجل مات و ترك امرأته و أُخته و جدّه، قال: «هذه من أربعة أسهم للمرأة الربع، و للأُخت سهم، و للجدّ سهمان» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة التي يطول المقام بذكرها.

و هذه الأخبار كما ترى مختصّة بالجدّ، و أمّا حكم الجدّة فعلم بالإجماع المحقّق المصرّح به في كلام جماعة «2».

المسألة السادسة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قِبله مع الكلالتين

، فلكلالة الام فريضتها من السدس أو الثلث سويّة، و الباقي للجدّ أو الجدّة أو هما و كلالة الأب، للذّكر ضعف الأُنثى .

للإجماع، و لأنّ كلالة الأب مع الجدّ يرثون بالقرابة و لا فرض لهم مطلقاً فتكون بمنزلة الأب و هو يرث المال مع عدم الولد، فيجب أن يكون كلّ المال لمن هو بمنزلته أيضاً، خرج السدس أو الثلث بالدليل، فيبقى الباقي. و لا يمكن أن يقال بمثل ذلك في كلالة الأُم؛ لكونها ذات فرض، و المنزلة مختصّة بغير ذوي الفروض.

المسألة السابعة: لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب و الأُم معاً مع كلالة الام

، كان للجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب الثلثان، و له أو لهما من قبل الام و كلالتها الثلث.

للإجماع، و لانتفاء الفرض، أمّا من المتقرّب بالأب فظاهر، و أمّا من

______________________________

(1) الكافي 7: 110، 4، الفقيه 4: 205، 686، التهذيب 9: 304، 1083، الإستبصار 4: 156، 585، الوسائل 26: 166 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 10.

(2) منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان 2: 334، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 301

المتقرّب بالأُم فلما مرّ في المسألة الثالثة «1»، فيكون كلّ متقرّب بمنزلة قريبه.

المسألة الثامنة: إذا اجتمع النوعان من الجدّ أو الجدّة أو هما مع كلالة الأب

، فللمتقرّب بالأُم الثلث بالسويّة مع التعدّد، و للمتقرّب بالأب الثلثان بالتفاوت، إجماعاً؛ و الوجه واضح.

المسألة التاسعة: إذا اجتمع النوعان مع الكلالتين

، فللمتقرّب بالأُم الثلث، و بالأب الثلثان، بالإجماع، و الدليل ظاهر.

المسألة العاشرة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجدودة و الكلالتين

فله نصيبه الأعلى، و الثلث للمتقرّب بالأُم من الجدودة و الكلالة، أو السدس إن لم يكن جدّ و لا جدّة و لم يتعدّد، و الباقي للمتقرّب بالأب، و مع عدمه فالجميع للأوّل، و مع عدمه فللثاني. و تفصيل الصور و أدلّة الكلّ بعد الإحاطة بما ذكرناه ظاهر جدّاً.

______________________________

(1) راجع ص: 292 و 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 302

البحث الرابع في بيان ميراث الأجداد العليا
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الأقرب من الأجداد يمنع الأبعد

؛ للإجماع، و منع الأقرب للأبعد، و موثّقة محمّد المتقدّمة في المسألة الثالثة من البحث الثاني «1». فلو اجتمعت الأجداد العليا و الدنيا و الإخوة كان المقاسم للإخوة الأجداد الدنيا دون العليا.

المسألة الثانية [هل تقاسم الجدودة العليا الإخوة و الأخوات ]:

المصرّح به في كلماتهم أنّ الجدودة العليا مطلقاً ما لم يسلب عنه صدق النسبة عرفاً تقاسم الإخوة و الأخوات مطلقاً «2»، و نفى بعضهم عنه الخلاف ظاهراً و نسبه إلى فتوى الأصحاب «3» بل نُقل عليه الإجماع أيضاً «4».

و استدلّوا عليه بإطلاق الأخبار الدالّة على تنزيل الجدّ منزلة الإخوة و اقتسامهما التركة «5».

و قد يخدش فيه بأنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرد الشائع، و الشائع هو الجدّ الأدنى؛ و لذا عدل بعضهم عن ذكر الإطلاق إلى العموم الثابت

______________________________

(1) راجع ص: 280.

(2) انظر المبسوط 4: 109، و الشرائع 4: 28، و الدروس 2: 371.

(3) الرياض 2: 358.

(4) انظر الخلاف 4: 90، و مفتاح الكرامة 8: 152.

(5) كما في المسالك 2: 328، و الروضة 8: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 303

للمفرد المعرّف، أو بترك الاستفصال «1».

و لا يخفى أنّ عموم المفرد المعرّف أيضاً إطلاق، و عدم الاستفصال حسن لولا التبادر المدّعى، سيّما مع ما في القاموس: من أنّ الجدّ أبو الأب و أبو الام «2».

إلّا أنّ التبادر مطلقاً في حيّز المنع، و كذا الشيوع الموجب للانصراف، فالشمول أولى .

إلّا أنّه مع تسليمه يكون معارضاً بعموم ما دلّ على منع الأقرب للأبعد، و لا شك أنّ الأخ أقرب من جدّ الأب، و الجمع بينهما كما يمكن بتخصيص عموم الأقرب، كذا يمكن بتخصيص عموم الجدّ، و لا مرجّح لأحدهما. إلّا أن يرجّح تخصيص عموم الأقرب بفتوى الأصحاب، أو بمنع القرب، فتأمل.

المسألة الثالثة [حكم الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية إذا اجتمعوا]

اعلم أنّ للإنسان أباً و أُمّاً، و هما الواقعان في الدرجة الأُولى من درجات أُصوله؛ ثمّ لكلّ منهما أب و أُمّ و هم الواقعون في الدرجة الثانية من درجات الأُصول و الدرجة الاولى من درجات الأجداد و الجدّات،

و هم أربعة حاصلة من ضرب الاثنين في مثلهما؛ ثمّ الجدودة في الدرجة الثانية ثمانية، لأنّ لكلّ من الأربعة أباً و أُمّاً فيضرب الاثنين في أربعة يحصل ثمانية؛ و في الدرجة الثالثة ستّة عشر، و هكذا، و النصف من كلّ درجة ذكور و النصف إناث.

و قد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية إذا اجتمعوا، و نحن أيضاً نكتفي بهم.

______________________________

(1) الرياض 2: 358.

(2) القاموس المحيط 1: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 304

و نقول: إذا اجتمعوا فلا خلاف بين الأصحاب كما اعترف به جماعة «1» في أنّ ثلثي التركة للأجداد الأربعة من قبل أب الميّت جدّي أبيه وجدتيه، و ثلثها للأربعة من قبل امّه؛ لأنّ لكلّ نوع من ذوي الأرحام نصيب من يتقرّب به.

و لا خلاف أيضاً في أنّ ثلثي الأجداد الأربعة المتقرّبين بأب الميّت ينقسم أثلاثاً، فثلثا الثلثين للجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل أبيه و ثلثهما للجدّ و الجدّة لأبيه من قبل امّه.

و الدليل عليه: أنّ لكلّ ذي رحم نصيب قريبه، و نصيب أب أب الميّت أي جدّه لأبيه الثلثان، فهما لمن يتقرّب به، و نصيب أُمّ أبيه الثلث، فهو لمن يتقرّب بها.

و لا خلاف أيضاً في أنّ ثلثي الثلثين الذين للجدّ و الجدّة لأبيه من قبل أبيه ينقسم بينهما أثلاثاً، فالثلثان للجدّ و الثلث للجدّة؛ و ذلك للأصل الثابت من تفضيل الرجال على النساء، و لكونهما قرابتي الأب المحض من غير توسّط أُم.

و إنّما الخلاف في ثلث الثلثين الذي هو للجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل امّه، و ثلث التركة الذي هو للأجداد الأربعة لُامّ الميّت.

فذهب الشيخ و أكثر الأصحاب كما في المسالك و الكفاية

«2» إلى أنّ ثلث الثلثين ينقسم بين الجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل امّه بالتفاوت للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و ثلث التركة ينقسم بين الأجداد الأربعة لُامّ الميّت بالسويّة، قالوا: و ذلك التقسيم لأجل اعتبار النسبة إلى نفس

______________________________

(1) انظر القواعد 2: 172، و المسالك 2: 328، و الرياض 2: 356.

(2) انظر: النهاية: 648، و المسالك 2: 328، و كفاية الأحكام: 298.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 305

الميّت.

و فيه: أنّ هذا الاعتبار لو تمّ يقتضي اقتسام ثلثي التركة بين الأجداد الأربعة للأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين دون الاقتسام أثلاثاً، فإنّه مقتضى اعتبار النسبة إلى جدّ الميّت.

و ذهب الشيخ معين الدين المصري «1» إلى أنّ ثلث الثلثين بين الجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل أُمّه بالسويّة، لكونهما متقرّبين إلى الميّت بواسطة الامّ التي هي جدّته لأبيه، و ثلث التركة ينقسم بين الأجداد الأربعة للُامّ أثلاثاً، فثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسويّة، و ثلثاه لأبوي أبيها بالسويّة أيضاً، قالوا: و ذلك لأجل اعتبار النسبة في الجملة.

و فيه: أنّه لو تمّ لاقتضى اقتسام ثلثي الثلث بين أبوي أبيها للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و قال الشيخ زين الدين محمد بن القاسم البرزهي «2»: باقتسام ثلثي التركة بين الأجداد الأربعة لأب الميّت على النحو الذي ذكره الأكثر، و اقتسام الثلث الذي للأجداد الأربعة للُامّ أثلاثاً، ثلثه لأبوي أُمّ الأُم بالسويّة، و ثلثاه لأبوي أبيها أثلاثاً.

و ظاهر الشرائع التردد «3».

ثمّ إنّهم صرّحوا بأنّه ليس هنا دليل يرجّح أحد الأقوال.

أقول: لا إشكال في تقسيم مجموع التركة بين الأجداد الثمانية أثلاثاً، بأن يكون ثلثاها للأجداد الأربعة للأب، و ثلثها للأربعة للُام؛ للإجماع،

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 328.

(2) حكاه عنه في المسالك

2: 328.

(3) الشرائع 4: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 306

و كون كلّ ذي رحم بمنزلة من يتقرّب به.

ثمّ الثلثان اللذان هما نصيب الأربعة للأب يلزم أن ينقسم بينهم أثلاثاً، الثلثان لأبوي أب الأب، و الثلث لأبوي أُمّة؛ لما مرّ بعينه، فإنّ الأوّلين يتقرّبان بواسطة جدّ الميّت لأبيه، و الثانيين بواسطة جدّته [لأبيه «1»] و قد سبق أنّ الثلثين ينقسم بينهما أثلاثاً.

ثمّ ثلثا الثلثين ينقسم بين أبوي أب الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؛ لأنّه مقتضى الأصلين المتقدّمين: من تفضيل الرجال على النساء، و تقسيم قرابة الأب بالتفاوت. و ثلث الثلثين ينقسم بين أبوي أُمّ الأب أيضاً كذلك؛ لأوّل الأصلين.

و أمّا تقسيم قرابة الأُمّ بالسويّة فلا يفيد هنا؛ لأنّ دليله إن كان الإجماع فهو في محلّ النزاع ممنوع، و إن كان النصّ فوجود نصّ معتبر دالّ على عموم «2» ذلك غير ثابت. و لو سلّم اعتبار ما ورد في ذلك فلا يفيد أيضاً؛ لأنّ فيه لفظ قرابة الأُمّ، و المتبادر منه قرابة أُمّ الميّت، بل القواعد الأُصوليّة أيضاً لا تثبت من هذا اللفظ إلّا ذلك، كما لا يخفى على المتدبّر فيها.

و أمّا الثلث الذي هو نصيب الأربعة للُامّ يلزم أن ينقسم بينهم بالتناصف، نصف الثلث لأبوي أب الأُم و نصفه لأبوي أُمّها؛ لأنّ أب الأُم و أُمّها يقتسمان الثلث كذلك، و كلّ قريب يرث نصيب من يتقرّب به.

ثم أبوا أب الأُمّ يقتسمان نصفهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؛ لما عرفت من تفضيل الرجال على النساء، و عدم الدليل على التسوية. و الإجماع على

______________________________

(1) في جميع النسخ: لُامه، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) كلمة عموم غير موجودة في «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 307

تقسيم قرابة الأُم

سويّة بحيث يشمل هنا أيضاً مع وجود النزاع ممنوع، و النصّ المعتبر غير موجود.

و أبوا الام يقتسمان نصفهما سويّة إن ثبت الإجماع عليه بخصوص هذه المسألة، أو على اقتسام نصيب المتقرّب بالأُم المحضة مطلقاً بالسويّة. و لكن لم يثبت الإجماع على شي ء منهما عندي، فالعمل بمقتضى تفضيل الرجال على النساء أولى و أظهر.

و من هنا ظهر أنّ الأظهر في تقسيم الثلثين بين الأجداد الأربعة للأب هو ما ذكره الشيخ و الأكثر، و في تقسيم أصل الثلث بين الأربعة للُام هو القولان الآخران، من انقسامه بينهم أثلاثاً، و في تقسيم ثلثي الثلث بين أبوي أب الأُمّ هو ما ذكره البرزهي، و في تقسيم ثلثه بين أبوي أُمّها هو التفاوت أيضاً.

و لا ضير في خروجه عن الأقوال الثلاثة، لعدم ثبوت الإجماع المركّب. نعم لو ثبت الإجماع على التسوية في خصوص هذا الثلث للثلث لكان الأظهر هو قول البرزهي مطلقاً.

و ليعلم أنّ المسألة تصحّ عن مائة و ثمانية على قول الشيخ، و عن أربعة و خمسين على قول المصري و البرزهي، و عن سبعة و عشرين على ما ذكرنا.

ثمّ إنّ لاجتماع الأجداد الثمانية أو بعضهم مسائل أُخرى، من وجود أحد الزوجين أو الكلالتين أو أولاد الكلالة، و ليس للتعرّض لذكرها كثير فائدة، لندرة وقوعه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 308

البحث الخامس في ميراث أولاد الكلالة
اشاره

و في مسائل:

المسألة الاولى : لا يرث أولاد الأخ مع الأخ مطلقاً

بلا خلاف يعرف، إلّا ما نقل عن الفضل بن شاذان «1»: أنّه شرّك ابن الأخ من الأبوين مع الأخ من الام، و ابن ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها، و نحو ذلك، فجعل السدس للمتقرّب بالأُم و الباقي للمتقرّب بالأبوين.

لنا بعد ظاهر الإجماع-: منع الأقرب للأبعد، و لا شكّ أنّ الأخ و إن كان من أُمٍّ أقرب من ابن الأخ و إن كان من الأبوين لغة و عرفاً.

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «من ترك واحداً ممّن له سهم ينظر فإن كان من بقي في درجته ممّن سفل، و هو أن يترك الرجل أخاه و ابن أخيه فالأخ أولى من ابن أخيه» «2».

و ذكر في المسالك التعليل للفضل: بأنّه جعل الإخوة أصنافاً، فاعتبر الأقرب من إخوة الام فالأقرب، و كذلك إخوة الأبوين و الأب، و لم يعتبر قرب أحد الصنفين بالنسبة إلى الآخر، كما لم يعتبر قرب الأخ بالنسبة إلى الجدّ الأعلى، لتعدّد الصنف.

و ردّ ذلك بما ذكره قبله: من أنّ المعتبر في جهات القرب و ترجيح

______________________________

(1) حكاه عنه في الفقيه 4: 200.

(2) فقه الرضا ( (عليه السّلام)): 289، مستدرك الوسائل 17: 180 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 309

الأقرب على الأبعد بأصناف الوارث، فالأولاد في المرتبة الأُولى صنف، ذكوراً كانوا أم إناثاً، فيمنع ابن البنت ابن ابن الابن، و هكذا، و الإخوة صنف واحد، سواء كانوا لأب و أُم أو لأحدهما أم متفرّقين، كما أنّ الأجداد صنف واحد كذلك، فالأقرب منهم إلى الميّت و إن كان جدّة لأُم يمنع الأبعد و إن كان جدّ الأب، قال: و هذا هو المفهوم

من تقديم الأقرب فالأقرب، مضافاً إلى النصّ الصحيح «1».

أقول: مراده بالنص النص على أنّ المراد بالأقرب ذلك، أي: هذا المعنى هو المفهوم من الأقرب، مضافاً إلى دلالة النص الصحيح عليه، و لكنّي لم أقف على ذلك النص.

و يمكن أن يكون نظره إلى الأخبار الصحيحة الدالّة على أنّ ابن الابن أو البنت أو بنت أحدهما يرث إذا لم يكن هناك ولد للصلب «2»، و الولد شامل للذّكر و الأُنثى ، فيدلّ على اعتبار الأقربيّة بالنسبة إلى ابن الابن و البنت أيضاً، حيث إنّهما صنف واحد من الوارث، مع أنّ مقتضى كلام الفضل عدم اعتبارها فيهما و جعلهما صنفين.

و يمكن أن يكون نظره أيضاً إلى صحيحة حماد بن عثمان: قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل ترك امّه و أخاه، فقال: «يا شيخ تريد على الكتاب؟» قال، قلت: نعم، قال: «كان علي (عليه السّلام) يعطي المال الأقرب فالأقرب» قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئاً؟ قال: «قد أخبرتك أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب» «3».

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 328.

(2) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(3) الكافي 7: 91، 2، التهذيب 9: 270، 981، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 310

حيث جعل مطلق الأخ الشامل للأخ للأب أيضاً أبعد من الامّ.

و مكاتبة الصفار الصحيحة إلى أبي محمد (عليه السّلام) و هي: أنّه كتب إليه: رجل مات و ترك ابنة بنته و أخاه لأبيه و أُمّه، لمن يكون الميراث؟ فوقّع (عليه السّلام) في ذلك: «الميراث للأقرب» «1».

و لكن ليس شي ء من هذه الأخبار نصّاً، على أنّ الأخيرين إنّما يدلّان على اعتبار

الأقربيّة و الأبعدية في صنفين مختلفين.

فالأقرب كما صرّح به صاحب الكفاية: أنّ الأقرب لا يعتبر فيه صنف واحد أيضاً «2»، بل يجري في الأصناف المختلفة أيضاً كما هو مقتضى (عموم) «3» قوله: «المال للأقرب» أيضاً.

ثمّ لا يخفى أنه لو كان الأمر كما ذكره في المسالك أي كان التعليل ما ذكر، لزم على الفضل تشريك ابن الأخ من الام مع الأخ من الأبوين، مع أنّه لا يقول به كما صرّح به بعضهم «4»، فالظاهر أنّه ليس تعليلًا له.

و المحقّق «5»، و جماعة «6» نقلوا عنه التعليل بكثرة الأسباب، و ردّوه بأنّها إنّما تؤثر مع تساوي الدرجة و هي هنا متفاوتة، لأنّ الأخ أقرب درجة من ابن الأخ مطلقاً.

______________________________

(1) الفقيه 4: 196، 673، التهذيب 9: 317، 1140، الإستبصار 4: 167، 632، الوسائل 26: 114 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 8 ح 1.

(2) كفاية الأحكام: 299.

(3) ليست في «س».

(4) انظر كشف اللثام 2: 293.

(5) الشرائع 4: 29.

(6) منهم العلّامة في التحرير 2: 166، و القواعد 2: 172، الشهيد الثاني في الروضة 8: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 311

و الظاهر من كلام الفضل أنّ حكمه ليس لهذا التعليل أيضاً؛ لأنّه فرّق بين الأخ للُامّ و الأخ للأب فقط، فحكم بتقدّمه على ابن الأخ للأبوين، مع أنّه مجمع للسببين.

المسألة الثانية: أولاد الإخوة و الأخوات و إن نزلوا يقومون مقام آبائهم في الإرث

، فلو خلّف الميّت أولاد أخ لأُم أو أُخت لها خاصّة، كان المال كلّه لهم بالسويّة، السدس بالفرض و الباقي بالردّ، من غير فرق بين الذكر و الأُنثى.

و إن تعدّد من تقرّبوا به من الإخوة للُامّ أو الأخوات أو الجميع، كان لكلّ فريق من الأولاد نصيب من يتقرّب به، فلو كان أولاد الإخوة للُام ثلاثة، واحد منهم ولد

أخ و الآخران ولد آخر فنصف المال لولد الأخ، السدس فرضاً و الباقي ردّاً، و النصف الآخر لولدي الأخ كذلك. و كذلك لو كان أحدهم من أُخت و الآخران من أخ. و كذلك لو كان بنت أُخت للأُم و ابنا أخ لها، فللبنت النصف و للابنين النصف.

و لو خلّف أولاد أخٍ لأب و أُمّ أو لأب مع عدمهم، كان المال كلّه لهم بالسويّة مع الاتفاق، و للذّكر ضعف الأُنثى مع الاختلاف. و إن كانوا أولاد أُخت للأبوين أو الأب، كان النصف لهم بالفرض و الباقي بالردّ مع عدم غيرهم، يقتسمونه بالسويّة مع الاتفاق، و بالاختلاف مع الاختلاف. و إن كانوا أولاد أُختين فصاعداً كذلك، كان الثلثان لهم بالفرض و الثلث بالردّ مع عدم غيرهم، يقتسمونه بالسوية أو الاختلاف.

و لو اجتمع أولاد الأُخت للأبوين أو الأب مع أولاد الأخ أو الأُخت أو الإخوة أو الأخوات للُام، فللأول النصف فرضاً و للثاني السدس مع وحدة من يتقرّبون به و الثلث مع التعدّد، و يردّ الباقي على الأول أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 312

عليهما على الخلاف السابق «1».

و لو اجتمعت أولاد الكلالات الثلاث سقطت أولاد من يتقرّب بالأب، و كان لأولاد من يتقرّب بالأُم السدس مع وحدة من يتقرّب به و الثلث مع التعدد، و لأولاد من يتقرّب بالأب [و الأُم «2»] الباقي مع كون من يتقرّب بهما ذكراً أو ذكراً و أُنثى، و النصف أو الثلثان بالفرض إن كان أُنثى أو إناثاً، و يردّ الباقي عليهم أو عليهما على الاختلاف المتقدّم.

و لو دخل في هذه الفروض أحد الزوجين كان له النصيب الأعلى و ينقسم الباقي كما مرّ.

و الدليل على ذلك كلّه الإجماع، و عموم الأخبار

المصرّحة بأنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به.

و يدلّ على المطلوب أيضاً في الجملة موثّقة محمد: عن ابن أُخت لأب و ابن أُخت لُام، قال: «لابن الأُخت من الام السدس، و لابن الأُخت من الأب الباقي» «3».

و روايته: عن ابن أخ لأب و ابن أخ لأُم، قال: «لابن أخ من الام السدس، و ما بقي فلابن الأخ من الأب» «4».

و أمّا روايته: بنات أخ و ابن أخ، قال: «المال لابن الأخ» الحديث «5».

______________________________

(1) راجع ص: 271.

(2) أضفناه لتصحيح المتن.

(3) التهذيب 9: 322، 1157، الإستبصار 4: 168، 637، الوسائل 26: 170 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 9: 322، 1158، الإستبصار 4: 169، 638، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 2.

(5) التهذيب 9: 323، 1159، الإستبصار 4: 169، 639، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 313

فلا تصلح للمعارضة؛ لضعفها بالشذوذ، و حملها في التهذيبين تارة على التقيّة، و أُخرى على ما إذا كان بنات الأخ للأب و ابن الأخ للأبوين «1».

المسألة الثالثة: أولاد الإخوة و الأخوات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد و الجدّات

، بلا خلاف يعرف، و نقل عليه الإجماع في الانتصار و السرائر و الغنية و كنز العرفان «2».

و تدلّ عليه أيضاً الصحيحتان المصرّحتان بأنّ بنت الأُخت بمنزلة الأُخت و ابن الأخ بمنزلة الأخ «3».

و خصوص صحيحة محمد: نشر أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صحيفة فأول ما تلقاني فيها: «ابن أخ و جدّ، المال بينهما نصفان» فقلت: جعلت فداك إنّ القضاة عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجدّ بشي ء، فقال: «إنّ هذا الكتاب خط علي (عليه السّلام) و إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه

عليه و آله)» «4».

و صحيحته: قال: نظرت إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر (عليه السّلام)، قال: فقرأت فيها مكتوباً: «ابن أخ و جدّ، المال بينهما سواء» فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ مَن عندنا لا يقضون بهذا القضاء، و لا يجعلون لابن الأخ مع الجدّ شيئاً، فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «أما إنه إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و خط علي (عليه السّلام)» «5».

______________________________

(1) التهذيب 9: 323، الإستبصار 4: 169.

(2) الإنتصار: 302، السرائر 3: 260، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، كنز العرفان 2: 334.

(3) لم نعثر عليهما، نعم في صحيحة الخزّاز: «بنت الأخ بمنزلة الأخ». انظر: الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 9.

(4) الكافي 7: 112، 1، الوسائل 26: 159 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 1.

(5) الكافي 7: 113، 5، التهذيب 9: 308، 1104، الوسائل 26: 160 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 5، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 314

و رواية القاسم بن سليمان: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يورث ابن الأخ مع الجدّ ميراث أبيه» «1».

و صحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السّلام): «قال: حدثني جابر عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و لم يكن يكذب جابر-: إنّ ابن الأخ يقاسم الجد» «2».

و مرسلة سعد بن أبي خلف الصحيحة عن السرّاد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: في بنات أُخت و جدّ، قال: «لبنات الأُخت الثلث و ما بقي فللجدّ» فأقام بنات الأُخت مقام الأُخت و جعل الجدّ بمنزلة الأخ «3». إلى غير ذلك.

و بهذه الأخبار و إن ثبت حكم أكثر الصور، و لكن تبقى صور لا

بدّ في إثبات الحكم فيها بالتمسّك بالصحيحتين المتقدّمتين «4» و الإجماع المركب.

و قد يستدلّ أيضاً في جميع هذه الصور بعمومات كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب منه.

و في دلالتها نظر؛ لمكان الاستثناء، فإنّ الظاهر أنّ الجدّ أقرب من ابن الأخ.

ثمّ إنّهم قد صرّحوا باطّراد الحكم في الأجداد و إن علوا، و أولاد الإخوة

______________________________

(1) الكافي 7: 113، 2، التهذيب 9: 309، 1105، الوسائل 26: 160 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 2.

(2) الكافي 7: 113، 3، التهذيب 9: 309، 1106، الوسائل 26: 160 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 3.

(3) الكافي 7: 113، 7، الفقيه 4: 207، 702 و فيه صدر الحديث، التهذيب 9: 309، 1109، الوسائل 26: 161 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 7.

(4) راجع ص: 311 الهامش (3).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 315

و إن نزلوا، و استدلّوا عليه بالأدلّة المتقدّمة.

و في دلالتها نظر ظاهر: أمّا الأخبار المتقدّمة فلأنّ الحكم فيها إنّما هو للجدّ و ابن الأخ و بنت الأُخت، و صدقها على الأجداد العليا و أولاد أولاد الأخ و الأُخت لغة أو عرفاً أو شرعاً غير معلوم، كما مرّ مراراً. و أمّا عمومات المنزلة فلما عرفت آنفاً. فلا بدّ في إثبات الحكم فيها من التمسّك بالإجماع البسيط أو المركّب.

نعم قد يمكن التمسّك بالعمومات المذكورة إذا كان علو الجدّ و نزول الأخ بحيث لم يكن لأحدهما أقربيّة بالنسبة إلى الآخر، و حينئذ يمكن تعميم الحكم بإجماع مركّب آخر أيضاً، و بالجملة المناط فيه كأكثر أحكام الإرث أحد الإجماعين البسيط و المركّب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 316

الفصل الثالث في ميراث الأعمام و الأخوال
اشاره

و

نقدّم أوّلًا ذكر شطر من الأخبار الواردة في حكمهم، و هي كثيرة:

منها: صحيحة الكناسي و فيها: «و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك» قال: «و عمّك أخو أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه» قال: «و عمّك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه» قال: «و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه» قال: «و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأُمّه» «1».

و منها: صحيحة أبي بصير: قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن شي ء من الفرائض قال لي: «إلا أخرج لك كتاب علي (عليه السّلام)؟» فقلت: كتاب عليّ لم يدرس؟! فقال: «يا أبا محمد إنّ كتاب عليّ (عليه السّلام) لا يدرس» فأخرجه فإذا كتاب جليل، و إذا فيه: «رجل مات و ترك عمه و خاله» قال: «للعمّ الثلثان و للخال الثلث» «2».

و منها: صحيحة الخزّاز عنه (عليه السّلام): قال: «إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) العمّة بمنزلة الأب، و الخالة بمنزلة الأُم، و بنت الأخ بمنزلة الأخ، و كلّ ذي

______________________________

(1) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974 بتفاوت يسير، الوسائل 26: 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 4 ح 1.

(2) الكافي 7: 119، 1، التهذيب 9: 324، 1162، الوسائل 26: 186 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 317

رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه» «1».

و منها: صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة «2».

و منها: صحيحة محمد: عن الرجل يموت

و يترك خاله و خالته و عمه و عمته و ابنته و أُخته فقال: «كلّ هؤلاء يرثون و يحوزون، فإذا اجتمعت العمة و الخالة فللعمة الثلثان و للخالة الثلث» «3».

و مثلها مرسلة أبي المعزى «4» و صحيحة أبي بصير «5» و رواية أبي مريم «6».

و منها: رواية سلمة بن محرز، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال في عمّة و عمّ قال: «للعم الثلثان، و للعمة الثلث» و قال في ابن عم و خالة قال: «المال للخالة» و قال في ابن عم و خال قال: «المال للخال» و قال في ابن عمّ و ابن خالة قال: «للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «7».

و منها: روايتا الحسن بن عمارة و الحارث، المتقدمتان في مسألة

______________________________

(1) التهذيب 9: 325، 1170، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 6.

(2) في ص: 291.

(3) الكافي 7: 120، 6، التهذيب 9: 324، 1165، الوسائل 26: 187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 4.

(4) الكافي 7: 120، 8، التهذيب 9: 325، 1166، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 5.

(5) الكافي 7: 119، 5، التهذيب 9: 324، 1164، الوسائل 26: 187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 3.

(6) الكافي 7: 119، 4، التهذيب 9: 324، 1163، الوسائل 26: 187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 2.

(7) التهذيب 9: 328، 1179، الإستبصار 4: 171، 645، الوسائل 26: 193 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 318

اجتماع الإخوة المتفرقين «1».

و منها: قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك خالًا و خالة و عماً و

عمة، فللخال و الخالة الثلث بينهما بالسوية، و ما بقي فللعم و العمة، للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و أيضاً قال: «و كذلك إذا ترك عمه و ابن خاله فالعم أولى ، و كذلك خالًا و ابن عم فالخال أولى ، لأنّ ابن العم قد نزل ببطن، إلّا أن يترك عمّاً لأب و ابن عمّ لأب و أُم فإنّ الميراث لابن العمّ للأب و الأُم، لأنّ ابن العمّ جمع الكلالتين كلالة الأب و كلالة الام، فعلى هذا يكون الميراث له» «3».

و فيه أبحاث

______________________________

(1) راجع ص: 266.

(2) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 4.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 192 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 319

البحث الأوّل في ميراث الأعمام و العمّات
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لا يرث العمّ مع واحد من الإخوة و أولادهم و الأجداد و آبائهم

بالإجماع. و مخالفة يونس «1» في تشريك العمّ مع ابن الأخ غير قادح فيه، مع أنّه مردود بقوله في صحيحة الكناسي: «و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك» «2».

و قد يردّ أيضاً بحديث الأقربية «3». و فيه نظر.

المسألة الثانية: إذا انفرد العم

كان المال كله له، و كذا العمة. و إذا تعدد العمّ أو العمّة كان المال كله لهم بالسوية، إذا كانوا لأب أو لُام أو لهما؛ كلّ ذلك بالإجماع، و صحيحة محمد، و كون العم و العمة بمنزلة الأب.

المسألة الثالثة: لو اجتمع العم و العمة أو العمومة و العمّات من نوع واحد

كان المال لهم، يقتسمونه للذكر ضعف الأُنثى إن كانوا جميعاً من الأبوين أو الأب؛ للإجماع المحقّق، و ما مرّ من قاعدة تفضيل الرجال على النساء و رواية سلمة، و فقه الرضا (عليه السّلام).

و كذلك إذا كانوا جميعاً لُام، وفاقاً للفضل و المفيد و الصدوق و النهاية

______________________________

(1) حكاه عنه في الكافي 7: 121.

(2) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 182 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 13 ح 1، وص 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 4 ح 1.

(3) كما في الرياض 2: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 320

و الشرائع و النافع و الغنية مدعياً عليه إجماع الإماميّة «1».

و خلافاً للفاضل و الشهيدين «2»، و بعض آخر «3»، فقالوا باقتسامهم بالسوية، و قال في الكفاية: لا أعرف فيه خلافاً «4».

لنا: قاعدة التفضيل، و الروايتان، و مرسلة المجمع المتقدّمة «5» المعتضدة بشهرة القدماء.

احتجّ بعض المخالفين باقتضاء شركة المتعدّدين في شي ء تسويتهم، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي «6».

و فيه: منع الاقتضاء المذكور كما مرّ غير مرّة. و لو سلّمناه فإنّما هو إذا أُطلق لفظ الشركة دون ما إذا علم الاشتراك من غير تصريح بلفظه. و لو سلّمناه فإنّما هو إذا لم يكن هناك دليل على التفضيل، و قد ذكرناه.

و تخصيص العمّ و العمّة في الروايتين بالعمّ و العمّة للأبوين تخصيص بلا مخصص. و تقييد إطلاق الجدّ في أحاديث اجتماعه مع الإخوة بما

إذا كان للأب بدليل لا يرجّح احتمال التخصيص هنا أصلًا.

المسألة الرابعة: إذا اجتمع المتفرّقون من الأعمام أو العمّات أو منهما

فيسقط المتقرّب بالأب مع وجود المتقرّب بالأبوين؛ لخصوص

______________________________

(1) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120، المفيد في المقنعة: 692، الصدوق في المقنع: 175، النهاية: 653، الشرائع 4: 30، النافع: 270، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(2) الفاضل في التحرير 2: 166، الشهيدان في الدروس 2: 372، و اللمعة و الروضة 8: 153.

(3) انظر الرياض 2: 359.

(4) الكفاية: 300.

(5) في ص: 262.

(6) انظر الرياض 2: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 321

صحيحة الكناسي، و سائر ما تقدّم في مسألة اجتماع الإخوة المتفرّقين؛ فالمال ينقسم بين المتقرّب بالأبوين و بالأُم أو بين المتقرّب بالأب خاصّة و بالأُم مع عدم المتقرّب بالأبوين.

و المشهور: أنّ السدس للمتقرّب بالأُم إذا كان واحداً، و الثلث إذا كان أكثر، و الباقي للمتقرّب بالأبوين أو الأب.

و لم أقف على حجّة عليه سوى الشهرة، و إلحاق الأعمام بالكلالة.

و الأوّل مردود بعدم حجّيّته. و الثاني بكونه قياساً.

و ظاهر الصدوق في الفقيه و الهداية، و الفضل «1»: تسوية المتفرّقين من الأعمام و العمّات مع غير المتفرّقين في تقسيمهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و ظاهر الكفاية التردد «2».

و يدلّ على قول الفضل قاعدة التفضيل، و إطلاق الروايتين، و المرسلة «3»، فيكون هو الأقوى و إن كان الاحتياط أولى .

فإن قيل: قاعدة التفضيل التي هي الحجّة هنا إنّما تتمّ إذا اجتمع الذكر و الأُنثى، و أمّا إذا اجتمع الذكران أو الأُنثيان، كعمّ من الأب و عمّ من الام فمن اين يحكم بالتساوي.

قلنا: يتمّ المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل.

و التمسّك بالإجماع لإثبات المشهور ضعيف، لأنّ منقوله غير حجّة، و المحقّق غير ثابت.

و هاهنا احتمال آخر أقرب بحسب الدليل: و هو أن

يكون للمتقرّب بالأُم الثلث مطلقاً، و للمتقرّب بالأب الثلثان. و ذلك لأنّ الرحم الذي يجرّ به العمّ

______________________________

(1) الفقيه 4: 212، الهداية: 85، حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120.

(2) كفاية الأحكام: 300.

(3) راجع ص 312 و 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 322

أو العمّة للأُم هو أُم الأب و لها الثلث، و الذي يجرّ به العمّ أو العمة للأب أو الأبوين هو الأب و له الثلثان. و لكن انعقاد الإجماع على تركه يضعّفه و يوجب الأخذ بأحد القولين الأوليين.

المسألة الخامسة: لا يرث مع العمّ أو العمّة مطلقاً أحد من أولادهم

؛ للأصل الثابت بالإجماع و الأخبار، من منع الأقرب للأبعد، إلّا في مسألة واحدة إجماعيّة هي ابن عمّ لأب و أُم مع عمّ لأب، فابن العمّ أولى، و هي مخصّصة بالإجماع المحقّق، و نقله أيضاً في النهاية و اللمعة و المسالك و التنقيح و القواعد و الكفاية و المفاتيح «1» و غيرها «2»، بل قيل بتواتر نقل الإجماع هنا «3».

و يدلّ عليه من الأخبار روايتا ابن عمارة و الحارث و قول الرضا (عليه السّلام) «4»، و ضعف المستند في بعضها بعد تحقّق الإجماع غير ضائر.

و في الاقتصار في المسألة على موضع الإجماع، و هو فيما إذا انحصر الوارث في ابن عمّ لأب و أُمّ و عمّ لأب لا غير، أو التعدّي إلى غيره خلاف، و الخلاف في غير صورة الإجماع وقع في مواضع:

منها: ما إذا حصل التعدد للعم أو ابن العم أو لهما، فذهب الشهيدان إلى عدم تغيّر الحكم بذلك «5»، لوجود المقتضي للترجيح، و هو ابن العم مع العم. لأنّه إذا منع مع اتحاده فمع تعدده أولى، لتعدد السبب المرجح. و لأنّ سبب إرث العمّين و ما زاد هو العمومة، و ابن العمّ مانع

لهذا السبب، و مانع أحد السببين المتساويين مانع للآخر. و لأنّ ابن العمّ مفيد للعموم بسبب

______________________________

(1) النهاية: 653، اللمعة (الروضة 8): 54، المسالك 2: 329، التنقيح 4: 181، القواعد 2: 175، الكفاية: 301، المفاتيح 3: 301.

(2) كما في كشف اللثام 2: 297، الرياض 2: 360.

(3) انظر الرياض 2: 360.

(4) المتقدمة جميعاً في ص: 266 و 316.

(5) الشهيد الأوّل في الدروس 2: 336، و الشهيد الثاني في الروضة 8: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 323

الإضافة.

و يرد على الأول: أنّه يمكن أن يكون المقتضي هو ابن العم بشرط الوحدة مع العمّ كذلك.

و على الثاني: أنّ السبب يمكن أن يكون مركّباً من الوحدة، فيكون التعدّد منافياً له.

و على الثالث: أنّه يمكن أن يكون ابن العمّ مانعاً لهذا السبب إذا كان (لا) «1» مع سبب آخر، و معه تضعف قوّة المانع.

و على الرابع: أنّه لا مفرد مضافاً في قول الإمام (عليه السّلام) إلّا في الرضوي الضعيف الغير الثابت انجباره في المقام.

و يمكن أن يستدلّ له بالروايتين المتقدّمتين المعتبرتين، حيث إنّ أعيان بني الام شاملة لصورة التعدد أيضاً، فمذهب الشهيدين هو الأظهر.

و منها: ما إذا تغيّرت الذكوريّة بالأُنوثيّة فيهما أو في أحدهما، كما إذا كان بدل العمّ عمّة، أو بدل ابن العمّ بنتاً، أو كان بدل العمّ عمّة و بدل الابن بنتاً، و نسب الخلاف فيما إذا تبدّل العمّ إلى الشيخ، محتجّاً باشتراك العم و العمة في السببية «2».

و فيه: أنّ الاشتراك في السببية لا يوجب الاشتراك في الممنوعية، لجواز أن يكون لأحد المسببين مدخلية فيها لم يكن للمسبب الآخر، فيتغيّر الحكم. و أولى بالتغيّر ما إذا كان التبديل في طرف المانع، و هو ظاهر. و الأخبار غير

شاملة للإناث، للتعبير فيها بالعم و الابن أو بني الأُم و بني العلّات، فقول الشيخ ساقط.

و منها: ما إذا تغيّر المورد بالهبوط، كما إذا كان بدل ابن العمّ ابن ابنه،

______________________________

(1) ليست في «س».

(2) الاستبصار 4: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 324

أو بدل العمّ للأب ابنه؛ و علّل الأول بصدق الابن على ابن الابن حقيقة. و فيه: أنه ممنوع، فلا تشمله الأخبار، فلا يتعدّى إلى ذلك الموضع.

و منها: ما إذا انضمّ معهما زوج أو زوجة، و الكلام فيه كما مرّ في الموضع الأوّل.

و منها: ما إذا انضمّ معهما خال أو خالة، و اختلفوا حينئذ على أقوال أربعة.

الأول: حرمان ابن العمّ، و مقاسمة العمّ و الخال أثلاثاً، و نسب إلى عماد بن حمزة القمّي، المعروف بالطبرسي «1»، و تابعه أكثر المحقّقين كالفاضلين و الشهيدين «2» و جمهور المتأخرين.

و الثاني: حرمان العمّ خاصّة، و جعل المال للخال و ابن العمّ، و إليه ذهب القطب الراوندي و معين الدين المصري «3».

و الثالث: حرمان العم و ابن العم معاً، و اختصاص الخال بالمال، ذهب إليه سديد الدين محمود الحمصي «4».

و الرابع: حرمان العمّ و الخال، و جعل المال كلّه لابن العمّ.

و الحقّ هو الأول، أمّا حرمان ابن العمّ، فلوجود الخال الذي هو أقرب منه، و لا مانع له، كما كان للعمّ. و عدم حرمانه مع العمّ الذي هو في مرتبة الخال، إنّما كان بالإجماع، فلا يتعدّى إلى غيره.

______________________________

(1) نسبه في المختلف: 734 إلى العماد القمي المعروف بالطوسي، و في الدروس 2: 336 إلى عماد الدين بن حمزة.

(2) المحقق في الشرائع 4: 30، العلّامة في القواعد 2: 175، الشهيد في الدروس 2: 336، الشهيد الثاني في الروضة 8: 57.

(3)

حكاه عن الراوندي في المختلف: 734، و عن المصري في الدروس 2: 337.

(4) حكاه عنه في الدروس 2: 337 و الروضة 8: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 325

و أما عدم حرمان العم حينئذ فلكونه بمنزلة الأب مع عدم وارث أقرب منه، و أقربية ابن العم المذكور عنه بالروايتين إنّما يفيد لو كان الأقرب وارثاً. و أمّا بدونه فلا يترتّب عليها أثر كما في الأقرب الكافر و القاتل و الرقّ.

و أمّا عدم حرمان الخال، فلعدم المانع، و حرمان من هو في مرتبته عند انفراده لا يدلّ على حرمانه.

و أمّا مقاسمة العم و الخال أثلاثاً، فلكون العمّ بمنزلة الأب، و الخال بمنزلة الأُم، و هما يقتسمان المال كذلك.

و تدلّ على الأحكام الأربعة صحيحة أبي بصير أيضاً «1». أمّا دلالتها على حرمان ابن العم، فلإطلاق الحكم بكون المال للعمّ و الخال مع اجتماعهما، سواء كان معهما ابن عمّ أو لا. و أمّا على البواقي فظاهر.

احتجّ المخالف الأول: أمّا على حرمان العم، فبوجود ابن العم.

و أما على عدم حرمان ابن العم، فبأنه لو حرم لكان بوجود الخال و هو غير صالح لذلك، لأنّ الخال لا يمنع العمّ و ابن العم أولى منه، لمنعه إيّاه فلا يمنع بالخال بطريق أولى .

و أيضاً: الخال إنّما يحجب ابن العمّ مع عدم كلّ من هو في درجته من ناحية العمومة، فأمّا مع وجود أحدهم فلا يقال إنّه محجوب به، و إنّما هو محجوب بذلك الذي من قبل العم، لأنّه يأخذ منه النصيب من الإرث، بخلاف الخال، فإنّ فرضه لا يتغيّر بوجود ابن العمّ و لا بعدمه، و الحجب إنّما يتحقّق بأخذ ما كان يستحقّه المحجوب لا ما يأخذه غيره.

و الجواب أمّا عن

دليله على حرمان العمّ: فبأنّا لا نسلّم أنّ وجود ابن العمّ مانع مطلقاً، و إنّما هو مع انفراد العمّ و مع كونه وارثاً، إذ لا دليل على

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 326

المنع مطلقاً، و ليس هنا كذلك.

و أمّا عن دليله الأوّل على عدم حرمان ابن العمّ: فبأنّ منع ابن العمّ للعمّ لا يوجب كونه أولى من العمّ مطلقاً حتّى يشمل عدم الممنوعيّة بالخال أيضاً، لا بدّ في إثباته من دليل.

و أمّا عن دليله الثاني: فبأنّ اختصاص حجب الخال لابن العمّ بعدم كلّ من هو في درجته من العمومة ممنوع، و تخصيص لعمومات منع الأقرب للأبعد بلا مخصّص.

و احتجّ الثاني: بأنّ العمّ محجوب بابن العمّ و ابن العمّ بالخال، فيختصّ الإرث به، و أيّد ذلك برواية سلمة، الدالّة على تقديم الخال على ابن العمّ «1»، فيكون مقدّماً على ما هو أضعف منه بطريق أولى .

و الجواب: أنّ محجوبيّة العمّ حينئذ بابن العمّ ممنوعة، و إنّما هي في صورة توريثه، و تقديم الخال على ابن العمّ لا يوجب تقديمه على العمّ بطريق أولى ، لأنّ أولويّته في الميراث في صورة خاصّة لا توجب أولويّته منه في جميع الأحكام.

و احتجّ الثالث: بأنّ الخال مساوٍ للعمّ في المرتبة، و ابن العمّ يمنع العمّ، و مانع أحد المتساويين من جميع الميراث مانع للآخر، و إلّا لم يكونا متساويين.

و الجواب: أنّ المسلّم إنّما تساويهما في المرتبة، و أمّا في جميع الأحكام فممنوع، فقوله: مانع أحد المتساويين مانع للآخر، إن أُريد به أحد المتساويين في جميع الأحكام فالمنع مسلّم، و لكنّ التساوي ممنوع، و إن أُريد المتساويين في المرتبة فالتساوي مسلم و المنع ممنوع.

______________________________

(1) راجع ص: 315.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 327

البحث الثاني في ميراث الأخوال و الخالات
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الخال إذا انفرد كان المال كلّه له، و كذا الخالة

؛ للإجماع، و كونه بمنزلة الام.

و لو اجتمع الخالان أو الأخوال أو الخالتان أو الخالات من نوع واحد، كما إذا كانوا لأب أو لُام أو لهما كان المال كلّه لهم؛ للإجماع، و صحيحة محمّد «1».

المسألة الثانية: لو اجتمع الخال و الخالة، أو الأخوال و الخالات

، فالمعروف من مذهب الأصحاب أنّهم يقتسمون المال بالسويّة أيضاً، و الذكر و الأُنثى فيهم سواء، و ادّعى عليه الإجماع جماعة «2». قال السيد في المسائل الناصرية: و إليه يذهب أصحابنا، و ادّعى عليه الإجماع فيها أيضاً «3».

و تدلّ عليه أيضاً مرسلة المجمع المتقدّمة «4»، و عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) «5».

و نقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب: أنّهم إذا كانوا متقرّبين

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 315.

(2) منهم الطوسي في الخلاف 4: 16، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 33، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 297، و صاحب الرياض 2: 360.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 222.

(4) في ص: 262.

(5) انظر ص: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 328

بالأبوين أو الأب يقتسمونه للذّكر ضعف الأُنثى «1».

و هو ضعيف شاذ مردود بالإجماع و الأخبار.

المسألة الثالثة: لو اجتمع الأخوال و الخالات أو هما مع كونهم متفرّقين

، فالمعروف أنّه يسقط المتقرّب بالأب مع المتقرّب بالأبوين؛ للإجماع، و كون المتقرّب بهما أقرب عرفاً كما مرّ، فيقسّم المال بين المتقرّب بهما و المتقرّب بالام، أو بين المتقرّب بالأب و المتقرّب بالأُم.

ثمّ المعروف في كيفيّة القسمة أنّ للمتقرّب بالأُم السدس مع الوحدة ذكراً كان أو أُنثى ، و الثلث مع التعدّد، ينقسم بينهم بالسويّة، و الباقي للمتقرّب بالأبوين أو بالأب مع عدمه. و المشهور أنّهم أيضاً يقتسمونه كذلك و إن اختلفوا بالذكوريّة و الأُنوثيّة.

فهاهنا حكمان:

أحدهما: القسمة أسداساً مع وحدة المتقرّب بالأُم، و أثلاثاً مع التعدد.

و ثانيهما: قسمة الثلث و الباقي سويّة.

أمّا الأول: فلا خلاف فيه يعرف كما صرح به جماعة من الأصحاب «2»، و قال في المسالك: و هذا الحكم محلّ وفاق «3». و الظاهر أنّه كذلك، فهو الدليل عليه، و إلّا فمراعاة قاعدة التفضيل مع انضمام عدم القول بالفصل يوجب

الاقتسام للذكر ضعف الأُنثى ، و ملاحظة كون المتقرّب بالأُم بمنزلة أُم الأُم و المتقرّب بالأبوين أو الأب بمنزلة أبيها يستدعي الاقتسام على السويّة مطلقاً.

و أما الثاني: فلا إشكال في انقسام السدس أو الثلث بين المتقرّب

______________________________

(1) الخلاف 4: 17.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 8: 154، صاحب الرياض 2: 360.

(3) المسالك 2: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 329

بالأُم سويّة؛ لمكان الإجماع.

و إنّما الإشكال في انقسام الباقي بين المتقرّب بالأبوين أو الأب كذلك، فإنه نقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب: أنّ الخؤولة للأبوين يقتسمون للذّكر ضعف الانثى «1» و حكي ذلك عن القاضي أيضاً «2»، نظراً إلى تقرّبهم بالأب في الجملة.

و ردّ بأنّ تقرّب الخؤولة بالميت بالأُم مطلقاً و لا عبرة بجهة قربها.

و اعترض عليه: بأنه متى كان الحكم كذلك و كان الاعتبار بالمتقرّب بالأُم مطلقاً فالحكم في صورة التفرّق بأنّ للمتقرّب بالأُم السدس مع الوحدة و الثلث مع الكثرة و الباقي للباقي غير صحيح، بل اللازم هو الحكم بالتساوي، لأنّه من شأن المتقرّب بالأُم «3».

و فيه: أنّ اعتبار التقرّب بالأُم إنّما يقتضي إجراء حكمه في كلّ موضع لم يدلّ دليل على خلافه، و حكمهم بالاختلاف في صورة التفرّق بسبب دليل لا ينافي الحكم بالتساوي في غير موضع الدليل، و لعل الاختلاف في صورة التفرّق إنّما هو بسبب الإجماع المذكور.

و من هنا يظهر فساد ما قيل هنا: من أنّه إن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرّب هذا الوارث إلى الميّت فتقرّب الخؤولة مطلقاً إنّما هو بالأُم الموجب لاقتسام من يتقرّب بها بالسويّة أعمّ من أن يكون المتقرّب إليها بالأبوين أو أحدهما خاصّة، فلا وجه حينئذ لتخصيص المتقرّب إليها بالأُم بالسدس أو الثلث. و إن كان

الاعتبار بالنظر إلى تقرّب الوارث إلى الواسطة أعني الأُم-

______________________________

(1) الخلاف 4: 17.

(2) المهذب 2: 148.

(3) انظر الرياض 2: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 330

فلا ينبغي النظر إلى الأُم مطلقاً «1».

فإنّ لأحد أن يقول: إنّ الاعتبار بالتقرّب إلى الميّت، و التخلّف في موضع بالإجماع لا يوجب التخلّف في غير موضعه.

إلّا أنّه بقي الكلام في وجه اقتضاء اعتبار التقرّب إلى الميّت بالأُم للتسوية مطلقاً، فإنّه لا دليل يدلّ عليه عموماً أو إطلاقاً، فإنّما هو في بعض الصور المخصوصة. و الإجماع المركّب غير ثابت. و تصوّر إطلاق مرسلة المجمع «2» غير جيّد؛ لأنّ قرابة الأُم فيها و إن كانت مطلقة إلّا أنّها مخصوصة بصورة الاجتماع مع قرابة الأب. و توهّم اقتضاء الشركة للتسوية في الأصل مردود بما مرّ «3».

فالمسألة محلّ إشكال جدّاً، كما صرّح به في الكفاية «4»، و يظهر من بعض مشايخنا أيضاً «5». بل لا يبعد ترجيح قول القاضي؛ لقاعدة تفضيل الرجال. و الاحتياط بالمصالحة حسن في كل حال.

المسألة الرابعة: لا يرث شي ء من أولاد العمومة و لا أولاد الخؤولة مع وجود خال أو خالة

؛ للإجماع، و الأقربيّة، و خصوص رواية سلمة «6»، و عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) «7».

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 360.

(2) المتقدمة في ص: 262.

(3) راجع ص: 263.

(4) كفاية الأحكام: 301.

(5) كصاحب الرياض 2: 360.

(6) المتقدمة في ص: 315.

(7) المتقدمة في ص: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 331

البحث الثالث في ميراث الأعمام و الأخوال إذا اجتمعوا

اعلم: أنه لو اجتمع عم أو عمة أو أعمام مع خال أو خالة أو أخوال، فللخال أو الخالة أو الأخوال الثلث، و للعم أو العمة أو الأعمام الثلثان، وفاقاً للمشهور «1»؛ لكون الخال أو الخالة أو الأخوال بمنزلة الأُم، و العم أو العمة أو الأعمام بمنزلة الأب، فلكلّ نوع نصيب من يتقرّب به.

و جعل الخؤولة بمنزلة الأُخت و العمومة بمنزلة الأخ كما في المسالك و الكفاية «2» لا وجه له، فإنّ نسبة الخؤولة و العمومة إلى الأُخت و الأخ كنسبتهم إلى الميّت بعينه. و لو صحّ فصحّة الاحتجاج به على المطلوب غير واضحة؛ لأنّ مطلق الأُخت ليس لها الثلث، و جعل الخال مطلقاً بمنزلة الأُخت من الأبوين محض تحكّم، إلّا أن يحمل الأُخت على أُخت الأخوال التي هي أُمّ الميّت، و الأخ على أخ الأعمام الذي هو أبوه. هذا.

و يدلُّ على الحكم أيضاً في صورة اجتماع العم و الخال صحيحة أبي بصير، و في صورة اجتماع العمة و الخالة حسنة محمد، و صحيحة أبي بصير، و مرسلة أبي المعزى، و رواية أبي مريم، و في صورة اجتماع الخال و الخالة مع العم و العمّة عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) «3»، و بضميمة الإجماع المركّب يمكن إثبات الحكم في غير هذه الصور أيضاً.

______________________________

(1) كما في الروضة 8: 155، و المسالك 2: 330، و الرياض 2: 360.

(2) المسالك

2: 330، الكفاية: 301.

(3) انظر ص: 314 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 332

و ادّعى السيد في المسائل الناصرية الإجماع على الحكم في صورة اجتماع العم و الخال أيضاً «1».

و خالف في ذلك الحكم جماعة، منهم: العماني و الديلمي و المفيد و الكيدري و ابن زهرة و المصري «2»، فنزلوا الخؤولة و العمومة منزلة الكلالة، الخؤولة منزلة كلالة الأُم، و العمومة منزلة كلالة الأب، فقالوا: إنّ للخؤولة مع الوحدة السدس، و مع التعدد الثلث، و للعمومة الباقي بالقرابة مع وجود الذكر، و الثلثان بالفرض مع عدمه و ثبوت التعدد، و النصف مع عدمه، و الباقي يردّ على الجميع أو على العمومة أو العمة بناءً على الخلاف المتقدم.

و لم أعثر على حجة لهم، و القياس على الكلالة باطل. هذا.

ثم إنه على المشهور المنصور يقتسمون الأخوال ثلثهم بالسوية مع عدم التفرّق، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً أم ذكوراً و إناثاً، و مع التفرّق يعطى المتقرّب بالأُم سدس الثلث مع الوحدة، و ثلثه بدونها، يقتسمونه سويّة، و الباقي للمتقرّب بالأبوين يقتسمونه سويّة على المشهور، و تفاضلًا على قول القاضي و بعض الأصحاب المتقدّم في البحث السابق، إلّا أنّ مرسلة المجمع «3» الشاملة لهذه المسألة تقوّي هاهنا المشهور جدّاً «4».

و الأعمام يقتسمون ثلثيهم سويّة مع عدم الاختلاف في الذكورة و الأُنوثة، و على التفاضل معه، و مع التفرّق يكون تقسيم الثلثين بينهم كتقسيم جميع المال بينهم عند عدم الخؤولة، و الوجه في الجميع واضح.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 223.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 734، الديلمي في المراسم: 223، المفيد في المقنعة: 708، و حكاه عن الكيدري و المصري في المختلف: 735، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(3)

المتقدمة في ص: 262.

(4) في «س»: خاصّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 333

البحث الرابع في ميراث عمومة أب الميّت و خؤولته، و عمومة امّه و خؤولتها، و عمومة جدّة و خؤولته
اشاره

، و هكذا متصاعداً.

و المتعارف الاقتصار على الأول؛ لندرة تحقق الأعلى منه.

و هاهنا مسألتان:

المسألة الأُولى : إذا اجتمع الأعمام و الأخوال الثمانية

، أي: عمّ الأب و عمّته، و خاله و خالته، و عم الام و عمتها، و خالها و خالتها، فذهب الشيخ في النهاية «1»، بل هو المشهور كما في الإيضاح و المسالك «2» و غيرهما «3»: أنّ الثلث لمن يتقرّب منهم بالأُم بالسويّة، و الثلثين لمن يتقرّب منهم بالأب، ثلث الثلثين لخال الأب و خالته بينهما بالسويّة، و ثلثاهما للعمّ و العمّة بينهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و المسألة مركبة من حكمين، أحدهما: التقسيم بين المتقرّبين أثلاثاً. و ثانيهما: تقسيم كلّ متقرّب نصيبه على النحو المذكور.

و قد صُرّح باحتمال المخالفة في كلّ منهما.

أما في الأول: فأحتمل في المسالك أن يجعل للخؤولة الأربعة الثلث يقتسمونه بالسويّة، و للأعمام الثلثين ثلثهما لعمّ الام و عمّتها بالسوية، و ثلثاهما لعمّ الأب و عمّته أثلاثاً «4».

______________________________

(1) النهاية: 657.

(2) الإيضاح 4: 230، المسالك 2: 330.

(3) كالرياض 2: 361.

(4) المسالك 2: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 334

و أمّا في الثاني: فأحتمل أفضل المحقّقين نصير الملّة و الدين الطوسي في فرائضه «1» أن يعطى ثلث الثلث الذي للمتقرّب بالأُم لخالها و خالتها سوية، و ثلثاه لعمها و عمتها كذلك، و سهم الأعمام ينقسم بينهم كالمشهور.

أقول

: أما الحكم الأول، فالحقّ فيه هو المشهور؛ لمرسلة المجمع المتقدمة المنجبرة، و للعمومات الدالّة على أنّ كل نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به «2»، فاحتمال غيره ضعيف.

و أمّا الحكم الثاني، فكذلك أيضاً في ثلث المتقرّب بالأُم؛ للمرسلة المذكورة. و لولاها لاحتمل فيه ما مرّ.

و احتمل أيضاً أن ينقسم ثلث المتقرّب للُام بين الأخوال و الأعمام على التنصيف، بأن يكون

نصفه للأخوال و نصفه للأعمام. و تظهر مخالفته مع المشهور عند وحدة أحد الصنفين.

و وجه الاحتمال تقرّب عمومة الأُم بأب الام، و خؤولتها بأُمّها، و هما يقتسمان كذلك.

ثمّ نصف الثلث يحتمل أن ينقسم بينهما سويّة؛ للتقرّب بالأُم. و أن ينقسم أثلاثاً؛ لقاعدة التفضيل.

و لكن مع المرسلة المذكورة لا ينبغي الالتفات إلى الاحتمال؛ لكونها أخصّ من القاعدة المذكورة، و عدم دليل على اعتبار التقرب إلى الواسطة.

و أما ثلثا المتقرّب بالأب، فيحتمل فيه القسمة للذّكر مثل حظّ الأُنثيين مطلقاً؛ مراعاةً لقاعدة التفضيل، و نظراً إلى إطلاق المرسلة. و يحتمل القسمة أثلاثاً كما في المشهور؛ لاعتبار التقرّب بالواسطة. و لكن مع تقسيم الخال

______________________________

(1) حكاه عنه في الإيضاح 4: 230.

(2) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 335

و الخالة للأب ثلثهما أثلاثاً؛ للقاعدة المذكورة.

و بالجملة المسألة لخلوها عن النصّ محلّ إشكال، و مراعاة الاحتياط مهما أمكن أولى. و لو لم يمكن فلا مفرّ من الأخذ بقاعدة التفضيل المعتضدة بالمرسلة و إن خالف المشهور؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثل المسألة.

و أمّا احتمال تقسيم المتقرّب بالأب أثلاثاً فالثلثان لأعمام الأب، و الثلث لأخواله، أخذاً بقاعدة كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، فغير سديد؛ لأنّ القدر الثابت من تلك القاعدة كون كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الجارّ إلى الميّت، و أمّا كونه بمنزلة الجارّ إلى الجارّ و هكذا فلا يعلم منه. فتأمل. هذا.

ثمّ إنّه يصير الإشكال في المسألة أشدّ، إذا كان كلّ من المتقرّبين متفرّقين، فهل الحكم حينئذ أيضاً كما ذكر أم يراعى التسديس مع وحدة المتقرّب بالأُم وحدها و التثليث مع الكثرة؟ فتأمل جدّاً.

المسألة الثانية:

عمومة الميّت و عمّاته و خؤولته و خالاته

[و أولادهم «1» و إن نزلوا أولى من عمومة أبيه و خؤولته، و عمومة امّه و خؤولتها، و أولادهم. و عمومة الأب أو الأُم و خؤولتهما و أولادهم و إن نزلوا أولى من عمومة الجد و الجدة و خؤولتهما و أولادهم و إن نزلوا. و هكذا. بالإجماع المحقق.

و احتجّوا له أيضاً بحديث الأقربية، و عموم كل ذي رحم بمنزلة

______________________________

(1) أضفناه لاقتضاء العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 336

الرحم الذي يجرّ به.

و لا يخفى أنّ الاحتجاج بالأول إنما يحسن في أولويّة عمومة الميّت و خؤولته من عمومة الأب أو الأُمّ و خؤولتهما، و أولوية عمومة الأب أو الأُم و خؤولتهما عن عمومة الجد و الجدة و خؤولتهما، و هكذا. و أمّا دلالته على أولويّة أولاد عمومة الميت و خؤولته عن عمومة أبيه أو امّه أو خؤولتهما فمحلّ نظر؛ لمنع الأقربيّة مطلقاً، فإنّ كون ابن ابن العم مثلًا أقرب من عم الأب غير معلوم، بل المعلوم ظاهراً خلافه، لكون المرجع في معرفة الأقربيّة هنا العرف أو اللغة، و لا يحكم شي ء منهما على أقربية ابن ابن العم.

و كذا الاحتجاج بالثاني: فإنّه و إن دل على أنّ عمومة أب الميت و خؤولته مثلًا بمنزلة الأب، إلّا أن لتقييده بقوله: «إلّا أن يكون وارث أقرب منه» يدلّ على أنّ اعتبار المنزلة عند عدم الأقرب، فلا يعتبر المنزلة في عمومة الأب و خؤولته مع عمومة الميّت و خؤولته. و يدلّ بالمفهوم على أنّ مع الأقرب تطرح المنزلة، و يؤخذ بالأقرب، فيثبت به الحكم المذكور في اجتماع عمومة الأب مثلًا مع عمومة الميّت.

و لكنّه لا يفيد في الحكم في اجتماع عمومة الأب مع أولاد العمّ؛ لأنّ عموم المنزلة و إن

دلّ على أنّ أولاد عمومة الميّت و خؤولته بمنزلة العمومة و الخؤولة الذين هم بمنزلة الأب و الأُم، و لكنّه يدلّ أيضاً على أنّ عمومه الأب و خؤولتهما أيضاً بمنزلة أب الأب و الأُم، اللذين هما أيضاً بمنزلة الأب و الأُم، فيتساويان من هذه الجهة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 337

البحث الخامس في ميراث أولاد العمومة و الخؤولة
اشاره

اعلم: أنّه إذا فقدت العمومة و الخؤولة جميعاً فالميراث لأولادهم و إن نزلوا؛ بالإجماع، و حديث المنزلة، و صحيحة ابن سنان: قال: «اختلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) و عثمان بن عفّان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو قرابة لا يرثون، فقال علي (عليه السّلام): ميراثه لهم بقول اللَّه تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75. و كان عثمان يقول: يجعل في بيت مال المسلمين» «1».

و قريب منها روايات أُخر.

ثمّ إنّ أولادهم يتقاسمون المال تقاسم آبائهم؛ لأنّ لكلّ ذي رحم نصيب من يتقرّب به.

و يدلّ على الحكم في الجملة أيضاً قوله (عليه السّلام) في رواية سلمة: في ابن عمّ و ابن خالة قال: «للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و المراد من الذكر العمّ الذي ينزل ابن العمّ منزلته، و بالأُنثى الخالة التي ينزل ابنها منزلتها.

و على هذا فيأخذ ولد العمّ أو العمّة و إن كان أُنثى الثلثين، و ولد الخال

______________________________

(1) التهذيب 9: 327، 1175، الوسائل 26: 191 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 1، و الآية في الأنفال: 75، الأحزاب: 6.

(2) التهذيب 9: 328، 1179، الإستبصار 4: 171، 645، الوسائل 26: 193 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 338

أو الخالة و إن كان ذكراً الثلث، و ابن

العمّة مع بنت العمّ الثلث، و يتساوى ابن الخال و ابن الخالة و بنتيهما. و يأخذ أولاد العمّ أو العمّة للأُم السدس إن كان واحداً، و الثلث إن كان أكثر، و الباقي لأولاد العمّ أو العمّة للأبوين أو الأب مع عدمهم. و كذا القول في أولاد الخؤولة المتفرّقين.

و لو اجتمعوا جميعاً فلأولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة للأُم سدس الثلث، و لأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما ثلث الثلث، و الباقي للمتقرّب منهم بالأب، و هكذا الحكم في البواقي.

و نختم الكلام في ميراث ذوي الأنساب بمسائل:

المسألة الاولى [لو اجتمع للوارث سببان أو أكثر من أسباب الإرث ]:

اعلم: أنّه قد يجتمع للوراث سببان أو أكثر من أسباب الإرث، و حينئذ فإن كان مع ذي السببين مَن هو أقرب منه فيهما لم يرث ذو السببين باعتبار شي ء من سببية، و الوجه واضح.

و إن كان معه من هو أقرب منه في أحدهما، كزوج هو ابن عمّ مع أخ، فيرث بالسبب الذي ليس معه من هو أقرب عنه، و لا يرث بالسبب الآخر، لأنّه قد ثبت أنّ الزوج مع الأخ مثلًا المال لهما على التناصف، و لم يثبت تأثير السبب الآخر في رفع هذا الحكم، و لأنّ تأثير السبب الآخر في التوريث إنّما هو إذا لم يكن معه الأخ.

و إن لم يكن معه من هو أقرب في شي ء منهما: فإمّا ليس معه من هو مساوٍ له فيهما، كعمّ هو خال أو هو ابن خال، فالمال كلّه له سواء كان أحد السببين مانعاً عن الآخر أم لا، و لا يترتّب أثر على اجتماع السببين، إذ المفروض انحصار الوارث فيه فالمال له، فإن شئت قلت: كلّه له بأحد السببين، أو بعضه بسبب و بعضه بآخر.

و إن كان معه من هو

مساوٍ له فيهما: فإمّا أن يكون أحد السببين مانعاً

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 339

عن الآخر، كأخ هو ابن عمّ مع أخ، فيرث ذو السببين النصيب الذي يقتضيه أحد سببيه، و هو السبب الأقرب دون السبب الآخر.

لا لكون السبب الآخر ممنوعاً بهذا السبب لأقربيّته؛ لأنّ منع الأقرب للأبعد إنّما هو مع تغايرهما واقعاً لا اعتباراً، إذ تحقّق الأقربيّة و الأبعديّة مع التغاير الاعتباري ممنوع، فإنّ هذا الشخص من حيث كونه أخاً إنّما يكون أقرب منه من حيث كونه ابن عمّ إذا أوجبت الحيثيّتان صيرورته شخصين متغايرين في الواقع، و أمّا مع عدم صيرورته كذلك فكيف يوجب الأقربية و الأبعدية مع عدم انفكاك شي ء من الحيثيتين عن الأُخرى . و قطع النظر عن إحداهما غير مفيد؛ لأنّه أمر غير واقعيّ، فلا يترتب عليه أمر واقعي.

و لا لكون السبب الآخر ممنوعاً بمن يساوي ذا السببين؛ لأنّ المسلّم ممنوعيّته به إذا لم يجتمع معه السبب الآخر، فإنّ ممنوعيّته به لكونه أبعد منه، و لا نسلّم أنّ ابن العم الذي هو أخ أبعد من الأخ.

بل لأنه قد ثبت أن الأخوين المجتمعين مثلًا يقتسمان جميع المال سوية، و لم يثبت زوال هذا الحكم بكون أحدهما ابن عمّ.

أو لا يكون أحد السببين مانعاً عن الآخر، كعم هو خال مع خال مثلًا، و حينئذ فيرث ذو السببين نصيب كلّ سبب، فللعمّ الذي هو خال ثلثا المال لكونه عمّاً، و سدسه لكونه أحد الخالين، و السدس الآخر للخال الآخر.

و وجهه: أنّه قد ثبت أنّ للعمّ مع الخال ثلثي المال سواء كان خالًا أم لا، و أنّ للخال الذي معه خال نصف ما للخالين، سواء كان عمّاً أم لا.

و أيضاً: كونه خالًا لو لم

يوجب تقوية تقرّبه من حيث العمّية لا يوجب ضعفه، و كونه عمّاً لو لم يقوّ تقرّبه من حيث الخالية لا يضعفه.

و أيضاً: قد ثبت أنّ كلّ نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 340

و لا شكّ أنّ العمّ الذي هو خال يجرّ بالأب فهو بمنزلته، لعدم المخصّص، و الخال الذي هو عمّ يجرّ مع الخال الآخر بالأُم فهما بمنزلتها، لعدم المخصّص. هذا.

و تدلّ عليه أيضاً في الجملة صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل: قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن رجل مات و ترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: «يدفع المال كلّه إليها» «1».

ثم إنهم قد ذكروا هاهنا لاجتماع السببين أو الأسباب أمثلة، و نحن أيضاً نذكر ستّة منها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    340     المسألة الاولى لو اجتمع للوارث سببان أو أكثر من أسباب الإرث: ..... ص : 338

وّل: اجتماع نسبين يرث بهما، كعم هو خال. و ذلك بأن يتزوج أخ الشخص من امّه بأُخته من أبيه، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين الزوجين عمّ لأبيه و خال لُامّه.

الثاني: أنساب متعدّدة يرث بها، مثل ابن ابن عمّ لأب، هو ابن ابن خال لُامّ، هو ابن بنت عمة، هو ابن بنت خالة. و ذلك بأن يكون للشخص المذكور في المثال الأوّل أُخت لأب و أُم، و كان له أيضاً ابن، و لها بنت، فيتزوجان فيتولّد منهما ابن، فهو بالنسبة إلى الولد المذكور في المثال الأول مجمع القرابات الأربع.

الثالث: نسبان يحجب أحدهما الآخر، كأخ هو ابن عمّ. و ذلك بأن يتزوّج الرجل امرأة أخيه بعد أن ولدت منه ولداً، ثمّ أولدها الأخ

الثاني آخر، فهو أخ الولد الأول و ابن عمّه.

الرابع: سببان لا يحجب أحدهما الآخر، كزوج هو معتِق.

______________________________

(1) التهذيب 9: 295، 1057، الإستبصار 4: 151، 569، الوسائل 26: 102 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 341

الخامس: سببان يحجب أحدهما الآخر، كالإمام الذي هو معتِق.

السادس: نسب و سبب [لا «1»] يحجب أحدهما الآخر، كابن عمّ هو زوج، أو بنت عمّة هي زوجة.

و قد مرّت صور أُخرى في أوّل كتاب الميراث أيضاً.

فأيده

: اعلم أنّه من الأقرباء الذي يجتمع فيه السببان الأخ من الأبوين، و العمّ منهما، و الخال منهما، فإنّه أخ أو عمّ أو خال لأب، و أخ أو عمّ أو خال لُام، فعلى القاعدة المذكورة يلزم أنّه لو اجتمع أحدهم مع المتقرّب بالأُم وحدها ممّن هو في مرتبته أن يكون لأحدهم نصيب من يتقرّب بالأب وحده لو اجتمع مع المتقرّب بالأُم، و يشارك أيضاً المتقرّب بالأُم في نصيبه. و لكن انعقاد الإجماع على خلافه فيهم أوجب ترك ملاحظة القاعدة المذكورة فيهم.

المسألة الثانية: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الأخوال و الأعمام

فله نصيبه الأعلى من النصف أو الربع، إجماعاً. و تدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتقدمة بعضها، الدالة على أنّهما لا ينقصان من نصيبهما الأعلى إلّا مع الولد، كصحيحة محمد، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها: «و إن الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد، و لا تنقص الزوجة شيئاً من الربع إذا لم يكن ولد» «2».

ثمّ الباقي ينقسم بين الأخوال و الأعمام، للأخوال ثلث الأصل واحداً كان أو أكثر، ذكراً أم أُنثى، و الباقي للأعمام كذلك، فيدخل النقص عليهم.

و الدليل عليه بعد الإجماع كون الخال و الخالة بمنزلة الأُم و لها الثلث،

______________________________

(1) أضفناه لتصحيح

المتن.

(2) الكافي 7: 82، 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 342

و كون العمّ و العمّة بمنزلة الأب و له الباقي بعد نصيب الام و أحد الزوجين.

ثمّ كلّاً من الفريقين أي الخؤولة و العمومة يقتسمون نصيبهم على النحو الذي سبق.

المسألة الثالثة: لو اجتمع أحدهما مع أحد الفريقين من الأعمام و الأخوال

خاصّة فله نصيبه الأعلى بالإجماع، و الباقي لأحد الفريقين. و هو إن كان واحداً فلا إشكال، و كذا إن كان متعدّداً مع اتّحاد الجهة كالأعمام من الأب خاصّة، أو من الام كذلك، أو الأخوال كذلك.

و أمّا مع اختلاف الجهة فإن كان أحد الفريقين من العمومة فقالوا: إنّ لمن يتقرّب منهم بالأُم سدس الأصل مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد، و الباقي للمتقرّب بالأب.

و لم أعثر فيه على مخالف، نعم كلام الفاضل في القواعد يحتمل المخالفة «1»، بأن يجعل للمتقرّب بالأُم سدس الباقي كما لا يخفى ، و ظاهر المسالك أيضاً التردّد «2» و قال في المسالك: و لم يذكروا هنا خلافاً.

و إن كان من الخؤولة فالمشهور بل الظاهر من كلام الأصحاب كما في المسالك: أنّه أيضاً كالعمومة «3»، فللمتقرّب بالأُم سدس الأصل مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد، و الباقي للمتقرّب بالأب.

و لكنّ الفاضل في القواعد و التحرير لم ينقل هذا القول، و اقتصر على القولين الآتيين «4». و قال في الدروس: إنّه قد يفهم من كلام الأصحاب أنّ

______________________________

(1) القواعد 2: 176.

(2) المسالك 2: 331.

(3) المسالك 2: 331.

(4) القواعد 2: 175، التحرير 2: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 343

للخال للُام بعد نصيب الزوجة سدس الأصل إن اتّحد، و ثلثه إن تعدّد «1».

و ذلك كما ترى يوجب الوهن في الشهرة.

و نقل في التحرير و القواعد

و المسالك و الدروس، و غيرها «2» قولًا بأنّ للمتقرّب بالأُم سدس الباقي لا غير، فيجعل حصّة الزوج داخلة على الجميع.

و ذهب الفاضل في القواعد و التحرير و ولده فخر المحقّقين و الشهيد في الدروس إلى أنّ للمتقرّب بالأُم سدس الثلث مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد «3».

للمشهور: أنّ النقص لا يدخل على المتقرّب بالأُم، فيكون له نصيبه لولا أحد الزوجين.

و فيه: أنّه إن أُريد بالمتقرّب بالأُم المتقرّب بأُم الميّت، فعدم دخول النقص عليه مسلّم، و لكنّ هذه النسبة ثابتة لمطلق الخؤولة من غير اختصاص له بالخال للُام، فيتساوى الجميع. و إن أُريد به المتقرّب بأُم أُمّ الميّت حتّى يكون الخال للُام بمنزلة الجدّة للُام، و الخال للأب بمنزلة الجدّ لها، فلا دليل على عدم دخول النقص عليه، بل يدخل عليه، لأنّ الجدّ و الجدّة للُام يقتسمان المال بعد نصيب أحد الزوجين على التساوي كما مرّ.

للقول الثاني: أنّ للمتقرّب بالأُم من الخؤولة سدس نصيب الخؤولة مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد «4».

______________________________

(1) الدروس 2: 374.

(2) كالروضة 8: 159.

(3) القواعد 2: 175، التحرير 2: 166، فخر المحققين في الإيضاح 4: 230، الدروس 2: 373.

(4) كذا وردت العبارة في جميع النسخ، و الظاهر أنها لا تناسب دليلًا للقول الثاني، و لعلّه قد وقع خلط في النسخ. و نحن نذكر عبارة الجواهر في مقام اختيار هذا القول و الاستدلال له: .. و بذلك يظهر أنّ المتّجه في المفروض أنّ للخال من الام سدس ما بقي بعد نصيب الزوج، لأنه هو نصيب الام المنتقل إلى الخؤولة جميعهم، لا سدس الأصل. الجواهر 39: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 344

و فيه: أنّ ذلك ممنوع، و لا دليل عليه، و

أخذه سدس الأصل بدون أحد الزوجين لو سلّم للإجماع، و الإجماع يحتمل أن يكون على أنّ له سدس الأصل مطلقاً، أو يكون مخصوصاً بصورة عدم وجود أحد الزوجين، على أنّ في تحقّق الإجماع فيه أيضاً كلام.

للثالث: أنّ الثلث نصيب الخؤولة، و للمتقرّب منهم بالأُم سدسه أو ثلثه.

و ضعفه ظاهر، فإنّ الثلث نصيبهم إذا اجتمعوا مع العمومة لا مطلقاً.

و إذ عرفت ضعف هذه الأدلّة فنقول: إنّ مقتضى قاعدة كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به أن ينزّل المتقرّب بالأُم بمنزلة أُم الأُم؛ لأنّها الرحم الذي يجرّ به، و المتقرّب بالأب منزلة أب الأب، و هما يقتسمان نصيبهما بالسويّة، فهاهنا أيضاً كذلك.

و أمّا قاعدة التفضيل فلا تعارض ذلك؛ لكونها أعمّ من ذلك، و لكون الأخبار الدالة على ذلك أقوى سنداً و أوضح دلالة.

فعلى هذا لا مفرّ من الأخذ بهذه القاعدة إلّا إذا ثبت الإجماع المركب، و ثبوته هنا سيما بملاحظة أنّ أكثر هذه المسائل لكونها غير عامة البلوى خالٍ عن قول من المعصوم، فباتفاق جمع من العلماء لا يحصل العلم بدخول قوله و إن كان ذلك الجمع ممن يحكم الحدس بدخول قول المعصوم فيما حكموا به باتفاقهم في المسائل العامة البلوى .

بل نقول بمثل ذلك فيما إذا كان المجامع لأحد الزوجين الأعمام المتفرقون أيضاً. و مقتضى القاعدة فيهم انقسام المال بين المتقرب بالأُم منهم و المتقرب بالأب أثلاثاً؛ لأنه كيفية القسمة بين الجد و الجدة للأب.

المسألة الرابعة:

لا ريب في أنّ حكم أولاد العمومة و الخؤولة مع أحد الزوجين كحكم آبائهم و أُمهاتهم، و الوجه و التفصيل واضح مما سبق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 345

المقصد الثاني في ميراث ذوي الأسباب

اشاره

و الأسباب الموجبة للإرث اثنان: زوجية، و وَلاء بفتح الواو بمعنى القرب. و المراد به هنا: تقرّب أحد الشخصين بالآخر بالعتق، أو ضمان الجريرة، أو الإمامة، فأقسام الولاء ثلاثة.

و هاهنا أربعة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 347

الفصل الأول في بعض أحكام الزوجين
اشاره

و إنما قلنا بعض أحكامهما لأنه قد سبق جملة من أحكام ميراثهم، بل سبق اصولها، و قد بقيت هاهنا أحكام نذكرها في مسائل:

المسألة الأُولى : الزوجان يتوارثان ما دامت الزوجة في حبال الزوج و إن لم يدخل بها

؛ للإجماع، و صدق الزوجية، و أصالة عدم اشتراط الدخول، فيدل عليه جميع العمومات و الإطلاقات المتقدمة.

و يدلُّ عليه أيضاً الروايات الآتية الدالة على ثبوت التوارث بين الصغيرين «1»، و خصوص صحيحة محمد: في الرجل يموت و تحته امرأة لم يدخل بها قال: «لها نصف المهر، و لها الميراث كاملًا» «2».

و صحيحة عبيد بن زرارة: عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها، قال: «إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها النصف و عليها العدة كملا، و لها الميراث» «3».

و مثلها صحيحة الحلبي «4» و رواية البجلي «5».

______________________________

(1) انظر ص: 353.

(2) الكافي 6: 118، 1، التهذيب 8: 144، 499، الإستبصار 3: 339، 1207، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 1.

(3) الكافي 6: 118، 2، التهذيب 8: 144، 500، الإستبصار 3: 339، 1208، الوسائل 21: 327 أبواب المهور ب 58 ح 3.

(4) الكافي 6: 118، 4، التهذيب 8: 144، 501، الإستبصار 3: 339، 1209، الوسائل 21: 328 أبواب المهور ب 58 ح 6.

(5) الكافي 6: 118، 3، الوسائل 21: 327 أبواب المهور ب 58 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 348

و موثقة ابن أبي يعفور: «في المرأة توفيت قبل أن يدخل بها، ما لها من المهر؟ و كيف ميراثها؟ فقال: إذا كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف المهر، و هو يرثها، و إن لم يكن فرض لها صداقاً فلا صداق لها. و قال في رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته، قال: إن كان قد فرض لها مهراً فلها

نصف المهر، و هي ترثه» «1».

و موثقة عبيد بن زرارة و البقباق: قالا، قلنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها و قد فرض لها الصداق؟ فقال: «لها نصف الصداق، و ترثه من كل شي ء، و إن ماتت فهو كذلك» «2» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان الزوج مريضاً حال التزويج و لم يبرأ من مرضه، و يأتي بيانه.

المسألة الثانية: إذا كانت الزوجة مطلّقة رجعية فيتوارثان إذا مات أحدهما في العدة

بالإجماع؛ للأخبار العديدة، كصحيحة الحلبي: قال: «إذا طلّق الرجل و هو صحيح لا رجعة له عليها، لم ترثه و لم يرثها» و قال: «هو يرث و يورث ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة إذا كان له عليها رجعة» «3».

و صحيحة محمد بن قيس: «أيّما امرأة طُلِّقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها و لم تحرم عليه فإنها ترثه ثم تعتد عدّة المتوفى عنها

______________________________

(1) الكافي 6: 119، 6، التهذيب 8: 147، 510، الإستبصار 3: 341، 1220، الوسائل 21: 328 أبواب المهور ب 58 ح 8.

(2) الكافي 6: 119، 7، التهذيب 8: 147، 511، الإستبصار 3: 342، 1221، الوسائل 21: 329 أبواب المهور ب 58 ح 9.

(3) الكافي 7: 134، 3، التهذيب 9: 383، 1369، الوسائل 26: 223 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 349

زوجها، و إن توفيت و هي في عدتها و لم تحرم عليه فإنه يرثها» «1».

و موثقته و هي قريبة منها أيضاً «2».

و موثقة زرارة: عن الرجل يطلّق المرأة، قال: «ترثه و يرثها ما دام له عليها رجعة» «3».

و موثقة محمد: عن رجل طلّق امرأته تطليقة على طهر، ثم توفي عنها و

هي في عدتها، قال: «ترثه و تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و إن كانت قبل انقضاء العدة منه ورثها و ورثته، و إن قتل أو قتلت و هي في عدتها ورث كل واحد منهما من دية صاحبه» «4». إلى غير ذلك.

و لا تعارض ذلك صحيحة الحلبي: عن الرجل يحضره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: «نعم، و إن مات ورثته، و إن ماتت لم يرثها» «5».

لإطلاقها فيجب تقييدها بالطلاق البائن. و لا ينافيه الحكم بإرث الزوجة؛ لما يأتي من أنّ الزوج إذا كان مريضاً و طلّق بائناً ترثه الزوجة،

______________________________

(1) الكافي 6: 121، 6، التهذيب 8: 79، 269، الإستبصار 3: 305، 1087، الوسائل 22: 250 أبواب العدد ب 36 ح 3، 4.

(2) التهذيب 9: 381، 1362، الإستبصار 3: 343، 1225، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 8.

(3) الكافي 7: 134، 2، التهذيب 9: 383، 1368، الإستبصار 3: 308، 1095، الوسائل 26: 223 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 4.

(4) التهذيب 8: 81، 276، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 5. و لا يخفى أنّ فقرة: «و إن قتل ..» إلى آخر الرواية مذكورة في ذيل موثقة أُخرى لمحمد. راجع: التهذيب 9: 381، 1363، الإستبصار 4: 194، 730، الوسائل 26: 225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 9.

(5) الكافي 6: 123، 11، الفقيه 3: 354، 1695، التهذيب 8: 79، 268، الوسائل 22: 151 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 350

على أنه لولا ذلك أيضاً لم يضر، لوجوب الحكم بشذوذها، لمعارضتها للأخبار الصحاح المستفيضة المعاضدة بالإجماع.

و أما إذا كانت بائنة كغير المدخول

بها و اليائسة و المطلقة ثالثة و المختلعة و المباراة فلا توارث بينهما إجماعاً؛ لمنطوق الصحيحة الأُولى ، و مفهوم الموثقة الثانية، و صحيحة زرارة: «إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة، و لا ميراث بينهما» «1».

و حسنة عبد الأعلى مولى آل سام، و في آخرها: و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يطلّق امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة، قال: «قد بانت منه بتطليقها، و لا ميراث بينهما في العدة» «2».

و صحيحة يزيد الكناسي: «لا ترث المختلعة و المخيرة و المباراة و المستأمرة في طلاقها، هؤلاء لا يرثن من أزواجهن شيئاً في عدتهن، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينهن و بين أزواجهن من ساعتهن، فلا رجعة لأزواجهن، و لا ميراث بينهم» «3» و غير ذلك من الأخبار.

و أما إطلاق التطليقة في الموثقة الأخيرة و غيرها من الأخبار فمقيدة بالرجعية، لوجود المقيد.

و أما موثقة يحيى الأزرق: «المطلقة ثلاثاً ترث و تورث ما دامت في عدتها» «4».

______________________________

(1) الفقيه 4: 228، 723، الوسائل 26: 225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 10.

(2) التهذيب 9: 384، 1372، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 7.

(3) التهذيب 9: 384، 1371، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 6.

(4) التهذيب 8: 94، 320، الإستبصار 3: 290، 1026، الوسائل 22: 156 أبواب أقسام الطّلاق و أحكامه ب 22 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 351

فحملها في التهذيبين على ما إذا وقعت الثلاث في مجلس واحد فتحسب بواحدة يملك معها الرجعة «1».

و هو حسن، حيث اشتهر التطليق بهذا النحو بين العامة. و مع قطع النظر

عنه فلا تعارض ما تقدم، لأصحيته و أكثريته و اعتضاده بالإجماع.

ثم إنّه استثني من عدم الإرث مع الطلاق البائن ما لو كان المطلّق مريضاً، فإنها ترثه إلى سنة و لا يرثها هو، و يأتي تحقيقه.

المسألة الثالثة: إذا كنّ الزوجات أكثر من واحدة فلا يزيد لهنّ من الربع عند عدم الولد، و الثمن معه

، بل هنّ مشتركات في الربع أو الثمن يقتسمونه بالسوية بالإجماع، و الأخبار.

منها صحيحة علي بن مهزيار الآتية في المسألة الحادية عشرة «2».

و منها الرواية الآتية في المسألة الرابعة «3».

و منها رواية أبي عمر العبدي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و فيها: «و لا تزاد المرأة على الربع و لا تنقص من الثمن و إن كنّ أربعاً أو دون ذلك، فهنّ فيه سواء» «4».

و هذه الرواية مما شهد الفضل بأن هذا حديث صحيح على موافقة الكتاب «5».

و قد يتأمل في دلالته من حيث إمكان إرجاع الضمير المجرور في

______________________________

(1) التهذيب 8: 94، الاستبصار 3: 291.

(2) انظر ص: 397.

(3) انظر ص: 350 و 351.

(4) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، الوسائل 26: 196 أبواب ميراث الأزواج ب 2 ح 1؛ و في الفقيه و التهذيب: أبو عمرو العبدي.

(5) الفقيه 4: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 352

قوله: «فيه» إلى الحكم، دون الربع أو الثمن، و إرادة كل واحد منهن من قوله «فهن».

و لا يخفى ما فيه، فإنه موقوف على تقدير كل واحد، و هو خلاف الأصل.

و قد يعلل أيضاً بأنه لو أُعطيت كل زوجة ذلك لاستغرق نصيبهن التركة على بعض الوجوه أو مع نصيب بعض الورثة كالأبوين، فيلزم حرمان غيرهن أجمع، أو بعضهم، و هو خلاف الإجماع، بل الأخبار الكثيرة، منها ما دلّت على أنّ الأُم لا تنقص من السدس شيئاً.

المسألة الرابعة: إذا كان لرجل أربع نسوة فطلّق إحداهن بائنة و تزوج بالأُخرى

، أو رجعية و تزوج بعد العدة، ثم مات و اشتبهت المطلّقة، كان للأخيرة ربع الربع أو ربع الثمن و يقسم الباقي بين الأربعة بالسوية، وفاقاً لغير الحلّي، و هو قال: إنّ بعد وضع نصيب الأخيرة يقرع بين الأربع، فمن أخرجتها القرعة بالطلاق

مُنعت من الإرث، و حكم بالنصيب للباقيات بالسوية «1».

لنا: رواية أبي بصير: «عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد أو قال: في مجلس واحد و مهورهنّ مختلفة، قال: «جائز له و لهنّ» قال: أ رأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع و أشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد، و هم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة تلك المطلقة، ثم مات بعد ما دخل بها،

______________________________

(1) نُسب الخلاف إلى الحلّي في كشف الرموز 2: 464، و التنقيح 4: 193، و الدروس 2: 361، و الروضة 8: 178. و لكن لم نعثر عليه في السرائر، بل الظاهر أنه موافق للأصحاب كما ذكره في مفتاح الكرامة 8: 185، و أُنظر السرائر 3: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 353

كيف يقسّم ميراثه؟ قال: «إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، و إن عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها و نسبها فلا شي ء لها من الميراث، و ليس عليها العدة، قال: و يقتسمن الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك، و عليهنّ العدة، و إن لم تُعرف التي طلّقت من الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهنّ جميعاً، و عليهنّ جميعاً العدّة» «1».

و هذه الرواية مع صحتها على ما وصفها به الأكثر و إن كان فيه كلام لاحتمال اشتراك أبي بصير الراوي عن أبي جعفر (عليه السّلام) بين الثقة و غير الثقة كما حققناه في موضعه معتضدة باشتهار الرواية بين العلماء و عملهم بمضمونها استناداً إليها، بل بظاهر الإجماع.

احتجّ الحلي بأنّ القرعة لكل

أمر مشتبه، إما مطلقاً، أو في الظاهر مع كونه معيَّناً عند اللَّه، و الأمر هنا كذلك، لأنّ المطلّقة غير وارثة في نفس الأمر.

و بأنّ الحكم بتوريث الجميع يستلزم توريث من يعلم عدم إرثه، للعلم بأنّ إحدى الأربع غير وارثة.

و الجواب عن الأول: بأنّ الاشتباه إنما كان لو لم يكن الدليل، قوله: المطلّقة غير وارثة، قلنا: المطلّقة المعيّنة دون المشتبهة.

و عن الثاني: بأنّ العلم بأنّ إحدى الأربع غير وارثة ممنوع، بل كان ذلك لو لم تكن مشتبهة، نعم هذا حسن على أصله حيث لا يعمل بالآحاد. هذا.

ثم إنّه هل يتعدى الحكم إلى غير المنصوص أيضاً كما لو كان للمطلِّق

______________________________

(1) الكافي 7: 131، 1، التهذيب 8: 93، 319، الوسائل 26: 217 أبواب ميراث الأزواج ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 354

دون أربع زوجات، أو لم يتزوج أُخرى، أو تزوج بأكثر من واحدة، أو طلّق أكثر من واحدة، أو حصل الاشتباه في جملة الخمس، أو الأكثر، أو اشتبهت المطلّقة في أقل من الأربع: أو فسخ نكاح واحدة لعيب أو غيره.

فيه وجهان: أحدهما: انسحاب الحكم السابق في جميع هذه الفروع، و الثاني: القرعة.

قوّى الأخير في المسالك، ثم قال: و الصلح خير «1».

و قال في الإيضاح: و الأقوى عندي الصلح أو القرعة «2».

و توقف فيه جمع منهم الفاضل «3» و الشهيد «4».

و هو في موقعه؛ لأنّ استصحاب الحكم السابق لكل منهما يقتضي الأول، و لا يضرهُ العلم بعدم زوجية الجميع كما في استصحاب الطهارة في كل من الأوان الأربع المشتبهة. و قولهم (عليهم السّلام): القرعة لكل أمر مشتبه، يثبت الثاني. و يمكن منع الاشتباه لمكان الاستصحاب.

و منه يظهر رجحان الأول، إلّا أنّ الاستصحاب إنما يجري فيما

إذا لم تزد الزوجات التي يقسم المال بينهنّ عن الأربع، و إلّا فالحكم الجاري حينئذ غير الحكم السابق، لنقص النصيب، فالرجوع إلى القرعة حينئذ أولى. و الأولى منها، بل منهما: الصلح.

و قد يستدل للأول أيضاً بأنّ جميع هذه الفروع مشاركة للمنصوص في المقتضي، و هو اشتباه المطلّقة بغيرها و تساوي الكل في الاستحقاق،

______________________________

(1) المسالك 2: 332.

(2) الإيضاح 4: 240.

(3) القواعد 2: 178.

(4) الدروس 2: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 355

فلا ترجيح بينها. و أنه لا خصوصية ظاهرة في قلّة المشتبه و كثرته، فالنص على عين لا يفيد التخصيص بالحكم، بل للتنبيه على مأخذ الحكم و إلحاق كل ما حصل فيه الاشتباه به.

و فيهما: أنّ مآلهما إلى قياس لا نقول به.

المسألة الخامسة: إذا زوّج الصبيةَ وليّها لبالغٍ، أو الصبي وليّه لبالغةٍ، أو الصبي و الصبية وليّاهما

، ورث كل منهما الآخر لو مات، بلا خلاف ظاهر.

و يدلُّ على الجميع عمومات ميراث الزوج و الزوجة. و على الأخير خصوص صحيحة محمد، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في الصبي يتزوج الصبية، يتوارثان؟ قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم» «1».

و مثلها رواية عبيد بن زرارة «2».

و أما صحيحتا الحلبي «3» و الحذاء «4» الدالتان على ثبوت الخيار للصغيرين اللذين زوجاهما ولياهما، و نفيِ التوارث بينهما إن ماتا قبل البلوغ و عزلِ نصيب الحي إن مات أحدهما إلى أن يبلغ و يحلف.

فمتروكتان معارضتان بأقوى منهما من الأخبار النافية للخيار حينئذ «5».

فإن قيل: بطلان الخيار لا يوجب بطلان نفي التوارث، فإنّ فساد جزء من الحديث لا يوجب فساد الجزء الآخر.

______________________________

(1) التهذيب 7: 388، 1556، الوسائل 20: 292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.

(2) الكافي 7: 132، 3، الفقيه 4: 227، 720، الوسائل 22: 80 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 33 ح

2.

(3) الفقيه 4: 227، 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.

(4) الكافي 7: 131، 1، التهذيب 7: 388، 1555، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

(5) انظر الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3 و 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 356

قلنا: نعم إذا لم يحتمل ترتب الحكم المستفاد من الجزء الثاني على الحكم المستفاد من الأول، فإن علم ذلك أو احتمل يخرج الثاني أيضاً عن الحجيّة.

فإن قيل: الأصل عدم الترتب.

قلنا: ممنوع كما بينا في موضعه، فإنّ الحكم معلول لعلة، و هي كما يمكن أن تكون غير ذلك الجزء وحده يمكن أن تكون مع ذلك الجزء أو مجرد ذلك الجزء. مع أنّ الترتب فيما نحن فيه معلوم؛ لتعليل نفي ميراث الزوج في الصحيحة بثبوت الخيار لهما.

على أنّهما لا تعارضان الأُوليين؛ لموافقة الأُوليين لعموم الكتاب، بل معاضدتهما لظاهر الإجماع و عموم الروايات.

هذا كله إذا سلّمنا أنّ المراد بالولي في صحيحة الحذاء هو الأب أو الجد، و أمّا إذا قلنا بكونه غيره كما هو الظاهر كما يأتي فالأمر أسهل.

هذا إذا كان التزويج من كفو و بمهر المثل. و لو تخلّف أحدهما أو كلاهما فإن قلنا بصحة العقد و عدم الخيار فكذلك أيضاً بلا إشكال، و كذا إن قلنا في صورة تخلّف مهر المثل بالخيار بين المسمى و الرجوع إلى مهر المثل.

و إن قلنا بالبطلان فلا توارث بلا إشكال أيضاً.

و إن قلنا بالخيار في العقد فجعله في المسالك كالأول أيضاً؛ لصدق الزوجية «1».

و لا ينافيه ثبوت الخيار، كما لا ينافي ثبوته في الملكية، سيما إذا لم يكن الخيار ثابتاً إلّا بعد زمان. و عدم التوارث في العقد

الفضولي لو ماتا

______________________________

(1) المسالك 2: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 357

قبل البلوغ لا يوجب عدمه هنا، لقيام الفارق، فإنّ المقتضي التام للزوجية هاهنا متحقق و الفسخ رافع له، بخلاف الفضولي فإنّه لا يتم المقتضي إلّا بعد الإجازة، و لذا يحتاج انتفاء الزوجية هاهنا إلى أمر هو الفسخ، و يحتاج ثبوتها في الفضولي إلى أمر هو الإجازة.

و هو كان حسناً لولا التعليل الآتي في صحيحة الحذاء لنفي التوارث بالخيار، و لكنه ينفي التوريث عن ذي الخيار لا عن الجانبين، فهو الأقوى، كما هو الحكم لو قلنا بكونه حينئذ كالفضولي، فإنّه لا ينتفي التوارث من الجانبين، بل ينظر إلى من له الخيار و الميت، فيحكم بما يقتضيه.

و لو زوجهما غير الولي فضولًا و لم يكن لهما ولي يجيز العقد أو يردّه، فلو مات أحدهما أو كلاهما قبل البلوغ بطل العقد، و لا ميراث لشي ء منهما. و لو بلغ أحدهما و أجاز العقد ثم مات قبل بلوغ الآخر عزل للآخر نصيبه، فإن مات أو ردّ بعد البلوغ لم يرث، و إن أجاز حلف على عدم سببية الرغبة في الميراث أو المهر للإجازة و ورث.

و تدل على الحكم صحيحة الحذاء: عن غلام و جارية زوجهما وليّان لهما و هما غير مدركين، فقال: «النكاح جائز و أيهما أدرك كان له الخيار، و إن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا» قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت: فإن كان الرجل الذي أُدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية. أ ترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتى

تدرك، فتحلف باللَّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قلت: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت، أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت» قلت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 358

فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال: «يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية» «1».

وجه الاستدلال أنّ المراد بالوليين غير الأب و الجد من الوصي لأحدهما أو الحاكم أو مطلق الأقارب كما ورد كثيراً في الأخبار بقرينة قوله في آخر الحديث «فإن كان أبوها». و أيضاً: لم تثبت الحقيقة الشرعية و لا العرفية العامة في الولي، و إنما يحمل على الأب و الجد بمعونة القرائن، و لا قرينة هنا، بل القرينة موجودة على خلافه.

و دلالتها على عدم التوارث إن ماتا معاً قبل البلوغ: بقوله «و إن ماتا ..».

و على عدمه إن مات أحدهما: بقوله «إلّا أن يكونا ..» و بقوله «فإن ماتت الجارية».

و على الحلف و التوريث مع موت أحدهما بعد الإجازة و حياة الآخر إلى البلوغ: بقوله «فإن كان الرجل.».

ثم إنّ هذه و إن كانت مخصوصة بما إذا مات الرجل بعد البلوغ و الرضا، إلّا أنّ الأصحاب حملوها عليه أيضاً للاشتراك في العلة، و الأصل يقتضي انتفاء الحلف و التوريث، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه، فتأمل.

و هل يثبت الحكم لو كان تزوّج بالغ بغير بالغة فضولًا أو زوّجه وليه بها ثم مات؟

فيه وجهان، لعدم خصوصية ظاهرة لوقوع العقد من الطرفين فضولًا، و رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال في الرجل يزوّج ابنه

______________________________

(1) الكافي 7: 131،

1، التهذيب 7: 388، 1555، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 359

يتيمة في حجره و ابنه مدرك و اليتيمة غير مدركة قال: «نكاحه جائز على ابنه، و إن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك، فإذا أدركت حلفت باللَّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالنكاح، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قال: «و إن ماتت هي قبل أن تدرك و قبل أن يموت الزوج لم يرثها الزوج، لأنّ لها الخيار عليه إذا أدركت، و لا خيار له عليها» «1».

ثم إنّه فيما إذا وقع العقد فضولياً من الجانبين أو من أحدهما و قلنا باتحاد الحكم لو مات المجيز بعد الإجازة و قبل الحلف، فالظاهر انتفاء الإرث، لكونه موقوفاً على اليمين و لم يتحقق، فيعمل بمقتضى الأصل، و كذا لو نكل. و لو جنّ يعزل نصيبه إلى أن يُفيق فيحلف أو يموت أو حصل اليأس من إفاقته فيردّ إلى سائر الورثة.

و هل يكون حكم المجنونين حكم الصغيرين؟

قيل: الظاهر نعم. و هو غير متجه، لأنه لا يثبت إلّا بالقياس، و هو باطل.

و هل ينسحب الحكم إلى البالغين إذا زوجهما الفضولي؟

الأقرب: لا، و الوجه ظاهر.

المسألة السادسة [هل تحرم الزوجة عن شي ء من ميراث الزوج في الجملة؟]:

اعلم أنه انعقد الإجماع من علمائنا إلّا الإسكافي «2» على حرمان الزوجة عن شي ء من ميراث الزوج في الجملة، و عن نكت الإرشاد و شرح الشرائع للصيمري ادعاء الإجماع عليه «3»، و عن

______________________________

(1) الفقيه 4: 227، 721، الوسائل 21: 330 أبواب المهور ب 58 ح 14.

(2) حكاه عنه في المختلف: 736.

(3) حكاه عنهما في الرياض 2: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 360

الانتصار و السرائر و المسالك و ظاهر الغنية «1»

و غيرها «2» أنه من متفردات الإمامية، و لكن وقع الخلاف في ذلك في بعض المواضع.

و نحن نذكر أولًا الأخبار الواردة في هذا المقام، ثم نتبعه بتفصيل المراد.

و نقول: الأخبار في هذا المضمار كثيرة جدّاً:

الأول: رواية محمد: «النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً» «3».

و الثاني: صحيحة زرارة: «إنّ المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدواب شيئاً، و ترث من المال و الفرش و الثياب و متاع البيت مما ترك، و يقوّم النقض و الأبواب و الجذوع و القصب و تعطى حقها منه» «4».

و الثالث: موثقته و هي مثل الصحيحة إلّا أنّه قال: «الرقيق» بدل «الفرش» و لم يذكر الأبواب «5».

الرابع: رواية طربال و هي مثل الموثقة، إلّا أنّه قال «و يقوّم نقض الأجذاع و القصب و الأبواب» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 301، السرائر 3: 258، المسالك 2: 334، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(2) انظر: كشف اللثام 2: 301، و الرياض 2: 364.

(3) الكافي 7: 127، 1، التهذيب 9: 298، 1066، الإستبصار 4: 152، 572، الوسائل 26: 207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 4.

(4) الكافي 7: 127، 2، التهذيب 9: 298، 1065، الإستبصار 4: 151، 571، الوسائل 26: 205 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 1.

(5) التهذيب 9: 299، 1072، الإستبصار 4: 153، 578، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.

(6) الفقيه 4: 252، 811، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 361

الخامس: صحيحة الفضلاء الخمسة: «المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض، إلّا أن يقوّم الطوب و الخشب قيمة فتعطى

ربعها أو ثمنها إن كان له ولد من قيمة الطوب و الجذوع و الخشب» «1».

السادس: حسنة زرارة و محمد: «لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً» «2».

السابع: رواية عبد الملك بن أعين: «ليس للنساء من الدور و العقار شي ء» «3».

الثامن: رواية يزيد الصائغ: عن النساء، هل يرثن الأرض؟ فقال: «لا، و لكن يرثن قيمة البناء» قال، قلت: فإنّ الناس لا يرضون أبداً، فقال: «إذا ولينا و لم يرض الناس ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف» «4».

التاسع: روايته أيضاً: «إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً، و لكن لهنّ قيمة الطوب و الخشب» الحديث «5».

العاشر: صحيحة مؤمن الطاق: «لا يرثن النساء من العقار شيئاً، و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل» يعني بالبناء: الدور، و إنما عنى من النساء

______________________________

(1) الكافي 7: 128، 3، التهذيب 9: 297، 1064، الإستبصار 4: 151، 570، الوسائل 26: 207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 5؛ و كلمة: «له ولد» غير موجودة في التهذيب و الاستبصار.

(2) الكافي 7: 128، 4، الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 6.

(3) الكافي 7: 129، 9، التهذيب 9: 299، 1070، الإستبصار 4: 152، 576، الوسائل 26: 209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 10.

(4) الكافي 7: 129، 8، الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 8.

(5) الكافي 7: 129، 10، التهذيب 9: 299، 1069، الإستبصار 4: 152، 575، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 362

الزوجة «1».

الحادي عشر: رواية ميسر بياع الزطي: عن النساء ما لهنّ من الميراث؟ قال: «لهنّ قيمة الطوب و البناء و الخشب و القصب، فأما

الأرض و العقارات فلا ميراث لهنّ فيه» قال، قلت: فالثياب؟ قال: «الثياب لهنّ نصيبهن» «2».

الثاني عشر: رواية محمد: «ترث المرأة الطوب، و لا ترث من الرباع شيئاً» «3» الحديث.

الثالث عشر: صحيحة زرارة أو محمد: «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً، و لكن يقوّم البناء و الطوب و تعطى ثمنها أو ربعها» «4» الحديث.

الرابع عشر: حسنة حماد بن عثمان: «إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب و الطوب لئلّا يتزوّجن فيدخل عليهم» «5».

الخامس عشر: رواية محمد و زرارة: «إنّ النساء لا يرثن من الدور و لا من الضياع شيئا، إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء» «6».

______________________________

(1) الفقيه 4: 252، 809، الوسائل 26: 211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 16.

(2) الكافي 7: 130، 11، الفقيه 4: 251، 807، التهذيب 9: 299، 1071، الإستبصار 4: 152، 577، الوسائل 26: 206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 3.

(3) الكافي 7: 128، 5، قرب الإسناد: 56، 182، الوسائل 26: 206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 2.

(4) في نسخة من الكافي 7: 129، 6، و في الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 7: زرارة و محمّد.

(5) الكافي 7: 129، 7، الفقيه 4: 252، 810، التهذيب 9: 298، 1068، الإستبصار 4: 152، 574، الوسائل 26: 209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 9.

(6) التهذيب 9: 300، 1073، الإستبصار 4: 153، 579، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 363

السادس عشر: ما كتب الرضا (عليه السّلام) إلى محمد بن سنان: «علة المرأة أنّها لا ترث من العقار شيئاً إلّا قيمة الطوب و النقض، لأنّ العقار لا يمكن تغييره

و قلبه» الحديث «1».

السابع عشر: رواية موسى بن بكر: قال: قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام): «أنّ النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار و لا أرض، إلّا أن يقوّم البناء و الجذوع و الخشب فتعطى نصيبها من قيمة البناء، و أما التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض و لا تربة دار» قال زرارة: هذا مما لا شك فيه «2».

الثامن عشر: ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن عبد الملك: قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي (عليه السّلام)، فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويّاً، فإذا فيه: «أنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل إذا توفي عنهنّ شي ء» فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «هذا و اللَّه خط علي (عليه السّلام) بيده و إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)» «3».

التاسع عشر: ما رواه الصدوق في الصحيح، عن ابن أُذينة: في النساء إذا كان لهنّ ولد أُعطين من الرباع «4».

العشرون: صحيحة البقباق و ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

______________________________

(1) الفقيه 4: 251، 808، التهذيب 9: 300، 1074، الاستبصار 4: 153، 579، العلل: 572، 2، عيون أخبار الرضا « (عليه السّلام)»: 96، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 14.

(2) التهذيب 9: 301، 1077، الإستبصار 4: 153، 580، الوسائل 26: 211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 15.

(3) بصائر الدرجات: 165، 14، الوسائل 26: 212 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 17.

(4) الفقيه 4: 252، 813، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 364

قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها

من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: «يرثها و ترثه كل شي ء ترك و تركت» «1».

الحادي و العشرون: موثقة [عبيد بن ] زرارة و البقباق المتقدمة في المسألة الاولى «2».

و لنعقب ذلك ببيان معنى بعض الألفاظ المذكورة في تلك الأخبار، من العقار و الضياع و غيرها.

فنقول: أما العقار فقال في الصحاح: العقار بالفتح-: الأرض و الضياع و النخل، و منه قولهم ما له دار و لا عقار «3».

و قال في القاموس: العقار: الضيعة، كالعُقري بالضم إلى أن قال و النخل «4».

و قال في النهاية لابن الأثير: العقار بالفتح-: الضيعة و النخل و الأرض «5».

و قال في المصباح المنير: العقار مثل سلام: كل ملك ثابت له أصل، كالدار و النخلة «6».

و قال في مجمع البحرين: و في الحديث ذكر العقار كسلام، و هو: كل

______________________________

(1) الفقيه 4: 252، 812، التهذيب 9: 300، 1075، الإستبصار 4: 154، 581، الوسائل 26: 212 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 1.

(2) راجع ص: 346.

(3) الصحاح 2: 754.

(4) القاموس 2: 97.

(5) النهاية 3: 274.

(6) المصباح المنير: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 365

ملك ثابت له أصل، كالدار و الأرض و النخلة و الضياع «1».

و قال في المسالك: و الشجر من جملة العقار «2».

و قال الهروي: العقار: الأصل.

و هذه العبارات كما ترى متطابقة في الدلالة على كون العقار حقيقة في مطلق الأرض و الضيعة من غير تخصيص له بالدار.

و يؤيده عطفه على الدار في الرواية السابعة. و كذا يؤيده ما وقع في بعض كتب الأحاديث من أنهم يعنونون باب ما يذكرون فيه الترغيب في شري الأرض المُغِلَّة و الماء و كراهة بيعها بباب: شري العقارات

و بيعها «3». و كذا رواية هشام بن أحمر، عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: «ثمن العقار ممحوق إلّا أن يجعل في عقار مثله» «4» فإنه شامل لجميع الأراضي.

و كذا يؤيده، بل يثبته تفسير الجميع الضيعة بالعقار، قال في الصحاح: الضيعة: العقار «5». و في القاموس و المجمع: الضيعة: العقار و الأرض المُغلّة «6». و الضيعة هي الأراضي المغلّة قطعاً كما يظهر من تتبع الأخبار و كلام اللغويين، بل العرف.

و بالجملة لا شك في صدق العقار على الأراضي المُغلّة و الدار حقيقة، فما يفهم من كلام المحقق في النافع من اختصاصه بالدار «7» لا وجه له.

______________________________

(1) مجمع البحرين 3: 410.

(2) المسالك 2: 333.

(3) انظر الكافي 5: 91.

(4) الكافي 5: 92، 6، الوسائل 17: 71 أبواب مقدمات التجارة ب 24 ح 7.

(5) الصحاح 3: 1252.

(6) القاموس 3: 60، مجمع البحرين 4: 367.

(7) النافع: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 366

ثم هو إما حقيقة في الضيعة أو مطلق الأرض مجاز في غيره من النخلة و مثلها، أو مشترك معنوي بينها، أي موضوع لكل غير منقول كما هو الظاهر من المصباح و المجمع، أو مشترك لفظي. و أصالة عدم الاشتراك و أولوية المجاز منه يؤيد أحد الأولين، بل تفسيرهم الضياع بالعقار يثبت الأول، مع أن القرينة على إرادة الأراضي في أكثر الأحاديث موجودة.

و من هنا ظهر أنه لا مفرّ من حمل العقار في الأخبار إما على مطلق الأرض الشامل للضيعة، أو على الضيعة.

ثم النقض بكسر النون: المنقوض من البناء. و الطوب بالضم: الآجر. و الرباع جمع الرَّبع، و هو المنزل و دار الإقامة. و في القاموس: الربع الدار بعينها. و فسّره بالمحلة و المنزل أيضاً. و الجذع

بالكسر: ساق النخلة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما سبق قد وقع الاتفاق من أصحابنا سوى الإسكافي على حرمان الزوجة من شي ء في الجملة، و نقل الاتفاق على ذلك متكرر. قال الشهيد في النكت: أهل البيت أجمعوا على حرمانها من شي ء ما، و لا يخالف في هذا علماؤنا الإمامية إلّا ابن الجنيد.

و قال في المسالك: و قد وقع الاتفاق بين علمائنا إلّا ابن الجنيد على حرمان الزوجة في الجملة من شي ء من أعيان التركة «1». انتهى .

و قد وقع الخلاف هنا في موضعين، الأول: فيما تحرم منه الزوجة، و الثاني: في الزوجة التي تحرم.

أما الموضع الأول

، فقد اختلفوا فيه على أقوال:

الأول

: حرمانها من نفس الأرض مطلقاً، سواء كانت بياضاً أم

______________________________

(1) المسالك 2: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 367

مشغولة بزرع أو شجر أو بناء أو غيرها، عيناً و قيمةً. و حرمانها من عين الآلات، كالأبواب و الشبّاك و الآجر و اللبن و من عين الأبنية دون قيمتها، فتعطى نصيبها من قيمتها. نسب ذلك إلى الشيخ و القاضي و ابن حمزة و الحلبي «1». و اختاره المحقق في الشرائع، و الفاضل في المختلف و الإرشاد، و الشهيد في اللمعة و الدروس «2». و قواه في المسالك و المفاتيح «3». و ادّعى عليه الشهرة جماعة في كتبهم كالتحرير و القواعد و الإيضاح و نكت الإرشاد، و شرح الشرائع للصيمري، و شرح الإرشاد للأردبيلي، و المسالك و المفاتيح و الكفاية «4». و عن الخلاف الإجماع عليه «5». و ظاهر هذا القول عدم حرمانها من الأشجار عيناً، لعدم صدق الأرض عليها.

و الثاني

: حرمانها من جميع ما ذكر و زيادة أعيان الأشجار، فتعطى قيمتها، كالآلات و الأبنية، جعله في القواعد و

الإيضاح «6» و غيرهما «7» هو المشهور، و اختاره في الإيضاح و نسبه إلى والده أيضاً، و نُسب إلى أكثر المتأخرين «8»، بل لم ينقلوا الأول، كما لم ينقل بعضهم الثاني. و اتحاد

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 642، القاضي في المهذّب 2: 140، ابن حمزة في الوسيلة: 391، الحلبي في الكافي: 374.

(2) الشرائع 4: 34، المختلف: 736، الإرشاد 2: 125، اللمعة (الروضة 8): 172، الدروس: 259.

(3) المسالك 2: 334، المفاتيح 3: 329.

(4) التحرير 2: 168، القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240، المسالك 2: 333، المفاتيح 3: 329، الكفاية: 302.

(5) الخلاف 4: 116.

(6) القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240.

(7) كالمسالك 2: 333.

(8) انظر الروضة 8: 173، و الكفاية: 302، و الرياض 2: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 368

القولين بعيد «1»، و الظاهر: تغايرهما، و اشتهار الأول عند القدماء، و الثاني عند المتأخرين.

و الثالث

: حرمانها من أراضي الرباع، و هي الدور و المساكن خاصة، دون أراضي المزارع و القرى و البساتين، و تعطى قيمة الآلات و الأبنية من الدور و المساكن، و لا تعطى عينها. اختاره المحقق في النافع «2»، و نسب إلى المفيد و الحلي و صاحب كشف الرموز «3»، و مال إليه في المختلف بعض الميل «4»، و قال في الكفاية: إنه بعد قول السيد لا يخلو عن قوة «5».

و الرابع

: حرمانها من عين الرباع خاصة، لا من قيمتها. و هو قول السيد المرتضى «6»، و جعله في الكفاية أقوى «7»، و استحسنه في المختلف و إن استقر رأيه أخيراً على الأول «8».

و الخامس

: قول الإسكافي، و هو عدم حرمانها من شي ء أصلًا «9».

و الحق عندي هو الثاني، و هو مركب من أُمور، أحدها:

حرمانها من عين أراضي الرباع. و الثاني: حرمانها من عين أراضي الزرع و البستان و القرى و الدكاكين و الخانات و الطواحين و الحمامات و غيرها. و الثالث: حرمانها من قيمة الأراضي مطلقاً أيضاً. و الرابع من عين الأشجار.

______________________________

(1) في «ق»: ضعيف.

(2) النافع: 272.

(3) المفيد في المقنعة: 687، الحلي في السرائر 3: 258، كشف الرموز 2: 463.

(4) المختلف: 736.

(5) الكفاية: 304.

(6) الانتصار: 301.

(7) الكفاية: 304.

(8) المختلف: 736.

(9) حكاه عنه في المختلف: 736.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 369

و الخامس: حرمانها من عين الآلات و الأبنية. و السادس: عدم حرمانها من قيمة الأشجار و الآلات و الأبنية.

أما الأول: فالدليل عليه بعد الإجماع المحقق و المنقول في الانتصار و السرائر «1» و غيرهما «2»: غير الثلاثة الأخيرة من الإجبار المتقدمة بأجمعها. و دلالة غير السادس و الثالث عشر و الرابع عشر ظاهرة.

و أما دلالة السادس فلأنّ العقار فيه لا يصلح من معانيه إلّا الأصل، فيكون المعنى : إنّ النساء لا يرثن من أصل الأرض شيئاً، فيشمل أراضي الرباع أيضاً. و يمكن أن تكون إضافة العقار إلى الأرض بيانية (و دلالته أيضاً واضحة) «3».

و أما الثالث عشر فلأنّ المراد بالعقار فيه الأرض، لعدم صلاحية غيره من معانيه. و يؤيده قوله: «و لكن يقوّم البناء ..».

و أما الرابع عشر فلجريان العلة فيما نحن فيه.

و أما الحكم الثاني: أي حرمانها من عين سائر الأراضي مطلقاً، سواء كان أرض زرع أو بستان أو طاحونة أو دكان أو عين أو قناة، و بالجملة كل ما يصدق عليه الأرض، فيدل على الجميع غير التاسع و الثاني عشر و الثالث عشر و الرابع عشر و الثلاثة الأخيرة.

أما دلالة غير الثاني و الثالث و الرابع

فظاهرة، و أما دلالتها فبضميمة الإجماع المركب، حيث تدل على عدم إرثها من القرى و لا قائل بالفصل.

و عدم صحة سند بعضها مع كون الباقي صحيحاً أو موثقاً أو حسناً

______________________________

(1) الانتصار: 301، السرائر 3: 258.

(2) انظر الكفاية: 303.

(3) ما بين القوسين ليس في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 370

و اعتضاد الجميع بعمل الأكثر و الشهرة المحكية متواتراً و الإجماع المنقول غير ضائر، مع أن صحة السند عندنا غير معتبرة بعد وجود الخبر في أصل معتبر.

و أما الحكم الثالث: أي حرمانها من قيمة مطلق الأراضي، فالدليل عليه بعد ظاهر الإجماع وجوه:

منها: الأصل، فإنّ توريثها من القيمة أمر مخالف للأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل، و هو مفقود.

فإن قيل: على وتيرة ما سبق منّا في الحبوة أنّ الدليل عليه موجود، و هو العمومات الدالة على أنّ لها الربع أو الثمن من جميع ما ترك، فإنها عامة، فلا تخصص إلّا بمخصص، و لا شي ء يصلح للتخصيص سوى هذه الأخبار، و هي لا تدل إلّا على عدم التوريث من الأراضي، و هو كما يكون مع عدم التوريث من القيمة يكون معه أيضاً، فوجود المخصص غير معلوم، فيجب إبقاء العام على عمومه.

قلنا: أولًا إنّ الفرق بين هذا و ما سبق واضح، فإنّ فيما سبق كان هناك حكمان: اختصاص الحبوة بالأكبر، و اختصاص الربع من التركة بالزوجة، و ليس بينهما منافاة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الحكمين و هما: التوريث من جميع التركة، و عدم التوريث من الأراضي متنافيان متعارضان.

و ثانياً: إنّ معنى عمومات الربع أو الثمن أنّ لها ذلك من عين جميع ما ترك، لا من قيمته، و لذا لو أراد سائر الورثة بذل القيمة لم تجبر المرأة

على قبولها. و على هذا فعدم التوريث من عين الأراضي أيضاً يوجب تخصيص تلك العمومات قطعاً، و يبقى بذل القيمة بلا دليل.

و ثالثاً: إنه إما يصدق على توريث القيمة أنه ورث عن الأراضي أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 371

لا، فإن صدق فيجب نفيه بتلك الأخبار، و إلّا فلا يفيد لإبقاء العمومات على عمومها، لتخصيصها بغير الأراضي حيث إنّها لا تورث عنها.

و منها: أنّ قوله (عليه السّلام) في كثير من الأحاديث: «لا ترث شيئاً» نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم، أي لا ترث عيناً و لا قيمة.

و منها: أنّه (عليه السّلام) قد ذكر التفصيل في كثير منها كصحيحة الفضلاء و صحيحتي زرارة و مؤمن الطاق و غيرها فقال: «لا ترث من العقار و الأرض، و ترث من الثياب و الفرش، و يقوّم الطوب و الخشب و الشجر» و هذا ظاهر في أنه لا يقوّم العقار و الأرض، فإن التفصيل قاطع للشركة.

و منها: أنّ المتبادر مِن «لا يرث من فلان» أنه لا حق له فيه، لا عيناً و لا قيمة.

و قد يستدل أيضاً بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و هو لا يخلو عن نظر؛ لأنّ كون الوقت وقت الحاجة غير معلوم.

و أما الحكم الرابع: أي الحرمان من عين الأشجار، فيستدل عليه بصدق العقار عليها و شموله لها.

و الأولى الاستدلال لها بقوله في صحيحة مؤمن الطاق: «و لهنّ قيمة الشجر و البناء و النخل» فإنّ كون قيمتها لها صريح في حرمانها عن العين.

بل يدل عليه ما في طائفة من الأخبار الأُخر من التصريح بالحرمان عن أعيان الجذوع.

و يدلُّ عليه أيضاً العلة المذكورة في بعضها بقوله: «لئلّا يتزوجن» و قوله: «لا يمكن قلبه و تغييره» و

يؤيده لفظ «القرى» في بعضها أيضاً.

و أما الحكم الخامس: فمأخذه واضح كالسادس.

ثم إنه قد يضعّف دلالة بعض هذه الأخبار على بعض هذه الأحكام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 372

باحتمالات ضعيفة و تأويلات سخيفة لا تقبلها العقول و الأوهام، و فتح بابها موجب لسدّ باب شريعة الملك العلام.

كما يضعف دلالة صحيحة الفضلاء «1» على الحرمان من مطلق الأرض، باحتمال كون الترديد بين قوله: «تربة دار أو أرض» من الراوي، فلا يلزم شمول الحكم لجميع الأراضي.

أو احتمال أن يكون الألف زائداً سهواً، و يكون المراد بالأرض أرض الدار أيضاً، و يكون ذكره تعميماً بعد التخصيص، أو عطفاً تفسيرياً.

و احتمال كون قوله: «لا ترث» لإنشاء المرجوحية دون الإخبار عن حكم الشريعة.

و إرجاع الضمير في ربعها و ثمنها إلى المرأة و جعل «إن كان» «2» بمعنى «إن وفى» و كون المراد أنه تعطى المرأة ربعها أو ثمنها من جميع المتروكات من قيمة الطوب و الخشب إن وفت القيمة بأحد الأمرين، محتجاً بعدم إمكان إرجاع المستتر فيه إلى أحد الأمرين و لا إلى الثمن.

و أنت خبير بفساد هذه الاحتمالات.

أما الأولان: فلأنّ المصير إلى السهو أو الترديد بدون دليل خلاف الأصل و الظاهر، سيما إذا رواه خمسة من الفضلاء، فلا وجه للمصير إليه، مع أنّ في أكثر النسخ التي عندنا «و أرض» بدون الترديد، و كيف كان فالأرض عطف على تربة الدار، فيكون تعميماً بعد تخصيص، و يكون الاستثناء منقطعاً إذا كانت التربة هي نفس أرض الدار، و لا يضر كونه خلاف

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 359.

(2) هذا بناءً على عدم وجود كلمة «له ولد» في الصحيحة، كما في التهذيب و الاستبصار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 373

الأصل بعد دلالة

القرينة عليه، و يكون متصلًا إذا جعلت كناية عن مجموع الدار.

و أما الثالث: فظاهر.

و أما الرابع: فلأنه لا يلزم إرجاع المستتر إلى أحد الأمرين أو الثمن، بل هو راجع إلى الطوب و غيره، يعني: إن وجد الطوب و الخشب فيقوّمان و يعطى ربع المرأة أو ثمنها من الطوب و الخشب، أو ربع قيمتها أو ثمنها، و لا يعطى من عينها. و هذا ظاهر. مع أنه يلزم على ما ذكره لزوم إعطاء ربعها أو ثمنها من جميع المتروكات من قيمة الطوب و الخشب، مع أنه لم يقل به أحد، بل مخالف لآيات الإرث و رواياته، حيث تدل على أنّ لها ربع عين ما ترث منه. هذا مع أنّ عبارة الحديث على النسخ التي عندنا هكذا: «فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان له ولد» حتى يكون شرطاً لإعطاء الثمن، فيرتفع الإشكال رأساً.

و كما يضعف دلالة الثاني و الثالث و الرابع باشتمالها على ما لم يقل به أحد من الأصحاب، من حرمانها من السلاح و الدواب.

و فيه: أنّ ترك بعض الحديث لدليل لا يخرج الباقي عن الحجية، كما بيّنا في موضعه، بل لا يوجب نقصاً فيه في مقام التعارض أيضاً، مع أنه لا معارض لها سوى العمومات التي فيها أيضاً نقص من جهة تيقن تخصيصها.

مع أنّ عدم قول أحد بالحرمان من السلاح و الدواب ممنوع، فإنه قد جعلهما بعضهم من الحبوة «1»، فيحتمل أن يكون حرمانها من هذه الجهة.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 374

و احتمل بعضهم أيضا كون السلاح أو الدابة موصى بها أو موقوفة أو نحو ذلك. و هذا و إن كان بعيدا إلّا أنه ليس بأبعد مما ذكره المضعف من

الاحتمالات لتوجيهها.

حجة القول الأول: عدم التعرض للأشجار في أكثر الأحاديث، و استضعاف الرواية المتضمنة لها «1».

و جوابه إن قلنا بشمول العقار لها ظاهر، و كذا إن لم نقل به.

و استضعاف الرواية لا وجه له، فإنّه رواها الصدوق عن الحسن بن محبوب عن مؤمن الطاق، و مكانهما من الجلالة أظهر من أن يخفى ، و طريق الصدوق إلى الحسن صحيح كما صرح به في الخلاصة «2»، و يظهر من مشيخته أيضاً، حيث قال: إنّ ما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد رويته عن محمد بن موسى المتوكل عن سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب «3». و كلهم عدول ثقاة كما يظهر من تتبع أحوالهم، فوصف بعضهم الرواية بالحسن لإبراهيم بن هاشم لا وجه له، على أنه أيضاً لا يقدح في الحجية (بل في الصحة أيضاً على الأصح) «4».

حجة المفيد و من تابعه: عموم الآيات و الروايات الدالة على إرثها، خرج منه ما اتفقت عليه الأخبار، و هو أرض الرباع و المساكن عيناً و قيمة و الأنهار عيناً لا قيمة، فيبقى الباقي.

______________________________

(1) أي رواية مؤمن الطاق المتقدمة في ص: 360.

(2) الخلاصة: 278.

(3) مشيخة الفقيه (الفقيه 4): 49.

(4) ما بين القوسين ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 375

و أيضاً: يقتصر فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

و أيضاً: وقع الاقتصار في كثير من الأخبار على الرباع و الدور خاصة، فلو كان حكم غيرها كحكمها أيضاً لم يقتصر عليها.

و الجواب عن الأول: أنه إن لم نقل بجواز تخصيص الكتاب بالآحاد فلا فرق فيه بين ما اتفقت عليه الأخبار و ما ورد في بعضها

بعد كون ذلك البعض حجة. و إن قلنا به فالخبر الواحد يخصصه و إن لم يكن متكثراً. و بالجملة لا تأثير لكثرة الأخبار و عدمها بعد اشتراك الجميع في كونه خبراً واحدا.

و عن الثاني: أنّ الواجب هو الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الدليل دون الوفاق، و الدليل على تخصيص غير الرباع أيضاً موجود.

و عن الثالث: أنه لا يلزم بيان كل حكم في كل رواية.

قيل: صدق العقار على غير الرباع غير مسلم كما هو ظاهر المحقق في النافع «1»، و لا دليل على تخصيص غير الدار من عمومات إرث الزوجة- سيما الرواية العشرين الصحيحة صحيحة البقباق و ابن أبي يعفور «2» سوى صحيحة الفضلاء «3» و بعض الروايات الضعيفة، و غير الصحيحة لا حجية فيه، و هي و إن كانت حجة إلّا أنّ من رجالها إبراهيم بن هاشم و في عدالته كلام مشهور، و لذا عُدّت رواياته عند الأكثر من الحسان فتكون هذه حسنة، فصحيحة البقباق مقدمة عليها عند التعارض، للأعدلية، و موافقة الكتاب.

و ترجيح الحسنة بالشهرة ممنوع؛ لتساويهما في الاشتهار بين أرباب

______________________________

(1) النافع: 272.

(2) المتقدمة في ص: 362.

(3) المتقدّمة في ص: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 376

الحديث. و اشتهار المضمون غير كاف للترجيح، على أنه أيضاً مختص بغير ذات الولد، لعدم اشتهار الحرمان في ذات الولد، فيجب ترجيح الصحيحة.

نعم خرجت الدار لدلالة الأخبار الصحيحة عليه.

و لا يمكن أن يقال: إنّ تعارض الحسنة و الصحيحة من باب تعارض العام و الخاص، فيقدم الخاص قطعاً، و هو الحسنة؛ لأنّ تقديم الخاص لكونه قرينة على إرادة غيره من العام، و هذا لا يتمشى في الصحيحة، حيث إنّ السؤال وقع عن دار المرأة و أرضها، فلا

معنى لإرادة غيرها في الجواب، فيكون من باب تعارض المتساويين.

و الجواب بعد ما ذكرنا في تحقيق معنى العقار واضح. ثم لو سلّم اختصاص العقار بالدار نقول: يدل على حكم غير الدار بعض الأخبار الصحيحة و الموثقة أيضاً كالثاني و الثالث «1»، و اختصاصهما بالقرى غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و لو لم يكن إلّا حسنة الفضلاء أيضاً لكفى ؛ لكونها صحيحة على الأصح. و لو سلّم كونها من الحسان أيضاً يكفي؛ لمنع كون الأعدلية من المرجحات، كما بيناه في موضعه. و موافقة الكتاب معارضة بمخالفة العامة، فإنّها للحسنة، فلا يكون ترجيح من هذه الجهة.

مع أنّ ملاحظة التراجيح إنما هي في التعارض بالتساوي أو العموم من وجه، و أما الخاص المطلق فيقدم على العام بعد كونه حجة مطلقاً. و الحسنة خاصة بالنسبة إلى الصحيحة؛ لمنع إيجاب السؤال عن شي ء

______________________________

(1) راجع ص: 358 و 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 377

خاص اختصاص الجواب العام فيه، بل و لا نصوصية فيه أيضاً. على أنّ وقوع السؤال عن مطلق الأرض غير معلوم، حتى تكون الصحيحة نصاً فيه، لاحتمال إرجاع الضمير في أرضها في الصحيحة إلى الدار دون المرأة، فيكون المراد من الدار مجموع الأرض و البناء و الآلات، و من الأرض نفس التربة.

حجة السيد: مراعاة الجمع بين عموم آيات الإرث و أخباره، و ما اجتمع عليه الأصحاب و دلّ عليه الروايات من الحرمان.

و الجواب عنه: أنّ الجمع إنما يصح لو كان له شاهد معتبر. و اعتبار القيمة لا دليل عليه، بل لا يوجب الجمع كما عرفت، لأنك قد عرفت أنّ معنى آيات الإرث أنّ لها الربع من الأعيان، فإعطاء قيمة البعض لم يوجب إبقاءها على عمومها.

فإن قلت: التوريث من العين

يلزم التوريث من القيمة، فإنّ كل ما كان عينه لشخص فقيمته له أيضاً، فالعمومات تدل على أنّ لها الربع من العين، و القيمة، و روايات الحرمان تدل على المنع منهما، فتخص الروايات بالعين، تقليلًا للتخصيص.

قلنا: لو سلمنا ذلك فإنّما يكون توريثها من القيمة لأجل ترتبها على العين، فإذا منع من الأصل منع من الفرع أيضاً، لا أن يكون هناك شيئان ترث منهما حتى جاز تخصيص أحدهما و إبقاء الآخر.

و أيضاً: الجمع إنما يصح لو لم يكن دليل على خلافه، و قد عرفت أنّ التفصيل المذكور في كثير من الأخبار دليل على عدم إعطاء قيمة الأراضي.

فإن قيل: هذا لا يرد على السيد حيث لا يقول بحجية الآحاد، و نظره في المنع و الحرمان إلى الإجماع، فيصح له أن يقول: إنه ثبت توريثها الربع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 378

من جميع ما ترك، و خرج عين بعضها بالإجماع، فتبقى القيمة.

قلنا: أولًا إنّ كون تلك الأخبار أخبار آحاد ممنوع، بل هي كما قيل متواترة معنىً «1». و لو سلم فالقرينة على صحتها من فتاوي الأصحاب موجودة، فهي من الآحاد المحفوفة بالقرائن، و مثلها عنده حجّة، و لعمومات الكتاب مخصص.

و ثانياً: إنّا لا نسلّم اختصاص الإجماع بالحرمان من العين خاصة، بل هو شامل للعين و القيمة كما صرح به في المسالك «2»، و يظهر لمن تتبع فتاوي الأصحاب.

و ثالثاً: إنّ هذا إنما يفيد لو كان التوريث من القيمة أمراً وراء التوريث من العين، و قد عرفت أنّه ليس كذلك، بل هو مترتب عليه، فلم يثبت هنا أمران وقع الإجماع على خلافه في أحدهما فيبقى الآخر، بل يذهب أحدهما بذهاب الآخر أيضاً. و إعطاء القيمة الذي يقول به السيد

أمر آخر غير ما كان ثابتاً أولًا، فإنّ هذا حكم وضعي مترتب على الموت بجعل الشارع غير متحقق قبل الموت، و الأول حكم مترتب على مالكية العين سواء كانت بالتوريث أو غيره ثابت قبل موت المورث أيضاً، فلا يحصل بذلك جمع بين الآيات و الإجماع، بل يزيد أمر آخر مخالف للأصل.

حجة ابن الجنيد: عموم الآيات و الأخيرتان من الروايات «3» مضافاً إلى سائر العمومات.

و الجواب أنّ العام يخص مع وجود المخصص، و هو موجود، من

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 365.

(2) المسالك 2: 333.

(3) راجع ص: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 379

الإجماع و الأخبار الغير العديدة. و لو قيل بكون الأخيرتين ظاهرتين في الإرث من الأراضي غير قابلتين للتخصيص منعناه كما مر. و لو سلمناه فنقول بتحقق التعارض حينئذ بينهما و بين روايات الحرمان، و لا شك أنها راجحة مقدمة عليهما، لاعتضادها بالإجماع و مخالفتها للعامة.

و أما الموضع الثاني

: أي من يُحرَم من الزوجات فقد اختلفوا فيه على قولين:

أحدهما: الفرق بين ذات الولد من الزوج و غيرها، فخصّ الحرمان بغير ذات الولد، ذهب إليه المحقق في الشرائع «1»، و الفاضل «2»، و نفى عنه البأس في المسالك «3»، و نسب إلى المشهور بين المتأخرين «4».

و ثانيهما: التعميم، أي حرمان الزوجة مطلقاً من غير فرق بين ذات الولد و غيرها، ذهب إليه الكليني و المفيد و السيد و الشيخ في الاستبصار و الحلبي و الحلي و المحقق في النافع و ابن زهرة «5»، و جعله في المسالك قوياً متيناً «6»، و اختاره جماعة من المتأخرين «7»، و في الخلاف و السرائر الإجماع عليه «8».

______________________________

(1) الشرائع 4: 34.

(2) القواعد 2: 178.

(3) المسالك 2: 334.

(4) كما في المفاتيح

3: 329، و الرياض 2: 364.

(5) الكليني في الكافي 7: 127، المفيد في المقنعة: 687، السيد في الانتصار: 301، الاستبصار 4: 154، الحلبي في الكافي: 374، الحلي في السرائر 3: 259، النافع: 272، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(6) المسالك 2: 334.

(7) كالسبزواري في الكفاية: 303، و صاحب الرياض 2: 365.

(8) الخلاف 4: 116، السرائر 3: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 380

و هو الحق؛ لإطلاق جميع الروايات، بل عموم كثير منها باعتبار الإتيان بصيغة الجمع و ترك الاستفصال. و لعموم التعليل و وجه الحكمة. و أظهر منها دلالة الخامس و الثالث عشر «1»، حيث ذكر فيهما الربع أو الثمن، فإنّ استحقاق الثمن قد يكون من جهة كون الزوج ذا ولد من هذه الزوجة فقط.

احتجّوا بأنّ في هذا التفصيل تقليلًا للتخصيص في الآية، و بالتاسع عشر من الأخبار «2»، و بالجمع بين روايات الحرمان و الأخيرتين «3».

و الجواب: أما عن الأول: فبأنّ بعد وجود المخصص و لزوم التخصيص به لا وجه لتقليله. و عموم المخصص أو إطلاقه بالنظر إلى أفراد الخاص غير ضائر، لأنه بالنظر إلى أصل العمومات خاص، فيقدم عليها. على أنّ هذا لا يوجب تقليلًا في التخصيص، لأنّه موجب لتخصيصين: أحدهما في عمومات إرثها، و ثانيهما في روايات حرمانها.

و أما عن الثاني: فبأنّ الخبر مقطوع غير مسند إلى إمام بتصريح أو إضمار أو نحو ذلك، بل الظاهر أنّه كلام ابن أُذينة و فتواه، و ليس شأنه شأن سائر المرسلات و المقطوعات و المضمرات التي يقال فيها إنّ الظاهر أنّ نقل مثلها إنما هو عن الإمام أو يجبر ضعفه بالشهرة و نحوها.

و أما عن الثالث: فبأنّ الجمع لا دليل عليه، و مجرد

الجمع لا يصير دليلًا. على أنّ الجمع بغير ذلك من حمل الأخيرتين على التقية واضح، و الشاهد عليه موجود. و بالجملة الظاهر انّ المسألة لا خفاء فيها.

______________________________

(1) راجع ص: 359 و 360.

(2) المتقدم في ص: 362.

(3) راجع ص: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 381

و هاهنا فروع ينبغي الإشارة إليها:

أ

: لا فرق في الدور التي تمنع الزوجة من أرضها و ترث من قيمة بناها و آلاتها بين ما كان يسكنه الزوج أو يؤجره أو لا يسكنه أحد؛ للعموم أو الإطلاق، و لعدم القول بالفصل.

ب

: لا فرق في الأرض بين أرض الدار و الزرع و الدكاكين و الحمامات و الخانات و القرى و الطواحين و المساكن البائرة و مغارس الأشجار، و غيرها مما يصدق عليه اسم الأرض أو العقار، كما مر؛ لصدق الاسم.

ج

: يدخل في الآلات الآجر سواء كان الحائط أو الأرض، و الأخشاب المستدخلة في البناء، و الميازيب، و اللبن، و الأبواب، و الشبابيك المعمولة من الخشب أو الجص أو الحديد. و كذا يدخل فيها الحيطان المعمولة من الطين، و كذا الطين الواقع بين اللبن، أي يقوّم مجموع الجدار و السقف، لصدق البناء و الطوب و الخشب، و بالجملة المعتبر المدخلية في البناء.

و هل يدخل فيها مثل المَرايا المنصوبة؟

الظاهر لا؛ لعدم صدق البناء عليها، و صدق الآلات لو سلم لا يفيد، لخلو الأخبار عن ذكر الآلات. نعم لو بني بيت من الزجاجة فالظاهر دخوله فيها.

و في دخول المَرايا المستدخلة في الشبابيك إشكال. و لا يبعد ترجيح العدم؛ لعدم صدق الاسم عرفاً.

و كذا الإشكال في دخول الجذوع المنصوبة لحمل الكروم عليها، فإنّ الظاهر من الجذوع في الأخبار جذوع البناء لا مطلقاً. و عدم الدخول أظهر،

إلّا أن يدخل أمثال ذلك بدليل آخر، و هو نفي الضرر عن سائر الوراث، و له وجه.

و في الذهب و الفضة المحلولين على الجدران تردد. و الأظهر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 382

التقويم؛ لعدم إمكان تفكيكهما إلّا بإبطال المحل.

و في دخول الظروف المثبتة في الحمامات و الدكاكين اللازمة لها كالظرف الذي يحمى فيها الماء في الحمام تأمل. و عدم الدخول أظهر، إلّا أن يدخل بنفي الضرر أو بصدق أبنية الحمام مثلًا عليه.

و الظاهر عدم دخول حجر الطاحونة؛ لعدم صدق الاسم. و الظاهر عدم دخول السلّم المثبت و مثله.

و أما الحياض المعمولة من قطعة واحدة من الحجر ففيها إشكال. و الدخول أظهر؛ لظهور دخولها في البناء.

و أما الآلات المعدة للبناء قبل إثباتها من الحجر و الآجر و اللبن و الجذوع و أمثالها فلا تدخل فيها، و وجهه ظاهر. و أما ما كان من هذه الآلات مثبتة ثم انتقضت فمقتضى الأصل عدم الدخول، و لكن التصريح في الأخبار بدخول النقض يدخلها.

و الاحتياط في كثير من هذه مطلوب.

د

: يدخل في الأشجار الكبير منها و الصغير، و الكروم منها. و أما الزرع الذي لم يحصد و الثمر الذي لم يجن و العلف و البذر المزروع فلا تدخل فيها، و الزوجة ترث من أعيانها؛ للأصل، و عدم صدق الاسم.

و على هذا فإذا كان الثمر غير منضوج و الزرع غير بالغ حد الحصاد فهل يجب على الورثة إبقاؤهما إلى أوانهما مجاناً، أم لا بل لهم أمرها بأخذ حقها أو الإبقاء مع أخذ أُجرة الأرض و الشجر؟

اختار في المسالك الأول «1».

______________________________

(1) المسالك 2: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 383

و الظاهر هو الثاني؛ لأنّ الأرض و الشجر صارا ملكين للورثة،

و الناس مسلطون على أموالهم. و لا ينافيه نفي الضرر إذ لا يحصل بذلك ضرر عليها، لأنّ ما لها من الثمر و الزرع إنما هو على هذا النحو، و حينئذ فلو فَصلت مدةٌ بين موت المورث و التقسيم و كانت الثمار أو الزروع كائنة على محالّها فيكون للورثة مطالبة أُجرة المثل.

ه

: تُحرم الزوجة من أراضي الأنهار و القنوات و الآبار؛ لصدق الاسم. و أما مياهها فما خرجت بعد الموت فلا ترث منها؛ لتبعيتها للأرض و عدم كونها من متروكات الميت. و ما خرجت قبله و بقيت فيها فترث من عينها؛ لعدم دخولها في شي ء مما تحرم من عينها و قيمتها أو من عينها.

و

: لو كان للزوج بيت فوقاني و كان تحته من غيره فالظاهر توريثها من قيمة جميع البيت: حيطانه و سقفه و أرضه؛ لكونه بناءً محضاً. و لو خرب البيت الفوقاني و بقي هواؤه فالظاهر توريثها من عين الهواء؛ لعدم صدق الأرض و البناء؛ و عدم توريثها من الهواء إذا كان هواء دار لكونه تابعاً للأرض، و لا أرض هنا.

ز

: لو استأجر الزوج داراً أو أرضاً و مات قبل تمام المدة و قلنا بعدم بطلان الإجارة فالزوجة شريكة مع سائر الورثة في الانتفاع؛ لأنّ المخلف من الزوج ليس نفس الأرض حينئذ بل الانتفاع بها، فلا دليل على حرمانها.

ح

: هل تقوّم الأبنية و الطوابيق و أمثالها حال كونها مجتمعة باقية على هيئاتها البنائية؟ أم يُقدّر انفكاكها فيقوّم الآجر منفرداً و الجص منفرداً و اللبن كذلك؟

الظاهر هو الأول كما صرح به بعضهم «1»، بل هو الظاهر من كلام الأصحاب في بيان كيفية التقويم. و الحاصل أنّ البناء يقوّم على حاله.

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 303.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 19، ص: 384

و الدليل عليه تصريح كثير من الأخبار كالثامن و العاشر و الحادي عشر و الثالث عشر و الخامس عشر و السابع عشر بأنّ لهنّ قيمة البناء «1»، و البناء هو الهيئة الاجتماعية الكائنة في الأرض.

و الظاهر أنّ الشجر أيضاً كذلك كما صرح به في المسالك و الكفاية «2»، فيقوّم حال كونه قائماً في الأرض؛ لأنّ الشجرية إنما هي حينئذ. و على هذا لو فرض أنّ الأرض لم يكن لها بدون الشجر قيمة لم ينقص عن قيمة الشجر شي ء.

ط

: هل يقوّم البناء و الشجر الكائنان في الأرض حال كونهما كذلك مع ملاحظة اجرة الأرض؟ أو يقوّمان كذلك بدون ملاحظتها بل يقوّم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى ؟

صرح جمع بالثاني، و هو ظاهر المسالك «3»، و استحسنه في الكفاية «4». و هو الأظهر؛ لإطلاق الأخبار، و لأنّه الظاهر المتبادر من قيمة البناء و الشجر، بل لأنّ الأول يوجب نقصاً في القيمة، فلا يكون ما يعطى ربع قيمة البناء و الشجرة.

ي

: الطريق في كيفية التقويم أن تقوّم أرض فارغة ثم يفرض اشتغالها بما يريد تقويمه من الشجر أو البناء، فتقوّم ثانياً و تعطى المرأة الربع أو الثمن من قيمة ما عدا الأرض من ذلك، أو تقوّم الأرض التي فيها الشجر أو البناء على تقدير فراغها ثم يقوّم المجموع و تطرح القيمة الأُولى

______________________________

(1) راجع ص: 359 361.

(2) المسالك 2: 334، الكفاية: 303.

(3) المسالك 2: 334.

(4) الكفاية: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 385

عن الثانية و تعطى الربع أو الثمن من الباقي.

يا

: هل إعطاء الورثة القيمة على سبيل الرخصة، أم لا بل يجب عليهم إعطاؤها؟ و تظهر الفائدة فيما لو امتنعت الزوجة إلّا

من أخذ القيمة و أراد الوارث إعطاء العين.

ذهب الشهيد الثاني في المسالك و الروضة و الصيمري و المحقق الثاني إلى الثاني «1». و استقرب في الكفاية الأول، و اختاره جمع من المتأخرين «2».

و الحق هو الثاني؛ لأنه المستفاد من اللام الظاهرة في الاختصاص و التمليك سيما في المواريث المذكورة في قوله «لهنّ» كما في التاسع و العاشر و الحادي عشر، أو في قوله «للمرأة» كما في الرابع عشر. و لأنه مقتضى كون القيمة إرثاً لها كما في الثامن و الخامس عشر و السادس عشر. و لأنه المفهوم من الحصر بالاستثناء في قوله «إلا أن يقوّم أو إلّا قيمة فلان» كما في الخامس و السادس عشر و السابع [عشر «3»]. و لأنه مدلول الجعل المصرح به في الرابع عشر. بل هو الظاهر من قوله «و يقوّم» أو «لكن يقوّم» كما في باقي الأخبار، و لو منع ظهوره فيكون محتملًا للأمرين مجملًا فيجب حمله على المبيّن.

احتجوا: بأنّ العلة المذكورة في الأخبار لذلك إنما هو عدم تضرر الورثة، فإذا رضي الوارث بالضرر أو كان ضرره في القيمة فلا يستفاد حكمه من الأخبار.

______________________________

(1) المسالك 2: 334، الروضة 8: 173، و حكاه عن الصيمري و المحقق الثاني في الرياض 2: 365.

(2) الكفاية: 304، و استقربه أيضاً صاحب الرياض 2: 365.

(3) أضفناه لتصحيح المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 386

و بأنّ ورود أخبار الحرمان في مقام توهّم تعيّن العين فلا يفيد سوى إباحة القيمة، و سبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهّم الحظر.

و بأنّ ذلك يوجب بقاء عمومات إرثها على عمومها بالنسبة إلى الأبنية و الآلات و الأشجار من دون ارتكاب تخصيص فيها، بل تكون الرخصة في التقويم حكماً آخر غير

منافٍ للأول، ثابتاً بالأخبار، و ذلك كرخصة مالك النصاب في الغلّات في شراء قدر الزكاة منها و إعطاء القيمة، فإنه لا ينافي تعلق حق الفقراء بالعين و لا يوجب التخصيص فيما يدل عليه. و الحاصل أنه تكون العين مختصة بها، و لكن جوّز الشارع الابتياع القهري و إعطاء القيمة.

و الجواب أما عن الأول: فبانّ أكثر الأخبار الصحيحة خالية عن ذكر التعليل، مع أنّ التعليل كما يصلح علة للرخصة يصلح علة للوجوب أيضاً، و تخلُّف العلة في النادر بأن لا يستضرّ الورثة غير ضائر، لأنّ الحكم على الغالب.

و عن الثاني: بأنه ممنوع، بل نقول: ورود الأخبار في مقام بيان الحكم، بل الظاهر ورودها في مقام توهّم الحرمان عن القيمة أيضاً.

و عن الثالث: أنا لو سلّمنا أن الرخصة لا توجب التخصيص في العمومات المذكورة و لكنها توجب خلاف أصل آخر هو الابتياع القهري، إذ بدونه لا معنى لعدم ارتكاب التخصيص في العمومات، على أنا لو قلنا بوجوب الابتياع القهري لا ينتفي التخصيص على المختار أيضا. هذا كله مع أنّ ارتكاب التخصيص في العمومات مما لا مفر منه أيضاً باعتبار قوله في الأحاديث المتكثرة «لا يرثن من العقار» الصادق على الأبنية. فتأمل.

يب

: لو لم يملك الوارث شيئاً سوى الأرض و الأبنية المخلّفة يجب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 387

عليه إعطاء قيمة الأبنية أو مثلها من نفسها أو نفس الأراضي، أو يبيعها بغير الزوجة و يأخذ الثمن و يعطيها إياها، و الوجه واضح. و أخذ البناء أو الأرض حينئذ لا ينافي عدم توريثها؛ لعدم كون الأخذ حينئذ من باب التوريث.

يج

: لو تلف البناء أو الشجر بعد الموت قبل التقسيم و التقويم فهل يسقط من قيمته حق الزوجة أو

لا؟

الظاهر هو الثاني؛ لأنّ بمجرد الموت انتقلت العين إلى الوارث و استحقت الزوجة القيمة، و تلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر، مع أنّ الأصل بقاؤه. و هكذا لو غصبه غاصب.

يد

: الظاهر من الأخبار تعلّق القيمة بذمة الورثة دون التركة، بمعنى انّه يجب عليهم إعطاء القيمة من أينما أرادوا و شاؤوا. و يدلُّ عليه أيضاً عدم تسلط الزوجة على المطالبة من أموال خاصة من التركة أو غيرها. و أيضاً: مدلول الأخبار وجوب إعطاء القيمة، و لا وجوب إلّا يتعلّق بمكلف، و ليس هناك أحد يتعلق به إلّا الورثة إجماعاً، و الأصل عدم وجوب الإعطاء من مال معيّن، فيجب عليهم أصل الإعطاء، و هو المطلوب.

يه

: يظهر من هذين الفرعين أنه لو لم يخلف الميت سوى أشجار أو أبنية بأن تكون أراضيها موقوفة أو ملكاً للغير و تلفت تلك الأشجار و الأبنية بعد موته و لو بساعة أو غصبت، كان للزوجة مطالبة حقها من القيمة من الورثة لو كانوا موسرين، و بعد الإيسار إن كانوا معسرين، و هو كذلك.

يو

: لو قلنا بالفرق بين ذات الولد و غيرها و اجتمعتا فظاهر كلام جماعة بل صريحه: أنّ ذات الولد ترث كمال الثمن من الأراضي و الأبنية و الأشجار، و تعطى الاخرى نصف ثُمن قيمة الأبنية و الأشجار، و يجب الإعطاء على ذات الولد دون غيرها من الورثة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 388

و فيه تأمل، و الظاهر أنّ ثُمن غير الأراضي و الأبنية و الأشجار لهما معاً، و كمال الثمن من الأراضي و الأبنية و الأشجار لذات الولد، و كمال الثمن من قيمة الأبنية و الأشجار لغير ذات الولد، و القيمة على الورثة الذين منهم ذات الولد.

و

ما استدلوا به على أنّ لذات الولد كمال الثمن يدل مثله على أنّ لغيرها كمال القيمة فلا وجه للفرق. و الحاصل أنه ثبت بآيات إرث الزوجة و رواياته أنّ لها الثمن (من غير العقار مع الولد) «1» و لها ثمن قيمة الأبنية و الأشجار مطلقاً أو إذا لم تكن ذات ولد، و مقتضاها ثبوته لكل واحدة حين التعدد، و لكن دلّ الإجماع و الروايات المتقدمة على أنّ الزوجات المتعددة شركاء في الثمن، و ثبوت الإجماع و دلالة الروايات فيما نحن فيه ممنوع، فيكون على أصل المقتضي، فلا تكون فيه شركة، بل يكون لذات الولد ثمن أعيان الأبنية و الأشجار، و لغير ذات الولد ثمن قيمتها.

و أما وجه أنّ القيمة على جميع الورثة دون ذات الولد خاصة: فعدم الدليل على الاختصاص، و تبادر تعلق القيمة على من يجوّز المقوَّم و الجائز له هو جميع الورثة دون ذات الولد خاصة و إنما هي تجوّز نصيبها فقط. بل من هذا يظهر وجهٌ لأنها على غير ذات الولد من سائر الورثة. فتأمل.

المسألة السابعة [شرط ثبوت توارث الزوجين ]:
اشاره

قد عرفت أن ثبوت التوارث بين الزوجين غير مشروط بالدخول.

و قد استثني من ذلك صورة واحدة، و هي ما لو تزوجها مريضاً و لم يدخل بها فمات في مرضه، فالحق المعروف من مذهب الأصحاب

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 389

- كما في الكفاية «1» أنها لا ترثه. و ظاهر السرائر كصريح التذكرة دعوى الإجماع عليه «2»، و في المسالك: جزم الأكثر بالحكم من غير أن يذكروا فيه خلافاً و إشكالًا «3». و قيل: بل لا يكاد يتحقّق فيه خلاف «4». و نسبه في الشرائع إلى الرواية و في الدروس إلى

المشهور «5». و هما مشعران بالتردد، و لكنهما صرحا بالنفي في النافع و اللمعة المتأخرَين على الأولين «6» فهو رجوع و جزم منهما بالحكم. نعم ظاهر الفرائض النصيرية التردد. و عن شرح الإيجاز استظهار إمكان أن يراد بالدخول أن تدخل عليه لتخدمه و تضاجعه و تمرّضه و إن لم يطأها «7».

لنا بعد ظاهر الإجماع: صحيحة الحناط: عن رجل تزوج في مرضه، فقال: «إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته، و إن لم يدخل بها لم ترثه، و نكاحه باطل» «8».

و صحيحة زرارة: «ليس للمريض أن يطلّق، و له أن يتزوج، فإن هو تزوج و دخل بها فهو جائز، و إن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل، و لا مهر لها، و لا ميراث» «9».

______________________________

(1) الكفاية: 304.

(2) السرائر 3: 283، التذكرة 2: 518.

(3) المسالك 2: 334.

(4) انظر الرياض 2: 366.

(5) الشرائع 4: 35، الدروس 2: 358.

(6) النافع: 272، اللمعة (الروضة البهيّة 8): 172.

(7) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 300.

(8) الفقيه 4: 228، 724، الوسائل 26: 231 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 1.

(9) الكافي 6: 123، 12، التهذيب 8: 77، 261، الإستبصار 3: 304، 1080، الوسائل 26: 232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 390

و موثقة عبيد بن زرارة بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن المريض أ له أن يطلّق امرأته في تلك الحال؟ قال: «لا، و لكن له أن يتزوج إن شاء، فإن دخل بها ورثته، و إن لم يدخل بها فنكاحه باطل» «1».

و ظاهرٌ أنّ المراد ببطلان العقد في تلك الأخبار طريان المزيل عليه، فيكون في حكم المتزلزل المشروط لزومه

بالدخول أو البرء، بل في حكم اللازم الطارئ عليه الفسخ، لا البطلان و عدم صحة العقد حقيقة، كما حكي عن شرح الإيجاز «2»؛ لتصريح صدرَي الأخيرتين بالجواز، مضافاً إلى روايات عديدة اخرى دالة على جواز نكاح المريض «3»، و لأنه لولا الصحة لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بل بعد البرء أيضاً بذلك العقد، مع أنه خلاف المجمع عليه، المصرح به في تلك الأخبار «4» و غيرها.

و حينئذ فلا ينافي ذلك موثقة محمد: عن الرجل يحضره الموت فيبعث إلى جاره فيزوجه ابنته على ألف درهم، أ يجوز نكاحه؟ قال: «نعم» «5».

على أنه يمكن إرجاع البارز في يزوجه إلى الجار.

ثم لكون هذه الأخبار صحيحة خاصة معمولًا بها بل معتضدةً بالإجماعين فيجب تقديمها على عمومات إرث الزوجة من الكتاب و السنة،

______________________________

(1) الكافي 6: 121، 1، الوسائل 26: 232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    390     المسألة السابعة شرط ثبوت توارث الزوجين: ..... ص : 388

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 300.

(3) انظر الوسائل 20: 505 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و غيرها ب 43، و الوسائل 22: 149 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 21.

(4) الوسائل 26: 231 أبواب ميراث الأزواج ب 18.

(5) التهذيب 7: 481، 1933، الإستبصار 3: 192، 695، الوسائل 20: 505 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و غيرها ب 43 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 391

فلا وجه لقول صاحب الكفاية بعد ذكر أنّ هذه الأخبار معارضة بعموم الأخبار الكثيرة: فللتأمل طريق إلى الحكم المذكور.

و أما عمومات جواز نكاح المريض فلا ينافي تلك الأخبار مطلقاً، و قد عرفت وجهه.

و أما ما تقدم من

شرح الإيجاز فهو ضعيف غايته، و لا تحتمله الأخبار بالمرة، و هو لم يفرَّق بين" دخل بها" و" دخلت به"، و المصرح به في الأخبار الأول.

فروع:
أ: لو برئ من هذا المرض و مات بمرض آخر قبل الدخول

، ففي عدم توريثها إشكال، من حيث مخالفته للأصل و الاستصحاب و العمومات، و من إطلاق الموثقة.

و الظاهر المصرَّح به في كلام جماعة «1» بل لم أعثر على مصرِّح بخلافه هو التوريث؛ لأنّ المتبادر من الموثقة أيضاً هو الموت في هذا المرض. و أيضاً قوله فيها: «و إن لم يدخل بها فنكاحه باطل» محتاج إلى تقدير قطعاً، لعدم البطلان بمجرد عدم الدخول و إن كان حياً، لجواز الدخول كلما كان حياً. و المقدّر إما هو الموت مطلقاً أو الموت في هذا المرض، و الأول و إن كان أقل تقديراً و لكن في التقدير يتبع القرينة، و التقييد في الصحيحين قرينة ظاهرة على أنّ المقدّر هو المقيَّد دون المطلق.

______________________________

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 178، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 300، و صاحب الرياض 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 392

ب: لو مات في هذا المرض و لكن لا بسببه بل بمرض آخر أو سبب غير المرض

كغرق أو حرق أو الهدم عليه، ففي توريثها و عدمه احتمالان، من إطلاق الأخبار و كون لفظة «في» حقيقة في الظرفية فيصدق الموت في المرض و إن كان بسبب آخر، و من مخالفة الحكم للأصل و تبادر إرادة السببية هنا، و لكل وجه، و المسألة محل إشكال.

ج: هل يشترط أن يكون المرض مهلكاً عادةً أم لا؟

فيه وجهان، و قد مرّ تفصيله في كتاب الوصايا، و كذا بيان ما لو حصل مرض آخر و اشتركا في الهلاك، أو انجرّ هذا المرض إلى مرض آخر و مات بالأخير، أو زاد هذا المرض و مات بالازدياد، أو مات و حصل الشك في برية قبل الموت من المرض الأول و سائر ما يتعلق بالمقام.

د: لا يلحق بالعقد الرجعة في مرض الموت

و إن وقع الطلاق في المرض إذا كان قد برئ منه؛ للأصل، و بطلان القياس.

ه: لو ماتت هي في مرضه قبل الدخول

فاستشكل في المسالك و الكفاية «1»، و ظاهر القواعد و الإيضاح التردد «2». و الحق أنه يرثها؛ للأصل و الاستصحاب و العمومات.

قيل: العقد متزلزل «3»، و لزومه بحيث يترتب جملة الأحكام عليه موقوف على الدخول أو البرء.

قلنا: التزلزل ممنوع، بل هو عقد لازم ينفسخ، فلا ينفسخ إلّا بما نصّ عليه الشارع، فإنّ الأصل في عقد النكاح الصحيح اللزوم، و الأصل في

______________________________

(1) المسالك 2: 335، الكفاية: 304.

(2) القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240.

(3) انظر الرياض 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 393

العقد الصحيح اللازم ترتب جميع آثاره عليه. و لو سلم التزلزل فإنما هو باعتبار موت الزوج في مرضه قبل الزوجة لا مطلقاً، و هو منفي فيما نحن فيه، بل تحققه مستحيل، لتحقق موت الزوجة أولًا، فيلزم. و فائدته ترتب الآثار اللاحقة بعد الموت عليه.

المسألة الثامنة [عدم إرث المطلقة بالطلاق البائن إلا إذا كان الزوج حين الطلاق مريضا؟]:

قد عرفت أن المطلقة بالطلاق البائن لا ترث الزوج، و قد استثني من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كان الزوج حين الطلاق مريضاً، فإنها ترثه إلى سنة و لا يرثها. و الأصل في ذلك الإجماع و الروايات المستفيضة. و قد تقدم الكلام في هذه المسألة في كتاب الطلاق في مسألة طلاق المريض.

المسألة التاسعة: في ثبوت التوارث بين الزوج و المتمتع بها

أقوال أربعة:

أحدها: التوارث مطلقا، حتى لو شرط سقوطه بطل الشرط.

و ثانيها: عدم التوارث مطلقا، اشترط، أو لم يشترط، أو شرط العدم.

و ثالثها: أنهما يتوارثان ما لم يشترط العدم.

و رابعها: أنّ أصل العقد لا يقتضي التوارث مطلقاً بل مع اشتراطه، فإذا اشترط ثبت تبعاً للشرط.

و قد تقدم تفصيل المسألة في كتاب النكاح في أحكام عقد التمتع.

المسألة العاشرة: إذا ماتت الزوجة عن زوج و لم يكن هناك مناسب و لا مسابب

كان المال كله له، نصفه بالفرض و نصفه بالرد، و لا أعرف في ذلك خلافاً، و نقل عليه الإجماع الشيخان في الإعلام «1»، و الإيجاز و الاستبصار

______________________________

(1) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 394

و المبسوط «1»، و السيدان في الغنية و الانتصار، و الحلي و الفاضل في السرائر و المختلف، و الشهيد الثاني في المسالك «2»، و في المهذب نفي الخلاف عنه.

و يدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة محمد بن قيس: في امرأة توفّيت و لم يعلم لها أحد و لها زوج قال: «الميراث كله لزوجها» «3».

و صحيحة أبي بصير: قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فدعا بالجامعة فنظرنا فيها، فإذا فيها: «امرأة هلكت و تركت زوجها لا وارث لها غيره له المال كله» «4».

و موثقته: قال: قرأ عليّ أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فرائض علي (عليه السّلام)، فإذا فيها: «الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره» «5».

و صحيحته الأُخرى : رجل مات و ترك امرأته، قال: «المال لها» قال: قلت: امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال له» «6».

و روايته: قال: قرأ عليّ أبو جعفر (عليه السّلام) في الفرائض: «امرأة توفيت و تركت زوجها، قال: المال للزوج، و رجل توفّي و ترك امرأة قال: للمرأة

______________________________

(1) الإيجاز

(الرسائل العشر): 271، الاستبصار 4: 149، المبسوط 4: 74.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الانتصار: 300، السرائر 3: 284، المختلف: 737، المسالك 2: 317.

(3) الكافي 7: 125، 1، التهذيب 9: 294، 1051، الإستبصار 4: 149، 559، الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 1.

(4) الكافي 7: 125، 2، التهذيب 9: 294، 1053، الإستبصار 4: 149، 561، الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 9: 294، 1052، الإستبصار 4: 149، 560، الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 2.

(6) التهذيب 9: 295، 1056، الإستبصار 4: 150، 568، الوسائل 26: 204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 395

الربع و ما بقي فللإمام» «1».

و الأُخرى: عن امرأة ماتت و تركت زوجها لا وارث لها غيره. قال «إذا لم يكن غيره فله المال، و المرأة لها الربع و ما بقي فللإمام» «2».

و الثالثة: في امرأة توفّيت و تركت زوجها، قال: «المال للزوج» يعني إذا لم يكن لها وارث غيره «3».

و الرابعة: عن المرأة تموت و لا تترك وارثاً غير زوجها، قال: «الميراث كله له» «4».

و الخامسة: امرأة هلكت و تركت زوجها، قال: «المال كله للزوج» «5».

و موثقة مثنى: امرأة تركت زوجها، قال: «المال كله له إذا لم يكن له وارث غيره» «6».

و الطعن في الأربعة الأُولى باشتراك محمد بن قيس و أبي بصير ضعيف؛ إذ لا اعتبار بأمثال ذلك بعد وجود الخبر في الأُصول المعتبرة عندنا، مع أنهما ليسا بضعيفين أيضاً:

أما الأول، فلأنه روى عنه عاصم، و كلما كان هو الراوي عن محمد بن قيس هو أبو عبد اللَّه البجلي الثقة.

و أما الثاني، فلأنّ اشتراك

أبي بصير بين الثقة و غيره إنما هو في غير

______________________________

(1) الكافي 7: 126، 2، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 3.

(2) الفقيه 4: 191، 666، التهذيب 9: 294، 1055، الإستبصار 4: 149، 564، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 5.

(3) الكافي 7: 125، 3، الوسائل 26: 199 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 12.

(4) الكافي 7: 126، 6، التهذيب 9: 294، 1054، الإستبصار 4: 149، 562، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 4.

(5) الكافي 7: 126، 7، الوسائل 26: 200 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 14.

(6) التهذيب 9: 294، 1050، الإستبصار 4: 148، 558، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 396

ما كان راوياً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) كما بينا في موضعه.

و قد ينسب إلى ظاهر الديلمي عدم الرد عليه، بل هو للإمام «1». و ظاهر الإيضاح القول به من غيره أيضاً «2».

و يحتج له بظاهر الآية الدالة على أنّ له النصف مع عدم الولد الشامل لوجود وارث آخر و عدمه. و بأصالة عدم الرد، فإنّ الأصل فيه آية اولي الأرحام، و الرحم منتفية عن الزوج من حيث هو زوج. و بموثقة جميل عن الصادق (عليه السّلام): قال: «لا يكون رد على زوج و لا على زوجة» «3».

و الجواب: أنّ العمل بالأصل و الإطلاق و العموم عند عدم الرافع و المقيد و المخصص، و هي هنا موجودة، فبها يدفع الأصل، و يقيد إطلاق ظاهر الآية بوجود وارث آخر، و يخصص عموم الموثقة به، مع أنها لا تقاوم الأخبار المتقدمة (لوجوه عديدة) «4» على أنّ

حملها على التقية ممكن، لموافقتها لمذاهب العامّة كما صرح به في الانتصار «5».

المسألة الحادية عشرة: إذا مات عن زوجة كذلك

ففيه أقوال:

عدم الرد عليها مطلقاً، بل لها الربع خاصة و الباقي للإمام. ذهب إليه السيد و الشيخ في الإيجاز، و الصدوقان في الرسالة و المقنع، و الديلمي و الحلبي و القاضي و الحلي و المحقق و الفاضل في المختلف و ولده «6»،

______________________________

(1) المراسم: 222.

(2) الإيضاح 4: 237.

(3) التهذيب 9: 296، 1061، الإستبصار 4: 149، 563، الوسائل 26: 199 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 8.

(4) ما بين القوسين ليس في «ق».

(5) الانتصار: 301.

(6) السيد في الانتصار: 301، الإيجاز (الرسائل العشر): 271، الصدوق في المقنع: 170، حكاه عن والده في المختلف: 737، الديلمي في المراسم: 222، الحلبي في الكافي: 374، القاضي في المهذب 2: 141، الحلي في السرائر 3: 242، المحقق في النافع: 271، المختلف: 737، ولد الفاضل في الإيضاح 4: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 397

و معظم الطبقة الثالثة «1»، و دعوى الشهرة عليه متكررة «2». و ظاهر الانتصار و السرائر دعوى الإجماع عليه «3».

و الرد عليها كذلك. نسب إلى ظاهر المفيد، حيث قال: إذا لم يوجد مع الأزواج قريب و لا سبب للميت رد باقي التركة على الأزواج «4».

و هو غير ظاهر فيما نسب إليه؛ لاحتمال أن يريد بالأزواج الرجال. و تأكيد هذا الاحتمال بأن اللفظ المشترك لا يجوز استعماله في جميع معانيه حقيقة، بل مجازاً، و الأصل عدمه كما في التنقيح «5» باطل كما لا يخفى .

و التفصيل بالرد عليها حال الغيبة دون الحضور. اختاره في الفقيه و الجامع و التحرير و اللمعة «6»، و في النهاية: إنه قريب من الصواب «7». و نسب إلى ظاهر التهذيب أيضاً «8»،

و ليس كذلك.

و ظاهر القواعد و الإرشاد و الدروس التردد «9». و استشكل في الكفاية. و إن رجح الأول أخيراً «10».

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 304، و الفيض في المفاتيح 3: 304.

(2) كما في الروضة 8: 86، و المفاتيح 3: 304، و الرياض 2: 363.

(3) الانتصار: 301، السرائر 3: 242.

(4) المقنعة: 691.

(5) التنقيح 4: 189.

(6) الفقيه 4: 192، الجامع: 502، التحرير 2: 168، اللمعة (الروضة البهية 8): 82.

(7) النهاية: 642.

(8) انظر الرياض 2: 363، و هو في التهذيب 9: 295.

(9) القواعد 2: 178، الإرشاد 2: 125، الدروس 2: 376، و قال في ص 334: و في الزوج و الزوجة خلاف أقربه الردّ على الزوج دون الزوجة سواء كان في غيبة الإمام و حضوره إذا لم يكن وارث سواهما.

(10) الكفاية: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 398

و الحق هو الأول؛ للأصل. و المستفيضة من الأخبار المعتضدة بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة، و برواية العبدي التي شهد الفضل بصحتها المتضمنة لقوله (عليه السّلام): «و لا تزاد المرأة على الربع، و لا تنقص من الثمن» «1».

فمن تلك الأخبار: رواية موسى بن بكر عن زرارة الطويلة و فيها: «و لا يردّ على المرأة شي ء» «2».

و قول الصادق (عليه السّلام) في موثقة جميل المتقدمة «3»: «لا يكون ردّ على زوج و لا على زوجة».

و روايتا أبي بصير الأُوليان المتقدمتان «4».

و روايته الأُخرى : في رجل توفي و ترك امرأته، قال: «للمرأة الربع، و ما بقي فللإمام» «5».

و رواية محمد بن مروان: في رجل مات و ترك امرأته، قال: الربع، و ما بقي فللإمام» «6».

و رواية محمّد بن نعيم الصحاف قال: «مات محمد بن أبي عمير بياع السابري، و أوصى إليّ، و

ترك امرأة له لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح (عليه السّلام)، فكتب إليّ: «أعط المرأة الربع، و احمل الباقي إلينا» «7».

______________________________

(1) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، الوسائل 26: 204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 11.

(2) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(3) في ص: 394.

(4) في ص: 392 و 393.

(5) الكافي 7: 126، 3، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 4.

(6) التهذيب 9: 296، 1060، الإستبصار 4: 150، 567، الوسائل 26: 203 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 7.

(7) الكافي 7: 126، 1، التهذيب 9: 295، 1058، الإستبصار 4: 150، 565، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 399

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإذا ترك الرجل امرأته فللمرأة الربع، و ما بقي فللقرابة إن كان له قرابة، و إن لم يكن أحد حصل ما بقي لإمام المسلمين» «1».

و توهم الاختصاص بحال الحضور في غير الأُوليين، لوقوع السؤال في أكثرها بلفظ الماضي، باطل جدّاً؛ لأنها ظاهرة في السؤال عن الوقائع الفرضية، و يراد القواعد الكلية، مع أنّ الجواب فيها عام، و خصوص السؤال لو كان لا يدل على خصوص الجواب. مع أنّ رواية أبي بصير المتقدمة أولًا «2» لحكايتها الحكم المذكور عن صحيفة الفرائض التي تضمنت الأحكام على سبيل القاعدة الكلية كلية قطعاً، بل عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) صريحة فيه، حيث أتى بأداة الشرط المفيدة للعموم.

و قد يستدل أيضاً بصحيحة على بن مهزيار: قال: كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): مولى

لك أوصى إليّ بمائة درهم و كنت أسمعه يقول: كل شي ء هو لي فهو لمولاي، فمات و تركها و لم يأمر فيها بشي ء و له امرأتان، أما واحدة فلا أعرف لها موضعاً الساعة، و الأُخرى بقم، ما الذي تأمر في هذه المائة درهم؟ فكتب إليّ: «أنظر أن تدفع [من «3»] هذه الدراهم إلى زوجتَي الرجل، و حقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد، و إن لم يكن له ولد فالربع، و تصدّق بالباقي على من تعرف أنّ له إليه حاجة» «4».

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 287، مستدرك الوسائل 17: 194 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 1.

(2) في ص: 392.

(3) أضفناه من الكافي.

(4) الكافي 7: 126، 4، التهذيب 9: 296، 1059، الإستبصار 4: 150، 566، الوسائل 26: 201 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 400

و ردّ: بأنّ الظاهر من إقراره أنّ المائة له (عليه السّلام) فيحكم فيه بما يشاء، و أمره بإعطاء الزوجتين لا يدل على أنه إرث.

و فيه: أنّ ظاهر قوله: «و حقهما» مع ضميمة التفصيل الذي هو مقتضى الإرث أنّ الإعطاء على سبيل الإرث و الاستحقاق. و عدم الأخذ بإقراره يمكن أن يكون لأجل عدم ثبوته عنده، أو لعلمه بأنه ليس من ماله.

نعم، يرد أنّ الكلام إنما هو فيما إذا لم يكن عدا الإمام وارث سوى الزوجة. و صريح الصحيحة أنّ الإمام كان مولى للميت، فهي خارجة عن محل النزاع.

للثاني: صحيحة أبي بصير الثانية المتقدمة «1»، و رواها في الفقيه بطريق موثق، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) بأدنى تغيير و فيها: في امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال كله له» قلت: فالرجل

يموت و يترك امرأته؟ قال: «المال لها» «2».

و فيها مع كونها أعم مطلقاً ممّا مر لإطلاق الامرأة بالنسبة إلى ذات القرابة و غيرها، و المال بالنسبة إلى الربع و غيره، و احتمال كون اللام في المال للمعهود، و ربما يستأنس له بترك لفظ كله مع ذكره في جانب الزوج، و معارضتها مع الأخبار المتقدمة الراجحة عليها بموافقة الأصل و الكتاب و عمل الأصحاب-: أنها شاذة جدّاً كما في المسالك و عن الانتصار و السرائر «3»، فلا حجية فيها أصلا.

و للثالث: الجمع بين الأخبار، بحمل الصحيحة على حال الغيبة،

______________________________

(1) في ص: 393.

(2) الفقيه 4: 192، 667، الوسائل 26: 203، أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 6.

(3) المسالك 2: 317، الانتصار: 301، السرائر 3: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 401

و السابقة على حال الحضور.

و قد يؤيد ذلك بما مر من التعبير في أكثر أخبار عدم الرد بلفظ الماضي الدال على الوقوع حال السؤال الذي هو حال الحضور.

و فيه: أنّ كل جمع ليس مما يمكن القول به، بل لا بد فيه من شاهد (شرعي) «1» و هو هنا مفقود. و الإتيان بلفظ الماضي مشترك، مع أنه لا ماضي في رواية موسى و موثقة جميل، بل الرضوي أيضاً.

و لذا قال الحلي: ما قرّبه شيخنا أبعد مما بين المشرق و المغرب «2». و هو كذلك، سيما مع إمكان الجمع بنوع آخر له شاهد كما فعله الشيخ «3» بحمل الصحيحة على كون المرأة ذات قرابة، مستشهداً بصحيحة الفضيل: في رجل مات و ترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: «يدفع المال كله إليها» «4».

مع أنّ السؤال في الصحيحة إنما وقع عن الباقر (عليه السّلام) «5»، فكيف يترك الجواب

عما يحتاج إليه عاجلًا و يجيب على حالة غيبة الإمام المتأخرة عن الجواب بأزيد من مائة و خمسين سنة من دون إشعار بالاختصاص.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليست في «ق».

(2) السرائر 3: 243.

(3) التهذيب 9: 295، الاستبصار 4: 150.

(4) التهذيب 9: 295، 1057، الإستبصار 4: 151، 569، الوسائل 26: 205 أبواب ميراث الأزواج ب 5 ح 1.

(5) إنّ السؤال وقع عن الصادق (عليه السّلام). راجع المصادر المتقدّمة في ص 2765 الهامش (8).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 402

الفصل الثاني في ولاء العتق
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : ولاء العتق من أسباب الإرث في الجملة

، بإجماع الأُمة، و السنة المستفيضة، بل كما قيل «1»: المتواترة من طرق العامة و الخاصة.

منها: رواية السكوني: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع و لا توهب» «2».

و صحيحتا الحلبي و محمد «3» و العيص «4» و فيهما: «الولاء لمن أعتق».

و موثقة العيص، و فيها: «فإنّ الولاء لمن أعتق» «5».

و صحيحة هشام: «إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه و عليه معقلته» «6» و المعقلة دية جناية الخطإ.

و صحيحة الكناني: في امرأة أعتقت رجلًا، لمن ولاؤه و لمن ميراثه؟

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 366.

(2) الفقيه 3: 78، 281، التهذيب 8: 255، 926، الوسائل 23: 75 أبواب العتق ب 42 ح 2.

(3) الكافي 6: 197، 1، التهذيب 8: 249، 905، المقنع: 156، الوسائل 23: 61 أبواب العتق ب 35 ح 1.

(4) الكافي 6: 198، 4، التهذيب 8: 250، 907، الوسائل 23: 64 أبواب العتق ب 37 ح 1.

(5) لم نعثر على هذه الموثقة للعيص، نعم هي منقولة عن زرارة. انظر الوسائل 23: 62 أبواب العتق ب 35 ح 2.

(6) الكافي 7: 171، 3، التهذيب 9: 396، 1413، الوسائل 26: 244 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 403

قال: «للذي أعتقه، إلّا أن يكون له وارث غيرها» «1». و نحوها صحيحة الحلبي «2».

إلى غير ذلك مما يأتي جملة منها في طي المسائل الآتية.

و الاستدلال بالخمسة الأُوَل و إن كان موقوفاً على ثبوت ترتب الإرث على الولاء مطلقاً أو تضمّن الولاء مطلقاً للتوريث، و في الاولى على عموم التشبيه أيضاً، و كلاهما غير معلومين بحقيقةٍ لغوية أو شرعية، إلّا أنّ إطباق الأصحاب على الاستدلال بها و فهمهم ذلك

منها يكفي قرينةً لإرادة ذلك المعنى ، مضافاً إلى احتجاج عمر بن يزيد في صحيحته بقول النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): «الولاء لمن أعتق» «3» على التوريث، و تقرير الإمام له. بل ربما يستفاد ذلك من موثقة العيص المذكورة أيضاً، تدل عليه صحيحته.

المسألة الثانية: يختص التوريث بولاء العتق بالمعتِق بكسر التاء

المعبَّر عنه بالمُنعم و المولى ، دون المعتَق بالفتح المعبَّر عنه بالمنعَم له و العتيق، و يستعمل فيه المولى أيضاً. بمعنى أنه لا توارث بذلك السبب بين الجانبين كما كان في النسب، بل يختص بأحد الجانبين، و هو المنعم فيرث المنعَم له، دون العكس، على الحق المشهور، كما صرح به جماعة «4»، بل عن الخلاف و التنقيح الإجماع عليه «5». و جعل في المسالك

______________________________

(1) الكافي 7: 170، 5، التهذيب 8: 250، 908، الوسائل 26: 241 أبواب ميراث ولاء العتق ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 8: 253، 920، الوسائل 23: 62 أبواب العتق ب 35 ح 3.

(3) الكافي 7: 170، 1، الفقيه 3: 74، 261، التهذيب 8: 224، 807، الوسائل 26: 243 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 1.

(4) منهم العلّامة في المختلف: 754 و الشهيد الثاني في المسالك 2: 336، و السبزواري في الكفاية: 306، و الفيض في المفاتيح 3: 306.

(5) الخلاف 4: 84، التنقيح 4: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 404

خلافه شاذاً «1».

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و الصدوق في الفقيه، فقالا بالتوارث من الجانبين «2».

لنا بعد أصالة عدم توريث العتيق، لأنه أمر شرعي محتاج إلى الدليل، و لا دليل له، لاختصاص النصوص المثبتة لذلك الإرث بإرث المولى الحصر المستفاد منقولة في المستفيضة من الصحاح و غيرها: «الولاء لمن أعتق» و «إنما الولاء لمن أعتق» «3» و التعليل

المصرّح به في رواية ثابت بن دينار، عن السجاد (عليه السّلام) في حديث الحقوق قال: «و أما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أنّ اللَّه جعل عتقك له وسيلة له، و حجاباً لك من النار، و أن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم، مكافأة لما أنفقت من مالك، و في الآجل الجنة» «4».

و لعل مستند المخالف كما قيل «5» رواية السكوني المتقدمة.

و فيه: ما أُشير إليه من أنّ المشابهة لا تستلزم اتحاد حكم المتشابهين في جميع الامور.

نعم لو دار الولاء بينهما توارثا لوجود السبب، و مثّل بعضهم له بما لو اشترى العتيق أب المولى فأعتقه «6». و في انطباقه على الممثَّل له نظر، فإنّ

______________________________

(1) المسالك 2: 335.

(2) حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 3: 306، الفقيه 4: 224.

(3) انظر الوسائل 23: 61، 64 أبواب العتق ب 35 و 37.

(4) الفقيه 2: 376، 1626، الأمالي: 301، 1، الخصال: 564، 1، مكارم الأخلاق 2: 299، 2654، تحف العقول: 255، الوسائل 15: 172 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 3 ح 1.

(5) كما في المسالك 2: 336 و المفاتيح 3: 306.

(6) انظر المسالك 2: 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 405

العتيق يرث أب مولاه دون نفسه. و مثاله المطابق ما لو أسلم كافر أصلي فاشترى عبداً و أعتقه، ثم ارتد و لحق بدار الكفر فسُبي و اشتراه عتيقه و أعتقه.

المسألة الثالثة: يشترط إرث المولى عن عتيقه بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون العتق تبرعاً

، فلا ولاء على من أعتقه لأمر واجب، ككفارة، أو نذر، أو شبهه، أو انعتق لمثلة، أو تنكيل، أو عمى ، أو إقعاد، أو نحوها، أو لولد لها عن المولى، أو لقرابة موجبة للعتق، بلا خلاف فيه يعلم، كما في المسالك، و عن السرائر

نفي الخلاف فيه «1»، و عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه «2».

و استدل له بالأصل؛ لظهور مثل قوله: «لمن أعتق» و سائر أخبار الباب المتضمنة للفظ الإعتاق في مباشرة العتق.

و هو حسن لإخراج الانعتاق القهري، دون العتق لوجوبه.

و يدلُّ على اشتراط التبرّع و عدم حصول الولاء بالواجب منه صحيحة ابن رئاب: عن السائبة فقال: «انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة فتلك السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللَّه، فما كان ولاؤه للَّه فهو لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و ما كان ولاؤه لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، فإنّ ولاءه للإمام، و جنايته على الإمام، و ميراثه له» «3».

و مثلها رواية عمار بن أبي الأحوص «4».

______________________________

(1) السرائر 3: 262 264.

(2) الانتصار: 168، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(3) الكافي 7: 171، 2، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 6.

(4) التهذيب 9: 395، 1410، الإستبصار 4: 199، 748، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 406

و صحيحة العجلي: عن رجل كان عليه عتق رقبة، فمات من قبل أن يعتق رقبة، فانطلق ابنه فابتاع رجلًا من كسبه فأعتقه من أبيه، و أنّ المعتَق أصاب بعد ذلك مالًا ثم مات و تركه، لمن يكون ميراثه؟ قال، فقال: «إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر واجب عليه فإنّ المعتَق سائبة لا سبيل لأحد عليه. و إن كان توالى قبل أن يموت إلى أحد من المسلمين فضمن جنايته و حدثه كان مولاه و وارثه إن لم يكن له وارث قريب يرثه» قال: «و إن

لم يكن توالى إلى أحد من المسلمين حتى مات فإنّ ميراثه للإمام، إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين. و إن كانت الرقبة على أبيه تطوعاً و قد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» قال: «و يكون الذي اشتراه و أعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتَق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه»، قال: «و إن كان ابنه الذي اشترى الرقبة و أعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك فإنّ ولاءه و ميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتَق وارث من قرابته» «1».

و قد يستدل أيضا لذلك الحكم بالأخبار المتضمنة لأنّ السائبة لا ولاء لأحد أو لمولاه عليه «2».

و هو إنما يتم لو كان معنى السائبة من أُعتق في واجب، أي مقابل المعتَق تطوعاً. و أما إذا كان معناها من لا ولاء لأحد عليها و لو بشرط أو

______________________________

(1) الكافي 7: 171، 7، الفقيه 3: 81، 293، التهذيب 8: 254، 925، الوسائل 23: 71 أبواب العتق ب 40 ح 2.

(2) كما في الوسائل 23: 77 أبواب العتق ب 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 407

تبرؤ أو غيرهما فلا، إذ يكون الاستدلال حينئذ مصادرة المطلوب.

و يدلُّ على اشتراط الإعتاق و عدم حصوله بالانعتاق مضافاً إلى الأصل المتقدم ذكره صحيحة أبي بصير: فيمن نكل بمملوكه: «أنه حر و لا سبيل له عليه سائبة، فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته فهو يرثه» «1».

خلافاً في الأول للمحكي عن الشيخ، فأثبت الولاء في منذور العتق أيضاً «2»، و

له أيضاً في فصل الكفارات من المبسوط، فأثبته للمعتَق في الكفارات «3»، مع أنه وافق المشهور في مواضع أُخر منه «4».

و لعلّه لعموم «الولاء لمن أعتق» و خصوص صحيحة أبي بصير: عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار، لمن يكون الولاء؟ قال: «للذي يعتق» «5».

و العموم مخصوص بما مر. و الخصوص معارض له، مرجوح عنه بالشذوذ الموجب للاطّراح، و بمخالفة الأصل، و موافقة العامة كما يستفاد من الانتصار، حيث نسب خلافها إلى الفقهاء الأربعة «6»، مع أنه لا يخلو عن جهات عموم أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 7: 172، 9، التهذيب 9: 395، 1411، الوسائل 26: 245 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 6.

(2) لم نعثر عليه.

(3) المبسوط 6: 71، 209، 210.

(4) المبسوط 4: 108 و 6: 217.

(5) الفقيه 3: 79، 283، التهذيب 8: 256، 931، الإستبصار 4: 26، 86، الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 5.

(6) الانتصار: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 408

و في الثاني للمحكي عن المبسوط و ابن حمزة في أُم الولد، فأثبتا الولاء لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها، و فيمن أُعتق بالقرابة، فأوجبا الولاء لمن ملك أحد أقربائه و انعتق عليه، سواء ملكه باختيار أو اضطرار «1».

و استدل الشيخ للأول بالإجماع «2»، و احتجّا للثاني «3» بموثقة سماعة: في رجل يملك ذا رحمه، هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: «لا يصلح أن يبيعه و لا يتخذه عبداً، و هو مولاه و أخوه في الدين، و أيهما مات ورثه صاحبه، إلّا أن يكون وارث أقرب إليه منه» «4».

و الإجماع مردود بالمنع و المعارضة مع الأكثر، و الموثقة بعدم الدلالة، لأنّ الظاهر أنّ

المراد بالإرث فيه الإرث الحاصل بالقرابة دون الولاء، و إلّا لم يحكم بالتوارث.

فرع

: لو حصل الشك في العتيق أنه سائبة أو مولى عليه و لم يكن طريق إلى ثبوت أحد الطرفين يُعمل فيه بالأصل و الاستصحاب، و يُقدّم الاستصحاب المزيل لو تعارض الاستصحابان.

فلو شك في أنه تبرعي أو في أمر واجب مع عدم العلم بوجوب عتق على المنعم فالأصل عدم الوجوب، و لو علم وجوبه و لم يعلم أنه أعتق لذلك الوجوب أم تبرع، فالأصل عدم ملاحظة الوجوب في قصد العتق، فإنّه أمر زائد على أصله، و الأصل عدمه.

______________________________

(1) المبسوط 6: 71، الوسيلة: 344.

(2) المبسوط 6: 71.

(3) انظر المختلف: 633 و الإيضاح 3: 523.

(4) الفقيه 3: 80، 287، الوسائل 23: 29 أبواب العتق ب 13 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 409

و لو شك في أنه لمثلةٍ أو تنكيلٍ مع صدوره من المولى، و شك في تقديم العتق عليه أم حصوله به، فالأصل عدم تحقق عتق قبله.

و لو كان العتيق أعمى أو مقعداً، و شك في حصوله حال رقيته حتى يكون سائبة أو بعد عتقه تبرعاً حتى يكون مولى عليه، فالأصل عدم تحقق عتق سابق، و هكذا.

الشرط الثاني: أن لا يتبرّأ المنعم من ضمان جريرته و جنايته

، فلو تبرأ منه و شرط سقوط الضمان انتفى الولاء و الميراث، بالإجماع كما ذكره جماعة «1»؛ للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة ابن سنان: «من أعتق رجلًا سائبة ليس عليه من جريرته شي ء، و ليس له من ميراثه شي ء، و ليشهد على ذلك» «2».

و قريبة منها الأُخرى «3».

و الثالثة: في من أعتق عبداً سائبة «أنه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه ضمن جريرته و كل حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك

فهو يرثه، و إن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين» «4».

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير 2: 169 و ولده في الإيضاح 3: 523 و الكاشاني في المفاتيح 3: 310 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 195.

(2) التهذيب 8: 256، 928، الإستبصار 4: 26، 83، الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 4.

(3) الكافي 7: 152، 8، الفقيه 4: 247، 799، التهذيب 9: 352، 1264، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 7.

(4) التهذيب 9: 394، 1407، الوسائل 26: 250 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 410

و الرابعة و فيها: «إذا أعتق المملوك سائبة أنه لا ولاء عليه لأحد إن كره ذلك، و لا يرثه إلّا من أحب أن يرثه، فإن أحب أن يرثه ولي نعمته أو غيره فليشهد رجلين بضمان ما ينوبه لكل جريرة جرها أو حدث، فإن لم يفعل السيد ذلك و لا يتوالى إلى أحد فإنّ ميراثه يردّ إلى إمام المسلمين» «1».

و موثقة أبي بصير: «السائبة ليس لأحد عليها سبيل، فإن والى أحداً فميراثه له و جريرته عليه» «2».

و أما صيرورة العبد سائبة بالتبرّي المذكور فتدل عليه حسنة أبي الربيع: عن السائبة، فقال: «هو الرجل يعتق غلامه، ثم يقول له: اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي ء، و لا عليّ من جريرتك شي ء، و ليشهد على ذلك شاهدين» «3».

و مقتضى الحسنة توقف صيرورته سائبة على ذكر عدم الميراث و عدم ضمان الجريرة معاً، و المذكور في كلام الأصحاب هو الأخير فقط.

و هل يشترط كون التبرّي حال الإعتاق أو يكفي وقوعه بعده؟

ظاهر الأكثر

و صريح جماعة: الأول «4»، اقتصاراً في تخصيص عموم «الولاء لمن أعتق» على مورد اليقين.

و تشعر عبارة التحرير و الدروس بوجود قول بالثاني «5»، و يستأنس له

______________________________

(1) التهذيب 8: 257، 933، الإستبصار 4: 27، 88، الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 3.

(2) التهذيب 9: 394، 1408، الإستبصار 4: 199، 749، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 10.

(3) الكافي 7: 171، 6، الفقيه 3: 80، 289، التهذيب 8: 256، 929، الإستبصار 4: 26، 84، الوسائل 23: 64 أبواب العتق ب 36 ح 2.

(4) كما في المسالك 2: 335، و الكفاية: 305، و الرياض 2: 366.

(5) التحرير 2: 168، الدروس 2: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 411

بإطلاق التبرّي في الحسنة، سيما مع عطفه على «يعتق» بلفظة «ثم» في الكافي و الفقيه.

و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى إطلاقها لو سلم أنّ مطلق السائبة يتحقق بذلك، و مجرد ذلك لا يفيد، إلّا إذا نفى الإرث عن السائبة مطلقاً، و أكثر الأخبار المتقدمة على الحسنة النافية للإرث إنما تدل على نفي الإرث عمن اعتق سائبة، و المتبادر منه أن يجعل سائبة حال الإعتاق، بل لا يتحقق العتق سائبة إلّا أن يجعل كذلك حال الإعتاق كما لا يخفى . و مقتضى عموم مفهوم الشرط فيها أنه لو لم يجعل كذلك بل أُعتق غير سائبة يورث منه. و به يقيد إطلاق موثقة أبي بصير أيضاً.

و هل يشترط الإشهاد في التبرّي في سقوط الولاء؟

فيه قولان. و الأكثر على العدم «1»؛ للأصل.

و الشيخ و الصدوق و الإسكافي على الاشتراط «2»؛ للأمر به في الروايات المتقدمة.

و فيه: أنه لا دلالة للأمر على الاشتراط أصلًا، فإنّ هذا

الأمر ليس للوجوب الشرعي قطعاً لانتفائه، فهو إما للإرشاد أو للوجوب الشرطي، فكما يمكن أن يكون لإرشاد طريقة السقوط أو اشتراط حصول السقوط يمكن أن يكون لإرشاد طريقة الثبوت عند الحاكم أو اشتراط ثبوته عنده بذلك.

الشرط الثالث: أن لا يكون للعتيق وارث مناسب

، فلو كان له وارث بنسب قريب أو بعيد، ذو فرض أو غيره، لم يرث المنعِم، بالإجماع و المتواترة معنى من الأخبار. و ما يخالفه منها محمول على التقية، فإنّ

______________________________

(1) كما في الشرائع 4: 36، و التحرير 2: 168، و المسالك 2: 335.

(2) الشيخ في النهاية: 669، الصدوق في المقنع: 156، حكاه عن الإسكافي في الرياض 2: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 412

العامة في ذلك مخالفة كما يظهر من الأخبار المستفيضة.

و لو كان للعتيق زوج أو زوجة فله نصيبه الأعلى بالإجماع؛ للعمومات. و الباقي للمنعم مطلقاً على المشهور، بل لا يعلم فيه مخالف سوى الحلبي في الزوج، فردّ عليه الباقي، و منع المنعم عن الإرث معه خاصة «1».

و ردّ عليه بعموم «الولاء لمن أعتق» «2» و عمومات توريث المنعم «3».

و لا يخفى أنها معارضة بعمومات إرث الزوج كصحيحة أبي بصير: امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال له» «4» و روايته: امرأة هلكت و تركت زوجها، قال: «المال كله للزوج» «5» و غير ذلك.

فإن قيل: هي مقيدة بما إذا لم يكن وارث غيره بالمتكثرة من الأخبار.

قلنا: كذلك عمومات الولاء، فإنها أيضاً مقيدة بذلك كما مر في صحيحتي الكناني و الحلبي «6».

و يمكن أن يقال: إنّ الوارث المانع للمنعم مقيد في صحيحة العجلي المتقدمة «7» بالقرابة، و بها يقيد سائر المطلقات، و ليس كذلك في طرف الزوج.

إلّا أن يقول أحد: إنّ اختصاص القرابة بالنسبية غير معلومة، فإنّ

______________________________

(1) الكافي

في الفقه: 374.

(2) الوسائل 23: 61 أبواب العتق ب 35.

(3) انظر الوسائل 26: 241 أبواب ميراث ولاء العتق ب 3.

(4) الكافي 7: 125، 5، التهذيب 9: 295، 1056، الإستبصار 4: 150، 568، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 6.

(5) الكافي 7: 126، 7، الوسائل 26: 200 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 14.

(6) المتقدمتين في ص: 401 و 402.

(7) في ص: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 413

الزوج أيضاً من الأقرباء عرفاً، أو يقول بأنّ المتبادر و الشائع من الوارث المنفي في طرف الزوج أيضاً هو غير المنعِم من الأقرباء.

و بالجملة لولا شذوذ قول الحلبي الظاهر في الإجماع على خلافه لكانت المسألة محل الكلام و الإبرام.

المسألة الرابعة: إذا اجتمعت الشرائط ورث المنعِم المنعَم له

، و اختص بتمام تركته أو الباقي عن نصيب أحد الزوجين إن كان واحداً، و اشتركوا في المال إن كانوا أكثر، يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقاً، ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين بلا خلاف؛ لأنّ السبب في الإرث هو الإعتاق فيتبع الحصة، و لا ينظر إلى الذكورة و الأُنوثة.

و تدل على الحكم موثقة الساباطي: في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه، كيف يصنع الخادم؟ قال: «يخدم الباقي يوماً، و تخدم نفسها يوماً» قلت: فإن ماتت و تركت مالًا؟ قال: «المال بينهما نصفان، بين الذي أعتق، و بين الذي أمسك» «1».

المسألة الخامسة: إذا فُقد المنعم لعتيق ففي تعيين وارثه أقوال:

الأول

: أنه يرثه أولاده مطلقاً، من غير فرق بين الذكر و الأُنثى، رجلًا كان المنعم أو امرأة. حُكي عن الصدوق، و استحسنه في الشرائع، و نسبه في اللمعة إلى الشهرة، و أعجبه في الروضة «2».

و الثاني

: أنه يرثه وارث المال مطلقاً، نُقل عن العماني، و جعله مشهوراً متعالما «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 172، 1، الفقيه 3: 74، 260، التهذيب 8: 275، 1003، المقنع: 160، الوسائل 23: 163 أبواب المكاتبة ب 19 ح 4.

(2) حكاه عن الصدوق في المختلف: 632، الشرائع 4: 36، اللمعة (الروضة 8): 183، الروضة 8: 186.

(3) نقله عنه في المختلف: 632.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 414

و الثالث

: أنه يرثه أولاده الذكور دون الإناث، رجلًا كان المنعم أو امرأة، فإن لم يكن له ذكور فترثه عصبته، أي عاقلته الذين عليهم دية الجنايات خطأً. نُسب إلى المفيد «1».

و الرابع

: أنه إن كان المنعم رجلًا يرث الولاء أولاده مطلقاً، ذكوراً كانوا أم إناثاً، بل يرثه جميع ذوي أنسابه على وتيرة النسب، سوى المتقربين بالأُم. و إن كان امرأة يرثه عصبتها دون أولاده مطلقاً. اختاره الشيخ

في الخلاف مدعياً عليه إجماع الفرقة «2»، و حكي ذلك عن السرائر و الدروس أيضاً «3»، و استقربه في الكفاية «4»، و مال إليه بعض مشايخنا المعاصرين «5». إلّا أنّ بعضهم لم يذكروا سائر ذوي الأنساب بعد الأولاد «6»، فيمكن أن يكونوا موافقين [للشيخ «7»] فيه أيضاً، و أن يكونوا مقتصرين على الأولاد فيكون قولًا آخر.

و الخامس

: أنّ المنعم إن كان رجلًا كان الولاء لأولاده الذكور خاصة، و مع فقدهم فلعصبته، و إن كان امرأة فلعصبتها. و هو المحكي عن الشيخ في النهاية و الإيجاز و القاضي و ابن حمزة و النافع و المختلف و المسالك «8»،

______________________________

(1) المقنعة: 694.

(2) الخلاف 4: 79 81.

(3) السرائر 3: 23، 24، الدروس 2: 215، 216.

(4) الكفاية: 305.

(5) كصاحب الرياض 2: 367.

(6) كالشهيد في الدروس 2: 215.

(7) في النسخ: للمفيد، و الظاهر هو سهو.

(8) النهاية: 547، الإيجاز (الرسائل العشر): 277، القاضي في المهذّب 2: 154، ابن حمزة في الوسيلة: 397، 398، النافع: 272، المختلف: 632، المسالك 2: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 415

و جماعة من المتأخرين «1»، و عن التحرير و شرح الشرائع للصيمري ادعاء الشهرة عليه «2».

أقول

: لا ينبغي الريب في اختصاص العصبة بالولاء إذا كان المنعم امرأة كما في القولين الأخيرين و هو المشهور؛ للروايات المعتبرة، كصحيحة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) على امرأة أعتقت رجلًا و اشترطت ولاءه و لها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها» «3».

و صحيحة يعقوب: عن امرأة أعتقت مملوكاً ثم ماتت، قال: «يرجع الولاء إلى بني أبيها» «4».

و صحيحة أبي ولّاد: عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك، و كانت امّه قبل أن تموت سألته

أن يعتق عنها رقبة من مالها، فاشتراها فأعتقها بعد ما ماتت أنه لمن يكون ولاء العتق؟ قال، فقال: «ولاؤها لأقرباء امه من قبل أبيها» إلى أن قال: «و لا يكون الذي أعتقها عن امه من ولائها شي ء» «5».

و هذه الأخبار صحيحة خالية عما يصلح للمعارضة، موافقة للشهرة العظيمة، بل في الاستبصار و عن الخلاف أنه لا خلاف فيه بين الطائفة «6»،

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 3: 307.

(2) التحرير 2: 169.

(3) التهذيب 8: 253، 921، الإستبصار 4: 25، 80، الوسائل 23: 70 أبواب العتق ب 39 ح 1.

(4) التهذيب 8: 254، 922، الإستبصار 4: 25، 81، الوسائل 23: 70 أبواب العتق ب 39 ح 2.

(5) التهذيب 8: 254، 924، الإستبصار 4: 25، 82، الوسائل 23: 70 أبواب العتق ب 39 ح 3.

(6) الاستبصار 4: 173، حكاه عن الخلاف في الرياض 2: 367. و انظر الخلاف 4: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 416

و عن السرائر الإجماع عليه «1»، فالإشكال فيها منفي بالمرة.

و أما إذا كان المنعم رجلًا فاختلفت فيه الروايات؛ فاستدل من خصّ الولاء بالذكور على اختصاصه بالذكور من أولاده دون الإناث بصحيحة العجلي المتقدمة في الشرط الأول من المسألة الثالثة «2».

و بمكاتبة محمد بن عمر: عن رجل مات و كان مولىً لرجل و قد مات مولاه قبله، و للمولى ابن و بنات، فسألته عن ميراث المولى، فقال: «هو للرجال دون النساء» «3».

و صحيحة محمد بن قيس: «في رجل حرّر رجلًا فاشترط ولاءه، فتوفي الذي أعتق و ليس له ولد إلّا النساء، ثم توفي المولى و ترك مالا، و له عصبة، فاحتق في ميراثه بنات مولاه و العصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث

حدثاً يكون فيه عقل» «4».

و احتج من جعل الذكور و الإناث شركاء فيه بموثقة البجلي: «مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) ميراثه إلى بنت حمزة» «5».

و رجّحها على الصحاح المتقدمة بموافقتها لعموم «الولاء لحمة» و مخالفتها للعامة، كما صرح به شيخ الطائفة و الحسن بن محمد بن سماعة

______________________________

(1) السرائر 3: 24.

(2) راجع ص: 404.

(3) التهذيب 9: 397، 1419، الوسائل 26: 239 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 18.

(4) التهذيب 8: 254، 923، الإستبصار 4: 24، 77، الوسائل 23: 71 أبواب العتق ب 40 ح 1.

(5) الكافي 7: 170، 6، التهذيب 9: 331، 1191، الإستبصار 4: 172، 652، الوسائل 23: 236 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 417

الذي هو أحد رواة الموثقة «1».

و بقول علي بن الحسن بن فضال: إنّ تخصيص الرجال خلاف ما عليه أصحابنا «2».

و ضعفِ أدلة الاختصاص: أما الصحيحة فلأنّ الاستدلال بها إنما يتم لو كان قوله: «من الرجال» قيداً للولد، مع أنه يحتمل أن يكون قيداً للميت. و أما المكاتبة فلكونها ضعيفة. و أما الصحيحة الأخيرة فلأن العصبة المذكورة فيها يحتمل أن تكون للعتيق لا للمنعم، كما هو المدعى ، بل هو الظاهر؛ و الاحتقاق إنما وقع بين بنات المنعم و عصبة العبد، فتخرج عما نحن فيه.

أقول

: كان ذلك حسناً لو كانت الموثقة في المطلوب صريحة. و لكن صراحتها ممنوعة، لكونها قضية في واقعة، فيمكن أن يكون دفع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) لأنّ مع فقد الذكور كان الولاء أو الميراث للرسول (صلّى اللَّه عليه و آله) فأعطاها من حقه، أو للعصبة و دفعه

الرسول بإذنهم؛ و أصالة عدم الإذن معارضة بأصالة عدم توريث بنت حمزة. أو يكون ذلك قبل نزول الفرائض كما احتمله في الفقيه و التهذيب في حديث آخر من أحاديث بنت حمزة «3».

و عموم الولاء لحمة ممنوع، بل الظاهر من قوله: «لا تباع و لا توهب» في آخر الرواية «4» أنّ المشابهة في عدم قبول البيع و الهبة.

و على هذا فيكون الحكم بتوريث النساء خالياً عن الدليل.

______________________________

(1) صرّح بذلك شيخ الطائفة، و نقله عن الحسن بن محمد بن سماعة في الاستبصار 4: 173.

(2) حكاه عنه في التهذيب 9: 398.

(3) الفقيه 4: 223، 711، التهذيب 9: 331، 1192.

(4) أي رواية السكوني، المتقدّمة في ص 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 418

و لا يضر عدم دلالة الصحيحتين بعد دلالة المكاتبة، لأنّها أيضاً حجة، سيما مع اعتضادها بالشهرتين، المحققة و المحكية «1». مع أنّ ما ذكروه احتمالًا في الصحيحة الاولى خلاف الظاهر، سيما على ما في بعض النسخ حيث إنّ فيه بدل قوله: «فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» إلى آخره «كان ولاء المعتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجال».

و ظهر من ذلك أنّ الترجيح للقول الخامس من الاختصاص بالأولاد الذكور إذا كان المنعم رجلًا، و بالعصبة إذا كان امرأة.

إلّا أنّ ما ذكره أرباب ذلك القول من اختصاص عصبة الرجل إذا فقد الذكور فلم يذكروا دليلًا له سوى صحيحة محمد بن قيس الأخيرة «2»، و قد عرفت حالها، و لذا لم يحكم به جماعة، منهم صاحب الكفاية، فشرّك الأخوات مع الإخوة بعد فقد الولد، بل المتقرب بالأُم أيضاً «3».

نعم لو قلنا باختصاص الرجال بالإرث بالولاء مطلقاً دون النساء حتى الام- كما قاله الإسكافي «4»

و له قوة يظهر دليل اختصاص العصبة مع فقد الولد كما سنذكره.

المسألة السادسة: الحق عدم توريث النساء بالولاء مطلقاً حتى الام

، وفاقاً لابن الجنيد؛ لصريح المكاتبة «5»، و قيل: لظاهر صحيحة العجلي «6».

______________________________

(1) راجع ص: 413.

(2) المتقدّمة في ص: 415.

(3) الكفاية: 306.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 631.

(5) و هي مكاتبة محمد بن عمر المتقدمة في ص: 415.

(6) انظر الرياض 2: 367، و قد تقدمت الصحيحة في ص: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 419

و توهم عدم حجيتها لشذوذ هذا القول غير جيد؛ إذ ليست المسألة مما ثبت فيها شذوذ قول أو إجماع مركب، بل غاية ما يمكن ادعاؤه نوع اشتهار و معروفية. مع أنّ ظاهر من جعل الولاء للولد الذكور ثم العصبة و لم يتعرض للُام كما في النافع «1» عدم توريث غير الولد و العصبة.

و الاستدلال على توريث النساء بحديث اللحمة، مردود بما مر من عدم ثبوت عموم المشابهة بل ظهورها في عدم البيع و الهبة.

نعم قال العماني: و روى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) و الأئمة من ولده أنهم قالوا: «تقسّم الدية على من أحرز الميراث، و من أحرز الميراث أحرز الولاء» و هذا مشهور متعالم. انتهى «2».

و هذا حديث مرسل شامل للنساء أيضاً، و لكنه عام بالنسبة إلى ما ذكرنا، فيجب تخصيصه به.

و منه يظهر وجه آخر للجواب عن حديث اللحمة. و كذا يظهر الجواب عن عمومات إرث النساء من الام و الأخوات مما يمكن تعميمه للمورد أيضاً إن وجد.

و من ذلك يظهر دليل الاختصاص بالعصبة بعد فقد الولد؛ إذ لا يبقى حينئذ غير العصبة، لأنّ كل من يتقرب بالأُم يمنع، لأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، و لأنّ لكل قريب نصيب من يتقرب به،

و كل أُنثى من المتقرب بالأب أيضاً كذلك، لعدم توريث النساء بالولاء، فلم يبق إلا العصبة.

المسألة السابعة: لا يرث بالولاء زوج و لا زوجة

، أما الأول: فلما عرفت من أنّ ولاء المرأة مخصوص بعصبتها، و أما الثاني: فلما مر من

______________________________

(1) النافع: 272.

(2) حكاه عنه في المختلف: 631.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 420

اختصاص الولاء بالرجال.

و المشهور كما قيل أنّ الأبوين يرثان بالولاء «1»، و قد عرفت أنّ الحق عدم توريث الام. و أما الأب فيرث على الأقوى ؛ لمرسلة العماني المتقدمة المنجبرة بقوله: و هو مشهور، و لعموم «الرجال» في المكاتبة «2» و بعض عمومات إرث الأب على ما قيل، الخالية جميعاً عن المعارض، سوى ما ذكره في الكفاية «3» في صورة وجود الولد الذكور من صحيحة العجلي المتقدمة «4»، المتضمنة لقوله «فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت» و نفى البعد عن العمل بها.

و في دلالتها على التخصيص نظر؛ لأنّ كونه ميراثاً لهم لا يناقض إرث غيرهم أيضاً، و لا يدل على أنّ وارثه منحصر فيهم إلّا بمفهوم اللقب.

و يظهر مما ذكر أنه يشارك الولد أيضاً فيه كما هو المشهور.

و لم يتعرض جماعة لكيفية التقسيم، نعم صرّح طائفة منهم شارح المفاتيح- بأنّ له السدس مع الولد. و لم أعثر على وجه له إلّا حديث اللحمة، و قد عرفت أنّ دلالته غير تامة. و لم أظفر في عمومات إرث الأب مع الولد ما يشمل هذا المورد أيضاً.

و مقتضى ما ذكره بعضهم من أنّ الأصل في الشركة التساوي كونها كذلك هنا أيضاً، و هو أيضاً ضعيف كما مر «5»، فإن ثبت إجماع (مركب) «6» على التسديس فهو، و إلّا فالمسألة مشكلة جدّاً.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 368.

(2) المتقدمة في ص: 415.

(3) الكفاية: 306.

(4)

في ص: 404.

(5) راجع ص: 263.

(6) ما بين القوسين ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 421

المسألة الثامنة: قالوا: يقوم أولاد لأولاد مقام الأولاد

، و لكن إذا عدم آباؤهم. و كذا قالوا بترتب من يرث الولاء من الجد و العصبات كترتبهم في الإرث بالنسب، و استدل عليه بحديث اللحمة، و مر عدم دلالته.

و استدل في الكفاية «1» للحكم الأول بصحيحة العجلي، و لعله مبني على صدق الولد على ولد الولد، و فيه منع قد مر بيانه «2».

و الأولى الاستدلال للحكمين بمرسلة العماني «3»، أما الأول فظاهر، و أما الثاني فلأنّ المتأخر في الإرث النسبي لا يحرز الميراث مع وجود المتقدم، فكذلك الولاء.

و يمكن الاستدلال أيضاً بإطلاق صحيحة الكناسي المبيّنة لمن هو أولى بالميت، حيث قال: «ابنك أولى بك من ابن ابنك، و ابن ابنك أولى بك من أخيك» الحديث «4».

و ظاهر جماعة «5» كصريح شرح المفاتيح أنّ التقسيم في هذه المراتب أيضاً كتقسيم الإرث النسبي. و فيه الإشكال المتقدم ذكره.

المسألة التاسعة: هل يورث الولاء كما يورث به، أم لا؟

المشهور الثاني؛ لأنّه ليس مالًا يقبل النقل، و لذا ورد في الأخبار أنه لا يصح بيعه و لا هبته و لا شرطه في بيع، فكذا ما يشبهه.

و فيه: أنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم توريثه، كما في حق

______________________________

(1) الكفاية: 306.

(2) راجع ص: 191.

(3) المتقدمة في ص: 418.

(4) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

(5) كالطوسي في الخلاف 4: 79 81، و الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 183، 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 422

الشفعة و الخيار.

و ظاهر النافع و الشرائع و الكفاية «1»، و بعض مشايخنا المعاصرين «2»، و المحكي عن الخلاف «3»، بل عن جماعة «4»: الأول.

و هو الأقرب؛ لظاهر الأخبار المستفيضة، كصحيحة العجلي و الصحاح الثلاث الواردة في اختصاص العصبة

بولاء المرأة. و مرسلة العماني، المتقدمة جميعاً «5».

و تظهر الفائدة فيما لو مات المنعم قبل العتيق و خلّف وارثاً غير الوارث بعد موت العتيق، كما لو مات المنعم عن ولدين، ثم مات أحدهما عن أولاد، ثم العتيق، فعلى المشهور يختص الإرث بالولد الباقي، و على الأقرب يشاركه أولاد الولد الميت.

المسألة العاشرة [المنعم و ورثته يرثون من أولاد عتيقه مع فقد النسب ]:

كما يرث المنعم و ورثته من عتيقه مع فقد النسب، كذلك يرثون من أولاد عتيقه مع فقد النسب، بلا خلاف فيه يعرف، بل مطلقاً كما قيل «6»؛ للصحاح المستفيضة، منها صحيحة العيص: عن رجل اشترى عبداً له أولاد من امرأة حرة فأعتقه، قال: «ولاء ولده لمن أعتقه» «7». و غيرها من الأخبار.

______________________________

(1) النافع: 272، الشرائع 4: 36، الكفاية: 305.

(2) كما في الدرة النجفية: 200 و الرياض 2: 368.

(3) حكاه عنه في كفاية الأحكام: 305.

(4) حكاه عنهم في الرياض 2: 368.

(5) راجع ص: 404 و 414 و 418.

(6) انظر الرياض 2: 367.

(7) الكافي 7: 170، 4، الفقيه 3: 79، 285، التهذيب 8: 250، 910، الإستبصار 4: 21، 66، الوسائل 23: 66 أبواب العتق ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 423

و على هذا فلو مات رجل و لم يكن له وارث نسبي فميراثه لمن أعتقه، و إن لم يكن عتيقاً فلمن أعتق أباه قبل، و إن لم يكن أبوه عتيقاً فلمن أعتق جده، و هكذا.

و حكم منعم الجد غير معلوم من النص، فإن ثبت إجماع و إلّا ففيه كلام.

و لا ينافي ما مر ما في بعض الصحاح من نفي لفظ المولى عمن أُعتق أبوه؛ لأنا نسلّم أنه ليس مولى حقيقياً، و إنما يجري عليه حكم الولاء بالنص.

و لو مات رجل لم يكن عتيقاً

و كان أبوه عتيقاً لرجل و أُمه لآخر فالمشهور أنّ وارثه هو المنعم على أبيه و من أعتقه، لا من أعتق أُمة؛ لصحيحة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مكاتب اشترط عليه ولاؤه إذا أُعتق، فنكح وليدة لرجل آخر، فولدت له ولدا، فحرر ولده، ثم توفي المكاتب، فورثه ولده، فاختلفوا في ولده من يرثه؛ فألحق ولده بموالي أبيه» «1».

المسألة الحادية عشرة [لو فقد المنعم و قرابته الوارثون للولاء]

المشهور بين الأصحاب، بل كما قيل من غير خلاف يعرف بينهم «2»: أنه إذا فقد المنعم و قرابته الوارثون للولاء يرثه منعم المنعم لو كان، فإن عُدم فقرابة منعم المنعم على تفصيل قرابة المنعم، فإن فقد الجميع فمنعم أب المنعم، ثم منعم هذا المنعم، هكذا كالأول.

و لم أعثر على نص فيه، بل قيل: و لا نص فيه «3»، و كأنهم استنبطوه من حديث اللحمة، و قد عرفت ما فيه.

______________________________

(1) الفقيه 3: 77، 275، الوسائل 23: 159 أبواب المكاتبة ب 16 ح 2.

(2) انظر الرياض 2: 369.

(3) كما في الرياض 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 424

الفصل الثالث في ولاء تضمن الجريرة أي: الجناية

فإنّ من توالى غيره بأن يضمن جنايات ذلك الغير و يثبت له ولاؤه يثبت له ميراثه.

قال في الكفاية: و هذا عقد كانت الجاهلية يتوارثون به دون الأقارب، فأقرهم اللَّه في صدر الإسلام، ثم نسخ بالإسلام و الهجرة، فإذا كان للمسلم ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده، ثم نسخ بالتوارث بالرحم و القرابة، و عند الشافعي أنّ الإرث لضمان الجريرة منسوخ مطلقاً، و عندنا أنه باق على بعض الوجوه «1»، انتهى .

و ظاهره دعوى الإجماع على الإرث به في الجملة، و قد ادعى الإجماع عليه كثير من الأصحاب، منهم ابن زهرة و الشهيد الثاني «2»، بل هو إجماع محقق، فهو الدليل عليه، مضافاً إلى الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها.

و قد يستدل على جوازه و مشروعيته بل لزومه بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و فيه نظر. و لذا ذهب الشيخ و ابن حمزة «3» و بعض آخر «4» إلى أنه عقد جائز إلّا أن يعقل عنه.

______________________________

(1) الكفاية: 306.

(2) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الشهيد الثاني في المسالك 2:

338.

(3) الشيخ في الخلاف 4: 120، ابن حمزة في الوسيلة: 398.

(4) كالعلامة في المختلف: 740.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 425

و يختص الإرث به بالضامن دون المضمون له، بل يورث عنه، إلّا أن يتحقق الضمان من الجانبين فيتوارثان.

و لا يتعدى الإرث بهذا الولاء من الضامن إلى أقاربه و ورثته على الحق المشهور، بل المدعى عليه الإجماع «1».

خلافاً للمحكي عن المقنعة، فسوّى بينه و بين ولاء العتق في جميع الأحكام «2». و هو شاذ ضعيف.

و لا يصح ضمان الجريرة إلّا عن سائبة، أو عمن كان حراً في الأصل، و لكن لا وارث له مطلقاً و لو معتقاً. فهذا الإرث متأخر عن الإرث بالنسب و العتق بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع كما قيل «3»، فلا يرث الضامن إلا مع فقد كل مناسب وارث و منعم كذلك. و يرث معه الزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى. و هو مقدم على ولاء الإمامة، فإذا فقد ذلك أيضاً يرث الإمام عليه الصلاة و السلام.

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(2) المقنعة: 694.

(3) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 426

الفصل الرابع في ولاء الإمامة
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى [لو مات و ليس له وارث نسبي و لا سببي ]:

اعلم أنّ من مات و ليس له وارث نسبي خال عن موانع الإرث من قتل أو كفر مع إسلام الميت و نحوهما، و لا سببي يحاز به الإرث من الزوج و المنعم و ضامن الجريرة، فالإمام وارثه، و ميراثه له، حاضراً كان الإمام أو غائباً، على الحق المشهور، بل المدّعى عليه الإجماع في كتب الأصحاب مستفيضاً، كالخلاف و الغنية و السرائر و المنتهى و المسالك و المفاتيح «1» و غيرها «2»، بل بالإجماع المحقق، لشذوذ ما يخالف ذلك، كما يظهر وجهه.

للنصوص المستفيضة المعتبرة، كصحيحتي ابن رئاب و العجلي المتقدمتين في الشرط الأول من المسألة الثالثة من الفصل الثاني «3».

و رواية عمار بن أبي الأحوص المتقدمة فيها أيضاً «4».

و صحيحتي ابن سنان المتقدمتين في الشرط الثاني منها «5».

و صحيحة أبي بصير المتقدمة في بحث ميراث الكافر و فيها: «و إن

______________________________

(1) الخلاف 4: 22، الغنية (الجوامع الفقهية): 608، السرائر 3: 228، المنتهى 1: 553، المسالك 2: 338، المفاتيح 3: 311.

(2) انظر كشف اللثام 2: 302.

(3) راجع ص: 404.

(4) راجع ص: 404.

(5) راجع ص: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 427

لم يُسلم من قرابته أحد فميراثه للإمام» «1».

و الصحاح الثلاث لمحمد، و الحلبي، و محمد الحلبي: الاولى : «من مات و ليس له وارث من قبيل قرابته، و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال» «2».

و الثانية: «و من مات و ليس له موالي فما له من الأنفال» «3».

و الثالثة: «من مات و ليس له مولى فما له من الأنفال» «4».

و بمعناها رواية أبان بن تغلب «5».

خلافاً للصدوق في الفقيه «6»، ففرق بين حال الحضور و الغيبة، فجعله في الأول للإمام، و في

الثاني لأهل بلد الميت، جمعاً بين ما مر و بين أخبار أُخر، كمرسلة داود: «مات رجل على عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) لم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين (عليه السّلام) ميراثه إلى همشهريجه» «7».

______________________________

(1) الكافي 7: 144، 2، الفقيه 4: 244، 787، التهذيب 9: 369، 1316، الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.

(2) الكافي 7: 169، 2، الفقيه 4: 242، 773، التهذيب 9: 387، 1381، الوسائل 26: 246 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 1.

(3) الكافي 7: 168، 1، الوسائل 26: 247 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 4.

(4) الكافي 7: 169، 4، التهذيب 9: 386، 1379، الاستبصار 4: 195، 732، تفسير العياشي 2: 48، 14، الوسائل 26: 247 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 9: 386، 1380، الاستبصار 4: 195، 733، تفسير العياشي 2: 48، 12، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 8.

(6) الفقيه 4: 242.

(7) الكافي 7: 169، 1، التهذيب 9: 387، 1383، الإستبصار 4: 196، 736، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 428

و مرفوعة السري: في الرجل يموت و يترك مالًا ليس له وارث قال، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «أعط همشاريجه» «1».

و رواية السندي: «كان علي (عليه السّلام) يقول في الرجل يموت و يترك مالًا و ليس له أحد: أعط الميراث همشاريجه» «2».

و يضعف بأنه جمع لا شاهد عليه أصلًا، بل هو كما قاله الصدوق في حق جمع ذكره غيره: هو أبعد ما بين المشرق و المغرب،

فإنّ فعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عهده الشريف كما في المرسلة الأُولى كيف يحتمل الحمل على حال الغيبة؟! و كذا حكمه بالإعطاء كما في الأخيرتين، مضافاً إلى أنه لا دلالة لفعله و أمره (عليه السّلام) على أنه مالهم، فإنّ له (عليه السّلام) أن يفعل أو يأمر في ماله ما شاء، و لذا حملها الشيخ في الاستبصار على ذلك «3».

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فلا تصلح هذه الأخبار لمعارضة ما مر؛ لشذوذها كما ذكره الشيخ في التهذيبين «4»، و أشهرية أخبارنا رواية، فإنّ هذه الأخبار الأخيرة تنتهيان إلى روايتين، لأنّ راوي الأخيرتين هو خلّاد السندي، بل تحتمل رواية واحدة، لجواز كون المرسل عنه في الأُولى أيضا خلّاد. و الأخبار الأُولى كثيرة صحاح.

و مع ذلك كله نسبة الحكم في هذه الأخبار الثلاثة إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) يشعر بنوع تقية في الحكم.

______________________________

(1) التهذيب 9: 387، 1382، الإستبصار 4: 196، 735، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 2.

(2) الكافي 7: 169، 2، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 1.

(3) الاستبصار 4: 196.

(4) الاستبصار 4: 196، التهذيب 9: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 429

و قد حكى بعض المحدثين عن بعض النسخ همشيريجه بالياء بعد الشين، فالمراد به نحو الأخ الرضاعي، فيخرج عن محل البحث، و يكون ما لم يقل به أحد، و إن ورد مثله في بعض الأخبار أيضاً.

فضعف هذا القول ظاهر جدّاً.

و للمحكي عن ظاهر الشيخ في الاستبصار و الإسكافي، فقالا: إنه لبيت مال المسلمين، لا للإمام «1»، لصحيحة أبي بصير: عن المملوك يعتق سائبة، قال: «يتولى من شاء، و على

من يتولى جريرته و له ميراثه» قلنا: فإن سكت حتى يموت و لم يوال أحداً؟ قال: «يجعل ماله في بيت المسلمين» «2».

و نحوها صحيحة سليمان بن خالد إلّا أنّ فيها: «و يجعل ميراثه لبيت مال المسلمين» «3».

و رواية ابن عمار، و فيها: «فإن سكت حتى يموت أُخذ ميراثه و يجعل في بيت مال المسلمين» «4».

و صحيحة اخرى لسليمان: في رجل مسلم قتل و له أب نصراني، لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ و تجعل في بيت مال المسلمين» «5».

______________________________

(1) الاستبصار 4: 196، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 749.

(2) الكافي 7: 171، 4، التهذيب 8: 255، 927، الوسائل 23: 73 أبواب العتق ب 41 ح 1.

(3) الكافي 7: 172، 8، الوسائل 23: 73 أبواب العتق ب 41 ح 1.

(4) التهذيب 9: 394، 1406، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 9.

(5) الفقيه 4: 243، 775، التهذيب 9: 390، 1392، الوسائل 26: 253 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 430

و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد ببيت مال المسلمين بيت الإمام (عليه السّلام) لأنه لما كان ولي المسلمين فبيته بيت مال المسلمين أو بيت مالهم بيته.

انظر إلى كلام الشيخ في التهذيبين يقول بعد نقل صحيحة أبي بصير المتضمنة لأنّ ميراث السائبة التي لم يوال أحداً لمولاه: هذا الخبر غير معمول به، لأنّ الأخبار كلها وردت في أنه متى لم يوال السائبة أحداً كان ميراثه لبيت مال المسلمين «1».

و يقول بعد نقل روايتي الهمشهريج: هاتان الروايتان مرسلتان شاذتان لا تعارض ما قدمناه من الأخبار المسندة، مع أنه ليس فيهما ما ينافي ما تقدم لأنّ

الذي تضمنتاه حكاية فعل، و لعله (عليه السّلام) فعل لبعض الاستصلاح، لأنه إذا كان المال له خاصة على ما قدمناه جاز له أن يعمل به ما شاء، و يعطي من شاء «2»، انتهى .

فإنه جعل المال له خاصة مع جعله أولًا لبيت مال المسلمين، فيظهر منه اتحادهما.

و أظهر منه كلامه في الخلاف، قال: ميراث من لا وارث له لا ينقل إلى بيت المال، و هو للإمام خاصة، و عند جميع الفقهاء ينقل إلى بيت المال و يكون للمسلمين «3»، انتهى .

و لو سُلِّم إرادة بيت مال المسلمين في تلك الأخبار أيضاً فلا تقاوم ما مر من أخبارنا، لوجوه كثيرة، معظمها موافقتها للعامة و مخالفة أخبارنا لهم.

______________________________

(1) الاستبصار 4: 200، التهذيب 9: 395.

(2) الاستبصار 4: 196، التهذيب 9: 387.

(3) الخلاف 4: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 431

و للمحكي عن المقنعة، فإنّ فيها: من مات و خلّف تركة في يد إنسان لا يعرف له وارثاً جعلها في الفقراء و المساكين «1».

و لم أعثر على دليل إلّا ما نذكره من أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يفعل ذلك، و لكن يظهر منه كما هو الظاهر أيضاً أنه ليس مخالفاً للمشهور، بل غرضه أنه يجعل كذلك في زمان الغيبة، لأنّه من مال الإمام (عليه السّلام)، كما يقول بمثله كثير من القائلين بأنه مال الإمام (عليه السّلام) «2».

و يدلُّ عليه قوله في ذلك الكتاب قبل ذلك: فإن مات إنسان لا يعرف له قرابة من العصبة و لا الموالي و لا ذوي الأرحام كان ميراثه لإمام المسلمين خاصة يضعه فيهم حيث يرى ، و كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعطي تركة من لا وارث له من قريب و لا نسيب و لا

مولى فقراء أهل بلده و ضعفاء جيرانه و خلطائه، تبرعاً عليهم بما يستحقه من ذلك، و استصلاحاً للرعية، حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي، لأنه من الأنفال، انتهى «3».

المسألة الثانية [حكم ميراث من لا وارث له في زمن غيبة الإمام ع ]

و إذ عرفت أنّ ميراث من لا وارث له للإمام، فمع حضوره يحمل إليه يَصنع به ما يشاء.

و أما مع غيبته فقيل: يحفظ له بالوصاية أو الدفن إلى زمان ظهوره. و عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه «4».

و عن الصدوق كما مر لزوم الدفع إلى أهل بلد الميت مطلقاً، فقيراً كان أو غنياً «5».

______________________________

(1) المقنعة: 706.

(2) انظر النهاية: 671، و الشرائع 4: 40، و القواعد 2: 180.

(3) المقنعة: 705.

(4) الخلاف 4: 23.

(5) الفقيه 4: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 432

و عن اللمعة و بحث الأنفال من الدروس صرفه في فقراء أهل بلده «1».

و ربما يقال بكونه حلالًا للشيعة مطلقاً «2».

و ذهب الأكثر كما صرح به بعض من تأخر إلى أنه يصرف في الفقراء و المساكين من شيعته «3». و هو المحكي عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة و الحلي و القاضي و الكيدري و الشرائع و النافع و التحرير و الإرشاد و الدروس و المسالك «4» و غيرها.

و هو الأقوى؛ لما أُشير إليه في كتاب الخمس من الإذن الحاصل من شاهد الحال من جهة استغناء الإمام و احتياج مواليه و شيعته الذين هم من عياله حقيقة، فيعلم بذلك قطعاً رضاء الإمام بصرف ماله إليهم و رفع ذلتهم و احتياجهم، سيما مع ما ورد منهم من تحليل الأنفال لهم، و الأمر في بعض الأخبار بصرف ما يختص بهم من الأموال المجهول مالكها المسئول عنها عند حضورهم في الصدقة و نحوها، و ما

ورد من الأمر بصلة الشيعة و إدخال السرور عليهم و رفع حاجتهم. و نعلم قطعاً أنه لو كان حاضراً مستغنياً لفعل ذلك، و أنه لا يرضى بالحفظ المورث للتلف غالباً.

و من هذا يظهر ما في ما قيل بعد الحكم بجواز الصرف إلى الفقراء، من أنّ الاحتياط في الحفظ «5»، فإنه غير موافق للاحتياط جزماً.

______________________________

(1) اللمعة (الروضة 8): 190، الدروس 1: 264.

(2) كما في الذخيرة: 492.

(3) انظر الرياض 2: 370.

(4) المفيد في المقنعة: 706، الديلمي في المراسم: 141 و 224، الحلي في السرائر 1: 498، القاضي في المهذب 2: 154، الشرائع 4: 40، النافع: 273، التحرير 2: 171، الإرشاد 2: 126، الدروس 2: 377، المسالك 2: 339، و حكاه عنهم في الرياض 2: 370.

(5) انظر الروضة 8: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 433

و هل يتعين الصرف إلى الهاشميين أم لا؟

ظاهر الأصحاب الثاني. و هو كذلك؛ لعدم دليل على الأول أصلا.

و مال بعض سادة مشايخنا المعاصرين طاب ثراه إلى تخصيص السادات؛ لما ورد من أنهم عياله يجب عليه جبر نفقتهم من حصته في الخمس، و لآية اولي الأرحام «1».

و لا يخفى أنّ المستفاد من أخبارهم و أفعالهم أن شيعتهم كلهم عيالهم. و تعين وجوب جبر نفقة السادات بخصوصهم عن حصة الخمس غير معلوم، و آية اولي الأرحام في الإرث، و لم سلم العموم فالمراد الرحم العرفي، و بعد طول الدهور بهذا القدر لا يبقى رحم عرفاً. و لو قيل بالبقاء لجرى في جميع بني آدم و حواء، و لم يختص أيضاً بالهاشمي من الأب.

ثم إنه يجب أن يكون المتولي للصرف النائب العام؛ لأنه أعرف بوجوه المصالح، بل لا شاهد حال لتصرف غيره مع وجوده، هذا.

و

لو صرفه أحد في أهل الشرف من الفقراء الذين لا يرضون بسؤال و إظهار حال، سيما الأرامل و اليتامى و العجزة، ثم منهم بأهل بلد الميت، ثم منهم بالهاشميين لكان غاية الاحتياط.

المسألة الثالثة [مشاركة الزوجة للإمام ع في الإرث ]:

قد عرفت أنّ إرث الإمام إنما هو مع فقد كل وارث نسبي و سببي حتى الزوج، و أما الزوجة فهي لا تمنع الإمام على الأقوى كما مر، بل تشاركه و لها نصيبها الأعلى.

المسألة الرابعة: لو أوصى من لا وارث له بالثلث [أو بالزائد عليه ]

فلا كلام في نفوذه و وجوب العمل به.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 434

و لو أوصى بالزائد عليه فمقتضى إطلاق أخبار رد الزائد إلى الثلث الرد هنا أيضاً.

و يظهر من بعضهم نفوذ الجميع «1»؛ و لعله لرواية السكوني: عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبة، قال: «يوصي بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل» «2».

و في دلالتها نظر؛ لاحتمال أن يكون لفظة «ما» موصولة و اللام في «له» مفتوحة، و يكون إشارة إلى الثلث. و أيضاً المأذون فيه الوصية في المسلمين و المساكين و ابن السبيل، فلا يعم غيرها من المصارف. و أيضاً يحتمل أن يكون ذلك إجازة له (عليه السّلام) في حقه لمن يموت في عهده، لا حكماً شرعياً.

و إشباع الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب الوصية.

______________________________

(1) كما في الفقيه 4: 150.

(2) الفقيه 4: 150، 521، التهذيب 9: 188، 754، الإستبصار 4: 121، 460، الوسائل 19: 282 في أحكام الوصايا ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 435

المقصد الثالث في بعض الأحكام المتفرقة المتعلقة بهذا الباب

اشاره

و فيه مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 437

المسألة الأُولى : ولد الزنا لا يرث من والده الزاني، و لا من أقرباء والده، و لا يورثون منه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    437     المسألة الأولى: ولد الزنا لا يرث من والده الزاني، و لا من أقرباء والده، و لا يورثون منه ..... ص : 437

بلا خلاف فيه يعرف، بل إجماعاً محققاً و محكياً عن المختلف و الإيضاح و المسالك و شرح الشرائع للصيمري «1»؛ له، و لصحيحة الحلبي: أيما رجل وقع على وليدة قوم حراماً، ثم اشتراها و ادعى ولدها فإنه لا يورث منه شي ء، فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) قال: «الولد للفراش، و للعاهر الحجر، و لا يورث ولد الزنا إلّا رجل يدعي ابن وليدته» «2».

و روى قريب منها بطرق أُخر أيضاً صحيحة و موثقة و غيرهما «3».

و رواية محمد بن الحسن الأشعري: عن رجل فجر بامرأة فحبلت، ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد و هو أشبه خلق اللَّه به، فكتب بخطّه و خاتمه: «الولد لِغَيّةٍ «4»، لا يورث» «5».

و صحيحة ابن سنان: في ولد الزنا قلت: فإنّه مات و له مال، من يرثه؟ قال: «الإمام» «6».

و هذه الأخبار كما ترى نافية للإرث منه، و لعل مستند نفي التوارث

______________________________

(1) المختلف: 745، الإيضاح 4: 247، المسالك 2: 340.

(2) الكافي 7: 163، 1، التهذيب 9: 346، 1242، الإستبصار 4: 185، 693، الوسائل 26: 274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 1.

(3) انظر الوسائل 26: 275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 4.

(4) يقال: فلانٌ لِغَيَّةٍ، و هو نقيض قولك: لِرَشْدَةٍ. الصحاح 6: 2451.

(5) الكافي 7: 163، 2، الفقيه 4: 231، 738، التهذيب 9: 343، 1233، الإستبصار 4: 182، 685، الوسائل 26: 274 أبواب

ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 2.

(6) الفقيه 4: 231، 739، التهذيب 9: 343، 1234، الإستبصار 4: 183، 686، الوسائل 26: 275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 438

من الجانبين الإجماع. و ربّما يقال: بل الأصل أيضاً، فإنّه يقتضي عدم التوارث، خرج النسب الصحيح، و يبقى غيره. و فيه نظر سيظهر وجهه.

و المشهور عدم التوارث بينه و بين امّه و قرابتها أيضاً، و نقل الشهرة عليه مستفيضة «1»، بل جعل جماعة كالشيخ في الاستبصار و المحقّق في الشرائع و شيخنا الشهيد الثاني في شرحه و الفاضل في القواعد «2» الرواية المخالفة له شاذّة أو مطروحة؛ للإطلاق و العموم المتقدمَين في الأخبار المذكورة.

خلافاً للمحكيّ عن الصدوق في المقنع، و الإسكافي، و الحلبي، و يونس بن عبد الرحمن على احتمال قوي، فقالوا: إنّه ترثه امّه و أقاربها، و يرثهم «3». و نسبه في الخلاف إلى قوم من أصحابنا «4»، و قال أبو الصلاح؛ يختلف فيه أصحابنا «5»، و ظاهر بعض متأخري المتأخرين «6».

لعمومات إرث الوالدين و الولد عن الولد و الوالدين، و كذا سائر الأقارب.

و رواية إسحاق بن عمار: «ولد الزنا و ابن الملاعنة ترثه امّه و إخوته لأمّه أو عصبتها» «7».

و مرسلة الفقيه: «إنّ دية ولد الزنا ثمانمائة درهم، و ميراثه كميراث ابن

______________________________

(1) كما في المسالك 2: 340، و الرياض 2: 372.

(2) الاستبصار 4: 183، الشرائع 4: 44، المسالك 2: 340، القواعد 2: 181.

(3) المقنع: 178، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 745، و الحلبي في الكافي في الفقه: 377. حكاه عن يونس في الكافي 7: 164.

(4) الخلاف 4: 104.

(5) لم نعثر عليه في الكافي في الفقه.

(6) كالفاضل الهندي

في كشف اللثام 2: 303.

(7) التهذيب 9: 345، 1239، الإستبصار 4: 184، 690، الوسائل 26: 278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 439

الملاعنة» «1».

و رواية يونس على احتمال آخر: «ميراث ولد الزنا لقراباته من قبل امّه نحو ميراث ابن الملاعنة» «2».

و ردّت تارة بضعف السند، و أُخرى بالشذوذ، و ثالثة باحتمال الوهم في الاولى فزاد ولد الزنا اشتباهاً، و احتمال عدم كونه رواية بل يكون رأياً في الأخيرة، و احتمال عدم كون الأُمّ زانية في الجميع، بل ربّما يقال بأنّ صدق الام على الزانية غير معلوم، فلا يعلم شمول تلك الأخبار لمحلّ النزاع.

و الأوّل عندي مردود: بعدم اعتبار السند، بعد وجود الحديث في الاصول المعتبرة.

و الثاني: بمنع الشذوذ مع مخالفة جماعة من أجلّة القدماء.

و الثالث: بكون الاحتمال الأوّل ممّا لا يُصغى إليه في مقام الاستدلال، و الثاني غير مضرّ بعد وجود خبرين آخرين، و الثالث و إن كان محتملًا و لكنّ التخصيص به تخصيص بلا مخصّص، و نفي صدق الام على الزانية ما يكذبه العرف و اللغة، بل الاستعمالات الشرعيّة.

و يؤيّد الحكم أيضاً رواية داود بن فرقد: «أتى رجل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) فقال: يا رسول اللَّه، انّي خرجت و امرأتي حائض فرجعت و هي حبلى ، فقال له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): مَن تتّهم؟ قال: أتّهم رجلين، قال:

______________________________

(1) الفقيه 4: 232، 740، الوسائل 26: 278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 10.

(2) الكافي 7: 164، 4، التهذيب 9: 344، 1238، الإستبصار 4: 183، 689، الوسائل 26: 276 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19،

ص: 440

ائت بهما، فجاء بهما، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): إن يك ابن هذا فسيخرج قَطَطاً «1» كذا و كذا، فخرج كما قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، فجعل معقلته على قوم امّه و ميراثه لهم، و لو أن إنساناً قال له: يا بن الزانية لجلد الحد» «2».

و قد يضعّف تلك الأخبار بمرجوحيّتها بالنسبة إلى المتقدمة بموافقة العامّة كما في السرائر، و الغنية «3».

و فيه: أنّ الرجوع إلى التراجيح عند المعارضة بالعموم من وجه أو التساوي، دون ما إذا كان بالعموم و الخصوص المطلقين كما في المسألة.

و المسألة عندي مشكلة و إن كان قول الصدوق لا يخلو من قرب و قوّة.

هذا بالنسبة إلى الأبوين و من يتقرب بهما، و أما بالنسبة إلى الولد و إن نزل فالتوارث متحقّق بلا خلاف؛ لتحقّق النسبة الشرعيّة، فتشمله العمومات بلا معارض. و كذا الزوج و الزوجة، و المنِعم و المنعَم له، و ضامن الجريرة؛ لعمومات الأدلّة. و لو عدم الجميع فميراثه للإمام، كالزائد عن نصيب الزوجة.

المسألة الثانية: ولد الشبهة يرث و يورث منه

بلا خلاف فيه، كما صرّح به في المفاتيح، و شرحه أيضاً «4»؛ لصدق النسبة، فتشمله عمومات الإرث طرّاً بلا معارض أصلًا.

و لو كان شبهة من أحد الأبوين زنا من الآخر يرث و يورث من جانب

______________________________

(1) جَعْدٌ قَطَطٌ أي: شديد الجُعودة. و قد قَطِطَ شَعْره. الصحاح 3: 1154.

(2) الكافي 5: 490، 1، التهذيب 8: 182، 636، الوسائل 21: 497، أبواب أحكام الأولاد ب 100 ح 2.

(3) السرائر 3: 276، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(4) المفاتيح 3: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 441

الشبهة، و لا يضرّ انكشاف الشبهة في صحّة الانتساب، لأنّ الاشتباه أيضاً أحد الأسباب المحلّلة حال الاشتباه،

المثبتة للنسب شرعاً، فالنسب صحيح شرعاً، و إن ظهر فساد سببه، فالنسب صحيح و إن كان سببه فاسداً في نفس الأمر، لاعتبار الشارع تلك النسبة. و أمّا النسب الفاسد بنفسه فهو أن يظهر عدم النسبة، و مثل ذلك لا يوجب توارثاً.

و أمّا ما قاله في القواعد: من أنّ الأسباب الفاسدة تنفي التوارث إجماعاً، و الأنساب الفاسدة لا تنفيه «1»، فمراده من النسب الفاسد: النسبة الحاصلة شرعاً بالسبب الفاسد واقعاً، كنسبة ولد الشبهة، و المراد بالسبب الفاسد: مثل ما لو تزوّج أحد امّه الرضاعيّة جهلًا ثم انكشف الحال، فلا ترث الزوجة بالزوجية، و لكن ترث ولدها بالولدية.

المسألة الثالثة [حكم الخنثى ]:

الخنثى إمّا واضح أو مشكل. و الأول من يمكن استعلام حاله أنه ذكر أو أُنثى، أمّا بعلامات ظاهرة، كاللحية، و الجماع، و الحيض، و الثدي، و الحبل، أو نحوها، أو بما ورد الامتياز به في الشرع.

و الثاني من لم يمكن. و يظهر من السيد في الانتصار: أنّ من يحتاج في التميز إلى ما به الامتياز الشرعيّ فهو أيضاً مشكل «2». و الأمر في ذلك هيّن.

ثم الأول فحكمه ظاهر؛ لأنه يرث إرث من يلحق به من الذكر أو الأُنثى . و إنما المهم بيان كيفية الاستعلام و التشخيص إن لم يتشخّص من العلامات الظاهرة.

و طريقه: أن يعتبر ببوله، فإن بال من فرج الرجال فيلحق بهم، و له مالهم، و إن بال من فرج النساء فهي امرأة، و لها ما لهنّ، بلا خلاف فيه.

______________________________

(1) القواعد 2: 190.

(2) الانتصار: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 442

و لا يتوهّم من عدم تعرض العماني لأصل البول، حيث قال: لو لم يظهر من العلامات يورث من المبال، فإن سلسل البول على فخذه فهو امرأة، و

إن زرق كما يزرق الرجل فهو رجل «1»، أنه لم يعتبر أصل البول؛ لأنه ذكر أوّلًا أنه إذا علم بالعلامات كالحيض، و الاحتلام، و اللحية، و ما أشبه ذلك، فلا إشكال. و من البيّن أنّ اختصاص البول من العلامات الظاهرة، فهو داخل فيما أشبه ذلك. فالمسألة إجماعيّة.

فيدلّ عليها الإجماع، و المستفيضة من الأخبار، كصحيحة داود بن فرقد: عن مولود ولد، و له قبل و ذكر، كيف يورث؟ قال (عليه السّلام): «إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر، و إن كان يبول من القبل فله ميراث الأُنثى » «2».

و مرسلة ابن بكير: في مولود له ما للذكر و ما للأُنثى ، قال: «يورث من الموضع الذي يبول، إن بال من الذكر ورث ميراث الذكر، و إن بال من موضع الانثى ورث ميراث الأُنثى » «3».

و رواية طلحة بن زيد: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يورّث الخنثى من حيث يبول» «4».

و نحوها المروي في العيون «5».

و قول أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) في رواية موسى بن محمد: «أمّا قول

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 745.

(2) الكافي 7: 156، 1، التهذيب 9: 353، 1267، الوسائل 26: 283 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 1 ح 1.

(3) الكافي 7: 157، 4، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 3.

(4) الكافي 7: 156، 2، التهذيب 9: 353، 1268، الوسائل 26: 283 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 1 ح 2.

(5) عيون اخبار الرضا 2: 74، 350، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 443

عليّ (عليه السّلام) في رواية موسى بن محمد: «أمّا قول عليّ (عليه السّلام) في الخنثى : إنه

يورث من المبال، فهو كما قال» «1».

و المروي عن إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات، و فيه: «فانظروا إلى سبيل البول، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل، و إن خرج من غير ذلك فورثوه مع النساء» «2». إلى غير ذلك، ممّا يأتي.

و إن لم يتشخص من ذلك، بأن يبول من الفرجين، اعتبر ابتداء بوله و سبقه، فمن أيّهما سبق يلحق بأهله؛ وفاقاً للأكثر، منهم: المفيد في الإعلام و شرحه، و الحلّي، و الشيخ في النهاية و الخلاف و المبسوط، و الإسكافي، و علي بن بابويه، و القاضي في المهذّب و الكامل، و ابن حمزة، و المحقّق و الفاضل «3»، و سائر من تأخر عنهما «4»، بل في الإعلام و السرائر و المسالك و شرح الإرشاد للأردبيلي و عن التحرير و الإيضاح و شرح الشرائع للصيمري «5» و غيرهم «6»: الإجماع عليه.

______________________________

(1) الكافي 7: 158، 1، التهذيب 9: 355، 1272، تحف العقول: 480، الوسائل 26: 290 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 3 ح 1.

(2) الغارات 1: 193، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 1 ح 6. و فيه «مسيل البول» بدل «سبيل البول».

(3) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 62، و فيه: .. نظر إلى الأغلب منهما بالكثرة فورث عليه، الحلي في السرائر 3: 277، النهاية: 677، الخلاف 4: 106، المبسوط 4: 114، حكاه عن الإسكافي و علي بن بابويه في المختلف: 745، المهذّب 2: 171، و حكاه عن الكامل في المختلف: 746؛ ابن حمزة في الوسيلة: 401، المحقق في الشرائع 4: 44، الفاضل في القواعد 2: 181.

(4) كما في الدروس 2: 378، و التنقيح 4: 209، و المهذّب

البارع 4: 424، و كشف اللثام 2: 303، و الرياض 2: 375.

(5) السرائر 3: 277، المسالك 2: 340، التحرير 2: 174، الإيضاح 4: 249.

(6) كما في الانتصار: 307، و المهذّب البارع 4: 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 444

لصحيحة هشام: المولود يولد، له ما للرجال و له ما للنساء، قال: «يورث من حيث سبق بوله، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث، فإن كان سواء ورث ميراث الرجال و النساء» «1».

و الأُخرى: «قضى عليّ (عليه السّلام) في الخنثى له ما للرجال و له ما للنساء، قال: يورّث من حيث يبول، فإن خرج منهما جميعا فمن حيث سبق» الحديث «2».

و رواية إسحاق بن عمار: «الخنثى يورّث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه، فإن مات و لم يبل فنصف عقل المرأة و نصف عقل الرجل» «3».

و مرسلة الكافي: «في المولود، له ما للرجال و له ما للنساء يبول منهما جميعاً، قال: «من أيّهما سبق» قيل: فإن خرج منهما جميعاً؟ قال: «فمن أيّهما استدرّ» قيل: فإن استدرّا جميعاً؟ قال: «فمن أبعدهما» «4».

خلافاً لظاهر العماني و الصدوق و السيّد و المفيد في المقنعة و الديلمي، فلم يذكروا السبق أصلًا، بل اعتبر الأول ما مرّ من تسلسل البول و زرقه «5»، و الثاني لم يعتبر بعد أصل البول شيئاً «6»، و الثالث رجع بعده إلى

______________________________

(1) الكافي 7: 157، 3، الوسائل 26: 285 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 9: 354، 1269، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 2 ذيل الحديث 1.

(3) الفقيه 4: 237، 759، التهذيب 9: 354، 1270، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث

الخنثى و ما أشبهه ب 2 ح 2.

(4) الكافي 7: 157، 5، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 4.

(5) حكاه عن العماني في المختلف: 745.

(6) الصدوق في المقنع: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 445

الأغلب و الأكثر دون شي ء آخر «1»، و الأخيران اعتبرا القطع أخيراً دون غيره «2». هذا ما يستفاد من عباراتهم المنقولة في المختلف «3».

و منهم من نسب إلى الأخير اعتبار الغلبة و الكثرة أيضاً «4». و منهم من نسب إلى الصدوقين و الإسكافي عدم اعتبار شي ء من ذلك، و إلى المهذّب و الإصباح و محتمل المبسوط و النهاية اعتبار القطع أخيراً بعد التساوي في أصل البول «5».

و كيف كان فلا وجه لشي ء ممّا ذكر، بعد دلالة الأخبار الصريحة الصحيحة و المنجبرة على اعتبار السبق بعد الأصل، و عدمِ دليل على اعتبار الغلبة و الكثرة، و لا على القطع أخيراً. و توجيه الغلبة و الكثرة بأنّ السبق ملازم لهما، في حيّز المنع، فإنّه غير معلوم.

و لو لم يتشخّص من ذلك بأن يدرّ منهما دفعة واحدة، فذهب جماعة كالشيخ في الخلاف و المبسوط و النهاية، و القاضي و ابن حمزة و الحلّي و ابن زهرة و المحقّق في الشرائع و الفاضل و الشهيدين «6»، و غيرهما من المتأخرين على ما قيل «7»، بل الديلمي و لكن من غير اعتبار السبق «8» أنّه

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 306.

(2) المقنعة: 698، الديلمي في المراسم: 225.

(3) المختلف: 745.

(4) انظر الرياض 2: 375.

(5) انظر كشف اللثام 2: 302.

(6) الخلاف 4: 106، المبسوط 4: 114، النهاية: 677، القاضي في المهذّب 2: 171، ابن حمزة في الوسيلة: 402، الحلي في السرائر 3: 277، ابن زهرة في

الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الشرائع 4: 44، الفاضل في القواعد 2: 181، الشهيد في الدروس 2: 378، الشهيد الثاني في الروضة 8: 192.

(7) انظر الرياض 2: 376.

(8) المراسم: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 446

يورّث على ما ينقطع عنه أخيراً، و عن الحلّي نفي الخلاف فيه «1».

و استدّل له بقوله: «من حيث ينبعث» في صحيحة هشام، و قوله: «يستدرّ» و قوله: «فمن أبعدهما» في مرسلة الكافي المتقدمتين.

و لا أرى له وجهاً، فإنّ الظاهر من الانبعاث و الاستدرار: الاقتضاء و الدغدغة. و إن منع إرادة ذلك لكونه أمراً خفيّاً لا يظهر لغير صاحبه الذي لا يقبل قوله هنا لجلبه النفع لنفسه فيحصل الإجمال في المراد.

و من الأبعد «2»: الأبعد من المبال كما ورد في بعض أخبار أُخر واردة فيمن ليس له ما للرجال و النساء بلفظ التنحّي «3».

و القول بأنّ المنقطع أخيراً يكون أشدّ انبعاثاً و دراً، في حيّز المنع.

و لذا تردّد في النافع في اعتبار القطع «4»، و لم يعتبره جماعة، إما مع اعتبار السبق كالإسكافي و والد الصدوق، أو بدون اعتباره أيضاً كالعماني و الصدوق و السيّد. و هو الأقوى ؛ لعدم دليل على اعتباره أصلًا. فيصير حينئذ من الثاني، أي الخنثى المشكل.

و اختلفوا في حكمه على أقوال:

الأوّل: الرجوع إلى القرعة. ذهب إليه الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه إجماع الفرقة «5»، و مال إليه بعض الأجلّة «6». و لو مات و لم يستعلم حاله نفى القرعة حينئذ الشبهة.

______________________________

(1) السرائر 3: 277.

(2) عطف على الانبعاث، أي: و الظاهر من الأبعد ..

(3) كما في الوسائل 26: 294 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 4 ح 5.

(4) النافع: 275.

(5) الخلاف 4: 106.

(6) كالفاضل الهندي في كشف

اللثام 2: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 447

و الثاني: أنّه تُعدّ أضلاعه، فإن اختلف أحد الجانبين فذكر، و إن تساويا عدداً فانثى . و هو مختار المفيد في الإعلام و السيّد في الانتصار، و الحلّي في السرائر، و الإسكافي «1»، و ادّعى الأوّلان الإجماع عليه، و الثالث نسبه إلى الأكثر من المحصلين، بل اعتضد له بالإجماع و الخبر المتفق عليه.

و الثالث: أنّه يعطى نصف ميراث رجل و نصف ميراث امرأة. و هو مذهب الصدوقين، و المفيد في المقنعة، و الشيخ في النهاية و الإيجاز و المبسوط، و الديلمي و القاضي و ابني زهرة و حمزة «2»، و أكثر المتأخرين «3»، بل عامّتهم، و نسبه في النافع و القواعد و التنقيح و الدروس و الروضة و شرح الشرائع للصيمري «4» و غيرها «5» إلى الأشهر.

و نقل بعض مشايخنا المعاصرين عن بعض معاصريه التفصيل، باختيار الثاني إذا علم عدد أضلاعه قبل موته، و الثالث إذا لم يعلم ذلك «6».

دليل الأوّل: ما ورد عنهم (عليه السّلام): «إنّ القرعة لكل أمر مشتبه» «7»

______________________________

(1) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 62، الانتصار: 306، السرائر 3: 279 282، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 193.

(2) الصدوق في المقنع: 177، حكاه عن والده في المختلف: 745، المقنعة: 698، النهاية: 677، الإيجاز (الرسائل العشر): 275، المبسوط 4: 114، الديلمي في المراسم: 225، القاضي في جواهر الفقه: 163، و المهذّب 2: 171، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، ابن حمزة في الوسيلة: 402.

(3) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 505، و العلّامة في المختلف: 746، و الشهيد في الدروس 2: 379.

(4) النافع: 275، القواعد 2: 181، التنقيح 4: 212، الدروس 2: 379، الروضة

8: 194.

(5) كالإيضاح 4: 249.

(6) انظر الرياض 2: 376.

(7) الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 448

و تعضده المستفيضة الآمرة بالقرعة في توريث من ليس له فرج الرجال و لا النساء «1».

و للثاني: صحيحة محمد بن قيس «2» و رواية ميسرة بن شريح «3» الطويلتان، المتضمّنتان لعدّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) الأضلاع، و الإلحاق بالرجل بعد الاختلاف، و إن اختلفت الروايتان في عدد الأضلاع، و يوافق الأُولى أيضاً رواية المفيد في إرشاده «4»، و لكن اتّفق الجميع في اعتبار أصل الاختلاف، و روى اعتبار ذلك الشيخ في الخلاف و العماني «5»، و ادّعى الحلّي الخبر المتّفق عليه فيه «6».

و قد يستدل له أيضاً برواية السكوني: «فتعدّ أضلاعه، فإن كانت ناقصة عن أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجال، لأنّ الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع المرأة بضلع» «7».

و حجّة الثالث: صحيحتا هشام، و رواية إسحاق المتقدّمة «8»، و المروي في قرب الإسناد للحميري: «إنّ علياً (عليه السّلام) قضى في الخنثى الذي له ذكر و فرج: أنه يرث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق، فإن لم يبل من واحد حتّى يموت فنصف ميراث المرأة و نصف ميراث الرجل» «9».

______________________________

(1) الوسائل 26: 291 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 4.

(2) الفقيه 4: 238، 762، الوسائل 26: 288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.

(3) التهذيب 9: 354، 1271، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 3.

(4) إرشاد المفيد 1: 213، الوسائل 26: 288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.

(5) الخلاف 4: 106، حكاه عن العماني في المختلف: 745.

(6) السرائر 3: 280.

(7)

الفقيه 4: 238، 760، الوسائل 26: 287، أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 4.

(8) راجع ص: 444.

(9) قرب الإسناد: 144، 517، الوسائل 26: 289 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 449

أقول

: دليل الأوّل إنّما يتمّ لو لم يتمّ دليل الأخيرين، و بقيت الواقعة على الشبهة، فاللازم التكلّم فيهما.

فنقول: أمّا دليل الثاني، فغاية ما يقال عليه: هو ضعف السند، و لا يخفى ضعفه، فإنّ بعد وجود الرواية في الأُصول المعتبرة و تكون فيها الصحيحة، و مع ذلك كانت بدعوى الإجماع المتعدّدة و شهادة الاتّفاق على الرواية منجبرة، فأيّ ضرر في ضعف سند بعض أخبار المسألة؟! و أمّا قول العماني: من أنّه لم يصحّ عندي خبر عدّ الأضلاع «1»، فهو غير موهن له، لأنّه لم ينف الصحّة، و إنّما نفى ثبوتها عنده، مع أنّه لا وهن بنفيه الصحّة أيضاً.

و قد يقال عليه أيضاً: باختلاف العدد الوارد في الأخبار، ففي بعضها أنّ بعد العدّ كان عدد الأيمن اثنى عشر و الأيسر أحد عشر، و في بعضها أنّ الأيمن كان تسعة و الأيسر ثمانية.

و فيه: أنّه لا يضرّ بعد الاتّفاق على اعتبار أصل الاختلاف، مع أنّه يمكن أن يكونا في واقعتين و اختلف أضلاع الشخصين.

و لا يضرّ أيضاً دلالة أكثر الروايات على أنّ المعتبر اختلاف أعداد ضلعي الرجل، و دلالة رواية السكوني على أنّ المعتبر نقصان عدد أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة بضلع؛ لأنّ الأمرين متلازمان، إذ بعد تساوي أعداد ضلعي المرأة يكون أعدادها زوجاً، فبعد نقص واحد منها يكون الباقي فرداً، فإذا قسّم العدد الفرد على ضلعي الرجل يختلف عدديهما.

و لا يضرّ أيضاً ما قيل: من أنّ الموافق للحسّ و التشريح

تساوي

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 745.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 450

أضلاع الرجال و النساء عدداً «1»؛ لأنّه يمكن أن تكون العلّة المذكورة في الأخبار من خلقة حواء من ضلع آدم، موجبة لحصول الاختلاف و لو في الأكثر أو في الجملة دون الكليّة، و لأجل ذلك قرّر الشارع بناء حكم الخنثى على ذلك.

و أمّا دليل الثالث: فهو و إن كان متضمّناً للصحيح، إلّا أنّ دلالته على هذا القول غير واضحة؛ لأنّ الصحيحين دلّا على أنّ له ميراث الرجال و النساء و هو غير المطلوب. و تأويله إليه لامتناع ما دلّا عليه لعدم قول به يصحّ إذا كان الامتناع معيّناً لإرادة ذلك، و ليس كذلك، لجواز إرادة معنى آخر لا نعلمه، و التعبير بذلك لجهة لا نعلمها، فإنّ الإجمال في الأخبار ليس بعزيز، و طرح الأخبار لمثل ذلك ليس بجديد.

و كذا رواية إسحاق، لأنّ إرادة الإرث من العقل ليست بدلالة لُغَويّة أو عرفيّة أو شرعيّة ثابتة، و لو سلّم فغاية ما تدلّ عليه إنّما هو بعد الموت، و كذا رواية الحميري. و يدلان بالمفهوم على انتفاء ذلك الحكم لو بال قبل الموت مطلقاً.

و بالجملة الروايات المعتبرة غير صريحة، و الصريحة منها ضعيفة، و لو قيل بانجبارها بالشهرة فبما بعد الموت مخصوصة، و دعوى الإجماع المركّب في أمثال تلك المسألة لا تخلو عن مجازفة.

ثمّ لو قطع النظر عن جميع ذلك، فلا أرى وجهاً مقبولًا لترجيح هذه الأخبار على أخبار عدّ الأضلاع، فالمسألة كموضوعها مشكلة، و إن كان القول الثاني أقرب، فعليه العمل. و اللَّه أعلم.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 451

المسألة الرابعة: من له رأسان أو بدنان على حقو واحد

يوقظ أحدهما أو يصاح به، فإن انتبه أحدهما خاصّة

فهو اثنان فله ميراثان، و إلّا فواحد بلا خلاف فيه كما قيل «1»؛ لرواية حريز المجبرة «2».

و لو تولّد كذلك حيّاً ثمّ مات قبل الاستعلام و انتقل ميراثه إلى امه فيحصل الإشكال؛ و العمل بأصالة عدم تولّد الاثنين و عدم انتقال إرث الاثنين إلى الامّ ممكن.

المسألة الخامسة: من ليس له فرج الرجال و لا النساء

يورث بالقرعة؛ لدلالة المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل جلّ الطائفة عليه «3»؛ و لو قيل بالاعتبار أوّلًا بتنحي البول و عدمه، فالأوّل ذكر و الثاني أُنثى كما في مرسلة ابن بكير «4» و مع التساوي يرجع إلى القرعة أمكن.

المسألة السادسة: تبرّؤ الوالد عن جريرة ولده و ميراثه لا يؤثّر

على الأظهر الأشهر. و الخبران الدالان على تأثيره «5» مع عدم صراحة أحدهما شاذان، كما صرّح به الشيخ في الحائريات و الحلي و الشهيدان و المحقق «6»،

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 308 و الرياض 2: 378.

(2) الكافي 7: 159، 1، الفقيه 4: 240، 764، التهذيب 9: 358، 1278، الوسائل 26: 295 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 5 ح 1.

(3) انظر المقنعة: 698، و المقنع: 177، و المبسوط 4: 114.

(4) الكافي 7: 157، 4، التهذيب 9: 357، 1277، الإستبصار 4: 187، 702، الوسائل 26: 294 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 5.

(5) الفقيه 4: 229، 731، التهذيب 9: 348، 1252 1253، الاستبصار 4: 185، 696 و 697، الوسائل 26: 272 و 273 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 7 ح 2 و 3.

(6) حكاه عن الحائريات في السرائر 3: 286، الحلي في السرائر 3: 286، الشهيدان في اللمعة و الروضة 8: 213، المحقق في الشرائع 4: 44، و النافع: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 452

و ادّعى بعضهم إجماع أصحابنا بل المسلمين كافّة على خلافه «1».

المسألة السابعة [لو يعلم بحياة الوارث بعد المورث ]

قالوا: يشترط في إرث شخص عن آخر، العلم بحياة الوارث بعد المورّث و لو بطرفة عين، فلو لم يعلم ذلك فله صور خمس: لأنّ عدم العلم بذلك إمّا لأجل العلم باقتران موتهما، أو لأجل عدم العلم بالاقتران أو تقدّم أحدهما فيشتبه المعيّة و التقدّم، أو لأجل عدم العلم بالمتقدّم مع العلم بعدم المعيّة و الاقتران، ثمّ كلّ من الأخيرين على قسمين، أحدهما: أن لا يتعيّن زمان موت أحدهما أيضاً، و ثانيهما: أن يتعيّن ذلك، و كان الشك لأجل عدم العلم بزمان موت الآخر.

و الظاهر عدم الإشكال في القسمين

الأخيرين، و هما اللذان يعلم فيهما زمان موت أحدهما، فيعمل في الآخر بأصالة تأخر الحادث، و لعلّه لا خلاف فيه أيضاً، إلّا ما مرّ في مسألة ميراث المفقود عن التحرير و ردّه «2».

و كذا لا إشكال في الأوّل؛ لأنّ بعد العلم بالمعيّة يعلم عدم حياة الوارث بعده، التي هي شرط الإرث، و لا خلاف فيه، بل هو إجماعيّ محقّقاً و محكياً «3»، فهو الدليل عليه.

مضافاً إلى ما مرّ من ثبوت اشتراط التوريث الذي هو مخالف للأصل بتحقق حياة الوارث بعد المورّث.

و إلى رواية القداح: «ماتت أُمّ كلثوم بنت علي (عليه السّلام) و ابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيّهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما عن الآخر، و صلّى عليهما جميعاً» «4».

______________________________

(1) كما في السرائر 3: 286، و التنقيح 4: 209.

(2) راجع ص: 103.

(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، و الرياض 2: 378.

(4) التهذيب 9: 362، 1295، الوسائل 26: 314 أبواب ميراث الغرقى ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 453

و إلى مفهوم العلة في رواية قابوس، عن أبيه عن علي (عليه السّلام): أنّه قضى في رجل و امرأة ماتا جميعاً في الطاعون، ماتا على فراش واحد و يد الرجل و رجله على المرأة، فجعل الميراث للرجل، و قال: «إنّه مات بعدها» «1».

و كذلك الصورة الثانية، بلا خلاف يعرف فيها أيضاً، و نسبه بعضهم إلى تصريح الأصحاب. و في المسالك «2» و شرح المفاتيح الإجماع عليه.

و تدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع رواية القداح، المنجبر ضعفها لو كان بما مرّ.

و يدلّ عليه أيضاً أنّ إرث شخص عن آخر موقوف بالعلم بوارثيّة الأوّل للثاني، لا مجرّد وجود المنتسب الواقعي

و إن لم يعلمه أحد، فإنّ المراد بإرثه عنه حلّية تصرّف الوارث في ماله تصرفاً ملكيّاً، و وجوب اجتناب الأبعد منه عنه و حرمته عليه، و وجوب إعطاء مَن المال بيده إليه، و حكم الحاكم به، و نحو ذلك، فإنّه إذا كان ولد لشخص لا يعلم أحد ولديّته، كما إذا تمتّع بامرأة و ولد له ولد و لم يعلم به الوالد و لم يعرف الولد والده، أو الحق بوالد آخر بوجه شرعيّ، لا تترتّب آثار التوريث في ماله له، و لا يحرم على الأبعد منه أخذ مال المورّث إرثاً، و لا على سائر من يساوي أخذ حصّته.

و بالجملة: المراد بالتوريث ترتّب آثاره الظاهرية، و لا شك أنه موقوف على العلم بوجود الوارث و وارثيّته، فشرط التوريث ليس مجرّد

______________________________

(1) الكافي 7: 138، 6 و فيه: مرفوعاً، التهذيب 9: 361، 1289، الوسائل 26: 314 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 5 ح 3.

(2) المسالك 2: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 454

الوجود و الانتساب الواقعيّ، لأنه تكليف بما لا يطاق و إغراء بالجهل، بل هو العلم بهما و لو بدليل شرعيّ، كاستصحاب بلا معارض و نحوه.

و على هذا فنقول: إنّ شرط توريث أحد المشتبهين عن الآخر العلم ببقاء حياته بعد الآخر. و هو منتف فكذلك المشروط.

و ممّا ذكرنا يندفع ما ذكره صاحب الكفاية بعد الاستدلال للمشروط بأنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط بقوله: و لقائلٍ أن يقول: ثبوت الإرث له- أي لغير هذا المشكوك فيه ممّن هو أبعد منه مشروط بعدم وجود الأقرب عند موت المورّث، و ثبوت الجميع له مشروط بعدم مشارك له في مرتبته عند موت المورّث، فالشكّ في الشرط يقتضي

الشكّ في المشروط «1».

فإنّا نقول: إنّ ثبوت الإرث للغير أو المساوي مشروط بعدم العلم بوجود الأقرب أو المساوي عند موت المورّث، و هو حاصل؛ كما أنّ الحكم بثبوت الإرث لهذا المشكوك فيه مشروط بالعلم بوجوده، و هو غير حاصل.

و ممّا ذكر يظهر الحكم في الصورة الثالثة أيضاً، و هي ما إذا علم عدم المعيّة، و لكن لم يعلم المتقدّم موته منهما عن المتأخر، فلا يورث أحدهما عن الآخر أيضاً؛ لما ذكر أخيراً، بل لرواية القداح أيضاً «2»، فإنّ ظاهر قوله: «لا يدري أيّهما هلك قبل» أنّ التشكيك في المتقدّم و المتأخّر دون التقدّم و عدمه، بل هو الظاهر من القرينة الحاليّة أيضاً، لندور فرض المعيّة الحقيقيّة البتّة.

______________________________

(1) الكفاية: 307.

(2) المتقدّمة في ص: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 455

و الظاهر أنّه لا خلاف في ذلك أيضاً، و إن وقع التعبير في كلام كثير بمثل قولهم: و لو اشتبه التقدّم «1»، الظاهر في أنّ الشك في التقدّم و المعيّة، و لكن مرادهم ما يشمل الشكّ في المتقدّم و المتأخّر أيضاً كما في كلام بعض آخر «2».

ثمّ إنّ هذا هو الأصل و القاعدة، و قد يستثنى منه بعض الصور كما يأتي.

المسألة الثامنة [إرث الغرقى و المهدوم عليهم بعضهم بعضا مع اشتباه المتقدم و المتأخر]
اشاره

استثني من القاعدة المذكورة: الغرقى ، و المهدوم عليهم، فإنّه يرث بعض المغرقين بعضاً، و بعض المهدومين بعضاً مع اشتباه المتقدّم و المتأخّر، بالإجماع المحقق، و المحكي مستفيضاً «3»، و قال العماني: يرث الغرقى و الهدمى عند آل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) «4».

و دليل الاستثناء: الإجماع، و النصوص المتكثّرة، منها صحيحة البجلي: عن القوم يغرقون في السفينة، أو يقع عليهم البيت فيموتون و لا يعلم أيّهم قبل صاحبه، فقال: «يورّث بعضهم عن بعض»

«5».

و نحوها الأُخرى «6».

و الثالثة: عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدري أيّهم مات قبل، قال، فقال: «يورّث بعضهم من بعض» قلت: فإنّ أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً، قال: «و ما أدخل؟» قلت: رجلين أخوين أحدهما مولاي و الآخر مولى لرجل، لأحدهما مائة ألف درهم و الآخر ليس له شي ء، ركبا في

______________________________

(1) انظر الشرائع 4: 49، و القواعد 2: 191، و المفاتيح 3: 319.

(2) انظر المسالك 2: 343، و الكفاية: 308.

(3) كما في المسالك 2: 343، و الرياض 2: 378.

(4) حكاه عنه في المختلف: 750.

(5) الكافي 7: 136، 1، الفقيه 4: 225، 713، الوسائل 26: 307 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 1.

(6) الكافي 7: 136، 1، الفقيه 4: 225، 713، الوسائل 26: 307 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 456

السفينة فغرقا فلم يدر أيّهما مات أوّلًا، كان المال لورثة الذي ليس له شي ء، و لم يكن لورثة الذي له المال شي ء. قال، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «لقد سمعها و هو هكذا» قلت: و لو أنّ مملوكين أعتقت أنا أحدهما و أعتقت أنت الآخر، لأحدهما مائة ألف و الآخر ليس له شي ء فقال: «مثله» «1».

و الرابعة: رجل و امرأة سقط عليهما البيت فماتا، قال: «يورث الرجل من المرأة و المرأة من الرجل» قال، قلت: فإنّ أبا حنيفة قد أدخل عليهم في هذا شيئاً، قال: «فأيّ شي ء أدخل عليهم؟» قلت: رجلين أخوين أعجميين ليس لهما وارث إلّا مواليهما، أحدهما له مائة ألف درهم معروفة، و الآخر ليس له شي ء، ركبا سفينة فغرقا، فأخرجت المائة ألف، كيف يصنع بها؟ قال: «تدفع

إلى موالي الذي ليس له شي ء» فقال: «ما أدخل فيها، صَدَق، هو هكذا» ثمّ قال: «يدفع المال إلى موالي الذي ليس له شي ء، و لم يكن للآخر مال يرثه موالي الآخر، فلا شي ء لورثته» «2».

و صحيحة محمد: في الرجل يسقط عليه و على امرأته بيت، قال: «تورث المرأة من الرجل، و يورث الرجل من المرأة» معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم، لا يورثون ممّا يورث بعضهم بعضاً شيئاً «3».

و الأُخرى: عن رجل سقط عليه و على امرأته بيت، فقال: «تورث

______________________________

(1) الكافي 7: 137، 2، التهذيب 9: 360، 1286، الوسائل 26: 309 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 2 ح 1.

(2) الكافي 7: 137، 3، التهذيب 9: 360، 1287، الوسائل 26: 309 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 2 ح 2.

(3) الكافي 7: 137، 5، التهذيب 9: 361، 1288، الوسائل 26: 310 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 457

المرأة من الرجل، ثمّ يورث الرجل من المرأة» «1».

و مثلها موثقة البقباق «2»، و رواية عبيد بن زرارة أيضاً، أو صحيحته «3».

و صحيحة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل و امرأة انهدم عليهما بيت فماتا، و لا يدري أيّهما مات قبل صاحبه، فقال: يرث كلّ واحد منهما زوجه كما فرض اللَّه لورثتهما» «4».

و رواية البصري: عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت، قال: «يورث بعضهم من بعض» «5».

و قريبة منها موثّقة البقباق «6».

و مرسلة أبان: عن قوم سقط عليهم سقف، كيف مواريثهم؟ فقال: «يورث بعضهم من بعض» «7».

و مرسلة حمران: في قوم غرقوا، جميعاً أهل البيت قال: «يورث

______________________________

(1) التهذيب 9:

359، 1282، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 6 ح 2.

(2) الفقيه 4: 225، 714، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 6 ح 3.

(3) التهذيب 9: 359، 1281، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 6 ح 2.

(4) الفقيه 4: 225، 715، التهذيب 9: 359، 1283، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 2.

(5) التهذيب 9: 360، 1284، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث القربى و المهدوم عليهم ب 1 ح 3.

(6) الفقيه 4: 225، 714، التهذيب 9: 360، 1285، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 4.

(7) التهذيب 9: 362، 1293، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 458

هؤلاء من هؤلاء، و هؤلاء من هؤلاء، لا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً، و لا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً» «1».

ثمّ إنّه يشترط الحكم بتوريث بعضهم من بعض بشروط أربعة:

الأوّل: أن يشتبه الحال في تقدّم موت أحدهما على الآخر و تأخّره عنه؛ فلو علم اقترانه فلا إرث، و لو علم المتقدّم ورثه المتأخر من غير عكس، إجماعاً؛ له، و لاختصاص أكثر النصوص المتقدّمة بما كان كذلك، و ظهور البواقي فيه أيضاً، لأنّ بعد الغرق أو الهدم يشتبه الحال غالباً، و يخصّص بالإجماع لو لم يكتف فيه بالظهور المذكور.

و الثاني: أن يكون لجميع المهلكين أو لواحد منهم مال؛ لأنّ التوريث فرع تحقّق المال، و لو كان المال لواحد يرثه من لا مال له، ثمّ ينتقل إلى وارثه الحيّ.

و الثالث: أن يتحقّق

سبب الإرث بينهم، إمّا مقدّماً على جميع من سواهم، أو يكون شريكاً؛ فلو انتفى السبب كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلّية، أمّا لعدم النسب و السبب، أو لوجود مانع من كفر أو رقّ، أو وجود وارث حيّ لكلّ منهم أو لأحدهم حاجب للميّت الآخر، لم يثبت الحكم بالنسبة إلى ذي المانع؛ فلو غرق أخوان و لكلّ منهما ولد فلا توارث بينهما، بل كلّ منهما يحوز ميراثه ولده؛ بلا خلاف فيه أيضاً، و ذلك أيضاً إجماعيّ، و وجهه أيضاً ظاهر، و تدلّ عليه أيضاً عمومات منع الأقرب، و الحجب، و عمومات موانع الإرث.

و الرابع: أن تكون الموارثة ثابتة من الطرفين، فلو ثبت من أحدهما

______________________________

(1) التهذيب 9: 362، 1294، الوسائل 26: 311 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 459

سقط هذا الحكم، كأخوين غرقا و لأحدهما ولد دون الآخر، فلا يرثه الأخ الآخر و لا يرث هو الآخر؛ و ادّعي على ذلك الإجماع أيضاً «1».

إلّا أنه نقل المحقق الطوسي في الفرائض النصيرية أنه قال قوم: بل يورث من الطرف الممكن «2». و مال إليه المحقّق الأردبيلي «3» و صاحب الكفاية أيضاً «4».

و هو غير جيّد، بل الأقوى هو المشهور؛ لأنّ الحكم ثابت على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على اليقين المنصوص من التوارث.

و قال في الكفاية: عموم قول الصادق (عليه السّلام): «يورث بعضهم من بعض» في أخبار متعدّدة يقتضي ثبوت الإرث هنا من جانب واحد انتهى «5».

و فيه: أنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السّلام) أنه يرث كلّ بعض من كلّ بعض- كما في آية اولي الأرحام و لمّا لم يمكن ذلك في المفروض فلا بدّ من ارتكاب أحد

التخصيصين: إمّا البعض بالبعض الوارث الخالي عن المانع، أو المهلكين بالمتوارثين، كما هو مورد كثير من الروايات؛ و إذ لا مرجّح فيدخل الإجمال، و لا يتحقّق للخروج عن القاعدة و الأصل هنا دليل. بل المرجّح في الجملة للأخير ثابت، و هو التصريح بالتوارث من الجانبين في مرسلة حمران المتقدّمة «6»، مع إطلاق المهلكين.

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 312.

(3) حكاه عنه في الرياض 2: 378.

(4) الكفاية: 308.

(5) الكفاية: 308.

(6) في ص: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 460

ثمّ كيفيّة التوريث إذا اجتمعت الشرائط: أنّه يرث كلّ منهما عن الآخر تلاد ماله دون طارقه، أي قديمه دون جديده، و بعبارة اخرى : من صلب تركته لا ممّا ورث عمّن مات معه، على الأشهر الأظهر، بل عليه عامّة من تأخر، و عن ظاهر الغنية الإجماع عليه «1».

لصحيحتي البجلي الثالثة و الرابعة، المصرّحتين بعدم شي ء لورثة الذي له مال، و لمرسلة حمران المتقدّمة المنجبرة ضعفها لو كان بعمل الأكثر و الإجماع المنقول، و المعاضدة بالتفسير المذكور في صحيحة محمّد الاولى «2».

و قد يستدلّ بوجوه أُخر عقليّة قابلة للخدش أيضاً.

خلافاً للمفيد و الديلمي، فورثا كلّاً من الكلّ حتّى ممّا ورث من الآخر «3».

لإطلاق الإرث في الأخبار المتقدّمة.

و لأنّه لولاه انتفت الفائدة فيما ورد في الأخبار كما يأتي من وجوب تقديم الأضعف نصيباً.

و لأنّ بعد فرض موت الأوّل و إعطاء ماله للثاني يصير ما اعطي مالًا للثاني أيضاً، فيرثه بعد فرض موته وارثه الذي هو الأوّل.

و يضعّف الأوّل: بمنع وجود إطلاق يشمل محلّ البحث، و لو سلّمنا يجب تقييده بما مرّ.

و الثاني: بمنع وجوب تقديم الأضعف كما يأتي، و لو سلّم فبمنع

______________________________

(1) الغنية

(الجوامع الفقهية): 608.

(2) راجع ص: 455 457.

(3) المفيد في المقنعة: 699، الديلمي في المراسم: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 461

انحصار الفائدة فيما ذكر، لإمكان كونه تعبّداً محضاً، و للشرع علل خفيّة لا تكاد تصلها عقولنا القاصرة.

و الثالث: بما مرّ، من لزوم التخصيص بما مرّ، مع أنّ هذا التوريث على خلاف الأصل، فلا يمكن حمله على سائر المواريث و الحكم عليه بمقتضى أدلّة الباقي، بل يجب الاقتصار على المتيقّن.

فرعان:

أ

: لا يخفى أنّ توريث كلّ من الغرقى أو الهدمى عن الآخر إنّما هو بقدر نصيبه المقدّر شرعاً، كما صرّح به في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة «1». فالأب و الابن إذا لم يكن لهما وارث آخر يرث كلّ منهما جميع تركة الآخر، و لو كانت معهما للأب زوجة مغرقة هي أُمّ الابن، يرث كلّ من الأب و الأُم من الابن نصيبه، و يرث الابن من كلّ منهما نصيبه، و ترث الام من الزوج نصيبها. و هكذا لو كان معهما وارث مشارك حيّ يرث هو نصيبه من مورّثه.

ثمّ بعد تقسيم تركة الغرقى أو الهدمى بعضهم مع بعض و اختصاص كلّ بميراثه، يعطى ميراثه لسائر ورثته الأحياء لو فرض عدم من مات معه غرقاً أو هدماً من الوارث، النسبيّة أو السببيّة، أو الولائيّة الخاصّة أو العامّة.

ب

: قال في المقنع و المقنعة و النهاية و المبسوط و المراسم و الوسيلة و السرائر و الجامع و اللمعة: بأنّه يجب تقديم الأضعف في الإرث «2»، أي

______________________________

(1) في ص: 457.

(2) المقنع: 178، المقنعة: 699، النهاية: 674، المبسوط 4: 118، المراسم: 225، الوسيلة: 401، السرائر 3: 300، الجامع: 520، اللمعة (الروضة البهيّة 8): 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 462

أقلّ

نصيباً على الأكثر نصيباً؛ لمكان لفظة ثمّ في قوله: «ثمّ يورث الرجل» في صحيحة محمّد الثانية، و موثّقة البقباق، و رواية عبيد «1».

و يضعّف: بعدم دلالته على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة. و عدم معلوميّة علّية الأضعفيّة للتقديم فيه. و دعوى الإجماع في أمثال المقام شطط من الكلام.

فالأقوى الاستحباب حذراً عن مخالفة هؤلاء الأجلّة، وفاقاً للشيخ في الإيجاز و الغنية و الإصباح و الحلبي و الشرائع و التحرير و المختلف و الإرشاد و الدروس و الكفاية «2».

و لا ثمرة للمسألة بعد ما ذكر من اختصاص التوريث بأصل التركة.

المسألة التاسعة: هل يختصّ هذا الحكم بالغرقى و الهدمى؟
اشاره

أو يثبت في غيرهما من الأموات المشتبهين بغير ما ذكر من الأسباب الخارجية كالقتل و الحرق، سوى الأموات حتف أنفهم، فإنّهم لا يتوارثون إجماعاً، كما صرّح به جماعة «3».

فذهب المفيد «4»، بل المعظم كما في المسالك و عن الروضة «5»، و نسبه في الكفاية إلى الأصحاب «6» إلى الاختصاص.

______________________________

(1) المتقدمة جميعاً في ص: 457.

(2) الإيجاز (الرسائل العشر): 276، الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، الشرائع 4: 50، التحرير 2: 175، المختلف: 750، الدروس 2: 353، الكفاية: 308.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 343، و السبزواري في الكفاية: 308، و صاحب الرياض 2: 387.

(4) المقنعة: 699.

(5) المسالك 2: 343، الروضة 8: 213.

(6) الكفاية: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 463

و هو الأصحّ، اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع النصّ، و لما روي من أنّ قتلى اليمامة و قتلى صفّين لم يرث بعضهم من بعض، بل ورثوا الأحياء «1» و ضعفه منجبر بعمل الأكثر.

و اختار الحلبي و ابن حمزة و الفاضل في القواعد: التعميم «2»، و قوّاه في المختلف أخيراً و إن استقرب الأوّل

أوّلًا «3»، و هو محتمل المبسوط و النهاية «4».

لأنّ الظاهر أنّ العلّة في التوارث الاشتباه، و هو حاصل في الجميع، و الاعتبار بجعل العلّة منقّحة قطعيّة لا مستنبطة ظنيّة، حتّى يكون من القياس الباطل عند الفرقة الناجية.

و يؤيّده فهم الراوي في صحيحتي البجلي الثالثة و الرابعة من حكمه (عليه السّلام) في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى ، و اعتراضه على أبي حنيفة في حكمه في الغرقى بما حكم «5».

و فيه أولًا: بالمعارضة، فيمكن أن يقال: إنّ الظاهر أنّ العلّة في نفي التوارث في رواية القداح المتقدّمة في المسألة السابعة «6»، بل الإجماع في موت حتف الأنف: الاشتباه، و الاعتبار بجعلها قطعيّة؛ و بعد فتح باب احتمال مدخليّة السبب الداخلي في نفي التوارث و الخارجي في إثباته،

______________________________

(1) انظر إيضاح الفوائد 4: 277.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 376، ابن حمزة في الوسيلة: 400، القواعد 2: 191.

(3) المختلف: 750.

(4) المبسوط 4: 118، النهاية: 674.

(5) راجع ص: 455 و 456.

(6) في ص: 2799.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 464

يبطل حكم الاعتبار بالمرّة، لأنّه لا تُفهم خصوصية قيد أصلًا، و إذا احتمل مدخليّة بعض أنواع الأسباب يسري الاحتمال إلى مدخليّة الغرق و الهدم أيضاً.

و ثانياً: بمنع فهم العلة قطعاً، غايته الظن الموجب للقياس المحرم. و أمّا فهم الراوي في الصحيحين فلا نسلّم أنه فَهَم الاتّحاد من فهم العلة، بل يجوز أن يكون اتّحاد حكم الهدمى و الغرقى معلوماً عندهم من الخارج كما في هذا الزمان، مع أنه لا يدل على فهمه الاتحاد أيضاً، بل يمكن أن يكون غرضه أنّ أبا حنيفة زاد في مسألة التوارث شيئاً آخر لا في مسألة المهدوم. فتأمل.

تتميم:

اعلم أنّه قد جرت عادة الفقهاء بذكر

حساب الفرائض، و بيان كيفيّة التقسيم على طريقة أهل الحساب، و بيان المناسخات، و كيفية التقسيم فيها في كتاب الفرائض.

و لمّا كان ذلك أمراً مضبوطاً غير محتاج إلى نقض و إبرام و استدلال و ترجيح، و كان فيما ذكر في كتاب واحد كفاية للباقين بالرجوع إليه، و مع ذلك لم يتوقف التقسيم غالباً على معرفة جميع قواعدها، رأينا ترك ذكرها، و الاشتغال بالأهم منه أولى ، و بمحافظة الوقت أحرى .

و الحمد للَّه و الصلاة و السلام على رسول اللَّه و آله أئمة الهدى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.