مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 15

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 7

كتاب المطاعم و المشارب و فيه أبواب:

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 9

الباب الأول في بيان أصول عامّة شاملة للحيوانات و غيرها

اشاره

نذكرها في طي مسائل:

المسألة الأولى: الأصل الأولي في كلّ ما يمكن أكله و شربه: الحلّية،

و جواز الأكل و الشرب عقلا و شرعا إجماعا، و كتابا «1»، و سنّة «2»؛ لما ثبت في علم الأصول من أصالة حلّية الأعيان، و إباحة الأفعال ما لم تثبت حرمتها بدليل.

المسألة الثانية: الأصل في الخبائث: الحرمة؛

للإجماع، و قوله سبحانه وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ «3» و استدلّ له بمفهوم قوله سبحانه:

______________________________

(1) البقرة: 168.

(2) انظر الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(3) الأعراف: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 10

يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ «1» و هي المقابلة للخبائث.

و فيه: أنّه مفهوم لا حجّية فيه، مع أنّ في استلزام عدم التحليل للتحريم و كذا في مقابلة الطيّبات للخبائث نظرا.

ثمَّ المراد بالخبائث- على ما ذكرها جماعة «2»- ما تشمئزّ منه أكثر النفوس المستقيمة، و تتنفّر عنه غالب الطباع السليمة.

و الظاهر أنّه ليس مرادهم ما تتنفّر الطباع و تشمئزّ عن أكله؛ إذ كثير من العقاقير السبعة و الأدوية- كالإهليلجات [1] و نحوها- كذلك، مع أنّها ليست خبيثة عرفا و لا محرّمة شرعا. (بل كثير ممّا تتنفّر عنه الطباع إنّما يكون لحرمته، أو توهّم حرمته، أو عدم الاعتياد بأكله. و لذا ترى تنفّر طباع أكثر العجم عن أكل الجراد دون العرب، و تنفّر طباع أهل البلدان عن الحيّة و الفأرة و الضبّ دون أهل البادية من الأعراب، و كأنّ كثيرا ممّا تتنفّر عنه الطباع الآن كانت العرب تأكله قبل الإسلام، كالضبّ، و المسلمون يتنفّرون من الخنزير دون النصارى، إلى غير ذلك) [2].

بل ما تتنفّر الطباع عنه مطلقا، أكلا و لمسا و رؤية، كرجيع الإنسان و الكلب، بل رجيع كلّ ما لا يؤكل لحمه، و القي ء من الغير و قملته و بلغمه- سيّما المجتمع في موضع في مدّة-

و القيح، و الصديد، و الضفادع، و نحوها.

______________________________

[1] الإهليلج: عقير من الأدوية معروف و هو معرّب- انظر لسان العرب 2: 392.

(2) ما بين القوسين ليس في «س».

______________________________

(1) المائدة: 4.

(2) منهم المحقّق الأردبيلي في زبدة البيان: 631 و الفاضل الجواد في مسالك الافهام 4: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 11

و لكن في كون المراد من الخبائث في الآية مطلق ذلك نظرا؛ إذ لا دليل عليه من شرع أو لغة بل و لا عرف، ألا ترى تنفّر الطباع عن ممضوغ الغير، و ما خرج من بين أسنانه، مع أنّ حرمته غير معلومة.

و لذا قال المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد: معنى الخبيث غير ظاهر؛ إذ الشرع ما بيّنه، و اللغة غير مراد، و العرف غير منضبط، فيمكن أن يقال: المراد عرف أوساط الناس و أكثرهم- حال الاختيار- من أهل المدن و الدور، لا أهل البادية؛ لأنّه لا خبيث عندهم، بل يطيّبون جميع ما يمكن أكله، فلا اعتداد بهم «1». انتهى.

أقول: إنّ ما ذكره رحمه اللّه من إمكان الإحالة إلى عرف أوساط الناس و أكثرهم: إن أراد إحالة التنفّر و الاشمئزاز إلى عرفهم، فهو إنّما يتمّ لو علم أنّه معنى الخباثة، و هو بعد غير معلوم.

و إن أراد إحالة الخباثة، فلا عرف لها عند غير العرب؛ لأنّها ليست من لغتهم، و لا يتعيّن مرادفها في لغتهم.

هذا، مع أنّ طباع أكثر أهل المدن العظيمة أيضا مختلفة جدّا في التنفّر و عدمه، كما لا يخفى على من اطّلع على أحوال سكّان بلاد الهند و الترك و الإفرنج و العجم و العرب في مطاعمهم و مشاربهم.

و لذا خصّ بعض آخر بعرف بلاد العرب، و هو أيضا غير مفيد؛ لأنّ عرفهم

في هذا الزمان غير معلوم للأكثر- مع أنّه لو كان مخالفا للّغة لم يصلح مرجعا- و كذا عرفهم في زمان الشارع.

و بالجملة: لا يتحصّل لنا اليوم من الخبائث معنى منضبطا يرجع إليه،

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 12

فيجب الاقتصار فيها على ما علم صدقها عليه قطعا- كفضلة الإنسان، بل فضلة كلّ ما لا يؤكل لحمه من الفضلات النجسة المنتنة، و كالميتات المتعفّنة و نحوها- و الرجوع في البواقي إلى الأصل الأول.

و لا يضرّ عدم حجّية بعض العمومات المبيحة للأشياء لتخصيصها بالمجمل؛ إذ الأصل العقليّ و الشرعي في حلّية ما لم يعلم حرمته كاف في المطلوب.

المسألة الثالثة: الأصل في الأعيان النجسة و المتنجّسة- ما دامت نجسة-: الحرمة

بلا خلاف، كما في المسالك و شرح الإرشاد و الكفاية و المفاتيح «1»، بل بالاتّفاق كما في شرح المفاتيح، بل بالإجماع كما عن الغنية «2» و غيرهما «3»، بل يمكن عدّه من الضروريّات كما قيل «4»، بل بالإجماع المحقّق؛ و هو الحجّة فيه، مع التعليل لتحريم لحم الخنزير بالرجسيّة في قوله تعالى فَإِنَّهُ رِجْسٌ «5»، و تعليل وجوب الاجتناب الشامل لترك الأكل في الخمر و الميسر و الأزلام و الأنصاب بالرجسيّة «6» [و] «7» الأخبار المستفيضة، بل كما قيل: المتواترة معنى «8»، (الواردة في موارد عديدة لا تحصى:

______________________________

(1) المسالك 2: 243، مجمع الفائدة 11: 213، المفاتيح 2: 217، كفاية الأحكام: 251.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(3) انظر كشف اللثام 2: 267.

(4) كما في الرياض 2: 289.

(5) الأنعام: 145.

(6) المائدة: 90.

(7) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(8) انظر الرياض 2: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 13

منها: الأخبار) «1» الواردة في تحريم أكثر الأعيان النجسة بخصوصها، كالدم و الميتة و الخمر و لحم الخنزير

«2»، بل لعلّ كلّها.

و منها: الأخبار المتضمّنة لوجوب إهراق بعض المائعات النجسة و النهي عن أكلها، و غسل بعض غير المائعات قبل الأكل أو طرحه، بضميمة الإجماع المركّب:

كصحيحة زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» [1].

و الأعرج، و فيها: عن الفأرة تموت في السمن و العسل، فقال: «قال علي عليه السّلام: خذ ما حولها و كل بقيّته»، و عن الفأرة تموت في الزيت، فقال:

«لا تأكله و لكن أسرج به» «3».

و ابن وهب: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال: «أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به» «4».

و الحلبي: عن الفأرة و الدابة في الطعام و الشراب فتموت فيه، فقال:

«إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنّه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء

______________________________

[1] الكافي 6: 261- 1، التهذيب 9: 85- 360، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 2. و استصبحت بالدهن: نوّرت به المصباح- المصباح المنير: 331.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «س».

(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(3) التهذيب 9: 86- 362، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 4.

(4) الكافي 6: 261- 2، التهذيب 9: 85- 359، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 14

فانزع ما حوله و كله، و إن كان الصيف فادفعه حتى تسرج به، و إن كان بردا فاطرح الذي كان عليه» [1].

و موثّقة الساباطي: عن الدقيق يصيب فيه خرء

الفأرة هل يجوز أكله؟

قال: «إذا بقي منه شي ء فلا بأس، يؤخذ أعلاه فيرمى به» «1».

و يونس: عن حنطة مجموعة ذاب عليها شحم الخنزير، قال: «إن قدروا على غسلها أكلت، و إن لم يقدروا على غسلها لم تؤكل» «2».

و مرسلة سماعة: عن السمن تقع فيه الميتة، قال: «إن كان جامدا فألق ما حوله و كل الباقي» قلت: الزيت؟ فقال: «أسرج به» «3».

و مرسلة ابن أبي عمير: في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» «4».

و اخرى: و هي مثلها، إلّا أنّ فيها: «يدفن و لا يباع» «5».

و رواية السكوني: عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، قال: «يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «6».

______________________________

[1] التهذيب 9: 86- 361 و فيه: ثردا، بدل: بردا. و الثرد ما صغر من الثريد- مجمع البحرين 3: 19، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 3.

______________________________

(1) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 6.

(2) الكافي 6: 262، الوسائل 24: 203 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 50 ح 1.

(3) التهذيب 9: 85- 358، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 5.

(4) التهذيب 1: 414- 1305، الاستبصار 1: 29- 76، الوسائل 1: 242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1.

(5) التهذيب 1: 414- 1306، الاستبصار 1: 29- 77، الوسائل 1: 243 أبواب الأسآر ب 11 ح 2.

(6) الكافي 6: 261- 3، التهذيب 9: 86- 365، الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 15

و جابر: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟

قال: فقال له

أبو جعفر عليه السّلام: «لا تأكله» إلى أن قال: «إنّ اللّه حرّم من الميتة كلّ شي ء» [1] إلى غير ذلك.

و لا ينافي ذلك بعض الأخبار الدالّة على نفي البأس عن أكل خبز العجين الذي عجن بماء وقعت فيه ميتة لملامسة النار «1»؛ لأنّه مبني على تطهّره «2» بالنار، و قد مرّ الجواب عنه في كتاب الطهارة.

و لا بعض آخر دالّ على جواز أكل المرق الذي وقع فيه دم «3»؛ لما ذكر، و لشمول الدم فيه للحلال و الحرام، فيجب التخصيص بالأول.

و كذا لا ينافي الإجماع قول بعض علمائنا بجواز شرب المائع النجس بعد خلطه بالماء المطلق الطاهر الكرّ و إن لم يستهلك «4»، و نحو ذلك؛ لأنّه أيضا مبني على حصول الطهارة بذلك، و قد بيّنّا ضعفه في كتابها.

المسألة الرابعة: الأصل في الأشياء الضارّة بالبدن: الحرمة

، فإنّها محرّمة كلّها بجميع أصنافها- جامدها و مائعها قليلها و كثيرها- إذا كان القليل ضارّا؛ للإجماع المنقول «5»، و المحقّق.

و رواية المفضّل، و هي طويلة، و فيها: «علم تعالى ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم، فأحلّه لهم و أباحه تفضّلا منه عليهم به لمصلحتهم، و علم

______________________________

[1] التهذيب 1: 420- 1327، الاستبصار 1: 24- 60، الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 2. و الخابية: الحبّ- الصحاح 6: 2325.

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17 و 18.

(2) في «ق» و «س»: تطهيره.

(3) انظر الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 44.

(4) كالشهيد الثاني في الروضة 7: 334.

(5) انظر الرياض 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 16

ما يضرّهم، فنهاهم عنه و حرّمه عليهم، ثمَّ أباحه للمضطرّ، فأحلّه في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّا به، فأمره أن

ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك» الحديث [1].

و مفهوم لفظ الكلّ في رواية محمّد بن سنان المرويّة في العلل: «إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ اللّه تعالى ففيه صلاح العباد و بقاؤهم و لهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها، و وجدنا المحرّم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه، و وجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء و الهلاك» «1».

و الرضويّ: «و لم يحرّم إلّا ما فيه الضرر و التلف و الفساد، فكلّ نافع مقوّ للجسم فيه قوّة للبدن فحلال، و كل مضرّ يذهب بالقوّة أو قاتل فحرام» الحديث «2».

و الاستدلال بحديث نفي الضرر و الإضرار عليل «3»؛ لأنّ في الإباحة و التخيير لا يصدق الضرر و الإضرار، مع أنّ غايته- لو تمَّ- عدم الإباحة الشرعيّة، و هو غير التحريم.

و قد يستدلّ أيضا بما ورد في المنع من الطين من التعليل بأنّ فيه إعانة على النفس في قتلها أو ضعفها.

و هو كان حسنا لو وجد ذلك التعليل في الأخبار «4»، و لكنّي

______________________________

[1] الكافي 6: 242- 1، المحاسن: 334- 104، الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1. و البلغة: إذا اكتفى به و تجزّأ- المصباح المنير: 61.

______________________________

(1) علل الشرائع: 592- 43، الوسائل 25: 51 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 4.

(2) فقه الرضا «ع»: 254، المستدرك 16: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 5.

(3) الكافي 5: 292- 2، الفقيه 3: 147- 648، التهذيب 7: 146- 651، الوسائل 25: 428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.

(4) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 17

ما وجدته.

نعم، ورد في بعض الأخبار: أنّه يورث السقم في الجسد و يهيّج

الداء «1»، من غير جعل ذلك تعليلا للتحريم. و فيه أيضا: أنّه من أكل الطين و ضعف عن العمل- الذي كان يعمله قبل أن يأكله- يعذّب عليه «2». ثمَّ كما أشرنا إليه يعمّ التحريم القليل منه و الكثير إذا كان قليله مضرّا أيضا.

و أمّا ما يضرّ كثيره دون قليله- كالأفيون [1] و السقمونيا [2] و شحم الحنظل و غيرها- فالمحرّم منه ما بلغ ذلك الحدّ دون غيره، و كذا ما يضرّ منفردا دون ما إذا أضيف إلى غيره و لو كان كثيرا لا يحرم الكثير المضاف إليه أيضا، و ما يضرّ تكريره دون أكله مرّة يحرم التكرير خاصّة.

و الضابط في التحريم: ما يحصل به الضرر. و الضرر الموجب للتحريم يعمّ الهلاكة و فساد المزاج و العقل و القوّة و حصول المرض أو الضرر في عضو.

و بالجملة: كلّ ما يعدّ ضررا عرفا؛ للإجماع، و إطلاق رواية المفضّل «3».

و هل يناط التحريم بالعلم العاري الحاصل بالتجربة و قول جمع من الحذّاق و نحوهما، أو يحرم بغلبة الظنّ أيضا؟

صرّح في الكفاية بالثاني «4». و هو الأحوط، و إن كان الأصل يقوّي الأول.

______________________________

[1] الأفيون: عصارة لبنيّة تستخرج من الخشخاش- انظر المنجد: 13.

[2] السّقمونيا: نبات يستخرج من تجاويفه رطوبة دبقة و تجفف و تدعى باسم نباتها، و له خواصّ- انظر القاموس 4: 130.

______________________________

(1) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

(2) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

(3) المتقدّمة في ص: 15، 16.

(4) كفاية الأحكام: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 18

المسألة الخامسة: الأصل حرمة أكل مال الغير المحترم

- مسلما كان أو كافرا محفوظا في ماله- بدون إذنه؛ بالإجماع، بل الضرورة، و الكتاب، و السنّة.

قال اللّه سبحانه لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ «1».

و قال سبحانه فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «2» دلّ بمفهوم الشرط على عدم جواز الأكل بدون الطيبة، و يتعدّى إلى غير الزوجة بالفحوى و الإجماع المركّب.

و في النبويّ المشهور: «المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه» «3».

و في آخر: «المسلم أخو المسلم، لا يحلّ له ماله إلّا عن طيب نفس منه» «4».

و في رواية الحسين المنقري عن خاله: «من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنّما أكل قطعة من النار» «5».

و في أحاديث الخمس عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه: «لا يحلّ

______________________________

(1) النساء: 29.

(2) النساء: 4.

(3) صحيح مسلم 4: 1986- 2564، و رواه الشهيد الثاني مرسلا في المسالك 2:

247.

(4) غوالي اللئالي 3: 473- 1، الوسائل 29: 10 أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 3، بتفاوت.

(5) الكافي 6: 270- 2، التهذيب 9: 92- 398، الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 19

لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟!» «1»، إلى غير ذلك «2».

المسألة السادسة: يستثنى من هذه الأصول الأربعة و من سائر ما حرّم: ما يدعو الاضطرار إليه

اشاره

؛ لتوقّف سدّ الرمق و حفظ النفس عليه، فيختصّ التحريم بالمختار.

و أمّا المضطرّ فيجوز له- بل يجب- الأكل و الشرب من كلّ محرّم بلا خلاف- إلّا في الخمر و الطين كما يأتي- للإجماع.

و قوله سبحانه فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «3» و المخمصة: المجاعة، و المتجانف: المائل.

و قال عزّ شأنه إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4»،

و قريب منه في آية أخرى «5».

و قال جلّ اسمه وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ «6».

و لأدلّة نفي العسر و الحرج «7»، و نفي الضرر و الضرار «8»؛ إذ لا حرج

______________________________

(1) كمال الدين: 521- 49، الاحتجاج: 480، الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 63 ح 3.

(2) انظر الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 63.

(3) المائدة: 3.

(4) النحل: 115.

(5) الأنعام: 145.

(6) الأنعام: 119.

(7) انظر عوائد الأيام: 57.

(8) انظر الفقيه 4:، 243- 777، الوسائل 26: 14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10، مسند أحمد بن حنبل 1: 313، سنن ابن ماجه 2: 784- 2340- 2341، عوائد الأيام: 16، القواعد الفقهية 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 20

و لا ضرر أعظم من المنع حينئذ.

و لرواية المفضّل المتقدّمة في المسألة الرابعة «1».

و في مرسلة الصدوق: «من اضطرّ إلى الميتة و الدم و لحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر» «2»، و رواها أحمد بن محمّد بن يحيى في نوادر الحكمة.

و في الدعائم: قال علي صلوات اللّه عليه: «المضطرّ يأكل الميتة و كلّ محرّم إذا اضطرّ إليه» «3».

و في تفسير الإمام: قال: «قال اللّه سبحانه: فمن اضطرّ إلى شي ء من هذه المحرّمات فإنّ اللّه غفور رحيم ستّار لعيوبكم أيّها المؤمنون، رحيم بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرّمه في الرخاء» «4»، إلى غير ذلك من الروايات «5».

ثمَّ إنّه يحصل الاضطرار بخوف تلف النفس مع عدم التناول، أو خوف المرض الشاقّ الذي لا يتحمّل صاحبه عادة، أو خوف زيادة المرض، أو بطء برئه كذلك، أو

خوف لحوق الضعف المؤدّي إلى التلف أو المرض؛ كلّ ذلك لصدق العسر و الحرج و الضرر و الاضطرار معه عرفا.

______________________________

(1) انظر ص: 15، 16.

(2) الفقيه 3: 218- 1008، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 3.

(3) دعائم الإسلام 2: 125- 435.

(4) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 585، مستدرك الوسائل 16: 201 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 40 ح 5.

(5) انظر الوسائل 24: 214 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 21

و الظاهر إلحاق خوف تلف العرض أو المال المحترم بترك تناوله بما ذكر أيضا؛ لما ذكر.

و عن الشيخ في النهاية و الفاضل في المختلف «1» و جماعة «2»:

التخصيص بخوف تلف النفس؛ استنادا إلى الآيات السابقة. و إفادتها للتخصيص ممنوعة.

ثمَّ الاضطرار- كما ذكر- يحصل بالخوف الحاصل من العلم بالضرر و الظنّ؛ لصدق العسر و الحرج بالترك مع الظنّ، و كذا الاضطرار و الضرورة.

و أمّا مجرّد الوهم و الاحتمال فهو غير كاف في التحليل.

فروع:
أ: الحقّ المشهور: عدم الفرق بين المحرّمات في ذلك،

سواء الخمر و الطين و غيرهما؛ لعموم أكثر الأخبار المتقدّمة.

و خصوص موثّقة الساباطي في الخمر: عن الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا، قال: «يشرب منه قوته» «3».

و المرويّ في الدعائم: «إذا اضطرّ المضطرّ إلى أكل الميتة أكل حتى يشبع، و إذا اضطرّ إلى الخمر شرب حتى يروى، و ليس له أن يعود إلى ذلك حتى يضطرّ إليه» «4».

______________________________

(1) النهاية: 591، المختلف: 687.

(2) منهم القاضي في المهذّب 2: 433 و يحيى بن سعيد في الجامع: 390.

(3) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 378 أبواب الأشربة المحرّمة ب 36 ح 1.

(4) دعائم الإسلام 2: 125- 435، المستدرك 16: 201 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 40 ح 4.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 22

و مرسلة العلل: «و شرب الخمر جائز في الضرورة» «1».

و تؤيّده حلّية الميتة و الدم و لحم الخنزير- التي هي أشدّ حرمة و أغلظ من الخمر- عند الضرورة، و أهمّية حفظ النفس من سائر الواجبات.

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف، فقال: لا يجوز دفع ضرورة العطش و الجوع أو التداوي بشرب الخمر أصلا «2».

استنادا إلى ثبوت حرمتها في الكتاب، و عدم معارضة آيات الاضطرار لها؛ لتصدّرها بحرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير، فهي المباحة للمضطرّ.

و لا مقاومة [1] أخبار الحلّية لها؛ لأنّ كلّ خبر يخالف الكتاب فهو مردود.

و لرواية أبي بصير المرويّة في العلل: «المضطرّ لا يشرب الخمر، فإنّه لا تزيده إلّا شرها، و لأنّه إن شربها قتلته، فلا يشرب منها قطرة» قال:

و روي: «لا تزيده إلّا عطشا» «3».

و الجواب أولا: بأنّ استثناء المضطرّ أيضا ثبت من الكتاب، فإنّ الآية الأخيرة مطلقة، و كذا آيات نفي العسر و الحرج.

و ثانيا: أنّ خاصّ السنّة لا يعدّ مخالفا لعامّ الكتاب، و لذا يخصّص الثاني بالأول إذا كان خاصّا مطلقا، كما في المقام؛ إذ الموثّقة و رواية الدعائم خاصّان مطلقان، و كذا مرسلة العلل. و لا تعارضها رواية العلل؛ لأنّها معلّلة بما إذا كان المفروض خلافه.

و للمحكيّ عن بعض الأصحاب، فقال بعدم جواز دفع الضرورة

______________________________

[1] في «ح»: و لا تقاومه، و لعل الأنسب: و لا مقاومة لأخبار الحلّية لها.

______________________________

(1) علل الشرائع: 478- 1، الوسائل 25: 379 أبواب الأشربة المحرّمة ب 36 ذيل الحديث 4.

(2) المبسوط 6: 288، الخلاف 2: 545.

(3) علل الشرائع: 478- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 23

بالطين الأرمني، و الطين المختوم؛ لعموم أدلّة حرمة الطين «1». و جوابه

ظاهر.

ب: يحلّ للمضطرّ تناول قدر الضرورة من المحرّمات،

و هو ما يسدّ به الرمق إجماعا، و لا يجوز له تناول الزيادة على الشبع كذلك، و به فسّر بعضهم العادي في الآية المباركة، أي المتجاوز عن الحدّ، كما ذكره في المفاتيح «2». و الوجه في الحكمين ظاهر.

و كذا لو دعت الضرورة إلى الشبع، كما إذا كان في بادية و خاف أن لا يقوى على قطعها لو لم يشبع، أو احتاج إلى المشي، أو العدو و توقّف على الشبع.

و هل يجوز له أن يتجاوز عن سدّ الرمق إلى الشبع؟

ظاهر الأكثر: العدم. و هو مقتضى الأصل، و ظاهر رواية المفضّل المتقدّمة «3»، و فسّر بعضهم العادي به أيضا، كما نقله في الكفاية «4».

و الجواز مفاد رواية الدعائم المذكورة في الفرع الأول، حيث قال:

«حتى يروى» و لكنّها لا تصلح مقاومة للأولى المعتضدة بالأصل. و أمّا موثّقة الساباطي فتحتمل الأمران، فالحقّ هو الأول.

ج: قد أشرنا إلى أنّ التناول في محلّ الضرورة على وجه الوجوب؛

لأنّ تركه يوجب إعانته على نفسه و قد نهي عنه في الكتاب «5» و السنّة «6»،

______________________________

(1) انظر السرائر 3: 124.

(2) المفاتيح 2: 227.

(3) في ص: 15، 16.

(4) كفاية الأحكام: 254.

(5) البقرة: 195، النساء: 29.

(6) انظر الوسائل 29: 205 أبواب ديات النفس ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 24

و يدلّ عليه قوله: «فأمره» في رواية المفضّل، و كذا مرسلة الصدوق المتقدّمة.

د: لو لم يجد المضطرّ إلّا مال الغير

، فالغير إمّا مثله مضطرّ إليه، أو لا.

فعلى الأول: لا يجوز الأخذ منه ظلما إجماعا؛ لحرمة الظلم، و عدم مجوّز له إلّا الضرورة الحاصلة له أيضا، و هو أحد معاني الباغي المذكورة في الآية عند بعض المفسّرين «1».

و هل يجوز الأخذ منه بغير ظلم من التماس، أو دفع ثمن كثير و نحوهما؟

احتمل بعضهم: العدم؛ لأنّه إهلاك للغير لأجل إبقاء النفس «2».

و فيه نظر؛ لتعارض إهلاك أحد النفسين، فلا يحكم بتعيّن أحدهما إلّا بمعيّن، و ليس.

نعم، لو ارتكب لإبقاء أحدهما محرّما آخر- كظلم أو قتل- تعيّنت حرمته.

و هل يجوز لذلك الغير حينئذ الإيثار و اختيار الغير على النفس؟

قيل: لا؛ لأنّه إلقاء بيده إلى التهلكة «3».

و احتمل بعضهم: الجواز «4»؛ لقوله سبحانه وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ «5».

______________________________

(1) كالفخر الرّازي في التفسير الكبير 5: 14، الزمخشري في الكشّاف 1: 215.

(2) كما في كفاية الأحكام: 254.

(3) كفاية الأحكام: 254.

(4) كما في المسالك 2: 250.

(5) الحشر: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 25

و يردّ بحمله على ما إذا لم تؤدّ الخصاصة إلى الهلاكة.

و فيه: أنّه أعمّ من ذلك، كرواية السكوني: «من سمع مناديا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» «1».

كما أنّ الإلقاء إلى التهلكة أعمّ من إيجابه لإحياء الغير، فيتعارضان بالعموم من وجه، و يرجع

إلى أصل الجواز.

فالأظهر: الثاني، و الأظهر منه ما إذا استنقذ بالإيثار المتعدّد. كما أنّ الظاهر عدم جواز الإيثار لو لم يكن الغير مؤمنا؛ لما ورد في الأخبار من عدم مقابلة ألف من غير المؤمنين مع مؤمن واحد.

و على الثاني: فلا شكّ في وجوب البذل على ذلك الغير إجماعا؛ لأنّ في الامتناع منه إعانة على هلاك المحترم أو ضرره، و لرواية السكوني المتقدّمة.

و رواية فرات بن أحنف: «أيّما مؤمن منع مؤمنا شيئا ممّا يحتاج إليه، و هو قادر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه اللّه يوم القيامة مسودّا وجهه، مزرقّة عيناه، مغلولة يده إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان اللّه و رسوله، ثمَّ يؤمر به إلى النار» «2»، و غير ذلك من الروايات «3».

و بها يخصّص عموم مثل: «الناس مسلّطون على أموالهم» «4».

و الروايتان و إن اختصّتا بالمسلم و المؤمن، و لكنّ المعروف من

______________________________

(1) التهذيب 6: 175- 351، الوسائل 15: 141 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 59 ح 1.

(2) الكافي 2: 367- 1، المحاسن: 100- 71، الوسائل 16: 387 أبواب فعل المعروف ب 39 ح 1.

(3) انظر الوسائل 16: 387 أبواب فعل المعروف ب 39.

(4) غوالي اللئالي 1: 222- 99، و 2: 138- 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 26

كلامهم- كما في الكفاية «1»- ثبوت الحكم في الذمّي و المستأمن أيضا.

و هو حسن إن ثبت وجوب استنقاذهما من الهلاكة أيضا كما ثبت وجوب الاحتراز عن إهلاكهما، و إلّا ففي الحكم بالوجوب إشكال، و أشكل منه ما إذا أدّى الامتناع إلى ما دون الهلاكة.

و كما يجب على الغير البذل يجب على المضطرّ القبول، و الوجه ظاهر، بل له الأخذ قهرا لو

امتنع المالك و لو بالسرقة أو المقاتلة «2»؛ لأنّه مقدّمة الواجب الذي هو حفظ النفس، فيعارض دليل وجوبها دليل حرمته، و يرجع إلى الأصل، و لعموم المرويّ في تفسير الإمام المتقدّم في صدر المسألة «3». بل يجب؛ للنهي عن المنكر، و يجب على غيرهما مساعدة المضطرّ و معاونته فيه.

ثمَّ على جميع التقادير المذكورة إمّا لا يكون المضطرّ قادرا على الثمن عاجلا أو آجلا، أو يتمكّن منه.

فعلى الأول، يجب البذل على المالك و الأخذ على المضطرّ مجّانا.

و على الثاني، فإن بذله المالك مجّانا فلا كلام، و إلّا فلا يجب عليه البذل مجّانا و لا للمضطرّ الأخذ كذلك، بل يجب عليه بذل الثمن العاجل أو الآجل على حسب المقدور.

و لو بذله بثمن مؤجّل بأجل يعلم المضطرّ عدم القدرة في ذلك الأجل يجب عليه القبول، و إن لم يجب عليه الأداء في الأجل إلّا مع القدرة.

و هل الثمن الجائز للمالك أخذه و الواجب على المضطرّ بذله هو ثمن

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 254.

(2) في «س»: المقابلة.

(3) راجع ص: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 27

المثل، فلو أراد المالك الزائد عليه المقدور للمضطرّ لم يكن له ذلك و لم يجب على المضطرّ البذل؟

أو مطلقا، فللمالك مطالبة الزائد و يجب على المضطرّ بذله؟

الأقرب- كما في الكفاية «1» و غيره «2»، بل هو المشهور كما في شرح المفاتيح-: الثاني؛ لدفع الاضطرار بالتمكّن على الابتياع بثمن مقدور.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط، فقال: لو طلب منه المالك ما زاد عن ثمن مثله كان ظالما و لم يجب على المحتاج بذل الزائد؛ لأنّه مضطرّ إلى دفع الزيادة، فهو كمن اجبر على بذل ماله لغيره، فعلى المالك بذله بثمن المثل، و للمحتاج أخذه منه جبرا إن امتنع

بثمن مثله «3».

و فيه: أنّ اضطراره مع التمكّن من بذله ممنوع، فظلم المالك بمطالبته الزائد مدفوع بتسلّط الناس على أموالهم.

و لو أعطى المالك الطعام من غير ذكر العوض و الثمن، فالظاهر أنّه بغير عوض؛ للأصل، و الظاهر من العادة في بذل الطعام و الماء للمضطرّ.

و ينبغي ملاحظة القرائن و الحال من الطرفين و الطعام، فإن لم يكن فالمرجع الأصل.

و لو ادّعى المالك ذكر العوض و أنكره المحتاج فعلى المالك الإثبات؛ لحصول الإباحة قطعا، و أصالة عدم الذكر.

و إن ادّعى أنّه قصده و لم يظهره لم يجب على المحتاج العوض؛ لتسليطه على الإتلاف، و عدم تحقّق ما يوجب لزوم العوض، فإنّ القدر

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 254.

(2) كما في الشرائع 3: 330، الروضة البهية 7: 355.

(3) المبسوط 6: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 28

الثابت لزومه مع الإظهار دون القصد.

و منه يظهر عدم لزومه لو ثبت قصده بدون إظهاره، فإنّ إعطاء المالك مجوّز للإتلاف، و الأصل عدم توقّفه على شي ء آخر و لو قصده من غير إظهار، و معه فالأصل عدم الاشتغال بشي ء آخر.

و لو قدر المحتاج على الثمن و الزائد و لم يبذله المالك و أخذ منه قهرا أو خدعة أو سرقة لم يجب على المحتاج إلّا ثمن المثل، و الوجه ظاهر.

و يشعر كلام بعضهم بعدم لزوم ثمن المثل حينئذ؛ لأنّه ليس بغاصب و لا مشتر، بل أكل ما يجوز له أكله، بل يجب من غير تقويم، و الأصل عدم اشتغال الذمّة بالثمن.

و فيه نظر؛ إذ لا نصّ على إباحة الإتلاف حتى يعمل بأصالة عدم التقييد كما في الصورة السابقة، بل المبيح الإجماع و الضرورة، فيكتفى فيه بالقدر المتيقّن.

و لا يتوهّم أنّه على ذلك يجب عليه

ما يرضى به المالك أو يقدر عليه دون ثمن المثل؛ لأنّه ينافي أدلّة الضرر، كما يأتي في ذيل الفرع اللاحق.

ه: لو وجد المضطرّ مال الغير و لم يكن الغير حاضرا فلا شكّ في جواز أخذه.

و هل يشترط إذن الحاكم لو وجد، و العدول لو لم يوجد، أم لا؟

الظاهر أنّه إن كان الغائب ممّن ثبتت ولايته للحاكم و العدول وجب؛ لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و إلّا فلا.

فإن كان ممّا يأخذه بإذن الحاكم أو العدول يأخذه على حسب إذنهم من التقويم و قدر القيمة، و إن كان ممّا يأخذه بنفسه يجب عليه التقويم بنفسه؛ لأنّه القدر الثابت جوازه من الشريعة، فإنّ الأصل عدم جواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 29

التصرّف في مال الغير بدون إذنه، و لم يثبت الجواز هنا بدون التقويم؛ إذ لا نصّ على إباحة الإتلاف هنا، بل المبيح الإجماع و الضرورة، فيكتفى فيه بالمتيقّن.

و منه تظهر التفرقة بين ذلك و بين ما مرّ في الفرع السابق.

ثمَّ التقويم الواجب هل هو بثمن المثل، أو بكلّ ما يعلم رضا المالك به و لو زاد عن الثمن بالقدر المقدور، أو كلّما يقدر عليه؟

مقتضى الأصل: أحد الأخيرين، و لكن أدلّة نفي الضرر و الإضرار تثبت الأول، و لا يعارضه حديث: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1»؛ إذ ليس هناك صاحب مال حاضر.

و منه يظهر الفرق بين ذلك و بين ما إذا كان ذو المال حاضرا و طلب الزائد عن ثمن المثل.

و: لو وجد المضطرّ مال الغير و الميتة و نحوها من الدم و لحم الخنزير و المسكر

، فإن بذله المالك بغير عوض أو بعوض مقدور عاجلا أو آجلا تعيّن أكل مال الغير؛ لعدم الاضطرار و لو زاد الثمن عن ثمن المثل. إلّا إذا كان بقدر يضرّ بحاله فلا يتعيّن؛ لأدلّة نفي الضرر.

و إن لم يبذله المالك، أو من قام مقامه، أو كان غائبا، فالحقّ التخيير؛ لوجوب أحد الأمرين بالاضطرار، و عدم المعيّن.

و قد يرجّح أكل الميتة بل يعيّن؛ لأنّه أبيح للمضطرّ بنصّ القرآن «2» دون أكل مال

الغير، فهو إن كان مضطرّا تباح له الميتة كالمذكّى، فلا يكون مضطرّا إلى مال الغير، و إن لم يكن مضطرّا فلا يباح له شي ء منهما، و مع

______________________________

(1) غوالي اللئالي 1: 222- 99، و ج 2: 138- 383، البحار 2: 272- 7.

(2) النحل: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 30

ذلك فليس في أكل الميتة إلّا حقّ اللّه الساقط بإباحته، و في أكل مال الغير حقّ اللّه و حقّ الناس و لزوم الثمن المخالف للأصل.

و فيه: أنّ مع إمكان أكل مال الغير لا نسلّم أنّه مضطرّ إلى الميتة، فلا يشمله نصّ القرآن، بل هو مضطرّ إلى أحد المحرّمين، فيباح أحدهما مخيّرا؛ بالإجماع و الضرورة، و يسقط حقّ الناس بلزوم الثمن، و مخالفة الأصل لازم على كلّ حال، و الأكثريّة في طرف لا يؤثّر في التعيين عندنا.

و قد يرجّح أكل مال الغير، بتضمّن أكل الميتة؛ لتنفّر الطبع الموجب للخباثة، و للضرر الذي هو علّة تحريمها، و لأكل النجس، و حرمتها بنفسها، بخلاف مال الغير، فإنّه لا يتضمّن إلّا الأخير.

و فيه: أنّ أكثريّة سبب الحرمة في طرف لا يوجب تعيين غيره إذا كان هو أيضا محرّما؛ مع أنّه أيضا قد يوجب الإضرار بالغير المنفيّ شرعا كما إذا لم يقدر على الثمن، أو بالمضطرّ كما إذا قدر عليه، و قد تكون الميتة ممّا لا تنفّر فيها، و الضرر فيها بمرّة واحدة احتمالي و في مال الغير قطعي.

ز: قد خصّ الكتاب العزيز إباحة المحرّم للمضطرّ بما إذا لم يكن باغيا و لا عاديا «1».

و قد اختلفوا في تفسيرهما، و قد عرفت تفسير بعضهم الأول بمن يأخذ من مضطرّ مثله، و الثاني بمن يأكل الزائد عن قدر الشبع، أو الزائد عن

قدر الضرورة.

و فسّر الأول في مرسلة البزنطي بالباغي على الإمام، و الثاني بقاطع

______________________________

(1) انظر النحل: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 31

الطريق «1».

و في روايتي عبد العظيم «2» و حمّاد «3» فسّر الأول بالذي يبغي الصيد بطرا و لهوا، و الثاني بالسارق.

و المرويّ في المجمع الأول بالباغي، و الثاني بالعادي بالمعصية طريق المحقّين «4».

و في تفسير الإمام الأول بالباغي، و الثاني بالقول بالباطل في نبوّة من ليس بنبي و إمامة من ليس بإمام «5».

و في معاني الأخبار الأول بباغي الصيد، و الثاني باللّص «6».

و في المرويّ في تفسير العيّاشي الأول بالخارج على الإمام، و الثاني باللّص. و فيه أيضا الأول بالظالم، و الثاني بالغاصب «7».

و لا تنافي بين الروايات؛ لجواز كون المراد من اللفظين المعاني كلّا، فيحملان عليها جميعا، و لا يضرّ ضعف الروايات بعد وجودها في الأصول المعتبرة. و أمّا غير المعنيين الواردين في النصّ فلا اعتبار به.

و أمّا غير المتجانف لإثم فمعناه- كما أشير إليه-: غير مائل إلى إثم في

______________________________

(1) الكافي 6: 265- 1، معاني الأخبار: 213- 1، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 5.

(2) الفقيه 3: 216- 1007، التهذيب 9: 83- 354، الوسائل 24: 214 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 1.

(3) التهذيب 9: 78- 334، الوسائل 24: 215 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 2.

(4) مجمع البيان 1: 257، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 6.

(5) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 585، مستدرك الوسائل 16: 201 أبواب الأطعمة المحرمة ب 40 ح 5.

(6) معاني الأخبار: 214.

(7) تفسير العياشي 1: 74- 154 و 151، المستدرك 16: 200، 201 أبواب الأطعمة المحرمة ب 40 ح 1،

2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 32

الأكل؛ بأن يأكل زيادة على الحاجة، أو للتلذّذ، أو يتعمّد في الأكل من غير حاجة. و يحتمل أن يكون المعنى: غير عاص بسفره.

ح: ظاهر الآيات المبيحة للمحرّمات للمضطرّ «1» و أكثر رواياتها «2» و إن اختصّ بإباحة أكل ما حرّم أكله

للمضطرّ، إلّا أنّ مقتضى عموم تفسير الإمام المتقدّم «3» و أدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر: إباحة كلّ محرّم للمضطرّ في الأكل و الشرب من غير اختصاص بإباحة ما يحرم أكله و شربه، و لذا أبيح مال الغير، مع أن التصرّف فيه و الأخذ منه و إجباره محرّم أيضا.

و على هذا، فتباح بالاضطرار إلى الأكل و الشرب الأفعال المحرّمة لو توقّف عليها، كما لو وجدت امرأة دفع اضطرارها بالتمكين من بضعها، أو شرب خمر، أو ترك صلاة؛ بأن لا يبذل المالك قدر الضرورة إلّا بأحد هذه الأفعال، فتباح هذه الأفعال، لمعارضة أدلّة حرمتها مع أدلّة المضطرّ، فيرجع إلى الأصل.

و هل يجب ارتكاب المحرّم حينئذ؟

فيه نظر؛ إذ لا دليل عليه، إلّا إذا أدّى الاضطرار إلى هلاك النفس، فإنّ الظاهر انعقاد الإجماع على تقدّم حفظه على سائر الواجبات.

و منه يظهر جواز أكل الميّت الآدمي، و قتل الحيّ الحربي. و أمّا الذمّي و المستأمن فلا يجوز؛ لتعارض أدلّة نفي الضرر و الحرج من الطرفين، و عدم صلاحيّة المرويّ في التفسير خاصّة لإباحة المحرّمات.

و منه يظهر عدم جواز أخذ قطعة من لحم حيّ مسلم، كلحم فخذه.

______________________________

(1) انظر الأنعام: 119، المائدة: 3، النحل: 115.

(2) انظر الوسائل 24: 99، 214 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1، 56.

(3) في ص: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 33

و بالجملة: المناط- في غير ما تجري فيه أدلّة إباحة ما حرم أكله أو شربه للمضطرّ- أدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر، و جريانها

موقوف على عدم جريانها في الطرف الآخر أيضا، فتأمّل.

المسألة السابعة: يستثنى من الأصول الأربعة و من كلّ محرّم أيضا ما إذا دعت إلى تناوله التقيّة

؛ للإجماع، و أدلّة وجوب التقيّة «1». و يجب الاقتصار فيه على قدر التقيّة.

و أمّا ما ورد في مرسلة زرارة: في المسح على الخفّين تقيّة؟ قال:

«لا يتّقى في ثلاث» قلت: و ما هنّ؟ قال: «شرب الخمر» أو قال: شرب المسكر «و المسح على الخفّين، و متعة الحجّ» «2»، فإنّما يدلّ على عدم اتّقائهم عليهم السّلام، فلعلّه كان لعلمهم بأنّه لا يترتّب عليه ضرر في حقّهم، أو لأنّه كان اجتناب هذه الأمور منهم معروفا مشهورا عند الناس، بحيث لا تؤثّر فيها التقيّة، أو لا يطلب منهم.

و أمّا رواية سعيد: «ليس في شرب النبيذ تقيّة» «3» فلعلّ المراد منه:

النبيذ الحلال، أو المراد- بل هو الظاهر-: أنّ التقيّة إنّما تكون فيما يتّقى فيه عن المخالفة في المذهب، فيرتكب ما يوافق مذهبهم إخفاء لمذهبه و لو لم يكرهوه عليه، و شرب النبيذ حرام عند الكلّ، فلا معنى للتقيّة فيه؛ لأنّه موافق لمذهبهم «4».

______________________________

(1) انظر الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 25.

(2) الكافي 6: 415- 12، التهذيب 9: 114- 495، الوسائل 25: 350 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 1.

(3) الكافي 6: 414- 11، التهذيب 9: 114- 494، الوسائل 25: 351 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 2.

(4) كما في بداية المجتهد 1: 471.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 34

نعم، لو اكره عليه فهو أمر آخر غير التقيّة، و قد رفع عن أمّته ما استكرهوا عليه. و بذلك يمكن الجواب عن الرواية الاولى و ما بمعناهما أيضا.

المسألة الثامنة: و استثني من الأصول الثلاثة الاولى- بل من كلّ محرّم أيضا- ما اضطرّ إليه للتداوي

اشاره

و الخلاص من الأمراض، فاستثناه جماعة مطلقا إذا انحصر الدواء فيه و لم تكن مندوحة منه، اختاره القاضي و الحلّي و الدروس و الكفاية «1»، و إطلاق

كلام الثاني أيضا محمول على عدم المندوحة عنه.

و منع جماعة عن التداوي بالخمر، بل كلّ مسكر، و نسبه المحقّق الأردبيلي و في الكفاية و المفاتيح و شرحه إلى المشهور «2»، و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه «3»، بل ذكر الأول الخلاف و المنع من التداوي بالنسبة إلى سائر المحرّمات أيضا.

و فصّل الفاضل في المختلف و الشهيد الثاني و صاحب المفاتيح و شارحه، فجوّزوا التناول و المعالجة مع خوف تلف النفس مطلقا، و منعوا فيما دونه عن المسكرات أو كلّ محرّم «4».

دليل الأول: صدق الاضطرار و الضرورة المجوّزين للتناول- كما مرّ- مع توقّف العلاج عليه، و أدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر و الضرار، و رواية

______________________________

(1) القاضي في المهذب 2: 433، الحلّي في السرائر 3: 132 لكن ظاهر كلامه الاختصاص بخوف تلف النفس فراجع، الدروس 3: 25، كفاية الأحكام: 254.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 319، كفاية الأحكام: 254، المفاتيح 2: 228.

(3) الخلاف 2: 545.

(4) المختلف: 687، الشهيد الثاني في المسالك 2: 251، المفاتيح 2: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 35

المفضّل و الرضوي المتقدّمة «1»، و فحوى موثّقة الساباطي السابقة «2»، و رواية سماعة المرويّة في طبّ الأئمّة: عن رجل كان به داء فأمر بشرب البول، فقال: «لا يشربه» فقلت: إنّه مضطرّ إلى شربه، [قال: «إن كان مضطرّا إلى شربه ] و لم يجد دواء لدائه فليشرب بوله، و أمّا بول غيره فلا» «3».

و حجّة الثاني: عمومات حرمة المسكرات أو مع سائر المحرّمات كتابا «4» و سنّة «5»، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: عن دواء عجن بالخمر، فقال: «لا و اللّه، ما أحبّ أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به؟! إنّه بمنزلة شحم الخنزير» أو لحم

الخنزير «و إنّ أناسا ليتداوون به» «6»، و قريبة منها الأخرى «7».

و رواية أبي بصير، و فيها- بعد السؤال عمّا وصف للسائلة أطبّاء العراق لدفع قراقر بطنها من النبيذ بالسويق-: «لا و اللّه، لا آذن لك في قطرة منه، فلا تذوقي منه قطرة، فإنّما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا»، و أومأ بيده إلى حنجرته، يقولها ثلاثا: «أ فهمت؟» قالت: نعم «8».

______________________________

(1) في ص: 15 و 16.

(2) في ص: 21.

(3) طب الأئمّة: 61، الوسائل 25: 346 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 8. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(4) البقرة: 219، المائدة: 90 و 91.

(5) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1، و أيضا ج 25: 296 أبواب الأشربة المحرّمة ب 9.

(6) الكافي 6: 414- 4، التهذيب 9: 113- 490، الوسائل 25: 345 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 4.

(7) طب الأئمّة: 62، الوسائل 25: 346 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 10.

(8) الكافي 6: 413- 1، الوسائل 25: 344 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 36

و رواية ابن أسباط: إنّ بي- جعلت فداك- أرواح البواسير و ليس يوافقني إلّا شرب النبيذ، فقال له: «مالك و لما حرّم اللّه و رسوله» الحديث [1].

و صحيحة ابن أذينة: عن الرجل يبعث له الدواء من ريح البواسير و يشربه بقدر سكرّجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللّذة و إنّما يريد به الدواء، فقال: «لا و لا جرعة» ثمَّ قال: «إن اللّه لم يجعل في شي ء ممّا حرّم شفاء و لا دواء» [2].

و رواية قائد بن طلحة: عن النبيذ يجعل في الدواء، قال: «ليس لأحد أن يستشفي بالحرام» «1».

و المرويّ

في رجال الكشّي عن ابن أبي يعفور: قال: إذا أصابته هذه الأوجاع، فإذا اشتدّت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه، فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبره بوجعه و أنّه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه، فقال له: «لا تشربه» فلمّا أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه، فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب عنه سكن، فعاد إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

[1] الكافي 6: 413- 3، التهذيب 9: 113- 489، الوسائل 25: 344 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 3.

و الأرواح: جمع ريح و تجمع على أرياح قليلا و على رياح كثيرا- انظر النهاية 2:

272.

[1] الكافي 6: 413- 2، الوسائل 25: 343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 1.

و السكرّجة: إناء صغير يؤكل فيه الشي ء القليل من الأدم، و هي فارسية- انظر مجمع البحرين 2: 310.

______________________________

(1) الكافي 6: 414- 8، طب الأئمّة: 62، الوسائل 25: 345 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 37

فأخبره بوجعه و شربه، فقال: «يا ابن أبي يعفور، لا تشرب فإنّه حرام، إنّما هو الشيطان موكّل بك و لو قد يئس منك ذهب» فلمّا رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشدّ ممّا كان فأقبل أهله عليه، فقال لهم: و اللّه ما أذوق منه قطرة أبدا، فآيسوا منه أهله، و كان يهمّ «1» على شي ء و لا يحلف، فلمّا سمعوا آيسوا منه و اشتدّ به الوجع أيّاما ثمَّ أذهب اللّه به عنه، فما عاد إليه حتى مات رحمه اللّه [1].

و مستند الثالث: أدلّة الأول، مضافة إلى النهي عن إلقاء النفس إلى التهلكة و قتلها.

قال اللّه سبحانه وَ لا تَقْتُلُوا

أَنْفُسَكُمْ «2».

و قال وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ «3».

و وجوب حفظها عقلا و نقلا، و كون محافظتها مقدّمة على أكثر الواجبات.

أقول: لا شكّ أنّ أخبار المنع- التي هي حجّة الثاني- كلّها عامّة بالنسبة إلى الاضطرار و العسر و الضرر و عدمها، بل بالنسبة إلى المندوحة عنه و عدمها.

و أدلّة الجواز منها أخصّ مطلقا من ذلك، من جهة اختصاصها بالضرورة و الخمر، كالموثّقة و رواية الدعائم و مرسلة العلل «4»، الموافقة لعمومات الكتاب من قوله سبحانه إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ «5» و ما نفى

______________________________

[1] رجال الكشي 2: 516- 459. و الحسوة: الجرعة من الشراب- مجمع البحرين 1: 99.

______________________________

(1) في النسخ: يتهم، و ما أثبتناه من المصدر.

(2) النساء: 29.

(3) الإسراء: 33.

(4) المتقدّمة في ص: 21 و 22.

(5) الأنعام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 38

العسر و الحرج. فيجب تخصيص أدلّة المنع بها.

و منها ما يختصّ بالمضطرّ و إن عمّ المسكر و غيره، فيتعارضان بالعموم من وجه، فلو لم ترجّح أدلّة الجواز بالأكثريّة و موافقة الاعتبار و الأصرحيّة يرجع إلى الأصل الأولي، و هو مع الجواز، فإذن الحقّ هو الأول.

و قد يجمع بين الأخبار بحمل المجوّزة على حال الضرورة و توقّف السلامة، و المانعة على جلب المنفعة و طلب التقوية و بقاء الصحّة و رفع الأمراض الجزئيّة، و هو راجع إلى ما ذكرنا أيضا.

بقي الكلام فيما صرّح بأن اللّه سبحانه لم يجعل فيما حرّم شفاء و لا دواء، فإنّه يدلّ على انتفاء حصول الاضطرار للتداوي بالمحرّمات، و يستلزم انتفاء موضوع أدلّة القولين الآخرين.

قلنا: هذا كلام في الموضوع دون المسألة، فإنّها فرضت فيما إذا أدّى الاضطرار إليه.

و لتحقيق الموضوع نقول: إنّه و إن ورد

في الأخبار ذلك، إلّا أنّه يخالف ما يشاهد بالتجربة من المنافع في بعض المحرّمات، و تطابقت عليه كلمات الأطبّاء الحذّاق.

و جمع بعضهم بينهما بأنّ التحريم مرتفع مع الضرورة، فيصدق أنّ اللّه سبحانه لم يجعل فيما حرم شفاء؛ لأنه حينئذ حلال «1».

و فساده ظاهر؛ لتوقّف نفي التحريم حال الضرورة على وجود الشفاء فيه، و النصّ يدلّ على انتفاء الشفاء فيه حتى يضطرّ إليه.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 4: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 39

و قيل: إن الشفاء المنفيّ عن المحرّمات إنّما هو شفاء الأمرضة الروحانيّة «1».

و هو تأويل بعيد غايته؛ لورود الخبر مورد الأمراض الجسمانيّة.

و يمكن الجمع بأن يقال: لا شفاء في المحرّم، و ما نشاهده إنّما هو مستند إلى أمر آخر اتّفق مقارنته مع تناول المحرّم.

و لكنّه أيضا بعيد، سيّما مع أقوال الأطبّاء المستندة إلى آثار الطبائع و الخواصّ، و ظاهر قوله سبحانه وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «2».

و الأولى في الجمع أن يقال: إنّ المراد- و اللّه أعلم- أن اللّه لم يجعل في الحرام شفاء و لا دواء، أي لم يجعله و لم يقرّره للشفاء حتى انحصر الأمر فيه و كان الشفاء و الدواء منحصرا به حتى يكون مجعولا و مقرّرا لذلك، بل لكلّ مرض يداوي بالمحرّم له علاج آخر أيضا، و لكنّه لا ينفي الاضطرار إلى المحرّم؛ لجواز أن لا نعلم ذلك الدواء الآخر و لا نهتدي إليه، فنضطرّ إلى الحرام.

ثمَّ إنّه- كما ذكرنا- لا بدّ في جواز التداوي بالمحرّم من أمور ثلاثة:

أحدها: العلم بحصول العلاج به.

و ثانيها: العلم بانحصار المعلوم من العلاج و الدواء فيه. و الظاهر كفاية الظنّ الغالب فيهما؛ لحصول العسر و الضرر بالترك. و المعتبر علم المريض أو ظنّه،

سواء حصل بالتجربة من حاله أو قول الأطبّاء، دون علم غيره أو ظنّه و لو كان طبيبا.

و ثالثها: كون المرض ممّا يعدّ ضررا و تحمّله كان شاقّا و حرجا، عرفا

______________________________

(1) كما في المفاتيح 2: 227.

(2) البقرة: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 40

و عادة.

فرع: لو علم الطبيب بانحصار العلاج في المحرّم، و أخبر به المريض

و لم يحصل له ظنّ بقوله لعدم معرفته بحاله، فلا يجوز للمريض التناول بنفسه، و يجوز بل قد يجب على الطبيب إكراهه عليه لو تمكّن.

المسألة التاسعة: و ممّا يستثنى أيضا من الأصل الرابع: الأكل مع عدم العلم بالإذن من بيوت من تضمّنته الآية

اشاره

الشريفة في سورة النور:

وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً «1».

فإنّه يجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم و غيبتهم و إن لم يعلم رضاهم و إذنهم به، و لا أعرف في ذلك الحكم خلافا؛ و تدلّ عليه الأخبار كما يأتي، و في المرويّ في محاسن البرقي في هذه الآية: بإذن و بغير إذن «2».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    41     المسألة التاسعة: و مما يستثنى أيضا من الأصل الرابع: الأكل مع عدم العلم بالإذن من بيوت من تضمنته الآية ..... ص : 40

اشترطوا في جواز الأكل منها: عدم العلم بكراهتهم، فلو علمت لا يجوز الأكل منها و لو كان العلم حاصلا بالقرائن الحاليّة، و لا أعرف في اشتراط ذلك خلافا، و ادّعى بعض مشايخنا المعاصرين الإجماع عليه ظاهرا «3»، إلّا أنّه نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور، و هو يشعر بوجود المخالف، أو عدم حصول العلم بالإجماع.

______________________________

(1) النور: 61.

(2) المحاسن: 415- 171، الوسائل 24: 283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 7.

(3) كما في الرياض 2: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 41

و استدلّ له بعضهم بالجمع بين الآية و بين سائر الأدلّة.

و هو غير جيّد؛ إذ لا دليل على ذلك الجمع، و لا ريب أنّه

أحوط.

و كيف كان، فلا يمنع ظنّ الكراهة من الأكل على الأقوى، وفاقا لتصريح جمع من المتأخّرين «1»، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر، حيث قال: و قيّدت في المشهور بما إذا لم تعلم كراهتهم؛ لإطلاق الكتاب و السنّة المستفيضة، بل تصريح بعضها بجواز الأكل من غير إذن، الشامل لصورة الظنّ بعدمه «2».

و احتمل المحقّق الأردبيلي اشتراط عدم الظنّ القوي أيضا، بل جعله ظاهرا «3».

و لا أرى له دليلا، و إن كان بالاحتياط أوفق.

و لا فرق في الحكم بين كون دخول البيت بإذنهم و عدمه على الأقوى، وفاقا للأكثر؛ عملا بالإطلاقات.

خلافا للحلّي، فقيّد الدخول بالإذن، و حرّم الأكل مع الدخول بدونه «4». و مال إليه صاحب التنقيح «5».

لأنّ الأكل يستلزم الدخول، الذي هو بغير الإذن غير جائز، و النهي عن اللازم نهي عن ملزومه.

و للأصل، فيقتصر فيه على المتيقّن.

و لأنّ إذن الدخول قرينة على إذن الأكل، و حيث لا إذن لا قرينة

______________________________

(1) منهم المحقّق السبزواري في الكفاية: 253 و صاحب الرياض 2: 297.

(2) انظر الوسائل 24: 280 أبواب آداب المائدة ب 24.

(3) مجمع الفائدة 11: 305.

(4) كما في السرائر 3: 124.

(5) التنقيح 4: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 42

فلا يجوز.

و يردّ الأول: بمنع الاستلزام أولا، و إنّما هو إذا كان يقول: في بيوتكم، الآية. و منع استلزام حرمة اللازم لحرمة الملزوم مطلقا، و إنّما هو فيما يكون التلازم جهة الترتّب دون التوقّف.

و الثاني: بأنّ الأصل بعد الدليل المزيل غير ملتفت إليه.

و الثالث: بأنّه مرجعه أيضا إلى أصالة عدم الجواز اللازم رفع اليد عنها بما ذكر.

و كذا لا فرق في المأكول بين ما يخشى فساده في يومه و بين غيره؛ لما ذكر،

مضافا إلى بعض المعتبرة:

كرواية زرارة: «هؤلاء الذين سمّى اللّه تعالى في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر و المأدوم، و كذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه، فأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا» [1].

و المرويّ في المحاسن: ما يحلّ للرجل من بيت أخيه؟ قال:

«المأدوم و التمر» الحديث «1». و لا شكّ أنّ التمر ممّا لا يخشى فساده.

و الرضوي: «و لا بأس للرجل أن يأكل من بيت أخيه و أبيه و امّه و صديقه ما لا يخشى عليه الفساد من يومه، مثل: البقول و الفاكهة و أشباه ذلك» «2».

______________________________

[1] الكافي 6: 277- 2، التهذيب 9: 95- 413، المحاسن: 416- 175، الوسائل 24: 281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 2.

و الإدام: ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا، و أدمت الخبز و أدمته باللغتين: إذا أصلحت إساغته بالإدام- مجمع البحرين 6: 6.

______________________________

(1) المحاسن: 416- 173، الوسائل 24: 282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 6.

(2) فقه الرضا «ع»: 355، المستدرك 16: 242 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1 و فيهما: ما لا يخشى عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 43

خلافا للمحكيّ عن شاذ «1»؛ و مستنده غير واضح، سوى ما في تفسير علي: لمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و آخى بين المسلمين من المهاجرين و الأنصار، قال: فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سريّة يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين و يقول له: خذ ما شئت و كل ما شئت، فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربّما فسد الطعام في البيت، فأنزل اللّه سبحانه لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ

أَشْتاتاً يعني: إن حضر صاحبه أو لم يحضر «2».

و لا يخفى أنّه لا دلالة له على التخصيص، و مع ذلك لم يسنده إلى رواية.

فروع:
أ: مقتضى الإطلاقات كتابا و سنّة: جواز تناول كلّ مأكول من البيوت المذكورة

، و يظهر من بعضهم الميل إلى الاختصاص بما يعتاد أكله و شاع، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالبا و لا يؤكل شائعا؛ لانصراف المطلق إلى ذلك. و هو أحوط لو لم يكن كذلك.

و كيف كان، لا يختصّ بما مرّ ذكره في الأحاديث المتقدّمة من التمر و المأدوم و البقول و الفواكه؛ لعدم صلاحيّتها للتخصيص.

أمّا رواية زرارة، فلاحتمال كون قوله: «ما خلا ذلك» إشارة إلى طعام بيوت المذكورين و منزل الزوج دون التمر و المأدوم، مع عدم صراحتها في حرمة المستثنى و احتمال المرجوحيّة؛ لعدم مصرّح بالتحريم.

______________________________

(1) انظر المقنع: 125، و حكاه في الروضة 7: 342 عن ابن إدريس.

(2) تفسير القمّي 2: 109، الوسائل 24: 283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 44

و أمّا رواية المحاسن، فلعدم دلالتها على عدم حلّية غيرهما إلّا بمفهوم اللقب، و هو ليس بحجّة.

و أمّا الرضوي، فلاحتمال كون البقول و الفاكهة مثالا لما يخشى فساده، مضافا إلى عدم حجّيته، بل و كذلك رواية المحاسن.

ب: النصّ و إن اختصّ بالأكل لكنّهم عمّموه بالنسبة إلى الشرب أيضا

ممّا يتعارف شربه، سيّما مثل الماء؛ لفحوى ما دلّ على جواز الأكل.

و فيه تأمّل، و الاقتصار فيه على ما يعلم رضا صاحب البيت بشاهد الحال طريق النجاة.

ج: يختصّ الجواز بالأكل من بيوت المذكورين، فلا يتعدّى إلى ما في غيرها

من الأمكنة؛ للأصل. و بما إذا كان المأكول بنفسه في البيوت، فلا يتعدّى إلى شرائه من غير البيت بثمن يؤخذ من البيت؛ للاقتصار فيما يخالف الأصل على القدر المتيقّن، و يمكن استفادتهما من قوله: «ما خلا ذلك» في رواية زرارة أيضا.

د: المراد ب بُيُوتِكُمْ : بيت الآكل

؛ لأنّه حقيقة.

قيل: يمكن أن تكون النكتة في ذكرها- مع ظهور الإباحة- التنبيه على مساواة ما بعده له في الإباحة، و أنّه ينبغي جعل المذكورين كالنفس «1».

و قد يقال: إنّ النكتة بيان حلّية أكل ما يوجد فيها و إن لم يعرف مالكه.

و قيل: بيت الأزواج و العيال «2».

و قيل: بيت الأولاد «3»؛ لأنّهم لم يذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى

______________________________

(1) كما في الروضة البهية 7: 343.

(2) كما في مجمع البيان 4: 156، التفسير الكبير 24: 36، الكشّاف 3: 257.

(3) كما في تفسير الصافي 3: 448، و حكاه في التفسير الكبير 24: 36 عن ابن قتيبة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 45

منهم، و لأنّ ولد الرجل بعضه و نسخته و حكمه حكمه، و هو و ماله لأبيه- كما في الحديث «1»- فجائز نسبته إليه، و في آخر: «أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، و إنّ ولده من كسبه» «2».

و منه يظهر وجه آخر لإلحاق الأولاد بالأقارب فيما ذكر، و هو الأولويّة، و كذا يظهر وجه لصحّة إلحاق الأجداد و الجدّات؛ لأقربيّتهم من الأعمام و الأخوال، مع إمكان إدخالهم في الآباء و الأمّهات.

و المراد بما ملكتم مفاتحه: ما يكون وكيلا عليها و فيما يحفظها، كما صرّح به في مرسلة ابن أبي عمير: في قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ قال: «الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه» «3»، و

يدلّ عليه ما مرّ من تفسير علي.

و قيل: هو بيت العبد؛ لأنّه و ماله لمولاه «4».

و قيل: من له عليه ولاية «5».

و لا بأس بهما؛ لصدق اللفظ، و عدم منافاة الروايتين، فيكون الجميع مرادا.

و قيل: ما يجد الإنسان في داره و لا يعلم به.

و قيل: بيت الولد «6».

و المرجع في الصديق إلى العرف.

______________________________

(1) التهذيب 5: 15- 44، الوسائل 11: 91 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 36 ح 1.

(2) مستدرك الوسائل 13: 9 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 12، بتفاوت يسير.

(3) راجع ص: 43.

(4) كما في الروضة البهية 7: 344.

(5) كما في المسالك 2: 247، الرياض 2: 298.

(6) انظر المسالك 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 46

ه: لا فرق في الإخوة و الأخوات بين كونهم للأبوين أو لأحدهما؛

للعموم، و كذلك الأعمام و الأخوال.

و هل يختصّ بالنسبي، أو يتعدّى إلى الرضاعي أيضا؟

الظاهر: الأول؛ للتبادر، و منع الصدق الحقيقي اللغوي، و منع حصول الحقيقة الشرعيّة.

و: الحلّية تختصّ بالأكل بنفسه

، فلا يجوز حمل شي ء منها، و لا الإذن للغير في الأكل؛ للأصل.

ز: اختلفت الروايتان في جواز تصدّق المرأة عن بيت زوجها بغير إذنه.

ففي رواية جميل: «للمرأة أن تأكل و أن تتصدّق، و للصديق أن يأكل من منزل أخيه و يتصدّق» «1».

و في رواية علي: عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟

قال: «لا، إلّا أن يحلّلها» «2».

و يمكن الجمع بوجوه. و الأولى في الجمع ما دلّت عليه موثّقة ابن بكير: عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه، قال:

«المأدوم» «3»، فيخصّص بالتصدّق و منه بالمأدوم، و عليه الفتوى. و الظاهر الاختصاص بما إذا لم يقارب صريح النهي، أو العلم بالكراهة.

______________________________

(1) الكافي 6: 277- 3، التهذيب 9: 96- 417، المحاسن: 416- 174، الوسائل 24: 281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 3.

(2) التهذيب 6: 346- 974، مسائل علي بن جعفر: 158- 231، الوسائل 17:

270 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 1.

(3) الكافي 5: 137- 2، التهذيب 6: 346- 973، الوسائل 17: 270 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 47

المسألة العاشرة: و ممّا يستثنى أيضا من الأصل الرابع: ما يمرّ به الإنسان من ثمر النخل و الشجر أو المباطخ أو الزرع،

اشاره

فيجوز الأكل منه، استثناه جماعة من المتقدّمين «1» و المتأخّرين «2»، و ادّعي الشهرة عليه مستفيضة.

و قيل: لم نقف على مخالف من قدماء الأصحاب إلّا ما يحكى عن السيّد «3». و قيل: كاد أن يكون من القدماء إجماعا «4». بل عن الخلاف و السرائر الإجماع عليه «5».

و مستنده: المستفيضة من الأخبار، كمرسلة ابن أبي عمير: عن الرجل يمرّ بالنخل و السنبل و الثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: «لا بأس» «6».

و مرسلة الفقيه: «من مرّ ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها، و لا يحمل منها شيئا» «7».

و رواية ابن سنان: «لا بأس بالرجل يمرّ

على الثمرة و يأكل منها و لا يفسد، قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارّة» قال: «و كان إذا بلغ نخله أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارّة» «8».

______________________________

(1) منهم الصدوق في المقنع: 124، الشيخ في النهاية: 370 و المبسوط 6: 288، ابن إدريس في السرائر 3: 126.

(2) كما في الشرائع 2: 55، التذكرة 1: 510، كفاية الأحكام: 253.

(3) انظر الرياض 1: 558.

(4) كما في الرياض 1: 558.

(5) الخلاف 2: 546، السرائر 3: 126.

(6) التهذيب 7: 93- 393، الاستبصار 3: 90- 306، الوسائل 18: 226 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 3.

(7) الفقيه 3: 110- 464، الوسائل 18: 228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 8.

(8) الكافي 3: 569- 1، الوسائل 9: 203 أبواب زكاة الغلات ب 17 ح 1، و ج 18: 229 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 48

و مثلها رواية أبي الربيع، إلّا أن زاد فيها: «و لا يحمل» بعد قوله:

«لا يفسد» «1».

و رواية محمّد بن مروان: أمرّ بالثمرة فآكل منها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: فإنّهم قد اشتروها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: جعلت فداك، إنّ التجّار اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم» «2».

و مرسلة يونس: عن الرجل يمرّ بالبستان و قد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز له أن يأكل من ثمره، ليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ و هل له أن يأكل منه من جوع؟

قال: «لا بأس أن يأكل و لا يحمله و لا يفسده» «3».

و ذهب السيّد و

الفاضل في الإرشاد «4» و بعض آخر «5» إلى المنع.

و مستندهم: قبح التصرّف في ملك الغير بغير إذنه شرعا و عقلا، المعتضد بنصّ الكتاب على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير تراض «6».

و صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطخ و غير ذلك من الثمر، أ يحلّ له أن يتناول منه شيئا و يأكل من غير إذن من صاحبه؟ و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره

______________________________

(1) الكافي 3: 569- 1، الوسائل 9: 204 أبواب زكاة الغلات ب 17 ح 2.

(2) التهذيب 6: 383- 1134، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 4.

(3) التهذيب 6: 383- 1135، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 5.

(4) نقله عن المسائل الصيداويّة للسيّد المرتضى في المسالك 1: 207، الإرشاد 2: 113.

(5) منهم يحيى بن سعيد الحلي في نزهة الناظر: 71، العلّامة في المختلف 2: 343 و القواعد 1: 122، ولده في الإيضاح 4: 162.

(6) النساء: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 49

القيّم فليس له؟ و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا» «1».

و مرسلة مروان: الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة، قال:

«لا» قلت: أيّ شي ء السنبلة؟! قال: «لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ منه سنبلة كان لا يبقى شي ء» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن البستان يكون عليه المملوك أو أجير ليس له من البستان شي ء، أ يتناول الرجل من بستانه؟ فقال: «إن كان بهذه المنزلة لا يملك من البستان شيئا فما أحبّ أن يأخذ منه شيئا» «3».

و أجاب هؤلاء عن

الأخبار الأول تارة بضعف السند.

و اخرى بعدم صراحة الدلالة؛ لإمكان حملها على حال الضرورة، أو على من يجوز الأكل من بيوتهم، أو على الأكل اليسير جدّا للذوق و الامتحان، أو على ما علم الإذن فيه بالفحوى مطلقا، أو على البلاد التي يعرف من أرباب بساتينها و زروعها عدم المضايقة في مثله لوفورها عندهم.

و ثالثة بمعارضتها مع الأخبار الأخيرة، و رجحان الأخيرة بموافقة الكتاب و مطابقة الأصول العقليّة و النقليّة.

أقول: يردّ الجواب الأول بعدم ضير ضعف السند عندنا أولا.

و انجبار تلك الأخبار بالشهرة العظيمة القديمة و الجديدة المحكيّة و المحقّقة و الإجماعات المنقولة ثانيا.

______________________________

(1) التهذيب 7: 92- 392، الاستبصار 3: 90- 307، الوسائل 18: 228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 7.

(2) التهذيب 6: 385- 1140، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 6.

و في المصادر: مروك، بدل: مروان.

(3) التهذيب 6: 380- 1117، الوسائل 17: 271 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 50

و كون مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد «1»، و صحّة المرسلة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه «2»، و كذا رواية أبي الربيع، ثالثا.

و الثاني بأنّها تأويلات بعيدة بلا مأوّل، و تخصيصات بلا مخصّص يمنع عنها العرف و اللغة؛ مع أنّ أكثرها خلاف صريح النصّ؛ للتصريح فيه بغير حال الضرورة و بغير الإذن، و بكون الأكل للجوع و الشهوة.

و أما الثالث فحسن، إلّا أنّ الأخيرتين من الروايات الأخيرة غير دالّتين على الحرمة، بل الأخيرة منهما ظاهرة في الكراهة، و مع ذلك هما أخصّان عن المدّعى؛ لاختصاص أولاهما بالسنبل و ثانيهما بالبستان.

فلم تبق إلّا الاولى، و هي لمخالفتها للشهرة العظيمة من

القدماء خارجة عن حيّز الحجّية جدّا، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ قطعا؛ مع أنّ دلالتها على المطلوب غير واضحة؛ لاحتمال أن يكون قوله: «لا يحلّ أن يأخذ منه شيئا» جوابا عن السؤال الأخير، أي قوله: و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناوله، فأجاب بأنّه لا يحل له الأخذ- أي الحمل- فيجوز غيره الذي هو الأكل، و يشعر بذلك عدوله عن لفظ الأكل الواقع في السؤال إلى الأخذ.

و يؤكّده اختصاص أخبار المنع طرّا بالأخذ، و أخبار الجواز كلّا بالأكل، و هذا مراد الشيخ «3» و أتباعه «4» من حمل أخبار المنع على الأخذ. و لو قطع النظر عن ذلك فلا شكّ في أنّ للأخذ أفرادا كثيرة يشملها من الأخذ للأكل

______________________________

(1) انظر عدّة الأصول: 387.

(2) كما في رجال الكشي 2: 830.

(3) كما في التهذيب 7: 92.

(4) انظر المختلف: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 51

و للحمل و لإعطاء الغير و للبيع، فتكون تلك الأخبار أعمّ مطلقا من أخبار الجواز؛ لاختصاصها بالأكل، فيجب تخصيصها بها قطعا. و أيضا نفي البأس- الذي هو العذاب- في أخبار الجواز قرينة لحمل عدم الحلّيّة في رواية المنع على المرجوحيّة، فيتعيّن حملها عليها، سيّما مع شهادة قوله: «فما أحبّ» الظاهر عرفا فيها في الأخيرة.

و بجميع ما ذكر يجاب عن الأخيرتين أيضا على فرض الدلالة.

و يظهر منه الجواب عن الأصول و الآية، مع أنّ القبح العقلي ممنوع؛ لأنّ ما في الأرض كلّه للّه سبحانه، فله الرخصة لمن شاء و أراد من العباد، فيما شاء و أراد، و ملكيّة الغير أمر شرعيّ، فيثبت منها ما ثبت شرعا، و لا مدخليّة للعقل فيها، بل يدلّ قوله في رواية محمّد بن مروان: «اشتروا ما ليس لهم»

أنّ قدر حقّ المارّة ليس ملكا للصاحب.

و دلالة الآية أيضا ممنوع؛ إذ بعد دلالة الأخبار لا يكون ذلك باطلا، فالقول الأول هو الحقّ، و عليه المعوّل.

فروع:
أ: المذكور في أخبار الجواز هو النخل و السنبل و الثمرة،

فلا يجوز التعدّي إلى غير الثلاثة، نحو الخضراوات و الزروع التي ليس لها سنبل؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ و اليقين.

و منه يظهر عدم جواز التعدّي إلى ما يشكّ في صدق الثمرة عليه من القثّاء و البطّيخ و نحوهما؛ لأنّ الظاهر أو المحتمل اختصاص الثمرة بما يحصل من الشجر، سواء كان من الفواكه، كالرمّان و التين و التفّاح و السفرجل و نحوها، أو كالجوز و اللوز و أمثالهما، بل في الصدق على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 52

القسم الثاني أيضا تأمّل، فالاجتناب عنه أحوط، سيّما مثل السماق، و لذا خصّ بعضهم بثمرة النخل و الفواكه «1»، و بعض آخر بالنخل «2». و لم يذكر الأكثر المباطخ، إلّا أنّ ظاهر صحيحة ابن يقطين «3» صدق الثمرة على مثل البطّيخ أيضا، فالتجويز فيه أيضا قوي.

ب: الرخصة في الأكل في أخبار الجواز غير محدودة بحدّ معيّن،

بل هي مطلقة.

و إبقاؤها على الإطلاق- حتى يشمل كلّ قدر أكل و لو كان أكلا فاحشا، من كلّ ثمرة و لو كانت قليلة، كشجرة واحدة فيها ثمرة قليلة، من كلّ مالك حتى فقير لم يملك إلّا تلك الشجرة، من كلّ مارّ حتى من عسكر كثير مرّت ببستان صغير من رجل فقير- خلاف الإجماع، بل الضرورة القطعيّة، سيّما على ما في رواية محمّد بن مروان من قوله: «اشتروا ما ليس لهم» «4»، فإنّه على ذلك لا يكون ما لهم معيّنا، بل لا يكون مال؛ لاحتمال مرور جماعة تأكل الجميع.

و تخصيصها بحدّ خاصّ معيّن بلا دليل مجازفة غير جائزة.

و التحديد- بعدم التضرّر بالمالك لمعارضة أخبارها مع أدلّة نفي الضرر- غير جيّد؛ لتحقّق الضرر في جميع الحالات، فتكون تلك الأخبار أخصّ مطلقا من أدلّة نفي الضرر.

و بعدم الأكل كثيرا- بحيث يؤثّر فيها

أثرا بيّنا، و هو أمر يختلف بكثرة

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 558.

(2) كالشيخ في المسائل الحائريات (الرسائل العشر): 330.

(3) المتقدمة في ص: 48.

(4) المتقدمة في ص: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 53

الثمرة و المارّة و قلّتهما؛ لقوله: «لا يفسد» في روايتي ابن سنان و أبي الربيع و في مرسلة يونس «1»- كان حسنا لو صدق الإفساد على ذلك لغة أو عرفا، و هو بعد غير معلوم.

فيشكل الأمر في العمل بمدلول تلك الأخبار، إلّا أن يقال: إنّ تلك الأخبار و إن كانت مطلقة إلّا أنّها غير باقية على إطلاقها قطعا إجماعا، و الحدّ الذي يقطع بانتهاء التقييد و التخصيص إليه غير معيّن البتّة إذا تجاوز عمّا يؤثّر أثرا بيّنا، فيعلم تخصيصه و لا يعلم القدر المخصّص حينئذ، فيكون من باب التخصيص بالمجمل، فلا يكون حجّة في موضع الإجمال، و هو ما إذا تجاوز عن القدر الذي لا يستبين أثره و لا يعدّ في العرف ضررا بيّنا، فلا يجوز التجاوز عن ذلك الحدّ، فعليه الفتوى.

ج: يعتبر للجواز هنا أمور:

أحدها: ما سبق من عدم الإكثار فيه، بحيث يظهر أثره أثرا بيّنا فيه كما مرّ، و لو مرّ رجل و أكل ثمَّ مرّ الثاني ثمَّ الثالث فيعتبر ظهور الأثر في اللاحق، و يجوز الأكل للسابق ما لم يظهر و إن علم مرور غيره أيضا.

نعم، على اللاحق ترك الأكل إذا علم أكل السابق و أنّ الأكلين معا يوجبان الإفساد بذلك المعنى، و لو لم يعلم أكل [السابق ] «2» لا حرمة عليه؛ لأصالة عدم أكل الغير.

و ثانيها: كون المرور بالثمرة أو البستان اتّفاقيّا، بمعنى: أن لا يقصدها للأكل ابتداء، فلو قصدها كذلك لم يجز الأكل منها، و لعلّه إجماعي؛ و يدلّ عليه اختصاص

أخبار التجويز طرّا بالمرور، الذي هو العبور عن شي ء

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 47 و 48.

(2) في النسخ: اللاحق، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 54

لا يقصده أصالة و إن قصده تبعا، أي لم يقصده لشغل به و إن قصده لأن يمرّ عنه، فالشرط عدم قصدها لأن يأكل منها؛ إذ معه لا يعلم صدق المرور، و لا يضرّ قصدها لأن يمرّ منها.

و على ما ذكرنا من معنى المرور، يعلم عدم منافاة قوله في روايتي ابن سنان و أبي الربيع «1» لذلك الاشتراط، و لا حاجة إلى تضعيفهما و تفسيرهما بأن المعنى: أنّه لا بأس بالأكل بعد المرور اتّفاقا.

ثمَّ المراد بالمرور بها: عبوره عمّا يقرب منها عرفا و عادة بحيث يعدّ مرورا عرفا، لا أن يعبر ملاصقا بها قريبا عنها قربا حقيقيّا لا يحتاج إلى التخطّي إليها و لو بخطوات قلائل.

و ثالثها: أن لا يحمل معه شيئا، بل يأكل في موضعه، و الظاهر اتّفاقيّة ذلك أيضا؛ و تدلّ عليه جميع أخبار المنع بالتقريب الذي قدّمناه، و قوله:

«و لا يحمل منها» و «لا يحمله» في مرسلتي الفقيه و يونس «2»، فلا يجوز الحمل و لو لأجل الأكل بعد المضي.

و رابعها: أن لا يكون النخل أو السنبل أو الثمرة محاطا عليها بسور مبوّبة بباب، فلو كان كذلك لم يجز صعود السور أو خرقه، و لا فتح الباب أو كسره؛ لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه، و لا إذن من الشارع.

و لا يدلّ نهي الرسول عن الحيطان- أو خرق حيطان نخله كما في رواية ابن سنان- على جواز التصرّف لو كان محاطا غير مخروق، مع أنّ النهي ليس للتحريم؛ لكون نخله محاطا عليه و يخرقه

إذا بلغ، و خرقه حيطان نخله صلّى اللّه عليه و آله لا يدلّ على وجوب ذلك على غيره أيضا.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 47 و 48.

(2) المتقدمتين في ص: 47 و 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 55

و ممّا ذكرنا يظهر عدم جواز دخول ملك الغير أيضا لو كان الثمر في ملكه.

و لا يتوهّم أنّ الإذن في الأكل يستلزم الإذن في الدخول من الشارع أيضا حيث توقّف عليه؛ لأنّ هذا إنّما يتمّ لو كان الإذن في المرور أيضا، و ليس كذلك، بل عرفت أنّه تشترط اتّفاقيّة المرور، و لا يجوز المرور في ملك الغير بغير إذنه إجماعا.

و يمكن أن يقال: إنّ صدق المرور على الثمرة و السنبل إذا كان في ملكه لا يتوقّف على دخول الملك؛ لكفاية القرب العرفي في صدق المرور، فلو مرّ من قرب أرضه يصدق المرور على الثمرة، فإذا جاز أكلها جاز دخول الأرض أيضا؛ لتوقّفه عليه.

و لكن فيه: أنّ شرط المباح لا يلزم أن يكون مباحا أيضا.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو خرج غصن من الشجرة عن السور أو سنبل من الزرع عن الملك يجوز أكل ثمره.

و قد يعتبر أمران آخران أيضا:

أحدهما: عدم علم كراهة المالك، بل قيل: عدم ظنّها أيضا «1».

و ثانيهما: كون الثمرة على الشجرة لا مقطوعة مجزوزة.

و الأخبار بالنسبة إليهما مطلقة، بل في نهي النبيّ عن الحيطان، و في قوله: «اشتروا ما ليس لهم» «2» دلالة على عدم اشتراط الأول، فالحقّ عدم اعتبارهما.

ثمَّ إنّه لو تخلّف عن أحد الأمور الأربعة المعتبرة، فإن كان الأول

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 559.

(2) المتقدّم في ص: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 56

يحرم الإكثار دون القدر المجوّز أكله، فلا ارتكاب لمحرّم

أولا و لو قصد الإكثار.

و إن كان الثاني حرم الأكل مطلقا؛ لأنّ المعلوم تجويزه إنّما هو في صورة المرور الاتّفاقي دون ما إذا قصد به الأكل، فيبقى تحت أصل المنع.

و لو كان الثالث فيحرم الأكل أيضا إذا أكله بعد الحمل و النقل، إذ لم يثبت إلّا جواز الأكل عند الثمرة، و لو أكل شيئا و حمل شيئا لم يحرم ما أكل و لو قصد الحمل بعده أيضا.

و لو كان الرابع لم يحرم الأكل إذا ارتكب المحرّم و مرّ بملك الغير لا بقصد الأكل، أو دخله بقصده بعد تحقّق المرور قبل الدخول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 57

الباب الثاني فيما يحلّ من الحيوانات و لا يحلّ

اشاره

و هو إمّا بحري أو برّي، و كلّ منهما إمّا غير طير أو طير، فهاهنا فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 59

الفصل الأول في الحيوان البحري غير الطير

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قالوا: لا يحلّ منه إلّا ما كان على صورة السمك،

و نسبه المحقّق الأردبيلي إلى المشهور «1»، و في الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب «2»، و في المسالك نفى الخلاف عنه «3»، و عن الخلاف و الغنية و السرائر و المعتبر و الذكرى «4» و شرح الشرائع للمحقّق الثاني الإجماع عليه.

فإن ثبت الإجماع و تحقّق فهو المتّبع، و إلّا فلا دليل عليه غيره، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين «5»، سوى ما ذكره بعض متأخّريهم من عمومات ما دلّ على حرمة الميتة «6».

و فيه: أنّه مبنيّ على شمول الميتة لكلّ ما خرج روحه كيفما كان، و هو في محلّ المنع؛ لجواز اختصاصها لغة بما مات بنفسه، أو بدون التذكية الشرعيّة الشاملة أدلّتها لحيوان البحر أيضا.

و قد صرّح بذلك بعض شرّاح المفاتيح في بحث نجاسة الميتة، قال:

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 187.

(2) كفاية الأحكام: 248.

(3) المسالك 2: 237.

(4) الخلاف 2: 524، الغنية: 618، السرائر 3: 99، المعتبر 2: 84، الذكرى: 144.

(5) منهم السبزواري في الكفاية: 248، الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 184.

(6) كصاحب الرياض 2: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 60

مع أنّ المعلوم من أدلّة نجاسة الميتة ما يطلق عليه الميتة و يموت حتف أنفه دون ما ذكّي؛ لعدم إطلاق اسم الميتة عليه بحسب العرف، بل المستفاد من بعض الأخبار أنّها في مقابلة الذكاة، كقوله: «إنّ اللّه أحلّ الخزّ و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» «1»، و في رواية: «الكيمخت:

جلود دواب، منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميتة» «2»، و في تفسير الإمام:

«قال اللّه تعالى: إنّما حرّم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن اللّه» «3». انتهى. و

هو جيّد.

و لا يلزم من شمول الموت لمطلق خروج الروح شمول الميتة أيضا؛ لجواز اقتضاء الهيئة الاشتقاقيّة لخصوصيّة أخرى، كما بيّنّاه في العوائد، و يشعر به جعلها في الأخبار قسيمة للمذكّى مقابلة لها، و في الكتاب «4» لما أهلّ لغير اللّه و للمنخنقة و ما بعدها.

و لو سلّمنا الشمول فيخصّص لا محالة بما لم يذكر اسم اللّه عليه، و يعارض بما يأتي من مقتضيات الحلّية، الموجب للرجوع إلى الأصل الأولي.

و يمكن أن يستدلّ له بموثّقة الساباطي: عن الربيثا، فقال: «لا تأكلها،

______________________________

(1) الكافي 3: 399- 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4. و الخزّ: دابّة من دواب الماء تمشي على أربع، تشبه الثعلب و ترعى من البرّ و تنزل البحر، لها وبر يعمل منه الثياب، تعيش بالماء و لا تعيش خارجه- مجمع البحرين 4: 18.

(2) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 4، و ج 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 55 ح 2.

(3) تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام): 585- 349، مستدرك الوسائل 16: 141 أبواب الذبائح ب 17 ح 1.

(4) المائدة: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 61

فإنّا لا نعرفها في السمك يا عمّار» «1».

دلّت بالعلّة المنصوصة على حرمة ما لا يعرف في السمك. و لكن يضعّفها عدم صراحة قوله: «لا تأكلها» في الحرمة أولا، و تعارضها مع ما يصرّح بحلّية الربيثا ثانيا «2»، و لذا يظهر من جماعة من المتأخّرين- منهم:

الأردبيلي و صاحب الكفاية و المفاتيح «3» و شرحه- التأمّل فيه، بل من بعضهم الميل إلى نفي الحرمة، و الظاهر أنّه مذهب الصدوق في الفقيه «4».

و يدلّ عليه الأصل، و

عمومات حلّ صيد البحر «5»، و إطلاقات الاسم.

و صحيحة زرارة: «و يكره كلّ شي ء من البحر ليس له قشر، مثل:

الورق، و ليس بحرام، إنّما هو مكروه» «6».

و مرسلة الفقيه: «كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائز أكله، و كلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله» «7».

و رواية ابن أبي يعفور: عن أكل لحم الخزّ، قال: «كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه، و إلّا فاقربه» «8».

______________________________

(1) التهذيب 9: 80- 345، الاستبصار 4: 91- 348، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12 ح 4.

(2) انظر الوسائل 24: 139 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12.

(3) انظر مجمع الفائدة و البرهان 11: 190، المفاتيح 2: 184، كفاية الأحكام:

248.

(4) الفقيه 3: 215- 998 و 999.

(5) المائدة: 96، النحل: 14.

(6) التهذيب 9: 5- 15، الاستبصار 4: 59- 207، الوسائل 24: 135 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 19.

(7) الفقيه 3: 214- 994، الوسائل 24: 159 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 22 ح 2.

(8) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 39 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 62

و دفع الأصل بالإجماعات المنقولة ضعيف، لعدم حجّيتها.

و ردّ العمومات بمنع العموم، لوجوب حملها على السمك المتبادر، أو لأنّه لولاه لزم خروج الأكثر من أفراد العامّ الموجب لعدم حجّيّته، لأنّ أكثر حيوانات البحر محرّمة إمّا لاشتمالها على ضرر أو خباثة أو نحوهما من موجبات الحرمة.

أضعف، لمنع التبادر، و منع لزوم خروج الأكثر، إذ من الذي أحاط بحيوانات البحر جميعا حتى يحكم باشتمال أكثرها على موجب الحرمة؟! و منه تظهر قوّة أدلّة الحلّية، إلّا أنّ إخبارها- للمخالفة

القطعيّة للشهرة العظيمة لا أقلّ منها لو لم يكن إجماعا- لإثبات الحكم غير صالحة، فلم يبق إلّا الأصل، و هو و إن كان كافيا إلّا أنّ اتّباعه في المقام خلاف الاحتياط.

هذا هو الأصل، و إلّا فمن الحيوان البحري ما يحرم البتّة كما يأتي.

المسألة الثانية: يحلّ من السمك كلّ ما له فلس

، و يعبّر عن الفلس بالقشر و الورق أيضا، و يحرم منه بجميع أنواعه ما لا فلس به.

أمّا الأول، فبلا خلاف فيه بين الأمّة، كما صرّح به جمع من الأجلّة «1»، و يدلّ عليه الإجماع، و الأصل، و العمومات، و خصوص المستفيضة الآتية إلى بعضها الإشارة.

و لا فرق فيه بين ما بقي عليه فلسه، كالشبّوط- بفتح الشين المثلّثة و ضمّ الموحّدة التحتانيّة- و هو سمك دقيق الذنب عريض الوسط ليّن المسّ صغير الرأس.

أو سقط عنه و لم يبق عليه، كالكنعت، مثل: جعفر، و يقال له:

______________________________

(1) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 184، السبزواري في الكفاية: 248، صاحب الرياض 2: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 63

الكنعد، بالدال المهملة، و هو ضرب منه له فلس ضعيف يحكّ نفسه على شي ء لحرارته فيذهب عنه فلسه ثمَّ يعود، و صرّح به في صحيحة حمّاد:

جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: «ما كان له قشر» قلت: جعلت فداك ما تقول في الكنعت؟ فقال: «لا بأس بأكله» قال: قلت له: فإنّه ليس له قشر، فقال لي: «بلى، و لكنها سمكة سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شي ء، و إذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا» «1».

و أمّا الثاني، فعلى الأقوى الأشهر بين المتقدّمين و المتأخّرين من الطائفة «2»، و عن الانتصار و الخلاف و السرائر الإجماع عليه «3»، للأخبار المستفيضة:

كرواية أبي سعيد الخدري الطويلة، و فيها: «ألا

فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ و لا تأكلوا من السمك إلّا ما كان له قشر، و مع القشر فلوس» الحديث «4».

و مرسلة حريز: إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يكره الجرّيث و قال: «لا تأكلوا من السمك إلّا شيئا له فلوس» و كره المارماهي [1].

______________________________

[1] الكافي 6: 219- 3، التهذيب 9: 2- 2، الوسائل 24: 128 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 3.

و الجرّيث: ضرب من السمك يشبه الحيّات. و عن ابن الأثير: يقال له بالفارسيّة: مارماهي، و عن ابن عبّاس: نوع من السمك يشبه المارماهي- مجمع البحرين 2: 243- 244.

______________________________

(1) الكافي 6: 219، الفقيه 3: 215- 1001، التهذيب 9: 3- 4، الوسائل 24:

137 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 10 ح 1.

(2) انظر الوسيلة: 355، المراسم: 207، الشرائع 3: 217، القواعد 1: 155.

(3) الانتصار: 187، الخلاف 2: 524، السرائر 3: 99.

(4) الكافي 6: 243- 1، علل الشرائع: 460- 1، الوسائل 24: 107 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 64

و صحيحة ابن سنان: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام بالكوفة يركب بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ يمرّ بسوق الحيتان فيقول: ألا لا تأكلوا و لا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك» «1»، و مثلها رواية مسعدة «2».

و المرويّ في العيون فيما كتب الرضا عليه السّلام للمأمون: «يحرم الجرّي و السمك الطافي و المارماهي و الزمّير و كلّ سمك لا يكون له فلس» «3».

المؤيّدة بأخبار أخر، كصحيحة محمّد، و فيها: «كل ما له قشر من السمك، و ما ليس له قشر فلا تأكله» «4».

و مرسلة الفقيه: «كل من السمك ما له فلوس، و لا تأكل

منه ما ليس له فلس» «5».

و حسنة حنّان: عن الجرّي، فقال: «وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام أشياء محرّمة من السمك فلا تقربها»، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربنّه» «6»، إلى غير ذلك «7».

و إنّما جعلناها مؤيّدة لاحتمال الجملة الخبريّة التي لا تفيد عندنا

______________________________

(1) الكافي 6: 220- 6، التهذيب 9: 3- 3، الوسائل 24: 128 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 4.

(2) الكافي 6: 220- 9، التهذيب 9: 3- 5، المحاسن: 477- 492، الوسائل 24: 129 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 6.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 125، الوسائل 24: 132 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 9.

(4) الكافي 6: 219- 1، التهذيب 9: 2- 1، الوسائل 24: 127 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 1.

(5) الفقيه 3: 206- 943، الوسائل 24: 129 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 7.

(6) الكافي 6: 220- 7، الوسائل 24: 131، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 4.

(7) انظر الوسائل 24: 127 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 65

الحرمة.

خلافا للشيخ في كتابي الأخبار فيما عدا الجرّي «1»، و نسبه في الكفاية إلى جماعة «2»، و ظاهر المحقّق و الشهيد الثاني في المسالك التردّد كالأردبيلي «3»، لأخبار ظاهرة في الحلّية، كصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الأولى «4».

و صحيحة ابن مسكان: «لا يكره شي ء من الحيتان إلّا الجرّي» «5».

و رواية حكم، و هي مثل الأولى إلّا أنّ فيها الجرّيث مقام الجرّي «6».

و صحيحة محمّد: عن الجرّي و المارماهي و الزمّير و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ فقال لي: «يا محمّد، اقرأ هذه

الآية التي في الأنعام:

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً «7»» قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: «إنّما الحرام ما حرّم اللّه و رسوله في كتابه، و لكنّهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها» «8».

و الجواب عن الكلّ بأعمّيتها ممّا مرّ مطلقا، أمّا الأولى فلشمولها

______________________________

(1) التهذيب 9: 5، الاستبصار 4: 59.

(2) الكفاية: 248.

(3) المحقق في الشرائع 3: 217، المسالك 2: 237، مجمع الفائدة و البرهان 11:

189.

(4) في ص: 61.

(5) التهذيب 9: 5- 13، الاستبصار 4: 59- 205، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 17.

(6) التهذيب 9: 5- 14، الاستبصار 4: 59- 206، الوسائل 24: 135 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 18.

(7) الأنعام: 145.

(8) التهذيب 9: 6- 16، الاستبصار 4: 60- 208، الوسائل 24: 136 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 66

للحيتان و غيرها.

و أمّا الثانيتان، فلشمولهما لما له قشر و ما ليس له قشر.

و أمّا الرابعة، فظاهرة، إذ ليس جواب الإمام إلّا أنّ كلّما لم يحرّم في الكتاب فليس بحرام، و عموم ذلك ظاهر فيجب تخصيصها بما مرّ.

مضافا إلى أنّ الأخيرة موافقة للعامّة كما قالوا «1»، فهي مرجوحة بالنسبة إلى الاولى لو لا عمومها أيضا، و مع ذلك كلّه فمخالفة للشهرة العظيمة، خارجة عن حيّز الحجّية.

و أمّا الجمع- بحمل الاولى على الكراهة- فموقوف على المكافاة، و هي مفقودة بالمرّة.

المسألة الثالثة: يحرم أيضا من السمك بخصوصه الجرّي

- بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشدّدة المكسورة، و يقال: الجرّيث، و هو كالجرّي إلّا أنّه مختوم بالثاء المثلّثة- و المارماهي- قيل: بفتح الراء «2»- و الزمّير- كسكّيت و يقال: الزمّار أيضا بكسر الزاء المعجمة و الميم المشدّدة و الراء المهملة أخيرا- و الزهو- بالزاء

المعجمة فالهاء الساكنة- على الأقوى الأشهر، سيّما في الأول، و دعوى الإجماع على حرمته مستفيضة «3»، بل احتمل بعضهم كونها من ضروريّات مذهب الإماميّة «4».

لكون الكلّ ممّا ليس له قشر كما قالوا، و صرّح به في الأخير في رواية الجعفري «5».

______________________________

(1) كالعلامة في المختلف: 677 و صاحب الوسائل 16: 404 و صاحب الرياض 2: 280.

(2) انظر الرياض 2: 280.

(3) انظر الانتصار: 186، الخلاف 2: 524.

(4) كما في الرياض 2: 280.

(5) الكافي 6: 221- 10، التهذيب 9: 3- 6، الوسائل 24: 138 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 67

مضافا في خصوص الجميع- غير الأخير- إلى كونها مسوخة، كما صرّح به في رواية الكلبي النسّابة «1»، فتشملها أدلّة حرمة المسوخات «2»، و إلى المرويّ في العيون المتقدّمة.

و إلى صحيحة محمّد: أقرأني أبو جعفر عليه السّلام شيئا من كتاب علي عليه السّلام، فإذا فيه: «أنهاكم عن الجرّي و الزمّير و المارماهي و الطافي و الطحال» «3».

و في الأولين خاصّة إلى موثّقة سماعة: «لا تأكل الجرّيث و لا المارماهي و لا طافيا و لا طحالا» «4».

و رواية سمرة: «لا تشتروا الجرّيث و لا المارماهي و لا الطافي على الماء و لا تبيعوه» «5».

و مرسلة ابن فضّال: «الجرّي و المارماهي و الطافي حرام في كتاب علي عليه السّلام» «6».

و في الأول خاصّة إلى حسنة حنّان السابقة، و صحيحة الحلبي:

______________________________

(1) الكافي 6: 221- 12، الوسائل 24: 131 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 5.

(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2.

(3) الكافي 6: 219- 1، التهذيب 9: 2- 1، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 1.

(4) الكافي 6: 220-

4، التهذيب 9: 4- 8، الاستبصار 4: 58- 200، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 9: 5- 11، الاستبصار 4: 59- 203، المحاسن: 477- 491، الوسائل 24: 133 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 14.

(6) التهذيب 9: 5- 12، الاستبصار 4: 59- 204، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 68

«لا تأكلوا الجرّي و لا الطحال، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كرهه» و قال: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام ينهى عن الجرّي» الحديث «1».

و أبي بصير: «أمّا في كتاب عليّ عليه السّلام فإنّه نهى عن الجرّيث» «2».

و عليّ: «لا يحل أكل الجرّي و لا السلحفاة و لا السرطان» الحديث «3».

إلى غير ذلك.

خلافا لشاذّ «4»، لبعض ما ذكر في المسألة السابقة بجوابه.

ثمَّ المستفاد من الروايات تغاير الجرّي و المارماهي، إلّا أنّه قال في حياة الحيوان: إن الجرّي يسمّى بالفارسيّة مارماهي «5». و كذا ظاهر الأخبار اتّحاد الجرّي و الجرّيث، و قال في حياة الحيوان: الجرّيث سمك يشبه الثعبان «6».

المسألة الرابعة: يحرم الطافي

- و هو السمك الذي يموت في الماء- بإجماعنا المحقّق و المحكيّ في كلام جماعة «7»، و المستفيضة من الصحاح

______________________________

(1) التهذيب 9: 6- 18، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 16.

(2) التهذيب 9: 4- 10، الاستبصار 4: 59- 202، الوسائل 24: 133 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 13.

(3) الكافي 6: 221- 11، التهذيب 9: 12- 46، قرب الإسناد: 279- 1108، الوسائل 24: 146 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 16 ح 1، مسائل علي بن جعفر:

131- 191. و السرطان: حيوان معروف، و يسمّى: عقرب الماء، و كنيته:

أبو بحر، و هو من خلق الماء، و يعيش في البرّ أيضا، و هو جيّد المشي سريع العدو ذو فكّين و مخاليب و أظفار حداد، كثير الأسنان صلب الظهر، من رآه رأى حيوانا بلا رأس و لا ذنب، عيناه في كتفيه و فمه في صدره، له ثمان أرجل، و هو يمشي على جانب واحد، و يستنشق الماء و الهواء معا- حياة الحيوان 1: 553.

(4) كما في الكفاية: 248.

(5) حياة الحيوان 1: 274.

(6) حياة الحيوان 1: 274.

(7) منهم الشيخ في الخلاف 2: 525، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618، الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 69

و غيرها المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة، و عمومات الكتاب «1» و السنّة «2» في تحريم الميتة.

و الحرمة تعمّ ما مات في الشبكة و الحظيرة و نحوهما من الآلات المعدّة لصيد السمكة أيضا، كما ذكر في باب الصيد و الذبيحة.

المسألة الخامسة: مقتضى رواية ابن أبي يعفور- المتقدّمة في المسألة الاولى «3» و غيرها- إناطة حلّية كلب الماء و حرمته بكونه ذا ناب و غيره

، و لعلّه على قسمين، و نظر الإمام إلى التقسيم لا أنّه لا يعلم حاله، فيحرم منه ما كان ذا ناب دون غيره.

و لا يخالف ذلك مع ما دلّ على أنّ ما لا يؤكل في البرّ لا يؤكل مثله في البحر، لأنّ الكلب الذي لا ناب له ليس مماثلا للكلب البرّي، و إنّما الاشتراط في مجرّد التسمية.

المسألة السادسة: كلّ ما يحرم في البرّ يحرم مثله في البحر و الماء، لمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى «4»، و لصدق الاسم، فتشمله أدلّة تحريمه، و تلزمه حرمة حشرات الماء، أي دوابّه الصغار كالعلق و الديدان و نحوها، لما يأتي من حرمة حشرات الأرض.

المسألة السابعة: يحرم السلحفاة

- بضمّ السين المهملة و فتح اللام فالحاء المهملة الساكنة فالفاء المفتوحة و الهاء بعد الألف- و السرطان- بفتح الثلاثة الاولى، و يسمّى عقرب البحر- و الضفادع- جمع ضفدع بكسر الأول

______________________________

(1) النحل: 114.

(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(3) في ص: 61.

(4) في ص: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 70

و فتحه و ضمّه، مع كسر ثالثة و فتحه في الأول، و كسره في الثاني، و فتحه في الثالث، كذا ذكره في المسالك «1»- بلا خلاف في شي ء منّا خاصّة يعرف.

لصحيحة علي المتقدّم بعضها في المسألة الثالثة، و تتمّتها: عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ فقال: «ذاك لحم الضفادع لا يحلّ أكله».

المسألة الثامنة: بيض السمك المحلّل حلال

إجماعا، له، و للأصل، و العمومات «2».

و منطوق رواية ابن أبي يعفور، و فيها: «إنّ البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس بأكله، فهو حلال» «3».

و رواية داود بن فرقد، و فيها: «كلّ شي ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكلّ هذا حلال طيّب» «4».

و بيض المحرّم حرام على الأظهر الأشهر، لمفهوم الشرط في الرواية الأولى، المثبت للبأس- الذي هو العذاب- في بيض ما لا يؤكل، المؤيّد بمفهوم الوصف في الثانية.

خلافا للحلّي و المختلف «5» و بعض المتأخّرين «6»، فحكموا بالحلّية أيضا، للأصل و العمومات اللازم دفعه و تخصيصها بما ذكر.

______________________________

(1) المسالك 2: 237.

(2) انظر المائدة: 88 و 96، الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(3) الكافي 6: 325- 6، الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 1.

(4) الكافي 6: 325- 7، الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.

(5) الحلّي في

السرائر 3: 113، المختلف: 684.

(6) كالسبزواري في الكفاية: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 71

و أمّا عمومات حلّية صيد البحر «1» المعارض لما ذكر بالعموم من وجه فلا تجري هنا، لأنّ المتبادر من الصيد نفس الحيوان دون بيضه.

و لو اشتبه المحلّل منه بالمحرّم، فقالوا بحلّية الخشن منه دون الأملس «2»، و ظاهرهم الاتّفاق عليه، فإن ثبت و إلّا فللتأمّل فيه مجال، و مقتضى: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام» «3» الحلّية مطلقا، كما أنّ مقتضى الاحتياط الاجتناب كذلك.

و منهم من لم يقيّد التفصيل المذكور بصورة الاشتباه بل عمّمه «4»، و الروايتان تدفعانه.

______________________________

(1) المائدة: 96.

(2) كما في الشرائع 3: 218، التبصرة: 166، الروضة 7: 266.

(3) الكافي 5: 313- 39، الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.

(4) انظر الكافي في الفقه: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 72

الفصل الثاني في الطير مطلقا بحريّا كان أو برّيا

اشاره

اعلم أنّه قد عرفت أنّ الأصل في كلّ شي ء- سواء كان غير حيوان أو حيوانا، غير طير أو طيرا، بحريّا أو برّيا- الحلّية، و لكن خرج من تحت ذلك الأصل من الطيور أنواع، و قرّر على مطابق الأصل أيضا منها أنواع، و اختلف في أنواع نذكرها في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: ممّا خرج من تحت الأصل و حرم: السبع من الطيور

، و هو ما كان ذا مخلب، أي ظفر يفترس و يعدو به على الطير، قويّا كان- كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق- أو ضعيفا، كالنسر و الرخمة «1» و البغاث «2».

بلا خلاف فيه يعرف كما في الكفاية «3»، بل مطلقا كما في غيره «4»، بل هو عندنا موضع وفاق كما في المسالك «5»، بل إجماعي كما في المفاتيح و شرحه و عن الخلاف و الغنية «6»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

______________________________

(1) الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، و كنيتها: أم جعران و أم رسالة و أم عجيبة و أم قيس و أم كبير، و يقال لها الأنوق- حياة الحيوان 1: 524.

(2) البغاث: طائر أغبر دون الرخمة، بطي ء الطيران، و هو من شرار الطير و مما لا يصيد منها- حياة الحيوان 1: 194.

(3) كفاية الأحكام: 249.

(4) انظر الرياض 2: 284.

(5) مسالك الأفهام 2: 239.

(6) مفاتيح الشرائع 2: 185، الخلاف 2: 541، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 73

مضافا إلى ما دلّ على حرمة السباع بقول مطلق، كمرسلة الكافي:

«لا تأكل من السباع شيئا» «1».

و صحيحة الحلبي: «لا يصلح أكل شي ء من السباع، إنّي لأكرهه و أقذره» «2».

و موثّقة سماعة: عن لحوم السباع و جلودها، فقال: «أمّا لحوم السباع و السباع من الطير [و الدواب ] فإنّا نكرهه، و

أمّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا [منها] تصلّون فيه» «3»، و في النهي عن الصلاة فيه دلالة على إرادة الحرمة من الكراهة.

و في موثّقة أخرى لسماعة: «يا سماعة، السبع كلّه حرام و إن كان سبعا لا ناب له» «4».

أو حرمة كلّ ذي مخلب من الطير، كصحيحة ابن أبي عمير «5»، و مرسلة الفقيه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «كلّ ذي ناب من السباع و مخلب من الطير حرام» «6»، و نحوها رواية داود بن فرقد «7».

و موثّقة سماعة المتقدّم بعضها: «حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ ذي مخلب

______________________________

(1) الكافي 6: 245- 3، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 9: 43- 178، الوسائل 24: 115 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 5.

(3) التهذيب 9: 79- 338، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(4) الكافي 6: 247- 1، التهذيب 9: 16- 65، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 3.

(5) الكافي 6: 245- 3، التهذيب 9: 38- 162، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 2.

(6) الفقيه 3: 205- 938، الوسائل 24: 113 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 1.

(7) الكافي 6: 244- 2، التهذيب 9: 38- 161، الوسائل 24: 113 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 74

من طير و كلّ ذي ناب من الوحش».

و قد وردت بخصوص بعضها نصوص أيضا، ففي موثّقة سماعة المتقدّم بعضها: «و كلّ ما صفّ و هو ذو مخلب فهو حرام، و الصفيف كما يطير البازي و الصقر

و الحدأة و ما أشبه ذلك».

و في رواية سليمان بن جعفر الهاشمي: قال: حدّثني أبو الحسن الرضا عليه السّلام قال: «طرقنا ابن أبي مريم ذات ليلة و هارون بالمدينة فقال: إنّ هارون وجد في خاصرته وجعا في هذه الليلة و قد طلبنا له لحم النسر فأرسل إلينا منه شيئا» فقال: «إنّ هذا شي ء لا نأكله و لا ندخله بيوتنا، و لو كان عندنا ما أعطيناه» «1».

و أمّا صحيحة محمّد-: عن سباع الطير و الوحش- حتى ذكر له القنافذ و الوطواط و الحمير و البغال و الخيل- فقال: «ليس الحرام إلّا ما حرّم اللّه في كتابه، و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير» الحديث «2»- فلا تدلّ على الحلّية، لاحتمال دخول السباع و القنافذ و الوطواط في الخبائث، و الوطواط في الميتة، لعدم قبوله التذكية.

المسألة الثانية: و ممّا خرج أيضا و حرم: المسوخ من الطيور،

بلا خلاف فيه كما صرّح به جماعة «3»، لمطلقات حرمة المسوخ، كموثّقة سماعة المتقدّم بعضها: «و حرّم اللّه و رسوله المسوخ جميعا»، و موثّقته الأخرى المتضمّنة لتعليل النهي عن أكل الدّبى «4» و المهرجل بأنّه مسخ «5».

______________________________

(1) التهذيب 9: 20- 83، الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 40 ح 1.

(2) التهذيب 9: 42- 176، الاستبصار 4: 74- 275، الوسائل 24: 123 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 5 ح 6.

(3) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 174، صاحب الرياض 2: 285.

(4) الدّبى: الجراد قبل أن يطير- حياة الحيوان 1: 463.

(5) التهذيب 9: 82- 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 75

و في رواية الحسين بن خالد: أ يحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال: «لا» قلت:

و لم؟ قال: «لأنّه مثلة و قد حرّم اللّه الأمساخ و لحم ما مثّل به في صورها» «1».

و رواية الجعفري الآتية المعلّلة لحرمة الطاوس بأنّها مسخ.

و رواية المفضّل، و فيها: «و أمّا لحم الخنزير فإنّ اللّه تعالى مسخ قوما في صور شتّى شبه الخنزير و القردة و الدّبّ و ما كان من المسوخ، ثمَّ نهى عن أكله للمثلة، لكي لا ينتفع الناس بها و لا يستخفّ بعقوبتها» «2».

و المرويّ في العيون: «حرّم القرد لأنّه مسخ مثل الخنزير» الحديث «3».

و الرضوي: «و العلّة في تحريم الجرّي و ما يجري مجراه من سائر المسوخ البرّية و البحريّة ما فيها من الضرر للجسم، و لأنّ اللّه سبحانه تقدّست أسماؤه مثّل على صورها مسوخا فأراد أن لا يستخفّ بمثله» «4»، دلّت بالتعليل على حرمة كلّ مسوخ.

ثمَّ من مسوخات الطيور المحرّم أكله: الطاوس، لرواية الجعفري:

«الطاوس مسخ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبّه فوقع بها ثمَّ راسلته بعد فمسخهما اللّه طاووسين أنثى و ذكر، فلا يؤكل لحمه

______________________________

(1) الكافي 6: 245- 4، التهذيب 9: 39- 165، المحاسن: 335- 106، علل الشرائع 2: 485- 5، الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 2.

(2) الكافي 6: 242- 1، المحاسن: 334- 104، الوسائل 24: 100 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 94، الوسائل 24: 102 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 3.

(4) فقه الرضا «ع»: 254، المستدرك 16: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 76

و بيضه» «1».

و قد نصّ على تحريمه في رواية أخرى للجعفري: قال: «الطاوس لا يحلّ أكله و لا بيضه» «2».

و منها: الوطواط- و

يقال له الخشّاف و الخفّاش، صرّح به في القاموس و الصحاح «3»، كرمّان أيضا- لرواية الأشعري: «و الوطواط مسخ، كان يسرق تمور الناس» «4».

و في المرويّ في العلل: «المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا» «5» و عدّ منها الخفّاش مكان الوطواط.

و عن الكنز: أنّ الوطواط الخطّاف، و نقله في الصحاح أيضا «6». و في القاموس: الوطواط: الخفّاش و ضرب من الخطاطيف «7».

و الأول أصحّ، لأنّ الخطّاف ليس مسوخا و لا حراما كما يأتي.

و منها: الزّنبور، لما في الرواية المذكورة: «و الزنبور كان لحّاما يسرق في الميزان».

و عدّ في الفقيه النعامة أيضا من المسوخات «8»، و لم يثبت عندي بعد.

______________________________

(1) الكافي 6: 247- 16، التهذيب 9: 18- 70، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 6.

(2) الكافي 6: 245- 9، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 5.

(3) القاموس 2: 406، الصحاح 3: 1168.

(4) الكافي 6: 246- 14، التهذيب 9: 39- 166، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 7.

(5) علل الشرائع 2: 487- 4، الوسائل 24: 109 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 12.

(6) الصحاح 3: 1168.

(7) القاموس 2: 406.

(8) الفقيه 3: 213- 988.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 77

المسألة الثالثة: و ممّا خرج و حرم: ما صفّ حال طيرانه

- و هو أن يطير مبسوط الجناحين من غير أن يحرّكهما و لم يدف، بأن يحرّكهما حال الطيران و يضربهما كضرب الدفّ- نسبه في الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و نفى عنه الخلاف في شرح المفاتيح، و بعض آخر «2».

و تدلّ عليه صحيحة زرارة: أصلحك اللّه ما يؤكل من الطير؟ فقال:

«كل ما دفّ و لا تأكل ما صفّ» إلى أن قال: قلت فطير الماء؟ قال:

«ما

كانت له قانصة فكل، و ما لم تكن له قانصة فلا تأكل» «3».

و رواية ابن أبي يعفور: إنّي أكون في الآجام فيختلف عليّ الطير فما آكل منه؟ فقال: «كل ما دفّ و لا تأكل ما صفّ» قلت: إنّي اؤتى به مذبوحا، فقال: «كل ما كانت له قانصة» «4».

و ليس المراد بكونه ممّا صفّ أو دفّ كونه كذلك دائما فيصفّ و لا يدفّ قطّ و بالعكس، إذ لا طير كذلك قطعا، بل كلّ ما يصفّ يدفّ أيضا و بالعكس، كما يعلم ذلك بالعيان و المشاهدة.

و لا ما صفّ في الجملة أو دفّ كذلك، و إلّا لغت الأخبار و تعارضت، إذ كلّما يصفّ في الجملة يدفّ كذلك.

بل المراد ما كان صفيفه أكثر من دفيفه أو بالعكس، كما تطابقت عليه

______________________________

(1) الكفاية: 249.

(2) كصاحب الرياض 2: 284.

(3) الكافي 6: 247- 3، الفقيه 3: 205- 936، التهذيب 9: 16- 63، الوسائل 24: 105 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 2.

(4) الكافي 6: 248- 6، التهذيب 9: 16- 64، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 78

كلمات علمائنا الأخيار.

و دلّت عليه من الأخبار مرسلة الفقيه: «إن كان الطير يصفّ و يدفّ فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل» «1».

(و الرضوي: «يؤكل من الطير ما يدفّ بجناحيه و لا يؤكل ما يصفّ، و إن كان الطير يدفّ و يصفّ و كان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل» «2») «3».

و الضعف منجبر بعمل الأصحاب.

و لو تساوى الصفّ و الدفّ يرجع إلى سائر العلامات، و مع فقدها إلى أصل

الإباحة، و كذا لو اشتبهت الغلبة.

المسألة الرابعة: و ممّا خرج و حرم من الطير: ما لم تكن له قانصة و لا حوصلة

- بتشديد اللام و تخفيفها- و لا صيصيّة، بكسر أوله و ثالثة مخفّفا.

و القانصة للطير بمنزلة المعاء لغيره.

و الحوصلة: مكان المعدة لغيره يجتمع فيها الحبّ و غيره من المأكول عند الحلق.

و الصيصيّة: الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر بمنزلة الإبهام من بني آدم، سمّيت بها لأنّ الصيصيّة هي الشوكة، و هي شوكة رجله، أي

______________________________

(1) الفقيه 3: 205- 937، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 4.

(2) فقه الرضا «ع»: 295، المستدرك 16: 183 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 15 ح 1.

(3) ما بين القوسين ليس في «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 79

شوكة في رجله موضع العقب، و أصلها شوكة الحائك التي تسوّى بها السداة و اللحمة، و يقال لها بالفارسية: مهميز.

و قال في مهذّب اللغة: القانصة: سنگدان مرغ، و الحوصلة:

چينه دان مرغ، و الصيصيّة: خار پس پاى خروس.

فما لم تكن له إحدى الثلاث فهو محرّم، و ما كان له إحداها فهو حلال.

أمّا حرمة الفاقد لهذه الثلاثة فهو المعروف من مذهب الأصحاب كما في الكفاية «1»، بل لا خلاف فيه كما في غيره «2»، و نقل عن المحقّق الأردبيلي الإجماع عليه «3»، و كذا عن الغنية و لكن في القانصة و الحوصلة «4».

و تدلّ عليه من الأخبار في الثلاث رواية ابن بكير: «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصيّة أو حوصلة» «5» دلّت بمفهوم لفظة: «ما» المتضمّنة لمعنى الشرط على عدم جواز أكل ما لم تكن له إحدى الثلاث.

و أمّا حلّية ما كانت له إحداها فيدلّ في الجميع منطوق رواية ابن بكير المتقدّمة.

و في القانصة خاصّة: صحيحة زرارة و رواية ابن أبي يعفور المتقدّمتين، و رواية

مسعدة: «كل من الطير ما كانت له قانصة و لا مخلب له» قال: و سألته عن طير الماء، فقال: «مثل ذلك» «6».

______________________________

(1) الكفاية: 249.

(2) انظر الرياض 2: 284.

(3) نقله عنه في الرياض 2: 284، و هو في مجمع الفائدة 11: 177.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(5) الكافي 6: 248- 5، التهذيب 9: 17- 68، الوسائل 24: 151 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 5.

(6) الكافي 6: 248- 4، التهذيب 9: 17- 66، الوسائل 24: 151 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 80

و مفهوم صحيحة ابن سنان: الطير ما يؤكل منه؟ فقال: «لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة» «1».

و منطوق الأخرى: ما تقول في الحبارى؟ قال: «إن كانت له قانصة فكل» و سألته عن طير الماء، فقال: «مثل ذلك» «2».

و في القانصة و الصيصيّة: مرسلة الفقيه، و فيها: «و يؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصيّة، و لا يؤكل ما ليست له قانصة و لا صيصيّة» «3».

و في القانصة و الحوصلة: موثّقة سماعة، و فيها: «فكل الآن من طير البرّ ما كانت له حوصلة و من طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الإنسان»، إلى أن قال: «و الحوصلة و القانصة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كلّ طير مجهول» «4».

و المستفاد من التفصيل القاطع للشركة في الأخيرة و إن كان اختصاص الحوصلة بالطير البرّي و القانصة بالبحري، إلّا أنّ صريح قوله فيها: «كقانصة الحمام» و رواية مسعدة و صحيحة ابن سنان و بعض العمومات السابقة عدم اختصاص القانصة بالبحري، فلعلّ انتفاء الشركة إنّما هو في الحوصلة خاصّة،

و انتفاءها للبحري، فتأمّل.

و به يمكن دفع التعارض بين ما دلّ على حلّية ما كانت له الحوصلة

______________________________

(1) الكافي 6: 247- 2، الوسائل 24: 149 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 1.

(2) التهذيب 9: 15- 59، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 21 ح 3.

و الحبارى: طائر طويل العنق، رمادي اللون، في منقاره بعض الطول- حياة الحيوان 1: 321.

(3) الفقيه 3: 205- 937، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 4.

(4) الكافي 6: 247- 1، التهذيب 9: 16- 65، الوسائل 24: 150 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 81

خاصّة، و بين مرسلة الفقيه المقتضية لحرمة ما لم تكن له قانصة و لا صيصيّة من طير الماء، فتأمّل.

نعم، يبقى التعارض ظاهرا بين ما دلّ على كفاية إحدى الثلاث في الحلّية كرواية ابن بكير، و ما دلّ على كفاية الحوصلة أو الصيصيّة فقط كموثّقة سماعة و مرسلة الفقيه، و بين ما دلّ منطوقا أو مفهوما على حرمة ما لم تكن له القانصة، و يجب تخصيص عموم الثاني بخصوص الأول، أو يتعارضان فيرجع إلى الأصل، و هو الإباحة، كما عليها فتوى الجماعة.

و أمّا الجمع بين أخبار هذه العلامات الثلاث و بين أخبار الصفّ و الدفّ و المخلب و المسخ فإنّما هو بما مرّ من موثّقة سماعة المصرّحة بأنّ الامتحان بهذه العلامات إنّما هو فيما لا يعرف طيرانه و كلّ طير مجهول، و أمّا ما عرف- كذوي المخالب و المسوخ و الصافّات- فلا يرجع فيه إلى تلك العلامات.

و أمّا بين أخبار الدفّ و أخبار المخلب و المسخ المتعارضين بالعموم من وجه فتخصّص المرجوحة منهما بالراجحة مع وجود المرجّح، و الرجوع

إلى الأصل بدونه، و لكن الإجماع على حرمة ذوي المخالب و المسوخ و الصافّات مطلقا يرجّح الثانية.

و حاصل الجميع: حرمة ذوي المخالب و المسوخ و الصافّات مطلقا، سواء كان لها سائر العلامات أولا، و حلّية الدافّات من غير ما ذكر كذلك، و حرمة ما انتفت فيه العلامات الثلاث إذا كان مجهولا من حيث الطيران و السبعيّة، و حلّية ما وجد فيه إحداها كذلك.

هذا مقتضى قاعدة الجمع بين الأخبار على فرض انفكاك العلامات بعضها عن بعض.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 82

و لكن صرّح بعض المتأخّرين بأنّ الظاهر عدم الانفكاك «1»، و قال الأردبيلي: بأنّ الانفكاك غير معلوم «2»، فلا طير ذا مخلب أو مسوخ أو صافّ تكون له إحدى علامات الحلّية، و لا طير ذا حوصلة أو قانصة أو صيصيّة تكون له إحدى علامات الحرمة، و هو المستفاد من كلام الحجج عليهم السّلام و لا ينبئك مثل خبير.

ثمَّ إنّ جميع ما ذكر إنّما هو القاعدة الكلّية.

و قد وردت بخصوص بعض الطيور أيضا نصوص خاصّة حلّا أو حرمة، يجب اتّباعها لو لم يكن منه مانع من إجماع أو غيره، سواء طابقت القاعدة أو خالفت أو اشتبه الأمر، لخصوصيّتها.

و منها ما وقع الإجماع على حلّيته و حرمته، و اختلفت في بعضها الأخبار و الأقوال، و ها هي نذكرها في طيّ بعض المسائل الآتية.

المسألة الخامسة: قد عرفت حرمة الطاوس بخصوصه و حرمة الوطواط و الزنابير

، لكونها من المسوخات. و كذا يحرم الذباب و البقّ و البرغوث، للإجماع، و قيل: لخباثتها «3». و فيه تأمّل.

المسألة السادسة: اختلفوا في الغراب على أقوال:

الحلّ مطلقا، و هو للتهذيبين و النهاية و القاضي و النافع و الكفاية و المحقّق الأردبيلي «4».

______________________________

(1) كما في الروضة البهية 7: 279.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 178.

(3) كما في الرياض 2: 286.

(4) التهذيب 9: 18- 72 ذ. ح، الاستبصار 4: 66- 238 ذ. ح، النهاية: 577، القاضي في المهذّب 2: 249، المختصر النافع: 252، الكفاية: 249، الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 172، 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 83

و الحرمة كذلك، و هو للخلاف و المختلف و الإيضاح و الروضة «1»، و نسب إلى ظاهر المبسوط أيضا «2»، و عن الأول و ظاهر الأخير الإجماع عليه.

و التفصيل بجعل الغربان أربعة: غراب الزرع الذي يأكل الحبّ، و هو الصغير من الغربان السود، الذي يسمّى الزاغ، و في مصباح المنير: إنّه بقدر الحمامة، برأسه غبرة «3».

و الكبير من الغربان الذي يأكل الجيف و يفترس و يسكن الخرابات، و يسمّى بالغداف، بضمّ الغين المعجمة.

و الأغبر الكبير الذي يفرس و يصيد الدرّاج.

و الأبقع، أي الأبلق الذي له سواد و بياض طويل الذنب، و يسمّى بالعقعق.

فالحكم بالحلّ في الأول، و الحرمة في البواقي، و هو مذهب الحلّي «4»، و نسب ذلك إلى التحرير و الإرشاد و اللمعة «5» أيضا.

و بتقسيمها إلى الكبير الأسود الذي يسكن الجبال و يأكل الجيف، و الأبقع المذكور، و الزاغ المتقدّم، و نوع آخر أصغر من الزاغ أغبر اللون كالرماد، قيل: و يقال له: الغداف «6». فالحكم بالتحريم في الأولين و الحلّ

______________________________

(1) الخلاف 2: 541، المختلف: 678، الإيضاح 4: 147، الروضة

7: 277.

(2) المبسوط 6: 281.

(3) المصباح المنير: 260.

(4) السرائر 3: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    84     المسألة السادسة: اختلفوا في الغراب على أقوال: ..... ص : 82

(5) تحرير الأحكام 2: 160، اللمعة (الروضة 7): 274- 275، الإرشاد 2: 110

(6) كما في المفاتيح 2: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 84

في الأخيرين، نسب إلى المبسوط و بعض كتب الفاضل «1».

و بتقسيمها إلى ثلاثة: غراب الزرع، و الأبقع، و الأسود الكبير الذي يسكن الجبال. و الحكم بالحلّ في الأول، و الحرمة في الثاني.

دليل الأول: الأصل، و العمومات «2»، و خصوص موثّقة زرارة الصحيحة، عن أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: «إنّ أكل الغراب ليس بحرام إنّما الحرام ما حرّم اللّه في كتابه، و لكنّ الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقزّزا» «3».

و جعل هذه الموثقة شاذّة، لتضمّنها الحكم بحلّ كل ما لم يحرّمه القرآن و هو فاسد إجماعا.

فاسد جدّا، إذ كلّ ما يحكم بحرمته في غير القرآن لا بدّ و أن يكون في القرآن أيضا و إن لم نعرفه، لأنّ فيه تبيان كلّ شي ء، و ما فرّطنا فيه من شي ء، و لكن علمه عند الراسخين فيه، فإذا حكم الإمام بحلّية شي ء يعلم أنّه ليس في القرآن [تحريمه ] «4» سلّمنا غايته أن يكون عامّا مخصوصا بالسنّة، و مثله ليس بعزيز، و لا يلزم خروج الأكثر، لتصريح الكتاب بحرمة الخبائث «5» الغير المحصورة أو المعلومة أنواعها، و الرجس الشامل لجميع النجاسات المأمور باجتنابه الشامل للأكل «6»، و مال الغير بدون التراضي «7»،

______________________________

(1) المبسوط 6: 281، الفاضل في قواعد الأحكام 2: 156.

(2) انظر الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7.

(3) التهذيب 9: 18-

72، الاستبصار 4: 66- 237، الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 1.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(5) الأعراف: 157.

(6) المائدة: 90.

(7) النساء: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 85

و مال اليتيم «1»، و الميتة و الدم و لحم الخنزير «2»، و الخمر «3»، و ما أهلّ لغير اللّه و ما لم يذكر اسم اللّه عليه و المنخنقة و ما تعقّبها «4»، و لم يعلم كون ما عدا ذلك من المحرّمات أكثر نوعا من هذه المذكورات، سلّمنا و لكن خروج جزء من الحديث عن الحجّية لا يوجب خروج غيره عنها.

و دليل الثاني: المستفيضة من الروايات:

كصحيحة علي: عن الغراب الأبقع و الأسود أ يحلّ أكلهما؟ قال:

«لا يحلّ أكل شي ء من الغربان زاغ و لا غيره» «5».

و النبويّ: إنّه صلّى اللّه عليه و آله اتي بغراب فسمّاه فاسقا فقال: «و اللّه ما هو من الطيّبات» «6».

و مرسلة الفقيه: «لا يؤكل من الغربان زاغ و لا غيره» «7».

و رواية أبي يحيى الواسطي: عن الغراب الأبقع، فقال: «إنّه لا يؤكل» و قال: «من أحلّ لك الأسود؟!» «8».

و رواية أبي إسماعيل: عن بيض الغراب فقال: «لا تأكله» «9».

______________________________

(1) الإسراء: 34.

(2) المائدة: 3.

(3) المائدة: 90.

(4) المائدة: 3.

(5) الكافي 6: 245- 8، مسائل علي بن جعفر: 174- 310، الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 3.

(6) غوالي اللئالي 3: 468- 27.

(7) الفقيه 3: 221- 1027.

(8) الكافي 6: 246- 15، التهذيب 9: 18- 71، الاستبصار 4: 65- 235، الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 4.

(9) الكافي 6: 252- 10، التهذيب 9: 16- 62، الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 5.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 86

مع ما يدلّ على تبعيّة بيض الحيوان للحمه في الحلّ و الحرمة «1».

و دليل المفصّلين: إمّا الجمع بين الأخبار، أو عدّ قسميه اللذين يأكلان الجيف من الخبائث، أو جعل ما حكموا بحرمته من السباع.

أقول: أمّا الجمع بين الأخبار بذلك فهو كما صرّح به في المسالك «2» غير متّجه، لأنّه جمع بلا وجه و لا شاهد.

و أمّا العدّ من الخبائث فهو في حيّز المنع، و أكل الجيفة لا يوجبه، و مطلق تنفّر النفس لا يستلزمه، كما يستفاد من موثّقة زرارة المذكورة.

و أمّا جعل بعضها من السباع دون بعض و التفصيل لأجله فإنّما يتمّ لو لا تماميّة دليل أحد القولين الأولين، و إلّا فيكون دليله أخصّ مطلقا، فيجب الحكم إمّا بحلّية الجميع أو حرمته، مضافا إلى أنّه لو كان كذلك لما حسن الاقتصار على السبعيّة و عدمها، بل يجب الرجوع إلى جميع العلامات المتقدّمة.

و منه يظهر سقوط الأقوال المفصّلة و بقي الأولان، أمّا الثاني فغير الصحيحة من أدلّته و النبوي غير دالّة على الحرمة، لاحتمال الكلّ للجملة الخبريّة، و النبويّ- لكونه ضعيفا- ليس بحجّة، مع أنّه لا عموم فيه البتّة، لكونه قضية في واقعة، فلم تبق إلّا الصحيحة، و هي تعارض الموثّقة التي هي للأولين حجّة، فالمحرّمون رجّحوا الاولى بالأصحّية و الاعتضاد بالروايات المتأخّرة و الإجماعات المحكيّة و احتمال الثانية للحمل على التقيّة، و المحلّلون رجّحوا الثانية بالأصرحيّة، لأنّ عدم الحلّية في الأولى

______________________________

(1) الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40، و ج 24: 154 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20.

(2) المسالك 2: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 87

أعمّ من الحرمة، لصدقه أيضا مع الكراهة، و لو سلّم الاختصاص فالموثّقة قرينة

لها على إرادة الكراهة، سيّما مع اشتمالها على تنزّه الأنفس، و القرينة الأخرى موثّقة غياث: إنّه كره أكل الغراب لأنّه فاسق «1».

أقول: مرجّحات الأولين ضعيفة، لأنّ الأصحّية و المطابقة لحكاية الإجماع لم يثبت كونهما من المرجّحات، سيّما مع كون المعارض أيضا ممّا صحّ عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و الروايات الأخر- بعد عدم دلالتها على الحرمة- لا تصلح للمعاضدة، و الحمل على التقيّة فرع ثبوت مذهب العامّة في المسألة، و هي بعد عندنا غير معلومة، بل و لا مظنونة، مع أنّ في المسالك نسب التفصيل إلى بعض العامّة «2».

و كذا المرجّح الأخير للطائفة الثانية، لأنّ الكراهة في الصدر الأول تصدق أيضا على الحرمة.

نعم، ما ذكروه- من صلاحيّة [الموثقة] «3» للقرينة على إرادة الكراهة لو قلنا بكون عدم الحلّية مساوقة للحرمة- في غاية الجودة.

فإذن الأجود: عموم الحلّية، و لكنّ الاحتياط رفع اليد عن تلك الأدلّة و متابعة العلامات المتقدّمة من المخلب و الطيران و الحوصلة و القانصة و الصيصيّة.

المسألة السابعة: اختلف الأصحاب في الخطّاف

- كرمّان- و هو الذي يقال له في الفارسية: پرستوك، فعن النهاية و القاضي و الحلّي القول

______________________________

(1) التهذيب 9: 19- 74، الاستبصار 4: 66- 238، علل الشرائع: 485- 1، الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 2.

(2) المسالك 2: 240.

(3) في النسخ «الصحيحة» و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 88

بالحرمة «1»، بل عن الأخير عليه دعوى الإجماع.

لرواية الرقّي: بينا نحن قعود عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ مرّ رجل بيده خطّاف مذبوح، فوثب إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام حتى أخذه من يده، ثمَّ دحا به الأرض، ثمَّ قال عليه السّلام: «أ عالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟

لقد أخبرني أبي عن جدّي: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل الستّة، منها: الخطّاف» الحديث «2».

و نحوها الأخرى، إلّا أنّ فيها مكان قوله: «منها الخطّاف»: «النحلة و النملة و الضفدع و الصرد و الهدهد و الخطّاف» «3».

و صحيحة جميل الواردة في الخطّاف: «يا بنيّ لا تقتلهنّ و لا تؤذهنّ، فإنّهنّ لا يؤذين شيئا» «4».

و المرويّ في الخصال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: نهي عن أكل الصرد و الخطّاف» «5».

و عن المفيد و النافع «6» و عامّة المتأخّرين «7» بل أكثر الأصحاب مطلقا:

______________________________

(1) النهاية: 577، القاضي في المهذب 2: 429، الحلّي في السرائر 3: 104.

(2) الكافي 6: 223- 1، الوسائل 23: 392 أبواب الصيد ب 39 ح 2.

(3) التهذيب 9: 20- 78، الاستبصار 4: 66- 239، الوسائل 24: 147 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 17 ح 1.

(4) الكافي 6: 224- 3، الوسائل 23: 391 أبواب الصيد ب 39 ح 1.

(5) الرواية طويلة، و هي في الخصال: 208- 30 مقطوعة، و نقلها الصدوق كاملة في عيون أخبار الرضا «ع» 1: 188- 1، الوسائل 24: 148 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 17 ح 3.

(6) حكاه عن المفيد في المختلف 2: 678، المختصر النافع: 252.

(7) منهم المحقق في الشرائع 3: 221، العلّامة في المختلف 2: 678، الشهيد الأول في اللمعة 7: 282، الشهيد الثاني في الروضة البهية 7: 283، صاحب الرياض 2: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 89

الحلّية.

للأصل، و العمومات «1»، و كونه من الدافّات غير ذي مخلب، كما يدلّ عليه قوله في صحيحة جميل: «فإنّهنّ لا يؤذين شيئا»، و كون ذرقه طاهرا «2»، و إلّا لحصل الإيذاء، لعموم البلوى بهنّ، و هو يستلزم

الحلّية عند جماعة.

و موثّقة الساباطي: عن الخطّاف قال: «لا بأس به، و هو ممّا يحلّ أكله، لكن كره لأنّه استجار بك و وافى منزلك، و كلّ طير يستجير بك فأجره» «3».

و الأخرى: عن الرجل يصيب خطّافا في الصحراء أو يصيده أ يأكله؟

فقال: «هو ممّا يؤكل»، و عن الوبر يؤكل؟ قال: «لا، هو حرام» «4».

و المرويّ في المختلف عن كتاب عمّار: «خرء الخطّاف لا بأس به، و هو ممّا يحلّ أكله، و لكن كره لأنّه استجار بك» «5».

و هو الأقوى، لما ذكر، و ضعف أدلّة الحرمة، لأنّ النهي عن القتل في الصحيحة إنّما هو في الحرم كما هو صريح صدرها، فيمكن أن يكون ذلك لأجل الحرم. و في الرواية للمرجوحيّة قطعا، لوروده على أشياء لا يحرم قتلها إجماعا، فالحمل على الحرمة يستلزم استعمال اللفظ الواحد في

______________________________

(1) الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(2) كذا في النسخ، و الظاهر لزوم تقديم قوله: «و كون ذرقه طاهرا» على قوله: كما يدلّ عليه ..

(3) التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 23: 393 أبواب الصيد ب 39 ذ. ح 5.

(4) التهذيب 9: 21- 84، الاستبصار 4: 66- 240، الوسائل 23: 394 أبواب الصيد ب 39 ح 6، و ج 24: 148 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 17 ح 2.

(5) المختلف: 679.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 90

الحقيقة و المجاز. و كذا في رواية الخصال، مع أنّ حرمة القتل لا تستلزم حرمة الأكل إلّا إذا قلنا بأنّ النهي في مطلق المعاملات يدلّ على الفساد.

نعم، قد تستفاد حرمة الأكل من صدر الرواية، حيث إنّه لولاها لما جاز أخذها من يد مالكها و إلقاؤها على الأرض، لأنّه إتلاف لمال محترم.

و لكن يمكن أن

يقال: مطلق الأخذ و الإلقاء ليس إتلافا و منعا عن الأكل، و لعلّه فعل ذلك ابتداء حتى ينبّهه على مرجوحيّة القتل و الأكل و إن أخذها مالكها بعد من الأرض و أكلها، فهذا القدر هو لأجل الكراهة.

و على هذا، فلا معارض لأخبار الحلّية، و على فرض التعارض يرجع إلى أصل الإباحة.

نعم، يكره وفاقا للجماعة، للتصريح بها في بعض الأخبار المتقدّمة.

المسألة الثامنة: قال جماعة من الأصحاب بكراهة الهدهد

«1»، بضمّ الهاءين و سكون الدال الاولى، و يقال له بالفارسيّة: شانه سر.

و القبّرة، بالباء الموحّدة المشدّدة المفتوحة بعد القاف المضمومة و قبل الراء المهملة المفتوحة، و ورد في رواية الجعفري «2»: قنبرة، بالنون الساكنة بعد القاف المضمومة و قبل الباء الموحّدة المفتوحة، فجعلها من لحن العامّة- كما في المسالك و الروضة «3»- غير جيّد، و هي بالفارسيّة:

چلو، و على رأسها خصلة شعر، كما في رواية الجعفري أيضا.

و الصرد- بالمهملات، كرطب- طائر ضخم الرأس و المنقار يصيد

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 3: 221، العلّامة في القواعد 2: 156، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 7): 281.

(2) الكافي 6: 225- 4، الوسائل 23: 396 أبواب الصيد ب 41 ح 4.

(3) المسالك 2: 241، الروضة 7: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 91

العصافير، و يقال: إنّه نقّار للأشجار.

و الصوّام- بالمهملة، كرمّان- طائر أغبر اللون، طويل الرقبة، أكثر ما يبيت في النخل.

و الشقراق، بفتح الشين المعجمة و كسر القاف و تشديد الراء، و كقرطاس، ما يقال له بالفارسيّة: سبزمرغ.

و الفاختة، و هو ما يقال له في بعض بلاد الفرس: قوقو.

و الحبارى كسكارى، يقال له بالفارسيّة: هبرة.

أمّا إباحة الجميع فللإجماع، و العلامات، و الأصل، و العمومات.

مضافة في الفاختة إلى الاندراج تحت حدّ الحمام المنصوص على حلّيته.

و في الحبارى إلى

رواية مسمع: عن الحبارى، قال: «وددت أن يكون عندي منه فآكل حتى أتملّأ» «1».

و رواية نشيط: «لا أرى بأكل الحبارى بأسا» «2».

و أمّا الكراهة فلفتوى الجماعة و الشهرة.

مضافة في القبّرة إلى رواية الجعفري: «لا تأكلوا القبّرة و لا تسبّوها و لا تعطوها الصبيان يلعبون بها، فإنّها كثيرة التسبيح للّه سبحانه، و تسبيحها:

لعن اللّه مبغضي آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله» «3».

و في رواية أخرى: «لا تقتلوا القنبرة و لا تأكلوا لحمها» «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 206- 940، التهذيب 9: 17- 69، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 21 ح 2.

(2) الكافي 6: 313- 6، الوسائل 24: 157 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 21 ح 1.

(3) الكافي 6: 225- 1، التهذيب 9: 19- 77، الوسائل 23: 395 أبواب الصيد ب 41 ح 1.

(4) الكافي 6: 225- 3، الوسائل 23: 396 أبواب الصيد ب 41 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 92

و في الصرد إلى رواية الخصال المتقدّمة، و في غير الأخيرين إلى النهي عن القتل «1».

و في ثبوت كراهة الأكل بعد القتل نظر، كما في إثبات كراهة أكل الفاختة بروايتي حفص «2» و أبي بصير «3» الدالّتين على شؤمها و دعائها على أرباب البيت.

المسألة التاسعة: يحلّ الحمام من غير كراهة إجماعا

، له، و لرواية الرقّي: «لا بأس بأكل الحمام المسرول» [1].

و في رواية أخرى: «أطيب اللحمان لحم فرخ حمام» «4».

ثمَّ الحمام جنس لكلّ مطوّق من الطيور، أو ما عبّ الماء، أي يشربه من غير مصّ كما تمصّ الدواب، بل يأخذه بمنقاره قطرة قطرة.

فيدخل فيه القمري- بضم القاف و سكون الميم و كسر الراء- و هو الحمام الأزرق، و لعلّه ما يقال له بالفارسيّة: كبوتر چاهي.

و الدبسي- بضمّ الدال- و هو

الحمام الأحمر.

و الورشان- بالتحريك- و هو الحمام الأبيض.

و تدخل فيه الفواخت أيضا، و الحبارى، و الحجل- بفتح الحاء المهملة ثمَّ الجيم- و في القاموس: إنّه الذكر من القبح، بسكون الباء

______________________________

[1] الكافي 6: 311- 2، الفقيه 3: 213- 990، التهذيب 9: 49- 204، الاستبصار 4: 79- 291، الوسائل 24: 189 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 38 ح 1.

و المسرولة: أي في رجليها ريش- مجمع البحرين 5: 396.

______________________________

(1) الوسائل 23: 394، 397 أبواب الصيد ب 40 و 43.

(2) الكافي 6: 551- 1، الوسائل 11: 528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 1.

(3) الكافي 6: 551- 3، الوسائل 11: 528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 2.

(4) الكافي 6: 312- 2، المحاسن: 475- 477، الوسائل 25: 46 أبواب الأطعمة المباحة ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 93

الموحّدة بعد القاف المفتوحة و قبل الجيم، معرّب: كبك «1»، و في المهذّب:

إنّ الحجل نوع من القبح.

و يدخل فيه أيضا الدرّاج كرمّان.

و القطاة، و هي بالفارسيّة: صفر، و فسّره في كنز اللغة ب: سنگخواره.

و الطيهوج، طائر من طيور الماء طويل الرجلين و العنق، كذا قاله الشهيد الثاني «2»، و في الكنز: إنّه تيهو.

و الدجاج- بتثليث الدال، و الفتح أشهر- و هو معروف.

و الكروان- بفتح الكاف و الراء- ما يقال له بالفارسيّة: ما هي خواره.

و الكركي- بضمّ الكاف- و هو بالفارسيّة: كلنگ.

و الصعوة- بفتح الصاد و سكون العين- و اشتهرت بالفارسيّة ب:

برف چين.

و يدلّ على حلّ بعض هذه بعض الأخبار أيضا، ففي رواية محمّد بن حكيم: «أطعموا المحموم لحم القباج، فإنّه يقوّي الساقين و يطرد الحمّى طردا» «3».

و في مرفوعة السيّاري: «من سرّ أن يقلّ غيظه فليأكل لحم الدرّاج» «4».

و في

رواية عليّ بن مهزيار: تغدّيت مع أبي جعفر عليه السّلام فأتي بقطاة، فقال: إنّه مبارك و كان أبي يعجبه، و كان يقول: أطعموه صاحب اليرقان

______________________________

(1) القاموس المحيط 3: 366.

(2) كما في الروضة البهية 7: 288.

(3) الكافي 6: 312- 4، الوسائل 25: 49 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 1.

(4) الكافي 6: 312- 3، المحاسن: 475- 478، الوسائل 25: 50 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 94

يشوى له، فإنّه ينفعه» «1».

و روى الطبرسي في المجمع: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل الدجاج «2».

و ورد: أنّ الدجاج الجلّالة تربط ثلاثة أيّام ثمَّ تؤكل، و البطّة تربط خمسة أيّام ثمَّ تؤكل «3».

و صرّح الشهيد الثاني بورود النصّ على الحجل و الطيهوج و الكروان و الكركي و الصعوة أيضا «4»، إلّا أنّا لم نقف على نصّ فيها بعد.

المسألة العاشرة: لا خلاف بين أصحابنا في أنّ طير البحر- كالبطّ و الإوزّة و غيرهما- كطير البرّ

في اندراجه تحت القواعد الكلّية المتقدّمة، المثبتة للحلّ و الحرمة، و مساواته له فيما ينصّ عليه، لإطلاق أخبار العلامات، بل تنصيص بعضها بأنّ طير الماء مثل ذلك كما مرّ «5»، و لمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى من الفصل الأول «6».

و في رواية زكريّا بن آدم: عن دجاج الماء، قال: «إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس» «7».

و في حسنة [نجيّة] «8» بن الحارث: عن طير الماء و ما يأكل السمك منه يحلّ؟ قال: «لا بأس به كلّه» «9».

______________________________

(1) الكافي 6: 312- 5، الوسائل 25: 49 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 2.

(2) مجمع البيان 2: 236.

(3) الكافي 6: 251- 3، التهذيب 9: 46- 192، الاستبصار 4: 77- 285، الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 1.

(4) المسالك 2:

241.

(5) في ص: 79 و 80.

(6) راجع ص: 61.

(7) الفقيه 3: 206- 941، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 5.

(8) في النسخ: جنّة، و الصحيح ما أثبتناه، كما في التهذيب و الوسائل.

(9) الفقيه 3: 206- 939، التهذيب 9: 17- 68، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 95

و مقتضاها: حلّية مطلق طير الماء و إن كان مثله حراما في البرّ، إلّا أنّه يقيّد بما مرّ، و كذا مقتضاها حلّية ما يأكل منه السمك.

قيل: الظاهر أنّها محمولة على التقيّة، إذ لا قائل بمضمونها من الأصحاب «1».

فإن أراد به حكمها بحلّية مطلق الطير فلا بأس به.

و إن أراد حكمها بحلّية ما يأكل السمك، فإن كان نظره إلى أنّ ما يأكل اللحم من طيور البرّ حرام عند الأصحاب ففيه نظر، لما عرفت في الصرد و أنّه يصيد العصافير.

و إن كان أنّ الأصحاب صرّحوا بحرمة ما يأكل السمك فلم نقف على تصريح من الأصحاب به.

المسألة الحادية عشرة: البيض تابع للمبيض،

فيحلّ بيض ما يؤكل لحمه و يحرم ممّا لا يؤكل، بلا خلاف فيه يعرف، بل مطلقا كما قيل «2».

و ظاهر الكفاية و عن صريح الغنية الإجماع عليه «3»، و لعلّه محقّق أيضا، فهو الحجّة فيه، مضافا إلى الخبرين المتقدّمين في بيض السمك «4».

و أمّا ما في المستفيضة المعتبرة من حلّية ما اختلف طرفاه مطلقا و حرمة ما تساويا كذلك، كصحيحة محمّد: «إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه إلّا ما اختلف طرفاه» «5».

______________________________

(1) قال في المسالك 2: 241 .. و نبّه المصنّف بتخصيصه على خلاف بعض العامة حيث ذهب إلى حلّه كلّه كحيوانه.

(2) انظر الرياض 2: 286.

(3) الكفاية: 249، الغنية (الجوامع

الفقهية): 618.

(4) في ص: 70.

(5) الكافي 6: 248- 1، التهذيب 9: 15- 57، الوسائل 24: 154 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 96

و زرارة: البيض في الآجام، فقال: «ما استوى طرفاه فلا تأكل، و ما اختلف طرفاه فكل» «1».

و رواية مسعدة: «كل من البيض ما لم يستو رأساه» و قال: «ما كان من بيض طير الماء مثل بيض الدجاج و على خلقته أحد رأسيه مفرطح، و إلّا فلا تأكل منه» «2».

أقول: المفرطح ماله عرض في استدارة.

و صحيحة ابن سنان: عن بيض طير الماء، فقال: «ما كان منه مثل بيض الدجاج» يعني على خلقته «فكل» «3».

فهي و إن كانت بإطلاقها أو عمومها شاملة لبيض كلّ طير، إلّا أنّ الأصحاب حملوها على صورة اشتباه البيض أنّه من أيّ طير لا مطلقا، كما هو ظاهر مورد الصحيحين الأولين.

و صريح رواية أبي الخطّاب: عن رجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا يدري بيض ما هو، أبيض ما يكره من الطير أو يستحب؟ فقال:

«إنّ فيه علما لا يخفى، انظر إلى كلّ بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكل، و ما سوى ذلك فدعه» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 249- 2، الفقيه 3: 205- 936، التهذيب 9: 16- 60، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 4.

(2) الكافي 6: 249- 4، التهذيب 9: 16- 61، قرب الإسناد: 49- 160، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 5.

(3) الفقيه 3: 206- 942، التهذيب 9: 15- 59، الوسائل 24: 154 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 2.

(4) الكافي 6: 249- 3، التهذيب 9: 15- 58، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 97

و ابن أبي يعفور: إنّي أكون في الآجام فيختلف عليّ البيض فما آكل منه؟ فقال: «كل منه ما اختلف طرفاه» «1».

و ظاهر الروايتين اعتقاد السائل الكلّية الأولى انتفاء و ثبوتا، و أنّ المشتبه له حكم البيض المشتبه، فهاتان الروايتان- مضافتين إلى ظاهر الإجماع المحقّق و المحكيّ- شواهد على الحمل المذكور، مضافا إلى كون الروايتين المثبتتين للكلّية الأولى أخصّ مطلقا من تلك الإطلاقات أو العمومات، لاختصاصهما بالبيض المعلوم حال مبيضة و عموم غيرهما له و للمشتبه، فمقتضى القاعدة التخصيص.

هذا على تقدير انفكاك الضابطين و إمكان تعارضهما، و أمّا على تقدير ثبوت التلازم بينهما- كما يستفاد من رواية أبي الخطّاب- فيرتفع الإشكال رأسا.

و ممّا ذكر ظهر حكم المشتبه من البيض أيضا، فيرجع إلى الكلّية الثانية من ملاحظة الطرفين، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضا كما صرّح به بعضهم «2»، و عليه الإجماع عن الغنية «3»، و تدلّ عليه الروايات المذكورة.

______________________________

(1) الكافي 6: 249- 5، الوسائل 24: 156 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 6.

(2) كصاحب الرياض 2: 286.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 98

الفصل الثالث في غير الطير من الحيوانات البرّيّة من الأهليّة و الوحشيّة و فيه مسائل:

المسألة الأولى: السباع حرام مطلقا، سواء كانت قويّة أو ضعيفة،

بلا خلاف فيه يعرف، أو مطلقا كما في الكفاية «1» و شرح المفاتيح و غيرهما «2»، بل مجمع عليه كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «3»، و عن الخلاف و الغنية «4» و غيرهما من كتب الجماعة «5»، بل بالإجماع المحقّق، فهو فيه الحجّة، مضافا إلى المستفيضة المعتبرة المتقدّمة في مسألة سباع الطير «6».

و أمّا بعض الأخبار الدالّة على انحصار الحرام فيما حرّمه اللّه في القرآن «7» فهي عامّة بالنسبة إلى الأخبار المتقدّمة، فبها مخصّصة، و على فرض التساوي فإمّا مؤوّلة،

أو محمولة على التقيّة لموافقتها في المورد للعامّة «8»، أو مطروحة لمخالفتها الجماعة.

______________________________

(1) الكفاية: 248.

(2) انظر الرياض 2: 283.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 11: 166.

(4) الخلاف 2: 538، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(5) كما في كشف اللثام 2: 83.

(6) في ص: 73.

(7) انظر الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(8) انظر المغني و الشرح الكبير 11: 67، صحيح مسلم بشرح النووي 13: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 99

ثمَّ السبع هو المفترس من الحيوانات بطبعه أو للأكل كما في القاموس «1»، أو هي التي لها أنياب أو أظفار يعدو بها على الحيوان و يفترسه، و قد يوجدان معا في السبع، كما في الأسد و السنّور.

و الناب من الحيوان: السنّ الذي يفترس به، و من الإنسان ما يلي الرباعيّات.

و قد يقال: إنّ السبع هو الذي يأكل اللحم «2». و الكلّ متلازمة على الظاهر.

ثمَّ من السباع من غير الطيور: الأسد و النمر و الفهد و الذئب و الكلب و الدبّ، و هي من أقويائها، و الثعلب و الضبع و السنّور و ابن آوى، و هي من ضعفائها، و يصرّح بكون السنّور سبعا بعض الروايات: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام أنّ الهرّ سبع» «3».

و منهم من عدّ منها الأرنب، و تدلّ عليه رواية العلل: «و حرّم الأرنب لأنّها بمنزلة السنّور، و لها مخالب كمخالب السنّور و سباع الوحش فجرت مجراها» إلى أن قال: «لأنّها مسخ أيضا» «4».

المسألة الثانية: يحرم من الحيوانات المسوخات

أيضا، بلا خلاف فيها يعرف كما في الكفاية «5». و في شرح المفاتيح: إنّ عليه عمل الأصحاب. بل بالإجماع، فهو الدليل عليه، مضافا إلى المستفيضة بل

______________________________

(1) القاموس المحيط 3: 37.

(2) كما في بداية المجتهد 1: 468.

(3) الكافي 3: 9-

4، التهذيب 1: 227- 655، الوسائل 1: 227 أبواب الأسآر ب 2 ح 2.

(4) علل الشرائع: 482- 1، الوسائل 24: 109 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 11.

(5) الكفاية: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 100

المتواترة معنى المتقدّمة كثيرة منها في مسألة مسوخ الطير «1».

ثمَّ من المسوخات: الفيل و الذئب و الأرنب و الوطواط و القردة و الخنازير و الجرّيث و الضبّ و الفأرة و العقرب و الدبّ و الوزغ و الزنبور و الدبى- و هو شي ء يشبه الجراد- ذكرها كلّا سوى الأخير في رواية محمّد بن الحسن الأشعري «2».

و تدلّ عليه في الفيل رواية الحسين بن خالد، و في القردة و الخنزير و الدبّ رواية المفضّل، و في القرد رواية العيون المتقدّمة جميعا في مسألة مسخ الطير «3»، و في الأرنب رواية العلل المذكورة في المسألة السابقة، و في الضبّ و الفأرة و القردة و الخنازير حسنة الحلبي «4»، و في القردة و الخنازير و الوبر و الورل رواية الكلبي النسّابة «5».

و الوبر- بسكون الباء- دويبة على قدر السنّور، غبراء أو بيضاء، حسنة العينين، لا ذنب لها، شديدة الحياء، حجازيّة.

و الورل- محرّكة- دابّة كالضبّ أو العظيم من أشكال الوزغ، طويل الذنب، صغير الرأس.

و في الأخير: موثّقة الساباطي: في الذي يشبه الجراد و هو الذي يسمّى الدبى، ليس له جناح يطير به إلّا أنّه يقفز قفزا أ يحلّ أكله؟ قال:

«لا يؤكل ذلك، لأنّه مسخ» «6».

______________________________

(1) راجع ص: 74.

(2) المتقدمة في ص: 76.

(3) في ص: 75.

(4) الكافي 6: 245- 5، التهذيب 9: 39- 163، الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة في ص: 67.

(6) التهذيب 9: 82- 350، الوسائل 24: 89

أبواب الذبائح ب 37 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 101

و في رواية أبي سهل القرشي: عن لحم الكلب، قال: «هو مسخ» «1».

و بعض الروايات- المشعرة بحلّية بعض أفراد ما ذكر أو من السبع أو الحشار «2»- مطروحة أو على التقيّة محمولة.

و قد ظهر منها أنّ المسوخ من حيوانات البرّ- غير الطير- أربعة عشر:

الفيل و الذئب و الأرنب و الكلب و القردة و الخنازير و الضبّ و الفأرة و العقرب و الدبّ و الوزغ و الوبر و الورل و الدبى، و مع الطيور الثلاثة- الطاوس و الوطواط و الزنبور- تصير ستّة عشر، و مع الثلاثة البحريّة المصرّح بمسخها في رواية الكلبي «3» ترتقي إلى تسعة عشر، و جميعها أمساخ.

و زاد فيها في الفقيه سبعة اخرى: النعامة و الدعموص و السرطان و السلحفاة و الثعلب و اليربوع و القنفذ «4». و لجواز أن يكون ذلك من كلامه دون تتمّة رواية محمّد- كما صرّح به بعضهم «5»- لا حجّية فيه.

نعم، ذكر بعض المتأخّرين- بعد نقل ذلك عن الصدوق-: و يؤيّده بعض الأخبار. و لكن لم نعثر عليه، فلا يفيد.

و في ذيل رواية أبي سعيد الخدري الطويلة: «إنّ اللّه مسخ سبعمائة أمّة عصوا الأوصياء بعد الرسل، فأخذ أربعمائة منهم برّا و ثلاثمائة بحرا» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 245- 7، التهذيب 9: 39- 164، الوسائل 24: 105 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 4.

(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2.

(3) الكافي 6: 221- 12، الوسائل 24: 131 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 5.

(4) الفقيه 3: 213- 988.

(5) و هو الفيض الكاشاني في الوافي 19: 33.

(6) الكافي 6: 243- 1، علل الشرائع: 460- 1، الوسائل

24: 107 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 102

و يحتمل أن تكون تلك العدّة من أنواع العصاة دون المسوخ، فمسخت عدّة منهم على نوع واحد من الحيوانات.

و يحتمل أن تكون تلك العدّة من أنواع المسوخ و لكن لم يبق للجميع مثال، كما روى الصدوق في الفقيه: إنّ المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيّام و أنّ هذه مثل لها «1».

المسألة الثالثة: و من الحيوانات المحرّمة: حشرات الأرض

، جعله في الكفاية من المعروف «2»، و في المسالك: إنّه عندنا موضع وفاق «3». و في شرح الإرشاد للأردبيلي: لعلّه إجماعي «4».

و قيل- بعد ذكر حيوانات منها: الحشار كلّها، و الحكم بتحريمها-:

و لا خلاف في شي ء من ذلك «5».

بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية «6»، و غيرهما «7»، و الظاهر كون حرمتها إجماعا محقّقا، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى المرويّ في الدعائم- المنجبر ضعفه بما ذكر-: عن علي عليه السّلام: أنّه نهى عن الضبّ و القنفذ و غيره من حشرات الأرض «8».

______________________________

(1) الفقيه 3: 213- 989، الوسائل 24: 108 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 10.

(2) الكفاية: 249.

(3) المسالك 2: 239.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 167.

(5) كما في المسالك 2: 239.

(6) الخلاف 2: 541، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(7) كالمفاتيح 2: 183.

(8) دعائم الإسلام 2: 123، المستدرك 16: 170 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 103

مضافا في بعضها إلى أنّه من المسوخ، و بعضها من الخبائث، بل عدّ بعضهم جميعها منها «1»، و بعضها ذو سمّ مضرّ.

قال الشهيد الثاني في حاشية المسالك: الحشار صغار دواب الأرض «2».

أقول: حشرات الأرض هي الحيوانات التي تأوي ثقب الأرض، و هي كثيرة لا تكاد

تحصر، و منها: الفأرة، و الحيّة، و العقرب، و الجرذ و هي نوع من الفأرة.

و اليربوع، و هي أيضا نوع من الفأرة قصير اليدين جدّا، طويل الرجلين، لونه كلون الغزال.

و الخنفساء، بضمّ الأول و فتح الثالث أو ضمّه على لغة مع المدّ.

و الصراصر، و هي التي يقال لها بالفارسيّة: زنجرة.

و القنفذ، و يسمّى بالفارسيّة: خارپشت.

و سام أبرص، و يقال بها: سوسمار، و هو الضبّ.

و العظاية- بالظاء المعجمة بعد المهملة- دويبة أكبر من الوزغة، قاله الجوهري «3». و في القاموس: أنّها دويبة كسام أبرص «4».

و اللّحكة- كهمزة- دويبة زرقاء تشبه العظاية، و ليس لها ذنب طويل كذنبها، و في السرائر: إنّها دويبة كالسمك تسكن الرمل، فإذا رأت الإنسان

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 239.

(2) الحاشية غير موجودة، لكن في متن المسالك 2: 232: المراد بالحشرات ما سكن باطن الأرض من الدواب.

(3) انظر الصحاح 6: 2431.

(4) القاموس المحيط 4: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 104

غاصت و تغيّبت فيه، و هي صقيلة تشبه أنامل العذارى «1».

و بنات وردان- بفتح الواو مبنيّا على الفتح- و هي دويبة تتولّد في الأماكن النديّة، و أكثر ما تكون في الحمّامات و السقايات.

و الديدان بأنواعها، و العناكب، و الرّتيلاء، و ما يقال له بالفارسيّة:

هزارپا، و البرغوث، و غير ذلك.

و في كثير منها أيضا نصوص خاصّة محرّمة، كالحيّة و العقرب و الفأرة و اليربوع و القنفذ و الضبّ «2».

المسألة الرابعة: تحرم القمّل إجماعا

- لخباثتها، بل هي من أخبث الخبائث- و الدود الخارج من الإنسان، و الحيوانات الصغار التي تلصق بأبدان الحيوانات كما يقال لها بالفارسيّة: كنه و مله، للإجماع و الخباثة.

المسألة الخامسة: هل تحرم الديدان المتكوّنة في الفواكه كدود التفّاح و البطّيخ و نحوهما؟

فيه إشكال، و لا دليل على حرمتها إلّا الخباثة، و في تأمّل يعلم وجهه ممّا مرّ في بيان الخباثة.

المسألة السادسة: صرّح جمع من المتأخّرين بعدم الخلاف في تحريم الخزّ و السمّور و الفنك و السنجاب «3».

أمّا الخزّ، فقد مرّ تحقيقه في كتاب الطهارة.

و أمّا البواقي، فصرّح به في الرضوي بتحريمها «4»، و ضعفه غير

______________________________

(1) السرائر 3: 105.

(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 240، الفيض في المفاتيح 2: 183.

(4) فقه الرضا «ع»: 302، المستدرك 16: 207 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 47 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 105

ضائر، لأنّ الاشتهار له جابر، فما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين من انتفاء المستند لتحريم السمّور و الفنك «1» غير جيّد. و بعض الأخبار المشعرة بعدم تحريم السنجاب «2» مرجوحة، لمخالفة الطائفة و موافقة العامّة «3».

المسألة السابعة: حلّية النعم الثلاث الأهليّة-

الإبل و البقر و الغنم- من الضروريّات الدينيّة.

قال اللّه سبحانه وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ إلى أن قال سبحانه ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ إلى أن قال عزّ شأنه وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ «4».

في تفسير علي: فهذه التي أحلّها اللّه في كتابه- إلى أن قال-: فقال صلّى اللّه عليه و آله:

مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ عنى الأهلي و الجبلي وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ عنى الأهلي و الوحشي الجبلي وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ عنى الأهلي و الوحشي الجبلي وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ عنى البخاتي و العراب، فهذه أحلّها اللّه» «5».

و في معناه خبر آخر في الكافي، و فيه: «و من المعز اثنين زوج داجنة يربّيها الناس، و الزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز» «6».

المسألة الثامنة: الحقّ المشهور بين الأصحاب حلّية الحمول الثلاثة

______________________________

(1) كما يستفاد من كلام المحقق السبزواري في الكفاية: 249.

(2) الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 41.

(3) المغني و الشرح الكبير 11: 72.

(4) الأنعام: 142، 143، 144.

(5) تفسير القمي 1: 219، المستدرك 16: 349 أبواب الأطعمة المباحة ب 17 ح 2.

(6) الكافي 8: 283- 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 106

الأهليّة التي تحمل الأثقال و تركب: الخيل و البغال و الحمير. و في الكفاية:

إنّه المعروف بين الأصحاب حتى كاد أن يكون اتّفاقيّا «1». و في شرح الأردبيلي: كاد أن يكون إجماعيّا «2». و عن الخلاف الإجماع عليه «3»، بل هو إجماع محقّق ظاهرا، فهو الدليل عليه، مضافا إلى الأصل، و العمومات «4»، و خصوص المستفيضة «5».

و الأخبار المعارضة لها «6» مرجوحة جدّا، لمخالفتها عموم الكتاب و عمل الأصحاب، و موافقتها لهؤلاء .. «7».

خلافا

للمحكيّ عن الحلبي في البغال، فحرّمها «8»، لبعض الأخبار المشار إليها، و هي- مع ما فيها ممّا ذكر- متضمّنة للخيل و الحمير أيضا، و هو لا يقول بحرمتهما، فالنهي فيها غير باق على ظاهره عنده أيضا.

نعم، تكره هذه الثلاثة، حملا للأخبار الناهية على الكراهة، و الظاهر عدم الخلاف فيها و إن اختلفوا فيما هو أشدّ كراهة من الحمير و البغال، و الأمر فيه سهل.

المسألة التاسعة: يحلّ من البهائم الوحشيّة: البقر، و الكباش الجبليّة

- جمع الكبش و المراد به: الضأن و المعز الجبليّين- و الغزلان- جمع الغزال

______________________________

(1) الكفاية: 248.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 158.

(3) الخلاف 2: 540.

(4) الأنعام: 145.

(5) انظر الوسائل 24: 117، 121 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 4، 5.

(6) انظر الوسائل 24: 118، 120 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 4 ح 3 و 4 و 9، و ص 121، 122 ب 5 ح 1، 2، 5.

(7) انظر بداية المجتهد 1: 469، المغني و الشرح الكبير 11: 66 و 67.

(8) كما في الكافي في الفقه: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 107

و هو الظبي- و الحمر، و اليحامير- جمع يحمور- قيل: هو حيوان شبيه بالإبل و ليس هو إيّاه «1». و في عجائب المخلوقات: إنّه دابّة وحشية نافرة لها قرنان طويلان كأنّهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كلّ سنة «2». و في القاموس: اليحمور يقال لحمار الوحش، و لدابّة أخرى، و لطائر «3».

ثمَّ حلّية الخمسة ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين، صرّح به جماعة «4»، و في المفاتيح و شرحه الإجماع عليه «5».

و يدلّ في الجميع: الأصل و العمومات الكتابيّة و السنّتية.

و في الثلاثة الأولى: ما يدلّ على حلّية الأزواج الثمانية، سيّما مع ما سبق في بيانها.

و في خصوص الأول أو الثاني: مرسلة

الفقيه: في إيّل اصطاده رجل فقطعه الناس و الذي اصطاده يمنعه ففيه نهي؟ فقال: «ليس فيه نهي و ليس به بأس» «6».

و الايّل- بكسر الهمزة و ضمّها- بقر الجبل، و قيل: هو- بالكسر فالفتح- ذكر الأوعال، و يقال: هو الذي يسمّى بالفارسيّة: گوزن «7»، و في كنز اللغة: إيل بز كوهي نر و گوزن.

______________________________

(1) قال في لسان العرب 4: 215 هو دابة تشبه العنز.

(2) لم نعثر عليه في عجائب المخلوقات و هو موجود في حياة الحيوان الكبرى للدميري 2: 434.

(3) القاموس المحيط 2: 14.

(4) كما في المسالك 2: 239، كشف اللثام 2: 83، رياض المسائل 2: 283.

(5) مفاتيح الشرائع 2: 182.

(6) الفقيه 3: 204- 930، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 17 ح 4.

(7) انظر لسان العرب 11: 35 و 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 108

و في الثالث و الرابع: موثّقة سماعة: عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثمَّ كان في طلبه- إلى أن قال-: فقال عليه السّلام: «إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل، و إلّا فلا يأكل» «1».

و في الرابع: رواية أبي بصير: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الحمر الأهليّة، و ليس بالوحشيّة بأس» «2».

و في الخامس: المرويّ في محاسن البرقي: عن الآمص فقال عليه السّلام:

«و ما هو؟» فذهبت أصفه فقال: «أ ليس اليحامير؟» قلت: بلى، قال:

«أ ليس تأكلونه بالخلّ و الخردل و الأبزار «3»؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس به» «4».

و قال الصدوق في الفقيه: و لا بأس بأكل الآمص، و هو اليحامير «5».

و كلامه هذا يحتمل أن يكون من تتمّة الحديث السابق عليه، المرويّ عن محمّد، و أن

يكون من كلامه، كذا قيل «6».

ثمَّ المستفاد من رواية أبي بصير بقرينة التفصيل: عدم الكراهة في الحمر الوحشيّة.

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 4، التهذيب 9: 34- 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) التهذيب 9: 42- 177، الوسائل 24: 124 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 5 ح 7.

(3) كذا في «ح» و المصدر، و أمّا في سائر النسخ: و الأرز.

(4) المحاسن: 472- 470. الآمص و الآميص طعام يتخذ من لحم عجل بجلده، انظر القاموس 2: 306.

و الأبزار جمع البزر و هو التابل يقال لها بالفارسية: ادويه جات، انظر لسان العرب 4: 56.

(5) الفقيه 3: 213.

(6) قاله الفيض في الوافي 19: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 109

و عن الحلّي و التحرير و الدروس: كراهته «1». قيل: و له وجه، لإطلاق بعض أخبار كراهة الحمار «2»، و خصوص رواية نصر بن محمّد: في لحوم حمر الوحش أنّه: «يجوز أكله لوحشته، و تركه عندي أفضل» «3».

و لا بأس به و إن كان في الدليلين كلام.

ثمَّ تخصيص الفقهاء هذه الخمسة بالذكر إمّا لشيوع صيدها، أو لورودها في الأخبار المذكورة. و قال الأردبيلي: و كأنّه للتمثيل و التبيين في الجملة «4». و إلّا فلا تختصّ الحلّية بها، بل كلّ غير ما ذكرت حرمته داخل تحت أصل الإباحة و عمومات الحلّية.

______________________________

(1) الحلّي في السرائر 3: 101، تحرير الأحكام 2: 159، الدروس 3: 5.

(2) كما في الوسائل 24: 117 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 4.

(3) الكافي 6: 313- 1، الوسائل 25: 50 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 1.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 110

الفصل الرابع في التحريم العارض للحيوانات المحلّلة و فيه مسائل:

المسألة الاولى: من موجبات عروض الحرمة: الجلل

، و هو موجب للحرمة على الأشهر، بل بلا

خلاف يذكر، إلّا من شاذّ ممّن تأخّر كما ستعرف، إذ لا ينسب الخلاف إلّا إلى الخلاف و المبسوط و الإسكافي، حيث تنسب إليهم الكراهة «1».

و حاول جماعة بإرجاع كلامهم إلى المشهور بإرادتهم كراهة ما تكون العذرة أكثر غذائه لا أن ينحصر فيها، و الجلل يختصّ بالأخير «2». و كلام الخلاف ظاهر في ذلك «3».

و كيف كان، فالأقوى هنا: الحرمة، للمستفيضة:

منها صحيحة أبي حمزة: «لا تأكلوا لحوم الجلّالات، و إن أصابك من عرقها فاغسله» «4».

و مفهوم الشرط في مرسلة ابن أسباط: في الجلّالات، قال: «لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن» «5».

______________________________

(1) نسبه إليهم الفاضل المقداد السيوري في التنقيح 4: 37 و المحقق السبزواري في الكفاية: 249.

(2) منهم فخر المحققين في الإيضاح 4: 149، صاحب الرياض 2: 282.

(3) الخلاف 2: 541.

(4) الكافي 6: 250- 1، الاستبصار 4: 76- 281، الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 1.

(5) الكافي 6: 252- 7، الاستبصار 4: 78- 288، التهذيب 9: 47- 195، الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 111

و مفهوم الغاية في مرسلة النميري: في شاة شربت بولا ثمَّ ذبحت، قال: فقال: «يغسل ما في جوفها ثمَّ لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة، و الجلّالة: التي يكون ذلك غذاؤها» «1».

و في مرسلة الفقيه: نهى عليه السّلام عن ركوب الجلّالات و شرب ألبانها، و قال: «إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله، و الناقة الجلّالة تربط أربعين يوما ثمَّ يجوز بعد ذلك نحرها و أكلها، و البقرة تربط ثلاثين يوما» «2».

المؤيّدة بأخبار أخر متضمّنة للجمل الخبريّة، كما يأتي بعضها.

و لا تنافيها صحيحة سعد: عن

أكل لحوم دجاج الدساكر و هم لا يمنعونها من شي ء تمرّ على العذرة مخلّى عنها، و عن أكل بيضهنّ، فقال:

«لا بأس به» [1]، إذ لم يصرّح السائل فيها بأكل العذرة، و الأصل يقتضي عدمه، و على تقدير الأكل لم تعلم الأكثريّة أو الدوام الموجب للجلل، فالقول بالكراهة- كما في الكفاية- «3» ضعيف جدّا.

ثمَّ إنّه يشترط في حصول الجلل أمور ثلاثة: الاغتذاء بعذرة الإنسان، محضا، في مدّة يحصل فيها الجلل.

أمّا الأول، فلمرسلة النميري المتقدّمة، حيث قال فيها: «التي يكون

______________________________

[1] الكافي 6: 252- 8، التهذيب 9: 46- 193، الاستبصار 4: 77- 286، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 4.

الدسكرة: القرية و الصومعة و الأرض المستوية و بيوت الأعاجم يكون فيها الشراب و الملاهي- القاموس 2: 30.

______________________________

(1) الكافي 6: 251- 5، التهذيب 9: 47- 194، الاستبصار 4: 78- 287، الوسائل 24: 160 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 24 ح 2.

(2) الفقيه 3: 214- 991، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 6.

(3) الكفاية: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 112

ذلك غذاؤها»، فإنّ المشار إليه هو العذرة، مضافا إلى وجوب الاقتصار في التحريم على المعلوم، و لم يعلم صدق الجلل في الاغتذاء بغير العذرة.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات «1».

و هو شاذّ مندفع بما مرّ.

و أمّا الثاني، فللأصل المذكور أيضا، مضافا إلى مرسلتي النميري و ابن أسباط المتقدّمتين، المنجبرتين لو كان فيهما ضعف. خلافا للمحكيّ عن المبسوط، فلم يعتبر التمحّض «2». و هو أيضا شاذّ ضعيف و إن كان النزاع يرجع لفظيّا، لأنّه يقول فيه بالكراهة.

و أمّا الثالث، فظاهر، و لكنّهم اختلفوا في المدّة التي يحصل بها الجلل، فقدّرها بعضهم بأن

ينمو ذلك في بدنه و يصير جزءا «3»، و آخر بيوم و ليلة «4»، و ثالث بأن يظهر النتن، أي رائحة النجاسة التي اغتذت بها في لحمه و جلده «5»، و رابع بأن يسمّى في العرف جلّالا «6».

و غير الأخير خال عن المستند و الدليل، و الأخير و إن كان المحكّم فيما لم يرد به من الشرع تعيين إلّا أنّ العرف فيه غير منضبط جدّا، خصوصا عند أهل تلك الأزمنة، سيّما تلك البلاد العجميّة، فإنّه لا عرف لهم في لفظ الجلّال، إلّا أن يقال: إن معناه آكل العذرة المعبّر عنه بالفارسيّة: نجاست خوار، و هذا يحتمل معنيين:

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 278.

(2) المبسوط 6: 282.

(3) كالشهيد الثاني في الروضة 7: 290.

(4) كالمقداد السيوري في التنقيح 4: 36.

(5) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 238.

(6) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 249 و صاحب الرياض 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 113

أحدهما: أنّه لا يحترز و لا يتوقّى من أكل النجاسة، و لا شكّ أنّه يصدق بأكل مرّة و مرّتين، بل بميله إلى الأكل و إن منع عنه.

و ثانيهما: أنّ مأكوله العذرة من غير تقييد بوقت، و مرادفه في الفارسيّة: خوراك آن نجاست است، و لا شكّ أنّ هذا بالإطلاق لا يصدق إلّا إذا اغتذى بالنجاسة مدّة طويلة، كشهر أو نصف شهر أو نحوهما، و لا أقلّ من أسبوع أو ثلاثة أيّام، فصدق الجلّال في الأقلّ غير معلوم، و الأصل أقوى متّبع، و الإجماع المركّب في أمثال المقام غير معلوم، و لو أبيت عنه فخذ بأكثر ما قيل من ظهور النتن، و لو احتطت فخذ بيوم و ليلة، و هو طريق السلامة.

ثمَّ لو انتفى التمحّض، و لكن كان أكل

العذرة أكثر، كره على المشهور، فهو الحجّة فيه، لتحمّله المسامحة.

المسألة الثانية: تحريم الجلّال ليس بالذات
اشاره

حتى يستقرّ و لم يرتفع، بل هو لصدق الجلّال، فيرتفع بالاستبراء إجماعا، بأن يربط و يطعم العلف الطاهر في مدّة معيّنة، و هي في الإبل أربعون يوما اتّفاقا فتوى و نصّا، و ممّا ينصّ عليه مرسلة الفقيه المتقدّمة.

و رواية السكوني: «الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيّام، و البطّة الجلّالة خمسة أيّام، و الشاة الجلّالة عشرة أيّام، و البقرة الجلّالة عشرين يوما، و الناقة أربعين يوما» «1».

و مرفوعة يعقوب بن يزيد: «الإبل الجلّالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الشاة عشرة أيام» «2».

______________________________

(1) الكافي 6: 251- 3، التهذيب 9: 46- 192، الاستبصار 4: 77- 285، الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 1.

(2) الكافي 6: 252- 6، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 114

و رواية يونس المرويّة في الكافي في الدجاج: «يحبس ثلاثة أيّام، و البطّة سبعة أيّام، و الشاة أربعة عشر يوما، و البقر ثلاثين يوما، و الإبل أربعين يوما ثمَّ يذبح» «1».

و بسّام: في الإبل الجلّالة، قال: «لا يؤكل لحمها و لا تركب أربعين يوما» «2».

و مسمع: «الناقة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي أربعين يوما، و البقرة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي ثلاثين يوما، و الشاة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي عشرة أيّام، و البطّة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيّام، و الدجاجة ثلاثة أيّام» «3»، و في نسخ التهذيب و الاستبصار بدّلت ثلاثين البقرة في

هذه الرواية بأربعين، و عشرة الشاة بخمسة.

و في رواية الجوهري المرويّة في الفقيه: «إنّ البقرة تربط عشرين يوما، و الشاة تربط عشرة أيّام، و البطّة تربط ثلاثة أيّام» «4» قال: و روي ستّة أيّام، و الدجاجة تربط ثلاثة أيّام «5».

و المرويّ في الدعائم: «الناقة الجلّالة تحبس على العلف أربعين يوما، و البقرة عشرين يوما، و الشاة سبعة أيّام، و البطّ خمسة أيّام،

______________________________

(1) الكافي 6: 252- 9، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 5.

(2) الكافي 6: 253- 11، التهذيب 9: 46- 190، الاستبصار 4: 77- 283، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 3.

(3) الكافي 6: 253- 12، التهذيب 9: 45- 189، الاستبصار 4: 77- 282، الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 2.

(4) الفقيه 3: 214- 992، الوسائل 24: 168 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 6.

(5) الفقيه 3: 214- 993، الوسائل 24: 168 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 115

و الدجاجة ثلاثة أيّام، ثمَّ يؤكل بعد ذلك لحومها، و تشرب ألبان ذوات الألبان منها، و يؤكل بيض ما يبيض منها» «1».

ثمَّ أكثر أخبار الباب و إن كانت خالية عن الدالّ على وجوب تعيين هذه المدّة، إلّا أنّ مفهوم المرسلة الاولى يدلّ على انتفاء الجواز قبلها، مضافا إلى استصحاب التحريم حتى يعلم جواز الأكل.

فالقول بمتابعة زوال اسم الجلل «2» غير جيّد، لأنّه لا يستلزم الحلّ بعد عروض الحرمة، فيمكن أن يكون الجلّال حراما مؤيّدا و إن انتفى جلله، فالمتّبع دليل التحليل و رفع الحرمة في مدّة معيّنة، و هي- كما عرفت- في الإبل أربعون يوما.

و أمّا البقرة، فقد عرفت أنّ أقلّ

ما ورد في الروايات في مدّة استبرائها عشرون يوما، و عليه المشهور المدّعى عليه في الخلاف الإجماع «3»، و أوسطه الثلاثون، و هو المحكي عن الصدوق و الإسكافي «4»، و أكثره الأربعون، و هو المنقول عن المبسوط «5» و القاضي «6».

فالحقّ: هو الأول، لا لما قيل من ضعف جميع روايات الباب و اختصاص رواية العشرين بالانجبار «7»، لمنع الضعف عندنا.

بل لدلالة رواية العشرين على جواز الأكل بعدها، و عدم دلالة غيرها على عدم الجواز قبل ما ذكر فيها، غايتها الرجحان و الاستحباب.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 174، المستدرك 16: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 3.

(2) قاله في الروضة 7: 293.

(3) الخلاف 2: 542.

(4) المقنع: 141، حكاه عنهما في المختلف: 676.

(5) المبسوط 6: 282.

(6) حكاه عنه في الرياض 2: 283.

(7) الرياض 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 116

و دليل القولين الآخرين بجوابه ظاهر ممّا ذكر، مع أنّ الأخبار- التي هي حجّة أربابهما- مشتملة على ما لا يقولون به في الشاة.

و أمّا الشاة، فأقلّ ما ورد فيها خمسة، و لا قائل بها، و أوسطه عشرة، و هو المشهور المدّعى عليه الإجماع «1»، و أكثره أربعة عشر، و هو المحكيّ عن الإسكافي «2»، و قيل فيها بسبعة، و هو المنقول عن المبسوط «3» و القاضي «4»، و عن الصدوق بعشرين «5»، و لا أعرف مستنده، فهو ساقط، و كذا السبعة و الخمسة، لضعف روايتهما، أمّا الأولى فلعدم ثبوتها عن الأصل المعتبر، و أمّا الثانية فلعدم العامل بها، مضافا إلى ما عرفت من اختلاف النسخة. فبقي القولان الآخران، و الترجيح للعشرة البتّة، لما مرّ في البقرة، مضافا الى أكثريّة الرواية.

و أقلّ مدّة البطّة في الروايات ثلاثة،

و هي المحكيّة عن الصدوق في المقنع «6»، و أوسطها الخمسة، و هي المشهورة فيها، بل عن الغنية الإجماع عليها «7»، و أكثرها السبعة، و هي مختار الخلاف مدّعيا عليها الإجماع «8»، و لو لا ضعف رواية الثلاثة- بمخالفة الشهرة العظيمة- لكنّا نقول بها، لما مرّ في البقرة، و لكنّه يمنعنا فنقول بأقلّ ما فوقها، و هو الخمسة، لما ذكر.

______________________________

(1) الرياض 2: 283.

(2) حكاه عنه في المختلف: 676.

(3) المبسوط 6: 282.

(4) نقله عنه في الرياض 2: 283.

(5) المقنع: 141.

(6) حكاه عنه في المختلف: 676.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(8) الخلاف 2: 542.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 117

و أمّا الدجاجة، فالروايات متفقة فيها على الثلاثة، فهي المدّة المعيّنة لها، و أمّا الخمسة- كما عن الحلبي «1»- أو السبعة- كما عن المبسوط «2»- فلا نعرف لهما حجّة.

ثمَّ طرح جميع الروايات- للضعف و الرجوع الى زوال الجلل عرفا، كما احتمله بعض المتأخّرين «3»- ضعيف غايته، لأنّه- مع عدم اعتبار ضعف السند بعد اعتبار الأصل عندنا- خرق للإجماع المركّب أولا، و طرح للضعيف المنجبر- الذي هو في حكم الصحيح- ثانيا، و رجوع إلى ما لا دليل على مرجعيّته ثالثا، إذ غاية ما علت مرجعيّته من الدليل استلزام الجلل للحرمة، و أمّا إيجاب رفعه للحرمة المستصحبة فمن أين يعلم؟! إلّا بتخريج عامّي ضعيف!! و منه يعلم ضعف ما قيل فيما لا تقدير له من الرجوع إلى زوال الجلل «4»، و قيل بالرجوع فيه الى ما يستنبط من المقدّرات بالفحوى «5»، و لا بأس به فيما أمكن فيه ذلك، و الرجوع الى أكثر ما يمكن أن يكون مدّة مقتضى الاستصحاب.

فروع:
أ: لا يحصل الجلل بغير أكل العذرة من النجاسات

، للأصل، و عدم الدليل. و التعدّي باستنباط العلّة قياس

مردود.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 277.

(2) المبسوط 6: 282.

(3) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 254.

(4) انظر إيضاح الفوائد 4: 150، مسالك الافهام 2: 239.

(5) انظر الرياض 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 118

ب: الظاهر عدم اختصاص الجلل بالحيوانات المذكورة

، بل يحصل لكلّ حيوان يغتذي بالعذرة، لعموم صحيحة أبي حمزة «1». و الكلام في استبراء ما ليس له مقدّر كما مرّ.

ج: هل تقع على الجلّال الذكاة، أم لا؟

الظاهر: الأول، للاستصحاب، و الإطلاقات، و عدم توقّف التذكية على الحلّية كما في السباع.

د: هل يشترط في حصول الاستبراء الربط أو الحبس أو القيد

، كما في أكثر الروايات؟ أو يحصل بمطلق الاغتذاء بغير ما يوجب الجلل، كما هو ظاهر رواية مسمع «2»؟

الظاهر: الثاني، و الأحوط: الأول، بل لا يبعد أن يكون أظهر، لمفهوم قولهم «3»: «يجوز» في مرسلة الفقيه «4»، و التعدّي في غير موردها بعدم القول بالفصل.

ه: هل يشترط في حصوله العلف بالطاهر

، أو يحصل بالمتنجّس، بل بالنجس غير العذرة لو خصّصنا الجلل بالعذرة؟

مقتضى الاستصحاب و ظهور الطاهر من الإطلاقات: الأول، و هو- كما قيل «5»- الأشهر.

و المستفاد من إطلاقات النصوص: الثاني، و لا يبعد أن يكون هو الأظهر.

______________________________

(1) الكافي 6: 250- 1، الاستبصار 4: 76- 281، الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 1.

(2) المتقدّمة في ص: 114.

(3) كذا في النسخ، و الظاهر: قوله ..

(4) المتقدّمة في ص: 111.

(5) انظر كشف اللثام 2: 262 و الرياض 2: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 119

و: ظاهر الأصحاب و بعض الروايات المتقدّمة- بضميمة الإجماع المركّب- حرمة ألبان الجلّالات و بيضها

، فيجب الاجتناب عنها قبل الاستبراء.

ز: يستحبّ ربط الدجاجة التي يراد أكلها أيّاما ثمَّ ذبحها

و إن لم يعلم جللها، للمرويّ في حياة الحيوان: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أيّاما ثمَّ أكلها «1».

المسألة الثالثة: و من موجبات عروض الحرمة: وطء الإنسان الحيوان المحلّل
اشاره

، بلا خلاف فيه يذكر كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «2»، و بلا خلاف مطلقا كما في شرح المفاتيح و كلام بعض آخر «3»، بل هو فتوى الأصحاب المشعر بالإجماع كما في المفاتيح «4».

و الدليل عليه- بعد الإجماع المحقّق ظاهرا في الجملة- رواية مسمع المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل: سئل عن البهيمة التي تنكح، قال:

«حرام لحمها و كذلك لبنها» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة أو ناقة، قال:

فقال: «عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ، ثمَّ ينفى من بلاده إلى غيرها، و ذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم و لبنها» «6».

______________________________

(1) حياة الحيوان 1: 472.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 261.

(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 85.

(4) المفاتيح 2: 189.

(5) الكافي 6: 259- 1، الوسائل 24: 170 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 3.

(6) الكافي 7: 204- 2، التهذيب 10: 60- 219، الوسائل 24: 169 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 120

و روايات ابن سنان و الحسين بن خالد و إسحاق بن عمّار: في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعا: «إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت بالنار فلم ينتفع بها، و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أخذ ثمنها منه و دفع الى صاحبها و ذبحت و أحرقت بالنار و لم ينتفع بها» الحديث «1»، دلّ النهي عن مطلق الانتفاع بها على حرمتها.

و حسنة سدير: في الرجل يأتي البهيمة، قال: «يحدّ دون الحدّ

و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه، و تذبح و تحرق و تدفن إن كانت ممّا يؤكل لحمه، و إن كانت ممّا يركب ظهره أغرم قيمتها و جلد دون الحدّ [و أخرجها] «2» من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها» «3»، دلّ التعليل بالإفساد على الحرمة و إلّا لم يكن فيه إفساد.

و يؤيّده أيضا ما دلّ على ذبحها و إحراقها:

كصحيحة محمّد بن عيسى: عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة، قال: «إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها، فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها» «4».

و المرويّ في تحف العقول: سأل يحيى بن أكثم موسى المبرقع عن

______________________________

(1) الكافي 7: 204- 3، التهذيب 10: 60- 218، الاستبصار 4: 222- 831، الوسائل 28: 357 أبواب نكاح البهائم و وطء الأموات و الاستمناء ب 1 ح 1.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و أخرجت، و ما أثبتناه من المصدر.

(3) الكافي 7: 204- 1، الفقيه 4: 33- 99، التهذيب 10: 61- 220، الاستبصار 4: 223- 833، علل الشرائع: 548- 3، المقنع: 147، الوسائل 28: 358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.

(4) التهذيب 9: 43- 182، الوسائل 24: 169 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 121

رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها، فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت في الغنم، كيف يذبح؟ و هل يجوز أكلها أم لا؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث عليه السّلام فقال: «إنّه إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم

يعرفها قسّم الغنم نصفين و ساهم بينهما، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان، فيقرع بينهما، فأيّهما وقع السهم بها ذبحت و أحرقت و نجا سائر الغنم» «1».

فروع:
أ: قالوا: كما يحرم لحمها و لبنها كذلك يحرم لحم نسلها المتجدّد بعد الوطء

. و نسبه في الكفاية و شرح المفاتيح الى المشهور «2»، و نفى بعض من تأخّر عنهما الخلاف فيه «3».

و ربّما يستفاد ذلك من النهي عن الانتفاع بها بقول مطلق شامل للاستنسال أيضا. و هو حسن، و يؤكده التعليل بإفسادها عليه، و يستأنس له بالأمر بالذبح و الإحراق.

و هل يختصّ تحريم النسل بنسل الموطوءة الأنثى، أو يحرم نسل الفحل الموطوء أيضا على تقدير التعدّي في الحكم إلى وطء دبر البهيمة أيضا؟

صرّح المحقّق الأردبيلي في كتاب الحدود من شرحه باحتمال التعدّي إلى الفحل أيضا، و لعلّه استند في ذلك إلى أنّ حلّية نسله أيضا نوع انتفاع.

______________________________

(1) تحف العقول: 359، الوسائل 24: 170 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 4.

(2) الكفاية: 250، المفاتيح 2: 189.

(3) انظر الرياض 2: 498.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 122

و لا يخفى أنّه خلاف الظاهر المتبادر، و إن لم يكن في التعدّي إليه كثير بعد.

ب: صرّح الشهيد الثاني و المحقّق الأردبيلي «1» بشمول الواطئ- الموجب وطؤه للتحريم- للبالغ و غيره،

و الأول بشموله للمنزل و غيره، و الثاني بشموله للحرّ و العبد، و العاقل و المجنون، و الجاهل بالحكم و العالم.

و هو كذلك، لإطلاق رواية مسمع و صحيحة محمّد بن عيسى بالنسبة إلى الجميع، و إطلاق البواقي بالنسبة إلى غير التعميم الأول، لاختصاصها بالرجل، و لكنّه لا يخصّص الأوليين أيضا، لأنّ التخصيص إنّما هو في السؤال، بل و كذلك لو كان في الجواب أيضا، مع أنّه لو دلّت على الاختصاص أيضا لكان لأجل اشتمالها على أحكام لا تجري على غير البالغ من الحدّ و أخذ الثمن.

ج: صرّح الثاني بشمول الوطء للدبر و القبل و دبر الأنثى و الفحل «2».

و يمكن أن يستدلّ لها بإطلاق النكاح و الإتيان و النزو الشاملة لوطء الدبر أيضا، إلّا أنّ بعض الروايات المشتملة للّبن أيضا و ضميره الراجع إلى البهيمة يخصّصها بالمؤنّث، و لكن يكفي إطلاق الباقي بضميمة الإجماع المركّب في الأحكام الغير المذكورة فيه.

د: هل يعمّ الموطوءة كلّ حيوان من ذوات الأربع و غيرها

- كالطير- كما هو المشهور؟ أو يختصّ بالأولى كما حكي عن الفاضل «3»، و يميل إليه

______________________________

(1) الشهيد الثاني في المسالك 2: 239، الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:

261.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 261.

(3) القواعد 2: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 123

كلام جمع ممّن تأخّر عنه «1»؟

حجّة الأكثر: صدق البهيمة على كلّ حيوان لغة، قال الزجّاج: هي كلّ ذات الروح التي لا تميّز، سمّيت بذلك لذلك «2».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    123     ه: الواطئ إما مالك البهيمة أو غيره ..... ص : 123

دليل الباقين: الأصل، و عدم انصراف الإطلاق إلى مثل الطيور، مع أنّه صرّح جماعة- منهم الشهيد الثاني في المسالك-: أنّ البهيمة لغة ذات الأربع من حيوان البرّ و البحر «3».

و هو الأقوى، لذلك، مضافا الى اشتمال بعض الأخبار المتقدّمة للّبن المخصوص بذوات الأربع، و اختصاص بعضها بالشاة.

ه: الواطئ إمّا مالك البهيمة أو غيره

، و على التقديرين إمّا تكون البهيمة ممّا يقصد منها لحمها و لبنها- كالشاة و البقرة و الغنم- أو ظهرها و ركوبها، كالخيل و البغال و الحمير.

فعلى الأول: تذبح و تحرق بالنار، كما هو مدلول روايات أبناء سنان و خالد و عمّار، و يدلّ عليه إطلاق صحيحة ابن عيسى أيضا، و لا معارض لها سوى موثّقة سماعة، حيث دلّت على النفي من البلد دون الإحراق، إلّا أنّه يمكن أن يكون المنفيّ عنها فيها هو الواطئ دون الموطوء، و عدم قائل به إن سلّم يجري في الموطوء المذكور أيضا.

و على الثاني: قالوا: تنفى الى غير بلد الوطء و تباع فيه. و في أخذ الثمن منه و عدمه- ثمَّ مصرف الثمن- خلاف، و لا دليل على شي ء من

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني

في المسالك 2: 239 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:

85.

(2) نقله عنه في لسان العرب 12: 56.

(3) المسالك 2: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 124

ذلك، إذ لا دليل على النفي سوى حسنة سدير، و هي ظاهرة في تغاير المالك و الواطئ، إلّا أنّ بعضهم نفى الخلاف فيه «1».

و قد يتوهّم شمول التعليل بعدم التعيير في الحسنة لصورة الاتّحاد أيضا.

و فيه نظر، لأنّ مثل ذلك يستحقّ التعيير، بل ظاهر التعليل التخصيص بصورة التغاير، حيث أراد الشارع أن لا يعيّر به عار بفعل غيره، فإن ثبت الإجماع و إلّا فالأصل يقتضي العدم، و هو الأقوم خصوصا في أخذ الثمن منه، سيّما في التصدّق به المخالف لاستصحاب ملكيّته.

و على الثالث: تذبح و تحرق بالنار، و يغرم الواطئ بثمنها يوم الوطء لمالكها، للروايات و الحسنة و الصحيحة و رواية تحف العقول، المتقدّمة جميعا من غير معارض.

و على الرابع: تخرج البهيمة من البلد و تغرم قيمتها، ثمَّ تباع في البلد المخرجة إليه، للحسنة المخصّصة للروايات بغير ما يركب ظهرها.

و لا يضرّ ورود تلك الأحكام بالجملة الخبرية الغير المثبتة للزائد عن الرجحان، لاستلزامه الوجوب في المقام بالإجماع المركّب، و كذا فيما يأتي من التقسيم و الإقراع.

ثمَّ القيمة- التي أغرمها الواطئ- للمالك، لأنّه معنى الإغرام.

و أمّا الثمن الحاصل بالبيع فقد قيل بتصدّقه «2»، و لا دليل عليه أصلا.

و قيل بالرجوع إلى المالك «3»، لأصالة بقاء ملكيّته، و عدم دلالة

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 498.

(2) المقنعة: 790.

(3) الرياض 2: 499.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 125

الإغرام على خروجها عنها.

و لزوم الجمع بين العوض و المعوّض باطل، لمنع التعويض، فإنّه إنّما هو إذا كان دليل على التعويض.

و احتمل بعضهم الرجوع إلى

الواطئ، لتملّكه لها بالإغرام «1».

و فيه منع ظاهر، قيل: لأنّ المالك لا يملكها لأخذه القيمة، و عدم جواز كون الملك بلا مالك «2».

قلنا: مجرّد الأخذ لا يدلّ على الخروج.

ثمَّ لو كانت الدابّة ممّا يقصد منها الأمران- كالناقة، سيّما عند العرب- يحتمل فيها التخيير، لعدم المرجّح، و يحتمل ملاحظة الغالب فيها.

و: لو اشتبه الموطوء بغيره يقسّم المجموع نصفين و يقرع عليه مرّة بعد اخرى حتى يبقى واحد فيذبح و يحرق

، و في تغاير الواطئ و المالك يغرم، على المعروف من مذهب الأصحاب، و في المسالك و شرح المفاتيح نسبته الى عمل الأصحاب «3»، و في المفاتيح إلى فتواهم «4»، معربين عن دعوى الإجماع عليه.

و تدلّ عليه صحيحة ابن عيسى و رواية تحف العقول المتقدّمتين، المنجبر ضعف سندهما- لو كان- بما ذكر، و ضعف دلالتهما لعدم صراحتهما في الوجوب بعدم الفصل.

ثمَّ إن كان العدد زوجا قسّم نصفين متساويين، كما هو مدلول

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 4: 498.

(2) الرياض 2: 499.

(3) المسالك 2: 239.

(4) المفاتيح 2: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 126

الروايتين، و إن كان فردا اغتفرت زيادة الواحدة في أحد النصفين، بل الظاهر أنّ المراد فيهما مطلقا القسمان المتقاربان.

هذا إذا كان الاشتباه في العدد، الذي كان ممكن الحصر و التقسيم، كما هو مورد الروايتين، و إلّا سقط الحكم و يرجع الى الأصل.

ثمَّ هذا الحكم و إن كان واردا في الروايتين بخصوص الشاة إلّا أنّه يتعدّى الى غيرها بالإجماع المركّب.

المسألة الرابعة: لو شرب الحيوان المحلّل لحمه خمرا فالمشهور أنّه لا يؤكل ما في بطنه

من الأمعاء و القلب و الكبد، بل يطرح، و يؤكل لحمه بعد غسله وجوبا.

و لو شرب بولا نجسا لم يحرم شي ء منه، بل يغسل ما في بطنه و يؤكل.

و مستند الأول: رواية زيد الشحّام: في شاة شربت الخمر حتى سكرت ثمَّ ذبحت على تلك الحال، [قال:] «لا يؤكل ما في بطنها» «1».

و مستند الثاني: مرسلة النميري المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و لا يخفى أنّ مورد الاولى ما إذا شربت بقدر سكرت، فلا يحرم ما في البطن بمطلق الشرب الخالي عن الإسكار.

و ما إذا ذبحت حال السكر، فلا يحرم ما إذا ذبحت بعدها، و لا دلالة لها على غسل اللحم، و البواطن لا تنجس بالملاقاة، مع أنّ

الملاقاة مع اللحم غير معلومة، و الأصل يقتضي عدمه.

______________________________

(1) الكافي 6: 251 ح 4، التهذيب 9: 43- 181، الوسائل 24: 160 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 24 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) في ص: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 127

و الاستناد إلى مرسلة النميري فاسد، لاختصاصها بالبول، و دلالتها على غسل ما في الجوف دون اللحم، و مع ذلك كلّه خالية عن الدالّ على الحرمة، و لذا ذهب الحلّي إلى كراهة ما في البطن «1»، و استقر به في الكفاية «2»، و حكي عن المسالك «3»، و مال إليه الأردبيلي «4». و هو الأقوى.

و أمّا الثانية، فهي أيضا على الوجوب غير دالّة، و الإجماع غير ثابت و إن لم يظهر المخالف.

نعم، يمكن أن يستند في وجوب الغسل بوجود عين البول مع ما في البطن إذا ذبحت في الحال، كما صرّح بالاختصاص به جماعة «5»، فلا يجوز الأكل قبل إزالته.

و منه يعلم أنّه لو دلّت الرواية على الوجوب أيضا لم يدلّ على نجاسة البواطن، مضافا الى احتمال كونه تعبّديّا.

المسألة الخامسة: لو أرضع جدي [1] أو عناق [2] أو عجل من لبن إنسان حتى فطم لم يحرم

، للأصل، و المستفيضة النافية للبأس عنه «6»، إلّا أنّ فيها: أنّه فعل مكروه. و يحتمل أن يكون المراد بالفعل المكروه هو الإرضاع، و أن يكون أكل لحمه و لبنه.

______________________________

[1] الجدي: من أولاد المعز، و هو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة- مجمع البحرين 1:

81.

[2] العناق: الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول- مجمع البحرين 5: 219.

______________________________

(1) السرائر 3: 97.

(2) الكفاية: 250.

(3) المسالك 2: 239، حكاه عنه في الرياض 2: 286.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 260.

(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 239، الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:

261، صاحب الكفاية: 250.

(6)

انظر الوسائل 24: 163 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 128

الفصل الخامس في مسائل متفرّقة ممّا يتعلّق بالحيوانات و أجزائها

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الميتات من الحيوانات

- أي الخارج روحه بغير التذكية المعتبرة شرعا، سواء كان ممّا لا تقع عليه التذكية و لا يقبلها شرعا كالكلب و الخنزير، أو كان يقبلها و تقع عليه في الشرع، و لكن لم تقع عليه و مات قبلها- محرّمة إجماعا، و الآيات «1» و السنّة المتواترة «2» ناطقتان بحرمتها، و في تفسير الإمام عليه السّلام: قال اللّه تعالى إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ «3» «التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن اللّه فيها» «4».

و في حكم الميتة في الحرمة أجزاؤها المقطوعة منها أو من الحيّ إن كانت الأجزاء ممّا تحلّه الحياة بلا خلاف، كما صرّح به غير واحد «5»، لصدق الاسم عليها، و لنجاستها كما مرّ في كتاب الطهارة، و لخصوص رواية أبي بصير «6» و صحيحة الوشّاء «7» المتقدّمتين في حكم الميتة من كتاب

______________________________

(1) البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.

(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(3) البقرة: 173.

(4) تفسير العسكري عليه السّلام: 585.

(5) منهم الفيض في المفاتيح 2: 191، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 86، صاحب الرياض 2: 287.

(6) الكافي 6: 255- 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.

(7) الكافي 6: 255- 3، الوسائل 24: 178 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 32 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 129

المكاسب.

و تدلّ عليه أخبار الحبالة، كرواية محمّد بن قيس: «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت، و كلوا ما أدركتم حياته و ذكرتم اسم اللّه عليه» «1».

و رواية البصري: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت، و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه»

«2».

و أخبار القطع بالسيف، كمرسلة النضر بن سويد: في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان، فقال: «لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر، لأنّه ميتة» «3»، و غير ذلك.

و كما يحرم أكل الميتة تحرم جميع وجوه الانتفاعات منها- كما مرّ في المكاسب- حتى الانتفاع بجلدها للاستقاء في غير مشروط الطهارة.

خلافا فيه لجماعة «4»، و هم محجوجون بما مرّ.

المسألة الثانية: قد مرّ في بحث الطهارة: طهارة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة و عددها
اشاره

، و هو و إن كان أكثر ممّا ذكر- لكون البول و الروث

______________________________

(1) الكافي 6: 214- 1، التهذيب 9: 37- 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 1.

(2) الكافي 6: 214- 2 و 3، الفقيه 3: 202- 918، التهذيب 9: 37- 155 و 156، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.

(3) الكافي 6: 255- 6، التهذيب 9: 77- 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.

(4) منهم المحقق في المختصر النافع 2: 254 و المحقق السبزواري في الكفاية:

252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 130

و الدم و البصاق و القيح أيضا ممّا لا تحلّه الحياة- إلّا أنّ الدم منها قد عدّوه في النجاسات إذا كان ممّا له نفس، و البواقي مائعات تنجس بملاقاة الميتة، فلا وجه لذكر طهارتها، و لم يدلّ دليل خارجي على [1] عدم تنجّسها كما في اللبن و الإنفحة، فلذا لم يذكروها.

نعم، كان عليهم ذكر مثل البعرة [2] القابلة للتطهير أيضا كما ذكروا العظم و السنّ و نحوهما «1». و يمكن أن يكون الوجه في عدم ذكرها: أنّ الكلام في الميتة مطلقا سواء كان ممّا يؤكل أو لا يؤكل، و البعرة إنّما تطهر ممّا يؤكل خاصّة و قد ذكروها، بل

ذكر طهارتها حال الحياة مع انفصالها يدلّ عليها بعد الموت أيضا و إن احتاجت إلى الغسل بالملاقاة.

ثمَّ ما ذكر في البحث المذكور إنّما هو طهارة تلك الأمور المعدودة، و أمّا حلّيتها فالظاهر- المقتضي للأصل المصرّح به في بعض العبارات، كالشرائع و النافع «2» و غيرهما «3»- الحلّية، و على هذا فهي حلال أيضا إذا لم تحرم من جهة أخرى، من إيجاب ضرر أو خباثة معلومة أو نصّ، كبيض ما لا يؤكل لحمه، و قد مرّ في البحث المذكور ما يدلّ على حلّ بعضها.

و تدلّ عليه أيضا روايتا ابن أبي يعفور و داود المتقدّمتين في المسألة الثامنة من الفصل الأول «4»، مضافا إلى الأصل و العمومات السليمة عن المعارض، لعدم صدق الميتة عليها، إذ لا روح لها حتى تصير بخروجه ميتة.

______________________________

[1] هنا زيادة لفظ: طهارة، في جميع النسخ، و لم نعرف له وجها.

[1] البعرة: و هي من البعير و الغنم بمنزلة العذرة من الإنسان- مجمع البحرين 3: 227.

______________________________

(1) انظر الروضة 7: 301، المسالك 2: 243، كشف اللثام 2: 85.

(2) الشرائع 3: 222، المختصر النافع: 253.

(3) انظر المسالك 2: 242، الكفاية: 250.

(4) في ص: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 131

و منها: اللبن، و حلّيته هي الأشهر، كما يظهر من صريح اللمعة «1»، و ظاهر الدروس، حيث نسب رواية الحرمة إلى الندرة «2»، و عن الخلاف الإجماع عليه «3»، و حكي عن الغنية أيضا «4»، و تدلّ عليه طائفة من الأخبار المشار إليها «5» المعتضدة بالشهرة العظيمة.

خلافا للحلّي و الديلمي و الصيمري و الشرائع و النافع و التنقيح و جملة من كتب الفاضل، فحرّموه «6»، لنجاسته بملاقاته للنجس بالرطوبة، و لرواية وهب بن وهب «7» المتقدّمة

في بحث الطهارة.

و الأول مدفوع بمنع النجاسة كما مرّ. و الثاني بمعارضته مع الأخبار المتكثرة و موافقته للعامّة «8».

و منها: البيض قبل اكتسائها القشر الأعلى الصلب، و لا يضرّ فيها رواية غياث «9» المتقدّمة في ذلك البحث المثبتة لبأس فيها قبله، لعدم معلوميّة البأس، و إجماله و إن كان مضرّا للعمومات و لكن لا يضرّ

______________________________

(1) اللمعة (الروضة البهية 7): 306.

(2) الدروس 3: 15.

(3) الخلاف 2: 533.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 619.

(5) انظر الوسائل 3: 513 أبواب النجاسات ب 68.

(6) الحلّي في السرائر 3: 112، الديلمي في المراسم: 211، حكاه الصيمري في الرياض 2: 288، الشرائع 3: 223، المختصر النافع 2: 253، التنقيح 4: 44، الفاضل في التحرير 2: 161 و القواعد 2: 157.

(7) التهذيب 9: 76- 325، الاستبصار 4: 89- 340، قرب الإسناد: 135- 474، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33 ح 11.

(8) المغني و الشرح الكبير 1: 90، مغني المحتاج 1: 80.

(9) الكافي 6: 258- 5، التهذيب 9: 76- 322، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 132

الأصل.

فرع: البول و إن كان ممّا لا تحلّه الحياة و لكنّه إن كان ممّا يحلّ أكله يحرم من ميتته

، لتنجّسه بالملاقاة، لكونه مائعا لاقى نجسا. و أمّا اللبن فالحكم بطهارته من الميتة و عدم تنجّسه بالملاقاة لأدلّة خاصّة به.

المسألة الثالثة: تحرم من أجزاء الحيوان المحلّل- و إن ذكّي- أشياء
اشاره

بعضها متّفق على حرمته، و بعضها مختلف فيها.

فالأول خمسة: الدم، و الطحال- و هو الذي يقال له بالفارسيّة: سپرز- و القضيب و هو الذكر، و الأنثيان و هما البيضتان، و الروث. و دعوى الإجماع و نفي الخلاف فيها مستفيضة، و جعل بعضهم حرمة الطرفين من الضروريّات الدينيّة «1».

و تدلّ عليه في الجميع مرسلة ابن أبي عمير: «لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث، و الدم، و الطحال، و النخاع، و العلباء، و الغدد، و القضيب، و الأنثيان، و الحياء، و المرارة» «2».

و مرسلة الفقيه «3»، و هي كالأولى إلّا أنّ فيها بدل «العلباء و المرارة»:

«الأوداج و الرحم».

______________________________

(1) كصاحب الرياض 2: 287.

(2) الكافي 6: 254- 3، التهذيب 9: 74- 316، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 4.

و الفرث: الكرش من السّرجين- مجمع البحرين 2: 261.

العلباء: هو عصب في العنق يأخذ إلى الكاهل، و هما علباوان يمينا و شمالا، و ما بينهما منبت عرف الفرس- انظر النهاية 3: 285.

الحياء: الفرج من ذوات الخفّ و الظلف- راجع النهاية 1: 472.

(3) الفقيه 3: 219- 1010، الوسائل 24: 174 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 133

و رواية الخصال «1»، و هي كالثانية إلّا أنّ الراوي قال بعد «الأوداج»: أو قال: العروق.

و المرويّ في محاسن البرقي: «حرّم من الذبيحة سبعة «2» أشياء» إلى أن قال: «فأمّا ما يحرم من الذبيحة: فالدم، و الفرث، و الغدد، و الطحال، و القضيب، و الأنثيان، و الرحم» الحديث «3».

مضافة في الأربعة الأولى إلى مرفوعة

الواسطي: مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام بالقصّابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة، نهاهم عن بيع الدم، و الغدد، و آذان الفؤاد، و الطحال، و النخاع، و الخصى، و القضيب. الحديث «4».

و رواية ابن مرّار: «لا يؤكل ممّا يكون في الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك ممّا لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره و باطنه، و القضيب، و البيضتان، و المشيمة و هو موضع الولد، و الطحال لأنّه دم، و الغدد مع العروق، و المخّ الذي يكون في الصلب، و المرارة، و الحدق و الخرزة التي تكون في الدماغ، و الدم» «5».

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد: «حرّم من الشاة سبعة أشياء: الدم، و الخصيتان، و القضيب، و المثانة، و الغدد، و الطحال، و المرارة» «6».

______________________________

(1) الخصال: 433- 18، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 4.

(2) في المصدر: عشرة.

(3) المحاسن: 471- 464، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 20.

(4) الكافي 6: 253- 2، التهذيب 9: 74- 315، الخصال: 341- 4، الوسائل 24: 171 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 2.

(5) الكافي 6: 254- 4، التهذيب 9: 74- 317، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 3.

(6) الكافي 6: 253- 1، التهذيب 9: 74- 314، المحاسن: 471- 463، الوسائل 24: 171 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 134

و في الثلاثة الأولى إلى المرويّ في الخصال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكره أكل خمسة: الطحال، و القضيب، و الأنثيين، و الحياء و آذان القلب «1».

و في الأولين موثّقة سماعة: «لا تأكل الجرّيث و [لا] المارماهي،

و لا طافيا، و لا طحالا لأنّه بيت الدم» «2».

و عمّار: عن الطحال أ يحلّ أكله؟ قال: «لا تأكله فهو دم» «3».

و المرويّ في العيون: «و حرّم الطحال لما فيه من الدم» «4»، دلّت بالتعليل على حرمة الدم أيضا.

و في الدم خاصّة إلى الآيات «5» و الأخبار الغير العديدة «6».

و في الطحال خاصّة إلى صحيحة محمّد: «أنهاكم عن الجرّي و الزمّير و المارماهي و الطافي و الطحال» «7».

و قصور بعض الأخبار عن إفادة الحرمة غير ضائر بعد تصريح بعض آخر بالتحريم، فهو قرينة على إرادة الحرمة من البواقي أيضا.

ثمَّ قول الإسكافي بكراهة الطحال «8» ليس صريحا في المخالفة، لأنّها

______________________________

(1) الخصال: 283- 32، الوسائل 24: 174 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 10.

(2) الكافي 6: 220- 4، التهذيب 9: 4- 8، الاستبصار 4: 58- 200، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 2.

(3) التهذيب 9: 80- 345، الاستبصار 4: 91- 348، الوسائل 24: 202 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 49 ح 2.

(4) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 93، الوسائل 24: 201 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 48 ح 2.

(5) البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.

(6) الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(7) الكافي 6: 219- 1، التهذيب 9: 2- 1، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 1.

(8) حكاه عنه في المختلف: 682.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 135

في عرف القدماء أعمّ من الحرمة.

و أمّا المختلف فيه فكثيرة:

منها: النخاع- مثلّثة النون- و هو: الخيط الأبيض الذي في وسط فقار الظهر، منظّم خرزة، و هو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.

و المثانة، و هو: مجمع البول.

و الغدد، و هي: كلّ عقدة في

الجسم يطاف بها شحم، و كلّ قطعة صلبة بين القضيب، و هي تكون في اللحم مدوّرة تشبه البندق في الأغلب.

و المرارة- بفتح الميم- و هي: التي تجمع المرّة الصفراء معلّقة مع الكبد كالكيس.

و المشيمة، و هي: موضع الولد يخرج معه.

و هي حرام على الأقوى الأشهر، كما صرّح به في المختلف و التحرير «1»، و بعض من تأخّر «2».

لمرفوعة الواسطي المتقدّمة، و المرويّ في العلل: قال: قلت له: كيف حرّم اللّه النخاع؟ قال: «لأنّه موضع الماء الدافق من كلّ ذكر و أنثى، و هو المخّ الطويل الذي يكون في فقار الظهر» «3» في الأول.

و ضعفهما- لو كان- ينجبر بما ذكر، و بضميمتهما يتمّ الاستدلال بالروايات الثلاث الأولى أيضا.

و لرواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدّمة في الثانية و الرابعة.

و للمرفوعة و رواية المحاسن المتقدّمتين و رواية مسمع: «إذا اشترى

______________________________

(1) المختلف 2: 682، التحرير 2: 161.

(2) كصاحب الرياض 2: 288، غير أنّ فيه أيضا كالمختلف ادعاء الشهرة العظيمة.

(3) العلل: 562- 1، الوسائل 24: 175 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 136

أحدكم لحما فليخرج منه الغدد» «1» في الثالث.

و لرواية المحاسن المنجبرة في الخامسة، فإنّ المراد بالرحم فيها كما ذكروا المشيمة.

خلافا للمحكيّ عن جماعة، فبين غير متعرّض لها، و بين مصرّح بالكراهة «2»، لأصالتي البراءة و الإباحة، و عمومات الكتاب و السنّة، اللازم رفع اليد عن الأوليين و تخصيص الثاني بما مرّ.

و منها: الفرج، و العلباء، بكسر العين المهملة، ثمَّ اللام الساكنة، ثمَّ الباء الموحّدة، عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب.

و ذات الأشاجع، و هي: أصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظهر الكف.

و خرزة الدماغ، و هي في المشهور: المخّ الكائن

في وسط الدماغ، شبه الدودة بقدر الحمّصة تقريبا، يخالف لونها لونه، و هي تميل إلى الغبرة.

و حبّة الحدق، و هو: الناظر من العين لا جسم العين كلّه.

حرّم هذه الخمسة جماعة «3»، بل نسب إلى الشهرة «4»، و كرهها آخرون «5»، و هو الأقوى فيها، لخلوّ الروايات الصريحة في التحريم عنها بالمرّة، و قصور ما يتضمّنها عن إفادة الحرمة جدّا.

______________________________

(1) الكافي 6: 254- 5، العلل: 561- 1، الوسائل 24: 173 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 6.

(2) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 251.

(3) منهم العلّامة في التحرير 2: 141 و الشهيد في الدروس 3: 14.

(4) الرياض 2: 288.

(5) منهم المحقق في الشرائع 3: 223 و الشهيد الثاني في المسالك 2: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 137

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ الأقوى: أنّ المحرّم من أجزاء المذكّى عشرة:

الدم، و الفرث، و الطحال، و القضيب، و الأنثيان، و النخاع، و المثانة، و الغدد، و المرارة، و المشيمة.

و المكروه خمسة: الفرج، و العلباء، و ذات الأشاجع، و خرزة الدماغ، و حبّة الحدقة.

و تكره أيضا الكليتان- و تسمّى الكلوتين أيضا- لما في مقطوعة سهل: إنّه كره الكليتين، و قال: «لأنّهما مجمع البول» «1».

و في الصحيحة الرضويّة عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يأكل الكليتين من غير أن يحرّمهما، لقربهما من البول» «2».

و كذا تكره إذنا القلب، و العروق، لبعض الروايات المتقدّمة. و تعلّق النهي ببيع آذان الفؤاد في بعضها غير مفيد لإثبات الحرمة، لعدم قول بها فيها.

و بضميمة هذه الثلاثة مع الخمسة المختلف في وجوبها «3» تصير المكروهات ثمانية.

فروع:
أ: اعلم أنّ ما ذكر من تحريم الأشياء المذكورة فإنّما هو إذا كانت من الذبيحة و المنحورة

، و أمّا ما لا يذبح و لا ينحر- كالسمك و الجراد-

______________________________

(1)

الكافي 6: 254- 6، التهذيب 9: 75- 318، الوسائل 24: 173 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 5.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 40- 131، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 18.

(3) يعني وجوب الاجتناب عنها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 138

فلا يحرم منه غير الرجيع و الدم البتّة، للأصل، و عمومات الحلّ، سيّما مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، و اختصاص ما يثبت منه التحريم من الأخبار المتقدّمة بغيرهما. و أمّا رجيعهما، فالأصل يقتضي الحلّية، و الخباثة غير معلومة، و ما يتراءى من التنفّر ففي الأكثر لمظنّة الحرمة أو كون أكله خلاف العادة، و أمّا دم السمك فيأتي حكمه.

ب: إطلاق تحريم المذكورات في كثير من العبارات يشمل كبير الحيوان المذبوح

كالجزور و البقر و الشاة، و صغيره كالعصفور و فرخه، بل عن جماعة التصريح بالتعميم، و منهم الشهيد الثاني في الروضة، إلّا أنّه قال: و يشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميّزه لاستلزامه تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه، و الأجود اختصاص الحكم بالنعم من الحيوان و الوحشي دون مثل العصفور «1».

قيل بعد نقله: و هو جيّد فيما كان مستند تحريمه الإجماع، لعدم معلوميّة تحقّقه في العصفور و شبهه، مع اختصاص عبارات جماعة- كالصدوق و غيره، و جملة من النصوص- بالشاة و النعم، و عدم انصراف باقي الإطلاقات إليهما «2».

أقول: لا شكّ أنّ الدالّ على الحرمة من الأخبار الحجّة بنفسها أو بالانجبار لا يشمل مورد النزاع إلّا في الدم و الطحال، أو مع الرجيع على تسليم استخباثه، فالتعدّي إلى الغير مشكل، و تحليل الجميع من مورد النزاع أشكل، و الإجماع المركّب غير معلوم، فتخصيص المحرّم من هذه الحيوانات الصغار بالدم و الطحال أو مع الرجيع حسن، و الاحتياط أحسن.

______________________________

(1) الروضة

7: 311.

(2) الرياض 2: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 139

ج: الأصل في الدم كلّه الحرمة

، كما صرّح به في المسالك «1»، لإطلاقات الكتاب و السنّة.

قال اللّه سبحانه في سورة المائدة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ الآية «2».

و قال في سورة البقرة إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ «3».

و في مرسلة محمّد بن عبد اللّه، و روايتي المفضّل و عذافر- الواردة في علل تحريم الخمر و الميتة و الدم و لحم الخنزير-: «و أمّا الدم فإنّه يورث أكله الماء الأصفر» «4».

و في المرويّ في العيون: «حرّم اللّه الدم كتحريم الميتة» الحديث «5».

و قد مرّ مطلقات تعليل حرمة الطحال بأنّ فيه الدم. إلى غير ذلك.

و لكنّه خرج من تحت الأصل ما يتخلّف في لحم الحيوان المأكول ممّا لا يقذفه المذبوح، فإنّه حلال بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في كلمات جماعة «6»، المعاضد بالاعتبار، لاستلزام تحريمه العسر و الحرج المنفيّين

______________________________

(1) المسالك 2: 245.

(2) المائدة: 3.

(3) البقرة: 173.

(4) الكافي 6: 242- 1، الفقيه 3: 218- 1009، المحاسن: 334- 104، العلل:

483- 1، أمالي الصدوق: 529- 1، الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1.

(5) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 92، الوسائل 24: 102 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 3.

(6) منهم العلّامة في المختلف: 59، الشهيد الثاني في المسالك 2: 245، صاحب الرياض 2: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 140

شرعا و عقلا، لعدم خلوّ اللحم عنه و إن غسل مرّات.

و لانحصار دليله بالإجماع يجب الاقتصار في استثنائه على ما ثبت فيه الإجماع، و هو المتخلّف عن الذبيحة المأكول من غير الخلط بالمسفوح بجذب نفس أو علوّ رأس، كما مرّ في بحث الطهارة،

فلا يحلّ المخلوط به، و لا دم غير الذبيحة و إن كان ممّا لا نفس له و لو من السمك.

فيحرم ما عدا ما ذكر مطلقا، للأصل، لا للاستخباث، لمنعه جدّا، فإنّ الدم لو كان خبيثا لكان كلّه كذلك، مع أنّه لا يستخبث المتخلّف من الذبيحة.

نعم، تثبت حرمة بعض أفراد الغير المتخلّف بواسطة النجاسة أيضا.

و من الأصحاب من توقّف في حرمة الدم المتخلّف في غير المأكول، و منهم من حكم بحلّية ما عدا المسفوح من الدماء، كدم الضفادع و القراد و السمك ممّا لا نفس له «1»، و ظاهر المعتبر و الغنية و السرائر و المختلف و المنتهى و النهاية: حلّية دم السمك «2»، بل ظاهر الأول دعوى الإجماع عليها.

و لا أعرف لهم دليلا سوى الأصل، و العمومات، و قوله سبحانه في سورة الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً «3» حيث قيّد الدم المحرّم بالمسفوح.

و الأولان بما ذكر مندفعان. و الثالث لا يدلّ إلّا على عدم الوجدان فيما اوحي إليه، أو فيما أوحي إليه حين نزول الآية، فلا ينافي تحريم المطلق

______________________________

(1) انظر السرائر 1: 174.

(2) المعتبر 1: 117، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، السرائر 1: 175، المختلف: 59، المنتهى 1: 163، نهاية الإحكام 1: 268.

(3) الأنعام: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 141

بعد ذلك، فإنّ آية الحلّ مكّية و آيتا الحرمة مدنيّتان، فهما نازلتان بعد الاولى، فلا تنافي بينهما أصلا، و حمل حرف التعريف في الآيتين على المعهود خلاف الأصل.

مع أنّه لو لم تحمل الآية الأولى على ما ذكرنا و حملت على نفي التحريم المطلق لزم الحكم إمّا بنسخها، فلا تكون حجّة، أو

تخصيصها إلى أن لا يبقى ما يقرب مدلول العام، و هو يخرج عن الحجّية.

ثمَّ ممّا ذكرنا ظهر حرمة العلقة و دم البيضة، لصدق الدم، مضافا إلى ما مرّ من نجاستهما في بحث الطهارة.

المسألة الرابعة: لا شكّ في حرمة أبوال ما لا يؤكل لحمه ممّا له نفس

، لنجاستها.

و أمّا ما يؤكل لحمه ففي حلّية بوله و حرمته قولان:

الأول: للسيّد و الإسكافي و الحلّي و النافع و المعتبر و الشرائع و الأردبيلي و الكفاية و إليه يميل كلام المسالك «1»، و عن الأول الإجماع عليه.

للأصل، و العمومات، و حصر المحرّمات، و رواية الجعفري: «أبوال الإبل خير من ألبانها» «2».

و الثاني: لظاهر الشيخ في النهاية و صريح ابن حمزة و مطاعم الشرائع و الإرشاد و التحرير و القواعد و المختلف و الدروس و ظاهر الروضة «3»،

______________________________

(1) السيّد في الانتصار: 201، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 686، الحلّي في السرائر 3: 125، المختصر النافع 2: 254، المعتبر 1: 411، الشرائع 1: 51، مجمع الفائدة و البرهان 11: 214، الكفاية: 252، المسالك 2: 247.

(2) الكافي 6: 338- 1، التهذيب 9: 100- 437، الوسائل 25: 114 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 3.

(3) النهاية: 590، ابن حمزة في الوسيلة (الجوامع الفقهية): 733، الشرائع 3: 227، الإرشاد 2: 111، التحرير 2: 161، القواعد 2: 158، المختلف:

686، الدروس 3: 17، الروضة 7: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 142

و اختاره بعض مشايخنا المعاصرين عطّر اللّه مرقده «1».

للقطع بالاستخباث.

أو احتماله الموجب للتنزّه عنه من باب المقدّمة، فإنّ التكليف باجتناب الخبيث ليس تكليفا مشروطا بالعلم بخباثته، بل هو مطلق.

و الأولويّة المستفادة من أدلّة حرمة الفرث و المثانة التي هي مجمع البول.

و لمفهوم موثّقة عمّار: عن بول البقر يشربه الرجل، قال: «إن كان محتاجا إليه يتداوى به

شربه، و كذلك بول الإبل و الغنم» «2».

و في الكلّ نظر، أمّا الأول فلمنع الخباثة جدّا، و تنفّر بعض الطباع أو جلّها غير الخباثة المحرّمة، فإنّ تنفّرها عمّا تغسل فيه اليد الدنسة- أو يوطأ بالرّجل الدنسة، أو تمرس فيه اللحية الكثّة، أو تدخل فيه الذباب أو القمل الكثيرة ثمَّ تخرج- أكثر بكثير من ذلك، مع أنّه ليس بحرام قطعا و لا يعدّ من الخبائث شرعا، مع أنّه لو كان [لكان ] «3» لعدم الاعتياد أو مظنّة الحرمة، و لولاهما لم أر فرقا بين لبنها و بولها بالمرّة، كيف؟! و صرّح الإمام بكون بول الإبل خيرا من لبنها كما عرفت، و ما أظنّ فيها تنفّرا إلّا من إحدى الجهتين المذكورتين.

و أمّا الثاني، فلمنع عدم كون التكليف باجتناب الخبيث مشروطا بالعلم، و لولاه لزم التكليف بما لا يعلم، فإنّه يصير المفاد حينئذ: حرّمت

______________________________

(1) و هو صاحب الرياض 2: 295.

(2) الوسائل 25: 113 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 1.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 143

عليكم الخبائث، سواء علمتم خباثتها أو علمتم عدم خباثتها أو لم يعلم شي ء منهما، و هذا باطل قطعا، و يلزم الإثم بأكل ما ظنّ طيّبا و كان خبيثا واقعا و هو خلاف الإجماع.

سلّمنا أنّه ليس مشروطا بالعلم، و لكن لا يجب تحصيل العلم بالاجتناب عنه، إذ لا دليل على ذلك الوجوب و اجتناب المحتمل مقدّمة لذلك.

و أمّا الثالث، فلمنع الأولويّة، و كون المثانة مجمعا للبول لا يوجبها، و إلّا لزم حرمة الكليتين المصرّح في الرواية بأنّهما مجمع البول «1».

و أمّا الرابع، فلأنّ المفهوم لا يثبت أزيد من المرجوحيّة، مع أنّ الاحتياج للتداوي أعمّ من الضرورة المبيحة للأشياء

المحرّمة.

و قد يستدلّ بوجوه أخر ضعيفة.

المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب تبعيّة لبن الحيوان للحمه

حلّا و كراهة و حرمة، و عليه الإجماع في الثالث عن الغنية «2»، و نفي الخلاف فيه و في الثاني في كلام بعض الأجلّة «3»، و الإجماع في الجميع في شرح المفاتيح.

و الإجماع في الأول محقّق، و مرسلة داود- المتقدّمة في المسألة الثامنة من الفصل الأول «4» المنجبرة بالعمل- عليه دالّة.

و الشهرة و الإجماع المنقول كافيان لإثبات الثاني، لتحمّله المسامحة.

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 137.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(3) كصاحب الرياض 2: 295.

(4) في ص: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 144

و لا ينافيها ورود الرخصة في أكل شيراز الأتن [1] في بعض المعتبرة «1»، لأنّها تجتمع مع الكراهة.

و أمّا الثالث، فإن ثبت الإجماع عليه- كما هو المحتمل- فهو، و إلّا فلا دليل عليه، و الأصل يقتضي الحلّية.

و غاية ما استدلّ بعضهم «2» عليه الإجماع المنقول.

و مفهوم المرسلة المشار إليها.

و استصحاب الحرمة، حيث إنّ اللبن كان قبل الاستحالة دما محرّما.

و الجزئيّة لما يحرم كلّه، فبحرمة الكلّ يحرم هو أيضا، إذ لا وجود للكلّ إلّا بوجود أجزائه، فتحريمه في الحقيقة تحريم لها.

و الكلّ مردود جدّا:

أمّا الأول: فبعدم الحجّيّة.

و أمّا الثاني: فلأنّه مفهوم وصف و ليس بحجّة.

و أمّا الثالث: فلتغيّر الموضوع، مع أنّ حرمة ذلك الدم المستحيل لبنا غير معلومة أولا، فإنّ المعلوم حرمته هو الدم المسفوح.

و أمّا الرابع: فبمنع حرمة الكلّ، بل المحرّم لحمه و سائر أجزائه الثابتة حرمته.

نعم، لو ثبتت أولا حرمة الكل- الذي من أجزائه اللبن- يمكن استصحاب حرمته، و أين ذلك و أنّى؟! فالتأمّل في التبعيّة في الحرمة

______________________________

[1] الشيراز: اللبن الرائب يستخرج منه ماؤه، و قال بعضهم: لبن يغلي حتى يثخن ثمَّ ينشف حتى ينتقب و يميل

طعمه إلى الحموضة.

و الأتن: جمع أتان: الأنثى من الحمير- راجع المصباح المنير: 3: 309.

______________________________

(1) الوسائل 25: 115 أبواب الأطعمة المباحة ب 60.

(2) و هو صاحب الرياض 2: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 145

- كالمقدّس الأردبيلي، و صاحب الكفاية «1»- في موقعه جدّا، و لو لا مظنّة الإجماع لحكمنا بالحليّة قطعا، و لكنّها تخوّفنا من الحكم الصريح.

المسألة السادسة: قد علم حكم الأجزاء التي عدّوها ممّا لا تحلّه الحياة ممّا يؤكل و ممّا لا يؤكل،

و كذا حكم البول و الفرث و الدم و اللبن و البيض، و بقيت أشياء أخر، كالقيح، و الوسخ، و البلغم، و النخامة، و البصاق، و العرق، و الرجيع ممّا لا يسمّى فرثا «2» و روثا.

أمّا الأربعة الأولى فالظاهر ظهور حرمتها مطلقا، لظهور خباثتها جدّا، بحيث لا يستراب فيها أبدا.

و أمّا الخامس و السادس، فنسب إلى المشهور حرمتهما أيضا «3»، و استدلّ بعضهم «4» لهما بالخباثة.

و فيه نظر، سيّما في البصاق، بل قد يستطاب بصاق المحبوب، و يمصّ فمه و لسانه، و يبلع بصاقه بميل و رغبة.

و التنفّر عن بصاق بعض الأشخاص- لتنفّره بنفسه- لا يوجب الحرمة، كيف؟! و ليس البصاق أظهر خباثة من اللقمة المزدردة «5»، و هي محلّلة قطعا، و قد ورد في الأخبار: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أعطى لقمته من فيه إلى من طلبها «6»، مع أنّها ممزوجة بالبصاق قطعا.

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 215، الكفاية: 252.

(2) في «ح»: بولا.

(3) الرياض 2: 295.

(4) الدروس 3: 17.

(5) في «ق» و «س» و «ح»: المردودة.

(6) الكافي 6: 271- 2، المحاسن: 457- 388، الوسائل 25: 218 أبواب الأطعمة المباحة ب 131 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 146

و قد وردت النصوص بمصّ الحسين عليه السّلام لسان النبيّ صلّى اللّه

عليه و آله و أنّه نشأ من لعاب فمه «1»، و أنّ الحسين عليه السّلام مصّ لسان عليّ بن الحسين عند غلبة العطش يوم الطف «2».

و وردت نصوص ظاهرة في حلّ بصاق المرأة و البنت «3»، فالحكم بحلّيّته- كما هو ظاهر الأردبيلي «4»، و صاحب الكفاية- قويّ جدّا، و كذا العرق.

و أمّا السابع- فيما كان ممّا لا يؤكل ممّا له نفس- فنجس محرّم قطعا، و أمّا في غيره فلا دليل فيه على الحرمة سوى الخباثة، و إثباتها بالكلّية مشكل غايته، سيّما في مثل فضلات الديدان الملصقة بأجواف الفواكه و البطائخ و نحوها، و لكن لا يبعد ظهورها في البعض، كذرق الدجاجة و السلحفاة و الضفادع، فالوجه الإناطة بها فيها، و الحكم بالحلّية فيما لم تعلم خباثته منها.

______________________________

(1) الكافي 1: 465 ذيل الحديث 4، البحار 44: 198- 14.

(2) البحار 45: 43.

(3) الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك ب 34.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 147

الفصل السادس في حكم المشتبه من الحيوان و أجزائه و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أنّ الاشتباه على أربعة أقسام:

الأول: أن يعلم أنّ هذا الجزء من أيّ حيوان، و يعلم أنّ هذا الحيوان مأكول أو قابل للتذكية، و لكن شكّ في أنّه هل ذكّي أم لا.

الثاني: أن يعلم أنّ هذا الحيوان مأكول أو قابل، و هذا ليس بمأكول و لا قابل، و لكن لم يعلم أنّ هذا الجزء من أيّ الحيوانين المعلوم حالهما.

الثالث: أن يعلم أنّ هذا الجزء من هذا الحيوان المشاهد أو المسمّى بالاسم الفلاني، و لكن لم يعلم أنّ هذا الحيوان هل هو مأكول أو قابل أم لا.

الرابع: أن يعلم أنّ هذا الجزء ليس من الحيوانات المعروفة له «1» حكما، و لم يعرف الحيوان الذي هو

منه مشاهدة و لا اسما، و لم يعلم أنّ الذي هو منه هل هو مأكول أو قابل أم لا.

و الفرق بين ذلك و سابقة في مجرّد تعيّن الحيوان، الذي هو منه شخصا أو اسما و عدمه.

و إن شئت جعلت الأقسام قسمين، لانّ الجهل إمّا يتعلّق بنفس التذكية و عدمها، و هو القسم الأول، أو بالحيوان الذي هذا الجزء منه، و له الأقسام الثلاثة الأخيرة.

______________________________

(1) كذا، و الظاهر زيادتها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 148

ثمَّ على التقادير المذكورة يكون البحث عنها إمّا للشكّ في الطهارة و النجاسة- و هذا إنّما يكون فيما تحلّه الحياة من أجزاء الحيوان خاصّة- أو للشكّ في جواز الصلاة و عدمه، أو للشكّ في حلّية الأكل و عدمها.

ثمَّ إنّه قد تقدّم الكلام في البحث في الأول عن القسم الأول في بحث الجلود من كتاب الطهارة، و هو و إن كان مخصوصا بالجلود إلّا أنّه يتعدّى إلى غيرها من الأجزاء الموقوفة طهارتها على التذكية بالإجماع المركّب، كما أشير إليه في البحث المذكور، مع أنّ كثيرا من أدلّتها شامل للّحم و غيره أيضا.

و ممّا ذكر هناك يعلم حقّ الكلام فيما يتعلّق بالبحث في الثاني عن القسم الأول، بل يعلم الحكم بما يتعلّق بالبحث في الثالث أيضا عن هذا القسم، و أنّه يحكم فيه بالتذكية و الحلّية في كلّ ما عرفت أنّه يحكم فيه بالطهارة، و أمّا فيما عداه فلا.

و الحكم بأصالة الحلّية هنا في جميع الموارد ما لم تعلم الحرمة، لعمومات أصالة الحلّية، مثل قوله: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» «1» و نحوه، و مثل ما دلّ على جواز الصلاة في كلّ شي ء ما لم

يعلم أنّه ميتة، و غير ذلك.

غير مفيد، لأنّ دلالة جميع هذه الأدلّة من باب الأصل الذي يندفع و يزال البتّة باستصحاب عدم التذكية، الموجب للعلم الشرعيّ بكونه ميتة، فالمناط إنّما هو الأدلّة المذكورة المزيلة للاستصحاب في مواردها.

______________________________

(1) الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، مستطرفات السرائر:

84- 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1، و ج 24: 236 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 149

و كذا تقدّم الكلام فيما يتعلّق بالبحث في الأول و الثاني عن القسم الثاني في بحث اللباس من كتاب الصلاة، و قد عرفت أنّ الأصل فيه الطهارة و جواز الصلاة، و يلزم الثاني الحلّية و جواز الأكل أيضا، و تدلّ عليه جميع أدلّة الحلّية من الأصول و العمومات و الأخبار الواردة في الموارد الجزئيّة.

فلم يبق إلّا الكلام في القسم الثالث و الرابع، و هو أن يكون الجزء من حيوان معيّن، أو كان هناك حيوان معيّن و لم يعلم أنّه هل هو حلال قابل للتذكية أو لا، أو يكون الجزء من حيوان غير معيّن إلّا أنّه يعلم أنّه ليس من هذه الحيوانات المعروفة القابلة للتذكية و غير القابلة.

و الحقّ فيهما أيضا: الحلّية و الطهارة بالتذكية الواقعيّة أو الشرعيّة المحكوم بها شرعا من الموارد التي يحكم بها فيها في القسم الأول، و يلزمهما جواز الصلاة، لجميع الأدلّة المذكورة من الأصول و العمومات الخالية عن المعارض رأسا.

و لا يتوهّم معارضة أصالة عدم ورود التذكية عليها، حيث إنّها أمر توقيفي شرعي يقتصر فيه على ما علم، لأنّ عمومات حصول التذكية كافية في إثبات أصالة عموم ورود التذكية، مثل قوله سبحانه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ

عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ «1».

و قوله وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «2».

و ما في الأخبار من قولهم: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا من صيدهنّ» «3».

______________________________

(1) المائدة: 4.

(2) الأنعام: 119.

(3) الكافي 6: 203- 5، التهذيب 9: 23- 90، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 150

و قوله في صحيحة البصري: «كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه» «1».

و في صحيحة محمّد: «كل من الصيد ما قتل السيف و السهم و الرمح» «2»، إلى غير ذلك.

نعم، إن كان الحيوان المشتبه حاضرا، و أمكن الفحص عن حلّيته و حرمته بالعلامات المتقدّمة المحلّلة أو المحرّمة، لم يجز الحكم بالأصل و العمومات قبل الفحص الممكن، و الوجه ظاهر.

المسألة الثانية: المشهور أنّه إذا وجد لحم و لم يعلم هل هو ذكي أو ميّت يطرح على النار، فإن انقبض فهو ذكي

و إن انبسط فهو ميّت، و عن الدروس يكاد أن يكون إجماعا «3»، و نفى عن إجماعيّته البعد في المسالك، مؤيّدا لها بموافقة الحلّي- الذي لا يعمل بالآحاد- عليه «4»، و عن الغنية «5» و بعض آخر من الأصحاب «6» الإجماع عليه.

و تدلّ عليه رواية شعيب: في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر ذكي هو أم ميّت، قال: «يطرحه على النار، فكلّما انقبض فهو ذكي، و كلّما انبسط فهو ميّت» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 205- 13، التهذيب 9: 24- 97، الاستبصار 4: 68- 245، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 8.

(2) الكافي 6: 209- 1، التهذيب 9: 34- 137، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 2.

(3) الدروس 3: 14.

(4) المسالك 2: 247.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 619.

(6) حكاه في الكفاية: 252، و انظر كشف اللثام 2: 272.

(7)

الكافي 6: 261- 1، التهذيب 9: 48- 200، الوسائل 24: 188 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 151

و ضعفها- لو كان- غير مضرّ، لانجباره بما ذكر، مضافا إلى صحّتها عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

ثمَّ لا يخفى أنّ مقتضى الرواية حصول معرفة المذكّى و الميّت بذلك، و ذلك يعارض أصالة عدم التذكية المعمول عليها في مواردها، و أصالة الحلّية و عموماتها في مظانّها.

و العمل في الأولى على الرواية، لكونها للأصل دافعة.

خلافا للمحكيّ عن الإرشاد و القواعد و الإيضاح و التنقيح و الصيمري و أبي العبّاس و الروضة «1»، للأصل المذكور المندفع بالرواية.

و كأنّ في الثانية كذلك لو كان المناط هو الأصل خاصّة، و لكن يحصل التعارض بين الرواية و بين مثل ما دلّ على حلّية ما يؤخذ من سوق المسلمين أو يوجد في أرضهم «2» و نحو ذلك بالعموم من وجه، و المرجع أصل الإباحة.

بل يمكن أن يقال: إنّ موارد الحكم بالحلّية ممّا تعلم فيه التذكية لأجل أدلّة الحلّية، فلا تكون من مورد الرواية.

إلّا أن يقال: إنّ موارد الحلّية أيضا من باب الأصل، لأنّ بعض أدلّتها و إن كان عامّا إلّا أنّ بعضها مقيّد بمثل قوله: «حتى تعلم أنّه ميتة» «3» و به تقيّد المطلقة أيضا، فيجب تقديم الرواية، بل الفحص بمقتضى الرواية في

______________________________

(1) الإرشاد 2: 113، القواعد 2: 159، الإيضاح 4: 161، التنقيح 4: 57، حكاه عن الصيمري و أبي العبّاس في الرياض 2: 296، الروضة 7: 337.

(2) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(3) الكافي 3: 403 ح 28، التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 15، ص: 152

كلّ واقعة، لأنّ العمل بالأصل إنّما هو بعد الفحص.

و لكن يجاب عنه: بأنّ هذا من باب إجراء الأصل في الموضوعات و لا يجب الفحص فيه، مع أنّه صرّح في بعض الأخبار المعتبرة الواردة في موارد الحلّية أنّه: «ليس عليكم المسألة» «1» فالإشكال منتف بالمرّة، إلّا إذا امتحن شخص اتّفاقا بمقتضى الرواية و ظهرت المخالفة فيشكل الأمر حينئذ، و الإجماع على الحلّية أيضا غير معلوم، و لا يبعد الحكم بالحرمة حينئذ.

و لو تعدّد قطعات اللحم تختبر كلّ قطعة على حدة ما لم يعلم اتّحاد حكمها من جميع الوجوه، كما إذا أمكن أن تكون من حيوانات متعدّدة، أو من حيوان واحد و احتمل قطع بعض أجزائه قبل التذكية، و إلّا فتكفي الواحدة، إذ بها يعلم حكم الباقي، فلا يصدق عدم الدراية، كما في الرواية.

و هل الاختبار عند الاشتباه في الذبح و عدمه، أو يجري فيما إذا شكّ مثلا في التسمية أو الاستقبال أو كون الذابح مسلما مثلا، أم لا؟

ظاهر بعضهم: الثاني «2»، و هو مشكل جدّا، إذ الظاهر أنّ السؤال عن الميّت حتف أنفه.

المسألة الثالثة: إذا اختلط المذكّى من اللحم و شبهه بالميتة

و لا سبيل إلى التمييز، فإن كان الخلط خلط مزج- كاللحوم المتعدّدة المدقوقة مخلوطا- وجب الاجتناب عن الجميع، و الوجه ظاهر.

و إن كان من باب اشتباه الأفراد فالمشهور وجوب اجتناب الجميع إذا

______________________________

(1) الفقيه 1: 167- 787، التهذيب 2: 368- 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

(2) كصاحب الرياض 2: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 153

كانا محصورين.

و لم أعثر على دليل له، سوى ما قيل من أنّ العلم بالاجتناب عن الميتة لازم، و هو موقوف على اجتناب الجميع، فيجب من باب المقدّمة «1».

و قد مرّ

جوابه و أنّ الثابت وجوب اجتناب ما علم أنّه ميتة دون العلم باجتنابها.

و ربّما يستأنس له بصحيحة الكناسي: عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم أ نأكله؟ فقال: «أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله، و أمّا ما لا تعلم فكله حتى تعلم أنّه حرام» «2».

و فيه: أنّها ظاهرة في المزج، و لو شملت غيره أيضا فدالّة على خلاف مطلوبهم، لأنّ بعد إبقاء ما يساوي الميتة من الأفراد لا يعلم حرمة الباقي، فيجوز أكله.

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحتي الحلبي، إحداهما: أنّ الميتة و المذكّى اختلطا فكيف يصنع؟ قال: «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه، فإنّه لا بأس به» «3»، و قريبة منها الأخرى «4».

و فيه: أنّهما غير مفيدتين للوجوب، غايتهما الرجحان، و لا كلام فيه، مع أنّه لا يمكن أن يكون للوجوب، إذ لا شكّ في عدم وجوب بيعه، بل

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 297.

(2) التهذيب 9: 79- 336، مستطرفات السرائر: 78- 4، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 1.

(3) الكافي 6: 260- 1، التهذيب 9: 47- 198، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 2.

(4) الكافي 6: 260- 2، التهذيب 9: 48- 199، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 154

تجوز هبته و صلحه للكافر و دفنه و طرحه.

سلّمنا الوجوب، و لكن لا يدلّ وجوب بيعه على حرمة أكله لو لم يبع، فلعلّه لأجل الانتفاع بقدر ثمن الميتة و عدم تضييعه.

فالحقّ- وفاقا للأردبيلي و صاحب الكفاية «1»، و غيرهما من المتأخّرين «2»-: عدم وجوب اجتناب الجميع، بل يجب الاجتناب عن القدر المعلوم كون الميتة

بهذا القدر مخيّرا بين الأفراد، و يجوز تناول الباقي، كما مرّ في نظائره كثيرا، و الأصل و العمومات عليه دليل محكّم.

ثمَّ إنّ ما دلّت عليه الصحيحتان- من جواز البيع لمستحلّي الميتة- مذهب جماعة، منهم الشيخ في النهاية و ابن حمزة «3»، و هو الأقوى، للصحيحين المذكورين، المخصّصين للأخبار المانعة عن الانتفاع بالميتة مطلقا و عن بيعها «4»، لأخصّيّتهما المطلقة منها من وجوه.

خلافا للحلّي و القاضي «5» و جمع آخر «6»، فمنعوه، للأخبار المذكورة بجوابها، و لما دلّ على حرمة الإعانة على الإثم، بناء على كون الكفّار مكلّفين بالفروع كما هو المذهب.

و فيه: منع كونه إعانة، كما يظهر وجهه ممّا ذكرناه في بيان الإعانة

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 271، الكفاية: 251.

(2) كالعلّامة المجلسي في البحار 62: 144.

(3) النهاية: 586، ابن حمزة في الوسيلة: 362.

(4) الوسائل 3: 501 أبواب النجاسات ب 61، و ج 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5، و ص 172 ب 38.

(5) الحلي في السرائر 3: 113، القاضي في المهذّب 2: 442.

(6) منهم الشهيد في المسالك 2: 242 و صاحب الرياض 2: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 155

على الإثم في كتاب العوائد «1»، مع أنّها أيضا ليست إلّا قاعدة كلّية للتخصيص صالحة.

و قد يعتذر المانعون للصحّة عن الصحيحين ببعض الوجوه الغير التامّة، التي لا فائدة في ذكرها بعد العمل بظاهرهما.

______________________________

(1) عوائد الأيّام: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 157

الباب الثالث في بيان ما يحلّ من غير الحيوانات و ما يحرم

اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 159

الفصل الأول في الجوامد

و فيه مسائل:
المسألة الأولى: من الجوامد المحرّمات أو المحلّلات: أجزاء الحيوانات و فضلاتها

، و قد مرّ حكمها و بيان المحرّم منها و المحلّل مفصّلا.

المسألة الثانية: من الجوامد المحرّمة: الطين،
اشاره

و لا خلاف في تحريم عدا ما يستثنى منه، و نقل الإجماع عليه مستفيض «1»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل.

مضافا إلى النصوص المستفيضة، كرواية سعد: «أكل الطين حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير، إلّا طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء و أمنا من كلّ خوف» «2».

و مرسلة الواسطي: «الطين حرام كلّه «3» كلحم الخنزير، و من أكله ثمَّ مات لم أصلّ عليه، إلّا طين القبر، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء، و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» «4».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 618، المختصر النافع: 253، المختلف: 686، الروضة 7: 326، الرياض 2: 289.

(2) الكافي 6: 266- 9، التهذيب 9: 89- 377، الوسائل 24: 226 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 2.

(3) في «س» و «ح»: أكله ..

(4) الكافي 6: 265- 1، علل الشرائع: 532- 2، كامل الزيارات: 285- 1، الوسائل 24: 226 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 160

و صحيحة هشام بن سالم: «إنّ اللّه خلق آدم من الطين فحرّم أكل الطين على ذرّيّته» «1».

و رواية القدّاح: «قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام في رجل يأكل الطين فنهاه، فقال: لا يأكله» الحديث «2».

و المرويّ في كامل الزيارة، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال:

«كلّ طين محرّم على بني آدم ما خلا طين قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام، من أكله من وجع شفاه اللّه» «3».

و في العلل: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أكل الطين فهو ملعون» «4»، إلى غير ذلك.

و لا

فرق في حرمته بين قليله و كثيره.

ثمَّ الطين- كما صرّحوا به-: هو التراب المخلوط بالماء، و قالوا: إنّه معناه لغة و عرفا. قال في القاموس: الطين معروف، و الطينة: قطعة منه، و تطين: تلطّخ به «5». و عن الراغب الأصفهاني في مفرداته: الطين: التراب و الماء المختلط به «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 265- 4، التهذيب 9: 89- 380، المحاسن: 565- 973، علل الشرائع: 532- 1، الوسائل 24: 221 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 5.

(2) الكافي 6: 266- 5، التهذيب 9: 90- 381، المحاسن: 565- 977، الوسائل 24: 222 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 6.

(3) كامل الزيارات: 286- 4، الوسائل 24: 228 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 4.

(4) علل الشرائع: 533- 4، الوسائل 24: 225 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 15.

(5) القاموس المحيط 4: 247.

(6) غريب القرآن: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 161

و الظاهر- كما صرّح به جماعة «1»- عدم اشتراط بقاء الرطوبة بعد الامتزاج أولا، فيحرم رطبه و يابسه.

و تدلّ عليه صحيحة معمّر: ما يروي الناس في أكل الطين و كراهته؟

قال: «إنّما ذاك المبلول و ذاك المدر» «2» و المدر: هو الطين اليابس، كما صرّح به أهل اللّغة «3».

و منه تظهر حرمته بعد اليبوسة أيضا.

و يمكن إثباتها باستصحابها أيضا و إن أمكن الخدش فيه. فما لم يمتزج أولا بالماء أو لم يعلم فيه ذلك لم يكن حراما، كما صرّح به المحقّق الأردبيلي، ثمَّ قال: و المشهور بين المتفقهة أنّه يحرم التراب و الأرض كلّها حتى الرمل و الأحجار «4». انتهى.

و قد يستدلّ على حرمة التراب بما في الأخبار من استثناء طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنّ المراد منه ترابه فكذا

المستثنى منه، و بأنّ التراب أيضا مضرّ بالبدن قطعا، فيكون لا محالة حراما.

و فيهما نظر، أمّا الأول فلأنّ في القبر المقدّس أيضا طينا كما نشاهد من التربة الشريفة المأخوذة، فإنّ ما رأيناه من المدر في الأغلب، فيمكن أن يكون هو المراد من المستثنى، مع أنّ في تقديرها بالحمّصة و رأس الأنامل إشعارا بالمدريّة أيضا.

______________________________

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 235، المحقق السبزواري في الكفاية: 251، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 87.

(2) الكافي 6: 266- 7، التهذيب 9: 89- 379، معاني الأخبار: 262- 1، الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 1.

(3) لسان العرب 5: 162، القاموس المحيط 2: 136.

(4) مجمع الفائدة 11: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 162

و أمّا الثاني، فلأنّه يختصّ التحريم حينئذ بما يوجب الضرر، فلا يحرم نصف مثقال منه مرّة، بل في كل سنة مثقال، و المطلوب أعمّ من ذلك.

و بالجملة: القدر الثابت هو تحريم الطين و المدر، و أمّا التراب و الرمل و الحجارة و أنواع المعادن فلا دليل على حرمة الغير المضرّ منها، و الأصل مع الحلّية، و القياس باطل، فلا بأس في تراب الدبس و ما تستصحبه الحنطة و ما يقع على الثمار، مع أنّ هذه مستهلكة.

فائدة: قد عرفت استثناء طين قبر الحسين عليه السّلام

، و هو أيضا إجماعي، و الأخبار فيه بلغت حدّ التواتر، و قد روى في كامل الزيارة بإسناده المتّصل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في طين قبر الحسين الشفاء من كلّ داء، و هو الدواء الأكبر» «1».

فلا شكّ في استثنائه، و لكن يشترط في استثنائه أمران:

الأول: أن يكون لأجل الاستشفاء، فلا يجوز لغيره بلا خلاف أجده- إلّا من شاذّ- للمرويّ في المصباح المنجبر

ضعفه بالاشتهار: «من أكل من طين قبر الحسين عليه السّلام غير مستشف به فكأنّه أكل لحومنا» الحديث «2».

المؤيّد بتعليل التحليل في أكثر الأخبار بأنّ فيه شفاء من كلّ داء و أمانا من كلّ خوف، و لا يصلح ذلك دليلا للاشتراط، كما أنّ قوله في مرسلة الواسطي: «و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» لا يدلّ عليه أيضا، لأخصّيّة الأكل بالشهوة عن الاشتراط، و عدم دلالته على الحرمة.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 275- 4، مستدرك الوسائل 10: 330 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 3.

(2) مصباح المتهجد: 676، الوسائل 24: 229 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 163

خلافا للمصباح، فجوّز الأكل منه تبرّكا «1»، و لكن رجع عنه في سائر كتبه.

و قد يستدلّ له برواية النوفلي المروية في الإقبال: إنّي أفطرت يوم الفطر بطين و تمر، فقال: «جمعت ببركة و سنّة» «2».

و فيه: أنّه قضيّة في واقعة، فلعلّه كان مستشفيا أيضا، إلّا أن يعمّم بترك الاستفصال، و لكن مع ذلك لا يفيد، لضعف الرواية.

كما لا تضرّ رواية الحسين بن أبي العلاء: «حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السّلام» «3»، لأنّ التحنيك لا يستلزم الأكل.

كذا لا يثبت جواز الأكل للأمان من الخوف بالتعليل به في كثير من الأخبار، إذ ليس فيها إلّا أنّه أمان، و أمّا أنّه في أكله أو استصحابه فلا، بل في رواية الحرث بن المغيرة- المرويّة في أمالي الشيخ- تصريح بالأخير، حيث قال فيها- بعد قوله عليه السّلام: «إنّ فيه شفاء من كلّ داء و أمنا من كلّ خوف» و بيان كيفيّة أخذه- قلت: قد عرفت جعلت فداك الشفاء من كلّ داء فكيف الأمن من كلّ خوف؟

فقال: «إذا خفت سلطانا أو غير سلطان فلا تخرجنّ من منزلك إلّا و معك من طين قبر الحسين عليه السّلام» الحديث «4».

الثاني: أن لا يتجاوز قدر الحمّصة المتوسّطة المعهودة، كما صرّح به المحقّق «5» و جماعة «6».

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 713.

(2) الإقبال: 281، الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.

(3) كامل الزيارات: 278- 2، الوسائل 14: 524 أبواب المزار و ما يناسبه ب 70 ح 8.

(4) أمالي الشيخ الطوسي: 325.

(5) الشرائع 3: 224.

(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 7: 326، المسالك 2: 244، صاحب الرياض 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 164

للمرويّ في مكارم الأخلاق: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن كيفية تناوله، قال: «إذا تناول التربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه، و قدره مثل الحمّصة، فليقبّلها و ليضعها على عينيه و ليمرّها على سائر جسده و ليقل:

اللّهمّ بحقّ هذه التربة، و بحقّ من حلّ بها و ثوى فيها، و بحقّ أبيه و امّه و أخيه و الأئمّة من ولده، و بحقّ الملائكة الحافّين به إلّا جعلتها شفاء من كلّ داء، و برءا من كلّ مرض، و نجاة من كلّ آفة، و حرزا ممّا أخاف و أحذر.

ثمَّ ليستعملها» «1».

و في كامل الزيارة و مصباح المتهجّد: ما تقول في طين قبر الحسين عليه السّلام؟ فقال: «يحرم على الناس أكل لحومهم و يحلّ لهم أكل لحومنا، و لكنّ اليسير منه مثل الحمّصة» «2».

و في المرويّ في مصباح الزائر في رواية طويلة: «و يستعمل منها وقت الحاجة مثل الحمّصة» «3».

و المرويّ في مصباح المتهجّد: إنّي سمعتك تقول: «إنّ تربة الحسين عليه السّلام من الأدوية المفردة، و إنّها لا تمرّ بداء إلّا هضمته» فقال: «قد

كان ذلك أو قد قلت ذلك، فما بالك؟» قال: إنّي تناولتها فما انتفعت، قال: عليه السّلام:

«أما إنّ لها دعاء فمن تناولها و لم يدع به لم يكد ينتفع به» فقال له: ما أقول إذا تناولتها؟ قال: «تقبّلها قبل كلّ شي ء و تضعها على عينيك و لا تناول منها أكثر من حمّصة، فإنّ من تناول منها أكثر من ذلك فكأنّما أكل لحومنا

______________________________

(1) مكارم الأخلاق 1: 361- 1179.

(2) كامل الزيارة: 286، مصباح المتهجد: 676، التهذيب 6: 74- 145، الوسائل 14: 528 أبواب المزار و ما يناسبه ب 72 ح 1.

(3) مصباح الزائر: 97.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 165

و دماءنا، فإذا تناولت فقل: اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ الملك الذي قبضها، و أسألك بحقّ النبيّ الذي خزنها، و أسألك بحقّ الوصيّ الذي حلّ فيها أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تجعله شفاء من كلّ داء و أمانا من كلّ خوف و حفظا من كلّ سوء. فإذا قلت ذلك فاشددها في شي ء و أقرأ عليها سورة إنّا أنزلناه، فإنّ الدعاء الذي تقدّم لأخذها هو الاستئذان عليها، و قراءة إنّا أنزلناه ختمها» «1».

إلّا أنّ في رواية أخرى مرويّة في كامل الزيارة بسنده المتّصل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لو أنّ مريضا من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهما السّلام و حرمته و ولايته أخذ من طين قبر الحسين عليه السّلام مثل رأس أنملة كان له دواء» «2».

و لكنّه لا يدلّ على أكل قدر رأس الأنملة، فالأحوط- بل الأظهر- عدم التجاوز عن الحمّصة.

فروع:
أ: مقتضى الأصل- و لزوم الاقتصار على المتيقّن من ماهيّة التربة المقدّسة و المستفاد من مطلقات طين القبر- هو ما أخذه من قبره

أو ما جاوره عرفا، إلّا أنّ في رواية ابن عيسى المرويّة في الكافي «3» و مرسلة سليمان بن عمرو

المروية في كامل الزيارة و في مصباح المتهجّد و عن مصباح الزائر أنّه:

______________________________

(1) مصباح المتهجّد: 677، الوسائل 24: 229 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 7.

(2) كامل الزيارات: 277- 278- 8، الوسائل 14: 530 أبواب المزار ب 72 ح 4.

(3) الكافي 4: 588- 5، مستدرك الوسائل 10: 333 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ذيل الحديث 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 166

«يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على سبعين ذراعا» «1».

و في رواية أخرى مرويّة في الكامل أيضا أنّه: «يؤخذ على سبعين باعا» «2».

و في أخرى مرويّة فيه أيضا، و في المكارم: «إنّ طين قبر الحسين عليه السّلام فيه شفاء و إن أخذ على رأس ميل» «3».

و كذا أخرى في الكامل، قال: «لو أنّ مريضا من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد اللّه عليه السّلام و حرمته و ولايته أخذ من طينه على رأس ميل كان له دواء و شفاء» «4».

و في أخرى مرويّة فيه أيضا: «يستشفى بما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال» «5»، و قريبة منها مرسلة أخرى فيه أيضا، و فيه: و روي فرسخ في فرسخ «6».

و في بعض كتب الأصحاب: و روي إلى أربعة فراسخ، و روي ثمانية «7». و لم أعثر على حديث يدلّ عليهما.

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 676، مصباح الزائر: 96، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 3، و لم نعثر عليها بهذا النص في كامل الزيارات.

(2) كامل الزيارات: 279- 2، و الباع: هو مسافة ما بين الكفّين إذا بسطهما يمينا و شمالا- المصباح المنير: 66.

(3) كامل الزيارات: 275- 5، مكارم الأخلاق 1: 360- 1175، الوسائل 14: 513

أبواب المزار ب 67 ح 9.

(4) كامل الزيارات: 279- 6، مستدرك الوسائل 10: 331 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 7.

(5) كامل الزيارات: 280- 5، مستدرك الوسائل 10: 332 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 9.

(6) كامل الزيارات: 271- 2، الوسائل 14: 510 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 2.

(7) انظر الرياض 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 167

نعم، ورد في الحائر الشريف أنّه خمس فراسخ «1».

و في إثبات الحلّية بهذه الأخبار الضعيفة الغير المنجبرة إشكال جدّا، و الاقتصار على المفهوم العرفي هو مقتضى الأصل، إلّا أنّه يشكل حينئذ أيضا بأنّه يوجب عدم بقاء شي ء من تلك البقعة المباركة، لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة و سيؤخذ إن شاء اللّه تعالى إلى يوم القيامة.

قيل: إلّا أن يؤخذ من المواضع المذكورة و يوضع على القبر أو الضريح، فيقوى احتمال جوازه «2».

و لكن في صدق طين القبر عليه مع ذلك نظر، و عليه يشكل الأمر، للعلم بتغيّر طين القبر في تلك الأزمنة المتطاولة التي تناوبت عليه أيدي العامرين له، و اللّه أعلم.

و روى في الكافي و كذا الكامل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ عند رأس الحسين بن عليّ عليهما السّلام لتربة حمراء فيها شفاء من كلّ داء إلّا السام» قال الراوي: فاحتفرنا عند رأس القبر فلمّا حفرنا قدر ذراع انحدرت علينا من عند رأس القبر شبه السهلة حمراء قدر درهم. الحديث «3».

ثمَّ إنّه يشكل أيضا الاكتفاء بما يأتون به كثير من الزوّار و أخذوه من بعض أهل تلك الديار، إلّا أن يقبل فيه قول ذي اليد إذا أخبر بكونه التربة المقدّسة. و لو احتاط من لم

يأخذه بنفسه أو بواسطة ثقة أخذه كذلك أو مطلقا فحلّه في ماء أو شربة اخرى بحيث يخرج عن صدق الطين و يشرب

______________________________

(1) انظر البحار 86: 89.

(2) الرياض 2: 290.

(3) الكافي 4: 588- 4، كامل الزيارات: 279- 1، مستدرك الوسائل 10: 331 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 168

كان أولى، فقد روي في الكامل عن محمّد بن مسلم حديثا طويلا، فيه إرسال أبي جعفر عليه السّلام له شربة لوجعه فشرب و برئ، و قال: «يا محمّد، إنّ الذي شربته فيه من طين قبور آبائي، و هو أفضل ما أستشفي به، فلا تعدلنّ به، فإنّا نسقيه صبياننا و نساءنا و نرى فيه كلّ خير» الحديث «1».

ب: هل يختصّ ذلك بالتربة الحسينيّة، أو يعمّ تربة سائر الأئمّة

أيضا؟

مقتضى الأصل: الأول، و به صرّح في المرويّ في العيون بسنده المتّصل عن موسى بن جعفر عليهما السّلام: «لا تأخذوا من ترتبتي شيئا لتتبرّكوا به، فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلّا تربة جدّي الحسين عليه السّلام» الحديث «2».

و في المرويّ في العلل: «من أكل طين الكوفة فقد أكل لحوم الناس» «3».

نعم، في رواية الكامل المتقدّمة بعضها- بعد قوله: «على رأس أربعة أميال»-: «و كذلك طين قبر جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك طين قبر الحسين و عليّ و محمّد، فخذ منها، فإنّها شفاء من كلّ سقم، و جنّة ممّا يخاف» الحديث «4».

و حملها المحدّث المجلسي على مجرّد الأخذ و الاستصحاب دون الأكل «5»، و لا بأس به.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 275- 7، و فيه: «من طين قبر الحسين عليه السّلام»، بدل: «من طين قبور آبائي».

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 82- 6، الوسائل 14: 529 أبواب المزار ب

72 ح 2.

(3) علل الشرائع: 533- 4، الوسائل 24: 225 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 15.

(4) كامل الزيارات: 280- 5، الوسائل 24: 227 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 3.

(5) البحار 57: 156 ذ. ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 169

و أمّا ما في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة من قوله: «من طين قبور آبائي» فمع أنّ آخرها يدلّ على أنّه من قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام لا يضرّ لدخوله في التربة.

ج: قد وردت في الأخبار لأخذه و استعماله آداب و شرائط و أدعية،

و في بعضها: أنّه لا شفاء إلّا بها، و كذا في ضبطه و استصحابه إلى المنزل، و أنّه ينبغي أن يكتم به، و يكثر ذكر اللّه عليه، و لا يجعل في الخرج الجوالق و نحوها و في الأشياء الدنسة و الثياب الوسخة، و أنّه لو فعل به ذلك لذهب منه الشفاء و البركة «1».

د: هل يستثنى الطين الأرمني أيضا، أم لا؟

ظاهر بعضهم: العدم «2»، للأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    169     د: هل يستثنى الطين الأرمني أيضا، أم لا؟ ..... ص : 169

استثناه في الدروس و اللمعة و الروضة «3»، للمنفعة.

و تدلّ عليه المرسلة المرويّة في المصباح و المكارم: عن الطين الأرمني يؤخذ للكسير أ يحلّ أخذه؟ قال: «لا بأس به أما إنّه من طين قبر ذي القرنين» «4».

و المسندتين المرويّتين في طبّ الأئمّة، الدالّتين على جواز أكل سفوفه دواء «5».

______________________________

(1) كامل الزيارات: 281، الوسائل 14: 521 أبواب المزار و ما يناسبه ب 70 و ص:

530 ب 73، و ج 24: 227 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 3 و 7، مستدرك الوسائل 10: 329، 338 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 و 56.

(2) كصاحب الرياض 2: 290.

(3) الدروس 3: 14، اللمعة (الروضة 7): 327.

(4) مصباح المتهجد: 676، مكارم الأخلاق 1: 362- 1182، الوسائل 24: 230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 3.

(5) طب الأئمّة عليهم السّلام: 65 و 66، الوسائل 24: 230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 170

و ردّت- بعد التضعيف- بالحمل على حال الاضطرار، مضافا إلى عدم صراحة الأول في الأكل، فلعلّه للضماد أو الطلاء.

نعم، يمكن أن يقال بعدم انصراف الإطلاق إلى مثل ذلك الطين،

سيّما مع كونه نافعا، و تعليل حرمة الطين في بعض الأخبار بالضرر «1».

و منه يظهر جواز استثناء الطين المختوم أيضا، مضافا فيهما إلى عدم تيقّن كونهما طينا و إن سمّيا به، كما يستفاد من آثارهما و خواصّهما، و لصوقهما باللسان، و قول الأطبّاء بأنّ الأول حارّ، مع أنّ كلّ طين بارد.

المسألة الثالثة: يحرم من الجوامد ما كان منه مسكرا

، كالبنج و نحوه من المعاجين المسكرة، لأنّ كلّ مسكر حرام إجماعا فتوى «2» و نصّا «3».

و ما كان منه نجس العين- كالخرء و العذرة- أو متنجّسا غير قابل للتطهير- كالعجين الذي عجن بالماء النجس، و بعض الحبوبات المنقوعة في المائع النجس، فإنّها غير قابلة للتطهير على الأقوى، كما مرّ في بحثه- أو متنجّسا قابلا له قبل تطهيره، أو مضرّا بالبدن، أو خبيثا، أو مغصوبا.

و الوجه في الكلّ ظاهر ممّا مرّ.

و ما عدا ذلك من الجوامد باق على أصل الإباحة، داخل في العمومات، و لا يحرم منها شي ء، فتحلّ النباتات من الحشائش و الأوراد و الأوراق و الأخشاب، حتى أصول العنب و الزبيب و الفحم ما لم يضرّ، و غير ذلك ممّا لا يعدّ و لا يحصى كثرة.

______________________________

(1) الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

(2) القواعد 2: 159، الروضة 7: 316، الرياض 2: 290.

(3) الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 171

الفصل الثاني في المائعات و فيه أيضا مسائل:

المسألة الاولى: من المائعات المحرّمة: ما مرّ من فضلات الحيوانات، من الدم و البول و اللبن

، على التفصيل المتقدّم.

و منها: المائعات النجسة الغير القابلة للتطهير، كغير الماء مطلقا على الأظهر، و القابلة له قبل التطهير، و جميع ما كان مضرّا بالذات أو بالعارض، أو مغصوبا، كما مرّ جميعا.

المسألة الثانية: من المائعات المحرّمة: الخمر

، و حرمته إجماعيّة، بل ضرورة دينيّة ثابتة بالكتاب و السنّة، و يلحق به كلّ مسكر في الحرمة، بالإجماع و النصوص المستفيضة، بل المتواترة:

كرواية الصيداوي، و فيها: «كلّ مسكر حرام» «1».

و رواية أبي الربيع الشامي: «إنّ اللّه حرّم الخمر بعينها، فقليلها و كثيرها حرام، كما حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الشراب من كلّ مسكر، و ما حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد حرّمه اللّه تعالى» «2».

و موثّقة سماعة: عن التمر و الزبيب يطبخان للنبيذ، قال: «لا» و قال:

______________________________

(1) الكافي 6: 407- 1، التهذيب 9: 111- 483، الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 3.

(2) الكافي 6: 408- 2، التهذيب 9: 111- 480، الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 172

«كلّ مسكر حرام» و قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ ما أسكر كثيره فقليله حرام» «1».

و رواية عطاء: «كلّ مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر» «2».

و في صحيحة ابن وهب: «كلّ مسكر حرام، فما أسكر كثيره فقليله حرام» قلت: فقليل الحرام يحلّه كثير الماء؟ فردّ عليه بكفّه مرّتين: لا، لا «3».

و رواية كليب: «ألا إنّ كلّ مسكر حرام، ألا و ما أسكر كثيره فقليله حرام» «4»، إلى غير ذلك.

و المدلول عليه من تلك الأخبار و غيرها ممّا يطول الكلام بذكره و المتّفق عليه بين

العلماء الأخيار أنّ المعتبر في التحريم إسكار كثيرة، فما أسكر كثيره حرم قليله و لو قطرة منه و إن مزجت بغيره و غلب الغير عليها، كما صرّحت به صحيحة ابن وهب.

و في صحيحة البجلي: «إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقال له الرجل: فأكسره بالماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا، و ما للماء يحلّ الحرام، اتّق اللّه و لا تشربه» «5».

و رواية عمر بن حنظلة: ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه

______________________________

(1) الكافي 6: 409- 8، الوسائل 25: 338 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 5.

(2) الكافي 6: 408- 3، التهذيب 9: 111- 482، الوسائل 25: 326 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 5.

(3) الكافي 6: 408- 4، التهذيب 9: 111- 481، الوسائل 25: 336 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 1.

(4) الكافي 6: 408- 6، الوسائل 25: 337 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 2.

(5) الكافي 6: 409- 11، الوسائل 25: 339 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 173

الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره؟ فقال: «لا و اللّه و لا قطرة تقطر منه في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ» «1».

و يلحق بالمسكر: الفقّاع قليله و كثيره مطلقا و إن لم يكن مسكرا، بلا خلاف بين الأصحاب، بل عليه الإجماع عن الغنية و السرائر و التحرير و القواعد و الدروس و المسالك «2»، و غيرها من كتب الجماعة «3»، بل هو إجماع محقّق، فهو الحجّة، مضافا إلى النصوص المستفيضة المطلقة من غير تقييد بالإسكار.

ففي صحيحة الوشّاء: «كلّ مسكر حرام، و كلّ مخمّر حرام، و الفقّاع حرام» «4».

و في المستفيضة: أنّه يقتل بائعه و يجلد

شاربه «5».

المسألة الثالثة: و من المائعات المحرّمة: العصير العنبي إذا غلى
اشاره

، بأن يصير أسفله أعلاه و أعلاه أسفله، و هذا هو المراد من القلب الوارد في بعض الروايات الآتية، بلا خلاف فيه، بل بالإجماع المحكيّ مستفيضا «6»، و المحقّق، و هو الحجّة فيه مع النصوص المتكثّرة الدالة منطوقا أو مفهوما.

______________________________

(1) الكافي 6: 410- 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 1.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618، السرائر 3: 128، التحرير 2: 161، القواعد 2: 158، الدروس 3: 16، المسالك 2: 244.

(3) الرياض 2: 291، مفاتيح الشرائع 2: 219.

(4) الكافي 6: 424- 14، التهذيب 9: 124- 536، الاستبصار 4: 95- 365، الوسائل 25: 360 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 3.

(5) الوسائل 25: 365 أبواب الأشربة المحرّمة ب 28.

(6) انظر المسالك 2: 244، كشف اللثام 2: 89، الرياض 2: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 174

ففي صحيحة حمّاد: «لا يحرم العصير حتى يغلي» «1».

و في روايته: عن شرب العصير، فقال: «اشربه ما لم يغل، فإذا غلى فلا تشربه» قال: قلت: جعلت فداك فأيّ شي ء الغليان؟ قال: «القلب» «2».

و في موثّقة ذريح: «إذا نشّ العصير أو غلى حرم» «3».

أقول: النشّ: صوت الماء و غيره إذا غلى.

و في صحيحة ابن سنان: «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «4».

و رواية أبي بصير: عن الطّلاء، فقال: إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى منه واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» «5».

أقول: الطّلاء: ما طبخ من عصير العنب.

و صحيحة ابن سنان: «إنّ العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه فهو حلال» «6».

و ابن أبي يعفور: «إذا زاد الطّلاء

على الثلث فهو حرام» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 419- 1، التهذيب 9: 119- 513، الوسائل 25: 287 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 1.

(2) الكافي 6: 419- 3، التهذيب 9: 120- 514، الوسائل 25: 287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 3.

(3) الكافي 6: 419- 4، التهذيب 9: 120- 515، الوسائل 25: 287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 4.

(4) الكافي 6: 419- 1، التهذيب 9: 120- 516، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 1.

(5) الكافي 6: 420- 1، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 6.

(6) الكافي 6: 420- 2، الوسائل 25: 288 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 1.

(7) الكافي 6: 420- 3، التهذيب 9: 120- 519، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 175

و رواية عقبة: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا من ماء، ثمَّ طبخها حتى ذهب منه عشرون رطلا و بقي عشرة أرطال، أ يصلح شرب ذلك أم لا؟ فقال: «ما طبخ على ثلثه فهو حلال» «1».

و رواية محمّد بن الهيثم: عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال: «إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «2».

و مقتضى إطلاق أكثر هذه الأخبار و فتاوى الأصحاب و صريح جماعة- كالشرائع و التحرير و المسالك و الروضة «3» و غيرها «4»- عدم الفرق في الحكم بتحريمه بالغليان بين كونه بالنار أو غيرها.

و يدلّ عليه صريحا الرضوي: «اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم، إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه

النار فهو خمر، و لا يحلّ شربه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «5»، و ضعفه بالعمل مجبور.

و لا يضرّ عموم المفهوم في صحيحة ابن سنان الأولى، لأنّه مفهوم وصف لا حجّية فيه.

و كذا مقتضاه عدم الفرق في ذهاب الثلاثين بين الأمرين.

______________________________

(1) الكافي 6: 421- 11، التهذيب 9: 121- 521، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 1.

(2) الكافي 6: 419- 2، التهذيب 9: 120- 517، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 7.

(3) الشرائع 3: 225، التحرير 2: 161، المسالك 2: 244، الروضة 7: 320.

(4) كالكفاية: 251 و المفاتيح 2: 220.

(5) فقه الرضا عليه السّلام: 280، مستدرك الوسائل 17: 39 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 176

و لا يعارضه مفهوم الشرط في رواية أبي بصير، لأنّ الطّلاء لا يكون إلّا مطبوخا.

نعم، يعارضه مفهوم صحيحة ابن سنان الأخيرة بالعموم من وجه، و مقتضاه الرجوع إلى استصحاب الحرمة.

و توهّم عدم اعتبار المفهوم- لأنّ التقييد من جهة أنّ الغالب أنّ ذهاب الثلاثين لا يكون إلّا بالنار، بل هو المتبادر منه- يوجب الخدش في الإطلاقات أيضا، لانصرافها إلى الذهاب بالنار.

فالقول بالتفرقة في التثليث- كما هو ظاهر التحرير، حيث قال بعد التصريح بعدم التفرقة في الغليان: فإن غلى بالنار و ذهب ثلثاه فهو حلال- «1» كان جيّدا لو لا مظنّة انعقاد الإجماع على خلافه لندرة القائل.

مع احتمال كون كلامه أيضا واردا مورد الغالب، بل احتمال كون ذهاب الثلاثين في كلامه مطلقا و يكون التقييد للغليان، يعني: إذا حصل الغليان الناري- الذي هو أحد سببي التحريم- و ذهب الثلثان بأيّ نحو كان فهو حلال.

و لكنّه بعيد. و الأحوط اعتبار

الذهاب الناري في الجملة.

و قد يتوهّم تصريح رواية ابن سنان بكفاية غير الناري، حيث قال:

«العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق و نصف ثمَّ يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه» «2»، لأنّ تتمّة الثلاثين في الرواية قد ذهبت بعد الترك.

و فيه: أنّ الطبخ و إن ترك و لكنّ الحرارة النارية باقية، و هي أوجبت

______________________________

(1) التحرير 2: 161.

(2) التهذيب 9: 120- 518، الوسائل 25: 291 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 177

ذهاب تتمّة الثلاثين.

ثمَّ إنّ ما ذكر من التبادر و الغلبة جاريان في الغليان أيضا، إلّا أنّ عدم ظهور قائل بالفرق- بل تصريح بعضهم بعدم الخلاف فيه «1»، و كون الاحتياط فيه موافقا لعدم التفرقة- يوهن التفرقة فيه جدّا.

و أمّا ما ذكره بعضهم «2» من أنّ مقتضى انصراف المطلق إلى الغالب و إن كان تخصيص الغليان بالناري أيضا، إلّا أنّ تصريح موثّقة ذريح المتقدّمة و تنصيصها بالتحريم بغير الناري أيضا أوجب عدم الفرق فيه.

و ليت شعري من أين فهم تصريحها بذلك؟! مع أنّ كلّا من النشيش و الغليان مطلقان، بل قيل: إنّ النشيش هو الصوت الحاصل بالغليان «3». إلّا أن يستند إلى ما قيل من أنّ النشيش هو صوت الغليان الحاصل من طول المكث «4»، و لكنّه غير ثابت.

و كذا مقتضى الإطلاقات كفاية مجرّد الغليان في حصول التحريم من غير اعتبار أمر آخر، و هو ظاهر فتاوى الأكثر.

خلافا للفاضل في الإرشاد، فاشترط أيضا الاشتداد «5»، و هو الغلظة و الثخن و القوام الغير الحاصلة إلّا مع تكرار الغليان، فالقول بالتلازم- كما عن الشهيد «6»- غير سديد، كما أنّ اشتراط الإرشاد خال عن السداد، لعدم المقتضي

له.

و يمكن أن يستدلّ له بمرسلة محمّد بن الهيثم: عن العصير يطبخ في

______________________________

(1) الرياض 2: 291.

(2) الرياض 2: 291.

(3) المفاتيح 2: 220، الرياض 2: 292.

(4) الرياض 2: 293.

(5) الإرشاد 2: 111.

(6) الذكرى: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 178

النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال: «إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»، فإنّه لا تغيّر في الحال بعد الغليان سوى الاشتداد مشروطا قطعا.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ قوله: «و غلى» بيان لتغيّر الحال، فالمراد بالتغيّر:

تأثّره بحيث يصير أعلاه الأسفل و بالعكس، و لا أقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال.

و كذا مقتضى تعليق الحكم بالحرمة على العصير- وفاقا لظاهر الكفاية «1»- قصر التحريم على ما إذا صدق عليه العصير عرفا.

و أمّا بدون ذلك- كما إذا كان الماء في الحبّ و لم يعصر بعد- فلا وجه للحكم بتحريمه- كما هو ظاهر بعضهم «2»، بل ظاهر قول الأردبيلي أنّه قول كثير، حيث عبّر بلفظ: قالوا «3»- لعدم صدق العصير عليه، و إرادة ما يصلح أن يكون عصيرا خلاف الأصل، مع أنّ في صدق الغليان عليه أيضا نظرا، و لو سلّم صدقه فانصراف المطلق عليه بعيد غايته.

فالظاهر حلّية حبّة العنب الداخلة في الماء أو المرق و لو غلى الماء أو المرق و طبخت فيه، و كذا الزبيب الداخل فيه، على القول بحرمة العصير الزبيبي بالغليان أيضا، إلّا أن يعلم انشقاق الحبّة و خروج مائها و مزجها مع المرق مثلا و غليانه، بل في حصول التحريم حينئذ أيضا نظر، لأنّ باستهلاكه في المرق يخرج عن صدق غليان العصير، فتأمّل.

و دعوى الإجماع البسيط أو المركّب في أمثال المقام مجازفة جدّا.

______________________________

(1) الكفاية: 251.

(2)

حكاه في الحدائق 5: 153 عن بعض مشايخه و هو الشيخ سليمان البحراني.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 11: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 179

بل قيل: إنّ في رواية رواها الحلّي في السرائر- عن كتاب مسائل محمّد بن علي بن عيسى: عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم، و ربما جعل فيه العصير من العنب و إنّما هو لحم يطبخ به، و قد روي عنهم عليهم السّلام في العصير أنّه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، و أنّ الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة، و قد اجتنبوا أكله إلى أن نستأذن مولانا في ذلك، فكتب بخطّه: «لا بأس بذلك» «1»- دلالة على أنّه إذا صبّ العصير في الماء و غلى الجميع حلّ أكله، و لا يشترط فيه ذهاب الثلاثين «2».

انتهى.

و هو حسن، إلّا أنّه تعارضها الأخبار العديدة المشترطة للذهاب، مع تضمّنها لمزج العصير بالماء من غير استهلاك، فتأمّل.

ثمَّ إنّه قد عرفت تصريح الأخبار بحصول الحلّية بذهاب الثلاثين، و هو أيضا إجماعي، بل ضروري.

و لو انقلب العصير المذكور دبسا أو خلّا قبل الذهاب فهل يحلّ، أم لا؟

قال المحقق الأردبيلي- بعد ذكر كلام-: فقد ظهر المناقشة في حصول الحلّ بصيرورة العصير دبسا أو بانقلابه خلّا، فإنّ الدليل كان مخصوصا بذهاب الثلاثين، إلّا أن يدّعى الاستلزام، أو الإجماع، أو أنّه إنّما يصير خلّا بعد أن يصير خمرا، و قد ثبت بالدليل أنّ الخمر يحلّ إذا صار خلّا، أو يقال: إنّ الدليل الدالّ على أنّ الدبس و الخلّ مطلقا حلال يدلّ

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 69- 16، الوسائل 25: 288 أبواب الأشربة المحرّمة ب 4 ح 1.

(2) البحار 63: 504.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 15، ص: 180

عليه «1». انتهى.

و ظاهر كلامه: كون عروض الحلّ بالخلّية أو الدبسيّة مظنّة الإجماع.

و صرّح بعض سادة مشايخنا المحقّقين بأنّه مذهب بعض الأصحاب، و لكنّه نسب عدم الحلّ إلى المشهور، قال في رسالته المعمولة في حكم العصير في طيّ بعض مطالبه: هذا إن اشتراطنا في حلّية العصير ذهاب ثلثيه مطلقا كما هو المشهور، فلو قلنا بالاكتفاء بصيرورته دبسا يخضب الإناء- كما ذهب إليه بعض الأصحاب- زال الإشكال من أصله. انتهى.

و كيف كان، فاحتمال الحلّية قويّ جدّا، لما أشير إليه من عمومات حلّية الخلّ المعارضة لعمومات حرمة العصير الذي غلى قبل ذهاب الثلاثين بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الإباحة و عمومها.

و لا يتوهّم الرجوع إلى استصحاب النجاسة، لتغيّر موضوعها، فإنّ النجاسة ثابتة في الأخبار للعصير، فهذا من باب استحالة النجس الذاتي، التي لا تستصحب معها النجاسة، دون المتنجّس، الذي يستصحب على التحقيق، مع أنّه لعلّ في الأخبار ما يشعر بالحلّية أيضا.

فإنّ في رواية سفيان بن السمط: «عليك بخلّ الخمر فاغمس فيه الخبز فإنّه لا يبقى في جوفك دابّة إلّا قتلها» «2».

و في حسنة سدير: ذكر عنده خلّ الخمر، فقال: «إنّه ليقتل دوابّ البطن و يشدّ الفم» «3».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 201، و فيه: .. إلّا أن يدّعى الاستلزام لو لا الإجماع ..

(2) الكافي 6: 330- 11، المحاسن: 487- 551، الوسائل 25: 93 أبواب الأطعمة المباحة ب 45 ح 3.

(3) الكافي 6: 330- 8، المحاسن: 487- 549، الوسائل 25: 93 أبواب الأطعمة المباحة ب 45 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 181

قال في الوافي في بيان الحديث: خلّ الخمر: هو عصير العنب المصفّى الذي يجعل فيه مقدار من الخلّ و يوضع

في الشمس حتى يصير خلّا «1». فإنّه لا شكّ أنّ بالوضع في الشمس- خصوصا في الحجاز و نحوه- يحصل الغليان و صيرورته خلّا قبل ذهاب الثلاثين قطعا.

و يمكن أن يستدلّ على الحلّية أيضا بصحيحة عمر بن يزيد الواردة في البختج- و هو العصير المطبوخ-: «إذا كان يخضب الإناء فاشربه» «2».

و لا يعارضها مفهوم صحيحة ابن وهب: عن البختج، فقال: «إذا كان حلوا يخضب الإناء و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث، فاشربه» [1]، إذ ليس باقيا على ظاهره قطعا، إذ قول الصاحب إن كان مثبتا لذهاب الثلاثين فلا معنى لاشتراط الحلاوة و خضب الإناء إجماعا، و إن لم يكن مثبتا مطلقا أو بإطلاقه فلا وجه لاشتراطه، بل يثبت المطلوب، فلا بدّ إمّا من جعل الواو بمعنى: أو، فيثبت المطلوب، أو حمل الشرط الأخير على الأولويّة، فكذلك أيضا، أو حمل الأول عليها، فلا ينافي المطلوب.

فروع:
أ: يتحقّق ذهاب الثلاثين بنقصهما كيلا،

و لا يحتاج إلى ذهابهما وزنا،

______________________________

[1] الكافي 6: 420- 6، التهذيب 9: 121- 523، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 3، و البختج: العصير المطبوخ. و أصله بالفارسية ميبخته- النهاية (لابن الأثير) 1: 101.

______________________________

(1) الوافي 19: 325 ب 59 ذيل ح 9.

(2) الكافي 6: 420- 5، التهذيب 9: 122- 525، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 182

لصدق نقص الثلاثين، و لأنّ الكيل كان هو المتعارف في ذلك الاعتبار، و للتصريح به في موثّقتي الساباطي و رواية الهاشمي، الآتية جميعا في المسألة الآتية في الدليل التاسع من أدلّة المحرّمين.

ب: لو صبّ قدر من العصير في القدر و غلى، ثمَّ صبّ عليه قدر آخر قبل ذهاب ثلثي الأول

، فهل يكفي ذهاب ثلثي مجموع ما صبّ أولا و صبّ ثانيا، أو يلزم ذهاب ثلثي مجموع ما صبّ ثانيا مع ما بقي من الأول، أو يجب العلم بذهاب ثلثي كلّ واحد ممّا صبّ أولا و ما صبّ ثانيا؟

مثلا: إذا صبّ في القدر تسعة أرطال و غلى حتى بقيت ستّة أرطال، ثمَّ صبّ فيه تسعة أرطال أخر.

فعلى الأول: يكفي الغليان حتى يبقى من المجموع ستّة أرطال- ثلث ثمانية عشر رطلا- كيل مجموع المصبوبين.

و على الثاني: يغلي حتى تبقى خمسة أرطال- ثلث خمسة عشر رطلا- كيل الباقي من الأول و المصبوب ثانيا.

و على الثالث: يجب الغلي حتى تعلم صيرورة الباقي من الأول ثلاثة أرطال، و من المصبوب بعده ثلاثة أرطال، و لا يكفي في ذلك بقاء مطلق الستّة، إذ لعلّه نقص من المصبوب ثانيا أقلّ من الستّة أو أكثر و من الباقي أكثر من الثلاثة أو أقل، و على هذا فلا يمكن الحكم بالحلّية حينئذ أصلا، لعدم سبيل إلى حصول ذلك العلم، بل يجب طبخ

كلّ على حدة.

الظاهر: هو الوسط، لأنّ الحاصل بعد الخلط عصير واحد، فبعد الغلي و ذهاب ثلثيه يصدق عنوانا الحرمة و الحلّية عليه، و لأنّ الاحتمال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 183

الأول مدفوع باستصحاب الحرمة، و الثاني «1» بعدم إمكان تحقّق ذلك العلم، مع ما يعلم قطعا من صبّ الأعصرة بعضها على بعض، مع تفاوتها في اللطافة و الغلظة، الموجبتين لسرعة الذهاب و بطئه، فإنّ أنواع العنب متفاوتة في ذلك قطعا، بل قد يعصر بعضها في زمان غلي بعض آخر، و في مرّ الزمان مدخليّة في سرعة الذهاب و عدمه أيضا.

و تؤيّده موثّقتا الساباطي و رواية الهاشمي الآتية، الآمرة بإذهاب ثلثي المجتمع بعد غلي سابق للبعض، بل تدلّ عليه على القول بتحريم العصير الزبيبي بالغليان أيضا.

و تدلّ عليه أيضا رواية عقبة بن خالد المتقدّمة «2»، المتضمّنة لضمّ الماء مع العصير و كفاية ذهاب ثلثي المجتمع، مع اختلافهما في سرعة قبول الذهاب و عدمه.

ج: لو طرح في العصير قبل ذهاب الثلاثين جسم فجذب من العصير شيئا

و لم يعلم بعد ذهاب ثلثي العصير ذهاب ثلثي ما جذبه ذلك الجسم أيضا، يحرم ما فيه حتى يعلم الذهاب، و لا تكفي حلّية ما في القدر في حلّيّة ما في ذلك الجسم.

نعم، لو لم يدخل العصير في ذلك الجسم، بل اكتسب الجسم رطوبته حتى كبر- كالحنطة المنقوعة في العصير- ففي حرمته من بدو الأمر إشكال، لعدم صدق اسم العصير على ما فيه، فتأمّل.

المسألة الرابعة: الأقوى اختصاص التحريم بالغليان مطلقا
اشاره

- الناري و غيره- بالعصير العنبي، فلا يحرم الزبيبي أو التمري بالغليان مطلقا، وفاقا

______________________________

(1) كذا، و الأنسب: الثالث.

(2) في ص: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 184

للفاضلين و الشهيدين و فخر المحقّقين و السيوري و الصيمري «1» و أكثر المتأخّرين «2».

و هو ظاهر المقنعة و المراسم «3» و كتب السيّد «4»، حيث لم يتعرّضوا لبيان تحريم العصير مطلقا.

بل هو الأشهر، كما صرّح به جماعة، كالأردبيلي و السبزواري و الصيمري «5».

و هو ظاهر المسالك «6»، لنسبته الخلاف في الزبيبي إلى بعض علمائنا، و لم ينقل في التمري خلافا أصلا، و لذا نسب إليه و الى الدروس القول بعدم وجود الخلاف في التمري «7».

و ربّما كان ذلك أيضا ظاهرا من اللمعتين «8»، حيث لم يشيرا إلى الحكم في التمري مطلقا، مع تصريحهما بأنّه لا يحرم العصير من الزبيب على الأقوى.

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 1: 52، العلامة في القواعد 2: 158، الشهيد الأول في الدروس 3: 16، الشهيد الثاني في المسالك 2: 244، فخر المحققين في الإيضاح 4: 156، السيوري في التنقيح الرائع 4: 51، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 291.

(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 206، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 89.

(3) المقنعة: 581، المراسم: 55.

(4) الانتصار: 200،

الناصريات (الجوامع الفقهية): 181.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 202، السبزواري في الكفاية: 251، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 291.

(6) المسالك 2: 245.

(7) راجع الرياض 2: 291.

(8) اللمعة و الروضة 7: 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 185

بل حكي عن بعض الفضلاء التصريح بعدم الخلاف فيه «1»، بل عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة الإجماع على عدم إلحاق التمري.

دليلنا: أصل الإباحة، و استصحاب الحلّ، و العمومات الكتابيّة و السنّية الدالّة على حلّية الأشياء السليمة عن المعارض و المخصّص- إلّا ما يستدلّ به للتحريم، و هو غير دالّ كما يأتي- و ما قيل من تداول تناول الدبس الزبيبي في الأعصار و الأمصار بحيث انعقد الإجماع عليه، مع أنّه لا يكاد يتحقّق التثليث في العصير الزبيبي إلّا بانعقاده و احتراقه و خروجه عن الدبسيّة و تغيّر طعمه إلى المرارة، و لا يفيد في ذلك ازدياد الماء و تليين النار إذ الماء يحترق. إلّا أنّ فيه: أنّه مبنيّ على عدم حصول الحلّية بصيرورته دبسا قبل ذهاب الثلاثين و قد عرفت أنّ الأقوى حصولها.

هذا، مع ما صرّح به في رواية الهاشمي و موثّقتي الساباطي الآتية بإمكان التثليث مع كون الماء ضعف الزبيب أو متساويا له.

و تدلّ على المطلوب في التمري أيضا رواية محمّد بن الحسن [و علي ابن محمّد بن ] بندار جميعا، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن محمّد بن جعفر، عن أبيه، و هي طويلة، و فيها: فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«و ما النبيذ؟ صفوه لي» فقالوا: يؤخذ من التمر فينبذ في إناء، ثمَّ يصبّ عليه الماء

حتى يمتلئ و يوقد تحته حتى ينطبخ، فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر، ثمَّ صبّوا عليه ماء، ثمَّ يمرس، ثمَّ صفّوه بثوب، ثمَّ يلقى في إناء، ثمَّ يصبّ عليه من عكر ما كان قبله، ثمَّ يهدر و يغلي، ثمَّ يسكن على عكرة،

______________________________

(1) انظر الحدائق 5: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 186

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا هذا، قد أكثرت، أ فيسكر؟» قال: نعم، قال:

«فكلّ مسكر حرام» الحديث «1».

وجه الدلالة واضح جدّا، فإنّه لو كان الهدر و الغلي كافيين في التحريم لم يسأل عن الإسكار و عدمه لذكرهما في الكلام، بل أهل العرف كلّا يفهم من هذا الكلام عدم التحريم بدون الإسكار.

و تؤيّد المطلوب أيضا النصوص الواردة في علّة تحريم العصير، فإنّها ظاهرة في أنّ العلّة إنّما هي شركة إبليس في شجرة الكرم و ثمرته بالثلثين، و أنّه إذا ذهب نصيبه منها حلّ الباقي «2»، و لا ريب أنّ الزبيب قد ذهب ثلثاه و زيادة بالشمس.

و ما قيل «3» من أنّ ذهاب الثلاثين بالشمس إنّما يفيد إذا كان قد غلى حتى يحرم ثمَّ يحلّ بعد ذلك بذهاب الثلاثين، و الغليان بالشمس غير معلوم، بل قد يجفّ الزبيب بغير الشمس أيضا و لا غليان فيه البتّة، فلا وجه لتحريمه حتى يحتاج إلى التحليل بذهاب الثلاثين.

فيأتي ما يردّه في مطاوي أدلّة المحرّمين، و ملخّصه: أنّه مبنيّ على دلالة تلك النصوص أو غيرها على اعتبار كون ذهاب الثلاثين بعد الغليان و حصول التحريم، و أنّه لو ذهبا قبله لا يعبأ به. و هي ممنوعة، إذ لا أثر له فيها، بل ظاهرها اعتبار ذهاب الثلاثين مطلقا، بعد الغلي كان أم لا.

و يؤيّد المطلوب أيضا

بعض الروايات الأخر، كرواية مولى حرّ بن

______________________________

(1) الكافي 6: 417- 7، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 6، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2.

(3) رياض المسائل 2: 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 187

يزيد الآتية في الدليل الثاني من أدلّة المحرّمين، فإنّ ترك الاستفصال فيها عن أنواع الأشربة و طريق صنعتها يقتضي ثبوت الحلّية لكلّ نوع منه و إن غلى و لم يذهب ثلثاه، خرج العنبي فيبقى الباقي.

و رواية إسحاق بن عمّار الآتية في الدليل التاسع منها، فإنّ المستفاد من قوله عليه السّلام فيها: «أ ليس هو حلوا؟» «1» كون العلّة في إباحة الشراب المسؤول عنه كونه حلوا غير متغيّر بما يوجب الإسكار، فيطّرد فيما كان كذلك و إن لم يذهب منه الثلثان، لحجّية العلّة المنصوصة.

و كصحيحة أبي بصير: قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يعجبه الزبيبة «2».

و روى الراوندي في الخرائج و الجرائح عن صفوان أمر أبي عبد اللّه بإطعام امرأة غضارة مملوّة زبيبا مطبوخا «3».

و ظاهر أنّ طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب و لا ثلثا ماء طبخ فيه الزبيب و اكتسب منه الحلاوة.

و احتمال كون الزبيبة ما فيه قليل زبيب مخلوط مع أشياء أخر- يستهلك الزبيب و ماؤه فيها- فاسد، كما يستفاد من حديث الراوندي.

و تؤيّده بل تدلّ عليه أيضا المستفيضة الكثيرة الدالّة على دوران الحكم في النبيذ- حرمة و حلّا- مدار السكر و عدمه، كما تأتي جملة منها، و لو كان مجرّد الغليان يوجب التحريم و إن لم يبلغ حدّ الإسكار لجرى له ذكر أو إشارة و لو في بعضها، سيّما مع ورودها في مقام

الحاجة.

______________________________

(1) الكافي 6: 426- 4، الوسائل 15: 291 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 5.

(2) الكافي 6: 316- 7، المحاسن: 401- 92، الوسائل 25: 62 أبواب الأطعمة المباحة ب 27 ح 1.

(3) الخرائج و الجرائح 2: 614- 13، البحار 47: 98- 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 188

و توهّم أنّ بمجرّد الغليان يحصل منه السكران ففاسد، يشهد بفساده العيان.

و لو سلّم فيخرج عن المفروض، لأنّه إنّما هو فيما لم يسكر.

و توهّم حصول الإسكار الخفي أو مبادئه أيضا كذلك، لمنعه.

و لو سلّم فغير مفيد، لأنّ الإسكار المعلّق عليه الحكم في الأخبار هو الظاهر منه، لأنّه الإسكار العرفي الذي يجب حمل اللفظ عليه.

احتجّ للقول بالتحريم بأدلّة
اشاره

بعضها يعمّ التمري و الزبيبي، و بعضها يختصّ بأحدهما:

فمنها: استصحاب الحالة التي كانت للعنب بعد الزبيبيّة

و للباقي من مائه فيه.

و الجواب: أنّ الموضوع قد تغيّر، لأنّه العنب و عصير العنب، أو العصير الذي يختصّ بمعتصر العنب كما يأتي، و قد تغيّر و ذهب فلا يمكن أن يستصحب.

و أمّا بعض المناقشات- الذي ذكره بعض سادة مشايخنا المحقّقين في ذلك المقام، في رسالته المعمولة لهذا المرام- فهو بطوله ناشئ عن عدم التحقيق في معنى عدم تغيّر الموضوع، كما يظهر لمن نظر إليه، و إلى ما ذكرناه في معناه في كتابي مناهج الأحكام و عوائد الأيّام «1».

و منها: العمومات المتقدّمة الدالّة على تحريم العصير عموما أو إطلاقا بالغليان،

و العصير هو الماء المستخرج من الشي ء عنبا كان أو غيره، أصليّا كان المستخرج أم عارضيّا، ابتدائيّا كان الاستخراج أم مسبوقا بعمل،

______________________________

(1) عوائد الأيام: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 189

كالنقع و غيره.

و الجواب عنه: بمنع عموم العصير لغة بحيث يشمل المفروض أولا.

و بمنع إمكان حمله على ما يعمّه في تلك الأخبار ثانيا.

أمّا الأول: فليس لأجل ما قيل من أنّ المتبادر من العصير حيث يطلق المتّخذ من العنب دون العام «1».

أو أنّ العصير استعمل في اللغة و العرف و الأخبار في الخاصّ، و الأصل في الاستعمال الحقيقة «2».

أو أنّ إطلاق العصير حقيقة على الخاصّ ثابت و على غيره مشكوك فيه، فينفى بالأصل «3».

أو أنّ العصير إنّما يتحقّق في العنب، لأنّ العصير إنّما يطلق على المأخوذ من الأجسام التي فيها مائيّة لاستخراج الماء منها، كالعنب و الرمّان، و أمّا التمر و الزبيب و السماق- و نحوها من الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة و يراد استخراج حلاوتها أو حموضتها- فالمتحقّق فيها هو النبيذ و النقيع، أو المرس، أو الغلي «4».

[لردّ الأول: بمنع التبادر] «5». نعم، لو قيل بعدم تبادر التمري و الزبيبي لكان صحيحا، [و

لكنّه غير مفيد] «6».

و أمّا تسليم المخالف تبادر العنبي و ردّه بتجويز كونه إطلاقيّا فلا يكون

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 155.

(2) الحدائق 5: 127.

(3) الرياض 2: 293.

(4) الحدائق 5: 125.

(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 190

علامة للحقيقة- كما وقع لبعضهم- فيرد عليه أنّ ذلك و إن أخدش في إثبات كونه حقيقة في العنبي و لكنّه يخدش في عمومه الذي عليه بناء الاستدلال أيضا فيبطل.

و القول- بأنّه إذا تعارض الاحتمالان يرجع إلى الأصل، الذي هو بقاء العموم- إنّما يصحّ لو كان مراد الرادّ: إثبات الحقيقة الطارئة بالتبادر، و لكن له أن يمنع أصالة العموم و أراد الحقيقة الأوليّة.

و دعوى أنّ مقتضى الوضع الاشتقاقي العموم- فلو ثبت حقيقة في الخصوص لكانت طارئة- يأتي جوابها.

كما أنّ تسليم الموافق لنا إطلاقيّة التبادر الحاصل بسبب الشيوع و جعله كافيا في إثبات المطلوب لأنّ المطلق يحمل على الأفراد الشائعة دون الخفيّة النادرة، يرد عليه: أنّ الحمل على الشائع إنّما يكون إذا كان غيره نادرا خفيّا، و هو في المقام غير ثابت، فإنّ انصراف المطلق يستدعي الظهور الذي يقابل الندرة، دون الأظهريّة و الأشهريّة، مع أنّ من أخبار المقام ما يشتمل على لفظ العموم الاستغراقي، و حمل مثله على الشائع ممنوع.

و ردّ الثاني: بمنع استعمال العصير في الخاصّ أولا و إن دلّت القرائن على إرادته في بعض المواضع، فإنّ إرادة الخاصّ لا تستلزم استعمال اللفظ فيه بعينه، لجواز فهم الخصوصيّة من الخارج دون اللفظ.

و منع كون الأصل في الاستعمال الحقيقة مطلقا، ثانيا، و إنّما هو إذا اتّحد المستعمل فيه، و المورد ليس كذلك، لاستعماله في الأعمّ في اللغة و العرف و

الأخبار أيضا، و على هذا فللخصم قلب الدليل و إثبات الحقيقة في الأعمّ بالاستعمال فيه.

و ردّ الثالث: بأنّه إن أريد بثبوت إطلاق العصير على الخاصّ حقيقة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 191

إطلاقه عليه لكونه موضوعا له بالخصوص فهو أول النزاع، و إن أريد ثبوت إطلاقه عليه حقيقة و لو لوضعه للمعنى العام فهو غير مفيد.

و ردّ الرابع: بأنّ النبيذ و النقيع و إن تحقّقا في التمر و الزبيب و لكن يحصل العصير بعدهما أيضا، و لأجل ذلك يطلق على عصيرهما النقيع و النبيذ.

و الحاصل: أنّه إن أريد اختصاص العصير بالعنب فنمنع، و إن أريد تحقّق النبيذ و النقيع في التمر و الزبيب فنسلّم، و لكن لا يلزمه انتفاء العصير فيهما، إلّا أن يخصّ العصير بما لم يتوقّف على نبذ و نفع، و حينئذ يكون الكلام متوجّها كما يأتي.

بل لأنّ لفظ العصير: فعيل، و هو إمّا بمعنى الفاعل، فهو بمعنى العاصر، أو بمعنى المفعول، و هو الشي ء الذي وقع عليه العصر دون ما خرج من العصر، و إنّما يسمّى ذلك عصارا و عصارة.

صرّح بذلك في القاموس، قال: و عصر العنب و نحوه يعصره فهو معصور و عصير، و اعتصره استخرج ما فيه، و عصره ولي ذلك بنفسه، و اعتصره عصر له و قد انعصر و تعصّر، و عصارته و عصارة ما يحلب منه «1».

انتهى.

صرّح بأنّ العصير هو نفس العنب و أنّ ماءه عصارة و عصار، و على هذا فإطلاق العصير على الماء المستخرج لا يكون مقتضى وضعه الاشتقاقي حتى يستدعي عموما، بل هو معنى مجازي له، فيمكن أن يكون ذلك المعنى المجازي هو خصوص ماء العنب، أو هو و نحوه ممّا لا يحتاج إلى

______________________________

(1) القاموس

المحيط 2: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 192

ضمّ ماء خارجي، فلا يعلم العموم.

سلّمنا كون لفظ العصير حقيقة في الماء المستخرج، كما هو ظاهر كلام صاحب المصباح المنير، حيث قال: عصرت العنب و نحوه عصرا- من باب ضرب- استخرجت ماءه فانعصر، و اعتصرته كذلك، و اسم ذلك الماء العصير: فعيل، بمعنى: مفعول، و العصارة بالضمّ ما سيل عن العصر «1».

انتهى.

و لكنّه حقيقة طارئة، إذ حقيقة الاشتقاقيّة هو ما وقع عليه العصر- أي الجسم الذي استخرج ماؤه- كما صرّح به في القاموس، و تلك الحقيقة الطارئة يمكن أن تكون ما لا يصدق على مثل ما يستخرج من التمر و الزبيب، بل يختصّ بما كان ماء نفسه، و لذا لا يقال لما يخرج من الثوب و نحوه بعد العصر: عصير، و كذا ما يخرج من اليد الرطبة بعد عصرها.

و لا عموم في كلام المصباح، لأنّه قال: العنب و نحوه، فيمكن أن يكون مراده ب: نحوه: ما كان الماء من نفسه، بل هو الظاهر من قوله:

استخرجت ماءه، حيث أضاف الماء إلى الضمير الراجع إلى نفس الشي ء، و لم يقل: الماء الذي فيه.

و يؤكّد ذلك عدم وقوع تصريح في كلام لغوي باستعمال العصير في غير ما كان الماء المستخرج من نفسه، و إنّما استعملوه في ما كان الماء من نفسه، كالعنب و الرطب و النخيل و الأعناب، أو نحو العنب و غير ذلك.

و على هذا، فلا دلالة لتقييد بعض اللغويين و غيرهم العصير بالعنب على استعماله في التمري و الزبيبي أيضا.

______________________________

(1) المصباح المنير: 413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 193

نعم، يدلّ على استعماله على غير ماء العنب أيضا كماء الرطب و الحصرم و الرمّان، و لكنّه غير

مفيد.

و الحاصل: أنّ مقتضى الوضع الاشتقاقي و المطابق لحقيقته الأصليّة كون العصير هو ما وقع عليه العصر، كنفس العنب و الثوب و غيرهما، دون ما خرج من العصر، فيكون استعماله في الخارج كلّا أو بعضا إمّا مجازا- كما هو ظاهر القاموس، و حينئذ فيتكثّر المجاز و يتّسع باب الاحتمال- أو حقيقة طارئة، كما هو ظاهر المصباح، و لا يعلم أنّ حقيقته الطارئة هل هي الماء الذاتي المستخرج، أو مطلقا فيبطل معه أيضا الاستدلال.

فإن قلت: قول صاحب المصباح: فعيل بمعنى مفعول، يدلّ على أنّه وضعه الاشتقاقي، فيكون عامّا لكلّ ما يصدق فيه مبدأ اشتقاقه.

قلنا: مع أنّه لا حجّية في قوله فقط أنّه لو كان حجّة لكان في تعيين المعاني، و أمّا في غير ذلك فلا، و كون ذلك فعيلا بمعنى المفعول ممّا نعلم انتفاءه، فإنّ المعصور- الذي هو المفعول- هو ما وقع عليه العصر، و ليس هو إلّا نفس العنب و نحوه دون ما استخرج منه، و أمّا إرادة المستخرج من شي ء آخر فهو حقيقة ليس مفعولا يكون الفعيل بمعناه، فإنّه ليس مفعولا للعصر أصلا.

سلّمنا، و لكن يحتمل أن يكون إطلاق العصير على الماء من باب الفعيل بمعنى المفعول إذا كان ذلك الماء أيضا جزءا من حقيقة المسمّى بالاسم حتى يصدق عليه المفعول من تلك الجهة، دون ما إذا ضمّ الماء مع شي ء آخر و ادخل فيه، كما في الثوب و نحوه.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام بعض سادة مشايخنا المحقّقين، حيث قال: عموم لفظ العصير باعتبار وضعه اللغوي الأصلي أمر بيّن يجب القطع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 194

به، فإنّ العصير فعيل من العصر، فهو كغيره من المشتقّات موضوع بالوضع النوعيّ للذات المبهمة

المتّصفة بالمبدإ على وجه مخصوص، و من المعلوم أنّ ليس للفظ العصير من بين المشتقّات في أصل اللغة وضع يخصّصه ببعض الذوات كالعنب، فإذن العصير- بمقتضى وضعه الأصلي- عامّ صادق على كلّ شي ء معصور مطلقا، عنبا كان أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك.

انتهى.

فإنّا نقول: إنّا نسلّم عمومه باعتبار وضعه الأصلي، و مقتضاه صدق العصير على كلّ ما وقع عليه العصر من عنب و تمر و زبيب و ثوب و لبد و لحاف و غيرها، و أمّا صدقه على الماء المستخرج مطلقا فبأيّ وضع؟

نوعي أو شخصيّ أو اشتقاقي؟ و دلالته عليه ليس بالوضع الأصلي الاشتقاقي، و إنّما هو أمر طار عارضي، يجب الفحص عن معروضه عموما و خصوصا، و ليس في كلام أهل اللغة و نحوهم من الأدباء تصريحا أو استعمالا مطلقا ما يدلّ على التعميم، و إنّما هو محض استعمال في كلام الفقهاء لبيان المسألة، و لو كان ذلك مقتضى الوضع الاشتقاقي للزم صحّة استعماله في الماء المستخرج من عصر الثوب و اللبد و اليد و الشعر، فيقال:

عصير الثوب و اليد و الشعر إلى غير ذلك، و بطلانه ظاهر جدّا.

بل في كلام المصباح إشارة إلى أنّه ليس وضعا اشتقاقيّا، حيث قال:

و اسم ذلك الماء العصير، ثمَّ قال: و العصارة ما سيل من العصر.

فإنّه لا يقال للضارب: إنّه اسم ذلك الشخص، و لذا فرّق بين العصير و العصارة، فالأول ليس مقتضى الوضع الوصفي الاشتقاقي، و إنّما هو علميّ عارضي، و هذا ظاهر جدّا.

و تؤكّد بعض ما ذكرنا صحيحة البجلي: «الخمر من خمسة: العصير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 195

من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المزر من الشعير، و النبيذ

من التمر» «1».

فإنّها دالّة على اختصاص العصير بماء العنب و عصارته إن جعلنا العصير بيانا للخمسة، يعني: أنّ الخمر يحصل من خمسة أشياء: من العصير و هو من الكرم، و من النقيع الذي هو من الزبيب، إلى آخره. أو اختصاصه بالخمر العنبيّة إن جعلناه بيانا لأقسام الخمر.

و أمّا الثاني: فلأنّ العصير في تلك الأخبار لو كان عامّا لزم تخصيص الأكثر، بل إلّا الأندر، و هو هذه الثلاثة، و خروج سائر أفراده التي لا تحصى من الكثرة، و ذلك غير جائز على التحقيق، فيكون العصير إمّا مخصوصا بالوضع، أو مستعملا في بعض الأفراد تجوّزا لا من باب تخصيص العامّ، و على التقديرين لا تكون إرادة الزائد عن العنبي عنه معلومة.

و أورد عليه بوجهين:

الوجه الأول: منع عدم جواز تخصيص الأكثر، لوقوعه في الكتاب العزيز، قال سبحانه إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ «2».

مع قوله تعالى وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «3».

فإنّ المخلصين لو كانوا أقلّ كان الغاوون أكثر و قد استثنوا من الاولى، و إن كانوا أكثر فقد استثنوا من الثانية، و يلزم استثناء الأكثر.

______________________________

(1) الكافي 6: 392- 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 1.

(2) الحجر: 42.

(3) الحجر: 39 و 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 196

و لأنّ المقتضي له موجود و المانع مفقود.

أمّا الأول: فللوضع لما يصحّ منه الإخراج تجوّزا، و وجود علاقة مصحّحة، هي علاقة العموم و الخصوص، دون المشابهة المنتفية في المقام.

و أمّا الثاني: فإذ ليس إلّا قبح مثل قول القائل: أكلت كلّ رمّانة في البستان، و فيه آلاف و لم يأكل إلّا واحدة أو ثلاثة. و: كلّ

من جاءك فأكرمه، ثمَّ قال: أردت زيدا أو هو مع عمرو. و ذلك القبح ليس كلّيا حتى يكون مستندا إلى اشتراط الواضع بقاء الأكثر من العامّ، بل لأمر عارض يزول إذا روعيت فيه الجهات المحسّنة و الاعتبارات اللائقة و تصرّف المتكلّم فيه تصرّفا يخرجه عن الضعة و الابتذال، بل قد يلتحق به الكلام بالبليغ الذي يتنافس به الأعلام، و ذلك كما في: عليّ واحد و واحد و واحد إلى عشرة، فإنّه يستقبح مع كونه موافقا للّغة، و إذا كانت هناك نكتة يرتفع القبح كما في بنت سبع و أربع و ثلاث، و كما أنّ التكرار ممّا تستقبحه الطباع، و قد يستحسن بمراعاة بعض النكات كما في سورتي: الرحمن و المرسلات، و كتوجّه الخطاب الموضوع للموجود أو الحاضر أو ذوي العقول إلى المعدوم أو الغائب أو غير ذوي العقول أو عكس ذلك بملاحظة بعض اللطائف و الأحوال، و بهذا الاعتبار يحسن استعمال أدوات العموم في قليل من أفراد العامّ، كأن ينظر في المثالين المتقدّمين إلى أنّ ما عدا المراد بمنزلة المعدوم لنوع امتياز للمراد من بين الأفراد فكأنّه لا فرد لذلك العام سوى المراد.

أو إلى أنّه لمّا أكل أحسن الرمّانات و أراد أفضل الجائين فكأنّه أكل الكلّ و أكرم الجميع، فيطلق لفظ العموم نظرا إلى ما وقع عليه الفعل من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 197

القليل بمنزلة الكثير، كقوله: زيد كلّ الرجل، يريد بذلك معادلته للجماعة. أو إلى أنّ القليل المأكول مثلا لمّا كان قدر كفايته فكأنّه أكل الكلّ، فيقصد المبالغة دون الحقيقة، و بمثل تلك الاعتبارات يزول القبح الثابت له قبل ذلك.

و من ذلك يعلم أنّ القبح لم يكن مستندا إلى مخالفة اللغة أو

الخروج عن قوانين العربيّة، و إلّا لاستمرّ مع اللفظ و لم يكن يزول أبدا و إن روعيت فيه أنواع اللطائف أو اختلفت الأحوال و المقامات.

و فيه أولا: أنّ الاستثناء في الآية الأولى منقطع، لأنّ من اتّبعه من الغاوين ليس داخلا في العباد، لأنّ العبد من أقرّ بالعبوديّة و تلبّس بآداب العبادة، قال اللّه سبحانه فَادْخُلِي فِي عِبادِي. وَ ادْخُلِي جَنَّتِي «1»، فلا تخصيص فيها. و المخرج في الآية الثانية قليل بالنسبة إلى الباقين.

و ثانيا: أنّه لا يعلم أنّ من اتّبع الشيطان من الغاوين- الذي عليه سلطانه- يكون أكثر من غيره من العباد أو مساويا له، لأنّهم بين تابع للّه و مستضعف من الدين لم تقرع إسماعهم شريعة أو لم يعلموا غير طريقتهم طريقة حقّة، و بين تابع للشيطان.

و بتقرير آخر: بين ذوي النفوس المطمئنّة و ذوي النفوس اللوّامة و ذوي النفوس الأمّارة و المستضعفين الخالين عن النفوس الثلاث الذين هم أكثر الناس، و من سلّط عليه الشيطان هو الثالث، و من أين علم أنّه أكثر العباد أو مساو لغيره؟! و من أحاط بعباد اللّه سبحانه من بدو خلقهم إلى انقراضهم في شرق الدنيا و غربها و برّها و بحرها؟!

______________________________

(1) الفجر: 29، 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 198

و أمّا الآية الثانية فمعناها: إنّي أكون بصدد إغواء الجميع إلّا العباد المخلصين الذين هم الأنبياء و أوصياؤهم- كما ورد في الأخبار- فإنّي لست بصدد إغوائهم. و لا يريد أنّي اغوي غير المخلصين، إذ ليس جميع غيرهم غاويا من جانب الشيطان، فإنّ منهم المؤمنين الأبرار، و المتوسّطين التابعين للشريعة التائبين بعد المعصية، و المستضعفين، و أمّا المخلصون فهم الذين جزاؤهم فوق أعمالهم و يصفون اللّه سبحانه بما

يليق بجلاله.

قال اللّه سبحانه وَ ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ «1».

و قال سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ «2».

فليس كلّ غير المخلصين غاويا من إغواء الشيطان، فأراد: إنّي أكون بصدد إغواء غير المخلصين.

و على هذا، فلا يفيد ضمّ الآية الثانية مع الأولى لإثبات مطلوبه، لأنّا نقول: إنّ كلّا ممّن اتّبع الشيطان و له عليه السلطان و من المخلصين أقلّ أفراد العباد، و لا ضير، إذ ليس كلّ من أراد إغواءه ممّن اتّبعه.

و ثالثا: أنّا لا نسلّم وجود المقتضي، إذ هو- كما اعترف به- العلاقة المصحّحة، و هي هنا غير موجودة.

قوله: و هي العموم و الخصوص.

قلنا: نعم، و لكن لا كلّ خصوص، إذ لم تثبت لنا صلاحيّة كلّ خصوصيّة حتى الأكثر للعلاقة، كيف؟! و قد منعه أكثر المحقّقين و لم يدلّ عليه شاهد من الواضع، و العلاقات أيضا أمور توقيفيّة يجب ثبوتها من

______________________________

(1) الصافات: 39- 40.

(2) الصافات: 159- 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 199

الواضع، و هذا هو سبب القبح الذي يلاحظ في العرف و ادّعاه المحقّقون، و هو أمر مستمرّ لا ينفكّ أبدا، و ليس القبح لأجل أمر خارجي يزول بزواله و يعدّ من الموانع.

و أمّا ما ذكره- من زوال قبحه أحيانا بمراعاة بعض النكات و اللطائف- فهو خطأ محض و اشتباه بيّن يقضى منه العجب سيّما من هذا الجليل الشأن الذي ذكره، فإنّ الاستعمالات التي ذكرها مراعيا فيها النكات و اللطائف ليس من باب التخصيص و لا علاقة العموم و الخصوص، و إنّما هو تجوّز آخر و علاقة أخرى. و لذا لا يرتفع القبح لو صرّح بالتخصيص، فيقول: أكرم كلّ من جاء دارك إلّا غير زيد

العالم، أو: و لا تكرم غير زيد العالم، أو:

أكلت كلّ رمّانة إلّا غير الرمّانة الفلانيّة الحسنة. و لذا لو علم السامع بذلك، و لكن لم يعلم خصوص مراده عددا، لا يحمله على غير ما علم عدم إرادته، كما هو شأن التخصيص.

و لو تنزّلنا عن الحكم- الباتّ بكون ذلك تجوّزا آخر- فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال، لثبوت التوقيف و ارتفاع القبح عن التخصيص.

و رابعا: أنّا سلّمنا أنّ القبح يرتفع بمراعاة اللطائف و النكات، فما اللطيفة التي رفعته في تلك الأخبار و النكتة التي أزالته فيها؟! فإنّ قلت: النكتة هو شيوع هذه الثلاثة و تعارفها و تداولها.

قلنا: مع أنّ كفاية مجرّد ذلك لرفع القبح غير معلوم، إنّه إن أريد الشيوع وجودا- أي أنّ هذه العصيرات الثلاثة أكثر وجودا من غيرها- فهو ممنوع جدّا، كيف؟! مع أنّ عصارة الزيت و سائر الحبوبات التي يستضاء بعصارتها و عصير الحصرم و الرمّان و الأترج و الليمون و غير ذلك ليس بأقل من عصارة الزبيب قطعا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 200

و إن أريد شيوع إغلائها و أكثريّة غليانها فكذلك أيضا، فإنّ تحقّق الغليان في العصارات التي يستضاء بها و في ماء الحصرم و الرمّان و الأترج و السماق و الإجاص في الطبائخ و الرّبوب ليس أقل وقوعا من تحقّق الغليان في عصارة الزبيب و التمر أصلا، و قد وقع السؤال في الأخبار العديدة عن ربّ الرمّان و التفّاح و السفرجل و التوت و غيرها «1».

و إن أريد شيوع جعله دبسا فلا مدخليّة له في ذلك، كما أنّ لشيوع بعض الحالات الأخر لبعض العصارات الأخرى لا مدخليّة له في ذلك أيضا.

الوجه الثاني: عدم اقتضاء امتناع تخصيص الأكثر إرادة العصير

العنبي من اللفظ و لا وضعه له، لجواز إرادة الثلاثة بتوجّه الخطاب إلى الأفراد دون الأنواع، فإنّ أفراد هذه الثلاثة أكثر من أفراد غيرها.

و فيه: منع أكثريّة أفراد هذه الأنواع الثلاثة جدّا و لو سلّمت أكثريّة مقدارها، مع أنّها أيضا ممنوعة، مضافا إلى أنّ الإرجاع إلى الأفراد خلاف الظاهر.

قيل: سلّمنا وضعه للخاصّ أو استعماله تجوّزا فيه، و لكن الخاص الموضوع له أو المستعمل فيه لا يجب أن يكون خصوص ماء العنب، بل الظاهر أنّه ما يتّخذ منه الدبس، لقربه من المعنى الأصلي و مطابقته لما يقتضيه ظاهر كلام الفقهاء، حيث يطلقون العصير على العصارات الثلاث دون غيرها.

قلنا: الظهور ممنوع لا وجه له، بل و ليس مطلق الماء المستخرج

______________________________

(1) الوسائل 25: 366 أبواب الأشربة المحرّمة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 201

معناه الأصلي كما عرفت، حتى تكون الثلاثة أقرب إليه من الواحدة، و إطلاق بعض الفقهاء لا يجدي نفعا، و نحن لا نقول،: إنّ العصير حقيقة في العنبي خاصّة وضعا أوليّا أو ثانويّا، و لا إنّه مستعمل فيه كذلك، بل نقول: إنّا نعلم أنّه موضوع أو مستعمل في معنى يصدق على العنبي قطعا، و لا نعلم غيره.

و ممّا ذكرنا يظهر دفع بعض ما قيل في ذلك المقام من أنّ اختصاصه بالعنبي يحتاج إلى هجر غيره و هو غير معلوم، أو إلى ارتجال و عدمه معلوم، و أنّه لو سلّم أحدهما فأصالة تأخّر الحادث تقتضي تأخّره عن صدور الروايات، و نحو ذلك ممّا لا يصلح للركون إليه بعد ما ذكرنا، و إن صلح بعضها لتأيّد بعض المطالب لو تمَّ أصلها و مبناها.

و منها: ما دلّ على حرمة كلّ شراب لم يذهب ثلثاه

، كصحيحة علي:

عن الرجل يصلّي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب زعم

أنّه على الثلث فيحلّ شربه؟ قال: «لا يصدّق إلّا أن يكون مسلما عارفا» «1»، و روى مثله في قرب الإسناد «2».

و موثقة الساباطي: عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، فقال: «إن كان مسلما ورعا مأمونا فلا بأس أن يشرب» «3».

و الجواب عنه- مضافا إلى ما مرّ من إيجابه تخصيص الأكثر لو جعل من باب العموم و الخصوص- أنّ الأولى غير دالّة على عدم جواز التصديق،

______________________________

(1) التهذيب 9: 122- 528، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 7.

(2) قرب الإسناد: 271- 1078، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 7.

(3) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 202

لمكان الجملة الخبريّة.

و لو سلّم فغايته عدم التصديق في الطبخ على الثلث، و هو لا يستلزم التحريم، إذ لعلّه للحكم بالكراهة- كما حكي عن جماعة- فلا يجوز الحكم بالإباحة بالمعنى الخاصّ.

و هما معارضتان مع الأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار قول ذي اليد، و ائتمان الصانع في عمله، و جواز الأخذ من سوق المسلمين، و عدم وجوب التفتيش و السؤال «1»، و نفي الحرج في الدين «2»، بل لإجماع المسلمين، حيث يأخذون الدبس في الأسواق خلفا و سلفا، مع أنّ صنّاعه غالبا ليسوا ورعين مأمونين، و لا يتفحّصون عن حال الصانع.

و أمّا ما حكي عن جماعة من أصحابنا- من عدم جواز أخذ العصير من المتّهم باستحلاله قبل التثليث- فهو مخصوص بالمتّهم بالاستحلال لا مطلقا، كما هو مورد الروايتين، و سائر الأخبار الواردة في الباب أيضا مخصوص بالمستحل، فالروايتان مطروحتان من هذه الجهة.

و كذا تعارضان بمثل رواية مولى حرّ بن يزيد:

إنّي أصنع الأشربة من العسل و غيره و أنّهم يكلّفونني صنعتها فأصنعها لهم، فقال: «اصنعها و ادفعها إليهم و هي حلال من قبل أن يصير مسكرا» «3».

هذا كلّه مع أنّ السؤال و الجواب في الروايتين مسوقان لحكم قبول قول مثل ذلك الشخص و عدمه، دون حكم اشتراط ذهاب الثلاثين و عدمه،

______________________________

(1) الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7، و ص 381 ب 38 ح 3، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(2) الحجّ: 78.

(3) التهذيب 9: 127- 548، الوسائل 25: 381 أبواب الأشربة المحرّمة ب 38 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 203

و مثل ذلك لا يفيد في إطلاق حكم الشراب عند جمع من المحقّقين.

و أيضا إنّا نعلم قطعا أنّ علي بن جعفر و عمّار الساباطي كانا يعلمان أنّ الشراب على قسمين: قسم تتوقّف حلّيته على ذهاب الثلاثين، و قسم لا تتوقف، فسؤالهما إنّما هو عن القسم الأول قطعا، يعني: أنّ الشراب الذي تتوقف حلّيته على ذهاب الثلاثين هل يكفي قول ذي اليد فيه، أم لا؟

فلا عموم في الروايتين.

و منها: عموم مفهوم قوله: «ما طبخ على الثلث فهو حلال

» في رواية عقبة بن خالد: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا من ماء، ثمَّ طبخها حتى ذهب منه و بقي عشرة أرطال، أ يصلح شرب ذلك أم لا؟ فقال: «ما طبخ على الثلث فهو حلال» «1».

و جوابه: ما مرّ من لزوم تخصيص الأكثر، بل هنا أشدّ، لعدم اختصاصه بالشراب و العصير.

هذا، مضافا إلى منع العموم في المنطوق، لظهوره في عصير العنب الذي هو مورد السؤال، و منع حجّية ذلك المفهوم، الذي هو مفهوم الوصف.

و منها: الأخبار الواردة في بيان ما يحلّ من النقيع و النبيذ و ما يحرم منهما

، و أنّ الذي يحلّ هو ما ينقع غدوة و يشرب عشيّة أو بالعكس.

كصحيحة الجمّال: أصف لك النبيذ، فقال عليه السّلام لي: «بل أنا أصفه لك، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام، و ما أسكر كثيره فقليله حرام» فقلت: هذه نبيذ السقاية بفناء الكعبة، فقال عليه السّلام لي: «ليس هكذا كانت

______________________________

(1) الكافي 6: 421- 11، التهذيب 9: 121- 521، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 204

السقاية، إنّما السقاية زمزم، أ فتدري من أول من غيّرها؟» قال: قلت: لا، قال: «العبّاس بن عبد المطّلب كانت له حبلة، أ فتدري ما الحبلة؟» قلت:

لا، قال: «الكرم، كان ينقع الزبيب غدوة و يشربونه بالعشي و ينقعه بالعشي و يشربونه من الغد، يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس، و إنّ هؤلاء قد تعدّوا فلا تشربه و لا تقربه» «1».

و حسنة حنّان: ما تقول في النبيذ؟ فإنّ أبا مريم يشربه و يزعم أنّك أمرته بشربه فقال: «صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ فأخبرته أنّه حلال و لم يسألني عن المسكر» إلى أنّ قال: هذا

النبيذ الذي أذنت لأبي مريم أيّ شي ء هو؟ فقال: «أمّا أبي عليه السّلام فإنّه كان يأمر الخادم فيجي ء بقدح و يجعل فيه زبيبا و يغسله غسلا نقيّا ثمَّ يجعله في إناء ثمَّ يصبّ عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ثمَّ يجعله بالليل و يشربه بالنهار و يجعله بالغداة و يشربه بالعشي، و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كلّ ثلاثة أيّام لئلّا يغتلم، فإن كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ» «2».

و رواية أيّوب بن راشد: عن النبيذ، فقال: «لا بأس به» فقال: إنّه يوضع فيه العكر، فقال عليه السّلام: «بئس الشراب، و لكن انبذوه غدوة و اشربوه بالعشي» قال: فقال: جعلت فداك هذا يفسد بطوننا، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحلّ لك» [1].

دلّت تلك الروايات على أنّ الذي يحلّ من النقيع و الزبيب هو ما ينقع

______________________________

[1] الكافي 6: 415- 2، الوسائل 25: 274 أبواب الأشربة المباحة ب 30 ح 1.

و العكر: درديّ الزيت و درديّ النبيذ و نحوه مما خثر و رسب- مجمع البحرين 3: 411.

______________________________

(1) الكافي 6: 408- 7، التهذيب 9: 111- 484، الوسائل 25: 337 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 3.

(2) الكافي 6: 415- 1، الوسائل 25: 352 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 205

عشيّة و يشرب غدوة أو بالعكس، و أنّ ما عدا ذلك حرام، و ظاهر أنّ مضيّ هذه المدّة لا يقتضي تحريما، فهو إمّا لكونه مظنّة للنشيش و الغليان، أو لحصول الإسكار، و بمجرّد هذا المكث لا يحصل إسكار بيّن، فوجب كونه للنشيش، فإنّه كثيرا ما يحصل معه ذلك في البلاد الحارّة.

و الجواب عنه:

أولا: أنّ غاية

ما تدل عليه تلك الأخبار أنّ ما ينقع غدوة و يشرب عشيّة أو بالعكس فهو حلال، و أنّ ما عدا ذلك حرام مطلقا، فلا تدلّ عليه بوجه.

فإنّ الأولى تدلّ على أنّ ما تعدّوا فيه هؤلاء فهو حرام، و أمّا أنّ تعدّيهم في أيّ شي ء و بأيّ قدر فلا. قال في الوافي: إنّ الجبابرة تعدّوا و غيّروه بإكثار الزبيب و التمر فيه، و إطالة مدّة النقع، حتى صار نبيذا مسكرا «1».

فيمكن أن يكون تعدّيهم إلى حدّ الإسكار.

و أمّا ما ذكره بعض مشايخنا في رسالته المعمولة في هذه المسألة، من أنّه لا يمكن أن يكون ذلك التعدّي بالغا حدّ الإسكار، إذ من المستبعد جدّا- بل المستحيل عادة- تظاهر الناس بشراب النبيذ المسكر في زمن الصحابة و التابعين في المسجد الحرام بفناء الكعبة مع فتاوى الفقهاء و أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله على الحظر، و أنّ ما يسكر كثيره فقليله حرام.

ففيه- مع أنّه لم يكن في زمن الصحابة بل و لا التابعين إلّا ما شذّ منهم و ندر، و مع أنّهم قد تظاهروا على أمور كثيرة هي أشدّ ممّا ذكر و أشنع

______________________________

(1) الوافي 20: 626 أبواب المشارب ب 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 206

و أفضح-: أنّه يظهر من أخبارنا أنّهم كانوا متظاهرين بشرب النبيذ المسكر، ففي رواية عمرو بن مروان: إنّ هؤلاء ربّما حضرت معهم العشاء فيجيئون بالنبيذ بعد ذلك فإن أنا لم أشربه خفت أن يقولوا: فلانيّ، فكيف أصنع؟

قال: «اكسره بالماء» قلت: فإذا أنا كسرته بالماء أشربه؟ قال: «لا» «1».

و لعلّ معنى جزئه الأخير: إنّي إذا كسرته أشربه مطلقا و لو من غير ضرورة أيضا. و ظاهر أنّ المراد بكسره: كسر شدّته و

إسكاره، كما صرّح به في أخبار أخر، كرواية عمر بن حنظلة «2»، و رواية كليب الآتية.

و يظهر من قوله: خفت أن يقولوا: فلانيّ، أنّ فتاوى فقهائهم أيضا كانت على الحلّية.

بل يظهر من أخبارنا أنّ من أصحابنا أيضا من كان يزعم حلّية النبيذ المسكر إذا انكسر سكره بالماء، فيمكن أن يكون المتظاهر عليه في المسجد النبيذ المنكسر، ففي رواية كليب: كانوا أبو بصير و أصحابه يشربون النبيذ يكسرونه بالماء، فحدّثت بذلك أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال لي:

«و كيف صار الماء يحلّل المسكر؟! مرهم لا يشربوا منه قليلا و لا كثيرا» قلت: إنّهم يذكرون أنّ الرضا من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله يحلّه لهم، قال: «و كيف كان يحلّون آل محمّد المسكر؟!» الحديث «3».

و يظهر من بعض أخبارنا الأخر أنّهم كانوا يقولون بحلّية قليل ما يسكر كثيره، فلعلّهم كانوا متظاهرين بشرب القدر الذي لا يسكر، كما ورد

______________________________

(1) الكافي 6: 410- 13، الوسائل 25: 342 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 3.

(2) الكافي 6: 410- 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 1.

(3) الكافي 6: 411- 17، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 207

في رواية يزيد بن خليفة، المتضمّنة لحكاية دعوة جماعة كلّ جمعة و شربهم النبيذ مصلّيا على محمّد و آل محمّد، حتى بلغ ذلك أبا عبد اللّه عليه السّلام و نهاهم لأجل أنّ ما يسكر كثيره فقليله حرام «1».

و في صحيحة البجلي: إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله: كلّ مسكر حرام» فقال الرجل: أصلحك اللّه، فإنّ من عندنا بالعراق يقولون: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما عنى بذلك القدح الذي يسكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام» «2».

و في رواية مسعدة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان عند أبي قوم فاختلفوا في النبيذ، فقال بعضهم: القدح الذي يسكر فهو حرام، و قال قوم: قليل ما أسكر و كثيره حرام» الحديث «3».

و أمّا الثانية، فغاية ما تدلّ عليه أنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يشرب نقيع الليل بالنهار و بالعكس، و لا دلالة لها على انحصار الحلال في ذلك، بل في العدول عن الجواب عمّا أذن فيه إلى بيان فعل أبيه عليهما السّلام دلالة واضحة على عدم الانحصار، فإنّه لو كان يقول: إنّ المأذون فيه هو ذلك، ربّما كان يوهم الانحصار.

و أمّا قوله: «فإن كنتم تريدون النبيذ» فلا يفيد الحصر، بل مثل ذلك الكلام متداول في العرف في مقام التنبيه على فساد النيّة، فإنّ من يريد

______________________________

(1) الكافي 6: 411- 16، الوسائل 25: 340 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 9.

(2) الكافي 6: 409- 11، الوسائل 25: 339 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 7.

(3) الكافي 6: 430- 6، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 244، الوسائل 25: 338 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 208

ابتياع فرس و يردّ ما يعرض عليه فيؤتى له بفرس حسن، و يقال: إن كنت تريد الفرس الحسن فهذا الفرس الحسن، و إن كنت تريد أمرا آخر فأنت و شأنك، و لا دلالة لذلك على انحصار الفرس الحسن، و مقصود الإمام: أنّه

إن كنت تريد النبيذ الذي نحن نشربه أو ينفع بعد الطعام فهذا هو، و إن كنت تريد أمرا آخر من نشاط و إطراب أو متابعة الناس في أنبذتهم فهو أمر آخر.

و أمّا الثالثة، فغاية ما تدلّ عليه: أنّ في الأنبذة ما لا يحلّ شربه، و ظاهرها أنّ ما يوضع فيه العكر، و سيأتي أنّه مسكر، فلا يفيد.

و ثانيا: أنّا لو سلّمنا النهي عن غير ما ذكر و لكنّه لا يعلم كونه لأجل الغليان، فلعلّه كان لأجل الإسكار، بل هو الظاهر من صدر صحيحة الجمّال و حسنة حنّان، و أظهر منه قوله في حسنة أخرى لحنّان- بعد قوله: و يزعم أنّك أمرته بشربه- فقال: «معاذ اللّه أن أكون آمر بشرب مسكر» «1».

قول المستدلّ: مضيّ تلك المدّة لا يوجب إسكارا.

قلنا: إن أراد أنّه على سبيل الإطلاق لا يستلزم الإسكار فهو مسلّم، و لكن الغليان أيضا كذلك، فإنّ مجرّد مضيّ تلك المدّة لا يوجب الغليان، سيّما في الخريف و الشتاء، سيّما في البلاد الغير الحارّة، سيّما إذا كان الماء كثيرا و ما نبذه فيه قليلا، كما ذكر في حسنة حنّان «2»: أنّ الماء أربعة أمثال الزبيب.

بل في رواية الكلبي النسّابة أكثر من ذلك بكثير، و هي: عن النبيذ، فقال: «حلال» قلت: إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوى ذلك، فقال:

«شه شه تلك الخمرة المنتنة» قلت: جعلت فداك فأيّ نبيذ تعني؟ فقال:

«إنّ أهل المدينة شكوا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تغيّر الماء و فساد طبائعهم فأمرهم أن

______________________________

(1) الكافي 6: 410- 12، الوسائل 25: 351 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 3.

(2) المتقدّمة في ص: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 209

ينبذوا، فكان الرجل منهم يأمر

خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كفّ من تمر، فيلقيه في الشنّ، فمنه شربه و منه طهوره» فقلت: و كم كان عدد التمرات التي كانت تلقى؟ قال: «ما يحمل الكفّ» قلت: واحدة و اثنتين؟ فقال:

«ربّما كانت واحدة و ربّما كانت اثنتين» فقلت: و كم كان يسع الشنّ ماء؟

قال: «ما بين الأربعين إلى الثلاثين إلى ما فوق ذلك» فقلت: بأيّ الأرطال؟

فقال: «أرطال بمكيال العراق» «1».

و إن أراد أنّه يمكن حصول الغليان بمضيّها، فلا شكّ أنّ مجرّد الإمكان أو الحصول في بعض الأحيان لا يوجب التحريم المطلق، مع أنّ الإسكار أيضا كذلك، فإنّه ربّما يحصل بذلك الإسكار سيّما في الهواء الحارّ و الإكثار في الزبيب أو التمر.

و الظاهر أنّ التخصيص بما نقع أو نبذ غدوة و عشيّا لأجل أنّه مع فتح باب الإنباذ و النقيع مطلقا يؤدّي إلى ما يحصل معه المحرّم من الغليان أو الإسكار بتكثير المنقوع و المنبوذ و تطويل المدّة، فلذا خصّ ذلك بالذكر، و لا يعلم أنّه مظنّة التعدّي حتى يحصل الغليان، بل لعلّه مظنّة التعدّي حتى يحصل الإسكار.

بل يظهر من بعض العامّة استلزام ذلك الغليان للإسكار، فإنّه روى مسلم في صحيحه عن عائشة: إنّا كنّا ننبذ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدوة فيشربه عشيّا، و ننبذه عشيّا فيشربه غدوة «2».

و روى فيه أيضا عن ابن عبّاس: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان ينقع له

______________________________

(1) الكافي 6: 416- 3 و فيه: «ما بين الأربعين إلى الثمانين»، الوسائل 1: 203 أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2. و الشنّ: القربة الخلق- مجمع البحرين 6: 272.

(2) صحيح مسلم 3: 1590- 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 210

الزبيب، فيشربه اليوم

و الغد و بعد الغد إلى مساء الثالثة، ثمَّ يأمر به فيسقى أو يهراق «1».

قال ابن حجر بعد ذكر الروايتين: الشراب في المدّة التي ذكرتها عائشة يشرب حلوا، و أمّا القضيّة التي ذكرها ابن عبّاس فقد ينتهي إلى الشدّة و الغليان، لكن يحمل ما ورد من أمر الخدم بشربه على أنّه لم يبلغ ذلك و لكن قرب منه، لأنّه لو بلغ ذلك لأسكر، و لو أسكر لحرم تناوله مطلقا، و قد تمسّك بهذا الحديث من قال بجواز شرب قليل ما أسكر كثيره «2». انتهى.

و أمّا جعل سبب النهي عن شرب ما مضت عنه أزيد من تلك المدّة الإسكار الخفيّ الغير البيّن، و جعل كاشفة الغليان، فهو ممّا لا يصلح الإصغاء إليه في الأحكام الشرعيّة.

و منها: الأخبار المتضمّنة لحرمة النبيذ الذي يتحقق فيه الغليان مطلقا.

كمرسلة أبي البلاد: كنت عند أبي جعفر فقلت: يا جارية، اسقيني ماء، فقال لها: «اسقيه من نبيذي» فجائتني بنبيذ مريس [1] في قدح من صفر، قال: فقلت: إنّ أهل الكوفة لا يرضون بهذا، قال: «فما نبيذهم؟» قلت: يجعلون فيه القعوة، قال: «ما القعوة؟» قلت: اللاذي «3»، قال:

«فما اللاذي؟» فقلت: ثفل التمر يضرى به في الإناء حتى يهدر النبيذ و يغلي ثمَّ يسكن فيشرب، فقال: «هذا حرام» [2].

______________________________

[1] في الكافي: من بسر. و مرست التمر و غيره: دلكته بالماء حتى تتحلّل أجزاؤه- مجمع البحرين 4: 106.

[2] الكافي 6: 416- 4، الوسائل 25: 353 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 1.

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1589- 81.

(2) فتح الباري 10: 47 و فيه: و أمّا الصفة التي ذكرها ابن عبّاس ..

(3) كذا في النسخ، و في الكافي و الوسائل: الداذي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 211

و خبر إبراهيم بن أبي البلاد، و فيه:

فقال: «و ما نبيذهم؟» قال: قلت:

يؤخذ التمر فينقى و تلقى عليه القعوة، قال: «و ما القعوة؟» قلت:

اللاذي «1»، قال: «و ما اللاذي؟» قلت: حبّ يؤتى به من البصرة فيلقى في هذا النبيذ حتى يغلي و يسكن ثمَّ يشرب، فقال: «هذا حرام» «2».

و الجواب عنه: أنّ النسخ في الحديثين مختلفة، ففي طائفة منها:

«و يسكر» بدل: «يسكن» فيخرج عن محل النزاع، و مع الاختلاف لا يبقى الاعتماد على النسخة الأخرى، مع أنّ في بعض الأخبار تصريحا بكون ذلك مسكرا، كرواية عبد اللّه بن حمّاد المتقدّمة في أدلّة الحلّ «3»، و كصحيحة البجلي: عن النبيذ، فقال: «حلال» فقال: أصلحك اللّه إنّما سألت عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكن، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام» «4».

و منها: الروايات الدالّة على أنّ ما يحصل من الكرم سواء كان عنبا أو زبيبا ثلثاه لإبليس

- لعنه اللّه- لمنازعته مع آدم و نوح على نبيّنا و عليهما السّلام، و أنّ ذلك علّة تحريم الثلاثين و تحريم الخمر.

كصحيحة زرارة «5»، و روايات سعيد بن يسار «6» و أبي الربيع «7» و خالد

______________________________

و الثفل: الدقيق و السويق و حثالة الشي ء- مجمع البحرين 5: 329.

و الضري: اللطخ- القاموس 4: 357.

______________________________

(1) كذا في النسخ، و في الكافي: الدازي، و في الوسائل: الدادي.

(2) الكافي 6: 416- 5، الوسائل 25: 354 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 3.

(3) الكافي 6: 417- 7، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 6.

(4) الكافي 6: 417- 6، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 5.

(5) الكافي 6: 394- 3، الوسائل 25: 284 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 4.

(6) الكافي 6: 394- 4، الوسائل 25: 284 أبواب الأشربة المحرّمة

ب 2 ح 5، في النسخ: سعد بن يسار، و الصحيح ما أثبتناه.

(7) الكافي 6: 393- 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 212

ابن نافع «1» و إبراهيم «2» المرويّة جميعا في الكافي، و روايات محمّد بن مسلم «3» و وهب بن منبّه «4» و أبي الربيع «5» المرويّة في العلل، و رواية سعيد ابن يسار المرويّة في تفسير العيّاشي «6».

وجه الاستدلال: أنّ المذكور في تلك الأخبار هو الحبلة و الكرم و ما في معناهما، و المراد منها: ما يحصل منها دون نفس الشجرة، كما يقتضيه تثليث الحاصل، و لا ريب أنّ الحاصل يعمّ الزبيب أيضا.

و الجواب عنه: أنّ الثلاثين اللذين هما نصيب الشيطان قد ذهبا في الزبيب بالجفاف فلا يبقى بعده.

و القول- بأنّ ذهاب الثلاثين المعتبر في حاصل الكرم إنّما هو بعد حصول الغليان المحرّم- فقد مرّ جوابه في طيّ أدلّة الحلّية.

و الحاصل: أنّه إن أريد أنّ ذهاب ثلثي الشيطان يعتبر فيه ذلك فلا دليل عليه و لا تصريح به في تلك الأخبار، بل [مطلقا] «7».

نعم، في رواية وهب بن منبّه: «فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس و هو حظّه» و لكن الضمير في: «طبخها» لحبلة العنب أو لعصيرها، فإنّهما المذكوران في الكلام، و ظاهر أنّه ليس المراد طبخ الحبلة و لا عصير الحبلة، بل طبخ عنبها أو طبخ عصير عنبها، فلا يشمل الزّبيب.

و جعل المقدّر طبخ حاصلها أو عصير حاصلها لا دليل عليه، مع أنّ العصير

______________________________

(1) الكافي 6: 393- 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 2.

(2) الكافي 6: 393- 2، الوسائل 25: 283 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2

ح 3.

(3) العلل: 477- 2، الوسائل 25: 286 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 10.

(4) العلل: 477- 3، الوسائل 25: 286 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 11.

(5) العلل: 476- 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 2.

(6) تفسير العياشي 2: 262- 40.

(7) في النسخ: مطلق. و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 213

المطلق أيضا لا يعلم صدقه على المستخرج من الزبيب كما عرفت.

و منه يظهر حال ما تضمّن لفظ العصير من تلك الأخبار، كصحيحة زرارة.

و الحاصل: أنّ تلك الأخبار بين أربعة أقسام:

قسم يصرّح بذهاب الثلاثين بنار روح القدس، و عدم فائدته للمخالف ظاهر.

و قسم يدلّ على أنّ الثلاثين مطلقا نصيب الشيطان، و عدم دلالته على حال الزبيب- لكونه أنقص من الثلث- أيضا واضح.

و قسم يدلّ على حرمة عصير الحبلة (أو عصير عنب الحبلة) «1» بعد الطبخ قبل ذهاب الثلاثين.

و قسم يدلّ على حرمة مطلق العصير كذلك.

و حالهما أيضا قد ظهر.

و قد عرفت استدلال بعض المحلّلين على الحلّية بتلك الأخبار كما مرّ.

و منها: الرضويّ المتقدّم في مسألة العصير العنبي،

الدالّ على أنّه إذا أصابت النار الكرم- أي حاصله- لا يحلّ شربه حتى يذهب ثلثاه «2».

و الجواب عنه- مضافا إلى عدم حجّيته- أنّه إذا لم يمكن إرادة نفس الكرم من ضمير أصابته فمن أين علم إرادة مطلق حاصله؟! بل لعلّه عنبه، مع أنّه يظهر من بعضهم أنّ الكرم هو نفس العنب «3»، و هو الظاهر من

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «س».

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 280، مستدرك الوسائل 17: 39 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 5.

(3) الحدائق 5: 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 214

صحيحة البجلي المتضمّنة لخمسة أقسام الخمر «1».

و منها: رواية علي: عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه

، ثمَّ يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث، ثمَّ يرفع و يشرب منه السنة؟ قال: «لا بأس به» «2».

قد ذكرها بعض مشايخنا في طيّ أدلّته، و لا أرى لدلالتها وجها، فإنّها إمّا لتقييد السؤال بالطبخ على الثلاثين، أو لأجل نفي البأس في الجواب عن ذلك المقيّد فيثبت البأس فيما عداه بالمفهوم، و ضعف الوجهين في غاية الظهور.

أمّا الأول، فلأنّه لا يتعيّن أن يكون تقييد السائل لاعتقاده الحرمة بدونه و أنّه لرفع الحرمة الحاصلة بالغليان، فلعلّه لأجل حفظه في السنة ليصلح للمكث في تلك المدّة و لا يتسارع إليه الإسكار المستند إلى المائيّة المغيّرة، بل الظاهر أنّه لذلك و أنّ السؤال باعتبار الشرب منه في السنة.

و لو كان لأجل رفع الحرمة الحاصلة بالغليان لما احتاج إلى سؤال، إذ من يعلم أنّ العصير الزبيبي بالغليان يحرم حتى يذهب ثلثاه فيحلّ فمن أيّ شي ء يسأل؟! سيّما مثل عليّ بن جعفر، الذي هو بمكان رفيع من فقه الأحكام، و لو كان سمع الحرمة بالغليان و لم يسمع الحلّ بذهاب الثلاثين فمن

أين قيّده بذلك؟! بل كان عليه أن يسأل عن كيفيّة حلّه، و أيضا لو كان لذلك لما ذكر شرب السنة.

______________________________

(1) الكافي 6: 392- 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 6: 421- 10، التهذيب 9: 121- 522، قرب الإسناد: 271- 1077، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 215

و التخصيص بذهاب الثلاثين في عدم التغيّر في السنة- مع أنّه يحصل ذلك المطلوب بذهاب الأقل من الثلاثين و الأكثر- فلعلّه لوقوع الطبخ على الثلاثين لأجل كراهته قبل ذلك.

و اتّصال هذه الرواية في قرب الإسناد «1» بما مرّ في صدر الدليل الثاني من أدلّة المحرّمين و كونه سؤالا عن الحلّية لا يدلّ على أنّ ذلك أيضا كذلك، لأنّ ذلك الاتّصال إنّما هو من الحميري دون علي، و لو كان منه أيضا لا يفيده، لأنّه مسألة أخرى.

و القول بأنّ مثل علي بن جعفر العارف بالأحكام لو لم يعلم أنّ هذا شرط في الحلّية لم يقيّده في سؤاله.

فيه: أنّه لو علم ذلك و علم حصوله فمن أيّ شي ء سؤاله؟! سلّمنا أنّ تقييد السائل إنّما هو لذلك، و لكنّه لا حجّيّة في اعتقاده، و تقرير الإمام له لا يفيد، إذ لا دليل على حجّية التقرير على مثل تلك الاعتقادات، كما بيّنّا في الأصول.

و أمّا الثاني، فظاهر جدّا، لأنّ إرجاع الضمير إلى المسؤول عنه المقيّد لا يدلّ بوجه على التقييد في الجواب أصلا، و قد وقع مثل ذلك السؤال و الجواب بعينه في ماء السفرجل الذي لا يحرم بالغليان قطعا في رواية خليلان بن هشام، فسأله عن ماء السفرجل يمزج بالعصير المثلّث فيطبخ

حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه أ يحلّ شربه؟ فكتب: «لا بأس به ما لم يتغيّر» «2».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 271- 1077، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 2.

(2) الكافي 6: 427- 3، الوسائل 25: 367 أبواب الأشربة المحرّمة ب 29 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 216

و منها: الأخبار الواردة في بيان ما يحلّ من المعتصر من الزبيب بالخصوص

و ما لا يحلّ، كموثّقة الساباطي: عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا؟ فقال: «تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه، ثمَّ تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء، ثمَّ تنقعه ليلة، فإذا كان من الغد نزعت سلافته، ثمَّ تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثمَّ تغليه بالنار غلية، ثمَّ تنزع ماءه فتصبّه على الماء الأول، ثمَّ تطرحه في إناء واحد جميعا، ثمَّ توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث و تحته النار، ثمَّ تأخذ رطلا من عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته، ثمَّ تطرحه على المطبوخ، ثمَّ تضربه حتى يختلط به، و اطرح فيه إن شئت زعفرانا، و طيّبه إن شئت بزنجبيل قليل» قال: «فإذا أردت أن تقسّمه أثلاثا لتطبخه فكله بشي ء واحد حتى تعلم كم هو، ثمَّ اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه، ثمَّ تجعل فيه مقدارا و حدّه حيث يبلغ الماء، ثمَّ اطرح الثلث الآخر، ثمَّ حدّه حيث يبلغ الماء، ثمَّ تطرح الثلث الأخير، ثمَّ حدّه حيث يبلغ الآخر، ثمَّ توقد تحته بنار ليّنة حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

و قريبة منها الأخرى و صدرها: وصف لي أبو عبد اللّه عليه السّلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا، و في آخرها: «و إن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه» [1].

و رواية الهاشمي: شكوت إلى أبي

عبد اللّه عليه السّلام قراقر تصيبني في معدتي و قلّة استمرائي الطعام، فقال لي: «لم لا تتّخذ نبيذا نشربه نحن و هو

______________________________

[1] الكافي 6: 424- 1، الوسائل 25: 289 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 2.

روّقه: الترويق: التصفية- القاموس المحيط 3: 247.

______________________________

(1) الكافي 6: 425- 2، الوسائل 25: 290 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 217

يمرأ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن؟» قال: فقلت له: صفه لي جعلت فداك، فقال: «تأخذ صاعا من زبيب فتنقي حبّه و ما فيه، ثمَّ تغسل بالماء غسلا جيّدا، ثمَّ تنقعه في مثله من الماء أو ما يغمره، ثمَّ تتركه في الشتاء ثلاثة أيّام بلياليها و في الصيف يوما و ليلة، فإذا أتى عليه ذلك القدر صفّيته و أخذت صفوته و جعلته في إناء و أخذت مقداره بعود، ثمَّ طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمَّ تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل، ثمَّ تطبخه حتى تذهب تلك الزيادة، ثمَّ تأخذ زنجبيلا و خولنجانا و دار صيني و الزعفران و قرنفلا و مصطكى تدقّه و تجعله في خرقة رقيقة و تطرحه فيه و تغليه معه غيلة، ثمَّ تنزله، فإذا برد صفّيته و أخذت منه على غذائك و عشائك» قال: ففعلت فذهب عنّي ما كنت أجد و هو شراب طيّب لا يتغير إذا بقي إن شاء اللّه «1».

و الجواب عنها- مع ما في الثانية من التعقيد و الإجمال في المتن، و في الأخيرة من عدم الدلالة على توقّف الحلّيّة على ذهاب الثلاثين و التحريم بدونه أصلا-: أنّه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث أن يكون ذلك

لأجل حلّيّته بعد حرمته بالغليان، بل يجوز أن يكون لئلّا يصير مسكرا، كما يدلّ عليه قوله في آخر الرواية الأخيرة: و هو شراب لا يتغيّر إذا بقي.

و لا ينافيه قوله في آخر الثانية: «و إن أحببت أن يطول مكثه» إلى آخره، إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم فساده بنحو آخر غير الإسكار، أو أن يكون المراد بطول المكث: المكث في المدّة الطويلة، و بقوله: إذا بقي، في

______________________________

(1) الكافي 6: 426- 3، الوسائل 25: 290 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 218

الأخيرة أقلّ من ذلك.

و يجوز أن يكون لأجل أنّ الخاصيّة و النفع المترتّب عليه لا يحصل إلّا بطبخه على الوجه المذكور، كما ورد مثله في رواية خليلان المتقدّمة، المتضمّنة لطبخ ماء السفرجل على الثلاثين، مع أنّه ليس للحلّيّة قطعا.

و يدلّ عليه الأمر بالطبخ حتى يذهب العسل الزائد في رواية الهاشمي المتقدّمة، مع أنّه غير محتاج إليه في الحلّية البتّة، بل يدلّ عليه أمر الأطبّاء بذلك، كما ورد في رواية إسحاق بن عمّار: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بعض الوجع و قلت: إنّ الطبيب وصف لي شرابا آخذ الزبيب و أصبّ عليه الماء للواحد اثنين، ثمَّ أصبّ عليه العسل، ثمَّ أطبخه حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث فقال: «أ ليس حلوا؟» قلت: بلى، فقال: «اشربه» و لم أخبره كم العسل «1».

و كذا يدلّ عليه ما ورد في النضوح- كما يأتي- مع أنّه للتطيّب لا للأكل.

و القول- بأنّ وظيفة الإمام بيان ما له مدخليّة في الأحكام دون غيرها- معارض بأنّ وظيفة الطبيب بيان ما له مدخليّة في الآثار دون غيرها، مع أنّ أكثر ما ورد في تلك الأخبار

الثلاثة ممّا ليس له تعلّق بالأحكام، بل الأخيرة مسوقة لبيان الفوائد.

فإن قيل: إنّ قوله: كيف يطبخ حتى يصير حلالا، في الثانية، أو:

حتى يشرب حلالا، في الأولى يدلّ على التحريم بدونه، و كذا قوله في الثانية: «و إذا كان في أيّام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنوّر» إلى

______________________________

(1) الكافي 6: 426- 4، الوسائل 25: 291 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 219

آخره، فإنّ النشيش: هو صوت الغليان، و الظاهر من المحافظة عليه بأن لا ينشّ ليس إلّا لخوف تحريمه بالغليان.

قلنا: مع أنّ قوله: حتى يصير، أو: يشرب حلالا، من قول الراوي في سؤاله- و لا حجّيّة فيه إلّا من حيث تقرير المعصوم له على فهمه، و قد بيّنّا في موضعه أنّه ليس بحجّة- أكثر ما ذكر في الكيفيّة، بل كلّه- عدا الغلي حتى يذهب الثلثان- لا دخل له في الحلّية قطعا، فلا بدّ في الكلام من ارتكاب تجوّز إمّا في كلام السائل بمثل إرادة أنّه كيف يطبخ حتى يبقى على الحلّية و لا يصير مسكرا، أو حتى تحصل فيه فوائد النبيذ و خواصّه المطلوبة منه من دون عروض إسكار، أو غير ذلك من المعاني، بل الأول هو الظاهر من قوله: حتى يشرب حلالا.

و القول: بأنّ العدول عن الظاهر في غير ذهاب الثلاثين لوجود الصارف القطعي لا يقتضي العدول عنه في الذهاب أيضا مع انتفاء الصارف عنه، بل يجب إبقاؤه على ظاهره.

مردود بأنّ هذا ليس من باب تخصيص العامّ حتى يقتصر فيه على المتيقّن، بل من باب ارتكاب أحد التأويلين أو التجوّزين، و عدم وجود مرجّح لأحدهما، بل وجوده لما يخالف مطلوب المستدلّ.

و أمّا قوله: «حتى لا ينشّ»

فإنّ فيه: أنّ بعد ذلك أمر بغليانه حتى يذهب ثلثاه فهو و إن حرم بالنشيش فلا مانع منه، لتعقّبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك، و حينئذ فلعلّ المحافظة عليه من النشيش إنّما هو لغرض آخر، لا لأنّه يحرم بعد ذلك، فإنّه و إن حرم لكن لا منافاة فيه بعد غلية إلى ذهاب الثلاثين المأمور به ثانيا، و حينئذ فلا فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش و لا وقت الغليان أخيرا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 220

و منها: ما رواه في البحار، عن كتاب زيد النرسي

أنّه قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الزبيب يدقّ و يلقى في القدر، ثمَّ يصبّ عليه الماء و يوقد تحته، فقال: «لا تأكله حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث، فإنّ النار قد أصابته» قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر و يصبّ عليه، ثمَّ يطبخ و يصفّى منه الماء، فقال: «كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء و صار حلوا بمنزلة العصير ثمَّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» «1».

و الجواب عنه: أنّها لا تصلح لمقاومة ما ذكرنا من أدلّة الحلّية، فإنّ الكتاب المنسوب إلى زيد النرسي مطعون فيه، حكى الشيخ في الفهرست عن الصدوق أنّه لم يرو أصل زيد النرسي، و كذا حكى عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد، بل كان يقول: إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسى الهمداني المعروف بالسمّان «2».

مضافا إلى أنّ كتابه غير معروف بتواتر و نحوه في زمن صاحب البحار، و ليس إلّا مجرّد إسناد إليه من غير اتّصال السند في الكتاب المخصوص، فمن أين يعلم أنّه كتاب النرسي الذي روى عنه المتقدّمون على أرباب الكتب الأربعة؟!

فإنّه مهجور في تلك الأزمنة المتطاولة.

و من ذلك يندفع ما قيل من تضعيف حكاية الصدوق و شيخه و معارضتها بتغليط ابن الغضائري لابن بابويه «3».

و منها: ما ورد في النضوح، كموثّقتي الساباطي،

إحداهما: عن

______________________________

(1) البحار 76: 177- 8، و هو في كتاب زيد النرسي (الأصول الستة عشر): 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    221     و منها: ما ورد في النضوح، كموثقتي الساباطي، ..... ص : 220

(2) الفهرست: 71.

(3) انظر مجمع الرجال للقهپائي 3: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 221

النّضوح قال: «يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث ثمَّ يتمشّطن» «1».

و الأخرى: عن النّضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحلّ؟ قال: «خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر» «2».

و الجواب: أنّه لا تصريح في الروايتين بحرمة الشرب قبل ذهاب الثلاثين من الإمام عليه السّلام أصلا، و إنّما غايتهما الأمر بغلية حتى يذهب ثلثاه، و هو أعمّ من تحريمه بالغلي قبله، و لعلّ الوجه فيه ما ذكره بعضهم من أنّ النضوح- على ما ذكره اللغويون-: ضرب من الطيب تفوح رائحته «3».

و في مجمع البحرين: إنّ في كلام بعض الأفاضل: أنّه طيب مائع، ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفّاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء، و يشدّ رأسها، و يصبر به أيّاما حتى ينشّ و يتخمّر، و هو شائع بين نساء الحرمين الشريفين «4».

و على هذا فتحمل الروايتان على أنّ الغرض من طبخه حتى يذهب ثلثاه إنّما هو لئلّا يصير خمرا ببقائه مدّة، لأنّ غلية هذا الحدّ الذي يصير به دبسا يذهب الأجزاء المائيّة التي يصير بها خمرا لو مكث مدّة كذلك، لأنّه يصير خمرا بسبب ما فيه من

تلك الأجزاء المائيّة، فإذا ذهب أمن من صيرورته خمرا.

و يؤيّد ذلك قوله: النّضوح المعتق، على صيغة اسم المفعول، أي

______________________________

(1) التهذيب 9: 123- 531، الوسائل 25: 379 أبواب الأشربة المحرّمة ب 37 ح 1، في المصدر: يمتشطن.

(2) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 373 أبواب الأشربة المحرّمة ب 32 ح 2.

(3) الرياض 2: 291.

(4) مجمع البحرين 1: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 222

الذي يراد جعله عتيقا بأن يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا.

و يؤيّده أيضا قوله: «يتمشّطن» الظاهر في أنّ الغرض منه التمشّط، و هو: الوضع في الرأس، فالمراد من السؤال في الروايتين من كيفيّة عمله هو التحرّز عن صيرورته بزيادة المكث خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه و لا يحلّ إذا تمشّطن به، و إلّا فهو ليس بمأكول. و لا الغرض من السؤال عن كيفيّة عمله حلّ أكله، حتى يكون الأمر بغلية على ذلك الوجه لأجله، بل حلّ استعماله، فمعنى قوله: حتى يحلّ، أن يحلّ استعماله، مع أنّه في كلام الراوي، و قد عرفت مرارا ما فيه.

و منها: أنّه يطلق عليه اسم النبيذ، و يشابه العصير العنبي

، مع أنّ الزبيبي مشترك مع العنبي في أصل الحقيقة.

و الجواب: منع صدق النبيذ على مطلق العصير أولا، و منع حرمة مطلق النبيذ ثانيا، بل الأخبار مصرّحة بأنّ من النبيذ ما هو حلال «1».

و منع المشابهة، و بطلان القياس لو سلّمت.

و منع الشركة في أصل الحقيقة، و منع اقتضائها الشركة في الحكم لو سلّمت بعد اختصاص دليل الحكم، أي الحرمة بالعصير العنبي خاصّة، و اللّه العالم.

المسألة الخامسة: إذا انقلبت الخمر خلّا
اشاره

، فإمّا يكون بنفسه، أو بالعلاج.

فعلى الأول: يصير حلالا بلا خلاف بين الفقهاء كما عن التنقيح «2»، و في غيره «3»، و بين الأصحاب بل المسلمين كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «4»،

______________________________

(1) الوسائل 25: 353 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 1 و 3 و 5.

(2) التنقيح 4: 61.

(3) الرياض 2: 299.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 223

بل بالإجماع المحقّق، فهو الحجّة فيه، مع القاعدة الثابتة من تبعيّة الأحكام للأسماء حلّا و حرمة و طهارة و نجاسة.

مضافا إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها، كموثقتي عبيد.

إحداهما: في الرجل باع عصيرا، فحبسه السلطان حتى صار خمرا، فجعله صاحبه خلّا، فقال: «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» «1».

و الأخرى: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا، قال: «لا بأس» «2».

و صحيحتي زرارة و جميل، إحداهما: عن الخمر العتيقة تجعل خلّا، قال: «لا بأس» «3».

و الأخرى: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا، فقال:

«خذها ثمَّ أفسدها» قال عليّ: فاجعلها خلّا «4».

و روايتي عبد العزيز و أبي بصير، الاولى: العصير يصير خمرا، فيصبّ عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتى يصير خلّا، قال: «لا بأس به» «5».

و الأخرى مرويّة في السرائر عن جامع البزنطي: عن الخمر

تعالج بالملح و غيره لتحول خلّا، قال: «لا بأس بمعالجتها» «6».

______________________________

(1) التهذيب 9: 117- 506، الاستبصار 4: 93- 357، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 5.

(2) الكافي 6: 428- 3، التهذيب 9: 117- 505، الاستبصار 4: 93- 356، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 3.

(3) الكافي 6: 428- 2، التهذيب 9: 117- 504، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 1، و في الكافي: العقيقة بدل العتيقة.

(4) التهذيب 9: 118- 508، الاستبصار 4: 93- 358، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 6.

(5) التهذيب 9: 118- 509، الاستبصار 4: 93- 359، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 8.

(6) مستطرفات السرائر: 60- 31، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 224

و موثّقتي أبي بصير، إحداهما: عن الخمر تصنع فيها الشي ء حتى تحمض، قال: «إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس» «1» و في بعض النسخ: يضع، و وضع من الوضع، و في بعض آخر بترك لفظة: «فيه».

ثمَّ تقريب الاستدلال: أن يراد بالغلبة: الغلبة في الكيفيّة، أي الشي ء القاهر على كيفيّتها، الجاعل لها خلّا، كالملح و غيره، دون الغلبة في الكمّيّة الموجبة لترك العمل بالرواية و شذوذها، كما يأتي.

و أمّا احتمال إرادة الخمر من الغالب كمّيّة- كما جوّزه بعض مشايخنا «2» حاكيا عن العلّامة المجلسي في بعض حواشيه- فبعيد غايته، بل لا تحتمله العبارة من حيث التركيب اللفظي.

و الأخرى: عن الخمر يجعل خلّا، قال: «لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» «3» بالغين المعجمة كما في نسخ الكافي،

بل التهذيب على ما يظهر من الوافي «4»، و إن نقل بعضهم عنه و عن الاستبصار بالقاف «5».

ثمَّ الإجماع و الأخبار كما يثبتان ارتفاع الحرمة الخمريّة و إثبات الحلّية الخلّية، كذلك يثبتان الحلّية المطلقة أيضا، حتى من جهة الطهارة أيضا،

______________________________

(1) الكافي 6: 428- 1، التهذيب 9: 119- 511، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 2.

(2) الرياض 2: 299.

(3) الكافي 6: 428- 4، التهذيب 9: 117- 506، الاستبصار 4: 94- 361، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 4، و في الاستبصار: عن عبيد ابن زرارة.

(4) الوافي 20: 677 ب 165.

(5) كالهندي في كشف اللثام 2: 89، و صاحب الرياض 2: 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 225

فلا ينجس ذلك الخلّ بنجاسة الآنية المشتملة عليه، إمّا لتطهّر الآنية تبعا أيضا كما ذكره جمع من الأصحاب «1»، أو لعدم سراية نجاستها إلى الخلّ، كما هو الحقّ عندي، إذ الثابت ليس إلّا طهارة الخلّ الحاصلة بأحد الأمرين، فتستصحب نجاسة الآنية، مضافا إلى منع وجود خصوص أو عموم دالّ على تنجس أحد المتلاقيين بنجاسة الأخرى مطلقا بحيث يشمل مثل المورد أيضا.

و المناقشة في دلالة الروايات- بأنّ غايتها انتفاء العذاب و الإثم في ذلك الجعل و المعالجة، دون حلّية الخلّ و طهارته من جميع الجهات- و إن أمكن في بعضها جدلا، إلّا أنّه بعيد عن الإنصاف، مخالف لفهم الأصحاب، مع أنّه غير جار في الجميع، كالموثّقة الاولى النافية لجميع أنواع البأس بما تحوّل عن اسم الخمر لا عن الجعل و العلاج، و الصحيحة الثانية المجوّزة لأخذ الخمر عوض الدراهم و جعلها خلّا و لو كان حراما و لو بسبب التنجّس الحاصل بملاقاة الآنية الغير

المنفكّ عنه البتّة لما تترتّب فائدة على جعلها خلّا، بل الموثّقتين الأخيرتين، فإنّه لو لا إرادة الحلّية للغا الاشتراط، إذ لا إثم حينئذ مع غلبة الخمر أيضا.

و على الثاني: فإمّا يكون العلاج بشي ء لا يدخل في الخمر- بل بنحو تدخين أو مجاورة شي ء و نحو ذلك- أو بجسم يدخل فيها و يلاقيها.

فعلى الأول: فالظاهر أيضا عدم الخلاف في الحلّية، فإنّ الشهيد الثاني المتوقّف في الحلّية بالعلاج خصّه بالعلاج بالأجسام «2»، فيحلّ أيضا،

______________________________

(1) منهم الشهيد في الروضة 7: 347، المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 19، و الهندي في كشف اللثام 2: 89.

(2) المسالك 2: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 226

لصدق الاسم، و عموم أكثر الأخبار المتقدّمة.

و على الثاني: فإمّا يكون العلاج بما يذهب عينه قبل صيرورة الخمر خلّا، كقليل خلّ أو ملح يدخل في الخمر فيستهلك و يضمحلّ، و بالجملة:

يكون بقدر يطلق على المجموع خمرا أيضا و ليس شي ء غير الخمر عرفا.

أو بما لا يذهب، بل تكون باقية إلى أن يصير الخمر خلّا، كحديدة محماة يدخل فيها أو سفرجلة أو تفّاحة أو نحوها.

فعلى الأول: يحلّ الخلّ و يطهر أيضا على الأقوى الأشهر، لعموم بعض ما تقدّم من الأخبار، و خصوص بعض آخر، حيث إنّ الخلّ و الملح المصبوبين في الخمر ينقلبان إلى الخمر أولا غالبا، من جهة اشتراط قلّة الخلّ أو الملح- كما يأتي- ثمَّ ينقلب المجموع خلّا.

مضافا إلى أنّ بعد انقلاب المصبوب خمرا و انقلاب تلك الخمر أيضا خلّا لا يبقى وجه للتشكيك في الحلّية لأجل بقاء النجاسة.

و التشكيك بأنّ القدر المعلوم ارتفاع النجاسة الخمريّة الذاتيّة بالانقلاب خلّا، و أمّا ارتفاع النجاسة العارضيّة و لو كانت خمريّة بالانقلاب خلّا فغير معلوم كما

قاله الأردبيلي «1»، فالخلّ و الملح و إن انقلبا خمرا ثمَّ خلّا إلّا أنّهما تنجّسا بنجاسة عارضيّة بملاقاة الخمر أولا، و لا دليل على ارتفاع تلك النجاسة.

غير جيّد، لأن الخلّ و الملح و إن تنجّسا بالخمريّة قبل الانقلاب خمرا إلّا أنّ بعد انقلابهما إليها ليسا بنجسين من جهتين، لأنّ النجاسة الخمريّة أمر واحد، فتأمّل.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 227

و على الثاني: فالمشهور- كما في الكفاية «1» و غيرها «2»- الحلّية أيضا.

و قد يناقش فيها حينئذ نظرا إلى تنجّس ما دخل فيه و عدم مطهّر له، و بنجاسته ينجس الخلّ أيضا.

و أجيب عنه: بإمكان اغتفار ذلك، نظرا إلى عموم الأدلّة المتقدّمة، أي بعضها، لأنّ الكل لا يعمّ مثل ذلك.

و يمكن المناقشة في تنجّس الخلّ حينئذ مع قطع النظر عن عموم الأدلّة أيضا، لما أشير إليه من منع ما يدلّ على تنجّس أحد المتلاقيين بنجاسة الأخرى مطلقا، حتى فيما إذا كانا نجسين فيتطهّر أحدهما، فتأمّل.

و ربّما يناقش في الحلّية بمطلق العلاج، لرواية أبي بصير: عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: «لا، إلّا ما جاء من قبل نفسه» «3».

و فيها: أنّها- لمقاومة ما يعارضها من الأخبار المتكثّرة الموافقة لعمل الطائفة- قاصرة، و مع ذلك لإرادة أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة أو الحلّية- بل لا بدّ أن يترك حتى ينقلب ذلك خلّا بنفسه ردّا على أبي حنيفة «4»- محتملة.

و للموثّقة الأخيرة على نسخة القاف.

و فيها: أنّ اختلاف النسخة يمنع عن الاستدلال.

______________________________

(1) الكفاية: 253.

(2) المسالك 2: 248.

(3) التهذيب 9: 118- 510، الاستبصار 4: 93- 360، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 7.

(4) راجع المغني

و الشرح الكبير 10: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 228

فروع:
أ: لو القي في الخمر خلّ كثير حتى استهلكها

، أو القي قليل خمر في كثير خلّ كذلك، فلا يحلّ و لا يطهر و لو مضت مدّة انقلب الخمر خلّا.

لا للموثّقتين الأخيرتين كما قيل «1»، لاختلاف النسخ في إحداهما، و إجمال المعنى في الأخرى.

بل لتنجّس الخلّ بالملاقاة و عدم حصول مطهّر له أصلا، فتكون الخمر أيضا منقلبة إلى الخلّ النجس.

و لا ينتقض بصورة عدم استهلاك الخمر، بل استهلاك الخلّ، لأنّه و إن تنجّس الخلّ و لكن انقلب خمرا، ثمَّ انقلب المجموع خلّا، فيطهر المجموع، بخلاف المفروض.

و لا تفيد الأخبار المتقدّمة في ذلك، لأنّ ذلك ليس جعلا للخمر خلّا، بل هو استهلاكها و اضمحلالها، مع أنّه على فرض الجعل تدلّ على حلّيتها و انتفاء البأس عنها من حيث هي هي لا مطلقا، حتى إذا عرضت لنجاستها سبب آخر أيضا.

و لو لم يستهلك أحدهما في الآخر، بأن يدخل مساوي الخمر من الخلّ أو قريب منه فيها، فيحصل حينئذ لا محالة مزاج ثالث شبه السكنجبين بالنسبة إلى الخلّ و الدبس، فإذا انقلب المجموع خلّا ففي طهارته و حلّه و نجاسته و حرمته إشكال، من جهة عموم الأخبار المتقدّمة، و من جهة أنّ ما فيه من الخلّ متنجّس غير الخمر صار خلّا و لا دليل على

______________________________

(1) الرياض 2: 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 229

طهارة ذلك، و بملاقاته الأجزاء الخمريّة المنقلبة خلّا تنجس تلك الأجزاء أيضا، و عموم الأخبار لا يفيد عدم عروض التنجيس لهذه الأجزاء من جهة أصلا.

ب: لو عولجت الخمر بشي ء نجس

، فإن انقلب المعالج به خمرا ثمَّ انقلب المجموع خلّا، فالظاهر الحلّية و الطهارة و إلّا فالنجاسة، و الوجه يظهر ممّا مرّ.

و منه يظهر حكم ما إذا وقع نجس في الخمر ثمَّ انقلبت خلّا.

ج: لو وقع في الخمر جسم و كان فيها إلى أن انقلبت خلّا

، فلا يطهر ذلك الجسم، للأصل، و الاستصحاب، و مقتضاه تنجّس الخلّ، و لا تنصرف العمومات إلى مثل ذلك، إلّا أن يمنع عموم تنجّس كلّ ملاق للنجاسة، كما أشير إليه.

د: لا شكّ في تنجّس الظرف الذي فيه الخمر قبل انقلابها

، و أمّا بعده فإمّا طاهر بالتبعيّة كما قيل «1»، أو نجس لا تسري نجاسته إلى الخلّ، للعمومات، حيث إنّ الخمر لا ينفكّ عن ظرف أبدا.

و لو لاقى جزء من الظرف الخمر قبل الانقلاب، و كان حال الانقلاب خاليا عن الخمر، لا يطهر هذا الجزء، و تسري نجاسته إلى الخلّ لو لاقاه، فلو ملأت قارورة أو دنّ [1] خمرا، ثمَّ أخذ منها شي ء و خلا رأس القارورة أو الدّنّ، ثمَّ انقلب الباقي خلّا، يشترط في إخراج [الخلّ ] «2» عنه أن يكون بحيث لا يلاقي ذلك الجزء، و إلّا ينجس بملاقاته إيّاه، و اللّه العالم.

______________________________

[1] الدّنّ: كهيئة الحبّ. إلّا أنّه أطول منه و أوسع رأسا- المصباح المنير: 201.

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 1: 180.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الخمر، و الظاهر الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 230

المسألة السادسة: ذهب جماعة- منهم: الشيخ في النهاية «1» و الحلّي و فخر المحقّقين «2» و الشهيد في الدروس «3» و صاحب التنقيح «4»- إلى حرمة استئمان من يستحلّ العصير

قبل ذهاب ثلثيه بعد الغليان في طبخه. و حكي عن الفاضل أيضا «5». و لازمه عدم جواز شربه.

و استدلّ لهم بموثّقة ابن عمّار: عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعلم أنّه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال: «لا تشربه» قلت:

فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجا قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه نشرب منه؟

قال: «نعم» [1].

و صحيحة عمر بن يزيد: الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا، فقال: «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله» أو قال: «اشربه» «6».

و لموثّقة الساباطي المتقدّمة في الدليل الثاني من أدلّة

المحرّمين

______________________________

[1] الكافي 6: 421- 7، التهذيب 9: 122- 526، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 4، و البختج: العصير المطبوخ. و أصله بالفارسية ميبخته- النهاية (لابن الأثير) 1: 101.

______________________________

(1) النهاية: 591.

(2) الحلي في السرائر 3: 129، فخر المحقّقين في الإيضاح 4: 159.

(3) الدروس 3: 17.

(4) التنقيح 4: 63.

(5) انظر القواعد 2: 159.

(6) الكافي 6: 420- 4، التهذيب 9: 122- 524، الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 231

للعصير الزبيبي و التمري «1».

و يرد على الأوليين: عدم الدلالة على الحرمة، لاحتمال الجملة الخبريّة، مع أنّ الثانية مخصوصة بمن يستحلّ المسكر دون مطلق ما لم يذهب ثلثاه.

و على الثالثة: أنّها أخصّ من المدّعى، إذ قد يكون الرجل مسلما ورعا مأمونا و لكن يستحلّ العصير قبل ذهاب الثلاثين لمسألة اجتهاديّة، كصيرورته دبسا، أو كونه ممّن لا يشترط الذهاب في غير العنبي و يطبخ لمن يشترطه فيه.

و على المجموع: بالمعارضة بعموم صحيحة علي المتقدّمة في الدليل الثاني المذكور أيضا «2»، و صحيحة ابن وهب المتقدّمة في المسألة الثالثة «3»، و بالأخبار الدالّة على أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله، و أنّ قول ذي اليد مقبول مطلقا، و أنّ ما في أسواق المسلمين حلال لا يسأل عنه «4».

فإذن القول بالجواز و الحلّية- كما ذهب إليه جماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و النافع و الفاضل في الإرشاد و صاحب الكفاية «5»- هو الأقوى و إن كان مكروها، لفتوى الجماعة.

______________________________

(1) في ص: 201.

(2) في ص: 201.

(3) في ص: 181.

(4) انظر الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50، و ج 25: 292 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7، و ص 381

ب 38 ح 3.

(5) الشرائع 3: 228، المختصر النافع: 255، إرشاد الأذهان 2: 111، الكفاية: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 233

الباب الرابع في أمور مرتبطة بالأطعمة و الأشربة

اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 234

الفصل الأول في بعض الأحكام المتعلّقة بالمطاعم و المشارب

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجوز سقي الدواب و إطعامهم المسكر و سائر المحرّمات و المنجّسات

على الأصحّ الأشهر، للأصل، و العمومات، و حصر المحرّمات، و عدم الدليل على التحريم.

نعم، يكره ذلك، لروايتي أبي بصير «1» و غياث «2» المصرّحتين بأنّه يكره ذلك.

و عن القاضي: تحريمه «3»، و لعلّه لحمل الكراهة في الخبرين على الحرمة. و لا وجه له بعد كونها أعمّ بحسب اللغة.

المسألة الثانية: المعروف في كلامهم- كما في الكفاية «4»- أنّه يحرم سقي الأطفال المسكر

، و تدلّ عليه روايتا عجلان.

إحداهما: «من سقى مولودا مسكرا سقاه اللّه من الحميم و إن غفر له» «5».

______________________________

(1) التهذيب 9: 114- 497، الوسائل 25: 309 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 5.

(2) الكافي 6: 430- 7، التهذيب 9: 114- 496، الوسائل 25: 308 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 4.

(3) المهذّب 2: 433.

(4) الكفاية: 253.

(5) الكافي 6: 397- 6، التهذيب 9: 103- 449، الوسائل 25: 307 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 235

و الثانية: «قال اللّه عزّ و جلّ: من شرب مسكرا أو سقاه صبيّا لا يعقل سقيته من ماء الحميم معذّبا أو مغفورا له» «1».

و رواية أبي الربيع الشامي، و فيها- بعد السؤال عن الخمر-:

«و لا يسقيها عبد لي صبيّا صغيرا أو مملوكا إلّا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذّبا بعد أو مغفورا له» «2».

و هل يختصّ ذلك بالمسكر، أو يتعدّى إلى سائر المحرّمات؟

ظاهر المحقّق الأردبيلي: الثاني، حيث قال هنا: و الناس مكلّفون بإجراء أحكام المكلّفين عليهم «3». انتهى.

و في ثبوت ذلك التكليف للنّاس مطلقا نظر، و لا يحضرني الآن دليل على التعميم الموجب لتخصيص الأصل، و اللّه سبحانه هو العالم.

المسألة الثالثة: ذكر جماعة أنّه يكره أكل ما باشره الجنب أو الحائض

و شربه إذا كانا غير مأمونين، و كذا كلّ ما يعالجه من لا يتوقّى النجاسة، و المتّهم بعدم الاجتناب عنها، بل عن المحرّمات أيضا، كالعاشر [1] و نحوه «4».

قال في الكفاية بعد نقل ذلك: و لا أعلم عليه دليلا إلّا رواية مختصّة بالحائض «5». انتهى.

______________________________

[1] التعشير: و هو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم، و منه العاشر- مجمع البحرين 3: 404.

______________________________

(1) الكافي 6: 397- 7، الوسائل 25: 308 أبواب الأشربة المحرّمة

ب 10 ح 3.

(2) الكافي 6: 396- 1، الوسائل 25: 307 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 1.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 283.

(4) منهم المحقّق في الشرائع 3: 228، العلامة في التحرير 2: 161، و الشهيد في الدروس 3: 17.

(5) الكفاية: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 236

أقول: تكفي فتوى جمع من الفقهاء دليلا على الكراهة، و لا فرق بين غلبة الظن بالنجاسة و عدمها على الأصحّ.

المسألة الرابعة: من شرب خمرا أو شيئا نجسا أو أكله فبصاقه طاهر

ما لم يتغيّر بالنجاسة، بلا خلاف يوجد، للأصل، و عدم دليل على تنجّس ما في الباطن بالملاقاة أصلا، كما مرّ في كتاب الطهارة.

و قد يستدلّ له برواية أبي الديلم: رجل يشرب الخمر فيبزق، فأصاب ثوبي من بزاقه، فقال: «ليس بشي ء و لا يضرّ» «1».

و إن تغيّر و هو في الباطن لم يكن نجسا ما دام فيه على الأظهر، لما مرّ.

فإن خرج و زال تغيّره في الباطن كان طاهرا، و إن خرج متغيّرا فظاهر كلامهم نجاسته، و لا دليل عليه، إلّا علم بالتغيّر وجود أجزاء من النجس فيه.

و إن اشتبه التغيّر يحكم بالطهارة مطلقا، و إن اشتبه الزوال بعد التغيّر فيستصحب التغيّر حتى يعلم الزوال.

و حكم سائر ما يخرج من البواطن حكم البصاق، مثل: الدمعة مع الاكتحال بالكحل النجس، و النخامة مع التسعّط بالسعوط النجس، و غير ذلك.

المسألة الخامسة: يكره الاستشفاء بالمياه الحارّة

التي تشمّ منها رائحة الكبريت و يكون في الجبال، بلا خلاف يوجد، لرواية مسعدة بن صدقة: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الاستشفاء بالحميّات، و هي العيون

______________________________

(1) التهذيب 9: 115- 498، الوسائل 25: 377 أبواب الأشربة المحرّمة ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 237

الحارّة التي تكون في الجبال التي توجد فيها رائحة الكبريت، فإنّها تخرج من فوح جهنم» «1».

و الاستشفاء يعمّ الشرب و الجلوس و استعمال آخر لأجل الشفاء.

و قال المحقّق الأردبيلي «2» و صاحب الكفاية «3» باحتمال كراهة مطلق الجلوس، نظرا إلى العلّة المذكورة، بل تعدّى بعضهم «4» إلى مطلق الاستعمال، لذلك.

و يمكن أن يقال: إنّ الخروج من فيح جهنم يمكن أن يمنع عن حصول الشفاء و لا يقدح في أمر آخر، فلا يدلّ التعليل على التعميم، و لذا قال

في الفقيه: و أمّا ماء الحمات فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهى أن يستشفى بها و لم ينه عن التوضّؤ بها «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 389- 1، المحاسن: 579- 47، الوسائل 1: 221 أبواب الماء المضاف ب 12 ح 3.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 289.

(3) الكفاية: 253.

(4) كصاحب الرياض 2: 300.

(5) الفقيه 1: 13- 24 ذ. ح.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 238

الفصل الثاني في بعض الآداب المتعلّقة بالأكل و الشرب و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يستحبّ في الأكل أمور:

منها: غسل اليدين قبل الطعام و بعده، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، المعلّلة لهما في بعضها: بأنّهما يوجبان السعة في الرزق و العافية في الجسد «1».

و في آخر: بأنّهما ينفيان الفقر و يذهبان به «2».

و في ثالث: بأنّهما زيادة في العمر و إماطة للغمر عن الثياب و يجلو البصر [1].

و في رابع: بأنّهما يزيدان في الرزق «3».

و في خامس: بأنّ أوله ينفي الفقر و آخره ينفي الهمّ «4».

و في سادس: بأنّ الأول يكثر خير البيت «5».

______________________________

[1] الكافي 6: 290- 3، المحاسن: 424- 220، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 6. و الغمر: الدسم و الزهومة من اللحم كالوضر من السمن- مجمع البحرين 3: 428.

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 601، الوسائل 24: 338 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 15.

(2) الفقيه 3: 226- 1060، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 11.

(3) الكافي 6: 290- 5، المحاسن: 424- 221، الخصال 1: 23- 82، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 2.

(4) الكافي 6: 290- 5، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 4.

(5) الكافي 6: 290- 4، المحاسن: 424- 217، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 3، و انظر

الحديثين 12، 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 239

و في سابع: بأنّهما يثبتان النعمة «1».

و في ثامن: بأنّهما شفاء في الجسد و يمن في الرزق «2».

و في تاسع: بأنّهما ينفيان الفقر و يزيدان في العمر «3».

و إطلاق النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام مائعا أو جامدا، و بين كونه ممّا يباشر باليد أو بآلة كالملعقة.

و يستحبّ أن يبدأ في الغسل الأول صاحب البيت يغسل يده، ثمَّ يبدأ بعده بمن على يمينه، ثمَّ على من يمينه، إلى أن يتمّ الدور بمن على يساره، و في الغسل الثاني يبدأ بمن على يسار صاحب البيت، ثمَّ بمن على يساره، و هكذا إلى أن يختم به.

و دليل ذلك: روايتان في الكافي، إحداهما مرسلة «4»، و الأخرى رواية محمّد بن عجلان «5»، و لكنّهما لا تفيان بتمام المطلوب، لأنّ الاولى و إن تضمّنت حكم البدأتين- كما مرّ- و حكم من بعدهما، إلّا أنّها لا تتضمّن حكم من بعد البعد، و لكنّ الظاهر منها أنّ المراد ما ذكر، و الثانية و إن تضمّنت حكم البدأة الاولى و لكنّها لا تتضمن غيرها، و قال في الغسل الثاني: «يبدأ بمن على يمين الباب»، و مقتضى الجمع التخيير في البدأة الثانية بين من على يسار صاحب المنزل و من عن يمين الباب.

و الظاهر أنّ المراد بيمين الباب: يمين الداخل، و المراد بالباب: باب

______________________________

(1) المحاسن: 424- 218، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 7.

(2) المحاسن 424- 222، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 8.

(3) المحاسن: 425- 225، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 10.

(4) الكافي 6: 290- ذيل الحديث 1، الوسائل 24:

340 أبواب آداب المائدة ب 50 ح 3.

(5) الكافي 6: 290- 1، الوسائل 24: 339 أبواب آداب المائدة ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 240

المجلس الذي جلسوا فيه- أي طريقه- و إن لم يكن له باب، أو كانت له أبواب متعدّدة.

و هل المراد بصاحب البيت و المنزل هو صاحب الطعام كما فهمه الأصحاب، أو خصوص صاحب المنزل و إن كان الطعام من غيره؟

مقتضى وضع اللفظ: الثاني، إلّا أنّ ظاهر التعليل في الرواية الثانية بقول: «لئلّا يحتشم أحد» هو ما فهمه الأصحاب، فعليه العمل.

و أمّا رواية الفضل: لمّا تغدّى عندي أبو الحسن عليه السّلام و جي ء بالطست بدئ به عليه السّلام و كان في صدر المجلس، فقال عليه السّلام: «ابدأ بمن على يمينك» فلمّا أن توضّأ واحد و أراد الغلام أن يرفع الطست فقال له أبو الحسن عليه السّلام:

«دعها و اغسلوا أيديكم فيها» «1» فلا تنافي ما مرّ، لأنّ الظاهر أنّه الغسل الثاني، و معنى قوله: بدئ به: أراد أن يبدأ به، فأمر الغلام بالبدأة بمن على يمينه و هو يمين الباب.

و أمّا حملها على أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان صاحب الطعام فبدأ به ثمَّ بمن على يساره الذي هو يمين الغلام فينافي ما مرّ- كما وقع للمحقّق الأردبيلي «2»- فلا وجه له، لأنّ الظاهر من قوله: تغدّى عندي، أنّه كان ضيفا للفضل، مع أنّه على فرض ذلك يمكن أن يكون المراد: أنّه أراد أن يبدأ به فأمر بالبدأة بمن على يساره، و هو يمين الغلام، فيوافق الفرد الآخر من فردي التخيير الذي ذكرناه.

و هل المستحبّ غسل اليدين معا في الغسلين، أو يكفي إحداهما المباشرة للطعام؟

______________________________

(1) الكافي 6: 291- 3، التهذيب

9: 98- 425، المحاسن: 425- 228، الوسائل 24: 341 أبواب آداب المائدة ب 51 ح 2.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 241

قال المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه باحتمال الأمرين «1».

و الظاهر كفاية غسل إحداهما في تحصيل الاستحباب، لورود الترغيب في أكثر الأخبار المتقدّمة بغسل اليد، الصادق على غسل إحداهما و إن كان غسلهما مستحبّا في مستحبّ.

لرواية أبي بصير المشار إليها، فإنّ فيها: «غسل اليدين قبل الطعام و بعده زيادة في العمر و إماطة للغمر عن الثياب و يجلو البصر» «2».

و لما في محاسن البرقي: إنّ أبا جعفر عليه السّلام يوم قدم المدينة تغدّى معه جماعة، فلمّا غسل يديه من الغمر مسح بهما رأسه و وجهه قبل أن يمسحهما بالمنديل، و قال: «اللّهمّ اجعلني ممّن لا يرهق وجهه قتر و لا ذلّة» «3».

و لا يتوهّم أنّ بتقييدهما تقيّد المطلقات، إذ لا منافاة بين الأمرين هنا.

و يستحبّ ترك المسح بالمنديل في الغسل الأول و المسح به في الثاني، لمرسلة أبي محمود: «إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فإنّه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد» «4».

و رواية مرازم: رأيت أبا الحسن عليه السّلام إذا توضّأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل، و إذا توضّأ بعد الطعام مسّ المنديل «5».

و يستحبّ مسح الوجه و العينين بعد الغسل الثاني قبل المسح بالمنديل،

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 341.

(2) الكافي 6: 290- 3، المحاسن: 424- 220، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 6.

(3) المحاسن: 426- 234، الوسائل 24: 345 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 3.

(4) الكافي 6: 291- 1، المحاسن: 424- 216، الوسائل 24: 343 أبواب

آداب المائدة ب 52 ح 2.

(5) الكافي 6، 291- 2، التهذيب 9: 98- 426، المحاسن: 428- 244، الوسائل 24: 343 أبواب آداب المائدة ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 242

لما مرّ في المرويّ عن المحاسن، و فيه أيضا: «إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح وجهك و عينيك قبل أن تمسح بالمنديل، و تقول: اللّهمّ إنّي أسألك المحبّة و الزينة، و أعوذ بك من المقت و البغضة» «1».

و مسح الحاجبين بعد الغسل الثاني، داعيا بالمأثور لرفع الرّمد، لرواية المفضّل: شكوت إليه الرّمد، فقال لي: «أو تريد الطريف؟» ثمَّ قال لي: «إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك و قل ثلاث مرّات: «الحمد للّه المحسن المجمل المنعم المفضل» قال: ففعلت ذلك فما رمدت عيني بعد ذلك «2».

و غسل الجميع في إناء واحد، لرواية الفضل المتقدّمة، و رواية عمرو ابن ثابت: «اغسلوا أيديكم في إناء واحد يحسن أخلاقكم» «3».

و منها: غسل الفم بعد الطعام، سيّما بالسّعد، فإنّه قد ورد أنّ من غسل فمه بالسّعد بعد الطعام لم يصب علّة في فمه «4».

و منها: التسمية إذا وضعت المائدة، بأن يقول: بسم اللّه، لروايات السكوني «5»، و يونس بن ظبيان «6»، و أبي بصير «7»، و أبي خديجة «8»،

______________________________

(1) المحاسن: 426- ذ. ح 234، الوسائل 24: 346 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 4.

(2) الكافي 6: 292- 5، الوسائل 24: 345 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 2.

(3) الكافي 6: 291- 2، المحاسن: 426- 229، الوسائل 24: 341 أبواب آداب المائدة ب 51 ح 1.

(4) الكافي 6: 378- 3، الوسائل 24: 427 أبواب آداب المائدة ب 107 ح 2.

و السّعد: طيب معروف بين الناس- مجمع البحرين

3: 69.

(5) الكافي 6: 292- 1، الفقيه 3: 224- 1047، التهذيب 9: 98- 427، المحاسن: 431- 258، الوسائل 24: 351 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 1.

(6) الكافي 6: 295- 21، المحاسن: 437- 284، الوسائل 24: 359 أبواب آداب المائدة ب 59 ح 8.

(7) الكافي 6: 292- 2، التهذيب 9: 99- 428، المحاسن: 433- 262، الوسائل 24: 352 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 2.

(8) الكافي 6: 292- 3، المحاسن: 431- 255، الوسائل 24: 352 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 243

و محمّد بن مروان «1».

و لو كان حينئذ جماعة و سمّى واحد منهم أجزأت هذه التسمية للجميع، لصحيحة البجلي «2».

و إذا أراد الشروع في الأكل، للمستفيضة، بل المتواترة.

و لو قال حينئذ: «بسم اللّه على أوله و آخره» كما في رواية أبي بصير، أو: «في أوله و آخره» كما في مرسلة حسين بن عثمان «3»، كان أحسن.

بل تستحبّ التسمية عند إرادة أكل كلّ نوع من الطعام، لروايات غياث «4»، و العرزمي «5»، و كليب «6».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ضمنت لمن سمّى على طعامه أن لا يشتكي منه، فقال له ابن الكوّاء: يا أمير المؤمنين، لقد أكلت البارحة طعاما فسمّيت عليه و آذاني، قال: فلعلّك أكلت ألوانا فسمّيت على بعضها و لم تسمّ على بعض يا لكع» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 293- 4، المحاسن: 432- 260، الوسائل 24: 348 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 2.

(2) الكافي 6: 293- 9، التهذيب 9: 99- 429، المحاسن: 439- 293، الوسائل 24: 356 أبواب آداب المائدة ب 58 ح 2.

(3) الكافي 6: 294- 11، المحاسن: 432- 259،

الوسائل 24: 349 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 5.

(4) الكافي 6: 293- 5، المحاسن: 434- 265، الوسائل 24: 349 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 3.

(5) الكافي 6: 294- 14، المحاسن: 434- 270، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 5.

(6) الكافي 6: 293- 7، المحاسن: 435- 273، الوسائل 24: 348 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 1.

(7) الفقيه 3: 224- 1050، الوسائل 24: 362 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 3. و لكع، صغير العلم- مجمع البحرين 4: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 244

و في مرسلته الأخرى: قال الصادق عليه السّلام: «ما اتّخمت قطّ، و ذلك أنّي لم أبدأ بطعام إلّا قلت: بسم اللّه، و لم أفرغ من طعام إلّا قلت: الحمد للّه» «1».

بل عند الأكل من كلّ آنية و لو اتّحدت أطعمتها، لصحيحة داود بن فرقد «2».

و لو نسيها عند بعض الألوان أو بعض الأواني فليقل إذا ذكر: بسم اللّه على أوله و آخره، كما في صحيحة داود، و مرسلة الفقيه «3».

و لو تكلّم في أثناء طعام سمّي عليه أعاد التسمية، لرواية مسمع «4»، و صرّح فيها بأنّ إضرار الطعام إنّما هو إذا لم يعد التسمية بعد الكلام.

و منها: قول: الحمد للّه، بعد الفراغ من الطعام، لمرسلة الفقيه، و روايات مسمع «5»، و يونس بن ظبيان، و جرّاح «6»، و العرزمي، و السكوني.

و في بعضها: «قل: الحمد للّه الذي يطعم و لا يطعم».

و في آخر: «الحمد للّه هذا منك و من محمّد صلّى اللّه عليه و آله»، و زاد في بعض آخر عليهما.

______________________________

(1) الفقيه 3: 225- 1052، الوسائل 24: 354 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 7.

(2) الكافي

6: 295- 20، التهذيب 9: 99- 431، الوسائل 24: 361 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 1.

(3) الفقيه 3: 224- 1051، الوسائل 24: 357 أبواب آداب المائدة ب 58 ح 3.

(4) الكافي 6: 295- 19، المحاسن: 438- 287، الوسائل 24: 361 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 2.

(5) الكافي 6: 296- 25، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 6.

(6) الكافي 6: 294- 13، المحاسن: 434- 268، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 245

و بعد رفع المائدة، لروايات أبي خديجة، و أبي بصير، و الصنعاني «1»، و مرسلة إبراهيم بن مهزم «2»، و زاد فيها فقرات أخر.

و يستحبّ تكرار الحمد في الأثناء أيضا، كما في رواية سماعة:

«يا سماعة أكلا و حمدا، لا أكلا و صمتا» «3».

و يستحبّ رفع الصوت بالحمد بعد الفراغ، لما روي في تحف العقول: «يا كميل، إذا استوفيت طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك، و ارفع بذلك صوتك يحمده سواك، فيعظم بذلك» «4».

و منها: الأكل باليد اليمنى، إلّا مع العذر، لما يأتي من كراهة الأكل باليسار.

و منها: الأكل من بين يديه من غير أن يتناول من عند غيره من هذا الظرف و هذا الظرف، لروايات أبي خديجة، و القدّاح «5».

و الكرخي، و فيها: «و أمّا التأديب فالأكل ممّا يليك، و تصغير اللقمة، و تجويد المضغ، و قلّة النظر في وجوه الناس» «6».

و المرويّ في الخصال، و فيها: «و أمّا السنّة فالجلوس على الرّجل

______________________________

(1) الكافي 6: 294- 12، المحاسن: 433- 263، الوسائل 24: 358 أبواب آداب المائدة ب 59 ح 4.

(2) الكافي 6: 294- 15، المحاسن: 436- 277، الوسائل 24: 358

أبواب آداب المائدة ب 59 ح 5.

(3) الفقيه 3: 224- 1049، الوسائل 24: 350 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 8.

(4) تحف العقول: 115، و فيه زيادة: أجرك، في آخر الحديث.

(5) الكافي 6: 297- 3، المحاسن: 448- 348، الوسائل 24: 369 أبواب آداب المائدة ب 66 ح 1.

(6) الفقيه 3: 227- 1067، الوسائل 24: 431 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 246

اليسرى، و الأكل بثلاث أصابع، و أن يأكل ممّا يليه، و مصّ الأصابع» «1».

و المرويّ في مكارم الأخلاق: «كان صلّى اللّه عليه و آله إذا أكل سمّى و أكل بثلاث أصابع و ممّا يليه، و لا يتناول من بين يدي غيره، و يشرع قبل القوم» «2».

و منها: ابتداء صاحب الطعام بالأكل و تأخيره في الامتناع و رفع اليد، لرواية القدّاح «3».

و منها: أن يأكل بثلاث أصابع أو الأربع أو الخمس لا أقلّ منها.

ففي رواية الكرخي: «و أمّا السنّة: فالوضوء قبل الطعام، و الجلوس على الجانب الأيسر، و الأكل بثلاث أصابع، و لعق الأصابع».

و في رواية أبي خديجة: أنّه كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض، و يأكل بثلاث أصابع، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبّارون، أحدهم يأكل بإصبعيه «4».

و في مكارم الأخلاق- بعد ما تقدّم ذكره-: «و يأكل بأصابعه الثلاث:

الإبهام و التي تليها و الوسطى، و ربما استعان بالرابعة، و كان صلّى اللّه عليه و آله يأكل بكفّه كلّها و لم يأكل بإصبعين، و يقول: هو أكلة الشيطان».

و في مرفوعة عليّ بن محمّد: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يستاك عرضا و يأكل هرتا، و قال: الهرت:

أن يأكل بأصابعه أجمع «5».

______________________________

(1) الخصال: 485- 61، الوسائل 24: 432 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 2.

(2) مكارم الأخلاق 1: 70- 88، الوسائل 24: 435 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 12.

(3) الكافي 6: 285- 2، المحاسن: 448- 349 و 449- 354، الوسائل 24: 320 أبواب آداب المائدة ب 41 ح 1.

(4) الكافي 6: 297- 6، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 68 ح 1.

(5) الكافي 6: 297- 5، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 68 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 247

و منها: لعق الأصابع و مصّها.

و منها: تجويد المضغ.

و منها: تصغير اللقمة.

و منها: أن يعتمد على يساره بوضع يده اليسرى على الأرض عند الأكل، للمرويّ في المحاسن و فعل الصادق عليه السّلام الآتيين في المسألة الآتية.

و منها: لطع القصعة و لحسها.

كلّ ذلك للأخبار «1»، و ورد في الأول: «أنّ اللّه سبحانه يقول: بارك اللّه فيك» «2».

و أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إنّي ألحس أصابعي من الأدم حتى أخاف أن يراني خادمي فيرى أنّ ذلك من التجشّع و ليس ذلك كذلك» الحديث «3».

و في الأخير: أنّه كأنّما تصدّق بمثلها «4».

و منها: طول الجلوس على الموائد و طول الأكل، روي الأول في مكارم الأخلاق «5»، و الثاني في تحف العقول «6». و علّل الأول بأنّها ساعة لا تحسب من أعماركم، و الثاني: بأنه يستوفي من معك، و يظهر منه أنّ

______________________________

(1) الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67.

(2) الكافي 6: 297- 7، المحاسن: 443- 315، الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67 ح 2.

(3) الكافي 6: 301- 1، المحاسن: 586- 85، الوسائل 24: 382 أبواب آداب المائدة

ب 78 ح 1.

(4) الكافي 6: 297- 4، المحاسن: 443- 318، الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67 ح 1.

(5) مكارم الأخلاق 1: 305- 968، مستدرك الوسائل 16: 233 أبواب آداب المائدة ب 13 ح 1.

(6) تحف العقول: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 248

استحبابه إذا كان معه غيره.

و منها: الكفّ عن الطعام مع اشتهائه، ففي مكارم الأخلاق: «من أكل الطعام على النقاء و أجاد الطعام تمضّغا و ترك الطعام و هو يشتهيه و لم يحبس الغائط إذا أتى و لم يمرض إلّا مرض الموت» «1».

و في طبّ الأئمّة: «من أراد أن لا يضرّه طعام فلا يأكل حتى يجوع، فإذا أكل فليقل: بسم اللّه، و ليجد المضغ، و ليكفّ عن الطعام و هو يشتهيه، و ليدعه و هو يحتاج إليه» «2».

و زاد في رواية أخرى: «و يعرض النفس على الخلاء عند النوم» قال:

«فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ» «3».

و في تحف العقول: «يا كميل، لا توفّرنّ معدتك طعاما» إلى أن قال:

«و لا ترفع يدك عن طعام إلّا و أنت تشتهيه، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه، فإنّ صحّة الجسم من قلّة الطعام و قلّة الماء» [1].

و منها: الاستلقاء بعد الطعام واضعا الرجل اليمنى على اليسرى، لرواية البزنطي «4»، و روايته الأخرى المرويّة في المحاسن «5»، و في دعوات

______________________________

[1] تحف العقول: 115، مستدرك الوسائل 16: 219 أبواب آداب المائدة ب 2 ح 14. و مرء الطعام مراء فهو مري ء: أي صار لذيذا. و أمرأني الطعام: إذا لم يثقل على المعدة و انحدر عليها طيبا- مجمع البحرين 5: 391.

______________________________

(1) مكارم الأخلاق 1: 314- 1003.

(2) طبّ الأئمّة عليهم السّلام: 29، الوسائل 24: 433 أبواب آداب المائدة ب

112 ح 4.

(3) الخصال: 228- 67، دعوات الراوندي: 74- 173، الوسائل 24: 245 أبواب آداب المائدة ب 2 ح 8، البحار 59: 267- 42.

(4) الكافي 6: 299- 21، التهذيب 9: 100- 435، الوسائل 24: 376 أبواب آداب المائدة ب 74 ح 1.

(5) المحاسن: 449- 352، الوسائل 24: 377 أبواب آداب المائدة ب 74 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 249

الراوندي: «الاستلقاء بعد الشبع يسمن البدن و يمرأ الطعام و يسلّ الداء» «1».

و منها: إحضار البقل و الخضر على المائدة، لرواية موفّق المدائني، عن أبيه، عن جدّه، و فيها: أنّه عليه السّلام قال: «إنّي لا آكل على مائدة ليس فيها خضرة» «2».

و في حسنة حنّان: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يؤت بطبق إلّا و عليه بقل» و قال: «لأنّ قلوب المؤمنين خضرة، و هي تحنّ إلى إشكالها» «3».

و منها: الخلال [1] بعد الطعام، للروايات المستفيضة، و في بعضها:

«إنّه يطيب الفم» «4».

و في آخر: «إنّه مصلحة للفم أو اللّثة، مجلبة للرزق» «5».

و في ثالث: «إنّه ينقي الفم و مصلحة للّثة» «6».

و يكره الخلال بعود الريحان و قضيب الرمّان، فإنّهما يهيّجان عرق

______________________________

[1] الخلال: العود يخلّل به الثوب و الأسنان و خلّل الشخص أسنانه تخليلا: إذا أخرج ما يبقى من المأكول بينها- المصباح المنير: 180.

______________________________

(1) الدعوات: 80- 200، المستدرك 16: 289 أبواب آداب المائدة ب 66 ح 1.

(2) الكافي 6: 362- 1، المحاسن: 507- 651، الوسائل 24: 419 أبواب آداب المائدة ب 103 ح 2.

(3) الكافي 6: 362- 2، المحاسن: 507- 652، الوسائل 24: 419 أبواب آداب المائدة ب 103 ح 1.

(4) الكافي 6: 376- 3، المحاسن: 559- 931، الوسائل 24: 420 أبواب آداب المائدة ب

104 ح 1.

(5) الكافي 6: 376- 4، المحاسن: 563- 962، الوسائل 24: 421 أبواب آداب المائدة ب 104 ح 7.

(6) الكافي 6: 376- 5، الوسائل 24: 421 أبواب آداب المائدة ب 104 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 250

الجذام «1».

و كذا بالخوص و القصب، ففي رواية ابن سنان: «كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يتخلل بكلّ ما أصاب، ما خلا الخوص و القصب» «2».

أقول: الخوص: ورق النخل.

و يستحبّ تهيئة الخلال للضيف، كما في مرسلة الفقيه «3».

ثمَّ ما يخرج بالخلال فيكره أكله، لمرسلة الفقيه: «ما أدرت عليه لسانك فأخرجته فابلعه، و ما أخرجته بالخلال فارم به» «4».

و في مرفوعة أحمد: «لا يزدردنّ أحدكم ما يتخلّل به، فإنّه يكون من الدّبيلة» [1].

و في صحيحة ابن سنان: «ما يكون على اللّثة فكله، و ما يكون بين الأسنان فارم به» «5».

بل يكره أكل كلّ ما يخرج من بين الأسنان، سواء خرج بالخلال أو الإصبع أو غيرهما.

و أمّا قوله في المرسلة: «ما أدرت عليه لسانك» فالمراد ما ألصق باللّثة

______________________________

[1] الكافي 6: 378- 4، الوسائل 24: 426 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 4، و الدّبيلة هي خراج و دمّل كبير، تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا: النهاية 2: 99.

______________________________

(1) الكافي 6: 377- 7، المحاسن: 564- 966، العلل: 533- 1، الوسائل 24:

423 أبواب آداب المائدة ب 105 ح 1.

(2) الكافي 6: 377- 10، المحاسن: 564- 965، الوسائل 24: 424 أبواب آداب المائدة ب 105 ح 4.

(3) الفقيه 3: 226- 1058، الوسائل 24: 319 أبواب آداب المائدة ب 40 ح 4.

(4) الفقيه 3: 226- 1059، الوسائل 24: 426 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 5.

(5) الكافي 6: 377- 2،

المحاسن: 559- 936، الوسائل 24: 425 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 251

و نحوها، كما صرّح في الصحيحة، و لأنّه الذي يدار عليه اللسان و يخرج بإدارته، دون ما دخل بين الأسنان، و تدلّ عليه أيضا رواية الفضل الآتية، المصرّحة بأنّ ما بقي في الفم منها ما يدار عليه اللسان، و منها ما يستكن فيخرج بالخلال.

نعم، الظاهر: استثناء ما استكن في الثنايا- أي مقاديم الأسنان- فيؤكل و إن اخرج بالخلال، لرواية إسحاق بن جرير: عن اللحم الذي يكون في الأسنان، فقال: «أمّا ما كان في مقدّم الفم فكله و ما كان في الأضراس فاطرحه» «1».

فإنّ هذه الرواية أخصّ مطلقا من روايات الطرح، و لو خصّ ما يؤكل باللحم الداخل في المقاديم- كما في الرواية- كان أولى.

ثمَّ الأمر بالرمي و الطرح فيها محمول على الكراهة، للإجماع، و رواية الفضل بن يونس: «كلّ ما بقي في فمك، فما أدرت عليه لسانك فكله، و ما استكن فأخرجه بالخلال، و أنت فيه بالخيار إن شئت أكلته و إن شئت طرحته» «2».

و منها: الافتتاح بالملح و الاختتام به، للمستفيضة من الصّحاح و غيرها:

كصحيحة هشام معلّلة بأنّ فيهما المعافاة عن اثنين و سبعين نوعا من البلاء، منه: الجذام و الجنون و البرص «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 377- 1، المحاسن: 559- 935، الوسائل 24: 425 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 3.

(2) الكافي 6: 377- 3، المحاسن: 559- 934، الوسائل 24: 425 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 2.

(3) الكافي 6: 326- 2، المحاسن: 593- 108، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 252

و في موثّقة زرارة:

إنّ فيهما دفع سبعين نوعا من البلاء أيسرها الجذام «1».

و في مرسلة الفقيه: «ابدؤا بالملح في أول طعامكم، فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق المجرّب» [1].

و في رواية الجعفري «لا يخصب خوان لا ملح عليها، و أصحّ للبدن أن يبدأ به في أول الطعام» [2].

و في رواية فروة: «أوحى اللّه تعالى إلى موسى بن عمران مر قومك أن يفتتحوا بالملح و يختموا به، و إلّا فلا يلوموا إلّا أنفسهم» «2».

و أمّا ما في رواية محمّد بن علي الهمداني، من افتتاح الرضا عليه السّلام بالخلّ، و قوله: إنّه مثل الملح «3».

و ما في رواية إسماعيل من قوله: «إنّا لنبدأ بالخلّ كما تبدؤن بالملح

______________________________

[1] الفقيه 3: 225- 1056، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 3، و في الفقيه: الترياق و هو أيضا بمعنى الدرياق، و المراد به: ما يستعمل لدفع السم من الأدوية و المعاجين- مجمع البحرين 5: 142.

[2] الكافي 6: 326- 5، المحاسن: 591- 101، الوسائل 24: 404 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 4، و في النسخ: لا يحضر خوان .. و ما أثبتناه من المصدر، و المراد به: النماء و البركة- مجمع البحرين 2: 50، و الخوان: ما يؤكل عليه، معرّب- المصباح المنير: 184.

______________________________

(1) الكافي 6: 325- 1، المحاسن: 593- 109، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 2.

(2) الكافي 6: 326 ح 6، المحاسن: 592- 103، الوسائل 24: 404 أبواب آداب المائدة ب 59 ح 6.

(3) الكافي 6: 329- 4، المحاسن: 487- 554، الوسائل 24: 407 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 253

عندكم» «1».

فمعارض بما في رواية الديلمي:

«نحن نستفتح بالملح و نختم بالخلّ» «2».

و مرسلة الفقيه: «إنّ بني أميّة يبدءون بالخلّ في أول الطعام و يختمون بالملح، و إنّا نبدأ بالملح في أول الطعام و نختم بالخلّ» «3».

و الترجيح للأول، لموافقة الثاني لبني أميّة، مع أنّه على فرض التكافؤ لا يعلم ما كانوا يبدءون به للتعارض، فتبقى الأخبار السابقة خالية عن المعارض.

نعم، يعارض الخبران الأخيران للصحيح و الموثّق الأولين في الختم بالملح أو الخلّ، فالظاهر فيه التخيير.

و في مرفوعة يعقوب بن يزيد: «من ذرّ على أول لقمة من طعامه الملح ذهب عنه بنمش الوجه» [1].

و منها: التقاط ما يسقط من الخوان، للمتواترة معنى من الأخبار، كالأخبار التسعة التي بعضها من الصحاح لأبي بصير «4»، و داود بن كثير «5»،

______________________________

[1] الكافي 6: 326- 8، المحاسن: 593- 112، الوسائل 24: 404 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 5، و النّمش محرّكة: نقط بيض و سود تقع في الجلد يخالف لونه لونه- مجمع البحرين 4: 156.

______________________________

(1) الكافي 6: 329- 5، المحاسن: 485- 539، الوسائل 24: 407 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 1.

(2) الكافي 6: 330- 12، الوسائل 24: 408 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 3.

(3) الفقيه 3: 225- 1055، الوسائل 24: 408 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 4.

(4) الكافي 6: 299- 1، المحاسن: 444- 323، الوسائل 24: 378 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 3.

(5) الكافي 6: 300- 2، المحاسن: 443- 319، الوسائل 24: 378 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 254

و وهب «1»، و عبد اللّه بن صالح «2»، و إبراهيم بن مهزم «3»، و عبد اللّه الأرجاني «4»، و معمّر «5»، و الكرماني

«6»، و عمر بن قيس «7».

و في بعضها: «إنّه شفاء من كلّ داء إذا قصد الاستشفاء به».

و في بعضها: «إنّه يدفع وجع الخاصرة».

و في ثالث: «إنّه ينفي الفقر و يكثر الولد».

و المستفاد من تلك الأخبار: أنّ المراد بما يسقط عن الخوان ما يقع خارج السفرة و الطبق و المائدة، لا ما يقع خارج الصّحفة [1] و القصعة على السفرة أو الطبق.

ثمَّ المستحبّ التقاط ما يسقط منه في البيت و نحوه، دون ما يسقط في الصحراء و نحوها، لروايتي معمّر و الكرماني، و في الاولى: إنّ في الصحراء يترك للطير و السبع. و في الثانية: «إنّ ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة».

و منها: الأكل غداء و عشاء و عدم الأكل بينهما. و الغداء صدر النهار،

______________________________

[1] الصّحفة: كالقصعة الكبيرة، منبسطة تشبع الخمسة- مجمع البحرين 5: 77.

______________________________

(1) الكافي 6: 300- 4، المحاسن: 444- 326، الوسائل 24: 379 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 4.

(2) الكافي 6: 300- 3، المحاسن: 444- 324، الوسائل 24: 378 أبواب آداب المائدة ب 67 ح 1.

(3) الكافي 6: 300- 7، المحاسن: 444- 325، الوسائل 24: 379 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 5.

(4) الكافي 6: 301- 9، المحاسن: 444- 321، الوسائل 24: 379 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 6، في النسخ: الأرمني، بدل: الأرجاني، و الصحيح ما أثبتناه.

(5) الكافي 6: 300- 8، المحاسن: 445- 327، الوسائل 24: 375 أبواب آداب المائدة ب 72 ح 1.

(6) الفقيه 3: 225- 1054، الوسائل 24: 376 أبواب آداب المائدة ب 72 ح 2.

(7) الفقيه 3: 225- 1053، الوسائل 25: 257 أبواب الأشربة المباحة ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص:

255

و العشاء أول الليل.

و يستحبّ أن يكون التعشّي بعد العتمة، فإنّ في رواية محمّد: «عشاء الأنبياء [بعد العتمة] فلا تدعوه» «1» و أولها عند سقوط نور الشفق.

و في رواية زياد بن أبي الحلال: «العشاء بعد العشاء الآخرة عشاء النبيّين» «2».

و في رواية اللهبي: «ما يقول أطبّاؤكم في عشاء الليل؟» قلت: إنّهم ينهونا عنه، قال: «و لكنّي آمركم به» «3».

و في مرسلة ثعلبة: «طعام الليل أنفع من طعام النهار» «4».

و منها: غسل الثمار بالماء قبل أكلها، لرواية فرات: «إنّ لكلّ ثمرة سمّا، فإذا أتيتم بها فمسّوها بالماء أو اغمسوها في الماء» يعني:

اغسلوها «5».

و منها: جمع العيال و الأكل معهم، لرواية مسمع: «ما من رجل جمع عياله و يضع مائدة و يسمّي و يسمّون في أول الطعام و يحمدون اللّه في آخره فترتفع المائدة حتى يغفر لهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 288- 1، المحاسن: 420- 197، الوسائل 24: 331 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) الكافي 6: 289- 7، المحاسن: 421- 198، الوسائل 24: 332 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 3.

(3) الكافي 6: 289- 10، الوسائل 24: 331 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 2.

(4) الكافي 6: 289- 11، الوسائل 24: 332 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 4.

(5) الكافي 6: 350- 4، المحاسن: 556- 913، الوسائل 25: 147 أبواب الأطعمة المباحة ب 80 ح 1.

(6) الكافي 6: 296- 25، الوسائل 24: 263 أبواب آداب المائدة ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 256

المسألة الثانية: يكره في الأكل أمور:

منها: أكل الشي ء فيما بين أكل الغداء و أكل العشاء، لرواية ابن أخي شهاب: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما

ألقى من الأوجاع و التخم، فقال لي: «تغدّ و تعشّ و لا تأكل بينهما شيئا، فإنّ فيه فساد البدن» «1».

و منها: الأكل متّكئا، للمستفيضة، كصحيحة الشحّام: «ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه، و كان يأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد تواضعا للّه تعالى» «2».

و رواية أبي خديجة: «ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأكل متّكئا على يمينه و على يساره، و لكن كان يجلس جلسة العبد» «3».

و رواية المعلّى: «ما أكل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو متكئ منذ بعثه اللّه تعالى، و كان يكره أن يتشبّه بالملوك، و نحن لا نستطيع أن نفعل» «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يأكل متّكئا، فقال: «لا، و لا منبطحا» «5».

أقول: الانبطاح: الاستلقاء على الوجه.

______________________________

(1) الكافي 6: 288- 2، المحاسن: 420- 196، الوسائل 24: 327 أبواب آداب المائدة ب 45 ح 1.

(2) الكافي 6: 270- 1، المحاسن: 457- 390، الوسائل 24: 251 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 7.

(3) الكافي 6: 271- 7، المحاسن: 457- 389، الوسائل 24: 251 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 6، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 6: 272- 8، المحاسن: 458- 396، الوسائل 24: 249 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 2.

(5) الكافي 6: 271- 4، المحاسن: 458- 393، الوسائل 24: 250 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 257

و المرويّ في المحاسن: «ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا و لا نحن» «1» إلى غير ذلك.

و قد اختلفوا في المراد من الاتّكاء في هذا المقام، قال ابن الأثير: «لا

آكل متّكئا» المتّكي في العربيّة: كلّ من استوى قاعدا على وطاء متمكّنا، و العامّة لا تعرف المتّكي إلّا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقّيه، و معنى الحديث: أنّي إذا أكلت لم أقعد متمكّنا فعل من يريد الاستكثار، و من حمل الاتّكاء على الميل إلى أحد الشقّين تأوله على مذهب الطب «2».

و في المصباح: اتّكأ: جلس متمكّنا «3».

و في فتح الباري لابن حجر: اختلف في صفة الاتّكاء، فقيل: أن يتمكّن في الجلوس للأكل على أيّ صفة كان. و قيل: أن يميل على أحد شقّيه. و قيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض. ثمَّ فسّر الحديث نحوا من النهاية. و عن أبي الجوزاء: الجزم في تفسير الاتّكاء أنّه الميل إلى أحد الشقّين «4».

أقول: المستفاد من كلماتهم أنّ للاتّكاء معاني:

أحدها: الجلوس على البساط متمكّنا، مسندا ظهره إلى الوسائد، من دون ميل إلى جانب.

و ثانيها: الاتّكاء باليد.

و ثالثها: الميل إلى أحد الشقّين كما هو المتعارف عند العامّة.

______________________________

(1) المحاسن: 458- 392، الوسائل 24: 252 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 8.

(2) النهاية (لابن الأثير) 1: 193.

(3) المصباح المنير: 671.

(4) فتح الباري 9: 446. و فيه: ابن الجوزي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 258

ليس المراد- في ذلك المقام- الثاني قطعا، لأنّ المستفاد من أخباره:

أنّه صلّى اللّه عليه و آله يجتنب عنه لأنّه كان يجلس جلسة العبد، و الاتّكاء ينافيه و أنّه تشبّه بالملوك.

مع أنّه ورد في رواية أبي خديجة: أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض و يأكل بثلاث أصابع، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل هكذا «1»، فإنّها تدلّ على أنّ في وضع

اليد على الأرض تواضعا و انكسارا.

و أيضا صرّح في رواية أبي خديجة المتقدّمة أولا: أنّه لم يأكل متّكئا على يمينه و على يساره، و ظاهر أنّه في الأكل لا يتحقّق الاتّكاء على اليمين غالبا، لأنّ اليمين يد الأكل.

و أيضا في رواية المعلّى علّله بكراهة أن يتشبّه بالملوك، و الملوك يأكلون متّكئين على الوسائد. قال بعض المتأخّرين: الأكل كذلك من دأب الملوك «2».

و أيضا عطف الانبطاح عليه يؤكّد إرادة أحد المعنيين الآخرين.

و أيضا روى في المحاسن بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إذا أكلت فاعتمد على يسارك» «3».

و أيضا في رواية الفضيل الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وضع أبي عبد اللّه عليه السّلام يده على الأرض عند الأكل، و اعتراض عباد عليه و رفعها، ثمَّ وضعها، ثمَّ اعتراضه، ثمَّ رفعه إيّاها، ثمَ

______________________________

(1) المحاسن: 441- 307، الوسائل 24: 256 أبواب آداب المائدة ب 8 ح 6.

(2) انظر البحار 63: 391.

(3) المحاسن: 441- 306، الوسائل 24: 254 أبواب آداب المائدة ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 259

وضعها، ثمَّ اعتراضه، ثمَّ عوده عليه السّلام، و قوله بعد اعتراضه ثالثا: «و اللّه ما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن هذا قطّ» «1».

مع أنّه قد مرّ عن المحاسن قوله: «ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا و لا نحن». و التنافي بينهما ظاهر.

و قوله: «لا نستطيع أن نفعل» في رواية المعلّى لا يدلّ على أنّهم كانوا يتّكئون، لإجمال ما لا يستطيعون فعله، فلعلّه الاتّكاء دون تركه، بل هو الظاهر.

فتعيّن أحد المعنيين الأول أو الثالث، مع أنّه على فرض عدم التعيّن و احتمال ذلك المعنى أيضا

لا ينبغي ترك الرواية الآمرة بالاعتماد على اليسار- المعتضدة بفعل الإمام و يمينه عليه السّلام على عدم نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه- قطّ بمجرّد الاحتمال.

ثمَّ إنّ الاحتمال الأول يرجّح بتشبّهه بجلسة الملوك، و الثالث بقوله:

على يمينه و على يساره، في رواية أبي خديجة، و يمكن كراهته بالمعنيين و ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهما معا، كما هو الظاهر.

و منها: الأكل على الشبع، للأخبار المستفيضة «2».

و منها: التملّي عن الطعام، فإنّه ورد في رواية أبي الجارود: «ما من شي ء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء» «3».

و في رواية أبي بصير: «كثرة الأكل مكروه» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 271- 5، الوسائل 24: 253 أبواب آداب المائدة ب 7 ح 1.

(2) الوسائل 24: 243 أبواب آداب المائدة ب 2.

(3) الكافي 6: 270- 11، المحاسن: 447- 339، الوسائل 24: 248 أبواب آداب المائدة ب 4 ح 2.

(4) الكافي 6: 269- 2، التهذيب 9: 92- 394، الوسائل 24: 239 أبواب آداب المائدة ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 260

و في اخرى: «إنّ البطن ليطغى من أكله، و أقرب ما يكون البعد إلى اللّه إذا خفّ بطنه، و أبغض ما يكون العبد إلى اللّه إذا امتلأ بطنه» «1».

و في رواية السكوني: «أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا في الآخرة» [1].

و في مرسلة ابن سنان: «كلّ داء من التخمة ما خلا الحمّى، فإنها ترد ورودا» «2».

و في المرويّ في المحاسن: «لو أنّ الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم» «3».

و ربّما كان الإفراط في الأكل حراما إذا أحسّ منه الضرر.

و منها: الأكل باليسار، للمستفيضة «4»، و في موثّقة سماعة: «لا يأكل بشماله، و

لا يشرب بشماله، و لا يتناول بها شيئا» «5».

و منها: أكل سؤر الفأر: لقوله عليه السّلام في حديث المناهي الطويل:

«و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أكل سؤر الفأر» «6».

______________________________

[1] الكافي 6: 269- 5، التهذيب 9: 92- 395، المحاسن: 447- 345، الوسائل 24: 246 أبواب آداب المائدة ب 3 ح 1، و الجشاء كغراب: صوت مع ريح يخرج من الفم عند شدة الامتلاء- مجمع البحرين 1: 87.

______________________________

(1) الكافي 6: 269- 4، المحاسن: 446- 337، الوسائل 24: 239 أبواب آداب المائدة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 6: 269- 8، المحاسن: 447- 341، الوسائل 24: 247 أبواب آداب المائدة ب 4 ح 1.

(3) المحاسن: 439- 296، الوسائل 24: 241 أبواب آداب المائدة ب 1 ح 7.

(4) الوسائل 24: 258 أبواب آداب المائدة ب 10.

(5) الكافي 6: 272- 3، التهذيب 9: 93- 404، المحاسن: 455- 381، الوسائل 24: 258 أبواب آداب المائدة ب 10 ح 1.

(6) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 1: 240 أبواب الأسئار ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 261

و منها: النظر إلى وجوه الناس عند الأكل، لرواية الكرخي المتقدّمة «1».

و منها: تقشير الثمرة، لرواية القدّاح: إنّه كان يكره تقشير الثمرة» «2».

و منها: رمي بقيّة الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها، لرواية ياسر: أكل الغلمان يوما فاكهة و لم يستقصوا أكلها و رموا بها، فقال أبو الحسن عليه السّلام:

«سبحان اللّه إن كنتم استغنيتم فإنّ أناسا لم يستغنوا، أطعموه من يحتاج إليه» «3».

و منها: المبالغة في أكل اللحم الذي على العظام، لرواية الفضيل:

صنع لنا أبو حمزة طعاما و نحن جماعة، فلمّا حضرنا رأى رجلا ينهك عظما، فصاح به: و قال: «لا

تفعل، فإنّي سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: «لا تنهكوا العظام، فإنّ فيها للجنّ نصيبا، و إن فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك» [1].

و منها: أكل طعام أو شراب حارّ، للمستفيضة:

فمنها: «أقرّوا الحارّ حتى يبرد» «4».

و منها: «الطعام الحارّ غير ذي بركة» «5».

______________________________

[1] الكافي 6: 322- 1، المحاسن: 472- 466، الوسائل 24: 402 أبواب آداب المائدة ب 94 ح 1. و المراد ب: «لا تنهكوا العظام» ألّا تبالغوا في أكلها من قولهم:

نهكت من الطعام أي بالغت في أكله- مجمع البحرين 5: 296.

______________________________

(1) في ص: 245.

(2) الكافي 6: 350- 3، المحاسن: 556- 912، الوسائل 25: 147 أبواب الأطعمة المباحة ب 80 ح 2.

(3) الكافي 6: 297- 8، المحاسن: 441- 304، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 69 ح 1.

(4) الكافي 6: 321- 1، المحاسن: 406- 118، الوسائل 24: 399 أبواب آداب المائدة ب 91 ح 4.

(5) الكافي 6: 322- 3، المحاسن: 407- 119، الوسائل 24: 398 أبواب آداب المائدة ب 91 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 262

و منها: «أقرّوه حتى يبرد و يمكّن، فإنّه طعام ممحوق البركة و للشيطان فيه نصيب» «1».

و في المرويّ في العيون: «اتي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بطعام، فأدخل إصبعه فيه فإذا هو حارّ، قال: دعوه حتى يبرد، فإنّه أعظم بركة» «2».

و منها: النفخ على طعامه أو شرابه، للمرويّ في كتاب الخصال في حديث الأربعمائة: «لا ينفخ الرجل في موضع سجوده و لا في طعامه و لا في شرابه» «3».

و منها: القيام عن الطعام قبل الفراغ منه، لرواية ياسر و نادر: «إن قمت على رؤوسكم و أنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا»

الحديث «4».

و ظاهر الحديث عمومه لمطلق القيام حتى لتواضع الغير.

و منها: إظهار الصوت عند الأكل، لرواية محمّد: «اذكروا اللّه على الطعام و لا تلغطوا» الحديث «5».

و اللّغطة محرّكة: الصوت أو الأصوات المبهمة، فيمكن أن يكون المراد: صوت المضغ، و يمكن أن يراد: صوت الحلق حين البلع.

و منها: الأكل ماشيا، لصحيحة ابن سنان: «لا تأكل و أنت تمشي، إلّا

______________________________

(1) الكافي 6: 322- 2، المحاسن: 406- 116، الوسائل 24: 399 أبواب آداب المائدة ب 91 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    263     المسألة الثانية: يكره في الأكل أمور: ..... ص : 256

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 39- 124، المستدرك 16: 308 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 4.

(3) الخصال 2: 613- 10، الوسائل 6: 352 أبواب السجود ب 7 ح 9.

(4) الكافي 6: 298- 10، المحاسن: 423- 214، الوسائل 24: 266 أبواب آداب المائدة ب 14 ح 2، في النسخ: إن قمتم ..، و ما أثبتناه من المصادر.

(5) الكافي 6: 296- 23، المحاسن: 434- 266، الوسائل 24: 350 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 263

أن تضطرّ إليه» «1».

إلّا أنّ في رواية السكوني: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل الغداة و معه كسرة قد غمسها في اللّبن، و هو يأكل و يمشي، و بلال يقيم الصلاة، فصلّى بالناس صلّى اللّه عليه و آله» «2».

و في رواية العرزمي: «لا بأس أن يأكل الرجل و هو يمشي، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يفعل ذلك» «3».

و يمكن أن يكون فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله للضرورة- كخوف طلوع الصبح في يوم

الصوم- أو لبيان الجواز، و نفي البأس لا ينافي الكراهة.

و هل المشي يعمّ حال الركوب أيضا، أو يختصّ بالراجل؟

كلّ محتمل، و الأول أظهر.

و منها: تكليف أخيه المسلم على التكلّف له في الأكل، أو التكلّف له فيه و لو كان ضيفا، لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إنّي لا أحبّ المتكلّفين» «4».

و في صحيحة جميل: «المؤمن لا يحتشم من أخيه، و لا يدرى أيّهما أعجب: الذي يكلّف أخاه إذا دخل أن يتكلّف له، أو المتكلّف لأخيه» «5».

______________________________

(1) الفقيه 3: 223- 1044، المحاسن: 459- 400، الوسائل 24: 261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 1.

(2) الكافي 6: 273- 1، التهذيب 9: 94- 406، المحاسن: 458- 398، الوسائل 24: 261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 2.

(3) الكافي 6: 273- 2، التهذيب 9: 93- 405، المحاسن: 458- 397، الوسائل 24:

261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 3، و في المحاسن و الكافي: العزرمي بدل العرزمي.

(4) الكافي 6: 275- 1، المحاسن: 415- 168، الوسائل 24: 275 أبواب آداب المائدة ب 20 ح 2.

(5) الكافي 6: 276- 2، المحاسن: 414- 164، الوسائل 24: 275 أبواب آداب المائدة ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 264

و في صحيحة صفوان: «هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره، و هلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدّم إليه» «1».

و في صحيحة السرّاد: «هلك المرء المسلم أن يستقلّ ما عنده للضيف» «2».

و ينبغي تخصيص ذلك بالضيف الداخل بنفسه بلا دعوة، لصحيحة هشام: «إذا أتاك أخوك فأته ممّا عندك، و إذا دعوته فتكلّف له» «3».

و منها: أن يوضع الخبز تحت إناء و وضع الإناء عليه، للمستفيضة.

ففي

صحيحة أبان: «لا يوضع الرغيف تحت القصعة» «4».

و في موثّقة أبي بصير: كره أن يوضع الرغيف تحت القصعة «5».

و في رواية الفضل: تغدّى عندي أبو الحسن عليه السّلام فجي ء بقصعة و تحتها خبز، فقال: «أكرموا الخبز أن يكون تحتها» قال لي: «مر الغلام أن يخرج الرغيف من تحت القصعة» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 276- 3، المحاسن: 414- 166، الوسائل 24: 276 أبواب آداب المائدة 21 ح 2.

(2) الكافي 6: 276- 5، المحاسن: 415- 167، الوسائل 24: 276 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1، و في الجميع: عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان ..

(3) الكافي 6: 276- 6، الوسائل 24: 278 أبواب آداب المائدة ب 22 ح 2، و في المصدر: فأته بما عندك ..

(4) الكافي 6: 303- 3، المحاسن: 589- 90، الوسائل 24: 390 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 1.

(5) الكافي 6: 304- 12، المحاسن: 589- 91، الوسائل 24: 390 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 3.

(6) الكافي 6: 304- 11، المحاسن: 589- 89، الوسائل 24: 390 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 265

و منها: قطع الخبز بالسكّين، للروايات «1»، و فيها: أنّه يستحبّ إكرامه، و من إكرامه: أن لا يوطأ و لا يقطع و لا ينتظر به غيره إذا وضع.

و منها: انتظار غير الخبز إذا وضع، لما مرّ.

و منها: شمّ الخبز، ففي رواية السكوني: «إيّاكم أن تشمّوا الخبز كما تشمّه السباع، فإنّ الخبز مبارك» «2».

و يكره إحصاء الخبز في البيت أيضا، لرواية الكناني: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على عائشة و هي تحصي الخبز، فقال: يا عائشة، لا تحصي الخبز فيحصى

عليك» «3».

و يستحبّ تصغير الأرغفة، فإنّه ورد في الرواية المعتبرة: «صغّروا رغفانكم، فإنّ مع كلّ رغيف بركة» «4».

المسألة الثالثة: للشرب أيضا مستحبّات و مكروهات.
أمّا المستحبات:

فمنها: شرب الماء مصّا لا عبّا، فإنّ في رواية القدّاح: إنّ من عبّه يوجد وجع الكبد «5».

______________________________

(1) الوسائل 24: 392 أبواب آداب المائدة ب 84.

(2) الكافي 6: 303- 6، المحاسن: 585- 82، الوسائل 24: 393 أبواب آداب المائدة ب 85 ح 1.

(3) الفقيه 3: 171- 762 بتفاوت يسير، التهذيب 7: 163- 721، الوسائل 17:

446 أبواب آداب التجارة ب 39 ح 1.

(4) الكافي 6: 303- 8، الوسائل 24: 394 أبواب آداب المائدة ب 86 ح 1.

(5) الكافي 6: 381- 1، المحاسن: 575- 27، الوسائل 25: 235 أبواب الأشربة المباحة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 266

و منها: الشرب قائما بالنهار، ففي رواية السكوني: «إنّ شرب الماء من قيام بالنهار أقوى و أصحّ للبدن» «1».

و في رواية أخرى له لم يقيّده بالنهار بل أطلقه «2»، و لكن ينبغي التقييد، لما يأتي من مرجوحيّة الشرب قائما في الليل، كما ينبغي تقييد ما نهى عن الشرب قائما بقول مطلق- كروايتي محمّد «3» و الجرّاح «4»- بالليل، كما فعله في الوافي «5».

و في مرفوعة أبي محمود: «أنّه يمرئ الطعام، و شربه من قيام بالليل يورث الماء الأصفر» «6».

و في مرسلة الفقيه: «أنّ شرب الماء بالنهار [من قيام ] أدرّ للعرق و أقوى للبدن، و بالليل [من قيام ] يورث الماء الأصفر» «7».

و منها: شربه ثلاثة أنفاس، لصحيحتي الحلبي «8» و سليمان «9»، و روايتي

______________________________

(1) الكافي 6: 382- 1، المحاسن: 581- 57، الوسائل 25: 239 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 9: 94- 409، الاستبصار 4: 93- 354، الوسائل

25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 5.

(3) الكافي 6: 534- 8، الوسائل 25: 240 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 4.

(4) التهذيب 9: 95- 412، الاستبصار 4: 92- 353، الوسائل 25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 6.

(5) الوافي 20: 569.

(6) الكافي 6: 383- 2، المحاسن: 572- 17، الوسائل 25: 240 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 2.

(7) الفقيه 3: 223- 1037، 1038، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر، الوسائل 25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 7 و 8.

(8) الكافي 6: 383- 7، الفقيه 3: 223- 1040، المحاسن: 576- 29، الوسائل 25: 248 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 17.

(9) التهذيب 9: 94- 410، المحاسن: 576- 33، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 267

المعلّى «1» و أبي بصير «2».

نعم، ورد في مرسلة الفقيه أنّه: «إذا ناولك الماء حرّ فاشربه بنفس واحد» «3»، فينبغي التخصيص به، لأخصّيته.

و منها: التسمية عند الشروع و الحمد عند الفراغ، لرواية الماصر «4».

و منها: أن يشرب ثلاثة أنفاس و يحمد اللّه بعد القطع في النفسين الأولين، لصحيحة ابن سنان «5».

بل في الأنفاس الثلاث مع التسمية عند الشروع في النفس الأول، لرواية أبي بصير «6».

بل مع التسمية في أول كلّ نفس، لرواية عمر بن يزيد «7».

و في الروايتين الأوليين: إنّ اللّه سبحانه يدخله بذلك الجنّة.

و في الأخيرة أن: «يسبّح ذلك الماء له ما دام في بطنه».

و منها: أنّه إذا شرب الماء بالليل حرّك الماء و يقول: يا ماء ماء زمزم و ماء فرات يقرءانك السّلام «8».

______________________________

(1) الكافي 6: 383- 8، المحاسن: 575- 28، الوسائل 25: 248

أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 18.

(2) التهذيب 9: 94- 411، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 2.

(3) الفقيه 3: 223- 1039، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 3.

(4) الفقيه 3: 225- 1053، الوسائل 25: 257 أبواب الأشربة المباحة ب 14 ح 3.

(5) الكافي 6: 384- 1، المحاسن: 578- 44، معاني الأخبار: 385- 17، الوسائل 25: 249 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 1.

(6) المحاسن: 578- 44، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة 10 ح 3.

(7) الكافي 6: 384- 3، المحاسن: 578- 45، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 4.

(8) الكافي 6: 384- 4، المحاسن: 572- ذ. ح 17، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 268

و منها: أن يذكر الحسين الشهيد عليه السّلام و أهل بيته بعد شرب الماء و لعن قاتله.

فإنّ في رواية الرقّي: «ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السّلام و أهل بيته و لعن قاتله إلّا كتب اللّه له مائة ألف حسنة، و حطّ عنه مائة ألف سيّئة، و رفع له مائة ألف درجة، و كأنّما أعتق مائة ألف نسمة، و حشره اللّه تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد» «1».

و منها: أن يشرب ماء السماء، فإنّ في رواية أبي بصير: «أنّه يطهّر البدن و يدفع الأسقام» «2».

و منها: أن يشرب من اليد اليمنى، و قد مرّ ما يدلّ عليه.

و أمّا المكروهات:

فمنها: الشرب باليسار.

و منها: الشرب عبّا.

و منها: الشرب في الليل قائما.

و قد مرّ ما يدلّ على الجميع.

و منها: الإكثار في شرب الماء، ففي مرسلة موسى بن بكر: «لا تكثر من شرب الماء فإنّه

مادّة لكلّ داء» «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 391- 6، كامل الزيارات: 106- 1، الأمالي: 122- 7، الوسائل 25: 272 أبواب الأشربة المباحة ب 27 ح 1.

(2) الكافي 6: 387- 2، المحاسن: 574- 25، الوسائل 25: 266 أبواب الأشربة المباحة ب 22 ح 2.

(3) الكافي 6: 382- 4، الوسائل 25: 238 أبواب الأشربة المباحة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 269

و في رواية أحمد بن عمر الحلبي: «أقلل من شرب الماء فإنّه يمدّ كلّ داء» «1».

و في حسنة ياسر: «لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، و لا تكثر منه على غيره» «2»، و يستفاد منها استثناء كراهة الإكثار عنه عند الأكل.

و ورد في الأخبار الأمر بشرب الماء عند الأكل و لو أكل قليلا، و فيها أنّ: «عجبا لمن أكل و لم يشرب عليه الماء كيف لا تنشقّ معدته» «3».

و منها: أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر، و من عند عروته «4».

صلّى اللّه على عروته الوثقى و حبله المتين محمّد خاتم النبيين و آله الطاهرين.

تمَّ كتاب المطاعم و المشارب من كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة، على يد مؤلّفه العاصي أحمد بن محمّد مهدي النراقي، في العشر الآخر من شهر جمادي الأول من شهور سنة 1242 من الهجرة النبويّة، على هاجرها ألف سلام و تحيّة.

______________________________

(1) الكافي 6: 382- 2، المحاسن: 571- 11، الوسائل 25: 238 أبواب الأشربة المباحة ب 6 ح 1.

(2) الكافي 6: 382- 3، المحاسن: 572- 16، الوسائل 25: 236 أبواب الأشربة المباحة ب 4 ح 1.

(3) الكافي 6: 382- 4، الوسائل 25: 236 أبواب الأشربة المباحة ب 4 ح 2.

(4) انظر الوسائل 25: 256 أبواب الأشربة

المباحة ب 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 271

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 273

كتاب الصيد و الذباحة و فيه مقدّمة و أبواب:

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 274

أمّا المقدّمة: ففي بيان أصول ثلاثة نذكرها في ثلاث مسائل، و نعقّبها بفائدة.

المسألة الأولى: الأصل في كلّ حيوان مأكول اللحم: حرمة أكله ما لم يذكّ تذكية شرعيّة،

للإجماع المحقّق، و لأنّه إمّا خرج روحه، أو لا.

و الأول: ميتة، لأنّها إمّا مطلق ما خرج روحه أو مقابل المذكّى، و كلّ ميتة حرام، كما مرّ في كتاب المطاعم.

و الثاني: لا يمكن أكله إلّا بقطع جزئه، و قد مرّ في الكتاب المذكور حرمة الأجزاء المبانة عن الحيّ.

نعم، ما يمكن بلعه حيّا- كالسمكة الصغيرة- لا يجري فيه ذلك الدليل، و في حرمته أيضا خلاف كما يأتي.

و يدلّ على ذلك الأصل أيضا قوله سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ «1».

و موثّقة سماعة: عن صيد البزاة و الصقور و الطير الذي يصيد، فقال:

«ليس هذا في القرآن إلّا أن تدركه حيّا فتذكّيه و إن قتل فلا تأكل حتى تذكّيه» «2».

و في موثّقته الأخرى في صيد الفهد المعلّم: «إن أدركته حيّا فذكّه و كله» «3».

______________________________

(1) الأنعام: 121.

(2) التهذيب 9: 31- 124، الاستبصار 4: 71- 260، الوسائل 23: 353 أبواب الصيد ب 9 ح 14.

(3) التهذيب 9: 27- 110، الاستبصار 4: 69- 251، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 275

دلّ قوله: «إلّا أن تدركه حيّا فتذكّيه» على عدم كفاية درك الحياة في الحلّية مطلقا ما لم يذكّ و إن قتل. و قوله: «فلا تأكل حتى تذكّيه» صريح في المطلوب.

و خبر المرادي: عن الصقور و البزاة و عن صيدها، قال: «كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته» «1».

و صحيحة الحذّاء: ما تقول في البازي و الصقر و العقاب؟ فقال: «إن أدركت ذكاته فكل، و إن لم تدرك ذكاته فلا تأكل» «2»، إلى غير ذلك.

المسألة الثانية: التذكية أمر شرعيّ

يتوقّف ثبوتها- و كون فعل تذكية موجبة للحلّية- على دليل شرعي، فكلّ

عمل شكّ في أنّه هل هو تذكية أم لا، يحكم بالعدم حتى يثبت.

و الحاصل: أنّ الأصل في كلّ عمل عدم كونه تذكية شرعيّة، و هذا أحد معنيي أصالة عدم التذكية.

و الدليل عليه- بعد الإجماع المعلوم قطعا- استصحاب الحرمة الثابتة للمحلّ حتى يعلم المزيل، و لا يعلم إلّا إذا علم كونه تذكية بالدليل، و لكن اللّه جلّ اسمه قال وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «3» يعني: من حيوان ذكر اسم اللّه عليه، و هو في قوّة قوله: كلوا كلّما ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ . و علم من الخارج أيضا أنّه يجب أن يكون الذكر عند إزهاق روحه بمدخليّة فيه من المكلّف، و لازمه كون ذلك

______________________________

(1) الكافي 6: 208- 10، التهذيب 9: 33- 131، الاستبصار 4: 73- 267، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.

(2) الكافي 6: 208- 7، التهذيب 9: 32- 128، الاستبصار 4: 72- 264، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 11.

(3) الأنعام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 276

تذكية شرعيّة.

و لا يتوهّم أنّه لمّا علم لزوم كون خروج روحه بمدخليّة من المكلّف، و علم أنّها أيضا مدخليّة خاصّة، فيحصل في تخصيص ما ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إجمال.

لأنّه قد علم بعض خصوصيّات المدخليّة بالأدلّة، كمعلومات شرائط الصيد و الذبح، و الأصل عدم الزائد.

و قد علم بذلك أنّ الأصل في كلّ عمل و إن كان عدم كونه موجبا للحلّية و عدم كونه تذكية شرعيّة، إلّا أنّ الأصل الثانوي الطارئ عليه كون ذكر اسم اللّه عليه حين إزهاق روحه- مع نوع مدخليّة للمكلّف فيه- سببا للحلّية و تذكية شرعيّة، فهذا أصل

ثابت من كلام اللّه سبحانه.

لا يقال: إنّه قال سبحانه وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ و ممّا فصّل: الميتة الشاملة لكلّ ما خرج روحه.

قلنا: شمول الميتة لكلّ ما خرج روحه ممنوع، كما مرّ في بحث المطاعم في المسألة الاولى من الفصل الأول من الباب الثاني «1».

سلّمنا، و لكن المراد مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ : عند خروج روحه إجماعا، فهو أخصّ مطلقا من الميتة، فيجب تخصيصها به.

هذا، و قد روى سماعة في الموثّق: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «2».

و مقتضاها أيضا كون الرمي مع التسمية في الوحوش ذكاة، لتجويز الانتفاع، و مقابلتها بالميتة.

______________________________

(1) في ص: 59.

(2) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 277

و يمكن أن تكون التذكية هي مجرّد التسمية، و ذكر الرمي لتوقّف قتل الصيد عليه.

و تدلّ عليه أيضا رواية عباد بن صهيب: عن رجل سمّى و رمى صيدا فأخطأ و أصاب آخر، فقال: «يأكل منه» «1» «2».

المسألة الثالثة: الأصل عدم وقوع التذكية الثابتة كونها تذكية،

فلا يحكم بها إلّا مع العلم بها، و هذا المعنى الآخر لأصالة عدم التذكية.

و الدليل عليه: أنّها موقوفة على أمور وجوديّة حادثة بعد عدمها، و الأصل عدم تحقّق كلّ منها، و به تعلم الحرمة، فلا تجري فيه عمومات الحلّية، و لا يجدي التعارض، لأنّ الأول- و هو عدم التذكية الثابت بالأصل- مزيل للحلّية و لا عكس، فإنّ الحلّية ليست مزيلة للإعدام الثابتة لكلّ فعل من أفعال التذكية، كما يعلم تحقيقه ممّا ذكرنا في بيان الاستصحاب المزيل و غير المزيل.

و تدلّ على ذلك الأصل أيضا أخبار معتبرة مستفيضة.

كصحيحة سليمان: عن الرميّة

يجدها صاحبها أ يأكلها؟ قال: «إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل» «3».

و صحيحة حريز: عن الرميّة يجدها صاحبها في الغد أ يأكل منه؟

فقال: «إن علم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل من ذلك إن كان قد سمّى» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 215- 1، التهذيب 9: 38- 160، الوسائل 23: 380 أبواب الصيد ب 27 ح 1.

(2) ما بين القوسين ليس في «ح».

(3) الكافي 6: 210- 7، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.

(4) الكافي 6: 210- 3، الفقيه 3: 202- 917، التهذيب 9: 34- 135، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 278

و موثّقة سماعة، و فيها: «إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل منه، و إلّا فلا يأكل منه» «1».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآتية المصرّحة بأنّه: إذا وجد الكلب الغير المعلّم مع المعلّم عند الصيد لا يؤكل منه «2».

اعلم أنّه قد مرّ في كتاب الطهارة: أنّ الميتة من كلّ حيوان له نفس نجس، و في كتاب المطاعم أيضا: أنّ الميتة من كلّ حيوان- و لو كان ممّا يؤكل لحمه- حرام، و الميتة في المقامين مقابل المذكّى شرعا، و لكون التذكية أمرا شرعيّا توقيفيّا فلا بدّ من معرفتها و معرفة أحكامها من الشرع.

و ممّا ذكرنا و إن ثبت كون مطلق ذكر اسم اللّه عليه تذكية، إلّا أنّه قد ثبتت من الشرع لذلك الإطلاق تقييدات في الاسم و الذاكر و حال الذكر و بعض خصوصيّات أخر لا بدّ من معرفة جميعها، فعقد ذلك الكتاب إنّما هو لمعرفة خصوصيّات التذكية الشرعيّة و ما يتعلّق بها.

و لمّا كانت الخصوصيّات المنضمّة مع

ذكر اللّه- المعبّر عن مجموعها بالتذكية- تحصل في ضمن أحد الأمور الستّة: الصيد، و الذبح، و النحر، و التبعيّة كما في ذكاة الجنين، و الإخراج من الماء، و القبض باليد، و كان الثالث شبيها بالذبح، و الرابع تابعا لأحد الأولين، لم يذكروهما في عقد عنوان الكتاب و أدرجوهما في الأولين، كما أدرجوا الأخيرين في الصيد و عنونوا الكتاب بكتاب الصيد و الذباحة، و لو كانوا عنونوه بكتاب التذكية

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 4، التهذيب 9: 34- 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) الوسائل 23: 342 أبواب الصيد ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 279

لكان أحسن و أولى.

(هذا على ما هو الظاهر من جعل المذكّى مقابل الميتة مطلقا، و قد يخصّ المذكّى بالمذبوح أيضا) «1».

و اعلم أيضا أنّ الصيد يطلق على معنيين.

أحدهما: إثبات اليد على الحيوان الوحشي بالأصالة و إن كان حيّا.

و تقييد الحيوان هنا بالمحلّل- كما في المسالك و الكفاية «2»- لا وجه له.

و ثانيهما: إزهاق روحه على الوجه المعتبر شرعا من غير ذبح أو نحر، بل بآلة الصيد المعتبرة شرعا.

و المقصود الأصليّ ذكره في ذلك الكتاب: الصيد بالمعنى الثاني، و أمّا المعنى الأول فيناسب ذكره في كتاب المكاسب كما فعله في المفاتيح «3»، لأنّ الكلام فيه إنّما هو من حيث التملّك و عدمه، و أمّا تذكيته فإنّما هي تكون بالذبح، و لكن منهم من يذكره هنا تبعا للصيد بالمعنى الثاني «4».

و قد علم بذلك أنّ المقصود من عقد هذا الكتاب بيان التذكية الشرعيّة بالمعنى الأعمّ و ما يتعلّق بها، و لأنّها إمّا بالصيد، أو الذبح الشامل للنحر أيضا، أو التبعيّة، أو الأخذ حيّا، نبيّن أحكامها في أربعة أبواب:

______________________________

(1) ما

بين القوسين ساقط عن «ق» و «س».

(2) المسالك 2: 217، الكفاية: 244.

(3) المفاتيح 3: 35.

(4) كصاحب الرياض 2: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 281

الباب الأول في الصيد

اشاره

و المراد الصيد بالمعنى الثاني، أي إزهاق روح الحيوان الوحشي من غير ذبح، بل بمجرّد الاصطياد، الذي هو أحد أفراد التذكية.

و أمّا الصيد بمعنى إدراك المصيد حيّا ثمَّ ذبحه فهو و إن كان اصطيادا عرفا أيضا إلّا أنّه الصيد بالمعنى الأول مع التذكية الذبحيّة، فهو مركّب من الصيد بالمعنى الأول و الذبح، و الكلام فيه من جهة الصيد إنّما هو من حيث التملّك دون التذكية، و أمّا من حيث التذكية فبعينها أحكام الذبيحة.

ثمَّ الكلام في هذا الباب إمّا في آلة الصيد- أي فيما تحصل التذكية للحيوان مع إزهاق روحه به من دون ذبح- أو في المصيد- أي ما يقبل الاصطياد بهذا المعنى من الحيوانات- أو في الصائد، أو في شرائط الصيد، أو في أحكامه، فهاهنا خمسة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 282

الفصل الأول في الآلة التي تتحقّق بها التذكية الاصطياديّة

اشاره

و يحلّ مقتولها من غير ذبح، و هي إمّا حيوان، أو جماد، فهاهنا بحثان:

البحث الأول في الآلة الحيوانيّة و فيه مسائل:
المسألة الأولى: الآلة الحيوانيّة التي يحلّ مقتولها و تحصل التذكية بها: الكلب المعلّم

مطلقا، سلوقيّا [1] كان أو غيره، أسود كان أم غير أسود، بمعنى: أنّ ما أخذه و جرحه و أدركه صاحبه ميّتا يحلّ أكله.

و يقوم جرح الكلب المذكور بعد إرساله- في أيّ موضع كان الجرح- مقام الذبح، بلا خلاف فيه كما في الكفاية «1» و غيره «2»، بل بالإجماع كما في المسالك «3» و شرح الإرشاد للأردبيلي «4»، و نقل عن جماعة أيضا «5»، و كأنّهم

______________________________

[1] السلوق: قرية باليمن ينسب إليها الدروع و الكلاب- مجمع البحرين 5: 187.

______________________________

(1) الكفاية: 244.

(2) كالرياض 2: 262.

(3) المسالك 2: 217.

(4) مجمع الفائدة 11: 6.

(5) نقله صاحب الرياض 2: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 283

لم يلتفتوا إلى خلاف الإسكافي في الكلب الأسود «1»، لشذوذه، و هو كذلك، فهو إجماع محقّق حقيقة، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى قوله سبحانه قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ «2».

و في صحيحة الحلبي: «في كتاب عليّ عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قال: هي الكلاب» «3».

و إلى السنّة المتواترة معنى «4»، منها: صحيحة محمّد و غير واحد (عنهما عليهما السّلام جميعا أنّهما قالا) «5» في الكلب يرسله الرجل و يسمّي، قالا: «إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه، و إن أدركته و قد قتله و أكل منه فكل ما بقي، و لا ترون ما ترون في الكلب» «6».

و صحيحة حكم بن حكيم: ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟

قال: «لا بأس بأكله» الحديث «7». و سيأتي تمامه.

______________________________

(1) حكاه عنه

في المختلف: 675.

(2) المائدة: 4.

(3) الكافي 6: 202- 1، التهذيب 9: 22- 88، الوسائل 23: 331 أبواب الصيد ب 1 ح 1.

(4) ليست في «ق».

(5) ما بين القوسين ليس في «ح».

(6) الكافي 6: 202- 2، التهذيب 9: 22- 89، الاستبصار 4: 67- 241، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 2. و في بعض المصادر: و لا ترون ما يرون.

(7) الكافي 6: 203- 6، التهذيب 9: 23- 91، الاستبصار 4: 69- 253، الوسائل 23: 333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 284

و صحيحة جميل: عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه و لا يكون معه سكّين يذكّيه بها، أ يدعه حتى يقتله و يأكل منه؟ قال: «لا بأس، قال اللّه تعالى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ و لا ينبغي أن يؤكل ممّا قتل الفهد» «1».

و رواية «2» عبد اللّه بن سليمان: عن رجل أرسل كلبه و صقره، فقال:

«أمّا الصقر فلا تأكل من صيده حتى تدرك ذكاته، و أمّا الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم اللّه عليه، أكل الكلب منه أو لم يأكل» «3»، إلى غير ذلك ممّا يأتي في طيّ المسائل الآتية.

و إطلاق الآية و الأخبار- كفتاوى العلماء الأخيار- يقتضي عدم الفرق بين الكلب السلوقي و غيره، حتى الأسود، و هو كذلك.

خلافا للإسكافي، فخصّه بما عدا الأسود، تبعا لبعض الشافعيّة [1] و أحمد «4»، لخبر السكوني «5» الضعيف دلالة- لموضع ما يحتمل الجملة الخبريّة- و متنا- للشذوذ- و مقاومة للإطلاقات، لما ذكر و لموافقة العامّة.

المسألة الثانية: يشترط في حلّية صيد الكلب و مقتوله- كما أشرنا إليه-: أن يكون معلّما

، بالإجماع، و الكتاب، و السنّة المستفيضة:

______________________________

[1] نسبه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 9: 494 إلى إسحاق و الظاهر أنّه إسحاق بن إبراهيم

المعروف بابن راهويه أحد أئمّة الفقه و الحديث و من أصحاب الشافعي.

______________________________

(1) الكافي 6: 204- 8، التهذيب 9: 23- 93، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 2.

(2) في «ح» و «س»: و صحيحة ..

(3) الكافي 6: 207- 3، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 6.

(4) كما في بداية المجتهد 1: 456، و المغني و الشرح الكبير 11: 13.

(5) الكافي 6: 206- 20، التهذيب 9: 80- 340، الوسائل 23: 356 أبواب الصيد ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 285

منها: حسنة محمّد بن قيس: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا من صيدهنّ، و ما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه» «1».

و صحيحة الحضرمي: عن صيد البزاة و الصقور و الكلب و الفهد، فقال: «لا تأكل صيد شي ء من هذه إلّا ما ذكّيتموه إلّا الكلب المكلّب» قلت:

فإن قتله؟ قال: «كل، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ الآية «2».

و رواية زرارة في صيد الكلب، و فيها: «فإن كان غير معلّم فعلّمه في ساعته حين يرسله، و ليأكل منه» «3».

و رواية أبي بصير: عن قوم أرسلوا كلابهم، و هي معلّمة كلّها، و قد سمّوا عليها، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لم يعرفوا له صاحبا، فاشتركن جميعا في الصيد، فقال: «لا تأكل منه، لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا» «4».

و صحيحة سليمان بن خالد: عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم، فيسمّي حين يرسله، أ يأكل ممّا أمسك عليه؟ قال: «نعم، لأنّه

______________________________

(1) الكافي 6: 203- 5، التهذيب 9: 23- 90، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7

ح 1.

(2) الكافي 6: 204- 9، التهذيب 9: 24- 94، تفسير علي بن إبراهيم 1: 162، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 9 ح 1.

(3) الكافي 6: 205- 14، الفقيه 3: 201- 911، التهذيب 9: 24- 98، الاستبصار 4: 68- 246، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7 ح 2، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 6: 206- 19، التهذيب 9: 26- 105، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 286

مكلّب ذكر اسم اللّه عليه» «1»، دلّ التعليل على أنّ علّة الحلّية: التكليب، الذي هو التعليم.

و خبر عبد الرحمن بن سيابة: إنّي أستعير كلب المجوسي فأصيد به، فقال عليه السّلام: «لا تأكل من صيده إلّا أن يكون علّمه مسلم فتعلّمه» «2».

و رواية السكوني: كلب المجوسي لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله» «3»، إلى غير ذلك.

و بهذه الأدلّة يقيّد إطلاق الكلب في الأخبار المتقدّمة في المسألة الاولى و سائر المطلقات التي لم تذكر.

المسألة الثالثة: اختلفوا فيما يعتبر في صيرورة الكلب معلّما
اشاره

، فمنهم من اعتبر ثلاثة أمور، و منهم من اعتبر أمرين. ثمَّ اختلفوا في أحد هذين الأمرين هل هو مطلق أو مقيّد على التفصيل الآتي.

و ليعلم أولا: أنّ شأن الفقيه في الألفاظ الواردة في كلامهم عليهم السّلام إذا لم يرد منهم بيان في معانيها- كما هو كذلك في مفروض المسألة- الرجوع إلى العرف إن كان، و إلّا فإلى اللغة، فاللازم في معرفة المعلّم و في تفسير قوله سبحانه ما عَلَّمْتُمْ الرجوع إليهما.

و معنى اللفظين- بحسب العرف و اللغة- واضح جدّا، فإنّ تعليم شي ء للغير: تكريره لمن لا يعلمه حتى يأخذه و يعلمه، و المعلّم: من كرّر غيره له

______________________________

(1) الكافي 6: 208- 1، الفقيه 3:

202- 913، التهذيب 9: 30- 118، الاستبصار 4: 70- 254، الوسائل 23: 360 أبواب الصيد ب 15 ح 1.

(2) الكافي 6: 209- 2، التهذيب 9: 30- 119، الاستبصار 4: 70- 255، الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 2.

(3) الكافي 6: 209- 3، التهذيب 9: 30- 120، الاستبصار 4: 71- 256، الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 287

شيئا لا يعلمه حتى يعلمه و يأخذه، فلا إبهام في معنى التعليم و المعلّم.

نعم، لو كان الأمر الذي يطلب تعليمه معيّنا من جهة الطالب واقعا و لم يعلم أنّه أيّ شي ء، يحصل الإجمال من هذه الجهة. و أمّا لو لم يكن دليل على تعيينه من جهته فهو مطلق يتحقّق بكلّ ما يصلح للتعليم، كما في قولك: أكرم المعلّم، و ليس لفظ التعليم بالنسبة إلى ما علم إلّا كنسبة الأكل إلى المأكول، فلو قال: رأيت الآكل، أو: أكرم الآكل، لم يكن فيه إجمال، و ليس هناك دليل أو قرينة على أنّ مراد اللّه سبحانه من المعلّم بصيغة المفعول شي ء خاص لا نعلمه حتى يحصل الإجمال من تلك الجهة.

و لا يتوهّم أنّ قوله جلّ شأنه تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ يوجب إجمالا.

لأنّ المعنى: بعض ما علّم اللّه سبحانه للإنسان و لا يعلمه الكلب، و مصاديق ذلك المعنى واضحة لكلّ أحد، و مقتضى الإطلاق عدم تعيّن ذلك البعض.

نعم، حصل بالقرائن و الإجماع اعتبار بعض الأمور- التي هي أيضا من أفراد ما يعلم- فيجب الحكم باعتباره، و نفي غيره بالأصل.

و أمّا الأخبار فلا يثبت منها اعتبار شي ء مخصوص في التعليم، لأنّ غايتها ذكر أنّ الكلب الفلاني يؤكل صيده أو لا يؤكل، و هذا

لا يدلّ على أنّه لأجل اعتباره في التعليم و عدمه، كما أنّه ورد أكل صيد كلب المجوسي و الأسود و المغصوب، أو المنفرد و المشارك مع غيره أو عدم الأكل، و ليس ذلك إلّا كاعتبار التسمية و نحوها.

و ممّا ذكرنا ظهر لك ما في كلام المحقّق الأردبيلي، حيث قال: و ظاهر الآية أنّه لا بدّ من كون ما يصير به معلّما شيئا علّمنا اللّه إيّاه في تعليم الكلب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 288

حتى يكون معلّما، و ما عرفنا أيّ شي ء ذلك من القرآن و لا من السنّة، إلّا ما في كلام العلماء، و لم يعلم إجماعهم أيضا، لما عرفت من الإجمال و الخلاف، فتأمّل حتى يفتح اللّه «1». انتهى.

فإنّ ظاهر الآية ليس أنّه شي ء خاصّ معيّن في تعليم الكلب، بل مطلق ما علّمنا اللّه، و لا بأس بزيادة شي ء له مدخليّة في تعليم الكلب للصيد بدلالة القرينة الحاليّة كما يأتي، و هو أيضا مطلق بين أمور معلومة لنا من الاسترسال و الانزجار و الإمساك و القتل و نحوها.

و ظهر ممّا ذكر صدق الكلب المعلّم على كلّ كلب علّم أمرا و أكثر ممّا لا يعلمه الكلب بنفسه و طبعه، و يتوقف تعلّمه على تعليم الإنسان، كما في سائر الحيوانات التي يتعلّمون عملا خاصّا، فيقال: القرد المعلّم، و الفرس المعلّم، و الشاة المعلّمة، و الهرّة المعلّمة، و غيرها.

نعم، المستفاد من القرائن الحاليّة- بل من العرف و العادة- أنّ من يطلب حيوانا معلّما على الإطلاق أو ترتّب عليه حكما نظره إلى تعليم بعض ما يتعلّق بما يطلب من ذلك الحيوان، إمّا مطلقا أو في موضع خاص، فإذا قال: ابتع لي فرسا معلّما، يطلب ما تعلّم أمرا

من الأمور المتعلّقة بالعدو و المشي و الركوب، و الوقوف عند سقوط راكبه، و أخذ شي ء سقط من يده على الأرض و إعطائه، و في القرد المعلّم ما يتعلّق باللعب، و في الكلب المعلّم في مقام الصيد ما يتعلّق بذلك، و في مقام الحفظ و الحراسة ما يتعلّق بهما زائدا على ما يعلمه بالطبع، و في مقام دفع العدوّ كذلك، و هكذا.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 289

فالظاهر من القرائن من الكلب المعلّم في مقام الصيد: ما له مدخليّة في الاصطياد، زائدا على ما يعلمه و تقتضيه خلقته و طبعه من الاسترسال و الانزجار و القتل و الإمساك، و أن لا يكون بحيث لا يطلب الصيد إلّا حال الجوع، و أن لا يجرحه و يتركه و يمضي منه، و نحو ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ غاية ما اعتبروه في معلّمية الكلب أمور ثلاثة:

أحدها: أن يسترسل و ينطلق بإرسال صاحبه، يعني: إذا أغرى بالصيد هاج و إن كان شبعانا.

و ثانيها: أن ينزجر و يقف عن الذهاب و الاسترسال إذا زجر عنه.

و ثالثها: أن يمسك الصيد و لا يأكله حتى يصل صاحبه.

و لا ريب في أنّ المعلّمية للكلب في مقام الاصطياد تتحقّق بتعليم هذه الثلاثة لغة و عرفا، و لا كلام في ذلك و الإجماع عليه منعقد.

و إنّما الكلام في أنّه هل يكفي بعضها كما هو كذلك بحسب اللغة و العرف، أو تعتبر الثلاثة؟

فنقول: لا شكّ في اعتبار الأمر الأول مطلقا، و لا في الثاني في الجملة، لانتفاء الخلاف في اعتبارهما، بل انعقاد الإجماع عليه، كما صرّح بهما بعض الأجلّة «1»، بل تحقّقا عند التحقيق و الدقّة، فهما الحجّة فيهما، مضافا إلى

عدم معلوميّة صدق المعلّم العرفي بدونهما لو لم ندّع معلوميّة العدم.

و هل اعتبار الثاني مطلق- كما هو المحكي عن الأكثر «2»- أي ينزجر

______________________________

(1) الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 72.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 218، و المحقق السبزواري في الكفاية: 245، و صاحب الرياض 2: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 290

عن الذهاب مطلقا إذا زجر عنه و لو كان ذاهبا إلى الصيد مشاهدا له قريبا منه؟

أو يقيّد بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد و رؤيته له، كما قيّده الشهيدان في الدروس و المسالك «1»، و الفاضل في التحرير «2»، و استحسنه بعض من تأخّر عنهم «3»، استنادا إلى أنّه لا يكاد يقف بعد ذلك كلب أصلا، فمع اشتراطه لا يتحقّق كلب معلّم إلّا نادرا، و قد أخبر بذلك جمع من الصائدين؟

و هو حسن، لما ذكر، و لصدق المعلّم عرفا بعد تحقّق الأمر الأول و الثاني في الجملة، و لا دليل على وجوب اعتبار الزائد.

و أمّا الأمر الثالث، فالمشهور اعتباره كما صرّح به جماعة «4»، بل عن الانتصار «5» و ظاهر المختلف و كنز العرفان «6» الإجماع عليه.

و ذهب الصدوقان «7» و العماني «8» و جمع آخر إلى عدم اعتبار ذلك الشرط، و اختاره من المتأخّرين المحقّق الأردبيلي «9» و صاحب الكفاية

______________________________

(1) الشهيد في الدروس 2: 393، الشهيد الثاني في المسالك 2: 218.

(2) التحرير 2: 154.

(3) كالفيض في المفاتيح 2: 210.

(4) منهم العلامة في المختلف: 675، و السيوري في التنقيح 4: 7، و المحقق السبزواري في الكفاية: 245، و كشف اللثام 2: 252.

(5) الانتصار: 183.

(6) المختلف: 675، كنز العرفان 2: 309.

(7) كما في المقنع و الهداية: 138، و قد حكاه عنهما

في المختلف: 689.

(8) حكاه عنه في المختلف: 689.

(9) مجمع الفائدة 11: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 291

و المفاتيح «1» و شارحه و والدي المحقّق العلّامة قدّس سرّه في بعض حواشيه على المسالك، قال- طاب ثراه-:

إنّ أقرب المحامل و أمتنها هو حمل الأحاديث التي تدلّ على عدم الجواز على التقيّة، و الحمل الأول للشيخ لا تحمله صحيحة جميل بن درّاج كما أفاده الشارح، و كذا حمل ابن الجنيد لا يخلو عن شي ء، لأنّ ترك الاستفصال موضع الحاجة دليل العموم، و بالجملة: الحمل على التقيّة أقوى و أصحّ. انتهى.

و يحتمله كلام الشيخ في كتابي الأخبار أيضا «2» كما ذكره الأردبيلي «3».

حجّة الأولين: توقّف صدق المعلّمية على ذلك.

و قوله سبحانه مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ .

و صحيحة الحذّاء: عن الرجل يسرح كلبه المعلّم و يسمّي إذا سرحه، فقال: «يأكل ممّا أمسك عليه» «4».

دلّتا بالمفهوم على عدم الأكل ممّا لم يمسك عليه، و إذا اعتاد الأكل لا يكون ممسكا على صاحبه، كما ورد في الأخبار أيضا.

و المستفيضة من المعتبرة الدالّة على النهي عن أكل بقيّة ما أكله الكلب:

منها: صحيحة رفاعة: عن الكلب يقتل، فقال: «كل» فقلت: أكل منه، فقال: «إذا أكل منه فلم يمسك عليك، إنّما أمسك على نفسه» «5».

______________________________

(1) الكفاية: 245، المفاتيح 2: 211.

(2) التهذيب 9: 28، الاستبصار 4: 69.

(3) مجمع الفائدة 11: 35.

(4) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 9: 27- 111، الاستبصار 4: 69- 252، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 292

و صحيحة أحمد: «الكلب و الفهد سواء، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات و هو معه

فكل، فإنّه أمسك عليك، و إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل، فإنّما أمسك على نفسه» «1»، و نحوها صحيحة ابن المغيرة «2».

و موثّقة سماعة المضمرة، و فيها: «لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ما لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه»، قال: و سألته عن صيد الفهد و هو معلّم للصيد، فقال: «إن أدركته حيّا فذكّه و كله و إن قتله فلا تأكل منه» «3».

و دليل الآخرين: أصالة عدم الاعتبار- كما يعلم وجهه ممّا ذكرنا في صدر المسألة- و الصحاح و غيرها من المستفيضة جدّا، بل المتواترة معنى، منها: صحيحة محمّد و غير واحد، و صحيحة جميل، و رواية عبد اللّه بن سليمان، المتقدّمة جميعا في المسألة الاولى «4»، و إن أمكن الخدش في دلالة الثانية بجعل قوله: و يأكل منه، عطفا على قوله: يدعه، دون: يقتله.

و صحيحة حكم بن حكيم المتقدّم صدرها هناك، و تمامها: قال:

قلت: فإنّهم يقولون: إنّه إذا قتله و أكل منه فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكله، فقال: «كل، أو ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟» قلت: بلى، قال: «فما يقولون في شاة ذبحها رجل أ ذكّاها؟» قال: قلت: نعم، قال:

«فإن السبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل منها بعضها أتوكل منها البقيّة؟ فإذا

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 113، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.

(2) التهذيب 9: 29- 116، الوسائل 23: 345 أبواب الصيد ب 6 ح 6.

(3) التهذيب 9: 27- 110، الاستبصار 4: 69- 251، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 3.

(4) في ص: 283 و 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 293

أجابوك إلى هذا فقل

لهم: كيف تقولون: إذا ذكّى ذلك فأكل منها لم تأكلوا؟! و إذا ذكّاها هذا و أكل أكلتم؟!» «1».

و صحيحة الحلبي، و فيها: «أمّا ما قتلته الطير فلا تأكل إلّا أن تذكّيه، و أمّا ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل و إن أكل منه» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أ نأكل من بقيّته؟ قال: «نعم» «3».

و رواية سالم الأشلّ: عن الكلب يمسك على صيده و قد أكل منه، قال: «لا بأس بما أكل، و هو لك حلال» «4».

و اخرى: عن صيد كلب معلّم قد أكل من صيده، فقال: «كل منه» «5».

و رواية يونس بن يعقوب: عن رجل أرسل كلبه فأدركه و قد قتل، قال: «كل و إن أكل» «6».

و رواية أبي بصير: «إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد أن تسمّي فكل ممّا أمسك عليك، قتل أو لم يقتل، أكل أو لم يأكل، و إن أدركت صيده

______________________________

(1) الكافي 6: 203- 6، التهذيب 9: 23- 91، الاستبصار 4: 69- 253، الوسائل 23: 333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.

(2) الكافي 6: 205- 15، التهذيب 9: 25- 99، الاستبصار 4: 68- 247، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 9.

(3) التهذيب 9: 27- 109، الاستبصار 4: 69- 250، الوسائل 23: 337 أبواب الصيد ب 2 ح 15.

(4) الكافي 6: 203- 3، التهذيب 9: 27- 108، الاستبصار 4: 68- 249، الوسائل 23: 334 أبواب الصيد ب 2 ح 3.

(5) الكافي 6: 205- 12، التهذيب 9: 24- 96، الاستبصار 4: 67- 244، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 6.

(6) الكافي 6: 204- 7، التهذيب 9: 23- 92، الاستبصار

4: 67- 242، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 294

و كان في يدك حيّا فذكّه، فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل» «1».

و رواية سعيد: «كل ممّا أمسك الكلب و إن أكل ثلثيه» «2».

و مرسلة الفقيه: «كل ما أكل الكلب و إن أكل ثلثيه، كل ما أكل الكلب و إن لم يبق منه إلّا بضعة واحدة» «3».

و موثّقة البصري: عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيدا فأكل منه، آكل من فضله؟ قال: «كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا، و كل فضله» «4».

و حسنة زرارة: في صيد الكلب أرسله الرجل و سمّى «فليأكل كلّ ما أمسك عليه و إن قتل، و إن أكل فكل ما بقي» الحديث «5».

و المرويّ في قرب الإسناد: «إذا أخذ الكلب المعلّم الصيد فكله، أكل منه أو لم يأكل، قتل أو لم يقتل» «6».

و الرضوي: «و إن أدركته و قد قتله كلبك فكل منه و إن أكل بعضه، لقوله تعالى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «7».

و أجاب الأولون عن تلك الأخبار بالحمل على صورة الندرة، فإنّ

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(2) الكافي 6: 204- 10، التهذيب 9: 24- 95، الاستبصار 4: 67- 243، الوسائل 23: 334 أبواب الصيد ب 2 ح 5.

(3) الفقيه 3: 202- 912، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 10.

(4) الكافي 6: 205- 13، التهذيب 9: 24- 97، الاستبصار 4: 68- 245، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 8.

(5) الكافي 6: 205- 14، الفقيه 3: 201- 911، التهذيب 9: 24- 98، الاستبصار

4: 68- 246، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 7.

(6) قرب الإسناد: 106- 361، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 12.

(7) فقه الرضا عليه السّلام: 296، مستدرك الوسائل 16: 104 أبواب الصيد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 295

المراد بعدم الأكل: الاعتياد به، و لازمه ترك الأكل غالبا، و لا ينافيه الأكل النادر، جمعا بينها و بين أخبار المنع، مع أنّه لولاه أيضا لترجّحت أخبار المنع أيضا، لموافقتها ظاهر الكتاب من وجهين: من جهة التعليم و من جهة الإمساك، و معاضدتها بالإجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة، التي هي من أعظم المرجّحات الاجتهاديّة، بل المنصوصة.

أقول: أمّا الحمل المذكور فحمل بلا شاهد، و مثله عندنا فاسد.

و أمّا ترجيح أخبار المنع بما رجّحوها به فغير صحيح.

أمّا الوجه الأول من وجهي موافقة الكتاب، فلأنّه موقوف على توقّف صدق المعلّمية على ذلك، و هو ممنوع جدّا، و قد ظهر سنده ممّا ذكرنا في صدر المسألة.

و أمّا الوجه الثاني، فلأنّه مبنيّ على أن يكون معنى قوله سبحانه:

مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ من الصيد الذي أمسكن تمامه عليكم، و هذا تخصيص لا دليل عليه من عرف أو لغة أصلا. بل المعنى: فكلوا ممّا أمسكن عليكم و حفظه لكم، سواء كان تمام الصيد أو بعضه، فإنّ ما أبقاه الكلب و لم يأكله يصدق عليه أنّه ما أمسك عليه، سواء كان كلّا أو بعضا.

و تدلّ على ذلك من الأحاديث صريحا روايات الأشلّ و سعيد و زرارة و الرضويّ، حيث اثبت فيها الإمساك مع تحقّق أكل البعض، و ظهر من ذلك أنّ موافقة إطلاق الكتاب إنّما هي لأخبار الحلّية.

و أمّا الإجماع المنقول فلا يصلح لترجيح بعض الأخبار على بعض،

كيف؟! و من يقول بحجّيته ينزّله منزلة خبر صحيح، و ضمّ خبر واحد لا يصير مرجّحا لما ضمّ معه أصلا.

و أمّا الشهرة، فالشهرة التي تصلح للترجيح هي الشهرة في الرواية

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 296

دون الفتوى، و شهرة الرواية إنّما هي مع الأخبار الأخيرة قطعا.

و قد ظهر من ذلك ترجيح روايات الجواز باعتبار الكثرة و الشهرة بين الرواة، التي هي من المرجّحات المنصوصة، فإنّها تكاد تبلغ حدّ التواتر.

بل تترجّح عليها بموافقة إطلاقات الكتاب من وجوه:

أحدها: كون الكلب الجامع للأمرين الأولين من أفراد ما علّم ممّا علّمنا اللّه.

و ثانيها: من جهة كون الباقي من الأكل من أفراد ما أمسك عليه.

و ثالثها: من جهة عمومات الحلّ.

و تترجّح أيضا بموافقة الأصل و عمومات السنّة بحلّية كلّ شي ء، و بمخالفة العامّة قطعا، التي هي أيضا من المرجّحات العظيمة، كما صرّح به في صحيحة حكم.

و أمّا ما قيل من أنّ في بعضها المنع من أكل صيد الفهد- كما في موثقة سماعة- و هو ينافي الحمل على التقيّة، لتحليل العامّة لصيد الفهد «1».

فضعيف غايته، أمّا أولا: فلأنّه إنّما يصحّ إذا كانت الفقرتان حديثا واحدا، و هو غير معلوم، بل خلافه ظاهر، حيث فصّل بين الجزئين بقوله:

و سألته.

و أمّا ثانيا: فلأنّ الترجيح بمخالفة العامّة لم يعلم أنّه لأجل الحمل على التقيّة.

هذا، مع ما في أخبار المنع من ضعف الدلالة، أمّا صحيحة رفاعة «2» فلعدم اشتمالها على المنع من الأكل، و إنّما غايتها أنّه إذا أكل لم يمسك،

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 263.

(2) المتقدّمة في ص: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 297

و أمّا أنّه حرام فلا، فيمكن أن يكون المراد أنّه ليس ممّا صرّح بحلّيته الكتاب و إن لم يكن

فيه منع أيضا، و تقييد الكتاب ليس صريحا في المنع كما يأتي. و يمكن أن يكون المراد أنّه حينئذ يكون ممّا يمنع عنه العامّة، حيث يقولون: إنّه ليس ممّا أمسك عليه، كما صرّح به في صحيحة حكم «1».

و أمّا البواقي «2»، فلعدم اشتمالها على النهي الصريح، بل يتضمّن الكلّ ما يحتمل الجملة الخبريّة.

و قد ظهر ممّا ذكرنا ضعف الاحتجاج للمنع بالأخبار جدّا.

و قد ظهر ممّا مرّ في مطاوي ما سبق ضعف الدليلين الأولين، من توقّف صدق المعلّمية على عدم الأكل، و من الآية و الخبر المشتملين على الإمساك.

مضافا إلى ما في الأخيرين من أنّ دلالتهما على عدم أكل ما لم يمسك- لو سلّم بالتقريب الذي توهّموه- إنّما يكون بمفهوم الوصف، هو ليس حجّة عند أهل التحقيق.

هذا كلّه، مع أنّه لو سلّمنا دلالة الآية و تماميّة الأخبار حجّية لعدم جواز الأكل من صيد أكله الكلب فلا دلالة لها على كون عدم الأكل معتبرا في المعلّمية أصلا، فيمكن أن يكون هذا شرطا آخر، كالتسمية و عدم كون الكلب من الكافر و مغصوبا على رأي.

و تظهر الفائدة في الاعتياد و عدمه، فعلى اعتباره في المعلّمية يعتبر اعتياده بذلك، و على عدمه لا يعتبر، فيحلّ صيد ما لم يأكل في بعض

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 292.

(2) راجع ص: 291 و 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 298

الأوقات حين لم يأكل و إن أكل في سائر الأوقات مساويا أو غالبا.

فالحقّ الحقيق بالاعتبار: عدم اعتبار ذلك في المعلّمية و لا في الحلّية مطلقا، و المسألة واضحة بحمد اللّه سبحانه.

كما يتّضح بطلان قول الإسكافي- بالفرق بين أكل الكلب من الصيد قبل موته و بعده، و جعل الأول قادحا في التعليم دون الثاني

«1»- لعدم الدليل عليه رأسا، إلّا الجمع بين الأخبار، و هو جمع مردود، لأنّ الشاهد عليه بالمرّة مفقود.

نعم، هنا أمر آخر لا يبعد اعتباره- بل الظاهر اعتباره- في المعلّمية، و هو أن لا يكون معتادا بأكل تمام الصيد، فيأكل تمامه دائما أو غالبا، فإنّه إن كان كذلك لا يكون معلّما للصيد قطعا و إن كان معلّما في الجملة.

و لعلّهم لم يذكروه لندرة مثل ذلك الفرد، بل عدم تحقّقه، لأنّه يستدعي زمانا طويلا حتى يأكله الكلب بتمامه و يشتهيه و لم يصل إليه الصاحب، أو لشمول اعتياد «2» عدم الأكل مطلقا لذلك أيضا.

فروع:
أ: لا بدّ من تكرّر الأمرين الأولين- بل الثالث على القول باعتباره في المعلّمية

- مرّة بعد اخرى، حتى يغلب على الظنّ تأدّب الكلب بها، و يصدق عليه في العرف كونه معلّما.

و الأولى أن لا تقدّر المرّات بعدد- كما فعله جماعة «3»- بل يرجع إلى

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 675.

(2) في «س»: اعتبار ..

(3) منهم العلامة في القواعد 2: 150، و الشهيد في المسالك 2: 218، و الفيض في المفاتيح 2: 211، و صاحب الرياض 2: 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 299

العرف و أهل الخبرة، فإنّه يمكن إتيانه بهذه الأمور- بالتعدّد الذي ذكروه- في أزمنة قليلة متقاربة و لم يفعلها بعده لعدم التعلّم. إلّا أن يقال: إنّه يكون في زمان الإتيان بها معلّما، و لو لم يأت بها بعده يخرج عن التعليم، و ذلك أوفق بما مرّ في المسألة الثانية من روايتي زرارة و السكوني «1» المتضمّنتين للتعليم ساعة الإرسال، فيتعلّمه حينئذ بالتكرار مرّات و إن لم يجعل له ملكة راسخة، فإنّ التعليم أمر و الصيرورة ملكة أمر آخر.

ب: لو كان الكلب بحيث يأتي بالأمرين أو الثلاث بمقتضى طبعه و خلقته، فهل يكفي ذلك في كونه معلّما، أم لا

، بل يشترط أن يكون ممّا علّمه الإنسان؟

ظاهر الآية و مقتضى لفظ المعلّم: الثاني.

ج: لو صدق كونه معلّما و لكن تعلّم غير الأمرين أو الثلاثة

- كبعض الكلاب الروسيّة الذي يأخذ الشمعة باليد، و يقوم في المجلس إلى الصبح، أو يدخل الماء و يخرج منه ما وقع فيه- فهل يحلّ صيده لو لم يعلم الأمرين المذكورين؟

الظاهر: لا، للإجماع على اعتبار الأمرين كما مرّ، و لدلالة القرينة الحاليّة على إرادة المعلّمية للصيد.

د: الظاهر اعتبار بقاء المعلّمية،

فلو صار معلّما في زمان و نسي ما علّم و خرج عن التعليم لم يحلّ صيده.

المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب عدم تحقّق الصيد بالمعنى الثاني

- أي التذكية- بغير الكلب من جوارح البهائم و السباع، كالفهد و النمر

______________________________

(1) في ص: 285 و 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 300

و غيرهما، و لا من جوارح الطير، كالصقر و الباز و العقاب و نحوها، معلّما كان أو غير معلّم. بل يتوقّف الحلّ في الجميع- غير الكلب في الاصطياد- بإدراك التذكية، و حكاية الشهرة عليه متكثّرة «1»، بل عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر «2» الإجماع عليه.

و استدلّ له بظاهر الآية الشريفة «3»، فإنّ المكلّب- بالكسر- هو معلّم الكلب لأجل الصيد، فالمعنى: أحلّ لكم الصيد حال كونكم معلّمين للكلب، فيكون الجارح- الذي هو آلة الصيد- مخصّصا بالكلب، فلا يحصل بغيره، و إلّا لكان تقييده سبحانه بذلك خاليا عن الفائدة.

و تدلّ صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الأولى أيضا على اختصاص الجوارح في الآية بالكلب «4».

و كذا موثّقة سماعة المتقدّمة في المقدّمة، حيث قال فيها: «و ليس هذا في القرآن» «5».

و كذا رواية زرارة، و فيها: «و ما خلا الكلب ممّا يصيد الفهد و الصقر و أشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلّا ما أدركت ذكاته، لأنّ اللّه تعالى يقول:

مُكَلِّبِينَ فما كان خلاف الكلب فليس صيده ممّا يؤكل إلّا أن تدرك ذكاته» «6».

______________________________

(1) راجع المسالك 2: 217، مجمع الفائدة 11: 6، و الكفاية: 245.

(2) الخلاف 2: 515، الانتصار: 183، الغنية (الجوامع الفقهية): 617، السرائر 3: 82.

(3) المائدة: 4.

(4) راجع ص: 283.

(5) راجع ص: 274.

(6) تفسير العياشي 1: 295- 29، البرهان 1: 448- 11، الوسائل 23: 355 أبواب الصيد ب 9 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 15، ص: 301

و يستدلّ عليه بالمستفيضة «1» أيضا- سوى ما مرّ من الروايات- كصحيحة الحذّاء و خبر المرادي و موثّقة سماعة، المتقدّمة جميعا في المقدّمة «2»، المانعة عن أكل صيد الصقور و البزاة و العقاب و الطير الذي يصيد.

و رواية عبد اللّه بن سليمان المتقدّمة في المسألة الأولى «3»، المانعة عن أكل صيد الصقر.

و صحيحة الحضرمي المتقدّمة في الثانية «4»، المانعة عن أكل صيد البزاة و الصقور و الفهد، بل المخصّصة ما يحلّ أكل صيده بالكلب المكلّب.

و موثّقة سماعة في الفهد و صحيحة الحلبي في الطير، المتقدّمتين في الثالثة «5».

و صحيحة الحذّاء، و فيها: قلت: فالفهد، قال: «إذا أدركت ذكاته فكل» قلت: أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال: «ليس شي ء مكلّب إلّا الكلب» «6».

و صحيحة أخرى للحلبي: «كان أبي يفتي و كان يتّقي، و كنّا نفتي نحن و نخاف في صيد البزاة و الصقور، و أمّا الآن فإنّا لا نخاف، لا يحلّ صيدها

______________________________

(1) ليست في «س».

(2) في ص: 274 و 275.

(3) في ص: 284.

(4) في ص: 285.

(5) في ص: 292 و 293.

(6) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 302

إلّا أن تدرك ذكاته» «1».

و موثّقة البقباق: «لا تأكل ما قتلت سباع الطير» «2».

و رواية أبان: «كان أبي يفتي في زمن بني أميّة: أنّ ما قتل البازي و الصقر فهو حلال و كان يتّقيهم، و أنا لا أتّقيهم، و هو حرام ما قتل الصقر» «3».

و المرويّ في تفسير القمّي: عن صيد البزاة و الصقور و الفهود و الكلاب، قال: «لا تأكلوا إلّا ما ذكّيتم إلّا الكلاب» قلت: فإن قتله؟ قال:

«كل»

«4».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: «ما خلا الكلاب ما يصيد الفهود و الصقور و أشباه ذلك فلا تأكلنّ من صيده إلّا ما أدركت ذكاته» الحديث «5»، إلى غير ذلك من الأخبار.

خلافا لمحتمل التهذيبين في الفهد المعلّم، فيحلّ مقتوله «6».

و اختاره والدي المحقّق العلّامة قدّس سرّه في حواشيه على المسالك، قال:

لا يخفى أنّ الأحاديث التي وردت في حلّية ما قتلته الصقور و البزاة محمولة على التقيّة، كما تدلّ عليه رواية أبان بن تغلب و صحيحة الحلبي. و ليس الكلام في هذا، إنّما الكلام في الأحاديث التي وردت في خصوص الفهد،

______________________________

(1) الكافي 6: 207- 1، التهذيب 9: 32- 130، الاستبصار 4: 72- 266، الوسائل 23: 349 أبواب الصيد ب 9 ح 3، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 6: 208- 11، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 13.

(3) الكافي 6: 208- 8، التهذيب 9: 32- 129، الاستبصار 4: 72- 265، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 12.

(4) تفسير القمي 1: 162.

(5) تفسير العيّاشي 1: 295- 29، الوسائل 23: 355 أبواب الصيد ب 9 ح 21.

(6) التهذيب 9: 28، الاستبصار 4: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 303

كصحيحة ابن أبي نصر «1» و رواية أبي بصير «2»، فإنّهما صريحتان في أنّ الفهد كالكلب، فإن لم يعمل بهما يلزم الطرح و هو غير جيّد، فالصحيح أن يقال: إنّ الفهد كالكلب، و الأحاديث الدالّة على خصوص الكلب لا تدلّ على عدم حلّية ما قتله الفهد، بل تدلّ على أنّ ما قتله الكلب حلال، و هذا لا ينافي حلّية ما قتله الفهد، و إذا سمّي الفهد في اللغة كلبا فلا إشكال في الآية أيضا، و ثبوت الإجماع مع مخالفة

الشيخ و ابن أبي عقيل محلّ كلام.

انتهى كلامه طاب ثراه.

و للعماني فيما يشبه الكلب، قال: يحلّ ما هو مقتول مثل الكلب قدرا و جثّة، كالفهد و النمر و غيرهما «3».

و لبعض المتأخّرين في كلّ جوارح السباع من ذوات الأربع، فأحلّ صيده مع التعليم.

دليل الشيخ و من يتبعه: كون الفهد كلبا لغة، فتشمله الآية و الأخبار، و صحيحة أحمد المتقدّمة في حجّة الأولين من المسألة الثالثة «4»، و رواية أبي بصير المتقدّمة في حجّة الآخرين منها «5».

و صحيحة زكريّا بن آدم: عن الفهد و الكلب يرسلان فيقتل، فقال:

«هما ممّا قال اللّه عزّ شأنه مُكَلِّبِينَ فلا بأس بأكله» «6».

و صحيحة البزنطي: عمّا قتل الكلب و الفهد، قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام:

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 113، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.

(2) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(3) نقله عنه في المسالك 2: 217.

(4) في ص: 292.

(5) في ص: 293.

(6) التهذيب 9: 29- 114، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 304

«الكلب و الفهد سواء قدرا» «1».

و لعلّ هذه الأخيرة حجّة العماني، حيث علّل إباحة مقتول الفهد بمساواته للكلب قدرا.

و حجّة الثالث: أنّ الكلب في اللغة يطلق على كلّ سبع، قال في القاموس: الكلب: كلّ سبع عقور «2». و منه الحديث: إنّه صلّى اللّه عليه و آله دعا على رجل و قال: «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك» فقتله الأسد «3».

أقول: إنّ ما ذكروه من صدق الكلب على الفهد- أو كلّ سبع- فهو مردود، لمنع كون الفهد أو كلّ سبع كلبا لغة، كيف؟! و قال الجوهري:

الكلب معروف، و هو

النابح «4».

و أمّا قول صاحب القاموس فمع أنّه لا يفيد- لمعارضته مع كلام الجوهري، و هو أرجح عند التعارض- معقّب بقوله بعد ذلك: و غلب على هذا: النابح، و ظاهره أنّه منقول لغوي.

و لو سلّم قوله من كونه حقيقة لغة نقول: إنّه معارض بالحقيقة العرفيّة في زمان الشارع قطعا، لكون الكلب فيه حقيقة في النابح خاصّة، لوجود أماراتها فيه، و أمارات المجاز في غيره جدّا، و هو مقدّم على اللغويّة «5».

هذا: مضافا إلى تصريح صحيحة الحذّاء السابقة بأنّ الفهد ليس كلبا، و لا مكلّب إلّا الكلب.

______________________________

(1) التهذيب 9: 29- 115، الوسائل 23: 345 أبواب الصيد ب 6 ح 5.

(2) القاموس المحيط 1: 130.

(3) الخرائج و الجرائح 1: 56- 93، مناقب آل أبي طالب 1: 80، البحار 18:

57- 14.

(4) الصحاح 1: 213.

(5) في النسخ: العرفية. و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 305

و تدلّ عليه صحيحة الحضرمي و روايتا القمّي و العيّاشي المتقدّمة أيضا «1».

و منه يظهر فساد ما ادّعوه من شمول الآية و الأخبار الكلّية للفهد أو كلّ سبع، و لكنّ الإنصاف أنّها بنفسها لا تصير حجّة للأولين أيضا، لأنّ تخصيص الكلب بالذكر لا يدلّ على تخصيصه بالحكم إلّا بمفهوم ضعيف، فبقي الكلام في أخبار الطرفين.

و الحقّ أنّ في كلّ منهما ضعفا من جهة:

أمّا أخبار الحرمة، فمن جهة الدلالة، لأنّها بين ما يحتمل الجملة الخبريّة، و هو عن إفادة الحرمة قاصر، و مفهوم غايته نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ، فيحتمل الكراهة، سوى رواية القمّي المشتملة على النهي، و لكنّه على سبيل العموم المتحمّل للتخصيص.

و أمّا أخبار الجواز، فلمخالفتها للشهرتين العظيمتين- لو لم ندّع الإجماع- الموجبة لشذوذها و عدم حجّيتها بالمرّة.

فاللازم على أصولنا و

قواعدنا رفع اليد عنهما و الرجوع إلى مقتضى الأصول الكلّية، و قد عرفت في المقدّمة أنّه مع التذكية و الحلّية بعد تحقّق ذكر اسم اللّه عليه، إلّا أنّ عموم رواية القمّي- المنجبر ضعفها بالإجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة، الخالي عمّا يصلح للتخصيص، إذ ليس إلّا أخبار الجواز الخارجة عن حيّز الحجّية بمخالفة الشهرة و الشذوذ- [يمنع عن الرجوع إليه ] «2».

هذا في جوارح السباع ذوات الأربع.

______________________________

(1) في ص: 285 و 302.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 306

و أمّا جوارح الطير، فالحرمة في صيودها المقتولة واضحة، لإجماعيّتها، و انتفاء المخالف فيها بالمرّة، و صراحة بعض أخبارها في الحرمة و نفي الحلّية، كصحيحة الحلبي و رواية أبان «1»، و هما لمعارضة أخبار الجواز كافيتان، فتترجّحان عليها، لمخالفتها العامّة «2»، و ورود أخبار الجواز مورد التقيّة، كما هو في بعض أخبار الباب مصرّح به.

المسألة الخامسة: يجزي تعليم الكلب من أيّ معلّم كان

على الأظهر الأشهر- بل عن الخلاف الإجماع عليه «3»- للأصل و الإطلاق.

و منه يظهر عدم اشتراط الإسلام فيه أيضا، لما مرّ، مضافا إلى صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة في المسألة الثانية «4»، و رواية السكوني:

«و كلاب أهل الذمّة و بزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها» «5».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6» و المبسوط «7» و مال إليه في التهذيبين «8»- كما قيل «9»- فمنعا عن أكل صيد كلب علّمه المجوسي.

استنادا إلى ظاهر قوله سبحانه تُعَلِّمُونَهُنَ «10» فإنّ الخطاب إنّما

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 301 و 302.

(2) كما في بداية المجتهد 1: 456، المغني و الشرح الكبير 11: 11.

(3) الخلاف 2: 520.

(4) في ص: 285.

(5) الكافي 6: 209- 3، التهذيب 9: 30- 120، الاستبصار 4: 71- 256، الوسائل 23: 361

أبواب الصيد ب 15 ح 3.

(6) حكاه عنه في المختلف: 676.

(7) المبسوط 6: 262.

(8) التهذيب 9: 30، الاستبصار 4: 70.

(9) في المسالك 2: 220.

(10) المائدة: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 307

هو للمسلمين.

و روايتي ابن سيابة و السكوني المتقدّمتين في المسألة المذكورة «1»، و بهما يقيّد إطلاق الصحيحة.

و يضعّف الأول بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في المعلّم، غايته اختصاص الخطاب بالمسلم، و هو لا ينافي الثبوت في غيره بإطلاق آخر، سيّما مع وروده مورد الغالب، مع أنّه لو سلّم يقتضي حرمة مقتول ما علّمه الكافر مطلقا، و هو خلاف الإجماع، و التخصيص بالمجوسيّ إخراج للأكثر، و هو غير مجوّز.

و الثاني بالضعف، لمخالفة شهرة القدماء، و عدم صراحة الدلالة، لاحتمال الخبريّة، فلا يثبت منه إلّا الكراهة، و هي مسلّمة كما صرّح به جمع من الطائفة «2»، مع أنّ الثانية ظاهرة في غير المعلّم من المجوسي، لقوله: «فيعلّمه»، لامتناع تحصيل الحاصل و تعليم المعلوم.

______________________________

(1) في ص: 286.

(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4: 5، و الكاشاني في المفاتيح 2: 211.

و صاحب الرياض 2: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 308

البحث الثاني في الآلة الجماديّة
اشاره

و هي إمّا مشتملة على نصل- أي زجّ من حديد- أو لا، و على الثاني إمّا محدّدة أو لا، فهذه أقسام ثلاثة نذكرها و ما يتعلّق بها في مسائل:

المسألة الأولى: السيف و الرمح و السهم مطلقا- صغيرا كان أم كبيرا، طويلا أم قصيرا- تحصل التذكية به

بشرائطها، و يحلّ مقتوله كيف ما قتل، و كذلك كلّ آلة مشتملة على نصل- أي حديد محدّد، كالخنجر و السكّين و الألماس و حديدة العصا و غير ذلك- بلا خلاف يعرف في المسألة، إلّا ما حكاه بعضهم «1» عن الديلمي من جعله حكم مقتول ما ذكر حكم مقتول الفهد و الصقر في الاحتياج إلى التذكية.

و لكن ناقش بعض مشايخنا- طاب ثراه- في النسبة و قال: إنّ عبارته المحكيّة كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن مع الكراهة، و لذا أنّ جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة، بل ادّعي الإجماع عليه «2». انتهى.

و في الكفاية: الظاهر أنّه لا خلاف فيه «3». و في شرح الإرشاد للأردبيلي: كأنّه إجماعي «4». و هو كذلك، بل الظاهر كونه إجماعيّا كما هو

______________________________

(1) كالعلامة في المختلف: 675، و الفاضل المقداد في التنقيح 4: 4.

(2) صاحب الرياض 2: 261.

(3) الكفاية: 245.

(4) مجمع الفائدة 11: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 309

ظاهر المسالك «1»، حيث نسبه إلى أصحابنا، لعدم قدح مخالفة من ذكر لو كان مخالفا فيه، فهو الحجّة في المسألة.

مضافا في خصوص الثلاثة المذكورة أولا إلى المستفيضة:

كصحيحة محمّد بن عليّ الحلبي: عن الصيد يضربه الرجل بالسيف، أو يطعنه برمح، أو يرميه بسهم، فيقتله، و قد سمّى حين فعل ذلك، فقال:

«كل لا بأس به» «2».

و موثّقة محمّد: «كل من الصيد ما قتل السيف و السهم و الرمح» «3».

و صحيحة الحلبي: عن الصيد يصيبه السهم معترضا و لم يصبه بحديدة، و

قد سمّى حين يرمي، قال: «يأكله إذا أصابه و هو يراه» «4».

و الأخرى: عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله، و قد كان سمّى حين رمى و لم تصبه الحديدة، فقال: «إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإن أراده فليأكل» «5».

و موثّقة سماعة: عن رجل رمى حمارا أو ظبيا فأصابه، ثمَّ كان في طلبه، فأصابه في الغد و سهمه فيه، فقال: «إن علم أنّه أصابه و إنّ سهمه هو

______________________________

(1) المسالك 2: 218.

(2) الكافي 6: 210- 6، الفقيه 3: 203- 920، التهذيب 9: 33- 133، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 3.

(3) الكافي 6: 209- 1، التهذيب 9: 34- 137، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 2.

(4) الكافي 6: 213- 5، التهذيب 9: 36- 146، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 3، مع اختلاف يسير.

(5) الكافي 6: 212- 4، الفقيه 3: 203- 921، التهذيب 9: 33- 132، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 310

الذي قتله فليأكل منه، و إلّا فلا يأكل منه» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    310     المسألة الأولى: السيف و الرمح و السهم مطلقا - صغيرا كان أم كبيرا، طويلا أم قصيرا - تحصل التذكية به ..... ص : 308

الأخرى: عن الرجل يرمي الصيد و هو على الجبل فيخرقه السهم حتى يخرج من الجانب الآخر، قال: «كله» «2»، و قريبة منها روايته «3».

و مرسلة النضر بن سويد المرفوعة: في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان، فقال: «لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر

لأنّه ميتة» «4».

و رواية غياث بن إبراهيم: في الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين، قال: «فليأكلهما جميعا، فإن ضربه و بان منه عضو لم يؤكل منه ما أبانه و أكل سائره» «5».

و رواية زرارة: «إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل، غاب عنك أو لم يغب» «6».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «فإن رميته و أصابه سهمك و وقع في الماء فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 4، التهذيب 9: 34- 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) الكافي 6: 211- 11، التهذيب 9: 34- 140، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 1.

(3) الكافي 6: 215- 2، التهذيب 9: 38- 158، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 2.

(4) الكافي 6: 255- 6، التهذيب 9: 77- 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.

(5) الكافي 6: 255- 7، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.

(6) الكافي 6: 211- 10، التهذيب 9: 34- 139، مستطرفات السرائر: 18- 5، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.

(7) الفقيه 3: 205- 934، الوسائل 23: 379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 311

و رواية عيسى بن عبد اللّه: أرمي بسهمي فلا أدري سمّيت أم لم أسمّ، فقال: «كل لا بأس» قال: قلت: أرمي فيغيب عنّي فأجد سهمي فيه، فقال:

«كل ما لم يؤكل منه، و إن كان قد أكل منه فلا تأكل منه» «1»، إلى غير ذلك ممّا يأتي في طيّ المسائل.

و في الثلاثة و غيرها ممّا ذكر: إلى

عموم صحيحتي سليمان و حريز المتقدّمتين في المقدّمة «2».

و صحيحة محمّد بن قيس: «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه، ثمَّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إن شاء» «3».

و مرسلة الفقيه، و هي أيضا قريبة من سابقتها «4».

و موثّقة محمّد الحلبي: عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم فيقطّعونه، فقال: «كله» «5».

و مرسلته الأخرى: «إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس» «6».

و في ثالثة: «إن كانت تلك مرماته فلا بأس» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 5، الفقيه 3: 203- 919، التهذيب 9: 33- 134، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 25 ح 1.

(2) في ص: 277.

(3) الكافي 6: 210- 2، التهذيب 9: 34- 138، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(4) الفقيه 3: 204- 930، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(5) الكافي 6: 211- 9، الفقيه 3: 204- 931، الوسائل 23: 364 أبواب الصيد ب 17 ح 3.

(6) الفقيه 3: 203- 924، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 7.

(7) الفقيه 3: 203- 925، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 312

و رواية عبّاد بن صهيب الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: عن رجل سمّى و رمى صيدا فأخطأ و أصاب آخر، فقال: «يأكل منه» «1».

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاقات أكثر تلك الأخبار حلّ المقتول بالآلة المذكورة مطلقا، سواء جرحته و خرقته أم لا، بل قتلته معترضة، أي أصابته عرضا، و ظاهر المسالك و الكفاية «2» كونه إجماعيّا، و تدلّ عليه نصّا صحيحتا

الحلبي المتقدّمتان.

المسألة الثانية: كلّ آلة محدّدة غير مشتملة على حديد يحلّ مقتولها

إن قتلت بخرقها للصيد و دخولها فيه و لو قدرا يسيرا فمات به، و لو قتلت معترضة من دون خرق لم يحلّ، فالفرق بينها و بين الآلة المشتملة على الحديد المحدّد: أنّه إنّ ما فيه الحديد يحلّ مقتوله مطلقا خرقا كان أم عرضا، و ذلك يحلّ مقتوله الخرقي دون العرضي.

و أسند الحكمان في الآلة الغير الحديديّة إلى الأصحاب جميعا «3».

و استدلّ لهما بصحيحة الحذّاء: «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل، و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل» «4».

و مرسلة الفقيه: أنّه «إن خرق أكل، و إن لم يخرق لم يؤكل» «5».

و في النبويّ في المعراض: «إن قتل بحدّه فكله، و إن قتل بثقله

______________________________

(1) الكافي 6: 215- 1، التهذيب 9: 38- 160، الوسائل 23: 380 أبواب الصيد ب 27 ح 1.

(2) المسالك 2: 218، الكفاية: 245.

(3) كما في الرياض 2: 261.

(4) الكافي 6: 212- 3، التهذيب 9: 35- 143، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد ب 22 ح 1.

(5) الفقيه 3: 204- 926، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 313

فلا تأكل» «1».

و المعراض كمحراب: سهم بلا ريش و نصل، دقيق الطرفين، غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حدّه.

أقول: أمّا الحكم الأول: فلا ريب فيه في المعراض إذا لم يكن غيره و كان ذلك مرماته، لما ذكر، و لعموم صحيحتي محمّد الحلبي و حريز، و ما تأخّر عنهما من الأخبار المذكورة.

و صحيحة الحلبي: سئل عمّا صرع المعراض من الصيد، فقال: «إن لم يكن له نبل غير المعراض و ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليه فليأكل ما قتل، و إن كان له نبل غيره فلا» «2».

و الأخرى، و

فيها: عن صيد المعراض، فقال: «إن لم يكن له نبل غيره و كان قد سمّى حين رمى فليأكل منه، و إن كان له نبل غيره فلا» «3».

و أمّا إذا وجد غيره و إن حصل الخدش في الحكم- للصحيحين الأخيرين المعارضين لما مرّ بالعموم من وجه- إلّا أنّ تعارضهما موجب للرجوع إلى أصالة الحلّية بعد ذكر اسم اللّه عليه، مع أنّه يمكن أن يقال بعدم حجّية الصحيحين، للشذوذ و مخالفة الشهرة، فتأمّل.

هذا في المعراض.

و أمّا التعدّي إلى غيره من الآلات المحدّدة الغير الحديديّة فإمّا

______________________________

(1) كما في صحيح البخاري 7: 111، و سنن أبي داود 3: 110- 2854، و الدارمي 2: 91، بتفاوت في الجميع.

(2) الكافي 6: 212- 2، الفقيه 3: 203- 923، التهذيب 9: 35- 145، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 4.

(3) الكافي 6: 213- 5، التهذيب 9: 36- 146، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 314

بالإجماع المركّب أو القياس بالمعراض، و إثبات الأول مشكل، و الثاني باطل، إلّا أنّ الحكم للأصل موافق، و الخلاف فيه غير معروف، بل نفاه بعضهم «1».

و يمكن أن يستدلّ له أيضا بعموم صحيحتي سليمان و حريز و ما تأخّر عنهما من الأخبار المذكورة، و لكن في الحكم بالشمول للمورد إشكالا، فإنّ بعضها مسوقة لبيان حكم آخر، و إطلاق مثله و إن كان معتبرا في الجملة إلّا أنّه لا يخلو بعد عن نوع كلام عند بعضهم، و بعضها مشتملة على لفظ «السلاح» و «المرماة»، و صدقهما على جميع أفراد المورد غير معلوم، إلّا أنّ موافقة أصل الحلّية بعد التسمية كافية.

و أمّا الحكم الثاني: فهو مع مخالفته للأصل المذكور مخالف

أيضا للعمومات المذكورة، و الصحيحة و المرسلة عن الدالّ على النهي الصريح خاليتان، و مع ذلك يعارضهما إطلاق الصحيحين الأخيرين في خصوص المعراض عند عدم وجود غيره، فالحكم به أيضا مشكل، سيّما في صورة عدم الغير، و سلوك جادّة الاحتياط طريق النجاة، و اللّه العالم.

المسألة الثالثة: المعروف منهم حرمة مقتول كلّ آلة جماديّة غير ذي حديدة و لا محدّدة تقتل بثقله،

كالحجر و العمود و المقمعة [1]، و هو في الحجر منصوص عليه في صحاح عديدة، كصحيحة الحلبي: عمّا قتل الحجر و البندق أ يؤكل؟ قال: «لا» [2]، و كذا صحاح حريز «2»،

______________________________

[1] المقمعة: هي خشبة يضرب بها الإنسان ليذلّ و يهان- المصباح المنير: 516.

و في مجمع البحرين 4: 383: هي شي ء من حديد كالمحجن يضرب به.

[2] الكافي 6: 213- 1، التهذيب 9: 37- 152، الوسائل 23: 374 أبواب الصيد ب 23 ح 3. و البندق: الذي يرمى به عن الجلاهق، الواحدة: بندقة، و هي: طينة مدوّرة مجفّفة- مجمع البحرين 5: 141.

______________________________

(1) كصاحب الرياض 2: 262.

(2) الكافي 6: 213- 4، الفقيه 3: 204- 928، التهذيب 9: 36- 149، الوسائل 23: 375 أبواب الصيد ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 315

و محمّد «1»، و سليمان بن خالد «2» و ابن سنان «3».

و كذا البندق، فإنّه مرادف مع الحجر في تلك الأخبار.

و لا دليل على غيرهما، و قياسه عليهما باطل، سيّما فيما يكون داخلا في أفراد السلاح.

و في مرسلة الفقيه: في رجل له نبال ليس فيها حديد، و هي عيدان كلّها، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا، فيقتله و يذكر اسم اللّه و إن لم يخرج دم، و هي نبالة معلومة، فيأكل منه إذا ذكر اسم اللّه عليه «4».

و هي دالّة على الحلّية في بعض أفراد المسألة.

و بعض العمومات

المتقدّمة أيضا دالّ عليها في جميعها، فإن ثبت الإجماع البسيط أو المركّب فهو، و إلّا فالأصل يقتضي الحلّية في غير المنصوص عليه.

المسألة الرابعة: ما كان له حدّة و ثقل معا و لم يعلم أنّ القتل بأيّهما،

فمقتضى الأصل الثالث المتقدّم في المقدّمة «5»: حرمته على القول بحرمة المقتول بالثقل مطلقا.

و لو كان القتل بهما معا، فمقتضى الأصل الثاني «6»: حلّيته، و هو أولى

______________________________

(1) الكافي 6: 213- 5، التهذيب 9: 36- 150، الوسائل 23: 375 أبواب الصيد ب 23 ح 6.

(2) الكافي 6: 213- 3، التهذيب 9: 36- 151، الوسائل 23: 373 أبواب الصيد ب 23 ح 1.

(3) الكافي 6: 214- 7، التهذيب 9: 36- 147، الوسائل 23: 374 أبواب الصيد ب 23 ح 5.

(4) الفقيه 3: 204- 927، الوسائل 23: 373 أبواب الصيد ب 22 ح 10.

(5) في ص: 277.

(6) المتقدم في ص: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 316

بالإشكال في الحرمة ممّا مرّ في المسألة السابقة. و أولى منهما به ما إذا كانت الآلة ذا حديدة أو حديديّة، كما يسمى بالفارسيّة: كلنگ، و كالمسحاة، فإنّه ليس مظنّة الإجماع و لا احتماله في مثلهما.

المسألة الخامسة:

قال بعض شرّاح المفاتيح- بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدّمة في البندق و الحجر-: و في معناها أخبار متضمّنة لحرمة ما يقتل منها بالثقل خدش أم لا، ففي الآلة المستحدثة في عصرنا- المسمّاة بالفارسيّة: دورانداز- إشكال، و الحرمة أظهر، لاندراجه تحت البندقة و الحجر. انتهى.

أقول: هي الآلة المعروفة في الفارسيّة بالتفنگ.

و يظهر منه على الحرمة دليلان:

أحدهما: ما تضمّن حرمة ما يقتل بالثقل.

و ثانيهما: اندراجه تحت البندقة و الحجر.

و كلاهما ضعيفان غايته:

أمّا الأول: فبأنّا لم نعثر على خبر واحد- و لو ضعيف- متضمّن لذلك أصلا، فكيف عن الأخبار؟! نعم، ورد في نبويّ عامّي تقدّم ذكره «1»: أنّ المعراض إن قتل بثقله لا يؤكل، و أين ذلك من العموم أو الإطلاق؟! و إن كان نظره إلى أخبار البندق و

الحجر فهي برمّتها خالية عن ذكر الثقل، و احتمال كونه علّة فيهما باطل، لمنعه، و كونه استنباط علّة ممنوع عن ترتّب الحكم عليه في مذهبنا.

______________________________

(1) في ص: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 317

هذا، مع أنّه لو سلّم لا يفيد، إذ هذه الآلة لا تقتل بالثقل أصلا- و لذا لا تقتل لو سقطت على شي ء و لم تنفذ فيه- و إنّما تقتل بالخرق و النفوذ، و هو أنفذ من السهم و أخرق من السيف.

و أمّا الثاني: فبمنع دخولها في البندقة جدّا، فإنّها شي ء غير تلك الآلة معروف في الأزمنة السالفة، و في الحديث- كما نقله صاحب الكفاية «1»-:

إنّها لا تصيد صيدا و لا تنكئ عدوّا، و لكنّها تكسر السنّ و تفقأ العين. و هذه الآلة تصيد الصيد، بل تقتل الفيل و البعير، و تتلف العدوّ الكبير، و كأنّها آلة تسمّى في هذا الزمان بالفارسية: پفك، بالپاء الفارسيّة و الفاء و الكاف.

و استدلّ بعض مشايخنا المعاصرين قدّس سرّه في شرحه على النافع «2» بأصالة الحرمة، الثابتة بالأخبار المتقدّمة في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة المذكورة في المقدّمة «3»، الدالّة على توقف حلّ الصيد و الذبيحة على ثبوت التذكية، التي هي من قبيل الأحكام الشرعيّة المتوقّفة على ثبوت آلة و كيفيّة.

و هو فاسد جدّا، لأنّ الأخبار المتقدّمة إنّما تثبت أصالة عدم التذكية بالمعنى الثالث، أي عدم حصول الأمور المعيّنة التي علم كونها تذكية بعد معرفتها، لا بالمعنى الثاني الذي هو المفيد في ذلك المقام، و هو الذي أشار إليه أخيرا: المتوقّفة على ثبوت آلة و كيفية. و التذكية بذلك المعنى أيضا و إن كان خلاف الأصل إلّا أنّه زال بعد التسمية بقوله سبحانه وَ ما لَكُمْ

أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «4» كما مرّ تحقيقه في المقدّمة.

______________________________

(1) الكفاية: 245. و أنكى و الاسم النكاية- بالكسر-: إذا قتلت و اثخنت- المصباح المنير: 625.

(2) و هو صاحب الرياض 2: 261.

(3) في ص: 277 و 278.

(4) الأنعام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 318

و بذلك ظهر أنّ الأقوى في مقتول هذه الآلة- بعد تحقق سائر الشرائط الآتية- الحلّية، لوجوه:

الأول: الأصل بالمعنى الثاني، الراجع إلى عموم قوله سبحانه مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .

الثاني: العمومات المصرّحة بحلّية ما جرح و قتل بسلاح بعد ذكر اسم اللّه عليه، كصحيحة محمّد بن قيس و مرسلة الفقيه، المتقدّمتين في المسألة الاولى «1». و عدم تعارف هذا النوع من السلاح في زمان الشارع غير ضائر كما يأتي.

الثالث: الأخبار المتضمّنة لحلّية مقتول كلّ ما قرّره الصائد سلاحا و مرماة و آلة لرميه و صنعه لذلك، كمرسلتي الفقيه المتقدّمتين في الاولى «2».

و موثّقة زرارة و إسماعيل: عمّا قتل المعراض، قال: «لا بأس إذا كان هو مرماتك و صنعته لذلك» «3».

و رواية زرارة: فيما قتل المعراض: «لا بأس به إذا كان إنّما يصنع لذلك» «4».

الرابع: عمومات حلّية ما رماه شخص أو رميته، كصحيحتي سليمان و حريز المتقدّمتين في المقدّمة «5».

و موثّقة سماعة المتقدّمة في الأصل الثاني «6» من المقدّمة أيضا، حيث

______________________________

(1) في ص: 311.

(2) في ص: 311.

(3) الكافي 6: 212- 1، التهذيب 9: 35- 144، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 5.

(4) الفقيه 3: 203- 922، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 6.

(5) في ص: 277.

(6) في النسخ: الثالث، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 319

قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده،

و أمّا الميتة فلا» «1».

و موثّقة محمّد الحلبي و رواية عبّاد بن صهيب المتقدّمتين في المسألة الاولى «2».

و تخصيص الرمي بالرمي بالسهم- مع عمومه- لا وجه له، مع أنّه كان يرمى بغيره أيضا.

و لبعض ما ذكرنا استقرب صاحب الكفاية الحلّية بعد تردّده أولا، قال: و في مثل الآلة الموسومة بالتفنگ المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردّد، و لو قيل بالحلّ لم يكن بعيدا، لعموم أدلّة الحلّ، و دخوله تحت عموم قول أبي جعفر عليه السّلام: «من قتل صيدا بسلاح» الحديث «3». انتهى «4».

قال بعض مشايخنا المعاصرين قدّس سرّه بعد نقل كلام الكفاية: و المناقشة فيها واضحة، لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة قبيل المسألة، بل أكثر نصوص هذا الكتاب الدالّة على توقّف حلّ الصيد و الذبيحة على التذكية، و هي من قبيل الأحكام الشرعيّة تتوقّف على الثبوت آلة و كيفيّة، مع معارضته بعمومات تحريم الميتة «5»، الصادقة في اللغة على الميّت حتف أنفه و المذبوح بكلّ آلة، خرج منها الآلة المعتبرة و بقي ما عداها.

و دعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكّى بكلّ آلة مردودة بأنّ

______________________________

(1) راجع ص: 276.

(2) في ص: 311 و 312.

(3) الكافي 6: 210- 2، الفقيه 3: 204- 930، التهذيب 9: 34- 138، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(4) كفاية الأحكام: 245.

(5) الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 320

التذكية حكم من الأحكام الشرعيّة المستحدثة، فلا يتصوّر توقّف صدق اللفظ فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة، و منع عموم السلاح، فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغة، و إنّما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد

متبادرة، و لا ريب أنّ المتبادر منه الغالب إنّما هو ما عدا التفنگ «1». انتهى.

و فيه نظر، أمّا أولا: فلأنّ قوله: لضعف العموم بتخصيصه، إلى آخره، يصحّ لو كان المراد بعموم الحلّ عمومات حلّية الأشياء مطلقا كما هو الظاهر، أمّا إذا أردنا منه عمومات حلّية ما ذكر اسم اللّه عليه أو ما رمي و سمّي به- كما مرّ في المقدّمة- لا يخصّصها الأصل الذي ذكره، كما مرّ وجهه.

و أمّا ثانيا: فلأنّ قوله: توقّف حلّ الصيد و الذبيحة على التذكية، مسلّم، و لكن نقول: إنّ هذا العمل أيضا تذكية.

قوله: هي من قبيل الأحكام، إلى آخره.

قلنا: نعم، و لكنّها تثبت بقوله سبحانه مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .

فإن قال: نعم، و لكن ثبت التوقّف على بعض أمور أخر.

قلنا: إن أريد الأمور المبهمة المجملة فغير مسلّم، و إن أريد أمور مخصوصة فنسلّم منها ما ثبت، و ندفع الزائد بالأصل.

و أمّا ثالثا: فلأنّ قوله: مع معارضته بعمومات حرمة الميتة، مردود بمنع صدق الميتة على مفروض المسألة، لجواز اختصاصها بما يخرج روحه حتف أنفه أو غيره ممّا لا يصدق على المفروض.

و لو سلّم صدق الموت على مطلق خروج الروح لا يلزمه صدق

______________________________

(1) الرياض 2: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 321

الميتة أيضا على مطلق ما خرج روحه، لاقتضاء الهيئة الاشتقاقيّة معنى، فلعلّه ما يقيّد المطلق، كما بيّنّاه مفصّلا في العوائد «1» و غيره، و يثبته عطف ما أهلّ لغير اللّه في آيتين من كتاب اللّه سبحانه على الميتة، و كذا المنخنقة و سائر أخواتها «2».

و أمّا رابعا: فلأنّ قوله: و دعوى عدم صدق الميتة، إلى آخره، فيه: أنّ عدم توقّف صدق لفظ الميتة على عدم التذكية لا يثبت صدقه على

كلّ ما خرج روحه، لاحتمال توقّف صدقه على حتف الأنف، أو عدم مدخليّة إنسان في فنائه، أو غير ذلك، مع أنّه يمكن أن يكون الميتة مقابل المذكّى، و التذكية أمر ثابت في كلّ شريعة من لدن آدم، كما نصّ عليه في بعض أسفار التوراة فيما يخبر عن خطابه سبحانه مع نوح النبيّ صلّى اللّه على نبيّنا و عليه.

و تقدّم سبق لغة الميتة على كلّ الشرائع ممنوع، و لو سلّم ذلك بحسب اللغة فنقول: إنّه يظهر للمتتبّع في أخبار الأطهار و كلمات الأبرار أنّ الميتة صارت حقيقة شرعيّة فيما يقابل المذكى، فندّعي الاختصاص شرعا أو عرفا عامّا.

و أمّا خامسا: فلأن ما ذكره- من عدم عموم السلاح لغة، لأنّه نكرة مثبتة- مردود بأنّه واقع موقع الشرط، و مثله يفيد العموم لغة، كما في قولك:

إذا جاءك رجل فأكرمه، و: من جاءني برجل أكرمه. مع أنّ هذا القول لا يجري في قوله: إذا كان ذلك سلاحه أو مرماته، و اللّه سبحانه هو العالم.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 211.

(2) الاولى في البقرة: 173، النّحل: 115، الثانية في المائدة: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 322

الفصل الثاني في المصيد

اشاره

أي الحيوان الذي يحلّ بالصيد الانتفاع منه أكلا أو غير أكل، كجلود السباع.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الصيد المحلّل لا يتحقّق إلّا فيما يقبل الذكاة

من الحيوانات، أمّا ما لا يقبلها- كالمسوخات و الحشرات و نجس العين- فلا يتحقّق فيه الصيد بذلك المعنى، و الوجه واضح.

المسألة الثانية: كلّ حيوان وحشيّ بالأصل، غير مستأنس بالعارض، غير مقدور عليه غالبا، يحلّ منه بالصيد ما يحلّ منه بالذبح

، بلا خلاف كما في الكفاية و شرح الإرشاد «1»، بل هو موضع وفاق بين المسلمين.

و هو بإطلاقه يشمل مأكول اللحم و غيره، و التقييد بالمحلّل في بعض العبارات «2» كأنّه أريد به المحلّل بالصيد ما يحلّل به من أكل أو انتفاع آخر.

و أخبار الباب و إن كان معظمها- بل غير نادر منها- مختصّة بالمأكول، لتضمّنه الأكل، إلّا أنّه يمكن أن يستدلّ لغير المأكول أيضا باستصحاب طهارة الجلد.

و بخصوص موثّقة سماعة: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 244، انظر مجمع الفائدة 11: 5، 40.

(2) كما في المسالك 2: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 323

رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «1».

و عموم مرسلتي الفقيه المتقدّمتين في المسألة الاولى من البحث الثاني «2». و موثّقة زرارة و إسماعيل و رواية زرارة المتقدّمتين في الخامسة منه «3». و لكنّها مخصوصة بالآلات الجماديّة، فليس في الكلب إلّا أحد الإجماعين لو ثبت و الاستصحاب.

و يمكن أن يستدلّ له برواية زرارة: «إذا أرسل الرجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي، و كذلك إذا رمى بالسهم و نسي أن يسمّي» «4»، فتأمّل.

المسألة الثالثة: كلّ حيوان مقدور عليه غالبا- كأطفال الحيوانات الوحشيّة الغير القادرة على العدو، و الفراخ الغير القادرة على الطيران- لا يحلّ بالصيد

ما لم يذكّى بالذبح و إن كان وحشيّا بالأصل، بلا خلاف فيه يعرف، بل بالإجماع، و هو الدليل عليه.

مع رواية الأفلح: «و لو أنّ رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير و الفراخ جميعا فإنّه يأكل الطير و لا يأكل الفراخ، و ذلك أنّ الفرخ ليس بصيد ما لم يطر، و إنّما يؤخذ باليد، و إنّما يكون صيدا إذا طار» «5».

و يظهر من التعليل حكم الكلب أيضا، بل و حكم صغار الحيوانات الغير الطير.

______________________________

(1) التهذيب

9: 79- 339، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49 ح 2.

(2) في ص: 311.

(3) في ص: 318.

(4) الكافي 6: 206- 18، الفقيه 3: 202- 915، التهذيب 9: 25- 102، الوسائل 23: 357 أبواب الصيد ب 12 ح 2.

(5) التهذيب 9: 20- 82، الوسائل 23: 383 أبواب الصيد ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 324

و ظهر ممّا ذكر أنّه لا تحلّ بدون التذكية الذبيحة الوحشيّة الغير القادرة على العدو، لانكسار رجليها أو عمى عينيها أو دخولها في حصار لا يمكن لها الفرار، أو طير لا يقدر على الطير لانكسار جناحيه أو دخوله بيتا يمكن أخذه بسهولة، و نحو ذلك.

المسألة الرابعة: كلّ حيوان مستأنس لا يحلّ بالصيد ما لم يذبح،

سواء كان استئناسه أصليّا- كالبعير و البقر و الشاة و الهرّة و نحوها- أو عارضيّا- كالظبي المستأنس و الطير كذلك- للإجماع، و عدم صدق الصيد، و العمومات المتضمّنة لوجوب التذكية فيما أدركت ذكاته، كرواية عبد اللّه بن سليمان: «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب و أدركته فذكّه» «1».

المسألة الخامسة: كلّ وحشيّ بالعارض- كالشاة العاصية أو المتوحّشة، و البعير العاصي أو المتوحّش، و نحوهما- يحلّ بما يحلّ به الوحشيّ

الأصلي من الاصطياد بالآلة الجماديّة أو الحيوانية، و كذا الصائل من البهائم الإنسيّة، و المتردّي منها في بئر و نحوه إذا تعذّر ذبحه و نحره.

بلا خلاف يعرف بيننا كما في الكفاية «2»، بل مطلقا كما في غيرها «3»، بل هو موضع وفاق منّا و من أكثر العامّة كما في المسالك «4»، بل بالإجماع في المتوحّش و العاصي كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «5».

و تدلّ عليه- في المتوحّش و العاصي و الصائل- رواية أبي بصير: «إذا

______________________________

(1) الكافي 6: 232- 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.

(2) الكفاية: 246.

(3) كما في المفاتيح 2: 194.

(4) المسالك 2: 221.

(5) مجمع الفائدة 11: 5، 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 325

امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك، فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمّي فكل، إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «1».

و صحيحة العيص: «إنّ ثورا ثار بالكوفة فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه، فأتوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسألوه، فقال: ذكاة و حيّة و لحمه حلال» «2»، و قريبة منها صحيحة محمّد الحلبي «3»، و موثّقة البقباق و البصري «4».

و صحيحة الحلبي: في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها و قد سمّى حين ضرب، فقال: «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح

في مذبحها» يعني: إذا تعمّد لذلك و لم يكن حاله حال اضطرار، و أمّا إذا اضطرّ إليها و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك «5».

و الظاهر من الاضطرار فيها عدم التمكّن من الذبح، لا الاضطرار إلى الأكل.

______________________________

(1) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(2) الكافي 6: 231- 2، الفقيه 3: 208- 957، التهذيب 9: 54- 224، الوسائل 24: 19 أبواب الذبائح ب 10 ح 2. و المراد بالوحيّة: السريعة- مجمع البحرين 1:

432.

(3) الكافي 6: 231- 3، التهذيب 9: 54- 225، الوسائل 24: 19 أبواب الذبائح ب 10 ح 1.

(4) الكافي 6: 231- 4، الفقيه 3: 208- 956، التهذيب 9: 54- 226، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 3.

(5) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 53- 221، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 326

و المرويّ في قرب الإسناد: «إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها، فإن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش» [1].

و النبويّ المشهور: «كلّ إنسيّة توحّشت فذكّها ذكاة الوحشيّة» «1».

و آخر: يا رسول اللّه، إنّ لي كلابا مكلّبة فأفتني في صيدها، قال:

«كل ما أمسكن عليك» قلت: ذكي و غير ذكي، قال: «ذكي و غير ذكي» «2».

و في المتردّي رواية إسماعيل الجعفي: بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال: «تدخل الحربة فتطعنه بها و تسمّي و تأكل» «3».

و موثّقة زرارة: عن بعير تردّى في بئر فذبح من قبل ذنبه، قال:

«لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه» «4».

و المرويّ في قرب الإسناد: «أيّما إنسيّة تردّت في بئر فلم يقدر على منحرها

فلينحرها من حيث يقدر عليها و يسمّي اللّه عليها» «5».

و أكثر الأخبار المذكورة و إن اختصت من الآلات بالجماديّة، و من الحيوانات بالبعير و الثور و الشاة، إلّا أنّ رواية قرب الإسناد الاولى و النبويّين تشمل جميع الحيوانات و تمام الآلات، بل أحد النبويين مصرّح بالكلب.

و ضعفها- بعد ما عرفت من الاشتهار و حكايات الإجماع و نفي

______________________________

[1] قرب الإسناد: 145- 524، الوسائل 24: 22 أبواب الذبائح ب 10 ح 9.

و عرقبت الدابة: قطعت عرقوبها، و هو: عبارة عن الوتر خلف الكعبين بين مفصل الساق و القدم- مجمع البحرين 2: 120.

______________________________

(1) كنز العمّال 6: 261- 15600.

(2) سنن أبي داود 3: 110- 2857، مسند أحمد 2: 184.

(3) الكافي 6: 231- 5، التهذيب 9: 54- 222، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

(4) الفقيه 3: 208- 958، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 6.

(5) قرب الإسناد: 106- 360، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 327

الخلاف- لا يضرّ.

نعم، هي مخصوصة بغير المتردّي.

و أمّا المتردّي، فتعميم الحيوان فيه لعلّه بالإجماع المركّب، مع أنّ في صحيحة الحلبي ذكر الشاة أيضا، بل يمكن إثبات التعميم فيه بالنسبة إلى الحيوان برواية قرب الإسناد الثانية، فإنّ المراد بالنحر هو معناه اللغوي، كما يدلّ عليه قوله: فلينحرها من حيث شاء.

و بالنسبة إليه و إلى الآلة: بروايته الاولى و بالنبويّ الأخير، إلّا أنّ ضعفهما في تعميم الآلة غير معلوم الانجبار، إذ لم يعلم من كلام الأصحاب تعميمهم في ذلك بالكلاب أيضا، فإنّ إرسال الكلب إلى المتردّي غير متعارف، بل غير ميسّر غالبا، فالحكم به مشكل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 328

الفصل الثالث في الصائد و يشترط فيه أمور:

منها:

أن يكون مسلما، سواء كان مرسلا للكلب أو صائدا بالآلة الجماديّة، فلا يحلّ صيد الكافر مطلقا، سواء كان حربيّا أو ذميّا، إجماعا في الأول، و على الحقّ المشهور في الثاني، بل فيه أيضا الإجماع عن الانتصار «1».

لتعليل حرمة ذبيحة الكفّار في أخبار كثيرة، كروايتي قتيبة «2»، و رواية الحسين بن المنذر «3» الآتية في الذبيحة بأنّه لا يؤمن على الاسم إلّا مسلم.

و لصحيحة محمّد: عن نصارى العرب أتوكل ذبيحتهم؟ فقال: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام ينهى عن ذبائحهم و صيدهم و مناكحتهم» «4».

و صحيحة الحلبي: عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: «كان عليّ عليه السّلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم و صيدهم» «5».

______________________________

(1) الانتصار: 188.

(2) الاولى: الكافي 6: 241- 17، الوسائل 24: 50 أبواب الذبائح ب 26 ح 6، الثانية: الكافي 6: 240- 12، التهذيب 9: 63- 267، الاستبصار 4: 81- 300، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 8.

(3) التهذيب 9: 63- 268، الاستبصار 4: 81- 301، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 7.

(4) الكافي 6: 239- 4، التهذيب 9: 65- 278، الاستبصار 4: 83- 311، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 6.

(5) التهذيب 9: 64- 271، الاستبصار 4: 81- 304، الوسائل 24: 58 أبواب الذبائح ب 27 ح 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 329

و اختصاصهما بنصارى العرب غير ضائر، للإجماع المركّب، و مفهوم رواية عيسى بن عبد اللّه: عن صيد المجوسي، قال: «لا بأس إذا أعطوكه حيّا و السمك أيضا، و إلّا فلا تجز شهادتهم إلّا أن تشهده» «1».

و أمّا الأخبار الواردة في أكل ذبائحهم «2» فلا تضرّ هنا، لأنّ الذبيحة غير الصيد، مع أنّها

فيها أيضا غير مفيدة كما يأتي.

و منها: العقل، فلا يحلّ صيد المجنون، للإجماع، و عدم الائتمان على الاسم.

و منها: التمييز، فلا يحلّ صيد الصبي الغير المميّز، للدليلين المذكورين.

و منها: أن لا يكون غاليا، للإجماع، و عدم كونه مسلما فلا يؤتمن بالاسم.

و منها: أن لا يكون ناصبيّا، للإجماع، و العموم الناشئ عن ترك الاستفصال في رواية أبي بصير: عن الرجل يشتري اللحم من السوق و عنده من يذبح و يبيع من إخوانه فيتعمّد الشراء من النصّاب، فقال: «أيّ شي ء تسألني أن أقول؟! ما يأكل إلّا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير»، قلت:

سبحان اللّه، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير؟! فقال: «نعم و أعظم عند اللّه» «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 217- 8، التهذيب 9: 10- 33، الاستبصار 4: 64- 229، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 34 ح 1.

(2) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.

(3) التهذيب 9: 71- 303، الاستبصار 4: 87- 334، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 330

و لا يشترط فيه البلوغ و لا الذكورة و لا الإيمان، بلا خلاف في الأولين، بل بالإجماع و هو الحجّة فيهما، مضافا إلى الأصل الذي ذكرنا مرارا، و إلى عمومات الحلّ بالصيد بالحيوان و بالآلة الشاملة لصيدهما، و إلى ما سيأتي من حلّ ذبيحتهما الموجب لحلّ صيدهما بالطريق الأولى، فتأمّل.

و على الأظهر الأشهر في الثالث، للثلاثة الأخيرة.

خلافا لظاهر من يحرّم ذبيحة المخالف، لما دلّ عليه، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 331

الفصل الرابع في سائر شرائط الصيد و هي أمور:

منها: أن يكون الصيد باستعمال الصائد للآلة
اشاره

، كالإرسال في الكلب، و كالرمي في السهم، و الطعن في الرمح، و الضرب بالسيف، و الرمي في

التفنگ، و نحو ذلك ممّا يصدر من الصائد بقصد.

فلو لم يستعمله هو- بأن يسترسل الكلب بنفسه، أو يخرج التفنگ من قبل نفسه، أو أخرج السيف و نحوه من غير اختيار و قصد- لم يفد الحلّ بلا خلاف يعرف، و في الكفاية في الأول: إنّه المعروف بينهم «1».

و عن الخلاف فيه الإجماع «2».

لا لأصالة الحرمة- كما قيل «3»- لما ذكرنا من الأصل الثاني المقتضي لأصالة الحلّية بعد التسمية، كما ذكره المحقّق الأردبيلي أيضا «4».

بل لمفهوم الشرط في النبويّ: «إذا أرسلت كلبك المعلّم فكل» «5».

و ضعفه بالعمل منجبر. و كون الشرط مورد الغالب لا يضرّ في حجّية المفهوم، خصوصا مثل تلك الغلبة التي لا توهن في تبادر المفهوم.

و لرواية القاسم بن سليمان: عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه،

______________________________

(1) الكفاية: 245.

(2) الخلاف 2: 519.

(3) في الرياض 2: 263.

(4) مجمع الفائدة 11: 27.

(5) صحيح البخاري 7: 111، صحيح مسلم 3: 1529- 1929.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 332

فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله، أ يأكله؟ قال: «لا» «1».

و احتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية لا إلى الاسترسال يمنعه ترك الاستفصال، و إن قلت بتلازم عدم التسمية و الاسترسال فهو بنفسه يكون دليلا على المطلوب.

و تقوية الاحتمال المذكور- بقول الراوي في ذيل الرواية: و قال عليه السّلام:

«إذا صاد و قد سمّى فليأكل و إن صاد و لم يسمّ فلا»- ضعيفة جدّا، لأنّ المراد من الذيل بيان ما يعتبر مع الإرسال، و لا أقلّ ذلك من الاحتمال، و هو كاف في بقاء العموم الناشئ من ترك الاستفصال.

و لمرسلة أبي بصير: «لا يجزي أن يسمّي إلّا الذي أرسل الكلب» «2».

و في رواية زرارة: «لا يسمّي إلّا صاحبه

الذي أرسله» «3».

وجه الدلالة: أنّه لو لم يرسله فلا تكون تسميته مجزية بدلالة الروايتين، إذ لا يكون مرسل حتى تكون التسمية ممّن أرسله، و إذا لم تكن تسمية لم يحلّ أصلا و إجماعا و كتابا و سنّة.

و لرواية السكوني المتقدّمة في كلب المجوسي: «لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله» «4»، وجه الدلالة واضح.

و لمفهوم قوله في رواية سليمان بن خالد المتقدّمة: «إن كان يعلم أنّ

______________________________

(1) الكافي 6: 205- 16، الفقيه 3: 202- 914، التهذيب 9: 25- 100، الوسائل 23: 356 أبواب الصيد ب 11 ح 1.

(2) التهذيب 9: 26- 104، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 9: 26- 103، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.

(4) الكافي 6: 209- 3، التهذيب 9: 30- 120، الاستبصار 4: 71- 256، الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 333

رميته هي التي قتلته فليأكل» «1».

و يدلّ عليه أيضا نهيه سبحانه في الكتاب و السنّة عن أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه، و التصريح باشتراط ذكر اسم اللّه عليه، فإنّ في تحقّق ذكر اسم اللّه على الصيد- الذي ليس في يد الذاكر بل قد يبعد عنه كثيرا- خفاء و إجمالا، و لا يعلم متى يتحقّق ذكر اسم اللّه عليه، و لازمه الأخذ بالمتيقّن، و هو إذا صادف الإرسال و الاستعمال، و أمّا بدونه فلا يعلم تحقّق ذكر اسم اللّه عليه.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ المسألة واضحة المأخذ بحمد اللّه سبحانه، فمناقشة جمع من المتأخرين- كالأردبيلي «2» و صاحب الكفاية «3» و شارح المفاتيح- في بعض أدلّتها غير ضائرة.

فرعان:
أ: لو استرسل الكلب بنفسه فزجره صاحبه، فإن لم ينزجر فلا يحلّ صيده

، لعدم صدق

الإرسال قطعا. و إن انزجر و وقف ثمَّ أغراه صاحبه حلّ، لصدق الإرسال.

ب: لو استرسل بنفسه ثمَّ أغراه صاحبه، فإن لم يزد في عدوه فلا يتحقّق الإرسال قطعا

، إذ لم يظهر أثر لإغرائه.

و احتمال كونه إرسالا- لجواز كون ذهابه بعد الإغراء بإذن المالك- ضعيف، لتوقّف الحلّ على العلم بذلك، مع أنّه خلاف الأصل.

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 7، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.

(2) مجمع الفائدة 11: 28.

(3) الكفاية: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 334

و إن زاد في عدوه، فقال الأردبيلي: فيه وجهان: من حيث إنّ زيادة العدو و سرعته بمنزلة الإرسال، فيكفي. و من حيث إنّ هذا العدو مركّب من إرسال و استرسال و ليس هو إرسالا، فلا يكون محلّلا، كالقتل بالكلب المعلّم و غير المعلّم «1».

و التحقيق: أنّ زيادة العدو بالإغراء لا يسمّى في العرف إرسالا، و لا أقلّ من عدم معلوميّة ذلك، مع أنّه شرط في الحلّية.

و منها: أن يقصد بإرساله الكلب أو رميه السهم الصيد المحلّل

بلا خلاف فيه، فلو أرسل كلبه لينظر عدوه، أو رمى السهم إلى هدف، أو أرسل و رمى للامتحان أو اللعب أو المشق، فاتّفق أنّه أصاب صيدا و قتله، أو أرسل الأول و رمى الثاني إلى غير محلّل- كخنزير أو مسوخ- فصاد الأول أو أصاب الثاني ظبيا اتّفاقا، لم يحلّ، لما أشير إليه سابقا من دلالة الكتاب و السنّة المتواترة على اشتراط حلّية الحيوانات على ذكر اسم اللّه عليه، و لا يعلم ذكر اسم اللّه عليه، إلّا إذا قصده بخصوصه حين الإرسال و الرمي، فلا يحلّ إلّا معه.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ما استظهره المحقّق الأردبيلي «2» من الحكم بالحلّ في هذه الصور، للعمومات، و خلوّ الأدلّة عن قصد الصيد، و تخصيص الحرمة بما هو الغالب في هذه الصور من ترك التسمية و جعل البحث مع فرضها.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا عدم الحلّية مع عدم قصد الصيد المعيّن مطلقا

و إن قصد جنسه أو صيدا آخر محلّلا أو أحد هذه الظباء، إلّا أنّ هذه الصور خارجة بالإجماع، و برواية عبّاد بن صهيب المتقدّمة في المسألة الاولى من

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 28- 29.

(2) مجمع الفائدة 11: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 335

البحث الثاني من الفصل الأول «1».

و لو سمّى بعد مشاهدته ميل الكلب أو السهم إلى المحلّل لم يفد، لعدم معلوميّة كون ذلك ذكر اسم اللّه عليه، فيقتصر على موضع الإجماع.

نعم، لو أرسله إلى غير محلّل، فزجره عنه و أوقفه، ثمَّ أغراه إلى المحلّل و سمّى، حلّ.

لا يقال: لا يتمّ ذلك لو نسي التسمية، حيث إنّه لا يشترط حينئذ.

قلنا: يثبت الحكم حينئذ بالإجماع المركّب، مضافا إلى أنّ الثابت من معذوريّة ناسي التسمية إنّما هي إذا قصد المعيّن بالإرسال أو الرمي و نسي التسمية لا مطلقا، لعدم شمول مطلقات معذوريّة الناسي لمثل ذلك و لو لأجل ندرته، فتأمّل.

و منها: أن يسمّي عند إرسال الآلة أو استعمالها
اشاره

مطلقا- حيوانا كانت أو جمادا- بلا خلاف فيه عندنا بل بالإجماع، له، و للأصل، و الآيات العديدة من الكتاب «2»، و المتواترة من الأخبار، كالصحاح الأربع لمحمّد بن قيس و سليمان بن خالد و الحلبي «3»، و الموثّقات الثلاث للبصري و سماعة و زرارة «4»، و حسنة محمّد بن قيس و مرسلة الفقيه «5»، و الروايات الثلاث لأبي بصير و عبد اللّه بن سليمان المتقدّمة «6» جميعا و غيرها.

فلو ترك التسمية لم يحلّ الصيد، لأصالة عدم التذكية بدونها، كما مرّ

______________________________

(1) في ص: 312.

(2) المائدة: 4، الأنعام: 119.

(3) المتقدّمة في ص: 311 و 285 و 309.

(4) المتقدّمة في ص: 294 و 276 و 326.

(5) المتقدمتين في ص: 285 و 315.

(6) في ص: 293 و 285 و 284.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 336

في الأصل الثاني من المقدّمات «1»، و لتقييد الحلّية منطوقا أو مفهوما بالتسمية، بل في مفهوم موثّقة زرارة إثبات البأس في الأكل بدون التسمية، و في إحدى صحيحتي الحلبي: «من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» «2».

ثمَّ إنّه لا خلاف نصّا و فتوى في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال، أي ما يسمّى مقارنا له عرفا، مقدّما عليه أو مؤخّرا بما لا ينافي المقارنة العرفيّة، كما تدلّ عليه الصحاح الستّ المتقدّمة «3»- ثلاث منها لسليمان و الحذّاء و محمّد بن علي الحلبي، و ثلاث للحلبي-:

ففي الأولى: «فيسمّي حين يرسله».

و في الثانية: «و يسمي إذا سرحه».

و في الثالثة: «و قد سمّى حين فعل ذلك».

و في الرابعة: «و قد سمّى حين يرمي».

و في الخامسة: «و قد كان سمّى حين رمى».

و في السادسة: «و قد سمّى حين ضرب».

و هل يجزي إذا سمّى بعد الإرسال ما بينه و بين عضّ الكلب أو إصابة السهم؟

فيه خلاف، فالشهيدان «4» بل أكثر الأصحاب- كما في شرح المفاتيح- إلى الإجزاء، للعمومات، و أولويّته بالإجزاء من حال الإرسال لقربه من وقت التذكية.

و [مذهب ] «5» جماعة- و نسبه بعض مشايخنا «6» إلى ظاهر كثير- منّا

______________________________

(1) في ص: 275.

(2) التهذيب 9: 27- 109، الوسائل 23: 358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.

(3) في ص: 285 و 291 و 309 و 325.

(4) الشهيد الأوّل في الدروس 2: 394، و الشهيد الثاني في الروضة 7: 199.

(5) في النسخ: ذهب، و الصحيح ما أثبتناه.

(6) كما في الرياض 2: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 337

عدمه، و هو الأقوى، لأصالة عدم وقوع ذكر اسم اللّه على الصيد حتى يعلم وقوعه عليه، فإنّ في

معناه خفاء كما مرّ، فيقتصر على القدر الثابت، و لمفهوم قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة من الفصل الأول من البحث الأول: «إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد ان تسمّي فكل» «1».

و عمومات التسمية إنّما كانت مفيدة لو لم تكن مقيّدة بكونها واقعة على الصيد، الموجب لإبهام معناه، المستلزم للاقتصار على القدر المعلوم.

و الأولويّة المدّعاة ممنوعة، لعدم معلوميّة العلّة.

فروع:
أ: ما ذكرنا من اشتراط التسمية و الحرمة بدونها إنّما هو إذا كان متذكّرا لوجوبها و تركها عمدا

، أمّا لو اعتقد وجوبها و نسيها و لم يتذكّر قبل إصابة الآلة إلى الصيد فيحلّ الصيد بلا خلاف كما في شرح الإرشاد و المفاتيح «2» و شرحه و غيرها «3»، لموثّقة البصري المتقدّمة في المسألة الثالثة من الفصل الأول «4»، و رواية زرارة المتقدّمة في الثانية من الثاني «5»، المعتضدتين بما ذكر و بثبوت الحكم في الذبيحة- كما يأتي- فهاهنا أولى، و بهما تقيّد إطلاقات النهي عمّا لم يسمّ عليه في الكتاب و السنّة.

ب: لو نسيها حال الإرسال و تذكّر قبل الإصابة

، فعلى القول باتّساع

______________________________

(1) مرّت في ص: 293.

(2) مجمع الفائدة 11: 19، المفاتيح 2: 210.

(3) كالرياض 2: 264.

(4) في ص: 294.

(5) في ص: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 338

الوقت ما بين الإرسال و الإصابة تجب التسمية، و الوجه واضح، لبقاء وقت الوجوب. و لو تركها حينئذ فيكون كمتعمّد الترك عند الإرسال.

و كذا على المختار، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني، حيث حصر محلّ الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكّر عند الإرسال. و أمّا الذاهل عنها حينه المتفطّن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه محلّ الخلاف، بل كما قيل: قطع به في المسالك و الروضة «1»، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه حينئذ. و جعله في الكفاية قولا واحدا «2».

و يدلّ عليه ما أشرنا إليه من إبهام معنى ذكر اسم اللّه على الصيد، و كون التخصيص بحال الإرسال للأخذ بالمتيقّن، و هو يحصل حينئذ بالتسمية في الأثناء، فإذا تركها حينئذ لا يعلم أنّه ناسي التسمية المطلوبة، فيبقى على أصالة الحرمة.

ج: هل النسيان- الذي يعذر تارك التسمية معه- هو الذي كان مع اعتقاد الوجوب، أو لا؟

صرّح المحقّق في النافع و الشيخ- طاب ثراه- في النهاية «3» و الحلّي و القاضي «4» بالأول، حيث قيّدوا النسيان بذلك القيد.

و ظاهر الأكثر: الثاني، حيث لم يقيّدوه به. و ظاهر التنقيح التردّد «5».

دليل الثاني: إطلاق النسيان.

و حجّة الأول: تبادر معتقد الوجوب منه، و هو قريب، فإنّه لا يقال

______________________________

(1) المسالك 2: 219، الروضة 7: 198.

(2) الكفاية: 245.

(3) النافع: 248، النهاية: 581.

(4) الحلّي في السرائر 3: 93، القاضي في المهذّب 2: 438.

(5) التنقيح 4: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 339

لتارك شي ء لا يعتقد وجوبه مع عدم تذكّره و عدم التفاته إليه: إنّه تركه نسيانا، فإنّ المتبادر منه أن يكون الترك لأجل النسيان

فقط.

د: لو تركها جهلا، ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان

، أوجههما الأول، لأصالة الحرمة قبل ذكر اسم اللّه عليه الخالية عن الدافع، و لصدق عدم التسمية الذي صرّحت الأخبار منطوقا و مفهوما بعدم الحلّية معه، و عدم صدق النسيان الذي قام مقامها بالدليل.

و وجه الثاني: إلحاقه بالناسي، و هو قياس فاسد. و مثل قوله: الناس في سعة ممّا لم يعلموا «1». و ضعفه ظاهر.

ه: يشترط أن تكون التسمية من المرسل،

فلو أرسل واحد كلبه و لم يسمّ و سمّى غيره لم يحلّ الصيد بدون التذكية، لعدم معلوميّة كون ذلك ذكر اسم اللّه عليه، فيندرج تحت أصالة الحرمة، و للأخبار:

كصحيحة محمّد الحلبي: «من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» «2»، فإنّ إطلاقها يشمل ما لو سمّى غيره أيضا.

و مرسلة أبي بصير: «لا يجزي أن يسمّي إلّا الذي أرسل الكلب» «3».

و رواية محمّد: عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد، فيكون الكلب لرجل منهم، و يرسل صاحب الكلب كلبه و يسمّي غيره، أ يجزي عن ذلك؟ قال: «لا يسمّي إلّا صاحبه الذي أرسله» «4».

و منها: أن يستقلّ السبب المحلّل في إزهاق الروح.

______________________________

(1) الكافي 6: 297- 2، الوسائل 24: 90 أبواب الذبائح ب 38 ح 2.

(2) التهذيب 9: 27- 109، الاستبصار 4: 69- 250، الوسائل 23: 358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.

(3) التهذيب 9: 26- 104، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13: ح 2.

(4) التهذيب 9: 26- 103، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 340

و يتفرّع عليه: أنّه لو أرسل المسلم و الكافر آلتيهما و قتل الصيد بهما- بحيث علم أنّ لكل واحد دخلا في قتله- حرم، سواء اتّفقت آلتيهما- كالكلبين- أو اختلفت، كالكلب و السهم.

و أنّه لو أرسل كلبان- معلّم و غير معلّم- و قتلاه معا، أو قتله كلبان- مرسل و غير مرسل- لم يحلّ.

و أنّه لو رمى صيدا، فوقع في الماء، أو تردّى من جبل و قتل بهما معا، لم يحلّ أيضا.

و أنّه لو رمي سهمان، أو أرسل كلبان سمّي على أحدهما و لم يسمّ على الآخر، أو قصد الجنس المحلّل بأحدهما دون الآخر و قتل بهما معا، حرم أيضا.

و الدليل على

اشتراط ذلك- بعد ظاهر الوفاق- أنّ الثابت من أدلّة الشروط اشتراط الحلّية بوقوع القتل من السبب الجامع للشرائط، و هو في مفروض المسألة أحد السببين المختلفين و لم يحصل منه القتل، و ما حصل منه هو مجموع الأمرين، و هو غير جامع لها. و لو تنزّلنا لقلنا: لا نعلم كون الأمرين جامعا لها، فلا يعلم حصول الشرائط المعتبرة، فلا يحكم بحصول المشروط.

و تدلّ على المطلوب أيضا مرسلة الفقيه: «إذا أرسلت كلبك على صيد و شاركه كلب آخر فلا تأكل منه إلّا أن تدرك ذكاته» «1»، و نحوها الرضوي بعينه «2».

و استدلّ على المطلوب أيضا بالأخبار الكثيرة، الآتية بعضها في

______________________________

(1) الفقيه 3: 205- 934، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 5 ح 3.

(2) فقه الرضا «ع»: 297، مستدرك الوسائل 16: 107 أبواب الصيد ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 341

الشرط الآتي، و المتقدّم بعضها فيما سبق، المتضمّنة للنهي عن أكل ما وجد كلب غير معلّم مع المعلّم أو كلب غريب مع المعلّمات، أو أكل ما غاب و لم يعلم أنّ سلاحه أو سهمه هو الذي قتله أو رميته هي التي قتلته، أو أكل ما وقع في ماء أو تدهده من جبل.

و فيه: أنّه يحتمل أن يكون النهي عن الأكل في المذكورات لاحتمال استقلال غير الآلة المحلّلة في القتل و استناده إلى ما ليس بمحلّل، و هو غير مفروض المسألة. إلّا أن يقال بثبوت المطلوب من عموم تلك الأخبار أو إطلاقاتها، فإنّها شاملة لما إذا لم يعلم استقلال شي ء منهما و علم مدخليّتهما، أو شكّ في استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة، أو إليهما معا، و حينئذ فيتمّ التقريب.

ثمَّ إنّه فرّع بعضهم «1»

على تلك المسألة ما إذا أثبت الصيد بآلة غير محلّلة، أي جعلته غير قادر على الامتناع و العدو، و صار مثل الأهلي، و صار أخذه سهلا، ثمَّ قتلته الآلة المحلّلة، فاجتمع فيه سببان: محلّل و محرّم.

و فرّع ذلك بعض آخر على اشتراط الحلّية بالصيد كونه وحشيّا غير مقدور عليه بالسهولة كما مرّ.

و ليس شي ء من التفريعين بجيّد.

أمّا الأول: فلأنّ السبب الأول ليس سببا لإزهاق الروح، و لا مدخليّة له فيه أصلا، و ليس هو إلّا مثل إعطاء الكافر سهمه أو كلبه للمسلم، أو تنفير أحد صيدا من مكان يصعب الاصطياد فيه إلى مكان يسهل فيه، أو كثرة عدو الصيد بحيث يعجز عن الفرار عن الكلب أو خوفه منه، مع أنّه

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 342

لا يعدّ شي ء منها من باب اجتماع السببين.

و أمّا الثاني: فلأنّ تعجيز أحد الآلتين للصيد لا يخرجه عن صدق الصيد عليه عرفا إذا كان ذلك مقارنا لأثر الآخر أو قريبا منه، و المنع عن المقدور عليه إنّما كان للخروج عن صدق الصيد، كما مرّ.

هذا، مع أنّه روي في قرب الإسناد عن عليّ، عن أخيه عليه السّلام: عن ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل، ثمَّ رماه بعد ما صرعه آخر، قال: «كله ما لم يتغيّب إذا سمّى و رماه» «1».

و منها: أن يعلم استناد موت الصيد إلى السبب المحلّل

، فلا يحلّ ما شكّ فيه و احتمل استناده إلى غيره أو إليهما معا، بلا خلاف فيه كما صرّح به غير واحد.

و يتفرّع على ذلك: أنّه لو أرسل كلبان أو كلاب أو سهمان أو سهام أو كلب و سهم، سمّي على أحدهما دون الآخر، و لم يعلم استقلال المسمّى عليه في الموت، لم يحلّ،

و كذا لو أرسل كلب و باز كذلك.

و أنّه لو غاب الصيد بعد عضّ الكلب أو إصابة السهم ثمَّ وجد مقتولا لم يحلّ، إلّا إذا علم استناد الموت إلى آلته المحلّلة.

و أنّه لو رماه بسهم، فتردّى من جبل أو حائط أو وقع في ماء و مات، لم يحلّ إذا احتمل استناد الموت إلى كلّ منهما أو كليهما.

و الدليل عليه: أصالة عدم التذكية، الثابتة بما مرّ في الأصل الثالث من الأصول المذكورة في المقدّمة.

مضافة إلى صحيحتي سليمان و حريز و موثّقة سماعة، المتقدّمة جميعا

______________________________

(1) قرب الإسناد 278- 1105، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 343

في المقدّمة «1»، و رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة الثانية من البحث الأول من الفصل الأول، المعلّلة بقوله: «لأنّك لا تدري أخذه معلّم لا «لا» «2»، و صحيحة محمّد بن قيس و مرسلتي الفقيه و روايتي زرارة و عيسى ابن عبد اللّه، المتقدّمة جميعا في المسألة الاولى من البحث الثاني من الفصل الأول «3»، و مرسلة الفقيه المتقدّمة في الشرط السابق «4».

و إلى صحيحة الحذّاء في من يسرح كلبه المعلّم، و فيها: «و إن وجد معه كلبا غير معلّم فلا يأكل منه» «5».

و صحيحة محمّد بن قيس: في صيد وجد فيه سهم و هو ميّت لا يدري من قتله، قال: «لا تطعمه» «6».

و رواية زرارة: «إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل، غاب عنك أو لم يغب» «7».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يرمي الصيد و هو على الجبل- إلى أن قال-:

«فإن وقع في ماء أو تدهده من الجبل فمات فلا تأكله»

«8».

______________________________

(1) في ص: 277 و 278.

(2) تقدّمت في ص: 285.

(3) في ص: 310 و 311.

(4) في ص: 340.

(5) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 342 أبواب الصيد ب 5 ح 1.

(6) الكافي 6: 211- 8، الفقيه 3: 204- 929، التهذيب 9: 35- 141، الوسائل 23: 368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.

(7) الكافي 6: 211- 10، التهذيب 9: 34- 139، مستطرفات السرائر: 18- 5، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.

(8) الكافي 6: 211- 11، التهذيب 9: 34- 140، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 344

و روايته، و فيها: «فإن وقع في الماء من رميتك و مات فلا تأكل منه» «1».

ثمَّ بعض تلك الروايات و إن كانت مطلقة في النهي عن أكل الصيد بعد موته غائبا- كما حكي عن الشيخ في النهاية «2»- أو موته في الماء أو بعد السقوط عن مثل الجبل- كما حكي عنه أيضا «3»- إلّا أنّ بعد حمل المطلقات على المقيّدات يظهر أنّه إذا لم يعلم استناد الموت إلى السبب المحلّل، و لو علم ذلك حلّ، و يؤكّده أيضا ما دلّ على أكل الصيد الواقع في الماء إذا كان رأسه خارجا عنه، كمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4»، و صحيحة زرارة: «إن ذبحت ذبيحة، فأجدت الذبح، فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل، إذا كنت قد أجدت الذبح فكل» «5».

و جعل من أسباب حصول العلم بالاستناد إلى الآلة المحلّلة:

صيرورتها باعث عدم استقرار حياة الصيد بعد إصابة الآلة ثمَّ وقوعه في الماء أو سقوطه عن الجبل.

و فيه نظر،

لإمكان تعجيل خروج الروح بالوقوع أو السقوط و إن كان لا يعيش لو لا ذلك أيضا.

______________________________

(1) الكافي 6: 215- 1، التهذيب 9: 38- 158، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 2.

(2) النهاية: 581.

(3) النهاية: 581.

(4) في ص: 310.

(5) التهذيب 9: 58- 241، تفسير العياشي 1: 291- 16، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 345

و ممّا ذكرنا يظهر ما في كلام جماعة- منهم: صاحب الكفاية «1» و المقدّس الأردبيلي «2»- من تقييد حرمة الغائب أو المتردّي أو الواقع في الماء بما إذا كانت حياته مستقرّة، و الحكم بالحلّ إذا لم يكن كذلك، مع حكمهم بأنّ المناط: العلم بالاستناد إلى الآلة المحلّلة و عدمه، فإنّه قد يحصل العلم مع الحياة المستقرّة، و قد لا يحصل مع عدمها.

و ممّا تدلّ على ما ذكرنا أيضا حسنة حمران في الذبيحة، و فيها: «فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» «3»، إذ ظاهر أنّ مع الذبح لا تبقى حياة مستقرّة، فالصواب ترك ذلك القيد الذي ليس في الأخبار أيضا عنه ذكر.

و هل يقوم الظنّ الغالب في المقام مقام العلم، أم لا؟

الحقّ: هو الثاني، للأصل، و التقييد في كثير من الأخبار- كصحيحتي سليمان و محمّد بن قيس و موثّقة سماعة و رواية أبي بصير و مرسلة الفقيه- بالعلم أو الدراية.

و حكي عن بعض الاكتفاء بالظنّ «4»، و لعلّه لقوله في رواية زرارة:

«و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك»، و للاكتفاء بخروج الرأس عن الماء أو إجادة الذبح، و التفصيل بين الأكل منه و عدمه بعد الغيبوبة في

رواية عيسى ابن عبد اللّه السابقة «5»، فإنّ شيئا منها لا يفيد غير الظنّ.

و هو حسن، و يؤيّده عدم حصول غير الظنّ الغالب غالبا، لجواز

______________________________

(1) الكفاية: 245.

(2) مجمع الفائدة 11: 22.

(3) الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.

(4) كما في كشف اللثام 2: 72، و الكفاية: 245، و المفاتيح 2: 213.

(5) في ص: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 346

استناد الموت إلى خوف حصل له عند وصول الآلة، أو سبب آخر من الأمراض يخرج به روحه، فتكون هذه الوجوه قرينة لإرادة الظنّ الغالب من العلم.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المعتبر هو العلم العادي أو ما يقوم مقامه شرعا، و منه أصالة عدم حدوث أمر آخر صالح لإزهاق الروح، أو عدم تأثير الأمر الحادث في الإزهاق.

و لازمه الحلّية إذا صلحت الآلة المحلّلة الحادثة للإزهاق، كإجادة الذبح أو شقّ البطن و خروج الحشو و فتق القلب، و لم يعلم حدوث ما يصلح له، أو تأثير الحادث فيه، كالوقوع في الماء مع خروج الرأس.

و الحرمة إذا صلح الأمران الحادثان للتأثير، كما إذا دخل الرأس في الماء أو قطع بعضه و أكله، و الظاهر تلازم الأمرين غالبا، أي العمل بالظنّ و الأصل في المسألة، و الأحوط عدم التعدّي عن العلم أو ما يقوم مقامه.

و منها: عدم إدراك الصائد المتمكّن من التذكية و الذبح مع اتّساع الوقت لها للصيد حيّا
اشاره

، فإن أدركه كذلك لم يحلّ الصيد بدون التذكية الذبحيّة.

أمّا اشتراط التذكية- مع إدراكه حيّا و لو بحياة غير مستقرّة و إمكان التذكية و اتّساع الزمان لها- فلا يعرف فيه خلاف مع استقرار الحياة.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة محمّد و غير واحد: «إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه، و إن أدركته و قد قتله و أكل منه

فكل» «1».

و في صحيحة الحذّاء: «فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه» «2».

______________________________

(1) الكافي 6: 202- 2، التهذيب 9: 22- 89، الاستبصار 4: 67- 241، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 2.

(2) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 347

و في رواية أبي بصير: «و إن أدركت صيده و كان في يدك حيّا فذكّه، فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل» «1».

و في الأخرى في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح: «فكل، إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «2».

و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب و أدركته فذكّه» «3».

و الرضوي: «إذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسمّ اللّه، فإن أدركته حيّا فاذبحه أنت، و إن أدركته و قتله كلبك فكل منه» «4».

و بهذه الأخبار يخصّ عموم الكتاب و السنّة، مع أنّ أكثرها معلّق للحلّ على القتل.

لا يقال: الأمر بالتذكية لا يدلّ إلّا على وجوبها أو رجحانها، لا على اشتراطها في الحلّية الثابتة لمقتول الكلب- مثلا- بالعمومات.

قلنا: تثبت الحرمة بدونها بالإجماع المركّب، بل تثبت بالمفهوم في بعض الأخبار المذكورة أيضا.

و أمّا عدم اشتراطها مع عدم إمكان التذكية- لعدم وسعة الوقت، أو لعدم حضور الآلة، أو امتناع الصيد ببقيّة قوّته حتى مات، أو نحو ذلك- فعلى الحقّ الموافق لجماعة، منهم: الصدوق و الإسكافي «5» و الشيخ في النهاية «6»

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(2) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح

5.

(3) الكافي 6: 232- 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.

(4) فقه الرضا «ع»: 296، مستدرك الوسائل 16: 111 أبواب الصيد ب 11 ح 2.

(5) الصدوق في المقنع: 138، حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 2: 215.

(6) النهاية: 581.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 348

و المختلف و الكفاية و المفاتيح «1» و جمع أخر من القدماء «2» و المتأخّرين «3».

و تدلّ عليه إطلاقات الكتاب و السنّة الخالية عن المقيّد سوى ما مرّ من أوامر التذكية، و هي غير مفيدة، لتقييد الأمر الشرعي المثبت للشرطي هنا بالإمكان قطعا.

مع أنّه على فرض الدلالة مطلقة يجب تقييدها بصحيحة جميل: عن الرجل يرسل الكلب إلى الصيد فيأخذه و ليس معه سكّين يذكّيه بها، أ يدعه حتى يقتله و يأكل منه؟ قال: «لا بأس» الحديث «4».

و روايته: أرسل الكلب و اسمّي عليه فيصيد و ما بيدي شي ء أذكّيه، فقال: «دعه حتى يقتله و كله» «5».

و مرسلة الفقيه: «إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته و لم يكن معك حديدة تذبحه بها فدع الكلب يقتله ثمَّ كل منه» «6» و نحوها في الرضوي «7».

و المخالف في الأول فرقتان:

إحداهما: من استشكل في اعتبار التذكية مع إدراك الحياة مطلقا، و هو صاحب الكفاية، حيث قال: و إن بقيت فيه حياة مستقرّة فظاهرهم وجوب المبادرة بالمعتاد إلى تذكيته، و في إثباته إشكال «8». انتهى.

______________________________

(1) المختلف: 676، الكفاية: 246، المفاتيح 2: 214.

(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 356.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 222، و صاحب الرياض 2: 267.

(4) الكافي 6: 204- 8، التهذيب 9: 23- 93، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 2.

(5) الكافي 6: 206- 17، التهذيب 9:

25- 101، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 8 ح 2.

(6) الفقيه 3: 205- 934، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 8 ح 3.

(7) فقه الرضا «ع»: 296، مستدرك الوسائل 16: 108 أبواب الصيد ب 8 ح 1.

(8) كفاية الأحكام: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 349

و لعلّه مبنيّ على قاعدته من الاستشكال في دلالة الأوامر الشرعيّة على الوجوب. و لا وجه له.

إلّا أن يقال: الوجوب الشرعي- الذي هو حقيقة الأوامر- منفيّ هنا، فيحمل على المجاز، و إذ لا يتعيّن فيحتمل مجرّد الرجحان.

و لكن يرد عليه: أنّ المدلول عليه بالقرائن الحاليّة في أمثال المقام كون التجوّز هو الوجوب الشرطي، و هو مراد الأصحاب أيضا من وجوب التذكية هنا، مع أنّ في انتفاء الوجوب الشرعي هنا أيضا نظرا، لكون ترك التذكية إتلافا للمال المحترم و تضييعا له، و هو الإسراف المحرّم بالكتاب و السنّة، فيكون فعل ضدّه واجبا، و قد صرّح بذلك المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه في المسألة «1».

و ثانيتهما: من قال بعدم اعتبارها مع الحياة الغير المستقرّة، و تخصيص وجوبها بالحياة المستقرّة المعتبرة في بعض كلماتهم بما يمكن البقاء يوما أو يومين «2»، بل في بعضها: الأيّام «3»، و في بعض آخر: يوما أو بعض يوم. و هو المحكيّ عن المبسوط «4»، بل عن المشهور بين المتأخّرين كما في شرح المفاتيح و غيره «5»، بل مطلقا كما في المفاتيح «6»، و هو المصرّح به في كلام الفاضلين «7».

و استدلّ له بأنّ ما لا تستقرّ حياته قد صار بمنزلة المقتول، و هو

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 49.

(2) التحرير 2: 156، الإيضاح 4: 120.

(3) كما في كشف اللثام 2: 75.

(4) المبسوط 6: 260.

(5) كالرياض 2: 268.

(6) المفاتيح

2: 214.

(7) المحقق في الشرائع 3: 207، و العلّامة في المختلف: 676، و التحرير 2: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 350

اجتهاد فاسد في مقابلة النّص.

و قد يتوهّم أنّ القتل- الذي علّقت عليه الحلّية- يتحقّق عرفا مع انتفاء استقرار الحياة، فيقال لمن ضرب شخصا ضربا يقطع بموته بعد لحظة أو لحظتين: إنّه قتله.

و فيه- مع أنّ ذلك تجوّز يراد به أنّه أشرفه على القتل، و يراد أنّه يتحقّق قطعا-: أنّ ذلك لو سلّم فليس في عدم استقرار الحياة بالمعنى المتقدّم، فإنّه يقال لمن قطع بموته غدا أو بعد غد: إنّه لم يقتله بعد.

نعم، لو توهّم فإنّما هو إذا أريد منه أحد المعاني الأخر الذي ذكروه كما قيل: إنّ غير مستقر الحياة ما لم يتّسع الزمان للتذكية مع حضور الآلة، أو ما كانت حركته حركة المذبوح، أو ما لم تطرف عينه و لم تركض رجله و لم يتحرك ذنبه، ذكر هذه المعاني المحقّق الأردبيلي «1». أو ما قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شقّ بطنه، ذكره بعض آخر «2». و مع ذلك أيضا لا يفيد، لتعليق الحكم في روايتي أبي بصير المتقدّمتين بالموت و عدم الموت، و عدم صدق الموت مع بقاء مطلق الحياة ظاهر.

و لو لا هاتان الروايتان لكنّا نفسّر الحياة المستقرّة بما هو ظاهر معناها، أي الحياة التي لم تشرع بعد في الخروج و لها استقرار في البدن، و غير المستقرّة بما تزلزل عن مستقرّه و شرع في النقصان و الانتفاء و الخروج و إن بقي منه شي ء بعد.

و هذا المعنى هو الراجع إلى أحد المعاني الأربعة الأخيرة، و نحكم باشتراط وجوب التذكية بالحياة المستقرّة، لصدق القتل عرفا بل لغة مع

______________________________

(1) مجمع الفائدة

11: 50- 51.

(2) انظر المسالك 2: 222، و الرياض 2: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 351

جعل الحيوان بهذه المثابة، و لا دليل على توقّف صدق القتل لغة على خروج تمام الروح، مع عدم صحّة السلب عمّا خرج شي ء من روحه و يتدرّج في الخروج إلى أن يتمّ، و لبقاء هذه الحياة الغير المستقرّة للذبائح بعد التذكية و لا يحتاج إلى تذكية أخرى.

و لذا قالوا بعدم إبانة الرأس بعد التذكية و قبل خروج الروح، فيعلم منه أنّه تحصل التذكية بما يجعل الحياة غير مستقرّة بهذا المعنى، فتكون حاصلة في الصيد أيضا.

و لا تضرّ أخبار طرف العين أو ركض الرّجل أو حركة الذنب في ذلك أصلا، لأنّ أكثرها- كما يأتي- واردة في خصوص الذبيحة، و نادر منها يحتملها و يحتمل الإطلاق أيضا، و المراد منها بيان وقت إدراك ذكاة ما لم يذكّ بعد و يراد تذكيته، لا ما وردت عليه تذكية صيديّة أو ذبحيّة.

و بالجملة: واردة فيما لم يكن مسبوقا بتذكية، أو ما يحتمل كونه تذكية.

و منه يظهر حال رواية ليث المرادي الواردة في صيد الصقور و البزاة:

«كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته، [و آخر] الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرّجل تركض و الذنب يتحرّك» «1» فإنّه هذه الذكاة أيضا غير مسبوقة بتذكية. فهو كالذبيحة و لا يشترط فيها حياة مستقرة إلّا أنّ الروايتين المذكورتين تصدّنا عن الحكم بذلك الأمر المناسب للاعتبار.

و لعلّ المتأخّرين- لبنائهم في العمل على تنويع الأخبار بأنواعها

______________________________

(1) الكافي 6: 208- 10، التهذيب 9: 33- 131، الاستبصار 4: 73- 267، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4، بدل ما بين المعقوفين في النسخ:

و خير، و ما أثبتناه من

المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 352

المعروفة، و عدم العمل بالضعيف- أطرحوا الخبرين من البين، و حكموا بالفرق بين الحياتين.

و أمّا القدماء، فلعدم معرفتهم في الأخبار بهذه التفرقة لم يذكروا ذلك، و علّقوا الحكم على الحياة و الموت بالإطلاق.

و ترك جماعة- منهم: الشهيدان «1»، و من تبعهما ممن تأخّر عنهما «2»، و ابن حمزة كما حكي عنه في المختلف و التنقيح «3»- اعتبار استقرار الحياة.

و لذا قال الشهيدان- كما حكي عنهما في شرح المفاتيح-: إنّه ليس في كلام قدمائنا حكاية استقرار الحياة.

و حكي عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب «4».

و هو الظاهر- كما قيل- «5» من الشيخ و الحلّي أيضا، حيث نسبا مفاد الأخبار- الذي هو الإطلاق- إلى الأصحاب، أو إلى رواياتهم، فتأمّل.

و يحتمل أن يكون هذا الكلام منهم في الذبيحة دون الصيد، كما هو الظاهر، و خلط في المقامين من لم يفهم الفرق بين التذكيتين، فإنّ الظاهر أنّ بناء الأصحاب في غير الصيد عدم الاعتناء بالحياة المستقرّة و الاكتفاء بطرف العين و مثله لبقاء الحياة، و في الصيد اعتبار استقرار الحياة بالمعنى الذي ذكرناه في لزوم التذكية لئلّا ترد تذكية على تذكية، فإنّ بقاء الحياة الغير المستقرّة بعد الذبح كما لا يحتاج بعده إلى تذكية فيلزم أن يكون

______________________________

(1) الشهيد الأول في الدروس 2: 415، الشهيد الثاني في الروضة 7: 227.

(2) كالفيض في المفاتيح 2: 214، و صاحب الرياض 2: 268.

(3) المختلف: 676، التنقيح 4: 7، و هو في الوسيلة: 356.

(4) حكاه عنه في الدروس 2: 415.

(5) في الرياض 2: 268، و هو في المبسوط 6: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 353

كذلك في الصيد.

و لذا اشترطوا في لزوم تذكيته بقاء الحياة المستقرّة، و لم يشترطوه في الذبيحة و مثلها، و منه صيد الصقور و البزاة، و غير الماهر في الفنّ قد يرى في كتب المحقّقين من العلماء اشتراط المستقرّة في الصيد دون غيره، فيحكم بالتنافي بين الموضعين، و لقد كنّا نحكم بالتفصيل أيضا لو لا الروايتان كما ذكرنا.

و أمّا المخالف في الثاني فهو أيضا بين طائفتين:

أولاهما: من يقول باشتراط التذكية في حلّية الصيد مع استقرار حياته و لو لم يتّسع الوقت لها، فلو تركها و الحال ذلك حتى مات حرم، حكي عن الخلاف و السرائر و المختلف «1»، لإطلاقات الأمر بالتذكية مع الحياة.

و أجيب بلزوم تقييد الأمر بها بالقدرة، و مع عدم اتّساع الوقت لا تكون مقدورة «2».

و فيه: أنّ لزوم التقييد بالقدرة إنّما هو في الأمر بمعنى الوجوب الشرعي دون الشرطي، إلّا أن يقال بالشرعيّة هنا بالتقريب الذي تقدّم منّا، فيقيّد بالقدرة، و يبقى حال عدمها تحت عمومات حلّية الصيد.

هذا، مع أنّ قوله-: «فإن عجّل عليك» في ذيل رواية أبي بصير- صريح في الحلّية مع عدم اتساع الوقت، منجبر بحكاية الشهرة في المسالك و الروضة «3» لو قيل بضعف الرواية، فبه تقيّد الأوامر لو كانت شرطيّة مطلقة.

و ثانيتهما: من يقول باشتراطها في الحلّية لو كان عدم إمكانها لعدم حضور الآلة، فلو لم يذكّها لعدم حضور الآلة لم تحلّ، ذهب إليه المحقّق

______________________________

(1) الخلاف 2: 518، السرائر 3: 85، المختلف: 676.

(2) كما في الرياض 2: 267.

(3) المسالك 2: 223، الروضة 7: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 354

في كتابيه «1»، و حكي عن الحلّي و ابن حمزة «2»، بل نسب إلى المشهور «3»، لأصالة الحرمة، و الأخبار المتقدّمة

الدالّة على اعتبار الذبح بعد إدراكه مطلقا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    354     و منها: عدم إدراك الصائد المتمكن من التذكية و الذبح مع اتساع الوقت لها للصيد حيا ..... ص : 346

يردّه ما مرّ من إطلاقات الكتاب و السنّة، و من صحيحة جميل و ما تعقّبها من الروايات المتقدّمة «4».

و أجيب عن الأول: بمنع إطلاق الكتاب و السنّة استنادا إلى أنّه لو كان كذلك لجاز ترك التذكية مع وجود [آلة] «5» الذبح «6».

و هو مردود بأنّه نعم كان كذلك لو لا الإجماع و الأخبار الموجبة للتذكية مع إدراكها.

و القول بأنّ الأخبار المذكورة شاملة لمفروض المسألة أيضا، لأنّ غايتها التقييد بالإمكان و عدم العذر، و فقد الآلة ليس بعذر، كما في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية «7».

مردود بأنّه لم ليس فقد الآلة عذرا؟! مع أنّه لا يمكن الذبح بدونها البتّة، مع أنّه قد يكون فقدها لنسيان أخذها، أو عدم إرادة صيد أولا، أو افتقارها بعد الأخذ، أو انكسارها. و عدم كونه عذرا في غير الممتنع لأنّه لا يقبل العذر أصلا، و لذا لو مات قبل وصول المالك إليه- و لو عجّل في

______________________________

(1) المختصر النافع: 249، و الشرائع 3: 203.

(2) الحلي في السرائر 3: 93، و ابن حمزة في الوسيلة: 356، حكاه عنهما في المختلف: 674.

(3) في الرياض 2: 267.

(4) في ص: 348.

(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(6) انظر الإيضاح 4: 122.

(7) الرياض 2: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 355

الوصول غاية التعجيل- لم يحلّ، و كيف يكون عدم اتساع الزمان عذرا كما ذكره هذا القائل و لا يكون ذلك عذرا؟! و التفرقة بينهما- بصدق الإدراك مع فقد الآلة عرفا

و عدم صدقه مع عدم اتّساع الزمان- فاسدة، لأنّه إن أريد إدراك الذكاة فلم يدركها في شي ء من الحالين، و إن أريد إدراك الحياة فقد أدركها في الحالين، مع أنّه استدلّ للتقييد باتّساع الزمان بعدم المقدورية بدونه- و هو هنا يتحقّق قطعا- لا بعدم صدق الإدراك.

و عن الثاني: بمنع دلالة الروايات المتقدّمة، لأنّها لا تدلّ على الأزيد من أخذ الكلب للصيد، و هو غير صريح في إبطال امتناعه، بل يجوز أن يكون الصيد بعد باقيا على الامتناع و الكلب ممسك له، فإذا قتله حينئذ فقد قتل ما هو ممتنع، فيحلّ بالقتل «1».

و فيه: أنّ قوله: و لا يكون معه سكّين، و قوله: فيذكّيه بها، و قوله:

أ يدعه؟ و: «دعه» قرائن موجبة لصراحته في صورة إبطال الامتناع، سيّما أنّ الغالب بطلانه بمجرّد الأخذ، و تتضمن المرسلة لقوله: «فأدركته» الذي هو بعينه عبارة أدلّة الأمر بالتذكية.

و القول بأنّ غاية ما يفيد تلك القرائن الظهور، و هو لا ينافي الحمل على صورة بقاء الامتناع جمعا بين الأدلّة.

فاسد جدّا، إذ هل تكون الأدلّة الشرعيّة إلّا الظواهر؟! و بها تخصّص العمومات و تقيّد الإطلاقات، و لا يقول أحد بارتكاب خلاف الظاهر في الخاص أو المقيّد جمعا بينه و بين العام أو المطلق.

______________________________

(1) الإيضاح 4: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 356

و أفسد منه ما قيل: إنّه على تقدير الصراحة أيضا يقوى القول باعتبار التذكية مع فقد الآلة، لاعتضاده بالشهرة العظيمة، التي هي من المرجّحات الشرعية «1».

فإنّه أين ثبتت الشهرة فضلا عن العظيمة؟! غايتها المحكيّة، و هي ليست بتلك المثابة، مع أنّ المرجّح ليس هذه الشهرة، بل هي الشهرة في الرواية، و هي هنا مفقودة.

و أيضا الاحتياج إلى المرجّح إنّما

هو مع التعارض المحتاج إليه، و بعد تسليم الصراحة تكون الصحيحة و ما بمضمونها خاصّة، فتكون مقدّمة البتّة، سيّما مع عمل فحول القدماء بها.

و لو سلّم التعارض فلا يكون مرجّح، فيرجع إلى أصل الإباحة و التذكية بعد التسمية.

فروع:
أ: المشهور- كما قيل «2»- وجوب المسارعة العرفيّة بالمعتاد إلى الصيد بعد إرسال الآلة أو بعد إصابتها الصيد

شرطا أو شرعا.

و تأمّل فيه جماعة من المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي «3» و صاحب الكفاية «4» و شارح المفاتيح و بعض مشايخنا المعاصرين «5»، مصرّحين بعدم وجدانهم دليلا عليه.

______________________________

(1) الرياض 2: 267.

(2) الرياض 2: 268.

(3) مجمع الفائدة 11: 49.

(4) الكفاية: 246.

(5) صاحب الرياض 2: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 357

إلّا ما ذكره الأول من أنّه لو لا المسارعة لاحتمل إصابة الآلة و مجرّد الجرح بها ثمَّ الموت بعده لا بذلك الجرح فقط فلا يكون مقتولا بالآلة فيحرم. أمّا مع المسارعة فإن أدركه حيّا يذكّيه، و إلّا فيعلم أنّه مقتول الآلة.

و ما ذكره الأخير من أصالة الحرمة، و عدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم تتحقّق إليه المسارعة المعتادة، لأنّ المتبادر منها ما تحقّقت فيه، و إلّا لحلّ الصيد مع عدمها و لو بقي غير ممتنع سنة ثمَّ مات بجرح الآلة، مع أنّ الثابت من استقراء النصوص دوران حلّ الصيد بالاصطياد و حرمته مدار حصول موته حال الامتناع به و عدمه مع القدرة عليه، فيحلّ في الأول دون الثاني إلّا مع تذكيته.

و عن الحلّي الإجماع عليه، حيث قال: و لا يحلّ مقتول الكلب إلّا مع الامتناع إجماعا، فلو أخذته الآلة و صيّرته غير ممتنع توقّف حلّها على التذكية، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة «1».

و يرد على الأول: أنّ الاحتمال المذكور جار مع المسارعة أيضا، و قد يعلم استناد الموت بدون المسارعة مع القرائن، و بالجملة: العلم باستناد الموت إلى

الاصطياد أمر آخر وراء المسارعة.

و على الثاني: منع أصالة الحرمة بعد إرسال الآلة و إجراء التسمية، و عدم تفاوت الإطلاقات بالنسبة إلى ما تحقّقت إليه المسارعة أو لم تتحقّق، و نسلّم حلّية ما مات بالجرح و لو بعد سنة و إن ادّعي الإجماع على خلافه فهو فيه الحجة، و منع دلالة الاستقراء على ما ذكره، و أيّ نصّ أو ظاهر فيه عليه الدلالة؟!

______________________________

(1) حكاه عنه في التنقيح 4: 14، و الرياض 2: 268، و هو في السرائر 3: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 358

و مراد الحلّي بيان ما يحلّ بالصيد- أي الحيوان الممتنع، كما ذكرنا أيضا- لا وقوع الموت و القتل للممتنع حال الامتناع، فإنّه غير محقّق غالبا، إذ بعد الأخذ و الإصابة يضعف الصيد شيئا فشيئا حتى يموت.

و على هذا، فما ذكروه من خلوّ ذلك عن الدليل مطابق للواقع، و الأصل يقتضي العدم، إلّا أنّ بعد مشاهدة الصائد إصابة الآلة إلى الصيد و إيجابه عجزه و ضعفه و إبطال امتناعه يصدق إدراكه حيّا و تجب تذكيته، فتلزم المسارعة إليه، لئلّا يموت الصيد المدرك حياته، و لا يبعد أن يكون مرادهم ذلك أيضا.

ب: قال بعض شرّاح المفاتيح باختصاص أدلّة وجوب التذكية مع إدراك الصيد حيّا بما صيد بالآلة الحيوانيّة

، قال: و وجوب التذكية فيما صيد بالآلة الجماديّة مع إدراكه حيّا و وجوب المسارعة إليه بالمعتاد فمستنده غير واضح.

أقول: تدلّ عليه رواية أبي بصير الثابتة في البعير الممتنع، المتقدّمة في صدر هذا الشرط «1».

إلّا أن يقال: إنّها مخصوصة بما تجب ذكاته أصلا و رخّص في الضرب بالسيف و الرمح لمكان العذر، فإذا ارتفع و حياته باقية يعمل فيه بمقتضى أصله، بخلاف ما لم يكن أصله كذلك، و الإجماع المركّب غير ثابت.

و على هذا، فلا ينبغي الريب في حلّ مقتول

الآلة الجماديّة إذا أدركه مع الحياة الغير المستقرّة بالمعنى الذي ذكرناه من شروع الروح في

______________________________

(1) في ص: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 359

الخروج، للإطلاقات و عدم المقيّد في المقام، و أمّا فيما أدركت حياته المستقرّة فالأحوط التذكية مع الإمكان و اتّساع الزمان و وجود الآلة، كما في المقتول بالآلة الحيوانيّة.

ج: اعلم أنّ ما ذكر إنّما هو إذا لم يقطع بعض أعضاء الحيوان بالآلة،

و أما إذا قطع و أبين منه فهو مسألة أخرى، لتعارض أخبار الأجزاء المبانة من الحيّ مع بعض الإطلاقات، فلها حكم آخر غير حكم هذه المسألة، و ما أصاب من جعل المسألتين من باب واحد، و لذا أشكل عليه المقام و أمّا على ما ذكرنا فلا إشكال كما يأتي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 360

الفصل الخامس في سائر أحكام الصيد و ما يتعلّق به و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا يشترط في حلّ الصيد اصطياده بآلة مباحة،

فلو غصب كلبا أو سهما أو غيرهما من الآلات فاصطاد به صيدا لم يحرم الصيد و إن فعل حراما، للأصل، و الإطلاقات، و عدم دلالة النهي في أمثال المقام من المعاملات على الفساد و إن دلّ عليه في العقود و الإيقاعات.

المسألة الثانية: الحقّ المشهور: أنّ موضع عضّ الكلب من الصيد نجس يجب غسله

، لما ثبت من نجاسة الملاقي للكلب بالرطوبة.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و الخلاف «1»، فقال بطهارة موضع العضّ، لظاهر قوله سبحانه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «2» من غير أمر بالغسل.

و فيه: أنّ الإذن في الأكل لا ينافي توقّفه على أمر آخر إذا ثبت بدليل آخر.

المسألة الثالثة: المشهور كراهة رمي الصيد بآلة أكبر منه

- كقتل العصفور بالسيف و الرمح- لمرفوعة محمّد بن يحيى: «لا يرمي الصيد بشي ء هو أكبر منه» «3».

______________________________

(1) المبسوط 6: 259، الخلاف 2: 517.

(2) المائدة: 4.

(3) الكافي 6: 211- 12، التهذيب 9: 35- 142، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 361

و عن الشيخ في النهاية «1» و ابن حمزة «2»: حرمته، استنادا إلى المرفوعة.

و هو ضعيف، لقصورها حجيّة و دلالة.

و أضعف منه قولهما بتحريم الصيد أيضا بذلك.

المسألة الرابعة: لو تقاطعت الكلاب أو السيوف مع اجتماع الشرائط- التي منها: التسمية على كلّ واحد- حلّ الصيد
اشاره

بشرط عدم إدراك الصائد إيّاه حيّا في متقاطع الكلاب، بلا خلاف- كما قيل «3»- لوجود شرائط الحلّ، و انتفاء المانع، إذ ليس إلّا تعدّد الآلة، و هو لا يصلح للمانعيّة، للأصل المشار إليه مرارا و الإطلاقات.

مضافا إلى مفهوم التعليل الوارد في رواية أبي بصير، المتقدّمة في المسألة الثانية من البحث الأول من الفصل الأول «4»، فإنّه يدلّ على حلّ الصيد بتعدّد الآلة.

و إلى موثّقة محمّد الحلبي المتقدّمة في الاولى من البحث الثاني من الفصل الأول «5».

و لا فرق بين تقاطع الكلاب إيّاه و حياته مستقرّة و عدمه.

نعم، لو تقاطع الصائدون المتعدّدون مقتول الكلب يشترط في حلّه وقوع فعلهم بعد موت الصيد على المختار، و بعد صيرورته في حكم المذبوح و انتفاء استقرار حياته عند من يشترط في وجوب التذكية بقاء

______________________________

(1) النهاية: 580.

(2) في الوسيلة: 357- 358.

(3) في الرياض 2: 265.

(4) في ص: 285.

(5) في ص: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 362

الحياة المستقرّة، وفاقا لجماعة، منهم: السرائر و المسالك «1»، بل هو المشهور بين الأصحاب، و وجهه ظاهر، لمطابقته للقاعدة المقرّرة في المسألة.

و خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية «2»، فسوّى بين تقاطع الكلاب و الصائدين في الحلّية،

لموثّقة محمّد الحلبي المتقدّمة إليها الإشارة، و لصحيحة محمّد بن قيس «3» و مرسلة الفقيه «4» الواردتين في الإبل المصطاد.

و أجيب عنها: بقصورها عن مكافاة أصالة الحرمة و الأدلّة الدالّة على اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة، مع قصورها عن صراحة الدلالة، لتأتّي الاحتمالات العديدة، كعدم صيرورة الصيد بالأول غير ممتنع، و اجتماع الجميع للشرائط، فيكونون فيه شركاء، أو كون التقطيع بعد الموت أو بعد الحياة المستقرّة، أو حمل التقطيع على الذبح.

و يرد عليه: منع أصالة الحرمة في المقام، و منع مكافاتها للأخبار الصحيحة و الموثّقة لو سلّمت، و منع اشتراط التذكية في الحيوانات الممتنعة العاجزة عن الامتناع بالآلات الصيديّة، فإنّها بذلك غير خارجة عن صدق الصيد كما مرّ، و منع قصورها في الدلالة، غايتها أنّها بالعموم أو الإطلاق الذي هو في الألفاظ حجّة.

نعم، تتعارض تلك الأخبار بالعموم من وجه مع أخبار التذكية، و إذ لا مرجّح- سوى الشهرة المحكيّة التي هو للترجيح غير صالحة- فيرجع إلى

______________________________

(1) السرائر 3: 96، المسالك 2: 221.

(2) النهاية: 581.

(3) الكافي 6: 210- 2، التهذيب 9: 34- 138، الوسائل 23: 364 أبواب الصيد ب 17 ح 2.

(4) الفقيه 3: 204- 930، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 363

الأصل، و هو- على ما ذكرنا بعد اجتماع شرائط التذكية- مع الحلّية، فقول النهاية في غاية القوّة و المتانة، و الاحتياط أولى و أحسن.

فرع: لو رمى شخصان صيدا فوجداه ميّتا بالرميين

، فإن كان الجرح عن كلّ واحد مستقلّا في سببيّة الموت لو لا الآخر حلّ الصيد، و كذا إن جعلاه غير ممتنع و أدركا ذكاته، و يحكم بالشركة بينهما نصفين، و يحتمل القرعة.

و إن لم يكن كلّ واحد من الجرحين

مستقلّا في إزالة الحياة، قيل:

لم يحلّ، لاحتمال جعله أحدهما غير ممتنع خارج عن الصيديّة متوقّف حلّه على الذبح ثمَّ قتله الآخر فقتل آلة الصيد غير ممتنع فلا يحلّ، و بمجرّد الاحتمال تنفى الحلّية «1».

و فيه أولا: أنّ الأصل عدم انتفاء الامتناع قبل وصول الآلة الثانية.

و ثانيا: ما عرفت من عدم الخروج عن الصيديّة بمجرّد عدم «2» الامتناع الحاصل من الصيد، مع أنّه لو صحّ ذلك لما حلّ صيد إلّا نادرا، إذ يحتمل في مقتول الكلب الواحد أن يجعله أولا غير ممتنع بجرح أو كسر ثمَّ يقتله، فكان قتل غير الممتنع، و فساده ظاهر.

المسألة الخامسة: قد مرّ في كتاب المطاعم حرمة الأجزاء المبانة من الحيّ،

و سواء في ذلك إذا كانت الإبانة من آلات الصيد الحيوانيّة و الجماديّة أو من غيرهما، للإجماع، و إطلاق كثير من النصوص، و خصوص طائفة منها، و النصوص في ذلك عموما أو خصوصا كثيرة جدّا:

كرواية الكاهلي: عن قطع أليات الغنم- إلى أن قال-: «ما قطع منها

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 57.

(2) في النسخ: ذلك الامتناع، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 364

ميّت لا ينتفع به» «1».

و رواية أبي بصير: في أليات الضأن تقطع و هي أحياء «إنّها ميتة» «2».

و صحيحة الوشّاء: يثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: «حرام هي «3»» «4».

و مرسلة النضر: في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان، فقال: «لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر لأنّه ميّت» «5».

و رواية غياث بن إبراهيم: في الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين، قال: «يأكلهما جميعا، فإن ضربه و بان منه عضو لم يأكل منه ما أبانه و أكل سائره» «6».

و مرسلة الفضل النوفلي: ربّما رميت بالمعراض فأقتل، فقال: «إذا قطعه جدلين فارم

بأصغرهما و كل الأكبر، و إن اعتدلا فكلهما» «7».

و رواية إسحاق بن عمّار: في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه

______________________________

(1) الكافي 6: 254- 1، الفقيه 3: 209- 967، التهذيب 9: 78- 330، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.

(2) الكافي 6: 255- 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.

(3) في النسخ زيادة: ميت.

(4) الكافي 6: 255- 3، التهذيب 9: 77- 329، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 2.

(5) الكافي 6: 255- 6، التهذيب 9: 77- 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.

(6) الكافي 6: 255- 7، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.

(7) الكافي 6: 255- 5، التهذيب 9: 77- 327، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 365

أ يأكله؟ قال: «نعم يأكل ممّا يلي الرأس ثمَّ يدع الذنب» «1».

و صحيحة محمّد بن قيس: «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت، و كلوا ما أدركتم حياته و ذكرتم اسم اللّه عليه» «2».

و صحيحة البصري: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت، و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه» «3».

و رواية عبد اللّه بن سليمان: «ما أخذت الحبالة فانقطع منه شي ء أو مات فهو ميتة» «4».

و تفصيل الكلام في هذه المسألة: أنّ القاطع للجزء إمّا آلة غير محلّلة- كالحبالة و الشبكة و آلات الصيد الغير الجامعة للشرائط- أو محلّلة، كالكلب و السيف و نحوهما الجامع للشرائط.

و على التقديرين: إمّا يقطع بجزأين ميّتين غير متحرّكين، أو جزأين حيّين بحياة غير مستقرّة، أو أحدهما ميّت و الآخر

حيّ بحياة مستقرّة أو غير مستقرّة، و أمّا الجزءان الحيّان بحياة مستقرّة فهو غير ممكن.

فعلى الأول- أي إذا كانت الآلة غير محلّلة-: فمع القطع بالميّتين يحرم الجزءان، و الوجه واضح.

______________________________

(1) الكافي 6: 255- 4، التهذيب 9: 77- 328، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 2.

(2) الكافي 6: 214- 1، التهذيب 9: 37- 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 1.

(3) الكافي 6: 214- 3، التهذيب 9: 37- 155، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.

(4) الكافي 6: 214- 4، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 366

و كذا بالحيّين بالحياة الغير المستقرّة عند من يعتبر المستقرّة في تذكية الذبيحة.

و كذا عند من لا يعتبرها لو أدرك الصائد و الصيد ميّت، و يحلّ أحد الجزأين عنده بعد التذكية- و هو الجزء القابل لها- و يحرم الآخر، و لا يمكن تذكية الجزأين، لاختصاص أحدهما بمحلّها لا محالة، و أمّا التذكية الصيديّة الممكن ورودها على كلّ عضو فلم يثبت بدليل ورودها على بعض الحيوان المنفصل أصلا.

و كذا لو كان أحدهما خاصّة حيّا بحياة مستقرّة، فيحلّ بعد التذكية إجماعا.

و على الثاني- أي كون الآلة محلّلة-: فمع القطع بالميّتين يحلّ الجزءان بلا خلاف، لإطلاقات القتل بالآلات الصيديّة الخالية عن المعارض، و خصوص مرسلة النضر.

و بالحيّين بالحياة الغير المستقرّة، فإن لم يدركهما الصائد حتى ماتا معا حلّا بلا خلاف، لما مرّ أيضا.

و إن أدركهما حيّين فيحلّان أيضا عند من يعتبر الحياة المستقرّة في وجوب تذكية الصيد المدرك مطلقا، أو في إحدى الآلتين، أي الجماديّة كما اخترناه.

و أمّا من لا يعتبرها و يوجب التذكية فيلزمه توقّف حلّية الجزء

القابل للتذكية عليها، و أمّا الجزء الآخر فيحتمل الحلّية، لأحاديث الاصطياد و عدم قبوله التذكية، فهو ممّا لم تدرك ذكاته. و يحتمل الحرمة، لأنّه جزء مبان من الحيّ، و لعدم معهوديّة ورود تذكيتين ذبحيّة و صيديّة على صيد واحد باعتبار الجزأين، و الأحوط الاجتناب عنه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 367

و مع القطع بميّت و حيّ بالحياة المستقرّة مع إدراك الصائد التذكية، فيذكّي الحيّ وجوبا في صيد الكلب، و احتياطا في صيد الآلة، و يحرم الآخر إجماعا، لجميع الأخبار المتقدّمة.

و بالحياة الغير المستقرّة، فذهب الحلّي «1» و جماعة «2» بل كافّة المتأخّرين- كما قيل «3»- إلى حلّية الجزأين، لإطلاق أحاديث الاصطياد، سيّما صحيحة محمّد بن عليّ الحلبي، المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4».

و عن النهاية «5» و القاضي و ابن حمزة «6» حرمة الجزء الميّت، لإطلاق مرسلة النضر و ما تأخّر عنها من الأخبار.

و التحقيق: تعارض الإطلاقين بالعموم من وجه في الجزء الميّت، و الترجيح للأول بموافقة الكتاب و أصل الحلّية الثابتة بعد ذكر اسم اللّه تعالى، فتأمّل.

و أمّا الجزء الحيّ، فحلال عند من يعتبر في وجوب التذكية الحياة المستقرّة، و كذا عند من يكتفي فيه بغير المستقرّة أيضا إن لم يدرك الصائد ذكاته، أو كان الجزء الحيّ غير محلّ التذكية، و إن أدركها مع كون المحلّ ممّا يقبلها فيتأتّى الإشكال من عدم معهوديّة حلّية جزأي حيوان واحد

______________________________

(1) السرائر 3: 95.

(2) منهم العلّامة في القواعد 2: 151، و الشهيد في الدروس 2: 399، و الفيض في المفاتيح 2: 315.

(3) في الرياض 2: 266.

(4) في ص: 309.

(5) النهاية: 581.

(6) القاضي في المهذّب 2: 436، و ابن حمزة في الوسيلة: 357.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 15، ص: 368

بتذكيتين مختلفتين، و من إطلاقات الحلّية بالتذكيتين، و الأحوط الاجتناب عن الجزئين.

المسألة السادسة: قد تقدّم أنّ للصيد و الاصطياد معنيين:
اشاره

أحدهما: إزهاق روح الحيوان الوحشي الممتنع بالأصالة و تذكيته قبل أخذه.

و الثاني: إثبات اليد عليه و أخذه حيّا لتملّكه.

و قد سبقت أحكام المعنى الأول و شرائطه.

و أمّا الثاني: فالكلام فيه تارة في ما يحلّ أكله و يحرم، و قد مرّ في كتاب المطاعم.

و اخرى في ما به يحلّ أكله من أنواع التذكية، و هو أيضا قد مرّ في ذلك الباب، و يجي ء في باب الذباحة.

و ثالثة في ما يقبل التذكية و ما لا يقبل، و هو أيضا يأتي في باب الذباحة.

و إنّما الكلام هنا فيه من حيث التملّك و عدمه، و هو أيضا إمّا في ما يقبل منه التملّك و يدخل في الملكيّة، أو في سبب تملّكه.

أمّا الأول: فقد ذكرنا و أثبتنا في كتاب عوائد الأيّام أصالة تحقّق الملكيّة بذلك المعنى لكلّ شي ء له جهة انتفاع مقصود للعقلاء «1»، و لازمه حصول التملّك لكلّ حيوان ممتنع أصالة له جهة نفع مقصود للعقلاء مع قصد جهة النفع بإحداث سببه. فلا يتحقّق الصيد بذلك المعنى في مثل الزنبور و الحيّة و الفأرة و نحوها، إلّا إذا فرض نفع لبعض أجزائها في دواء و نحوه و صيد لأجل ذلك.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 369

و أمّا الثاني: فهو المقصود ذكره في ذلك المقام، فنقول:

يتحقّق الصيد المملّك بهذا المعنى بالأخذ الحقيقي و وضع اليد حقيقة عليه- كأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو الحبل المشدود عليه بنفسه أو بوكيله- بالإجماع و أخبار الأخذ الآتية.

و كذا يتحقّق الصيد المملّك بأخذه و إثبات اليد عليه بكلّ آلة معتادة لذلك يتوصّل بها

إليه، كالكلب و الصقر و الباز و الشاهين و سائر الجوارح و الشبكة و الحبالة و الفخّ و نحوها، مع قصد الأخذ بها عند استعمالها، بمعنى تسلّط الآلة عليه أو وقوعه في الآلة، و أن يضع الصائد يده عليه بعد، بالإجماع و النصوص:

منها: الأخبار العديدة المتضمّنة لحلّية صيد الصقور و البزاة و الفهد و الحبالة بعد التذكية «1».

و منها: أخبار أخر، كصحيحة ابن سنان: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه، فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقة حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها، و إنّما هي مثل الشي ء المباح» «2».

دلّ جزؤها الأخير على أنّ كلّ شي ء مباح أخذه فهو له.

و رواية السكوني: «في رجل أبصر طائرا فتبعه حتى سقط على شجرة فجاء رجل آخر فأخذه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: للعين ما رأت و لليد ما أخذت» «3».

______________________________

(1) كما في الوسائل 23: 348، 376 أبواب الصيد ب 9 و 24.

(2) الكافي 5: 140- 13، التهذيب 6: 392- 1177، الوسائل 25: 458 أبواب اللقطة ب 13 ح 2.

(3) الكافي 6: 223- 6، التهذيب 9: 61- 257، الوسائل 23: 391 أبواب الصيد ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 370

و صحيحة البزنطي، و في آخرها: فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له طالبا؟ قال: «هو له» «1».

و مرسلة ابن بكير: «إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه» «2».

و رواية ابن الفضيل: عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهما، فقال: «إذا عرفت صاحبه فردّه عليه، و إن لم تعرف صاحبه

و كان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك» «3».

و رواية إسماعيل بن جابر، و فيها: «المستوي جناحاه، المالك جناحيه يذهب حيث شاء، هو لمن أخذه حلال» «4».

و رواية السكوني: «الطير إذا ملك جناحيه فهو صيد، و هو حلال لمن أخذه» «5».

دلّت هذه الأخبار على تملّك الممتنع بالأصالة من الحيوانات بالأخذ كما في أكثرها، و بالصيد كما في صحيحة البزنطي و [رواية ابن الفضيل ] «6»، و لا شكّ بصدق الصيد عرفا بإثبات واحد من الآلات المذكورة عليه بعد

______________________________

(1) الكافي 6: 222- 1، التهذيب 9: 61- 258، الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36 ح 1.

(2) الكافي 6: 222- 2، و قد رواها في الوسائل 23: 389 أبواب الصيد ب 37 ح 1 عن الكافي مسندة عن ابن بكير، عن زرارة، و كذا في التهذيب 9: 61- 259.

(3) الكافي 6: 222- 3، التهذيب 9: 61- 260، الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36 ح 2.

(4) الكافي 6: 223- 4، التهذيب 9: 61- 261، الوسائل 23: 389 أبواب الصيد ب 37 ح 2.

(5) الكافي 6: 223- 5، التهذيب 9: 61- 256، الوسائل 23: 390 أبواب الصيد ب 37 ح 3.

(6) بدل ما بين المعقوفين، في النسخ: مرسلة ابن بكير، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 371

استعماله بقصد الصيد، و كذا الأخذ، إذ ليس المراد وضع الجارحة المسمّاة باليد بخصوصها عليه، بل المراد إدخاله تحت تصرّفه و اقتداره، و هو حاصل بأخذ الآلة له.

و منه يظهر أنّ الأقوى: تحقّق التملّك بكلّ آلة استعملها لذلك مع قصد ذلك، كوقوعه في حفيرة حفرها في طريق صيد، فوقع فيه و ضربه بالحجر حتى يقع، أو اتّخاذ أرض و

إجراء ماء عليها بحيث تصير موحلة ليتوحّل فيها الصيد فتوحّل، أو بناء دار للتعشيش، أو فتح باب بيت و إلقاء الحيوانات فيه لتدخل فيه العصافير، فتدخل فيه فيغلق عليها الباب.

لاتّحاد كل ذلك مع الآلات المعتادة في صدق الاصطياد و الأخذ، اللذين هما موجبان للحكم بالتملّك، فبعد الوقوع في تلك الآلات يصير ملكه و لا يجوز لغيره أخذه منه.

و لكن يشترط في مثل الأرض و الدار و البيت أن يخرج الصيد الواقع فيه عن الامتناع عرفا و صدق عليه الاصطياد كذلك، فلو كان بيت كبير تطير فيه العصافير و يصعب تصرّفه فلا، لعدم معلوميّة صدق الصيد و لا الأخذ عليه.

فروع:
أ: إنّما يملك الصيد بالاصطياد

إذا لم يعرف مالكه و إلّا يجب الردّ عليه بلا خلاف فيه، لعدم جواز التصرّف في ملك الغير مطلقا إلّا بإذنه.

و لصحيحة البزنطي المتقدّم ذيلها آنفا، و في صدرها: عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة، و هو مستوي الجناحين، و يعرف صاحبه، أو يجيئه فيطلبه من لا يتّهمه، قال: «لا يحلّ له إمساكه، يردّه عليه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 372

و لرواية محمّد بن الفضيل المتقدّمة. و يشعر بذلك بعض أخبار أخر أيضا «1».

و يكفي في ثبوت ملكيّة الغير وجود أثر اليد فيه من قصّ الجناح، أو وجود طوق في عنقه، أو شدّ حبل على أحد قوائمه، و نحو ذلك.

لإفادة اليد الخالية عن المعارض للملكيّة.

و لأصالة عدم تحقّق ملكيّة الصائد، خرج ما إذا لم يكن عليه أثر يد بما ذكر، فيبقى الباقي.

و للأخبار المشترطة لتساوي الجناحين أو تملّك الجناح في ملكيّة الصائد، كما تقدّمت، و منها: رواية إسحاق بن عمّار: «لا بأس بصيد الطير إذا ملك جناحيه» «2».

ب: لو وقع صيد في آلة ثمَّ انفتل و خلص منها لا يخرج بذلك عن ملك صائده

، بل ملكه و نماؤه له، و كلّ من يجني عليه فهو له ضامن، للاستصحاب، و الأخبار المتقدّمة المشترطة لتملّكه بعدم معرفة الطالب له أو الصاحب.

ج: من أطلق صيده من يده و لم يعرض عنه بقصد إزالة ملكه عنه لم يخرج بذلك عن ملكه،

للاستصحاب، و الأخبار المذكورة الشاملة لمثل تلك الصورة بترك الاستفصال أيضا.

و إن أعرض عنه و نوى بإطلاقه قطع ملكيّته عنه فالأكثر- كما صرّح به بعض من تأخّر «3»- على بقاء ملكيّته له أيضا، لأنّ زوال الملكيّة يحتاج إلى

______________________________

(1) الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36.

(2) التهذيب 9: 15- 56، الوسائل 23: 390 أبواب الصيد ب 37 ح 4.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 232، و الكاشاني في المفاتيح 3: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 373

دليل شرعي و لم يثبت كون الإعراض منه، و يدلّ عليه أيضا ترك الاستفصال المذكور.

نعم، غايته جواز تصرّف الغير فيه لإعراضه، بل تأمّل فيه بعضهم أيضا، سيّما إذا كان بالتصرّف الناقل.

و عن المبسوط: القطع بزوال ملكه عنه، لأنّ الأصل في الصيد هو الإباحة العامّة، و إنّما حصلت ملكيّته باليد، فإذا زالت اليد زالت الملكيّة «1».

و فيه- مع أنّ ذلك الأصل لا يختصّ بالصيد، بل يمكن إجراؤه في كلّ شي ء-: أنّ اليد سبب حصول الملكيّة لا بقائها، و إنّما تبقى بالاستصحاب و الإطلاقات.

د: لو أراد أحد أخذ صيد و تبعه لم يملكه بذلك،

للأصل، و عدم صدق الصيد «2» و لا الأخذ.

و تدلّ عليه أيضا رواية السكوني المتقدّمة «3»، و مقتضى عمومها الحاصل من ترك الاستفصال عدم التملّك أيضا لو عجز الصيد باتباعه و كثرة عدوه، أو من جهة الخوف عن الامتناع و صار سهل الأخذ، و لكن لم يقبضه بعد، و يدلّ عليه أيضا الأصل.

إلّا أنّ المذكور في كلام من ذكره التملّك بذلك «4»، إلّا أنّه قال المحقّق الأردبيلي: إنّه لا دليل عليه إلّا رفع الامتناع، و لا نعلم كونه دليلا «5». و قال

______________________________

(1) حكاه عنه في المفاتيح 3: 36.

(2) في «ق»: اليد.

(3) في ص: 369.

(4) كما في المفاتيح

3: 35.

(5) مجمع الفائدة 11: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 374

في موضع آخر: و لعلّ دليله الإجماع «1».

ه: لو أرسل أحد كلبه إلى صيد، و أرسل آخر كلبه إليه أيضا، فهو لصاحب الأخذ منهما

، و وجهه ظاهر. و كذا لو كسر أحدهما سورة [1] عدوه باتباعه أو تخويفه و أخذه الآخر.

و لو جرحه أحدهما من غير أخذ و إمساك و أخذه الآخر، فالظاهر أنّه أيضا كذلك، و هو المشهور أيضا- كما في شرح المفاتيح- سواء وقع الفعلان دفعة واحدة أم كان الجرح مقدّما، و سواء كان الجرح معينا لأخذه و إثباته أو لا، لأنّ سبب الملك إنّما هو وضع اليد أو ما يجري مجراه من تصييره غير ممتنع، و ذلك حاصل للمثبت خاصّة، و الإعانة لا تقتضي الاشتراك.

و لا ضمان على الجارح، لأنّه لم يجرح حين ملكيّة الغير.

و كذا لو رمى أحد صيدا بسهمه و أخذه الآخر و لو جرحه.

نعم، لو زال امتناعه بجرح الكلب أو السهم فهو للجارح، لصدق الأخذ و الصيد.

و: لو اشترك اثنان في صيد فجرحاه معا أو أثبتاه كان الصيد بينهما نصفين،

لأنّ تساويهما في سبب الملكيّة يقتضي اشتراكهما في الملك.

و لو كان القتل بأحد الجرحين دون الآخر اختص جارحه بالملكيّة.

و لو جهل الجارح القاتل أقرع على احتمال و اشتركا على احتمال آخر.

و كذلك لو جرحه أحدهما و أثبته الآخر و جهل المثبت منهما.

______________________________

[1] السّورة: الحدّة و البطش- المصباح المنير: 294.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 375

ز: لو كان الصيد ممّا يمتنع بالطيران و المشي السريع كليهما

- كالدّراج و القبج و الحجل- فكسر أحدهما جناحه و الآخر رجله، قال الشيخ في المبسوط باشتراكهما فيه «1»، لأنّ سبب الملك حصل بفعلهما معا، إذ العلّة في زوال توحّشه و عدم امتناعه إنّما هي مجموع الفعلين من حيث هو مجموع، و ذلك يقتضي الاشتراك.

و قال المحقّق و الفاضل و الشهيد «2» و جماعة «3» باختصاصه بالأخير، و هو الأقوى، لأنّ بفعل الأول لا يزول امتناعه، و إنّما يتحقّق الإثبات بفعل الثاني، و فعله إنّما وقع عليه و هو ممتنع بعد و مباح، فهو كما إذا كسر رجل ما لا جناح له رأسا فأثر الأول كعدمه.

و لا يفيد أنّه لو كان فعل الثاني فقط لم يثبت إذا كان يمتنع بالجناح- كما هو المفروض- لأنّه و إن كان كذلك إلّا أنّه قبل فعل الثاني كان ممتنعا، فصدق عليه أنّه جعل الصيد الممتنع الغير المملوك قبل أن يصير غيره فيه أولى غير ممتنع فملكه، و اللّه العالم.

______________________________

(1) المبسوط 6: 271.

(2) المحقق في الشرائع 3: 213، الفاضل في التحرير 2: 157، الشهيد في الدروس 2: 401.

(3) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 57، و الفيض في المفاتيح 3: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 377

الباب الثاني في الذباحة

اشاره

و المراد منها ما يشمل النحر أيضا، و الكلام فيه إمّا في الذابح، أو آلة الذبح، أو محلّ الذبح و كيفيّته، أو شرائط الذبح، أو فيما يقع عليه الذبح، أو في بعض الأحكام المتعلّقة به، فهاهنا ستّة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 378

الفصل الأول في الذابح و الناحر و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يشترط في الذابح الإسلام أو حكمه

- كالمتولّد منه- فلا تحلّ ذبائح أصناف الكفّار، سواء كان من غير الكتابي- كالوثني و عابد النار و أصناف الهنود و المرتدّ و كافر المسلمين كالغلاة و غيرهم- أو من الكتابي.

بلا خلاف في الأول، بل عليه الإجماع، بل إجماع المسلمين في عبارات المتقدّمين و المتأخّرين «1»، بل هو إجماع محقّق، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى الأخبار، كصحيحة زكريّا بن آدم: «إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الدين الذي أنت عليه و أصحابك، إلّا في حال الضرورة» «2».

و الأخبار المستفيضة المتضمّنة لقولهم عليهم السّلام: إنّ الذبيحة بالاسم، و لا يؤمن عليها إلّا أهل التوحيد، أو إلّا المسلم، أو إلّا أهلها «3».

و الأخبار الناهية عن أكل ذبائح الكتابيين «4»، فإنّها تدلّ على النهي عن

______________________________

(1) انظر المقنعة: 579، الانتصار: 188، الغنية (الجوامع الفقهية): 618، المسالك 2: 223، كفاية الأحكام: 246، و الرياض 2: 270.

(2) التهذيب 9: 70- 298، الاستبصار 4: 86- 330، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 9.

(3) الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.

(4) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 379

ذبيحة غير الكتابي بطريق أولى، سيّما ما تضمّن منها تعليل النهي عن أكل ذبيحة بعض النصارى بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب، أو بأنّهم مشركو العرب.

و أمّا الكتابي فقد اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة:

الأول: حرمة ذبائحهم مطلقا، و هو مذهب المعظم-

كما صرّح به غير واحد من علماء الطائفة «1»- بل في المسالك: كاد أن يعدّ من المذهب «2».

و عن الخلاف و الانتصار أنّهما جعلاه من منفردات الإماميّة، مدّعين عليه الإجماع «3».

و الثاني: حلّيتها كذلك، حكي عن القديمين الإسكافي و العماني «4»، إلّا أنّ الثاني خصّ باليهودي و النصراني و قطع بتحريم ذبيحة المجوسي.

و الثالث: التفصيل بالحلّية مع سماع تسميتهم، و الحرمة مع عدمه، حكي عن الصدوق «5».

حجّة الأولين: الإجماعات المنقولة، و الشهرة العظيمة، و الروايات المستفيضة، و هي ما بين حقيقة في النهي و المنع عنها، و ظاهرة فيه بقرينة فهم الأصحاب و سائر الأخبار.

فمن الأولى صحيحة محمّد: عن نصارى العرب أتوكل ذبيحتهم؟

فقال: «كان عليّ بن الحسين عليه السّلام ينهى عن ذبائحهم و صيدهم

______________________________

(1) منهم الشهيد الأوّل في الدروس 2: 410، و المحقّق السبزواري في الكفاية:

246، و صاحب الرياض 2: 270.

(2) المسالك 2: 225.

(3) الخلاف 2: 522، الانتصار: 188.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 679.

(5) المقنع: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 380

و مناكحتهم» «1».

و صحيحة أبي المعزى المرويّة في التهذيب: عن ذبيحة اليهودي و النصراني، قال: «لا تقربوها» «2»، و رواها في الكافي عن سماعة مثلها، إلّا أنّه قال: «لا تقربها» «3».

و صحيحة الأحمسي: إنّ لنا جارا قصّابا يجي ء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود، فقال: «لا تأكل من ذبيحته و لا تشتر منه» «4»، فإنّ قوله:

«لا تشتر» نهي حقيقة في المنع.

و صحيحة الحلبي: عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: «كان عليّ عليه السّلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم و صيدهم» الحديث «5».

و صحيحة العقرقوفي: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«قد سمعتم ما قال اللّه في كتابه» فقالوا

له: نحبّ أن تخبرنا، فقال:

«لا تأكلوها؟» الحديث «6».

و حسنة حنّان: إنّ لنا خلطاء من النصارى، و إنّا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج و الفراخ و الجداء، أ فنأكلها؟ قال، فقال: «لا تأكلوها و لا تقربوها»

______________________________

(1) الكافي 6: 239- 4، التهذيب 9: 65- 278، الاستبصار 4: 83- 311، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 6.

(2) التهذيب 9: 67- 285، الوسائل 24: 61 أبواب الذبائح ب 27 ح 30.

(3) الكافي 6: 239- 5، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 9.

(4) الكافي 6: 240- 8، التهذيب 9: 67- 283، الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27 ح 1.

(5) التهذيب 9: 64- 271، الاستبصار 4: 81- 304، الوسائل 24: 58 أبواب الذبائح ب 27 ح 19.

(6) التهذيب 9: 66- 282، الاستبصار 4: 83- 314، الوسائل 24: 59 أبواب الذبائح ب 27 ح 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 381

الحديث «1».

و مرسلة ابن أبي عمير: عن ذبيحة أهل الكتاب، قال: فقال: «و اللّه ما يأكلون ذبائحكم، فكيف تستحلّون أن تأكلوا ذبائحهم؟!» الحديث! «2».

دلّت بالاستفهام الإنكاري على عدم استحلال أكل ذبائحهم.

و من الثانية موثّقة سماعة المشار إليها آنفا، و الأخبار الكثيرة المتضمّنة ل: أنّ الذبيحة اسم و لا يؤمن عليه أو عليها إلّا أهل التوحيد أو إلّا مسلم، و هي قريبة من عشرة أخبار صحيحة و غير صحيحة «3».

و رواية الشحّام: عن ذبيحة الذمّي، فقال: «لا تأكله إن سمّى و إن لم يسمّ» «4».

و رواية إسماعيل بن جابر: «لا تأكل من ذبائح اليهود و النصارى، و لا تأكل في آنيتهم» «5».

و الأخرى: «لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب «6».

و رواية محمّد بن

عذافر: رجل يجلب الغنم من الجبل، يكون فيها الأجير المجوسي و النصراني، فتقع العارضة، فيأتيه بها مملّحة، قال:

______________________________

(1) الكافي 6: 241- 15، التهذيب 9: 65- 277، الاستبصار 4: 82- 310، الوسائل 24: 53 أبواب الذبائح ب 27 ح 3.

(2) الكافي 6: 241- 16، الوسائل 24: 53 أبواب الذبائح ب 27 ح 4.

(3) راجع الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.

(4) الكافي 6: 238- 1، التهذيب 9: 65- 276، الاستبصار 4: 82- 309، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 5.

(5) الكافي 6: 240- 11، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 7.

(6) الكافي 6: 240- 13، التهذيب 9: 63- 269، الاستبصار 4: 81- 302، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 382

«لا تأكلها» «1».

و صحيحة أبي بصير: «لا يذبح أضحيتك يهودي و لا نصراني و لا المجوسي» الحديث «2».

و غير ذلك من الروايات الكثيرة المتضمّنة للجمل المحتملة للخبريّة و الإنشائيّة و إن صارت ظاهرة في الحرمة بالقرائن المذكورة.

و حجّة الثاني: أصل الإباحة.

و عموم قوله سبحانه وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ «3».

و قوله وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «4».

و قول أبي بصير في صحيحة العقرقوفي المتقدّمة- بعد نهي الإمام عليه السّلام كما تقدّم-: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته و سمعت أباه جميعا يأمران بأكلها.

و صحيحة محمّد الحلبي: عن ذبيحة أهل الكتاب و نسائهم، فقال:

«لا بأس به» «5».

و رواية عن إسماعيل بن عيسى: عن ذبائح اليهود و النصارى و طعامهم، قال: «نعم» «6».

______________________________

(1) التهذيب 3: 232- 603، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 8.

(2) التهذيب 9:

64- 273، الاستبصار 4: 82- 306، الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 26 ح 11.

(3) المائدة: 5.

(4) الأنعام: 119.

(5) التهذيب 9: 68- 290، الاستبصار 4: 85- 322، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 34.

(6) التهذيب 9: 70- 297، الاستبصار 4: 86- 329، الوسائل 24: 64 أبواب الذبائح ب 27 ح 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 383

و رواية يونس بن بهمن: أهدى إليّ قرابة لي نصراني دجاجا و فراخا و قد شواها و عمل لي فالوذجة، فآكله؟ قال: «لا بأس» [1].

و رواية عبد الملك بن عمرو: ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال:

«لا بأس بها» قلت: فإنّهم يذكرون عليها اسم المسيح!! فقال: «إنّما أرادوا بالمسيح اللّه» «1»، و قريبة منها رواية أبي بصير «2».

و صحيحة جميل و محمّد بن حمران: عن ذبائح اليهود و النصارى و المجوس، فقال: «كل» فقال بعضهم: إنّهم لا يسمّون!! فقال: «إن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا» قال: «و إذا غاب فكل» «3».

و قد يستدلّ أيضا بصحيحة الأعشى الواردة في ذبيحة اليهودي:

«لا تدخل ثمنها مالك و لا تأكلها» إلى أن قال: فقال له الرجل: قال اللّه تعالى:

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان أبي يقول: إنّما هو الحبوب و أشباهها» «4» حيث أضاف الثمن فيها إلى الذبيحة، فيدلّ على حلّية بيعها، و إلّا لم يكن ثمنا.

______________________________

[1] التهذيب 9: 69- 296، الاستبصار 4: 86- 328، الوسائل 24: 64 أبواب الذبائح ب 27 ح 40.

و الفالوذج: تجعل السمن و العسل ثمَّ قسوطه حتى ينضج، فيأتي كما ترى- عن مكارم الأخلاق في مجمع البحرين 2: 325.

______________________________

(1) الفقيه 3: 210- 972،

التهذيب 9: 68- 291، الاستبصار 4: 85- 323، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 35.

(2) التهذيب 9: 69- 292، الاستبصار 4: 85- 324، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 36.

(3) التهذيب 9: 68- 289، الاستبصار 4: 85- 321، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 33.

(4) الكافي 6: 240- 10، التهذيب 9: 64- 270، الاستبصار 4: 81- 303، الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 384

و بالأخبار المخصّصة للحرمة بنصارى العرب، فإنّه لو لا إباحة ذبيحة غيرهم لما كانت للتخصيص فائدة، سيّما ما تضمّنت منها للتعليل: بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب، أو أنّهم من مشركي العرب «1».

و بالأخبار الناهية عن ذبحهم الضحايا «2»، حيث دلّت بالمفهوم على جواز ذبح غير الضحايا، فالنهي عنها يكون من جهة أخرى، ككون الضحايا من متعلّقات العبادة.

و مستند الثالث: الأخبار المستفيضة أيضا:

كحسنة حمران: في ذبيحة الناصب و اليهودي و النصراني: «لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللّه عليه» إلى أن قال: قلت: المجوسي، فقال: «نعم، إذا سمعته يذكر اسم اللّه» الحديث «3».

و صحيحة حريز: في ذبائح أهل الكتاب: «فإذا شهدتموهم و قد سمّوا اسم اللّه فكلوا ذبائحهم، و إن لم تشهدوهم فلا تأكلوا، و إن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكل» «4».

و روايته: عن ذبائح اليهود و النصارى و المجوس، فقال: «إذا سمعتهم يسمّون أو شهد لك من رآهم يسمّون فكل، و إن لم تسمعهم و لم يشهد عندك من رآهم يسمّون فلا تأكل ذبيحتهم» «5»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.

(2) الوسائل 24: 58، 61 أبواب الذبائح ب 27 ح

20، 21، 29.

(3) التهذيب 9: 68- 287، الاستبصار 4: 84- 319، الوسائل 24: 61 أبواب الذبائح ب 27 ح 31.

(4) التهذيب 9: 69- 294، الاستبصار 4: 86- 326، الوسائل 24: 63 أبواب الذبائح ب 27 ح 38.

(5) التهذيب 9: 69- 295، الاستبصار 4: 86- 327، الوسائل 24: 63 أبواب الذبائح ب 27 ح 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 385

أقول: و إن اتّسعت دائرة الكلام في أدلّة القولين الأخيرين دلالة و سندا و تماميّة، إلّا أنّا لا نطوّل الكلام بذكر جميع وجوه الضعف و عدم التماميّة، و نقتصر على ما يكفي في ردّهما لعدم الاحتياج إليه.

و نقول: أمّا أدلّة القول الثاني، فأصل الإباحة إنّما هو مسلّم إذا علم ذكر اسم اللّه عليه، و هو لا يعلم إلّا بسماعه، اكتفي بفعل المسلم في ذبيحته إجماعا و ضرورة، و لا دليل عليه في غيره، فإطلاق حلّية ذبيحته مخالف للأصل.

و أمّا الآية الأولى، فالطعام فيها مفسّر في أحاديث سادتنا الكبراء بالحبوب، فلا دلالة لها أصلا، و جعله بعيدا اجتهاد في مقابلة النصّ يجب ردّه، لأنّهم الراسخون في العلم و لا ينبّئك مثل خبير.

و أمّا الثانية، فيظهر عدم دلالتها، بل دلالتها على خلاف مطلوبهم بما ذكرنا في ردّ الأصل.

فلم تبق إلّا تلك الأخبار، و هي لو قطع النظر عمّا يمكن في أكثرها من الخدش التامّ و النظر، بل ظهور ضعف دلالة بعضها جدّا، نقول: إنّها بإطلاقها مخالفة للكتاب بالتقريب الذي ذكرناه.

بل تدلّ على المخالفة صحيحة شعيب العقرقوفي المتقدّمة، حيث قال فيها: «قد سمعتم ما قال اللّه في كتابه»، و هو إشارة إلى ما ذكرنا.

و موافقة للعامّة، كما صرّح به علماؤنا الأخيار، قيل «1»: دلّت عليه رواية الشيباني: عن

ذبائح اليهود و النصارى و النصّاب فلوى شدقه و قال:

«كلها إلى يوم ما» «2».

______________________________

(1) في الاستبصار 4: 87.

(2) التهذيب 9: 70- 299، الاستبصار 4: 87- 331، الوسائل 24: 60 أبواب الذبائح ب 27 ح 28، و الشدق: بالفتح و الكسر، جانب الفم- المصباح المنير: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 386

و مخالفة للشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، بل على خلافها يمكن دعوى الإجماع المحقّق، سيّما ذبائح مطلق الكتابي، حيث إنّ العماني صرّح بحرمة ذبيحة المجوس.

فلم يبق إلّا الإسكافي، الذي هو شاذّ نادر معلوم النسب، و مثل هذه لا حجّية فيه أصلا، فيجب رفع اليد عن تلك الأخبار بالمرّة و طرح ذلك القول بلا شبهة.

و أمّا القول الثالث و إن كان موافقا لأصل الإباحة و لظاهر الآية إلّا بأن يقال باعتبار القصد في التسمية، و لكنّه لا دليل عليه و لا حجّة، و كانت أخباره أخصّ من أكثر أخبار الحرمة، بل من جميع ما تتمّ فيه الدلالة.

إلّا أن ما ذكرنا أخيرا لتضعيف القول الثاني- من مخالفة الشهرة بل الإجماع- هنا أيضا متحقّق، و لأجله تخرج تلك الأخبار أيضا عن حيّز الحجّيّة، فلا تصلح لمعارضة أخبار الحرمة.

مضافا إلى ما يخرجها عن الدلالة بالمرّة، و هو رواية ابن وهب المنجبرة: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: «لا بأس إذا ذكر اسم اللّه تعالى، و لكنّي أعني منهم من يكون على أمر موسى و عيسى عليهما السّلام» «1».

فإنّها صريحة على اختصاص ذلك بأهل الكتاب الذين كانوا من قبل بعثة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله، أو بعدها قبل قيام الحجّة عليهم، لأنّ تهوّدهم و تنصّرهم اليوم مانع من كونهم على أمرهما، لأنّهم مأمورون من قبلهما باتّباع نبيّنا صلّى اللّه

عليه و آله، إلّا أن تكون لهم شبهة مانعة عن الاهتداء بالحقّ.

______________________________

(1) الكافي 6: 240- 14، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 387

و صرّح بذلك الشيخ المفيد رحمه اللّه في رسالة الذبائح، قال بعد نقل الرواية: ثمَّ إنّه شرط فيه أيضا اتّباع موسى و عيسى، و ذلك لا يكون إلّا بمن آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، و اتّبع موسى و عيسى في القبول منه صلّى اللّه عليه و آله و الاعتقاد بنبوّته «1». انتهى.

و لعلّ ذلك الكلام من الإمام و العناية منه أيضا إشارة إلى التقيّة في الإطلاق، فأفهمهم أنّ مرادي من الإطلاق غير ما يفهم ظاهرا، كما أنّ التفصيل بين سماع التسمية منهم و عدمه أيضا نشأ من ذلك، حيث إنّ ذكر اسم اللّه لوقوعه في الكتاب العزيز ممّا لا يمكن للعامّة الكلام فيه.

هذا، مع أنّ- في أخصّية هذه الأخبار مطلقا عن جميع أخبار الحرمة التي تتمّ فيها الدلالة- نظرا، لأنّ منها صحيحة زكريّا بن آدم المتقدّمة في صدر المسألة «2»، المخصّصة للجواز بحال الضرورة، فهي أخصّ من وجه من تلك الأخبار.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف التشبّث بتلك الأخبار و بقاء أخبار الحرمة بلا معارض يصلح للمعارضة.

و منه يظهر الجواب عن أصل الإباحة و عن إطلاق الآية الكريمة، لوجوب تخصيص عامّ الكتاب بخاصّ الرواية.

و إذ ظهر ضعف القولين يظهر أنّ الحقّ ما عليه معظم الطائفة من الحرمة.

المسألة الثانية: و يشترط فيه أيضا أن لا يكون من النواصب،

أي معاديا لأهل البيت عليهم السّلام معلنا بعداوتهم، و منهم الخوارج، بلا خلاف فيه- كما

______________________________

(1) رسالة الذبائح (مصنفات الشيخ المفيد 9): 32.

(2) في ص: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 388

قيل «1»- بل عن المهذّب

و غيره الإجماع عليه «2».

لموثّقتي أبي بصير، إحداهما: «ذبيحة الناصب لا تحلّ» «3».

و الأخرى: «لم تحلّ ذبائح الحرورية» «4».

و الحرورية: فرقة من الخوارج منسوبة إلى الحروراء- بالمدّ و القصر- قرية.

و روايته الواردة في من يتعمّد شراء اللحم من النصّاب، و فيها:

«ما يأكل إلّا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير» الحديث «5».

و أمّا حسنة حمران: «لا تأكل ذبيحة الناصب إلّا أن تسمعه يسمّي» «6».

و صحيحة الحلبي: عن ذبيحة المرجئ و الحروري، قال: «كل و أقرّ و استقرّ حتى يكون ما يكون» «7».

فلمخالفتهما للإجماع ظاهرا و لا أقلّ من شهرة القدماء لا تصلحان للحجيّة و معارضة ما مرّ، مع أنّهما موافقتان للعامّة، كما تشعر به الصحيحة.

المسألة الثالثة: يشترط فيه أيضا التميّز،

أي كونه بحيث يصحّ منه

______________________________

(1) في الرياض 2: 272.

(2) حكاه عنه في الرياض 2: 272، و هو في المهذب 4: 163.

(3) التهذيب 9: 71- 301، الاستبصار 4: 87- 332، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 2.

(4) التهذيب 9: 71- 302، الاستبصار 4: 87- 333، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 3.

(5) التهذيب 9: 71- 303، الاستبصار 4: 87- 334، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 4.

(6) التهذيب 9: 72- 304، الاستبصار 4: 87- 335، الوسائل 24: 68 أبواب الذبائح ب 28 ح 7.

(7) الكافي 6: 236- 1، الفقيه 3: 210- 970، التهذيب 9: 72- 305، الاستبصار 4: 88- 337، الوسائل 24: 68 أبواب الذبائح ب 28 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 389

قصد التسمية و العلم بشرائط الذبح، فلا يصحّ من الطفل الغير المميّز و لا المجنون كذلك، و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المتبادر من الذبح المحلّل هو الصادر من القاصد.

و يظهر

من المحقّق الأردبيلي التردّد في اشتراط التميّز أو لا «1»، حيث إنّه جعل دليله أولا: اشتراط كونه ذبيحة المسلم، و غير المميّز ليس مسلما، و ردّه: بأنّ الثابت حرمة ذبيحة الكافر دون اشتراط الإسلام.

و هو كان حسنا لو لا فهم اعتبار القصد عرفا.

المسألة الرابعة: لا يشترط فيه الإيمان

على الأقوى الأشهر- كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «2»- للأصل المشار إليه غير مرّة، و الآية «3»، و صحيحة الحلبي المتقدّمة، فإنّ المرجئ يطلق على مقابل الشيعة، من الإرجاء، بمعنى: التأخير لتأخيرهم عليّا عليه السّلام عن درجته.

و صحيحة محمّد بن قيس: «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلّى، لكم حلال، إذا ذكر اسم اللّه عليه» «4».

و الأخبار المحلّلة لذبيحة المرأة إذا كانت مسلمة «5».

و تعضده أيضا الروايات المتكثّرة، المعلّلة للنهي عن أكل ذبائح أهل الذمّة بأنّها اسم و لا يؤمن عليها إلّا المسلم، لظهورها في حصول الأمانة في

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 86.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 225، و الكاشاني في المفاتيح 2: 197، و صاحب الرياض 2: 271.

(3) الأنعام: 119.

(4) التهذيب 9: 71- 300، الاستبصار 4: 88- 336، الوسائل 24: 66 أبواب الذبائح ب 28 ح 1.

(5) الوسائل 24: 43 أبواب الذبائح ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 390

التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم.

و كذا يعضده- بل يدلّ عليه- ما دلّ على حلّية ما يشترى من اللحوم و الجلود في أسواق المسلمين «1».

خلافا للمحكي عن القاضي و ابن حمزة «2»، فقالا باشتراط كون الذابح مؤمنا اثنى عشريّا.

و الحلبي «3»، فخصّ المنع بالجاحد للنصّ منهم، فجوّز ذبيحة المستضعف.

و دليلهم إن كان كفر المخالف مطلقا أو غير المستضعف منهم فالكلام معهم في ذلك، و قد مرّ في

بحث الطهارة.

و إن كان أصالة عدم الإباحة إلّا بعد ذكر اسم اللّه، و عدم حصول العلم به إلّا بالسماع أو ما يقوم مقامه من الدليل الشرعي، فجوابه: أنّ ما مرّ من الأدلّة أيضا دليل شرعي كما في المؤمن، سيّما مفاهيم الاستثناء في الأخبار الغير المحصورة، المتضمّنة لائتمان مطلق المسلم في التسمية، و سيّما أخبار حلّية ما يشترى في أسواق المسلمين.

و إن كان صحيحة زكريّا بن آدم المتقدّمة في صدر المسألة «4»، فجوابه: أنّه يمكن أن يكون المراد من الدين: الإسلام، مع أنّ ظاهر السياق- من حيث تخصيص زكريّا بالنهي و استثناء حال الضرورة- يشعر بالكراهة دون الحرمة.

______________________________

(1) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(2) القاضي في المهذّب 2: 439، ابن حمزة في الوسيلة: 361.

(3) الكافي في الفقه: 277.

(4) في ص: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 391

و إرادة الإيمان من الدّين- و جعل هذه الصحيحة أخصّ مطلقا من صحيحة محمّد بن قيس و تخصيصها بها- غير جيّد، لعدم دليل على هذه الإرادة، مع أنّه يوجب تخصيص الأكثر، و هو غير جائز.

و إن كان المرويّ في العيون: «من زعم أنّ اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته» «1»، فمع كونه أخصّ من المدّعى من وجه- لاختصاصه بالأشاعرة خاصّة- و أعمّ من وجه آخر- لشموله للمؤمن إذا قال بهذه المقالة- محمول على الكراهة، لمعارضة ما مرّ.

المسألة الخامسة: لا يشترط في الذابح بعد إسلامه كونه ممّن يعتقد وجوب التسمية

عند المعظم، للأصل، و الإطلاقات، سيّما إذا علم صدور التسمية منه تبرّكا أو استحبابا.

خلافا للمحكيّ عن المختلف، فاشترط فيه اعتقاده وجوبها «2»، و استدلّ له فيما إذا لم تعلم منه التسمية بأنّ مقتضى اشتراط التسمية حصول العلم بها، و مقتضى الأخبار المعلّلة بأنّه لا

يؤمن عليها إلّا مسلم اعتبار حصول الأمن بتحقّقها، و هو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها.

و هو حسن لو لا إطلاقات ائتمان المسلم بالاسم و حلّية ما في أسواق المسلمين. إلّا أن يقال: بأنّ إطلاق الأول لغلبة معتقدي وجوبها بل تبادره، و كذا الثاني، و الاحتياط في الأخذ عن خصوص يد من علم عدم اعتقاده الوجوب أولى.

المسألة السادسة: لا تشترط فيه الذكورة، و لا الفحولة، و لا البلوغ،

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا «ع» 1: 100- 16، الوسائل 24: 69 أبواب الذبائح ب 28 ح 9.

(2) المختلف: 680.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 392

و لا كمال العقل، و لا الحريّة، و لا الطهارة عن الحيض و الجنابة، و لا طهارة المولد، و لا البصر.

فتحلّ ذبيحة المرأة، و الخصيّ، و الطفل و المجنون المميّزين، و العبد، و الجنب، و الحائض، و ولد الزنا، و الأعمى، بلا خلاف في شي ء منها يعرف.

للأصل، و الإطلاقات، و الأخبار:

كصحيحة الحلبي: «كانت لعلي بن الحسين عليهما السّلام جارية تذبح له إذا أراد» «1».

و كصحيحتي سليمان بن خالد «2» و محمّد «3» و رواية مسعدة «4» في ذبيحة الصبي و المرأة، و كمرسلة أحمد «5» في ذبيحة الصبي و المرأة و الخصيّ، و رواية صفوان «6» في المرأة و الصبي و ولد الزنا، و مرسلة ابن أبي عمير «7» في الجنب، و مرسلة ابن أذينة «8» في المرأة و الصبي و الأعمى، و غير

______________________________

(1) الكافي 6: 238- 7، التهذيب 9: 74- 313، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 9.

(2) الكافي 6: 237- 3، الفقيه 3: 212- 983، التهذيب 9: 73- 308، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.

(3) الكافي 6: 237- 1، الفقيه 3: 212- 981، التهذيب

9: 73- 310، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 5.

(4) الكافي 6: 237- 2، التهذيب 9: 73- 309، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 6.

(5) الكافي 6: 238- 4، الوسائل 24: 46 أبواب الذبائح ب 23 ح 10.

(6) الفقيه 3: 210- 969، الوسائل 24: 47 أبواب الذبائح ب 25 ح 1.

(7) الكافي 6: 234- 6، الوسائل 24: 32 أبواب الذبائح ب 17 ح 1.

(8) الكافي 6: 238- 5، الفقيه 3: 212- 982، التهذيب 9: 73- 311، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 393

ذلك.

و لا يضرّ تقييد الصبي في بعض الأخبار بقوله: «إذا قوي» أو: «إذا أحسن» و الأعمى بقوله: «إذا سدّد»، لأنّ الكلام في صورة تحقّق الشرط، و إلّا فلا كلام في عدم الصحّة.

نعم، قيّد الأول في بعضها ببلوغ خمسة أشبار، و المراد منه القوّة، لعدم اشتراطه بخصوصه إجماعا.

و أمّا اشتراط ذبيحة المرأة و الصبي و الخصيّ و ولد الزنا في بعضها بما إذا لم يوجد من يذبح أو بصورة الاضطرار، فإنّما هو مبنيّ على الرجحان دون الوجوب، للإجماع، و لأنّ الحرام لا يحلّ بعدم وجود ذابح آخر.

و كذا لا يضرّ اشتراط ذبيحة المرأة و الصبي بذكر اسم اللّه في بعض الأخبار، الموجب لاشتراط سماعه منهما و إلّا لما يعلم الذكر، لأنّ الكلام في عدم اعتبار الذكورة و البلوغ، و هو يثبت ممّا ذكر، و أمّا اشتراط ذكر اسم اللّه فلا كلام فيه، و أمّا الاكتفاء بفعل المسلم أو من بحكمه فهو أمر آخر يأتي بيانه.

نعم، شرط بعضهم «1» في ولد الزنا كونه بالغا مظهرا للشهادتين، إذ ليس له أبوان شرعا حتى

يكون بحكم المسلم. و لا بأس به

______________________________

(1) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 394

الفصل الثاني في الآلة و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا تجوز التذكية إلّا بالحديد مع الاختيار،

فلا يجزئ غيره و لا تقع به الذكاة و إن كان من المعادن المنطبعة، كالنحاس و الرصاص و الذهب و الفضّة و غيرها، بلا خلاف بيننا- كما صرّح به جماعة- بل بالإجماع المحكيّ مستفيضا «1»، بل المحقّق عند التحقيق، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى المستفيضة الخالية عن المعارض بالمرّة.

منها صحيحة محمّد: عن الذبيحة بالليطة و المروة، فقال: «لا ذكاة إلّا بحديدة» «2».

و الليطة- بفتح اللام كما ذكره الشهيد الثاني «3»، و بكسرها كما في القاموس «4»-: قشر القصبة الأعلى. و المروة: الحجر مطلقا، أو حجر تقدح بها النار.

و صحيحة الحلبي: عن الذبيحة بالعود و الحجر و القصبة، قال: «فقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: لا يصلح الذبح إلّا بالحديدة» «5».

______________________________

(1) كما في كفاية الأحكام: 246، و كشف اللثام 2: 78، و الرياض 2: 272.

(2) الكافي 6: 227- 1، التهذيب 9: 51- 211، الاستبصار 4: 79- 294، الوسائل 24: 7 أبواب الذبائح ب 1 ح 1.

(3) في المسالك 2: 226.

(4) القاموس المحيط 2: 398.

(5) الكافي 6: 227- 2، التهذيب 9: 51- 212، الاستبصار 4: 80- 295، الوسائل 24: 7 أبواب الذبائح ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 395

و رواية الحضرمي: «لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة» «1».

و موثّقة سماعة: عن الذكاة، [فقال ]: «لا يذكّى إلّا بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام» «2».

و تدلّ عليه أيضا مفاهيم الأخبار المجوّزة لغير الحديد عند الضرورة كما يأتي. و قد يستدلّ له أيضا بأصالة الحرمة و حكم التبادر و الغلبة، و فيهما

نظر.

المسألة الثانية: تجوز التذكية في حال الاضطرار بغير الحديدة

، من مروة أو ليطة أو قصب أو زجاجة أو عود أو غير ذلك أو عظم، سوى السنّ و الظفر، إجماعا محكيّا «3» و محقّقا، له، و للمستفيضة:

كصحيحة البجلي: عن المروة و القصبة و العود أ يذبح بهنّ إذا لم يجدوا سكّينا؟ قال: «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» «4».

و صحيحة الشحّام: عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟

قال: «اذبح بالقصبة و بالحجر و بالعظم و بالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به» «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 227- 3، التهذيب 9: 51- 209، الاستبصار 4: 79- 292، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 1 ح 3.

(2) الكافي 6: 227- 4، التهذيب 9: 51- 210، الاستبصار 4: 79- 293، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 1 ح 4.

(3) المسالك 2: 226.

(4) الكافي 6: 228- 2، الفقيه 3: 208- 954، التهذيب 9: 52- 214، الاستبصار 4: 80- 297، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.

(5) الكافي 6: 228- 3، التهذيب 9: 51- 213، الاستبصار 4: 80- 296، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 396

و صحيحة ابن سنان: «لا بأس أن تأكل ما ذبح بالحجر إذا لم تجد حديدة» «1».

و موثّقة محمّد: في الذبيحة بغير حديدة، قال: «إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر» «2».

و المستفاد من تلك الأخبار حصول الاضطرار بعدم وجود الحديدة و خوف فوات الذبيحة و إن لم يضطرّ إلى الأكل، و هو كذلك.

المسألة الثالثة: هل يجوز الذبح بالسنّ و الظفر

المتّصلين أو المنفصلين عند الاضطرار؟

الأكثر على الجواز، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه «3».

و عن الإسكافي «4» و الشيخ في

الخلاف و المبسوط و الغنية «5»: المنع، و استقربه في الشرح، و تردّد فيه المحقّق «6»، و عن المبسوط و الغنية:

الإجماع عليه.

دليل الجواز: ظواهر النصوص المتقدّمة، حيث اعتبر فيها قطع الحلقوم و فري الأوداج و خروج الدم لا خصوصية القاطع، و كون السنّ عظما، و قد صرّح فيه بالجواز في الصحيحة المتقدّمة.

و دليل الثاني: رواية رافع بن خديج العاميّة: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:

______________________________

(1) الفقيه 3: 208- 955، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.

(2) الكافي 6: 228- 1، التهذيب 9: 52- 215، الاستبصار 4: 80- 298، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 4.

(3) السرائر 3: 86.

(4) حكاه عنه في المختلف: 673.

(5) الخلاف 2: 521، المبسوط 6: 263، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(6) في المختصر النافع: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 397

«ما أنهر الدم و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا ما لم يكن سنّا أو ظفرا» «1».

و المرويّ في المجازات النبويّة للسيّد: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الذبح بالسنّ و الظفر «2».

و المرويّ في قرب الإسناد للحميري: «لا بأس بذبيحة المروة و العود و أشباهها، ما خلا السنّ و العظم و الظفر» «3».

و يمكن جبر ضعف تلك الأخبار بالإجماعين المنقولين، فيخصّ بها إطلاق ظواهر النصوص المتقدّمة، مع أنّ في إطلاقها نظرا ظاهرا، كانصراف العظم إلى الظفر أيضا، فالمنع أقرب.

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1558- 20، صحيح البخاري 7: 119.

(2) المجازات النبوية: 430- 348.

(3) قرب الإسناد: 106- 363، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 2 ح 5، عبارة:

و الظفر، غير موجودة في المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 398

الفصل الثالث في محلّ التذكية الذبحيّة و النحريّة و كيفيّتهما و هاهنا مقامان:

المقام الأول: في محلّ التذكية الذبحيّة. و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب في التذكية قطع الحلقوم

، و هو مجرى النفس

دخولا و خروجا، بلا خلاف فيه يعلم كما في الكفاية «1»، بل مطلقا كما في المسالك «2»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى وجوب الذبح و توقّف الحلّية عليه، كما هو المجمع عليه و المدلول بالأخبار، كما في صحيحة محمّد: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» «3».

و في صحيحة الحلبي: «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها» «4».

و في رواية أبان: «إذا شككت في حياة شاة» إلى أن قال: «فاذبحها فهو لك حلال» «5».

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 246.

(2) المسالك 2: 226.

(3) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.

(4) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 53- 221، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 3.

(5) الكافي 6: 232- 4، التهذيب 9: 57- 238، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 399

و في رواية يونس: «لا تأكل إلّا ما ذبح» «1».

و قد مرّ في الفصل السابق أيضا ما يدلّ على اشتراط الذبح و توقّف صدق الذبح على قطع الحلقوم، إذ لا ذبح عرفا بدونه، و لا أقلّ من عدم معلوميّة تحقّقه بدونه، فيجب.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار: «النحر في اللّبّة و الذبح في الحلق» «2».

و الحلق هو الحلقوم، مع أنّ في بعض النسخ: «و الذبح في الحلقوم».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الشحّام المتقدّمة في الفصل السابق.

و يؤكّده- بل يدلّ عليه أيضا- قوله في حسنة حمران الواردة في كيفيّة الذبح: «و لا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق» «3» فإنّه لو لا اعتبار قطع الحلقوم لما ذكر

أدب قطعه و طريقته.

و هل يكتفى به و يجزي الاقتصار عليه؟ كما حكي عن الإسكافي «4»، و عن الخلاف أيضا «5»، و نسب في شرح الإرشاد ميل الفاضل إليه «6»، و كذا مال إليه المحقّق و الشهيد الثاني «7»، و هو ظاهر جمع من متأخّري

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 3، التهذيب 9: 53- 219، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(2) الكافي 6: 228- 1، التهذيب 9: 53- 217، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 2، و اللبّة: المنحر و موضع القلادة- مجمع البحرين 2: 165.

(3) الكافي 6: 229- 4، التهذيب 9: 55- 227، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.

(4) حكاه عنه في المختلف: 690.

(5) الخلاف 2: 522.

(6) مجمع الفائدة 11: 96.

(7) المحقّق في الشرائع 3: 205، الشهيد الثاني في المسالك 2: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 400

المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي و صاحب الكفاية و المفاتيح «1» و شرحه.

أو لا يكتفى به، بل يجب معه قطع المري ء- بالهمز كأمين، و هو مجرى الطعام و الشراب المتّصل بالحلقوم من تحته- و الودجان- بفتح الواو و الدالّ، و هما عرقان محيطان بالحلقوم- على ما ذكره جماعة «2».

أو بالمري ء خاصّة على ما ذكره بعضهم «3»؟ كما هو مشهور بين الأصحاب، صرّح به جماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و المسالك و المقدّس الأردبيلي و الكفاية و المفاتيح «4» و شرحه، بل عن المهذّب و الصيمري الإجماع عليه «5»، و حكي عن الغنية أيضا «6»، و لكنّه فيما عدا المري ء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    400     المسألة الأولى: يجب في التذكية قطع الحلقوم ..... ص : 398

منه يستفاد وجود قول

ثالث أيضا، و هو اعتبار قطع الحلقوم و الودجين، و حكي ميل الفاضل في المختلف إليه أيضا «7».

و هنا قول رابع محكيّ عن العماني «8»، و هو التخيير بين قطع الحلقوم و شقّ الودجين.

دليل الأولين: الأصل، و لزوم الاقتصار على القدر المتيقّن فيما

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 96.

(2) منهم الشيخ في الخلاف 2: 529، و العلّامة في المختلف: 690، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 226.

(3) كما في المفاتيح 2: 201، و كشف اللثام 2: 78.

(4) الشرائع 3: 205، المسالك 2: 226، المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:

95، الكفاية: 246، المفاتيح 2: 201.

(5) حكاه عنهما في الرياض 2: 272.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(7) راجع المسالك 2: 226.

(8) حكاه عنه في الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 401

يخالف الأصل، و صدق الذبح العرفي بقطع الحلقوم خاصّة، و إطلاق منطوق صحيحة الشحّام السالفة- التي هي أصحّ ما وصل إلينا في ذلك الباب- و إطلاق الكتاب و السنّة بحلّ ما تحقّق فيه التذكية.

و حجّة الثاني: أصالة الحرمة، و الإجماع المنقول، و الشهرة، و مفهوم صحيحة البجلي السابقة التي في صحّتها كلام لمكان إبراهيم بن هاشم و إن لم يلتفت إليه.

أقول: أمّا الأصل فالحقّ فيه مع الأولين، لأنّه ثبتت على ما ذكرنا أصالة حلّية ما ذكر اسم اللّه عليه، و لكن ثبت معه اشتراط شي ء آخر لتتحقّق التذكية الشرعيّة، و لمّا نقول باشتراط قطع الحلقوم فحيث لا نعلم الزائد عليه ننفيه بالأصل.

و إن قلت: هو الذبح كما هو مدلول الأخبار، فهو إمّا مجرّد قطع الحلقوم كما هو الظاهر، أو هو أيضا كالتذكية، فيقتصر فيه على المتيقّن.

و منه يظهر ضعف الدليل الأول للقول الثاني، و كذا الثاني و

الثالث، لعدم حجّيتهما أصلا، فبقي الأخير.

و أمّا القول الأول: فدليله الأخير مدخول، لأنّ الكلام بعد فيما تتحقّق به التذكية.

و أمّا الثلاثة الأول، فهي و إن كانت تامّة إلّا أنّها إمّا أصل أو إطلاق يدفع بحسنة البجلي إن كانت دالّة على المطلوب و فارغة عن مكاوحة صحيحة الشحّام، فاللازم حينئذ التكلّم أولا في دلالة الحسنة، ثمَّ في حالها مع المعارضة.

فنقول: مفهوم الحسنة ثبوت البأس- الذي هو العذاب المثبت للحرمة على الأصحّ- بدون فري الأوداج.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 402

و لكن قد يخدش في معنى الفري، فإنّه بمعنى: الشقّ، كما هو المحكيّ عن الهروي «1». و قال في القاموس: فرى يفريه شقّه «2».

و قد يخدش في معنى الأوداج، هل المراد منه الأربعة، أو الثلاثة غير الحلقوم، أو الاثنين غيره و غير المري ء؟.

و قد يذبّ عن الأول: بأنّ المستفاد من بعض كتب اللغة تفسيره بما هو ظاهر في القطع.

و يمكن ردّه: بأنّه غير ثابت، و لو سلّم فمع ما ذكر معارض، فدلالته على القطع- الذي هو المطلوب- غير واضحة.

و بأنّ المتبادر من الفري حين يطلق في التذكية هو ما يحصل به القطع بحكم التبادر و الغلبة.

و يردّه: أنّه كلام سخيف لا ينبغي الإصغاء إليه، فإنّه لا يعلم عرف العرب فيه و لا مرادفه من لغاتنا، و إنّما هو شي ء يسبق إلى بعض الأذهان باعتبار ما سمعوا من المتفقّهة من اشتراط القطع في التذكية، و لا يعلم حال زمان الشارع فيه أصلا.

و بأنّه إن أريد بالأوداج غير الحلقوم فيلزم اشتراط القطع في الحلقوم و كفاية الشقّ في غيره، و لم يقل به أحد. و إن أريد المجموع فالمراد به في الحلقوم القطع قطعا، ففي غيره أيضا كذلك،

لئلّا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين. قلنا: للمعترض اختيار الثاني.

و بأنّ الأوداج تشمل المري ء أيضا، و شقّه بدون قطع الودجين غير ممكن، لأنّهما فوقه، فثبت اشتراط قطعهما من الحسنة و لو من باب

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 226.

(2) القاموس المحيط 4: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 403

المقدّمة.

و منه يثبت اعتبار قطع الجميع، لعدم القول بهذه التفرقة.

و عن الثاني: بأنّ مقتضى الجمعيّة المعرّفة إرادة الجميع إلّا ما أخرجه الدليل.

أقول: و إن أمكن تخصيص الفري بالقطع ببعض القرائن المذكورة، إلّا أنّه ليس بعد بالظهور الذي يطلب في دلالة الألفاظ، و مع ذلك في صدق الودج على الحلقوم خفاء و منع، بل صرّح بعضهم بعدم صدقه عليه و لا على المري حقيقة «1».

و على هذا، فيتعارض مقتضى الجمعيّة مع مقتضى الحقيقة، و ليس أحد التجوّزين أولى، مع أنّ الجمعيّة تحصل بإدخال المري ء أيضا، فتتعارض الحسنة و الصحيحة فيما إذا قطع الحلقوم دون غيره بالعموم من وجه.

و مع ذلك يمكن أن يكون المراد من الحسنة إرادة الحدّة من المروة و إخوتها، يعني: إذا كانت بحيث تشقّ الودج لا بأس به، و لكنّه خلاف المعنى الحقيقي، إذ يصير المعنى: إن كان من شأنه ذلك، و هو معنى مجازي.

و بالجملة: إثبات المشهور من الحسنة مشكل، و مقتضى التعارض إمّا التخيير الذي ذكره العماني، أو الرجوع إلى الأصل، و لكنّ الظاهر أنّ الأول مخالف للإجماع، بل لمفهوم الصحيحة، فيتعيّن الثاني، فيقوى الاكتفاء بالحلقوم في الذبح، و لو تعدّى عنه إلى الودجين فلا دليل تامّا على إدخال المري ء أصلا.

و مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط، و الأحوط اعتبار قطع الأربعة،

______________________________

(1) الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص:

404

فتأمّل و احتط.

المسألة الثانية: قيل: محلّ الذبح الحلقوم تحت اللحيين

بلا خلاف يظهر، لأصالة التحريم في غيره، مع عدم انصراف الإطلاقات إلّا إلى الحلقوم تحت اللّحيين، لأنّه المعروف المتعارف، فيجب حملها عليه، و في الصحيح: «لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» «1». انتهى «2».

و في الشرائع: الذبح في الحلق تحت اللحيين «3».

أقول: الظاهر أنّ تحت اللحيين بيان للحلق أو الحلقوم، و مقتضاه:

أنّه يجب أن يكون قطع الأوداج إنّما هو في الحلق، أي تحت اللحيين.

و هو كذلك و إن كانت الأدلّة التي ذكرها الأول كلّها مدخولة، لمنع أصالة الحرمة، و منع انصراف الإطلاق من جهة التعارف و العادة بحيث يكون حجّة، و عدم دلالة الصحيحة، لأنّ الكلام بعد في تعيين المذبح.

و لكن لقوله عليه السّلام في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة: «الذبح في الحلق» «4»، و الحلق تحت اللحيين، و لا أقلّ من عدم معلوميّة صدقه على غيره.

و لأنّ المأمور به هو الذبح، و صدقه على قطع الأوداج في غير ما ذكر غير معلوم.

و المعلوم من الحلق أو الحلقوم لغة و عرفا هو العنق ما بين أصل الرأس و مبدأ الصدر، و هو الوهدة الكائنة تحت الحلق، و على هذا فلو قطع

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.

(2) الرياض 2: 273.

(3) الشرائع 3: 205.

(4) في ص: 399.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 405

شي ء من الذقن أو من الوهدة لم يتحقّق الذبح و إن فرض قطع الأوداج.

المسألة الثالثة: المصرّح به في كلامهم وجوب قطع ما يجب قطعه من الحلقوم أو الأوداج الأربعة كلّا،

أي قطع تمام كلّ واحد منها، فلو ترك جلدة يسيرة من واحد منها و لم يقطعها حتى خرج روحه أو زالت حياته المستقرّة عند من يعتبرها حرمت الذبيحة.

و ظاهر المحقّق الأردبيلي «1» عدم اعتبار ذلك، و

كفاية قطع البعض الموجب لخروج الروح، و عدم اشتراط إتمامه بعده.

و لعلّه لصدق الذبح، و هو كذلك، إلّا أنّ صدق القطع المصرّح به في صحيحة الشحّام- و لو مع بقاء شي ء يسير- غير معلوم، فاعتباره هو الوجه، و لكنّه مخصوص بالحلقوم، و الإجماع المركّب في أمثال تلك المسائل غير واضح.

و احتمل المحقّق المذكور إرادة المصنّف أيضا اختصاصه بالحلقوم، و يختصّ أيضا بما إذا لم يتمّه قبل الموت، و أمّا إذا أتمّه قبله حلّ و لو قلنا باعتبار استقرار الحياة، كما يظهر وجهه ممّا يذكر في المسألة الآتية.

المسألة الرابعة: تجب متابعة الذبح حتى يستوفي الأعضاء الأربعة قبل خروج الحياة

مطلقا، أو الحياة المستقرّة على القول باعتبارها، فلو قطع بعض الأعضاء و أرسله، فانتهى إلى الموت أو إلى حركة المذبوح، ثمَّ استأنف قطع الباقي، حرم.

و قيل بالحلّية مع بقاء مطلق الحياة و لو قلنا باعتبار الاستقرار، لاستناد الإباحة إلى القطعين، و لأنّه لو أثّر في التحريم لم تحلّ ذبيحة أصلا و لو مع

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 406

التوالي، لانتفاء الحياة المستقرّة بعد قطع البعض لا محالة «1». و هو حسن.

المسألة الخامسة: لا يشترط أن يكون الذبح من القدّام

، للأصل، و الإطلاق، فلو ذبح ما يذبح من القفاء، فإذا سرع إلى قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حلّت الذبيحة، و كذا قبل أن تنتفي حياتها المستقرّة على اعتبارها، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة.

و أمّا المرويّ في الدعائم: عن الذبيحة تذبح إن ذبحت من القفاء، قال: «إن لم يتعمّد ذلك فلا بأس، و إن تعمّده و هو يعرف سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم تؤكل ذبيحته و يحسن أدبه» «2».

فقاصر عن إثبات الحرمة سندا و دلالة.

و لو شكّ في أنّه هل كان قبل انتفاء الحياة أو تزلزلها يحكم بعدمهما، للأصل، و الاستصحاب.

المسألة السادسة: لو قطع الأوداج أو واحد منها محرّفا

، فإن كان التحريف بحيث لم يحصل القطع الطولي في عضو، بل كان بالعرض فقط، لم يحلّ، لعدم صدق القطع. و إلّا حلّ، للأصل، و عدم دليل على اشتراط الاستقامة.

المقام الثاني: في بيان محلّ التذكية النحريّة. و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: محلّ النحر: اللّبّة

- بفتح اللام و تشديد الموحّدة التحتانيّة-: أسفل العنق بين أصله و صدره، و وهدتها: الموضع المنخفض منها، و يسمّى بالثغرة.

______________________________

(1) المسالك 2: 231.

(2) دعائم الإسلام 2: 180- 654، مستدرك الوسائل 16: 159 أبواب الذبائح ب 38 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 407

و الدليل على أنّها محلّ النحر: الإجماع و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1».

و النحر: أن يدخل السكّين و نحوها من الآلات الحديديّة في الثغرة من غير قطع الحلقوم.

و دليله: الإجماع، و المرويّ في الدعائم المنجبر ضعفه: البعير يذبح أو ينحر؟ قال: «السنّة أن ينحر» قيل: كيف ينحر؟ قال: «يقام قائما حيال القبلة، و تعقل يده الواحدة، و يقوم الذي ينحره حيال القبلة، فيضرب في لبّته بالشفرة حتى يقطع و يفري» [1].

المسألة الثانية: يشترط في الناحر و آلته ما يشترط في الذابح و آلته،

بالإجماع، و بعض الإطلاقات.

المسألة الثالثة: التذكية بالنحر مخصوصة بالإبل

، و ما عداها يذكّى بالذبح، بلا خلاف، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر و الشهيد الثاني و غيرهم و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «2»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة، المتضمّنة لإطلاق اسم النحر للإبل و الذبح لغيره، كالأخبار الواردة في الهدي «3»، و روايتي أبي بصير «4» و إسماعيل الجعفي «5»

______________________________

[1] الدعائم 2: 180- 652، و الشفرة بالفتح فالسكون: السكين العريض و ما عرض من الحديد و حدّد- مجمع البحرين 3: 352، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 5.

______________________________

(1) في ص: 399.

(2) الخلاف 2: 522، الغنية (الجوامع الفقهية): 618، السرائر 3: 107، حكاه عن الشهيد الثاني في الرياض 2: 274، و انظر كشف اللثام 2: 259، المفاتيح 2: 201.

(3) الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35.

(4) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(5) الكافي 6: 231- 5، التهذيب 9: 54- 222، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 408

الواردتين في البعير الممتنع و المتردّي، و الصحيحة «1» و الموثّقة «2» الواردتين في ذبح البقر و إنّ منحوره ليس بذكي و لا يؤكل، و الصحيحتين الواردتين في ذبح الشاة و مطلق الطير.

بل نقول: إنّ إطلاقات الأمر بالذبح كثيرة شاملة لجميع الحيوانات، خرج منها البعير بما ذكر، فيبقى الباقي.

و الظاهر أنّ الإجماع و عمل الناس و سيرتهم في الأعصار و الأمصار- بحيث صار ضروريّا لكلّ أحد- يكفينا مئونة الاستدلال على ذلك التفصيل.

و ما يستفاد من بعض المتأخّرين- كالمقدّس الأردبيلي «3» و صاحب الكفاية «4»

و غيرهما «5» من عدم قيام دليل صالح على التفصيل- من التدقيقات الباردة التي لا ينظر إليها الفقيه.

و ممّا ذكرنا ظهر حال الخبر الدالّ على أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحر الفرس «6»، فإنّه مخالف للإجماع، و مع ذلك محمول على التقيّة، و يشهد له كون بعض رواته من العامّة.

المسألة الرابعة: الواجب اختصاص كلّ حيوان بطريق تذكيته

، فتنحر الإبل و يذبح غيرها، فلو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حرم بالإجماع، و في مرسلة الفقيه: «كلّ منحور مذبوح حرام، و كل مذبوح منحور حرام» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 228- 2، التهذيب 9: 53- 218، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 1.

(2) الكافي 6: 229- 3، التهذيب 9: 53- 219، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 11: 98.

(4) كفاية الأحكام: 247.

(5) كالشهيد الثاني في بعض حواشيه على ما حكاه عنه في الرياض 2: 274.

(6) التهذيب 9: 48- 201، الوسائل 24: 122 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 5 ح 4.

(7) الفقيه 3: 210- 968، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 409

الفصل الرابع في سائر شرائط الذبح و النحر و هي أمور تذكر في طيّ مسائل:

المسألة الاولى: من شرائط الذبح و النحر: استقبال القبلة،
اشاره

إجماعا محكيّا مستفيضا «1»، و محقّقا، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى المستفيضة:

كصحيحة محمّد: «استقبل بذبيحتك القبلة» «2».

و الأخرى: عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلى القبلة، قال:

«كل منها»، قلت له: فإن لم يوجّهها، قال: «فلا تأكل، و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليها»، و قال عليه السّلام: «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة» «3».

و الثالثة: عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة، فقال: «كل و لا بأس بذلك ما لم يتعمّده» «4»، دلّت بالمفهوم على المطلوب.

و مفهوم صحيحة الحلبي: عن الذبيحة تذبح لغير القبلة، قال:

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 618، و المسالك 2: 226، و المفاتيح 2:

199.

(2) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 27 أبواب الذبائح ب 14 ح 1.

(3) الكافي 6: 233- 1، التهذيب 9: 60- 253، الوسائل 24: 27 أبواب الذبائح ب 14

ح 2.

(4) الكافي 6: 233- 4، التهذيب 9: 59- 250، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 410

«لا بأس إذا لم يتعمّد» «1».

و المرويّ في الدعائم أنّهما قالا في من ذبح لغير القبلة: «إن كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شي ء عليه و تؤكل ذبيحته، و إن تعمّد ذلك فقد أساء و لا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمّد خلاف السنّة» «2».

و الأمر في تلك الأخبار محمول على الوجوب الشرطي، و جعلوا الاستقبال شرطا للحلّية و هو إجماعي، و الإجماع عليه أيضا مصرّح به في كلامهم «3»، و هو الدليل عليه، و إلّا فإثباته من الأخبار مشكل، لأنّ المتبادر من الأمر الوجوب الشرعي، و هو غير مستلزم للحرمة مع ترك المأمور به.

و قوله: «فلا تأكل» في الصحيحة الثانية يحتمل الخبريّة.

نعم، لو كان المشار إليه- في قوله: «بذلك» في الثالثة- هو الأكل لدلّت بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- في أكل ما تعمّد فيه ذلك، و لكن يحتمل أن يكون إشارة إلى الذبح لغير القبلة.

و كذلك مفهوم جواز الأكل يمكن عدم الجواز بالمعنى الأخصّ.

و الظاهر من رواية الدعائم الكراهة، و لكنها خلاف الإجماع، فالدليل هو الإجماع المعتضد ببعض ما ذكر.

ثمَّ وجوب الاستقبال و الحرمة بدونه إنّما هو مع العلم بالوجوب و تعمّد تركه، فلا يحرم مع نسيانه إجماعا فتوى و نصّا، و كذا لو تركه جهلا بالحكم أو بالقبلة أو خطأ فيها، على المصرّح به في كلام كثير من

______________________________

(1) الكافي 6: 233- 3، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح ب 14 ح 3.

(2) الدعائم 2: 174- 626، مستدرك الوسائل 16: 138 أبواب

الذبائح ب 12 ح 2، و فيه: و لا نحب، بدل: و لا يجب.

(3) انظر كفاية الأحكام: 246، و كشف اللثام 2: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 411

الأصحاب، كالإرشاد و الدروس و الروضة و المفاتيح و الكفاية «1»، بل نسبه المحقّق الأردبيلي إلى كلام الأصحاب «2»، لدلالة رواية الدعائم المنجبرة على الجميع. بل تدلّ على الحلّ في صورة الترك مع اعتقاد عدم الوجوب، لصدق الخطأ و الجهل حينئذ أيضا.

و يستدلّون للحكم في صورة الجهل بالصحيحة الاولى.

و فيه نظر، لاحتمال أن يكون المعنى: أنّ ذبيحة الجاهل بوجوب التوجيه تؤكل إذا وجّه و لا تؤكل إذا علم عدم التوجيه، بل هو الظاهر من معناها، فلا دلالة لها.

فروع:
أ: هذه الأخبار و إن اختصّت بالذبيحة، إلّا أنّه يتعدّى إلى المنحورة

بالمركّب من الإجماع.

ب: هل اللازم استقبال جميع مقاديم الذبيحة القبلة، أو يكفي استقبال المذبح و المنحر خاصّة؟

ظاهر جماعة: الأول «3»، لظاهر الصحيحين الأولين، لأنّه المتبادر من استقبال الذبيحة، بل هو معناه.

و دليل الآخرين الأصل، و هو مدفوع بما مرّ.

ج: هل يشترط استقبال الذابح أو الناحر للقبلة أيضا، أم لا؟

______________________________

(1) إرشاد الأذهان 2: 108، الدروس 2: 413، الروضة 7: 215، المفاتيح 2:

200، كفاية الأحكام: 246.

(2) مجمع الفائدة 11: 114.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 226، و الكاشاني في المفاتيح 2: 199، و صاحب الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 412

فيه قولان، أظهرهما: الثاني، للأصل.

و يستدلّ للأول بأنّ المتبادر من التعدية بالباء: المصاحبة، أي استقبل مع ذبيحتك.

و يردّ بمنع التبادر، بل الظاهر أنّها مثل التعدية بالهمزة، فإنّ المتبادر من: «ذهب به» أنّه أذهبه.

نعم روي في الدعائم عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة، أحدّ الشفرة و استقبل القبلة» «1».

و لكنه- لضعفه- لا يصلح لإثبات الزائد على الاستحباب. و تقدّمت أيضا روايته الدالّة على رجحان استقبال الناحر «2».

المسألة الثانية: و من شرائطهما: التسمية،
اشاره

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ بالاستفاضة «3»، و الأصل، و صريح الكتاب.

قال اللّه سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «4».

و السنّة المتواترة معنى، منها: الأخبار المتكثّرة المتقدّمة كثير منها، المصرّحة بأنّ الذبيحة بالاسم و لا يؤمن عليها إلّا مسلم «5».

و منها: الأخبار المتقدّمة، المتضمّنة لحلّ بعض الذبائح بشرط سماع التسمية «6».

و منها: صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة في المسألة الرابعة من

______________________________

(1) الدعائم 2: 174- 625، مستدرك الوسائل 16: 137 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.

(2) في ص: 407.

(3) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 618، و المسالك 2: 227، و المفاتيح 2: 198.

(4) الأنعام: 121.

(5) الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.

(6) في ص: 384 و 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 413

الفصل الأول «1».

و صحيحة محمّد المتقدّمة في المسألة السابقة.

و الأخرى: عن الرجل يذبح و لا يسمّي، قال: «إن كان ناسيا فلا بأس عليه إن

كان مسلما و كان يحسن أن يذبح و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما ذبح» [1].

و الثالثة: عن رجل ذبح و لم يسمّ، فقال: «إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر و يقول: بسم اللّه على أوله و على آخره» «2».

و الرابعة الواردة في ذبيحة المرأة، و فيها: «و لتذكر اسم اللّه عليها» «3».

و صحيحة سليمان: عن ذبيحة الغلام و المرأة، و فيها: «إذا كانت المرأة مسلمة و ذكرت اسم اللّه تعالى على ذبيحتها حلّت ذبيحتها و كذلك الغلام» «4».

و رواية محمّد الحلبي: «من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله» «5».

و رواية مسعدة: عن ذبيحة الغلام، [قال:] «إذا قوي على الذبح و كان يحسن أن يذبح و ذكر اسم اللّه عليها فكل» «6»، إلى غير ذلك.

______________________________

[1] الكافي 6: 233- 2، التهذيب 9: 60- 252، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2، و النخع للذبيحة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى النّخاع- لسان العرب 8: 348.

______________________________

(1) في ص: 389.

(2) الكافي 6: 233- 4، الفقيه 3: 211- 977، التهذيب 9: 59- 250، الوسائل 24: 30 أبواب الذبائح ب 15 ح 4.

(3) الكافي 6: 237- 1، الفقيه 3: 212- 981، التهذيب 9: 73- 310، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 5.

(4) الكافي 6: 237- 3، الفقيه 3: 212- 983، التهذيب 9: 73- 308، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.

(5) الفقيه 3: 211- 980، الوسائل 24: 30 أبواب الذبائح ب 15 ح 6.

(6) الكافي 6: 237- 2، التهذيب 9: 73- 309، الوسائل 24: 42 أبواب الذبائح ب 22 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 15، ص: 414

ثمَّ التسمية أيضا كالاستقبال في اختصاص وجوبها و الحرمة بدونها بصورة التذكّر و تعمّد الترك، فلا يحرم لو تركها نسيانا، و بالإجماعين «1» و الصحيحين المتقدّمين.

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يذبح فينسى أن يسمّي أتوكل ذبيحته؟

فقال: «نعم، إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذبح قبل ذلك و لا ينخع و لا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة» «2».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: «إن كان الرجل مسلما فنسي أن يسمّي فلا بأس بأكله إذا لم تتّهمه» «3» يعني: أنّه ترك التسمية متعمّدا لاعتقاده جواز تركها.

و في إلحاق الجهل هنا أيضا بالنسيان و عدمه قولان، صريح المحقّق الأردبيلي: الأول «4»، و لم يذكر عليه دليلا.

نعم استدلّ له بعض آخر بكون الجهل كالنسيان في المعنى المسوّغ للأكل، و لذا تساويا في ترك الاستقبال «5»، و هو عين المصادرة.

و الثاني ظاهر الأكثر، حيث لم يذكروه، و قيل: لم أر من صرّح بالحلّ مع الترك جهلا «6». و دليله: الأصل، و إطلاق قوله سبحانه، و الأخبار المعصوميّة. و هو الأقرب.

______________________________

(1) الرياض 2: 273.

(2) الكافي 6: 233- 3، الفقيه 3: 211- 979، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.

(3) تفسير العياشي 1: 375- 86، الوسائل 24: 46 أبواب الذبائح ب 23 ح 11.

(4) مجمع الفائدة 11: 115.

(5) الرياض 2: 274.

(6) الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 415

فروع:
أ: لا يشترط في التسمية كون الذابح ممّن يعتقد وجوبها

، وفاقا للأكثر، للإطلاقات، و العمومات، و الحكم بحلّ ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوبها «1»، بل حلّ شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود و اللحوم من غير سؤال «2».

خلافا للفاضل في المختلف «3»، و لا دليل له سوى عدم قصده

بالتسمية بناء على اعتقاده.

و فيه: فقد الدليل على اعتبار القصد أيضا.

ب: لا يشترط في التسمية أن تكون في ضمن البسملة

، بل تتحقّق بذكر كلّ ما يشتمل على اسم اللّه سبحانه، كما صرّح به جماعة «4» من غير خلاف بينهم يوجد.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد: عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّه تعالى، قال: «هذا كلّه من أسماء اللّه تعالى و لا بأس به» «5».

و الظاهر أنّ المراد أنّ الكلّ متضمّن لاسمه سبحانه، و لا يثبت من الصحيحة أزيد من كفاية كلّ ما يتضمّن ذكر اسم اللّه، سواء كان بسملة أو

______________________________

(1) الوسائل 24: 66 أبواب الذبائح ب 28.

(2) انظر الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50، و ج 24: 70 أبواب الذبائح ب 29.

(3) المختلف: 680.

(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 227، و المحقق السبزواري في الكفاية:

247، و صاحب الرياض 2: 273.

(5) الكافي 6: 234- 5، الفقيه 3: 211- 978، التهذيب 9: 59- 249، الوسائل 24: 31 أبواب الذبائح ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 416

غيرها.

و لا يشترط ذكر لفظ الاسم، فيكفي مثل: استغفر اللّه، و غيره.

و أمّا كفاية غير ذلك ممّا لا يتضمّن اسم اللّه- كما أن يذكر صفاته العليا، نحو: من دان له أو خضع له جميع الخلق، و أمثال ذلك- فلا يثبت منها، بل و كذا غير لفظ اللّه من أسمائه الحسنى، نحو: الرحمن، و:

الرحيم، لجواز أن تكون الإضافة في اسم اللّه بيانيّة، بل يمكن الخدش في كون غير لفظ اللّه اسما حقيقيّا له.

و منه يظهر أنّ الأقرب اعتبار العربيّة أيضا، كما به صرّح طائفة «1».

ج: المستفاد من صحيحة محمّد الثالثة: أنّ الناسي للتسمية يذكرها عند الذكر

، بل ظاهرها الوجوب، و لكن صرّح جماعة بعدم قائل بوجوبه «2»، و لذا حملوه على الاستحباب، و هو جيّد.

و هل الاستحباب مخصوص بالتذكّر حال الاستقبال بالذبح،

أو يعمّ جميع حالات الاشتغال بالذبيحة، مثل سلخها و تقطيع لحمها؟

مقتضى إطلاق الصحيحة: الثاني، بل لعلّه يشمل حال الفراغ أيضا.

د: هل يجب أن تكون التسمية مع التذكّر مقارنة للشروع في الذبح،

أم يجوز مقدّمة عليه حين الشروع في مقدّماته، كأخذ الشاة، أو ربطها و شدّها، أو حين القيام للأخذ؟

الظاهر: الأول، لعدم معلوميّة صدق ذكر اسم اللّه عليه في غير المقارن للشروع، و لكن المقارنة العرفيّة كافية قطعا.

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 273.

(2) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 117، و العلّامة المجلسي في البحار 62: 298، و صاحب الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 417

ه: هل يجب أن تكون التسمية بقصد الذبح، أو لا؟

الظاهر: الأول، ليعلم تحقّق ذكر اسم اللّه عليه، فلو اتّفق مقارنة الشروع في الذبح لذكر اسم اللّه بقصد آخر لم يكف.

و: يشترط أن يكون المسمّى هو الذابح، فلا تكفي تسمية غيره

مقارنة لذبحه و لو بقصده، لوقوع الأمر به للذابح في كثير من الأخبار، مضافا إلى ما مرّ من نوع خفاء في معنى ذكر اسم اللّه عليه، فيقتصر على المتيقّن.

ز: صرّح في المسالك بأنّه يكتفي من الأخرس بالإشارة المفهمة للتسمية و قصدها

إن كان قادرا عليها، و إن لم يقدر على الإشارة فهو كغير القاصد لا تحلّ ذبيحته «1».

أقول: إن عمّم ذكر اسم اللّه بحيث يشمل التذكّر القلبي لكان ما ذكره حسنا، و لكن لازمه الاكتفاء به في الناطق أيضا و لم يقل به أحد.

و إن خصّ باللفظي- كما هو المستفاد من الأخبار، بل هو حقيقة التسمية المأمور بها في الأخبار، بل في بعضها: «و يقول: بسم اللّه على أوله و آخره» و في بعضها: «سمعته يقول»- فلا وجه للاكتفاء بإشارة الأخرس، و قيامها مقام اللفظ في بعض المواضع بدليل لا يثبت الكلّية، فالأقوى عدم حلّية ذبيحته، إلّا أن يثبت عليه إجماع، و لم يثبت بعد.

ح: لو اكره على الذبح، فإن بلغ حدّا يرفع القصد إلى الفعل لم تحلّ ذبيحته

- كأن يقبض يده و يمرّ مع السكّين على المذبح- و إلّا فتحلّ مع ذكر اسم اللّه، للإطلاقات.

______________________________

(1) المسالك 2: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 418

المسألة الثالثة: و من الشرائط أيضا: حركة الذبيحة أو المنحورة
اشاره

حركة الحيّ خاصّة، عند الصدوق و الفاضل في المختلف «1»، و قوّاه ثاني الشهيدين «2».

و خروج الدم المعتدل خاصّة لا المتثاقل- أي المتقاطر قطرة قطرة مع التثاقل- عند الشهيد في الدروس على ما حكي عنه «3».

و مجموع الأمرين المذكورين عند جماعة، منهم: المفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و الحلبي «4»، و ابن زهرة مدّعيا هو الإجماع عليه «5».

و أحد الأمرين عند طائفة أخرى، منهم: الشيخ في النهاية و الحلّي و الفاضلين «6» و أكثر المتأخّرين كما في المسالك «7»، بل الأكثر مطلقا كما في المفاتيح «8» و شرحه.

دليل الأولين: المستفيضة المعتبرة:

كموثّقة البصري: «إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرّك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته» «9».

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 139، المختلف: 681.

(2) في الروضة 7: 224.

(3) الدروس 2: 413.

(4) المفيد في المقنعة: 580، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 681، القاضي في المهذّب 2: 440، الديلمي في المراسم: 209، الحلبي في الكافي في الفقه:

320.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(6) النهاية: 584، الحلّي في السرائر 3: 110، المحقق في المختصر: 250، العلّامة في التحرير 2: 159.

(7) المسالك 2: 227.

(8) المفاتيح 2: 201.

(9) الكافي 6: 232- 3، التهذيب 9: 57- 237، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 419

و رواية عبد اللّه بن سليمان: «إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرّك الذنب و أدركته فذكّه» «1».

و رواية أبان: «إذا شككت في حياة شاة و رأيتها تطرف عينها أو تحرّك

أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن الذبيحة، فقال: «إذا تحرّك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي» «3».

و رواية رفاعة: في الشاة «إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة» «4».

و صحيحة أبي بصير: عن الشاة تذبح فلا تتحرّك و يهراق منها دم كثير عبيط، فقال: «لا تأكل، إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» «5».

و رواية ليث المرادي: «و خير الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرجل تركض و الذنب يتحرّك» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 232- 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.

(2) الكافي 6: 232- 4، التهذيب 9: 57- 238، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5، و المصع: الحركة و الضرب- النهاية الأثيرية 4: 337.

(3) الكافي 6: 233- 5، التهذيب 9: 56- 235، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 3.

(4) الكافي 6: 233- 6، التهذيب 9: 56- 234، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 4.

(5) الفقيه 3: 209- 962، التهذيب 9: 57- 240، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.

(6) الكافي 6: 208- 10، التهذيب 9: 33- 131، الاستبصار 3: 73- 267، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 420

دلّت غير الأخيرتين منطوقا على كفاية الحركة، و مفهوما على عدم كفاية غيره، و الأخيرة منطوقا على كفاية الحركة، و ما قبلها على عدم كفاية خروج الدم.

حجّة الثاني: صحيحتا محمّد: عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكّين بحدّتها فأبان الرأس، قال: «إن خرج الدم فكل» «1».

و رواية سماعة، و فيها: «لا بأس إذا

سال الدم» «2».

و رواية الحسن بن مسلم الواردة في بقرة ضربها رجل بفأس فسقطت ثمَّ ذبحها، و فيها: «إن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا و أطعموا، و إن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه» «3».

دلّت بالمناطيق على كفاية خروج الدم، و بالمفاهيم على عدم كفاية غيره.

و مستند الثالث- بعد أصالة الحرمة، و لزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقّن المجمع عليه، و ليس إلّا ما اجتمع فيه الأمران، و الإجماع المنقول «4»، و الشهرة القديمة المحكيّة «5»- كون ذلك مقتضى تعارض أخبار الطرفين و العمل بقواعد التعارض، حيث إنّ منطوق كلّ منهما يعارض

______________________________

(1) الاولى: الكافي 6: 230- 2، الفقيه 3: 208- 960، التهذيب 9: 55- 230، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.

الثانية: التهذيب 9: 57- 239، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ذيل الحديث 2.

(2) الفقيه 3: 208- 961، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 4.

(3) الكافي 6: 232- 2، التهذيب 9: 56- 236، قرب الإسناد: 44- 143، و في التهذيب و الوسائل 24: 25 أبواب الذبائح ب 12 ح 2 عن الحسين بن مسلم.

(4) راجع ص: 418.

(5) حكاها صاحب الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 421

مفهوم الآخر بالعموم من وجه، و المرجّح في البين مفقود، فيرجع في موضع التعارضين- و هما ما تحرّك و لم يخرج الدم، أو خرج الدم و لم يتحرّك- إلى أصالة الحرمة.

و مستمسك الرابع- بعد أصالة الحلّية الحاصلة بذكر اسم اللّه عليه، و الشهرة الجديدة أو المطلقة المحكيّة- تعارض أخبار الطرفين- كما مرّ- و عدم المرجّح، فيحكم في موضع التعارض بالتخيير، كما هي القاعدة.

أقول- و من

اللّه التوفيق-: لا ينبغي الريب في دلالة نصوص كلّ من الطرفين، إلّا أنّ الأخبار الأولى أصرح دلالة و أوضحها، و ذلك لما قيل «1» من أنّ الصحيحين و رواية سماعة- من الأخبار الثانية- واردة في غير المشتبه حياته و موته، بل المستقرّ حياته استقرارا يظنّ ببقائه زمانا يحتمله.

و إنّما إشكال السائل فيها من حيث قطع الرأس بسبق المدية «2»، و لا ريب أنّ الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقّق الحركات المزبورة منها.

و الرواية الأخيرة فهي و إن كانت في المشتبه الذي هو مفروض المسألة- كما صرّح به جماعة «3»- إلّا أنّها مع قصور سندها غير صريحة بل ظاهرة، لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية، سيّما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا، و ليس كذلك الذبيحة المشتبهة بعدها حركة ما جزئيّة، فإنّه غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّه لا دليل على كون الصحيحين و رواية

______________________________

(1) في الرياض 2: 274.

(2) المدية: الشفرة- الصحاح 6: 2490.

(3) منهم الشهيد في الدروس 2: 414، و صاحب الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 422

سماعة واردة في غير المشتبه.

نعم، هي مطلقة، و كثير من الأخبار الأولى أيضا كذلك، فتكون أخبار الطرفين من تلك الجهة في مرتبة واحدة من الوضوح و عدمه.

نعم، تترجّح الاولى بالخلوّ عن المعارض الأخصّ و لا كذلك الثانية، لأنّ صحيحة أبي بصير المذكورة الناصّة على عدم التحرّك أخصّ مطلقا من الثانية، فيخصّص عموم مناطيقها بما إذا حصل مع خروج الدم، كما هو الغالب، و لازمه اختصاص مفاهيمها، لأنّ المفهوم تابع للمنطوق. و حينئذ فتبقى الأخبار الأولى بلا معارض، إلّا أنّه يخدشها: أنّ اللفظ

الوارد في صحيحة أبي بصير ليس صريحا في النهي، لاحتمال الخبريّة، و حينئذ لا تكون الصحيحة معارضة للأخبار الثانية في الحكم.

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ الصواب ترك الكلام في تضعيف ظهور دلالة تلك الأخبار أو تخصيصها، و الرجوع إلى ما يقتضيه تعارضهما، كما فعله أرباب القولين الأخيرين، فنقول:

إنّ ما ذكره أهل القول الثالث- من الرجوع إلى الأصل- تماميّته تتوقّف على فقد المرجّح لأحد الطرفين أولا، و صحّة أصل الحرمة ثانيا، و كلاهما ممنوعان.

أمّا الأول: فلأنّ من المرجّحات المنصوصة: الشهرة رواية، و هي مع الأخبار الاولى في الجملة و إن لم تكن بمرتبة توجب الحكم البتّة، فتأمّل.

و أمّا الثاني: فلما عرفت مرارا من أنّ الأصل- بعد ذكر اسم اللّه، سيّما مع الذبح أو النحر- مع الإباحة.

و ما ذكره أصحاب القول الرابع من الرجوع إلى القاعدة- التي هي التخيير- و إن كان صحيحا، إلّا أنّ في كون مقتضى التخيير- الذي هو القاعدة عند التعارض و فقد المرجّح- الاكتفاء بأحد الأمرين، خفاء، إلّا أنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 423

إن كان كذلك ثبت مطلوبهم، و إلّا فيكون التخيير بالمعنى الآخر منفيّا هنا قطعا، للإجماع، فيبقى الرجوع إلى الأصل، و هو كما عرفت مع الإباحة.

فإذن الأقوى هو القول الرابع، و عليه الفتوى.

فروع:
أ: المستفاد من الأخبار المتقدّمة كفاية واحدة من الحركات الثلاث أو الأربع

، من طرف العين، أو حركة الاذن، أو الرجل، أو الذنب، فعليها العمل، و لا تنافيها رواية ليث المتضمّنة للفظة «الواو» المقتضية للجمع، لأنّ الموضوع فيها خير الذكاة دون مطلقها.

ب: اللازم في تلك الحركات حركة الحيّ،

فلا تفيد غيرها- كالتقلّص و نحوه- للإجماع، و لأنّها المتبادر من حركة الحيوان، سيّما إذا أضيفت الحركة إليه، كما في روايتي أبان و رفاعة.

ج: المصرّح به في كلام جماعة- منهم: المحقّق الأردبيلي «1»، و بعض مشايخنا عطّر اللّه مراقدهم- أنّ كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما- على اختلاف الأقوال- علامة للحلّ إنّما هو فيما اشتبهت حياته و موته

، فلو علمت حياته قبل الذبح، فذبح و لم يوجد شي ء منها، يكون حلالا، لأنّه قد علمت حياته و ذبح على الوجه المقرّر، و إن علم موته و ذبح و وجد بعض هذه العلامات لم يحلّ، و هو كذلك.

و قد صرّح في رواية أبان بأنّ الرجوع إلى العلامات عند الشكّ في الحياة، و يشعر به أيضا قوله: فقد أدركته و أدركت ذكاته، في روايتي

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 424

البصري و عبد اللّه بن سليمان.

و يدلّ على أنّ المعلوم حياته لا يحتاج إلى وجود العلامات: ما دلّ على كفاية الحياة في التذكية، كقوله في صحيحة محمّد بن قيس الواردة فيما أخذت بالحبالة: «و كلوا ما أدركتم حياته و ذكرتم اسم اللّه عليه» «1».

و في موثّقة البصري: «و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه» «2».

و على أنّ المعلوم موته لا يفيد فيه وجود العلامات: عمومات حرمة الميتة و إطلاقاتها «3».

و قوله في رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع: «إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «4».

هذا، مع أنّ الحكم في المقامين إجماعي، و مع ذلك، الفرض الذي ذكر فيهما فرض نادر إن لم نقل بأنّه محال عادي، و لا يلتفت إلى مثله في الاستدلال بالأخبار.

د: محلّ الحركة التي بها تعرف الحلّية هل هو قبل الذبح، أو بعده؟

صرّح في المسالك بالثاني «5»، و نسب بعضهم إلى الأصحاب كافّة «6»،

______________________________

(1) الكافي 6: 214- 1، التهذيب 9: 37- 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 1.

(2) الكافي 6: 214- 3، التهذيب 9: 37- 155 و 156، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.

(3) الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.

(4) الكافي 6: 231- 1،

التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(5) المسالك 2: 227.

(6) الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 425

و عن الغنية ادّعاء إجماع الإماميّة عليه «1»، و هو ظاهر صحيحة أبي بصير، حيث قال: تذبح فلا تتحرّك «2».

و يمكن استفادته من صحيحة محمّد الحلبي و رواية رفاعة أيضا، حيث قال: «إذا تحرّك .. فهو ذكي» «3».

و لو أراد الحركة القبليّة لكان يقول: يقبل الذكاة.

إلّا أنّ ظاهر روايتي أبان و عبد اللّه بن سليمان «4» كفاية القبليّة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ غاية ما تدلّان عليه: أنّه إذا تحرّك قبل التذكية يقبلها، و أمّا توقّف الحلّية بعدها على حركة أخرى بدليل آخر فلا ينافي ذلك أصلا، فتأمّل.

المسألة الرابعة: اشتهر بين جماعة من المتأخّرين- منهم: المحقّق في الشرائع و الفاضل تبعا للشيخ- اشتراط استقرار حياة الذبيحة قبل الذبح

«5»، و فسّر في الشرائع الحياة المستقرّة- التي شرطها- بالتي يمكن أن يعيش مثلها اليوم و الأيّام.

و ظاهر عبارات القدماء عدم اعتباره، حيث لم يذكروه و لم يتعرّضوا له، و هو ظاهر المحقّق في النافع و الشهيدين و الصيمري «6» و معظم متأخّري

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(2) المتقدّمة في ص: 419.

(3) المتقدّمتين في ص: 419.

(4) المتقدّمتين في ص: 419.

(5) الشرائع 3: 207، الفاضل في القواعد 2: 155، و التحرير 2: 159، الشيخ في المبسوط 6: 275.

(6) النافع: 249، الشهيد في الدروس 2: 415، الشهيد الثاني في الروضة 7:

227، و حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 426

المتأخّرين «1»، بل نقل عن نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّه قال: إنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب و لم ينقل للمشترطين له حجّة قابلة للتعويل عليها «2».

و استدلّ بعضهم له بأنّ ما لا تستقرّ حياته قد صار بمنزلة

الميتة.

و بأنّ إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها، بل السابق أولى، فصار كأنّ هلاكه بذلك السبب، فيكون ميتة «3».

و زاد بعض آخر، فقال باعتضاد ما ذكر بأصالة الحرمة، و اختصاص الإطلاقات كتابا و سنّة بحلّ المذكّى- بحكم التبادر و الغلبة- بما له حياة مستقرّة «4».

و يردّ الأول: بمنع صيرورته بمنزلة الميتة في عدم قبول التذكية، و ليس هو غير المصادرة و الاجتهاد في مقابلة ظواهر الكتاب و السنّة.

و يردّ الثاني أيضا من جهة أنّ مقتضى النصوص سببيّة ذبح الحي لحلّيته و إن مات بعده بسبب آخر.

سلّمنا، غايته اشتراط عدم العلم باستناده إلى غير الذبح، و هو في المقام حاصل، مع أنّه قد يعلم استناده إلى خصوص الذبح، كما إذا كانت الحياة الغير المستقرّة ممّا يعلم معها بقاؤه و تعيّشه، أو يظنّ ذلك ساعة أو ساعتين، فيذبح بحيث يعلم أنّه عجّل في إزهاق روحه.

______________________________

(1) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 248، و الكاشاني في المفاتيح 2: 201، و صاحب الرياض 2: 275.

(2) حكاه عنه في الدروس 2: 415، و المفاتيح 2: 202.

(3) كما في المسالك 2: 229.

(4) كصاحب الرياض 2: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 427

و كأنّه إنّما دعاه إلى الاستدلال بهذا الدليل: النصوص الواردة في الصيد الذي سقط من جبل أو وقع في ماء قبل زهوق روحه فمات، حيث إنّها حكمت بعدم أكله «1».

و لقائل أن يقول: إنّ ثبوته في الاصطياد لا يستلزم ثبوته في الذبح أيضا، فإنّه يمكن أن تكون التذكية الصيديّة هي ما يخرج روحه بالاصطياد و ليس غيره اصطيادا مع الحياة، و لا كذلك التذكية الذبحيّة، بل المعتبر فيها قطع الأوداج مع الحياة بالشرائط من

أيّ سبب كان خروج الروح.

و لذا فرّق بينهما في الروايات أيضا، فحكمت بحرمة الصيد المذكور بخلاف الذبحيّة، بل حكمت فيها بالحلّية كما في صحيحة زرارة: «إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل» «2».

و هل هذا من الشارع إلّا التفرقة بين الصيد و الذبح؟! و هذا ظاهر جدّا، و يؤكّد ذلك ما يأتي من اختلافهم في حلّية الذبيحة التي أبين رأسها قبل خروج روحها، فإنّ إبانة الرأس أقوى سبب في خروج الروح، مع أنّ من حكم فيها بالحرمة استند لها بالخبر الناهي عن أكله، لا باستناد الموت إلى الإبانة.

و يردّ الثالث: بمنع أصالة الحرمة، بل الأصل مع الحلّية، كما ذكرناه غير مرّة.

و الرابع: بمنع تبادر ما تستقرّ حياته و غلبته بحيث تنصرف الإطلاقات

______________________________

(1) كما في الوسائل 23: 378 أبواب الصيد ب 26.

(2) التهذيب 9: 58- 241، تفسير العياشي 1: 291- 16، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 428

إليها، مع أنّ من نصوص الحلّية بالذبح ما هو ظاهر أو صريح في غير مستقرّ الحياة أو الغالب فيه ذلك.

منها: صحيحة زرارة المتقدّمة آنفا.

و منها: الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة المكتفية بطرف العين أو ركض الرجل أو حركة الاذن أو الذنب، فإنّ الاعتبار بهذه الحركات الجزئيّة إنّما يكون غالبا فيما لا حياة مستقرّة له، سيّما بضميمة قوله: «فقد أدركت ذكاته».

مع أنّ رواية أبان وردت فيما شكّ في حياته «1»، و لا ريب أنّ الشكّ لا يكون مع الحياة المستقرّة، و إن كان فهو نادر شاذّ جدّا.

و رواية الحسن بن مسلم واردة في المضروبة بالفأس

بحيث سقطت و شكّ في قبولها الذبح «2»، و لا شكّ أنّ الحياة في مثلها غير مستقرّة دائما أو غالبا.

و منها: بعض الأخبار الواردة فيما أخذته الحبالة و أنّها إذا قطعت منه شيئا لا يؤكل، و ما يدرك من سائر جسده حيّا يذكّى و يؤكل «3»، فإنّه لو لم يكن الغالب في المأخوذ بالحبالة المنقطع بعض أجزائه الحياة الغير المستقرّة فلا شكّ في عدم غلبة المستقرّة و لا تبادرها.

و منها: الأخبار الواردة في وجوب ذبح ما يدرك حياته من الصيود، فإنّ الغالب فيها لو لم يكن عدم الاستقرار ليس الاستقرار قطعا، بل في بعضها إشعار بعدمه، كرواية أبي بصير المتضمّنة لقوله: «فإن عجّل عليك

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 419.

(2) تقدّمت في ص: 420.

(3) الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 429

فمات قبل أن تذكّيه فكل» «1»، فإنّ التعجيل مشعر بعدم كونه مستقرّ الحياة.

و منها: رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح بعد التسمية، و قوله: «فكل إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «2»، فإنّ الظاهر فيه رفع استقرار الحياة بالضرب بالسيف أو الرمح.

و منها: الأخبار الواردة فيما قطع بالسيف أو المعراض قطعتين، المجوّزة لأكل الأكبر أو ما يلي الرأس أو المتحرّك من القطعتين، أي بعد التذكية الذبحيّة «3»، و ظاهر أنّ الغالب في مثل ذلك عدم استقرار الحياة.

و منها: الأخبار الواردة في النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع و الموقوذة [1]، المصرّحة بأنّها لا تؤكل إلّا مع التذكية، مع أنّ الغالب فيها عدم استقرار الحياة.

بل منها ما هو ظاهر فيه، و هو صحيحة زرارة: «كل من كلّ شي ء من الحيوان، غير الخنزير و

النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع، و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ «4» فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله» «5».

و قوله: «و النطيحة» معطوف على الحيوان أو كلّ شي ء، فإنّ الحكم

______________________________

[1] الموقوذة: هي المضروبة حتى تشرف على الموت ثمَّ تترك حتى تموت و تؤكل بغير ذكاة- مجمع البحرين 3: 192.

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(2) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(3) انظر الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35.

(4) المائدة: 3.

(5) التهذيب 9: 58- 241، تفسير العياشي 1: 291- 16، الوسائل 24: 37 أبواب الذبائح ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 430

بإدراك ذكاة المذكورات بهذه الحركات الجزئيّة دالّ على عدم الحياة المستقرّة، بل ما ورد في تفسير هذه الألفاظ صريح في عدم اعتبار استقرار الحياة.

و منه تظهر دلالة الاستثناء بقوله عزّ شأنه إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ على ذلك أيضا، سيّما بضميمة ما في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ قوله:

إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ يرجع إلى جميع ما تقدّم ذكره من المحرّمات، سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير و الدم «1».

و منه تظهر دلالة الكتاب و السنّة المتواترة معنى على عدم اشتراط استقرار الحياة، فالمسألة بحمد اللّه واضحة غاية الوضوح.

و الذي يختلج ببالي أنّه قد اختلط الأمر في ذلك المقام على بعضهم، و ذلك لما قد أشرنا إليه في مسألة تذكية الصيد المدرك ذكاته، من أنّ المراد بعدم استقرار الحياة: صيرورتها في شرف الزوال و شروعها في

الخروج.

و لا يبعد أن يكون ذلك مرادهم من قولهم: لا يمكن أن يعيش اليوم و الأيّام، فإنّه ما لم يشرع في الخروج لا يمكن الحكم بعدم الإمكان، و الصيد الذي صار كذلك بالاصطياد يصدق عليه أنّه مقتول الآلة، سيّما إذا ترك حتى خرج تمام روحه.

و من يحكم بلزوم الذبح حينئذ فليس نظره إلّا إلى بعض الأخبار كما مرّ، و من لم يعتبر هذه الأخبار حكم بعدم لزوم الذبح حينئذ، و اشترط في لزوم ذبح الصيد الحياة المستقرّة لما ذكرنا، فاختلط الأمر على غيره، و آل الأمر إلى أن تعدّى بعضهم إلى الذبيحة من غير استبصار، و اللّه العالم.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 431

المسألة الخامسة: هل يشترط في حلّية الذبيحة أو أجزائها- بعد وقوع الذبح عليها حيّا- خروج روحها بذلك الذبح

، فلو خرج روحها بعد الذبح بسبب آخر أو شكّ في ذلك لا يحلّ، أو لا يشترط فيحلّ؟

كلامهم في ذلك المقام لا يخلو عن اضطراب و اختلاف.

قال المحقّق في الشرائع في مسألة ما إذا قطع بعض الأعضاء و أرسله ثمَّ استأنف قطع الباقي: هل يحلّ أو يحرم؟ و يمكن أن يقال: يحلّ، لأنّ إزهاق الروح بالذبح لا غير «1».

ظاهر تعليله: أنّه يشترط في الحلّية كون إزهاق الروح بالذبح.

و قال الشهيد الثاني في مسألة ما إذا أخذ الذابح في الذبح و الآخر في انتزاع الحشو معا و بيان وجه حكم المصنّف بالحرمة و أنّه عدم العلم بسبب الموت: هذا إذا اعتبرنا استقرار الحياة، و إلّا كفى في حلّه الذبح أو ما يقوم مقامه و إن تعدّد سبب الإزهاق «2».

و ظاهر ذلك الكلام عدم اشتراط استقلال الذبح و لا العلم بكونه سببا للإزهاق.

و قال في مسألة إبانة الرأس قبل الموت بعد حكمه بتحريم الفعل و حلّية الذبيحة ردّا

على من حرّمها لأنّه كما إذا مات بقطع عضو من أعضائه: و يضعّف بأنّ قطع الأربعة قد حصل فحصل الحلّ به، و لا يلزم من تحريم فعل الزائد تحريم الذبيحة «3».

فإنّ مقتضى كلامه حصول الحلّ بقطع الأعضاء الأربعة مطلقا و لو كان

______________________________

(1) الشرائع 3: 209.

(2) المسالك 2: 231.

(3) المسالك 2: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 432

الموت مستندا إلى إبانة الرأس، التي هي غير الذبح، بل فعل محرّم.

و قال المحقّق الأردبيلي في مسألة قطع بعض الأعضاء أولا ثمَّ قطع الباقي بعد نقل الحلّية عن الفاضل و الحرمة عن الشهيد: إن اعتبر إزالة الحياة المستقرّة بقطع الأعضاء الأربعة- كما هو الظاهر- ينبغي التحريم، و إن لم يعتبر، بل المعتبر قطع الجميع و إزالة الحياة، حلّ «1».

و ظاهر ذلك الترديد في لزوم استناد الموت إلى قطع الأعضاء الأربعة و كذا ظاهر كلّ من يقول بكراهة إبانة الرأس قبل الموت أو حرمتها مع حلّ الذبيحة عدم اشتراط الاستناد إلى الذبح، إذ لا شكّ أنّ تمام الروح يخرج بالإبانة.

و كذا كلامهم في كراهة العضو المقطوع قبل الموت، بل كلّ من يقول بعدم اشتراط استقرار الحياة ظاهره عدم الاشتراط، لأنّ بعد عدم استقرارها لا يعلم استناد خروج الروح إلى الذبح.

و كيف كان، فالظاهر عدم الاشتراط، للأصل، و الإطلاقات، و صحيحة زرارة المتقدّمة «2»، الواردة في الذبيحة الواقعة في النار أو الماء أو من البيت أو الجبل، و نحوها روى العيّاشي في تفسيره.

و المرويّ في الدعائم: عن ذبيحة تتردّى بعد أن تذبح من مكان عال، أو تقع في ماء، أو في نار، فقال: «إن كنت قد أجدت الذبح و بلغت الواجب فيه فكل» «3».

بل كثير من الأخبار المتقدّمة في المسألة

السابقة، من المتضمّنة

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 110.

(2) في ص: 427.

(3) الدعائم 2: 179- 649، مستدرك الوسائل 16: 137 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 433

للمضروبة بالفأس و المشكوك حياته و النطيحة و أخواتها، فإنّ الغالب فيها عدم العلم بسبب خروج الروح من السبب السابق أو اللاحق أو الذبح.

نعم، في رواية حمران بن أعين الواردة في الذبيحة: «فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» «1».

و لكنّها- مع معارضتها لما هو أصحّ منها سندا، كما مرّ- قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان احتمال الجملة الخبريّة، و لذا احتمل المحقّق الأردبيلي حملها على الكراهة أو على ما إذا لم يقطع الأعضاء الأربعة.

و لعلّ الحمل الأخير- باعتبار المعارضة مع صحيحة زرارة، و أخصّيتها باعتبار قوله: «و أجدت الذبح»- أولى.

و بالجملة: الظاهر عندي عدم الإشكال في المسألة، و أنّ القدر الواجب هو ورود الذبح على الحيّ بأحد الحياتين، و معه تحلّ الذبيحة إمّا مطلقا، أو بعد خروج الروح عنه كيف كان.

نعم، يحصل الإشكال فيما لو ورد السببان المستقلّان لإزهاق الروح، أحدهما الذبح، و الآخر غيره، كإخراج ما في الحشو في زمان واحد.

ثمَّ ما ذكرناه إنّما هو على سبيل الأصل، فلا ينافيه ما لو ثبتت الحرمة في مورد خاصّ بدليل، كما يأتي في إبانة الرأس، أو سلخ الذبيحة، أو قطع جزء من الذبيحة قبل موتها.

المسألة السادسة: قد ظهر ممّا ذكر في المسألة السابقة و في مسألة عدم اشتراط استقرار الحياة: عدم اشتراط كون الذبح سببا مستقلّا

في إزهاق الروح.

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 434

المسألة السابعة: هل يشترط في حلّية الذبيحة خروج روحها، أم لا،

بل تحل بمجرد قطع الأوداج بالشرائط و لو لم يخرج روحها بعد، فيجوز قطع جزء منها و إبانة رأسها قبل موتها و أكلها؟

ذهب الشيخ في النهاية و القاضي و ابنا حمزة و زهرة إلى الاشتراط «1»، حيث حكموا بحرمة أكل ما قطع منها من الأجزاء و الرأس قبل الموت.

و ذهب الشيخ في الخلاف و الحلّي و الراوندي و الفاضلان و الشهيد الثاني في المسالك و صاحب الكفاية «2» و جمع آخر من المتأخّرين «3» إلى عدم الاشتراط، و نسبه الأخيران و شارح المفاتيح إلى الأكثر، بل عن الخلاف ادّعاء إجماع الصحابة عليه.

و هو الحق، لإطلاقات الكتاب و السنّة، و النصوص المجوّزة لأكل ما قطع رأسه قبل الموت، حيث إنّ الرأس أيضا جزء مقطوع قبل خروج الروح، فلو اشترط الموت في الحلّية لم يكن حلالا.

و من تلك النصوص: صحيحة الحلبي: عن رجل ذبح طيرا فيقطع رأسه، أ يؤكل منه؟ قال: «نعم، و لكن لا يتعمّد قطع رأسه» «4».

و صحيحة الفضيل: عن رجل ذبح فسبقه السكّين فقطع رأسه، فقال:

«هو ذكاة و حيّة لا بأس به و بأكله» «5».

______________________________

(1) النهاية: 584، القاضي في المهذب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة: 357، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(2) الخلاف 2: 531، الحلي في السرائر 3: 108، المحقق في الشرائع 3: 205، العلّامة في القواعد 2: 155، المسالك 2: 227، الكفاية: 247.

(3) كفخر المحققين في الإيضاح 4: 137، و الكاشاني في المفاتيح 2: 203.

(4) الفقيه 3: 209- 963، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح

5.

(5) الكافي 6: 230- 1، الفقيه 3: 208- 959، التهذيب 9: 55- 229، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 1، و الوحيّ بتشديد الياء: السريع- مجمع البحرين 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 435

و صحيحة محمّد: عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكّين بحدّتها فأبان الرأس، فقال: «إن خرج الدم فكل» «1».

و رواية سماعة، و فيها: «لا بأس به إذا ذكر اسم اللّه عليه» و قال:

«لا بأس إذا سال الدم» «2».

و المرويّ في الدعائم عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام: عمّن نخع الذبيحة قبل أن تموت- يعني كسر عنقها- فقال: «قد أساء و لا بأس بأكلها» «3».

حجّة المشترطين: مرفوعة محمّد بن يحيى: «إذا ذبحت الشاة و سلخت أو سلخ شي ء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكله» «4».

و رواية مسعدة: عن الرجل يذبح فيسرع السكّين فيبين الرأس، فقال: «الذكاة الوحيّة لا بأس بأكله إذا لم يتعمّد ذلك» «5».

و صحيحة محمّد: «و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما ذبح» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 230- 2، الفقيه 3: 208- 960، التهذيب 9: 55- 230، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.

(2) الفقيه 3: 208- 961، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 4، صدر الرواية غير موجود في المصدر.

(3) الدعائم 2: 175- 632، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(4) الكافي 6: 230- 8، التهذيب 9: 56- 233، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 8 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 6: 230- 3. التهذيب 9: 56- 231، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 3.

(6) الكافي 6: 233- 2، التهذيب 9: 60- 252، الوسائل 24:

29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 436

و الجواب عن الاولى: أنّ تماميّة دلالتها إنّما هي إذا كان السلخ بمعنى القطع، أو الضمير في: «أكله» راجعا إلى الجلد الذي انفصل بالسلخ، و إلّا لا يتم، إذ لا وجه لحرمة الشاة أو الجزء المسلوخ بمجرّد السلخ، الذي هو أعمّ ممّا يوجب موت الشاة أو الجزء.

هذا، مع معارضتها مع الأخبار السابقة المبيحة للرأس و الذبيحة بإبانة الرأس قبل الموت، فيرجع إلى الأصل.

و بذلك يجاب عن الرواية الثانية، فإنّها معارضة- سيّما مع رواية سماعة- بالعموم من وجه، فالمرجع الأصل.

و قد ظهر من ذلك عدم حرمة الذبيحة و لا الجزء المقطوع لو أبين الرأس، أو قطع الجزء قبل الموت.

و هل يجوز أصل الفعل أو يحرم؟

في كلّ واحد من الرأس و الجزء قولان:

فالأول في الأول: للخلاف و الحلّي و الفاضلين «1» و غيرهم «2»، و نفى الحلّي عنه الخلاف بين المحصّلين.

و الثاني فيه: للإسكافي و المفيد و ابن حمزة و القاضي و الشيخ في النهاية و الفاضل في المختلف و الشهيدان «3» و غيرهما «4».

______________________________

(1) الخلاف 2: 531، الحلي في السرائر 3: 108، المحقّق في الشرائع 3: 206، العلّامة في التحرير 2: 159.

(2) كالشهيد في الدروس 2: 415، و الفيض في المفاتيح 2: 203.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 680، المفيد في المقنعة: 580، ابن حمزة في الوسيلة: 360، القاضي في المهذّب 2: 440، النهاية: 584، المختلف:

680، الشهيد في الدروس 3: 415، الشهيد الثاني في المسالك 2: 227.

(4) كفخر المحققين في الإيضاح 4: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 437

و الأول في الثاني: للحلّي و المحقّق «1» و عامّة من تأخّر «2»، بل

الأكثر.

و الثاني: للنهاية و القاضي و ابني حمزة و زهرة «3» و بعض آخر «4».

و الحقّ في كلّ منهما: الأول، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة، أمّا في الجزء فظاهر، و أمّا في الرأس فلأنّ ما يظنّ تعارضه منحصر في صحيحتي الحلبي و محمّد الأخيرة- و هما لمقام الجملة الخبريّة عن إفادة الحرمة قاصرتان- و رواية الدعائم المذكورة، و الأخرى: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن أن تسلخ الذبيحة أو يقطع رأسها حتى تموت «5». و هما- لمكان الضعف الخالي عن الجابر- عن صلاحيّة المعارضة عاجزتان.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 3: 110، المحقق في الشرائع 3: 205.

(2) كالعلّامة في القواعد 2: 155، و الكاشاني في المفاتيح 2: 203، و صاحب الرياض 2: 276.

(3) النهاية: 584، القاضي في المهذّب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة: 360، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(4) كالشهيد في الدروس 2: 415.

(5) الدعائم 2: 175- 630، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 438

الفصل الخامس فيما تقع عليه الذكاة و فيه مقدّمة و مسائل.

المقدّمة:

اعلم أنّ الحيوانات على قسمين: مأكول اللحم و غيره، و غير مأكول اللحم على قسمين: نجس العين و غيره، و غير نجس العين على قسمين:

آدمي و غيره، و غير الآدمي على قسمين: مالا نفس سائلة له و ماله نفس، و الأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية و عدمه على أربعة أقسام: السباع و المسوخات و الحشرات و غيرها.

ثمَّ المراد بالتذكية في مأكول اللحم الذي لا نفس له- كالسمك و الجراد-: ما يصير به جائز الأكل بعد عدم جوازه، و في مأكول اللحم الذي له نفس: ما يصير به جائز الأكل و يبقى على طهارته الحاصلة

له في الحياة، و في غير المأكول الذي له نفس: ما يبقى معه على طهارته، و فيما لا نفس له منه لا يظهر لها أثر فيه، لأنّه طاهر ذكّي أم لم يذكّ.

ثمَّ الأصل في القسم الأول- و هو مأكول اللحم- وقوع التذكية عليه، لأنّه مقتضى كونه مأكول اللحم، و للإجماع، و لقوله سبحانه إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ «1» و قوله فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «2»، و لإطلاقات الأخبار الواردة في الصيود و الذبائح، و هي غير محصورة جدّا.

______________________________

(1) المائدة: 3.

(2) الأنعام: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 439

و القسم الأول من القسم الثاني- و هو نجس العين- لا يقبل الذكاة إجماعا، فهو الأصل فيه، و يدلّ عليه- مع الإجماع- استصحاب النجاسة.

و كذا القسم الأول من القسم الثالث- أيّ الآدمي- فإنّ عدم وقوع التذكية عليه إجماعي، بل ضروري.

و أمّا القسم الأول من الرابع- و هو ما لا نفس له من غير المأكول- فقد عرفت أنّه لا معنى للتذكية فيه.

فبقي الكلام في الأربعة الأخيرة من جهة الأصل.

فنقول: الأصل في بادئ النظر في الجميع قبول التذكية، إذ عرفت أنّ التذكية إنّما هي ما تبقى معه الطهارة، و مقتضى الأصل و الاستصحاب بقاؤها إلّا فيما علم فيه ارتفاعها، و ليس هو إلّا ما لم تقع عليه التذكية، أي الصيد أو الذبح مع شرائطهما المقرّرة، فكلّ حيوان ممّا ذكر صيد أو ذبح كذلك يكون طاهرا بالاستصحاب، فيكون مذكّى، و هو المراد بقبول التذكية.

فإن قيل: التذكية أمر توقيفيّ شرعيّ موقوف على توقيف الشارع في كيفيّته و أثره و مورده، فكلّما وقع فيه الشكّ من هذه الأمور فالأصل عدمه، و هذا الأصل و إن عارضه أصل الطهارة و لكن تعارضهما

من باب تعارض الاستصحابين، اللذين أحدهما مزيل للآخر و لا عكس، فإنّ عدم التذكية رافع للطهارة، بخلاف الطهارة، فإنّها ليست سببا للتذكية، كما بيّن تحقيقه في الأصول، و لازم ذلك تقديم أصالة عدم التذكية.

قلنا: أصالة عدم التذكية بذلك المعنى و إن كان مقدّما على أصالة الطهارة و لكن الكلام في كون عدم التذكية أصلا هنا، و هو ممنوع، و ذلك لأنّا لا نقول: إنّ الطهارة هنا أمر يتوقّف حصوله على تذكية جعليّة من الشارع. بل نقول: إنّ الطهارة الحاصلة أمر محكوم ببقائها، إلّا إذا علم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 440

المزيل، و لم يعلم إلّا مع الموت حتف أنفه، أو الموت بدون الصيد أو الذبح المقرونين بالأمور المعهودة من الاستقبال و التسمية، و مع أحد الأمرين لا يعلم ارتفاع الطهارة، فيحكم ببقائها من غير حاجة إلى جعل من الشارع و تأثير من ذلك الجعل.

و الحاصل: أنّ مع هذه الأعمال المعيّنة المقطوع حصولها لا دليل على ارتفاع الطهارة.

فإن قيل: عمومات نجاسة الميتة تدلّ على ارتفاعها، خرج ما اقترن بما جعله الشارع مطهّرا، فيبقى الباقي.

قلنا: هذا إذا سلّمنا كون ذلك ميتة لم لا يجوز أن تكون الميتة هي ما خرج روحه حتف أنفه؟! هذا غاية ما يمكن أن يقال في ذلك المقام، و لكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن جدل و اعتساف، لأنّ الظاهر أنّه انعقد الإجماع القطعيّ على أنّ التذكية المبقية للطهارة- المانعة عن حصول النجاسة، المخرجة للمذكّى عن مصداق الميتة- هي التي اعتبرها الشارع و رتّب عليها تلك الآثار، و أنّ إبقاءها و منعها موقوف على اعتبار الشارع إيّاها آثارا و أجزاء و شرائط و موردا و محلّا خصوصا أو عموما أو إطلاقا، و

ما لم يتحقّق فيه اعتباره و ملاحظته وجوده كعدمه، و مع عدمه يكون المورد ميتة، و معها يكون نجسا.

و يظهر من ذلك أنّ الأصل في جميع الموارد عدم قبول التذكية إلّا بدليل شرعي عامّ أو خاصّ- كما في مأكول اللحم- فيحكم في كلّ مورد بأصالة عدم قبوله التذكية إلّا بدليل.

و إذ عرفت أنّ الأقسام التي يراد معرفتها من جهة ورود التذكية و عدمه أربعة: السباع و المسوخات و الحشرات و غيرها، فنبيّن أحكامها في أربعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 441

مسائل:

المسألة الأولى: الحقّ المشهور- كما في المسالك و الكفاية و المفاتيح «1» و شرحه، بل في الأخير و عن الشهيد أنّه لا يعلم في ذلك مخالف «2»، و في المفاتيح: أنّه مذهب الكلّ-: ورود التذكية على السباع

من الوحوش و الطيور، و هي ما يفترس الحيوان بنابه أو مخلبه للأكل، أو ما كان ذات مخلب أو ناب يفترس به الحيوان، أو ما يغتذي باللحم، كالأسد و النمر و الفهد و الذئب و الثعلب و السنّور و الضبع و ابن آوى و الصقر و البازي و العقاب و الباشق.

لا للأصل، لما عرفت.

و لا لما قيل من أنّ السبب في وقوعها على المأكول إنّما هو الانتفاع منه بلحمه و جلده، و هو متحقّق فيما نحن فيه بالنظر إلى جلده خاصّة «3»، لكونه علّة استنباطيّة لا يتحقّق تمامها في المورد أيضا.

بل لاستعمال المسلمين قاطبة من الصدر الأول إلى زماننا هذا لجلودها من غير نكير، بحيث يمكن فهم انعقاد الإجماع عليه.

و لموثّقتي سماعة المعتضدتين بعمل الجماعة:

إحداهما: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «4».

و الثانية: عن لحوم السباع و جلودها، فقال: «أمّا لحوم السباع و السباع من

______________________________

(1) المسالك 2: 232، كفاية الأحكام: 247، المفاتيح 1: 69.

(2) نقله عنه في الروضة 7: 237.

(3) المفاتيح 1: 69.

(4) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة

ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 442

الطير فإنّا نكرهه، و أمّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» «1».

و يؤيده ما ورد في جواز لبس جلود السمّور و الثعالب و نحوهما في غير الصلاة «2»، فإنّه دليل على وقوع الذكاة عليها، إذ لا يجوز استعمال شي ء من الميتة.

و تدلّ عليه أيضا رواية أبي مخلّد: إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر، فقال: «مدبوغة هي؟» قال: نعم، قال: «ليس به بأس» «3».

و ظاهر المسالك الميل إلى عدم وقوع الذكاة عليها، لاستضعاف الموثّقتين بكون سماعة واقفيّا، و الروايتان موقوفتان مضمرتان «4».

و فيه: أنّ الوقف في الراوي غير مضرّ، سيّما بعد كونه ثقة، و الإضمار في الرواية غير ضائر، سيّما مع كونها في طريق آخر مسندة، فإنّ الثانية في الفقيه مسندة و إن كانت مضمرة في التهذيب، هذا مع كونهما منجبرتين بالاشتهار التامّ.

المسألة الثانية: الحقّ عدم وقوع الذكاة على المسوخات

- و قد مرّ عددها في كتاب المطاعم- وفاقا لكلّ من قال بنجاستها- كالشيخ و الديلمي و ابن حمزة «5»- و جماعة من القائلين بطهارتها- كالمحقق و الشهيد الثاني «6»-

______________________________

(1) التهذيب 9: 79- 338، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 4.

(2) الوسائل 4: 352، 355 أبواب لباس المصلّي ب 5 و 7.

(3) الكافي 5: 227- 9، التهذيب 6: 374- 1087، الوسائل 17: 172 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 1.

(4) المسالك 2: 232.

(5) الشيخ في الخلاف 2: 538، و المبسوط 6: 280، الديلمي في المراسم: 55، ابن حمزة في الوسيلة: 78.

(6) المحقق في الشرائع 1: 53، الشهيد الثاني في الروضة 7: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    443     المسألة الثانية: الحق عدم

وقوع الذكاة على المسوخات ..... ص : 442

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 443

للأصل المتقدّم ذكره الخالي عن الدافع.

و خلافا للسيّد و الشهيد «1» و جماعة «2»، لما أشير إليه من الأصل، و وجود المقتضي.

و لورود روايات بحلّ الأرنب و القنفذ و الوطواط «3»، و هي مسوخ، و ليس ذلك في لحمها عندنا فيكون في جلدها.

و لدلالة رواية عبد الحميد بن سعد على حلّ بيع عظام الفيل و شرائها و اتّخاذ الأمشاط منها، بل اتّخاذ الإمام عنها مشطا أو أمشاطا «4».

و ضعف الكلّ ظاهر:

أمّا الأولان فلما مرّ.

و أمّا الثالث، فلأنّ الروايات إنّما تدلّ على حلّ الأكل، و هو عندنا- معاشر الإماميّة- باطل.

و أمّا الرابع، فلعدم توقّف استعمال العظم على التذكية، لعدم كونها ممّا تحلّ فيه الحياة.

نعم، استدلّوا على تلك الرواية بطهارة الفيل، و هو صحيح.

المسألة الثالثة: الحشرات، و المراد منها: ما يسكن باطن الأرض،

واحدها: الحشرة- بالتحريك- كاليربوع و الفأرة و الحيّة، و البحث في وقوع

______________________________

(1) حكاه عن السيد في المسالك 2: 231، الشهيد في الدروس 2: 410.

(2) منهم العلّامة في التحرير 2: 159، و فخر المحققين في الإيضاح 4: 130، و الهندي في كشف اللثام 2: 77.

(3) التهذيب 9: 42 و 43- 176 و 177 و 180، الوسائل 24: 112 و 123 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 و 5 ح 20 و 21 و 6.

(4) الكافي 5: 226- 1، التهذيب 6: 373- 1083، الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 444

الذكاة عليها و عدمه كالبحث في المسوخ بعينها. إلّا أنّ أكثر الأصحاب هنا على عدم الوقوع- كما صرّح به جماعة «1»- للتقريب السابق.

المسألة الرابعة: غير الثلاثة من الحيوانات،

و هو على قسمين، لأنّه إمّا حرام عارضي- كالجلّال و الموطوءة- أو ذاتي، كبعض أنواع الغراب على القول بحرمته.

أمّا الأوّل: فالحقّ وقوع التذكية عليه، كما مرّ في مسألة الجلّال، لاستصحاب وقوعها عليها، و هو الرافع لأصالة عدم التذكية التي هي العمدة في ذلك المقام.

و أمّا الثاني: فالحقّ عدم وقوعها، لأصالة عدم ورودها عليه.

______________________________

(1) انظر الكفاية: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 445

الفصل السادس في بعض الأحكام المتعلّقة بالذبائح و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تستحبّ في التذكية أمور

، بعضها خاصّ ببعض، و بعضها عامّ في الكلّ.

أمّا الخاصّ: فالمستحبّ في ذبح الغنم: أن تربط يداه و إحدى رجليه و تطلق الأخرى، و أن يمسك صوفه أو شعره حتى يموت و يبرد من دون إمساك يده أو رجله.

و في ذبح البقر: أن تعقل يداه و رجلاه جميعا و يطلق ذنبه يتحرّك.

و في نحر الإبل: أن يشدّ خفّها إلى آباطها و تطلق رجلاها.

و في ذبح الطير: أن يرسل بعد ذبحه.

و أن تنحر الإبل قائمة من قبل يمينها.

و تدلّ على جميع ذلك فتوى الجماعة، و الاشتهار بين الطائفة.

مع رواية حمران بن أعين في الأكثر، و فيها: «إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف، و لا تقلب السكّين لتدخلها من تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق، و الإرسال للطير خاصّة» إلى أن قال: «و إن كان شي ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكنّ يدا و لا رجلا، و أمّا البقر فاعقلها و أطلق الذنب، و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه» الحديث [1].

______________________________

[1] الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2، و المراد بجملة:

و لا تكتف: عدم شدّ يد الحيوان إلى خلفه بحبل و نحوه- مجمع البحرين 5: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15،

ص: 446

و رواية الدعائم المتقدّمة في نحر الإبل «1».

و رواية الكناني: كيف تنحر البدنة؟ قال: «تنحر و هي قائمة من قبل اليمين» «2».

و رواية ابن سنان: في قول اللّه سبحانه فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ «3» قال: «ذلك حين تصفّ للنحر تربط يديها ما بين الخفّ إلى الركبة» «4».

و رواية أبي خديجة: أنّه رأى أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى، ثمَّ يقوم به من جانب يدها اليمنى «5».

و ليس في شي ء من هذه الروايات حكاية ربط إحدى رجلي الغنم مع يديه، فالدليل فيه منحصر بفتوى الأصحاب، و كذا تقييد إمساك صوفه أو شعره إلى وقت الموت و البرد.

و يظهر من عطف الشعر على الصوف إرادة مطلق الشاة من الغنم.

و عقل البقر و إن كان مطلقا في الرواية، إلّا أنّ الظاهر من إطلاقها ما ذكروه من عقل اليدين و الرّجلين، و يشعر به تخصيص الإطلاق بالذنب.

و أمّا شدّ يد الإبل من الخفّ إلى الركبتين فالمراد به إمّا ما قيل من أن

______________________________

(1) في ص: 407.

(2) الكافي 4: 497- 2، الفقيه 2: 299- 1488، التهذيب 5: 221- 744، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

(3) الحجّ: 36.

(4) الكافي 4: 497- 1، الفقيه 2: 299- 1487، التهذيب 5: 220- 743، الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.

(5) الكافي 4: 498- 8، التهذيب 5: 221- 745، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 447

تجمع اليدان معا و تربطان من الخفّ إلى الركبة، أي تربط إحداهما بالأخرى و تلفّان بحبل من غير أن تردّ اليد إلى الإبط، و يلصق خفّه بإبطه، و يشدّ

ما بين الركبة و الخف «1».

أو تردّ إحدى اليدين إلى الإبط و تشدّ.

و الأول: هو محتمل روايتي حمران و ابن سنان، بل ظاهر المحقّق الأردبيلي: أنّه مصرّح به في رواية «2».

و الثاني: هو مدلول روايتي أبي خديجة و الدعائم.

و أمّا ردّ اليدين معا و شدّهما من الخفّ إلى الركبة فهو و إن كان أحد احتمالي روايتي حمران و ابن سنان، و لكنّه لا يلائم ما هو المشهور- كما صرّح به بعضهم «3»- من استحباب نحر الإبل قائمة، و دلّت عليه روايتي الدعائم و الكناني المتقدّمتين.

و لا ينافيه المرويّ في قرب الإسناد: عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟ قال: «يعقلها، فإن شاء قائمة و إن شاء باركة» «4».

لأنّ الاستحباب لا ينافي التخيير. و أمّا حمل القيام على مقابل الاضطجاع حتى يشمل البروك أيضا أو تخصيص ردّ اليدين بما إذا نحره باركا فلا دليل عليه، فالمستحبّ فيه أحد الأمرين إمّا جمع اليدين و شدّهما، أو ردّ إحداهما من الخفّ إلى الركبة بحيث يجتمع نصفها الأسفل مع الأعلى.

و أمّا العامّ، فمنها: تحديد الشفرة و سرعة الفعل، و أن يوارى الشفرة عن

______________________________

(1) المسالك 2: 228.

(2) مجمع الفائدة 11: 133.

(3) انظر المسالك 2: 228.

(4) قرب الإسناد: 235- 921، الوسائل 14: 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 448

البهيمة، للمرويّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، و ليحدّ أحدكم شفرته، و ليرح ذبيحته» «1».

و الآخر: أنّه أمر أن يحدّ الشفار، و أن توارى عن البهائم، و قال: «إذا ذبح أحدكم فليجهز» «2».

و المرويّ في الدعائم: «من ذبح ذبيحة فليحدّ شفرته، و ليرح ذبيحته» «3».

و الآخر: «إذا أردت أن تذبح

ذبيحة فلا تعذّب البهيمة، أحدّ الشفرة و استقبل القبلة» «4».

و منها: استقبال الذابح للقبلة، للرواية الأخيرة في الذبيحة، و رواية الدعائم السابقة في المنحورة «5»، و قول الأصحاب فيهما معا.

و منها: ترك الذبيحة في مكانها إلى أن يفارقها الروح من غير تحريكها، و لا جرّها من مكان إلى آخر، و أن تساق إلى المذبح برفق بعد عرض الماء عليها، و أن يمرّ السكّين في مذبحها بقوّة، و يجدّ في الإسراع ليكون أسهل و أوحى، أي أسرع و أعجل.

كلّ ذلك لموافقته للإراحة و إحسان الذبح المأمور بهما فيما تقدّم، و لترك التعذيب المنهيّ عنه، و للرفق المأمور به في المرويّ في الدعائم:

«يرفق بالذبيحة و لا يعنف بها قبل الذبح و لا بعده» «6».

______________________________

(1) صحيح مسلم 5: 1548- 1955، سنن ابن ماجه 2: 1058- 3170.

(2) سنن ابن ماجه 2: 1059- 3172.

(3) الدعائم 2: 174- 624، مستدرك الوسائل 16: 131 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.

(4) الدعائم 2: 174- 625، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.

(5) في ص: 407.

(6) الدعائم 2: 179- 648، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 449

المسألة الثانية: يكره في الذباحة أيضا أمور:

منها: إبانة الرأس، و قطع الجزء، و سلخ الذبيحة، و قد مرّ ما يدلّ عليها و قول طائفة بالحرمة فيها و أنّ الأقوى الكراهة.

و منها: كسر الرقبة قبل البرد- و هو أعمّ من إبانة الرأس- لرواية الدعائم المتقدّمة «1»، و صحيحة الحلبي، و فيها: «و لا تنخع و لا تكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة» «2».

و منها: نخع الذبيحة قبل الموت، أي إبلاغ السكّين إلى أن يتجاوز منتهى الذبح، فيصيب النخاع- مثلث النون- و هو

الخيط الأبيض وسط الفقار- بالفتح- ممتدّا من الرقبة إلى عجز الذنب- بفتح العين المهملة و سكون الجيم- و هو أصله.

لصحيحتي محمّد و الحلبي «3» المتقدّمتين، و صحيحة محمد الحلبي:

«لا تنخع الذبيحة حتى تموت، فإذا ماتت فانخعها» «4».

و ذهب جماعة- منهم: الدروس «5» و المحقّق الأردبيلي «6»- إلى الحرمة، لظاهر النهي في تلك الصحاح.

______________________________

(1) الدعائم 2: 175- 632، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(2) الكافي 6: 233- 3، الفقيه 3: 211- 979، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.

(3) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 15 أبواب الذبائح ب 6 ح 1. الكافي 6: 233- 3، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح ب 14 ح 3.

(4) الكافي 6: 229- 6، التهذيب 9: 55- 228، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 6 ح 2.

(5) الدروس 2: 415.

(6) مجمع الفائدة 11: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 450

و فيه: منع صراحة النهي فيها، لاحتمال الجملة الخبريّة.

و منها: قلب السكّين في الذبح ليدخلها تحت الحلقوم و يقطعه من خارج عكس المتعارف، فيقطع من التحت إلى الفوق، لقوله في رواية حمران: «و لا تقلب السكّين لتدخلها من تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق» «1»، و الحمل على الكراهة، لما مرّ غير مرّة من احتمال الخبريّة.

و عن النهاية و القاضي و الغنية: الحرمة «2»، للنهي المذكور. و جوابه ظاهر. بل عن الغنية: تحريم الذبيحة أيضا، مدّعيا عليه إجماع الإماميّة.

و لا دليل عليه ظاهرا، بل لم نعثر على موافق له في أصل الفتوى، و يحتمل إرجاعها في عبارته- كما قيل- إلى شي ء آخر غير

ما نحن فيه.

و منها: الذبح من القفاء، لرواية الدعائم المتقدّمة في بحث محلّ التذكية «3»، و هو غير تقليب السكّين المتقدّم ذكره أو أخصّ منه.

و منها: إيقاع الذباحة ليلا و يوم الجمعة قبل الصلاة، إلّا مع الضرورة، بلا خلاف فيها، له، و للنبويّ: نهى عن الذبح ليلا «4».

و العلوي: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يمرّ بالسمّاكين يوم الجمعة فينهاهم عن أن يتصيّدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة» «5».

و رواية أبان: «لا تذبحوا حتى يطلع الفجر، فإنّ اللّه جعل الليل سكنا لكلّ شي ء» قال: قلت: جعلت فداك و إن خفت؟ فقال: «إن خفت الموت

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.

(2) النهاية: 584، القاضي في المهذّب 2: 440، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(3) في ص: 406.

(4) السنن الكبرى للبيهقي 9: 290.

(5) الكافي 6: 219- 17، التهذيب 9: 13- 49، الوسائل 24: 383 أبواب الصيد ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 451

فاذبح» «1».

و رواية محمّد الحلبي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكره الذبح و إراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلّا من ضرورة» «2».

و منها: ذبح الذبيحة و حيوان آخر ينظر إليها من جنسه، لرواية غياث ابن إبراهيم: «لا تذبح الشاة عند الشاة و لا الجزور عن الجزور و هو ينظر إليه» «3».

و رواية طلحة: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان لا يذبح الشاة» إلى آخر الحديث «4».

و هما- لقصور دلالتهما على الحرمة- لا تثبتان الأزيد من الكراهة، كما عليه الأكثر.

خلافا للمحكيّ عن النهاية، فحرّمه «5».

و المستفاد من الروايتين: كراهة ذبح كل واحد من الإبل و الغنم إذا نظر إليه غيره من جنسه،

فلا يكره ذبح الشاة إذا نظر إليه الجزور و بالعكس، بل يحتمل التخصيص بالشاة و الجزور أيضا، إلّا أنّ فتوى الأصحاب بالتعميمين يكفي لإثبات الكراهة.

______________________________

(1) الكافي 6: 236- 3، التهذيب 9: 60- 254، الوسائل 24: 41 أبواب الذبائح ب 21 ح 2.

(2) الكافي 6: 236- 1، التهذيب 9: 60- 255، الوسائل 24: 40 أبواب الذبائح ب 20 ح 1.

(3) الكافي 6: 229- 7، التهذيب 9: 56- 232، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 9: 80- 341، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 7 ذيل الحديث 1.

(5) النهاية: 584.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 452

و منها: أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم، للنهي عنه في الخبر «1» المحمول على الكراهة إجماعا، و لعلّه لإيراثه قساوة القلب، و اللّه أعلم.

المسألة الثالثة: و إذ عرفت أنّ حلّ الذبائح و الصيود يتوقّف على أمور وجوديّة مسبوقة بالأعدام، تعلم أنّ الأصل في كلّ ذبيحة: عدم التذكية

، إلّا إذا علم تحقّقها بجميع شرائطها، و دلّت على ذلك الأصل أيضا أخبار معتبرة، مرّت في بحث الجلود من كتاب الطهارة.

و أمّا تأمّل المحقّق الأردبيلي في ذلك الأصل «2»- لمعارضته مع أصالة الحلّ و الطهارة في جميع الأشياء إلّا ما خرج بالدليل، و حصر المحرّمات في أمور- فغير سديد البتّة، لاندفاع الأصل الثاني بالأخبار المشار إليها و بالأصل الأول، لكونه مزيلا للثاني و لا عكس، و لدخول ما لم يعلم تذكيته بأدلّة الاستصحاب الواردة من أهل بيت العصمة و حكّام الشريعة فيما علم خروجه من الأصل الثاني بالدليل.

و لكن خرج من تحت الأصل الأول ما أخذ من يد مسلم لم يخبر عن عدم التذكية، و ما أخذ في سوق المسلمين و لو من يد مجهول الحال، أو في سوق مجهول الحال، بل الكفّار في بلد غالب أهله المسلمون، أو ما

وجد في أرض المسلمين، أو في أرض كان الغالب عليها المسلمين، أو من يد مجهول الحال إذا أخبر بالتذكية.

و مرّ دليل كلّ واحد من ذلك في البحث المذكور، فلا حاجة إلى التكرار.

______________________________

(1) الكافي 4: 544- 20، التهذيب 5: 452- 1578، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 1.

(2) مجمع الفائدة 11: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 453

و تدلّ على خروج الأول أيضا- مضافة إلى ما مرّ- المستفيضة المتقدّمة في بيان شرائط الذبيحة، المصرّحة بأنّه لا يؤمن على الذبيحة إلّا المسلم، كروايتي الحسين بن منذر «1»، و الحسين بن عبد اللّه «2»، و صحيحة قتيبة «3»، فإنّ مفهومها: أنّ المسلم مؤتمن عليها.

و يظهر من بعض الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها عدم استحباب الاجتناب عن كثير ممّا ذكر أيضا، كما صرّح به في الدروس «4»، بل قال في شرح الشرائع بكراهة الفحص و السؤال حتى في المأخوذ عن مجهول الحال أو عن المسلم المستحل لذبيحة الكتابي «5».

و هو جيّد، سيّما نفي الاستحباب، لقوله عليه السّلام في بعض تلك الأخبار: «و لا تسأل عنه» «6»، و في بعض آخر: «ليس عليكم المسألة» «7»، و في البعض: «إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم و إنّ الدين أوسع من ذلك» «8».

و لا وجه لاستبعاد المحقّق الأردبيلي الناشئ عن كثرة تورّعه و وفور احتياطه، حيث قال بعد نقل ما ذكر: و ليت شعري كيف صار سوق الإسلام

______________________________

(1) الكافي 6: 239- 2، الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26 ح 2.

(2) الكافي 6: 239- 6، الفقيه 3: 211- 975، التهذيب 9: 66- 280، الوسائل 24: 49 أبواب الذبائح ب 26 ح 4.

(3) الكافي 6: 241- 17، الوسائل 24: 50 أبواب

الذبائح ب 26 ح 6.

(4) الدروس 2: 416.

(5) المسالك 2: 228.

(6) الكافي 6: 237- 2، الفقيه 3: 211- 976، التهذيب 9: 72- 306، الوسائل 24: 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.

(7) الفقيه 1: 167- 787، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ذيل الحديث 3.

(8) التهذيب 2: 368- 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 454

بهذه المثابة؟! مع العلم بأحوال الناس من عدم التقييد و المذاهب المشتبهة، و من أين سقط الاحتياط و الزهد و الورع و الملاحظة؟! حتى قالوا: يستحبّ الاجتناب عن الحائض المتّهمة و عدم الوضوء بسؤرها، بل قيل عن مطلق المتّهم و من كان ماله لا يخلو عن شبهة «1». انتهى.

فإنّ بعد أمر الشارع بعدم المسألة لا يبقى محلّ للتورّع و الاحتياط، فإنّ بعد تصريحه بحلّية ما ذكر و النهي عن السؤال يكون المأخوذ عن يد من ذكر بعينه كالمعلوم تذكيته.

فإنّ بعد حلّية الحيوان بعد قطع الأوداج مثلا بحكمه و انتفاء الاحتياط فيه و عدم اقتضاء التورّع لترك اللحم، لم لا يحلّ بحكمه بحلّية المأخوذ عن يد فلان فلا ينبغي الاحتياط، و أيّ تفرقة بين الحكمين؟! فإنّ من يحلّ مقطوع الأوداج مثلا بحكمه من غير اقتضاء الورع و الاحتياط تركه كذلك يحلّ المأخوذ عن يد المسلم أو في سوقهم بحكمه كذلك، و يكون ذلك قائما مقام مشاهدة قطع الأوداج و الاستقبال و التسمية إلى آخر الشرائط.

و ليت شعري لم ينفي الأول الاحتياط دون الثاني؟! و أين ترك قاعدة نفي العسر و الحرج و سهولة الملّة الحنيفيّة و نحو ذلك؟!

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 455

الباب الثالث في التذكية التبعيّة

و هي

تحصل للجنين في بطن امّه بعد تذكية الامّ.

و تفصيل الكلام فيه: أنّ الجنين- الذي يكون في بطن الحيوان و يخرج- إمّا يخرج من بطن الحيّ، أو من بطن الميّت، أو من بطن المذكّى.

و الأخير: إمّا لم تتمّ خلقته بعد و لم يشعر و لم يؤبر، أو تمّت و أشعر و أوبر.

و على التقدير الثاني: إمّا لم يولج فيه الروح أو أولج.

و على الثاني: إمّا يخرج روحه قبل خروجه من البطن، أو لا يخرج.

فإن خرج من بطن الحيّ أو الميّت، فإن لم يكن حيّا لم يحلّ بلا خلاف، سواء لم يلج فيه الروح أو ولج و خرج.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 456

لا للأصل- كما قيل- لأنّه في صورة عدم ولوج الروح غير معلوم، بل مقتضي أصالة حلّية الأشياء: حلّيته، و استصحاب حرمته حال كونه نطفة أو علقة غير صحيح، لتغيّر الموضوع. نعم، هو يصحّ إن علم ولوج الروح فيه و خروجه، لصدق الميتة.

بل لأنّه إن لم تتمّ خلقته فيحرم مع ذكاة امّه- كما يأتي- فبدونها أولى، و إن تمّت فصرّح في الأخبار الآتية: أنّ ذكاته ذكاة أمّه، فإذا لم تذكّ امّه لم يكن مذكّى، مع دلالة قوله: «فذكاته» على توقّف حلّه على الذكاة، فيكون حراما.

و تدلّ على الحرمة مع خروجه عن الميّت الأخبار الكثيرة، المتضمّنة ل: أنّه لا ينتفع من الميتة بشي ء، و الحاصرة لما يحلّ من الميتة بأشياء مخصوصة «1» ليس ذلك منها، و مفهوم العلّة في رواية الثمالي الطويلة، المعلّلة لحلّية إنفحة الميتة: بأنّه «ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا لها عظم» «2».

و إن كان حيّا فيحلّ مع تذكيته بنفسه، و إلّا فيحرم، و الوجه فيهما واضح.

و إن خرج

من بطن المذكّى فقد عرفت أنّ أقسامه أربعة:

الأول: أن لم تتمّ خلقته و لم يشعر و لم يؤبر، و هو حرام لا يجوز أكله، بلا خلاف فيه بين الأصحاب يعرف- كما في الكفاية «3»- بل بلا خلاف مطلقا- كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «4»- بل عن الانتصار «5»

______________________________

(1) الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33.

(2) الكافي 6: 256- 1، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33 ح 1.

(3) كفاية الأحكام: 248.

(4) مجمع الفائدة 11: 151.

(5) الانتصار: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 457

و غيره «1» الإجماع عليه.

و يستدلّ له بصحيحة الحلبي: «إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل، و إن لم يكن تاما فلا تأكل» «2».

و صحيحة يعقوب: عن الحوار تذكّى أمّه، أ يؤكل بذكاتها؟ فقال: «إذا كان تامّا و نبت عليه الشعر فكل» «3».

و صحيحة ابن مسكان: في الذبيحة تذبح و في بطنها ولد، قال: «إن كان تامّا فكله، فإنّ ذكاته ذكاة امّه، و إن لم يكن تامّا فلا تأكله» «4»، و نحوها خبر جرّاح المدائني «5».

و رواية مسعدة بن صدقة: في الجنين «إذا أشعر فكل، و إلّا فلا تأكل» يعني: إذا لم يشعر «6».

و لا يخفى أنّ هذه الروايات عن إفادة حرمة الجنين الغير التامّ قاصرة، لمكان الجملة الخبريّة أو ما يحتملها.

و لا يفيد مفهوم الشرط في صحيحة يعقوب، لجواز كون الحكم في المفهوم نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ.

______________________________

(1) كالغنية (الجوامع الفقهية): 618، و التنقيح 4: 27.

(2) الكافي 6: 234- 2، التهذيب 9: 58- 242، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح ب 18 ح 4.

(3) الكافي 6: 234- 3، التهذيب 9: 59- 246، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18

ح 1، الحوار: بالضم و قد يكسر، ولد النّاقة ساعة تضعه- القاموس 2: 16.

(4) الفقيه 3: 209- 965، التهذيب 9: 58- 243، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح ب 18 ح 6.

(5) التهذيب 9: 59- 245، الوسائل 24: 35 أبواب الذبائح ب 18 ح 7.

(6) الكافي 6: 235- 5، قرب الإسناد: 76- 247، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح ب 18 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 458

و لذا قال المحقّق الأردبيلي مشيرا إلى هذا القسم: و أمّا الأول فإن كان إجماعيّا و إلّا ففيه تأمّل، للأصل، و العمومات، مع عدم ما يدلّ على التحريم «1». انتهى.

و هو جيّد، و الاجتناب أحوط.

و الثاني: أن تتمّ خلقته و أشعر و أوبر و لم يلجه الروح، و الظاهر عدم الخلاف في حلّيته و كون ذكاته ذكاة امّه، و تدلّ عليه جميع الروايات المتقدّمة.

مضافة إلى صحيحة محمّد: عن قول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ «2» فقال: «الجنين في بطن امّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة امّه» «3».

و موثّقة سماعة المضمرة: عن الشاة نذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر، فقال عليه السّلام: «ذكاته ذكاة امّه» «4».

و لعلّ اختلاف تلك الروايات باعتبار اشتراط تمام الخلقة وحده في بعضها، و الإشعار وحده أو مع الإيبار في بعض آخر، أو ذكر الأمرين معا- كما في ثالث- إنّما هو لتلازم الأمرين، و كذا اختلاف كلمات الأصحاب.

و لو قلنا بعدم التلازم، كما هو ظاهر الجمع بينهما في صحيحة يعقوب، و هو أيضا ظاهر كلام الصدوق في المقنع «5».

فقيل بتعيّن اعتبار الأمرين معا، للأصل، و الجمع بين الأخبار بتقييد بعضها ببعض بشهادة الصحيح الجامع، أي صحيحة يعقوب «6».

______________________________

(1) مجمع

الفائدة 11: 151.

(2) المائدة: 1.

(3) الكافي 6: 234- 1، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18 ح 3.

(4) الكافي 6: 235- 4، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18 ح 2.

(5) المقنع: 139.

(6) الرياض 2: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 459

و فيه نظر، لمنع الأصل، بل هو مع الحلّية كما مرّت إليه الإشارة، و الأخبار- مع كونها منطوقا و مفهوما متعارضة- عن إفادة الحرمة- كما مرّ- قاصرة، إلّا بضميمة الإجماع، الذي لو ثبت في صورة انتفاء الأمرين فعدمه مع تحقّق أحدهما واضح، فالحلّ من أحد الأمرين أقرب.

و الثالث: أن تتمّ خلقته أو أشعر و أوبر و أولجه الروح، و لكن لم يخرج من البطن حيّا، بل مات في بطنه، و هو أيضا كسابقه في الحلّية على الأقوى، وفاقا للمحكيّ عن الصدوق و العماني و السيّد و المحقّق «1»، و عليه كافة متأخّري أصحابنا «2».

لإطلاقات جميع النصوص السابقة الشاملة لصورة ولوج الروح، بل الظاهرة منها خاصّة، لأنّ الروح لا ينفكّ عن تمام الخلقة عادة، كما صرّح به جماعة، منهم: المختلف و الروضة «3».

و خصوص موثّقة الساباطي: عن الشاة تذبح و يموت ولدها في بطنها، قال: «كله فإنّه حلال، لأنّ ذكاته ذكاة امّه، فإن خرج و هو حيّ فاذبحه و كله، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله، و كذلك البقر و الإبل» «4».

خلافا للمحكيّ عن الشيخ و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و الحلّي «5»،

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 139، حكاه عن العماني في المختلف: 681، السيد في الانتصار: 195، المحقق في النافع: 251.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 230، و الهندي في كشف اللثام 2: 78، و صاحب الرياض 2: 279.

(3) المختلف: 682،

الروضة 7: 254.

(4) التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 24: 35 أبواب الذبائح ب 18 ح 8.

(5) الشيخ في النهاية: 584، القاضي في المهذّب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة:

361، الديلمي في المراسم: 210، الحلي في السرائر 3: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 460

فاشترطوا في الحلّية- مع تمام الخلقة و الإشعار- عدم ولوج الروح فيه، لأدلّة اشتراط تذكية الحيّ مطلقا، فتعارض بها الإطلاقات المتقدّمة، و ترجّح الاولى بالأكثريّة و موافقة الكتاب و السنّة، حيث لم يذكر اسم اللّه على ذلك الجنين، بل من حيث إنّه ميتة أيضا، بل هو مقتضى الأصل الذي يرجع إليه لو لا الترجيح لصدق الميتة.

و هو كان حسنا لو لا الموثّقة الخاصّة، و لكن معها يجب تخصيص أدلّة التذكية، مع أنّ ذلك أيضا مذكّى، مضافا إلى إمكان الخدش في انصراف مطلقات الذبح و التذكية إلى مثل ذلك، لندرته جدّا.

و الرابع: أن يخرج حيّا، و هو إن كان حيّا مستقرّ الحياة يتّسع الزمان لتذكيته لم يحلّ إلّا بالتذكية إجماعا، لعدم دخول مثله في النصوص المتقدّمة، فيشمله عموم ما دلّ على حرمة الميتة و ما لم يذكر اسم اللّه عليه، مضافا إلى الموثّقة المتقدّمة.

و كذا إن كان غير مستقرّ الحياة و لا يتّسع الزمان للتذكية على الأظهر، لإطلاق الموثّقة، و معارضة العمومات المشار إليها مع إطلاقات الأخبار السابقة.

و هل تجب المبادرة إلى شقّ جوف الذبيحة لإخراج ما ولج فيه الروح زائدا على المعتاد، أم لا؟

الأقرب: الثاني، للأصل، و الأحوط: الأول.

هذا إذا علم الولوج.

و لو لم يعلم و احتمله فلا تجب المبادرة إلى الشقّ البتّة، لأصالة عدم الولوج.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 461

الباب الرابع في التذكية بالأخذ و القبض حيّا

اشاره

و هي إنّما تكون في السمك و الجراد.

فهاهنا

فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 462

الفصل الأول في تذكية السمك و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ذكاة السمك: إثبات اليد عليه حيّا خارج الماء

، فإذا أثبتت عليه اليد كذلك فهو ذكي حلال، و الحكم مجمع عليه بل ضروري، لإطلاق قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «1»، و كون ذلك صيدا عرفا ظاهر.

و النصوص المتضمّنة لقولهم عليهم السّلام: «إنّما صيد الحيتان أخذها» «2» صريحة فيه، دالّة على المطلوب.

و يدلّ عليه أيضا قولهم عليهم السّلام: «الحيتان و الجراد ذكي» «3»، يدلّ على كونها ذكيّة مطلقا، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و رواية أبي حفص: «في صيد السمكة إذا أدركتها و هي تضطرب و تضرب بيدها و تحرّك ذنبها و تطرف بعينها فهي ذكاتها» «4».

و رواية مسعدة: «إنّ السمك و الجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي» الحديث «5».

______________________________

(1) المائدة: 96.

(2) كما في الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32.

(3) قرب الإسناد: 17- 58، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 9.

(4) الكافي 6: 217- 7، التهذيب 9: 7- 24، الاستبصار 4: 61- 214، الوسائل 24: 81 أبواب الذبائح ب 34 ح 2.

(5) الكافي 6: 221- 1، قرب الإسناد: 50- 162، الوسائل 24: 87 أبواب الذبائح ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 463

و صحيحة عليّ: عن سمكة و ثبت من نهر فوقعت على الجدّ من النهر فماتت، هل يصلح أكلها؟ فقال: «إن أخذتها قبل أن تموت ثمَّ ماتت فكلها، و إن ماتت من قبل أن تأخذها فلا تأكلها» «1».

المسألة الثانية: إثبات اليد أعمّ من أن يكون بأخذه من الماء باليد، أو بنصب شبكة، أو آلة أخرى

، أو تهيئة حظيرة و وقوعه فيها و إخراجه منها حيّا، لصدق الأخذ و الإدراك في الصورتين.

و خصوص موثّقة أبي بصير: عن صيد المجوسي للسمك حين يضربون بالشبكة و لا يسمّي و كذلك اليهودي، فقال: «لا بأس، إنّما صيد الحيتان أخذها» «2».

و صحيحتي الحلبي، إحداهما: عن صيد

المجوسي للحيتان حين يضربون عليها بالشباك و يسمّون بالشرك، فقال: «لا بأس بصيدهم، إنّما صيد الحيتان أخذه»، و عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء تدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها، قال: «لا بأس به، إنّما جعلت تلك الحظيرة ليصاد بها» «3».

و الأخرى: عن الحظيرة من القصب إلى آخر ما مرّ في السابقة «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 218- 11، التهذيب 9: 7- 23، الاستبصار 4: 61- 213، قرب الإسناد: 277- 1102، الوسائل 24: 81 أبواب الذبائح ب 34 ح 1. و الجدّ:

بالضم، شاطئ البحر- النهاية لابن الأثير 1: 245.

(2) الكافي 6: 217- 5، التهذيب 9: 10- 36، الاستبصار 4: 63- 225، الوسائل 24: 76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.

(3) الكافي 6: 217- 9، التهذيب 9: 10- 34، الاستبصار 4: 63- 223، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.

(4) الكافي 6: 217- 9، التهذيب 9: 12- 43، الاستبصار 4: 61- 216، الوسائل 24: 84 أبواب الذبائح ب 35 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 464

و نحو الأخيرة صحيحة ابن سنان «1».

و صحيحة محمّد: في الرجل ينصب شبكة في الماء، ثمَّ يرجع إلى بيته و يتركها منصوبة، و يأتيها بعد ذلك و قد وقع فيها سمك فيمتن، فقال:

«ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها» «2».

و رواية مسعدة: «إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال، ما خلا ما ليس له قشر، و لا يؤكل الطافي من السمك» «3».

المسألة الثالثة: لا ريب في حلّية ما مات في الشبكة و سائر الآلات بعد إخراجها عن الماء و حياة السمكة فيها.

و مقتضى أخبار الشبكة و الحظيرة المتقدّمة حلّية ما مات فيها و لو في الماء أيضا، كما هو المحكيّ عن العماني «4»، و نفى عنه البعد في

الكفاية «5»، و مال إليه المحقّق الأردبيلي «6».

خلافا للشيخ و ابن حمزة و الحلّي «7» و حكي عن أكثر المتأخّرين «8»،

______________________________

(1) الفقيه 3: 207- 950، الوسائل 24: 85 أبواب الذبائح ب 35 ح 5.

(2) الكافي 6: 217- 10، الفقيه 3: 206- 947، التهذيب 9: 11- 42، الاستبصار 4: 61- 215، الوسائل 24: 83 أبواب الذبائح ب 35 ح 2.

(3) الكافي 6: 218- 15، التهذيب 9: 12- 45، الاستبصار 4: 62- 218، المحاسن: 477- 493، الوسائل 24: 85 أبواب الذبائح ب 35 ح 4.

(4) حكاه عنه في المختلف: 674.

(5) كفاية الأحكام: 248.

(6) مجمع الفائدة 11: 144.

(7) الشيخ في النهاية: 579، ابن حمزة في الوسيلة: 355، الحلي في السرائر 3:

90.

(8) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 230، و الكاشاني في المفاتيح 2: 204، و صاحب الرياض 2: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 465

فقالوا بحرمة ما مات في الماء و لو في الآلة.

للعلّة المنصوصة في رواية عبد الرحمن بن سيابة: عن السمك يصاد، ثمَّ يجعل في شي ء، ثمَّ يعاد إلى الماء فيموت فيه، فقال: «تأكله، لأنّه مات في الذي فيه حياته» «1».

و في رواية عبد المؤمن: أمرت رجلا يسأل لي أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صاد سمكا و هنّ أحياء ثمَّ أخرجهنّ بعد ما مات بعضهنّ، فقال:

«ما مات فلا تأكل، فإنّه مات فيما كان فيه حياته» «2».

و يدل عليه قوله: صاد، إلى آخره، في تلك الرواية أيضا نصّا.

و كذا يدلّ عليه فحوى ما دلّ على حرمة ما صيد ثمَّ في الماء أعيد، كصدر الرواية الاولى، و صحيحة الخزّاز: عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و أرسلها في الماء فماتت، أتوكل؟ قال: «لا» «3».

و يتأيّد أيضا

بإطلاق ما دلّ على حرمة ما مات من السمك في الماء، من دون تقييد بصورة عدم الأخذ و الإخراج.

و حمل بعض هؤلاء الأخبار الأولى على صورة الموت خارجا قطعا أو احتمالا، بناء على أصالة تأخّر الحادث، و لا يخفى بعد ذلك الحمل جدّا، بل عدم تحمّله في بعض ما مرّ، و ليس ذلك الحمل بأولى من الحمل في الأخيرة بالموت بعد الصيد ثمَّ الخروج عن التصرّف- يعني: صيد ثمَ

______________________________

(1) الكافي 6: 216- 3، الفقيه 3: 206- 945، التهذيب 9: 11- 40، الوسائل 24: 79 أبواب الذبائح ب 33 ح 2.

(2) التهذيب 9: 12- 44، الاستبصار 4: 62- 217، الوسائل 24: 83 أبواب الذبائح ب 35 ح 1.

(3) الكافي 6: 217- 4، الفقيه 3: 206- 944، الوسائل 24: 79 أبواب الذبائح ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 466

أطلق ثمَّ مات فاخرج ميّتا- و بالحمل على الكراهة.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فيرجع إلى أصالة الحلّية.

و القول بالرجوع إلى أصالة حرمة الميتة غير جيّد، لإمكان منع صدق الميتة على السمك مطلقا من جهة الأخبار المتضمّنة لقولهم عليهم السّلام: «الحيتان ذكي» بقول مطلق، كصحيحة سليمان بن خالد: عن الحيتان يصيدها المجوس، فقال: «إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: الحيتان و الجراد ذكي» «1»، و قريبة منها موثّقة أبي مريم «2».

إلّا أن يقال: إنّها مقيّدة بصورة خروجه من الماء حيّا، لمفهوم الشرط في رواية مسعدة المتقدّمة، و لكنها غير مقيّدة بالخروج حيّا، فتأمّل.

و ترجيح أخبار الحرمة بموافقة الشهرة العظيمة- كما قيل «3»- لا يحسن، لأنّ الشهرة في الفتوى لا تصلح للترجيح، مع أنّ كونها عظيمة غير ثابتة عندي.

و ظهر ممّا ذكر أنّ الترجيح بقاعدة

الاستدلال لجانب الحلّية، و إن كان الاحتياط في جهة الحرمة.

المسألة الرابعة: ما مرّ في المسألة السابقة إنّما هو فيما إذا كان الواقع في الآلة هو الميّت في الماء خاصّة

، أو الميّت فيه و في خارج الماء، و تميّز كلّ منهما عن الآخر.

و لو اشتملت الآلة على الميّت في الماء و في خارجه و اشتبه، ففيه

______________________________

(1) الكافي 6: 217- 6، التهذيب 9: 10- 37، الاستبصار 4: 63- 226، الوسائل 24: 76 أبواب الذبائح ب 32 ح 4.

(2) التهذيب 9: 11- 38، الاستبصار 4: 64- 227، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 6.

(3) في الرياض 2: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 467

أيضا خلاف، فكلّ من قال في الأول بالحلّية قال بها هنا أيضا، و كذا بعض من كان يقول في الأول بالحرمة، كالشيخ في النهاية و القاضي و المحقّق في الشرائع «1».

و مقتضى ما مرّ الحلّية هنا أيضا، بل بطريق أولى، لعدم تميّز الميّت في الماء، و أكثريّة الشركاء من القدماء.

و لو ترك من المجموع بقدر يتيقّن موته في الماء و أكل الباقي- كما هي طريقتنا في المحصور و غيره- كان احتياطا، و الأحوط ترك الجميع.

المسألة الخامسة: لو صيد حيّا، ثمَّ دخل في الماء مع الانطلاق أو مربوطا بشي ء و مات في الماء، حرم

، بلا خلاف فيه يوجد، كما صرّح به بعضهم «2»، و تدلّ عليه عمومات حرمة ما مات في الماء، و خصوص الخزّاز و رواية ابن سيابة المتقدّمتين، و بها يقيّد إطلاق ما مرّ من أنّ ذكاته أخذه، أو هو ذكي من دون تقييد له بعدم موته في الماء.

المسألة السادسة: لو وثب السمك من الماء على الجدّ أو السفينة و نحوهما أو نضب و انحسر عنه الماء و غار و بقي السمك، فإن أخذ حيّا حلّ

، و ميّتا لم يحلّ، بالإجماع المحقّق في الأول، و المحكيّ عن الخلاف «3» في الثاني.

لصحيحة عليّ المتقدّمة في المسألة الأولى، مضافا في الأول إلى ما مضى من أدلّة ذكاة السمك بالأخذ حيّا.

و بتلك الصحيحة الخاصّة تقيّد مطلقات المنع عن أكل المنبوذ

______________________________

(1) النهاية: 578، القاضي في المهذّب 2: 438، الشرائع 3: 208.

(2) كما في كفاية الأحكام: 248، و الرياض 2: 278.

(3) الخلاف 2: 525.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 468

و المنضوب عنه، كموثّقة الساباطي: عن الذي ينضب عنه الماء من سمك البحر، قال: «لا تأكله» «1».

و صحيحة محمّد: «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب الماء عنه فذلك المتروك» «2».

خلافا للمحكيّ عن النهاية و نكت النهاية «3» و بعض كتب المحقّق في الثاني، فقالا بالحلّ إذا أدركه و هو يضطرب و إن مات قبل الأخذ، و لازمه- كما في المسالك «4»، و غيره «5»- أنّ ذكاة السمك خروجه من الماء حيّا من غير اشتراط إخراجه كذلك، و اشتراط إدراك الاضطراب للعلم بخروجه حيّا لا لكونه شرطا بخصوصه.

و ظاهر النافع و الكفاية «6» التردّد.

و استدلّوا بروايتي أبي حفص و مسعدة المتقدّمتين في المسألة الاولى، و موثّقة زرارة: سمكة ارتفعت فوقعت على الجدّ فاضطربت حتى ماتت آكلها؟ قال: «نعم» «7»، و قريبة منها روايته «8».

و يدلّ عليه العمومات المتقدّمة المصرّحة بأنّ الحيتان ذكية، و بأنّ

ذكاتها أخذها الشامل للأخذ ميتة و حيّا، خرج ما مات في الماء بما ذكر

______________________________

(1) التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12 ح 4.

(2) الفقيه 3: 215- 1000، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 6.

(3) النهاية: 576، نكت النهاية 3: 80.

(4) المسالك 2: 230.

(5) كالإيضاح 4: 140، و المفاتيح 2: 204.

(6) النافع: 250، الكفاية: 248.

(7) الفقيه 3: 206- 946، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 5.

(8) التهذيب 9: 7- 22، الاستبصار 4: 61- 212، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 469

فيبقى الباقي.

و الجواب عن الكل: أنّها أعمّ مطلقا من الصحيحة المتقدّمة، لشمول الإدراك في الاولى و الخروج في الثانية و الاضطراب حتى يموت في الثالثة و الرابعة لما إذا كان بعد الأخذ أو قبله، فيجب التخصيص.

مضافا إلى أنّ المسؤول عنه في الأولى صيد السمكة، و قبل الأخذ حيّا لا يصدق الصيد، إلّا أن تمنع دلالة الصحيحة و ما بمعناها على الحرمة، و غايتها المرجوحيّة.

فتبقى الروايات الأخيرة خالية عن المعارض في أصل الحلّ بالكلّية.

إلّا أنّ في رواية الشحّام: عن صيد الحيتان إن لم يسمّ عليه؟ قال:

«لا بأس به إن كان حيّا أن يأخذه» «1».

دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- على أخذه إن لم يكن حيّا، سواء كان موته في الماء أو خارجه.

و منه تظهر قوّة القول الأول.

المسألة السابعة: كلّ ما مات في الماء بلا أخذ و لا الوقوع في آلة، محرّم إجماعا

، و تدلّ عليه أخبار متكثّرة، كروايتي الثقفي و مسعدة المتقدّمتين «2»، و رواية الشحّام: عمّا يوجد من الحيتان طافيا على الماء و يلقيه البحر ميتا آكله؟ قال: «لا» «3».

المسألة الثامنة: لا يعتبر في صيد الحيتان

و أخذها و إخراجها من

______________________________

(1) الكافي 6: 216- 2، التهذيب 9: 9- 29، الاستبصار 4: 63- 221، الوسائل 24: 73 أبواب الذبائح ب 31 ح 3.

(2) في ص: 466.

(3) التهذيب 9: 7- 20، الاستبصار 4: 60- 210، الوسائل 24: 80 أبواب الذبائح ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 470

الماء: التسمية، و لا الاستقبال، و لا الإسلام، بلا خلاف أجده في الأولين، و على الأصحّ الأشهر في الثالث، و عن الحلّي الإجماع عليه «1».

لعموم أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «2»، و عمومات حلّ السمك، و إطلاقات ذكاته في الجميع.

و يزاد في الأول: خصوص موثّقة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الثانية، و رواية الشحّام السابقة في السادسة.

و صحيحة الحلبي: عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ عليه، فقال:

«لا بأس به» «3».

و محمّد: عن صيد السمك و لا يسمّي، قال: «لا بأس» «4».

و بها يخصّص عموم قوله سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «5».

و أمّا صحيحة محمّد: عن مجوسيّ يصيد السمك أ يؤكل منه؟ فقال:

«ما كنت لآكله حتى أنظر إليه»، قال حمّاد: يعني: حتى أسمعه يسمّي «6».

فلا تضرّ، لأنّ التفسير من حمّاد، و هو ليس بحجّة، و لذا نفى صحته في التهذيبين.

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 2: 277، و هو في السرائر 3: 88.

(2) المائدة: 96.

(3) الفقيه 3: 207- 951، التهذيب 9: 9- 31، الاستبصار 4: 62- 219، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.

(4) التهذيب 9: 9- 30،

الوسائل 24: 73 أبواب الذبائح ب 31 ح 2.

(5) الأنعام: 121.

(6) التهذيب 9: 9- 32، الاستبصار 4: 62- 220، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 471

و في الثاني: الأصل.

و في الثالث: المستفيضة المعتبرة، كموثّقة أبي بصير و صحيحة الحلبي المتقدّمتين في الثانية «1»، و صحيحة سليمان و موثّقة أبي مريم المتقدّمتين في الثالثة «2»، و مرسلة الفقيه: عن الحيتان يصيدها المجوس، قال: «لا بأس، إنّما صيد الحيتان أخذها» «3».

و صحيحة ابن سنان: «لا بأس بالسمك الذي يصيده المجوسي» «4».

و الأخرى: «لا بأس بكواميخ المجوس، و لا بأس بصيدهم السمك» «5».

خلافا في الثالث للمفيد «6»، فاعتبر الإسلام، و احتاط به ابن زهرة «7».

لأصالة حرمة الميتة.

و كون صيد السمك أيضا من التذكية المعتبر فيها الإسلام.

و لصحيحتي محمّد و الحلبي، المتقدّمتين في بحث شرائط الصائد «8»، الناهية عن أكل صيد النصارى و كون أخذ السمك صيدا.

و رواية عيسى المتقدّمة فيه أيضا: عن صيد المجوس، قال: «لا بأس

______________________________

(1) في ص: 465.

(2) في ص: 468.

(3) الفقيه 3: 207- 948، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 11.

(4) الكافي 6: 218- 13، التهذيب 9: 10- 35، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 10.

(5) الفقيه 3: 207- 949، التهذيب 9: 11- 39، الاستبصار 4: 64- 228، المحاسن: 454- 378، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 7. و الكامخ:

الذي يؤتدم به، معرّب- مجمع البحرين 2: 441.

(6) المقنعة: 579.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(8) في ص: 379 و 380.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 472

إذا أعطوكه حيّا، و السمك أيضا، و إلّا فلا تجز شهادتهم إلّا أن تشهده» «1».

و يضعّف

الأول: بمنع ذلك الأصل في السمك، كما مرّت إليه الإشارة، و لو سلّمت فيندفع بحصول التذكية المحلّلة بمثل قوله: «صيد الحيتان أخذها» «2».

و الثاني: بأنّ المدلول عليه في الأخبار اشتراط الذبيحة بالإسلام دون التذكية، مع أنّ المستفاد من الأخبار كما مرّ أنّ الحيتان و الجراد ذكيّة، و مقتضاه عدم احتياجهما إلى التذكية، و لو سلّم فغايتها العموم اللازم تخصيصه بما ذكر.

و هو الجواب عن الصحيحتين.

و أمّا عن رواية عيسى: فبعدم الدلالة، أمّا بالمنطوق فظاهر.

و أمّا بالمفهوم فلأنّ المفهوم إنّما يعتبر لو لم يبيّن خلاف المنطوق في الكلام، و إلّا فالمعتبر هو المذكور، و قوله: «و إلّا فلا تجز شهادتهم» إلى آخره، هو بيان حكم خلاف المنطوق، فمفهومه: أنّه إن لم يعطوكه حيّا لا تجز شهادتهم بالأخذ حيّا إلّا أن تشهد ذلك- أي أخذهم حيّا- فهو كاف.

و على هذا، فهو على خلاف ما استدلّوا له به أدلّ، بل يمكن الخدش في الدلالة مع قطع النظر عن ذلك أيضا، إذ ليس في لفظ الإعطاء دلالة على التسليم و أخذ المسلم له صريحا، بل و لا ظاهرا، فغايتها: أنّه يشترط العلم بأخذهم حيّا، كما هو المعتبر في ذكاة السمك، و لمّا لم يكن الكافر مقبول الشهادة في ذلك اعتبر مشاهدة حياته في يده، كما ادعي عليه الإجماع

______________________________

(1) الكافي 6: 217- 8، التهذيب 9: 10- 33، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 34 ح 1.

(2) الفقيه 3: 207- 948، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 473

أيضا «1».

و تدلّ عليه صحيحة محمّد المتقدّمة في صدر المسألة، و صحيحة الحلبي: عن صيد المجوس للسمك آكله؟ فقال: «ما كنت لآكله حتى أنظر إليه»

«2».

و فيهما أيضا دلالة على كفاية النظر و إن صاده الكافر، و ذلك و إن جرى في المسلم أيضا إلّا أنّه ثبت بالإجماع و الأدلّة المتقدّمة في الذبيحة كفاية كونه في يده أو سوقه.

المسألة التاسعة: لا يشترط في حلّية السمك و ذكاته موته

، بل يجوز أكله حيّا وفاقا للأكثر، كما صرّح به في المسالك و الكفاية و المفاتيح «3» و شرحه.

للأصل، و عموم قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «4»، و عموم ما مرّ من أنّ صيد الحيتان أخذه، و أنّ الحيتان و الجراد ذكي، و المرويّ في محاسن البرقي: «الحوت ذكي حيّه و ميّته» «5».

و حمل الذكي على المعنى اللغوي- أي الظاهر- و إن أمكن في الأخير و لكنه لا يمكن فيما تقدّم عليه، لورود أكثره في جواب السؤال عن صيد اليهودي و المجوسي للسمك.

و قد يستدلّ أيضا بموثّقتي الساباطي: عن السمك يشوى و هو حيّ،

______________________________

(1) الرياض 2: 277.

(2) الفقيه 3: 207- 951، التهذيب 9: 9- 31، الاستبصار 4: 62- 219، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.

(3) المسالك 2: 230، الكفاية: 248، المفاتيح 2: 204.

(4) المائدة: 96.

(5) المحاسن: 475- 480، الوسائل 24: 74 أبواب الذبائح ب 31 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 474

قال: «نعم لا بأس» «1».

و في دلالتهما نظر، لأنّ الكلام في الأكل حيّا و لا حياة بعد الشواء، غاية الأمر أنّه نوع إماتة، و الظاهر أنّ السؤال إنّما هو لأجل ما فيه من تعذيب الحيّ.

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في المبسوط، فحرّم الحيّ منه، استنادا إلى أنّ ذكاته إنّما هو إخراجه من الماء بشرط موته خارج الماء، إذ لو لم يكن الإخراج مشروطا بموته خارج الماء لزم منه حلّه لو مات في الماء بعد إخراجه

منه، و هو باطل «2».

و فيه: أنّ عدم حصول ذكاته إلّا بتحقّق الإخراج و الموت خارجه معا ممنوع، بل المعتبر فيها إنّما هو الإخراج بشرط عدم موته في الماء عائدا إليه.

نعم، تدلّ على ما قاله رواية ابن أبي يعفور الواردة في الخزّ، و فيها:

«فإنّ اللّه تبارك و تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» «3».

و لا شكّ أنّ هذه أخصّ مطلقا ممّا مرّ من أدلّة الحلّية التامّة دلالتها، و مقتضى القاعدة تخصيصها بها، فقول الشيخ قويّ جدّا.

و يؤيّده أيضا ظاهر ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في حديث

______________________________

(1) الاولى: التهذيب 9: 62- 265، الوسائل 24: 88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5.

الثانية: التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12 ح 4.

(2) المبسوط 6: 277.

(3) الكافي 3: 399- 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 475

الزنديق، و فيه: «إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّا من الماء، ثمَّ يترك حتى يموت من ذات نفسه، و ذلك أنّه ليس له دم، و كذلك الجراد» «1».

و جعله مؤيّدا لأنّه يمكن أن يقال: إنّه ليس فيه دلالة على لزوم الترك إلى الموت، و أنّه أيضا جزء التذكية، فلعل المراد أنّه يحسن ذلك.

و لا فرق في حلّيته حيّا على القول به بين ما إذا أكل بجميعه أو أبين منه جزء و أكل و لو كان باقيه حيّا، للأصل، و عدم شمول أخبار حرمة الأجزاء المبانة من الحيّ لمثل ذلك.

______________________________

(1) الاحتجاج: 347، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 31 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 476

الفصل الثاني في تذكية الجراد

اعلم

أنّ الكلام في الجراد كالكلام في السمك في جميع الأحكام، من كون ذكاته إثبات اليد عليه حيّا خارج الماء، سواء كان باليد أو بغيرها، و من عدم حلّ ما مات قبل الأخذ أو بعده ثمَّ مات في الماء، و من عدم اشتراط التسمية و الاستقبال و الإسلام في الآخذ حتى عند المفيد أيضا «1»، و اشتراط مشاهدته حيّا إذا كان في يد الكافر، و جواز أكله حيّا.

بلا خلاف يوجد في شي ء ممّا ذكر، كما صرّح به بعضهم «2».

و يدلّ على الأول: إطلاق ما مرّ في صحيحة سليمان و موثّقة أبي مريم: «الحيتان و الجراد ذكي» «3».

و رواية الثقفي: «الجراد ذكي كلّه، فأمّا ما هلك في البحر فلا تأكله» «4».

دلّت على كون الجراد ذكيّا مطلقا، خرج ما مات بنفسه من غير أخذ بالإجماع.

و صحيحة عليّ: عن الجراد نصيبه ميّتا في الصحراء أو في الماء فيؤكل؟ فقال: «لا تأكله» «5».

______________________________

(1) المقنعة: 579.

(2) الرياض 2: 278.

(3) في ص: 468.

(4) المحاسن: 480- 505، الوسائل 24: 74 أبواب الذبائح ب 31 ح 7.

(5) الكافي 6: 222- 3، قرب الإسناد: 277- 1099، مسائل علي بن جعفر:

192- 396، الوسائل 24: 87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 477

و المرويّ في كتاب عليّ: عمّا أصاب المجوس من الجراد و السمك أ يحلّ أكله؟ قال: «صيده ذكاته لا بأس به» «1».

دلّ على أنّ ذكاته تحصل بصيده- الذي هو إثبات اليد عليه- فلا ذكاة بدون الصيد.

و هما يدلّان على اشتراط الأخذ حيّا أيضا.

و تدلّ عليه أيضا موثّقة الساباطي، و فيها: عن الجراد إذا كان في قراح، فيحرق ذلك القراح، فيحترق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار، هل يؤكل؟ قال:

«لا» [1].

و تدلّ على اشتراط كون الموت خارج الماء رواية الثقفي و صحيحة عليّ المذكورتين.

و على تعميم الأخذ بكونه باليد أو بالآلة الإطلاق المذكور، و صدق الصيد المذكور في رواية علي مع كلّ منهما.

و يدلّ على عدم اشتراط الشرائط المذكورة الأصل و العمومات و الإجماع و رواية عليّ فيما أخذه المجوس.

و لا يحلّ من الجراد ما لا يستقلّ بالطيران و يسمّى بالدّبى بفتح الدال المهملة على وزن العصا و هو الجراد إذا تحرّك قبل أن تنبت أجنحته بالإجماع.

لصحيحة عليّ: الدّبى من الجراد أ يؤكل؟ قال: «لا حتى يستقل

______________________________

[1] التهذيب 9: 62- 265، الوسائل 24: 88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5، القراح:

المزرعة التي ليس عليها بناء و لا فيها شجر- مجمع البحرين 2: 403.

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 168- 279، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 478

بالطيران» «1».

و في موثّقة الساباطي: في الذي يشبه الجراد و هو الذي يسمّى الدّبى ليس له جناح يطير به إلّا أنّه يقفز قفزا، أ يحلّ أكله؟ قال: «لا يؤكل ذلك، لأنّه مسخ» «2».

و يظهر من الموثقة مع الصحيحة: أنّ للدبى نوعين:

أحدهما: ليس من الجراد، إلّا أنّه يشبّه به، و ليس له جناح يطير به، و هو مسخ لا يحلّ أكله أبدا.

و الثاني: من الجراد، إلّا أنّه لا يستقلّ بالطيران، لصغره، فهو ما لم يستقلّ به لا يحلّ أكله. و هو الموافق لقول صاحب الصحاح «3» و المذكور في كتب الأصحاب.

تمَّ كتاب الصيد و الذباحة و الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه و آله.

______________________________

(1) الكافي 6: 222- 3، قرب الإسناد: 277- 1101، مسائل علي بن جعفر:

109- 18، الوسائل 24: 87

أبواب الذبائح ب 37 ح 1.

(2) التهذيب 9: 82- 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.

(3) الصحاح 6: 2333.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.