مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 14

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 7

كتاب مطلق الكسب و الاقتناء

اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 9

مقدّمة: اعلم أنّ الكسب جنس تحته أنواع كثيرة، و لكلّ نوع منه متعلّق، هو ما يكتسب به، فهذه أمور ثلاثة، و الأولان من فعل المكلّف، و الثالث ليس كذلك، بل هو الأعيان و المنافع الخارجيّة.

و لكلّ من الأولين آداب، بمعنى: أن لمطلق الكسب- من غير تخصيص بنوع منه- أمورا يرجح فيها ارتكابه أو تركه مع المنع من النقيض أو بدونه.

و لكلّ نوع منه أيضا آداب مختصّة به.

و لكلّ من الثلاثة- باعتبار الأحكام الشرعيّة- أقسام:

فينقسم مطلق الكسب من حيث هو- أي مع قطع النظر عن أنواعه و متعلّقاته- إلى خمسة أقسام: الواجب، و المندوب، و الحرام، و المكروه، و المباح. بمعنى: أنّه قد يكون واجبا، و قد يكون مندوبا، و هكذا.

و الثاني ينقسم إلى أربعة أقسام، هي غير الواجب، إذ ليس من أنواع التكسّب ما يكون واجبا من حيث هو إلّا على الوجوب الكفائي في بعض الأنواع.

و الثالث ينقسم إلى أقسام ثلاثة: الحرام، و المكروه، و المباح.

بمعنى: أنّه يحرم جعله متعلّقا للكسب، أو يكره، أو يباح.

و لم يرد استحباب جعل شي ء من الأعيان أو المنافع متعلّقا له، أو وجوبه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 10

و هذا أيضا على قسمين، لأنّه إمّا يكون في مطلق الكسب، بمعنى:

أنّه يحرم أو يكره أو يباح جعله متعلّقا و موردا لمطلق الكسب من غير اختصاص بنوع.

أو يكون في نوع خاص، أو أنواع خاصّة منه، كالأراضي الموات، فإنّها لا يجوز بيعها و إجارتها و نحوهما، و يجوز تحجيرها و إحياؤها، و كالوقف العام يجوز إجارتها و الزراعة فيها، و لا يجوز

بيعها و هبتها.

ثمَّ الأول و إن انقسم باعتبار أقسام الثانيين إلى أقسامهما و الثاني باعتبار الثالث إلى أقسامه، إلّا أنّ المتعارف تقسيم كلّ منها إلى أقسامه الحاصلة له مع قطع النظر عن الآخر.

و قد وقع في هذا المقام خلط و تخليط و اختلاف كثير في كثير من كتب الأصحاب من وجوه عديدة:

فترى منهم من يعنون كتاب الكسب و يذكر فيه بعض آدابه و أقسام أنواعه، ثمَّ يذكر فيه ما يتعلّق بعقد البيع و أحكامه، و يعنون للصلح و الإجارة و غيرها من المعاوضات كتابا على حدة، مع أنّ نسبتها إلى مطلق الكسب كنسبة البيع إليه، فلا وجه للتفرقة، على أنّ البيع كغيره من المعاوضات أعمّ من وجه من مطلق الكسب، فجعله من أفراده غير جيّد.

و منهم من ذكر آدابا لمطلق الكسب، و ترى بعضها مخصوصا ببعض أنواعه، مع أنّه قد يذكر في باب هذا النوع بعض ما يختصّ به من الآداب، بل قد يذكر فيه بعض ما هو آداب للمطلق.

و أيضا ترى منهم من خلط بين كثير من أقسام أنواع الكسب و أقسام ما يكتسب به، مع أنّه عنون لكلّ منهما عنوانا على حدة.

و أيضا ترى منهم من يذكر بعض أقسام ما يكتسب به في عنوان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 11

مطلق الكسب، و بعضها في عنوان نوع خاصّ منه، مع اشتراكهما في الاختصاص أو العموم.

و قد ترى منهم من خلط بين أقسام الكسب و بين آدابه، فجعل بعض ما يحرم ارتكابه أو يكره في مطلق الكسب أو نوع منه من أنواع الكسب المحرّم أو المكروه أو بالعكس، إلى غير ذلك من الوجوه الظاهرة للمتتبّع.

و الأولى أن يعنون لمطلق الكسب كتابا، و لكلّ من

عقود المعاوضات كتابا على حدة، و يذكر ما يرد على المطلق من الآداب و الأقسام في كتابه، و ما يرد على نوع خاصّ منه في كتابه الخاصّ، و نحن معنونون كذلك، إلّا أنّا نذكر آداب مطلق الكسب و البيع في عنوان واحد اتباعا للأكثر و حفظا عن التشتّت، و نذكرها مع ما يجري مجراها في مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 13

المقصد الأول في الحثّ على الكسب و الترغيب إليه

و يقسّم مطلقه إلى الأقسام الخمسة.

قال اللّه سبحانه فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ «1».

و قال فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ «2».

و في الخبر: «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا» «3».

و في آخر: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ليحبّ الاغتراب في طلب الرزق» «4».

و في ثالث: «لا تكسلوا في طلب معايشكم، فإنّ آباءنا كانوا يركضون

______________________________

(1) الملك: 15.

(2) الجمعة: 10.

(3) الفقيه 3: 94- 356، الوسائل 17: 76 أبواب مقدمات التجارة ب 28 ح 2.

(4) الفقيه 3: 95- 358، الوسائل 17: 77 أبواب مقدمات التجارة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 14

فيها و يطلبونها» «1».

و في رابع: «إنّ اللّه يحبّ المحترف الأمين» «2».

و في خامس: «إنّي أجدني أمقت الرجل يتعذّر عليه المكاسب، فيستلقي على قفاه و يقول: اللّهم ارزقني، و يدع أن ينتشر في الأرض و يلتمس من فضل اللّه، و الذرة [3] تخرج من جحرها تلتمس رزقها» «4».

و في سادس: في من أقبل على العبادة و ترك التجارة: «أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له» «5».

و في سابع: «لأبغض الرجل أن يكون كسلانا في أمر دنياه، و من كسل عن أمر دنياه كان من أمر آخرته أكسل» «6»، إلى

غير ذلك من الأخبار المتواترة معنى «7».

و هو قد يجب إن اضطرّ إليه في إبقاء مهجته و مهجة عياله و من يجري مجراها، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ملعون من ألقى كلّه على الناس» «8».

و في مرسلة الفقيه: «ملعون ملعون من ضيّع من يعول» «9».

______________________________

[3] الذرّ: صغار النمل، و الواحدة ذرّة، القاموس المحيط 2: 35.

______________________________

(1) الفقيه 3: 95- 363، الوسائل 17: 60 أبواب مقدمات التجارة ب 18 ح 8.

(2) الخصال 2: 621- 10، الوسائل 17: 11 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 6.

(4) الفقيه 3: 95- 366، الوسائل 17: 30 أبواب مقدمات التجارة ب 6 ح 4.

(5) الكافي 5: 84- 5، التهذيب 6: 323- 885، الوسائل 17: 27 أبواب مقدمات التجارة ب 5 ح 7.

(6) الكافي 5: 85- 4، الوسائل 17: 58 أبواب مقدمات التجارة ب 18 ح 1، بتفاوت يسير.

(7) الوسائل 17: 58 أبواب مقدمات التجارة ب 18.

(8) الكافي 5: 72- 7، التهذيب 6: 327- 902، الوسائل 17: 31 أبواب مقدمات التجارة ب 6 ح 10.

(9) الكافي 4: 12- 9، الفقيه 3: 103- 417، الوسائل 17: 68 أبواب مقدمات التجارة ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 15

و عن الصادق عليه السّلام: «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول» «1».

و كذلك إذا توقّفت عليه الواجبات المطلقة، كالحجّ بعد فقد الاستطاعة مع التقصير، و الماء للطهارة، و الساتر للعورة، و نحوها.

و يستحبّ للتوسعة في المعاش بلا خلاف ظاهر، و في الأخبار دلالة عليه:

ففي رواية أبي حمزة: «من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس و سعة على أهله و تعطّفا على جاره لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و

وجهه مثل القمر ليلة البدر» «2».

و مثل التوسعة تحصيل ما يتوقّف عليه من العبادات المستحبّة، كالبرّ، و الصدقة، و الحجّ المستحبّ، و العتق، و بناء المساجد و المدارس، و أمثالها، و في الأخبار المستفيضة تصريح به:

ففي الصحيح: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أعتق ألف مملوك من كدّ يده» «3».

و في الحسن: قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: و اللّه إنّا لنطلب الدنيا و نحبّ أن نؤتى بها، فقال: «تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟» قال: أعود بها على نفسي و عيالي، و أصل بها، و أتصدّق، و أحجّ و أعتمر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) الكافي 4: 12- 8، الفقيه 3: 103- 416، الوسائل 17: 68 أبواب مقدمات التجارة ب 23 ح 8.

(2) الكافي 5: 78- 5، التهذيب 6: 324- 890، الوسائل 17: 21 أبواب مقدمات التجارة ب 4 ح 5، بتفاوت يسير.

(3) أمالي الصدوق: 232- 14، الوسائل 1: 88 أبواب مقدمة العبادات ب 20 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 16

«ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة» «1».

و يكره لمجرّد إكثار المال و جمعه و زينة الدنيا و سائر ما يكون مكروها، كما يحرم إذا كان سببا لترك واجب، و يباح فيما سوى ذلك.

______________________________

(1) الكافي 5: 72- 10، التهذيب 6: 327- 903، الوسائل 17: 34 أبواب مقدمات التجارة ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 17

المقصد الثاني في آداب مطلق الكسب و البيع

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول في المستحبّات

و هي أمور:

منها: التفقّه أولا و لو تقليدا فيما يتولّاه بنفسه، بالإجماع و الأخبار «1»، ليعرف كيفيّة الاكتساب، و يميّز بين العقود الصحيحة و الفاسدة، و يسلم من الربا الموبق، و لا يرتكب المآثم من حيث لا يعلم، و هذا إنّما هو قبل الدخول في الواقعة و الاحتياج إليه في خصوص المعاملة، و إلّا فيكون التفقّه واجبا من باب المقدّمة.

______________________________

(1) الوسائل 17: 381 أبواب آداب التجارة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 18

و الحاصل: أنّ المستحبّ هو معرفة الأحكام المفصّلة لجميع أفراد ما يمكن أن يتّفق له في هذا النوع، لئلّا يدخل في الحرام من حيث لا يعلم.

و منها: الإجمال في الطلب، بأن لا يصرف أكثر أوقاته فيه.

ففي صحيحة الثمالي: «فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ و أجملوا في الطلب» «1».

و في مرسلة ابن فضّال: «فليكن طلب المعيشة فوق كسب المضيّع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها» «2».

و منها: قصد النفقة و السعة و دفع الضرورة أو ما يتقرّب به إلى اللّه، دون زينة الدنيا و التفاخر و التكاثر و الملاهي.

و منها: الثقة باللّه و التوكّل عليه، و عدم الاعتماد على عمله و فطانته.

روى عبد اللّه بن سليمان: «إنّ اللّه عزّ و جلّ وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، و يعلموا أنّ الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة» «3».

و في مرفوعة ابن جمهور: «لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه و لم ينقص امرؤ نقيرا بحمقه» «4».

و منها: إقالة النادم مؤمنا كان أو غيره، لرواية الجعفري «5»، و لما فيه

______________________________

(1) الكافي 5: 80- 1، التهذيب 6: 321- 880، المقنعة: 90، الوسائل 17: 44 أبواب مقدمات التجارة ب 12

ح 1.

(2) الكافي 5: 81- 8، التهذيب 6: 322- 882، الوسائل 17: 48 أبواب مقدمات التجارة ب 13 ح 3.

(3) الكافي 5: 82- 10، التهذيب 6: 323- 884، الوسائل 17: 48 أبواب مقدمات التجارة ب 13 ح 1.

(4) الكافي 5: 81- 9، التهذيب 6: 323- 883، الوسائل 17: 49 أبواب مقدمات التجارة ب 13 ح 4.

(5) الكافي 5: 151- 4، التهذيب 7: 5- 15، الوسائل 17: 385 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 19

من جبر قلب المسلم، سيّما في البيع، لخصوص رواية أبي حمزة «أيّما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة» «1».

و التقييد بالنادم- مع إطلاق بعض الأخبار- لأنّ استحبابها إنّما هو بعد الاستقالة، و لا استقالة لغير النادم، فإثبات استحبابها مطلقا لا وجه له.

و منها: التسوية بين كلّ الناس في البيع و الشراء، فيكون الساكت عنده بمنزلة المماكس [2]، و غير البصير بمنزلة البصير، و المستحيي بمنزلة المداقّ.

لرواية ميسر: «إن ولّيت أخاك فحسن، و إلّا فبع بيع البصير المداقّ» «3»، و دلالتها إنّما هي على كون إضافة البيع إلى المفعول.

و رواية ابن جذاعة: في رجل عنده بيع فسعّره سعرا معلوما فمن سكت عنه ممّن يشتري منه فباعه بذلك السعر و من ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده، قال: «لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس، و أمّا أن يفعله بمن أبى عليه و كايسه و يمنعه ممّن لم يفعل ذلك فلا يعجبني» «4».

و استحباب التسوية إنّما هو لأجل ما ذكر.

و أمّا لو كان التفاوت من جهة أخرى- كالفضل و الإيمان و الورع و القرابة- فلعلّه لا مانع منه كما ذكره

جماعة «5»، و لكن يكره للآخذ قبوله،

______________________________

[2] المماكسة في البيع: انتقاص الثمن و استحطاطه- مجمع البحرين 4: 108.

______________________________

(1) الكافي 5: 153- 16، الفقيه 3: 122- 526، التهذيب 7: 8- 26، الوسائل 17: 386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 153- 19، التهذيب 7: 7- 24، الاستبصار 3: 70- 234، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.

(4) الكافي 5: 152- 10، التهذيب 7: 8- 25، الوسائل 17: 398 أبواب آداب التجارة ب 11 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 286، و صاحبي مفتاح الكرامة 4: 133 و الرياض 1: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 20

و لقد كان السلف يوكّلون في الشراء ممّن لا يعرف هربا من ذلك.

و منها: ذكر اللّه سبحانه في السوق، و الدعاء بالمأثور عند دخول السوق، و الجلوس في مكانه، و عند الشراء و بعده، و عند شراء الدابّة أو الرأس «1».

و منها: أن يأخذ ناقصا و يعطي راجحا بحيث لا يؤدّي إلى الجهالة، للأمر بإيفاء الكيل و الوزن، مع ما ورد من أنّه لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان «2».

و في رواية السكوني: «مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام على جارية قد اشترت لحما من قصّاب و هي تقول: زدني، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: زدها، فإنّه أعظم للبركة» «3»، و كانت الجارية أمة للغير، فلا ينافي ذلك استحباب الأخذ ناقصا.

و في صحيحة ابن عمّار: «من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافيا لم يأخذ إلّا راجحا، و من أعطى فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلّا ناقصا» «4».

قيل: إنّ هذه الزيادة و النقصان غير ما يجب من

باب المقدّمة «5». و لا يخفى أنّ وجوبها من باب المقدّمة ممنوع، إذ ليس الواجب المساواة

______________________________

(1) انظر الوسائل 17: 401- 409 أبواب آداب التجارة ب 18.

(2) الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7.

(3) الكافي 5: 152- 8، الفقيه 3: 122- 524، التهذيب 7: 7- 20، الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1.

(4) الكافي 5: 159- 2، الفقيه 3: 123- 534، التهذيب 7: 11- 46، الوسائل 17: 393 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 5.

(5) انظر الرياض 1: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 21

الحقيقيّة، بل العرفيّة، المتحقّقة بالتساوي في النظر بتفاوت قليل يسامح فيه عرفا، سيّما مع حصول التراضي، و مع ما تشعر به أخبار كثيرة من نفي البأس عن القليل من الزيادة و النقصان.

و مع التشاحّ في درك الفضيلة، قيل: يقدّم من بيده المكيال و الميزان «1».

و هو لا يقطع التشاحّ إذا وقع في المباشرة.

و قيل: البائع، لأنّ الوزن عليه «2».

و هو لا ينفي استحباب الأخذ ناقصا.

و قيل بالقرعة «3».

و منها: تقديم الاستخارة- أي طلب الخيرة من اللّه سبحانه- و الوضوء و التكبير في طلب الرزق، و كونه سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء، للأخبار و فتاوى الأصحاب.

و أمّا ما ورد من الأمر بمماكسة المشتري و إن أعطى الجزيل «4» فمحمول على الجواز، أو على ما رواه السكوني: «أنزل اللّه تعالى على بعض أنبيائه عليهم السّلام: للكريم فكارم، و للسمح فسامح، و عند الشكس فالتو» [5].

______________________________

[5] الفقيه 3: 121- 522، الوسائل 17: 388 أبواب آداب التجارة ب 4 ح 3، و الشكس: الاختلاف و التنازع- مجمع البحرين 4: 78.

______________________________

(1) انظر الروضة 3: 291، المفاتيح 3: 20.

(2) انظر

مفتاح الكرامة 4: 133.

(3) انظر مفتاح الكرامة 4: 133.

(4) الفقيه 3: 122- 530، الوسائل 17: 455 أبواب آداب التجارة ب 45 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 22

الفصل الثاني فيما يكره ارتكابه

اشارة

و هي أيضا أمور:

منها: عيب ما يشتري و حمد ما يبيع و إن كان صادقا.

لإطلاق مرفوعة ابن عيسى: «أربع من كنّ فيه طاب مكسبه: إذا اشترى لم يعب، و إذا باع لم يحمد، و لم يدلّس، و فيما بين ذلك لا يحلف» «1».

و رواية السكوني: «من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال و إلّا فلا يبيعنّ و لا يشترينّ: الربا، و الحلف، و كتمان العيب، و الحمد إذا باع، و الذمّ إذا اشترى» «2»، و هي و إن تضمّنت للأمر و النهي إلّا أنّ الإجماع على عدم الحرمة عند الصدق يعيّن حملها على مطلق الطلب أو التخصيص بالكذب.

و منها: الحلف بالبيع و الشراء- بل مطلقا- و إن صدق فيه

، لما مرّ، و لأنّه يذهب بالبركة، كما نطقت به المستفيضة «3».

و روى الصدوق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «ويل لتجّار أمّتي من لا و اللّه بلى و اللّه» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 153- 18، الوسائل 17: 384 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 3.

(2) الكافي 5: 150- 2، الفقيه 3: 120- 515، التهذيب 7: 6- 18، المقنعة:

91، الوسائل 17: 383 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 2. و هو في الخصال 1:

285- 38.

(3) الوسائل 17: 419 أبواب آداب التجارة ب 25.

(4) الفقيه 3: 97- 371، الوسائل 17: 420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 23

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ليبغض المنفق سلعته بالأيمان» «1»، إلى غير ذلك.

و منها: البيع في الظلمة و موضع يستر فيه العيب

، لأنّه مظنّة ستر العيب، و لصحيحة هشام: «إنّ البيع في الظلال غشّ، و الغشّ حرام» «2»، و حملها على الكراهة لعدم كونه غشّا حقيقة و لا تدليسا، فعلى المشتري أن يخرج المتاع إلى حيث يتمكّن من ملاحظته، و لعدم القائل به من الأصحاب.

و منها: تزيين متاعه بأن يظهر جيّده و يكتم رديّه

، بل ينبغي إظهار الكلّ، لما مرّ، و لما روي: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لفاعل ذلك: ما أراك إلّا قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين» «3»، و التقريب ما مرّ.

و منها: الربح على المؤمن

، قالوا: إلّا إذا كان شراؤه للتجارة أو يشتري بأكثر من مائة درهم.

لرواية سليمان بن صالح و أبي شبل: «ربح المؤمن على المؤمن ربا، إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم» «4».

و لا يخفى أن فاعل قوله «يشتري» و: «يشتريه» يمكن أن يكون

______________________________

(1) الأمالي: 390- 6، الوسائل 17: 420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 6.

(2) الكافي 5: 160- 6، الفقيه 3: 172- 770، التهذيب 7: 13- 54، الوسائل 17: 466 أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.

(3) الكافي 5: 161- 7، التهذيب 7: 13- 55، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 8.

(4) الكافي 5: 154- 22، التهذيب 7: 7- 23، الاستبصار 3: 69- 232، الوسائل 17: 396 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 24

المؤمن الأول و أن يكون الثاني، و الأكثر حملوه على الثاني، و لاحتمال الأمرين يشكل استثناء كلّ منهما، و إن كان الظاهر ما فهمه الأكثر.

نعم، لا إشكال إذا كانا معا كذلك.

و في المحاسن: «ربح المؤمن على المؤمن ربا» «1».

و في عقاب الأعمال: «ربح المؤمن ربا» «2».

و إنّما حملوها على الكراهة قيل «3»: للتصريح بالجواز في رواية عمر السابري- بعد قوله: إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرام هو من الربا-: فقال: «هل رأيت أحدا اشترى غنيّا أو فقيرا إلّا من ضرورة؟! يا عمر

قد أحلّ اللّه البيع و حرّم الربا، و اربح و لا ترب» «4» و رواية ميسر «5» المتقدّمة، و لسائر عمومات المرابحة «6».

و لا يخفى أنّ دليل المنع أخصّ، لاختصاصه بالمؤمن، و لمكان الاستثناء، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص أيضا.

و لا يخفى أنّ دليل المنع أخصّ، لاختصاصه بالمؤمن، و لمكان الاستثناء، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص

______________________________

(1) المحاسن: 101- 73، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 3.

(2) عقاب الأعمال: 239- 1، الوسائل 17: 398 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 5.

(3) انظر الرياض 1: 520.

(4) الفقيه 3: 176- 793، التهذيب 7: 18- 78، الاستبصار 3: 72- 238، الوسائل 17: 447 أبواب آداب التجارة ب 40 ح 1.

(5) الكافي 5: 153- 19، التهذيب 7: 7- 24، الاستبصار 3: 70- 234، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.

(6) الوسائل 17: 447 أبواب آداب التجارة ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 25

أيضا.

فالأولى أن يستند في الجواز إلى الإجماع، و برواية سالم- بعد سؤاله عن الخبر الذي روي أنّ ربح المؤمن ربا-: «ذاك إذا ظهر الحقّ و قام قائمنا أهل البيت، فأمّا اليوم فلا بأس أن يبيع من الأخ المؤمن و يربح عليه» «1»، بل يمكن نفي الكراهة اليوم- كما قيل «2»- بذلك.

و قد تضعّف الكراهة أيضا بعمل المسلمين و المؤمنين في الأعصار و الأمصار من دون التزام ذلك، بل و لا مراعاته أصلا.

و يكره الربح على من يعده بالإحسان في البيع، لقول الصادق عليه السّلام:

«إذا قال الرجل للرجل: هلمّ أحسن بيعك، حرم عليه الربح» «3»، و الحمل على الكراهة للإجماع.

و الاستدلال بأنّ أقلّ الإحسان إليه

التولية، ضعيف.

و منها: السوم ما بين الطلوعين

، لمرفوعة ابن أسباط: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» «4»، و المستفيضة المصرّحة: بأنّ الجلوس للتعقيب بعد صلاة الصبح أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض و ركوب البحر «5». و لا ينافي ذلك استحباب التبكير،

______________________________

(1) التهذيب 7: 178- 785، الاستبصار 3: 70- 233، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 4.

(2) انظر الحدائق 18: 27.

(3) الكافي 5: 152- 9، التهذيب 7: 7- 21، الفقيه 3: 173- 774، الوسائل 17: 395 أبواب آداب التجارة ب 9 ح 1.

(4) الكافي 5: 152- 12، الفقيه 3: 122- 529، التهذيب 7: 8- 28، الوسائل 17: 399 أبواب آداب التجارة ب 12 ح 2.

(5) الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب و ما يناسبه ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 26

لأنّه محمول على أول النهار.

و منها: الاشتغال بالكسب في الليل كلّه

، لرواية البصري الشعيري:

«من بات ساهرا في كسب و لم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام» «1».

و منها: الاستهانة بقليل الرزق

، لرواية إسحاق بن عمّار: «من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير» «2».

و منها: ركوب البحر للتجارة

، لما رواه محمّد: إنّ أبا جعفر و أبا عبد اللّه كرها ركوب البحر للتجارة «3».

و مرفوعة عليّ: «ما أجمل في طلب الرزق من ركب البحر للتجارة» «4»، و غيرهما من المستفيضة.

و منها: دخول السوق أولا و الخروج آخرا

، بل يبادر إلى قضاء حاجته و يخرج منه سريعا، لأنّه مأوى الشياطين كما أنّ المسجد مأوى الملائكة، فيكون على العكس.

ففي المرسل: «شرّ بقاع الأرض الأسواق، و هي ميدان إبليس، يغدو برايته و يضع كرسيّه و يبثّ ذريته، فبين مطفّف في قفيز، أو طائش في ميزان، أو سارق في ذرع، أو كاذب في سلعة، فيقول: عليكم برجل مات

______________________________

(1) الكافي 5: 127- 6، التهذيب 6: 367- 1059، الوسائل 17: 164 أبواب ما يكتسب به ب 34 ح 2.

(2) الكافي 5: 311- 30، التهذيب 7: 227- 993، الوسائل 17: 460 أبواب آداب التجارة ب 50 ح 3.

(3) الكافي 5: 256- 1، التهذيب 6: 388- 1158، الوسائل 17: 240 أبواب ما يكتسب به ب 67 ح 1.

(4) الكافي 5: 256- 2، الوسائل 17: 241 أبواب ما يكتسب به ب 67 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 27

أبوه و أبوكم حيّ، فلا يزال مع ذلك أول داخل و آخر خارج» [1].

و نحوه المروي في المجالس بزيادة: «أبغض أهل الأسواق أولهم دخولا إليها و آخرهم خروجا منها» «2».

و لا فرق في ذلك بين التاجر و غيره، و لا بين أهل السوق عادة و غيرهم.

و منها: معاملة السفلة

، و هم الذين لا يسرّهم الإحسان و لا تسوؤهم الإساءة، أو من يضرب بالطنبور، أو من لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه.

و في الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار «3»، و لكن في رواية السيّاري «4» ما يدلّ على اختصاصه بالأخير.

و في كلام جماعة: الأدنين «5»، بدل السفلة، و فسّر- مع ما مرّ- بالذين يحاسبون على الشي ء الدون.

و ذوي العاهات، أي النقص في أبدانهم، و الآفة فيها من البرص، و

الجذام، و العمى، و العرج، و نحوها.

و الأكراد، و هم معروفون.

كلّ ذلك للأخبار «6»، إلّا أنّ المنهيّ عنه في الأخير المخالطة دون المعاملة.

______________________________

[1] الفقيه 3: 124- 539، الوسائل 17: 468 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 1، و فيه بتفاوت. و القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، و هو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك- مجمع البحرين 4: 31.

______________________________

(2) أمالي الطوسي: 144، الوسائل 17: 469 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 2.

(3) الفقيه 3: 100 ذيل الحديث 392.

(4) مستطرفات السرائر: 49- 10، المستدرك 13: 269 أبواب آداب التجارة ب 19 ح 2.

(5) منهم المحقق في الشرائع 2: 20، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 293.

(6) الوسائل 17: 415 و 416 و 417 أبواب آداب التجارة ب 22 و 23 و 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 28

و كذا تكره معاملة المحارف، و هو المحروم الممنوع، و هو خلاف المبارك.

و خصوص الاستقراض، بل مطلق طلب الحاجة ممّن لم يكن فكان، أي من أصاب ماله حديثا.

و مشاركة الذمّي، و إيضاعه، و إيداعه.

و الاستعانة بالمجوس و لو على أخذ قوائم شاتك و أنت تريد ذبحها، كما في المرسل «1».

و منها: الشكوى على إنفاق رأس المال و عدم الربح

، ففي رواية جابر: «يأتي على الناس زمان يشكون فيه ربّهم» قلت: و كيف يشكون ربّهم؟ قال: «يقول الرجل: و اللّه ما ربحت شيئا منذ كذا و كذا، و لا آكل و لا أشرب إلّا من رأس مالي، ويحك هل أصل مالك و ذروته إلّا من ربّك؟!» «2».

و منها: التعرّض للكيل و الوزن إذا لم يحسنه

، للمرسل: قلت: رجل من نيّته الوفاء، و هو إذا كال لم يحسن الكيل، قال: «فما يقول الذين حوله؟» قلت، يقولون: لا يوفي، قال: «هذا لا ينبغي أن يكيل» «3».

و في الروضة: قيل: يحرم، للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم، و حمل على الكراهة «4». انتهى.

______________________________

(1) الفقيه 3: 100- 391، أمالي الطوسي: 456، الوسائل 17: 417 أبواب آداب التجارة ب 24 ح 1 و 7.

(2) الكافي 5: 312- 37، التهذيب 7: 226- 990، الوسائل 17: 462 أبواب آداب التجارة ب 53 ح 1.

(3) الكافي 5: 159- 4، الفقيه 3: 123- 533، التهذيب 7: 12- 47، الوسائل 17: 394 أبواب آداب التجارة ب 8 ح 1.

(4) الروضة 3: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 29

و لم نقف على هذا النهي.

و أمّا المرسل، فمع اختصاصه بالكيل غير ظاهر في النهي، بل مشعر بالكراهة. إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الوفاء واجب يجب امتثاله، و حصل الاشتغال به، فلا بدّ من تحصيل البراءة اليقينيّة أو الظنّية المعتبرة، و هي غير حاصلة بالنسبة إلى هذا الشخص، فالقاعدة تقتضي تحريمه عليه.

و لكن تحصيل البراءة بالتراضي أو الزيادة- بحيث يحصل العلم بالوفاء- ممكن.

و منها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد

، لأنّه صار ملكا للبائع، فيندرج تحت قوله تعالى وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ 7: 85 «1».

و لرواية الكرخي الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و فيها- بعد السؤال عن الاستحطاط-: قال: «لا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة» «2».

و صحيحة الشحّام: «الوضيعة بعد الصفقة حرام» «3».

و ظاهر هذه و إن كان الحرمة، إلّا أنّهم حملوها على الكراهة، لرواية أبي العطارد الصحيحة عن صفوان- الذي أجمعوا على

تصحيح ما يصح عنه-: أشتري الطعام فأوضع في أوله و أربح في آخره، و أسأل صاحبي أن يحطّ عنّي في كلّ كرّ كذا و كذا، فقال: «هذا لا خير فيه، و لكن يحطّ عنك

______________________________

(1) الأعراف: 85.

(2) الكافي 5: 286- 1، الفقيه 3: 145- 641، التهذيب 7: 233- 1017، الاستبصار 3: 73- 243، الوسائل 17: 452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 286- 2، الفقيه 3: 147- 646، التهذيب 7: 80- 346، الوسائل 17: 453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 6، و في الجميع بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 30

جملة»، قلت: فإن حطّ عنّي أكثر مما وضعت؟ قال: «لا بأس» «1».

و رواية معلّى: الرجل يشتري المتاع ثمَّ يستوضع، قال: «لا بأس»، و أمرني فكلّمت له رجلا في ذلك «2».

و رواية يونس بن يعقوب: الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير ان يحمله على الكره، قال: «لا بأس به» «3». و قريبة منها روايته الأخرى «4».

و روايتي أبي الأكراد، و فيهما: فأشارط النقّاش على شرط، و إذا بلغ الحساب فيما بيني و بينه استوضعه على الشرط، قال: «فبطيبة نفس منه؟» قلت: نعم، قال: «نعم، لا بأس» «5».

و هذه الأخبار و إن كان أكثرها ضعيفة سندا، و لكن ذلك غير ضائر عندنا، سيّما مع الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

و قد تحمل أخبار الجواز على الاستيهاب، و فيه ما فيه.

ثمَّ المستفاد من الصحيحة: كراهة قبول حطّ البائع بدون الاستحطاط

______________________________

(1) الكافي 5: 179- 6، التهذيب 7: 38- 159، الوسائل 17: 453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 5.

(2) التهذيب 7: 233- 1018، الاستبصار 3: 73- 244، الوسائل 17: 453 أبواب آداب

التجارة ب 44 ح 3.

(3) الفقيه 3: 146- 645، الوسائل 17: 454 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 7 و فيهما: يوسف بن يعقوب.

(4) التهذيب 7: 233- 1019، الاستبصار 3: 74- 245، الوسائل 12: 334 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 4.

(5) الاولى في: التهذيب 7: 234- 1020، الوسائل 17: 452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 2، بتفاوت.

الثانية في: الكافي 5: 274- 2، التهذيب 7: 211- 928، الوسائل 19:

132 كتاب الإجارة ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 31

أيضا، و لا بعد فيه.

و منها: دخول المؤمن في سوم أخيه بيعا أو شراء

، بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه ليقدّمه البائع، أو يبذل للمشتري متاعا غير ما اتّفق عليه هو و البائع، و الحاصل: أن يستميل أحد المتساومين إلى نفسه، لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر المناهي، قال: «لا يسوم الرجل على سوم أخيه» «1».

و ذهب الشيخ و الحلّي و المحقّق الثاني إلى الحرمة «2»، لما ذكر، و لأنّ فيه كسر قلب المؤمن و ترك لحقّه.

و يضعّف الأول: بأنّه خبر في مقام الإنشاء، و كونه للتحريم غير ثابت.

و الثانيان: بمنع حرمة مطلق كسر القلب و عموم وجوب الحقوق حتى مثل ذلك.

قال في المسالك: و إنّما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلو ظهر منه ما يدلّ على عدم الرضا و طلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم و لم يكره اتّفاقا «3»، و علّل ذلك بالأصل، و عدم الدخول في السوم عادة.

و هو مشكل، لصدق دخول السوم بمجرّد طلب البيع بعد ما شرع أخوه في المساومة، سواء زاد في الثمن أو لم يزد، و الأولى التعميم- كما قيل- إلّا أن يثبت الإجماع.

و لو كان السوم

بين اثنين- سواء دخل أحدهما على النهي أم ابتدءا فيه

______________________________

(1) الفقيه 4: 3- 1، الوسائل 17: 458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 3.

(2) الشيخ في النهاية: 374، الحلي في السرائر 2: 235، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 51.

(3) المسالك 1: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 32

معا قبل محلّ النهي- لم يجعل نفسه بدلا عن أحدهما، لصدق دخول السوم.

و لا كراهة فيما يكون في الدلالة، لأنّها عرفا موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلّال يطلبها، فإذا حصل الاتّفاق تعلّقت الكراهة.

و لا كراهة في طلب المشتري أو البائع من بعض الطالبين الترك، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقّن من النصّ، إلّا أن يستلزم لجبر الوجه، فيكره، لعدم الرضا في نفس الأمر.

و لا كراهة أيضا في ترك الملتمس منه قطعا، بل ربّما استحبّ، لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه.

قيل: و يحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه، لإعانته على المكروه «1».

و فيه: منع كراهة كلّ إعانة على المكروه، مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك، و قد حصل من الطالب من دون إعانة من الملتمس.

و هل يختصّ الدخول في المبايعة، أو يعمّ سائر المعاوضات أيضا و لو كانت جائزة؟

صرّح في التنقيح بالثاني «2»، و الظاهر هو الأول، إذ لم يثبت صدق السوم في غير البيع.

نعم، لا بأس بالتعميم من جهة كسر القلب.

و الأولى بالكراهة ممّا ذكر ما إذا تحقق البيع و لكلّ من المتبايعين خيار المجلس، فيعرض آخر للمشتري سلعة خيرا من الأولى أو بأقلّ منها ليفسخ، أو للبائع أكثر من الثمن الذي باعه به.

______________________________

(1) الروضة 3: 296.

(2) التنقيح 2: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 33

و قيل بالحرمة «1»، و الأولى ما ذكرنا.

ثمَّ

على القول بالحرمة في ذلك و في دخول السوم لا يبطل البيع لو دخل، لتعلّق النهي بالخارج.

و منها: توكّل الحاضر للبادي في بيع المال

، و المراد بالبادي: الغريب الجالب للبلد، بدويّا كان أو قرويّا، للنصوص:

منها: رواية عروة بن عبد اللّه: «لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر، و لا بيع حاضر لباد، و المسلمون يرزق اللّه عز و جلّ بعضهم من بعض» «2»، و في بعض النسخ: «ذروا المسلمين»، و نقله في المنتهى أيضا كذلك «3».

و نحوه المرويّ عن مجالس الشيخ، عن جابر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إلّا أنّ فيها: «دعوا» بدل: «ذروا» «4».

و رواية يونس بن يعقوب: قال: تفسير قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يبيعنّ حاضر لباد»: أنّ الفاكهة و جميع أصناف الغلّات إذا حملت من القرى إلى السوق فلا يجوز أن يبيع أهل السوق لهم من الناس، ينبغي أن يبيعوه حاملوه من القرى و السواد، فأمّا من يحمل من مدينة إلى مدينة فإنّه يجوز و يجري مجرى التجارة «5».

و في طرق العامّة عن ابن عباس: قال: نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يتلقّى الركبان و أن يبيع حاضر لباد، قال: قلت لابن عبّاس: ما قوله: «حاضر

______________________________

(1) كما في نهاية الشيخ: 374، و فقه القرآن للراوندي 2: 45.

(2) الكافي 5: 168- 1، الفقيه 3: 174- 778، التهذيب 7: 158- 697، الوسائل 17: 444 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 1.

(3) المنتهى 2: 1005.

(4) أمالي الطوسي: 409، الوسائل 17: 445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 3.

(5) الكافي 5: 177- 15، الوسائل 17: 445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 34

لباد»؟ قال: لا يكون له

سمسارا «1».

و ظاهر الأخيرتين و إن كان الحرمة- كما في الخلاف و مهذّب القاضي و المنتهى و شرح القواعد مطلقا، و المبسوط و السرائر و الوسيلة «2»، مقيّدا في الأول بما لا يضطرّ إليه، و في الثاني بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه، و في الثالث بما إذا باع الحاضر في البدو لا في الحضر- و لكنّهما غير ناهضتين لإثباتها.

أمّا الأول، فلعدم ثبوت كون التفسير المذكور من الإمام، بل ظاهره أنه من يونس.

و أمّا الثاني، فلكونه عامّيا غير حجّة.

و أمّا روايتا عروة و المجالس، فهما قاصرتان من حيث الدلالة لإثبات الحرمة، لعدم ورودهما بصيغة النهي المقتضية للحرمة، و إنّما هو إخبار في مقام الإنشاء، و لا يفيد عندنا أزيد من الطلب، مع ما في الأخيرة من عدم الحجّيّة أيضا، فلا يمكن التمسّك في إثبات الحرمة بقوله: «دعوا» فيها أيضا.

و أمّا قوله: «ذروا» في الأولى فهو- لاختصاصه ببعض النسخ- غير ثابت، و على هذا فالقول بالكراهة- كما هو مذهب الأكثر- أقوى.

و يؤكّده أيضا عموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس «3».

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1157- 19.

(2) الخلاف 3: 172، نقله عن القاضي في المختلف: 247، المنتهى 2: 1005، جامع المقاصد 4: 52، المبسوط 2: 160، السرائر 2: 236، الوسيلة: 260.

(3) الوسائل 18: 74 أبواب أحكام العقود ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 35

و قد يؤيّد أيضا بصحيحة أبي بصير: قلت له: الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر، فيقولون له: أقرضنا دنانير، فإنّا نجد من يبيع لنا غيرك و لكنّا نخصّك بأحمالنا من أجل أنّك تقرضنا، قال: «لا بأس، إنّما يأخذ دنانير مثل دنانيره» «1» الحديث.

و هو حسن في نفي

الحرمة فيما إذا التمس البدوي من الحاضر و يعرضه عليه، و لذا نفاها كثير من المحرّمين في هذه الصورة، بل ظاهر أكثر القائلين بالكراهة انتفاؤها حينئذ أيضا، و هو كذلك، لعمومات استحباب قضاء حوائج الناس «2». و تعارضها مع ما ذكر غير ضائر، إذ لو رجّحنا الأول بالأشهريّة و الأكثريّة و موافقة السنّة و الكتاب فهو، و إلّا فيرجع إلى الجواز الأصلي. لا للصحيحة، لعدم منافاة نفي البأس للكراهة. و لا لأنّه لو لا ذلك لم تجز السمسرة بحال، و قد قال في الدروس: لا خلاف في جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد إلى بلد «3»، كما في شرح القواعد «4»، لأنّ الكلام في المجلوبة من القرى و البادية دون البلد، فإنّ بيع الحضري فيها جائز مطلقا كما هو ظاهر الأكثر، للأصل، و اختصاص روايات المنع «5» بغيرها، و أكثرها و إن اختصّت بالبدوي، و لكن ذكر القرى في رواية يونس «6» كاف للتعدّي إلى القروي أيضا بملاحظة التسامح في أدلّة

______________________________

(1) التهذيب 6: 203- 461، و ج 7: 157- 695، الوسائل 18: 356 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 10.

(2) الوسائل 16: 357 و 363 و 365 أبواب فعل المعروف ب 25 و 26 و 27.

(3) الدروس 3: 182.

(4) جامع المقاصد 4: 52.

(5) الوسائل 17: 444 أبواب آداب التجارة ب 37.

(6) المتقدمة في ص: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 36

السنن، مضافا إلى تصريح جماعة من الفقهاء «1»، و نظرا إلى التعليل، بل لا يبعد التعدي لأجله إلى البلدي أيضا كما قاله المحقّق الثاني «2».

و لا يضرّ اختصاص الرواية بالفاكهة و الغلّات، لعدم القول بالفصل في ذلك، و إن خصّ بعض المتأخّرين

النهي بها لذلك «3»، و هو ضعيف، نظرا إلى إطلاق سائر الروايات بل عمومها، و التفاتا إلى عموم التعليل، و حملا للمفسّر على الغالب، مع أنّه لا حجّيّة في ذلك التفسير كما مرّ.

هذا، ثمَّ إنّهم شرطوا في تحريمه أو كراهته شروطا:

الأول: ما مرّ من أن يعرض الحضري ذلك على البدوي، و قد عرفت وجهه.

الثاني: علم الحاضر بالنهي، و ذلك إنّما يتمّ على القول بمعذوريّة الجاهل بتفاصيل الأحكام بعد العلم بالإجمال، و هو مشكل، و تخصيصه من بينها يحتاج إلى مخصّص.

الثالث: أن تظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، و إن لم تظهر- لكبر البلد، أو لعموم وجوده- فلا تحريم و لا كراهة، لأنّ المقتضي للنهي تفويت الربح على الناس، كما يدلّ عليه التعليل، و لم يوجد هنا.

و فيه: أنّه لا يشترط حصول الربح لأكثر أهل البلد، بل يكفي حصوله و لو لواحد، و هو قد يتحقّق مع ما ذكر.

الرابع: أن يكون المتاع ممّا تعمّ الحاجة به، و لا دليل على ذلك، إلّا

______________________________

(1) كالفاضل في المنتهى 2: 1005، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4: 52، الشهيد الثاني في الروضة 3: 297.

(2) جامع المقاصد 4: 52.

(3) انظر الحدائق 18: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 37

أن يكون مستنبطا من تخصيص رواية يونس «1» بالنوعين.

الخامس: أن يكون الغريب جاهلا بسعر البلد، فلو كان عالما لا بأس به. و لا بأس به، لاستفادته من العلّة.

هذا حكم البيع.

و أمّا الشراء للبادي، فقيل: لا بأس به «2»، للأصل، و اختصاص النصوص بالبيع.

و ضعّف بعموم التعليل «3»، و لا بعد فيه.

و منه يظهر إمكان التعدّي إلى سائر العقود أيضا كما في التنقيح «4».

ثمَّ لو قلنا بالحرمة هل يبطل به البيع، أم

لا؟

المصرّح به في كلام الأكثر: الثاني، لتعلّق النهي بالخارج.

و هو غير جيّد، لأنّ النهي في الروايات متعلّق بنفس البيع.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 33.

(2) كما في المنتهى 2: 1005.

(3) انظر الرياض 1: 521.

(4) التنقيح 2: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 38

الفصل الثالث فيما يحرم ارتكابه

اشارة

و هو أيضا أمور:

منها: تلقّي الركبان القاصدين بلد البيع و الخروج إليهم للبيع عليهم و الشراء منهم مطلقا
اشارة

، لا مع إخباره بكساد ما معه كذبا كما في النهاية الأثيرية «1»، لإطلاق النصوص:

منها: رواية عروة المتقدّمة «2»، و رواية منهال الصحيحة عن السرّاد- و هو ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه-: «لا تلقّ، و لا تشتر ما تلقّى، و لا تأكل منه» «3».

و مرسلته أيضا: عن تلقّي الغنم، فقال: «لا تلقّ، و لا تشتر ما يتلقّى، و لا تأكل من لحم ما يتلقّى» «4».

و روايته الأخرى الصحيحة عن ابن أبي عمير- و هو أيضا ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه- «لا تلقّ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن التلقّي»، قلت: و ما حدّ التلقّي؟ قال: «ما دون غدوة أو روحة»، قلت:

و كم الغدوة و الروحة؟ قال «أربعة فراسخ»، قال ابن أبي عمير: و ما فوق

______________________________

(1) النهاية 4: 266.

(2) في ص: 33.

(3) الكافي 5: 168- 2، التهذيب 7: 158- 696، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 2.

(4) الفقيه 3: 174- 779، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 39

ذلك فليس بتلقّ «1».

و في رواية أخرى عنه الصحيحة عن السرّاد أيضا: قال: قلت له: ما حدّ التلقّي؟ قال: «روحة» «2».

و روى في السرائر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يبيع بعضكم على بعض، و لا تكفّوا المبلغ حتى يهبط بها الأسواق» [1].

و فيه أيضا: و روي عنه أنّه نهى عن تلقّي الجلب، فإن تلقّى متلقّ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق «4».

و في الرواية العاميّة المرويّة في المنتهى و غيره: «لا تلقّوا الركبان»، و فيه أيضا: «لا تلقّوا

الجلب، فمن تلقّاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار» [2].

و ظاهر هذه الأخبار التحريم، كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط و الخلاف و الإسكافي و القاضي و الحلّي و الحلبي و الفاضل في المنتهى و المحقّق الثاني و ظاهر الدروس «6» و غيره «7»، و اختاره بعض مشايخنا «8»،

______________________________

[1] السرائر 2: 237 و فيه: السلع، بدل: المبلغ.

[2] المنتهى 2: 1005، و هو في صحيح مسلم 3: 1157- 19، و الجلب بفتحتين:

ما تجلبه من بلد الى بلد، فعل بمعنى مفعول، مجمع البحرين 2: 24.

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 4، التهذيب 7: 158- 699، الوسائل 17: 442 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 1.

(2) الكافي 5: 168- 3، التهذيب 7: 158- 698، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 4.

(4) السرائر 2: 237.

(6) المبسوط 2: 160، الخلاف 3: 172، حكاه عن الإسكافي و القاضي في المختلف: 346، الحلي في السرائر 2: 237، الحلبي في الكافي: 360، المنتهى 2: 1005، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 37، الدروس: 179.

(7) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 17 و صاحب الحدائق 18: 55.

(8) كصاحب الرياض 1: 521.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 40

و في الخلاف الإجماع عليه.

خلافا لأكثر المتأخّرين، فذهبوا إلى الكراهة «1»، للأصل، و ضعف الأخبار.

و ضعفهما ظاهر ممّا مرّ، فالقول بالتحريم أقوى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    40     الأول: القصد إلى الخروج للتلقي ..... ص : 40

حدّ التلقّي عند الأصحاب- بلا خلاف كما في الخلاف و المنتهى و التذكرة «2»-: أربعة فراسخ فما دونه، فلا نهي فيما زاد عنها، و يدلّ عليه رواية منهال الأخيرة.

و عن ابن حمزة: أنّ حدّه ما دون أربعة

فراسخ «3»، و تساعده روايته الثالثة.

و رجّح الأولى بالموافقة لفتوى الأصحاب.

و يمكن الجمع بينهما بإخراج الحدّ عن المحدود، فينتهي النهي في الحدّ، و به يمكن الجمع بين الفتاوى أيضا، مع أنّ الأمر في ذلك هيّن جدّا، و الثمرة فيه منتفية غالبا.

ثمَّ إنّهم ذكروا للتلقّي المنهيّ عنه شروطا:

الأول: القصد إلى الخروج للتلقّي

، فلو اتّفق و صادفته الركب في خروجه لغرض آخر لم يكن به بأس، و هو كذلك، للأصل، و اختصاص النصّ بحكم التبادر- بل تصريح أهل اللغة- بصورة القصد إلى الخروج.

و ربّما يقال: إنّ العلّة المستفادة تشمل عدم القصد أيضا.

و فيه: أنّ اختصاص العلّة بالنهي عن بيع الحاضر للبادي ممكن، بل

______________________________

(1) كما في الشرائع 2: 20، و التذكرة 1: 585، و الروضة 3: 297.

(2) الخلاف 3: 172، المنتهى 2: 1006، التذكرة 1: 586.

(3) الوسيلة: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 41

هو الظاهر، لأنّه الذي يفوّت ربح الناس بعضهم عن بعض، و أمّا التلقّي ففيه أيضا يرزق المتلقّي، فلا يناسبه التعليل.

الثاني: الخروج بقصد المعاملة

، فلو خرج إليهم لا لذلك و اتّفق ذلك فلا بأس، لأنّ التلقّي- و هو الاستقبال- ليس بمنهيّ عنه إجماعا مع عدم القصد إلى البيع و الشراء، و بعد حصوله لا دليل على النهي عن نفس المبايعة، لعدم كونها تلقّيا، و حصولها بعد التلقّي لا يجعلها من أفراده، كما أنّ التلقّي الواقع مباحا لا يصير لحصول المبايعة بعده منهيّا عنه.

الثالث: تحقّق الخروج من البلد

، أي حدوده عرفا و لو بالمسمّى، فلو تلقّى الركب في أول وصوله إليه لم يثبت الحكم، لقوله: «خارجا عن المصر» في رواية عروة «1».

و فيه: أنّ إطلاق غيرها كاف في ثبوت الحكم فيما يصدق عليه التلقّي، و توقّف صدقه على الخروج ممنوع.

و في رواية السرائر الأولى دلالة على تحقّقه قبل إهباط السلع.

الرابع: جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه و يشتريه.

و استدلّ عليه تارة بالتعليل المذكور، و قد ظهر ضعفه، و اخرى بالعلّة المستفادة من الحكم من أنّه خداع و إضرار، و ثالثة بعدم تبادر غير ذلك من الأخبار، و ضعفهما ظاهر، فالتعميم بالنسبة إليه- كما في شرح القواعد «2» و غيره- أقوى.

و هل يختصّ الحكم بشراء متاع الركب، أو يعمّ البيع عليهم أيضا؟

______________________________

(1) الكافي 5: 168- 1، الفقيه 3: 174- 778، التهذيب 7: 158- 697، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 5.

(2) انظر جامع المقاصد 4: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 42

فيه وجهان، و الأقرب: الثاني، لصدق التجارة المنهيّ عنها في رواية عروة، و لإطلاق النهي عن التلقّي مطلقا، خرج ما لم يكن فيه معاملة أصلا بالإجماع، فيبقى الباقي.

و منه تعلم قوّة إلحاق غير البيع و الشراء من عقود المعاملات بهما.

نعم، يشترط بحكم الإجماع أن يكون ما وقعت عليه المعاملة ممّا كان مقصود الركب معاملته، فلو كان معهم شي ء لم يكن في نظرهم بيعه فتلقّاهم متلقّ و اشتراه كان جائزا، و كذا الشراء، و منه بيع المأكول و المشروب منهم غير ما يحتاجون إليه في المصر، و أمّا فيه فالحكم بالجواز مشكل.

و لا يشترط في حرمة التلقّي كون الركب قاصدين لبلد المتلقّي، فلو كانوا قاصدين لبلد آخر و تلقّاه متلقّ من موضع آخر و لو مرّ

الركب به لم يجز.

نعم، لو لم يقصدوا بلدا معيّنا للمعاملة، بل كان معهم سلع يريدون بيعها كلّما اتّفق، و عرضوها على أهل كل بلد مرّوا به، جاز لهم بيعها و إن لم يدخلوا البلد بل نزلوا خارجه، للإجماع.

نعم، لا يجوز لأحد من أهل تلك المنازل السبق إليهم قبل نزولهم.

ثمَّ لو خرج و باع عليهم أو اشترى منهم فهل ينعقد البيع، أو يقع فاسدا؟

الأول- و هو الأقوى- للأكثر، لتعلّق النهي بالخارج.

و قد يستدلّ على الصحّة أيضا بإثبات الخيار في بعض الروايات المتقدّمة، حيث إنّ الخيار لا يكون إلّا في البيع الصحيح.

و فيه نظر، لأنّه إنّما يكون لو كان المعنى خيار الفسخ، و هو غير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 43

معلوم، و لم تثبت حقيقة شرعيّة في الخيار، فيمكن أن يكون المراد بالخيار أنّ الأمر بيده، فإن شاء أخذ منه و إن شاء باع عليه.

و الثاني: للإسكافي «1»، و هو ضعيف.

نعم، يحرم أكل ما تلقّى و شراؤه، للخبرين الثانيين «2»، و قد يجعل ذلك دليلا على الفساد.

و فيه: أنّه يجوز أن يكون من باب التعبّد لا لأجل الفساد.

و منها: النجش

، و هو حرام وفاقا للأكثر، بل في المنتهى و عن المحقّق الثاني الإجماع عليه «3»، و في المهذّب: و لا أعلم في تحريمه خلافا بين الأصحاب «4».

لرواية عبد اللّه بن سنان المرويّة في الكافي: «الواشمة و المتوشّمة و الناجش و المنجوش ملعونون على لسان محمّد صلّى اللّه عليه و آله» [5].

و المرويّ في معاني الأخبار للصدوق عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا تناجشوا» «6»، و رواه في التذكرة أيضا «7».

و هو باتّفاق اللغويين و الفقهاء- و إن اختلفت عباراتهم-: الزيادة في

______________________________

[5] الكافي 5: 559- 13

الوسائل 17: 458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 2.

و الوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثمَّ يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر.

و قد وشمت تشم وشما فهي واشمة. و المستوشمة و الموتشمة: التي يفعل بها ذلك- نهاية ابن الأثير 5: 189.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 346.

(2) و هما صحيحة منهال و مرسلته، المتقدمتان في ص: 38.

(3) المنتهى 2: 1004، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 39.

(4) المهذب البارع 2: 366.

(6) معاني الأخبار: 284، الوسائل 17: 459 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 4.

(7) التذكرة 1: 584.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 44

ثمن المبيع مظهرا إرادة شرائه من غير إرادته، بل أراد به محض ترغيب الغير بالثمن الغالي.

نعم، زاد بعضهم كونه بمواطاة البائع «1».

و على التقديرين يكون خداعا و غشّا أيضا، و الأخبار في تحريمهما مستفيضة، فالقول بالكراهة- كما نقله في الدروس عن قوم «2»- لا وجه له.

و منه يظهر التعدّي في التحريم إلى ترك الزيادة في ثمن السلعة ليشتري بالثمن القليل، بل إلى سائر المعاوضات أيضا.

ثمَّ مع وقوع البيع معه، فهل يصحّ و لا خيار، كما عن المبسوط «3»؟.

أو يصحّ و له الخيار مطلقا، كما عن القاضي؟.

أو مع الغبن، كالفاضلين و الثانيين «4»؟.

أو يبطل البيع إن كان من البائع، كالإسكافي «5»؟.

الأقوى هو: الثالث.

و منها: الاحتكار
اشارة

، و هو حبس الشي ء انتظارا لغلائه إجماعا.

نعم، يظهر من النهاية الأثيريّة أنّه الاشتراء و الحبس «6»، و في بعض الأخبار أيضا تصريح به كما يأتي.

______________________________

(1) انظر المختصر النافع: 120، جامع المقاصد 4: 39.

(2) الدروس 3: 178.

(3) المبسوط 2: 159.

(4) المحقق في الشرائع 2: 21، و النافع: 120، العلّامة في المنتهى 2: 1004، و التذكرة 1: 584، و المختلف:

346، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 39، الشهيد الثاني في المسالك 1: 177.

(5) حكاه عنه في المختلف: 346.

(6) النهاية 1: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 45

و أما من خصّه بالطعام فالظاهر أنّه أراد الممنوع منه شرعا.

و هو حرام، وفاقا للصدوق في المقنع و الشيخ في الاستبصار و القاضي و الحلّي و الحلبي في أحد قوليه و المنتهى و التحرير و التنقيح و الدروس و المسالك و الروضة «1».

و خلافا للشيخين في المقنعة و الفقيه و المبسوط و الديلمي و الحلبي في قوله الآخر و الشرائع و النافع و المختلف و الإرشاد و اللمعة، فقالوا بالكراهة «2».

لنا: المستفيضة، منها: رواية حذيفة بن منصور، و فيها: «ثمَّ قال- يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-: يا فلان، إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفد إلّا شيئا عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه» «3».

و صحيحة الحلبي: «الحكرة: أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل»، قال: و سألته عن الزيت، فقال: «إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» «4»، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- عند عدم الشرط.

و صحيحة الحنّاط: قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما عملك؟»

______________________________

(1) المقنع: 125، الاستبصار 3: 115، نقله عن القاضي في المختلف: 346، الحلبي في الكافي: 360، المنتهى 2: 1006، التحرير 1: 160، التنقيح 2:

42، الدروس 3: 180، المسالك 1: 177، الروضة 3: 298.

(2) المقنعة: 616، الفقيه 3: 168، المبسوط 2: 195، الديلمي في المراسم:

182، الحلبي في الكافي: 283، الشرائع 2: 21، النافع 1: 120، المختلف:

345، اللمعة

(الروضة 3): 298.

(3) الكافي 5: 164- 2، التهذيب 7: 159- 705، الاستبصار 3: 114- 407، الوسائل 17: 429، أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.

(4) الكافي 5: 164- 3، الفقيه 3: 168- 746، الاستبصار 3: 115- 409، الوسائل 17: 427- 428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 46

قلت: حنّاط، و ربّما قدمت على نفاق، و ربّما قدمت على كساد فحبست، قال «فما يقول من قبلك فيه؟» قلت: يقولون: محتكر، قال: «يبيعه أحد غيرك؟» قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا، قال: «لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا حكيم بن حزام، إيّاك أن تحتكر» «1».

و رواية القدّاح: «الجالب مرزوق و المحتكر ملعون» «2».

و رواية السكوني: «الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في البلاء و الشدة ثلاثة أيّام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون» «3» و رواية أخرى: «نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن الحكرة في الأمصار» «4».

و ثالثة: «لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ» «5».

و المرويّ في نهج البلاغة في عهد كتبه أمير المؤمنين عليه السّلام للأشتر:

«فامنع من الاحتكار، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منع منه، و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا يجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل و عاقب» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 165- 4، الفقيه 3: 169- 747، التهذيب 7: 160- 707، الاستبصار 3:

115- 410، الوسائل 17: 428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 3.

(2) الكافي 5: 165- 6، الفقيه 3: 169- 751، التهذيب 7: 159- 702، الاستبصار 3: 114- 404، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 3.

(3) الكافي 5: 165- 7، الفقيه 3: 169- 753، التهذيب 7: 159- 703، الاستبصار 3: 114- 405، الوسائل 17: 423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.

(4) الفقيه 3: 169- 752، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 9.

(5) الفقيه 3: 169- 749، الوسائل 12: 314 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 8.

(6) نهج البلاغة (محمد عبده) 3: 110، الوسائل 17: 427 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 47

و في الخصال: «و لأن يلقى اللّه العبد سارقا أحبّ إلى اللّه من أن يلقاه و قد احتكر طعاما» «1».

و في مجالس الشيخ بسند معتبر: «أيّما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين، ثمَّ باعه فتصدّق بثمنه، لم يكن كفّارة لما منع» «2».

و في قرب الإسناد: إنّ عليّا عليه السّلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، و قال: «ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن» «3».

و في كتاب ورّام: عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن جبرئيل قال: «اطّلعت في النار فرأيت واديا في جهنّم يغلي فقلت: يا مالك، لمن هذا؟ فقال: لثلاثة:

المحتكرين و المدمنين الخمر و القوّادين» «4».

و في طرق العامّة: «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من اللّه و برئ اللّه منه» «5».

و أيضا: «من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه اللّه بالجذام و الإفلاس» «6».

و يؤيّده

أيضا الإجماع على إجبار المحتكر على البيع كما يأتي.

و بعض تلك الروايات و إن كان قاصرا سندا أو دلالة، إلّا أنّ فيها ما لا يقصر بشي ء منهما، فالإيراد بالقصور ضعيف.

______________________________

(1) الخصال 1: 288، الوسائل 17: 137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4.

(2) أمالي الطوسي: 687، الوسائل 17: 425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 6.

(3) قرب الاسناد: 135، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 7.

(4) الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 11.

(5) الجامع الصغير 2: 556- 8332.

(6) سنن ابن ماجه 2: 729- 2155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 48

حجّة القول بالكراهة: الأصل، و عموم السلطنة على المال، و خصوص صحيحة الحلبي: عن الرجل يحتكر الطعام و يتربّص به، هل يجوز ذلك؟

فقال: «إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس، و إن كان قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكره و يترك الناس ليس لهم طعام» «1».

و فيه: أنّ ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الكراهة ممنوع، و هي في اللغة أعمّ من التحريم، و العدول إليها مع السؤال عن الجواز لا يصلح قرينة لتعيين عدم الحرمة، و الأصل و العمومات مندفعة بما ذكرنا من الأدلّة.

فروع:
[الأول ]

أ: لا خلاف في أنّه لا يكون الاحتكار الممنوع منه إلّا في الأطعمة، كما أنّه لا خلاف- على ما قيل [1]- في كونه في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

و إنّما الخلاف فيما عداها من الأطعمة، فأطلق المفيد فقال: إنّ الحكرة في احتباس الأطعمة «3».

و خصّها الحلبي بالأربعة المتقدّمة «4».

و زاد عليها الشيخ في النهاية و الحلّي و القاضي و المحقّق و العلّامة في المنتهى و المختلف و التحرير و ابن

فهد في مهذّبه: السمن «5».

______________________________

[1] انظر مجمع الفائدة 8: 26 و فيه: و لعلّه لا خلاف في وجوده فيها.

______________________________

(1) الكافي 5: 165- 5، التهذيب 7: 160- 708، الاستبصار 3: 115- 411، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.

(3) المقنعة: 616.

(4) الكافي في الفقه: 360.

(5) النهاية: 374، الحلي في السرائر 2: 238، نقله عن القاضي في المختلف:

346، المحقق في الشرائع 2: 21، و النافع: 120، المنتهى 2: 1007، المختلف: 346، التحرير 1: 160، ابن فهد في المهذب البارع 2: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 49

و زاد الصدوق في المقنع على الخمسة: الزيت «1».

و في الدروس و اللمعة على الستّة: الملح «2».

و جعله ابن حمزة و المبسوط و القواعد و الإرشاد بدلا عن الزيت «3».

و الأقوى قول الصدوق، لموثّقة غياث بن إبراهيم المرويّة في الفقيه:

«ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت» «4»، و بها تقيّد إطلاقات الاحتكار أو الاحتكار في الطعام.

و يدلّ على الثبوت في الستّة أيضا المرويّ في الخصال: «الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت» «5».

و في خصوص الزيت أيضا صحيحة الحلبي المتقدّمة «6».

[الثاني ]

ب: يستفاد من رواية السكوني الاولى: أنّ الحكرة الممنوعة في زمان الرخص و السعة ما زاد على الأربعين يوما، سواء احتاج الناس إلى القوت أم لا، و في زمان الغلاء و الشدّة ما زاد على ثلاثة أيّام، و به أفتى الشيخ و القاضي «7».

و من صحيحة الحلبي الأولى: أنّها إذا لم يكن في المصر طعام، أو لم يوجد بائع غيره. و المراد بالأول: أن لا يكون طعام للناس لا

يحتاجون الى الشراء، و بمضمونها عمل جماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و النافع «8».

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 346.

(2) الدروس 3: 180، اللمعة (الروضة 3): 299.

(3) ابن حمزة في الوسيلة: 260، المبسوط 2: 195، القواعد 1: 122، الإرشاد 1: 356.

(4) الفقيه 3: 168- 744، الوسائل 17: 425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 4.

(5) الخصال: 329- 23، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 10.

(6) في ص 45.

(7) الشيخ في النهاية: 374، نقله عن القاضي في المختلف: 346.

(8) الشرائع 2: 21، النافع: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 50

و من صحيحته الأخيرة: أنّها تكون مع قلّة الطعام و عدم سعته للناس، بأن يحتاجون كلّا أو بعضا إلى طعامه، و بها صريح فتوى جماعة من المتأخّرين «1»، و الظاهر اتّحاده مع الثاني.

و الرواية الاولى و إن كانت أخصّ مطلقا من الثانيتين، إلّا أنّ ضعفها- باعتبار مخالفتها للشهرة العظيمة- يمنع من تخصيصهما بها، فالأقوى اشتراط المنع بحاجة الناس كلّا أو بعضا إلى ما احتكره، و إن كان قول الشيخ أحوط.

[الثالث ]

ج: صرّح جماعة بعدم الفرق بين أن يكون ما احتكره من غلّته أو اشتراه «2».

و اشترط الفاضل الاشتراء «3»، و هو الأصحّ، لمفهوم الحصر في صحيحة الحلبي «4».

و احتمال ورودها مورد الغالب منفي بالأصل، لكونه تجوّزا، و كذا تخصيص الحصر فيها بالنسبة إلى فقد الطعام و البائع، و بها تقيّد إطلاقات الاحتكار و عموم العلّة لو ثبت.

[الرابع ]

د: يشترط فيها أن يكون الحبس لزيادة الثمن، فلو أمسكه لنفقته أو الزرع فلا مانع منه، لعدم صدق الاحتكار عليه، لأنّه- كما عرفت- هو الحبس انتظارا للغلاء.

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير: 160، و الشهيد في الدروس 3: 180، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 299.

(2) كما في المسالك 1: 177، و الرياض 1: 522.

(3) المنتهى 2: 1007.

(4) الكافي 5: 165- 5، التهذيب 7: 160- 708، الاستبصار 3: 115- 411، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 51

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المستفيضة الواردة في إحراز قوت السنة «1»، و أنّه راجح مندوب إليه.

نعم، يستحبّ مواساة الناس في الأقوات، و بيعها و شرائها كلّ يوم مع الناس إذا كان زمان غلاء و قحط، كما تدلّ عليه صحيحة حمّاد بن عثمان «2» و روايتا معتب «3».

[الخامس ]

ه: يجبر المحتكر على البيع إجماعا حتى من القائل بالكراهة، كما في المهذّب و التنقيح «4» و كلام جماعة «5». و هو- كما مرّ- من الشواهد القويّة على الحرمة، لاستبعاد جواز الحبس و وجوب الجبر على تركه.

ثمَّ الدليل على الإجبار- بعد الإجماع- وجوب النهي عن المنكر على القول بالحرمة.

و أمّا الاستدلال برواية حذيفة المتقدّمة «6» و رواية ضمرة: «أنّه- يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن يخرج إلى بطون الأسواق، و حيث ينظر الناس إليها، فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لو قوّمت عليهم، فغضب صلّى اللّه عليه و آله حتى عرف الغضب في وجهه و قال: أنا أقوّم

______________________________

(1) الوسائل 17: 434 أبواب آداب التجارة ب 31.

(2) الكافي 5: 166- 1، التهذيب 7: 160-

709، الوسائل 17: 436 أبواب آداب التجارة ب 32 ح 1.

(3) الاولى في: الكافي 5: 166- 2، التهذيب 7: 161- 710، الوسائل 17: 436 أبواب آداب التجارة ب 31 ح 2.

الثانية في: الكافي 5: 166- 3، التهذيب 7: 161- 711، الوسائل 17:

437 أبواب آداب التجارة ب 31 ح 3.

(4) المهذّب البارع 2: 370، التنقيح 2: 42.

(5) منهم صاحبي الحدائق 18: 64 و الرياض 1: 522.

(6) الكافي 5: 164- 2، التهذيب 7: 159- 705، الاستبصار 3: 114- 407، الوسائل 17: 429 أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 52

عليهم؟! إنّما السعر إلى اللّه عزّ و جلّ، يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء» «1».

فضعيف، لأنّ أمره صلّى اللّه عليه و آله بالبيع لا يدلّ على وجوب الأمر على غيره، بل و لا على وجوبه عليه أيضا.

و إذ قد عرفت أنّ وجوبه من باب النهي عن المنكر لا يكون مختصّا بالإمام، بل يجب على الكلّ.

و هل يسعّر السعر عليه، أم لا؟

ذهب المفيد و الديلمي إلى الأول «2»، فيسعّر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة، و المشهور الثاني، لروايتي حذيفة و ضمرة.

و قال ابن حمزة و الفاضل و الشهيد في اللمعة «3» و جمع آخر «4» بالتسعير مع إجحاف المالك، و عدمه بدونه.

و قيل بالأمر بالنزول مع الإجحاف حتى يرتفع و تركه أن يبيع كيف شاء مع عدمه «5»، و هو الأقوى.

أمّا الأمر بترك الإجحاف معه فلوجوب كون البيع بأسعار لا يجحف، لما نقلناه من نهج البلاغة «6»، و به تخصّص الروايتان، فيجب الأمر به من باب الأمر بالمعروف، و لأنّه لولاه لانتفت فائدة الإجبار على البيع.

و أمّا تركه يبيع كيف شاء

مع عدمه فللأصل و الروايتين.

______________________________

(1) الفقيه 3: 168- 745، التهذيب 7: 161- 713، الاستبصار 3: 114- 408، الوسائل 17: 430 أبواب آداب التجارة ب 30 ح 1.

(2) المفيد في المقنعة: 616، الديلمي في المراسم: 182.

(3) ابن حمزة في الوسيلة: 260، الفاضل في المختلف: 346، اللمعة (الروضة 3): 299.

(4) منهم الشهيد في الدروس 3: 180، الفاضل المقداد في التنقيح 2: 43، الكركي في جامع المقاصد 4: 42.

(5) الروضة 3: 299.

(6) راجع ص: 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 53

المقصد الثالث في بيان المكاسب المكروهة و المحرّمة

اشارة

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 55

الفصل الأول فيما يكره التكسّب به

اشارة

و هو أمور:

منها: الصرف، و بيع الأكفان، و الطعام، و الرقيق، و الجزارة، و الصياغة

، بلا خلاف في شي ء منها، له.

و لرواية إسحاق بن عمّار: «لا تسلّمه صيرفيّا، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا، و لا تسلّمه بيّاع الأكفان، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوبا إذا كان، و لا تسلّمه بيّاع طعام، فإنّه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلّمه جزّارا، فإنّ الجزارة تسلب الرحمة، و لا تسلّمه نخّاسا، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: شرّ الناس من يبيع الناس» «1».

و رواية ابن عبد الحميد: «لا تسلّمه سبّاء و لا صائغا و لا قصّابا و لا حنّاطا و لا نخّاسا»، قال: «فقال: يا رسول اللّه، و ما السبّاء؟ قال: الذي يبيع الأكفان و يتمنّى موت أمّتي» «2».

و رواية طلحة: «نهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاما أو صائغا» «3».

و الأولان لا يفيدان أزيد من الكراهة، لاحتمال الصيغة أن تكون نفيا.

______________________________

(1) الكافي 5: 114- 4، التهذيب 6: 361- 1037، الاستبصار 3: 62- 208، علل الشرائع: 530- 1، الوسائل 17: 135 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 1.

(2) الفقيه 3: 96- 369، التهذيب 6: 362- 1038، الاستبصار 3: 63- 209، العلل: 530- 2، معاني الأخبار: 150- 1، الخصال: 287- 44، الوسائل 17:

137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4.

(3) الكافي 5: 114- 5، التهذيب 6: 363- 1041، الاستبصار 3: 64- 212، العلل: 530- 3، الوسائل 17: 136 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 56

و أمّا الأخير فظاهر النهي فيه و إن اقتضى الحرمة، إلّا أنّ الإجماع منع من حمله عليها، مضافا إلى المعارضة مع بعض أخبار أخر في الجملة، و ترك الإنكار على أرباب هذه الصناعات في

جميع الأعصار و الأمصار.

قيل: و ظاهر هذه الأخبار كغيرها اختصاص الكراهة باتّخاذ ذلك حرفة و صنعة، دون أن يصدر منه ذلك أحيانا «1».

و هو كذلك، أمّا في غير بيع الرقيق فظاهر، و أمّا فيه فقد يناقش من جهة عموم العلّة.

و فيه: أنّ المذكور في العلّة كراهة بيع الناس، الذي هو اسم الجمع المحلّى المفيد للعموم، و هو و إن كان غير مراد و لكن لم يثبت إرادة من يبيعه أحيانا، فيقتصر على القدر المتيقّن.

ثمَّ بعد اختصاص الكراهة بما ذكر لا يحتاج إلى تقييد المكروه بعدم احتياج الناس إليه، لئلّا يلزم اجتماع المكروه مع الواجب العيني أو الكفائي، لعدم مماسّة الحاجة إلى اتّخاذ ذلك حرفة.

و الظاهر أنّ المراد ببيّاع الطعام: بيّاع الحنطة، لأنّ الطعام في لغة العرب هو الحنطة، كما بيّنوه في بيان حلّية طعام أهل الكتاب، و يؤكّده التعليل بعدم السلامة من الاحتكار، و التخصيص بالحنّاط في الرواية الثانية.

و المراد ببيّاع الحنطة- كما مرّ-: من اتّخذ ذلك حرفة، فلا بأس ببيع الزارع للحنطة ما يفضل عن قدر حاجته، و لو تكرّر ذلك منه، بل اتّخذ حرفته الزراعة و يبيع الفاضل، لأنّ ذلك يسمّى زارعا لا بيّاع الحنطة.

و منها: الحياكة

، لقول أمير المؤمنين عليه السّلام للأشعث بن قيس: «حائك

______________________________

(1) الحدائق 18: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 57

ابن حائك، منافق بن كافر» «1».

و في بعض الأخبار: «لا ينجب الحائك إلى سبعة بطون».

و رواية الصيقل: جعلت فداك، تغزلهما أمّ إسماعيل و أنسجهما أنا، فقال لي: «حائك؟» فقلت: نعم، قال: «لا تكن حائكا» «2».

و يستفاد من ذلك اتّحاد النساجة و الحياكة، كما صرّح في الصحاح و غيره «3»، فتعمّ الكراهة كلّ النسج من الغزل و الإبريسم، كما في

التذكرة، حيث عطف النساجة على الحياكة «4».

قيل: الكراهة و الرذالة مختصّتان بوقت كونهما حرفة، فلو تركهما زالتا «5». و به تشعر رواية الصيقل.

و منها: الحجامة

إذا شرط الأجرة، لرواية أبي بصير: عن كسب الحجّام، فقال: «لا بأس به إذ لم يشارط» «6».

و موثّقة سماعة: «السحت أنواع كثيرة، منها: كسب الحجّام إذا شارط» «7».

و نحوها موثّقته الأخرى «8»، إلّا أنّه ليست فيها الجملة الشرطيّة.

______________________________

(1) نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 51.

(2) الكافي 5: 115- 6، التهذيب 6: 363- 1042، الاستبصار 3: 64- 213، الوسائل 17: 140 أبواب ما يكتسب به ب 23 ح 1.

(3) الصحاح 4: 1582، و انظر القاموس المحيط 3: 310.

(4) التذكرة 1: 581.

(5) انظر التذكرة 1: 581، الحدائق 18: 228.

(6) الكافي 5: 115- 1، التهذيب 6: 354- 1008، الاستبصار 3: 58- 190، الوسائل 17: 104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1.

(7) الكافي 5: 127- 3 الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 2.

(8) التهذيب 6: 355- 1013، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 58

و البأس و السحت و إن كانا موجبين للحرمة، إلّا أنّ الإجماع على عدمها- مضافا إلى بعض الروايات- أوجب حملهما على الكراهة.

ثمَّ إنّ إطلاق الموثّقة الأخيرة و إن اقتضى الكراهة مطلقا، إلّا أنّه لا بدّ من تقييدها بها، لمفهوم الاولى للأصل.

فالقول بالكراهة مطلقا- كاللمعة «1»، لإطلاق الموثّقة الأخيرة- غير سديد، كالقول بعدم الكراهة كذلك، لرواية حنّان: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام و معنا فرقد الحجّام، قال: جعلت فداك، إنّي أعمل عملا و قد سألت عنه غير واحد و لا اثنين فزعموا أنّه عمل مكروه، فأنا

أحبّ أن أسألك عنه، فإن كان مكروها انتهيت عنه- إلى أن قال-: «و ما هو؟» قال:

حجّام، قال: «كل من كسبك يا ابن أخ، و تصدّق و حجّ منه، و تزوّج، فإنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد احتجم و أعطى الأجر، و لو كان حراما ما أعطاه»، قال:

جعلني اللّه فداك، إنّ لي تيسا [1] أكريه فما تقول في كسبه؟ قال: «كل من كسبه فإنّه لك حلال و الناس يكرهونه»، قال حنّان: قلت: لأيّ شي ء يكرهونه و هو حلال؟ قال: «لتعيير الناس بعضهم بعضا» «3».

لإجمال الرواية من حيث المراد من الكراهة، إذ يحتمل أن يكون المراد بالكراهة فيها المعنى المصطلح، و بالحرام الكراهة، و يحتمل العكس، و يؤيده التعليل كما قيل.

ثمَّ كراهة التكسّب و إن اختصّت بصورة الشرط لما مرّ، إلّا أنّه يمكن

______________________________

[1] التيس: الذكر من المعز، و الجمع: أتياس و أتيس، و الجمع الكثير: تيوس- لسان العرب 6: 33.

______________________________

(1) اللمعة (الروضة 3): 219.

(3) الكافي 5: 115- 2، التهذيب 6: 354- 1009، الاستبصار 3: 58- 191، الوسائل 17: 105 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 59

القول بكراهة الأكل من كسبه مطلقا، لإطلاق صحيحة الحلبي: عن كسب الحجّام، فقال: «لك ناضح [1]؟» فقال: نعم، فقال: «اعلفه إيّاه و لا تأكله» «2».

و الحكمان مخصوصان بالحجّامة، فلا يتعدّيان إلى الفصد [2]، للأصل.

و منها: ضراب الفحل بأن يؤاجره لذلك

، للمرسل: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن عسيب الفحل، و هو اجرة الضراب» «4»، و حمل على التنزيه، للإجماع.

و لصحيحة ابن عمّار: عن أجر التيوس، قال: «إن كانت العرب لتعاير به فلا بأس» «5»، و رواية حنّان المتقدّمة.

و ظاهر هذه الأخبار كراهة أخذ

الأجر مطلقا بجعل و إجارة، و التخصيص بالأجرة غير ظاهر.

و منها: التكسّب بما يكتسب به الصبيان بنحو الاحتطاب و الاحتشاش فيما لم تعلم الإباحة أو الحرمة

، أي يكره للولي أن ينقله إلى نفسه أو غيره أو يتصرّف فيه بالتصرّفات الجائزة، و أما بالواجبة- كحفظه من التلف، أو صرفه فيما يحتاج إليه الصغير- فواجب.

و كذا يكره لغير الولي بأن يشتريه من الولي.

و كذا يكره التكسّب بما يكتسب به كلّ من يعلم عدم اجتنابه من المحرّمات، كالعشّار و الظلمة و المعاملين معهم في أموالهم المحرّمة، بل

______________________________

[1] الناضح: البعير يستقى عليه- الصحاح 1: 411.

[2] الفصد: قطع العرق- الصحاح 2: 519.

______________________________

(2) التهذيب 6: 356- 1014، الاستبصار 3: 60- 196، الوسائل 17: 104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 2.

(4) الفقيه 3: 105- 433، الوسائل 17: 111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 3.

(5) الكافي 5: 116- 5، التهذيب 6: 355- 1012، الاستبصار 3: 59- 194، الوسائل 17: 111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 60

المشتبهة، بل كلّ من لا يؤمن عنه في اجتنابه عن المحرّمات، بل عن المشتبهات، لصدق الشبهة المستحبّ اجتنابها بالمستفيضة على الجميع.

و لفحوى رواية السكوني: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنّه إن لم يجد سرق» «1».

و المراد: أنّهما مظنّتان لذلك، فيسري الحكم إلى كلّ من هو مظنّة لأخذ كلّ محرّم، بضميمة الإجماع المركّب.

و التخصيص المصرّح به فيها محمول على شدّة الكراهة، و إلّا فيكره في غير محلّ التخصيص مع عدم الاطمئنان أيضا، لما ذكر، و لعلّه تتفاوت مراتب الكراهة بتفاوت المظنّة.

و منها: أخذ الأجرة على تعليم القرآن

، لرواية حسّان: عن التعليم، فقال: «لا تأخذ على التعليم

أجرا» قلت: الشعر و الرسائل و ما أشبه ذلك أشارط عليه؟ قال: «نعم، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا تفضّل بعضهم على بعض» «2».

و رواية الأعشى: إنّي أقرئ القرآن فتهدى إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال:

«لا» قلت: إن لم أشارطه؟ قال: «أرأيت أن لو لم تقرئ كان يهدى لك؟» قال: قلت: لا، قال: «فلا تقبله» «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 128- 8، التهذيب 6: 367- 1057، الوسائل 17: 163 أبواب ما يكتسب به ب 33 ح 1.

(2) الكافي 5: 121- 1، التهذيب 6: 364- 1045، الاستبصار 3: 65- 214، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.

(3) الفقيه 3: 110- 462، التهذيب 6: 365- 1048، الاستبصار 3: 66- 219، الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 61

و رواية زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليه السّلام: «أنّه أتاه رجل فقال له:

يا أمير المؤمنين، و اللّه إنّي لأحبّك للّه، فقال له: و لكن أنا أبغضك للّه، فقال:

و لم؟ قال: لأنّك تبغي في الأذان و تأخذ على تعليم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة» «1».

و رواية إسحاق بن عمّار: إنّ لنا جارا يكتّب و قد سألني أن أسألك عن عمله، فقال: «مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنّما أنا أعلّمه الكتاب و الحساب و اتّجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه» «2»، و المراد بالكتاب: الكتابة.

و لا تنافيها رواية الفضل بن قرّة: إنّ هؤلاء يقولون: إنّ كسب المعلّم سحت، فقال: «كذبوا أعداء اللّه،

إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن، و لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان حلالا» «3»، لأنّ غايتها انتفاء الحرمة، و هو لا ينافي الكراهة، مع أنّ المستفاد منها انتفاء الحرمة في مطلق التعليم دون تعليم القرآن، فتأمّل.

و يجوز قبول الهديّة لمعلّم القرآن إذا لم يكن أجرا و شرطا، لرواية المدائني: «المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهدية» «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 109- 461، التهذيب 6: 376- 1099، و أورد صدره في الاستبصار 3: 65- 215، الوسائل 17: 157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 6: 364- 1044، الاستبصار 3: 65- 217، الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.

(3) الكافي 5: 121- 2، الفقيه 3: 99- 384، التهذيب 6: 364- 1046، الاستبصار 3: 65- 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.

(4) التهذيب 6: 365- 1047، الاستبصار 3: 66- 218، الوسائل 17: 156 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 62

و ربّما يقال بكراهة أخذ الهديّة أيضا، لرواية الأعشى المتقدّمة.

و فيه: أنّها إنّما تدلّ على كراهة قبول الهديّة على قراءة القرآن دون تعليمه.

ثمَّ إنّه يظهر من هذه الرواية كراهة التكسّب بقراءة القرآن.

و قد يقال بكراهة التكسّب بكتابة القرآن أيضا، لما دلّ على كراهة أخذ الأجرة على تعليمه.

و لا دلالة فيه عليها.

و لما روي: أنّه ما كان المصحف يباع، و لا يؤخذ الأجر على كتابته في زمانه صلّى اللّه عليه و آله، بل كان يخلّى الورقة في المسجد عند المنبر، و كلّ من يجي ء يكتب سورة «1».

و لا دلالة فيه على الكراهة، إذ لعلّه كان لعدم التعارف، كما

يستفاد من رواية روح: ما ترى أن اعطى على كتابته أجرا؟ قال: «لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون» «2»، يعني: يخلّى عند المنبر كما مرّ.

______________________________

(1) الكافي 5: 121- 3، التهذيب 6: 266- 1052 و 1053، الوسائل 17:

159 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 4 و 8.

(2) الكافي 5: 121- 3، التهذيب 6: 266- 1052 و 1053، الوسائل 17:

159 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 63

الفصل الثاني فيما يحرم التكسّب به

اشارة

و هو أيضا أمور:

منها: المسكر

، خمرا كان أو غيره، مائعا بالأصالة أو جامدا، كان التكسّب به بالبيع مطلقا أو غيره، بل مطلق التصرّف فيه و إمساكه في غير الجامد، كما صرّح به جماعة «1»، منهم الحلّي، قال: و الخمر و التصرف فيها حرام على جميع الوجوه، من البيع، و الشراء، و الهبة، و المعارضة، و الحمل لها، و الصنعة، و غير ذلك من أنواع التصرّف «2».

و أمّا دليل حرمة بيع الخمر مطلقا، فبعد الإجماع المحقّق، و قوله سبحانه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «3»، المستفيضة من النصوص:

منها: رواية جابر: «لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في الخمر عشرة: غارسها، و حارسها، و بائعها، و مشتريها» الحديث «4».

و في رواية أخرى بعد عدّ العشرة: «و كذا كلّ نبيذ و كلّ مسكر، لأنّه نجس».

و صحيحة عمّار بن مروان: «و السحت أنواع كثيرة، منها: أجور الفواحش، و ثمن الخمر و النبيذ المسكر» «5».

______________________________

(1) كالمفيد في المقنعة: 587، و الطوسي في النهاية: 363.

(2) السرائر 2: 218.

(3) المائدة: 90.

(4) الخصال: 444- 41، الوسائل 25: 375 أبواب الأشربة المحرمة ب 34 ح 1.

(5) الكافي 5: 126- 1، التهذيب 6: 368- 1062، الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 64

و الروايات بهذا المضمون في ثمن الخمر كثيرة جدّا.

و رواية يونس: «إن أسلم رجل و له خمر و خنازير ثمَّ مات و هي في ملكه و عليه دين، قال: يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره و خنازيره فيقضي دينه، و ليس له أن يبيعه و هو حيّ، و لا يمسكه» «1».

و

رواية أبي بصير، و فيها: «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها، فأمر بها فصبّ على الصعيد» «2».

و مرسلة يزيد بن خليفة الطويلة، و فيها: «انظر شرابك هذا الذي تشربه، فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله» «3».

و صحيحة ابن أذينة: عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر من يعلم أنّه يجعله خمرا أو مسكرا؟ فقال: «إنّما باعه حلالا في الإبّان [4] الذي يحلّ شربه و أكله، فلا بأس ببيعه» «5»، علّل حلّية البيع بحلّية الأكل و الشرب، فينتفي حين انتفائها.

و رواية عمر بن حنظلة الآتية في المسألة الآتية «6».

و المرويّ في تحف العقول، و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد، و الفصول المهمّة للشيخ الحرّ: «كلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه

______________________________

[1] إبّان الشي ء- بالكسر و التشديد-: وقته- مجمع البحرين 6: 197.

______________________________

(1) الكافي 5: 232- 13، التهذيب 5: 138- 612، الوسائل 17: 227 أبواب ما يكتسب به ب 57 ح 2.

(2) التهذيب 7: 135- 599، الوسائل 17: 225 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 6، و فيهما: فصبّت في الصعيد.

(3) الكافي 6: 411- 16، الوسائل 25: 340 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 9.

(5) الكافي 5: 231- 8، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 5.

(6) انظر ص: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 65

من جهة أكله و شربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو هبته، أو عاريته، أو إمساكه، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا، و البيع للميتة و الدم و لحم الخنزير و لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شي ء من

وجوه النجس، فهذا كلّه حرام محرّم، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام» الحديث «1».

و الرضويّ: «و كلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه لوجه الفساد، مثل: الميتة، و الدم، و لحم الخنزير، و الربا، و جميع الفواحش، و لحوم السباع، و الخمر، و ما أشبه ذلك، حرام ضارّ للجسم» الحديث «2».

و المرويّ في التنقيح و [الخلاف ] [1] و المنتهى: «لعن اليهود، حرّمت عليهم الشحوم فباعوها» «4».

و فيهما: «إن اللّه إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» «5».

و في الغوالي: «إن اللّه إذا حرّم على قوم أكل شي ء حرّم ثمنه» «6».

و في تفسير القمّي عن الباقر- بعد ذكر الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: المهذّب، و الظاهر أنّه تصحيف و الصواب ما أثبتناه، حيث إنّ الحديثين غير موجودين فيه، و لكنّهما موجودان في الخلاف.

______________________________

(1) تحف العقول: 333، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 250، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(4) التنقيح 2: 5، الخلاف 1: 588، المنتهى 2: 1010، بتفاوت.

(5) التنقيح 2: 5، الخلاف 1: 587.

(6) الغوالي 2: 110- 301، مستدرك الوسائل 13: 73 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 66

وَ الْأَزْلامُ و بيانها-: «كلّ هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرّم» «1».

و ضعف بعض تلك الأخبار- لانجبارها بالعمل- غير ضائر.

و أمّا حرمة سائر

أنواع التكسّب بها و التصرّف فيها و إمساكها، ف- بعد الإجماع- للآية؛ حيث إنّ الأمر بالاجتناب يفيد النهي عن جميع ما ذكر.

و مرسلة يزيد بن خليفة، لمثل ذلك أيضا.

و رواية يونس، حيث إنّ النهي عن الإمساك يستلزم النهي من جميع أنواع التصرّفات.

و رواية أبي بصير، حيث إنّ إيجاب الصبّ يقتضي النهي عن جميع أضداده.

و المرويّ في تحف العقول، و الرضوي، و رواية القمي المتقدّمة.

و رواية الحسين بن عمر بن يزيد: «يغفر اللّه في شهر رمضان إلّا لثلاثة:

صاحب مسكر، أو صاحب شاهين، أو مشاحن» [1].

و من هذا يظهر وجوب إهراقها على من كانت بيده، و على كلّ أحد كفاية- لو لم يهرق- من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و أمّا حرمة بيع سائر الأشربة المسكرة و التصرّف فيها و التكسّب بها و حفظها و إمساكها فلأكثر ما ذكر، بل جميعه، لكون كلّ نبيذ مسكر خمرا لغة- كما صرّح به في القاموس «3»- و شرعا، كما دلّت عليه الروايات

______________________________

[1] الكافي 6: 436- 10، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 6.

و المشاحن: صاحب البدعة- القاموس 4: 241.

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 180، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12.

(3) القاموس 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 67

المتكثّرة:

منها: رواية عطا: «كلّ مسكر خمر» «1».

و الصحيح: «الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع [1] من العسل، و المزر [2] من الشعير، و النبيذ من التمر» «4».

و المرسل: «الخمر من خمسة أشياء: من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل» «5».

و رواية أبي الجارود: «عن النبيذ أ خمر هو؟ فقال: ما زاد على الترك

جودة فهو خمر» «6».

و في تفسير القمّي عن الباقر عليه السّلام في آية إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ «7» الآية: «أمّا الخمر فكل مسكر من الشراب إذا خمر فهو خمر» إلى أن قال:

«و إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقعد في المسجد فدعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فكفأها كلّها و قال: هذه كلّها خمر» إلى أن قال: «فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شي ء» الحديث «8».

______________________________

[1] البتع و البتع: نبيذ يتخذ من عسل كأنه الخمر صلابة- لسان العرب 8: 4.

[2] المزر: نبيذ الشعير و الحنطة و الحبوب- لسان العرب 5: 172.

______________________________

(1) الكافي 6: 408- 3، التهذيب 9: 111- 482، الوسائل 25: 326 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 5.

(4) الكافي 6: 392- 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 1.

(5) الكافي 6: 392- 2، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 2.

(6) الكافي 6: 412- 5، الوسائل 25: 343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 19 ح 4.

(7) المائدة: 90.

(8) تفسير القمي 1: 180، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 68

و أمّا ما في بعض الأخبار- من تخصيص الخمر بما يكون من العنب- فالمراد منه الخمرة الملعونة، كما صرّح به في الرضويّ: «و لها خمسة أسامي، فالعصير من الكرم و هي الخمرة الملعونة» «1».

و أمّا حرمة بيع الجامد من المسكر فلصحيحة ابن أذينة، و ما تأخّر عنها من الروايات «2».

و قد يخصّ ذلك خاصّة بما إذا لم يقصد ببيعه المنفعة

المحلّلة، و إطلاق الصحيح و غيره يضعّفه.

نعم، الظاهر عدم حرمة التصرّف فيه بالانتفاع به بالمنافع المحلّلة أو إمساكه لذلك، لعدم دليل عليه إلّا المرويّ في تحف العقول و الرضوي «3»، و هما- لضعفهما و عدم انجبارهما بالعمل إلّا مدلولا- لا ينهضان حجّة إلّا في كلّ حكم ثبت اشتهاره، و لم يثبت ذلك هنا.

و مثل الجامد من المسكر: العصير العنبي بعد الغليان و إن قلنا بطهارته، لرواية أبي كهمش: لي كرم و أنا أعصره كلّ سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال: «لا بأس به، و إن غلا فلا يحلّ بيعه» «4».

و يستثنى من التصرّف و التكسّب المحرّمين في الخمر جعله خلّا و إمساكه لذلك، كما صرح به الحلّي و الفاضل «5» و غيرهما «6»، و تدلّ عليه

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 280، مستدرك الوسائل 17: 37 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 2.

(2) راجع ص 64.

(3) راجع ص: 64، 65.

(4) الكافي 5: 232- 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.

(5) الحلي في السرائر 2: 218، الفاضل في التحرير 1: 160.

(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 69

الروايات المتكثّرة «1».

و هل يجوز بيعها لذلك؟

الظاهر: لا، لظاهر الإجماع و إطلاق النصوص.

و أمّا موثّقة عبيد بن زرارة: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا، قال: «لا بأس به» «2».

و رواية جميل: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا، فقال: «خذها ثمَّ أفسدها» «3» و زيد في رواية: «و اجعلها خلّا».

فلا تنهضان حجّتين للتخصيص، لعدم ظهور الأخذ في كونه على سبيل البيع و الشراء، بل هما أمران زائدان على الأخذ، فإثباتهما يحتاج إلى الدليل.

و يستثنى

أيضا منه التصرّف فيه بالتداوي في حال الضرورة، لمحافظة النفس كما يأتي في محلّه، و يظهر منه جواز إمساكه لذلك، و لكن يشترط في التصرّف و الإمساك العلم بالضرورة أو الظنّ المعتبر شرعا، فلا يجوز إمساكها لتجويز الاحتياج إليها و احتماله، و لا التصرّف فيها مع إمكان دفع الضرورة بغيرها.

و أمّا اقتناؤها لفائدة محلّلة غير ذلك فلا، لما مرّ، و إن أشعرت بجوازه كلمات بعضهم «4».

و منها: المائعات النجسة
اشاره

ذاتا أو عرضا، كان التكسّب بها بالبيع أو غيره، و إن قصد بها نفع محلّل و أعلم المشتري بحالها إن لم يقبل التطهير،

______________________________

(1) الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31.

(2) الكافي 6: 428- 3، التهذيب 9: 117- 505، الاستبصار 4: 93- 356، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 3.

(3) التهذيب 9: 118- 508، الاستبصار 4: 93- 358، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 6.

(4) منهم العلّامة في المنتهى 2: 1010 و صاحب الحدائق 18: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 70

إجماعا كما عن الغنية و المنتهى و ظاهر المسالك «1».

و مع قبولها له على الأصحّ، وفاقا لظاهر الحلّي، بل التهذيب، بل الخلاف و النهاية للشيخ «2»، حيث صرّح فيهما بوجوب إهراق الماء النجس، بل في النهاية بعدم جواز استعمال شي ء من المائعات و وجوب الإهراق في بحث المشارب، للرواية الثانية من الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة «3»، و صحيحة ابن أذينة و ما تأخّر عنها من الروايات «4»، و للأمر بإهراق الماء النجس- المستلزم للنهي عن جميع أضداده الخاصّة، التي منها: بيعه و صلحه و إمساكه و سائر التصرفات- في أخبار كثيرة:

كموثّقة سماعة: عن رجل معه إناءان فيهما ماء، فوقع في

أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، و ليس يقدر على ماء غيره، قال: «يهريقهما جميعا و يتيمّم» «5».

و الأخرى: «و إن كان أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي ء من المني، و إن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه فليهرق الماء كلّه» «6».

و موثّقة أبي بصير: «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الإناء

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 586، المنتهى 2: 1010، المسالك 1: 164.

(2) الحلبي في السرائر 2: 219، التهذيب 1: 248، الخلاف 1: 175، النهاية: 5 و 364 و 588.

(3) في ص: 63.

(4) راجع ص: 64.

(5) الكافي 3: 10- 6، التهذيب 1: 249- 713، الاستبصار 1: 21- 48، الوسائل 1: 151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 1: 308- 102، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 71

و فيها شي ء من ذلك فأهرق الماء» «1».

و صحيحته: عن الجنب يجعل الركوة [1] أو التور [2] فيدخل إصبعه فيه، قال: «إن كانت يده قذرة فليهرقه» «4».

و صحيحة البزنطي: عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال:

«يكفئ الإناء» «5».

و صحيحة البقباق، و فيها: فقال: «رجس نجس- أي الكلب- لا تتوضّأ بفضله و أصبب ذلك الماء» الحديث «6».

و رواية عمر بن حنظلة: في قدح من المسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره، فقال: «لا و اللّه، و لا قطرة يقطر منه في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ» «7».

و تلك الروايات و إن اختصّت

بالماء إلّا أنّه يثبت الحكم في غيره بعدم القول بالفصل، مضافا إلى الأمر بإهراق المرقة المتنجّسة بموت الفأرة و دفن

______________________________

[1] الركوة- مثلّثة-: زورق صغير و رقعة تحت العواصر- القاموس 4: 338. الركوة بالفتح: هي دلو صغير من جلد. و بالضم: زقّ يتخذ للخمر و الخلّ- مجمع البحرين 1: 194- 195.

[2] التور بالفتح فسكون: إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه و يتوضأ فيه و يتوكل- مجمع البحرين 3: 234.

______________________________

(1) الكافي 3: 11- 1، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4.

(4) التهذيب 1: 308- 103، الاستبصار 1: 20- 46، مستطرفات السرائر: 27، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11.

(5) التهذيب 1: 39- 105، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 7.

(6) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 3 ح 4.

(7) الكافي 6: 410- 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 72

العجين النجس.

و يظهر من تلك الروايات و رواية تحف العقول السابقة «1» عدم جواز الانتفاع بها منفعة محلّلة أيضا، و لا اقتنائها، لذلك، و هو كذلك، لذلك.

وفاقا لظاهر الحلّي، قال: و كلّ طعام أو شراب حصل فيه شي ء من الأشربة المحضورة أو شي ء من المحرّمات و النجاسات، فإنّ شربه و عمله و التجارة فيه و التكسّب به و التصرّف فيه حرام محظور «2».

بل الأكثر فيما لا يقبل التطهير، كما يظهر من تخصيصهم جواز الانتفاع بالدهن النجس بالاستصباح، و نسبة القول بتجويز اتّخاذ الصابون منه و طلي الأجرب و الدواب إلى نادر [1].

خلافا للفاضل في أكثر

كتبه «4»، و يضعّف بما مرّ.

و يستثنى من ذلك الدهن بجميع أصنافه، فيجوز الاستصباح به و بيعه لذلك، للإجماع، و المستفيضة من الصحاح و غيرها:

ففي صحيحة زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن و ماتت، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» «5».

و في صحيحة ابن وهب: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال:

«أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به»،

______________________________

[1] حكاه في الحدائق 18: 90 عن بعض الأصحاب.

______________________________

(1) راجع ص: 64، 65.

(2) السرائر 2: 219.

(4) كنهاية الإحكام 2: 464، و التحرير 1: 160، و القواعد 1: 120.

(5) الكافي 6: 261- 1، الوسائل 17: 97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 73

و قال في بيع ذلك الزيت: «يبيعه و يبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «1».

و موثّقته: في جرذ مات في زيت، ما تقول في بيع ذلك الزيت؟

قال: «بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «2».

و صحيحة أبي بصير: عن الفأر تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه، قال: «إن كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي، و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته» «3».

و قريبة من بعض هذه الأخبار صحيحتا الحلبي «4» و الأعرج «5».

و ليس في شي ء منها تقييد الاستصباح بتحت السماء كما عن الأكثر [1]، و في المسالك و الروضة: أنّه المشهور «7»، و عن الحلّي: الإجماع عليه «8».

و مستنده غير واضح سواه.

و ما ادّعاه في المبسوط «9» من رواية الأصحاب الصريحة في التقييد.

و كونه

أظهر أفراد الاستصباح.

و يضعّف الأول: بعدم ثبوته.

و الثاني: بعدم حجّيته، مع أنّ المدّعي اختار خلافه هنا.

______________________________

[1] قال في كشف اللثام 2: 269: قطع به الأصحاب.

______________________________

(1) التهذيب 9: 85- 359، الوسائل 17: 85 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 7: 129- 563، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.

(3) التهذيب 7: 129- 562، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 3.

(4) التهذيب 9: 86- 361، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 3.

(5) التهذيب 9: 86- 362، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 4.

(7) المسالك 1: 164، الروضة 3: 207.

(8) السرائر 3: 122.

(9) المبسوط 6: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 74

و الثالث: بالمنع، بل الغالب عكسه.

و قد يعلّل بنجاسة دخان النجس، أو بتصاعد شي ء من أجزائه مع الدخان، فينجس السقف.

و فيه: منع نجاسة الدخان أو العلم بتصاعد شي ء من أجزاء الدهن أولا، و منع حرمة تنجيس المالك ملكه ثانيا.

و أمّا القول: بأنّ ذلك يوجب أن ينجس غالبا ما يشترط فيه الطهارة في الصلاة من الثوب و البدن.

ففيه- بعد تسليمه- أنّه إن لم يعلم فينفى بالأصل، و إلّا فاللازم إزالة النجاسة.

فالتعميم- كما في المبسوط و الخلاف، و عن الإسكافي و جماعة من المتأخّرين «1»- هو الأقوى.

ثمَّ الحقّ الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح أو بيعه، لرواية تحف العقول «2» المنجبرة بالشهرة، و يؤيّده- بل يدلّ عليه- التعليل في الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتين بقوله: «ليستصبح».

خلافا لشاذّ، فألحق به عمل الصابون و تدهين الأجرب «3»، و آخر، فاحتمل لحوق كلّ انتفاع لم يوجب محرّما «4»، بل عن الشهيد في بعض حواشيه «5»

التصريح باللحوق.

______________________________

(1) المبسوط 6: 283، الخلاف 2: 543، حكاه عن الإسكافي في المختلف:

685، و انظر المسالك 1: 164، و كفاية الأحكام: 85، و الحدائق 18: 89.

(2) المتقدمة في ص: 64، 65.

(3) المسالك 2: 246.

(4) جامع المقاصد 4: 13.

(5) نقله عنه في جامع المقاصد 4: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 75

استنادا إلى الأصل.

و الخبر المرويّ عن نوادر الراوندي «1».

و حملا للنصوص على النفع الغالب، أو جعل الإسراج كناية عن استعمال لم يوجب المباشرة.

مع عدم دلالة الأخبار على المنع من غير الاستصباح.

و يندفع الأول: بعموم ما دلّ على المنع من التكسّب به، خرج المجمع عليه.

و الثاني: بالضعف.

و الثالث: بعدم دلالته على التعميم.

و الرابع: بعدم دليل عليه.

و هل يجب في بيعه الإعلام بالنجاسة، أم لا؟

المصرّح به في كلامهم «2» هو: الأول، و هو كذلك، للموثّقة و الصحيحة المتقدّمتين «3».

ثمَّ لو تركه هل يقع البيع صحيحا، أم فاسدا؟

الظاهر هو: الأول، لعدم دليل على فساده.

و قد يوجّه الفساد بأنّ الإعلام إمّا شرط جواز البيع أو صحّته أو مشكوك في شرطيّته، و الفساد على الأولين ظاهر، و كذا على الثالث، لحصول الإجمال في تخصيص عمومات الصحّة، فلا تكون حجّة في

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 50.

(2) منهم المحقق في الشرائع 3: 226، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 246، و صاحب الكفاية: 85.

(3) في ص: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 76

موضع الإجمال.

و يضعّف: بأنّ تجويز البيع في الصحيحة مطلق و الأصل عدم الاشتراط، و عطف قوله: «و يبيّنه» لا يثبته «1»، فلا إجمال.

و في حكم المائعات النجسة: الجوامد المتنجّسة الغير القابلة للتطهير، كالعسل و السمن الجامدين، بلا خلاف ظاهر، لعموم الأخبار المتقدّمة، و الأمر بإلقائه في المعتبرة المتقدّمة بعضها.

و أمّا

القابلة له- كالثوب المتنجس و الحبوب- فيجوز بيعها و التكسّب بها، بالإجماع، بل الضرورة، و في الأخبار عليه الدلالة.

فرعان:
[الأول ]

أ: مقتضى الأصل المستفاد من العمومات و اختصاص النصوص المثبتة للاستصباح بالمتنجّس من الدهن عدم جوازه فيما يذاب من شحوم الميتة و ألبانها.

مضافا إلى المستفيضة الآتية المصرّحة بعدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقا «2»، بل في صحيحة الوشّاء الآتية «3» إشعار بتحريم الاستصباح بها أيضا، مع أنّ الظاهر اتّفاقهم عليه كما قيل «4».

إلّا أنّ المحكيّ عن الفاضل تجويز الاستصباح به [1] و تبعه بعض

______________________________

[1] الحاكي هو الشهيد في بعض حواشيه على ما نقله عنه في جامع المقاصد 4:

13.

______________________________

(1) في «ح»: لا يبيّنه.

(2) في ص: 78.

(3) في ص: 79، 80.

(4) انظر المسالك 2: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 77

المتأخّرين «1»، للمرويّ في السرائر و قرب الإسناد: عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء، أ يصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال: «نعم، يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها و لا يبيعها» «2».

و يضعّفه مخالفته لعمل المعظم، مضافا إلى أنّه خاصّ بالمقطوع من الحيّ، فيمكن الاختصاص به لو لا معارضة صحيحة الوشّاء «3».

[الثاني ]

ب: يظهر من الأخبار جواز بيع المتنجّس على من يستحلّه من أهل الذمّة.

ففي رواية زكريّا بن آدم: عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير و مرق كثير، قال: «يهراق المرق أو يطعمه لأهل الذمّة أو الكلاب» إلى أن قال: قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، فقال:

«فسد»، قلت: أبيعه من اليهود و النصارى و أبيّن لهم فإنّهم يستحلّون شربه؟

قال: «نعم» «4».

و في مرسلة ابن أبي عمير: في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ الميتة» «5».

و بمضمونها أفتى جماعة، منهم: صاحب المدارك «6»، و والدي العلّامة- رحمه

اللّه- و هو الأقوى، لما ذكر.

______________________________

(1) كالمجلسي في البحار 77: 77.

(2) مستطرفات السرائر: 55- 8، قرب الإسناد: 268- 1066، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 6.

(3) الآتية في ص: 79، 80.

(4) الكافي 6: 422- 1، التهذيب 9: 119- 512، الوسائل 25: 358 أبواب الأشربة المحرّمة ب 26 ح 1.

(5) التهذيب 1: 414- 1305، الاستبصار 1: 29- 76، الوسائل 1: 242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1.

(6) المدارك 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 78

خلافا للشيخ في التهذيب، حيث قال- بعد ذكر المرسلة المذكورة، و نقل مرسلة أخرى، هي: «أنّه يدفن و لا يباع»-: و بهذا الخبر نأخذ دون الأول «1». انتهى.

و الجواب عن المرسلة الأخيرة: أنّها غير صريحة في النهي.

و الظاهر أنّه يختصّ جواز البيع بمن يستحلّه، لاختصاص الحكم في المرسلة و السؤال في الرواية.

و هل يجب البيان لهم؟

مقتضى إطلاق المرسلة: العدم، و لا يقيّدها ذكر البيان في سؤال الرواية كما لا يخفى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    78     و منها: الميتة ..... ص : 78

يظهر من الرواية أيضا جواز إطعام المتنجّس للكلاب، فيستثنى أيضا، و يأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب المشارب إن شاء اللّه سبحانه.

و منها: الميتة

، و حرمة بيعها و شرائها و التكسّب بها إجماعي، و في التذكرة عليه الإجماع «2»، و في المنتهى إجماع العلماء كافّة «3»، بل يحرم جميع وجوه الاستمتاع بها كما في المنتهى «4».

لرواية عليّ بن المغيرة الصحيحة عن السرّاد- و هو ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه-: الميتة ينتفع بشي ء منها؟ قال: «لا» «5».

و رواية فتح بن يزيد الجرجاني: «لا ينتفع من الميتة بإهاب [1] و لا

______________________________

[1]

و الإهاب: الجلد ما لم يدبغ، و الجمع أهب- الصحاح 1: 89.

______________________________

(1) التهذيب 1: 414.

(2) التذكرة 1: 464.

(3) المنتهى 2: 1008.

(4) المنتهى 2: 1008.

(5) الكافي 6: 259- 7، الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 79

عصب [1]» «2».

و صحيحة الكاهلي على طريق الفقيه: عن قطع أليات الغنم، فقال: «لا بأس بقطعها يصلح بها مالك»، ثمَّ قال: «إنّ في كتاب عليّ: أنّ ما قطع منها ميتة لا ينتفع به» «3».

و المستفاد ممّا ذكرنا [عدم ] [2] اختصاص التحريم بالبيع، بل يعمّ جميع وجوه الانتفاع، كما أنّ المستفاد من الأوليين أنّ حكم جميع أجزاء الميتة حكمها، كما هو المعروف من مذهبهم.

و يدلّ على جميع ذلك ما مرّ في المسكر من الرضوي، و رواية تحف العقول «5»، كما يدلّ على حرمة بيعها أكثر الروايات المتقدّمة هناك، و المستفيضة المصرّحة بأنّ ثمن الميتة من السحت «6».

و يستفاد من الثالثة أنّ حكم الأجزاء المبانة من الحيّ أيضا حكمها، و لا خلاف فيه ظاهرا.

و يدلّ عليه أيضا كثير ممّا مرّ في المسكر، و رواية أبي بصير: في أليات الضأن تقطع و هي أحياء: «إنّها ميتة» «7».

و صحيحة الوشّاء: إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال «حرام، هي ميّت» فقلت: جعلت فداك، فيستصبح بها؟ فقال:

______________________________

[1] العصبة: واحد العصب و الأعصاب، و هي أطناب المفاصل- الصحاح 1: 182.

[2] في النسخ: من، و الصواب ما أثبتناه.

______________________________

(2) الكافي 6: 258- 6، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 2.

(3) الفقيه 3: 209- 967، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.

(5) المتقدمتين في ص: 64، 65.

(6) الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب

به ب 5.

(7) الكافي 6: 255- 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 80

«أما علمت أنّه يصيب اليد و الثوب، و هو حرام» «1».

و بعض الروايات الدالة بظاهرها على جواز بيع ما يتّخذ من جلودها للسيوف و شرائها.

كموثّقة سماعة: عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت، فرخّص فيه، و قال: «إن لم تمسّه فهو أفضل» «2».

و مكاتبة الصيقل: إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمير الميتة فيصيب ثيابي أ فأصلي فيها؟ فكتب إليّ: «اتّخذ ثوبا لصلاتك» «3».

و اخرى: إنّا قوم نعمل السيوف، ليس لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرّون إليها، و إنّما علاجنا من جلود الميتة البغال و الحمير الأهليّة، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسّها بأيدينا و ثيابنا، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها، فكتب عليه السّلام: «اجعلوا ثوبا للصلاة» «4».

أو على جواز الانتفاع بها بجعل الماء و مثله فيها.

كرواية الحسين بن زرارة: في جلد شاة ميتة يدبغ فيصيب فيه اللبن أو الماء فأشرب منه و أتوضّأ؟ قال: «نعم» و قال: «و يدبغ فينتفع به و لا يصلّى فيه» «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 255- 3، الوسائل 24: 178 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 32 ح 1، بتفاوت.

(2) التهذيب 9: 78- 333، الاستبصار 4: 90- 344، الوسائل 24: 186 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 8.

(3) الكافي 3: 407- 16، التهذيب 2: 358- 1483، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49 ح 1.

(4) التهذيب 6: 376- 110، الوسائل 17: 173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.

(5) التهذيب 9: 78-

332، الاستبصار 4: 90- 343، الوسائل 24: 186 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 81

و مرسلة الفقيه: عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما ترى فيه؟ فقال: «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت» الحديث «1».

فهي [1] شاذّة جدّا خارجة عن حيّز الحجّية.

مع أنّ الاولى معارضة بموثّقة أخرى لسماعة: عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغراء، قال: «لا بأس بما لم تعلم أنّه ميتة» [2].

و الترجيح للثانية، لموافقة الأولى للعامّة و الثانية للكتاب.

و الثانيتان ضعيفتان دلالة، لأنّها ليست إلّا بالتقرير، و حجّيته إنّما هي إذا لم يكن هناك مانع عن المنع، و التقية أقوى الموانع سيّما في المكاتبات.

مع أنّ في الثالثة إشعارا بها، حيث عدل عن الجواب إلى الإجمال.

و الأخيرتان متروكتان عند أصحابنا طرّا، و مخالفتان لإجماعهم.

و تستثنى من الميتة أجزاؤها العشرة التي لا تحلّها الحياة، فيحلّ الانتفاع بها كما يأتي في كتاب المطاعم، و مرّ في بحث الطهارة أيضا.

و كذا يستثنى منها بيعها ممّن يستحلّ الميتة إذا اختلطت بالذكيّ و لم يميّز، لصحيحتي الحلبي:

أحدهما: «إذا اختلط الذكيّ و الميتة باعه ممّن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه» «4».

______________________________

[1] خبر لقوله: و بعض الروايات الدالة ..

[2] التهذيب 9: 78- 331، الاستبصار 4: 90- 342، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 5. الغراء ككتاب: شي ء يتّخذ من أطراف الجلود يلصق به- مجمع البحرين 1: 315.

______________________________

(1) الفقيه 1: 9- 15، الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

(4) الكافي 6: 260- 2، التهذيب 9: 48- 199، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 82

و ثانيهما: الميتة و الذكيّ اختلطا فكيف يصنع؟ فقال: «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه، فإنّه لا بأس به» «1».

و قد يستثنى أيضا الاستقاء بجلدها لغير مشروط الطهارة، و مرّ الكلام فيه في كتاب الطهارة، و يأتي الكلام في سابقة في كتاب المطاعم.

و منها: الأرواث و الأبوال

، و تحريم بيعها ممّا لا يؤكل لحمه شرعا موضع وفاق كما في المسالك «2»، و في التذكرة: الإجماع على عدم صحّة بيع نجس العين مطلقا، و كذا السرجين النجس «3». و كثير من الأخبار المتقدّمة في المسكر يدلّ عليه.

مضافا إلى رواية يعقوب بن شعيب: «ثمن العذرة من السحت» «4».

و موثّقة سماعة: إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: «حرام بيعها و ثمنها» «5».

و أمّا قوله فيها: و قال: «لا بأس ببيع العذرة» و نحوها رواية محمّد بن مضارب «6»، فلمعارضتهما لعمل المعظم لا تنهضان حجّتين، مع أنّ بعد تعارضهما تبقى العمومات المانعة المتقدّمة خالية عن المعارض.

______________________________

(1) الكافي 6: 260- 1، التهذيب 9: 47- 198، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) المسالك 1: 165.

(3) التذكرة 1: 464.

(4) التهذيب 6: 372- 1080، الاستبصار 3: 56- 182، الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1.

(5) التهذيب 6: 372- 1081، الاستبصار 3: 56- 183، الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2.

(6) الكافي 5: 226- 3، التهذيب 6: 372- 1079، الاستبصار 3: 56- 181، الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 83

و هل يجوز الانتفاع بها نفعا محلّلا بغير بيع- كتربية الزرع و اقتنائها لذلك- أم لا؟

صرّح

الفاضل في المنتهى و القواعد بالأول «1».

و ظاهر الحلّي: الثاني، قال في السرائر: و جميع النجاسات محرّم التصرّف فيها و التكسّب بها على اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة و روث ما لا يؤكل لحمه و بوله «2».

و الأصل مع الأول، و روايتا الرضوي و تحف العقول «3» مع الثاني، إلّا أنّ ضعفهما و عدم ثبوت انجبارهما في المورد- و إن ثبت في غيره- يمنعهما عن دفع الأصل، فالأول هو الأقوى، و لكن مع الكراهة كما في المنتهى «4»، للروايتين.

و أمّا ممّا يؤكل لحمه فيجوز الاكتساب بها مطلقا، وفاقا للأكثر، بل عن السيّد الإجماع عليه «5»، لطهارتها و عظم الانتفاع بها، فيشملها الأصل و العمومات.

و خلافا للمفيد و النهاية و الديلمي و ظاهر الإرشاد «6»، فمنعوا عنه، للاستخباث و عدم الانتفاع، إلّا بول الإبل للاستشفاء مع الضرورة إليه، للإجماع، و النصوص.

______________________________

(1) المنتهى 2: 1010، القواعد 1: 120.

(2) السرائر 2: 219.

(3) مرّتا في ص: 64، 65.

(4) المنتهى 2: 1010.

(5) الانتصار: 201.

(6) المفيد في المقنعة: 587، النهاية: 364، الديلمي في المراسم: 170، الإرشاد 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 84

و يضعّف دليل المنع في المستثنى منه بمنع ملازمة الأول للمنع بعد إمكان الانتفاع به، و منع الثاني وجدانا.

و منها: الخنزير و الكلب

، و حرمة التكسّب بهما إجماعيّة، كما صرّح به جماعة «1»، مضافا إلى كثير من الأخبار المتقدّمة في المسكر الشاملة لهما صريحا أو عموما، و المستفيضة الدالّة على حرمة ثمن الكلب.

كرواية جرّاح المدائني: و نهى عن ثمن الكلب «2».

و صحيحة حريز: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب» «3».

و رواية الوليد العامري: عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال «سحت، و أمّا الصيود فلا بأس» «4».

و موثّقة محمّد:

«ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» «5».

و مرسلة الفقيه: «و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت» «6».

و يستفاد من الأخيرتين- تقييدا- و من سابقتها- صريحا- اختصاص المنع بما عدا كلب الصيد.

و تدلّ عليه أيضا رواية أبي بصير: عن ثمن كلب الصيد، فقال: «لا بأس

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 2: 166 و العلامة في التحرير: 160 و صاحب الرياض 1: 498.

(2) التهذيب 7: 136- 600، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 4.

(3) لم نعثر على كذا نصّ لحريز، و ما في الكافي 5: 126- 2، التهذيب 6:

368- 1061، تفسير القمّي 1: 170، الخصال: 329- 25، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5 مرويّ عن السكوني.

(4) التهذيب 7: 367- 1060، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به 14 ح 7.

(5) التهذيب 6: 356- 1017، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3، و فيه: عن العماري.

(6) الفقيه 3: 105- 435، الوسائل 17: 94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 85

به» «1».

و رواية ليث: عن الكلب الصيود يباع؟ فقال: «نعم، و يؤكل ثمنه» «2».

و هو إجماعيّ أيضا، كما في المنتهى و الغنية و المسالك «3»، و في المهذّب قريب من الإجماع، و قال: و فيه قول بالمنع متروك «4». و هذا صريح في وجود الخلاف، كما أنّ في التذكرة و القواعد «5» إشعارا به، و لكنّه غير مضرّ في الإجماع.

و بذلك يقيّد ما أطلق فيه المنع عن ثمن الكلب، و ليس في النصّ و الفتوى التقييد بالسلوقي كما في المبسوط «6»، و الأصل يدفعه.

و في كلب الماشية و

الحائط و الدار و الزرع قولان:

المنع، و هو للشيخين و القاضي و الغنية و الشرائع «7» و اختاره من المتأخّرين جماعة «8»، و عن الخلاف الإجماع عليه «9»، لإطلاق الأخبار المانعة عموما، أو خصوص الكلب و عدم المخصّص.

و الجواز، و هو للإسكافي و الحلّي و ابن حمزة و أبي علي و الفاضل

______________________________

(1) الفقيه 3: 105- 434، التهذيب 6: 356- 1016، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 5.

(2) التهذيب 9: 80- 343.

(3) المنتهى 2: 1009، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، المسالك 1: 167.

(4) المهذب البارع 2: 347.

(5) التذكرة 1: 464، القواعد 1: 120.

(6) المبسوط 2: 166.

(7) المفيد في المقنعة: 589، الطوسي في النهاية: 364، نقله عن القاضي في المختلف: 341، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، الشرائع 2: 12.

(8) منهم يحيى بن سعيد في نزهة الناظر: 76 و صاحب الحدائق 18: 81.

(9) الخلاف 3: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 86

و التنقيح و المهذّب «1» و اختاره كثير ممّن تأخّر «2».

للأصل، و العمومات.

و الاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوّغ لبيعه.

و لأنّ لها ديات مقدرة.

و لجواز إجارتها، و لا فارق.

و الأولان: مخصّصان بما مرّ.

و الثالث: قياس باطل.

و الرابع: غير دالّ على جواز البيع، لعدم الملازمة، بل ربّما يجعل- كما في المهذب و المسالك «3»- دليلا على المنع.

و الخامس: بثبوت الفارق، و هو وجود المنفعة المحلّلة المصحّح للإجارة.

نعم، قال الشيخ في المبسوط: و روي جواز بيع كلب الماشية و الحائط «4».

و هو و إن كان أخصّ من المطلوب، إلّا أنّه يتمّ بعدم الفصل، فالجواز هو الأقوى، و إن كان المنع أحوط.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في جواز اقتناء هذه الكلاب للحراسة،

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي

في المختلف: 341، الحلي في السرائر 2: 215- 220، ابن حمزة في الوسيلة: 249، الفاضل في القواعد 1: 120، التنقيح 2: 7، المهذب البارع 2: 348.

(2) منهم العلامة في التحرير: 160 و الشهيد في الدروس 3: 168 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 14.

(3) المهذب البارع 2: 348، المسالك 1: 167.

(4) المبسوط 2: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 87

لما مرّ.

و للصحيح: «لا خير في الكلاب إلّا كلب صيد أو ماشية» «1».

و المرويّ في الغوالي: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتل الكلاب في المدينة- إلى أن قال:- فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها، فاستثنى صلّى اللّه عليه و آله كلاب الصيد، و كلاب الماشية، و كلاب الحرث، و أذن في اتّخاذها «2».

و لثبوت الدية لها بالإجماع، و الأخبار.

ففي رواية أبي بصير: «دية الكلب السلوقي أربعون درهما، و دية كلب الغنم كبش، و دية كلب الزرع جريب من بر، و دية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله» «3».

و في رواية السكوني: فيمن قتل كلب الصيد، قال: «يقوّمه، و كذلك البازي، و كذلك كلب الغنم، و كذلك كلب الحائط» «4».

و في مرسلة ابن فضّال: «دية كلب الصيد أربعون درهما، و دية كلب الماشية عشرون درهما، و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطيه، و على صاحبه أن يقبل» «5».

و إثبات الصاحب لها مثبت للملكيّة الموجبة لجواز الاتّخاذ، بل المستفاد

______________________________

(1) الكافي 6: 552- 4، الوسائل 11: 530 أبواب أحكام الدواب ب 43 ح 2.

(2) غوالي اللئالي 2: 148- 414 مستدرك الوسائل 8: 293 أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره ب 35 ح 2.

(3)

الكافي 7: 368- 6، التهذيب 10: 310- 1155، الوسائل 29: 226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2.

(4) الكافي 7: 368- 7، التهذيب 10: 310- 1156، الوسائل 29: 226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 3.

(5) الفقيه 4: 126- 442، الوسائل 29: 227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 88

من الأخيرة- مضافة إلى رواية الغوالي- اتّخاذ مطلق الكلب إذا كان له منفعة، إلّا الكلب العقور، و أنّه خرج بالإجماع و ما دلّ على جواز قتله من الروايات.

و أمّا ما روي في المنتهى من أنّه: «من ربط إلى جنب داره كلبا نقص من عمله كلّ يوم قيراط، و القيراط كجبل احد» «1»، و قريب منه المرويّ من طرق العامّة «2»، مع استثناء كلب الماشية و الزرع و الصيد.

فلضعفهما قاصران عن إثبات التحريم مع عدم ظهورهما فيه، سيّما مع المعارضة لما سبق [1].

و منها: ما يقصد منه المحرّم

، كآلات اللهو من الدفّ و القصب و المزمار و الطنبور، و هياكل العبادات المبتدعة، و آلات القمار من النرد و الشطرنج و غيرهما، و لا خلاف في حرمة بيعها و التكسّب بها، و نقل الإجماع- كما قيل «4»- به مستفيض، بل هو إجماع محقّق، و هو الحجّة فيه، مع ما مرّ من المرويّ من تحف العقول «5».

مضافا إلى قوله سبحانه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «6».

بضميمة ما رواه الشيخ الحرّ في الفصول المهمّة عن عليّ عليه السّلام، أنّه قال:

«كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو ميسر» «7».

______________________________

[1] في «ق» زيادة: بالعموم المطلق.

______________________________

(1) المنتهى 2: 1010.

(2) كما في غوالي اللئالي 1: 143- 66، سنن الترمذي 4: 80- 1489.

(4) انظر

الرياض 1: 499.

(5) المتقدم في ص: 64، 65.

(6) المائدة: 90.

(7) الفصول المهمة 2: 242 أبواب التجارة ب 12 ح 2، و نقله في الوسائل 17: 315 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 15 عن أمالي الشيخ الطوسي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 89

و رواية جابر: «لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ على رسوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية، قيل: يا رسول اللّه، ما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «1».

و صحيحة معمّر: «و كلّ ما قومر عليه فهو ميسر» «2».

و ما في تفسير القمّي: عن الباقر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: «فأمّا الميسر: فالنرد و الشطرنج و كلّ قمار ميسر، و أمّا الأنصاب: فالأوثان التي كان يعبدها المشركون، و أمّا الأزلام: فالأقداح التي كانت تستقسم بها مشركو العرب في الأمور في الجاهليّة، كلّ هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرّم» «3».

و المرويّ في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي: «بيع الشطرنج حرام، و أكل ثمنه سحت، و اتّخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و السلام على اللاهي [بها] معصية كبيرة موبقة، و الخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير» «4».

و المرويّ في الفصول المهمّة: «إنّما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلّها، التي يجني منها أنواع الفساد محضا، نظير: البرابط و المزامير و الشطرنج، و كلّ ملهوّ به، و الصلبان و الأصنام، و ما أشبه ذلك من صناعات

______________________________

(1) الكافي 5: 122- 2، الفقيه 3: 97- 374، التهذيب 6: 371- 1075، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.

(2) الكافي 6: 435- 1، الوسائل 17: 323 أبواب

ما يكتسب به ب 104 ح 1.

(3) تفسير القمي 1: 181، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12، و ليس فيهما: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

(4) مستطرفات السرائر: 59- 29، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 90

الأشربة الحرام، و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه و تعلّمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلّب فيه من جميع الحركات كلّها، إلّا أن تكون صناعة قد تتصرّف إلى بعض وجوه المنافع» [1].

و ضعف بعض تلك الأخبار بالشهرة منجبر، و مقتضى إطلاقها- كإطلاق الفتاوى- حرمة بيعها مطلقا، سواء قصد به المنفعة المحرّمة أو منفعة محلّلة، و في المسالك نفى البعد عن الجواز في الثاني، و قال: إلّا أنّ هذا الفرض نادر، و قد يجعل ندوره سببا لإخراجه عن الإطلاقات «2».

أقول: و في الندور مطلقا منع، فإن الدفّ يمكن الانتفاع به في كثير ممّا ينتفع فيه بالغربال و نحوه، لحفظ المتاع و نقل الغلّات و نحوها، و كذا الجوز.

و التحقيق: أنّ الإجماع- الذي هو أحد الأدلّة- تحقّقه فيما يقصد كثيرا فيه المنفعة المحلّلة و شاعت فيه هذه- كالجوز و الدفّ- غير معلوم، و انجبار الأخبار الغير المعتبرة بالنسبة إليه غير ثابت أيضا، و دلالة المعتبرة فيها على إطلاق الحرمة و حرمة المطلق حتى ما شاعت فيه بهذا القصد غير واضحة، بل الإجماع على خلافه في الجملة واضح كما في الجوز، فالجواز بهذه القصد فيما شاع فيه ذلك أظهر.

و

أمّا ما لا يقصد منه ذلك إلّا نادرا، فإن قلنا بخروجه عن تلك

______________________________

[1] تحف العقول: 245- 250، الوسائل 17: 85 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.

و البربط: شي ء من ملاهي العجم يشبه صدر البط، معرّب بربت، أي: صدر البط، لأنّ الصدر يقال له بالفارسية: بر، و الضارب به يضعه على صدره- مجمع البحرين 4: 238.

______________________________

(2) المسالك 1: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 91

المطلقات- للندور- لجرى مثله في مطلقات التملّك و البيع أيضا، فيخرج منهما جميعا، فلا يكون بيعه صحيحا، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا يكون بذلك القصد محرّما، فتأمّل.

و من هذا يظهر حال الابتياع للكسر، و يأتي إن شاء اللّه زيادة بيان لذلك في كتاب الشهادات.

نعم، لو كسر بحيث يخرج عن الاسم جاز البيع قطعا.

و كما يحرم بيع هذه الأشياء يحرم عملها مطلقا، بلا خلاف بين علمائنا في ذلك كما في المنتهى «1»، للآية «2»، و المرويّين في تحف العقول و الفصول المهمّة «3».

و يحرم أيضا اتّخاذها و اقتناؤها كما صرّح به في التذكرة «4»، للآية، و المرويّين.

مضافا في خصوص الشطرنج إلى المرويّ في المستطرفات و رواية الحسين بن عمر المتقدّمة في المسكر «5».

و في الجميع إلى الرضويّ: «من أبقى في بيته طنبورا أو عودا أو شيئا من الملاهي من المعزفة و الشطرنج و أشباهه أربعين يوما فقد باء بغضب من اللّه، فإن مات في أربعين مات فاجرا فاسقا مأواه النار، و بئس المصير» «6».

و الكلام في الاقتناء للمنفعة المحلّلة يظهر ممّا مرّ.

______________________________

(1) المنتهى 2: 1011.

(2) المائدة: 90.

(3) راجع ص: 64، 65.

(4) التذكرة 1: 582.

(5) راجع ص: 66.

(6) فقه الرضا «ع»: 283، مستدرك الوسائل 13: 218 أبواب ما يكتسب

به ب 79 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 92

و منها: بيع السلاح لأعداء أهل الدين

، مسلمين كانوا أم مشركين.

و حرمته في الجملة إجماعيّة، و هو الحجّة فيها.

مضافا إلى صحيحة الحضرمي: ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج و أداتها؟ فقال: «لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج» «1».

و رواية هند السّراج: عن حمل السلاح إلى أهل الشام، فقال: «احمل إليهم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم- يعني الروم- فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشترك» «2».

و مرسلة السرّاد: إنّي أبيع السلاح، قال: «لا تبعه في فتنة» «3».

و مقتضى تلك الأخبار- مضافا إلى الأصل- اختصاص المنع بحال الحرب- أي حال قيام راياته [و] [1] التهيّؤ له- كما هو مقتضى الأخيرتين، بل حال عدم الصلح و حذر كلّ من الفريقين عن الآخر و إن لم تكن محاربة و لا تهيّؤ لها، كما هو مقتضى الأولى، لأنّها حال المباينة، و هذا هو مختار الحلّي و النافع و المختلف و التحرير و ظاهر المنتهى و الدروس «5».

و ذهب جماعة- منهم: الشيخان و الديلمي و الحلبي و الشرائع

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) الكافي 5: 112- 1، التهذيب 6: 354- 1005، الاستبصار 3: 57- 187، الوسائل 17: 101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1.

(2) الكافي 5: 112- 2، الفقيه 3: 107- 448، التهذيب 6: 353- 1004، الاستبصار 3: 58- 189، الوسائل 17: 101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 2.

(3) الكافي 5: 113- 4، التهذيب 6: 354- 1007، الاستبصار

3: 57- 186، الوسائل 17: 102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 4.

(5) الحلي في السرائر 2: 216، النافع: 116، المختلف: 340، التحرير: 160، المنتهى 2: 1011، الدروس 3: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 93

و التذكرة «1»- إلى إطلاق المنع، اتّباعا لبعض النصوص:

كالصحيح المرويّ في الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر، و في قرب الإسناد للحميري: عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة، قال: «إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس» «2».

و المرويّ في الفقيه في وصيّة النبيّ لعليّ عليه السّلام: «كفر باللّه العظيم من هذه الأمّة عشرة أصناف»، و عدّ منهم بائع السلاح لأهل الحرب «3».

و أجيب: بأنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما مرّ، مع معارضتهما لإطلاق الجواز في ظاهر رواية الصيقل: إنّي رجل صيقل أشتري السيوف و أبيعها من السلطان، أ جائز لي بيعها؟ فكتب: «لا بأس به» «4».

أقول: الروايتان مطلقتان واردتان في المشركين و أهل الحرب، و اختصاص الأول بالكفّار ظاهر، و كذا الثاني، لأنّهم المراد من أهل الحرب، كما يظهر من المهذّب و غيره.

و يدلّ عليه إطلاق الفقهاء طرّا الحربيّ على غير الذمّي من الكفّار، و لذا يقال لبلاد المشركين: دار الحرب.

و على هذا، فلا تعارض بين هذه و بين الأوليين من الروايات المتقدّمة، لتباين الموضوعين.

و أمّا الثالثة و إن كان موضوعها أعمّ من وجه من موضوع هذه، و لكن

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 588، الطوسي في النهاية: 365، الديلمي في المراسم:

170، الحلبي في الكافي: 282، الشرائع 2: 9، التذكرة 1: 582.

(2) قرب الإسناد: 264- 1047 بتفاوت يسير، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 6.

(3) الفقيه 4: 257- 821، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8

ح 7.

(4) التهذيب 6: 382- 1128، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 94

لا تعارض بينهما حقيقة، إذ المنع عن البيع في حال الفتنة لا يدلّ على الجواز في غيرها.

و على هذا، فالمنع مطلقا في الكفّار و في حال المباينة في أعداء الدين من المسلمين أقوى و أظهر.

و صرّح في المهذّب بأنّ التفصيل إنّما هو في ذلك، قال: بيع السلاح لأهل الحرب لا يجوز إجماعا، و أمّا أعداء الدين- كأصحاب معاوية- هل يحرم بيع السلاح منهم مطلقا أو في حال الحرب خاصّة «1»؟ انتهى.

هذا، و أمّا غير أعداء الدين من فرق المسلمين المحاربين للمسلمين فلا شكّ في عدم لحوقهم بالكفّار، فيجوز البيع منهم في حال عدم الحرب.

و الظاهر من جماعة إلحاقهم بأعداء الدين من فرق المسلمين «2»، لتعميم المنع في كلّ فتنة في المرسلة، و لاستلزامه معونة الظالم و الإعانة على الإثم المحرّمين.

أقول: الظاهر من الروايات المنع عن البيع من أعداء الدين في حال المباينة مطلقا، سواء تهيّؤا للحرب و أرادوا الشراء لخصوص المحاربة معهم أو لا، و سواء كان البيع بقصد المساعدة أم لا.

و أمّا غيرهم من فرق المسلمين فلا دليل فيهم على هذا التعميم، بل و كذلك في سائر فرق الشيعة المباينين للإماميّة، فالتخصيص فيهم- بما إذا قصد المتبايعين حرب المسلم حتى تصدق المعونة على الظلم و الإثم، أو كان حال الحرب و الفتنة- هو الصواب.

______________________________

(1) المهذب البارع 2: 350.

(2) انظر الحدائق 18: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 95

و هل يحرم بيع ما يعدّ جنّة لهم أيضا- كالسلاح- أم لا؟

قيل بالأول، لظاهر رواية هند «1».

و قيل بالثاني «2»، لصحيحة محمّد بن

قيس: عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل، أبيعهما السلاح؟ فقال: «بعهما ما يكنّهما، الدرع و الخفّين» «3».

و دلالة الأولى مختصّة بما إذا علم به الاستعانة علينا، و الثانية بما إذا كان حين التقاء الفئتين الباطلتين، فيمكن أن يكون ذلك لأجل الحفظ عن القتل، فإنّه من الباطل غير جائز، و لكن الأصل مع الثانية.

و هو- في غير مورد الاولى، و غير ما إذا قصد به محافظتهم عن المسلمين- خال عن المعارض، فالصحيح الجواز، إلّا مع العلم بأنّهم يريدون الاستعانة على المسلمين أو قصد حفظهم عنهم.

و يحرم بيع السرج أيضا حال المباينة.

و منها: الإجارة و البيع- بل كلّ معاملة و تكسّب- للمحرّم

، كإجارة المساكن و الحمولات للخمر، و ركوب الظلمة و إسكانهم للظلم، و بيع العنب و التمر و غيرهما ممّا يعمل منه المسكر ليعمل خمرا، و الخشب ليعمل صنما أو بربطا.

و الظاهر أنّ حرمته إذا شرطا المحرّم في العقد أم حصل اتّفاقهما عليه.

و الحاصل: أن يكون المحرّم هو غاية البيع و المقصود منه ممّا لا خلاف فيها، و عليه في المنتهى الإجماع «4»، و هو الحجّة فيه، مع كونه

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 500.

(2) انظر النهاية: 366.

(3) الكافي 5: 113- 3، التهذيب 6: 354- 1006، الاستبصار 3: 57- 188، الوسائل 17: 102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 3.

(4) المنتهى 2: 1011.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 96

بنفسه فعلا محرّما لما بيّنا في موضعه: أنّ فعل المباح بقصد التوصّل به إلى الحرام محرّم، و مع أنّه معاونة على الإثم المحرّم كتابا و سنّة و إجماعا.

و قد يستدلّ برواية جابر: عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر، قال: «حرام أجرته» «1».

و رواية عمرو بن حريث- الصحيحة عن السرّاد و أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ

عنهما-: عن بيع التوت [1] أبيعه يصنع به الصليب و الصنم؟

قال: «لا» «3».

و صحيحة ابن أذينة، و فيها: عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ صلبانا، قال: «لا» «4»، و اختصاصها بموارد خاصّة غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و فيه: أنّ هذه الروايات تتعارض مع إطلاق الروايات الآتية، و لا ترجيح، و ترجيح هذه الثلاث في بعض صورها- و هو صورة الشرط- بموافقة الكتاب لا يصلح ترجيحا لأصل الرواية.

و توهّم كونها أخصّ مطلقا من الآتية- لاختصاص الآتية بغير صورة الشرط إجماعا- فاسد، لأنّه لا يجعل الرواية خاصّة، كما بيّنا في كتاب عوائد الأيام.

______________________________

[1] التوت: شجر معروف- مجمع البحرين 4: 8.

______________________________

(1) الكافي 5: 227- 8، التهذيب 6: 371- 1077، الاستبصار 3: 55- 179، الوسائل 17: 174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1 و فيه: عن صابر.

(3) الكافي 5: 226- 5، و فيه: عمر بن جرير، التهذيب 6: 373- 1084، الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 2، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 5: 226- 2، التهذيب 2: 373- 1082، الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 97

و إن لم يشترطا ذلك و لم يتّفقا عليه، فإمّا لا يعلم أنّه يعمل منه المحرّم، أو يعلم.

فإن لم يعلم، فإمّا ليس المشتري من عهد منه عمل ذلك، أو يكون كذلك.

فإن لم يكن فلا يحرم البيع منه و لا يكره مع عدم الظنّ إجماعا، و معه على الأصحّ، و إن كان فيكره.

خلافا للمحكيّ عن بعضهم، فحرّمه.

أمّا عدم الحرمة في جميع ما ذكر فبعد الإجماع في البعض، بل في الجميع كما هو الظاهر عن المنتهى «1»، و الأصل، المستفيضة

من الأخبار:

كصحيحة رفاعة: عن بيع العصير ممّن يخمّره، فقال: «حلال، أ لسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شرابا خبيثا؟!» «2».

و صحيحة ابن أبي عمير: عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا، فقال:

«بعه ممّن يطبخه أو يجعله خلّا أحبّ إليّ، و لا أرى بالأول بأسا» «3».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن بيع العصير ممّن يجعله حراما، فقال:

«لا بأس به، تبيعه حلالا و يجعله ذلك حراما» «4».

و صحيحة أبي المعزى: كان لي أخ فهلك و ترك في حجري يتيما، و لي أخ يلي ضيعة لنا، و هو يبيع العصير ممّن يصنعه خمرا، و يؤاجر

______________________________

(1) المنتهى 2: 1010.

(2) التهذيب 7: 136- 603، الاستبصار 3: 105- 370، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8.

(3) التهذيب 7: 137- 605، الاستبصار 3: 106- 375 و فيهما: أو يصنعه ..، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 9.

(4) الكافي 5: 231- 6، التهذيب 7: 136- 604، الاستبصار 3: 105- 371، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 98

الأرض بالطعام، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟

- إلى ان قال:- «و أمّا بيع العصير ممّن يصنعه خمرا فليس به بأس، خذ نصيب اليتيم منه» «1» و صحيحة ابن أذينة: عن الرجل يؤاجر سفينته و دابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير، فقال: «لا بأس» «2».

و صحيحته الأخرى: عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ منه برابط، فقال: «لا بأس به» «3».

و رواية يزيد بن خليفة: إنّ لي الكرم، قال: «تبيعه عنبا»، قال: فإنّه يشتريه من يجعله خمرا، قال: «بعه إذن عصيرا» قال: إنّه

يشتريه منّي عصيرا فيجعله خمرا في قربتي، قال: «بعته حلالا فجعله حراما فأبعده اللّه» «4».

و رواية سماعة: قال: «لا يصلح لباس الحرير و الديباج، فأمّا بيعه فلا بأس به» «5» و تدلّ عليه أيضا الروايات المجوّزة لبيع المائع النجس و العجين النجس ممّن يستحلّ الميتة «6».

______________________________

(1) التهذيب 7: 196- 866، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 7.

(2) الكافي 5: 227- 6، التهذيب 6: 372- 1078، الاستبصار 3: 55- 180، الوسائل 17: 174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.

(3) الكافي 5: 226- 2، التهذيب 6: 373- 1082، الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.

(4) التهذيب 7: 137- 610، الاستبصار 3: 106- 373، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 10.

(5) التهذيب 7: 135- 598، الوسائل 17: 302 أبواب ما يكتسب به ب 97 ح 1.

(6) انظر الوسائل 1: 242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1، و الوسائل 17: 99 أبواب ما يكتسب به ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 99

و هذه الروايات و إن كانت معارضة للثلاث الأولى، إلّا أنّ لعدم الترجيح يرجع إلى التخيير أو الأصل، و هما يفيدان الجواز.

و أمّا الكراهة في الأخير فلصحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة «1».

و إن علم أنّه يعمل منه المحرّم فالمشهور- كما قيل- عدم الحرمة، و يدلّ عليه الأصل و إطلاقات الروايات المتقدّمة.

و صحيحة البزنطي: «لو باع ثمرته ممّن يعلم أنّه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس» «2».

و رواية أبي كهمش: «هو ذا نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا» «3».

و صحيحة ابن أذينة المتقدّمة في التكسّب بالمسكر «4».

و صرّح في المبسوط و

المختلف و المسالك بالحرمة «5»، لإطلاق رواية جابر و تالييها «6».

و لكونه مساعدة و إعانة على الإثم المحرّم قطعا.

و للزوم النهي عن المنكر، فإذا علمنا بعمله يجب علينا زجره عنه.

و يمكن أن يجاب عن الأول: بأنّها معارضة مع الأخبار الأخيرة، فلو

______________________________

(1) في ص 97.

(2) الكافي 5: 230- 1، و في التهذيب 7: 138- 611، و الاستبصار 3:

106- 374: خمرا حراما، الوسائل 17: 229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1.

(3) الكافي 5: 232- 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6، و فيهما: عن أبي كهمس.

(4) راجع ص: 64.

(5) المبسوط 2: 138، المختلف: 388، المسالك 1: 165.

(6) راجع ص: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 100

فرضنا عدم الترجيح للأخيرة- بكثرتها و صحّتها و ظهور دلالتها و معاضدتها بالشهرة، بل بعموم: «أحلّ اللّه البيع»- يتساقطان، فيرجع إلى عموم حلّية البيع.

و عن الثاني: بمنع كونه إعانة على الإثم، و إنّما هي إذا كان مقصود البائع منه أيضا ذلك العمل، كما بيّنا في موضعه، و صرّح به الفاضلان الأردبيلي و السبزواري «1».

و عن الثالث: بأنّ الثابت عن النهي عن المنكر هو المنع قولا، لأنّه حقيقة النهي، أو ما ثبت وجوبه زائدا عليه أيضا- كالضرب و نحوه- و ليس ما نحن فيه نهيا عن المنكر حقيقة، و لم يثبت وجوب غيره بحيث يشمل المورد أيضا.

و إذن، فالأقوى هو الجواز.

فإن قيل: إنّ من صورة العلم أن يعلم أنّ المشتري يشتريه لأجل ذلك و إن لم يكن البيع كذلك، و لا شكّ أنّ الشراء بهذا القصد محرّم و النهي موجب لفساده المستلزم لفساد البيع.

قلنا: لمّا كانت دلالة النهي في المعاملات على الفساد عندنا شرعيّة، فيحصل

التعارض بين دليله و بين تلك الروايات المصحّحة للبيع المستلزم لصحّة الشراء، و لكون تلك الروايات أخصّ مطلقا تخصّص بها أدلّة الفساد.

و ممّا ذكر ظهر الحكم في مثل: بيع الحرير للرجل و بيع أواني الذهب و الفضّة، و كذلك صنعتها و الأجر لصنعتها، لعدم ثبوت حرمة أصل صنعتها.

نعم، يحرم إعطاء الأجر لعمل الصور المجسّمة، لأنّه بنفسه حرام.

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 51، السبزواري في كفاية الاحكام: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 101

و منها: المسوخ و السباع، أمّا الأولى فأكثر الأصحاب على عدم جواز التكسّب بها «1»، إمّا لتحريم اللحم كما قيل «2»، أو عدم الانتفاع، أو النجاسة.

و الكلّ ضعيف، لمنع الملازمة في الأول.

و منع الملزوم في الثانيين، فإنّ منها ما ينتفع به نفعا بيّنا، كالفيل للانتفاع بعظمه و الحمل عليه، بل كذلك جميعها لو قلنا بوقوع التذكية عليها، فيشملها الأصل و العمومات.

فالحقّ فيها- وفاقا لأكثر المتأخّرين من أصحابنا «3»- جواز التكسّب بها مع الانتفاع المعتدّ به عند العقلاء.

نعم، في رواية مسمع: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القرد أن يباع أو يشترى» «4»، و إطلاقها يشمل ما لو قصد به الانتفاع المحلّل أيضا، كحفظ المتاع.

و الأقرب: المنع فيها خاصّة مطلقا، و الرواية و إن كانت ضعيفة سندا إلّا أنّه غير ضائر عندنا، و الإجماع المركّب غير ثابت، مع إمكان القول بأنّ النفع المحلّل من القردان نادر، فإطلاق المنع إليه غير منصرف.

و أمّا الثانية، ففيها أقوال:

______________________________

(1) منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 2: 166 و الخلاف 3: 184، المحقّق في النافع: 116.

(2) الخلاف 3: 184 و انظر التنقيح 2: 10.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 165.

(4) الكافي 5: 227-

7، التهذيب 7: 134- 594، الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 102

المنع مطلقا، و هو منقول عن العماني «1».

و المنع في غير الفهود، نقله في المهذّب عن أكثر المتقدّمين و النهاية و الخلاف و الديلمي «2».

و في غير الفهد و سباع الطير، و هو محكي عن المفيد «3».

و الجواز مطلقا، و هو مذهب الحلّي و الفاضلين «4» و أكثر المتأخّرين «5».

و الجواز إلّا فيما لا ينتفع به، كالسبع و الذئب، حكي عن المبسوط «6».

و يظهر من التذكرة أنّ استثناء الهرّ إجماعيّ بين العلماء «7» و كيف كان، فالحقّ الجواز مطلقا، لطهارتها و الانتفاع بها نفعا معتدّا به، فتشملها الأصول و العمومات.

مضافا إلى صحيحة عيص: عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال: «نعم» «8».

و صحيحة محمّد و البصري: «لا بأس بثمن الهرّ» «9».

و قد يستدلّ على الجواز في الأولى أيضا بالروايات المجوّزة لبيع

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 340.

(2) المهذب البارع 2: 351.

(3) المقنعة: 589.

(4) الحلي في السرائر 2: 220، المحقق في الشرائع 2: 10 و النافع: 116، العلّامة في القواعد 1: 120 و التذكرة 1: 464.

(5) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 404 و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2: 10 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 19.

(6) المبسوط 2: 166.

(7) التذكرة 1: 464.

(8) الكافي 5: 226- 4، التهذيب 6: 373- 1085، الوسائل 17: 170 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 1.

(9) التهذيب 6: 356- 1017، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 103

عظام الفيل و العاج «1»،

و في الثانية بالأخبار المصرّحة بجواز بيع جلود النمر و السباع «2».

و هو حسن من جهة أنّ أقوى مستند المانع عدم الانتفاع، و هي مثبتة له، و إلّا فلا دلالة لجواز بيع بعض الأجزاء على جواز بيع الكلّ، كما في الميتة بالنسبة إلى أجزائها العشرة.

و منها: ما لا ينتفع به أصلا

، و ستظهر جليّة الحال فيه في كتاب البيع.

و منها: القمار بالآلات المعدّة له

، كالنرد، و الشطرنج، و الأربعة عشر [1]، و اللعب بالخاتم و الجوز و البيض، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المنتهى «4» و غيره «5» الإجماع عليه، و هو الحجّة في المقام، و عليه المعوّل.

و قد يستدلّ أيضا بالأخبار، كالصحيح: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ «6»، فقال: «كانت قريش يقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم اللّه عزّ و جلّ عن ذلك» «7».

و رواية جابر: «لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ «8»

______________________________

[1] الأربعة عشر: الصفّان من النقر يوضع فيها شي ء يلعب فيه، في كلّ سبع نقر محفورة- مجمع البحرين 3: 406.

______________________________

(1) الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2 و 3.

(2) الوسائل 17: 172 أبواب ما يكتسب به ب 37 و 38 ح 5 و 1.

(4) المنتهى 2: 1012.

(5) كالرياض 1: 504.

(6) البقرة: 188.

(7) الكافي 5: 122- 1، الوسائل 17: 164 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 1.

(8) المائدة: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 104

قيل: يا رسول اللّه ما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «1».

و صحيحة معمّر: «النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كلّ ما قومر به فهو ميسر» «2».

و فيه: أنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية الاولى هو النهي عن القمار بالأهل و المال لا مطلقه، و أمّا الأخيرتان فلا تدلّان إلّا على حرمة ما تقومر به دون أصل القمار.

و أمّا رواية الوشّاء: «الميسر هو القمار» «3»، ففيها: أنّه إن أريد من القمار ما قومر به لم يفد،

و إن أريد المعنى المصدري يكون مخالفا لما فسّر الميسر به في غيرها، فإن حكمنا بالاشتراك أو الحقيقة أو المجاز لم يمكن حمل الآية عليهما، لعدم استعمال اللفظ في المعنيين، و لا على أحدهما، لعدم التعيين، و كذا إن حكمنا بالتعارض.

ثمَّ الظاهر أنّ القمار يكون في كلّ لعب جعل للغالب أجر مطلقا، أو إذا كان بما أعدّ لذلك عند اللاعبين، و قد وقع التصريح ببعض أنواعه في الروايات المتقدّمة و الآتية.

ثمَّ ما يترتّب عليه من الأجر لا يملك، بل هو سحت و إن وقع من غير المكلّف، لرواية إسحاق بن عمار: الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون، فقال: «لا تأكل منه، فإنّه حرام» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 122- 2، الفقيه 3: 97- 374، التهذيب 6: 371- 1075، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.

(2) الكافي 6: 435- 1، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 124- 9، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 3.

(4) الكافي 5: 124- 10، التهذيب 6: 370- 1069، الوسائل 17: 166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 105

و رواية السكوني: كان ينهى عن الجوز يجي ء به الصبيان من القمار أن يؤكل، و قال: «هو سحت» «1».

فيجب ردّه إلى المالك إن عرف، و التصدّق إن جهل، و الصلح إن انحصر بين معيّنين.

و هل يحرم اللعب بالآلات المعدّة له من غير قمار؟

لا إشكال في تحريم الشطرنج و النرد كما صرّح به الصدوق «2»، بل لا خلاف فيه.

ففي رواية الشحّام: «الرجس من الأوثان: الشطرنج» «3».

و في رواية عمر بن يزيد:

«يغفر اللّه في شهر رمضان إلّا لثلاثة» «4» و عدّ منها صاحب الشاهين، و فسّره في روايته الأخرى بالشطرنج «5».

و في رواية أبي بصير: «الشطرنج و النرد هما الميسر» «6».

و في رواية عبد الملك القمّي- بعد السؤال عن الميسر-: «هي الشطرنج»، قال: فقلت: إنّهم يقولون إنّها النرد، قال: «و النرد أيضا» «7».

و قال في الفقيه- بعد جعله النرد أشدّ من الشطرنج-: فأما الشطرنج فإنّ اتّخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و تعليمها كبيرة موبقة، و السلام على

______________________________

(1) الكافي 5: 123- 6، الفقيه 3: 97- 375، التهذيب 6: 370- 1070، تفسير العياشي 1: 322- 116، الوسائل 17: 166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 6.

(2) المقنع: 154.

(3) الكافي 6: 435- 2، الفقيه 4: 41- 135، الوسائل 17: 318 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 1.

(4) الكافي 6: 436- 10، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 6.

(5) الكافي 6: 435- 5، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 4.

(6) الكافي 6: 435- 3، الوسائل 17: 324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 2.

(7) الكافي 6: 436- 8، الوسائل 17: 324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 106

اللاهي بها معصية، و مقلّبها كمقلّب لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر [إلى ] فرج امّه [1]. انتهى.

و بهذه الأحكام صرّح في الأخبار.

و أمّا في غيرهما فيشكل الحكم بالتحريم، بل الأصل مع عدمه.

و منها: عمل الصور

، و هي أقسام، لأنّها إمّا صورة ذي روح أو غيره، و على التقديرين إمّا مجسّمة أو منقوشة، فالأولى حرام عمله مطلقا بلا خلاف أجده، و ادّعى الأردبيلي الإجماع عليه، و

كذا الكركي و نفى الريب عنه «2»، و في [الكفاية] [2] نفى العلم بالخلاف فيه.

و تدلّ عليه أيضا المستفيضة، منها: الصحيح المرويّ في المحاسن:

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر، فقال: «لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان» «4».

و تضعيف دلالته- بأنّ ثبوت البأس أعمّ من الحرمة- ضعيف، لأنّ البأس حقيقة في الشدّة و العذاب، و هما في غير الحرام منفيّان.

و المرويّ في الخصال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من صوّر صورة عذّب و كلّف أن ينفخ فيها و ليس بفاعل» «5».

و فيه و في ثواب الأعمال صحيحا عن عبد اللّه بن مسكان- المجمع

______________________________

[1] الفقيه 4: 42، و ما بين المعقوفين في النسخ: في، و ما أثبتناه من المصدر.

[2] بدل ما بين المعقوفين في «ح»: لف، و في «ق»: يق، و الظاهر أنّه تصحيف:

كف- رمز الكفاية-، حيث إن العبارة غير موجودة في المختلف و الحدائق، لكنها موجودة في الكفاية: 85.

______________________________

(2) جامع المقاصد 4: 23.

(4) المحاسن: 619- 54، الوسائل 17: 296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 3.

(5) الخصال 1: 109- 77، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 107

على تصحيح ما يصحّ عنه- بإسناده عن الصادق عليه السّلام: قال: «ثلاثة يعذّبون يوم القيامة: من صوّر صورة من الحيوان يعذّب حتى ينفخ فيها و ليس بنافخ» «1».

و مرسلة ابن أبي عمير: «من مثّل تمثالا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح» «2».

و حسنة حسين بن المنذر: «ثلاثة معذّبون يوم القيامة» و عدّ منهم:

«رجل صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ» «3».

و قريب

منها المرويّ في الفقيه في حديث المناهي، و فيه أيضا:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن التصاوير» «4».

و المرويّ في تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد:

«و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني فحلال تعلّمه و تعليمه» «5»، و يقربه الرضوي «6».

و في الفقيه: «من حدّد قبرا أو مثّل مثالا خرج عن الإسلام» «7».

______________________________

(1) الخصال 1: 108- 76، ثواب الأعمال: 223، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 7.

(2) الكافي 6: 527- 4، المحاسن: 615- 42، الوسائل 5: 304 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 2.

(3) الكافي 6: 528- 10، المحاسن: 615- 44، الوسائل 5: 305 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 5.

(4) الفقيه 4: 3- 1، الوسائل 17- 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6.

(5) تحف العقول: 335، المحكم و المتشابه: 46- 49، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(6) فقه الرضا عليه السّلام: 301، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(7) الفقيه 1: 120- 579، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 108

و تلك الأخبار و إن كان بعضها ضعيفا دلالة- [كالرابعة] [1]، حيث إنّ بمجرد التكليف بالنفخ لا يثبت التحريم. و الأخيرة، حيث إنّ الخروج فيها ليس باقيا على حقيقته بالإجماع- و لكنّها صالحة مؤيّدة للبواقي، و ضعف بعضها سندا غير ضائر عندنا، كما بيّنا مرارا.

و أمّا البواقي، فقد وقع الخلاف فيها، فالثانية محرّمة عند الحلّي و القاضي و شيخنا الشهيد الثاني «2» و بعض آخر «3». و جوّزها جماعة «4»، بل قيل: إنّه

الأشهر «5».

و الأول هو الأظهر، لإطلاق النصوص المتقدّمة، و خصوص حديث المناهي المرويّ في الفقيه: «و نهى عن نقش شي ء من الحيوان على الخاتم» «6».

و رواية أبي بصير: «يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام و ينهى عن تزويق البيوت» فقال أبو بصير: فقلت: و ما تزويق البيوت؟ فقال: «تصاوير التماثيل» «7».

و ظاهر أنّ التزويق إنّما هو في النقوش، للمجوّز الأصل، و الروايات

______________________________

[1] في النسخ: كالثالثة، و الظاهر ما أثبتناه، و هي مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة في ص 107.

______________________________

(2) الحلي في السرائر 2: 215، القاضي في المهذب 1: 344، الشهيد الثاني في الروضة 3: 212 و المسالك 1: 165.

(3) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 281 و صاحب الحدائق 18: 100.

(4) منهم السبزواري في الكفاية: 85 و صاحب الرياض 1: 501.

(5) الرياض 1: 501.

(6) الفقيه 4: 5- 1، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6.

(7) الكافي 6: 526- 1، المحاسن: 614- 37، الوسائل 5: 303 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 109

المعتبرة المرخّصة للجلوس و الوطء على الفرش المصوّرة «1».

و الأصل مندفع بما مرّ. و الروايات غير دالّة، لعدم الملازمة بين رخصة الجلوس و جواز العمل، مع احتمال حملها على غير ذوات الأرواح، و معارضتها بالموثّق: يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل، فقال: «الأعاجم تعظّمه و إنّا لنمقته» «2».

و لا يشترط في صدق صورة الحيوان أو ذي الروح وجود ما يطابقها عرفا شخصا أو نوعا في الخارج، بل يكفي كونها بحيث يقال عرفا أنّها صورة الحيوان، لأنّ معنى صورة الحيوان أو ذي الروح: الصورة المختصّة به، و المراد شيوع الاختصاص و تعارفه و جريان

العادة به، فلو صوّر صورة حيوان لم يعلم وجود نوعه، و لكن كان بحيث لو فرض وجود مطابقه لكان من الحيوان بحسب العادة، كان محرّما.

و البواقي مجوّزة عند الأكثر، و هو الأقوى، للأصل، و اختصاص أكثر الأخبار المتقدّمة صريحا أو ظاهرا بذوات الأرواح، مضافا إلى تصريح صحيح المحاسن و المرويّ في التحف و أخويه بحلّية غيرها.

و في الموثّق: في قول اللّه عزّ و جلّ يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ «3» فقال: «و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنّها الشجر و شبهه» «4».

______________________________

(1) الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4.

(2) الكافي 6: 477- 7 و فيه: لنمتهنه، بدل: لنمقته، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 1.

(3) سبأ: 12.

(4) الكافي 6: 527- 7، المحاسن: 618- 53، الوسائل 17: 295 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 110

و في المحاسن في الصحيح: «لا بأس بتماثيل الشجر» «1».

و بهذه الأخبار يقيّد بعض المطلقات، الذي هو الحجّة لمن خالف و حرّم، كما حكي عن الحلبي «2».

و هل يحرم إبقاء ما يحرم عمله فتجب إزالته، أم لا؟

الظاهر هو: الثاني، سيّما فيما توجب إزالته الضرر، للأصل، و عدم استلزام حرمة العمل حرمة الإبقاء، و الروايات المطلقة الدالّة على استحباب تغطّي التماثيل الواقعة تجاه القبلة، و نافية البأس عن الواقعة يمينا و شمالا، و المكرهة عن مصاحبتها في الصلاة «3».

و خصوص صحيحة الحلبي: قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ربّما قمت فأصلّي و بين يديّ الوسادة، و فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا» «4».

و أمّا حسنة زرارة: «لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا

غيّرت رؤوسها منها و ترك ما سوى ذلك» «5».

و رواية السكوني: قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلّا محوتها، و لا قبرا إلّا سوّيته، و لا كلبا إلّا قتلته» «6».

______________________________

(1) المحاسن: 619- 55، الوسائل 17: 269 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2.

(2) الكافي في الفقه: 281.

(3) الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32.

(4) التهذيب 2: 226- 892، الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32 ح 2.

(5) الكافي 6: 527- 8، المحاسن: 619- 56، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3.

(6) الكافي 6: 528- 14، المحاسن: 613- 34، الوسائل 5: 306 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 111

فمحمولتان على الاستحباب جمعا، مع أنّ اللّازم- على فرض بقاء التعارض و عدم المرجّح- الرجوع إلى الأصل، و هو مع الجواز، و المستفاد من الحسنة انتفاء كراهة الإبقاء بتغيّر الرأس، و لا بأس به.

و هل يجوز ابتياع ما يحرم عمله أو ما فيه ذلك؟

الأقوى: نعم، للأصل، إلّا إذا كان إعانة على عمله، فيحرم.

و أمّا أجر عمل المحرّم من الصور فالظاهر من كلماتهم الحرمة، فإن ثبت الإجماع فيه بخصوصه أو في أجر كلّ محرّم فهو المتّبع، و إلّا ففي تحريم أخذه نظر، و إن كان إعطاؤه محرّما لكونه إعانة على الإثم.

و منها: السحر

، و الظاهر أنّه لا خلاف في تحريمه، سواء كان أمرا حقيقيّا أو تخيّليّا، و في كلام جماعة الإجماع عليه «1»، بل نسب إلى شريعة الإسلام «2»، و في الخلاف بلا خلاف «3»، و هو الحجّة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:

ففي رواية:

«ساحر المسلمين يقتل»، و فيها: «السحر و الشرك مقرونان» «4».

و في أخرى: «يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أمّ رأسه» «5».

و في ثالثة: «حلّ دمه» «6».

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 2: 1014 و السبزواري في الكفاية: 87.

(2) كما في الإيضاح 1: 405، التنقيح 2: 12.

(3) الخلاف 2: 434.

(4) الكافي 7: 260- 1، الفقيه 3: 371- 1752، التهذيب 10: 147- 583، العلل: 546- 1، الوسائل 17: 146 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2 و ج 18:

576 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 1.

(5) الكافي 7: 260- 2، التهذيب 10: 147- 584 بتفاوت يسير، الوسائل 28:

366 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 3.

(6) التهذيب 10: 147- 585، الوسائل 28- 367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 112

و في رابعة: «من تعلّم من السحر شيئا كان آخر عهده بربّه، و حدّه القتل» «1».

و في خامسة: «الساحر كافر» «2».

و ظاهرها التحريم مطلقا.

و قد استثني السحر للتوقّي و دفع المتنبّي، بل في الدروس و الروضة «3» و غيرهما «4»: أنّه ربما وجب كفاية لذلك.

و استدلّوا عليه بضعف الروايات، فيقتصر منها على ما حصل الانجبار بالنسبة إليه.

و بقول الصادق عليه السّلام في رواية عيسى بن سيف- بعد اعترافه بالسحر و التوبة و استفساره عن المخرج-: «حلّ و لا تعقد» «5».

و روايتي العلل و العيون، ففي الأولى: «توبة الساحر أن يحلّ و لا يعقد» «6».

و في الثانية: «كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموّهون، فبعث اللّه تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم و يردّ به كيدهم، فتلقّاه النبيّ من الملكين و أدّاه

إلى عباد اللّه بأمر اللّه [فأمرهم ] أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به

______________________________

(1) التهذيب 10: 147- 586، الوسائل 28: 367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 2.

(2) دعائم الإسلام 2: 482، المستدرك 13: 107 أبواب ما يكتسب به ب 22 ح 6.

(3) الدروس 3: 164، الروضة 3: 215.

(4) كالحدائق 18: 171.

(5) الكافي 5: 115- 7، الفقيه- 3: 110- 463، التهذيب 6: 364- 1043، الوسائل 17: 145 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 1، بتفاوت في السند.

(6) العلل: 546- ذ. ح 1، الوسائل 17: 147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 113

الناس» الحديث «1».

و بأنّ الضرورات تبيح المحظورات كما ورد، و يثبته نفي الضرر و الحرج في الدين.

و فيه: أنّ الروايات و إن كانت ضعافا، إلّا أنّها أيضا حجّة عندنا كالصحاح. و تلك الأخبار لا تدلّ على جواز السحر، لإمكان الحلّ و الإبطال بغير السحر من القرآن و الذكر و التعويذ، كما استفاضت به الروايات، و يرشد إليه قوله في الأخيرة: «و نهاهم أن يسحروا» على سبيل الإطلاق. و عدم تأثير القرآن و الدعاء في بعض الأوقات لقصورنا، فلا يوجب حرجا لو منعنا من الحلّ بالسحر.

و بهذا يظهر أنّه لا ضرورة مبيحة للسحر و لا يتوقّف دفع الضرر و رفع الحرج عليه، كذا قيل.

و يمكن أن يخدش فيه: بأنّه قد لا يحلّ ببعض الآيات و الأدعية، و كما يمكن أن يكون ذلك لقصورنا يمكن أن يكون لعدم صحّة الرواية، و حجّيّة الآحاد في الأحكام لا توجب حجّيتها و ثبوتها في أمثال ذلك أيضا، فلا يكون بدّ من الحلّ بالسحر، و لو

لم تبح الضرورات لأجل ذلك لم يحلّ محرّم بضرورة.

ثمَّ السحر عرّف تارة بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله.

و اخرى به، مع زيادة العمل في الجنس و تبديل الضرر بالأثر و إضافة القلب.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 208- 1، الوسائل 17: 147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 4، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 114

و ثالثة بالثاني، مع اشتراط عدم المباشرة له.

و رابعة بالثالث، مع زيادة العقد و الرقى في الجنس.

و خامسة بأنّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة و أسباب خفيّة.

و سادسة باستحداث الخوارق، سواء كان بالتأثير النفساني، أو الاستعانة بالفلكيّات فقط، أو بتمزيج قواها بالقوى الأرضيّة، أو بالاستعانة بالأرواح الساذجة.

و لا يخفى أن كلّا منها منتقضة إمّا في الطرف أو العكس أو فيهما، لورود النقض بما يؤثّر في متعلّقات المسحور- كداره أو ولده أو ماله- أو ما يوجب حدوث أمر غريب من غير تأثير في شخص، و بالسحر عملا، و بالدعوات المستجابة و التوسّل بالقرآن و الأدعية، و بالمعجزة و التوصّل إلى الأمور الغريبة باستعمال القواعد الطبيعيّة، إلى غير ذلك.

و لم أعثر على حدّ تامّ في كلماتهم.

و المرجع في معرفته و إن كان هو العرف- كما هو القاعدة و صرّح به في المنتهى «1»- إلّا أنّه فيه أيضا غير منقّح.

و الذي يظهر من العرف و التتبّع في موارد الاستعمال أنّه عمل يوجب حدوث أمر منوط بسبب خفي غير متداول عادة، لا بمعنى أنّ كلّما كان كذلك هو سحر، بل بمعنى أنّ السحر كذلك.

و توضيح ذلك: أنّ ذلك تارة يكون بتقوية

النفس و تصفيتها حتى يقوى على مثل ذلك العمل، كما هو دأب أهل الرياضة و عليه عمل أهل

______________________________

(1) المنتهى 2: 1014.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 115

الهند.

و أخرى باستعمال القواعد الطبيعيّة أو الهندسيّة أو المداواة العلاجيّة، و هو المتداول عند الافرنجيّين.

و ثالثة بتسخير روحانيّات الأفلاك و الكواكب و نحوها، و هو المشهور عن اليونانيّين و الكلدانيّين.

و رابعة بتسخير الجنّ و الشياطين.

و خامسة بأعمال مناسبة للمطلوب، كتماثيل أو نقوش أو عقد أو نفث أو كتب منقسما إلى رقية [1] و عزيمة [2] أو دخنة [3] في وقت مختار، و هو المعروف عن النبط.

و سادسة بذكر أسماء مجهولة المعاني و كتابتها بترتيب خاصّ، و نسب ذلك إلى النبط و العرب.

و سابعة بذكر ألفاظ معلومة المعاني غير الأدعية.

و ثامنة بالتصرّف في بعض الآيات أو الأدعية أو الأسماء، من القلب أو الوضع في اللوح المربع، أو مع ضمّه مع عمل آخر من عقد أو تصوير أو غيرهما.

و تاسعة بوضع الأعداد في الألواح.

و لا شكّ في عدم كون الأولين سحرا، كما أنّ الظاهر كون الخامس سحرا، و البواقي مشتبهة، و الأصل يقتضي فيها الإباحة، إلّا ما علمت حرمته من جهة الإجماع، كما هو الظاهر في التسخيرات.

______________________________

[1] الرقية بالضم: العوذة- القاموس المحيط 4: 338.

[2] عزيمة: العزائم- الرقى- مجمع البحرين 6: 115.

[3] دخنة: ذريرة تدخّن بها البيوت- القاموس 4: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 116

و منها: الكهانة

، و هي- كما في المسالك «1» و غيره «2» بل المصرّح به في كلام الأكثر «3»-: عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له و اتّباعه له، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة، و في الأخبار أيضا ما يستفاد منه ذلك:

ففي الأمالي عن الصادق عليه السّلام- في

ذكر عجائب ليلة ولادة الرسول صلّى اللّه عليه و آله-: «و لم تبق كاهنة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها» «4».

و عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ «5» كان في الجاهلية كهنة و مع كلّ واحد شيطان، و كان يقعد من السماء مقاعد للسمع، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض، فينزل و يخبر به الكاهن، فيفشيه الكاهن إلى الناس «6». فهو قريب من السحر أو أخصّ منه.

و الأصل في تحريمه- بعد الإجماع الثابت المصرّح به في كلام جماعة «7»- النصوص المستفيضة:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    116     و منها: الكهانة ..... ص : 116

ها: المرويّ في نهج البلاغة: «المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر، و الكافر في النار» «8».

و الخبران العادّان أجر الكاهن من السحت «9».

______________________________

(1) المسالك 1: 166.

(2) كما في الروضة 3: 215 و الحدائق 18: 184.

(3) كالعلامة في التحرير: 161 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 31.

(4) أمالي الصدوق: 235.

(5) الحجر: 18.

(6) مجمع البيان 3: 332.

(7) كالسبزواري في الكفاية: 87 و صاحب الرياض 1: 503.

(8) نهج البلاغة (محمّد عبدة) 1: 125.

(9) الأول في: الكافي 5: 126- 2، التهذيب 6: 368- 1061، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5.

الثاني في: الفقيه 4: 262- 821، تفسير العياشي 1: 322- 117، الوسائل 17:

94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 117

و ما روى الصدوق عن أبي بصير: «من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمّد»، قلت: فالقيافة؟ قال: «ما أحبّ أن تأتيهم» «1» و يؤيّده المرويّ في مستطرفات السرائر: «من

مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه تعالى من كتاب» «2».

و منها: الشعبذة

، قيل: هي الأفعال العجيبة المترتّبة على سرعة اليد بالحركة فتلبس على الحس «3». و عن الدروس نفي الخلاف في تحريمه [1].

و منها: القيافة

، قالوا: هي الاستناد إلى علامات و أمارات يترتّب عليها إلحاق نسب و نحوه، و في الدروس و التنقيح [2] و غيرهما «4» الإجماع على تحريمه، و هو الظاهر من التذكرة «5»، و في الكفاية: لا أعلم خلافا بينهم في تحريم القيافة «6». فإن ثبت الإجماع فهو المتّبع، و إلّا ففيه نظر، و رواية الصدوق المتقدّمة ناظرة إلى الكراهة، و تظهر الرخصة من بعض روايات أخر أيضا، و لذا قيل: إنّما يحرم إذا رتّب عليها محرّما أو جزم بها «7». و ليس

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الدروس و لا على من نقله عنه، و هو موجود في المنتهى 2:

1014.

[2] لم نعثر عليه في الدروس و لا على من نقله عنه، التنقيح 2: 13.

______________________________

(1) الخصال 1: 19- 68، الوسائل 17: 149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.

(2) مستطرفات السرائر: 83، الوسائل 17: 150 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 3.

(3) كالشهيدين في الدروس 3: 164 و الروضة 3: 215.

(4) كالمنتهى 2: 1014 و الرياض 1: 503.

(5) التذكرة 1: 582.

(6) الكفاية: 87.

(7) المسالك 1: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 118

ذلك ببعيد.

و منها: التنجيم و تعلّم النجوم

، حرّمه بعض الأصحاب «1»، و أسند إلى جماعة أيضا، و ليس كذلك.

و يظهر من جماعة- كالسيّد و الفاضل «2» و غيرهما «3»-: أنّ تحريمه من حيث فساد مذهب المنجّمين من اعتقاد تأثير الكواكب و أوضاعها استقلالا أم اشتراكا، اختيارا أم إيجابا.

و قيل بالحرمة مع اعتقاد كونها معدّة لتأثير اللّه سبحانه أيضا، لكونه علما بما لا يعلم.

و من بعض المتأخّرين: أنّه من حيث ابتنائه على الظنّ و التخمين، و كونه قولا بما لا يعلم «4».

و من ثالث: أنّه من حيث هو

هو «5»، لدلالة الأخبار «6» على تحريمه.

و يمكن أن يكون التحريم أيضا لأجل الإخبار بما لم يقع، فيشبه الكهانة.

و صرّح كثير من أصحابنا- منهم ابن طاوس «7»- بجوازه إذا لم يعتقد منافيا للشرع، بل هو الظاهر من الأكثر «8»، حيث قيّدوا التحريم بما إذا اعتقد

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 1014.

(2) نقله عن السيّد في فرج المهموم: 43، الفاضل في المنتهى 2: 1014 و التحرير: 161.

(3) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 46.

(4) كما في الدروس 3: 165.

(5) كالحر العاملي في الوسائل 11: 370 ب 14 أبواب آداب السفر، و ج 17: 144 ب 24 أبواب ما يكتسب به.

(6) الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24.

(7) فرج المهموم: 81.

(8) كما في الدروس 3: 165، جامع المقاصد 4: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 119

التأثير.

أقول: أمّا تحريمه لأجل فساد المذهب فممّا لا وجه له، إذ لا مدخليّة للمذهب و اعتقاد التأثير من الكواكب في التنجيم، لأنّ غاية ما يترتّب عليه أنّه يحدث كذا عند وضع كذا.

و أمّا أنّه هل هو من تأثير النجم مستقلّا أو اشتراكا، حتى يكون اعتقاده حراما.

أو من باب العلامات و الأمارات على ما أجراه اللّه تعالى بعادته عقيبها، حتى لم يحرم اعتقاده، على ما صرّح به الأكثر، كالسيّد و المفيد و الكراجكي و ابن طاوس و المحقّق الثاني و شيخنا البهائي و المجلسي «1» و غيرهم «2».

أو من قبيل تسخين النار و تبريد الماء. أو غير ذلك.

فليس من مسائل النجوم و لا من متفرّعاتها، بل هو من المسائل الطبيعيّة.

و ليس التنجيم إلّا كالطب، فكما لا يبتني الطبّ على اعتقاد أنّ تأثير الدواء هل هو من جهة نفسه أو من

اللّه سبحانه، فكذلك النجوم، و الظاهر أن فساد اعتقاد بعض المنجّمين أوجب توهّم بعضهم أنّه ناشئ من جهة التنجيم.

و أمّا من حيث كونه قولا بما لا يعلم، فمع أنّه لا يحرم التعليم و لا

______________________________

(1) حكاه ابن طاوس عن السيّد و المفيد و قال به في فرج المهموم: 81، و المجلسي عنهما و البهائي و قال به في البحار 55: 278 و 281، الكراجكي في كنز الفوائد 2: 227 عن فرج المهموم، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4: 32.

(2) كالشهيد في الدروس 3: 165 و القواعد و الفوائد 2: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 120

يختصّ بالتنجيم، يوجب التحريم إذا كان الحكم بالبتّ مع ظنيّته، فلا يحرم إذا حكم بالظنّ كما هو الطريقة، أو بالقطع إذا حصل من تكرّر التجارب.

و أمّا من جهة أنّه الإخبار بما لم يقع، ففيه: أنّ تحريمه مطلقا ممنوع، فبقي أن يكون الوجه فيه هو الروايات، و هي كثيرة:

منها: المرويّ في النهج المتقدّم أوله: «إيّاكم و تعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر، فإنّها تدعو إلى الكهانة، المنجّم كالكاهن، و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر، و الكافر في النار» «1».

و رواه في المجالس و الاحتجاج أيضا «2»، و في آخره في رواية ابن أبي الحديد مخاطبا للمنجّم الذي نهاه عن السير في الوقت المعيّن: «أما و اللّه إن بلغني أن تعمل بالنجوم لأخلدنّك السجن أبدا ما بقيت، و لأحرمنّك العطا ما كان لي سلطان» «3».

و منها: رواية عبد الملك بن أعين، و فيها- بعد قوله للصادق عليه السّلام:

إنّي قد ابتليت بهذا العلم-: «تقضي؟» قلت: نعم، قال: «أحرق كتبك» «4»، و مثلها في دعوات الراوندي «5».

و رواية نصر بن

قابوس المرويّة في الخصال: «المنجّم ملعون، و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون، و المغنّية ملعونة» «6».

قال الصدوق: المنجّم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك، و لا يقول

______________________________

(1) نهج البلاغة 1: 125 خطبة 77، الوسائل 11: 373 أبواب آداب السفر ب 14 ح 8.

(2) أمالي الصدوق: 338- 16، بتفاوت، الاحتجاج: 240.

(3) البحار 55: 264- 265.

(4) الفقيه 2: 175- 779، الوسائل 11: 370 أبواب آداب السفر ب 14 ح 1.

(5) دعوات الراوندي: 112.

(6) الخصال: 297- 67، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 121

بمفلّكه و خالقه.

و فيه أيضا بسنده عن السجّاد: أنّه قال: «نهى رسول اللّه عن خصال» إلى أن قال: «و عن النظر في النجوم» «1».

و عن الصادق عليه السّلام: يقول: «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الساعة، قال:

عند إيمان بالنجوم و تكذيب بالقدر» «2».

و رواية هشام بن الحكم المرويّة في الاحتجاج: إنّ زنديقا قال للصادق عليه السّلام: ما تقول في علم النجوم؟ قال: «هو علم قلّت منافعه، و كثرت مضارّه» إلى أن قال: «و المنجّم يضادّ اللّه في علمه بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه» «3».

و رواية الكابلي المرويّة في معاني الأخبار: «الذنوب التي تظلم الهواء: السحر و الكهانة و الإيمان بالنجوم» «4».

و قال الفاضلان و الشهيدان: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما أنزل اللّه على محمّد» «5».

و في دعاء الاستخارة المرويّة عن الصادق عليه السّلام: «اللّهمّ إنّك خلقت أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم و سكونهم و تصرّفهم و عقدهم، و خلقتني أبوء إليك من اللجإ إليها و من طلب

الاختيارات بها،

______________________________

(1) الخصال: 417- 10 و فيه: عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 9.

(2) الخصال: 62- 87، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 6.

(3) الاحتجاج: 348، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 10.

(4) معاني الأخبار: 270- 2، الوسائل 11: 372 أبواب آداب السفر ب 14 ح 6.

(5) المحقّق في المعتبر 2: 688، العلامة في التذكرة 1: 271، الشهيد الثاني في المسالك 1: 76. و هو في الوسائل 17: 144 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 122

و أتيقّن أنّك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها و لم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها، و أنّك قادر على نقلها في مداراتها عن السعود العامّة و الخاصّة إلى النحوس، و عن النحوس الشاملة و المفردة إلى السعود» إلى أن قال: «و ما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله و أستمدّ الاختيار لنفسه «1»» [1] إلى آخر الدعاء، إلى غير ذلك.

و لكن تلك الأخبار مع ضعف دلالة أكثرها- لأنّ الإيمان بالنجوم غير التنجيم، و الأمر بإحراق الكتب لعلّه لما أجاب من أنّه يقضي بذلك الظاهر في القطع، و كثرة مضارّه يمكن أن يكون لأجل عدم إمكان التحرّز عمّا ظنّ مساءته و تعويق الحاجات و غيرهما، و مضادّة المنجّم بزعمه ردّ قضاء اللّه مسلّم إذا زعم ذلك، فالمحرّم هذا الزعم- معارضة بمثلها، بل أصرح منها من النصوص:

كرواية عبد الرحمن بن سيابة: قال: قلت لأبي عبد اللّه: جعلت فداك، إنّ الناس يقولون: إنّ النجوم لا يحلّ النظر فيها و هي تعجبني، فإن كانت تضرّ

بديني فلا حاجة لي في شي ء يضرّ بديني، و إن كانت لا تضرّ بديني فو اللّه إنّي لأشتهيها و أشتهي النظر فيها، فقال: «ليس كما يقولون، لا تضرّ بدينك» ثمَّ قال: «إنّكم تنظرون في شي ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر» الحديث «3».

قال ابن طاوس: روى هذا الحديث أصحابنا في الأصول «4».

و المرويّ في كتاب التجمّل: إنّ الصادق عليه السّلام قال: «يحلّ النظر في

______________________________

[1] في النسخ زيادة: و هم أولئك. و هي ليست في الوسائل.

______________________________

(1) فتح الأبواب: 198، الوسائل 17: 144 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 12.

(3) الكافي 8: 195- 233، الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 1.

(4) فرج المهموم: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 123

النجوم» «1».

و في كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمّد بن الحسين الرازي: إنّ الكاظم عليه السّلام قال لهارون- بعد قوله: إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم و فقهاء العامّة يروون ذمّه-: «هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه، و اللّه تبارك و تعالى قد مدح النجوم، و لو لا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه عزّ و جلّ، و الأنبياء عليهم السّلام كانوا عالمين بها» إلى أن قال: «و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء» الحديث «2».

و في فقه الرضا عليه السّلام: اعلم يرحمك اللّه إنّ كلّ ما يتعلّمه العباد من أنواع الصنائع، مثل: «الكتاب و الحساب و التجارة و النجوم و الطب» إلى أن قال: «فحلال تعليمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه» «3».

و في الرسالة

الذهبيّة للرضا عليه السّلام: «اعلم أنّ الجماع و القمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل، و خير من ذلك أن يكون في برج الثور، لكونه شرف القمر» «4» و تؤيّدها الروايات الدالّة على أنّه علم الأنبياء و أهل بيت بالهند و أهل بيت في العرب، و أنّ عليّا عليه السّلام أعلم الناس به، و أنّه حق، كروايات الخفّاف «5» و المعلّى «6» و جميل بن صالح «7»، و ما رواه ابن طاوس عن

______________________________

(1) راجع البحار 55: 250- 35.

(2) البحار 55: 252- 36.

(3) فقه الرضا عليه السّلام: 301، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(4) البحار 55: 268- 52.

(5) الكافي 8: 351- 549، الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 2.

(6) الكافي 8: 330- 507، الوسائل 17: 142 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 3.

(7) الكافي 8: 330- 508، الوسائل 17: 142 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 124

يونس بن عبد الرحمن «1»، و ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه «2»، و غيرها.

و تقرير الكاظم عليه السّلام ابن أبي عمير عليه، كما في مرسلته المرويّة في الفقيه: كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شي ء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن عليه السّلام، فقال: «إذا وقع في نفسك شي ء فتصدّق على أول مسكين ثمَّ امض، فإنّ اللّه تعالى يدفع عنك» «3» إلى غير ذلك.

و حمل الأخبار المانعة على اعتقاد التأثير أو الحكم بالبتّ و العمل في غيرهما بمقتضى الأصل متعيّن.

و منها: الغناء
اشاره

، و الكلام إمّا في مهيّته أو حكمه.

أمّا الأول: فبيانه: أنّ كلمات العلماء

من اللغويين و الأدباء و الفقهاء مختلفة في تفسير الغناء.

ففسّره بعضهم بالصوت المطرب.

و آخر بالصوت المشتمل على الترجيع.

و ثالث بالصوت المشتمل على الترجيع و الإطراب معا.

و رابع بالترجيع.

و خامس بالتطريب.

و سادس بالترجيع مع التطريب.

و سابع برفع الصوت مع الترجيع.

و ثامن بمدّ الصوت.

______________________________

(1) البحار 55: 235- 15.

(2) البحار 55: 249- 32.

(3) الفقيه 2: 175- 783، الوسائل 11: 376 أبواب آداب السفر ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 125

و تاسع بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما.

و عاشر بتحسين الصوت.

و حادي عشر بمدّ الصوت و موالاته.

و ثاني عشر- و هو الغزالي- بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب «1».

و لا دليل تامّا على تعيين أحد هذه المعاني أصلا.

نعم، يكون القدر المتيقّن من الجميع المتّفق عليه في الصدق- و هو:

مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب الأعمّ عن السارّ و المحزن المفهم لمعنى- غناء قطعا عند جميع أرباب هذه الأقوال، فلو لم يكن هنا قول آخر يكون هذا القدر المتّفق عليه غناء قطعا.

إلّا أنّ بعض أهل اللغة فسّره بما يقال له بالفارسية: سرود، أيضا.

و حكي عن الصحاح أنّه قال: الغناء هو ما يسمّيه العجم ب: «دو بيتي».

و قال بعض الفقهاء «2»: إنّه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف.

و لا يخفى ما في معنى الأولين من الخفاء، فإنّ «سرود» و «دو بيتي» ليس بذلك الاشتهار في هذه الأعصار بحيث يتّضح المراد منها، و يمكن أن يكون هذا متّحدا مع أحد المعاني المتقدّمة.

و يحتمل قريبا أن يكون للّحن و كيفيّة الترجيع مدخليّة في صدقهما، و يشعر به ما في رواية عبد اللّه بن سنان الآتية «3» الفارقة بين لحن العرب

______________________________

(1) إحياء علوم الدين 2: 270.

(2) منهم الفاضل المقداد في

التنقيح 2: 11، الشهيد الثاني في الروضة 3: 212، صاحب الرياض 1: 502.

(3) في ص 148 و 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 126

و لحن أرباب الفسوق و الكبائر.

و يؤيّده أيضا ما قد يفسّر به «سرود» من أنّه ما يقال له بالفارسية «خوانندگى»، و قد يفسّر الغناء بذلك أيضا، فإنّ التعبير ب: «خوانندگى» في الأغلب إنّما يكون بواسطة الألحان و النغمات.

و كذا الثالث، فإنّ فيه خفاء أيضا، فإنّه لا عرف لأهل العجم في لفظ الغناء، و مرادفه من لغة الفرس غير معلوم، و عرف العرب فيه غير منضبط، و قد يعبّر عنه أيضا ب: «خوانندگى»، و هو غير ثابت أيضا.

و لأجل هذه الاختلافات يحصل الإجمال غايته في معنى الغناء، و لكنّ الظاهر أنّ القدر المتيقّن المذكور من المعاني الاثنى عشريّة- سيّما إذا ضمّ معه اللحن الخاصّ المعهود الذي يستعمله أرباب الملاهي و يتداول عندهم و يعبّر عنه الآن عند العوام ب: «خوانندگى»- يكون غناء قطعا، سواء كان في القرآن و الدعاء و المراثي أو في غيرها.

و لعلّ إلى اعتبار هذا اللحن في مفهومه قال صاحب الوافي: لا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس و لا سيّما و قد وردت الرخصة في غيره، إلّا أن يقال: إنّ بعض الأفعال لا يليق بذوي المروّات و إن كان مباحا «1».

فإنّ غير اللائق للمروّة هو هذه الألحان المعهودة.

و أمّا الثاني، فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنّه غناء قطعا- و هو: مدّ الصوت المفهم المشتمل على الترجيع و الإطراب، سيّما مع الضميمة المذكورة- في الجملة، و لعلّ عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض، بل هو إجماع محقّق قطعا، بل ضرورة دينيّة.

______________________________

(1) الوافي 17: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14،

ص: 127

و إنّما الكلام في أنّه هل هو حرام مطلقا من غير استثناء فرد منه، أو يحرم في الجملة- يعني: أنّه يحرم بعض أفراده- إمّا لاستثناء بعض آخر بدليل أو لاختصاص تحريم الغناء ببعض أفراده؟

فالمستفاد من كلام الشيخ في الاستبصار: الثاني، حيث قال- بعد نقل أخبار حرمة الغناء و كسب المغنّية-: الوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا يتكلّم بالأباطيل، و لا يلعب بالملاهي و العيدان و أشباهها، و لا بالقصب و غيره، بل كان ممّن يزفّ العروس و يتكلّم عندها بإنشاد الشعر، و القول البعيد عن الفحش و الأباطيل ..

و أمّا ما عدا هؤلاء- ممّن يتعيّن لسائر أنواع الملاهي- فلا يجوز على حال، سواء كان في العرائس أو غيرها «1». انتهى.

و هو ظاهر الكليني، حيث ذكر كثيرا من أخبار الغناء في أبواب الأشربة «2»، لاشتماله على الملاهي و شرب المسكر. و يظهر من كلام صاحب الكفاية أيضا أنّ صاحب الكافي لا يحرّم الغناء في القرآن «3».

و محتمل الصدوق، كما يظهر من تفسيره للمرسلة الآتية «4»، بل والده في الرسالة «5»، حيث عبّر فيها بمثل ما عبّر في الرضويّ الآتي بيانه.

بل ذكر صاحب الكفاية في كتاب التجارة- بعد نقل كلام عن الشيخ أبي عليّ الطبرسي في مجمع البيان-: إلّا أنّ هذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن و التغنّي به مستحبّ عنده، و أنّ خلاف ذلك لم يكن معروفا

______________________________

(1) الاستبصار 3: 62.

(2) الكافي 6: 431.

(3) الكفاية: 86.

(4) الفقيه 4: 42- 139.

(5) حكاه عنه في المقنع: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 128

عند القدماء، قال: و كلام السيّد المرتضى في الدرر و الغرر لا يخلو عن إشعار واضح بذلك «1».

و يشعر به كلام الفاضل في

المنتهى أيضا «2»، حيث يذكر في أثناء ذكر المسألة عبارة الاستبصار المتقدّمة الظاهرة في التخصيص شاهدا لحكمه بحرمة الغناء.

و كذا هو المستفاد من كلام طائفة من متأخّري أصحابنا، منهم المحقّق الأردبيلي «3»، حيث جعل في باب الشهادات من شرح الإرشاد الاجتناب عن الغناء في مراثي الحسين عليه السّلام أحوط.

و منهم صاحب الكفاية، حيث قال في كتاب التجارة: و في عدّة من الأخبار الدالّة على حرمة الغناء إشعار بكونه لهوا باطلا، و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الأذكار المقروءة بالأصوات الطيّبة المذكّرة للآخرة المهيّجة للأشواق في العالم الأعلى محلّ تأمّل.

إلى أن قال: فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوها، ثمَّ إن ثبت إجماع في غيره كان متّبعا، و إلّا بقي حكمه على أصل الإباحة «4».

و قال في كتاب الشهادات: و استثنى بعضهم مراثي الحسين عليه السّلام، إلى أن قال: و هو غير بعيد «5».

و منهم صاحب الوافي، قال في باب ترتيل القرآن: و لعلّه كان نحوا

______________________________

(1) الكفاية: 86، و فيه: لا يخلو عن إشكال ..، و هو في مجمع البيان 1: 16.

(2) المنتهى 2: 1012.

(3) مجمع الفائدة 12: 338.

(4) الكفاية: 86.

(5) الكفاية: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 129

من التغنّي مذموما في شرعنا «1».

و قال في باب كسب المغنّية و شرائها: لا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة و النار، و التشويق إلى دار القرار، و وصف نعم اللّه الملك الجبار، و ذكر العبادات، و الترغيب في الخيرات و الزهد في الفانيات، و نحو ذلك «2». انتهى.

و قال في المفاتيح ما ملخّصه: و الذي يظهر لي- من مجموع الأخبار الواردة في الغناء و يقتضيه التوفيق

بينهما- اختصاص حرمته و حرمة ما يتعلّق به بما كان على النحو المتعارف في زمن بني أميّة، من دخول الرجال عليهنّ، و استماعهم لقولهنّ، و تكلّمهنّ بالأباطيل، و لعبهنّ بالملاهي، و بالجملة: ما اشتمل على فعل محرّم دون ما سوى ذلك. انتهى «3».

و المشهور بين المتأخّرين- كما قال في الكفاية «4»- الأول، و لا بدّ أولا من بيان أدلّة حرمة الغناء، ثمَّ بيان ما يستفاد من المجموع، ثمَّ ملاحظة أنّه هل استثني منه شي ء يثبت من أدلّة الغناء حرمته.

فنقول: الدليل عليها هو الإجماع القطعي- بل الضرورة الدينيّة- و الكتاب، و السنّة، أمّا الإجماع فظاهر، و أمّا الكتاب فأربع آيات بضميمة الأخبار المفسّرة لها:

الاولى: قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «5».

______________________________

(1) الوافي 9: 1743.

(2) الوافي 17: 221.

(3) المفاتيح 2: 21.

(4) الكفاية: 85.

(5) الحج: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 130

بضميمة رواية أبي بصير: عن قول اللّه تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: «هو الغناء» «1».

و رواية الشحّام و مرسلة ابن أبي عمير، و فيهما- بعد السؤال عن الآية: «و قول الزور: الغناء» «2».

و الثانية: قوله سبحانه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ «3».

بضميمة ما في تفسير عليّ القمّي عن الباقر عليه السّلام: «إنّه الغناء و شرب الخمر و جميع الملاهي» «4».

و المرويّ في معاني الأخبار عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ، قال: «منه الغناء» «5».

و في صحيحة محمّد: «الغناء ممّا قال اللّه تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ -

الآية-» «6».

و قريبة منها رواية مهران بن محمّد «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 431- 1، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 9.

(2) رواية الشحّام في: الكافي 6: 435- 2، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 2.

مرسلة ابن أبي عمير في: الكافي 6: 436- 7، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 8.

(3) لقمان: 6.

(4) تفسير القمي 2: 161.

(5) معاني الأخبار: 349- 1، الوسائل 17: 308 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 20.

(6) الكافي 6: 431- 4، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.

(7) الكافي 6: 431- 5، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 131

و رواية الوشّاء: عن الغناء، قال: «هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ » «1».

و رواية الحسن بن هارون: «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله، و هو ممّا قال اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ - الآية-» «2».

و في الصافي عن الكافي، عن الباقر عليه السّلام: «الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار» و تلا هذه الآية «3».

و في الرضويّ: «إنّ الغناء ممّا قد وعد اللّه عليه النار في قوله وَ مِنَ النَّاسِ - الآية-» «4».

و الثالثة: قوله سبحانه وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «5».

بضميمة ما في تفسير القمّي عن الصادق عليه السّلام وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ : «الغناء و الملاهي» «6».

و الرابعة: قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ «7».

بضميمة صحيحة محمّد و الكناني في قول اللّه عزّ و جلّ وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال: «هو الغناء» «8».

و

أمّا السنّة فكثيرة جدّا:

______________________________

(1) الكافي 6: 432- 8، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 11.

(2) الكافي 6: 433- 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.

(3) الكافي 6: 431- 4، تفسير الصافي 4: 140، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 281، مستدرك الوسائل 13: 213 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 9.

(5) المؤمنون: 3.

(6) تفسير القمي 2: 88.

(7) الفرقان: 72.

(8) الكافي 6: 433- 13، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 132

ففي صحيحة الشحّام: «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك» «1».

و روايته: «الغناء عشّ النفاق» «2».

و رواية يونس: إنّ العبّاسي ذكر أنّك ترخّص في الغناء، فقال:

«كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت له: إنّ رجلا أتى أبا جعفر عليه السّلام فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان إذا ميّز اللّه بين الحقّ و الباطل فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» «3».

و في جامع الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يحشر صاحب الغناء من قبره أعمى و أخرس و أبكم» «4».

و فيه عنه صلّى اللّه عليه و آله: «ما رفع أحد صوته بغناء إلّا بعث اللّه شيطانين على منكبه يضربون بأعقابهما على صدره حتى يمسك» «5».

و في الخصال عن الصادق عليه السّلام: «الغناء يورث النفاق و يعقب الفقر» «6».

و مرسلة الفقيه: سأل رجل عليّ بن الحسين عليه السّلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكّرتك الجنّة- يعني

بقراءة القرآن- و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء، و أمّا الغناء فمحظور» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 433- 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.

(2) الكافي 6: 431- 2، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 10.

(3) الكافي 6: 435- 25، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 13.

(4) جامع الأخبار: 154، مستدرك الوسائل 13: 219 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 17.

(5) جامع الأخبار: 154، مستدرك الوسائل 13: 214 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 15، و فيهما: «منكبيه» بدل: «منكبه».

(6) الخصال 1: 24- 84، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 23.

(7) الفقيه 4: 42- 139، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 133

و تدلّ عليه المستفيضة المانعة عن بيع المغنّيات و شرائهنّ و تعليمهنّ:

كرواية الطاطري: عن بيع الجواري المغنّيات، فقال: «شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق» «1».

و رواية ابن أبي البلاد، و فيها: «و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت» «2».

و يستفاد من الأخيرتين حرمة استماع الغناء أيضا، كما هو مجمع عليه قطعا.

و إطلاق المنع عن الاستماع منهنّ- حتى من المحارم- يأبى عن كون المنع لحرمة استماع صوت الأجانب، مضافا إلى ظهور العطف على تعليمهنّ و التعليق بالوصف في إرادة استماع الغناء.

و يدلّ على حرمة الغناء و استماعه أيضا المرويّ في المجمع عن طريق العامّة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيّين يوم القيامة» قيل: و ما الروحانيّون

يا رسول اللّه؟

قال: «قرّاء أهل الجنّة» «3».

و رواية عنبسة: «استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع» «4».

و مرسلة إبراهيم بن محمّد المدني: سئل عن الغناء و أنا حاضر،

______________________________

(1) الكافي 5: 120- 5، التهذيب 6: 356- 1018، الاستبصار 3: 61- 201، الوسائل 17: 124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7.

(2) الكافي 5: 120- 7، التهذيب 6: 357- 1021، الاستبصار 3: 61- 204، الوسائل 17: 123 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 5.

(3) مجمع البيان 4: 314.

(4) الكافي 6: 434- 23، الوسائل 17: 316 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 134

فقال: «لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها» «1».

و قد يستدلّ عليها برواية مسعدة بن زياد: إنّي أدخل كنيفا لي، ولي جيران عندهم جوار يتغنّين و يضربن بالعود، فربّما أطلت الجلوس استماعا لهنّ، فقال: «لا تفعل»، فقال الرجل: و اللّه ما آتيهنّ، و إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال: «للّه أنت، أمّا سمعت اللّه يقول إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «2»» فقال: بلى و اللّه لكأنّي لم أسمع بهذه الآية، إلى أن قال: «قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك، فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك» الحديث «3».

أقول: أمّا الإجماع فظاهر أنّ الثابت منه ليس إلّا حرمة الغناء في الجملة، و لا يفيد شيئا في موضع الخلاف.

و أمّا الكتاب فظاهر أنّه لا دلالة للآيتين الأخيرتين على الحرمة أصلا، مضافا إلى ما يظهر من بعض الأخبار المعتبرة من تفسير اللغو بغير الغناء ممّا يباينه أو يعمّه.

و أمّا الآية

الثانية، فلا شكّ أنّه لا دلالة للأخبار المفسّرة لها بنفسها على الحرمة، بل الدالّ عليها هو الآية بضميمة التفسير، فيكون معنى الآية:

و من الناس من يشتري الغناء ليضلّ عن سبيل اللّه و يتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين. فمدلولها حرمة الغناء الذي يشترى ليضلّ عن سبيل اللّه و يتّخذها هزوا، و هو ممّا لا شكّ فيه، و لا تدلّ على حرمة غير ذلك ممّا

______________________________

(1) الكافي 6: 434- 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.

(2) الإسراء: 36.

(3) الكافي 6: 432: 10، الفقيه 1: 45- 177، التهذيب 1: 116- 304، الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المندوبة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 135

يتّخذ الرقيق القلب لذكر الجنّة، و يهيج الشوق إلى العالم الأعلى، و تأثير القرآن و الدعاء في القلوب، بل في قوله لَهْوَ الْحَدِيثِ إشعار بذلك أيضا.

مع أنّ رواية الوشّاء محتملة لأن تكون تفسيرا للغناء بلهو الحديث، لا بيانا لحكمه، فلا تكون شاملة لما لا يصدق عليه لهو الحديث لغة و عرفا.

مضافا إلى معارضة هذه الأخبار مع ما روي في مجمع البيان عن الصادق عليه السّلام: «أنّ لهو الحديث في هذه الآية: الطعن في الحقّ و الاستهزاء به» «1».

و رواية أبي بصير: عن كسب المغنّيات، فقال: «التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي «2»- الآية-»، فإنّها تدلّ على أنّ لهو الحديث هو غناء المغنّيات التي يدخل عليهنّ الرجال، لا مطلقا.

و إلى أنّ الظاهر من رواية الحسن بن هارون «3»: أنّ الغناء- الذي أريد من لهو الحديث- مجلس، و هو

ظاهر في محافل المغنّيات.

و إلى أنّ مدلول سائر الأخبار المفسّرة أنّ الغناء فرد من لهو الحديث، و أنّه بعض ما قال اللّه سبحانه، فيشعر بأنّ المراد من لهو الحديث معناه اللغوي و العرفي الذي فرد منه الغناء، و هو لا يصدق إلّا على الأقوال الباطلة الملهية لا مطلقا.

______________________________

(1) مجمع البيان 4: 313.

(2) الكافي 5: 119- 1، التهذيب 6: 358- 1024، الاستبصار 3: 62- 207، الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.

(3) المتقدّمة في ص: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 136

فلم تبق من الآيات الكريمة إلّا الآية الاولى، و سيجي ء الكلام فيها.

و أمّا الأخبار، فظاهر أنّ الروايات المانعة عن بيع المغنّيات و شرائهنّ و الاستماع لهنّ لا دلالة لها على حرمة المطلق، إذ لا شكّ انّ المراد منهنّ ليس من من شأنه أن يتغنّى و يقدر على الغناء، لعدم حرمة بيعه و شرائه قطعا. بل المراد: الجواري اللّاتي أخذن ذلك كسبا و حرفة، كما هو ظاهر الأخبار المانعة عن كسبهنّ و أجرهنّ.

و على هذا، فتكون إرادتهنّ من المغنّيات- الموضوعة لغة لمن يغنّي مطلقا إمّا مع بقاء المبدأ أو مطلقا- مجازا، فيمكن أن يكون المراد بهنّ اللّاتي كنّ في تلك الأزمنة، و هنّ اللّاتي أخذنها كسبا و حرفة في محافل الرجال و الأعراس، بل الظاهر أنّه لم يكن يكسب بغيرهما، و في رواية أبي بصير المتقدّمة- المقسّمة لهنّ إلى اللّاتي يدخل عليهن الرجال و اللّاتي تزفّ العرائس- دلالة على ذلك.

و أمّا سائر الروايات، فبكثرتها و تعدّدها خالية عن الدلالة على الحرمة أصلا، إذ لا دلالة- لعدم الأمن من الفجيعة، و عدم إجابة الدعوة، و عدم دخول الملك، و كونه عشّ النفاق

أو مورثه أو منبته، أو كونه مع الباطل، أو الحشر أعمى و أصمّ و أبكم، أو بعث الشيطان للضرب على الصدر، أو تعقيب الفقر، أو عدم سماع صوت الروحانيّين، أو أعراض اللّه عن أهله- على إثبات الحرمة، لورود أمثال ذلك في المكروهات كثيرا.

مع أنّ روايتي جامع الأخبار و رواية المجمع «1» عن طريق العامّة لا حجّية فيها أصلا.

______________________________

(1) المتقدّمة جميعا في ص: 132 و 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 137

و أمّا مرسلة الفقيه «1»، فإنّما تفيد الحرمة لو كان التفسير من الإمام، و هو غير معلوم، بل خلاف الظاهر، لأنّ الظاهر أنّه من الصدوق، مع أنّه لو كان من الإمام أيضا إنّما يفيد حرمة المطلق لو كان قوله: «التي ليست بغناء» وصفا احترازيّا للقراءة، و هو أيضا غير معلوم.

و أمّا رواية مسعدة «2»، فمع اختصاصها بغناء الجواري المغنّية، مشتملة على ضرب العود أيضا، فلعلّ المعصية كانت لأجله.

فإن قيل: إنّ تكذيبه عليه السّلام لمن نسب إليه الرخصة في الغناء يدلّ على انتفاء الرخصة، فيكون حراما.

قلنا: التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع، لأنّ عدم ترخيص الإمام أعمّ من المنع، بل كلامه عليه السّلام: ما هكذا قلت، بل قلت كذا، صريح في أنّ التكذيب ليس للمنع، بل لذكره خلاف الواقع، مع أنّه يمكن أن يكون التكذيب لأجل أنّه نسب الرخصة في المطلق، و هو كذب صريح.

و لا يتوهّم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة، إذ لا يفيد ذلك أزيد من الكراهة، لعدم معلوميّة أنّ المراد بالباطل ما يختصّ بالحرام، و لذا يصحّ أن يقال: التكلّم بما لا يعني يكون من الباطل.

مضافا إلى أنّ [في ] [1] تصريح السائل بكونه مع الباطل- بحيث يدلّ على شدّة ظهور

كونه معه عنده- إشعارا ظاهرا بأنّ المراد منه ما كان مع التكلّم بالأباطيل.

فإن قيل: هذه الأخبار و إن لم تثبت التحريم، إلّا أنّ الروايتين

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 132.

(2) المتقدّمة في ص: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 138

المذكورتين في تفسير الآية الثانية المتضمّنتين لقوله: «إنّ الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار» «1» تدلّان على حرمته، بل كونه من الكبائر.

قلنا: لا دلالة لهما إلّا على حرمة بعض أفراد الغناء، و هو الذي يشترى ليضلّ به عن سبيل اللّه و يتّخذها هزوا، ألا ترى أنّه لو قال أحد: أمر الأمير بضرب البصري، في قوله: اضرب زيد البصري، يفهم أنّه مراده من البصري دون المطلق، و لو أبيت الفهم فلا شكّ أنّه ممّا يصلح قرينة لإرادة هذا الفرد من المطلق، و معه لا تجري فيه أصالة إرادة الحقيقة، التي هي الإطلاق.

فلم يبق دليل على حرمة مطلق الغناء سوى قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «2» بضميمة تفسيره في الأخبار المتقدّمة «3» بالغناء.

إلّا أنّه يخدشه: أنّه يعارض تلك الأخبار المفسّرة ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق عليه السّلام: قال: سألته عن قول الزور، قال: «منه قول الرجل للذي يغنّي: أحسنت» «4»، فإنّ الأخبار الأولة باعتبار الحمل تدلّ على أنّ معناه الغناء، و ذلك يدلّ على أنّه غيره أو ما هو أعمّ منه، بل فيه إشعار بأنّ المراد من الزور هو معناه اللغوي و العرفي- أي الباطل و الكذب و التهمة- كما في النهاية الأثيريّة «5». و عدم صدق شي ء من ذلك على مثل القرآن و الأدعية و المواعظ و المراثي واضح و إن ضمّ معه نوع ترجيع.

بل يعارضها ما رواه في الصافي عن

المجمع، قال: «و عن

______________________________

(1) راجع ص 131.

(2) الحج: 30.

(3) في ص: 130.

(4) معاني الأخبار: 349- 2، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 21.

(5) النهاية 2: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 139

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنّه عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه» ثمَّ قرأ هذه الآية «1». فإنّه يدلّ على أنّ المراد بقول الزور: شهادة الزور.

و بملاحظة هذين المتعارضين- المعتضدين بظاهر اللفظ، و باشتهار تفسيره بين المفسّرين بشهادة الزور أو مطلق القول الباطل- يوهن دلالة تلك الآية أيضا على حرمة المطلق.

مضافا إلى معارضتها مع ما دلّ على أنّ الغناء على قسمين: حرام و حلال.

كالمرويّ في قرب الإسناد للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح- كما في الكفاية «2»- عن عليّ بن جعفر، عن أخيه: قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح يكون؟ قال: «لا بأس ما لم يعص به» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام عليه السّلام، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- في حديث طويل، فيه ذكر شجرة طوبى و شجرة الزقّوم و المتعلّقين بأغصان كلّ واحدة منهما-:

«و من تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه» «4» أي من الزقّوم.

فإنّ الأول صريح في أنّ من الغناء ما لا يعصى به، و الثاني ظاهر في أنّ الغناء على قسمين: حرام و حلال.

و صحيحة أبي بصير: «أجر المغنّية التي تزف العرائس ليس به بأس،

______________________________

(1) تفسير الصافي 3: 377.

(2) الكفاية: 86.

(3) قرب الإسناد: 294- 1158، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 5.

(4) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 648.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 140

ليست بالتي يدخل عليها الرجال»

«1»، فإنّها ظاهرة في أنّه لا حرمة في غناء المغنّية التي لا يدخل عليها الرجال.

المؤيّدة بروايته الأخرى المتقدّمة «2» المقسّمة للمغنّيات على قسمين:

ما يدخل عليهنّ الرجال و ما يزفّ العرائس، و الحكم بحرمة الاولى و نفي البأس عن الثانية، و بأنّ الظاهر اشتهار هذا التقسيم عند أهل الصدر الأول، كما يظهر من كلام الطبرسي.

و على هذا فنقول: إنّ المراد بما يعصى به من الغناء أو عمل الحرام منه [إمّا] [1] هو ما يتكلّم بالباطل و يقترن بالملاهي و نحوهما، و حينئذ فعدم حرمة المطلق واضح.

أو يكون غيره و يكون المراد غناء نهى عنه الشارع، و لعدم كونه معلوما يحصل فيه الإجمال، و تكون الآية مخصّصة بالمجمل، و العام المخصّص أو المطلق المقيّد بالمجمل ليس بحجّة.

و يؤكّد اختصاص الغناء المحرّم بنوع خاصّ ما يتضمّنه كثير من الأخبار المذكورة، من نحو قوله: «الغناء مجلس» كما في رواية الحسن بن هارون «4»، أو: «بيت الغناء» كما في صحيحة الشحّام «5»، أو: «صاحب الغناء» كما في رواية جامع الأخبار «6»، أو: «لا تدخلوا بيوتا» بعد السؤال

______________________________

[1] في النسخ: ما، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) الكافي 5: 120- 3، الفقيه 3: 98- 376، التهذيب 6: 357- 1022، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.

(2) في ص: 135.

(4) الكافي 6: 433- 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.

(5) الكافي 6: 433- 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.

(6) جامع الأخبار: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 141

عن مطلق الغناء، كما في مرسلة إبراهيم المدني «1».

و قد ظهر من جميع ذلك أنّ القدر الثابت من الأدلّة هو حرمة

الغناء بالمعنى المتيقّن كونه غناء لغويا، و هو ترجيع الصوت مع الإطراب في الجملة، و لا دليل على حرمته بالكلّية، فاللازم فيه هو الاقتصار على القدر المعلوم حرمته بالإجماع، و هو ما كان في غير ما استثنوه، و هي أمور

[ما استثني من الغناء الغير المحرم ]
منها: غناء المغنّية في زفّ العرائس

، استثناه في النهاية و النافع و المختلف و التحرير و القاضي «2»، و جمع آخر «3»، و هو كذلك، و لكنّه ليس لما ذكرنا من عدم ثبوت الدليل على حرمة المطلق، لوجوده في غناء المغنّيات كما مرّ، بل للأخبار المقيّدة لهذه المطلقات:

كرواية أبي بصير المتقدّمة: «و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس» «4».

و الأخرى: «المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» «5».

و صحيحته: «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 434- 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.

(2) النهاية: 367، النافع: 116، المختلف: 342، التحرير 1: 160، القاضي في المهذّب 1: 346.

(3) كما في الدروس 3: 162، الروضة 3: 213، الرياض 1: 502.

(4) الكافي 5: 119- 1، التهذيب 6: 358- 1024، الاستبصار 3: 62- 207، الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.

(5) الكافي 5: 120- 2، التهذيب 6: 357- 1023، الاستبصار 3: 62- 206، الوسائل 17: 126 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2.

(6) الكافي 5: 120- 3، الفقيه 3: 98- 376، التهذيب 6: 357- 1022، الاستبصار 3: 62- 205، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 142

خلافا للمفيد و الحلبي و الحلّي و الديلمي و التذكرة و الإرشاد «1»، فلم يستثنوه.

إمّا لمعارضة تلك

الأخبار للروايات المحرّمة للغناء أو كسبه أو لشراء المغنّيات و بيعهنّ و تعليمهنّ، حيث إنّه لو كانت له جهة إباحة لم يحرم البيع و الشرى و التعليم.

أو لضعف سندها.

أو لضعف دلالتها، إذ غايتها نفي البأس عن الأجرة، و هو غير ملازم لنفي الحرمة.

و يمكن الجواب: بأنّ المعارضة بقسميها مطلقة، فيجب حملها على المقيّد.

و ضعف السند غير ضائر، مع أنّ فيها الصحيح.

و الملازمة ثابتة، لعدم القول بالفرق، و الاستقراء الحاصل من تتبّع الأخبار الدالّة على الملازمة في كثير من الأمور المحرّمة، مع أنّ المنفيّ عنه البأس في روايتي أبي بصير هو نفس الكسب، و حمله على المكتسب تجوّز.

هذا، ثمَّ إنّه يشترط في الحلّية عدم دخول الرجال عليهنّ، و إلّا فيحرم و إن كانوا محارم، كما احتمله المحقّق الثاني «2»، للإطلاق.

و كذا يشترط عدم التكلّم بالباطل، و عدم سماع الأجانب من الرجال،

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي في الفقه: 281، الحلي في السرائر 2: 215، الديلمي في المراسم: 170، التذكرة 2: 581، الإرشاد 1:

357.

(2) جامع المقاصد 4: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 143

و الوجه ظاهر.

و أمّا اشتراط عدم العمل بالملاهي فلا وجه له، لأنّه ليس نفس الغناء، و لا عارضا له، و لا من مشخّصاته كما في السابقين، بل هو حرام مقارن له، فلا يحرم به، و لذا خصّ بعضهم الأولين بالذكر «1».

و هل يتعدّى إلى المغنّي و إلى غير الزفاف- و هو إهداء العروس إلى زوجها حتى يدخله عليها- بل و غير الأعراس؟

الظاهر: نعم، [لا] [1] لإطلاق قوله عليه السّلام في الرواية: «التي تدعى إلى الأعراس»، لعدم ثبوت صدق العرس على غير ما ذكر في زمان الشارع.

بل لقوله في الصحيحة «ليست بالتي

يدخل عليها الرجال» يدلّ على علّيّة عدم دخول الرجال للجواز، فيتحقّق كلّما لم يدخلوا عليهن.

و ردّ: بأنّ عدم الجواز في بعض صور عدم الدخول أيضا إجماعيّ، و منه يعلم عدم ثبوت العلّيّة الحقيقيّة لعدم دخول الرجال للجواز، فيكون تجوّزا، فلا يعلم منه ثبوت الحكم في غير محلّ التصريح.

و فيه نظر ظاهر، لأنّه يكون حينئذ من باب تخصيص عموم العلّة، و هو لا يخرجها عن الحجّيّة في غير موضع التخصيص.

هذا، مضافا في المغنّي إلى الأصل المعتمد عليه، حيث لم تثبت الحرمة بالإطلاق.

و منها: الحداء

، و هو سوق الإبل بالغناء، و اشتهر فيه الاستثناء، و توقّف فيه جماعة، مصرّحين بعدم عثورهم على دليل عليه «3»، و لذا ذهب

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) كالشيخ في النهاية: 367.

(3) منهم السبزواري في الكفاية: 86، صاحب الحدائق 18: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 144

جمع إلى عدم الاستثناء «1».

و الرواية العامّية- أنّه كان واحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يفعل الحداء بحضرته و هو يسمع، و بعد ذلك ترحّم عليه «2»- غير صالحة للحجّيّة.

و الحقّ فيه: عدم الحرمة، للأصل، و عدم ثبوت الحرمة كلّية.

و منها: في مراثي الحسين عليه السّلام و غيره من الحجج و المعصومين

، للأصل المذكور المعتمد.

و ربّما يؤيّد أيضا بعمل الناس في الأعصار و الأمصار من غير نكير.

و قول الصادق عليه السّلام لمن أنشد عنده مرثية «اقرأ كما عندكم» أي بالعراق «3».

و بأنّه معين على البكاء، فهو إعانة على الخير.

و القول بأنّ المسلّم هو إعانة الغناء على مطلق البكاء، و كونه خيرا ممنوع، و أمّا كونه معينا على البكاء على الحسين عليه السّلام فهو غير مسلّم، فإنّه إنّما يكون باعتبار تذكّر أحواله، و لا دخل للغناء فيه، مع أنّ عموم رجحان الإعانة على الخير أو إطلاقه و لو بالحرام غير ثابت.

مردود بأنّ تخصيص علّة البكاء على الحسين بتذكّر أحواله فقط أمر مخالف للوجدان، فإنّا نشاهد من أنفسنا تأثير الألفاظ و الأصوات، فنرى أنّه يعبّر عن واقعة واحدة بألفاظ مختلفة يحصل من بعضها البكاء الشديد، و لا يؤثّر بعضها أصلا.

______________________________

(1) منهم المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي في الفقه: 281، الديلمي في المراسم: 170، الحلي في السرائر 2: 215.

(2) انظر صحيح البخاري 7: 43، مسند أحمد 3: 172.

(3) ورد معناه في ثواب الاعمال: 111، كامل

الزيارات: 104، الوسائل 14: 594 أبواب المزار و ما يناسبه ب 104 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 145

و نرى أنّا نبكي من تعزية بعض الناس دون بعض، بل نرى أنّه ربّما يذكر أحد واقعة و لا يؤثّر في قلب، و يذكر غيره هذه الواقعة و تحصل منه الرقّة بحيث يشرف بعض الناس على الهلاكة، بل ربّما يبقى التأثير بعد تمام تعزيته، بحيث تسيل الدموع بمجرّد تذكّر ما ذكره من الوقائع بعد مدّة طويلة.

و بالجملة: إعانة الألفاظ و العبارات و الألحان و الأصوات على البكاء على شخص أمر مقطوع به، و ليس البكاء فيه على شي ء غير وقائع هذا الشخص، فإنّ المشاهد أنّ بتعزية بعض الناس و ذكر بعض الألفاظ تحصل حرقة خاصّة للقلب على الحسين عليه السّلام و أصحابه ما لا يحصل بتعزية غيره و لا بلفظ آخر مرادف.

و التحقيق: أنّ الصوت و اللفظ و اللحن من الأمور المرقّقة للقلب، المعدّة للتأثير، و بترقيقها و إعدادها يحصل البكاء بتذكّر الأحوال، فكون الصوت و اللفظ معينا على البكاء ممّا لا يمكن إنكاره.

و أمّا قول المعترض-: مع أنّ عموم رجحانه، إلى آخره- ففيه: أنّه ليس مراد المستدلّ تجويز إعانة البرّ بالحرام، بل يمنع الحرمة حين كون الغناء معينا على البكاء، استنادا إلى تعارض عمومات حرمة الغناء مع عمومات رجحان الإعانة بالبرّ و عدم المرجّح، فيبقى محلّ التعارض على مقتضى الأصل.

و منع عموم الإعانة على البرّ أو ترجيح عمومات الغناء بأظهريّة العموم أو الأكثريّة أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض، ليس بشي ء، لأنّ عموم إعانة البرّ مطلقا أمر ثابت كتابا و سنّة.

مع أنّ الأحاديث الواردة في أنّ من أبكى أحدا على الحسين كان

له

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 146

كذا و كذا بلغت حدّ الاستفاضة، بل التواتر، و كثير منها مذكور في ثواب الأعمال للصدوق «1»، فمنع التعارض ضعيف جدّا، كترجيح عمومات حرمة الغناء، فإنّ عمومات الإعانة على البرّ و خصوص الإبكاء «2» أكثر بكثير، مذكورة في الكتاب و السنّة، مجمع عليه بين الأصحاب.

و ترجيح جانب الحرمة على الجواز لم يثبت عندنا، إلّا على وجه الأولويّة و الاستحباب، و هو أمر آخر، بل لا يبعد ترجيح عمومات الإعانة بتضعيف حرمة الغناء دلالة أو سندا.

و أمّا ما يجاب عن التعارض بمنع كون الغناء معينا على البكاء مطلقا، لأنّ المعين عليه هو الصوت، و أمّا نفس الترجيع الذي يتحقّق به الغناء فلم يعلم كونه معينا عليه أصلا، لا على الحسين عليه السّلام و لا مطلقا.

ففيه أولا: أنّ من البيّن أنّ لنفس الترجيع أيضا أثرا في القلب، كما يدلّ عليه ما في كلام جماعة «3» من توصيف الترجيع بالمطرب مع تفسيرهم الإطراب، فإنّ حزن القلب من معدّات البكاء، مع أنّه قيل: إنّ الغناء المحرّم هو الصوت «4».

و منها: قراءة القرآن

، و قد مرّ قول صاحب الكفاية: أنّ الظاهر من تفسير الطبرسي أنّ التغنّي في القرآن مستحبّ عنده، و أنّ خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء «5».

______________________________

(1) ثواب الاعمال: 83.

(2) انظر الوسائل 14: 500 و 593 أبواب المزار و ما يناسبه ب 66 و 104.

(3) منهم المحقق في الشرائع 4: 128، الشهيد في الدروس 2: 126، الكركي في جامع المقاصد 4: 23.

(4) راجع ص: 124 و 125.

(5) كفاية الأحكام: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 147

و توهّم أنّ الطبرسي لم يذكر إلّا تحسين اللفظ و تزيين الصوت و تحزينه، و كلّ

ذلك غير الغناء.

مردود بأنّه- بعد ذكر الرواية الآتية الآمرة بالتغنّي بالقرآن- ذكر تأويل بعضهم بأنّ المراد منه: الاستغناء بالقرآن، ثمَّ قال: و أكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت و تحزينه «1».

و لا نعني أنّ المراد بالتغنّي هنا هو ما تحصل به زينة الصوت و تحزينه، و هو في مقام بيان معنى التغنّي ليس إلّا ما يحصل به الغناء.

ثمَّ إنّه يدلّ على استثنائها و جواز التغنّي فيها ما مرّ من الأصل، مضافا إلى المعتبرة الآمرة بقراءته بالحزن و بالصوت الحسن، و الدالّة على جوازها، بل رجحانها، و على حسن الصوت الحسن مطلقا:

كمرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن» «2».

و الروايات الأربع لعبد اللّه بن سنان «3»، و روايتي أبي بصير «4»، و روايات حفص «5» و عبد اللّه التميمي «6» و دارم بن قبيصة «7» و سماعة و موسى

______________________________

(1) مجمع البيان 1: 16.

(2) الكافي 2: 614- 2، الوسائل 6: 208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.

(3) الكافي 2: 614 و 615- 3 و 6 و 7 و 9، الوسائل 6: 208 و 210 و 211 أبواب قراءة القرآن ب 22 و 24 ح 2 و 1 و 3.

(4) الكافي 2: 615 و 616- 8 و 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(5) أمالي الطوسي: 544، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 3.

(6) الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 6.

(7) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 68- 322، الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 148

السمري، و صحيحة معاوية بن عمّار «1»،

و غيرها.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ هذه الأخبار تعارض مع أدلّة المنع، و التعارض بالعموم من وجه، و لا ترجيح، فيرجع إلى الأصل.

و منع التعارض، لأنّ الغناء هو الترجيع، و هو وصف عارض للصوت الحسن، يوجد بإيجاد آخر مغاير لإيجاد الصوت، فلا يدلّ الترغيب فيه على الترغيب فيه أيضا.

مدفوع بعدم ثبوت كون الغناء هو الترجيع، بل يقال: هو الصوت المشتمل على الترجيع، كما في كلام جماعة من أهل اللغة «2».

مع أنّ الوارد في بعض الأخبار المذكورة الأمر بالقراءة بالحزن أو بصوت حزين، و في بعضها تحسين الصوت، و لا شكّ أنّ الترجيع أحد أفراد القراءة بالحزن و التحسين أيضا، فيحصل التعارض على التقديرين، و يرجع إلى الأصل المقتضي للجواز.

و تدلّ على الجواز أيضا رواية أبي بصير الصحيحة عن السرّاد- المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه- و فيها: «و رجّع بالقرآن صوتك، فإنّ اللّه يحبّ الصوت الحسن يرجّع به ترجيعا» «3».

و العامي المرويّ في المجمع: «فإذا قرأتموه- أي القرآن- فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا و تغنّوا به، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا» «4».

و تردّ بمعارضتها لرواية عبد اللّه بن سنان «اقرءوا القرآن بألحان العرب

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 97، الوسائل 6: 209 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2.

(2) راجع ص: 124 و 125.

(3) الكافي 2: 616- 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(4) مجمع البيان 1: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 149

و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسوق و الكبائر، فإنّه سيجي ء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم».

مضافا إلى عدم الدلالة، أمّا الأول فلمنع كون

مطلق الترجيع غناء.

فإن قلت: إذا ضمّ معه الحزن المأمور به في الروايات يحصل الغناء.

قلنا: المأمور به هو حزن القارئ، و المعتبر في الغناء حزن المستمع، و شتّان ما بينهما.

و أمّا الثاني، فلجواز أن يكون المراد طلب الغناء و دفع الفقر.

و فيه: أنّ الرواية ليست معارضة لما ذكر، بل مؤكّدة له، للأمر بالقراءة بألحان العرب، و اللحن هو التطريب و الترجيع.

قال في النهاية الأثيريّة: اللحون و الألحان جمع لحن، و هو التطريب، و ترجيع الصوت، و تحسين القراءة، و الشعر و الغناء «1».

و قال في الصحاح: و منه الحديث: «اقرءوا القرآن بلحون العرب»، و قد لحن في قراءته: إذا طرب و غرد، و هو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة و غناء «2». و قال أيضا: الغرد- بالتحريك- التطريب في الصوت، و الغناء «3».

و أمّا النهي عن لحون أهل الفسوق و الكبائر و ذمّ أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، فلا يدلّ إلّا على النهي عن نوع خاصّ من الترجيع، و هو ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، و لعدم معلوميّته يجب العمل

______________________________

(1) النهاية 4: 242.

(2) الصحاح 6: 2193.

(3) الصحاح 2: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 150

في كلّ ما لا يعلم بالأصل.

و لا يتوهّم أنّه يلزم تخصيص العام بالمجمل إذا دلّت الرواية على أنّ الترجيع المجوّز هو ترجيع العرب، و المنهيّ عنه هو ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة و ترجيع أهل الفسوق و الكبائر، غاية الأمر أنّه لا يعلم تعيين أحدهما، و مثل ذلك ليس تخصيصا بالمجمل.

و أمّا منع كون مطلق الترجيع غناء ففيه: أنّه بعد ضمّ حسن الصوت المرغّب فيه مع الترجيع لا يمكن الخلوّ عن نوع من الإطراب،

فيكون غناء. و تحزين القارئ يستلزم تحزين المستمع غالبا.

و أمّا تأويل قوله: «تغنّوا» بطلب الغناء فهو ما يستبعد عن سياق الكلام غاية الاستبعاد.

و منها: مطلق الذكر و الدعاء و الفضائل و المناجاة و أمثالها

. و يدلّ على استثنائها و جواز الغناء فيها ما ذكرنا من الأصل السالم عن المعارض بالمرّة.

مضافا إلى مرسلة الفقيه المتقدّمة، المتضمّنة لتجويز شراء المغنّية لأن تذكّر بصوتها «1»، فإنّ إطلاقها يشمل الغناء أيضا، مع أنّ الظاهر أنّ السؤال كان عن غنائها إذا كان عدم حرمة غيره ظاهرا، و فيها دلالة على تأثير الصوت و وصفه في رقّة القلب، و لو لا دلالتها بخصوصها فلا شكّ في الدلالة بالعموم، فيحصل التعارض المذكور على نحو ما مرّ في القرآن و المراثي.

و قد يورد على التعارض المذكور بما مرّ من أنّ الغناء هو الترجيع المطرب، كما هو المستفاد من كلام الغزالي في الإحياء «2»، و من كلام

______________________________

(1) راجع ص: 132.

(2) إحياء علوم الدين 2: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 151

الجوهري في لغة التغريد، حيث قال: التغريد: التطريب في الصوت و الغناء «1».

و كذلك كلام جمع آخر فسّروه بالمعنى المصدري، كمدّ الصوت و تحسين اللفظ و أمثاله «2»، و هو من أوصاف الصوت و القراءة و الذكر و أمثالها الموجودة بإيجاد مغاير لإيجاد معروضاتها، فلا تعارض بين النهي عنه و الترغيب إليها.

نعم، يصحّ التعارض لو قلنا بأنّ الغناء هو الصوت المشتمل على الترجيع، كما هو المصرّح به في كلام طائفة أخرى، كصاحب القاموس، حيث قال: الغناء ككساء، من الصوت ما طرّب به «3».

و هو ظاهر النهاية الأثيريّة، قال: و كلّ من رفع صوتا و والاه فهو عند العرب غناء «4».

و عن الصحاح أنّه قال: الغناء هو ما يسمّيه العجم: دو بيتي «5».

بل قيل:

إنّ الغناء فسّر في المشهور بالصوت المشتمل على الترجيع المطرب «6».

بل هو الظاهر من الأخبار المفسّرة لقول الزور و لهو الحديث بالغناء، لأنّهما غير الترجيع.

و فيه: أنّ مع هذا الاختلاف و عدم تعيّن المعنى يرجع الى مقتضى

______________________________

(1) الصحاح 2: 516.

(2) راجع ص: 124 و 125.

(3) القاموس 4: 374.

(4) النهاية الأثيريّة 3: 391.

(5) لم نعثر عليه في الصحاح.

(6) انظر المفاتيح 2: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 152

الأصل، و هو الإباحة.

هذا، ثمَّ إنّه كما يحرم الغناء مطلقا أو غير ما استثني، يحرم استماعه أيضا بالإجماع و الروايات المتقدّمة.

و كذا يحرم التكسّب بالمحرّم منه و الأجرة عليه بلا خلاف أجده، و ظاهر المفيد أنّه إجماع المسلمين «1»، و في المنتهى: تعلّم الغناء و الأجرة عليه حرام عندنا بلا خلاف «2».

و تدلّ [عليه ] [1] روايات أبي بصير و الطاطري و ابن أبي البلاد المتقدّمة «4».

و رواية نصر بن قابوس: «المغنّية ملعونة، ملعون من أكل كسبها» «5».

و مرسلة الفقيه: «أجر المغنّي و المغنّية سحت» «6».

و قد يستدلّ عليه أيضا بالأصل، إذ الأصل عدم صحّة المعاملة و عدم الانتقال.

و هو ضعيف غايته، لأنّ غايته عدم اللزوم دون الحرمة لو رضى به المالك.

و منها: معونة الظالمين في ظلمهم

، بل في مطلق الحرام، بالثلاثة.

قال اللّه سبحانه وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ «7».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المقنعة: 588.

(2) المنتهى 2: 1012.

(4) راجع ص: 133 و 135.

(5) الكافي 5: 120- 6، التهذيب 6: 357- 1020، الاستبصار 3: 61- 203، الوسائل 15: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 4.

(6) الفقيه 3: 105- 436، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 17.

(7) المائدة: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14،

ص: 153

و قال تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «1» و الركون المحرّم هو الميل القليل، فكيف بالإعانة؟! و في حسنة أبي بصير: عن أعمالهم، فقال: «لا، و لا مدّة بقلم، و إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلّا أصابوا من دينه مثله» «2».

و موثّقة يونس: «لا تعنهم على بناء مسجد» «3».

و موثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة» «4».

و رواية عذافر: «ما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟!» «5».

و رواية ابن أبي يعفور، و فيها- بعد السؤال عن الرجل يدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسنّات يصلحها-: «ما أحب أنّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أنّ لي ما بين لابتيها، لا و لا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار» [1].

و صحيحة أبي حمزة: «إيّاكم و صحبة الظالمين و معونة الظالمين» «7».

و رواية طلحة بن زيد: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به

______________________________

[1] الكافي 5: 107- 7، التهذيب 6: 331- 919، الوسائل 17: 179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 6. و المسنّات: ضفيرة تبنى للسيل لتردّ الماء، سمّيت مسنّاة لأنّ فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه ممّا لا يغلب، انظر لسان العرب 1: 406.

______________________________

(1) هود: 113.

(2) الكافي 5: 106- 5، التهذيب 6: 331- 918، الوسائل 17: 179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 5.

(3) التهذيب 6: 338- 941، الوسائل 17: 180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 8.

(4) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب

به ب 48 ح 3.

(5) الكافي 5: 105- 1، الوسائل 17: 178 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 3.

(7) الكافي 8: 14- 2، الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 154

شركاء» «1».

و في عقاب الأعمال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيسا، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم» «2».

و في تفسير العيّاشي عن الرضا عليه السّلام- بعد السؤال عن أعمال السلطان- «الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر، و النظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار» «3».

و في كتاب ورّام: قال عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة» قال: «فيجتمعون في تابوت من حديد ثمَّ يرمى بهم في جهنّم» «4».

و فيه أيضا أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه، و هو يعلم أنّه ظالم، فقد خرج من الإسلام» «5»، إلى غير ذلك.

و المستفاد من غير الآية الاولى من تلك الأدلّة و إن كان حرمة إعانة الظالمين و لو في المباحات و الطاعات- و لذا يظهر الميل إليها من بعض أصحابنا «6»- إلّا أنّ ظاهر الأكثر «7»- بل كما قيل: بغير خلاف يعرف «8»-

______________________________

(1) الكافي 2: 333- 16، الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 2.

(2) عقاب الأعمال: 260، الوسائل 17: 180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 11.

(3) تفسير العياشي 1: 238- 110، الوسائل

17: 191 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 12.

(4) تنبيه الخواطر 1: 54، الوسائل 17: 182 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 16.

(5) تنبيه الخواطر 1: 54، الوسائل 17: 182 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 15.

(6) انظر الحدائق 18: 119 و الرياض 1: 504.

(7) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 213، السبزواري في الكفاية: 86، صاحب الرياض 1: 505.

(8) كما في الرياض 1: 505.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 155

اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم.

و علّل تارة بقصور الأخبار المطلقة سندا.

و أخرى بعدم صراحتها دلالة، لاحتمال أن يكون المراد بالمباحات و الطاعات ما عرضها التحريم بغصب و نحوه، كما هو الأغلب في أحوالهم.

و ثالثة بالحمل على الكراهة، جمعا بينها و بين قوله عليه السّلام في رواية ابن أبي يعفور: «ما أحبّ» الذي هو ظاهر في الكراهة قطعا، مع أنّ بعض تلك الأخبار ليس صريحا في التحريم، كالأول و الثالث، إذ يجوز أن يكون المراد من قوله: «لا» إنّه لا يحسن، أو لا أحبّ.

و في الأول: المنع، كيف؟! و فيها الصحيح و الموثّق و الحسن، مع أنّ بعد إطلاق الآية الثانية لا يضرّ ضعف سند الخبر.

و في الثاني: عدم الدليل على هذا التقييد البعيد، و الغلبة الموجبة للتقييد ممنوعة.

و في الثالث: بأنّ قوله: «ما أحبّ»، لا تنافيه الحرمة لغة، و ظهوره في الكراهة في زماننا لا يقتضيه في زمان الشارع، و الأصل تأخّره، مع أنّ مقتضى التعليل المعقّب له الحرمة، و عدم ظهور بعضها في الحرمة لا يوجب خروج الباقي عن الظهور.

فالأولى أن يعلّل بمعارضة تلك المطلقات مع الأخبار المتكثّرة، الواردة في الموارد العديدة في الحثّ على إعانة المسلمين و قضاء حوائجهم

و مودّتهم و الاهتمام بأمورهم «1»، المعاضدة بالكتاب «2» و بعمل كافّة الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل 12: 26 و 203 أبواب أحكام العشرة ب 14 و 122.

(2) المائدة: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 156

و إذ لا مرجّح فالعمل على الأصل المقطوع به، و هو جواز إعانة الظالم و قضاء حوائجه في غير المحرّم، لخروج المحرّم عن مطلقات الإعانة بالإجماع و ضرورة العقل .. و لكن مقتضى ذلك عدم رجحانه استحبابا أو وجوبا، بل يختصّ الرجحان بغير الظالم، و هو كذلك، و يلزمه عدم رجحان إعانة العاصي للّه، بل من صدرت عنه معصية و لم [يتب ] [1]، لصدق الظالم عليه لغة و إطلاقه عليه في غير موضع من الكتاب العزيز.

و اختصاص بعض الأخبار «2» بالظالمين من خلفاء الجور لا يخصّص غيره، و يؤكّده الحثّ على بغض الفسّاق، و الأمر بالبغض في اللّه، و النهي عن مجالسة أهل المعصية في أخبار كثيرة «3».

و أمّا من تاب عن ذنب فهو كمن لا ذنب له، ضرورة إعانة النبيّ و الأئمّة لمن سبق كفره و عصيانه بعد رجوعه، و محبّتهم له و مصادقتهم إيّاه، فمثله خارج عن مطلقات النهي عن إعانة الظالم قطعا، فيدخل في معارضها بلا معارض، و مثله من لم يعلم صدور ظلم و معصية منه، لعدم العلم بصدق الظالم.

و هل يلحق بهما من لم يعلم بالقرائن ركونه إلى الذنب من أهل العصيان، و احتملت في حقه التوبة؟

فيه إشكال من حيث دلالة الأخبار على وجوب عدم اتّهام المسلم في أمر دينه، و التوبة أمر واجب من الدين، و من جهة أنّ ما يدلّ على خروج التائب عن الظالم- من معاملة المعصومين مع أصحابهم- لم تعلم دلالته

______________________________

[1] في النسختين

يثبت، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(2) الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42.

(3) الوسائل 12: 27 أبواب أحكام العشرة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 157

على خروج مثله أيضا، فتأمّل.

و منها: حفظ كتب الضلال عن الاندراس، و نسخها و تعليمها و تعلّمها

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    157     و منها: حفظ كتب الضلال عن الاندراس، و نسخها و تعليمها و تعلمها ..... ص : 157

على المعروف من مذهب الأصحاب، بل بلا خلاف بينهم كما في المنتهى «1».

لرواية الحذّاء: «من علّم باب ضلال كان عليه مثل وزر من عمل به» «2».

و لما رواه في تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد، عن الصادق عليه السّلام: «و كلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه و يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق، فهو حرام بيعه و شراؤه و إمساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلّب فيه، إلّا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك» «3». و ينجبر ضعفها بالعمل.

و التمسّك بحرمة المعاونة على الإثم غير مطّرد، و بوجوب دفع الضرر المحتمل أو المظنون ضعيف، لأنّه إنّما يفيد لو انحصر الدفع بذلك، و ليس كذلك، لاندفاعه بعدم الرجوع، أو المجاهدة في دفع الشبهة، و لذا يتعلّق التكليف به.

و مقتضى الاستثناء في الأخيرة عدم الحرمة مع التقيّة، و هو كذلك، بل و كذا إذا كان الغرض النقض أو الحجّة على أهل الباطل، وفاقا لصريح المشهور «4»، لما رواه الشيخ الحرّ في الفصول المهمة، عن الصادق عليه السّلام- و الظاهر أنّه أيضا من الكتاب المذكور-: «إنّ كلّ شي ء يكون لهم فيه

______________________________

(1) المنتهى 2: 1013.

(2) الكافي 1: 35- 4، الوسائل 16: 173 أبواب الأمر

و النهي ب 16 ح 2.

(3) تحف العقول: 245- 250، المحكم و المتشابه: 46- 48، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(4) كما في المسالك 1: 166، و الرياض 1: 503.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 158

الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه و إمساكه و استعماله و هبته و عاريته» «1».

و مقتضى ذلك و إن كان استثناء كلّ ما إذا ترتّب عليه مقصد صحيح- كتحصيل البصيرة بالاطّلاع على الآراء و المذاهب، و تمييز الصحيح من الفاسد، و الاستعانة على التحقيق، و تحصيل ملكة البحث و النظر، و غير ذلك، كما ذكره المحقّق الثاني و صاحب الكفاية «2»- إلّا أنّ ضعف الرواية و عدم انجبارها إلّا في النقض و الاحتجاج يمنع من استثناء غيرهما.

و لو اشتمل الكتاب على الضلال و غيره جاز حفظ غير موضع الضلال بعد طرحه، للأصل.

و المراد بالضلال: ما خالف الحق واقعا كما يخالف الضروري، أو بحسب علم المكلف خاصّة، و أمّا ما خالفه بحسب ظنّه فلا.

و هل تلحق بكتب الضلال كتب السحر و القيافة و أمثالهما من المحرّمات؟

الظاهر من رواية التحف ذلك، و لكن لعدم تصريح الأصحاب به لم تعلم الشهرة الجابرة، فالأصل ينفيه إلّا مع قصد التوصّل إلى المحرّم.

فرع: مقتضى ما ذكر وجوب إتلاف ما فيه ضلال من الكتب و عدم لزوم غرامة على من أتلفه من غيره، إلّا إذا احتمل الغرض المستثنى في حقّه مع ادّعائه.

و منها: هجاء المؤمنين:
اشاره

أي ذكر معايبهم بالشعر، للإجماع، و إيجابه الإيذاء.

______________________________

(1) تحف العقول: 245- 250.

(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 26، الكفاية: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 159

و قد قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ

يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «1».

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من آذى مؤمنا فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه، فهو ملعون في التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان» «2»، و منه و ممّا يأتي من جواز غيبة المخالف و سبّه يظهر وجه التخصيص.

و أمّا رواية السكوني: «من تمثّل ببيت شعر من الخنا لم تقبل منه صلاة ذلك اليوم، و من تمثّل بالليل لم تقبل منه الصلاة تلك الليلة» [1] فعن إفادة الحرمة قاصرة.

و الغيبة أعمّ من وجه منه، و هي أن يذكر إنسان من خلفه بما هو فيه من السوء، فلو لم يكن من خلفه لم يكن غيبته، كما هو مقتضى مادّة اللفظ.

و في رواية أبان: عن رجل لا يعلمه إلّا يحيى الأزرق «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس فقد اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» «4»، و يستفاد منها وجه اشتراط كونه ممّا هو فيه أيضا.

مضافا إلى حسنة عبد الرحمن بن سيابة: «الغيبة: أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه، و أمّا الأمر الظاهر فيه مثل الحدّة و العجلة فلا، و البهتان:

______________________________

[1] التهذيب 2: 240- 952، الوسائل 7: 403 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 51 ح 2، و الخنا: الفحش من القول- مجمع البحرين 1: 132.

______________________________

(1) الأحزاب: 58.

(2) جامع الأخبار: 147، مستدرك الوسائل 9: 99 أبواب أحكام العشرة ب 125 ح 1.

(4) الكافي 2: 358- 6، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 160

أن تقول فيه ما ليس فيه» «1».

و ما رواه في مكارم الأخلاق: قلت: يا رسول اللّه، و ما الغيبة؟ قال:

«ذكرك أخاك بما يكره»، قلت: يا رسول اللّه، فإن كان فيه ذلك الذي يذكر به؟ قال: «اعلم أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، و إذا ذكرته بما ليس هو فيه فقد بهته» «2».

و ما رواه في مجمع البيان: «إذا ذكرت الرجل بما فيه ممّا يكرهه اللّه فقد اغتبته» «3».

و يظهر من ذلك و سابقة- مضافا إلى الإجماع- وجه اشتراط كونه مؤمنا، فلو لم يكن كذلك لم يكن غيبة.

و هل يشترط فيه أن يكون ممّا يكره المغتاب و يغمّه لو سمعه؟

الأظهر: لا، لإطلاق الأوليين، و صحيحة داود بن سرحان: عن الغيبة، قال: «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبثّ عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ» «4».

و لا تنافيه رواية المكارم، لجواز أن يكون ما يكره بمعناه اللازم، مع أنّا نرى كراهة بعض الناس ممّا ليس بسوء عرفا، بل ممّا هو حسن شرعا، و هو ليس بغيبة إجماعا.

و منهم من أخذ فيها قصد الذمّ [1]، فإن أراد في صدق الغيبة فالإطلاق

______________________________

[1] قال في جامع المقاصد 4: 27: و ضابط الغيبة كلّ فعل يقصد به هتك عرض المؤمن و التفكّه به.

______________________________

(1) الكافي 2: 358- 7، الوسائل 12: 288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 2.

(2) مكارم الأخلاق 2: 378.

(3) مجمع البيان 5: 137.

(4) الكافي 2: 357- 3، الوسائل 12: 288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 161

ينفيه، و إن أراد في التحريم ففيه تفصيل

يأتي.

ثمَّ إنّه لا ريب في حرمة الغيبة، و يدلّ عليها الإجماع، و الكتاب، و السنّة.

قال اللّه سبحانه مخاطبا للذين آمنوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «1».

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إيّاكم و الغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا، فإنّ الرجل قد يزني فيتوب اللّه عليه، و إنّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه» «2».

و عن الصادق عليه السّلام: «الغيبة حرام على كلّ مسلم» «3».

و في مرسلة ابن أبي عمير: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ» «4».

و رواية السكوني: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه» «5».

و رواية الحسين بن زيد: «و نهى عن الغيبة، و قال: من اغتاب إمرءا مسلما بطل صومه و نقض وضوءه، و جاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة، يتأذّى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات

______________________________

(1) الحجرات: 12.

(2) أمالي الطوسي: 548، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 9.

(3) مصباح الشريعة: 204، و عنه في البحار 72: 257- 48.

(4) الكافي 2: 357- 2، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 6، و الآية: النور: 19.

(5) الكافي 2: 356- 1، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 162

مستحلّا لما حرّمه اللّه تعالى» «1».

و في خطبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «معاشر من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه، لا تغتابوا المسلمين، و لا تتّبعوا عوراتهم» «2».

و في رواية: «كذب من زعم أنّه ولد حلال

و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة» «3».

و المستفاد من إطلاق رواية السكوني و ما بعدها و ما في معناها و إن كان حرمة غيبة المخالف أيضا، إلّا أنّ صريح جماعة التخصيص بالمؤمن «4»، بل نفى بعضهم الريب عنه «5»، فتجوز غيبة المخالف، و هو كذلك.

لصحيحة داود بن سرحان: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم، كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلّموا من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» «6».

و الوقيعة: الغيبة، قال في مجمع البحرين: وقع في الناس وقيعة:

______________________________

(1) الفقيه 4: 8- 1، الوسائل 12: 282 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 13.

(2) الكافي 2: 354- 2، المحاسن: 104- 83، عقاب الأعمال: 241، الوسائل 12: 275 أبواب أحكام العشرة ب 150 ح 3، بتفاوت في الجميع.

(3) أمالي الصدوق: 174- 9، الوسائل 12: 283 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 16.

(4) منهم المحقق في الشرائع 2: 10 و العلامة في المنتهى 2: 1013 و الشهيد الثاني في المسالك 1: 166.

(5) كما في الرياض 1: 503.

(6) الكافي 2: 375- 4، الوسائل 16: 267 أبواب الأمر و النهي ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 163

اغتابهم «1».

و يؤيّده اختصاص أكثر الأخبار الواردة في طرقنا بالمؤمن أو الأخ في الدين «2»، و دعوى الإيمان و الأخوّة للمخالف ممّا يقطع بفساده.

و تؤكّده النصوص المتواترة الواردة عنهم في طعنهم و لعنهم و تكفيرهم، و أنّهم شرّ من اليهود و النصارى و أنجس

من الكلاب «3».

فتأمّل نادر ممّن تأخّر ضعيف كتمسّكه بإطلاق الكتاب «4»، لاختصاص الخطاب بأهل الإيمان، و كون المخالفين منهم ممنوع، و اقتضاء التعليل بما تضمّن الاخوّة اختصاص الحكم بمن ثبت له الصفة.

مضافا إلى أنّ تعدية خطاب المشافهة إلى الغائبين تحتاج إلى اتّحاد الوصف، و لا ريب في تغايره.

فروع:
[الأول ]

أ: ذكر جماعة «5»- منهم: والدي رحمه اللّه في جامع السعادات «6»- أنّ الغيبة لا تنحصر باللسان، بل كلّما يفهم نقصان الغير و يعرّف ما يكرهه فهو غيبة، سواء كان بالقول، أو الفعل، أو التصريح، أو التعريض، أو الإشارة، أو الإيماء، أو الغمز، أو الرمز، أو الكتابة، أو الحركة.

______________________________

(1) مجمع البحرين 3: 408.

(2) الوسائل 12: 278 أبواب أحكام العشرة ب 152.

(3) الوسائل 16: 176 أبواب الأمر و النهي ب 17.

(4) مجمع الفائدة 8: 76.

(5) كالعلامة في القواعد 2: 46 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 27 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 314.

(6) جامع السعادات 2: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 164

أقول: لا شكّ فيه إذا كان بالتعريض بالقول، لصدق القول و الذكر، و أمّا في البواقي فاستدلّ عليه بأنّ الذكر باللسان غيبة محرّمة ليفهمه الغير نقصان أخيك، لا لكون المفهم لسانا.

مضافا في الإيماء و الحركة إلى ما روي: أنّه دخلت امرأة قصيرة على عائشة، فلمّا ولّت أومأت بيدها- أي هي قصيرة- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«قد اغتبتها» «1».

مع أنّ القلم أحد اللسانين.

و في الكلّ نظر، لكون العلّة مستنبطة، و الرواية ضعيفة، و العبارة غير ثابتة ممّن كلامه حجّة، و لفظ البثّ في صحيحة داود «2» و إن اقتضى التعميم، إلّا أنّ صدر الصحيحة و رواية عبد الرحمن «3» يخصّصها بالقول،

و هو الأظهر.

[الثاني ]

ب: قال والدي في جامع السعادات: ذكر مصنّف في كتابه فاضلا معيّنا و تهجين كلامه بلا اقتران شي ء من الأعذار المحوجة إلى ذكره غيبة «4».

و في كونه غيبة نظر، و إن كان محرّما لكونه إيذاء.

[الثالث ]

ج: قال والدي- رحمه اللّه- في الكتاب المذكور: الغيبة إنّما تحرم إذا قصد بها هتك عرضه أو إضحاك الناس منه، و أمّا إذا كان ذلك لغرض صحيح لا يمكن التوصّل إليه إلّا به فلا تحرم «5».

و في إطلاقه نظر، و الظاهر الاقتصار في الجواز فيما ورد في جوازه

______________________________

(1) مسند أحمد 6: 136.

(2) المتقدّمة في ص: 160.

(3) المتقدّمة في ص: 159.

(4) جامع السعادات 2: 323.

(5) جامع السعادات 2: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 165

رخصة خصوصا أو عموما، كما يأتي وجهه.

[الرابع ]

د: النقص- كما صرّح به والدي «1»- أعمّ من أن يكون في بدنه، أو أخلاقه، أو أفعاله، أو أقواله المتعلّقة بدينه أو دنياه، بل في ثوبه، أو داره، أو دابّته، و أمثال ذلك.

[ما استثني من الغيبة المحرمة]
اشاره

ثمَّ إنّه استثنيت من الغيبة المحرّمة مواضع:

الأول: الفاسق مطلقا إذا كان مصرّا على فسقه

، استثناه بعضهم، بل ظاهر مجمع البحرين أنّه المشهور، قال: المنع من غيبة الفاسق المصرّ- كما يميل إليه كلام بعض من تأخّر- ليس بالوجه «2».

و يدلّ عليه ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنّه قال: «قولوا في الفاسق ما فيه كي يحذره الناس» «3».

و عنه أيضا: أنّه قال: «لا غيبة لفاسق» «4».

و الحمل على النهي بعيد، و ينفيه بعض الأخبار الآتية، و لكن ضعف الروايتين و عدم ثبوت الشهرة الجابرة يمنع الحكم بمقتضاهما.

نعم، في موثّقة سماعة: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدله، و وجبت اخوّته» «5».

و في موثّقة أبي بصير: أنّه: «استأذن على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- و كان عند

______________________________

(1) جامع السعادات 2: 303.

(2) مجمع البحرين 1: 136.

(3) تفسير القرطبي 16: 339.

(4) مستدرك الوسائل 9: 129 أبواب أحكام العشرة ب 134 ح 6، و رواه في غوالي اللئالي 1: 438- 153.

(5) الكافي 2: 239- 28، الوسائل 12: 278 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 166

عائشة- رجل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة فدخلت البيت، فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلما دخل أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بوجهه و بشره اليه يحدّثه، حتى إذا فرغ و خرج من عنده قالت عائشة:

يا رسول اللّه، بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك و بشرك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

عند ذلك: إنّ من شرار عباد اللّه من يكره مجالسته لفحشه» «1».

و لكن جواز كون المنفيّ بالمفهوم في الأولى مجموع الأربعة، و الرجل في الثانية كافرا أو بالفسق مجاهرا، يمنع من إثباتهما الحكم.

الثاني: المجاهر بالفسق المعلن له

، و قد استثناه جماعة «2».

و تدلّ عليه روايات أبان و عبد الرحمن و صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة «3».

مضافة إلى صحيحة هارون بن الجهم المرويّة في مجالس الصدوق:

«و إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» «4».

و احتمال النهي- مع كونه بعيدا- ينفيه العطف على الحرمة و الشرط.

و تؤيّده رواية ابن أبي يعفور: «لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته» «5».

______________________________

(1) الكافي 2: 326- 1، و أورد ذيله في الوسائل 16: 30 أبواب جهاد النفس ب 70 ح 5.

(2) منهم العلّامة في القواعد 2: 148، الشهيد الثاني في الروضة 3: 214، السبزواري في الكفاية: 87.

(3) في ص: 159، 162.

(4) أمالي الصدوق: 42- 7، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 4.

(5) التهذيب 6: 241- 596، الاستبصار 3: 12- 33، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 167

و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له» «1».

لا يقال: إنّ تعارض الأخبار المجوّزة مع الأخبار الناهية عن غيبة المؤمن و المسلم بالعموم من وجه، و الترجيح للناهية بموافقة الكتاب.

فإنّا نقول: إنّ هذا إذا علم عموم الكتاب للمجاهر بالفسق أيضا، و هو غير معلوم، لأنّ الخطاب للمشافهين، و كون واحد منهم مجاهرا بالفسق لم يعلم، بل هو

بالأصل مدفوع، فإثبات الحكم للمجاهر بالشركة غير جائز.

و مقتضى الروايتين و الصحيحة المتقدّمة و إن كان اختصاص الجواز بما جاهر و تظاهر به، و عدم التعدّي إلى غيره من الأسواء- كما هو المصرّح به في كلام جماعة «2»- إلّا أنّ مقتضى البواقي التعميم، فعليه الفتوى.

الثالث: من كان معروفا باسم يعرب عن غيبته.

و تدلّ عليه- بعد عمل العلماء- الروايتان، و الصحيحة المتقدّمة، بل مقتضاها استثناء كلّ عيب عرفه الناس و لو لم يعرف به، و لكنّ المستفاد منها عدم كون ذلك غيبة، لا عدم الإثم عليه لو كان ممّا يكره صاحبه لو سمعه، فيحرم لو كان كذلك، لعمومات حرمة الإيذاء و إظهار العيوب «3».

الرابع: إذا علم اثنان من رجل عيبا فذكره أحدهما عند الآخر

، استثناه بعضهم «4»، و هو تخصيص للعمومات من غير حجّة، و رواية أبان «5»

______________________________

(1) الاختصاص (مصنفات الشيخ المفيد 12): 242، مستدرك الوسائل 9: 129 أبواب أحكام العشرة ب 134 ح 3.

(2) منهم الشهيد في القواعد و الفوائد 2: 148.

(3) الوسائل 8: 608 أبواب أحكام العشرة ب 157.

(4) انظر القواعد و الفوائد 2: 151.

(5) الكافي 2: 358- 6، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 168

غير مفيدة، لأنّه لم يعرفه الناس.

الخامس: التظلّم عند من يرجو إزالة ظلمه

، لبعض الروايات، و لتوقّف دفع الظلم المجوّز إجماعا عليه.

السادس: ما كان متعلّقه- أعني المقول فيه- غير معيّن

، نحو: بعض الناس كذا، و: بعض أهل البصرة كذا، أو: رأيت شخصا كذا، لعدم ظهور الأخبار الناهية في مثل ذلك، و للإجماع، و لورود مثله في كلمات الأطهار.

السابع: ما كان متعلّقه غير معروف عند السامع.
الثامن: ما كان متعلّقه غير محصور

. و في استثنائهما نظر ظاهر، بل الحرمة فيهما أظهر.

التاسع: الجرح و التعديل للشاهد و الراوي

، لعمل العلماء، و أخبار التذكية المعارضة لمحرّمات الغيبة، فيرجع إلى الأصل.

و منه يعلم استثناء كلّ ما وردت في جوازه أو وجوبه حجّة خاصّة أو عامة مكافئة لأدلّة حرمة الغيبة، كالاستفتاء، و نصح المستشير، و تحذير المسلم من الوقوع في الخطر و الشرّ، و الشهادة على فاعل المحرّم حسبة و أمثالها.

و منها: غشّ الناس

، و هو حرام بلا خلاف فيه ظاهرا، و في المنتهى التصريح به «1»، للصحاح المستفيضة و غيرها.

ففي صحيحة هشام بن سالم: «ليس من المسلمين من غشّهم» «2».

و صحيحة هشام بن الحكم- كما في الفقيه- و حسنته- كما في

______________________________

(1) المنتهى 2: 1012.

(2) الكافي 5: 160- 2، التهذيب 7: 12- 49، الوسائل 17: 279 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 169

الكافي و التهذيب-: «البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحل» [1].

و مرسلة عبيس: «إيّاك و الغشّ» «1».

و مرسلة الفقيه: «ليس منّا من غشّ مسلما» «2».

و اخرى: «من غشّ المسلمين حشر مع اليهود يوم القيامة» «3».

و ثالثة: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لزينب العطّارة: إذا بعت فأحسني و لا تغشّي» «4».

و في عقاب الأعمال: «من غشّ مسلما في بيع أو شراء فليس منّا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة» «5» إلى غير ذلك.

ثمَّ الغشّ خلاف النصح و الخلوص، أو إظهار خلاف ما أضمر، و حصوله في المعاملات إنّما يكون إذا كان في المبيع نقص و رداءة، و له صور.

و توضيح المقام: أنّ النقص الذي يمكن أن يتحقّق فيه الغشّ يتصوّر على وجوه، لأنّ سببه إمّا يكون مزج المبيع بغير جنسه- كاللبن بالماء- أو بجنسه- كالجيّد بالردي- أو بغير المزج.

و هو قد يكون بعيب فيه

أخفاه بإبداء وصف يستره، أو عدم إظهاره

______________________________

[1] الفقيه 3: 172- 770، الكافي 5: 160- 6، التهذيب 7: 13- 54- و وجه كونها حسنة فيهما وجود إبراهيم بن هاشم في السند و هو إمامي ممدوح- الوسائل 17:

280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 3.

______________________________

(1) الكافي 5: 160- 4، التهذيب 7: 12- 51، الوسائل 17: 281 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 7.

(2) الفقيه 3: 173- 776، 777، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 10.

(3) الفقيه 3: 173- 776، 777، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 10.

(4) الفقيه 3: 173- 775، الوسائل 17: 281 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 6.

(5) عقاب الأعمال: 284، الوسائل 17: 283 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 170

مع كونه مستورا.

و قد يكون بتغييره عمّا هو في الواقع إلى الأدنى لمصلحة نفسه، كبلّ اليابس لزيادة الوزن.

و قد يكون بالتباس السلعة بأن يزعم الردي ء الجيّد، كأن يبيع لبن البقر مكان لبن المعز.

ثمَّ على جميع التقادير: إمّا يكون النقص خفيّا حال المعاملة عرفا، أو غير خفيّ، بل يكون ممّا يعرف غالبا.

و على الأول: إمّا يكون ممّا يظهر النقص حال المعاملة بالفحص، و يكون خفاؤه لتقصير المشتري، أو لا يظهر بالفحص.

و على الثاني: إمّا يعلم تفطّن المشتري به، أو عدم تفطّنه، أو لا يعلم.

و على التقادير: إمّا يبيعه على ما هو المتعارف في الخالي عن النقص من السعر، أو على ما يتعارف مع النقص.

و على التقادير: إمّا يكون حصول النقص بفعل البائع بقصد الغشّ، أو لا.

و على التقادير: إمّا يظهر من البائع عدم النقص قولا أو

فعلا، أو يظهر النقص، أو لا يظهر شي ء منهما.

فإن أظهر عدم النقص ارتكب المحرّم مطلقا، لكونه كذبا مطلقا، و غشّا أيضا في صور عدم تفطّن المشتري.

و إن أظهر النقص لم يرتكب محرّما أصلا، بالإجماع و المستفيضة.

و إن لم يظهر شيئا منهما فلا حرام مع تفطّن المشتري، بل مع عدم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 171

العلم بعدم تفطّنه، و إن علم عدم تفطّنه فالظاهر الحرمة أيضا، لكونه خلاف النصح الواجب بالأخبار المستفيضة، إلّا إذا باعه بسعر الردي ء و لم يتضرّر به المشتري.

ثمَّ البيع صحيح في جميع تلك الصور، لتعلّق النهي بالغشّ، و هو غير البيع، لأنّه يتحقّق بإظهار خلاف ما أضمر أو ترك النصح، و كلاهما غير البيع.

و لا يضرّ ظنّ المشتري اتّصافه بخلاف ما هو كذلك فلا يقصد ذلك، لأنّ ثبوت خيار الرؤية بالأخبار «1» و الإجماع يدلّ على عدم اعتبار ذلك في الصحة.

و منها: تدليس الماشطة

بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها لترويج كسادها، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في بعض العبارات «2»، لكونه غشّا. و منه يظهر انسحاب الحكم في فعل المرأة ذلك بنفسها.

و لو انتفى التدليس- كما لو كانت مزوّجة- فلا تحريم، للأصل، و المستفيضة:

ففي صحيحة محمّد: «فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ادني منّي يا أمّ عطيّة، إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإنّ الخرقة تشرب ماء الوجه» «3».

و مرسلة ابن أبي عمير: «دخلت ماشطة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال

______________________________

(1) الوسائل 18: 28 أبواب الخيار ب 15.

(2) مجمع الفائدة 8: 84.

(3) الكافي 5: 118- 1، التهذيب 6: 360- 1035، الوسائل 17: 131 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 14، ص: 172

لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ قالت: يا رسول اللّه، أنا أعمله إلّا أن تنهاني عنه فأنتهي، فقال: افعلي، فإذا مشّطت فلا تجلي الوجه بالخرقة، فإنّه يذهب بماء الوجه، و لا تصلي الشعر بالشعر» «1».

و رواية سعد الإسكاف: عن القرامل التي تضع النساء في رؤوسهنّ يصلنه بشعورهن، فقال: «لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها»، قال: فقلت له: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة، فقال:

«ليس هناك، إنّما لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الواصلة التي تزني في شبابها، فلمّا كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة» «2».

و مضمرة عبد اللّه بن الحسن: عن القرامل، قال: «و ما القرامل؟» قلت: صوف تجعله النساء في رؤوسهن، قال: «إذا كان صوفا فلا بأس، فإن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصولة» «3».

و مرسلة الفقيه: «لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطى، و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، و أمّا شعر المعز فلا بأس بأنّ يوصل بشعر المرأة» «4».

بل يستحبّ تزيين المرأة لزوجها، كما يستفاد من كثير من المعتبرة.

ثمَّ المستفاد من المرسلتين حرمة وصل شعر المرأة بشعر امرأة

______________________________

(1) الكافي 5: 119- 2، التهذيب 6: 359- 1031، الوسائل 17: 131 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 5: 119- 3 بتفاوت يسير، التهذيب 6: 360- 1032، الوسائل 17:

132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 3.

(3) التهذيب 6: 361- 1036، الوسائل 17: 132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 5.

(4) الفقيه 3: 98- 378، الوسائل 17: 133 أبواب ما يكتسب

به ب 19 ح 6، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 173

اخرى، و حمل على الكراهة، أو على ما إذا كان فيه تعريض للشعر إلى غير ذات محرم، فإن ثبت إجماع، و إلّا فلا وجه للحمل، و ثبوت الإجماع مشكل، فالتعميم أظهر.

و تجويز وضع القرامل في رواية سعد، و إنكار لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مطلق الواصلة و الموصولة للقرامل، لا يفيد، لكون القرامل أعمّ، فيجب التخصيص، سيّما مع التصريح بذلك التخصيص في رواية عبد اللّه.

و هل يلحق به وضع شعر الغير على الرأس من غير وصل؟

فيه تأمّل، و عدم اللحوق أظهر.

و منها: تزيين الرجل بالذهب و الحرير

إلّا ما استثني، و بالسوار و الخلخال و الثياب المختصّة بالنسوة في العادة- و تختلف باختلاف الأصقاع و الأزمان- إجماعا، نصّا و فتوى في الأولين، و على الأظهر الأشهر في البواقي، بل قد يحتمل فيها الإجماع أيضا، للنصوص المانعة عن تشبّه كلّ من الرجال و النساء بالآخر:

ففي الخبر المرويّ عن الخلاف و العلل: «لعن اللّه المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال» «1».

و في آخره: «أخرجوهم من بيوتكم، فإنّهم أقذر شي ء» «2» و قصور الأسانيد منجبر بالشهرة، مع التأيّد بأنّه من لباس الشهرة المنهيّ عنها في المستفيضة.

______________________________

(1) العلل: 602- 63، الوسائل 17: 284 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 2 و ج 20:

337 أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 9.

(2) العلل: 602- 64، الوسائل 17: 285 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 3 و ج 20:

338 أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 174

و يظهر من الخبر المذكور أنّه ينسحب الحكم في تزيين المرأة بلباس الرجل أيضا، مع أنّه

لا قائل بالفرق.

و منها: العمل بآلات اللهو

. و قد ذكرنا تفصيلها في كتاب الشهادات.

و منهم من زاد أمورا أخر، و منهم من نقص.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 175

المقصد الرابع في بعض ما يتعلّق بهذا المقام

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: المشهور أنّه لا يجوز أخذ الأجرة على ما يجب فعله

اشاره

عينا أو كفاية، و نفى بعضهم الخلاف فيه «1»، و ظاهر الأردبيلي الإجماع عليه «2».

و عن فخر المحقّقين: عدم الجواز في الواجبات المتوقّفة على النيّة دون غيرها «3».

و ظاهر بعضهم اختصاص عدم الجواز بالذاتي دون التوصّلي، بل ادّعى الإجماع على الجواز في الثاني «4».

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 505.

(2) مجمع الفائدة 8: 89.

(3) إيضاح الفوائد 2: 264.

(4) انظر الرياض 1: 505.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 176

و توهّم اتّحاد القولين الأخيرين باطل، لأنّ الذاتي قد تكون فيه النيّة و قد لا تكون، كردّ الأمانة، و أداء الدين، و مضاجعة الزوجة، و نحوها.

و نسب الخلاف إلى السيّد في تغسيل الموتى و تكفينهم و دفنهم بالنسبة إلى غير الولي «1»، و هو بالخلاف في الموضوع أشبه، فإنّه لا يقول بوجوب هذه الأمور على غير الولي.

و استدلّ عليه تارة بالإجماع. و هو- لعدم ثبوته إلّا في الجملة- قاصر عن إفادة تمام المطلوب.

و اخرى بمنافاته للإخلاص المأمور به. و هو- مع اختصاصه بما يتوقّف على النيّة- ممنوع، لإمكان الإخلاص غبّ [1] إيقاع عقد الإجارة، فإنّ العمل يصير بعده واجبا، و يصير من قبيل ما لو وجب بنذر و شبهه، فيمكن تحقّق الإخلاص في العمل، و إن صارت الأجرة سببا لتوجه الأمر الإيجابي إليه.

و بذلك صحّح جماعة جواز الأجرة على استئجار الصلوات على الأموات «3».

و التحقيق أن يقال: إنّ مورد الإجارة إمّا ما هو واجب على الأجير عينا أو كفاية، أو على المستأجر.

و على الأول: إمّا دلّ دليل على وجوبه مطلقا، أي من غير تقييد بأخذ الأجرة عليه، أو ليس كذلك.

و على التقادير: إمّا يكون واجبا ذاتيّا، أو توصّليّا.

______________________________

[1] غبّ كلّ شي ء: عاقبته- الصحاح 1: 190.

______________________________

(1)

نسبه إليه في شرح جمل العلم و العمل: 148.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 505.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 177

و على الأول: إمّا تجب فيه النيّة، أو لا.

فإن كان واجبا مطلقا على الأجير لا ترد عليه الإجارة، و لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا، لأنّ هذا الفعل إمّا ليس فيه منفعة للمستأجر، أو تكون فيه منفعة له.

فإن لم تكن فيه منفعة فلا معنى للإجارة و الأجر فيه، لأنّ الأجر عبارة عمّا يؤخذ عوضا عن شي ء ينتقل إلى المستأجر، فإذ لا منفعة له فيه فلا نقل، فلا أجر و لا إجارة.

و كذلك إن كانت فيه منفعة له، كإنقاذ ولده الغريق، لأنّ إيجاب اللّه سبحانه هذا الفعل على الأجير و طلبه منه تمليك للمستأجر لهذه المنفعة من الأجير، و لا تجوز الإجارة و لا أخذ الأجرة عن شخص بعوض أداء ما يملكه.

و هذا ظاهر، و فيما تجب فيه النية أظهر، لأنّ منافع العبد بأسرها ملك اللّه سبحانه، و هو و إن أذن له في التصرّف فيها بأنحاء التصرّفات، إلّا أنّ إيجابه سبحانه لفعل له عزّ شأنه يوجب عدم الإذن للعبد في التصرّف في تلك المنفعة و أخذ العوض عنها و نقلها إلى الغير. بل الإيجاب تفويت تلك المنفعة و إخراجها من يده، لأنّ إيجاب المنفعة طلب من اللّه سبحانه هذه المنفعة لنفسه و عدم كونها مملوكة للعبد، فلا يجوز أخذ العوض عنها.

ثمَّ لا فرق في ذلك بين ما كان وجوبه عينا أم كفاية، لأنّ الواجب الكفائي أيضا واجب مشروط على كلّ أحد، و شرطه عدم العلم بفعل غيره، و هو متحقّق فيما نحن فيه.

و يدلّ على المطلوب أيضا: أنّ عموم أدلّة الإجارة بحيث يشمل المورد غير

معلوم، و الأصل في المعاملات الفساد، إلّا أنّ ذلك لا يثبت إلّا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 178

فساد عقد الإجارة في غير ما دلّ الدليل على صحّتها فيه، نحو الصنائع و ما يشبهها من الواجبات الكفائيّة، أو الحجّ و الصلاة و نحوهما من الغير. و أمّا عدم جواز أخذ الأجرة و حرمتها فلا، بخلاف الأول، فإنّ نقل ما هو ملك للغير إليه أو إلى غيره و أخذ العوض عنه غير جائز.

نعم، لو أعطاه ذلك الغير، مع علمه بأنّه ليس عوضا له و لا يستحقّ العوض، يكون ذلك إباحة محضة لا عوضا و اجرة، فيكون مباحا.

و لنا أن نستدلّ أيضا بأنّ المتبادر عن إيجاب شي ء طلبه مجانا، و لذا لو أمر المولى عبده بأمر فأخذ الأجر من شخص و لو كان له فيه نفع يذمّ عرفا، إلّا أن تكون قرينة على جواز الأخذ.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو في الواجب المعيّن، أمّا المخيّر فلا حرمة في أخذ الأجرة على أحد أفراده المعيّن إذا كان في التعيين نفع للمستأجر.

و إن لم يثبت وجوبه مطلقا- بل احتمل كونه واجبا بشرط الإجارة أو معها- فلا يحرم أخذ الأجرة.

و به تتّضح الإجارة في أكثر الصنائع- التي هي واجبات كفائيّة- مضافا إلى الإجماع بل الضرورة على الجواز فيها.

و إن كان واجبا على المستأجر، فإن كان واجبا توقيفيا فلا شكّ أنّ الأصل عدم صحّته إذا صدر عن غيره، لأنّ الصحّة في مثله موافقة الأمر، و بعد توجّه الأمر إلى شخص لا يكون ما أتى به غيره موافقا للمأمور به، فلا يكون العمل صحيحا، فلا تكون منفعة، و لا إجارته صحيحة، و لا أخذ الأجرة عليه جائزا.

نعم، إن دلّ دليل على جواز

فعل الغير عنه نيابة فيخرج به عن الأصل، و يحكم بصحّة العمل و الإجارة بهذا الدليل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 179

و من هذا القبيل استئجار الغير للعبادة عن الميّت، كالصلاة و الحجّ و الصوم، فما وجد له دليل على جواز الإجارة يحكم به فيه، و ما لم يوجد لا يحكم.

و أمّا أنّه هل يوجد دليل على جواز استئجار العبادات مطلقا أو عبادة خاصّة، فهو ليس من وظيفة المقام.

نعم، قد يستشكل فيما ثبت فيه ذلك من وجهين:

أحدهما: أنّ صحّة الإجارة موقوفة على قابليّة المنفعة و كونها محلّلة، و لا ريب أنّ الصلاة- مثلا- عن الغير قبل الإجارة في غير التبرّع غير صحيحة، فصحّتها بالإجارة توجب الدور، إذ صحّة الصلاة عن الغير موقوفة على الإجارة الصحيحة المتوقّفة على صحّة الصلاة عن الغير.

و دفعه: أنّ وقوع الإجارة الصحيحة موقوف على إمكان الصلاة عن الغير بالإجارة، و إمكانها موقوف على دليل شرعيّ عليها، لا على الإجارة الصحيحة، و إنّما يتوقّف عليها وقوع الصلاة المؤدّاة صحيحة، و صحّة الإجارة غير موقوفة عليها.

و ثانيهما: أنّ الصلاة و نحوها عبادة يجب فيها إخلاص النيّة، و هو مع الإجارة غير متحقّق، لأنّ الفعل حينئذ يكون بقصد أخذ الأجرة.

و دفع: بأنّ بعد ثبوت صحّة الإجارة بدليل يكون ذلك دليل على جواز تشريك ضميمة أخذ الأجرة مع القربة في القصد، كالجنّة، و الخلاص من النار، و أمثالهما.

و لا يخفى أن مبنى ذلك على عدم إمكان الإخلاص مع الإجارة، و إلّا لم يدلّ دليل جوازها على جواز التشريك، و الظاهر إمكانه كما مرّ، فإنّ الفعل بالإجارة يصير واجبا شرعا و تتمّ نيّة التقرّب، و عدم استحقاق تمام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 180

الأجرة

قبل العمل لا يوجب عدم وجوبه.

قيل: المتصوّر من نيّة التقرّب من جهة الإجارة إنّما هو من جهتها لا من جهة أنّه عبادة مخصوصة، و لا ريب أنّ المعتبر في الصلاة و الصوم و نحوهما نيّة التقرّب بها إلى اللّه من حيث إنّها هي.

قلنا: لم يثبت من أدلّة وجوب الإخلاص أزيد من وجوب قصد كون الفعل للّه سبحانه، و لأجل إطاعته و امتثال أمره، أمّا وجوب نيّة الإطاعة- من حيث إنّ الفعل هذا الفعل، أو لأجل الإيجاب من هذه الجهة- فلا، و لو وجب ذلك لم يبرأ من نذر واجبا أصليّا أبدا، فاندفع الإشكال.

بل الحقّ: عدم ورود الإشكال ابتداء أيضا، لأنّ القدر المسلّم وجوب الإخلاص في كلّ عبادة على من يتعبّد بها، و كون ما يلزم بالإجارة ممّا هو في الأصل عبادة للأجير ممنوع، و كونه عبادة لمن وجب عليه بأصل الشرع لا يقتضي كونه عبادة للأجير أيضا، و وجوبه بالإجارة لا يجعله عبادة كسائر الأفعال الواجبة بالإجارة.

نعم، يشترط فيه قصد ما يميّزه عن غيره من الأفعال إن لم يميّز بغيره، و قصد كونه أداء لما وجب بالإجارة، كما هو شرط في أداء كلّ حقّ لازم، و يجب الخلوص في ذلك بحيث ينصرف إليه، و أمّا وجوب ما سوى ذلك فلا دليل عليه.

فإن قيل: لا شكّ أنّ الصلاة الفائتة التي تتدارك بالاستئجار- مثلا- كان قصد القربة جزءا لها، فتجويز تداركها بالاستئجار أو الأمر به يقتضي تدارك جميع أجزائها.

قلنا: فيه- مع أنّ هذا مخصوص بما يتدارك به الفائتة لا مطلقا- أنّ كون قصد الإخلاص جزءا الماهيّة الصلاة ممنوع، و إنّما هو شرط في صحّتها

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 181

في الجملة، أي حين التعبّد بها. و

لو سلّم فلا نسلّم جزئيّته لمطلق الصلاة، و إنّما هو جزء للصلاة الصادرة ممّن يتعبّد بها.

ثمَّ بما ذكرنا- من عدم كونها عبادة للأجير- يندفع إشكال آخر أورد من جهة اعتبار الرجحان في العبادة، و الرجحان من جهة الإجارة غير مفيد في رجحان أصل المنفعة، بل يندفع ذلك مع كونها عبادة أيضا، كما في قصد التقرّب.

و إن كان واجبا توصّليّا على المستأجر خاصّة فتجوز الإجارة و أخذ الأجرة عليه، و الوجه ظاهر.

[حرمة أخذ الأجر على القضاء]

فرع: و من الواجبات المحرّم أخذ الأجر عليها: القضاء مطلقا، تعيّن أم لا، مع الحاجة أم بدونها، وفاقا للحلبي و الحلّي «1» و جماعة «2»، و وجهه ظاهر ممّا مضى.

مضافا إلى المرويّ في الخصال: «السحت له أنواع كثيرة، منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و منها أجور القضاء» «3».

و قد يستدلّ بالصحيح: عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق، قال: «ذلك السحت» «4»، بحمل الرزق على الأجر، للإجماع على حلّه، و لكونه من المصالح العامّة المعدّ بيت المال لها.

و حمل السحت على الكراهة- لما ذكر- و إن كان ممكنا، إلّا أنّ الأول

______________________________

(1) الحلبي في الكافي في الفقه: 183، الحلي في السرائر 2: 217.

(2) منهم العلّامة في المنتهى 2: 1018 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 218 و صاحب الرياض 1: 506.

(3) الخصال 1: 329- 26، الوسائل 17: 95 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 12.

(4) الكافي 7: 409- 1، الفقيه 3: 4- 12، التهذيب 6: 222- 527، الوسائل 27: 221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 182

أولى، لكونه التقييد الراجح على المجاز المطلق، مع أنّ اللازم من الثاني كراهة الارتزاق، و لا

قائل به، فيلزم ارتكاب مجازين.

و يمكن أن يقال: إنّ التجوّز لا ينحصر في الأمرين، لإمكان ارتكابه في القاضي و السلطان و القضاء، سيّما مع ما تعارف في زمان الإمام من الثلاثة، مع أنّ الإجماع على [عدم ] [1] كراهة الارتزاق ممنوع، كيف؟! و هو مذهب الحلّي و الشيخ في النهاية «2».

و خلافا للمفيد و النهاية و القاضي «3»، فيجوز مع الكراهة.

و للشرائع و المختلف «4»، فالتفصيل بتعيّنه عليه فالأول، و إلّا فالثاني، إمّا مطلقا كالثاني، أو بشرط الحاجة- و إلّا فكالأول- كالأول.

كلّ ذلك لوجوه ضعيفة.

المسألة الثانية:

اشاره

المنقول عن الأكثر جواز أخذ الأجرة على المندوبات «5»، للأصل، و انتفاء المانع.

و نقل عن بعض الأصحاب عدم الجواز في مستحبّات تجهيز الميّت، محتجّا بإطلاق النهي «6». و لم نقف عليه.

و قيل بالعدم إذا كان استحبابه ذاتيّا توقيفيّا، لما مرّ من منافاة الإجارة للرجحان و القربة، و بالجواز إذا كان توصّليّا و كان له نفع للمستأجر، للأصل «7».

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(2) الحلي في السرائر 2: 217، النهاية: 367.

(3) المفيد في المقنعة: 588، النهاية: 367، القاضي في المهذب 1: 346.

(4) الشرائع 4: 69، المختلف: 342.

(5) كما في الرياض 1: 505.

(6) حكاه في الإيضاح 1: 408 عن القاضي ابن البراج.

(7) انظر مفتاح الكرامة 4: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 183

و قد ظهر ضعف دليله على العدم.

و القول الفصل فيه: أنّ حكم ما يستحبّ على المستأجر خاصّة حكم الواجب بلا تفاوت.

و أمّا ما يستحبّ على الأجير عينا أو كفاية، فإن لم يكن فيه نفع للمستأجر فلا يجوز و إن كان دليل استحبابه مطلقا، فإنّ أراد المستأجر الإتيان بالمستحبّ فلا يجوز، لما مرّ من دليل التبادر، فإنّ المتبادر استحبابه مجّانا، فما فعل بالعوض

لا يكون مستحبّا. و إن أراد نفس الفعل كيف ما كان فهو عن المقام خارج، و بمقتضى الأصل جائز، إلّا أن يوجب ارتكاب حرام من بدعة أو تشريع أو غيرهما.

فرعان:
الأول:
اشاره

لو قلنا بجواز أخذ الأجر على المستحبّ يستثنى منه أمران:

[ما استثني من أخذ الأجر على المستحب ]
أحدهما: الأذان

، فإنّه يحرم أخذ الأجرة عليه وفاقا للمعظم «1»، بل عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه «2»، و في الخلاف و شرح القواعد للمحقّق الثاني الإجماع عليه «3».

لصحيحة محمّد المرويّة في كتاب الشهادات من الفقيه: «لا تصلّ خلف من يبغي على الأذان و الصلاة بين الناس أجرا، و لا تقبل شهادته» «4»، و هو نصّ في التحريم.

______________________________

(1) منهم الشيخ في النهاية: 365، الحلي في السرائر 2: 217، العلّامة في التذكرة 1: 583.

(2) كما في الرياض 1: 506.

(3) الخلاف 1: 290، جامع المقاصد 4: 36.

(4) الفقيه 3: 27- 75، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 184

و تؤيّده حسنة حمران، و فيها: «إذا رأيت أنّ الحقّ قد مات و ذهب أهله»، و يعدّ المنكرات، إلى أن قال: «و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر» «1».

و رواية السكوني: «و لا يتّخذنّ مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا» «2».

و رواية زيد بن عليّ: «أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: و اللّه إنّي أحبّك للّه، فقال له: و اللّه إنّي لأبغضك للّه، قال: لأنّك تبغي على الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا» «3».

و إنّما جعلنا الأخيرة مؤيّدة- مع أنّ ظاهرها التحريم- للتصريح بإباحة أجر معلّم القرآن في رواية الفضل بن أبي قرّة «4»، فتكون هذه قرينة على عدم إرادة الحقيقة من قوله: «أبغضك».

و يجوز للمؤذّن الارتزاق من بيت المال على المشهور، بل في التذكرة الإجماع عليه «5»، للأصل.

و مرسلة حمّاد بن عيسى الواردة في حكم ما يخرج من أرض الخراج: «و يكون الباقي بعد ذلك أرزاق أعوانه على

دين اللّه، و في مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام و الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه

______________________________

(1) الكافي 8: 36- 7، الوسائل 16: 275 أبواب الأمر و النهي ب 41 ح 6.

(2) الفقيه 1: 184- 870، التهذيب 2: 283- 1129، الوسائل 5: 447 أبواب الأذان و الإقامة ب 38 ح 1.

(3) الفقيه 3: 109- 461، التهذيب 6: 376- 1099، الاستبصار 3: 65- 215، الوسائل 17: 157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1، بتفاوت.

(4) الكافي 5: 121- 2، الفقيه 3: 99- 384، التهذيب 6: 364- 1046، الاستبصار 3: 65- 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.

(5) التذكرة 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 185

مصلحة العامّة» «1».

و المراد بالارتزاق منه: أن يعطيه الحاكم منه و إن كان لكونه مؤذّنا، بل و إن ارتزق منه للأذان و يكون ذلك من جهة أذانه، و لكن لا يجوز الأذان لذلك بأن يوقفه عليه و يؤذّن لذلك، لصدق الأجر المحرّم بالأخبار عليه لغة و عرفا و إن لم يكن فيه و لا في المدّة و العمل تقدير و لم يجر صيغة.

فالتفرقة بين الارتزاق و الأجر بعدم التقدير و الصيغة في الأوّل- كما في المسالك «2»- غير صحيح، بل الصحيح في الفرق ما ذكرنا.

و يجوز له أيضا الارتزاق من الموقوفات على المؤذّنين و المنذورات لهم أو ما يعمّهم إن لم يوقف العمل عليه و لم يكن الأذان لأخذه و إن كان أخذه للأذان، للأصل، و عدم صدق الأجر.

و إن أوقفه عليه لم يجز، لأنّه يكون أجرا.

و هل يشترط في ارتزاقه منهما أو من بيت المال الخلوص في النيّة، أم لا؟

الظاهر:

العدم، و به صرّح في المسالك في الأوّل «3»، إذ به يقوى الإسلام و يظهر شعاره، فيكون من المصالح، و يتصحّح به قصد الواقف و الناذر القربة. و بطلان الأذان حينئذ ممنوع، لعدم اشتراط النيّة فيه.

ثمَّ لو أخذ أجرا و ارتكب ذلك المحرّم فهل يحرم أذانه أيضا، أم لا؟.

الظاهر: العدم، للأصل.

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.

(2) المسالك 1: 166.

(3) المسالك 1: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 186

و البدعة و التشريع إنّما يكونان لو اعتقد مشروعيّة مثل ذلك أيضا، مع أنّ في الحرمة مع ذلك الاعتقاد أيضا نظرا، إمّا لإمكان إثبات مشروعيّته [1] بالعمومات، و تقييدها مطلقا بما فيه الإخلاص مخالف للأصل، أو لأنّ اللازم حرمة ذلك الاعتقاد دون العمل.

و ثانيهما: الصلاة بالناس جماعة، و يحرم في الجملة أخذ الأجر عليها أيضا، وفاقا لجماعة «2»، بل قيل بعدم مخالف ظاهر فيه، لصحيحة محمّد المتقدّمة «3».

و يجوز للإمام الارتزاق ممّا ذكر، لما ذكر.

الثاني:

اختلفوا في أخذ الأجر على تعليم غير الواجب من القرآن، فمختار المفيد و المختلف «4» و جماعة «5»: الجواز مع الكراهة مطلقا.

و الحلّي و القاضي و الشيخ في النهاية خصّوا الكراهة بصورة الشرط «6».

و الحلبي اختار التحريم مطلقا «7».

و الشيخ في أحد أقواله مع الشرط «8».

و الحقّ هو: الأول، أمّا الجواز فللأصل، و لرواية الفضل بن أبي قرّة:

هؤلاء يقولون: إنّ كسب المعلّم سحت، فقال: «كذبوا أعداء اللّه، إنّما

______________________________

[1] في «ق» زيادة: في الجملة.

______________________________

(2) منهم المفيد في المقنعة: 588، الطوسي في النهاية: 365، الحلي في السرائر 2: 217، صاحب الرياض 1: 506.

(3) في ص: 183.

(4) المفيد في المقنعة: 588، المختلف: 342.

(5) منهم الفاضل المقداد

في التنقيح 2: 16، صاحب الرياض 1: 507.

(6) الحلي في السرائر 2: 223، حكاه عن القاضي في المختلف: 341، النهاية: 367.

(7) الكافي في الفقه: 283.

(8) الاستبصار 3: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 187

أرادوا أن لا تعلّموا القرآن أولادهم، لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلّم مباحا» «1»، و الأخبار الواردة في جواز أن يجعل ذلك مهرا «2».

و أمّا الكراهة فلرواية زيد المتقدّمة «3»، و رواية حسّان: «لا تأخذ على التعليم أجرا» «4».

و رواية إسحاق بن عمّار: «مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنّي أعلّمه الكتاب و الحساب و اتّجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه» «5».

و في الفقه الرضوي: «أمّا معلّم لا يعلّمه إلّا قرآنا فقط فحرام أجرته إن شارط أو لم يشارط» «6».

و هذه الأخبار مستند المحرّم، و هو حسن لو لا المعارض، مضافا إلى قصور بعضها عن إفادة التحريم.

المسألة الثالثة:

يجوز أخذ الأجر على إجراء العقد مطلقا وكالة، و أمّا على تعليمه فالمصرّح به في كلام جماعة «7» العدم، لكونه واجبا كفائيّا، و عن المحقّق الشيخ علي الإجماع عليه «8»، فإن ثبت فهو، و إلّا ففيه نظر،

______________________________

(1) الكافي 5: 121- 2، الفقيه 3: 99- 384، التهذيب 6: 364- 1046، الاستبصار 3: 65- 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.

(2) الوسائل 21: 242 أبواب المهور ب 2.

(3) في ص: 184.

(4) الكافي 5: 121- 1، التهذيب 6: 364- 1045، الاستبصار 3: 65- 214، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.

(5) التهذيب 6: 364- 1044، الاستبصار 3: 65- 217، الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.

(6) فقه

الرضا «ع»: 253 بتفاوت، مستدرك الوسائل 13: 116 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 1.

(7) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 166، صاحب الرياض 1: 506.

(8) جامع المقاصد 4: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 188

لاختصاص ذلك بما إذا وجب النكاح مثلا، مع أنّ الواجب حينئذ إمّا التعليم أو الإجراء وكالة، و لا بأس بأخذ الأجر على أحد أفراد المخيّر كما مرّ.

هذا، مع أنّه لو سلّم وجوبه معيّنا فلم يثبت وجوبه المطلق، فيمكن أن يكون مطلقا، أي و لو مع الأجرة.

المسألة الرابعة:

يحرم أخذ الأجر على كلّ فعل محرّم، لمثل ما مرّ في الواجب، فإنّه لا يملك الأجير تلك المنفعة حتى ينقلها، بل تحريمها نهي عن نقلها.

المسألة الخامسة:

لو دفع إلى رجل مالا ليصرف في قبيل هو منهم، فإن عيّن له عمل بمقتضى تعيينه.

و إن أطلق، فظاهر الكليني أنّ له أن يأخذ منه «1»، و هو صريح المفيد و النهاية و موضع من المبسوط و القاضي و الشرائع و المنتهى و الإرشاد و زكاة المختلف و متاجر التحرير و الكفاية و المحقّق الأردبيلي و أحد قولي الحلّي «2» و جمع آخر «3»، بل في الدروس عليه الشهرة «4».

و منع منه في موضع آخر من المبسوط، و هو القول الآخر للحلّي و ذهب إليه في النافع و متاجر المختلف و التذكرة و القواعد و المحقّق الثاني «5»، و إليه ذهب بعض مشايخ والدي رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 555.

(2) المفيد في المقنعة: 361 نقل رواية، النهاية: 366، المبسوط 1: 247، القاضي في المهذب 1: 171، الشرائع 2: 12، المنتهى 2: 1021، المختلف: 187، التحرير 1: 162، الكفاية: 88، مجمع الفائدة 8: 116، الحلي في السرائر 2: 223.

(3) كصاحبي الحدائق 18: 237 و الرياض 1: 509.

(4) نسبه في الدروس 3: 171 إلى الأكثر، و في الحدائق 18: 237: إنّه المشهور.

(5) المبسوط 2: 403، الحلّي في السرائر: 1- 463، النافع: 118، المختلف: 343، التذكرة 1: 583، القواعد 1: 122، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 189

و عن بعض الأصحاب: الفرق بين الألفاظ، فاختار الأول في: «ضعه فيهم» أو ما أدّى معناه، و الثاني في: «ادفعه إليهم» و ما يكون بمؤدّاه «1».

احتجّ الأولون بأصالة الجواز.

و أصالة

عدم التخصيص في اللفظ العام، كما هو المفروض.

و بموثّقة سعيد بن يسار: الرجل يعطى الزكاة يقسّمها بين أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم» «2».

و حسنة الحسين بن عثمان: في الرجل اعطي مالا يفرّقه في من يحلّ له، إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» «3».

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج: عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة، قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره»، قال: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعه في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه» «4».

و يرد على الأول: منع الأصل، بل الأصل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتى يثبت المجوّز.

و على الثاني: منع العموم، إذ المتبادر من هذا الخطاب تغاير الدافع و المدفوع إليه حقيقة، مع انّ دعوى كون تلك الهيئة موضوعة في اللغة لما

______________________________

(1) كما في التنقيح 2: 21، مفتاح الكرامة 4: 110.

(2) الكافي 3: 555- 1، الوسائل 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 1.

(3) الكافي 3: 555- 2، التهذيب 4: 104- 295، الوسائل 9: 288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.

(4) الكافي 3: 555- 3، التهذيب 4: 104- 296، المقنعة: 261، الوسائل 9:

288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 190

يشمل المدفوع إليه ممنوعة. و لو سلّم فجريان أصالة عدم التخصيص ممنوع، لما أثبتنا في الأصول من أنّ العمل بأصالة الحقيقة إذا كان مع اللفظ ما يصلح قرينة للتجوّز مشكل، و وجوده في المقام ظاهر.

و على الرواية الاولى: أنّ القبيل فيها أصحاب

الدافع و ليس هو منهم، فهي عن المفروض خارجة، بل على ظاهرها غير باقية، و حملها على ما يصدق على المفروض ليس بمتعيّن.

و على الأخيرتين: أنّ اللفظ المذكور فيهما التفريق و الوضع فيهم، فالتعدّي إلى غيرهما من الألفاظ- سيّما الدفع و ما بمعناه- مع كونه محلّ الخلاف غير جائز.

و استدلّ المانعون بأصالة عدم الجواز كما مرّ.

و بصحيحة عبد الرحمن الحجّاج: عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج، أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال: «لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه» «1».

و يرد على الأول: أنّ الأصل مدفوع بالروايتين الأخيرتين فيما دلّتا عليه.

و على الثاني: قوله: «لا يأخذ» نفي، و هو قاصر عن إفادة التحريم على الأصحّ، مع أنّه أعمّ مطلقا من الحسنة، لأنّه يدلّ على عدم جواز الأخذ ما لم يأذن مطلقا، و هي جواز الأخذ بدون التسمية و الإذن مثل ما يعطي غيره، فيخصّ بها.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ هو التفصيل، فالجواز في مثل «فرّقه» [1]

______________________________

[1] في «ق» زيادة: وضعه.

______________________________

(1) التهذيب 6: 352- 1000، الاستبصار 3: 54- 176، الوسائل 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 191

للروايتين «1»، و المنع في غيره للأصل.

و لأجل ذلك الأصل نقول بعدم جواز الأخذ زائدا على ما أعطاه غيره، كما عليه دعوى الإجماع- من كلّ من جوّز الأخذ عليه- في كلام جماعة من أصحابنا «2»، لاحتمال إرادة المماثلة في المعطى من الروايتين، لا في جواز الإعطاء.

ثمَّ الظاهر أنّ المراد بالمماثلة في المعطى ليس مساواة ما أخذه لما أخذه غيره قدرا، حتى تدلّ على عدم جواز التفاضل بين الفقراء و

وجوب التسوية، كما قيل «3».

بل المراد: أنى يجعل نفسه كأحدهم في ملاحظة الاحتياج و العيال، و انقطاع الوسائل، و تقسيم المال مع هذه الملاحظة، و لا يفضّل نفسه على أحدهم بلا جهة.

و هذه المماثلة تتحقّق مع كون ما أخذه أزيد الحصص أو أنقصها، و الأحوط اختيار الأنقص و لو كان يستحقّ الأزيد.

هذا، ثمَّ إنّ المصرّح به في كلام جماعة: عدم الخلاف في جواز إعطائه لعياله و أقاربه إذا كانوا بالوصف «4»، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: في رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في المساكين، و له عيال محتاجون، أ يعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال: «نعم» «5».

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 189.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 167، السبزواري في الكفاية: 88، صاحب الرياض 1: 509.

(3) الحدائق 18: 240.

(4) منهم صاحب الحدائق 18: 241، صاحب الرياض 1: 509.

(5) التهذيب 6: 352- 1001، الوسائل 17: 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 192

و قد يتأمّل فيه، نظرا إلى أنّ الأخذ للعيال أخذ لنفسه، أو إلى عدم تبادره من اللفظ، فالأصل مع العدم. و هو كذلك في غير مورد النصّ، و هو ما كان بلفظ القسمة و نحوه فيما يجب عليه من النفقة و الكسوة، و أمّا غيره فلا.

المسألة السادسة:

اشاره

صرّح الأكثر بحرمة تولية القضاء و الحكم و نحوه عن السلطان الجائر «1»، و نفى بعضهم الخلاف عنها «2»، لكونها إعانة للظالم، و للمستفيضة الدالّة عليها «3».

و استثنوا منها مقامين:

[ما استثني من حرمة التولية عن الجائر]
أحدهما: مع الخوف و التقيّة

على النفس أو المال أو العرض عليه، أو على المؤمنين كلّا أو بعضا، على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة و الضعة بالنسبة إلى الإهانة، فيجوز حينئذ، بل قد يجب بلا خلاف، للإجماع، و المستفيضة، بل المتواترة من الصحاح و غيرها الدالّة على جواز التقيّة، بل وجوبها.

ففي الصحيح: «التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له» «4».

و في آخر: «التقيّة في كلّ ضرورة، و صاحبها أعلم بها حين ينزل» «5».

و في ثالث: عن القيام للولاة، فقال: «التقيّة من ديني و دين آبائي، و لا

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 12، صاحب الرياض 1: 510.

(2) كما في الرياض 1: 510.

(3) الوسائل 27: 11 أبواب صفات القاضي ب 1.

(4) الكافي 2: 220- 18، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 2.

(5) الكافي 2: 219- 13، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 193

إيمان لمن لا تقيّة له» «1».

و خصوص ما رواه الحلّي في السرائر عن أبي الحسن الثالث: إنّ محمّد بن عليّ بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العبّاس و أخذ ما يتمكّن من أموالهم، هل فيه رخصة؟ فقال: «ما كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل للعذر» الحديث «2».

و أمّا رواية الحسن الأنباري: كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في أعمال السلطان، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف

على خيط عنقي- إلى أن قال- فكتب إليّ: «قد فهمت كتابك و ما ذكرت من الخوف على نفسك، فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ تصيّر أعوانك و كتّابك أهل ملّتك، فإذا صار إليك شي ء و آسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحدا منهم كان ذا بذا، و إلّا فلا» «3».

فلا تنافيه، لأنّه يمكن أن يكون إخبارا منه عليه السّلام بعدم الخوف على النفس عليه.

و كما يجب القبول حينئذ كذلك يجب أن ينفّذ أمر الجائر و نهيه و جميع ما يحكم به و لو كان محرّما إجماعا، متحرّيا الأسهل فالأسهل، و متدرّجا من الأدنى إلى الأعلى، اقتصارا في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة.

______________________________

(1) الكافي 2: 219- 12، الوسائل 16: 204 أبواب الأمر و النهي ب 24 ح 3.

(2) مستطرفات السرائر: 68، الوسائل 17: 190 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 9.

(3) الكافي 5: 111- 4، التهذيب 6: 335- 928، الوسائل 17: 201 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 194

و لو انحصر في الأعلى وجب، إلّا في قتل المسلم المحقون الدم، فلا يجوز إجماعا، للصحيح: «إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة» «1»، و نحوه الموثّق «2».

و قيل: و ظاهر الإطلاق يشمل الجرح أيضا، كما عن الشيخ «3». و في ثبوت الإطلاق في مثل هذا التركيب نظر.

و لزوم الاقتصار في الخروج عن عمومات التقيّة على المتيقّن- بل المتبادر- يقتضي جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّ القتل، و لذا اقتصر عليه في الاستثناء جماعة «4»، بل- كما قيل

«5»- هو الأشهر.

و قيل: ينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه، و يحتاط بتركه في غيره «6». و هو جيّد.

و هل المسلم يشمل المخالف أيضا، أم لا؟

فيه إشكال، و الاحتياط يقتضي المصير إلى الأول إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال و سيّما القليل منه، و أمّا إذا كان على النفس المؤمنة فلا يبعد المصير إلى الثاني، فلا شي ء يوازي دم المؤمن كما يستفاد من النصوص.

______________________________

(1) الكافي 2: 220- 16، المحاسن: 259- 310، الوسائل 16: 234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 1.

(2) التهذيب 6: 172- 335، الوسائل 16: 234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 2.

(3) حكاه عنه في المسالك 1: 168 و الرياض 1: 510.

(4) منهم الشيخ في النهاية: 357 و المحقق في النافع: 118 و العلّامة في القواعد 1:

122.

(5) انظر الرياض 1: 510.

(6) انظر الرياض 1: 510.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 195

و ثانيهما: إذا أمن من ارتكاب المحرّم

و الاقتدار على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيجوز حينئذ كما قيل «1»، بل قال جماعة بالاستحباب حينئذ «2»، و قيل بالوجوب «3».

استدلّ المجوّز بتعارض عمومات منع قبول الولاية عنه و إعانته، و عمومات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بالنظر إلى دلالتها الالتزاميّة على وجوب المقدّمة، التي هي قبول الولاية بالعموم من وجه، و لم يظهر مرجّح فيعمل بمقتضى الأصل.

و ردّ: بأنّ ذلك إذا كان وجوب الأمر و النهي المذكورين مطلقا حتى يجب تحصيل القدرة من باب المقدّمة.

و فيه: أنّ أدلّتهما مطلقة و الأصل عدم التقييد، و القدرة الذاتيّة المشروطة بها التكاليف حاصلة، و إن كان تأثيرها موقوفا على رفع مانع هو التقيّة، و هي بقبول التولية مرتفعة كما هو المفروض.

هذا،

مع أنّ من الظواهر ما يدلّ على ارتفاع الحرمة، كمرسلة الفقيه:

«كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان» «4».

و في رواية زياد بن أبي سلمة: «لأن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة أحب إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلّا لتفريج كربة عن مؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه» إلى أن قال: «فإن ولّيت

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 510.

(2) منهم الشيخ في النهاية: 356 و المحقق في الشرائع 2: 12 و النافع: 118 و العلّامة في نهاية الإحكام 2: 525.

(3) كما في المسالك 1: 168، و الحدائق 18: 126.

(4) الفقيه 3: 108- 453، الوسائل 17: 192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 196

شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة» الحديث «1». و رواية الأنباري المتقدّمة.

و استدلّ القائل بالاستحباب بأنّ بعد ثبوت الجواز يثبت الرجحان، لأنّ الأمر و النهي المذكورين عبادة، و العبادة لا تكون إلّا راجحة.

و فيه: أنّه إن أريد الجواز الثابت بالأصل- كما هو مقتضى الدليل الأوّل- فهو ليس جوازا شرعيّا، بل هو عقلي، فإذا لم يمكن تحقّقه في العبادة فنسبة الحرمة و الرجحان إليه على السواء، مع أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من الواجبات التوصّلية الغير المتوقّفة على النيّة، و عدم كون مثل ذلك إلّا راجحا ممنوع.

نعم، ما يترتّب عليه الثواب منه كذلك.

و منه يعلم عدم تماميّة المطلوب إن أريد الجواز الشرعي كما هو مقتضى الاستدلال بالظواهر، مع أنّ مقتضاها عدم اختصاص الجواز بصورة التمكّن من الأمر و النهي المذكورين، بل يعمّ غيرهما من قضاء دين الإخوان و الإحسان إليهم.

و قد يستدلّ أيضا بصحيحة عليّ بن يقطين: «للّه

عزّ و جلّ مع السلطان أولياء يدفع عن أوليائه» «2».

و فيه: أنّ الكون مع السلطان أعمّ من الدخول في عمله و الولاية منه.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بما هو في ذلك المعنى، كحسنة ابن

______________________________

(1) الكافي 5: 109- 1، التهذيب 6: 333- 924، الوسائل 17: 194 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 9.

(2) الكافي 5: 112- 7، الفقيه 3: 108- 451، الوسائل 17: 192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 197

أبي عمير «1»، و مرسلة المقنع «2»، و رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع المرويّة في كتب الرجال «3».

نعم، يمكن ان يستدلّ على الرجحان بما في آخر مكاتبة محمّد بن عليّ بن عيسى المتقدّمة «4»: فكتبت إليه أعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه، و انبساط اليد في التشفّي منهم بشي ء به أتقرّب به إليهم، فأجاب: «من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما، بل أجرا و ثوابا».

و المروي في قرب الإسناد عن عليّ بن يقطين: أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام: إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السلطان- و كان وزيرا لهارون- فإن أذنت جعلني اللّه فداك هربت منه، فرجع الجواب:

«لا آذن لك بالخروج من عملهم» «5».

و لكن الثابت منهما رجحان التولية إذا كان المقصود منها الفعل الراجح، لا إذا علم ترتّبه عليها و إن كان مقصوده أمرا مباحا أو مكروها، و هذا يثبت مع ثبوت الجواز أيضا، لصيرورة الجائر بالقصد راجحا.

دليل الموجب: أنّ مقتضى أخبار الرجحان أو الجواز- مع التمكّن عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر- اختصاص المنع بما عدا ذلك،

فيبقى وجوب مقدّمة الواجب خاليا عن المعارض، فيكون واجبا.

______________________________

(1) الكافي 5: 107- 9، الوسائل 17: 188 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 4.

(2) المقنع: 122، الوسائل 17: 193 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 5.

(3) رجال النجاشي: 331.

(4) في ص: 193.

(5) قرب الاسناد: 305- 1198، الوسائل 17: 198 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 198

و هو حسن، و لكن يختصّ بما إذا كان حين قبول الولاية معروفا واجبا متروكا أو منكرا حراما موجودا و توقّف الأمر و النهي على قبول التولية، لا إذا كان قبولها سببا للتمكّن من النهي عن المنكر لو وجد و الأمر بالمعروف لو ترك، إذ لم يثبت وجوب مقدّمة مثل ذلك أيضا.

و الظاهر أنّ مرادهم ما يشمل الثاني أيضا.

هذا، ثمَّ إنّ ظاهر الأكثر اختصاص الجواز أو الرجحان مطلقا أو مع المنع من الترك بصورتي الاستثناء، و أنّ التولية في غيرهما حرام و إن علم عدم ارتكاب المآثم.

و هو فيما هو ظاهر كلامهم- من التولية عن السلطان الجائر مطلقا من المخالفين أو الشيعة في زمن الحضور أو الغيبة- مشكل، لعدم دليل على ذلك العموم، فإنّ الأخبار المانعة عن التولية عنهم غير متضمّنة لما يعمّ الجميع، كما لا يخفى على الناظر فيها، و ما أمكن التعميم فيه قاصر عن إثبات الحرمة، كموثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال:

«لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «1»، حيث إنّ جواب السؤال ليس إلّا «لا يخرج» و هو لكونه نفيا لا يفيد سوى المرجوحيّة.

نعم،

يصحّ ما ذكروه في التولية عن سلاطين عهدهم من بني أميّة و بني العبّاس لعنهم اللّه.

فالقول الفصل أن يقال: إنّ الكلام إمّا في التولية عنهم، أو عن غيرهم من سلاطين الجور.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    199     و ثانيهما: إذا أمن من ارتكاب المحرم ..... ص : 195

____________________________________________________________

(1) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 199

أمّا الأول، فالأصل فيه الحرمة و إن انفكّ عن العمل و ارتكاب المآثم، لإطلاق المستفيضة.

و تجوز مع الإكراه على التفصيل المتقدّم، و مع الأمن عن ارتكاب المحرّم، و القدرة على جعل الولاية وسيلة لابتغاء مرضاة اللّه سبحانه و قصد ذلك، بل يكون حينئذ راجحا و يجب مع الأمن و الاقتداء بها على الأمر بمعروف مهمل أو دفع منكر متحقّق.

و أمّا الثاني، فلا تحرم نفس التولية إلّا إذا كانت إعانة على محرّم آخر، للأصل، و قد تستحبّ، و قد تجب، كما مرّ. و أمّا نفس العمل المترتّب على الولاية فحكمه ظاهر.

المسألة السابعة:

جوائز السلطان- بل مطلق الظالم، بل من لا يتورّع المحارم من الأموال- محرّمة إن علمت حرمتها بعينها.

فإن قبضها حينئذ أعادها على المالك إن عرف، و يتصدّق بها إن لم يعرف، كما صرّح به في رواية علي بن أبي حمزة «1».

و إن لم يعلم حرمتها كذلك فهي حلال مطلقا و إن علم أنّ في ماله مظالم، بلا خلاف فيه، للأصل، و المستفيضة، كروايات البصري «2»، و ابن وهب «3»، و مرسلة محمّد بن أبي حمزة «4»، و صحيحة الحذّاء «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب

به ب 47 ح 1.

(2) التهذيب 7: 132- 582، الوسائل 17: 221 أبواب ما يكتسب به ب 53 ح 3.

(3) التهذيب 6: 337- 938، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 4.

(4) التهذيب 6: 337- 937، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 3.

(5) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 200

و أمّا الاستدلال بالروايات المجوّزة لقبول جوائز العمّال- كصحيحة محمّد و زرارة «1»، و صحيحة أبي ولّاد «2»، و صحيحة أبي المغراء «3»- فهي غير دالّة، لعدم دلالتها على العلم بأنّ في ماله حراما، بل السؤال فيها إنّما هو لأجل كونهم متصرّفين في الخراج و المقاسمة، و هما حلالان كما يأتي.

و الأفضل التورّع عنها في غير ما علم حلّه إجماعا، لصدق الشبهة المأمور باجتنابها، إلّا مع إخبار المخبر بالإباحة، فلا تكره كما قيل «4»، بل نفي عنه الخلاف «5».

و هو مشكل، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل كذبه، و وجوب حمل قول المسلم على الصدق إن كفى في رفع الشبهة لكفى وجوب حمل فعله على الصّحة في رفعها بمجرّد الإعطاء أيضا، فلا يكون مكروها مطلقا.

و صرّح في المنتهى بزوال الكراهة بإخراج الخمس أيضا «6»، و ربّما أسند إلى المشهور، لكونه مطهّرا للمختلط بالحرام، فلما لم تعلم حرمته أولى، و لموثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «7».

______________________________

(1) التهذيب 6: 336- 931،

الوسائل 17: 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 5.

(2) الفقيه 3: 108- 449، التهذيب 6: 338- 940، الوسائل 17: 213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 1.

(3) الفقيه 3: 108- 450، التهذيب 6: 338- 942، الوسائل 17: 213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 2.

(4) الرياض 1: 509.

(5) الرياض 1: 509.

(6) المنتهى 2: 1025.

(7) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 201

و الأولويّة ممنوعة، و الموثّقة غير دالّة، إذ لا دلالة فيها على أنّه صار في يده شي ء من المشتبه بالحرام، لجواز أن يكون من ارتفاع الأراضي الخراجيّة الذي هو مباح و خمسه للإمام، مع أنّه يكون هذا كسبا، و ما صار بيده ربحا، فإخراج خمسه من حيث هو واجب، و لا يدلّ على أنّه يطهّره.

ثمَّ إنّ ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوى: الحلّية مع عدم العلم بالحرمة و إن لم يعلم أنّ للمخبر مالا حلالا، و الأصل و إن يساعد خلافه و لكن لا أثر له مع إطلاق الرواية.

و أمّا المروي في الاحتجاج للطبرسي و كتاب الغيبة للشيخ، و فيها- بعد أن سئل الصاحب عن أكل مال من لا يتورّع المحارم-: «و إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل برّه، و إلّا فلا» «1» فلا نافيه، لأنّ معنى قوله: «و إلّا» أي و إن لم يكن له مال غير الحرام الذي في يده، لا أنّه إن لم يعلم له مال، فيكون حكمه مسكوتا عنه فيه، فيعمل بمقتضى الإطلاق.

المسألة الثامنة:

قد طال تكلّم الأصحاب فيما يأخذ الجائر باسم المقاسمة و الخراج

و الزكاة عن الأموال.

و المراد بالمقاسمة: الحصّة المعيّنة من حاصل الأرض يؤخذ عوضا عن زراعتها.

و بالخراج: المال المضروب عليها أو على [الشجر حسبما] [1] يراه الحاكم. و قد يطلق الثاني على الأول.

______________________________

[1] في النسخ: البحر حيث ما، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 485، الغيبة: 235، الوسائل 17: 217 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 202

و الكلام في المقام تارة في دفع هذه الثلاثة إلى الجائر، و اخرى في الأخذ منه، و ثالثة في براءة ذمّة الدافع إذا دفعها إليه.

أمّا الأول، فظاهر جماعة من أصحابنا وجوب دفع الأولين إليه «1»، فلا يجوز للزارع جحد شي ء منهما و لا منعه و لا سرقته، و نقله المحقّق الشيخ علي في رسالته الخراجيّة عن كثير من معاصريه «2»، و في كفاية الأحكام عن بعض الأصحاب الاتّفاق عليه، و تأمّل هو فيه «3».

و نقل بعضهم عن جماعة من أصحابنا عدم براءة الذمّة بالدفع اختيارا، و مقتضاه عدم جوازه مع التمكّن، و بذلك صرّح الشيخ إبراهيم القطيفي في نقض الخراجيّة للشيخ علي «4»، بل ظاهره دعوى الضرورة الدينيّة على العدم.

و لا يخفى أنّ ذلك مقتضى الأصل، لأنّهما- كالزكاة- حقّ لجماعة خاصّة ليس الجائر منهم و لا قيّما عليهم، فالأصل عدم جواز دفع حصّتهم إليهم- سيّما مع ما هو عليه من الفسق الواضح- ما دام يتمكّن من عدم الدفع.

و تدلّ عليه صحيحة العيص: في الزكاة فقال: «ما أخذه منكم بنو أميّة فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم» «5»، و صحيحة الشحّام الآتية «6».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 155، المحقق الثاني في جامع المقاصد 7: 11، صاحب الرياض 1: 496.

(2)

انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج (رسائل المحقّق الكركي 1):

274.

(3) كفاية الأحكام: 80.

(4) انظر السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج (كلمات المحققين): 307.

(5) الكافي 3: 543- 4، التهذيب 4: 39- 99، الاستبصار 2: 27- 76، الوسائل 9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.

(6) في ص 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 203

و لم أعثر إلى الآن على حجّة واضحة دافعة للأصل.

و ما ذكره بعضهم- من أنّ المستفاد من الظواهر: أنّ حكم تصرّف الجائر في الأراضي الخراجيّة حكم تصرّف الإمام العادل- غير مسلّم، و لو سلّم فإنّما هو في الجملة.

فوجوب منعها عن الجائر مع التمكّن أظهر، و في بعض الروايات تأييد له أيضا، كما في رواية علي بن عطيّة المذكورة في باب شراء السرقة و الخيانة و متاع السلطان، المانعة من إعطاء قيمة الأرز لابن أبي هبير [1]، و رواية علي بن يقطين «2» المصرّحة: بأنّه كان يجبي أموال الشيعة علانية و يردّ عليهم سرّا، و أمّا بدون التمكّن فهو أمر آخر.

و أمّا الثاني- و هو جواز الأخذ من الجائر بعد أخذه من المالك قهرا، أو لكونه متديّنا بدين الجائر- فالظاهر عدم الخلاف بل الإجماع فيه في الجملة، بل في المسالك و التنقيح و شرح القواعد للمحقّق الثاني و رسالته الخراجيّة دعوى الإجماع عليه «3»، و هو الحجّة في المقام، و إلّا فالأخبار التي استدلّوا بها لا تخلو عن مناقشة في الدلالة، مع أنّ ما يمكن إتمام دلالتها- و لو بقطع النظر عن بعض الاحتمالات- لا يثبت أزيد ممّا يثبته الإجماع، و هو جواز شراء هذه الثلاثة من الجائر في الجملة.

بل الظاهر وقوع الإجماع على جواز الأخذ في الجملة، سواء كان

______________________________

[1]

التهذيب 6: 337- 936، الوسائل 17: 218 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 2، و فيهما: هبيرة، بدل: ابن أبي هبير.

______________________________

(2) الكافي 5: 110- 3، التهذيب 6: 335- 927، الوسائل 17: 193 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 8.

(3) المسالك 1: 168، التنقيح 2: 19، جامع المقاصد 1: 207، انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج (رسائل المحقق الكركي 1): 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 204

بالشراء أو غيره، فيجب الحكم به، و لكن نقتصر على موضع الإجماع، و هو السلطان المخالف، كما صرّح به الشهيد الثاني، و أمّا الشيعة فلا، و التعدّي إليهم بواسطة بعض التعليلات قياس مستنبط العلّة، مردود عند الشيعة، و يقتصر في الأخذ بدون الشراء على من يستحقّه.

و أمّا الثالث، فالحقّ عدم البراءة مع التمكّن من عدم الدفع، للأصل، و صحيحة الشحّام: إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها، أ يجزئ عنّا؟ فقال: «لا، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم» أو قال: «ظلموكم أموالكم، و إنّما الصدقة لأهلها» «1».

و أمّا صحيحة سليمان: «إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه عمّا يأخذه السلطان، فرقّ لهم و إنّه ليعلم أنّ الزكاة لا تحلّ إلّا لأهلها، فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا و اللّه لهم» «2».

و صحيحة يعقوب بن شعيب: عن العشور التي تؤخذ من الرجل، أ يحتسب بها من زكاته؟ قال: «نعم، إن شاء» «3».

و صحيحة الحلبي: عن صدقة المال يأخذها السلطان، فقال: «لا آمرك أن تعيد» «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 40- 101، الاستبصار 2: 27- 78، الوسائل 9: 253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 6.

(2) الكافي 3: 543- 1، التهذيب 4: 39- 98، الاستبصار 2: 27- 75، الوسائل 9: 252

أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 4، بتفاوت.

(3) الكافي 3: 543- 2، الفقيه 2: 15- 41، الوسائل 9: 251 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 1.

(4) التهذيب 4: 40- 100، الاستبصار 2: 27- 77، الوسائل 9: 253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 205

و مرسلة الفقيه: عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله، أو خمس غنيمته، أو خمس ما يخرج له من المعادن، أ يحسب ذلك له في زكاته و خمسه؟ فقال: «نعم» «1».

فمحمولة على صورة عدم التمكّن، لصحيحة العيص: في الزكاة، فقال: «ما أخذ منكم بنو أميّة فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم» «2»، فإنّها تدلّ على عدم الاحتساب في صورة استطاعة عدم الدفع، لأنّ النهي في العبادات يقتضي الفساد، و هي أخصّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، فيجب تخصيصها بها، كما يجب تخصيص صحيحة الشحّام بها أيضا.

و منه يظهر وجه البراءة في صورة عدم التمكّن.

ثمَّ إنّ ما ذكر و إن كان في الزكاة، إلّا أنّه يثبت الحكم في الخراج و المقاسمة أيضا بعدم القول بالفصل.

حجّة المجوّزين للدفع مطلقا: الأخبار المذكورة. و جوابها قد ظهر.

و استلزام عدم الاحتساب العسر و الحرج على الشيعة. و هو بالتفصيل الذي ذكرنا مدفوع.

و صحيحة الحذّاء: الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها، و هو يعلم أنّهم يأخذون أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، قال:

فقال: «ما الإبل و الغنم إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه»، قيل له: فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات

______________________________

(1) الفقيه 2: 23- 84، الوسائل 9: 254 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 7.

(2) الكافي

3: 543- 4، التهذيب 4: 39- 99، الاستبصار 2: 27- 76، الوسائل 9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 206

أغنامنا، فنقول: فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ قال: «إن كان قد أخذ بها و عزلها فلا بأس»، قيل له: فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسّم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: «إن كان ما أقبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل» «1».

و أورد عليها أولا: بمنع دلالتها على إباحة شراء الصدقة، لعدم تعيّن إرجاع الضمير في قوله: «لا بأس به» إلى شراء إبل الصدقة، بل يمكن رجوعه إلى الإبل و الغنم المذكورين أخيرا، و يكون إشارة إلى الأصل المقرّر- و هو أصالة الإباحة- يعني: لا بأس بالشراء حتى تعرف أنّه من إبل الصدقة، و أدّى بهذه العبارة من باب التقيّة.

و ثانيا: بمنع الدلالة على إباحة الخراج و المقاسمة.

و ثالثا: باحتمال كون المصدّق من قبل العدل.

و رابعا: باحتمال الشراء فيه للاستنقاذ، بناء على كون متعلّقها فيه صدقات المشترين خاصّة.

و ردّ الأول: بأنّ وجوب مطابقة الجواب للسؤال يعيّن رجوع الضمير إلى شراء إبل الصدقة، و تحديد الإباحة بعدم معروفيّة الحرمة لما تضمّنه السؤال من أخذ الزائد على الحقّ، فيكون حاصل الجواب نفي البأس عن شراء الصدقة ما لم تعلم فيها الزيادة المحرّمة بظهور لفظ القاسم في أنّ المأخوذ مال المقاسمة، سيّما في مقابلة لفظ المصدّق.

مع أنّه مرّت الإشارة إلى حكم زكاة الحنطة و الشعير في صدر الرواية،

______________________________

(1) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به

ب 52 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 207

فيلزم التكرار لو حمل عليها.

و الثاني و الثالث: ببعده بملاحظة حال الأئمّة في زمان صدور الرواية.

و الرابع: بالبعد، مضافا إلى كون صدر الرواية كالصريح في كون البيع من غير المشتري.

أقول: ما ردّ به الأول و إن كان كذلك و كان الصحيح الاعتراض عليه بلزوم التخصيص بصورة عدم التمكّن لما مرّ، إلّا أنّ في البواقي كلاما، لأنّ ظهور لفظ القاسم فيما ذكره ممنوع، لتحقّق القسمة في صدقات الغلّات أيضا، لأنّها أيضا كمال المقاسمة تؤخذ بالنسبة، و المقابلة للمصدّق غير مفيدة، لجواز اختصاص استعمال المصدّق عندهم بأخذ صدقات الأنعام.

و أمّا لزوم التكرار ففيه: أنّ ما مضى هو حكم أصل البيع، و المسؤول عنه البيع اكتفاء بالكيل الأول، و لذا سئل عن الغنم ثانيا مع كونه في السؤال الأول أيضا.

و لو سلّم الظهور فكون المأخوذ مال مقاسمة السلطان ممنوع، لجواز أن تكون الأرض ملك القاسم قاسمها للزارع، كما يشعر به قوله: حظّه، و يكون المراد بالقاسم من قاسم الملك، و يكون السؤال من جهة بيع حظّه بلا كيل اعتمادا على الكيل الأول، كما يدلّ عليه الجواب.

و أمّا بعد كون المصدّق من جانب العدل فهو و إن كان كذلك، إلّا أنّه يمكن المراد به الفقير الذي هو آخذ الصدقة لا من يأخذه من جانب السلطان.

و أمّا كون صدر الرواية كالصريح في مخالفة المشتري للمأخوذ منه فهو و إن كان في الصدقة كذلك، و لكن الظاهر في عجز الرواية الذي يستدلّ به على المقاسمة بعكس ذلك، إلّا أنّ اشتراط الإقباض بالكيل و حضور

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 208

المشتري يأبى عن حمل ذلك أيضا على إرادة الاستنقاذ.

و حسنة الحضرمي:

«ما يمنع ابن أبي سمال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس» ثمَّ قال للراوي: «لم تركت عطاءك؟» قال: مخافة على ديني، قال: «ما منع ابن أبي سمال أن يبعث إليك بعطائك، أما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا؟!» «1».

حيث جوّز أولا لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين له، و من جملة ما يعطيهم وجوه الخراج و المقاسمة.

و ثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه.

و في دلالتها تأمّل، لعدم معلوميّة ما يعطيه ابن أبي سمال للمعينين له، فيجوز أن يكون من غير وجوههما، و نصيبه من بيت المال يمكن أن يكون من غير جهة الخراج و المقاسمة.

و بالجملة: الاستدلال مع هذا النوع من الإجمال في غاية الإشكال.

و الأخبار المجوّزة للشراء «2» ما لم يظلم فيه أحدا من العامل بعد السؤال عنه، من جهة ترك الاستفصال ممّا يشترى منه، فيفيد العموم لجميع أمواله التي منها ما نحن فيه.

و لا يخفى ما فيه، فإنّا ندّعي أنّ ما نحن فيه ما علم أنّه ظلم فيه، كما هو مقتضى الأصل، مع أنّ باشتراط المالكيّة في المبيع يخرج جواز شراء ذلك، لعدم كونه ملكا للعامل قطعا، فالتجويز إنّما هو لجواز كونه من مال العامل نفسه [1]، كما في سائر أموال الظلمة.

______________________________

[1] في «ح»: بعينه.

______________________________

(1) التهذيب 6: 336- 933، الوسائل 17: 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 6.

(2) الوسائل 17: 218 أبواب ما يكتسب به ب 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 209

و منه يعلم و هن الاستدلال بإطلاق المجوّزات للشراء من الظلمة و أخذ جوائزهم، مع أنّ المتبادر منها: أنّ السؤال و التجويز

لما يعرض في أموالهم من الشبهة و الاختلاط.

و رواية الهاشمي: عن الرجل يتقبّل خراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام [1] و المصائد و السمك و الطير، و هو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبدا أو يكون، أ يشتريه و في أيّ زمان يشتريه و يتقبّل منه؟ فقال: «إذا علمت أنّ من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبّل منه» «2»، و قريبة منها روايته الأخرى «3».

و موثّقة سماعة: عن شراء الخيانة و السرقة، قال: «إذا عرفت أنّه كذلك فلا، إلّا أن يكون شيئا يشتريه من العمّال» «4»، و بمضمونها روايات كثيرة «5».

وجه الدلالة: عموم المستثنى الشامل للمفروض، و إن خرج غيره بالإجماع.

و في دلالتهما نظر:

أمّا الأول، فلوروده في بيان حكم تقبّل ما يدرك، و في اعتبار إطلاق مثل ذلك تأمّل.

______________________________

[1] الأجمة: الشجر الملتف، و الجمع أجمات، و الآجام جمع الجمع- مجمع البحرين 6: 6.

______________________________

(2) الفقيه 3: 141- 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 2 ح 4.

(3) الكافي 5: 195- 12، التهذيب 7: 124- 544، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4.

(4) الفقيه 3: 143- 630، التهذيب 6: 337- 934، الوسائل 17: 336 أبواب عقد البيع ب 1 ح 1.

(5) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع ب 1 ح 1 و 4 و 7 و 9 و 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 210

و أمّا الثاني، فلعدم صدق الخيانة و السرقة على المفروض إلّا بضرب من التجوّز، و إذا انفتح بابه فليس ذلك أولى من غيره.

المسألة التاسعة:

اشاره

لا يجوز بيع الأراضي المفتوحة عنوة- أي قهرا و غلبة- و يقال لها: أرض الخراج أيضا،

و لا وقفها، و لا صلحها، و لا هبتها.

و لا بدّ من ذكر نبذة من الأخبار الواردة فيها و المناسبة لها أولا، فهي كثيرة جدّا:

الأولى: صحيحة الحلبي: عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد»، فقلنا: الشراء من الدهاقين؟ قال: «لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها»، قلنا: فإن أخذها منه؟ قال: «يردّ إليه رأس ماله و له ما أكل من غلّتها» [1].

الثانية: رواية الشامي: «لا تشتروا من أرض السواد شيئا إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو في ء للمسلمين» «2».

الثالثة: رواية محمّد بن شريح: عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، و قال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين»، فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: «لا بأس، إلّا أن يستحيي عن عيب ذلك» «3».

______________________________

[1] التهذيب 7: 147- 652، الاستبصار 3: 109- 384، الوسائل 17: 369 أبواب عقد البيع ب 21 ح 4، بتفاوت.

و الدهقان: رئيس القرية، و مقدّم أصحاب الزراعة- مجمع البحرين 6: 250.

______________________________

(2) الفقيه 3: 152- 667، التهذيب 7: 147- 653، الوسائل 17: 369 أبواب عقد البيع ب 21 ح 5.

(3) التهذيب 7: 148- 654، الاستبصار 3: 109- 386، الوسائل 17: 370 أبواب عقد البيع ب 21 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 211

الرابعة: رواية أبي بردة: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال «من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين؟» قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمَّ قال: «لا بأس أن يشتري حقّه منها و يحوّل

حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه» «1».

الخامسة: رواية صفوان و البزنطي: قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج- إلى أن قال:- «و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، قبّل سوادها و بياضها» يعني:

أرضها و نخلها، إلى أن قال: «إنّ أهل مكّة دخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنوة و كانوا أسراء في يده فأعتقهم، فقال: اذهبوا أنتم الطلقاء» «2».

السادسة: صحيحة البزنطي، و فيها: «و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، قبّل أرضها و نخلها» الحديث «3».

السابعة: مرسلة حمّاد الطويلة، و فيها: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل و رجال فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها، على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحقّ النصف و الثلث و الثلاثين على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرّهم، فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح» إلى أن قال: «و يؤخذ بعد ما

______________________________

(1) التهذيب 4: 146- 406، الاستبصار 3: 109- 387، الوسائل 15: 155 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 1.

(2) الكافي 3: 512- 2، التهذيب 4: 118- 341، الوسائل 15: 157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.

(3) التهذيب 4: 119- 342، الوسائل 15: 158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 212

بقي من العشر فيقسّم بين الوالي و

بين شركائه الذين هم عمّار الأرض و أكرتها، فتدفع إليهم أنصباؤهم على قدر ما صالحهم عليه، و يؤخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه عزّ شأنه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» إلى أن قال: «و الأنفال إلى الوالي، و كلّ أرض فتحت أيّام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى آخر الأبد ما كان افتتاحا بدعوة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أهل الجور و أهل العدل، لأنّ ذمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأولين و الآخرين ذمّة واحدة» الحديث «1».

الثامنة: صحيحة محمّد: عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين» «2».

التاسعة: صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: «و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، كلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم، و أمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم» [1].

______________________________

[1] الكافي 1: 408- 3، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ب 4 ح 12، بتفاوت. و الطسق: الوظيفة من خراج الأرض- الصحاح 4: 1517، مجمع البحرين 5: 206.

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، أورد شطرا منه في الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2 و شطرا في ج 9: 266 أبواب المستحقين للزكاة

ب 28 ح 3، و في الجميع بتفاوت.

(2) الفقيه 2: 29- 104، التهذيب 4: 118- 340، الوسائل 15: 153 أبواب جهاد العدو ب 69 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 213

العاشرة: رواية يونس أو المعلّى: ما لكم في هذه الأرض؟ فتبسّم- إلى أن قال:- «فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «1».

الحادية عشرة: رواية ابن المغيرة، و فيها: «و كلّ من والى آبائي فهم في حلّ مما في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب» «2».

الثانية عشرة: رواية البرقي: «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» «3».

الثالثة عشرة: رواية أبي حمزة: «إنّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء» إلى أن قال: «و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمّس فيضرب على شي ء منه إلّا كان حراما على من يصيبه، فرجا كان أو مالا» «4».

الرابعة عشرة: مرسلة حمّاد: «يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله اللّه و يقسّم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه» إلى أن قال: «و ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر» الحديث «5».

الخامسة عشرة: حسنة معاوية بن وهب: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّمون؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام

______________________________

(1) الكافي 1: 409- 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 17.

(2) التهذيب 4: 143- 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 9.

(3) الفقيه 2: 24- 90، التهذيب 4: 138-

388، الاستبصار 2: 59- 193، علل الشرائع: 377- 3، الوسائل 9: 456 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 7.

(4) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.

(5) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 214

عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام، يجعله حيث أحبّ» «1».

السادسة عشرة: موثّقة سماعة: عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «2».

السابعة عشرة: مرسلة أحمد: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز و المعادن و الغوص و الغنم الذي يقاتل عليه» الحديث «3».

الثامنة عشرة: مرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام كان للإمام الخمس» «4».

التاسعة عشرة: رواية الهاشمي: عن رجل اشترى منهم أرضا من أراضي الخراج، فبنى فيها أو لم يبن، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها، إله أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال: «يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» «5».

العشرون: صحيحة زرارة: «رفع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: له ما لنا و عليه ما علينا، مسلما كان أو كافرا، له ما لأهل اللّه و عليه ما عليهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 43- 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 3.

(2) الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما

يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.

(3) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11.

(4) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(5) التهذيب 7: 149- 663، الوسائل 17: 370 أبواب عقد البيع ب 21 ح 10.

(6) التهذيب 4: 147- 411، الوسائل 15: 157 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 215

الحادية و العشرون: صحيحة ابن سنان: إنّ لي أرض خراج و قد ضقت بها ذرعا، قال: فسكت هنيئة فقال: «إنّ قائمنا عليه السّلام لو قد قام كان نصيبك من الأرض أكثر منها» «1».

الثانية و العشرون: موثّقة زرارة: «لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمّة إذا عمّروها و أحيوها، فهي لهم» «2».

الثالثة و العشرون: حسنة زرارة: «من أحيا مواتا فهو له» «3».

الرابعة و العشرون: حسنة الفضلاء، و هي مثل سابقتها «4».

الخامسة و العشرون: رواية السكوني و مرسلة الفقيه: «من غرس شجرا أو حفر واديا بدئا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له، قضاء من اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلّى اللّه عليه و آله» «5». و بمضمونهما أخبار كثيرة أخرى «6».

السادسة و العشرون: رواية أبي بصير: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ لنا خمسه» «7».

السابعة و العشرون: صحيحة الحلبي: «لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض و أهلها من السلطان»، و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث، قال:

______________________________

(1) التهذيب 7: 149- 660، الوسائل 15: 159 أبواب جهاد العدو ب 72

ح 3.

(2) الكافي 5: 282- 2، الوسائل 17: 368 أبواب عقد البيع ب 21 ح 2.

(3) الكافي 5: 279- 3، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 6.

(4) الكافي 5: 279- 4، التهذيب 7: 152- 673، الاستبصار 3: 108- 382، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.

(5) الكافي 5: 280- 6، الفقيه 3: 151- 665، التهذيب 7: 151- 670، الاستبصار 3: 107- 379، المقنع: 132، الوسائل 25: 413 أبواب إحياء الموات ب 2 ح 1.

(6) الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1.

(7) المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 216

«نعم، لا بأس به، قد قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر أعطاها اليهود» الحديث «1».

الثامنة و العشرون: رواية عبد اللّه بن محمّد: عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى، ثمَّ آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر و له في الأرض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك؟ قال: «نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك» الحديث «2».

ثمَّ تحقيق الحال في تلك الأراضي يستدعي بيان

فروع:
[الأول ]

أ: لا خلاف في كون تلك الأراضي للمسلمين قاطبة، و نقل الوفاق عليه متكرّر «3»، و الأخبار به مصرّحة، كما في الأخبار الأربعة الاولى «4».

و هل كونها لهم بعنوان ملك الرقبة، أو لها نوع اختصاص لهم و لو من جهة صرف منافعها في مصالحهم؟

صرّح بعض أصحابنا بعدم تملّك الرقبة «5»، و صريح بعض آخر التملّك «6»، و كلام الأكثر خال عن القيدين، بل

قالوا: إنّها لهم.

و في كتاب إحياء الموات من الكفاية إنّ المراد بكونها للمسلمين أنّ الإمام يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالحهم على حسب ما يراه، لا أنّ من

______________________________

(1) التهذيب 7: 201- 888، الوسائل 19: 42 و 59 في أحكام المزارعة ب 8 ح 8 و ب 18 ح 3.

(2) الكافي 5: 272- 2، التهذيب 7: 203- 896، الاستبصار 3: 129- 465، الوسائل 19: 127 أبواب أحكام الإجارة ب 21 ح 3 و 4 بتفاوت يسير.

(3) كما في المنتهى 2: 934 و الكفاية: 75 و الرياض 1: 495.

(4) المتقدمة في ص: 210 و 211.

(5) كالعلّامة في المنتهى 2: 936 و المحقق الأردبيلي في المجمع 7: 470.

(6) انظر الدروس 2: 41 و جامع المقاصد 3: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 217

شاء من المسلمين له التسلّط عليها أو على بعضها بلا خلاف «1».

و التحقيق: أنّه ليس في الأخبار ما يدلّ على الملكيّة، إذ غاية ما فيها إمّا الإضافة و يكفي فيها أدنى الملابسة، أو اللام، و كونها حقيقة في الملكيّة خاصّة غير ثابتة، بل أحد معانيها: الاختصاص و الاستحقاق، فيحتمل اختصاص الارتفاع و استحقاقه، و لذا ذكر في الخامسة «2» أنّها للإمام مع أنّه ليس له إلّا اختصاص إقبالها و استحقاقها، كما صرّح به في سائر الأخبار.

مع أنّ الملكيّة لا يمكن ان تكون لغير المعيّن، إذ لا معنى لها.

و لا لطائفة معيّنة من المسلمين، لأنّها خلاف الإجماع و الأخبار، بل في الأولى: أنّها «لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد» «3».

و لا لجميعهم إلى يوم القيامة، إذ لو كان كذلك لكان ارتفاعها مشتركا بين الجميع، كما

هو مقتضى الملكيّة.

فإن قيل: يجري مثل ذلك في نوع الاختصاص الذي أنت تقول به أيضا.

قلنا: نوع الاختصاص الثابت هو وجوب صرف منافعها في مصالحهم لا مصالح الجميع أو مصالح كلّ واحد، بل مصالح المسلم من حيث الإسلام في الجملة واحدا كان أو أكثر، و التعميم لأجل بيان استواء الجميع و عدم اختصاص طائفة كاختصاص الأصناف الثمانية بالصدقات، و لا يجري مثل ذلك في الملكيّة.

فإن قيل: يلزم بقاء رقبتها بلا مالك.

______________________________

(1) الكفاية: 239.

(2) المتقدمة في ص: 211.

(3) تقدمت في ص: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 218

قلنا: لا محذور فيه، كما في الزكاة قبل تسليمها إلى مستحقّها، و هو أحد محتملات قوله: «موقوفة» في السابعة «1»، أي عن الملكيّة، مع أنّه يمكن أن يكون ملكا للّه سبحانه، كما في الأعيان الموقوفة على رأي «2»، و مقتضى قوله سبحانه إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «3»، بل يمكن أن تكون رقبتها و ملكيّتها للإمام أيضا، بل هو مقتضى الأصل الثابت بالعمومات المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام «4».

و بالجملة: إن قلنا بإفادة اللام للملكيّة يحصل التعارض بين الخامسة و بعض ما تقدّم عليها، و يجب الرجوع إلى الأصل المذكور.

و لو لم نقل بإفادتها لها لا تثبت الملكيّة من هذه الأخبار، و يرجع إلى الأصل، إذ ليست هي أملاكا لعمّارها قطعا، لخروجها عن ملكيّة أربابها بالإجماع، فتدخل تحت العمومات.

فلو قلنا: بأنّ ملكيّتها للإمام، كان أظهر في الفتوى و أوفق بالأدلّة و إن تعيّن صرف منافعها إلى مصالح خاصّة من مصالح رعاياه، كما في الموقوف على القول بملكيّة اللّه سبحانه، فتصرف منافعه في مصالح عباده.

[الثاني ]

ب: ما ذكر إنّما هو حكم نفس تلك الأراضي، و أمّا منافعها

و ارتفاعها فهي للمسلمين، بمعنى: أنّها تصرف في المصالح العامّة بلا خلاف، بل بالإجماع، و هو الدليل عليه، مضافا إلى صريح الرواية السابعة، بل سائر الروايات المتضمّنة لأنّها للمسلمين.

[الثالث ]

ج: ما ذكر إنّما هو حكم غير الخمس من ارتفاع تلك الأراضي.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 211 و 212.

(2) قال به العلّامة في التحرير 1: 269.

(3) الأعراف: 128.

(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 219

و أمّا خمسها فهل هو أيضا للمسلمين، أو هو لأهله فيجب إخراجه لهم؟ بل و كذلك الكلام في نفس الأراضي لو لم نقل بأنّ الجميع ملك للإمام.

ظاهر الأكثر هو: الثاني، و هو صريح الحلّي و خمس الشرائع و الفاضل في المنتهى و المحقّق الأردبيلي «1»، و عن المبسوط: أنّه مقتضى المذهب «2»، و قيل: هو الظاهر من جميع الأصحاب «3».

و هو الحقّ، للرواية الثالثة عشرة، و الخمس المتعقّبة لها «4»، و السادسة و العشرين «5»، و هي و إن كانت معارضة مع عمومات الأخبار المصرّحة بأنّها لجميع المسلمين «6» بالعموم من وجه، إلّا أنّ الترجيح لأخبار الخمس، لموافقة الكتاب و مخالفة العامّة.

[الرابع ]

د: لا إشكال فيما ذكر من الأحكام إذا كان القتال و الاستغنام بإذن الإمام الحقّ.

و أمّا إذا لم يكن كذلك فهل هو أيضا كذلك، أم يكون الأرض من الأنفال و رقبتها [1] و منافعها للإمام؟

صرّح فخر المحقّقين و والده العلّامة- على ما نقل عنهما علي بن عبد الحميد الحسني في شرح النافع- بالثاني، و ذكره الشيخ في المبسوط أيضا «8».

______________________________

[1] نسخة في ح: و رفعتها.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 477، الشرائع 1: 181، المنتهى 1: 544، مجمع الفائدة 7: 471.

(2) المبسوط 2: 34.

(3) الحدائق 12: 360.

(4) راجع ص: 213.

(5) المتقدّمة في ص: 215.

(6) الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال ب 4.

(8) المبسوط 2: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 14، ص: 220

و الحقّ أنّ الأصل فيما فتح بغير إذن الإمام و إن كان كونه من الأنفال- كما دلّت عليه الرواية الثامنة عشرة «1»- إلّا أنّ حكم الأراضي المفتوحة بعد زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأجمعها حكم المفتوحة عنوة بإذن الإمام.

بمعنى: أنّ الإمام- الذي هو مالك الأنفال- أجرى عليها حكمها، كما تدلّ عليه الرواية الثامنة «2» بضميمة الاولى و الثانية «3».

و لا تعارض بينها و بين الثامنة عشرة، لأنّ مدلول الثامنة عشرة: أنّ ما اغتنم بغير إذن الإمام كلّه للإمام، و مدلول هذه: أنّ الإمام سار في الأراضي التي فتحت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيرة المفتوحة عنوة.

مع أنّه لو قلنا بالتعارض كانت هذه بملاحظة أصالة عدم الإذن أخصّ مطلقا من الثامنة عشرة، فتخصّصها قطعا.

و بما ذكرنا ظهر وجه ما قاله الأكثر من كون أرض السواد مفتوحة عنوة «4»- أي أنّها بحكمها- و يريدون ذلك المعنى.

و أمّا الحكم بكونها مفتوحة بإذن الإمام فليس هو مراد الأكثر و إن ذكره بعضهم نظرا إلى ما نقل من أنّ الحسنين عليهما السّلام كانا مع العسكر، و أنّ عمّار ابن ياسر كان أميرا، مؤيّدا بقبول سلمان تولية المدائن، و مشاورة عمر للصحابة خصوصا أمير المؤمنين عليه السّلام في الأكثر سيّما الحروب «5».

و في ثبوت جميع ما ذكر ثمَّ ثبوت إذن الإمام في الجميع نظر ظاهر.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 214.

(2) المتقدمة في ص: 212.

(3) راجع ص: 210.

(4) منهم الشيخ في الخلاف 2: 68، العلّامة في المنتهى 2: 937، السبزواري في الكفاية: 79.

(5) انظر الحدائق 18: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 221

[الخامس ]

ه: ما ذكرنا من حكم المفتوحة عنوة إنّما هو إذا كانت

محياة وقت الفتح.

و أمّا الموات منها حينئذ فقالوا: إنّها مال الإمام خاصّة، و حكمها حكم سائر الموات، لا يجوز التصرّف فيها بدون إذن الإمام مع حضوره، و مع عدمه فيملكها من أحياها «1».

و قيل: إنّ الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في ذلك «2»، و في الكفاية: بلا خلاف «3».

أقول: لو ثبت الإجماع على جميع ما ذكروه فهو، و إلّا ففي ثبوت كونها من الأنفال نظر، من جهة التعارض بين الأخبار «4» الدالّة على أنّ منافع جميع الأراضي الميّتة للإمام بالعموم من وجه و عدم المرجّح.

نعم، لا إشكال في ثبوت حكم الأخير- أي ثبوت التملّك لمن أحياها- للرواية الثانية و العشرين و الثلاث المتعقّبة لها «5» و ما بمضمونها.

و لا يتوهّم معارضتها مع الأخبار الدالّة على أنّ الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين «6»، إذ لا كلام لنا حينئذ في كونها لهم أولا و إن كانت مواتا قبل الفتح.

بل الكلام في أنّ الموات منها هل خرجت عن كونها كذلك بالإحياء و دخلت في ملكيّة المحيي، أم لا؟

______________________________

(1) انظر المبسوط 3: 278، الشرائع 1: 322، المسالك 1: 155.

(2) انظر الرياض 2: 318.

(3) الكفاية: 239.

(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال ب 1.

(5) المتقدمة في ص: 215.

(6) الوسائل 25: 435 أبواب إحياء الموات ب 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 222

مقتضى أخبار إحياء الموات «1» الخروج و الدخول، و أمّا عدمهما فليس إلّا مقتضى الاستصحاب و أصل العدم، و لا عمل عليهما مع دلالة عموم الأخبار المتكثّرة على خلافهما.

[السادس ]

و: المعروف من مذهب الأصحاب و المدلول عليه بالأخبار- كالخامسة و السادسة و السابعة و الثامنة و غيرها «2»- و الثابت من سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام فيما فتحت بعد الرسول

صلّى اللّه عليه و آله: أنّ توليه هذه الأراضي و النظر فيها إلى الإمام، يصنع فيها ما يراه من تقبيلها ممّن يريد كيف يريد.

و ظاهر ذلك- بل صريح قوله: «و ذلك للإمام» أو: «إليه»، و مقتضى أصالة عدم جواز التصرّف في ملك الغير بدون إذنه، على ما ذكرنا من ملكيّة هذه الأراضي للّه سبحانه أو للإمام- عدم جواز التصرّف لأحد فيها إلّا بإذنه.

و هو كذلك مع ظهوره و استقلاله.

و أمّا بدونهما فقد وقع الخلاف في من له التصرّف فيها:

فظاهر الشيخ في التهذيب: جواز التصرّف فيها و إباحته لكلّ أحد من الشيعة، قال: و أمّا أراضي الخراج و أراضي الأنفال و التي قد انجلى أهلها منها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرّف فيها ما دام الإمام مستترا «3». انتهى.

و هو الظاهر من الكفاية، حيث قال- بعد نقل كلام عن بعضهم دالّ على أنّ المتولّي هو السلطان الجائر-: و يحتمل جواز التصرّف مطلقا «4». انتهى.

______________________________

(1) الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1.

(2) راجع ص: 214.

(3) التهذيب 4: 144.

(4) الكفاية: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 223

و قيل: لا يجوز التصرّف فيها إلّا بإذن السلطان الجائر و لو أمكن التصرّف فيها بدون إذنه «1»، بل نقل بعضهم على ما في الكفاية اتّفاق الأصحاب عليه «2».

و قال في المسالك في حكم هذه الأرضين في زمان الغيبة: و هل يتوقّف التصرّف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إن كان متمكّنا من صرفها في وجهها، بناء على كونه نائبا عن المستحقّ عليه السّلام مفوّضا إليه ما هو أعظم من ذلك؟

الظاهر ذلك، و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين، و مع عدم التمكّن أمرها إلى الجائر.

و أمّا

جواز التصرّف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين فبعيد جدّا، بل لم أقف على قائل به، لأنّ المسلمين بين قائل بأولويّة الجائر و توقّف التصرّف على إذنه، و بين مفوّض الأمر إلى الإمام العادل، فمع غيبته يرجع الأمر إلى نائبه، فالتصرّف بدونهما لا دليل عليه.

و ليس هذا من باب الأنفال التي أذنوا عليهم السّلام لشيعتهم في التصرّف فيها في حال الغيبة، لأنّ ذلك حقّهم، فلهم الإذن فيه مطلقا.

بخلاف المفتوحة عنوة، فإنّها للمسلمين قاطبة، و لم ينقل عنهم الإذن في هذا النوع «3». انتهى.

و خلاصته: أنّ النظر في هذه الأراضي في زمان الغيبة للنائب العام، و مع عدم تمكّنه للجائر، دون غيرهما.

______________________________

(1) لعل المراد منه ما في الرياض 1: 496.

(2) الكفاية: 79.

(3) المسالك 1: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 224

أقول: قوله: و أمّا جواز التصرّف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين، إلى آخره، إن أراد منهم الشيعة و غيرهم فهو كذلك، و إن أراد الشيعة خاصّة فقد عرفت أنّه الظاهر من كلام التهذيب، و تشعر به كلمات بعض آخر أيضا [1]، فالقول به متحقّق ظاهرا.

و الظاهر أنّه الأقرب، أي يكون لكلّ واحد من الشيعة التصرّف في هذه الأراضي و النظر فيها و تقبيلها و إجارتها في زمان عدم تسلّط الإمام.

و الدليل عليه: عموم الرواية التاسعة «2»، حيث تدلّ على أنّ الشيعة محلّلون في ذلك التصرّف.

و العاشرة «3»، حيث تدلّ على أنّ ما كان لهم فهو ثابت لشيعتهم، و التصرّف في تلك الأراضي كان لهم.

و الحادية عشرة «4»، فإنّ التصرّف في تلك الأراضي و تقبيلها حقّ للإمام، فيكون حلالا للشيعة.

و الثانية عشرة «5»، فإنّ تقبيل الناس لتلك الأراضي أيضا مظالم للأئمّة، فيكون حلالا

للشيعة.

و من ذلك يظهر فساد ما تقدّم من المسالك من أنّ هذا ليس من باب الأنفال، فإنّ ذلك حقّهم، فلهم الإذن فيه، إلى آخره. فإنّ ما للمسلمين هو منافع هذه الأرضين أو مع رقبتها، و أمّا التصرّف و التقبيل فحقّ للإمام،

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 18: 301، و يشعر بذلك أيضا كلام صاحب كشف الغطاء:

359.

______________________________

(2) المتقدمة في ص: 212.

(3) المتقدّمة في ص: 213.

(4) المتقدمة في ص: 213.

(5) المتقدمة في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 225

فيكون له الإذن فيه للشيعة.

و كذا يظهر فساد ما ذكره من عدم نقل الإذن. فإنّه و إن لم ينقل في خصوص تلك الأراضي، و لكن يثبت بالعمومات ما ثبت بالخصوص ما لم يكن له معارض، كما في المسألة.

و ظهر ممّا ذكرنا عدم توقّف جواز التصرّف و التقبيل لآحاد الشيعة على إذن النائب العام أو السلطان الجائر.

و هل يجوز التقبيل من السلطان الجائر- أي المخالف- أم لا؟

ظاهر الأكثر ذلك «1».

و قيل: الثابت من الأدلّة و الأخبار الواردة في هذه المسألة و مسألة الخراج و المقاسمة هو حلّيّة أخذها من الجائر بالبيع و الشراء و الحوالة و غيرها، و حلّيّة التصرّف في تلك الأراضي بإذنهم و أمرهم و تقبيلهم إذا كانوا متسلّطين عليها بحيث لا يمكن الاستنقاذ من أيديهم و التخلّص من أذيّتهم و ضررهم.

و أمّا لو أمكن التصرّف في الأراضي الخراجيّة بدون مظنّة ضرر من قبلهم، و أمكن التصرّف في المقاسمة و الخراج كذلك، فلم يظهر وجوب استئذانهم، بل و لا جوازه أيضا من الأدلّة. انتهى.

و المستفاد منه جواز التصرّف بإذن الجائر مع عدم إمكانه بدونه، و التردّد في الجواز به مع الإمكان بدونه.

و قال صاحب الكفاية- بعد نقل القول باشتراط

إذن الجائر-: و قد نازع فيه بعض المتأخّرين من الأصحاب، و قال: لا دليل عليه من الكتاب

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 169 و صاحب الرياض 1: 507.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 226

و لا من السنّة، بل قد يستنبط منهما خلافه، إذ هذا معاونة على الإثم و معونة للظالم، و قول بأنّ له ولاية و عهدا من اللّه عزّ و جلّ، إذ من لا سلطنة له من اللّه و رسوله في أمر جاز خلافه في ذلك الأمر، و الكتاب و السنّة قاطعتان بالنهي عن هذه الأمور.

و أيضا لو كان الأمر على ما ذكر لم يكن على الجابي و العامل و أمثالهما من الجور شي ء، نظرا إلى أنّ أخذهم و جمعهم إنّما هو لما يحرم على المأخوذ منه منعه، و هو نوع برّ و إحسان بالنسبة إلى المأخوذ منه، و معاونة على إبراء ذمّته من الواجب.

و هذا- مع كونه فتح باب لإقامة الباطل و خمول الحقّ المنفيّين عقلا و نقلا- مردود بخصوص ما رواه الشيخ، و نقل روايات دالّة على المنع من الدخول في أعمالهم.

قال: و فيه نظر، لأنّ كون ذلك إثما إنّما يكون على تقدير كون أخذ الجائر حراما مطلقا بأيّ غرض كان، و هو ممنوع، و قد مرّت الإشارة إليه، و تقوية الظالم إنّما يسلّم تحريمه في الظلم، و في مطلقه إشكال «1». انتهى.

أقول: لا ينبغي الريب في كون تصرّف الجائر المخالف و تقبيله لتلك الأراضي محرّما منهيّا عنه، كيف؟! و قد صرّح في الرواية التاسعة «2» بكون تصرّف غير الشيعة فيها حراما، و خصّص في غير واحد من الأخبار «3» تحليل الحقّ بالشيعة، و كيف لا يكون حراما؟! و هو

تتمّة غصب منصب الولاية، و هذا الجائر هو الغاصب و هو المانع عن استقلال الإمام في زمان

______________________________

(1) الكفاية: 80.

(2) المتقدّمة في ص: 212.

(3) انظر الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 227

الحضور.

و قوله: و قد مرّت الإشارة إليه، إشارة إلى ما ذكره عند بيان حكم الخراج من عدم ثبوت حرمة تصرّف الجائر إذا كان غرضه جمع حقوق المسلمين.

و لا يخفى أنّ بعد ثبوت كون الجمع و التقبيل وظيفة شخص معيّن و حقّه يكون عمله حراما، سيّما إذا كان مانعا لوليّ الأمر [من ] [1] التصرّف، مع أنّ العلم بغرضه ذلك و الوفاء به- مع ما هو عليه من الفسق الظاهر، و صرف أموال المسلمين في غير مصارفها- غير ممكن الحصول.

فإن قلت: قد ورد في بعض الأخبار جواز التقبيل من السلطان الجائر، كما مرّ في الرواية الحادية و العشرين و السابعة و العشرين و الثامنة و العشرين «2»، و على هذا فلا يكون تقبيل السلطان الجائر حراما، أو يكون هذا النوع من الإعانة على الحرام مستثنى.

قلنا: على الأول: تكون تلك الأخبار معارضة مع ما يدلّ على حرمة تصرّف المخالف في تلك الأراضي كما مرّ.

و على الثاني: مع الأخبار الناهية عن المعاونة على الإثم و الدخول في أعمال الظلمة «3».

و تعارضها مع الفريقين بالعموم من وجه، لكون السلطان في تلك الأخبار أعمّ من الحقّ و غيره، كما يصرّح به الاستشهاد بتقبيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

______________________________

[1] في «ق»: مع، و في «ح»: منع، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(2) المتقدّمة في ص: 215 و 216.

(3) الوسائل 16: 55 أبواب جهاد النفس ب 80 و ج 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب

42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 228

في السابعة و العشرين، و كون الأرض فيها أيضا أعمّ من الخراجيّة و غيرها، و احتمال كون تصرّف الراوي في الحادية و العشرين من غير إذن السلطان أيضا، و الترجيح للمعارض، للمخالفة لمذهب العامّة و الموافقة للكتاب، مع أنّه لو لا الترجيح على الأول كانت قضيّة الأصل أيضا الحرمة.

هذا، مضافا إلى أنّه لا دلالة للحادية و العشرين أصلا كما لا يخفى.

و المقصود من السابعة و العشرين بيان حكم أصل قبالة الأرض، حيث إنّها كانت ممّا يشكّك فيها، و البأس ينفى عن ذلك لا عن قبالة السلطان، بل يمكن أن تكون الأرض من أملاك السلطان دون الأراضي الخراجيّة.

و في الثامنة و العشرين عن استئجار أرض مستأجر بفضل، و لذا أجاب فيها بما أجاب.

فلا يدلّان على حكم التقبيل من السلطان أصلا.

و قد يستدلّ أيضا على الجواز بأخبار أخر، كروايتي الهاشمي، إحداهما: في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الرجال [1] و خراج النخل و الآجام و الطير، و هو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي ء أبدا أو يكون، قال: «إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنّه قد أدرك فاشتره و تقبّل به» «2»، و قريبة منها الأخرى «3».

و لا يخفى ما فيه، فإنّه ليس السؤال فيها عن حكم تقبيل الخراج، سيّما

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: الجبال، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(2) الكافي 5: 195- 12، التهذيب 7: 124- 544، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4، بتفاوت.

(3) الفقيه 3: 141- 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 229

عن الجائر من حيث هو، بل نفي البأس عن تقبّله

قبل أن يدرك، و لا عموم في أصل الخراج. و ترك الاستفصال يفيد لو كان السؤال عن حكم نفس الخراج.

و صحيحة ابن سرحان: في الرجل تكون له الأرض عليها خراج معلوم، و ربّما زاد و ربّما نقص، فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة، قال: «لا بأس» «1».

و فيه: أنّ السؤال فيها ليس عن التقبيل، بل عن حكم فضل ما تقبّل، و أيضا الكلام في التقبّل من السلطان، لا في أن يكون لأحد أرض خراج يتصرّف فيها فيأخذ السلطان منه خراجا ظلما، و لا يقول إنّه يجب حينئذ ترك تلك الأرض.

و الحاصل: أنّه لا يثبت منها أزيد من نفي البأس عن أداء الخراج، لا عن التقبّل من السلطان.

و منه يظهر عدم دلالة ما بمضمونها، كروايتي يعقوب بن شعيب «2»، و رواية أبي بردة «3»، و موثّقة سماعة «4»، و رواية إبراهيم بن ميمون «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 265- 5، الفقيه 3: 154- 678، التهذيب 7: 196- 868، الوسائل 19: 57 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 17 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الاولى في: الكافي 5: 268- 2، التهذيب 7: 198- 876، الوسائل 19: 45 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.

الثانية في: التهذيب 7: 201- 886، الوسائل 19: 59 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 18 ح 2.

(3) التهذيب 7: 209- 918، الوسائل 19: 58 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 17 ح 3.

(4) الكافي 5: 269- 4، الفقيه 3: 155- 679، التهذيب 7: 199- 880، الوسائل 19: 59 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 18 ح 1.

(5) الكافي 5: 270- 5، التهذيب 7: 199- 878، الوسائل 19:

57 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 230

و كرواية اخرى للهاشمي: عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى، ثمَّ آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك؟ قال: «نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك» «1».

و فيه- مضافا إلى ما مرّ- أنّا لا ننكر أنّه إذا ارتكب المحرّم و تقبّل فيكون تصرّفه و إجارته بعد ذلك حلالا، إنّما الكلام في أصل التقبّل، كمن دخل دار قوم بغير إذنهم و أخذ مال نفسه منها، إلى غير ذلك.

و بعد الإحاطة بما ذكرنا تقدر على ردّ سائر ما أورد في هذا المقام من الأخبار.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكر عدم جواز التقبّل من السلطان المخالف، سواء في ذلك إمكان التصرّف بدون إذنه و عدمه، إلّا أنّه يمكن أن يمنع كون التقبيل منه لأجل الحاجة أو استيفاء الحقّ أو نحو ذلك إعانة على الإثم أو على الظلم أو دخولا في أعمال الظلمة، فإنّ للقصد مدخليّة في تحقّق الإعانة، كما بيّنا في موضعه.

و على هذا فيمكن أن يقال: بأنّ الثابت من الأدلّة و إن كان حرمة تقبيل الجائر، و لكنّ الأصل- بضميمة ما مرّ من جواز تصرّف آحاد الشيعة فيها- يقتضي جواز تقبيل الشيعة منه، إذ لا دليل على حرمته إلّا كونه معاونة على الإثم أو للظالم أو دخولا في عمله، و الكلّ ممنوع، فيجوز لهم التقبيل منه.

و يدلّ عليه تقريرهم عليهم السّلام جماعة من الشيعة على ذلك. فعليه الفتوى.

______________________________

(1) الكافي 5: 272-

2، التهذيب 7: 203- 896، الاستبصار 3: 129- 465، الوسائل 19: 127 أبواب أحكام الإجارة ب 21 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 231

و ظهر أيضا جواز التقبيل من سلاطين الشيعة إذا كان شيئا من تلك الأراضي في أيديهم و جاز لهم التصرّف فيها، بأن لم يكونوا أخرجوها من يد شيعة اخرى قهرا، حيث إنّ المتصرّف أولى من غيره، بل معه أيضا، لأنّ غايته حرمة الإخراج لا حرمة التصرّف بعده، و هؤلاء السلاطين لكونهم من الشيعة يكونون محلّلين ممّا في أيديهم.

ز: ما ذكر كان حكم تقبيل نفس الأرض. و أمّا طسقها [1]، فقضيّة الأصل الثابت من بعض الأخبار المتقدّمة وجوب صرفه إلى مصالح المسلمين، و لا مخرج عنها، بل هو مقتضى اختصاصها بالمسلمين، و تحليل الإمام كان مختصّا بحقوقهم و ما كان لهم، لا لحقوق المسلمين، و لم يثبت تحليل الجميع، فعلى كلّ متصرّف- و لو من آحاد الشيعة- صرفه فيها، و لا شكّ أنّه لا يجب في صرفه فيها إذن السلطان الجائر، لعدم دليل عليه، إلّا إذا لم يمكن دونه و اتّقى من تركه.

و هل يتوقّف على إذن النائب العام؟

الأحوط ذلك، و إن كان الحكم بالوجوب محلّ النظر.

و لو تقبّله من سلطان الشيعة فلا شكّ في وجوب دفع الزائد من الطسق إليه، لأنّه حقّه، و أمّا الطسق فالظاهر أنّه كذلك، إلّا إذا علم عدم صرفه إيّاه في مصارفه.

[السابع ]

ح: اختلفوا في جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة، فمنهم من منع منه مطلقا «2»، و منهم من جوّزه في زمان الغيبة كذلك «3»، و منهم من فصّل

______________________________

[1] الطسق: الوظيفة من خراج الأرض- الصحاح 4: 1517.

______________________________

(2) كالشيخ في النهاية: 195، المبسوط 2: 34،

المحقق في الشرائع 1: 322، العلّامة في التذكرة 1: 427.

(3) كالشهيد في الدروس 2: 41 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 232

نوعا من التفصيل «1».

و الحقّ: أنّه لا يجوز بيع نفس رقبتها و لا نقلها بعقد آخر، و يجوز بيع الآثار المملوكة الكائنة فيها، من شجر أو بناء أو نحوهما، و بتبعيّتها يملك المشتري حقّ التصرّف فيها إذا بيعت الآثار كائنة فيها و كان مقصودهما بقاء الآثار فيها، بمعنى: أنّه إذا بيعت تلك الآثار يحقّ للمشتري التصرّف في نفس الأرض أيضا تبعا لها. و كذا يصحّ صلح حقّ التصرّف- أي أولويّته- و إن لم تكن فيها آثار.

أمّا عدم جواز بيع نفس الرقبة أو نقلها بعقد آخر فلعدم كونها ملكا لأحد بخصوصه حتى يصحّ نقلها كما عرفت، مع أنّه لو قلنا بكونها ملكا للمسلمين فهي تكون ملكا لجميعهم من الموجودين و غيرهم، كما صرّح به في الرواية الاولى «2»، و يكون كلّ جزء مشتركا بين الجميع، و لا يعلم قدر حصّة أحد، فكيف يصحّ بيع أرض معيّنة أو نقلها كما هو المطلوب؟! و يدلّ عليه أيضا نفي صلاحيّة شرائها في الرواية الاولى، و أمّا ما استثناه فهو ليس شراء حقيقيّا قطعا- أي تملّك رقبتها- و إلّا لم يجز لوليّ الأمر أخذها منه، و لم يجب عليه جعلها للمسلمين، فهما قرينتان على عدم إرادة الشراء الحقيقي من المستثنى، فالمراد منه: إمّا صورة الشراء لإخراجها من أيدي الدهاقين، أو شراء حقّ التصرّف مجازا، إذ لا يتعيّن معناه المجازي، فيكون مجملا غير مفيد.

و يدلّ عليه إنكاره جواز بيعها في الرواية الرابعة «3». و نفي البأس فيها

______________________________

(1) كالحلي في السرائر 1: 478،

الشهيد الثاني في المسالك 1: 155.

(2) المتقدمة في ص 210.

(3) المتقدمة في ص: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 233

عن شراء حقّه منها غير مفيد لتجويز اشتراء نفس الرقبة، لتوقّفه على ثبوت الحقّ فيها، و هو غير ثابت، بل المراد جواز شراء الآثار أو بيع حقّ التصرّف و أولويّته مجازا.

بل تدلّ عليه أيضا الرواية الثانية الناهية عن اشتراء أرض السواد «1».

و أمّا جواز بيع الآثار فظاهر.

و أمّا انتقال أولويّة حقّ التصرّف بنقل الآثار مع قصد ثبوت الآثار و بقائها فلأنّ أولويّة التصرّف حقّ مملوك للبائع يجوز له نقله إلى غيره بما يتحقّق به النقل و يصلح له، و بيع الآثار بقصد البقاء متضمّن لاشتراط تصرّف المشتري- من حيث كونها محلا لما اشتراه من الآثار- فيها، و الشرط الذي يتضمّنه عقد لازم لازم.

و أمّا جواز صلح هذه الأولويّة فلعمومات الصلح المذكورة في مظانّها.

و استدلّ من جوّز بيعها مطلقا بأخبار لا دلالة لأكثرها على كونها واردة في خصوص أرض الخراج أو ما يعمّها، و ما كان له دلالة عليه فيعارض ما تقدّم من الروايات، و حينئذ فإمّا يتساقطان و يرجع إلى الأصل- الذي هو عدم جواز الشراء لعدم ثبوت الملكيّة- أو يحمل الشراء فيه على ما تشهد له الروايتان من المعنى المجازي أو شراء الحقّ.

[الثامن ]

ط: لا بدّ في ثبوت كون أرض مفتوحة عنوة من العلم الحاصل من التواتر أو الخبر المحفوف بالقرينة أو نحوهما، أو الظنّ الثابت حجّيّته شرعا من حديث أو شهادة العدلين أو إقرار ذي اليد.

و أمّا مطلق الظنّ- كالظنّ الحاصل من قول أرباب السير و التواريخ، أو

______________________________

(1) راجع ص: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 234

من شهرة مفيدة للظنّ- فلا، لعدم

ثبوت حجّيّته، و الأصل عدم ثبوت أحكام المفتوحة عنوة لها.

و على هذا فنقول: كلّ أرض شكّ في كونها من الأراضي المفتوحة عنوة إمّا تكون عليها يد مسلم أو مسالم، أو لا.

فعلى الأول: إمّا يقرّ بكونها مفتوحة عنوة و يعمل فيها معاملتها، أو لا.

فعلى الأول: يحكم بما يقرّ به.

و على الثاني: فإمّا لا يدّعي ملكيّة نفسه لها و يقول بعدم كونها ملكا له و إن لم يعيّن حالها، فيكون مجهول المالك و يلزمها حكمه.

أو يدّعي الملكيّة، لا بمعنى أنّه يدّعي العلم بعدم كونها مفتوحة عنوة، بل بمعنى أنّه يدّعي عدم العلم بحقيقتها و يقول: إنّي لا أعلم الحقيقة و يدي عليها يد التملّك كاليد في سائر المملوكات، فيحكم بملكيّتها له، لأنّ الأصل الثابت من الأدلّة في اليد الملكيّة.

و إن لم تكن عليها يد مسلم أو من في حكمه يلزمها حكم مجهول المالك عندنا.

ثمَّ ما ذكرنا أعمّ من أن تكون الأرض في بلدة لم يعلم كونها مفتوحة عنوة، أو علم كون أصل البلدة أولا كذلك و لكن لم يعلم خصوص تلك الأرض، و ذلك لأنّ كون بلدة مفتوحة عنوة لا يوجب كون كلّ أرض فيها كذلك، لاحتمال كون هذه الأرض مواتا حين الفتح فتملّكها أحد بالإحياء.

و الأصل و إن كان عدم التغيير- أي كون العامرة وقت الفتح باقية على كونها معمورة، و الميتة على كونها ميتة، و يلزمها كون تلك الأرض عامرة وقت الفتح- و لكن تعارض هذا الأصل أصالة تأخّر الحادث، الذي هو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 235

إحياء تلك الأرض، فيتساقطان و يبقى أصل اليد خاليا عن المعارض، و هذا جار في جميع أراضي تلك البلدة.

و كون أصل البلدة مفتوحا عنوة لا يثبت الحكم

في شي ء من هذه الأراضي، لأنّ البلدة اسم للقدر المشترك بين ما يصدق على هذا الموجود بأجمعه و بعضه و على ما يقرب منه، فيمكن أن يكون العامر وقت هذا الفتح من الموات حينئذ، و العامر حينئذ من الموات قبل الفتح، و أصالة تأخّر الحادث ترجّح ذلك.

نعم، لو علم قطعا وجود العامر وقت الفتح في تلك الأراضي و لم يعلم التعيين لم يجز شراء الجميع و بيعه، و إن جاز في كلّ قطعة قطعة، كما في الأرض التي علم نجاسة موضع منها.

ثمَّ إنّ منهم من اعتبر مطلق الظنّ، قال في الكفاية- بعد نقل الأخبار الدالّة على كون أرض السواد مفتوحة عنوة-: فإن علم كون بلد آخر كذلك فذاك، و ما لم يعلم فيه ذلك و كان مشتبها فالظاهر أن يعمل بالظنّ فيه.

بيان ذلك: أنّا نعلم أنّ بعض البلاد كان مفتوحا عنوة و بعضها صلحا، و ما كان صلحا اشتبه أمره في أنّ الصلح وقع على أن تكون الأرض لهم، أو على أن تكون الأرض للمسلمين فيكون حكمه حكم المفتوحة عنوة، فهذا البلد المشتبه إمّا يكون على سبيل الأول أو الثالث فيكون للمسلمين و عليه الخراج، أو على سبيل الثاني فلم يكن عليه خراج.

فإمّا أن يجري عليه خصوص حكم بلا أمر دالّ عليه أو أمارة ظنّية ففيه ترجيح حكم بلا مرجح، أو يرجع فيه إلى الظنّ، و إذا بطل الأول تعيّن الثاني.

و أيضا إذا كان المظنون فيه أمرا كان خلافه مرجوحا، فإمّا أن يعمل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 236

فيه بالراجح، أو بالمرجوح، أو لا يعمل فيه بشي ء منهما، لا وجه للثالث و هو ظاهر، و لا للعمل بالمرجوح، فتعيّن الأول «1». انتهى كلامه طاب

ثراه.

أقول: قوله: فهذا البلد المشتبه، إلى آخره. فيه احتمالات أخر:

أحدها: أن تكون أرض من أسلم أهله طوعا.

و ثانيها: أن تكون مواتا أحياها المسلمون.

و ثالثها: أن يكون من خمس الإمام فنقلها بأحد وجوه النقل.

قوله: فإمّا أن يجري عليه، إلى آخره.

أقول: يعمل فيه بما يعمل فيه لو لم تكن هناك أمارة ظنيّة أيضا.

و الحاصل: أنّه يحكم في أراضيه بمقتضى اليد إن كانت أو بمقتضى الجهل بالمالك، و ليس شي ء منهما حكما بلا دليل، و هو ظاهر.

و منه ظهر فساد قوله: و إذا بطل الأول تعيّن الثاني، لعدم الحصر، لجواز جريان حكم بدليل دالّ عليه، كاليد و أصالة تأخّر الحادث و نحوها.

قوله: و إذا كان المظنون فيه أمر، إلى آخره.

فيه: أنّ المرجوح باعتبار الظنّ قد يصير راجحا باعتبار آخر، كانضمام اليد و نحوها معه، فلا يكون ترجيحا للمرجوح.

و المراد: أنّ ذلك المرجوح و إن كان مرجوحا بكونه مفتوحا عنوة واقعا، لكن يمكن أن يصير راجحا بكونه مملوكا على الظاهر، كما إذا حصل من إنكار المدّعى عليه ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل من شهادة عدلي المدّعي، و كالظنون في الأحكام الشرعيّة، فإنّ هذا القائل لا يعمل بمطلق الظنّ فيها.

______________________________

(1) الكفاية: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 237

ثمَّ قال بعد كلام: لا يقال: إذا كان البلد تحت يد المسلمين كان محكوما بكونه ملكا لهم، و القول بخلاف ذلك يحتاج إلى أمر مفيد للعلم، و لا يكفي الظنّ في ذلك.

فإنّا نقول: نحن نعلم أنّ تلك الأراضي كانت تحت يد الكفّار ثمَّ طرأ عليها دخولها تحت يد المسلمين، إمّا على وجه كونها ملكا لجميع المسلمين و الآن لصاحب اليد أولويّة التصرّف فيها، و إمّا على وجه كونها ملكا لصاحب اليد، فإذا

اشتبه الأمر لم يكن لنا أن نحكم بشي ء من ذلك إلّا بحجّة، و لا يعرف أنّ اليد في أمثال هذه الأراضي تقتضي الحكم باختصاصها بصاحب اليد على وجه الاختصاص الملكي، و إن سلّمنا ذلك في المنقولات و الأشجار و الأبنية و أمثالها. و من المعلوم أنّ المتصرّف أيضا لا يدّعي ذلك و لا يعلمه، و لو ادّعى شيئا من ذلك لا نصدّقه، لأنّا نعلم أنّه لا يعلم. و لا يمكن دعوى الإجماع فيما نحن فيه، و لا دعوى نصّ يدلّ على أكثر ممّا ذكرنا.

و إذا علم كون بلد مفتوحا عنوة و حصل الاشتباه في بعض مزارعه و قراه فسبيل تحصيله ما ذكرنا، و كذلك السبيل في معرفة كون الأرض عامرة وقت الفتح أو مواتا، فإنّه يعوّل عليها بالأمارات الظنّيّة عند تعذّر العلم «1». انتهى.

قوله: نحن نعلم أنّ تلك الأراضي كانت تحت يد الكفّار، إلى آخره.

فيه منع، لجواز عدم دخولها تحت أيديهم بكونها محياة للمسلمين.

قوله: و لا نعرف أنّ اليد، إلى آخره.

______________________________

(1) الكفاية: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 238

فيه: أنّ مطلق اليد دليل على الملكيّة، سواء كانت على الأراضي أو غيرها، كما صرّح به في كتاب إحياء الموات «1»، و دلّت عليه الأخبار العامّة للأرضين أيضا، بل منها الواردة في خصوص الأرض، كما ورد في ردّ أمير المؤمنين عليه السّلام على أبي بكر، حيث طلب البيّنة عن سيدة النساء عليها السّلام لأجل فدك «2».

قوله: من المعلوم أنّ المتصرّف أيضا، إلى آخره.

أقول: لا يشترط في دلالة اليد على الملكيّة علم ذي اليد بالواقع، لأنّ كلّ من في يده شي ء لا يعلم حقيقة الأمر، فإنّ العبد الذي ورثه أحد أو اشتراه يمكن أن يكون في الواقع

حرّا، أو مسروقا، أو نحو ذلك.

قوله: و لا يمكن دعوى الإجماع، إلى آخره.

بل يمكن دعوى الإجماع، و النصّ الدالّ على الأكثر موجود، كما أشرنا إليه.

قوله: فسبيل تحصيله ما ذكرنا.

فيه منع، بل يعمل فيه بالأصول و القواعد.

و قد يستدلّ على اعتبار مطلق الظنّ هنا بانسداد باب العلم و بقاء التكليف، و كون الأمر في التكاليف على الظنّ سيّما في الموضوعات، و لا فرق في ذلك بين الرجوع إلى أهل الخبرة في الأرض [1]، و إلى العرف و اللغة في فهم المعنى، و إلى الهيئة في القبلة.

أقول: أمّا دليل انسداد باب العلم قد ذكرنا ما فيه في كتبنا الأصوليّة

______________________________

[1] في «ق» و نسخة من «ح»: الأرش.

______________________________

(1) الكفاية: 240.

(2) تفسير القمّي 2: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 239

مستوفى، و كون البناء على مطلق الظنّ في الأحكام و الموضوعات ممنوع، و الرجوع إلى أهل الخبرة و اللغة و الهيئة فإنّما هو لأدلّة خاصة بها، فهي الفارقة، و إن لم يكن فيها دليل فيمنع الرجوع فيها أيضا.

و ممّا قد يجعل دليلا على كون الأرض مفتوحة عنوة ضرب الخراج من الحاكم و إن كان جائرا، عملا بأنّ الأصل في تصرّفات المسلم الصحّة.

و اعترض عليه: بأنّه إنّما يتمّ إذا كان الحكم بكونه خراجيّا مصحّحا لتصرّفه و تسلّطه على الأخذ، و أمّا إن قلنا: إنّ فعله- كتسلّطه و ضربه و أخذه- حرام و إن حكمنا بكونها خراجيّة، فلا.

و ردّ: بأنّ المراد من أصالة صحّة فعل المسلم إنّما هو صحّة فعله على ما يعتقده صحيحا، فإذا انحصر عندهم جواز أخذ الخراج في الأراضي الخراجيّة فإذا رأيناهم يأخذون الخراج من أحد يحكم بصحّة فعله عندهم، و إن كان أصل الفعل باطلا عندنا.

مع أنّا

إذا رأينا المسلمين في الأعصار يأخذون منهم خراج تلك الأراضي فحمل أفعالهم على الصحيح قد دلّنا على أنّ الأرض كانت خراجيّة.

أقول: فيه- مضافا إلى أنّ الحمل على الصحّة لو سلّم فإنّما هو في أفعال الشيعة خاصّة، و مع التسليم مطلقا لا يثبت إلّا كون الأرض خراجيّة عند من يأخذ الخراج أو مع من يقبله عنه، و ذلك غير كاف للثبوت عند مجتهد آخر، إذ معتقد طائفة لا يفيد لغيرهم- أنّ تلك الأراضي التي يؤخذ منها الخراج لا تخلو إمّا تكون في يد السلطان، يتقبّلها و يؤجرها لمن يشاء، و يأخذ طسقها باسم الخراج، فهذا اعتراف من صاحب اليد بكونها خراجيّة، و هذا كاف في الثبوت، و لا حاجة إلى الحمل على الصحّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 240

أو تكون في يد الرعيّة، و هم أيضا يعطون الخراج معترفين بكونه حقّا، فهذا أيضا كالأول، أو يأخذ منهم الخراج كرها لهم مع عدم اعترافهم بالحقّيّة، بل مع تصريحهم بعدمها، و في هذا كما أنّ حمل فعل السلطان على الصحّة يثبت الخراجيّة، حمل إكراه الرعيّة على الصحّة أيضا يدلّ على عدمها، فيتعارضان.

نعم، لو اعترف الرعيّة المتصرّف لها لم يتحقّق التعارض، و لكن لا يفيد أيضا لسائر ما ذكر.

[التاسع ]

ي: قد تلخّص ممّا ذكرنا أنّه ليس لنا اليوم أرض مخصوصة يتمّ لنا الحكم بكونها مفتوحة عنوة، إذ لا دليل علميّا على شي ء منها، و لا ظنّيّا ثابت الحجّيّة، إلّا بعض الأخبار الواردة في أرض السواد أو مكّة، و هي مع وجود التعارض لبعضها لا تثبت حكم كلّ أرض بخصوصها، و حكم الجملة غير مفيد كما مرّ، و لا يحصل من أقوال أرباب التواريخ شي ء يمكن الركون إليه، مع

شدّة اختلافها في الأكثر.

قال بعض أصحابنا: إنّ ما وجدنا في بعض كتب التواريخ- و كأنّه من الكتب المعتبرة في هذا الفنّ- أنّ الحيرة- و كأنّها من قرى العراق بقرب الكوفة- فتحت صلحا، و إنّ نيشابور من بلاد خراسان فتحت صلحا، و قيل: عنوة، و بلخ منها و هراة و قوشج و التوابع فتحت صلحا، و بعض آخر منها فتح صلحا، و بعض عنوة.

و بالجملة: حكى حال بلاد خراسان مختلفا في كيفيّة الفتح.

و أمّا بلاد شام و نواحيه، فحكي أنّ حلب [1] و حمص و طرابلس

______________________________

[1] في «ق» زيادة: و حمى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 241

فتحت صلحا، و أنّ دمشق فتحت بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره، و أنّ أهالي طبرستان صالحوا أهل الإسلام، و أنّ آذربايجان فتح صلحا، و أنّ أهل أصفهان عقدوا أمانا، و الريّ فتح عنوة.

و قد حكى في المنتهى عن الشافعي: أنّ مكة فتحت صلحا بأمان قدّم لهم قبل دخوله، و هو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و مجاهد، و نسب إلى الظاهر من المذهب: أنّها فتحت بالسيف ثمَّ آمنهم بعد ذلك، و نقل عن مالك و أبي حنيفة و الأوزاعي.

و حكى عن التذكرة عن بعض الشافعيّة: أنّ سواد العراق فتح صلحا، قال: و هو منقول عن أبي حنيفة، و عن بعض الشافعيّة: أنّه اشتبه الأمر عليّ، و لا أدري أفتح صلحا أم عنوة.

و حكم العلّامة في المنتهى و التذكرة بأنّ السواد فتحه عمر بن الخطاب، و حدّه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسيّة المتّصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من

شرقي دجلة، و أمّا الغربي الذي يليه البصرة فإنّه إسلامي، مثل شطّ عثمان بن أبي العاص، و ما والاها كانت أسباخا و مواتا فأحياها عثمان بن أبي العاص [1]. انتهى.

نقلناه بطوله لما فيه من بعض الفوائد.

______________________________

[1] حكاه في الحدائق 18: 309، 310 عن بعض الفضلاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 243

كتاب البيع

اشارة

و هو عرفا: نقل الملك بعوض من مالك إلى آخر بعقد مخصوص.

و مرادنا من العقد أعمّ من اللفظي ليشمل التقابض على القول بكفايته، و ذلك العقد سبب النقل كما أنّ النقل سبب الانتقال.

و عرّفه جماعة بالعقد «1». و هو غير جيّد، لأنّه مركّب من الإيجاب و القبول، فيلزمه عدم كون أحد المتعاقدين بائعا، و عدم صحّة باع فلان حقيقة و لا يلزم ذلك في النقل، لأنّ الناقل أحدهما و إن توقّف صيرورته ناقلا على قبول الآخر.

و التحقيق: أنّه لا فائدة مهمّة في ذلك النزاع، لتوقّف تحقّق البيع على ذلك العقد على القولين. و إنّما المهمّ بيان ذلك العقد و شرائطه و سائر أحكام البيع و أقسامه، و نذكره في مقاصد:

______________________________

(1) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 352، ابن حمزة في الوسيلة: 236، العلّامة في المختلف: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 245

المقصد الأول في عقد البيع و شرائطه

اشارة

و فيه ثلاثة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 247

الفصل الأول في بيان ما يتحقّق به البيع، أي العقد المخصوص

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

اعلم أنّ الشارع رتّب أحكاما على البيع، و ليس هنا نصّ أو إجماع دالّ على أنّ البيع أو ما يتحقّق به البيع ما هو.

و حينئذ فإمّا يقال: إنّه ليس له معنى لغوي أو عرفي معلوم لنا مع قطع النظر عن الشرع، فيلزم حينئذ علينا الاقتصار في ترتّب الأحكام بما انعقد الإجماع على تحقّق البيع به.

أو يقال: إنّ له معنى كذلك معلوما لنا، و حينئذ فإمّا يثبت شرعا بإجماع أو غيره شرط لتحقّق البيع، أو لا، فإنّ ثبت فيقتصر في تحقّق البيع شرعا بما هو واجد للشرط، و إن لم يثبت فيحكم بالترتّب في جميع ما يتحقّق به البيع عرفا أو لغة.

و من ذلك و ممّا سيأتي حصلت الاختلافات في عقد البيع، فمن ظنّ عدم ظهور معنى لغوي أو عرفي يضطرّ إلى الاقتصار على موضع الإجماع. و هذا محطّ قول جماعة بتخصيص البيع شرعا بما كان مع الصيغة المخصوصة الجامعة لجميع الشرائط المختلف فيها.

و من ظنّ ظهوره، و لكن زعم الإجماع على اشتراط الصيغة في تحقّق البيع، لزمه القول به، و لكن يقتصر في الشرط بما هو محلّ الإجماع، يعني ما ثبت الإجماع بزعمه على اشتراطه. و هذا مناط قول من يقول باشتراط الصيغة في تحقّق البيع و لكن يوسّع فيها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 248

و من لم يظهر ذلك الإجماع له، و لم يعثر على دليل آخر أيضا على الاشتراط، يوسّع في تحقّق البيع بما يتحقّق به لغة أو عرفا. و إلى هذا ينظر من اكتفى بمطلق اللفظ أو بالمعاطاة أيضا.

و هاهنا أمر آخر، و هو أنّه بعد تعيين معنى البيع أو ما يتحقّق به البيع عرفا- و أنّه ما

سيأتي من أنّه ما يدلّ على نقل المالك ملكه به إلى آخر بعوض معلوم بالطريق المعهود- قد يقع الخلاف في الدالّ.

فقد يقال: باختصاص الدالّ الصريحي بالصيغة المخصوصة، فلذا يقول باختصاص تحقّق البيع بها. و إلى هذا نظر طائفة من المشترطين للصيغة.

و قد لا يقال بالاختصاص، فيعمّم.

و إذ عرفت ذلك تعلم أنّ وظيفتنا أولا الفحص عن أنّه هل للبيع معنى لغوي أو عرفي نعلمه، و أنّه ما هو؟

فنقول: إنّ من البديهيّات التي لا شكّ فيها: أنّ لفظي البيع و الشراء ممّا يستعمله عامّة الناس من أهل الأسواق و البوادي و الخارجين عن شريعتنا- بل عن مطلق الشريعة- استعمالا خارجا عن حدّ الإحصاء، و ليسوا شاكّين في معناه، و لا متردّدين، و لا محتاجين في فهمه إلى القرينة، فهذا يقول: بعت و اشتريت، و ذاك: أبيع و أشتري، و ثالث: هل يبيع و هل يشتري، إلى غير ذلك، و يفهم المخاطب مراده من غير قرينة أصلا، و لو لم يعلم القدر المجمع عليه شرعا، و لم يفهم إجماعا أو شرعا، و لم تقرع سمعه صيغة، فيقطع بذلك أنّ ما يتحقّق به البيع عرفا أمر مضبوط معلوم عند أهل العرف مع قطع النظر عن الشرع، و هو ما يدلّ عرفا على نقل المالك ملكه به إلى آخر بعوض بقصد المبايعة، إذ عند حصول ذلك

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 249

يستعمل لفظ البيع عندهم، و يتبادر عنه حصوله، و لا يجوّزون سلب الاسم معه، سواء كان ذلك بقبض كلّ من العوضين و هو المسمّى بالمعاطاة، أو بقبض أحدهما مع ضمان الآخر، أو بألفاظ دالّة على ذلك.

و على هذا، فلا تشترط في تحقّق البيع عرفا صيغة مخصوصة من حيث

إنّها هي، و إن وجب كون الفعل أو اللفظ دالا على النقل المذكور عرفا.

و هذا هو الذي يظهر من كلمات الأكثر «1»، و إليه ينظر قول المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد تارة: إنّ المعاطاة بيع بالاتّفاق، و اخرى: إنّه المعروف من الأصحاب «2».

و أمّا ما يظهر من بعضهم «3»- من الخلاف في تسمية المعاطاة بيعا، و هو بين شاكّ فيها و ناف لها، بل عن الغنية الإجماع على العدم «4»، و في الروضة: اتّفاقهم على أنّها ليست بيعا «5»- فالظاهر أنّ المراد: البيع الشرعي، أي ما يوجب الانتقال شرعا، حيث يزعم اشتراط صيغة خاصّة و انعقاد الإجماع عليه، فلا تخالف بين دعوى الإجماعين.

و لو أرادوا نفي البيع العرفي ففساده ظاهر لوجوه:

منها: الاستعمال، فإنّه يقال: ابتعت الخبز و اللحم و بعته، و لو لم يتحقّق أمر سوى المعاطاة، و الأصل فيه الحقيقة، و أعميّته إنّما هو مع تعدّد المستعمل فيه، و هو هنا غير ثابت، و استعماله فيما كان مع الصيغة بدون

______________________________

(1) كالعلّامة في التذكرة 1: 462 و صاحب الرياض 1: 510.

(2) جامع المقاصد 4: 58.

(3) كصاحب الحدائق 18: 375.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.

(5) الروضة 3: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 250

التقابض لا يثبته، لجواز كون المستعمل فيه هو القدر المشترك، و هو النقل المذكور. بل هو كذلك، و لذا لو فرض استقرار عرف على المبايعة بعمل أو لفظ آخر يصحّ استعمال البيع و الشراء بعد تحقّقه.

و منها: عدم صحّة السلب، فإنّه إذا اتّخذ أحد حرفته بيع الكرابيس [1] أو الرقيق أو غيرهما، و كان يبيعها مدّة بالمعاطاة، يقال: إنّه بيّاع الكرباس- مثلا- و لو لم يتلفّظ بصيغة أبدا، و لا يجوز أن

يقال ليس كذلك، كما نشاهد في أهل السوق و أرباب الحرف.

و لو أمر أحد ببيع كرباس فباعه بالمعاطاة أو بلفظ غير الصيغ المخصوصة لا يجوز له أن يقول: ما بعته، و لو عاتبه لعدم الامتثال لذمّ، و هذا ظاهر جدّا.

و منها: التبادر، فإنّه يجاوز ذكر البيع و الشراء حدّ الإحصاء عند أهل القرى و البوادي و يفهمون معناه و يتبادر عندهم، مع أنّهم لا يعرفون صيغة، بل لم يسمعوها في الأكثر، و يدلّ عليه أيضا قول القائل: بعت متاعي و لكن ما أجريت الصيغة، و صحّة الاستفسار بعد قوله ذلك أنّه هل أجريت صيغته.

و يجري أكثر تلك الوجوه أو جميعها في قبض أحد العوضين مع ضمان الآخر في التلفّظ بالألفاظ المفهمة عرفا لنقل المالك ملكه بها بالقصد المذكور، فيتحقّق البيع بجميع ذلك عرفا.

ثمَّ إنّ بما ذكرنا كما يثبت أنّ البيع يتحقّق عرفا بحصول ما يدلّ على النقل المتقدّم مطلقا، سواء كان لفظا أو غير لفظ، كذلك يثبت عدم انحصار الدالّ على ذلك النقل في اللفظ [2] المخصوص، بل و لا في مطلق اللفظ،

______________________________

[1] الكرابيس: جمع كرباس، و هو القطن- مجمع البحرين 4: 100.

[2] في «ق» زيادة: المذكور.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 251

و جميع ما ذكرنا يدلّ عليه.

و بعد ثبوت تحقّق البيع بما ذكر عرفا يثبت لغة و شرعا أيضا بضميمة الأصل، و إذ ثبت كونه بيعا شرعيّا يكون جائزا و يباح به التصرّف لكلّ من الطرفين فيما نقل إليه و لو لم يتلفّظ بالصيغة، بعمومات الكتاب و السنّة الدالّة على حلّية البيع و جوازه.

مضافة إلى الإجماع القطعي المستفاد من عمل الناس في الأعصار و الأمصار حتى زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

من غير نكير، و من فتاوى العلماء بالنسبة إلى المعاطاة.

و قول العلّامة في النهاية- بكون المعاطاة بيعا فاسدا، فيلزمه عدم جواز التصرّف «1»- شاذّ، مع أنّه أيضا قد رجع عنه «2».

و يلزم من جوازه شرعا و إمضاء الشارع إيّاه زوال ملكيّة المبيع من البائع و حصولها للمشتري شرعا، إذ لا معنى لتحليل الشارع و إمضائه نقل الملك الذي هو معنى البيع- بل قوله في موارد متكثّرة: بع و بيعوا و أمثالهما- إلّا تحقّق النقل شرعا.

و يدلّ عليه أيضا جواز بيع السلعة للمشتري و لو بالمعاطاة بالإجماع، و إطلاق الأخبار في جواز بيع ما ابتيع الشامل لما ابتيع عرفا.

و في الصحيح- بعد السؤال عن بيع كذا و كذا [1] بكذا كذا درهما فباعه المشتري بربح قبل القبض و إعطاء الثمن-: «لا بأس بذلك الشراء، أ ليس قد كان ضمن لك الثمن؟» قلت: نعم، قال: «فالربح له» «4»، و هو يدلّ على

______________________________

[3] في «ح» زيادة: حدّه.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 2: 449.

(2) كما في المختلف: 348.

(4) الكافي 5: 177- 16، الوسائل 18: 64 أبواب أحكام العقود ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 252

جواز البيع بمجرّد ضمان الثمن و إن لم يجر صيغة خاصّة، و إذ جاز للمشتري بيعه يكون ملكا له، إذ لا بيع [1] إلّا فيما هو ملك للبائع، كما نطقت به الأخبار:

ففي صحيحة الصفّار المكاتبة: رجل له قطاع من أرضين، فحضره الخروج إلى مكّة، و القرية على مراحل من منزله، و لم يؤت بحدود أرضه، و إنّما عرف حدود القرية، فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت من فلان جميع القرية التي حدّ منها كذا، و الثاني و الثالث و الرابع، و إنّما له

بعض هذه القرية، و قد أقرّ له بكلّها، فوقّع عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس بملك، و قد وجب الشراء على البائع على ما يملك» «2».

و في صحيحة محمّد- بعد السؤال عن رجل أتاه رجل، فقال: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك، فابتاعه الرجل من أجله-: «ليس به بأس، إنّما يشتريه بعد ما يملكه» «3».

و يدلّ على التملّك الشرعيّ أيضا- من غير حاجة إلى الصيغة- إطلاق ما دلّ على أنّ من ابتاع شيئا فهو له، كما في صحيحة جميل الواردة في من اشترى طعاما و ارتفع أو نقص- أي في القيمة- و قد اكتال بعضه فأبى صاحب الطعام أن يسلّم له ما بقي و قال: إنّما لك ما قبضت، حيث قال:

«إن كان يوم اشتراه ساعره على أنّه له فله ما بقي» «4».

و في صحيحة العلاء: إنّي أمرّ بالرجل فيعرض عليّ الطعام- إلى أن

______________________________

[1] في «ق»: يقع.

______________________________

(2) الكافي 7: 402- 4، الفقيه 3: 153- 674، التهذيب 7: 150- 667، الوسائل 17: 339 أبواب عقد البيع و شروطه ب 2 ح 1، بتفاوت.

(3) التهذيب 7: 51- 220، الوسائل 18: 51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8.

(4) الكافي 5: 181- 2، التهذيب 7: 34- 143، الوسائل 18: 84 أبواب أحكام العقود ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 253

قال-: فأقول له: اعزل منه خمسين كرّا أو أقلّ أو أكثر بكيله، فيزيد و ينقص، و أكثر ذلك ما يزيد، لمن هو؟ قال: «هو لك» الحديث «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    253     المسألة الثانية: ..... ص : 253

الأخير ظاهر في عدم جريان الصيغة، و لو منع الظهور يكفي العموم المستفاد من

ترك الاستفصال.

المسألة الثانية:

و إذ عرفت حصول نقل الملك عن البائع، و حصول التملّك للمشتري بحصول البيع العرفي مطلقا، فلزوم ذلك هل يتوقّف على صيغة خاصّة، أو على مطلق اللفظ، أو يحصل بحصول البيع عرفا و لو بالمعاطاة أو مثلها؟

المشهور هو: الأول، بل كاد أن يكون إجماعا، كما في الروضة و المسالك في موضعين «2»، بل ظاهر الأخير- كصريح الغنية «3»- انعقاده.

و نقل في المسالك الثاني عن بعض معاصريه.

و الثالث ظاهر المفيد «4»، و جمع من المتأخّرين «5»، و هو الحقّ، لمفهوم الغاية في الأخبار الصحيحة المتكثّرة المصرّحة بأنّ: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا» «6».

و عموم الصحيحين، في أحدهما: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» «7».

______________________________

(1) الكافي 5: 182- 3، الوسائل 18: 86 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 1.

(2) الروضة 3: 222، المسالك 1: 169- 170.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.

(4) المقنعة: 591.

(5) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: 88 و الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 48.

(6) الكافي 5: 170- 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.

(7) الكافي 5: 170- 6، التهذيب 7: 20- 85، الاستبصار 3: 72- 240، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 254

و في الآخر: «فإذا افترقا فقد وجب البيع» «1».

و الخبر: «إذا صفّق الرجل على البيع فقد وجب و إن لم يفترقا» «2»، خرج عنه ما خرج بالإجماع فيبقى الباقي.

و ترك الاستفصال في أخبار خيار الشرط و العيب.

كما في الصحيح: عن الرجل يبتاع الجارية، فيقع عليها فيجد فيها عيبا بعد ذلك، قال: «لا يردّها على صاحبها» «3».

و في الآخر: «كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثمَّ ظهر على

عيب: أنّ البيع لازم» «4».

و في الخبر: الرجل يشتري زقّ [1] زيت فيجد فيه درديّا، قال: «إن كان يعلم أنّ الدردي يكون في الزيت فليس له أن يردّه» «6».

و في الموثّق: عن رجل باع جارية على أنّها بكر، فلم يجدها على ذلك، قال: «لا يردّ عليه، و لا يجب عليه شي ء، إنّه يكون يذهب في حال

______________________________

[1] الزقّ بالكسر: السقاء أو جلد يجزّ و لا ينتف للشراب أو غيره- مجمع البحرين 5:

177. و الدردي من الزيت و غيره ما يبقى في أسفله- مجمع البحرين 3: 45.

______________________________

(1) الكافي 5: 170- 7، الفقيه 3: 126- 550، التهذيب 7: 20- 86، الاستبصار 3: 72- 241، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 7: 20- 87، الاستبصار 3: 73- 242، الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.

(3) الكافي 5: 215- 6، التهذيب 7: 61- 264، الوسائل 18: 103 أبواب العيوب ب 4 ح 4.

(4) التهذيب 7: 61- 263، قرب الاسناد: 10، الوسائل 18: 104 أبواب العيوب ب 4 ح 7.

(6) الكافي 5: 229- 1، الفقيه 3: 172- 767، التهذيب 7: 66- 283، الوسائل 18: 109 أبواب أحكام العيوب ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 255

مرض أو أمر يصيبها» «1».

و رواية هذيل بن صدقة: عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق به إلى منزله، و لم ينقد شيئا فيبدو له فيردّه، هل ينبغي ذلك له؟ قال: «لا، إلّا أن تطيب نفس صاحبه» «2».

و مكاتبة جعفر بن عيسى: المتاع يباع في من يزيد، فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه المنادي برئ من كلّ عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق

إلّا نقده الثمن فربّما زهد، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوبا و أنّه لم يعلم بها، فيقول له المنادي: قد برئت فيها، فيقول المشتري:

لم أسمع البراءة منها، أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه السّلام: «عليه الثمن» «3»، إلى غير ذلك.

احتجّ المشهور بالإجماع المنقول «4»، و الأصول، و بأنّ اللزوم إنّما يكون في البيع، و هو إنّما يتحقّق بتحقّق ما يدلّ على نقل الملك به، أي إنشاؤه بالطريق المتقدّم صريحا، و الدالّ صريحا على ذلك منحصر في الصيغة المخصوصة.

و بعض الظواهر، كالصحيح: الرجل يجيئني فيقول: اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا، فقال: «أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك؟» قلت: بلى،

______________________________

(1) الكافي 5: 215- 11، التهذيب 7: 65- 279، الاستبصار 3: 82- 277، الوسائل 18: 108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 7: 59- 255، الوسائل 17: 386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 3 بتفاوت يسير فيه.

(3) التهذيب 7: 66- 285، الوسائل 18: 111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.

(4) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 586، الرياض 1: 510.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 256

قال: «لا بأس، إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1».

و الخبر: رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ قصب من أنبار بعضها على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت- إلى أن قال:- و أصبحوا و قد وقع النار في القصب [فاحترق منه ] عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف، فقال: «العشرة آلاف التي بقيت

للمشتري» [1].

و الموثّق: «لا تشتر كتاب اللّه عزّ و جلّ، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفّتين، و قل: اشتريت منك هذا بكذا و كذا» «3».

و المرسل «لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الجلود، و قل:

اشتري هذا منك بكذا و كذا» «4»، و مثله رواية أخرى أيضا «5».

و الجواب عن الأول: بمنع الحجّية.

و عن الثاني: باندفاعه بما مرّ من الأدلّة.

مضافا إلى أنّه إن أريد أصالة عدم الملك أو الانتقال أو ترتّب أحكام البيع فقد عرفت ثبوتها.

و إن أريد أصالة عدم اللزوم فممنوعة، لأنّ قبل ملك المشتري لم

______________________________

[1] التهذيب 7: 126- 549، الوسائل 17: 365 أبواب عقد البيع ب 19 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر. و الطنّ: حزمة من حطب أو قصب- مجمع البحرين 6: 278.

______________________________

(1) الكافي 5: 201- 6، التهذيب 7: 50- 216، الوسائل 18: 50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 4.

(3) الكافي 5: 121- 2، التهذيب 6: 365- 1049، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 2.

(4) التهذيب 6: 365- 1049، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 3.

(5) الكافي 5: 121- 1، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 257

يكن لزوم و لا عدم لزوم، و بعده فلا يعلم المتحقّق منهما، و ليس أحد الفصلين أوفق بالأصل من الآخر.

و عن الثالث: بأنّه إن أريد بالدالّ صريحا الدالّ بحسب الوضع الحقيقي فمع تحكّم التخصيص ليست الصيغة المخصوصة أيضا كذلك، و إن أريد مطلقا فالانحصار ممنوع.

و عن الرابع: بأنّه ليس ظاهرا في مطلوبهم، بل لا محتملا له، لأنّه لا يلائم جعل

قوله: «إنّما يحرّم» تعليلا لسابقه، بل المراد: أنّه إن كان بحيث إن شاء أخذ و إن شاء ترك و لم يقل ما يوجب البيع لا بأس و إلّا ففيه بأس، لأنّه يحرّم و يحلّل بكلام، فإن أوجب البيع يحرم و إلّا فيحلّ، كما ورد في صحيحة يحيى بن الحجّاج: عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب أو هذه الدابّة و بعينها أربحك فيها كذا و كذا، قال: «لا بأس بذلك»، قال: «ليشتريها و لا يواجبه البيع قبل أن يستوجبها أو يشتريها» «1».

و قد ورد بهذا المعنى في أحاديث أخر، كصحيحة الحلبي: عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا، و للبقر ثلثا، قال: «لا ينبغي أن يسمّي شيئا فإنّما يحرّم الكلام» «2»، و نحوه في صحيحة سليمان بن خالد «3»، و رواية أبي الربيع الشامي «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 198- 6، التهذيب 7: 58- 250، الوسائل 18: 52 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 13، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 5: 267- 6، الوسائل 19: 41 أبواب أحكام المزارعة ب 8 ح 4.

(3) الكافي 5: 267- 5، التهذيب 7: 197- 873، الوسائل 19: 41 أبواب أحكام المزارعة ب 8 ح 6.

(4) الفقيه 3: 158- 691، التهذيب 7: 194- 857، المقنع: 130، الوسائل 19:

43 أبواب في أحكام المزارعة ب 8 ح 10، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 258

و عن الخامس: بأنّه لا يدلّ إلّا على اللزوم مع الصيغة، و أين هذا من الحصر؟! و [عن السادس ] [1]: بمنع الدلالة على توقّف الصحّة أو اللزوم على القول المذكور من جهة تحقّق البيع، بل إنّما هو لأجل تعيين المبيع في مقام لا يمكن تعيّنه إلّا باللفظ، فالمراد ذكر المبيع لفظا،

مع أنّ اللفظ مختلف في الروايات أيضا.

المسألة الثالثة:

قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه تكفي الإشارة المفهمة للنقل بعنوان البيع إذا أفادت القطع، و كذا الكتابة، سواء تيسّر التكلم، أو تعذّر.

و أمّا على المشهور فلا يكفي على الأول، و أمّا على الثاني- كالأخرس- فصرّحوا بالكفاية، و وجهه عند من يعمّم البيع و يثبت اشتراط الصيغة بالإجماع ظاهر، و لكنّه لم يظهر وجهه عند من يخصّص البيع بما كان مع الصيغة، أو يقول بعدم دلالة الإشارة على النقل، إلّا أن يدّعي الإجماع على عدم الاشتراط حينئذ.

و القول: بأنّها تدلّ ظنّا، فيكتفى بها عند عدم إمكان العلم.

مردود بعدم دليل على قيام الظنّ مقام العلم عند تعذّره مطلقا، سيّما مع إمكان التوكيل.

و احتياجه إلى الصيغة عند المشهور ممنوع، لعدم كونه من العقود اللازمة.

و أصالة عدم وجوبه مندفعة بأنّها إنّما تكون لو أردنا الوجوب الشرعي، و أمّا الشرطي- كما هو المقصود- فلا معنى لأصالة عدمه، بل هو مقتضى الأصل.

المسألة الرابعة:

قد ظهر أيضا أنّه يمكن تحقّق البيع باللفظ و إن لم يتحقّق قبض شي ء من الطرفين، و إذا تحقّق به تحقّق لزومه أيضا، و لا

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: عن الخامس، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 259

ينحصر ذلك في لفظ خاصّ من عربي أو غيره.

نعم، يجب كونه دالا على إنشاء النقل المتقدّم ذكره به، و لو مع قرينة حاليّة أو مقاليّة.

و لا ريب في دلالة الماضي عليه و لو لم تكن قرينة سوى [1] التلبّس بالبيع، بخلاف غيره من المضارع و الأمر و الاستفهام، فإنّها غير دالّة مع ذلك أيضا، بل لا تكاد توجد قرينة دالّة على إرادة إنشاء البيع منها، إلّا بأن يصرّح أولا: بأنّي أريد الإنشاء منها.

و لا يشترط تقديم الإيجاب و

لو كان القبول بلفظ «قبلت» إذا أضاف إليه باقي الأركان، و التفرقة غير جيّدة.

المسألة الخامسة:

على القول باشتراط الصيغة- كما هو المشهور- فهل هي شرط اللزوم خاصّة، أو مع انتقال الملك أيضا، أو هما مع إباحة التصرّف؟

لا ينبغي الريب في الإباحة بدونها، للأصل، و الإجماع، و إذن المالك في التصرّف.

و القول بكونه بيعا فاسدا، مع شذوذه لا ينفي إلّا الإباحة الشرعيّة من جهة البيع لا مطلقا، مع أنّ حرمة التصرّف في المقبوض بالبيع الفاسد بجميع أفراده- حتى ذلك- لم تثبت.

نعم، ينبغي تقييد إباحة التصرّف من كلّ منهما بعدم قصده الرجوع بماله حال التصرّف، لأنّه المعلوم من الإذن.

و أمّا الأولان فيجب بناؤهما على كون المعاطاة و نحوها ممّا تجرّد عن الصيغة بيعا عرفا و لغة، أم لا.

فإن قلنا به- كما هو الحقّ- فالحقّ هو: الأول، لانحصار دليل اشتراط

______________________________

[1] في «ق»: مع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 260

الصيغة عندهم حينئذ و تخصيص عمومات اللزوم بالإجماع، و انحصاره في اشتراط اللزوم ظاهرا أو مع بعض الظواهر الذي لا تثبت منه حرمة التصرّف بدون الصيغة، و تبقى عمومات حلّية البيع خالية عن المعارض، فيصير البيع في الشرع قسمين: لازم و جائز.

و إن لم نقل به فالحقّ هو: الثاني، إذ تدلّ على اشتراط الصيغة حينئذ الأصول المتقدّمة، و هي جارية في نفي الملك أيضا.

و إطلاق القول بنقل الملك مع المعاطاة- تمسّكا بأنّه لولاه لما تحقّق الملك بالتلف- ضعيف جدّا.

المسألة السادسة:

على القول بتوقّف اللزوم على الصيغة، فيجوز لكلّ منهما الرجوع في المعاطاة مع بقاء العينين، و الوجه فيه ظاهر، كما في عدم الرجوع مع تلفهما معا، لعدم إمكان الرجوع في العين، و أصالة عدم الاشتغال بالمثل أو القيمة.

و لو تلفت إحداهما خاصّة فلا يجوز الرجوع لصاحب التالفة.

و هل له ردّ الموجودة بلا مطالبة شي ء لو

أراده لمصلحة و امتنع صاحبه؟

الظاهر: نعم، لأصالة عدم اللزوم. و لصاحب الموجودة الرجوع إليها، لذلك أيضا على الأقوى، ثمَّ الآخر يرجع إلى قيمة التالفة أو مثله.

كذا قالوا، و هو بإطلاقه مشكل، بل الموافق للقواعد أن يقال: لو كان التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا يرجع إليه بشي ء، لأصل البراءة، و عدم دليل على الاشتغال.

و إن كان منه، فإن قصد الرجوع قبل الإتلاف فعليه المثل أو القيمة، إذ كونه مأذونا في الإتلاف إنّما كان مع عدم قصده الرجوع، فمعه يكون غاصبا، فيعمل فيه بقاعدة الغصب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 261

و إن لم يقصده قبله، فمقتضى الأصول و إن كانت براءة ذمّته عن المثل أو القيمة لعدم كونه غاصبا، و جواز رجوعه إلى عينه للأصل، إلّا أنّ الإجماع و نفي الضرر يمنعان عن الأمرين معا، فلا بدّ من أحدهما، و لكن تعيين أحدهما مشكل.

و تعيين الاشتغال مطلقا أو على كون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة الغصب كعدم الرجوع على كونها تمليكا لئلّا يلزم الجمع بين المالين باطل، لمنع صدق الغصب، و تسليم جواز جمع المالين إذا اشتغلت ذمّته بمثل أحدهما أو قيمته، إلّا أن تعيّن الاشتغال بإثبات جواز الرجوع بمثل: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1» و: «على اليد ما أخذت» «2».

و لو كان التالف بعض أحدهما أو كليهما ففيه احتمالات قد تختلف باختلاف كونهما مثليّين أو قيميّين، أو التالف بعضه في صورة التلف من أحدهما مثليّا و الآخر قيميّا أو بالعكس، و كون التالفين متساويين أو مختلفين في صورة التلف منهما.

و لو لم تتلف العين و لكن وقع التصرّف فيها، فإن كان بنقل الملك اللازم فكالتلف، لأنّه سلّطه على ذلك.

و إن كان بالمتزلزل فيحتمل اللزوم

أو الإلزام بالاسترداد أو بالمثل أو القيمة.

و التصرّف فيه بالإباحة للغير كالموجود، و بمثل اللبس و الركوب لا يمنع الرجوع في العين.

و هل يجوّزه بالأجرة؟ يحتمل الجواز، لنفي الضرر. و العدم،

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 222- 99.

(2) عوالي اللئالي 1: 389- 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 262

للأصل و استناد الضرر الى تقصير مالكه في التحفّظ بإيجاب البيع، و لعلّه الأظهر، إلّا إذا قصد الرجوع قبل التصرّف فيصير غصبا.

و كذا لا يمنع الرجوع تغيير العين، كطحن الحنطة و قصّ الثوب.

و ليس للمغيّر الرجوع إلى أجرة العمل، إلّا إذا كان الرجوع من الآخر على إشكال، و مثله ما لو حدث بالتغيير أثر متجدّد في العين كصبغ الثوب، و كذا الاشتباه بالغير أو الامتزاج بحيث (لم يمكن) التمييز، و امتناع الرادّ بعينه غير ضائر، أو يكون الحكم حينئذ كالحكم فيما إذا اشتبه أو امتزج عدوانا أو خطأ، و لا رجوع بالنماء الحاصل إذا تلف، و يرجع به مع بقائه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 263

الفصل الثاني في شرائط المتعاقدين

اشاره

و هي أمور:

منها: البلوغ

، فلا يصحّ بيع الصبي مطلقا، مميّزا كان أو لا، بإذن الولي أو بدونه، في ماله أو مال غيره.

و عن الشيخ قول بالجواز في من بلغ عشرا عاقلا «1».

و عن التحرير جوازه مع إذن الولي إذا أراد اختباره «2».

و استظهر بعض المتأخّرين الجواز في الدون و فيما إذا كان الصبي آلة «3».

و استشكل في الكفاية في المميّز «4».

لنا:- بعد الأصول- رواية حمزة بن حمران، المعتضدة بعمل الأصحاب في هذه المسألة و مسألة تحديد البلوغ، الصحيحة عن الحسن بن محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و فيها: «الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أقيمت عليها الحدود التامّة، و أخذ لها بها»، قال: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» «5».

______________________________

(1) المبسوط 2: 163.

(2) التحرير 1: 164.

(3) كما في مفاتيح الشرائع 3: 46، مفتاح الكرامة 4: 170، الرياض 1: 511.

(4) كفاية الأحكام: 89.

(5) الكافي 7: 197- 1، الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 264

و صحيحة عليّ بن رئاب: عن رجل مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري- إلى أن قال السائل-: فما ترى في من اشترى منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ قال: «لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم الناظر لهم فيما يصلحهم» «1»، دلّت بمفهوم الشرط على البأس في بيع غير القيّم.

و يدلّ على المطلوب

أيضا قوله سبحانه وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ «2».

حيث إنّ المراد بالدفع المنهي عنه بالمفهوم قبل البلوغ هو التسليط على التصرّف قطعا، و البيع و الشراء و لو بمجرّد الصيغة تصرّف، لأنّه تمليك أو تملّك. و يؤيّد المطلوب بعض الظواهر الأخر أيضا.

و بما ذكر تخصّص عمومات البيع و إطلاقاته، و لا حاجة إلى بعض التمحّلات التي قد ترتكب للتفصّي عنها.

و يظهر منه أيضا وجه التفصّي عن بعض ما يتوهّم منه الجواز، من الروايات الواردة في أحكام الصبي «3»، فإنّها بين شاملة للمبحث بعموم أو إطلاق يجب تخصيصه، أو مخصوصة بغيره.

دليل الشيخ- على ما قيل «4»-: بعض الظواهر الدالّة على جواز عتق الصبيّ أو تصدّقه أو وصيّته «5». و جوابه ظاهر.

______________________________

(1) الكافي 5: 208- 1، الفقيه 4: 161- 564، التهذيب 7: 68- 294، الوسائل 17: 361 أبواب عقد البيع و شروطه ب 15 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) النساء: 6.

(3) الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14.

(4) انظر الرياض 1: 511.

(5) الوسائل 19: 360 أبواب أحكام الوصايا باب 44، و ج 23: 91 أبواب العتق ب 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 265

و حجّة التحرير: الآية، لشمول الاختبار للبيع و الشراء.

و فيها- بعد تسليم الشمول و إفادتها الأمر بالعموم- أنّها مخصّصة بما مرّ.

و مستند المجوّز في الدون و فيما كان آلة: دفع العسر، و جريان العادة بحيث يعطي الإجماع.

و فيه: أنّهما لا يثبتان إلّا إباحة التصرّف دون ترتّب أحكام البيع، مضافا إلى منعهما.

و قد يزاد في دليل الثاني: أنّ مع كونه آلة يكون البائع و المشتري حقيقة من له الأهليّة.

و فيه: أنّه إن أريد

بكونه آلة أن يصدر ما ينقل به الملك من اللفظ أو مثله من البائع، و هو بأمر الصبي بمجرّد الإعطاء و الأخذ الغير المحتاجين إلى قصد بيع و شراء، فهو ليس بيعا و شراء.

و إن أريد أن يكون القاصد للنقل و عاقد البيع هو الصبي، فهو البائع حقيقة و لا يكون آلة، بل يكون مثل الوكيل، و ترتّب الأثر على فعله يحتاج الى الدليل.

و لم أعثر لمن يستشكل في المميّز على حجّة سوى إطلاقات البيع، و قد عرفت جوابها.

هذا، ثمَّ إنّه هل يجوز التصرّف فيما يؤخذ من الصبي ثمنا أو مثمّنا، أم لا؟

إن ثبتت حرمة التصرّف فيما يقبض بالبيع الفاسد مطلقا فعدم الجواز ظاهر، و إلّا فكذلك إن لم يعلم إذن الولي أو المالك، و إن علم ففيه تفصيل يأتي في بحث الحجر مع سائر ما يتعلّق بأخذ المال من الصبي أو دفعه إليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 266

و منها: الرشد،

فلا يصحّ بيع السفيه، بالإجماع، و الآية المتقدّمة، و قوله سبحانه وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ «1» بالتقريب المذكور.

و به تظهر دلالة رواية هشام أيضا: «و إن احتلم و لم يؤنس رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله» «2».

و يدلّ عليه الموثّق أيضا: «إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات، و كتبت عليه السيئات، و جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» «3»، دلّ على أنّ السفيه لا يجوز أمره، و لكونه منفيّا يفيد العموم.

و منه يمكن استفادة عدم صحّة بيعه و لو كان بإذن الولي أو المالك.

و منها: العقل،

فلا يصحّ بيع المجنون، و لا المغمى عليه، و لا السكران، بلا خلاف.

و منها: القصد إلى النقل،

فلا يصحّ من الهازل إجماعا، و لما يأتي، و كذا لا يصحّ حال الغصب المستولي على العقل.

و منها: الاختيار،

فلا يصحّ بيع المكره إلّا ما استثني، للإجماع.

و رواية محمّد: «من اشترى طعام قوم و هم له كارهون قصّ لهم من لحمه يوم القيامة» «4»، و هو في قوّة النهي الدالّ على الفساد في مثله على الأقوى.

______________________________

(1) النساء: 5.

(2) الكافي 7: 68- 2، الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 2، بتفاوت.

(3) الكافي 7: 68- 6، الوسائل 17: 361 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 5: 229- 1، التهذيب 7: 132- 580، الوسائل 17: 338 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 267

و قوله عليه السّلام: «رفع عن أمّتي ما استكرهوا عليه» «1» أي أحكامه.

و الأخبار الواردة في فساد طلاق المكره «2» بضميمة الإجماع المركّب.

و لعدم ثبوت كونه بيعا شرعا، و ليس بيعا عرفا أيضا، إذ قد عرفت أنّ تحقّقه عرفا يتوقّف على وقوع ما يدلّ على إرادة نقل الملك به بقصد البيع، و كيف يدلّ ما صدر عنه كرها عليها؟! و التوضيح: أنّه قد دلّ العرف و انعقد الإجماع القطعي على لزوم قصد النقل في تحقّق البيع، أو التلفّظ باللفظ الظاهر فيه، أو الإتيان بعمل ظاهر فيه مع عدم العلم بعدم القصد من قرينة خارجيّة، و عدم ضمّ ما يوجب ظهور عدم القصد، و ثبت اعتبار ذلك الظهور و وجوب اتّباعه بالإجماع، بل الضرورة، و لكن يشترط فيه أن لا يضمّ أمر خارجيّ معارض لذلك الظهور يوجب ظهور خلافه، فإنّه لو ضمّ مثله لا يظهر القصد، و لا دليل

على اعتبار مجرّد اللفظ.

و لا شكّ أنّ الإكراه من الأمور المنافية لظهور القصد، بل يوجب ظهور خلافه، فمعه لا يحكم بتحقّق البيع.

و يتحقّق الإكراه- بحكم العرف- بتوعّده بما يكون ضارّا بالمكره بحسب نفسه أو من يجري مجراه، مع قدرة المتوعّد على ما يوعد به، و حصول الظنّ بأنّه يفعل به لو لم يفعل ما يأمره به، مع العجز عن الدفع، سواء كان المتوعّد به قتلا أو قطعا أو جرحا أو ضربا أو شتما أو أخذ مال أو إتلافه أو منع حقّ، و يختلف ما عدا القتل و القطع باختلاف طبقات الناس و أحوالهم، بل باختلاف المبيع، فقد يؤثّر القليل فيما لا يؤثّر في غيره

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 232- 131.

(2) الوسائل 22: 86 أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه ب 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 268

الكثير.

و منهم من جعل أخذ المال من قبيل القتل «1». و الأول أقوى.

و الضابط: حصول الضرر عرفا بوقوع المتوعّد عليه.

و المراد بالعجز عن الدفع أعمّ من الفرار و الاستعانة بالغير و المقاومة و نحوها.

و من هذا يظهر فساد ما قيل من أنّ الإكراه لا ينافي القصد إلى نقل الملك بأن يكون قاصدا للبيع حقيقة، و إن كان منافيا للرضا.

نعم، الظاهر منه عدم القصد، و لذا يحكم بالبطلان معه حيث لا يعلم تحقّق القصد حينئذ.

و على هذا فيرد الإشكال حينئذ فيما علم قصده من أمارة خارجيّة.

و وجه الفساد: أنّ القصد- لكونه أمرا باطنيّا، و ليس لعدمه أثر خارجي يظهر للمكره فيما نحن فيه- لا يمكن الإكراه عليه، لإمكان الدفع، فكلّما فرض تحقّقه يكون من غير إكراه، و إن أكره على البيع ابتداء فكلّما علم حصول القصد يحكم بصحّة البيع.

و لو تخيّر

المكره بين البيع و غيره، فإن كان الفرد الآخر ممّا يتمكّن من فعله من غير عسر و مشقّة، و لا يكون فيه ضرر، أو كان و لكن كان ممّا يجب عليه- كدفع نفقة زوجته، أو دية جناية، أو مثلهما- فيصحّ البيع.

لإمكان الدفع باختيار الفرد الآخر الذي لا ضرر فيه أو يجب عليه.

و لأنّ ذلك لا يصدق عليه الإكراه عرفا، و ليس يوجب ظهور عدم القصد أصلا.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 269

و يزيد في الثاني بأنّه لم يجبره إلّا على أحد الأمرين اللذين أجبره الشارع على أحدهما بخصوصه، فالمكره لم يفعل أزيد ممّا فعله الشارع، بل وسّع عليه، حيث خيّره بينه و بين بدله.

و لأنّ بعلمه بعدم كون المكره عاصيا في إكراهه، و بكونه ذي حقّ يوجب البيع سقوط حقّه في بعض الموارد، يمكن أن يكون راضيا، فلا ينافي ظهور القصد المستفاد من اللفظ و العمل، مع أنّ حمل أفعال المسلمين على عدم المعصية يثبت تحقّق القصد في بعض موارد الفرض.

و يدلّ عليه أيضا النصّ الوارد في ذلك في باب الإكراه على الطلاق «1» بضميمة الإجماع المركّب.

و إن كان الآخر ممّا لا يتمكّن من فعله- كإجبار الفقير الغير المتمكّن على البيع أو نفقة الزوجة- أو يمكن و لكن مع العسر و المشقّة- كالبيع و المشي راجلا عشرين فرسخا بالنسبة إلى من يكون ذلك مشقّة شديدة عليه- كان إكراها، للصدق العرفي.

و كذا إن كان الفرد الآخر ممّا فيه ضرر لا يجب عليه تحمّله فهو إكراه موجب لفساد البيع، لصدق الإكراه عرفا، و لعدم ظهور القصد معه، حيث إنّه عاص ظالم.

و لو لم يكرهه على خصوص البيع و لكن أكرهه على أمر

آخر يضطّر بسببه إلى بيع ماله و لو بثمن بخس، فإن كان قصد المكره أيضا بيع المال و خروجه من يده، و علم البائع منه ذلك، و لم يندفع ظلمه إلّا به، فهو أيضا إكراه على البيع و مفسد إيّاه.

______________________________

(1) الوسائل 22: 7 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 270

و إن لم يكن قصده ذلك، بل كان مقصوده ذلك الأمر الآخر، و لكنّه باع بنفسه ما له ليدفع به الإكراه، كمن يكرهه على دفع مال فباع أرضا ليؤدّي من ثمنها ذلك المال، فهو ليس إكراها على البيع قطعا.

نعم، لو استشكل أحد فيما إذا توقّف دفع الإكراه على البيع- كأن يطلب منه مالا و لم يتمكّن من أدائه إلّا ببيع أرض، بأن لا يكون له إلّا تلك الأرض، سيّما إذا علم المكره بذلك- لم يكن بعيدا، بل الظاهر أنّه مع علمه به إكراه، للصدق العرفي، و أمّا بدونه ففي الصدق إشكال، و أمر الاحتياط واضح.

و لا يتوهّم أنّه و إن لم يعلمه المكره و لكنّ المكره غير راض بالبيع، فلا يكون صحيحا.

قلنا: لا نسلّم أنّه غير راض، بل قد يكون هو غاية مطلوبه لدفع الظلم عن نفسه، فإنّ البيع لا يجب أن يكون لأجل نفع دائما، بل قد يكون لدفع ضرّ، كمن يبيعه لأداء دين أو دفع جوع، فإنّ مثل ذلك لا يسمّى إكراها، لأنّه و إن لم يرتكب البيع لو خلّي و نفسه و لم يتحقّق هذا الباعث، و لكن مع حصول ذلك يرضى به غاية الرضا.

فالمناط في البطلان: صدق الإكراه على البيع عرفا، أو ظهور عدم القصد، و بدون الأمرين يصحّ البيع.

و منه يظهر الضابط في الفساد

لأجل الإكراه.

و منها: المالكيّة،
اشاره

فلا يصحّ البيع من غير المالك إلّا ما استثني، للإجماع في الجملة، و الأخبار، كصحيحتي الصفّار «1» و محمّد «2» المتقدّمتين

______________________________

(1) الكافي 7: 402- 4، الفقيه 3: 153- 674، التهذيب 7: 150- 667، الوسائل 17: 339 أبواب عقد البيع و شروطه ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 7: 51- 220، الوسائل 18: 51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 271

في الفصل الأول.

و صحيحة منصور: في رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا فيشتريه منه، قال: «لا بأس بذلك، إنّما البيع بعد ما يشتريه» «1».

و ما ورد من أنّه: «لا بيع إلّا فيما يملك» «2».

و القول- بأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد مطلقا- عندي باطل.

و رواية سليمان بن صالح «3» الدالّة على نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن بيع ما ليس عندك و إرادة ما لا يصحّ تملّكه ممّا لا يملك أو نفي لزوم البيع دون صحّته و الحمل على نفي بيع البائع لنفسه لا فضولا، و إن كانت ممكنة في بعض تلك الأخبار، إلّا أنّها غير جارية في الجميع.

و بتلك الأدلّة تقيّد عمومات البيع و إطلاقاته، حيث إنّ بيع ملك الغير أيضا بيع لغة و عرفا، لأنّه ليس إلّا نقل الملك بما يدلّ عليه كما مرّ، و لا يختصّ بنقل ملك الناقل نفسه، و لذا يصحّ الإطلاق عرفا.

و استعمل البيع في الأخبار الكثيرة «4» في نقل ملك الغير أيضا، كيف لا؟! و المعاملة غير منحصرة في صدورها عن المالك خاصّة، لجواز صدورها من الوكيل و الأب و الجدّ و الوصي و نحوهم.

نعم، الظاهر اختصاص الصدق بما إذا باعه لا عن نفسه، أي لا

ناويا

______________________________

(1) التهذيب 7: 50- 218، الوسائل 18: 50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 6.

(2) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

(3) التهذيب 7: 230- 1005، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

(4) الوسائل 18: 38 أبواب أحكام العقود ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 272

نقل ملك نفسه، إذ لا ملك لنفسه حتى ينقله عنه، فلا يمكن تحقّق القصد بالنقل فيه أيضا.

و أمّا ما في رواية إسحاق بن عمّار: «ما أحبّ أن يبيع ما ليس له» «1» فهو و إن كان مشعرا بالجواز، إلّا أنّه يجب إرجاعه إلى إرادة الحرمة جمعا.

و هاهنا مسائل:
الأولى:
اشاره

الظاهر عدم الخلاف في عدم تأثير إجازة البيع ممّن تقدّم عدم جواز بيعه بعد رفع المانع، أو ممّن تصحّ منه الإجازة، إلّا في الأخيرين، أي المكره و غير المالك.

أمّا الأول، فأكثر من ذكر المسألة أفتى بكفاية الإجازة بعد زوال الإكراه، و قوّى الفاضل الأردبيلي عدم التأثير، و ظاهر المحقّق الشيخ علي و كفاية الأحكام التردّد «2».

و الحقّ فيه: عدم التأثير، أمّا على القول بعدم معلوميّة معنى البيع عرفا و لزوم الاقتصار فيه على المجمع عليه فظاهر.

و أمّا على ما ذكرنا فلأنّ ما أتى به حال الإكراه ليس بيعا، لعدم القصد كما مرّ، و لا إجازته فقط حال الإجازة، و هو ظاهر، و صدق البيع عرفا على مجموع الأمرين- سيّما بعد مضيّ مدّة طويلة من البين- غير معلوم، فلا تشمله أدلّة البيع، و ليس دليل آخر، فمقتضى الأصول المسلّمة عدم صحّته.

______________________________

(1) التهذيب 7: 130- 571، الوسائل 18: 335 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 5.

(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 156، الشيخ علي في جامع

المقاصد 4: 62، كفاية الأحكام: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 273

احتجّ المشهور بعموم: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1».

و بأنّه بالغ عاقل صدر عنه عقد، و ليس ثمَّ مانع إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه، و قد لحقه بعد الإجازة، و لا دليل على اشتراط الاقتران كالفضولي، للأصل.

و يرد على الأول: منع الدلالة، كما بيّناه في موضعه.

و على الثاني: أنّ عدم المانع غير كاف، بل اللازم وجود المقتضي، و وجوده غير معلوم، إذ لم يعلم كونه عقدا و لا بيعا شرعيّا أو عرفيّا، و لا دليل غيره.

و فرقه مع الفضولي واضح، إذ قصد النقل الموجب لصدق البيع فيه متحقّق كما مرّ، بخلاف هذا، مع أنّه لو صحّ ذلك لورد في مثل عقد الصبي و المجنون و الهازل، للاشتراك في المانع و المقتضي، فإنّ المانع- و هو عدم اعتبار العقد بنفسه و إن اختلف وجهه- مشترك.

و عموم الآية إن كان بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد الصبيّ أيضا، و إن خصّ بالمعتبر منه في نظر الشرع لم يشمل عقد المكره أيضا.

و دعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع معارضة بالمثل.

و الجواب: بأنّ المراد العقود المعتبرة شرعا الصادرة عمّن يكون له أهلا خاصّة دون غيرها، و عقود الصبي غير معتبرة، بل وجودها كعدمها، فالمانع عن عدم دخول عقده فيه- و هو سلب العبرة عنه- لازم لذاته غير منفكّ عنه، فلا يتصوّر فيه زوال المانع. بخلاف المكره، فإنّ المانع عن

______________________________

(1) المائدة: 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 274

دخول عقده أمر خارج عن ذات العقد ممكن الزوال، فإذا زال دخل في العموم.

مردود بأنّ أمثال ذلك أمور إقناعيّة لا مستند لها شرعا، مع أنّه إن كان يؤخذ الصدور حال

الصغر وصفا لعقد الصبي فليؤخذ الصدور حال عدم القصد وصفا لعقد المكره، و إن أخذ خارجا عنه فكذا ها هنا.

و أمّا ما في المسالك من التفرقة من أنّ القصد من المكره حاصل دون من سبق، لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ و لا إلى مدلوله، بخلاف المكره، فإنّه باعتبار كونه عاقلا قاصدا إلى ما يتلفّظ به، لكنّه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله، و ذلك كاف في صلاحيّته و قبوله للصحّة، إذ لحقه القصد إلى مدلوله «1».

ففيه: منع عدم قصد السفيه و الصبيّ المميّز إلى اللفظ، مضافا إلى أنّ كفاية لحوق القصد إلى المدلول دون القصد إليه و إلى اللفظ ليست إلّا من الاستحسانات، و لا يستند إلى دليل شرعي.

و أمّا الثاني- و هو المعروف بالفضولي- ففي صحّته قولان:

الأول: الصحّة و اللزوم بعد الإجازة من المالك، و هو مذهب الإسكافي و المفيد و ابن حمزة و الشيخ في النهاية «2»، و هو الأشهر بين المتأخّرين، بل مطلقا كما في الروضة و المسالك «3» و كلام جماعة «4»، بل

______________________________

(1) المسالك 1: 171.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 348، المفيد في المقنعة: 606، ابن حمزة في الوسيلة: 249، النهاية: 385.

(3) الروضة 3: 226، المسالك 1: 171.

(4) منهم صاحب الرياض 1: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 275

قيل: كاد أن يكون إجماعا «1».

و الثاني: عدم الصحّة و البطلان من غير تأثير للإجازة، و هو مختار الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن زهرة و الحلّي و الحلبي و الشيخ الحرّ العاملي و بعض مشايخنا الأخباريّين و فخر المحقّقين «2»، و نقله في التنقيح عن شيخه السعيد «3»، و اختاره من المتأخّرين المحقّق الأردبيلي و السيّد الداماد في

رسالته الرضاعيّة «4»، بل ادّعى الأولان- كما حكي- عليه الإجماع «5».

و ظاهر القواعد و الكفاية التردّد «6».

و الحقّ هو: الثاني، لما مرّ من النهي عن بيع ما لا يملكه البائع.

احتجّ المجوّز بخبر البارقي العامّي «7».

و هو ضعيف سندا و دلالة، أمّا الأول فظاهر غاية الظهور، و الشهرة الجابرة لو أجريناها في الأخبار العاميّة أيضا مع أنّه محلّ البحث هنا غير ثابتة، و المحكية منها معارضة مع ما مرّ من دعوى الإجماع من الجليلين

______________________________

(1) كما في الحدائق 18: 377.

(2) الخلاف 3: 168، المبسوط 2: 150، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

585، الحلي في السرائر 2: 274 و 415، الحلبي في الكافي في الفقه: 359، الحر العاملي في الوسائل 17: 333، صاحب الحدائق 18: 378، فخر المحققين في الإيضاح 1: 417.

(3) التنقيح 2: 26.

(4) الأردبيلي في زبدة البيان: 427 و مجمع الفائدة 8: 158، الرسالة الرضاعية (كلمات المحقّقين): 130.

(5) الخلاف 3: 168، الغنية (الجوامع الفقهية): 585.

(6) القواعد 1: 124، كفاية الأحكام: 89.

(7) مستدرك الوسائل 13: 245 أبواب عقد البيع و شرائطه ب 18 ح 1، و هو في مسند أحمد 4: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 276

المتقدمين على البطلان و الفساد كما مرّ.

و أمّا الثاني، فلعدم صراحته و لا ظهوره في شرائه و بيعه فضولا، لجواز أن يكون لنفسه و كان قصده إهداء الشاة من نفسه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فأخذ لنفسه الدينار قرضا- اتّكالا على إذن الفحوى، كما يقال في الإقباض على الحمل على الفضولي- و اشترى الشاتين لنفسه، و باع أحدهما كذلك، و جاء بالدينار المأخوذ و الشاة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فدعا له.

و احتجّوا أيضا بما ورد

من تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله بيع عقيل داره بمكّة.

و ضعفه ظاهر.

و بما ورد من جواز ذلك في النكاح مع كون الأمر في الفروج أشدّ.

و هو قياس غير جائز عندنا.

و بما روي في الصحيح: أنّه «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه غلاما، ثمَّ جاء سيّدها الأول، فخاصم سيّدها الأخير فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال عليه السّلام: الحكم أن تأخذ وليدتك و ابنها، فناشده الذي اشتراها، فقال: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع، فلمّا أخذه قال له أبوه: أرسل ابني، فقال: لا و اللّه لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» «1».

و فيه أولا: أنّها ظاهرة في ردّ الأب بيع الابن أولا و فسخه، و القائل بالفضولي يقول بصحّته مع عدمه.

______________________________

(1) الكافي 5: 211- 12، الفقيه 3: 140- 615، التهذيب 7: 74- 319 و 488- 1960، الاستبصار 3: 85- 288 و 205- 739، الوسائل 21: 203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 277

و القول: بأنّ إرادة عدم الرضا بالإقباض ممكنة، و المعنى أنّه خاصم سيّدها الأخير في القبض و التصرّف، حيث إنّه باعها ابنه بغير إذنه، و إذا كان كذلك لا يجوز التصرّف بمثل هذا البيع.

مردود بأنّه خلاف الظاهر، إذ لو لا ردّ البيع و عدم رضاه به لما كان تخاصم في الإقباض، فهو دالّ على الردّ، بل قوله: «الحكم أن تأخذ وليدتك» صريح في أنّه ردّ البيع، إذ بدونه ليس الحكم ذلك قطعا.

و ثانيا: أنّه لم يثبت كون

الإجازة حقيقة في الرضا بالبيع السابق، فيمكن أن يكون المراد من إجازة بيع ابنه نقله الملك بالبيع كما فعله ابنه- أي تجديد البيع- فلا يفيد.

و ثالثا: أنّها لا تدلّ إلّا على أنّ السيّد الأول أجاز البيع، و أمّا أنّ إجازته كافية فلا يستفاد من الرواية.

هذا كلّه، مضافا إلى ما في الرواية من الإشكال من جهة الأمر بأخذ ابن السيّد حتى يرسل ابن الوليدة، و الأمر بأخذ السيّد ابن الوليدة، فإنّ الحكمين غير جائزين مطلقا، [إذ لو] [1] كان وطء المشتري وطء شبهة يكون ابنه حرّا، غاية الأمر وجوب إعطاء قيمته، و إلّا فكان ملكا للسيّد الأول، فلا يجوز حكمه بأخذ ابن السيّد و قوله: «لا و اللّه حتى ترسل ابني».

و قد يستدل أيضا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» بتقريب تقدّم في المكره، و أشير إلى ضعفه، مع أنّه لو سلّمت دلالته يكون أعمّ مطلقا من أدلّة عدم جواز بيع غير المالك، فتخصيصه بها لازم.

و الشراء الفضولي كالبيع، لأنّه أيضا بيع و نقل ملك للثمن إلى البائع.

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: إن، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(2) المائدة: 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 278

فروع:
[الأول ]

أ: لو قلنا بصحّة البيع الفضولي فهل يعمّ مطلق بيع ملك الغير، أو يشترط كونه بقصد النقل عن المالك و له؟ و تظهر الفائدة في إجازة المبيع غصبا.

ظاهر جمع: الثاني.

و التحقيق: أنّه إن قلنا بعدم جواز بيع ما لا يملك، و قلنا بصحّة الفضولي من باب التخصيص في أدلّة عدم جواز بيع ما لا يملك، فلا يخرج إلّا الثاني.

و إن قلنا بأصالة صحّة جميع العقود للآية و غيرها، و ضعّفنا دلالة عموم فساد بيع ما لا يملك، و أخرجنا ما ليس معه

إجازة بالإجماع، فالصواب التعميم.

و لا يخلو كلامهم في هذا المقام عن اضطراب، لأنّ طائفة من الأصحاب يجعلون البائع غصبا أيضا في حكم الفضولي، و يظهر من كثير من كلماتهم أنّ المراد: الغاصب البائع لنفسه «1». و منهم من يدعي عدم الفصل بين الفضولي و الغاصب «2».

و طائفة أخرى يحملون أخبار النهي عن بيع ما ليس عندك و السرقة و الخيانة على البيع لنفسه، بل فعل ذلك بعض من صرّح بكون الغاصب كالفضولي أيضا «3»، و الفرق غير معلوم، بل و لا ظاهر.

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 463، الإيضاح 1: 417، الدروس 3: 193، التنقيح 2: 27.

(2) كالفاضل المقداد في التنقيح 2: 27 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 69.

(3) كالفاضل المقداد في التنقيح 2: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 279

بل الفاضل [حكم ] [1] في التذكرة بعدم جواز بيع مال الغير بقصد أن يشتريه من ذلك الغير و يسلّمه «2»، و كذا في المختلف و صاحب التنقيح «3»، و في التذكرة: لا نعلم فيه خلافا «4».

و ظاهر ذلك- كما صرّح به بعضهم «5»- عدم جواز البيع لنفسه، إذ ظاهر أنّ قصد الشراء بعد ذلك لا يوجب الفساد، سيّما مع تصريحهم بكفاية إجازة البائع الفضولي لو انتقل إليه المال بعد البيع فضولا و قبل الإجازة.

و تجويز كون بيع الغاصب لنفسه أقرب إلى الصحّة من بيع غير الغاصب كذلك مع عدم دليل شرعي فارق، بعيد جدّا.

و التحقيق: ما ذكرنا من التفصيل، بل على القول بأصالة عدم صحّة بيع ما لا يملك- كما هو الحقّ- يختصّ خروج الفضولي على القول بصحّته في جميع موارده بما ثبت خروجه.

[الثاني ]

ب: قد عرفت أنّه على القول بأصالة عدم صحّة بيع

ما لا يملك يقتصر بما ثبت خروجه.

فيعلم أنّ من يقتصر في دليل الخروج بخبر البارقي «6» و نحوه يجب أن لا يصحّ عنده بيع الغاصب و لا تفيد إجازة المالك في الصحّة، بل يحكم ببطلان بيع ملك الغير في غير مورد الخبر و أشباهه أو ما أخرجه الإجماع

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(2) التذكرة 1: 463.

(3) المختلف: 348، التنقيح 2: 26.

(4) التذكرة 1: 463.

(5) انظر الرياض 1: 512.

(6) المتقدم في ص: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 280

المركّب.

و يلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحّة الفضولي إذا ردّه المالك أولا.

و فيما لو انتقل إلى البائع الفضولي قبل الإجازة فأجازه ذلك البائع.

و فيما لو باعه فضولا ثانيا بعد بيعه كذلك أولا، فالحكم للأول خاصّة.

و فيما لم يعلم البائع مالكه و قصد النقل من مطلق المالك، بل لو علمه متردّدا بين متعدّد.

و فيما باع بظنّ الفضولي و قصده ثمَّ بان أنّ البائع هو المالك.

و فيما مات المالك قبل الإجازة و أجازه الوارث.

و فيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد و إن جوّز الرضا بعد ذلك.

و فيما باع فضولا من الصبي أو المجنون فأجازا بعد الكمال. إلى غير ذلك.

[الثالث ]

ج: لو باع المالك السلعة قبل الاطّلاع على تحقّق البيع الفضولي و إجازته لزم ذلك البيع و بطل الفضولي.

[الرابع ]

د: لو قلنا بصحّة الفضولي مطلقا أو في بعض الموارد، و أجازه المالك و لزم العقد، فهل هي ناقلة للملك من حينها، أم كاشفة عن حصوله من حين العقد؟

نسب الثاني إلى الأشهر «1»، استنادا إلى أنّه مقتضى الإجازة، إذ ليس معناها إلّا الرضا بمضمون العقد، و ليس مضمونه إلّا إنشاء نقل العوضين من

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 281

حينه، بل لو كان المراد الإجازة من حين الإذن- بمعنى: أنّه يتحقّق البيع حينئذ- فهو لم يجز العقد المتقدّم، إذ المقصود منه وقوع البيع من حينه، فهذا يحتاج إلى إنشاء جديد.

و إلى أنّه عقد يشمله عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ليس ما يخرجه، لأنّ المخرج هو ما إذا لم تلحقه الإجازة.

و يرد على الأول: أنّا نسلّم أنّ معنى الإجازة الرضا بمضمون العقد، و هو انتقال المبيع إليه من حين العقد، و لكن لا دليل على كون ذلك الرضا موجبا لتحقّق النقل الشرعي من حينه.

و التوضيح: أنّه لا شكّ أنّ مجرّد الرضا بانتقال شي ء إلى آخر في هذا الزمان أو زمان سابق لا يوجب نقله إليه ما لم يتحقّق عقد، و كذا المفروض أنّا لا نعلم قبل الإجازة و الرضا حصول الانتقال من حين العقد، بل نقول بعدم النقل بذلك العقد لو لم تلحقه الإجازة، و إنّما علمنا حصول النقل بهما معا، و أيّ ملازمة شرعيّة بين حصول الرضا بمقتضى عقد في زمان و تحقّق مقتضاه شرعا؟! بل لو لا الدليل الشرعي لم نقل بتحقّقه شرعا من حين الرضا أيضا.

و على الثاني: أنّ دلالة

الآية على لزوم العقود غير تامّة، سلّمنا، و لكنّ الأخبار الدالّة على عدم جواز بيع غير المالك- كما مرّ- أخرجت هذا العقد منه، فتحقّق مقتضاه يحتاج إلى دليل آخر، فيجب الاقتصار على القدر المتيقّن، و هو حصول النقل من حين الإجازة.

و ذهب المحقّق الأردبيلي إلى الأول، بل قال: إنّه على ما أظنّه ظاهر، مع أنّي أرى أكثرهم لا يقولون إلّا بأنّه كاشف، و ما أرى له دليلا.

و استدلّ عليه بأنّ الظاهر من الآيات و الأخبار و العقل و الإجماع أنّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 282

رضا المالك جزء أو سبب أو شرط، فكيف يصحّ العقد بدونه و يكون كاشفا لا سببا؟! و بأنّه إن لم يكن الرضا جزءا- و المفروض عدم جزء آخر بالاتّفاق- فيلزم الحكم بالصحّة من دون إجازة أيضا.

و بأنّه لو لم يجز المالك يلزم الحكم بفساد العقد مع وجود جميع ما يتوقّف عليه.

و أجيب عن الجميع: بتسليم كون الرضا شرطا، و لكن لا تجب مقارنته للعقد، و لا يلزم من صحّة العقد السابق بعد تحقّقها صحّة العقد بدون الشرط، إذ بعد حصول الإجازة يعلم كون العقد جامعا للشرائط، و بعدمها يعلم فساد العقد.

و لا منافاة بين تأخّر الشرط عن المشروط، فإنّ علل الشرع معرّفات.

أقول: توضيحه: أنّ صحّة العقد عبارة عن ترتّب الأثر عليه، و المراد بالأثر: الانتقال الأعمّ من المتزلزل و اللازم، و المراد بكون الإجازة كاشفة عن الصحّة بأحد المعنيين: أنّ العقد حين إيقاعه صار موجبا لأحد الانتقالين و ترتّب عليه هذا الأثر في الواقع، و لكن لم يكن ذلك معلوما لنا، فلمّا تحقّقت الإجازة علمنا بأنّ أحد الانتقالين كان متحقّقا حين العقد، و إن لم يتحقق يعلم فساد العقد

أولا.

فإن قيل: إن لم يتوقّف أحد الانتقالين على الإجازة فيحصل العلم به عند العقد و لم تكن الإجازة كاشفة، و إن توقّف عليها فلا معنى لحصول أحد الانتقالين قبل تحقّق الشرط.

قلنا: الإجازة شرط في ترتّب الأثر واقعا، و لكن ليس الشرط وجودها عند العقد بل في وقت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 283

و الحاصل: أنّه يتوقّف تأثير العقد على وجود الإجازة، لا بمعنى توقّفه على وجودها الفعلي، بل على وجودها و لو في وقت آخر، فلو كان العقد في الواقع بحيث تتعقّبه الإجازة بعد مدّة يكون حين الصدور سببا تامّا، و إذا كان في الواقع بحيث لم تتعقّبه الإجازة يكون فاسدا.

فإذا وقع العقد فهو في الواقع لا يخلو إمّا أن يكون متعقّبا للإجازة، أو غير متعقّب لها.

فعلى الأول: يكون في الواقع ناقلا من حين العقد و إن لم يعلم به.

و على الثاني: يكون فاسدا و إن لم يعلم به.

و إذا تحقّقت الإجازة علمنا أنّه كان في الواقع متعقّبا لها و صحيحا، فمرادهم من قولهم: السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائط التي منها رضا المالك: أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله و لو في وقت سبب ناقل، لا أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله حين العقد هو السبب الناقل.

و بذلك يظهر توضيح كلام الشهيد الثاني في الروضة عند شرح قول المصنّف: و هي كاشفة عن صحّة العقد «1».

و قد يجاب عن الدليل أيضا: بمنع كون الرضا سببا أو شرطا للانتقال و الصحّة، و لا دلالة لدليل على ذلك أصلا، بل الانتقال في الجملة الحاصل في ضمن المتزلزل حاصل قبل الإجازة، و الإجازة شرط اللزوم و الاستقرار، نظير انقضاء الخيار في البيع اللازم.

أقول: لو

قلنا بكون البيع الفضولي بيعا عرفا، أو بتماميّة دلالة آية

______________________________

(1) الروضة 3: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 284

الوفاء بالعقود، و قلنا على التقديرين بعدم تماميّة شي ء من الأخبار الدالّة على عدم جواز بيع غير المالك أو عدم شمولها للفضولي، و خصّصنا دليل اشتراط رضا المالك بالإجماع، لتمّ كلّ من الجوابين المذكورين، بل لم يحتج حينئذ في صحّة البيع الفضولي بعد الإجازة إلى دليل أيضا.

و أمّا لو قلنا بأنّ القاعدة المستفادة من الأخبار عدم جواز بيع غير المالك، و عدم الجواز موجب للفساد، و أنّ إخراج الفضولي بتوسّط الخبرين المتقدّمين «1»، فلا يتمّ شي ء من الجوابين، إذ لم يعلم من الخبرين إلّا حصول الانتقال بعد الإجازة، و أمّا حصوله قبلها- و إن توقّف العلم به على حصولها أو ترتّب الأثر على العقد المذكور و كون الرضا شرطا للّزوم- فلا دليل عليه.

و من هذا و إن ظهر سرّ ما ذهب إليه الأكثر- و أنّه مبنيّ على مقدّمتين مقبولتين عندهم، إحداهما: تماميّة دلالة الآية، و ثانيتهما: عدم تماميّة دلالة الأخبار على عدم صحّة بيع الفضولي- و لكن ظهر أنّ الحقّ- على القول بكفاية الإجازة و تأثيرها- هو كون الإجازة ناقلة من حينها، لعدم صحّة المقدّمتين.

[الخامس ]

ه: ثمَّ على تقدير عدم الإجازة فيما تفيد فيه الإجازة، و مطلقا فيما لا تفيد فيه، قالوا: كان للمالك أن يرجع إلى المشتري في عين ماله إذا كان باقيا مع نمائه الباقي، متّصلا كان أو منفصلا، و بقيمة ماله و نمائه أو مثلهما مع كونه تالفا بفعل المشتري أو غيرها، و بعوض منافعها المستوفاة و غيرها، سواء في كلّ ذلك كون المشتري عالما بأنّه مال الغير، أو جاهلا.

و لم نعثر على

مصرّح بالخلاف في شي ء من تلك الأحكام، و أكثرها

______________________________

(1) في ص: 270 و 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 285

مصرّح به في كلام الأكثر، بل مجمع عليه.

و يدلّ على جميع تلك الأحكام ما رواه الشيخ في أماليه، عن رزيق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل اشترى أرضا لميّت بغير إذن ورثته، فقال له الرجل المشتري: جعلني اللّه فداك، كيف أصنع؟ فقال: «ترجع بمالك على الورثة، و تردّ المعيشة إلى صاحبها، و تخرج يدك عنها»، قال: فإذا أنا فعلت ذلك فله أن يطالبني بغير هذا؟ قال: «نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة من ثمن الثمار، و كلّ ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها، يجب عليك أن تردّ ذلك، إلّا ما كان من زرع زرعته أنت، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع و إمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع، فإن لم يفعل كان ذلك له و ردّ عليك القيمة و كان الزرع له»، قلت: جعلت فداك، و إن كان هذا قد أحدث فيها بناء و غرسا؟ قال: «له قيمة ذلك، أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه»، قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقطع الغرس و هدم البناء؟ قال: «يردّ ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض، فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلّاتها إلى صاحبها و ردّ البناء و الغرس و كلّ محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن يردّ عليه كلّما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها، كلّ ذلك فهو مردود إليه» «1».

و

ضعفها غير ضائر، أمّا عندنا فظاهر، و أمّا على المشهور بين المتأخّرين فلانجبارها بالشهرة بل الإجماع، و دلالتها- على الرجوع في العين الباقية و النماء الباقي و قيمة التالف منهما بفعل المشتري- ظاهرة.

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 707، الوسائل 17: 340 أبواب عقد البيع و شروطه ب 3 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 286

و أمّا دلالتها على الرجوع في التالف من المشتري و في عوض المنافع المستوفاة و غيرها فقوله عليه السّلام: «و كلّ محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة» يستفاد منه وجوب ردّ كلّ ما يحدث عند المشتري مع إمكانه، و ردّ قيمته إن كانت له قيمة مع عدمه، سواء كان الحدوث من المشتري أم لا.

و لا شكّ أنّ تلف العين و النماء و إن لم يكن بفعل المشتري أمر محدث فيجب ردّ قيمته، و كذلك استيفاء المنافع، بل إثبات المشتري يده على العين إثبات ليده على منافعه مطلقا و تصرّف فيه، و هذا أيضا أمر محدث فيجب ردّ قيمته.

مثلا: إذا تصرّف المشتري في دار زيد و أثبت يده عليه في شهر فهو تصرّف في حقّ السكنى فيها في ذلك الشهر و إن لم يسكن فيه، و هذا أمر محدث، و لمّا لم يمكن ردّ ذلك- أي رفع التصرّف في هذا الشهر المخصوص- فتجب قيمته، و هي أجرة المثل.

و ترك الاستفصال في الرواية يدلّ على ثبوت الحكم في صورة علم المشتري و جهله، بل الظاهر من قوله: «إمّا للزارع» إلى آخره، و قوله:

«كذلك يجب على صاحب الأرض» أنّ المشتري كان جاهلا.

و تدلّ على جميع تلك الأحكام أيضا- في صورة علم المشتري بأنّه مال الغير- صحيحة أبي ولّاد الطويلة، حيث سأل

الراوي: أنّه اكترى بغلة من الكوفة إلى قصر بني هبيرة بمبلغ في طلب غريم، فلمّا خرج أخبر أنّ الغريم ذهب إلى النيل، فلمّا ذهب إليه أخبر بتوجّهه إلى بغداد، فتوجّه إليه و ظفر به و رجع، فأراد إرضاء المالك بالتواضع و التبذّل فلم يرض، و حكم بعض قضاة العامّية بأنّه لا حقّ له، فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّ عليه مثل كري البغل ذاهبا و جائيا، قال: قلت: جعلت فداك، فقد علفته بدراهم فلي عليه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 287

علفه؟ قال: «لا، لأنّك غاصب»، فقلت: أرأيت لو عطب [1] البغل أو نفق [2] أ ليس كان يلزمني؟ قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته»، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر [3] أو عقر [4] فقال: «عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه»، قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: «أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك» الحديث «5».

وجه الدلالة: أنّ قوله: «لأنّك غاصب» يدلّ على أنّ كلّ من تصرّف في ملك الغير بغير إذنه مع علمه به و إن جوّز رضاه و لو ببذل مال- كما في المورد- يكون غاصبا. و من القواعد المعلومة بالإجماع- بل الضرورة-:

أنّه يجب على الغاصب ردّ ما غصبه مع بقائه، و ضمانه للقيمة مع التلف، و كلّما ثبتت عليه يد المشتري فيما نحن فيه إذا علم أنّه مال الغير من العين و النماء و المنافع المستوفاة و غيرها من هذا القبيل.

بل يدلّ [عليه ] [5] أيضا [قوله ] [6]: «نعم قيمة بغل»، لعدم

القول

______________________________

[1] عطب الهدي: هلاكه، و قد يعبر به عن آفة تعتريه تمنعه من السير- مجمع البحرين 2: 124.

[2] نفقت الدابة من باب قعد تنفق نفوقا: أي هلكت و ماتت- مجمع البحرين 5:

241.

[3] الدبر- بالتحريك-: كالجراحة تحدث من الرجل و نحوه- المغرب 1: 174، مجمع البحرين 3: 299.

[4] العقر: الجرح- القاموس 2: 96، المصباح المنير: 421.

[5] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

[6] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(5) الكافي 5: 290- 6، التهذيب 7: 215- 943، الاستبصار 3: 134- 483، الوسائل 19: 119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 288

بالفصل بين البغل و غيره من الأموال.

و يدلّ على بعض هذه الأحكام قوله عليه السّلام: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1».

و: «على اليد ما أخذت» «2».

و موثّقة جميل: في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولّدها، ثمَّ يجي ء مستحقّ الجارية، فقال: «يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «3».

و رواية زرارة: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل اشترى جارية من سوق المسلمين، فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثمَّ أتاها من يزعم أنّها له و أقام على ذلك البيّنة، قال: «يقبض ولده و يدفع إليه الجارية، و يعوّضه في قيمة ما أصابه من لبنها و خدمتها» «4».

و رواية أخرى له: قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمَّ يجي ء رجل فيقيم البيّنة على أنّها جاريته و لم يبع و لم يهب، قال: فقال: «يردّ إليه جاريته و يعوّضه ممّا انتفع» «5».

و يستفاد من الموثّق وجوب دفع قيمة النماء أيضا

إذا كان باقيا و لم يمكن دفعه شرعا.

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 222- 99.

(2) عوالي اللئالي 1: 389- 22.

(3) التهذيب 7: 82- 353، الاستبصار 3: 84- 285، الوسائل 21: 205 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 5.

(4) التهذيب 7: 83- 357، الاستبصار 3: 85- 289، الوسائل 21: 204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 4، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 5: 216- 13، التهذيب 7: 64- 276، الاستبصار 3: 84- 287، الوسائل 21: 204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 289

و لو تلف نماء متّصل و بقيت العين- كالسمن- و ردّ العين، يجب ردّ قيمة النماء، لما مرّ، و لكنّه مخصوص بما إذا كانت له قيمة. و الوجه ظاهر.

ثمَّ المستفاد من تلك الأخبار رجوع المالك إلى المشتري، و قد ذكر كثير منهم تخيّر المالك في صورة تلف العين بين الرجوع إليه أو إلى البائع.

و وجهه- في صورة مسبوقيّة تصرّف المشتري بتصرّف البائع في التلف- ظاهر.

و أمّا مع عدم المسبوقيّة- بأن تكون العين في يد المشتري فباعه البائع أو في يد ثالث- فلم أعثر لجواز الرجوع على البائع على وجه، و الظاهر عدم جوازه.

[السادس ]

و: و في القيمة التي يرجع إليها المالك إذا تفاوتت من حين التصرّف إلى زمان الدفع أقوال:

مذهب المحقّق في النافع و الشيخ في موضع من المبسوط إلى أنّها قيمة يوم التصرّف «1»، و نسبه في الشرائع إلى الأكثر «2».

و قال الشيخ في النهاية و الخلاف و موضع من المبسوط و ابن حمزة و الحلي: أنّها أعلى القيم من حين التصرّف إلى التلف [1]، و مال إليه في الدروس «4»، و اختاره في

اللمعة و الروضة «5»، و نسبه في المختلف و التنقيح

______________________________

[1] لم نعثر عليه في النهاية، نعم حكاه عنه في المقتصر: 342 و المهذب البارع 4:

252، الخلاف 3: 403 و 415، المبسوط 3: 72، ابن حمزة في الوسيلة:

276، الحلّي في السرائر 2: 325 و 481.

______________________________

(1) النافع: 256، المبسوط 3: 60.

(2) الشرائع 3: 240.

(4) الدروس 3: 113.

(5) اللمعة و الروضة 3: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 290

إلى الأكثر «1».

و ذهب القاضي و الفاضل في المختلف إلى أنّها قيمة يوم التلف «2»، و نسبه في الدروس إلى الأكثر «3».

و قيل: بأنّها أعلاها من حين التصرّف إلى وقت الدفع «4»، اختاره بعض المتأخّرين «5».

و الحقّ هو: الأول، لا لما قيل من أنّه زمان اشتغال ذمّته و ضمانه للقيمة «6»، لمنع ضمانه للقيمة حينئذ، و إنّما هو ضامن لردّ العين، و إنّما يضمن القيمة لو تلفت العين، بل لصحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «7».

و ليس محطّ استدلالنا فيها قوله: «قيمة بغل يوم خالفته» حتى يرد أنّه يحتمل أن يكون قوله: «يوم خالفته» متعلّقا بقوله: يلزم، المدلول عليه بقوله: «نعم» و يكون المراد: نعم يلزمك- لو هلك- قيمة البغل من يوم المخالفة، و يكون دفعا لتوهّم الضمان لو تلف قبل المخالفة.

بل قوله: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك» فإنّ معناه: فيلزمك قيمة البغل حين أكرى.

و لا يرد: أنّه ليس حين المخالفة، فتلزم القيمة قبل المخالفة، و هو مخالف للإجماع.

______________________________

(1) المختلف: 455، التنقيح 2: 174.

(2) القاضي في جواهر الفقه: 110، المختلف: 455.

(3) الدروس 3: 113.

(4) انظر الرياض 2: 304.

(5) حكاه في الرياض 2: 304 عن العلامة المجلسي.

(6) انظر التنقيح 2: 32.

(7) في

ص: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 291

لأنّه لا فاصلة يعتدّ بها بين وقتي المخالفة و الإكراء في المورد، كما يدلّ عليه صدر الحديث.

و المراد بالمخالفة في الحديث: التصرّف بدون الإذن دون التصرّف مع النهي، لعدم نهي صاحب البغلة عن التجاوز.

فلا يرد أنّ المخالفة غير متحقّقة فيما نحن فيه، و اختصاصها بالعالم بأنّه ملك الغير غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

احتجّ المخالف الأول بأنّ اشتغال ذمّة المتصرّف يقيني، و لا يحصل بالبراءة إلّا بدفع أعلى القيم.

و بأنّه مضمون في جميع حالاته، التي من جملتها حالة أعلى القيم، و لو تلف فيها لزم ضمانه، فكذا بعده.

و يرد على الأول: أنّ المتيقّن اشتغال ذمّته به هو أدنى القيم من القيم الأربعة المذكورة، لا مطلقا.

و على الثاني: أنّ ضمان العين في تلك الحالة غير مفيد، و ضمان القيمة إنّما هو على تقدير التلف لا مطلقا.

و قال صاحب الكفاية لتقوية هذا القول: إنّ المتصرّف في أول زمان التصرّف مكلّف بإيصال العين إلى المالك في ذلك الوقت، فإن لم يفعل كان عليه أن يجبر النقصان الذي حصل للمالك بسببه، و هو إمّا بردّ العين في زمان آخر، أو قيمته في الزمان الأول عند تعذّر ذلك، و كذلك في الزمان الثاني و الثالث، فإذا فرض زيادة القيمة في بعض هذه الأزمنة كان عليه ردّها عند تعذّر العين «1».

______________________________

(1) الكفاية: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 292

و يظهر ما فيه ممّا مرّ، فإنّ مع بقاء العين ليس على المتصرّف إلّا ردّها، و لا تشتغل ذمّته بالقيمة مطلقا إلّا عند التلف.

و احتجّ الثاني: بأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند التلف، فيعتبر في تلك الحال.

و فيه: منع استلزام التلف الانتقال إلى القيمة

حينه، إذ لا مانع من تعيين قيمة أخرى بدليل آخر.

و بأنّ اعتبار الأزيد منه لا دليل عليه، و اعتبار الأدون يوجب الضرر المنفي.

و فيه: منع إيجاب اعتبار الأدون للضرر، إذ ليست القيمة السوقيّة في حال ممّا يحصل بالمنع عن استيفائها ضرر، و لذا لو منع مانع آخر عن بيع ماله حتى ينقص قيمته لا يحكم بضمانه.

و قد يقال: إنّه قد ورد في الأخبار الأمر بردّ قيمة التالف، و المتبادر من قيمته قيمة وقت التلف.

و فيه: منع تبادر ذلك، و لكنّ الظاهر عدم الريب في أنّ المتردّد فيه من أمثال ذلك في العرف إنّما هو قيمة وقت التصرّف و وقت التلف، و أمّا غيرهما فلا يحتمله أصلا.

و من هذا يظهر فساد غير القول الأول و الثالث مطلقا، و التردّد إنّما هو بينهما لو لا الصحيح المتقدّم.

و حكم النماء التالف أيضا حكم العين في اعتبار وقت التصرّف.

و أمّا المنافع، فلكونها تدريجيّة غير قارّة فلا يجري فيها ذلك الخلاف.

هذا كلّه إذا كان التفاوت من جهة السوق و تلفت العين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 293

أمّا إذا كانت العين باقية و ردّها فلا يضمن التفاوت السوقي، بلا خلاف، للأصل.

كما أنّه لا خلاف في ضمان الأعلى إذا كان التفاوت من جهة زيادة عينيّة- كالسمن- أو وصفيّة- كتعلّم صنعة و نسيانها- سواء كان حصول الزيادة بفعل المتصرّف أو لا، و سواء كان نقصها بتفريطه أم لا.

و لا فرق في ضمان قيمة تلك الزيادة عند تلفها بين بقاء العين و ردّها و بين تلفها و ردّ قيمتها.

نعم، لو زاد في العين ما لا قيمة له- كسمن مفرط- فلا ضمان فيه.

و ظهر ممّا ذكر أنّه لو كان المبيع فرسا- مثلا- و كانت

قيمته يوم القبض ثلاثين درهما و كان مهزولا، ثمَّ سمن و تلف و كانت القيمة حينئذ عشرين درهما لأجل السوق، بحيث لو كان حينئذ مهزولا كالأول كانت قيمته عشرة دراهم، يجب عليه دفع أربعين درهما: ثلاثون قيمة يوم القبض، و عشرة قيمة الزيادة التالفة.

و أنّه لو كان حين القبض سمينا و قيمته عشرون درهما، ثمَّ هزل و لكن كانت قيمته السوقيّة ثلاثين درهما، و ردّه حينئذ، يجب على المتصرّف دفع التفاوت بين قيمة السمين و المهزول يوم القبض أيضا.

إلى غير ذلك من الفروعات المتكثّرة، و يجي ء شطر منها مع سائر ما يناسب هذا الباب في كتاب الغصب.

[السابع ]

ز: و لو اختلفت قيمة العين أو النماء في بلد القبض و التلف أو الدفع، فالظاهر اعتبار مكان يتحقّق فيه ضمان القيمة، و يحتمل اعتبار الأدون من قيم الأمكنة الثلاثة، للأصل.

[الثامن ]

ح: و على تقدير بقاء العين إذا احتاج ردّه إلى مئونة فعلى الدافع،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 294

لوجوب الدفع عليه و توقّفه عليها.

[التاسع ]

ط: ثمَّ إذا رجع المالك إلى المشتري فيما ذكر، فإن كان المشتري عالما بأنّه مال الغير و لم يكن البائع يدّعي الإذن فلا يرجع المشتري إلى البائع بغير الثمن الذي أعطاه ممّا اغترمه للمالك، إجماعا، للأصل.

و أمّا الثمن، فإن كان موجودا كان للمشتري الرجوع به على الأقوى، وفاقا لجماعة، منهم: المحقّق في بعض تحقيقاته «1»، و الفاضل في المختلف و التذكرة «2»، و الشهيدان في اللمعة و الروضة و المسالك «3»، لأصالة عدم الانتقال، و تسلّط الناس على أموالهم.

و إن لم يكن موجودا فلا يرجع به، وفاقا للأكثر، و نسبه في التذكرة إلى علمائنا «4»، لأصالة براءة ذمّته و عدم دليل على ضمانه، و لم يثبت عموم ضمان كلّ من أتلف مال غيره بحيث يشمل ما نحن فيه أيضا.

و حرمة تصرّف البائع لو سلّمت لا تستلزم الضمان.

و قوله عليه السّلام: «على اليد ما أخذت» «5» يدلّ على أداء العين لا وجوب العوض.

و رواية الأمالي و موثّقة جميل المتقدّمتان «6» مخصوصتان بالجاهل، أمّا الأولى فلما مرّ، و أمّا الثانية فللأمر فيها بأخذ الولد و إعطاء قيمته.

فإن قيل: إنّ المشتري أذن في التلف بشرط عدم تحقّق أخذ

______________________________

(1) نقله عنه في المسالك 1: 172.

(2) المختلف: 348، التذكرة 1: 463.

(3) اللمعة و الروضة 3: 235، المسالك 1: 172.

(4) التذكرة 1: 463.

(5) عوالي اللئالي 1: 389- 22.

(6) في ص: 285، 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 295

العوض، و قد انتفى الشرط فينتفي المشروط، فيكون متلفا لمال الغير بدون إذنه، و هو موجب للضمان قطعا.

قلنا:

الاشتراط ممنوع، بل نعلم قطعا أنّه يريد تسليمه إيّاه قبل تحقّق استرداد المبيع أو عوضه أن يتصرّف فيه كيف شاء، كيف؟! و لو كان كما قيل فإن كان المراد اشتراط الإذن بعدم تحقّق استرداده في بعض الآنات فقد حصل الشرط، و إن كان اشتراطه بعد تحقّق استرداده في شي ء من الأزمنة يلزم أن يكون منظورة عدم التصرّف فيه أبدا، و هو منفي قطعا.

نعم، مقصوده أخذ العوض لو تحقّق استرداد المبيع أو عوضه، و ذلك القصد غير موجب للضمان، بل لا دليل على إيجابه له لو كان منظور البائع ردّ عوضه أيضا.

نعم، لو كان البيع فضولا لأجل المالك، و سلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز، و أتلفه البائع، فالوجه الرجوع إليه، و الوجه ظاهر. أمّا إذا تلف حينئذ لا من جهة البائع فلا رجوع إليه أيضا.

و إن كان المشتري جاهلا فيرجع إلى البائع بالثمن الذي أعطاه البائع مطلقا، تالفا كان أم باقيا، لرواية الأمالي و موثّقة جميل «1» أيضا.

و كذا بسائر ما اغترمه للمالك ممّا لم يحصل له في مقابلته له عوض، بلا خلاف يعرف، كزيادة الثمن التي يؤدّيها في صورة التلف، و قيمة النماء التالف، و اجرة ما لم ينتفع به، و قيمة الولد، و أمثالها، و منها ما صرف في إصلاح المبيع بل تزيينه، و كلّ ما يجوز لمالك الملك صرفه فيه.

و تدلّ عليه- بعد ظاهر الإجماع- موثّقة جميل، بضميمة الإجماع

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 285 و 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 296

المركّب، و عموم قوله عليه السّلام: «المغرور يرجع على من غرّه» نقله المحقّق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد، و ضعفه غير ضائر، لأنّ الشهرة بل الإجماع له

جابر، بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم، يستعملونها في مواضع متعدّدة، كالغصب، و التدليس في المبيع، و الزوجة، و الجنايات، و أمثالها.

و تدلّ عليه العلّة المنصوصة في رواية رفاعة: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها، و أنّ المهر على الذي زوّجها، و إنّما صار المهر عليه لأنّه دلّسها» «1».

و أمّا ما اغترمه ممّا حصل له في مقابله نفع- كعوض الثمرة و اجرة السكنى- ففي الرجوع به إلى البائع و عدمه قولان:

الأول: للمحقّق في تجارة الشرائع، و صاحب التنقيح «2».

و الثاني: للشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي «3».

و لعلّ الأظهر هو الأول، لما مرّ من رجوع المغرور إلى الغارّ، و العلّة المنصوصة، و لكن يجب التخصيص بما إذا كان البائع عالما بأنّه ملك الغير لتحقّق التغرير و التدليس، و إلّا فلا يرجع، للأصل.

و عدم القول بالفصل غير معلوم، و لو لا إطلاق موثّقة جميل «4» و ظاهر

______________________________

(1) الكافي 5: 407- 9، التهذيب 7: 424- 1697، الاستبصار 3: 245- 878، مستطرفات السرائر: 36- 53، الوسائل 21: 212 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 2 ح 2.

(2) الشرائع 2: 14، التنقيح 4: 75.

(3) المبسوط 3: 71، الخلاف 3: 403، الحلّي في السرائر 2: 325.

(4) المتقدمة في ص: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 297

الإجماع لقلنا بمثل ذلك فيما لم يحصل في مقابلته نفع أيضا.

[العاشر]

ي: لا يخفى أنّ ظاهر كثير من عباراتهم أنّ ما ينفقه المشتري في المبيع لإصلاحه و دفع النوائب عنه حكمه حكم ما اغترمه المشتري و لا نفع له، فيجوز له الرجوع فيها على البائع، و صريح

رواية الأمالي «1» أنّه يجب على المالك ردّ جميع ذلك، و ردّ النصّ الصريح بمجرّد مخالفة جمع من المتأخّرين غير جائز.

نعم، لو ثبت الإجماع على الأول لكان هو المتعيّن، و لكنّه غير ثابت، فالفتوى على الثاني، و لكنّ ذلك مختصّ بصورة الجهل، و أمّا مع العلم فلا يرجع به إلى أحد، كما صرّح به في صحيحة أبي ولّاد «2».

المسألة الثانية:

لو باع المملوك له و لغيره صفقة في بيع واحد، وقف البيع في غير المملوك على الإجازة، على القول بصحّة الفضولي، و بطل على القول المختار، و صحّ في المملوك مطلقا، سواء حصلت الإجازة في غيره أم لا.

أمّا الأول فوجهه ظاهر ممّا مرّ.

و أمّا صحّته في المملوك فهو الحقّ المشهور بين أصحابنا، بل عن الغنية و التذكرة الإجماع عليه «3»، و صرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه «4»، و وجهه- على ما ذكرنا من معنى البيع عرفا- ظاهر، فإنّه قد ورد البيع عرفا على هذا البعض المملوك و لو في ضمن وروده على الكلّ، و انضمام شي ء آخر معه لا يخرج هذا البعض عن كونه مبيعا، و لا البائع عن كونه بائعا له،

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 285.

(2) المتقدمة في ص: 286.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 585، التذكرة 1: 463.

(4) انظر الرياض 1: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 298

فتشمله عمومات صحّة البيع و لزومه «1»، و صحيحة الصفّار المتقدّمة في أوائل المبحث «2».

نعم، يشكل على القول باشتراط تحقّق البيع و صحّته على الشرع، إذ لا دليل شرعا على أنّ بيع الكلّ بيع لجزئه، إلّا أن يدّعى الإجماع في خصوص المسألة، كما هو الظاهر.

و احتمل بعض المتأخّرين البطلان رأسا «3»، أي بعد عدم إجازة مالك البعض الآخر على

القول بتأثيرها، و مطلقا على عدمه.

لأنّ العقد تابع للقصد، و المقصود هو بيع المجموع لا الجزء.

و أيضا الجزء ليس نفس ما وقع عليه البيع فلا بيع حينئذ فيه.

و يرد على الأول: أنّه إن أريد أنّه لم يقصد بيع الجزء أصلا فبطلانه ظاهر، لأنّ قصد بيع الكلّ يستلزم قصد بيع جزئه، و ما لا يقصد بيع جزئه لا يقصد بيع كلّه.

و إن أريد أنّه قصد كونه جزءا للمبيع- أي بشرط كونه في ضمن الكلّ- ففيه: أنّه ممنوع، غاية الأمر أنّه لا يعلم قصد كونه مبيعا برأسه أيضا، و هو غير مضرّ.

و التوضيح: أنّه علم قصد بيعه قطعا و لكنّه يحتمل أن يكون مراده بيعه مطلقا، سواء أجاز مالك البعض الآخر أيضا أم لا، و أن يكون بيعه منضمّا مع البعض الآخر، و الثابت من عمومات البيع نفوذ البيع مطلقا، سواء قصد استقلال ما قصد بيعه، أو جزئيّته لغيره، أو لم يعلم شي ء

______________________________

(1) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

(2) راجع ص: 252.

(3) انظر مجمع الفائدة 8: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 299

منهما، خرج ما علم فيه الجزئيّة و انتفاء الجزء الآخر بالإجماع، فيبقى الباقي.

و على الثاني: أنّه يصحّ على القول بوجوب الاقتصار في تحقّق البيع بما علم كونه بيعا شرعا.

و أمّا على ما ذكرنا- من أنّه يتحقّق بتحقّق كلّ ما دلّ على نقل الملك به بقصد المبايعة- فلا، إذ هو أعمّ من أن تكون الدلالة بالمطابقة أو التضمّن أو الالتزام، و لذا لو باع أحد داره و فرسه صفقة يقال: إنّه باع فرسه.

ثمَّ إن أجاز مالك البعض الآخر و قلنا بتأثيرها، و إلّا فإن كان المشتري عالما بأنّ بعضه مال الغير

و لم يدّع البائع الإذن فلا خيار له، للأصل.

و الكلام في الرجوع على البائع بثمنه و غيره كما تقدّم.

و إن كان جاهلا أو ادّعى البائع الإذن قالوا: كان له الخيار في المملوك أيضا، و استدلّوا عليه تارة بأنّ تبعّض الصفقة أو الشركة عيب موجب للخيار، و اخرى بأنّهما موجبان الضرر المنفي. و في إطلاقهما نظر ظاهر، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف.

و لا يبعد أن يستدلّ عليه برواية عمر بن حنظلة الآتية الواردة فيمن باع أرضا على أنّ فيها عشرة أجربة، فلمّا مسح فإذا هي خمسة أجربة «1».

و المسألة محلّ إشكال، و لعلّه يأتي الكلام فيها.

فإن فسخ المشتري يرجع كلّ مال إلى مالكه، و إن أمضى في المملوك فيلزم و يقسّط الثمن على المالين، و في كيفيّته كلام.

و الوجه- كما قيل «2»- أن يقال: إذا لم تكن قيمة المجموع زائدة على

______________________________

(1) الفقيه 3: 151- 633، التهذيب 7: 153- 675، الوسائل 18: 27 أبواب الخيار ب 14 ح 1.

(2) كما في كفاية الأحكام: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 300

مجموع قيمتي الجزءين يقوّم واحد منهما، مثل المملوك، و يقوّم المجموع، و تراعى النسبة بين قيمته و قيمة المجموع، و يأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة، و يردّ الباقي على المشتري.

أو يقوّم غير المملوك و المجموع، و تراعى النسبة، و يرجع المشتري من الثمن بتلك النسبة، و يأخذ البائع الباقي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    300     المسألة الثالثة: ..... ص : 300

إن كانت قيمة المجموع زائدة يقوّم المملوك و المجموع، و تراعى النسبة بين القيمتين، و يأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة، و يرجع المشتري بالباقي.

أو يقوّم كلّ منهما و المجموع، و تراعى النسبة

بين مجموع قيمتي الجزءين و قيمة المجموع، و يجعل من الثمن قدرا بتلك النسبة بإزاء مجموع القيمتين و الباقي بإزاء الهيئة التركيبيّة، و يأخذ البائع من الثمن بنسبة قيمة مملوكه إلى مجموع القيمتين، و يرجع المشتري على البائع بالباقي.

المسألة الثالثة:

لو باع ما يملك مع ما لا يملك مطلقا- كالحرّ- أو لا يملكه المسلم- كالخمر و الخنزير- فيصحّ البيع فيما يملك دون ما لا يملك، و يقسّط الثمن عليهما على ما مرّ، و طريق تقويم الحرّ فرض كونه عبدا بهذه الصفة، و يقوّم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما، و الكلام فيما كان للهيئة الاجتماعيّة مدخليّة- كخفّين أحدهما جلد الخنزير- كالسابق.

و لا يخفى أنّ تقويم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا، أمّا مع ظنّ كونهما خلّا أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلّا على ما هو من الأوصاف، و يقع الإشكال فيما لم يكن اتّحاد الأوصاف.

ثمَّ إنّ الحكم بصحّة البيع فيما يملك- مع جهل المتابعين بفساد البيع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 301

فيما لا يملك- ظاهر.

و أمّا مع علم أحدهما أو كليهما فظاهر إطلاق الأكثر الصحّة، إلّا أنّ الفاضل في التذكرة نفى البعد عن الحكم بالبطلان مع علم المشتري «1»، و استشكل في المسالك الحكم بالصحّة حينئذ أيضا، لإفضائه إلى الجهل بالثمن حال البيع «2»، و اخرى في الروضة الإشكال في صورة علم البائع وحده أيضا «3».

قيل: الفرق بين ذلك و بين ما تكون الضميمة مال الغير: أنّه يبتاع ملك الغير مع مملوك البائع، و الثمن إنّما هو بإزاء المجموع، و البيع في المجموع صحيح.

أقوال: على القول بعدم تأثير الإجازة أو كونها ناقلة لم يتحقّق البيع

الصحيح في المجموع أو إلّا حال الإجازة، و أمّا قبلهما فلم يتحقّق بيع صحيح في المجموع، فيتحقّق الجهل بثمن المملوك حال البيع، فيلزم فساد البيع فيه حينئذ، و لا تفيد الإجازة المتحقّقة بعد ذلك.

و كذا على القول بكون الإجازة كاشفة مع عدم الإجازة، فإنّه يكشف عن فساد البيع في المجموع حال البيع، فيتحقّق الجهل بثمن المملوك أيضا.

نعم، لو قلنا بكون الإجازة موجبة للّزوم و عدمها للانفساخ لظهر الفرق، و لكنّه خلاف ما صرّح به الأكثر و ما ذكروه في النماء المتخلّل.

أقول: الصواب التفرقة، بالإجماع و صحيحة الصفّار المتقدّمة «4»، ثمَّ المتّجه في محلّ النزاع: الفساد في صورتي علم البائع أو المشتري، لما ذكر.

______________________________

(1) التذكرة 1: 565.

(2) المسالك 1: 173.

(3) الروضة 3: 240.

(4) في ص: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 302

المسألة الرابعة:

لا فرق في اشتراط المالكيّة بين المثمن و الثمن، فلو اشترى شيئا بثمن غير مملوك له بطل البيع، لما مرّ.

و المراد بالشراء بالثمن الغير المملوك: أن اشترى السلعة بهذا الثمن المعيّن، أمّا لو اشترى بثمن غير مشخّص ثمَّ أعطى ثمنا غير مملوك له لم يبطل البيع.

ثمَّ في صورة بطلان البيع كان لمالك الثمن الرجوع بعين ثمنه إلى البائع مع بقائه، و إلى كلّ من المتبايعين بمثله مع تلفه، و ليس له غير ذلك من الأجرة أو المنافع شيئا، إلّا إذا كان الثمن ممّا له نفع.

و يرجع البائع بالمبيع و نمائه المتّصل و المنفصل مع البقاء إلى المشتري مطلقا، و مع التلف إن كان البائع جاهلا بأنّ الثمن ملك الغير، و يرجع إليه حينئذ بالمنافع المستوفاة و غيرها، و إن كان عالما فلا رجوع بشي ء من التالف أصلا، و وجهه ظاهر ممّا مرّ.

و منها: المغايرة الحقيقيّة بين المتعاقدين،

قال بعضهم باشتراطها في الجملة.

و التوضيح: أنّه سيأتي في مباحث الحجر و التفليس جواز بيع الأب و الجدّ للأب و وصيّهما إن فقدا و شرائهم للأطفال و السفهاء و المجانين المتّصل سفههم و جنونهم بالبلوغ.

ثمَّ من الحاكم و أمينه إن لم يوجدوا، [و مطلقا] [1] إن طرأ السفه أو الجنون بعد البلوغ، و كذلك الغائب.

ثمَّ من آحاد المؤمنين مع تعذّر الحاكم و أمينه مع المصلحة.

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: مطلقا، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 303

و كذا يأتي في بحث الوكالة جواز بيع الوكيل و شرائه.

و ليس كلامنا في هذا المقام في شي ء من ذلك، و إنّما الكلام في أنّه هل يجوز لهؤلاء تولّي طرفي المبايعة؟ و ذلك يكون على وجهين:

أحدهما: أن يتولّى كلّ منهم طرفي العقد- أي

الإيجاب و القبول- بأن يكون موجبا و قابلا معا، كأن يتوكّل الوكيل عن البائع و المشتري، أو عن أحدهما مع كونه الآخر بنفسه، و يتوكّل الولي في المبايعة لمن له عليه الولاية عن الطرف الآخر، أو كان نفسه هو الآخر.

و ثانيهما: أن يبيع كلّ منهم عن نفسه أو يشتري له، أي يبيع مال نفسه بالمولّى عليه أو الموكّل الذي وكّله في شراء ذلك، أو اشترى نفسه مال المولّى عليه أو مال الموكّل الذي وكّله في بيعه.

أمّا الأول، فالحق فيه الجواز، و لعلّه الأشهر، لصدق البيع و الشراء عرفا، إذ ليس البيع إلّا نقل الملك إلى آخر، و هو صادق في المورد، لتغاير الناقل و المنتقل إليه حقيقة و إن كان الموجب و القابل منهما واحدا، فيكون جائزا و لازما بالعمومات، و لا دليل على اشتراط المغايرة بين موجد النقل و موجد قبوله.

و ما قد يتشبّث به لاعتبار التعدد هو أصالة عدم الانتقال.

و أنّ الإيجاب نقل الملك عن الموجب، و القبول نقله إليه، فيجتمع الضدّان.

و في الأول: أنّ العمومات مخرجة عن الأصل.

و في الثاني: أنّ الإيجاب لنقل الملك عن المالك دون الموجب، كما أنّ القبول للانتقال إلى مالك الثمن- أي المشتري- دون القابل.

و أمّا الثاني، فيأتي الكلام فيه في مباحث الحجر و الوكالة و الوصاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 304

الفصل الثالث في شرائط العوضين

اشاره

و هي أيضا أمور:

منها:

أن يكونا مملوكين- أي ممّا يصحّ تملّكه- لما مرّ في اشتراط المالكيّة.

و المرجع في كون شي ء ملكا و مالا إلى العرف، حيث إنّه لا دليل شرعا على بيانه و إن ثبت من الشرع عدم تملّك بعض الأشياء، فيشترط في صحّة البيع كون كلّ من العوضين ملكا عرفا و عدم دليل شرعيّ على عدم صحّة تملكه، فلا يصحّ بيع ما لا يملك شرعا- كالحرّ- أو عرفا- كالأشياء التي لا ينتفع بها- فإنّها لا تسمّى مالا في العرف، لصحّة السلب، و تبادر الغير، و لأنّ الملكيّة أو الماليّة ربط حادث بين المالك و المملوك، فهو مخالف للأصل لا يحكم به إلّا مع الثبوت، و لم يثبت فيما لا نفع فيه.

و النفع المعتبر في صدق المال هو ما كان معتبرا في نظر العقلاء، فلا اعتبار بما لم يكن كذلك، إمّا لكونه نفعا يسيرا لا يعتني به العاقل، أو يعدّ مثله لغوا عنده لا نفعا، للأصل المتقدّم.

و هل يشترط كونه معلوم الترتّب على العين، أو يكفي الظنّ أو الاحتمال أيضا؟

و على التقديرين هل يشترط عدم ندرة الانتفاع به، أو يكفي مجرّد الترتّب و إن كان نادرا؟

الحقّ: كفاية الظنّ و مجرّد الترتّب، و لذا تعدّ أكثر العقاقير التي توجد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 305

عند الأطبّاء و المعاجين التي يصنعونها مالا، مع أنّ ترتّب المنافع المذكورة لها عليها ليس إلّا ظنّيا، و لا يحتاج إلى كثير منها إلّا نادرا.

نعم، الظاهر عدم كفاية الاحتمال، للأصل، و لهذا قالوا: لا يصحّ بيع مثل الخفافيش [1] و العقارب و الجعلان [2] و القنافذ و نحوها، و لا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها، فإنّه لا يحصل ممّا

أورد علم و لا ظنّ، و لو فرض حصول العلم أو الظنّ لا نقول بعدم صحّة بيعها، و عدم عدّها مالا لأجل عدم الظنّ، و لو حصل يلتزم عدّها من المال.

و على هذا، فلو فرض وقوع مرض بين أهل بلدة اجتمعت حذّاق الأطبّاء، بل لو قال طبيب حاذق: أنّ علاجه دهن العقرب أو دم الخفّاش، و لم يتهيّأ لكلّ أحد جمعهما، فيجوز لمن أخذهما بيعهما، و يكون صحيحا.

و قد يكون الشي ء ممّا ينتفع به و يكون مالا، و لكن يبلغ في القلّة حدّا لا ينتفع به و لا يعدّ مالا عرفا، كالحبّة و الحبّتين من الحنطة، و صرّح جماعة بعدم جواز بيعه «3».

قال في التذكرة: لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه، لأنّه ليس مالا، فلا يؤخذ في مقابلته المال، كالحبّة و الحبّتين من الحنطة، و لا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا انضمّ إليها أمثالها، و لا إلى أنّها قد توضع في الفخ أو تبذر، و لا فرق بين زمان الرخص و الغلاء، و مع هذا فلا يجوز أخذ حبّة من صبرة

______________________________

[1] في نسخة من «ح»: الخنافيس.

[2] الجعل: دويبة معروفة تسمى الزعقوق، تعضّ البهائم في فروجها فتهرب، و هو أكبر من الخنفساء، شديد السواد، في بطنه لون حمرة، للذكر قرنان- حياة الحيوان 1: 278.

______________________________

(3) انظر الإرشاد 1: 361 و الحدائق 18: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 306

الغير، فإن أخذ وجب الردّ، و إن تلفت فلا ضمان، لأنّه لا ماليّة لها «1». انتهى.

و ربما يظهر من بعضهم التأمّل في عدم كونه مالا «2»، و يدلّ عليه عدم جواز أخذه و وجوب الردّ، و عدم كونه من الأفراد المتعارفة من المال أو بيعه من أفراد

البيع المتعارفة لا يوجب بطلانه، غاية الأمر عدم جواز بذل المال بإزائه أزيد منه لئلّا يكون سفها و تبذيرا، فقد يشتري حبّة و يجتمع عنده ما يحصل فيه نفع كثير.

و التحقيق: اختلافه باختلاف الأحوال و القصود، فقد يمكن أن يكون بيعه ممّا تترتّب عليه فائدة مقصودة للعقلاء.

و منها:

أن يكونا عينين، فلو كانا منفعة- كسكنى الدار مدّة- لم ينعقد، للإجماع، و عدم معلوميّة صدق البيع على نقل ملك المنفعة عرفا.

و تجويز الشيخ في المبسوط بيع خدمة العبد «3» شاذّ غير قادح في الإجماع.

و رواية إسحاق بن عمار «4»- المجوّزة لبيع سكنى الدار- شاذّة غير معمول بها، مع ما في متنها من تجويز بيع السكنى، مع عدم كون السكنى فيها ملكا للبائع بعد عدم تجويزه بيع ما ليس له في جواب السؤال عن بيع أصل الدار.

و منها:

أن لا يكونا ممّا يشترك فيه جميع المسلمين، من المباحات العامّة- كالكلأ و الماء- قبل حيازتها و ضبطهما لنفسهما، و كالسموك في

______________________________

(1) التذكرة 1: 465.

(2) مجمع الفائدة 8: 167.

(3) حكاه عنه في المفاتيح 3: 50.

(4) التهذيب 7: 130- 571، الوسائل 17: 335 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 307

البحار و الأنهار، و الوحوش في البراري، للإجماع، و لانتفاء الملكيّة فيها، للأصل.

هذا إذا كانت المذكورات واقعة في مباح عامّ، أمّا لو كان الكلأ في أرضه أو الماء في بئره فلا خلاف في صحّة بيعه استقلالا و تبعا لما هو فيه، و هذا هو المراد من رواية موسى بن إبراهيم: عن بيع الماء و الكلأ، قال: «لا بأس» «1».

و منها:

أن لا يكونا من الأراضي المفتوحة عنوة، و تحقيق الكلام فيها قد مرّ مستوفى.

و منها:

أن لا يكون ممّا سبق عدم جواز التكسّب به مطلقا عن الأعيان النجسة و نحوها.

و منها:
اشاره

أن يكون ملكا طلقا، فلا يجوز بيع الوقف و لا الرهن و لا أمّ الولد.

أمّا الوقف فعدم جواز بيعه في الجملة إجماعي، و بالإجماع كذلك صرّح جماعة، كالسيّد و الحلّي و المسالك «2» و غيرهم «3»، و هو الحجّة فيما عدا محلّ النزاع، مضافا إلى أصالة عدم جواز بيع غير ما يملكه البائع كما مرّ.

و عموم الصحيح: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» «4».

و خصوص صحيحة أبي علي بن راشد: اشتريت أرضا إلى جنب

______________________________

(1) الكافي 5: 277- 5، التهذيب 7: 141- 625، الوسائل 25: 421 أبواب إحياء الموات ب 9 ح 3 بتفاوت.

(2) السيد في الانتصار: 227، الحلي في السرائر 3: 153، المسالك 1: 174.

(3) كالعلامة في التذكرة 1: 465.

(4) الكافي 7: 37- 34، الوسائل 19: 175 كتاب الوقوف و الصدقات ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 308

ضيعتي بألفي درهم، فلمّا وزنت المال خبّرت أنّ الأرض وقف، فقال: «لا يجوز شراء الوقوف» «1».

و يؤيّده ما ورد في وقوف أرباب العصمة، كقول أمير المؤمنين عليه السّلام في وقف ينبع، كما في صحيحة الحذّاء: «هي صدقة بتّة بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيل اللّه، لا تباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين» الحديث [1].

و في رواية ربعي: «هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب و هو حيّ سوي، تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتى يرثها اللّه الذي يرث السموات و الأرض» «3».

و في صحيحة البجلي: «تصدّق

موسى بن جعفر بصدقته هذه و هو صحيح صدقة حبسا بتلا بتّا لا مشوبة فيها و لا ردّ أبدا، ابتغاء وجه اللّه تعالى و الدار الآخرة، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها أو شيئا منها، و لا يهبها و لا ينحلها، و لا يغيّر شيئا منها ممّا وصفته عليها، حتى يرث اللّه الأرض و ما عليها» «4».

و مقتضى تلك الأدلّة و إن كان عموم المنع- كما ذهب إليه الإسكافي

______________________________

[1] الكافي 7: 54- 9، التهذيب 9: 148- 609، الوسائل 19: 186 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 2، بتفاوت يسير. و صدقة بتّة بتلة، أي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها- مجمع البحرين 2: 190.

______________________________

(1) الكافي 7: 37- 35، الفقيه 4: 179- 629، التهذيب 9: 130- 556، الاستبصار 4: 97- 377، الوسائل 19: 185 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 1.

(3) الفقيه 4: 183- 624، التهذيب 9: 131- 560، الاستبصار 4: 98- 380، الوسائل 19: 187 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 4.

(4) الكافي 7: 53- 8، الفقيه 4: 184- 647، التهذيب 9: 149- 610، الوسائل 19: 202 كتاب الوقوف و الصدقات ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 309

و الحلّي مدّعيا عليه الإجماع «1»، و فخر المحقّقين على ما حكي عنه «2»- إلّا أنّ أكثر الأصحاب على اختلاف شديد بينهم استثنوا منه مواضع:

الأول: إذا خرب الوقف مطلقا و تعطّل، حكي عن المفيد و السيّد و الخلاف و الديلمي و ابن حمزة و المحقّق الشيخ علي في بيع شرح القواعد «3»، و استحسنه ثاني الشهيدين و صاحب المفاتيح «4»، إلّا أنّ المفيد قيّده بما إذا

لم يوجد له عامر.

الثاني: إذا ذهبت منافعه بالكلّية، استثناه الأولان و وقف التحرير «5».

و يمكن إرجاع ذلك أيضا إلى الأول، إلّا أنّ المفيد جعله قسيما له.

الثالث: مع حاجة الموقوف عليه الضروريّة إلى البيع، و هو منقول عن الأولين و الرابع و الخامس و السادس و نهاية الشيخ «6»، إلّا أنّ الثاني قيّد الحاجة بكونها إلى الثمن لشدة الفقر، و السادس بأن لم يكن لهم ما يكفيهم من غلّة، و الأخير بأن يكون معها البيع أصلح.

الرابع: إذا كان بيعه أصلح و أعود، استثناه الأول «7»، و ظاهر الكفاية

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في الانتصار: 227، الحلي في السرائر 3: 153.

(2) الإيضاح 2: 392.

(3) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الانتصار: 226، الخلاف 3: 551، الديلمي في المراسم: 197، ابن حمزة في الوسيلة: 370 المحقّق الشيخ علي في جامع المقاصد 4: 97.

(4) الشهيد الثاني في الروضة 3: 254. المفاتيح 3: 212.

(5) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الانتصار: 226، التحرير 1: 290.

(6) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الانتصار: 226، الديلمي في المراسم:

197، ابن حمزة في الوسيلة: 370، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 98، نهاية الشيخ: 600.

(7) المفيد في المقنعة: 652.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 310

التردّد فيه «1».

الخامس: إذا علم أداء بقائه إلى خرابه بحيث يعطّل لأجل اختلاف الموقوف عليهم، قاله صاحب التنقيح «2».

السادس: الخامس بشرط كون البيع أعود، خصّه في بيع القواعد و الشرائع «3».

السابع: إذا خيف خرابه مطلقا، استثناه في المبسوط و النهاية «4»، و نسبه في المهذّب إلى المحقّق و العلّامة مقيّدا بعدم التمكّن من عمارته «5».

الثامن: إذا خيف الخراب لاختلاف أربابه خاصّة، ذكره في وقف التحرير و الشرائع «6».

التاسع: مع خلف

بين أربابه، استثناه صاحب الكفاية و المفاتيح و المحقّق الشيخ علي «7»، إلّا أنّ الأخير قيّده بما إذا كان مخوّفا لتلف الأموال، و نسبه المهذّب إلى المحقّق و العلّامة مقيّدا بكونه موجبا لفساد لا يمكن استدراكه.

العاشر: مع خوف الخلف، عن المبسوط و النهاية «8»، إلّا أنّ الأخير قيّده بما يؤدّي إلى فسادهم.

______________________________

(1) الكفاية: 142.

(2) التنقيح 2: 330.

(3) القواعد 1: 126، الشرائع 2: 220.

(4) المبسوط 3: 300، النهاية: 599.

(5) المهذب البارع 3: 66 و هو في المختصر: 158 و المختلف: 489.

(6) التحرير 1: 290، الشرائع 2: 220.

(7) الكفاية: 142، المفاتيح 3: 212، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 97.

(8) المبسوط 3: 300، النهاية: 600.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 311

و منهم من فرّق بين المؤبّد و غيره، فلم يجوّز في الأول مطلقا، و في الثاني جوّز في الصور التي نقلناها عن النهاية، و هو المنقول عن الصدوق و القاضي و الحلبي [1]، و قد يجوّز في الثاني خاصّة مع الاتّفاق مع الواقف أو وارثه، ذهب إليه صاحب التنقيح «2».

و الذي وصل إليّ في هذا الباب من الأخبار صحيحة علي بن مهزيار:

قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: أنّ فلانا ابتاع ضيعة فوقفها و جعل لك في الوقف الخمس، و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، يقوّمها على نفسه بما اشتراها به، أو يدعها موقوفة؟ فكتب إليّ: «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ، و أنّ ذلك رأيي إن شاء اللّه، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له»، و كتبت إليه: أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف هذه الضيعة عليهم اختلافا شديدا، و أنّه ليس

يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته، فكتب بخطّه إليّ: «و أعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف أمثل، فإنّه ربّما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال و النفوس» «3».

و رواية جعفر بن حنّان الصحيحة عن ابن محبوب- الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-: قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

[1] نقله عنهم في المختلف: 489 و هو في الفقيه 4: 179 و المهذب 2: 92 و الكافي: 325، و قال في مفتاح الكرامة 4: 258 ما نسبوه إلى الحلبي من موافقته للقاضي غير صحيح.

______________________________

(2) التنقيح 2: 329.

(3) التهذيب 9: 130- 557، الاستبصار 4: 98- 381، الوسائل 19: 187 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 5، ص 188 ب 6 ح 6، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 312

الرجل أوقف غلّة له على قرابة من أبيه و قرابة من امّه، و أوصى لرجل و لعقبه من تلك الغلّة بثلاثمائة درهم- إلى أن قال عليه السّلام-: «جائز للذي أوصى له بذلك»- إلى أن قال- قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له؟

قال: «إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإذا انقطع ورثته كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت، يردّ ما يخرج من الوقف، ثمَّ يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلّة» قلت: فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال:

«نعم، إذا كانوا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا

لهم باعوا» «1».

و ما رواه الطبرسي في الاحتجاج، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان عليه السّلام: أنّه كتب إليه: روي عن الصادق عليه السّلام خبر مأثور:

«إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك أصلح، لهم أن يبيعوه»، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك؟

و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه، فأجاب عليه السّلام: «إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، و إذا كان على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرّقين إن شاء اللّه» «2».

و ليس محطّ الاستدلال بالأولى صدرها الدالّ على جواز بيع الحصّة الموقوفة على الإمام عليه السّلام، لجواز أن تكون غير مقبوضة، بل هو الظاهر من

______________________________

(1) الكافي 7: 35- 29، الفقيه 4: 179- 630، التهذيب 9: 133- 565، الوسائل 19: 190 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8، بتفاوت.

(2) الاحتجاج 2: 490 بتفاوت، الوسائل 19: 191 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 313

الخبر.

و لا يمكن الحكم بالعموم فيه لترك الاستفصال، لعلمه عليه السّلام بالحال في حقّه، مع أنّ غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئا له عليه السّلام، و هو أعمّ من الوقف، فلعلّ الرخصة في البيع لعدم الوقف.

و لا ينافيه قوله: أو يدعها موقوفة، لجواز أن يراد به معناه اللغوي- أي متروكة بحاله- حيث لم تثبت الحقيقة الشرعيّة في الوقف.

و من ذلك يظهر ضعف تضعيف الرواية أو ترجيح معارضها عليها بخروج صدرها عن الحجّية، حيث ليس ثمّة شي ء

من الأسباب المجوّزة للبيع.

بل الاستدلال بتجويز بيع حصّة الباقين و احتمال عدم القبض فيها و إن كان جاريا أيضا إلّا أنّ ترك الاستفصال يقتضي العموم و عدم الفرق.

و ترجيح الحمل على عدم القبض- باعتبار وقوع البيع في الخبر من الواقف، و هو ظاهر في بقائه في يده، و باعتبار ظهور عدم القبض في حصّته عليه السّلام، و الظاهر اتّحاد حال الجميع- ضعيف، لجواز كون الواقف ناظرا، و عدم استلزام عدم القبض في حقّه عدمه في حقهم.

كما أنّ ترجيح الحمل على الأعمّ أو القبض- بأنّه لولاه لكان الأنسب التعليل بعدم القبض دون تلف الأموال و النفوس و لولاه لم يقع الاختلاف في الوقف- ضعيف أيضا.

أمّا الأول، فبأنّه إنّما يصحّ لو كان التعليل لجواز البيع، و لكنّه تعليل لأمثليّته، و عدم القبض لا يصلح علّة لها.

و أمّا الثاني، فلعدم تصريح في الخبر بكون الاختلاف في الوقف، و على تسليمه لا يتوقّف على القبض، فيمكن أن يكون المراد: أنّ الواقف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 314

لمّا رأى بينهم اختلافا شديدا في أمر تلك الضيعة قبل الدفع إليهم، أو في أمر آخر، و ليس يأمن أنّه إذا دفعها إليهم يتفاقم الأمر بينهم، فهل يدعها موقوفة، أو يرجع عن الوقف و يدفع إليهم ثمنها، و أيّهما أفضل؟

و على هذا، فمقتضى ترك الاستفصال جعل الرواية أعمّ من القبض و عدمه، و تخصّص بها أخبار المنع.

و لا يتوهّم أنّ تعارضها مع أخبار المنع المتقدّمة «1» بالعموم من وجه، حيث إنّ لأخبار المنع جهة خصوص، لكون المراد منها بعد القبض قطعا، كما أنّ الصحيحة أيضا مختصّة بحال الاختلاف، و لا مرجّح لأحدهما يمكن الاعتماد عليه، فالتعويل على تلك الرواية فقط في بيع

الوقف مشكل.

لأنّ المناط في التعارض هو ظاهر الخبر، دون ما يؤول إليه بعد الجمع بينه و بين سائر المعارضات، كما بيّنا في كتاب عوائد الأيّام «2»، و على هذا فتكون أخبار المنع أعمّ مطلقا، لأعمّيتها من القبض و عدمه، و الصحيحة مخصوصة بحال الاختلاف.

و منه يظهر جواز البيع في تلك الحال.

هذا هو المستفاد من الاولى.

و تدلّ الثانية على جواز بيعه مع احتياج الموقوف عليه، و كون البيع خيرا، و اتّفاق الكلّ مع التعدّد. و هي مختصّة بما بعد القبض، من جهة كون الحكم لورثة القرابة، و لأجل دلالة المفهوم على عدم الجواز مع عدم رضا الكلّ و عدم الخيريّة، و ليس قبل القبض كذلك.

و منه أيضا يظهر عدم جواز حمل الأرض على حصّة الرجل الذي

______________________________

(1) في ص: 308.

(2) عوائد الأيام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 315

أوصى له و انقطعت ورثته فينتقل إلى ورثة الميّت ملكا، أو حمل الورثة على ورثة الواقف و جعل الوقف منقطع الآخر باختصاصه بالقرابة دون عقبهم.

و على هذا، فتكون هذه أيضا أخصّ مطلقا من أخبار المنع، فبها تخصّص تلك الأخبار أيضا.

و مقتضاها جواز البيع مع كونه خيرا و اتّفاق الكلّ، إلّا أنّ الظاهر منها أنّ اشتراط رضا الكلّ إنّما هو في بيع تمام الأرض التي هي وقف على الجميع، لأنّه المسؤول عنه، و لا شكّ أنّه موقوف على رضا الكلّ، فلا يثبت منها اشتراط رضا الكلّ في بيع حصّة كلّ واحد.

و أمّا الثالثة فمحطّ الاستدلال فيها موضعان، أحدهما: «و إذا» الثالث.

و ليس موضع الاستدلال منه قول الصاحب، لأنّه لا يدلّ إلّا على أنّ ما يقدرون على بيعه يجوز لهم بيعه مجتمعين أو متفرّقين، فيكون بيانا لحكم الاجتماع و الافتراق،

و لا يظهر منه ما يجوز بيعه و ما لا يجوز، حيث إنّ ما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه، لأنّه نقل الملك، و لا يحصل النقل إلّا بإمضاء الشارع.

بل محطّ الاستدلال هو الخبر المأثور عن الصادق عليه السّلام، و هو أنّه إذا كان وقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم يجوز بيعه مع اتّفاق الكلّ و كونه أصلح.

و التوضيح: أنّ المعلوم المستفاد من الرواية: أنّ الراوي الثقة كتب إلى الإمام: أنّه ورد خبر مأثور عن الصادق عليه السّلام: أنّه يجوز بيع الوقف مع كونه خيرا و اتّفاق الكلّ، و أنّ هذا معلوم لنا ظاهر عندنا، و لكن لا نعلم حكم بيع البعض و الشراء منه إذا لم يجتمع الكلّ، و لا نعلم أنّ الوقف الذي ورد عدم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 316

جواز بيعه أيّ وقف، فقرّره الصاحب على صحّة ما ورد.

و أجاب عن الحكم الأول: بجواز بيع البعض ما يقدر شرعا على بيعه، أي وجد المشتري له و إذا كان أصلح، حيث إنّه ثبت معه جواز البيع بقول الصادق عليه السّلام.

و عن الثاني: بأنّه الوقف على إمام المسلمين، فيدلّ قول الصادق عليه السّلام- الذي رواه الثقة المعتضد بتقرير الإمام الموافق لرواية جعفر بن حنّان- على جواز بيع الوقف إذا كان أصلح، فيجب اتّباعه، و لإطلاقه بالنسبة إلى الاجتماع و الافتراق يحكم بالإطلاق.

و لا يتوهّم دلالة مفهوم الثانية على عدم جواز البيع بدون اجتماع الكلّ.

لما عرفت من أنّه في بيع الكلّ، مع أنّه لو سلّمنا دلالتها على كون بيع مطلق الوقف مقيّدا باجتماع الكلّ، و كان مفهومه عدم الجواز بدونه، و لكن لعموم المفهوم يخصّص بخصوص جواب الإمام- الذي هو الموضع

الثاني من موضعي الاستدلال بالثالثة- بل و كذا لو لا الخصوصيّة أيضا، لكون الثالثة أحدث، فيقدّم على الأقدم، كما هو القاعدة المنصوصة في الترجيح.

و لا يتوهّم أنّ قوله أيضا: «فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه» لا يفيد أزيد من جواز بيع ما يقدر على بيعه، و ما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه، لأنّه نقل الملك و لا ينقل إلّا بإمضاء الشارع، و لا يثبت منه ما يجوز و ما لا يجوز.

لأنّه ثبت ما يجوز بصدره، و هو ما كان البيع فيه أصلح، حيث صرّح فيه بالجواز.

و على هذا، فثبت من هذه الرواية جواز بيع الوقف إذا كان أصلح مع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 317

الاجتماع و الافتراق.

و لا يتوهّم أنّه يخصّص بصورة الاحتياج، لمفهوم رواية ابن حنّان.

لأنّ قيد الاحتياج إنّما هو في كلام السائل دون الإمام، غاية ما في الباب أنّ تصديق الجواز يكون مقيّدا به، حيث إنّ السؤال كان عنه، و لا يعتبر المفهوم في مثل ذلك، إذ اعتباره إنّما هو إذا لم يظهر للتقييد سبب، و اختصاص السؤال هنا سبب ظاهر لاختصاص الجواب.

فالحكم بمضمون الرواية عندنا متعيّن، و هو بيع الوقف مع كون بيعه أصلح مجتمعين أم منفردين حصّته.

نعم، حيث لم يظهر قائل بهذا العموم سوى المفيد «1»، فالحكم بعمومه- كما هو الموضع الرابع من المواضع العشرة المتقدّمة- مشكل مخالف للاحتياط، و لكن لا إشكال في جواز البيع في سائر المواضع ظاهرا، فعليه الفتوى عندنا، بل على الموضع الرابع أيضا مع إشكال.

و لا يضرّ عندنا عدم كون الثالثة في الكتب الأربعة أو صحيحا باصطلاح المتأخّرين، مع أنّ رواية ابن حنّان المذكورة في الكافي و الفقيه و التهذيب

«2» موافقة لذلك في الجملة، صحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و مثله في حكم الصحيح عندهم.

فروع:
[الأول ]

أ: لا يخفى أنّ هذا الحكم مختصّ بالوقف الخاصّ، كما هو مورد الأخبار.

______________________________

(1) المقنعة: 652.

(2) راجع ص: 311 و 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 318

أمّا الثاني فظاهر.

و أمّا الأول فلقوله: و يدفع إلى كلّ إنسان ما وقف له، و يؤكّده وقوع الاختلاف بينهم.

و أمّا الثالث فلعطف قوله: «و أعقابهم»، و يؤكّده ذكر اجتماع الكلّ أيضا.

و من ذلك يحصل ضعف للمعارض أيضا، حيث إنّ أخبار وقوف الأئمّة واردة في الوقف للجهة العامّة، و ينفرد غيرها بالتعارض.

[الثاني ]

ب: ثمَّ المستفاد من الروايتين أنّ المتولّي للبيع هو الموقوف عليه، كما أنّ ظاهر قوله: إذا احتاجوا و لم تكفهم الغلّة، في رواية جعفر، أنّه يصرف الثمن في حوائجه، بل يصرّح به قوله في الرواية الاولى: و يدفع إلى كلّ إنسان منهم، فالقول بهما متعيّن.

و جعل المتولّي الناظر الخاصّ- إن كان- لا وجه له، إذ لم يثبت له إلّا جواز النظر إلى الوقف من حيث هو وقف، فلا يتخطّى عنه إلّا بدليل.

و كذا لا وجه للحكم بأن يشتري بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه إن أمكن مع تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف فالأقرب، مع أنّه لو لا استفادة الصرف إلى الموقوف عليه من الرواية لا يستفاد ذلك الحكم من حجّة أصلا.

و أمّا ما قيل من أنّه لعلّ المستند عدم العلم بجواز التصرّف و استصحاب المنع إلّا في ذلك.

ففيه: أنّ عدم العلم بالمنع من التصرّف كاف في جوازه، و لم يكن منع في التصرّف فيه حتى يستصحب، و المنع عن التصرّف في الوقف غير مفيد، لتغيّر الموضوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 319

[الثالث ]

ج: ما ذكر- كما عرفت- إنّما هو الوقف الخاصّ، و أمّا العامّ فلا يجوز بيعه، إلّا إذا بطل عن الانتفاع به فيما وقف عليه، بحيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه مطلقا مع بقاء عينه، كجذع منكسر و حصر خلق و نحوهما.

أمّا عدم جواز البيع في غير ما استثني فلما مرّ.

و أمّا استثناء ما ذكر فهو المصرّح به في كلام جماعة.

و قد يستند فيه إلى أنّه إحسان محض.

و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1».

و أنّ الأمر بعدم بيعه تضييع للمال و تجويز للعبث، و أنّه تحصيل لغرض الواقف.

و يرد على

الأول: منع كونه إحسانا شرعا بعد أصالة المنع، و منع استلزام نفي السبيل للزوم البيع و صحّته.

و على الثاني: أنّ تضييع المال و تجويز العبث إن كانا محرّمين فيلزمهما وجوب البيع، و لا قائل به، و إلّا فلا يثبتان شيئا.

و على الثالث: أنّ غرضه استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة، و أمّا غير ذلك فلم يظهر كونه غرضا له.

و قد يوجّه بأنّ شاهد الحال يدلّ على رضا الواقف حين الوقف بالبيع مع سلب الانتفاع.

و فيه: أنّه لو سلمنا دلالته على ذلك فنقول: لا يكفي رضاه في ذلك.

و التوضيح: أنّ شاهد الحال إنّما يفيد فيما ثبت به ما علم ترتّب حكم

______________________________

(1) التوبة: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 320

عليه، كما في الإذن في التصرّف في المال، فإنّه علم جواز التصرّف في مال شخص مع إذنه و رضاه، فإذا علم الإذن بشاهد الحال يجوز التصرّف فيه.

بخلاف ما إذا علم به رضاه ببيع ماله بثمن معيّن، فإنّه غير كاف في لزوم البيع، بل يتوقّف على التوكيل أو الإجازة بعد البيع، فلو بعنا متاع الغير- الذي نعلم أنّه يريد بيعه بثمن معيّن بأزيد منه من غير توكيل في البيع- لا يحكم بلزومه من غير إجازة. و ما نحن فيه من هذا القبيل، إذ رضا الواقف ببيع الوقف من غير ذكره و اشتراطه لا يكفي في لزومه، بل في صحّته، مع اقتضاء نفس الوقف عدم الجواز.

فالصواب الاستناد في الاستثناء إلى عدم كونه وقفا، لأنّ الوقف شرعا و عرفا تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، بل لا معنى للوقف على جهة إلّا صرف منفعته فيها، و لا يتحقّق إلّا فيما يمكن فيه تحقّق الوصفين، و لا يتحقّقان فيما لا يمكن الانتفاع

به مع بقاء عينه، فلا يكون وقفا، بل يختصّ بحال الانتفاع.

و أيضا يشترط في الموقوف: إمكان الانتفاع به مع بقاء عينه ابتداء إجماعا، فهذا ممّا لا يمكن وقفه في مدّة انتفاء المنفعة بخصوصها، فكذا في ضمن المدّة الشاملة لها.

و لو نوقش في ذلك و فرّق بين وقف لا منفعة فيه بخصوصه، و ما فيه منفعة في وقت، فنقول: يكفي لنا عدم العلم بكونه وقفا بعد بطلان المنفعة، فإنّ القدر المسلّم هو كون ذلك وقفا خارجا عن ملك الواقف ما دامت فيه منفعة، و أمّا بعده فغير معلوم و لا دليل عليه.

و أمّا استصحاب الوقفيّة فلا حجّية فيه، لمعارضته مع استصحاب عدمها الثابت قبل الوقف، كما بيّنا تحقيقه في كتبنا الأصولية، و بمثله صرح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 321

في المسالك في بيان حكم ما لو وقف على مصلحة فبطل رسمها «1».

و على هذا، فتبقى العين بعد بطلان منفعتها رأسا على ملك مالكها الأول، فإن كان حيّا يجوز له بيعها و صرف ثمنها في حوائجه، و إلّا فتنتقل إلى وارثه حين انتفاء المنفعة، فإن كانوا معلومين لهم بيعها كذلك، و إلّا فيلحقها حكم مجهول المالك.

و يشترط في جواز بيعه كذلك: عدم رجاء عود المنفعة بوجه من الوجوه، فلو علم عود نفعه لا يجوز، إذ لا تشترط- في تسبيل المنفعة- الفعليّة، بل تكفي اللاحقة.

و كذا لو احتمل، لإمكان تسبيل المنفعة المحتملة بمعنى أنّها مسبّلة لو حصلت، و لذا يصحّ وقف الأشجار المثمرة للمارّة في بدو الغرس مع إمكان عدم بقائها إلى زمان حمل الثمر.

و لو توقّف عود منفعته إلى نفقة لا يرجى عودها بدونها لم يجز بيعه، لأنّ الانتفاع به بعد الإنفاق أيضا منفعة فعليّة، فتكون

مسبّلة، فلا يجوز بيع الدار التي كانت وقفا إذا خربت، و القنوة إذا هدمت، و القدر الوقف إذا انكسر، و أمثال ذلك.

و من هذا يظهر أنّ أخبار وقوف الأئمّة المقيّدة بقوله: «لا يباع» [1] و في بعضها: «لا ردّ فيه أبدا حتى يرث اللّه الأرض» [2] لا تنافي جواز البيع فيما ذكرنا، لأنّها فيما لا يمكن فيه بطلان المنفعة بحيث لا يرجى عودها و لو بعد العمارة، مع أنّها واردة في أعيان مخصوصة و وقوف خاصّة، و نحن

______________________________

[1] كما في صحيحة الحذّاء و رواية ربعي المتقدمتين في ص: 308.

[2] كما في صحيحة البجلي المتقدمة في 308.

______________________________

(1) المسالك 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 322

لا ننكر عدم جواز بيع وقف بطلت منفعته رأسا إذا علم تصريح الواقف بذلك في ضمن عقد الوقف، لأنّه على ما ذكرنا يكون ملكا له، فله اشتراط ما يريد فيه من الشروط المجوّزة.

و في حكم بطلان المنفعة رأسا بطلان المنفعة التي سبّلها بخصوصها و إن بقيت في العين منافع اخرى يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، و الوجه ظاهر ممّا مرّ.

و قد يجوز بيع الوقف على مصلحة إذا بطل رسمها، و تحقيقه يطلب من بحث الوقف.

و أمّا الرهن فلا يجوز للمالك بيعه إلّا بإذن المرتهن، و لا للمرتهن إلّا بإذن الراهن، أو الحاكم لو لم يمكن إذن الراهن، أو من باب المقاصّة لو لم يبنه أحدهما، و قال المحقّق الأردبيلي بجواز بيع الراهن مطلقا للاقتضاء «1».

و يجي ء تفصيل الكلام فيه في موضعه.

و أمّا أمّ الولد، فعدم جواز بيعها إجماعي إلّا فيما استثني، و يذكر في مواضعه.

و منها:

القدرة على تسليم كلّ من العوضين بلا خلاف، بل بالإجماع، كما هو المحقّق، و المحكيّ

في الغنية و التذكرة «2»، و هو الحجّة، مضافا إلى أنّه بيع غرر و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر، كما رواه الفريقان «3»، و المراد به: بيع موجب لحصول المال في معرض التلف.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 9: 164.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 585، التذكرة 1: 466.

(3) عوالي اللئالي 2: 248- 17، عيون أخبار الرضا «ع» 2: 45- 168، و قد رواه أحمد في مسنده 2: 144 و 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 323

و ضابط الغرر- كما يستفاد من كلام اللغويين «1» و الفقهاء، و صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد- احتمال. مجتنب عنه عرفا لو تركه بحاله وبّخ عليه و استحقّ اللوم في العرف.

و في صحيحة البجلي: «لا بأس ببيع كلّ متاع كان تجده في الوقت الذي بعته فيه» «2».

قال صاحب الوافي: تجده، أي تقدر عليه «3».

دلالتها و إن كانت بمفهوم الوصف- و هو ليس بحجّة عندنا- إلّا أنّها صالحة للتأييد.

و الاستدلال بما دلّ على النهي عن بيع ما ليس عندك «4» كان حسنا لو لا معارضته مع ما دلّ على جوازه.

فلو باع الحمام الطائر، أو غيره من الطيور المملوكة، لم يصحّ، إلّا أن تقضي العادة بعوده فيصحّ وفاقا لجماعة «5»، لعموم الأدلّة، و انتفاء المانع من الإجماع، للخلاف مع شهرة الجواز، و الغرر، لانتفائه عرفا بتنزيل اعتبار العود فيه منزلة التحقّق.

خلافا للفاضل في النهاية «6»، فاحتمل بطلانه.

و كذا لا يصحّ بيع الآبق إجماعا، و تدلّ عليه صحيحة رفاعة: أ يصلح

______________________________

(1) انظر الصحاح 2: 768، مجمع البحرين 3: 423، لسان العرب 5: 14.

(2) الكافي 5: 200- 4، الوسائل 18: 47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.

(3) الوافي

18: 699.

(4) الوسائل 18: 35 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

(5) منهم المحقق في الشرائع 2: 17 و الكركي في جامع المقاصد 4: 92 و قوّاه الشهيد الثاني في المسالك 1: 174 و الكاشاني في المفاتيح 3: 58.

(6) نهاية الإحكام 2: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 324

لي أن اشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطهم الثمن فأطلبها أنا؟ قال: «لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا، فإنّ ذلك جائز» «1».

و موثّقة سماعة: في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله، قال: «لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئا آخر و يقول: أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» «2».

و صريح الروايتين جواز بيع الآبق مع الضميمة، و هو كذلك، لذلك، و عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و التنقيح «3». فلو وجد الآبق، و إلّا كان الثمن بإزاء الضميمة طرّا، كما يستفاد من الموثّق، و عليه الأصحاب من غير خلاف يعرف.

و يشترط في الضميمة ما يشترط في غيرها من كونها ممّا يصحّ بيعه منفردا بالإجماع، كما يشترط في الآبق أيضا سائر الشرائط غير القدرة على التسليم من كونه معلوما موجودا عند العقد، لعموم الأدلّة، فلو ظهر كونه حين العقد تالفا، أو لغير البائع، أو مخالفا للوصف، بطل البيع فيما يقابله من الثمن في الأول، و تخيّر المشتري في الثانيين إن لم يجز مالكه في الثاني على صحّة الفضولي.

و لا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه، كالبعير الشارد و الفرس الغائر و المملوك

المتعذّر تسليمه بغير الإباق و غيرها، على الأشهر الأقوى،

______________________________

(1) الكافي 5: 194- 9، التهذيب 7: 124- 541، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 1.

(2) الكافي 5: 209- 3، الفقيه 3: 142- 622، التهذيب 7: 124- 540، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 2.

(3) الانتصار: 209، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، التنقيح 2: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 325

اقتصارا فيما خالف أصالة عدم جواز بيع الغرر على المنصوص، فلا يجوز بيعه منفردا و لا منضمّا، إلّا أن تكون الضميمة مقصودة بالذات، كما يأتي.

و هل يجوز بيع غير المقدور على التسليم مطلقا كما قيل؟.

أو خصوص البعير الشارد و الفرس الغائر كما في المسالك «1»؟.

أو الضالّ و المجحود كما في اللمعة «2»، منفردا أو منضمّا مراعى بالتسليم، أي مع شرط الخيار لو لم يقدر على التسليم، أم لا؟.

الظاهر في الآبق هو: الثاني، لعموم الروايتين، فإن ثبت عدم القول بالفصل يثبت الحكم في غيره أيضا، و إلّا- كما هو الواقع- فيصحّ في غيره إذا أمكن القدرة عادة، لعموم الأدلّة، و عدم المانع لانتفاء الغرر حينئذ، و عدم ثبوت الإجماع في غير البيع اللازم.

و هل يلحق ما يتعذّر تسليمه إلّا بعد مدّة معتدّ بها عرفا بالمقدور مطلقا، أم لا؟.

الظاهر: الثاني، لانتفاء المانع من الإجماع، لأنّ المشهور الجواز، و الغرر، لأنّه على ما مرّ كون أحد العوضين في معرض التلف و الخطر، و ليس كذلك هنا، للعلم بالقدرة على التسليم بعد مدّة.

نعم، لو لم يعلم المشتري بالحال كان له الخيار دفعا للضرر.

و على التقديرين، لو لم يتعيّن وقت الإمكان و احتمل طول الزمان بقدر لا يرضى به المشتري لو علمه،

اتّجه الفساد، لصدق الغرر.

و في لحوق ما إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع بغير

______________________________

(1) المسالك 1: 174.

(2) اللمعة (الروضة 3): 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 326

المقدور مطلقا قولان، المصرّح به في كلام بعضهم: الثاني «1»، فيصحّ البيع، و ربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإماميّة «2»، و هو كذلك، لما مرّ من عموم الأدلّة، و انتفاء الموانع من الإجماع أو الغرر.

خلافا للشيخ «3»، بل الشيخين كما في [المختلف ] [1] بل حكاه عن القاضي و الحلبي و الديلمي و ابن حمزة «5»، لإطلاق الروايتين «6».

و فيه نظر، لظهورهما- سيّما الموثّق- في عدم القدرة مطلقا، مع أنّهما مختصّان بالآبق، فالتعدّي غير لائق.

و منها:
اشاره

معلوميّة كلّ من العوضين، فلا يصحّ بيع المجهول و المبهم، و لا بالمجهول و المبهم.

و تحقيق المقام: أنّ جهل أحدهما و إبهامه إمّا يكون بحسب الواقع- بمعنى: أن لا يكون أمرا متعيّنا متميّزا في الواقع أيضا، كأحد الشيئين أو الأشياء- أو يكون بحسب الظاهر فقط، أي يكون مبهما عند أحد المتبايعين أو كليهما.

و على التقديرين: إمّا يكون الجهل و الإبهام في القدر، أو الجنس، أو الوصف.

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: المهذّب، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) كما صرّح به صاحب الحدائق 18: 434.

(2) الانتصار: 209.

(3) الخلاف 3: 168.

(5) حكاه عنهم في المختلف: 379.

(6) الاولى في: الكافي 5: 194- 9، التهذيب 7: 124- 541، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 1.

الثانية في: الكافي 5: 209- 3، الفقيه 3: 142- 622، التهذيب 7:

124- 540، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 327

و على التقادير: إمّا يكون الجهل

موجبا للغرر، أم لا.

فإن كان الجهل موجبا للغرر فبطلان البيع به محلّ الإجماع، و يدلّ عليه ما مرّ من الرواية المتّفق عليها بين الفريقين «1».

و كذا إن كان بحسب الواقع، لأنّ البيع إنّما هو لإثبات ملكيّة المشتري في المبيع و البائع في الثمن، و الملكيّة لكونها صفة وجوديّة معيّنة لا بد لها من موضع معيّن، لامتناع قيام المعيّن بغير المعيّن، و لأنّ غير المعيّن لا وجود له لا خارجا و لا ذهنا و لا واقعيّة له، و قيام الصفة الوجوديّة بمثل ذلك محال.

و إن كان بحسب الظاهر و لم يكن هناك غرر أصلا، فإن كان بحسب الكمّ و القدر و هو موجب لبطلان البيع مطلقا أيضا إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فلا يجوز بيعه إلّا بما يقدّر به، فيشترط كيل المكيل و وزن الموزون و عدّ المعدود، و لو باعه جزافا بطل.

خلافا للمنقول عن المبسوط مطلقا «2»، و عن السيّد في مال السلم خاصّة «3»، و عن الإسكافي «4» فيما إذا كان المبيع صبرة مشاهدة، و كذا الثمن مع اختلافهما جنسا ليسلم عن الربا، و ربّما يظهر التردّد من بعض المتأخّرين «5».

لنا- بعد الإجماع المحقّق و المحكيّ في التذكرة «6» على بطلان ما

______________________________

(1) عوالي اللئالي 2: 248- 17. راجع ص: 322.

(2) نقله عنه في الدروس 3: 195، انظر المبسوط 2: 152.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 217.

(4) حكاه عنه في المختلف: 386.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 176.

(6) التذكرة 1: 467.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 328

يوجب منه الغرر-: ما مرّ.

و على بطلانه مطلقا: رواية محمد بن حمران: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اشترينا طعاما، فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه و أخذناه

بكيله، فقال: «لا بأس»، فقلت: أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ فقال: «لا، أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله» «1».

و تخصيص السؤال ببيعه كما اشتراه- فيمكن أن يكون المراد بالوزن الذي اشتراه، فيخرج عن محلّ الكلام، لأنّه إنّما هو في البيع جزافا- لا يضرّ، لأنّ العبرة بعموم قوله: «فلا تبعه حتى تكيله».

و ما رواه الفاضل في التذكرة: من أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الطعام مجازفة «2».

و في السرائر: روي النهي عن الجزاف «3»، من غير تقييد بالطعام.

و في مجمع البحرين قوله عليه السّلام: «لا تشتر لي شيئا من مجازف» «4».

و ضعفها سندا- كاختصاص بعضها بالطعام- غير ضائر، لانجبار الأول بالشهرة العظيمة، بل الإجماع، و الثاني بالإجماع المركّب.

و صحيحة الحلبي: في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، ثمَّ إنّ صاحبه قال للمشتري: ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال: «لا يصلح إلّا أن يكيل»، و قال:

______________________________

(1) التهذيب 7: 37- 157، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.

(2) التذكرة 1: 469.

(3) السرائر 2: 322.

(4) مجمع البحرين 5: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 329

«ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة، هذا ممّا يكره من بيع الطعام» «1».

و الإيراد- بعدم ظهور نفي الصلاح في الفساد- باطل، لأنّ نفي الصلاح: الفساد، صرّح به اللغويون، و بيّنّاه مستوفى في كتاب العوائد.

نعم، لا يتمّ الاستدلال بجزئها الأخير، و هو قوله: «ما كان من طعام» إلى آخره، لجواز أن يراد ممّا سمّي فيه الكيل ما بيع بوزن معيّن.

و قد يستدلّ أيضا بمرسلة ابن بكير:

عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه و يأخذ البقيّة بغير كيل، فقال: إمّا أن تأخذه كلّه بتصديقه، و إمّا أن تكيله كلّه» «2».

و موثّقة سماعة: عن شراء الطعام ممّا يكال أو يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن؟ فقال: «أما إن تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن فتشتري منه مرابحة فلا بأس إن أنت اشتريته و لم تكله أو تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن فقلت عند البيع: إنّي أربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس به» «3»، دلّت بالمفهوم على البأس- الظاهر في التحريم- فيما إذا لم يكله المشتري الأول و لم يزنه.

و بالأخبار الناهية عن صاع غير صاع المصر «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 179- 4، الفقيه 3: 131- 570، التهذيب 7: 36- 148، الوسائل 17: 342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 5: 195- 13، التهذيب 7: 125- 545، الوسائل 17: 344 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 3.

(3) الكافي 5: 178- 1، التهذيب 7: 37- 158، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 7، بتفاوت يسير.

(4) الوسائل 17: 347 أبواب عقد البيع و شروطه ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 330

و بما ورد من الأمر بكيل الطعام، معلّلا بأنّه أعظم للبركة «1».

و في الكلّ نظر:

أمّا في الأول، فلكونه إخبارا في مقام الإنشاء، و دلالته على الوجوب غير ظاهرة.

و أمّا في الثاني، فلأنّ مفهومه إثبات البأس مع عدم كيل المشتري الأول إذا اشتراه الثاني مرابحة، و لا يدلّ على منع بيع التولية، فلا يثبت اشتراط الكيل و

الوزن مطلقا، بل ذلك حكم مخصوص ببيع ما اشترى مرابحة، كما فصّل في الأخبار المتكثّرة «2»، فحرّم في المرابحة و جوّز في التولية.

و بذلك يظهر النظر في الاستدلال بالأخبار الدالّة على المنع عن بيع ما لم يقبض قبل الكيل و الوزن «3».

و أمّا في الثالث، فلعدم الملازمة بين عدم جواز البيع بصاع غير صاع المصر و بين عدم جواز البيع بغير صاع مطلقا.

و أمّا في الرابع، فلعدم دلالته على رجحان الكيل حين البيع، بل يستفاد منه أنّ كيل الطعام موجب للبركة، و ظاهره- كما في بعض رواياته «4»- أنّه عند أخذه للحاجة يرجّح كيله.

و بما ذكر و إن ظهر قصور تلك الأدلّة عن صلاحيّة الاحتجاج، و لكن لا ريب في كونها مؤيّدة لما ذكرناه حجة جدّا.

______________________________

(1) الكافي 5: 160- 5، الفقيه 3: 123- 536، التهذيب 7: 110- 475، الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1.

(2) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(3) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(4) الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 331

ثمَّ إنّ أكثر ما ذكر و إن كان واردا في الكيل و الوزن و في المبيع، إلّا أنّه يثبت الحكم في المعدود و الثمن أيضا بالإجماع المركّب.

و قد صرّح جماعة بعدم الفصل بين المكيل و الموزون و بين المعدود «1»، كما صرّح الفاضل في التذكرة بعدم الفرق في فساد البيع بالجزاف بين الثمن و المثمن عندنا «2»، مع أنّ روايات التذكرة و السرائر و المجمع «3» شاملة للجزاف في المعدود و الثمن أيضا.

مضافا في الأول إلى ظاهر التقرير في صحيحة الحلبي: عن الجوز

لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثمَّ يعدّ ما فيه، ثمَّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد، فقال: «لا بأس به» [1].

و في الثاني إلى العلّة المنصوصة في رواية حمّاد بن ميسر، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام: «أنّه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم، لأنّه لا يدري كم الدرهم من الدينار» «5».

و أمّا صحيحة رفاعة: ساومت رجلا بجارية، فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك، ثمَّ بعثت إليه بألف درهم، فقلت: هذه الألف درهم حكمي عليك، فأبى أن يقبلها منّي، و قد كنت مسستها قبل أن أبعث

______________________________

[1] الكافي 5: 193- 3، الفقيه 3: 140- 617، التهذيب 7: 122- 533 و فيه:

عن الحلبي، عن هشام بن سالم و علي بن النعمان، عن ابن مسكان جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، الوسائل 17: 348 أبواب عقد البيع و شروطه ب 7 ح 1.

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 175، الكاشاني في المفاتيح 3: 53، صاحب الرياض 1: 514.

(2) التذكرة 1: 469.

(3) المتقدمة في ص: 328.

(5) التهذيب 7: 116- 504، الوسائل 18: 81 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 4، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 332

عليه بالألف درهم، قال: فقال: «أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه ما نقص من القيمة، و إن كانت قيمتها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له»، قال: فقلت: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها؟ قال: «ليس لك أن تردّها، و لك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة و العيب» «1».

فهي غير ناهضة، لضعفها بمخالفتها لعمل الأصحاب- حيث تضمّنت البيع بحكم المشتري- بل الإجماع كما

في المختلف و التذكرة «2»، مع ما فيها من ضعف الدلالة.

و إن كان الجهل بغير ما ذكر، فليس البيع باطلا لأجله، للأصل.

سواء كان في القدر إذا كان يقدّر بالمساحة، أو في الجنس، أو الوصف.

و سواء كان الجهل في الجنس باعتبار عدم معرفة أحد المتبايعين [1] بالجنس مع كونه مشاهدا حاضرا وقت البيع، كأن يكون هناك جنس حاضر و لم يعرفه المشتري- أو مع البائع- أنّه الإهليلج [2] أو الأملج [3]، و كانت قيمتهما متساوية، و كان المشتري طالبا لهما، فيصحّ له أن يشتري هذا الجنس الموجود.

______________________________

[1] في «ق»: المتساومين.

[2] الإهليلج: ثمر منه أصفر و منه أسود و منه كابلي، له نفع، و يحفظ العقل- القاموس المحيط 1: 220.

[3] الأملج: نوع من الأدوية يتداوى به- مجمع البحرين 2: 330.

______________________________

(1) الكافي 5: 209- 4، الفقيه 3: 145- 640، التهذيب 7: 69- 297، الوسائل 17: 364 أبواب عقد البيع و شروطه ب 18 ح 1 بتفاوت.

(2) المختلف: 385، التذكرة 1: 469.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 333

أو كان مشاهدا قبل البيع مع معرفته، كأن يكون هناك إهليلج و أملج، و رآهما المشتري قبل وقت المبايعة، فسرق أحدهما و لم يعلم بالتعيين، فيجوز شراء الباقي إذا تساويا قيمة و وزنا.

أو لم يكن مشاهدا أصلا، بل كان مذكورا بالوصف، كما إذا كان لأحد إهليلج و أملج، و وصفه لغيره بما ينتفي به الغرر، و سرق أحدهما و لم يعلم بعينه، فيصحّ شراء الباقي أيضا مع تساوي الوزن و القيمة.

و لو اختلفا وزنا و تساويا قيمة- كأن يكون أحدهما رطلا و الآخر رطلين، و ساوى قيمة رطل من ذلك قيمة رطلين من هذا- لم يصحّ البيع، للجهل بوزن المبيع.

و قد

تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الجهل الداخل في البيع إنّما يفسده إذا كان بأحد الوجوه الثلاثة:

الأول: أن يكون موجبا للغرر.

الثاني: أن يكون بحسب الواقع.

الثالث: أن يكون في القدر إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا.

و أمّا ما سوى ذلك من أقسام الجهل المذكورة فلا دليل على كونه مبطلا.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا هو الأصل الكلّي و القاعدة الكلّيّة، و قد يستفاد من الأخبار في الموارد الجزئيّة حكم آخر من الصحّة أو الفساد، فيجب اتّباعه، كما ورد في بعض الموارد: البيع مع الضميمة، مع كونه غررا، و هكذا.

فروع:
[الأول ]

أ: لا يكفي في الكيل و الوزن المكيال الغير المتعارف و الصنجة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 334

المجهول قدرها، سواء كان مشاهدا حاضرا- كهذه القصعة و هذه الصنجة- أو لا، كخمس قصعات، أو ما يساوي خمس صنجات، لعدم صدق الكيل و الوزن معه عرفا، و لصحيحة الحلبي «1» و روايته «2» المصرّحتين بعدم صلاحيّة البيع بغير صاع المصر، و في الأخيرة نفي الحلّيّة، و المستفاد منهما اشتراط اشتهار المكيال- كما هو المشهور- فلا يكفي الكيل النادر.

و الظاهر أنّ المراد: اشتراط اشتهاره و عدم حلّيّة غيره إذا أطلق، فلا يجوز قصد غيره من أحدهما، أو الإعطاء بغيره مع إطلاق الكيل، فإذا باع عشرة أكيال- مثلا- لا يجوز قصد غير الكيل المشهور من أحدهما أو إعطائه، و إلّا فالظاهر عدم الإشكال في جواز البيع بما يكال به في بعض الأمصار و لو نادرا مع التعيّن عند المتبايعين.

[الثاني ]

ب: الظاهر عدم الخلاف في جواز الاعتماد في الكيل و الوزن على قول البائع، و النصوص به مستفيضة «3»، و لكن يجب التقييد بكونه مؤتمنا مصدّقا، فلو لا كذلك لم يجز، كما هو المفهوم من الروايات «4».

[الثالث ]

ج: المحكيّ عن الأصحاب- على ما قيل «5»- اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع و لو لم يبع الآن كذلك. قيل: و إثباته من النصّ مشكل «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 184- 1، الفقيه 3: 130- 565، التهذيب 7: 40- 169، الوسائل 17: 377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 1.

(2) الكافي 5: 184- 2، التهذيب 7: 40- 170، الوسائل 17: 377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 2.

(3) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(4) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(5) انظر الرياض 1: 515.

(6) انظر الرياض 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 335

أقول: لا شكّ في أنّ ما يباع الآن كيلا أو وزنا يعدّ بيعه بدونهما جزافا عرفا، و قد ثبت نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه «1»، فيجب اعتباره فيه البتّة.

إنّما الإشكال فيما يباع كذلك في زمانه و لم يكن كذلك الآن، و الأمر فيه هيّن، لأنّ ما علم فيه ذلك في زمانه- مثل: الطعام و الزيت و الجصّ و أمثالهما- يباع الآن كذلك أيضا و إن غيّر الكيل بالوزن في بعضها و العكس في آخر، و لا بأس به بناء على ما يأتي من جواز التبديل مطلقا.

[الرابع ]

د: لبيع بعض الشي ء صور، لأنّ ذلك الشي ء إمّا متساوي الأجزاء، أو مختلفها.

و على التقديرين: إمّا معلوم بما يعتبر في صحّة بيعه، أو لا.

و على التقادير: إمّا يكون المبيع جزءا معلوما بالنسبة، كنصفه أو ثلثه مشاعا.

أو يكون جزءا مقدّرا منه غير معيّن، كذراع من ثوب، أو قفيز [1] من صبرة.

أو يكون جزءا مقدّرا من أجزائه المعيّنة المقدّرة

معيّنا، كهذه الذراع منه، أو هذا القفيز.

أو غير معيّن، كذراع واحدة لا على التعيين من هذه الذراع المعيّنة من هذا الثوب بعد تقسيمه إلى أذرع، أو صاع واحد من هذه الصيعان المعيّنة من الصبرة بعد تفريق الصيعان، و مرجعه إلى واحد مخصوص لا على التعيين من هذه الوحدات المخصوصة.

______________________________

[1] القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، و هو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك.

و المكوك: المدّ، و قيل: الصاع- مجمع البحرين 4: 31 و ج 5: 289.

______________________________

(1) التذكرة 1: 469.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 336

فهذه ست عشرة صورة:

الاولى و الثانية: أن يباع الجزء المشاع بالنسبة من الشي ء المعلوم، سواء كان متساوي الأجزاء أو مختلفها، و هو صحيح، لعدم المانع.

الثالثة و الرابعة: أن يباع ذلك من الشي ء المجهول قدرا، و هو لا يصحّ، سواء تساوت أجزاء ذلك الشي ء أو اختلفت، لسريان جهل الكلّ في الجزء، و المفروض إيجابه لبطلان بيع الكلّ، فكذا الجزء.

و قال المحقّق الشيخ علي في حاشية الإرشاد بصحّته من المجهول إذا لم يكن مكيلا أو ما في حكمه. و لعلّه حمل الجهل على الجهل بالقدر، مع أنّ المراد الجهل الموجب لبطلان بيع الكلّ كيفما كان، و لا ريب أن معه يبطل بيع الجزء منه أيضا.

الخامسة و السادسة: أن يباع جزء مقدّر غير معيّن من متساوي الأجزاء معلوم أو مجهول علم اشتماله عليه، و هو يصحّ، لأنّه بيع شي ء معيّن، و هو الكلّي، فيتخيّر في التسليم، و لا مانع من الصحّة، و تدلّ عليه أيضا صحيحة [بريد بن معاوية] [1] الآتية «2».

السابعة و الثامنة: أن يباع ذلك من مختلف الأجزاء، و هو باطل، لاستلزامه الغرر، لأنّ التخيير في بيع الكلّي إن كان للبائع فالغرر على

المشتري، إذ لعلّ البائع يسلّم الردي ء. و إن كان للمشتري فعلى البائع، لمثل ذلك.

و القول بالصحّة- إذا لوحظ الجميع و حصل الرضا بأيّ جزء كان لانتفاء الغرر- غفلة عن معنى الغرر، و موجب للصحّة في كلّ ما يوجب

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: معاوية بن وهب، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(2) في ص: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 337

الغرر إذا تحقّقت الملاحظة و الرضا.

نعم، لو قدّر الجزء و قصد مع ذلك الإشاعة فلا شكّ في صحّته من المعلوم، و أمّا من المجهول فالظاهر من كلام جماعة- كالفاضل في القواعد و التذكرة و المحقّق الشيخ علي و المسالك «1»- البطلان.

و وجهه: أنّ الجزء المقدّر- كالقفيز و الذراع- حقيقة إمّا في الكلّي أو المعيّن باعتبار كون الكلّي في ضمنه، و لا يتحقّق شي ء منهما مع الإشاعة، أمّا المعيّن فظاهر، و أمّا الكلّي فلأنّ مقتضاه التخيير و عدم تلف شي ء من المشتري لو تلف بعض المبيع، و ليست الإشاعة كذلك، فيكون المراد معناه المجازي، و هو ما تكون نسبته إلى الكلّ كنسبة القفيز أو الذراع إليه، و هذا مجهول، فيلزم منه الغرر.

و ربّما يشعر كلام بعض المتأخّرين بالصحّة «2». و لعلّ وجهه: أنّ ذلك و إن كان مجهولا من حيث النسبة- أي لا يعلم أنّه النصف أو الثلث أو غيرهما- و لكن بعد تقديره بما قدّر لا يستلزم غررا عرفا، و لا دليل على اشتراط العلم بخصوص النسبة إذا لم يستلزم الجهل بالقدر. و هو قويّ جدّا.

و ما ذكر من حكم قصد الإشاعة في المقدّر جار في متساوي الأجزاء أيضا.

و أمّا الثمانية الباقية فيصحّ البيع في الأربعة الأولى منها بلا خلاف، كما لا يصحّ في الأربعة الأخيرة منها

كذلك.

[الخامس ]

ه: إذا كانت الصبرة معلومة يجوز بيعها بأجمعها كلّ قفيز منها

______________________________

(1) القواعد 1: 127، التذكرة 1: 467، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 4:

105، المسالك 1: 186.

(2) انظر المختلف: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 338

بكذا، لعدم المانع.

و لا يجوز بيع كلّ قفيز منها بكذا، للجهل الواقعي بالمبيع.

و أمّا مع الجهل فلا يصحّ شي ء منهما عند الأكثر.

و حكي عن الشيخ الحكم بالصحّة في الأول مطلقا و إن كان مجهولا «1»، و هو الأظهر، لعدم المانع من الجهل الواقعي أو الغرر.

[السادس ]

و: و لو باع الجزء المقدّر- كقفيز من الصبرة أو ذراع من الثوب- و أطلق، فهل ينزّل على الإشاعة، أو في الجملة؟

و تظهر الفائدة فيما لو تلف بعض الكلّ، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، و على الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

لا شكّ أنّ مقتضى حقيقة اللفظ: الثاني، على ما مرّ.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة [بريد بن معاوية] [1]: رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ [2] [قصب ] في أنبار بعضه على بعض من أجمة [3] واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم و وكّل المشتري من يقبضه، فأصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف طنّ، فقال: «عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع» «5».

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: معاوية بن وهب، و الصحيح ما أثبتناه.

[2] الطنّ: حزمة من حطب أو قصب- مجمع البحرين 6: 278.

[3] الأجمة: الشجر الملتف- مجمع البحرين 6: 6.

______________________________

(1) المبسوط 2:

119.

(5) التهذيب 7: 126- 549، الوسائل 17: 365 أبواب عقد البيع و شروطه ب 19 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 339

و الظاهر من جمع من الأصحاب اختصاص ذلك بمتساوي الأجزاء «1»، كما هو مورد الصحيح.

و أمّا في مختلفها فيرجّحون الإشاعة مع دعوى قصدها إذا كان الكلّ معلوما، ترجيحا لجانب الصحّة، و هو حسن لو ثبت عموم حمل أفعال المسلمين على الصحّة، بحيث يجري في المورد و لم تعارضه أصالة الحقيقة.

و أمّا مع عدم العلم بالكلّ، فلو قلنا بصحّة الإشاعة- كما ذكرناه- فيكون كالعلم، و لو قلنا بعدمها- كما هو المشهور ظاهرا- فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن المعارض و يبطل البيع.

و على هذا، فالفائدة التي ذكروها في متساوي الأجزاء مختصّة بصورة العلم بالكلّ، و أمّا مع الجهل فالفائدة صحّة البيع و بطلانه.

[السابع ]

ز: يجوز أن يعتبر المعدود بمكيال و يعدّ ما فيه، ثمَّ يؤخذ بحسابه، و كذا الموزون، للأصل، حيث إنّ دليل المنع غير جار ها هنا، لانتفاء الغرر و المجازفة المنهي عنهما عرفا- مع أنّ عدم العلم بثبوتهما كاف، و هو ممّا لا شكّ فيه- و لاختصاص عدم القول بالفصل بينهما و بين المكيل بغير ذلك.

و تدلّ على الأول صحيحة الحلبي الواردة في الجوز «2»، المتقدّمة، و تقيّدها بعدم الاستطاعة إنّما هو في كلام الراوي فلا يضرّ، و تقرير المعصوم لو أفاد لا يفيد أزيد من رجحان العدّ مع الاستطاعة، و هو غير بعيد، لكونه أضبط.

______________________________

(1) منهم صاحبي الحدائق 18: 478 و الرياض 1: 515.

(2) الكافي 5: 193- 3، الفقيه 3: 140- 617، التهذيب 7: 122- 533، الوسائل 17: 348 أبواب عقد البيع و شروطه ب

7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 340

فالجواز مطلقا هو الأقوى، كما عليه الشهيد الثاني «1» و المحقّق الأردبيلي، لا مع التعذّر كالمحقّق و العلّامة «2»، بل كثير من الأصحاب كما في الروضة «3»، و لا مع التعسّر كبعضهم «4».

و تدلّ على الثاني أيضا رواية عبد الملك بن عمرو: فيمن اشترى مائة راوية من زيت، فاعترض راوية أو اثنتين و وزنهما، ثمَّ أخذ سائره على قدر ذلك، قال: «لا بأس» «5».

و تعسّر وزن مائة راوية غير معلوم، كتخصيص الصور المتعارفة من العدول من العدّ و الوزن إلى الاعتبار بالمكيال الواحد بما إذا تعذّرا أو تعسّرا، إلّا أنّ مورد الرواية وزن راوية واحدة و أخذ البواقي بهذا القدر، و هو غير ما نحن فيه، لأنّه ما إذا وزن ما في راوية واحدة و أخذ البواقي بهذه الراوية على ذلك الوزن.

و يمكن أن يقال: إنّه إذا اغتفر التفاوت المحتمل مع اختلاف الروايات فيكون مغتفرا في الراوية الواحدة بالطريق الأولى، لأنّ الجهل في الأول باعتبارين، و في الثاني باعتبار واحد مندرج في الأول.

و أمّا جواز وزن المكيل فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، لمكان أضبطيّته، فالنهي عن البيع قبل الكيل في رواية ابن حمران «6» المتقدّمة

______________________________

(1) الشهيد الثاني في الروضة 3: 262.

(2) المحقق في الشرائع 2: 18، العلامة في التذكرة 1: 469.

(3) الروضة 3: 266.

(4) كصاحبي الحدائق 18: 474 و الرياض 1: 515.

(5) الكافي 5: 194- 7، الفقيه 3: 142- 625، التهذيب 7: 122- 534، الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) التهذيب 7: 37- 157، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 341

مخصوص بما إذا لم يوزن أيضا، فالتبديل في الثلاثة جائز.

و أمّا صحيحة الحلبي- المتقدّمة «1» في العدل يؤخذ بمثل ما في العدل الآخر- فهي غير منافية لما ذكرنا، لعدم صراحتها في النهي، و عدم كونها من قبيل ما نحن فيه لمثل ما مرّ، فإنّ كلامنا في كيل الموزون أو وزن المكيل، و هي صريحة في الأخذ بغير كيل و وزن، فهي من قبيل أخذ روايا الزيت المتقدّمة، و الأولويّة المذكورة فيها غير جارية هنا كما لا يخفى.

نعم، يحصل حينئذ بين هذه الصحيحة و رواية الزيت نوع تعارض لو كانت الصحيحة صريحة في النهي، و لكن عرفت أنّها ليست كذلك، مع أنّ تعارضها لنا غير ضائر، لأنّ عدم الدليل على المنع كاف في التجويز.

[الثامن ]

ح: قالوا: لا يشترط العلم بالذراع فيما يذرع- كالكرباس [1] و نحوه- و بالمساحة فيما يمسح، بل تكفي المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.

و في التذكرة: أنّه إجماعيّ «3»، و هو كذلك، للأصل، و عموم الأدلّة إلّا إذا توقّف ارتفاع الغرر به، فيجب.

و لا يبعد حمل إيجاب الخلاف «4» المساحة في بيعهما على صورة الغرر، جمعا بين الفتاوى، كما لا يبعد تنزيل كلمة الأصحاب المطلقة في جواز بيعهما من دون مساحة على صورة عدمه.

ثمَّ المشاهدة لا بدّ أن تكون بحيث ينتفي معها الغرر، فهي تختلف

______________________________

[1] الكرباس: القطن- مجمع البحرين 4: 100.

______________________________

(1) في ص: 328.

(3) التذكرة 1: 470.

(4) انظر الخلاف 3: 198، و حكاه عنه في الدروس 3: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 342

باختلاف المبيع، فقد يحتاج الثوب إلى النشر و ملاحظة المجموع، و قد يكتفي بتقليبه على وجه يوجب معرفته المطلوبة.

[التاسع ]

ط: قد أشرنا فيما تقدّم إلى اشتراط معرفة الأوصاف في العوضين إذا أوجب الجهل بها الغرر، بأن تختلف القيمة بوجود الوصف و عدمه.

و يكون الوصف في كلّ شي ء بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة، بحيث تكون المعاملة بدون معرفته فيه غررا و مجازفة، ففي الفرس بنحو الصغر و الكبر دون مقدار اللحم، و في الثوب أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها القيمة، و هكذا.

و لو كان الوصف ممّا تتفاوت بتفاوته الأغراض دون القيمة، فهل تجب معرفته، أم لا؟

الظاهر: الثاني، للأصل.

نعم، لو كان ذلك المبيع بحيث لم يكن له طالب شراء، فلو انتفى فيه الوصف المقصود للمبتاع بقي عنده بلا فائدة، فالظاهر اشتراط التعيين، لتحقّق الغرر عرفا حينئذ.

[العاشر]

ي: معرفة الوصف اللازمة في البيع إمّا تكون بالمشاهدة و الحسّ، أو بالوصف الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما.

و المشاهدة السابقة كافية في الصحّة إذا لم يحتمل التغيّر عادة احتمالا ملتفتا إليه في العرف، إلّا إذا مضت مدّة يتغيّر فيها عادة.

و [لا] [1] يبنى على الاستصحاب مع الاحتمال، لتحقّق الغرر بالاحتمال العادي.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 343

و الاستصحاب الشرعي لا يكفي في دفع الغرر العرفي، لأنّه يتحقّق مع احتمال تغيّر الوصف واقعا في العرف احتمالا لا يتسامح فيه أهل العرف، و الاستصحاب لا يجدي في دفع ذلك الاحتمال.

و الحاصل: أنّ الغرر هو احتمال عادي أو واقعي مجتنب عنه عرفا، و النهي متعلّق بذلك، و الاستصحاب يدفع الاحتمال شرعا لا عادة و واقعا، و لذا لو نذر أحد أن يجتنب عمّا احتمل عنده ملاقاته للبول لا يجوز له ملاقاة ما يحتمله بدفع الاحتمال بالأصل، و لو نذر أن يجتنب عمّا أخبر زيد

بنجاسته لا يجوز له ملاقاته لاستصحاب عدم نجاسته و عدم حجّية خبر زيد.

[الحادي عشر]

يا: إذا اكتفى بالمشاهدة السابقة فيما يجوز له الاكتفاء به فظهر الخلاف بما يوجب اختلاف الثمن نقصا أو زيادة بما لا يتسامح به عادة، فالمصرّح به في كلام الأكثر ثبوت الخيار للمشتري مع النقص في المثمن و للبائع منع الزيادة، و في الثمن بالعكس «1».

و استشكل المحقّق الأردبيلي في جميع ذلك بأنّ مقتضى القاعدة البطلان، فإنّ العقد إنّما وقع على الموصوف، و غير الموصوف لم يقع عليه العقد، فيكون باطلا «2».

و قد مرّ في بيع المملوك و غيره ما يدفع به ذلك، إلّا أنّ الكلام في دليل الخيار، قيل: و لعلّه ما يدلّ على خيار العيب و لزوم الضرر «3».

أقول: الأول إنّما يتمّ لو كان مطلق انتفاء الوصف عيبا، أو كان

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 267 و صاحب الحدائق 18: 478.

(2) مجمع الفائدة 8: 183.

(3) انظر الحدائق 18: 482.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 344

الوصف ممّا يكون انتفاؤه عيبا، و سيجي ء تحقيقه في بحث عيوب المبيع.

و أمّا الثاني، فهو حسن فيما يوجب لزوم البيع الضرر، و قد لا يكون كذلك، كما إذا تغيّر بنقص وصف و زيادة آخر، فالمتّجه الحكم بالخيار فيما تضمّن الضرر عرفا لا مطلقا، مع أنّ جبر الضرر لا ينحصر بالخيار، بل جبره بنقص ما يقابل الوصف ممكن، و الإجماع على انتفائه غير ثابت، فتعيين الخيار لأجله غير معلوم.

[الثاني عشر]

يب: لو اختلفا في التغيّر و عدمه فالمشهور- على ما قيل «1»- تقديم قول المشتري مع يمينه، فكونه منكرا في المعنى و إن كان مدّعيا في الصورة لأصالة عدم وصول حقّه إليه، و عدم انتقال الثمن منه، و عدم رضاه بالوصف الموجود، و عدم اطّلاعه عليه، و البائع يدّعي الجميع.

و

تردّد فيه المحقّق، لأصالة لزوم العقد، و عدم التغيّر «2».

و ردّ الأول: بمنع أصالة اللزوم، و إنّما هي إذا ثبت لزوم و شكّ في كون شي ء موجبا لتزلزله، و أمّا إذا ثبت كون بيع لازما و كون بيع متزلزلا، و شكّ في أنّ الواقع هل هو من أفراد اللازم أو المتزلزل، فليس أحدهما موافقا للأصل، و هذا البيع من ثبوت التغيّر متزلزل و مع عدمه مستقر، فالشك هنا بين كون الواقع من أيّ القسمين لا في كون عدم العلم موجبا للتزلزل أم لا، و الأحكام تابعة للأسماء، و الألفاظ أسامي للأمور النفس الأمريّة، فلا بدّ من بذل الجهد في تحصيل ما هو الواقع، فلمّا لم يثبت و كان اللزوم مخالفا للأصول المتقدّمة فيعمل بالأصل، و هو مع المشتري، كما أنّه مع البائع لو انعكست الدعوى و ادّعى البائع التغيّر الموجب للزيادة.

______________________________

(1) انظر الحدائق 18: 482.

(2) الشرائع 2: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 345

و ردّ الثاني: بأنّ أصالة عدم التغيّر تنفع لو ثبت أنّ البيع الواقع من أفراد اللازم، فهذا الأصل يستصحب لزومه، و أمّا مع الشكّ في كونه لازما فأصالة عدم التغيّر لا تنفع في جعله لازما، فتكون خالية عن الفائدة.

و يرد على الردّ الأول: أنّ الألفاظ و إن كانت أسامي للواقع و لكنّها مقيّدة بالعلم أو ما يقوم مقامه في الأحكام التكليفية، و لا شكّ أنّ لزوم البيع هو وجوب العمل بمقتضاه، كما أنّ تزلزله عدم وجوبه، فيكون معنى قوله:

كلّ بيع لازم: أنّ كلّما علمتم كونه بيعا فاعملوا فيه بمقتضى اللزوم، و معنى قوله: كلّ بيع وقع على المتغيّر فهو متزلزل: أنّ كلّما علمتم تغيّره فاحكموا بتزلزله. و لا شكّ أنّ عموم

الأول يشمل ما علم تغيّره، و ما علم عدم تغيّره، و ما لم يعلم فيه شي ء منهما، خرج ما علم تغيّره بالثاني، فيبقى الباقي على اللزوم بعموم أدلّته.

و لو سلّم عدم أصالة اللزوم و الشكّ في كونه من أفراد اللازم أو المتزلزل و لزم بذل الجهد في تحصيل الواقع من أدلّته، فنقول: من الأدلّة:

أصالة عدم التغيّر، و هي معيّنة للفرد اللازم، فيجب القول به.

إلّا أنّ في صحة أصالة عدم التغيّر مطلقا كلاما، و هو أنّ المتبايعين إمّا متّفقان في حصول التغيّر و لكنّ البائع يدّعي حصوله وقت المشاهدة و المشتري يدّعي تأخّره، كما إذا رأى عبدا سابقا ثمَّ اشتراه، و كان في وجهه آثار الجدري، و ادّعى المشتري عدمها عند المشاهدة.

أو غير متّفقين، بل يدّعي المشتري التغيّر، و البائع ينكره و يقول: إنّه كان كذا عند وجوده في الخارج، و هذا أيضا على قسمين:

لأنّ التغيّر المدّعى إمّا أمر زائد على قول البائع، بمعنى: أنّ المشتري يدّعي وصفا زائدا على ما يقبله البائع، كما إذا اشترى فرسا بعد مشاهدته

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 346

سابقا، و ادّعى أنّه كان حين المشاهدة سريعا في مشيه و عدوه، و تغيّر عدوه و لا يعدو حينئذ، و قال البائع: لم يكن كذلك، بل كان سريعا في مشيه فقط.

أو ليس بأمر زائد عليه، بل القولان أمران متقابلان، كأن يدّعي المشتري: أنّ العبد المبتاع كان قبل المشاهدة حسن الوجه و صار قبيحا، و قال البائع: بل تولّد قبيحا.

فإن اتّفقا في التغيّر فالأصل مع المشتري، لأصالة تأخّر الحادث.

و إن اختلفا في أصل التغيّر، فإن كان من القسم الأول فالأصل مع البائع، لأصالة عدم الزائد. و قد يمكن أن يكون الأصل في

هذا القسم مع المشتري، بأن يكون الأمر الزائد موجبا لنقص في الثمن- كأن تكون في العبد المبتاع سلعة [1]، ادّعى المشتري حدوثها بعد المشاهدة، و البائع كونها معه من بدو الوجود- فالأصل مع المشتري، لأصالة عدمها.

و إن كان من القسم الثاني، فنسبة الأصل إليهما على السواء، بل يتعارض فيه الأصلان و لا مرجّح.

و على هذا، فالعمل بأصالة عدم التغيّر مطلقا غير صحيح، بل يكون الأصل في بعض الصور مع المشتري، و لكون الأصل دليلا شرعيّا يحكم لأجله بالتغيّر، فيكون كالمعلوم و يخرج البيع عن اللزوم، و في بعض آخر مع البائع، و هو يكون معاضدا لأصالة لزوم البيع، و لا يكون مع واحد منهما في بعض آخر فيعمل بمقتضى أصالة اللزوم.

و هذا هو الكلام في أصالة لزوم البيع و عدم التغير.

______________________________

[1] السلعة- بكسر السين-: زيادة في الجسد، كالغدّة، و تتحرك إذا حرّكت- مجمع البحرين 4: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 347

و أمّا الأصول الأربعة السابقة «1» فالأولان منهما مرتفعان بلزوم البيع [1] في كلّ صورة كان فيها الأصل لزومه.

أمّا الثاني، فظاهر.

و أمّا الأول، فلثبوت كون هذا الموجود حقّا له بلزوم البيع و أصالة عدم حقّ آخر له.

و الثالث معارض بمثله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    347     الثالث عشر ..... ص : 347

أمّا الأخير، فإن لم يشترط صحّة البيع على الاطلاع به أو بمقابلة فتغيّره غير مضرّ، و إن اشترط فتعارض أصالة عدم الاطلاع به عدم الاطلاع بمقابله، و تبقى أصالة لزوم البيع بلا معارض.

هذا، و قد يتفاوت بعض تلك الأصول إذا كان البائع مدّعي التغيّر أو المشتري في الثمن، و بعد الإحاطة بما ذكرنا يعلم الحال في الجميع.

ثمَّ لا يخفى

أنّ ما ذكر كلّه إنّما هو إذا لم يتحقّق العلم العادي بالتغيّر أو عدمه، و إلّا فالعمل على المعلوم، و لا أثر للأصول المعارضة له.

[الثالث عشر]

يج: إذا اتّفقا على التغيّر بعد المشاهدة، و اختلفا في تقدّمه على البيع و تأخّره، فالحقّ: تقديم مدّعي التأخّر، لأصالة تأخّر الحادث، إلّا إذا لم يعلم زمان البيع أيضا، فتتعارض أصالة التأخّر فيهما، و تبقى أصالة لزوم البيع، و لا تعارضها أصالة عدم الانتقال، لكون الأول رافعا له.

[الرابع عشر]

يد: يظهر من المسالك عدم الخلاف في بطلان شراء ما يراد طعمه و ريحه بدون المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة من غير جهة الطعم و الريح «3».

______________________________

[1] في «ق» زيادة: كما.

______________________________

(1) في ص: 344.

(3) المسالك 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 348

و استشكله المحقّق الأردبيلي و احتمل البناء على الأصل و الغالب مطلقا، فلو علم أنّ الغالب في دبس بلد نوع خاصّ من الثخن و غيره، لا حاجة إلى المشاهدة أو الوصف «1».

و هو كذلك إذا بلغت الغلبة حدّا يوجب العلم أو الظنّ أيضا، لانتفاء الغرر عرفا، و عدم دليل آخر على الاشتراط في هذه الأوصاف.

يه: لا شكّ في رجحان اختبار ما يراد منه الطعم أو الريح بالذوق و الشمّ إذا لم يفسدا بالاختبار، كاللبن و العسل و نحوهما، قطعا للنزاع و تأكيدا للوضوح، و يجوز الشراء بوصف الطعم و الريح إجماعا كما في الغنية «2» و غيره كغيره «3»، للأصل، و اندفاع الغرر.

و هل يجوز الشراء بدون الاختبار ذوقا و شمّا و لا وصفهما، بل بمجرّد المشاهدة أو الوصف من غير جهة الطعم و الريح من الأوصاف التي يعتبر علمها من اللون و القوام و غيرهما ممّا تختلف القيمة باختلافه؟

المشهور: نعم، و ظاهر التنقيح أنّه قول جميع المتأخّرين «4»، احالة على مقتضى الطبع، فإنّه أمر مضبوط عرفا لا يتغيّر غالبا، و مع ذلك يندفع

الغرر.

و لما رواه الحلّي في سرائره و الحلبي، قالا: روي: أنّه لا يجوز بيعه بغير اختباره، فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح و المتبايعان فيه بالخيار، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس [1]. بحمل عدم الجواز على

______________________________

[1] السرائر 2: 331، و لم نعثر على رواية الحلبي لها.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 8: 180.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

(3) كالرياض 1: 516.

(4) التنقيح 2: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 349

المرجوحيّة، و الصحّة على اللزوم بقرينة إثبات الخيار.

و حكى في المهذّب و التنقيح عن القاضي و الديلمي و الحلبي عدم الجواز «1»، و في الأول عن الشيخين و ابن حمزة أيضا «2».

و عبارات أكثرهم غير صريحة في المنع، بل بالجواز أشبه، فإنّ القاضي و الحلبي و الشيخين و إن صرّحوا بعدم الصحّة [1]، و لكنّهم عقّبوه بالخيار مع البيع، فإرادة اللزوم من الصحّة ممكنة و إن احتمل تجوّز في الخيار.

و ظاهر الحلّي عدم الجواز إذا كان حاضرا مشاهدا، و الجواز مع الغيبة «4».

دليل المنع: الغرر، و رواية محمّد بن العيص: عن رجل يشتري ما يذاق، أ يذوقه قبل أن يشتريه؟ قال: «نعم، فليذقه و لا يذوق ما لا يشتري» «5».

و ردّ: بمنع الغرر، و ضعف الخبر، و قصوره عن إفادة الوجوب، لورود الأمر فيه في محلّ توهّم الحظر، فلا يفيد سوى الإباحة، مع كونه معارضا بالرواية المتقدّمة «6».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المهذب و جواهر الفقه، نعم حكاه عنه في المختلف: 389، الحلبي في الكافي: 354، المفيد في المقنعة: 609، الطوسي في النهاية: 404.

______________________________

(1) التنقيح 2: 28، المهذب البارع 2: 358.

(2) المهذب البارع 2: 358.

(4) السرائر 2: 331.

(5) التهذيب 7: 230- 1004، المحاسن:

450- 361، الوسائل 17: 375 أبواب عقد البيع و شروطه ب 25 ح 1.

(6) في ص: 348.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 350

أقول: انتفاء الغرر مطلقا غير معلوم، فإنّ من المطعومات و المشمومات المتّفقة في كثير من الأوصاف ما يختلف الطعم و الرائحة فيه اختلافا موجبا لاختلاف القيمة و الرغبات، و الجميع من مقتضى طبعه، و ليس فيها طعم غالب، ففي مثله يلزم الغرر.

و أمّا ضعف خبر ابن العيص سندا فعندنا غير ضائر، و الأمر فيه و إن كان واردا في معرض توهّم الحظر، و لكنّ الحقّ عندي إفادته الوجوب أيضا.

و الرواية المتقدّمة للمعارضة غير صالحة، لعدم تعيّن كون ذكر الخيار قرينة للتجوّز في الصحّة، لجواز العكس، بل هو أولى، لإمكان إرادة الخيار في الاسترداد و في البقاء على مقتضى البيع على وجه التراضي المحض دون البيع، و عدم ثبوت حقيقة شرعيّة في الخيار في التخيير في إبقاء العقد و عدمه.

و على هذا، فتكون الرواية دليلا آخر على المنع أيضا، فهو أقوى، سيّما إذا كان المبيع ممّا تختلف أفراده أو أصنافه في الطعم أو الرائحة، كالبطّيخ و الخلّ و ماء الورد.

إلّا أنّ المعلوم من الشواهد الحاليّة أن الأمر بالذوق لمعرفة الطعم، سيّما مع ذكر الاختبار في الرواية فإنّه يكون لتحصيل المعرفة، و مع تجويز البيع بوصف الطعم بالإجماع و الأخبار المجوّزة للسلف في الطعام «1».

و على هذا، فيختصّ اشتراط الذوق بما لم تحصل معرفته من جهة معرفة سائر الأوصاف عادة، فلو حصلت لم يحتج إلى الذوق.

و يفترق ما قلنا مع المشهور في حصول المعرفة الظنّية لأجل الغلبة،

______________________________

(1) الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 351

فالظاهر منهم اعتبارها، و

على ما ذكرنا لا بدّ من العلم العادي.

[الخامس عشر]

يو: إذا كان ما يراد طعمه أو ريحه ممّا يفسد بالاختبار و يخرج عمّا هو عليه- كالجوز و البيض- جاز بيعه بغير اختبار بعد تعيينه بوجه آخر، للأصل، و اختصاص الخبر بما يذاق، و هذا ليس منه، بل الجواز هنا أولى ممّا تقدّم، لاستلزام المنع منه العسر و الحرج.

و يدلّ عليه أيضا: أنّا نعلم قطعا من الصدر الأول إلى هذا الزمان تحقّق شراء مثل الجوز و البطّيخ و البيض من غير الاختبار في جميع الأمصار، حتى من العلماء، بل الأئمّة فعلا أو تقريرا، فهو يكون إجماعا.

نعم، وقع الخلاف في جوازه مطلقا كما هو الأشهر، أو مع اشتراط الصحّة كما عن بعض «1»، أو البراءة من العيب كما عن آخر «2»، أو أحدهما كما عن جماعة «3». و الأول أقوى، للأصل، و عموم الأدلّة.

و احتمال العيب فيلزم الغرر مدفوع بأنّ احتمال الخروج عن أصل الطبيعة ليس غررا، لأصالة بقائه، و عدم كون هذا الاحتمال ملتفتا إليه في العرف ما لم يكن له شاهد.

نعم، لو كان طعمه بحسب أصل الطبيعة مختلفا اختلافا موجبا لتفاوت القيمة اتّجه القول بالاختبار، للزوم الغرر.

[السادس عشر]

يز: لا يجوز بيع سمك الآجام و لبن الضرع و الحمل و أمثالها بدون ضميمة، للغرر، و عليه الإجماع في الروضة «4»، و قيل: لا خلاف فيه «5».

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 19 و العلّامة في القواعد: 126.

(2) ابن حمزة في الوسيلة: 247.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 404 و انظر المختلف: 389.

(4) الروضة 3: 282.

(5) كما في الرياض 1: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 352

و قد يقال باحتمال الجواز لو حصل الظنّ بحصول ما يقابل الثمن، لانتفاء الغرر.

و يدفعه الإجماع المحقّق و المنقول في

كلام جماعة، منهم الفاضل في التذكرة «1»، مضافا إلى إطلاق النهي عن شراء اللبن في الضرع بدون الضميمة في موثّقة سماعة الآتية «2»، و نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الملاقيح- و هو ما في بطون الأمّهات- و المضامين- و هو ما في أصلاب الفحول «3»- رواه جماعة من الفريقين، و انجبر ضعفه بالشهرة العظيمة، بل الإجماع.

و أمّا مع الضميمة المعلومة ففيه أقوال:

الجواز مطلقا، ذهب إليه الشيخ في النهاية «4» و جماعة «5»، بل عليه في الأول الإجماع في الغنية «6»، و اختاره بعض المتأخّرين ظاهرا «7»، و نفى في الكفاية البعد عن الأول، و استحسن الثاني، و استوجه الثالث «8».

و عدمه كذلك، نسب إلى الأشهر «9».

و التفصيل بالجواز مع كون المقصود بالذات هو الضميمة و المجهول

______________________________

(1) التذكرة 1: 468.

(2) في ص: 353.

(3) معاني الأخبار: 277- 278، الوسائل 17: 352 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 2، و انظر الموطأ 2: 654- 63.

(4) النهاية: 400.

(5) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 246، و نقله عن ابن البراج في المختلف: 387.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.

(7) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 186، الفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 56، صاحب الحدائق 18: 492.

(8) الكفاية: 91.

(9) كما في الرياض 1: 517.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 353

تابعا، و البطلان مع العكس و التساوي، و إليه ذهب أكثر المتأخّرين «1».

الحقّ هو: الأول، أمّا في الأول فلرواية أبي بصير: في شراء الأجمة و ليس فيها قصب، إنّما هي ماء، قال: «يصيد كفّا من سمك فيقول: أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجمة بكذا و كذا» «2».

و رواية البزنطي: «إذا كانت أجمة ليس فيها قصب

أخرج شي ء من السمك فيباع و ما في الأجمة» «3».

و أمّا في الثاني فلموثّقة سماعة: عن اللبن يشترى و هو في الضرع، قال: «لا، إلّا أن يحلب لك سكرجة [1] فيقول: أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرجة و ما بقي في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضرع شي ء كان ما في السكرجة» «5».

و أمّا في الثالث فلرواية الكرخي: ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما؟ فقال: «لا بأس بذلك، إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف» «6».

______________________________

[1] السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشي ء القليل من الأدم- مجمع البحرين 2: 310.

______________________________

(1) منهم العلّامة في المختلف: 387، ابن فهد في المقتصر: 167، الشهيد الثاني في المسالك 1: 176.

(2) التهذيب 7: 126- 551، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 6، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 194- 11، التهذيب 7: 124- 543، الوسائل 17: 354 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 2.

(5) الكافي 5: 194- 6، الفقيه 3: 141- 620، التهذيب 7: 123- 538، الاستبصار 3: 104- 364، الوسائل 17: 349 أبواب عقد البيع و شروطه ب 8 ح 2، بتفاوت.

(6) الكافي 5: 194- 8، الفقيه 3: 146- 642، التهذيب 7: 45- 196 و 123- 539، الوسائل 17: 351 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 354

و تضعيف الأخبار بالإرسال أو الإضمار أو جهالة الراوي عندنا ضعيف.

احتجّ المانع بأنّ الجهالة موجبة للغرر المنهيّ عنه، و تعيين البعض غير مفيد، لأنّ ما بعضه مجهول كلّه مجهول.

و

الجواب: أنّ فساد بيع الغرر لعموم النهي، و تخصيصه بالأخصّ لازم، و لو سلّم العموم من وجه بين ما دلّ على حرمة بيع الغرر و هذه الأخبار- كما قيل- فلو رجّحنا تلك الأخبار بمخالفة العامّة و موافقة عموم الكتاب فهو، و إلّا فيتكافآن و يرجع إلى عمومات البيع.

استدلّ المفصّل بأنّ مع عدم كون المجهول مقصودا بالذات فإمّا لا يكون مبيعا- بل يكون تابعا له- أو لا يكون في شرائه غرر.

و ذلك لأنّ دخول شي ء في المبيع مع عدم القصد إليه بالذات: تارة يكون بأن لا يكون مقصودا و لا مستشعرا به أصلا، كحجر في جوف أرض ابتاعها، و كلأ واقع في شاطئ النهر الواقع في ضيعة اشتراها.

و اخرى بأن يكون مقصودا بالبيع و لكن لم يكن مقصودا ذاتيّا، كمن أراد شراء دار قيمتها ألف دينار، فشراها مع السمك الذي في حوض بألف دينار و درهم.

و في الأول ليس المجهول مبيعا حقيقة و إن كان تابعا له شرعا، فلا تضرّ جهالته.

و في الثاني و إن كان مبيعا و لكنّه لا يعدّ غررا عرفا، فيكون البيع صحيحا، بخلاف ما إذا كان مقصودا بالذات، فإنّه يوجب الغرر.

و الجواب: أنّه و إن أوجبه و لكنّ الرواية خصّصته، فلا حرج في هذا الغرر، كما في العبد الآبق مع الضميمة.

على أنّه قد يتحقّق الغرر في القسم الثاني أيضا، كما إذا كان ما يقابل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 355

المجهول الغير المقصود بالذات من الثمن كثيرا، كمن اشترى الدار التي قيمتها مائة دينار و يحتاج إليها مع سمك في أجمة لا يبيعها المالك إلّا معه بمائتي دينار.

هذا، و تنزيل الروايات «1» على التفصيل لا شاهد عليه، مع أنّه في الروايتين الأوليين

غير ممكن.

ثمَّ إنّ جواز بيع المجهول مع الضميمة هل عامّ في كلّ مجهول، أو يختصّ بما ذكر؟

رجّح بعض المتأخّرين العموم، و نسبه إلى الشيخ «2».

و ظاهر بعضهم الاختصاص بما ورد فيه النصّ- كما ذكر- و الثمار.

و هو الأظهر، اقتصارا على موضع النصّ في ارتكاب الغرر.

نعم، لو كان المقصود بالبيع هو الضميمة، و كان المجهول تابعا في البيع من غير قصد إليه- بأن يكون المبيع هو الضميمة و إن تبعه المجهول شرعا أو عرفا- فلا شكّ في العموم، إذ لا غرر في البيع.

و لو كانا مقصودين بالبيع و لكن كان المقصود بالذات هو الضميمة، و كان شراء المجهول أو بيعه مقصودا بالعرض، يجب البناء على قاعدة الغرر، كما أشير إليه.

و قد يستدلّ على العموم بروايتي الهاشمي.

إحداهما: في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الجبال و خراج النخل و الآجام و الطير، و هو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي ء أبدا، أو يكون،

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 353.

(2) انظر مجمع الفائدة 8: 185 و 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 356

قال: «إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنّه قد أدرك، اشتراه و تقبّل به» «1»، و زاد في الأخرى: و الشجر و المصائد و السمك «2».

و فيه: أنّ إرجاع الضمير في: «اشتراه» إلى ما أدرك ممكن، فلا يدلّ على المطلوب.

و هل يجب أن تكون الضميمة ما في النصّ من بعض السمك في الأول و ما يحلب منه في الثاني و الأصواف في الثالث، أو تصحّ كلّ ضميمة؟

مقتضى الأصل: الأول، إلّا أنّ ظاهر الجماعة: الثاني «3»، بل الظاهر عدم القول بالفصل، و في التذكرة الإجماع على جواز بيع الحمل مع امّه، آدميّا كان أو غيره «4».

[السابع عشر]

يح: يصحّ

بيع القصب في الأجمة و الصوف و الوبر و الشعر على الأظهر إذا كانت مشاهدة و إن كانت الثلاثة الأخيرة موزونا في الجملة، لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزّ عرفا دون ما إذا كانت على الظهر.

وفاقا للمفيد و الحلّي و الفاضل في التذكرة «5» و أكثر المتأخّرين «6»، للأصل، و فقد المانع.

و خلافا لجماعة، منهم: الشيخ و الحلبي و القاضي «7»، و في التذكرة:

______________________________

(1) الكافي 5: 195- 12، الفقيه 3: 141- 621، التهذيب 7: 124- 544، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 4، بتفاوت.

(2) الفقيه 3: 141- 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ذ. ح 4.

(3) منهم العلّامة في الإرشاد 1: 362 و صاحب الرياض 1: 516.

(4) التذكرة 1: 468.

(5) المفيد في المقنعة: 609، الحلي في السرائر 2: 322، التذكرة 1: 468.

(6) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 422، و انظر مجمع الفائدة 8: 188.

(7) الشيخ في المبسوط 2: 158، الحلبي في الكافي في الفقه: 356، نقله عن القاضي في المختلف: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 357

أنّه الأشهر «1»، لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى أن يباع صوف على ظهر «2»، نقله في التذكرة.

و الرواية عاميّة مرسلة، و الشهرة الجابرة لها غير معلومة.

و قيّد الشهيد الجواز بشرط الجزّ أو كونها بالغة أوانه «3».

و لا وجه له، لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحّة، بل غايته مع تأخّره الامتزاج بمال البائع، و هو لا يقتضي بطلان البيع، كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها، فيرجع إلى الصلح.

و لو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدّة معلومة و تبعيّة المتجدّد لها بني على الغرر،

فإن أوجبه بطل، و إلّا صحّ.

[الثامن عشر]

يط: قال في المسالك بعدم جواز بيع الجلد على الظهر منفردا «4»، و تأمّل فيه في الكفاية «5»، و استدلّ في التذكرة للمنع عن بيع الرأس و الجلد بالجهالة «6».

و هو حسن، لاختلاف الجلود في الثخانة و الرقّة، و لأنّ باطنها غير مشاهد، و قد يختلف بما تختلف به القيمة.

[التاسع عشر]

ك: إذا باع شيئا مكيلا أو موزونا بظرفه كالزيت في الزقاق [1] و السمن

______________________________

[1] الزّقّ: السقاء، أو جلد يجزّ و لا ينتف للشراب أو غيره، و جمعه: زقاق و زقّان- مجمع البحرين 5: 177.

______________________________

(1) التذكرة 1: 468.

(2) سنن الدارقطني 3: 14- 40.

(3) الدروس 3: 196.

(4) المسالك 1: 176.

(5) الكفاية: 91.

(6) التذكرة 1: 471.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 358

في الجلد معهما كلّ رطل بدرهم، فان عرف قدر كلّ منهما تفصيلا صحّ، لعدم المانع، و رضاء المشتري أن يشتري الظرف كلّ رطل بكذا.

و إن لم يعرف قدر كلّ منهما و لا المجموع بطل، لعدم العلم بالقدر.

و إن عرف وزن المجموع دون كلّ واحد فجوّزه في التذكرة و المسالك «1».

و الوجه: المنع، لا للغرر، بل لعدم تحقّق ما يشترط في بيع المكيل و الموزون من الكيل و الوزن، إذ المتبادر من اشتراطهما و الأمر بهما معرفة قدر المكيل و الموزون بخصوصه لا مع غيره، فلو وزن حنطة مع بطّيخ و كانا عشرة أرطال و لم يعلم وزن البطّيخ لم يصدق وزن الحنطة، إذ المراد بزنته ليس محض المقابلة مع شي ء، بل هي مع معرفة مقداره بخصوصه، كما يشهد به العرف. و لا يفيد كون المقصود بالذات بيع المظروف، لأنّه لو أفاد إنّما يفيد في دفع الغرر و الجهالة دون الكيل و الوزن.

نعم، لا يبعد الاكتفاء بوزن

المجموع إذا صار وزنهما معا معتادا، بحيث يكون الظرف و المظروف معا في العرف شيئا موزونا على حدة غير المظروف منفردا. و الأحوط وزن المظروف حينئذ أيضا.

و في حكم الظرف كلّ ما يجتمع مع المبيع في الكيل و الوزن من غير جنسه و لو كان مكيلا أو موزونا و كانا متّفقين قيمة، فلو وزن الإبريسم و الغزل معا من غير معرفة التفصيل لم يصحّ البيع، لعدم صدق وزن الإبريسم مع كونه موزونا. إلّا أن يكون في غاية القلّة، بحيث يتسامح به عادة في الكيل و الوزن، كالتراب القليل في الحنطة، أو حصلت من جمعهما حقيقة ثالثة مركّبة منهما، كالسكنجبين و سائر ما يتركّب من الموزونات.

______________________________

(1) التذكرة 1: 471، المسالك 1: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 359

و لو تعارف وزنهما معا، بأن يكونا في العرف معا موزونا على حدة و إن لم يحصل التركيب الحقيقي، فلا يبعد الاكتفاء بزنة المجموع، كما مرّ في الظرف.

و التوضيح: أنّه كما قد يخرج الموزون عن كونه موزونا بتغيّر خاصّ فيه كبعض النبات، يمكن أن يخرج عن كونه موزونا منفردا بضمّ شي ء آخر معه، فحينئذ يكفي وزن المجموع، و إن كان الأحوط وزن كلّ منهما إذا كانا موزونين، سيّما إذا تعارف الأمران، أي وزن كلّ منهما و وزنهما معا.

[العشرين ]

كا: لو باعه في ظرفه لا معه و وزنه معه- بأن يزن الظرف بعده و أسقطه بحسابه- جاز قطعا.

و لو باعه كذلك و لكن لم يزن الظرف، بل يسقط شيئا بإزائه، فإن كان ممّا علم زيادته عن المسقط أو نقصه فلا يجوز الإسقاط إلّا مع التراضي، أي بالإسقاط. و الوجه ظاهر، و تدلّ عليه الروايتان الآتيتان.

و إن لم يعلم ذلك،

بل كان بالتخمين، و احتمل الزيادة و النقصان، فهو جائز، لموثّقة حنّان: إنّا نشتري الزيت في زقاقه، فيحسب لنا النقصان فيه لمكان الزقاق، فقال له: «إن كان يزيد و ينقص فلا بأس، و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه» «1».

و أمّا رواية علي بن أبي حمزة: يطرح ظروف السمن و الزيت لكلّ ظرف كذا و كذا رطلا، فربّما زاد و ربما نقص، فقال: «إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس» «2»- حيث دلّت بالمفهوم على عدم الجواز بدون

______________________________

(1) الكافي 5: 183- 4، التهذيب 7: 128- 559، الوسائل 17: 367 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 7: 128- 558، الوسائل 17: 366 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 360

التراضي- فإرادة التراضي بأصل البيع فيها ممكنة، بل يمكن أن يكون المراد بقوله: ربما زاد و ربما نقص: السؤال عن الزيادة و النقيصة المعلومتين دون المحتملتين، بل الأول مقتضى حقيقة اللفظ، و لا كلام في اشتراط التراضي حينئذ كما مرّ.

فإن قيل: ما وجه تقييد الجواز بالتراضي في صورة العلم بالزيادة أو النقصان دون صورة الاحتمال، مع أنّ فيها أيضا لا يتمّ الأمر بدون التراضي، سواء أريد التراضي قبل المبايعة أو بعدها؟! قلنا: المراد بالتراضي هنا مقابل البيع، و المعنى: أنّه لا يجوز أخذ المشتري الزيادة المعلومة في المظروف و لا البائع الزيادة المعلومة في الثمن بعنوان المبايعة، و إنّما يجوز الأخذ بعنوان المراضاة، بخلاف المحتملة، فإنّ أخذه بالمبايعة جائز.

و التوضيح: أنّه إذا وزن سمن مع جلوده فكان مائة رطل، فباع كلّ رطل منه بدرهم، و علم أنّ الجلد

ثمانية أرطال، فلو أسقط خمسة بإزائه كان المبتاع خمسة و تسعين رطلا من السمن، و كان ما بيده اثنين و تسعين، فيكون بعض الثمن- الذي هو ثلاثة دراهم- لا يكون بإزائه المثمن، أمّا لو أعطاه الثلاثة دراهم بعنوان التراضي- لا بعنوان بيع كلّ رطل من السمن بدرهم- يكون جائزا.

و كذا إذا أسقط في المثال بإزاء الجلد عشرة أرطال، فيبقى السمن المبتاع تسعون رطلا مع أنّه يزيد برطلين، فيبقى الرطلان عنده بلا ثمن، فلا يكون مبيعا. و أمّا لو أعطى المالك الرطلين بعنوان المراضاة و الإباحة فيكون جائزا.

و كذا إذا كان البيع قبل الوزن، كأن يبيعه تسعين رطلا من السمن،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 361

فوزن مع الجلد و كان مائة رطل، و علم أنّ الجلد ثمانية، فلا يصحّ حسابه عشرة و إعطاء اثنين و تسعين بعنوان البيع، لأنّ المبيع تسعون، و لا خمسة و أخذ ثمن [خمسة] [1] و تسعين بعنوان البيع، بل يجوز ذلك بعنوان الإباحة و التراضي. بخلاف ما إذا كان المسقط محتملا للزيادة و النقصان، فإنّه يجوز بناء البيع على ما يبقى بعد إسقاطه بحكم النصّ، و لعدم معلوميّة الزيادة أو النقصان.

و أمّا ما قيل من أنّ مرادهم: أنّ الجهالة بهذا المقدار لا تضرّ، و أنّه لو تراضى المتبايعان بأصل المبايعة مع الظرف بقصد الإندار [2] تخمينا، و لم يرض البائع بالفسخ أيضا، فلا يشترط رضاه بذلك «3».

فهو كذلك، إلّا أنّه لا يفيد في التفرقة بين الصورتين بالتقييد بالتراضي في إحداهما دون الأخرى.

ثمَّ لا يخفى أنّه كما ثبت ممّا ذكر أنّ الإندار مع التخمين غير مضرّ في البيع مع تضمّنه الجهالة في الجملة، كذلك ظهر حلّية المبيع و الثمن للمتبايعين و

لو كان المبيع زائدا عمّا ذكر من الوزن أو ناقصا في الواقع، و كذا لو ظهر التفاوت لأحدهما بعد الإندار فيجوز له التصرّف في الزائد.

و هل يحصل بذلك اللزوم- يعني: لو أندر تخمينا، فأراد أحدهما التحقيق بعده أو ظهر التفاوت بعد الإندار، بأن يزيد الظرف مثلا على ما أندر، فطلب المشتري الناقص، أو ينقص فطلب البائع الزائد، فلا يكون له ذلك- أو لا يحصل فيكون؟.

______________________________

[1] في النسخ: ثلاثة، و الظاهر ما أثبتناه.

[2] و أندره غيره، أي أسقطه. يقال أندر من الحساب كذا- الصحاح 2: 825.

______________________________

(3) انظر المسالك 1: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 362

الحقّ هو: الثاني، للأصل، إلّا أن يكون الإندار مشروطا في العقد.

[الحادي و العشرين ]

كب: لا يختلف في حكم الإندار التخميني أو مع الاختلاف المعلوم فيما إذا جرت العادة بإندار قدر معيّن للظرف أو لم تجر، و الوجه ظاهر بعد التأمّل.

[الثاني و العشرين ]

كج: الظرف بعد إنداره يكون باقيا على ملك البائع، إلّا مع شرط كونه للمشتري، أو كونه متعارفا بين الناس بحيث يتبادر بتبعيّته للمبيع، فيكون مثل الحجارة في الأرض.

[الثالث و العشرين ]

كد: اعلم أنّ كلّ ما حكم فيه ببطلان البيع لأجل الغرر فإنّما هو في البيع اللازم، أمّا لو باع بشرط الخيار لو لا على النحو المقصود الرافع للضرر فلا يبطل من هذه الجهة، لعدم الغرر عرفا.

و منها:

أن يكون المبيع موجودا حال البيع، لما مرّ من اشتراط المالكيّة حين البيع، و ما لا وجود له لا يكون مملوكا.

نعم، ثبت بالأخبار و الإجماع الجواز في السلم و بيع المعدوم مع الضميمة في الجملة و نحوهما، فمثل ذلك خارج بالدليل.

و الحاصل: أنّ القاعدة عدم جواز بيع المعدوم حال البيع فيستثنى منه ما استثناه الدليل.

(و يأتي بعض أحكام أخر لكلّ من العوضين في المباحث الآتية، كبحث بيع الثمار، و بيع الزرع، و بيع الحيوان، و السلم، و غير ذلك) [1].

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 363

المقصد الثاني في الخيار

اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 365

الفصل الأول في أقسامه

اشاره

و هي ثمانية:

الأول: خيار المجلس.
اشاره

و المراد به خيار المتبايعين ما لم يفترقا، سواء جلسا في موضع، أو قاما، أو مشيا، أو غير ذلك.

و الأصل في ثبوته- بعد الإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا في التذكرة «1» و غيره «2»- الأخبار المتضمّنة لقوله: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا»، [كالصحاح الأربعة لزرارة «3» و محمّد «4» و ابن يزيد «5» و الفضيل «6»] [1] و في الأخيرة: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما».

أو: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، و فيما سوى ذلك من

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ح»: كصحيحة زرارة أن المتبايعان كذلك كالصحاح الأربعة لزرارة و محمد و الفضيل، و في «ق»: كصحيحة زرارة أو البيّعان كذلك، كالصحاح الأربعة لزرارة و محمّد و الفضيل، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) التذكرة 1: 515.

(2) كالمفاتيح 3: 68 و الحدائق 19: 5 و الرياض 1: 522.

(3) الكافي 5: 170- 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.

(4) الكافي 5: 170- 5، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.

(5) الكافي 5: 174- 2، التهذيب 7: 26- 110 الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 6.

(6) الكافي 5: 170- 6، التهذيب 7: 20- 85، الاستبصار 3: 72- 240، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 366

بيع حتى يفترقا» كصحيحة محمّد «1».

و في صحيحة الحلبي: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا فقد وجب البيع» «2».

و ما في بعض الأخبار- من اللزوم بعد الصفقة على الإطلاق أو إن لم يفترقا «3»- شاذّ مطروح، أو على التقيّة محمول- فإنّه فتوى أبي حنيفة «4»- أو بصورة انتفاء

الخيار مخصوص.

و هاهنا فروع:
[الفرع الأول ]

أ: لا إشكال في ثبوت الخيار إذا وقع البيع من المالكين.

و إن وقع من وكيليهما، فهل الخيار للمالكين، أو الوكيلين، أو لهما؟

و المستفاد من كلام بعضهم أنّه يبني على صدق «البيّعين» و «المتبايعين»، فإن قلنا بصدقهما على أحدهما فالخيار له، و إن قلنا بصدقهما عليهما فلهما.

ثمَّ إنّ الظاهر من بعضهم أنّهما لا يصدقان إلّا على المالكين «5»، و يظهر من آخر اختصاصهما بالوكيلين «6»، و من ثالث صدقهما عليهما «7».

______________________________

(1) التهذيب 7: 23- 99، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 3.

(2) الكافي 5: 170- 7، التهذيب 7: 20- 86، الاستبصار 3: 72- 241، الوسائل 18: 9 أبواب الخيار ب 2 ح 4.

(3) كخبر غياث بن إبراهيم المروي في التهذيب 7: 20- 87، الاستبصار 3:

73- 242، الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.

(4) بداية المجتهد 2: 170، المحلّى 8: 354، المجموع 9: 184.

(5) انظر المسالك 1: 176.

(6) انظر الحدائق 19: 12.

(7) الرياض 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 367

و لا يخفى أنّ البيع- كما عرفت- هو نقل الملك بنحو مخصوص، و هو أعمّ من أن يكون نقلا لملك نفسه أو غيره و قد صدر من الوكيل نقل الملك، فلا ينبغي الريب في صدقه عليه إذا كان التعيين و القبض و الإقباض بيده.

نعم، يشكل فيما إذا كانا وكيلين في خصوص إجراء الصيغة فقط، و لا يبعد الصدق حينئذ أيضا.

و أمّا المالكان، فالظاهر الصدق إذا كانا بنفسهما مباشرين لتعيين الثمن و المثمن و القبض و الإعطاء و إن وكّلا في إجراء الصيغة غيرهما.

و أمّا إذا لم يباشرا ذلك، و كان الجميع بيد الوكيلين، فالظاهر عدم الصدق.

و أما جواز القول: بأنّ

فلانا باع فرسه، فهو مجاز، لصحّة السلب، فيقال: لم يبعه هو بل باعه غيره، و لأنّه يجوز أن يقال: باع فلان فرس فلان، و لم يتحقّق إلّا بعمل واحد و هو من الوكيلين حقيقة قطعا، لعدم صحّة السلب.

فالظاهر صدق البائعين على الوكيلين، إلّا إذا كانا وكيلين في مجرّد الصيغة، ففيه إشكال.

ثمَّ إنّا لو قلنا بثبوته للمالكين مطلقا أو في بعض الصور يختصّ بما إذا كانا مجتمعين في محلّ البيع، لأنّ المستفاد من الروايات- بقرينة قولهم عليهم السّلام: «حتى يفترقا»- ثبوته للبائعين المجتمعين حال البيع، بل في محلّه.

و أمّا المتفرّقان حال البيع، أو المجتمعان لا في مجلس البيع، فلا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 368

خيار لهما مطلقا، كما أنّ الوكيلين أيضا- على ما قيل «1»- لا خيار لهما مع صدق البائعين عليهما أيضا إلّا مع إذن المالك عموما أو صريحا في الخيار، إذ بدونه يحصل التعارض بين أخبار خيار البائع و أدلّة عدم جواز تصرّف الوكيل إلّا فيما وكّل فيه، و الترجيح للثاني، و لولاه فالأصل معه.

و هو عندي محلّ نظر، لأنّ الفسخ بالخيار ليس تصرّفا عرفا.

سلّمنا، و لكن بعد تسليم صدق البائع عليه يكون الإذن حاصلا له من قبل الشارع، فالأقوى جواز فسخه.

ثمَّ لو قلنا بعدم صدق البائع على الوكيلين، و عدم ثبوت الخيار لهما لأجل ذلك، فهل يثبت لهما مع التوكيل في الخيار أيضا على وجه يصحّ، أم لا؟

صرّح بعضهم بالأوّل «2»، لعمومات الوكالة، و هو إنّما يتمّ مع ثبوته للمالكين، و أمّا بدونه مطلقا أو مع عدم الاجتماع فلا، إذ لا يجوز التوكيل إلّا فيما يجوز فعله للموكّل.

بل في الثبوت بالتوكيل مع ثبوته للموكّل أيضا نظر، لعدم ثبوت جواز التوكيل في كلّ

ما يجوز للموكّل فعله، و الأصل يقتضي عدم ترتّب الأثر إلّا فيما ثبت فيه جواز التوكيل.

مع أنّ هاهنا كلاما آخر، و هو أنّ الثابت من الأخبار ثبوت الخيار للموكّلين إذا لم يفترقا، فلو جاز التوكيل فيه لجاز إذا كانا مجتمعين و لم يفترقا بعد، لا أن يجوز التوكيل في الخيار إذا لم يفترق الوكيلان، و هذا ظاهر جدّا، و ظاهر المجوّز إرادة الأخير.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 178.

(2) كصاحب الحدائق 19: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 369

و حكم المتفرّقين- بأن يكون أحد المتبايعين وكيلا و الآخر مالكا- يظهر ممّا مرّ.

[الفرع الثاني ]

ب: هذا الخيار يثبت في جميع أقسام البيع، كالسلف و النسية و التولية و المرابحة، و بالجملة: جميع ما يصدق عليه البيع، لعموم الروايات.

[الفرع الثالث ]
اشاره

ج: يسقط هذا الخيار بأمور:

الأول:

مفارقتهما أو أحدهما عن صاحبه و لو بخطي، بلا خلاف، للأخبار المتقدّمة «1»، و صحيحة محمّد: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«بايعت رجلا، فلمّا بعته قمت فمشيت خطى ثمَّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا» «2»، و قريب منها غيرها «3».

بل نفي الخلاف عن الخطوة أيضا «4»، فإن ثبت الإجماع عليها، و إلّا فسقوط الخيار بالافتراق بها- بل و بالخطوتين- مشكل، لعدم تبادر مثلهما عن الافتراق عرفا و عادة، بل و كذا الخطوات الثلاث، و لا يفيد لفظ الخطى في الصحيح، إذ لا يتعيّن فيه أقلّ الجمع، لأنّه إخبار عن فعله عليه السّلام.

فالمناط: حصول الافتراق عرفا، و الظاهر حصوله بنحو من خمسة أو ستة و ما زاد، سواء كان ذلك بالمشي، أو جذب نفسه إلى ورائه بهذا المقدار.

و لا يسقط بالتماشي و التقارب بخطي.

______________________________

(1) في ص: 366.

(2) الكافي 5: 171- 8، الوسائل 18: 8 أبواب الخيار ب 2 ح 3.

(3) الفقيه 3: 127- 557، التهذيب 7: 20- 84، الاستبصار 3: 72- 239، الوسائل 18: 8 أبواب الخيار ب 2 ح 2.

(4) الرياض 1: 523.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 370

و المستفاد من الصحيح: سقوط الخيار بالافتراق و لو قصد الرجوع أو السقوط، فالاستشكال في التباعد لا بقصد الافتراق لا وجه له، كما لا وجه للإسقاط بالأخذ في الافتراق بقصد المفارقة و لو لم تحصل المفارقة العرفيّة بعد. و كونه تسليما للّزوم ممنوع.

ثمَّ إنّ القدر الثابت من الأخبار و الظاهر من كلام الأصحاب- بل المصرّح به في عبارات جماعة «1»- اعتبار المباشرة و الاختيار في الافتراق، فلو أكرها أو أحدهما عليه لم يسقط، سواء منع من التخاير و الفسخ

أو لا.

و قيّده جماعة بالأول «2». و لا وجه له، لأنّ عدم الفسخ في حال يثبت معها الخيار لا يثبت الالتزام، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار.

و هل هو فوريّ، أو يستمرّ باستمرار مجلس الزوال؟

قيل بالأول «3»، لرفع الضرورة به، فيقتصر على مخالفة مقتضي اللزوم عليه.

و فيه: أنّ المسلّم هو اللزوم بعد حصول الافتراق الظاهر في الاختياري، و أصالة اللزوم مطلقا ممنوعة.

و أيضا لو كان الأصل اللزوم، فأيّ ضرورة في القول بالخيار عند الإكراه على الافتراق؟! فإن كان سبب الضرورة هو إثبات الخيار في الأخبار قبل حصول الافتراق الظاهر في الاختياري فهو بعد موجود.

و هذا حجة القول الثاني، مضافا إلى الاستصحاب، مع أنّ السقوط

______________________________

(1) منهم صاحب الحدائق 19: 11 و صاحب الرياض 1: 523.

(2) منهم العلّامة في القواعد 1: 142، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 449 و صاحب الرياض 1: 533.

(3) كما في التذكرة 1: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 371

بزوال مجلس زوال الإكراه أيضا مشكل، أمّا إذا كان زواله بنحو التقارب فظاهر، و أمّا إن كان بالتباعد فلأنّ المفروض حصول الفرقة بالإكراه، فلا معنى لحصول الافتراق الموجب لزوال الخيار بعدها، إذ لا يكون افتراق إلّا من الاجتماع.

و المسألة محلّ الإشكال، و للتوقّف فيها مجال.

ثمَّ الإكراه الموجب لعدم السقوط هل هو ما يترفع معه القصد- كحمل البائعين و جرّهما عن المجلس- أو يشمل نحو التهديد على الجلوس و نحو الافتراق للخوف من الجلوس أيضا؟

يحتمل كلامهم الإطلاق، بل هو المصرّح به في كلام بعضهم «1»، و الظاهر من الأخبار: الثاني، لصدق الافتراق لعدم اعتبار الرضا فيه قطعا و إن احتمل اعتبار المباشرة فيه، و لذا يستصحب الخيار مع عدمها.

و لو فارق أحدهما مجلس العقد

و منع الآخر من مصاحبته كرها ففيه إشكال، لعدم ثبوت الافتراق منهما، سيّما مع منعه عن التكلّم.

الثاني:

اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد، بلا خلاف يعرف كما في كلام جماعة «2»، بل عليه الإجماع في الغنية «3» و غيره «4»، لوجوب الوفاء بالشرط، لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» «5».

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 19: 19.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 91 و صاحب الحدائق 19: 7 و صاحب الرياض 1:

522.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

(4) كالتذكرة 1: 519 و الحدائق 19: 19.

(5) الكافي 5: 169- 1، التهذيب 7: 22- 94، الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 372

و كون هذا الشرط مخالفا للسنّة المثبتة للخيار أو لمقتضى العقد ممنوع، لأنّه إنّما هو إذا شرط عدم ثبوت الخيار لا سقوطه المستلزم للثبوت أولا، فيشترط أنّه يسقط بمجرّد ثبوته، و هذا لا يخالف سنّة و لا مقتضى العقد.

نعم، لو شرط عدم ثبوت الخيار فالظاهر فساده، و لكن لا يبعد القول باستلزامه للإيجاب، لدلالته التزاما على الالتزام المسقط للخيار.

و لو شرط عدم الفسخ فيجب الوفاء به، و لو فسخ حينئذ لم ينفسخ، للنهي عن الفسخ الموجب لعدم ترتّب الأثر عليه.

و يدلّ على زوال الخيار بهذا الاشتراط أنّه التزام للعقد، و سيأتي أنّه موجب لسقوط الخيار.

و الظاهر عدم الفرق في السقوط فيما إذا كان الشرط في ضمن العقد أو قبله، وفاقا للشيخ «1»، لإطلاق بعض ما مرّ.

الثالث:

إسقاطهما أو أحدهما إيّاه بعد العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه، بالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «2»، و به يقيّد إطلاق المستفيضة المثبتة للخيار.

مضافا إلى العلّة المنبّهة عليه في صحيحة علي بن رئاب الواردة في خيار الحيوان، و فيه: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أو لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة

فذلك رضا منه فلا شرط له»، قيل: و ما الحديث؟ قال: «إن لامس أو قبّل أو نظر إلى ما

______________________________

(1) الخلاف 1: 513.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 587 و التذكرة 1: 517 و الرياض 1: 523.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 373

كان محرّما عليه قبل الشراء» «1».

و لو اختار أحدهما الإمضاء و الآخر الفسخ تقدّم الفسخ، و الوجه ظاهر.

الرابع:

التصرّف، فإن كان من المشتري في المبيع فيسقط خياره، كما يسقط خيار البائع إن تصرّف في الثمن.

و إن كان من كلّ منهما أو أحدهما في ما كان له أولا فيسقط خيارهما، بمعنى انفساخ البيع الذي هو محلّ الخيار.

أمّا الثاني فظاهر.

و أمّا الأول فتدلّ عليه صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة، و لكن لا يثبت منها أزيد من السقوط بالتصرّف المفهم للالتزام و عدم إرادة الفسخ، أو المفهم للفسخ و عدم الرضا بالبيع، و الإجماع المركّب غير ثابت، فالاقتصار على الأول لازم.

و على هذا، فهو أيضا التزام للبيع كالثالث، إلّا أنّه قوليّ و هذا فعليّ.

الخامس:

الأقوى عدم ثبوت هذا الخيار للعاقد عن اثنين ولاية أو وكالة، لعدم صدق المتبايعين حقيقة، و دليل ثبوته ضعيف.

الثاني: خيار الحيوان.

اشاره

و هو ثلاثة أيّام للمشتري، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في التذكرة «2» و غيره «3»، و المستفيضة، كصحيحة علي بن رئاب المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 2، التهذيب 7: 24- 102، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.

(2) التذكرة 1: 519.

(3) كالسرائر 2: 244 و التحرير 1: 166 و كشف الرموز 1: 457 و التنقيح 2: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 374

و صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابّة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: «على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم يشترط» «1».

و صحيحتي زرارة «2» و محمّد «3»: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام».

و صحيحة الفضيل: ما الشرط في الحيوان؟ فقال: «ثلاثة أيّام للمشتري» قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» «4».

و صحيحة الحلبي: «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري، و هو بالخيار فيها إن اشترط أو لم يشترط» «5».

و صحيحة ابن أسباط: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، و في غير الحيوان أن يتفرّقا» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 3، الفقيه 3: 126- 551، التهذيب 7: 24- 103، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 2، بتفاوت.

(2) الكافي 5: 170- 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.

(3) الكافي 5: 170- 5، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.

(4) الكافي 5:

170- 6، التهذيب 7: 20- 85، الاستبصار 3: 72- 240، الخصال: 127- 128، الوسائل 18: 11 أبواب الخيار ب 3 ح 5 و أورد ذيلها في ص 346 ب 1 ح 3.

(5) الفقيه 3: 126- 549، التهذيب 7: 24- 101، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 1.

(6) الكافي 5: 216- 16، التهذيب 7: 63- 274، الوسائل 18: 9 أبواب أحكام العيوب ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 375

و موثّقة ابن فضّال: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام» «1».

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: هل هذا الخيار للمشتري خاصّة، أو له و للبائع؟

الأقوى هو: الأول، و هو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر «2»، وفاقا للإسكافي و الصدوق و الشيخين و أبي علي و الديلمي و القاضي و الحلّي «3»، و عليه الإجماع عن الغنية و الدروس «4»، بل لا يبعد دعوى الإجماع المحقّق فيه، فهو- بعد الأصل- الحجّة في الاختصاص.

مضافا إلى ظهور «اللام» في الروايات كلّها في الاختصاص، و أظهر منه التفصيل في الصحاح الأربعة لزرارة و محمد و الفضيل و ابن أسباط، بل هي كالنصوص في ذلك، كما يشهد به العرف الذي هو الحجّة في المقام.

و المذكور في الأوليين و إن كان صاحب الحيوان إلّا أنّ المراد منه المشتري، للتفسير به في الموثّقة، و لأنّهما بحسب السياق- كما عرفت- ظاهران في اختصاص الخيار بأحدهما، و هو مخالف الإجماع إن أريد به البائع، لعدم الانحصار فيه، مع أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس على التحقيق

______________________________

(1) التهذيب 7: 67- 287، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 2.

(2) كالمحقق في الشرائع 2: 22، العلامة في التبصرة: 90 و الإرشاد 1: 374، السيوري في التنقيح

2: 45، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 3): 450، الكركي في جامع المقاصد 1: 243.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 350، الصدوق في المقنع: 123، المفيد في المقنعة: 592، الطوسي في المبسوط 2: 78، نقله عن أبي علي في المختلف:

350، الديلمي في المراسم: 173، القاضي في المهذب 1: 353، الحلّي في السرائر 2: 221.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 587، الدروس 3: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 376

في مثله.

و يدلّ على الاختصاص أيضا الصحيح المرويّ في قرب الإسناد: عن رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال:

«الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّام، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» «1».

خلافا للسيّد، فأثبته للبائع أيضا «2»، و تبعه بعض المتأخرين «3».

لصحيحة محمّد: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» «4».

و هي ضعيفة، لمخالفتها لشهرة القدماء [1]، فلا تصلح حجّة، مع أنّها معارضة بما مرّ، فلو لم يرجّح ما مرّ بالأكثريّة و الأشهريّة فتوى لتعيّن العمل بالأصل، و هو مع الاختصاص. و قد توجّه بوجوه لا بأس بها في مقام التأويل.

نعم، لو باع حيوانا بحيوان فالظاهر المصرّح به في كلام جماعة «6» ثبوت الخيار لهما، لا لاتّحاد العلّة، لكونها مستنبطة، بل لإطلاق صحيحتي زرارة و محمّد «7»، بل عموم صحيحة محمّد الأخيرة، خرج ما خرج فيبقى

______________________________

[1] في «ح» و «ق» زيادة: بل عدم ثبوت قرب الإسناد. و لم نعرف لها معنى مناسبا للمورد.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 78، الوسائل 18: 12 أبواب الخيار ب 3 ح 9.

(2) السيد في الانتصار: 207.

(3) انظر مفاتيح الشرائع 3: 68.

(4) التهذيب 7: 23- 99، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح

3.

(6) منهم الشهيد في الدروس 3: 272، الكركي في جامع المقاصد 1: 242، الشهيد الثاني في الروضة 3: 450، صاحب الرياض 1: 524.

(7) الكافي 5: 170- 4، التهذيب 7: 24- 100، الوسائل 18: 11 أبواب الخيار ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 377

الباقي.

و منه تظهر قوّة ثبوت الخيار للبائع لو كان الثمن حيوانا.

[الفرع الثاني ]

ب: هل ذلك الخيار يعمّ جميع الحيوانات، أم يختصّ بغير الإماء.

ذهب الأكثر إلى الأول «1»، و هو الحقّ، لإطلاق النصوص، و صحيحة ابن رئاب بالخصوص «2»، و خصوص صحيحة قرب الإسناد.

و تضعيف الإطلاق- باختصاص الحيوان بغير الإنسان عرفا- ضعيف، للعموم لغة، بل عرفا أيضا، كما تدلّ عليه هذه الصحيحة.

و خلافا للحلبي و ابن زهرة، فجعلا المدّة في الإماء مدّة الاستبراء «3»، و مستندهما غير واضح، سوى الإجماع الذي ادّعاه الثاني، و هو ممنوع.

[الفرع الثالث ]

ج: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، لأنّه المتبادر من اللفظ، و الظاهر من الأخبار المفصّلة بأنّ الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام، و في غيره حتى يفترقا.

خلافا للشيخ و الحلّي، فجعلاه من حين التفرّق «4»، بناء على حصول الملك به عنده.

[الفرع الرابع ]

د: خيار المجلس ثابت في الحيوان لكلّ من المتبايعين، لعموم أدلّته.

______________________________

(1) منهم العلامة في القواعد 1: 142، الشهيد الثاني في المسالك 1: 178، صاحب الرياض 1: 524.

(2) الكافي 5: 169- 2، التهذيب 7: 24- 102، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.

(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 353، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

587.

(4) الشيخ في المبسوط 2: 85، الحلي في السرائر 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 378

[الفرع الخامس ]

ه: يسقط هذا الخيار بشرط سقوطه، أو إسقاط المشتري إيّاه بعد العقد، لما مرّ، و بتصرّف المشتري فيه في الجملة، بلا خلاف كما في المسالك «1»، بل عن التذكرة الإجماع عليه «2».

و تدلّ عليه صحيحة ابن رئاب المتقدّمة، و صحيحة الصفّار: في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ، إله أن يردّها في الثلاثة أيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقّع عليه السّلام: «إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء» «3».

ثمَّ التصرّف إن كان مفهما للرضا و الالتزام يقينا أو ظهورا عرفا فلا إشكال في اللزوم به، و هو مجمع عليه، و قوله في الصحيحة الأولى:

«فذلك رضا منه فلا شرط له» يدلّ عليه، و كذلك ما فسّر به الحدث فيها، و هو من باب التمثيل بقرينة كون الكلام في صدر الحديث في جميع الحيوانات، فالمراد ما يماثل ذلك ممّا لا يليق إلّا بالمالك مستقرّا، أو يظهر منه الاستقرار و الرضا.

و إن لم يكن كذلك، فالظاهر من كلام الفاضلين «4» و جماعة «5» و المصرّح به في كلام بعضهم عدم إيجابه اللزوم «6»، للأصل،

و كون

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) التذكرة 1: 519.

(3) التهذيب 7: 75- 320، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 2.

(4) المحقق في الشرائع 2: 22، العلامة في التذكرة 1: 519.

(5) منهم الشهيد في الدروس 3: 272 و المحقق الكركي في جامع المقاصد 4: 291 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 452.

(6) كما في المسالك 1: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 379

التصرّفات المذكورة في الصحيحين مفهمة للالتزام.

و يؤيّده توقّف تحقّق مقتضى حكمة وضع الخيار على نوع تصرّف.

و خالف فيه جماعة «1» و لعلّهم الأكثر، فقالوا باللزوم بمطلق التصرّف، لعموم الحدث في الحديثين.

و لا يخفى أنّ الحدث فيهما و إن كان عامّا إلّا أنّ صدقه على كلّ تصرّف ممنوع، كما يدلّ عليه جعله عليه السّلام إحداث الحدث رضا من المشتري في الحديث الأول، فإنّه لا شكّ في أنّ كلّ تصرّف ليس رضا، و كذا عطف الركوب على الحدث في الثاني، مع أنّ الظاهر من إحداث الحدث في شي ء تصرّف يوجب تغييرا فيه، كالنعل و أخذ الحافر و جزّ الشعر و أمثالها.

نعم، التمثيل للحدث في الأول باللمس و التقبيل و النظر و إن كان يفهم نوع تعميم فيه إلّا أنّه- لكونه خلاف المعنى الظاهر من إحداث الحدث في شي ء، و لما مرّ من جعله دالّا على الرضا، و عطف الركوب عليه- لا يثبت الإطلاق.

و التحقيق: أنّ الصحيحة الأولى مجملة من هذه الجهة، لجواز تقيّد الحدث فيها بالدالّ على الرضا و إبقاء قوله: «فذلك رضا منه» على حاله، [أو] [1] إرادة حكم الرضا من قوله «ذلك» و إبقاء الحدث على حاله، فاللازم الأخذ بالمتيقّن، و هو الدالّ على الرضا.

و لا ينافيه تفسير الحدث فيها، لأنّه تفسير

لأصل الحدث، فيكون

______________________________

[1] في النسخ: إذا، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 588 و الحلبي في الكافي في الفقه:

353 و صاحب الحدائق 19: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 380

المعنى: و الحدث الذي دلّ على الرضا يوجب اللزوم ذلك، أو تكون هذه الأمور في الأمة موجبة للرضا.

و أمّا الصحيحة الثانية فجواب الإمام فيها عامّ، و لكن إطلاق الحدث على كلّ تصرّف غير معلوم كما ذكرنا، بل غاية ما يعلم منه أنّه ما أوجب إحداث أمر في شخص المبيع.

و أمّا التفسير المذكور في الأولى فلكونه خلاف المعنى الظاهر من الحدث لا يوجب التعدّي عنه، لجواز كونه ممّا يدلّ على الرضا، أو لأجل كونه ممّا يوجب حصول ارتباط بين المشتري و المبيع، فتأمّل.

و من ذلك يظهر أنّ الظاهر سقوط هذا الخيار بالتصرّف المفهم للرضا بدوام البيع و استمراره، أو بالتصرّف المعلوم صدق الحدث عليه ممّا يوجب تغييرا في شخص المبيع، [و] [1] لا يجوز التعدّي عمّا مثّل به في غير ما يعلم صدق الحدث عليه.

و ظهر من ذلك [أنّ ما يشكّ ] [2] في دخوله في ذلك فالأصل فيه بقاء الخيار.

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة الحلبي: عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمَّ ردّها، قال: «إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء» «3».

و فيه نظر، للتصريح فيها بأنّ الردّ بعد ثلاثة أيّام، فهو ليس ممّا نحن

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى.

[2] في «ح»: و ما يشك. و في «ق»: التصرّف الذي و ما يشك. و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(3) الكافي 5: 173- 1، التهذيب 7: 25- 107،

الوسائل 18: 26 أبواب الخيار ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 381

فيه من خيار الثلاثة.

الثالث: خيار الشرط الثابت به.

اشاره

و هو بحسب ما يشترط لأحدهما، أو لكلّ منهما، أو لأجنبيّ عنهما، أو عن أحدهما، أو له مع أحدهما عنه، أو عن الآخر، أو عنهما، أو له كذلك معهما، بلا خلاف كما في كلام جماعة- منهم: الكفاية و الحدائق «1»- بل بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف و الانتصار و الغنية و التذكرة «2»، و هو الحجّة.

مضافا إلى صحيحة ابن سنان، و فيها: «و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط، فهو من مال البائع» «3».

و رواية السكوني: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنّه قد رضيه و استوجبه ثمَّ ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه» «4».

و المستفيضة الآتية الواردة في اشتراط الفسخ بردّ الثمن «5».

______________________________

(1) الكفاية: 91، الحدائق 19: 38.

(2) الخلاف 3: 31، الانتصار: 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 587، التذكرة 1:

521.

(3) التهذيب 7: 24- 103، الوسائل 18: 20 أبواب الخيار ب 8 ح 2.

(4) الكافي 5: 173- 17، التهذيب 7: 23- 98، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 12 ح 1.

(5) الآتية في ص 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 382

و بتلك الأدلّة تخصّص عمومات لزوم البيع، و عموم ما يدلّ على عدم وجوب الوفاء بشرط خالف السنّة، حيث إنّه مخالف لما يدلّ على لزوم البيع مطلقا، أو مع الافتراق مطلقا.

و من هذا يظهر ضعف الاستدلال بعمومات وجوب الوفاء بالشرط «1»، كما يظهر وجه اشتراط

ضرب المدّة للخيار و كونها مضبوطة غير محتملة للزيادة و النقيصة، لأنّه الثابت من الإجماع و الأخبار المذكورة.

فلو شرطا خيارا و أطلقا من دون بيان المدّة، أو معه مع احتمالها للزيادة و النقصان و لو بيوم، بطل الشرط قولا واحدا في الثاني، و على الأظهر في الأول، بل الأشهر بين من تأخّر «2»، لما مرّ، و لعدم انصرافها إلى واحد معيّن، لبطلان الترجيح بلا مرجّح، فيكون مجهولا واقعا فيبطل، بل يوجب جهل العوضين أو أحدهما أيضا واقعا، و هو مبطل للبيع.

خلافا للمفيد و الخلاف و الانتصار و القاضي و الحلبي و ابن زهرة، فقالوا بكون الخيار إلى ثلاثة أيّام «3»، و ظاهر الثانيين- كصريح الآخر- الإجماع عليه، بل ادّعى الثاني وجود النصّ فيه، و هو- كالإجماع- غير محقّق، فلا حجّية فيهما.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: إذا بطل الشرط بالجهل يبطل العقد على الأشهر الأظهر، لكون

______________________________

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6.

(2) كما في المسالك 1: 179 و الكفاية: 91 و الرياض 1: 524.

(3) المفيد في المقنعة: 592، الخلاف 3: 20، الانتصار: 201، القاضي في جواهر الفقه: 54، الحلبي في الكافي في الفقه: 353، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 383

العقود تابعة للقصود. و قد رفعنا النقاب عن وجه هذا المرام في كتابنا المسمّى بعوائد الأيّام «1».

[الفرع الثاني ]

ب: لا يشترط تعيين المدّة بالأيّام، فلو عيّنها بالشهر أو السنة أو إلى العيد الأضحى- مثلا- جاز و إن احتمل الزيادة و النقصان بحسب الأيّام من جهة نقصان الشهور، للأخبار الآتية في شرط خيار الفسخ بردّ الثمن، حيث إنّ المدّة المضروبة فيها سنة، و لا فصل بين السنة و الشهر.

و السرّ: أنّ اللازم تعيين المدّة بما يتعيّن به لا بخصوص عدد الأيّام، و هو يتعيّن بما ذكر أيضا، و لذا يصحّ لو عيّن بالأيّام مع أنّه قد لا يتعيّن حينئذ بحسب الشهور.

[الفرع الثالث ]

ج: إطلاق الشرط ينصرف إلى الخيار المتّصل بالعقد، بحكم التبادر، فقول الشيخ- بأنّ ابتداءه انقضاء المجلس «2»- ضعيف.

نعم، لو اشترطا الانفصال أو المجلس مع تحديد مدّة الانفصال [1] جاز، لإطلاق صحيحة ابن سنان «4».

[الفرع الرابع ]

د: اشتراط الخيار للأجنبي تحكيم لا توكيل عمّن جعله عنه، فلا خيار له معه، للأصل.

[الفرع الخامس ]

ه: قالوا: يجوز اشتراط مؤامرة الغير و الرجوع إلى أمره «5»، و في التذكرة الإجماع عليه «6»، و إطلاق صحيحة ابن سنان يدلّ عليه، و حينئذ

______________________________

[1] في «ق»: الانقضاء.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 51.

(2) الخلاف 3: 33.

(4) راجع ص 381.

(5) كما في جامع المقاصد 4: 292 و الكفاية: 91 و الرياض 1: 524.

(6) التذكرة 1: 521.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 384

يلزم العقد من جهة المتبايعين و يتوقّف على أمر الغير، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له الفسخ و لا يتعيّن عليه، و إن أمر بالالتزام فليس له الفسخ و إن كان أصلح، و الوجه ظاهر.

[الفرع السادس ]

و: يجوز اشتراط الخيار مدّة مضبوطة للبائع بشرط ردّ الثمن، بلا خلاف، و في المسالك عليه الإجماع «1»، و تدلّ عليه الروايتان المتقدّمتان.

و صحيحة سعيد بن يسار: إنّا نخالط أناسا من أهل السواد و غيرهم، فنبيعهم و نربح عليهم العشرة اثنى عشر و العشرة ثلاثة عشر، و نؤخّر ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها، و يكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراء بأنّه قد باع و قبض الثمن منه، فبعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا و بينه أن نردّ عليه الشراء، و إن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في ذلك الشراء؟ قال: «أرى أنّه لك إن لم يفعل، و إن جاء بالمال للوقت فردّ عليه» «2».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه، فقال له: أبيعك داري هذه على أن تشترط لي أنّي إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردّها عليّ، قال: «لا بأس بهذا إن جاء

بثمنها إلى سنة ردّها عليه»، قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة؟ فقال:

«الغلّة للمشتري، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله» «3».

و رواية معاوية بن ميسرة: رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) الكافي 5: 172- 14، التهذيب 7: 22- 95، الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 171- 10، التهذيب 7: 23- 96، الوسائل 18: 19 أبواب الخيار ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 385

الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال: «له شرطه»، قال له: فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، فقال: «هو ماله»، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري» «1».

و قال في المسالك: فإذا ردّ البائع الثمن أو مثله مع الإطلاق فسخ البيع، و لا يكفي مجرّد الردّ «2».

أقول: ما ذكره من عدم كفاية مجرّد الردّ هو ظاهر الأصحاب كما قيل «3»، فإن أرادوا عدم كفايته في انفساخ العقد فهو كذلك، و إن أرادوا في عدم عود المبيع إلى البائع فهو غير متّجه.

و التحقيق: أنّ المشروط تارة يكون ثبوت الخيار للبائع مع ردّ الثمن، و اخرى ردّ المشتري المبيع إليه معه أو كونه له، و كلّ منهما يصحّ و يلزم.

أمّا الأول- و هو من باب خيار الشرط- فلما مرّ من الإجماع و الروايتين «4»، و عليه لا يكفي الردّ في الفسخ، لأنّ الردّ لا يثبت سوى الخيار، فالفسخ يتوقّف

على اختياره. و لا يفيد قصد الفسخ بالردّ أو شهادة الحال له به، إذ تحقّق الخيار يتوقّف على الردّ، فحين الرد لا خيار له، إذ لا يعلم من الشرط إلّا تحقّق الخيار بعد الردّ لا حينه، فالخيار يحصل بعد الردّ، فلا يفيد الردّ و لو قصد به الفسخ، إذ لم يثبت الخيار له بعد.

______________________________

(1) التهذيب 7: 176- 780، الوسائل 18: 20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.

(2) المسالك 1: 179.

(3) كما في الحدائق 19: 35.

(4) أي صحيحة ابن سنان و رواية السكوني المتقدّمتين في ص 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 386

نعم، لو شرط الانفساخ بالردّ و قلنا بجوازه ينفسخ بالردّ، و لكن جواز هذا الشرط محلّ نظر.

و أمّا الثاني، فلعمومات الوفاء بالشرط «1»، و خصوصات الروايات الثلاث المذكورة «2»، و هو ليس من باب خيار الشرط، بل المشروط هو ردّ المشتري المبيع، فيجب عليه- لما ذكر- من غير احتياج إلى فسخ، كما هو المستفاد من تلك الروايات.

و من ذلك يظهر أنّ الاستدلال بها على خيار الشرط- كبعض المتأخّرين «3»- في غير موقعه.

نعم، يشترط على الثاني كون ردّ الثمن لأجل ذلك، فلو ردّه بقصد آخر لم يجب الردّ.

ثمَّ في قوله: أو مثله مع الإطلاق، دلالة على عدم كفاية ردّ المثل مع التصريح بردّ خصوص الثمن المأخوذ، و هو كذلك، و الوجه فيه ظاهر، كما في كفاية المثل مع التصريح به أيضا. و أمّا كفايته مع الإطلاق فلعلها لأنّه المتبادر، و هو كذلك، سيّما مع ما هو الغالب من احتياج البائع إلى الثمن و التصرّف فيه، كما هو مورد الأخبار أيضا.

و كيف كان، فالمناط هو منظور المتعاقدين و ما يدلّ عليه من القرائن الحاليّة أو

المقاليّة.

و منه يظهر الحكم في اشتراط المشتري ارتجاع الثمن مع ردّ المبيع في مدّة مضبوطة، إلّا أنّ الغالب فيه إرادة ردّ شخصه عند الإطلاق.

______________________________

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6.

(2) راجع ص 384.

(3) و هو صاحب الحدائق 19: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 387

و قال أيضا: و لو اشترط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في البعض ففي صحّته نظر، من مخالفة النصوص، و عموم: «المسلمون عند شروطهم»، و هو أوجه «1».

أقول: و قد تنظّر فيه في الدروس أيضا «2».

و التحقيق: أنّه إن كان الشرط ردّ البعض دون ثبوت الخيار فالأوجه الصحّة، لعموم الوفاء بالشرط.

و إن كان ثبوت الخيار في البعض ففيه نظر، لما عرفت من أنّ دليله الإجماع- و تحقّقه في البعض غير ثابت- و الروايتان، و شمولهما له غير ظاهر، بل عدم الشمول أظهر، أمّا الأولى «3» فلحكمه عليه السّلام بأنّ جميع المبيع لو تلف إنّما هو من البائع، و أمّا الثانية «4» فلأنّها قضية في واقعة.

و منه يظهر فساد الشرط لو شرط خيار فسخ البعض في مدّة و فسخ البعض الآخر في مدّة أخرى، أو خيار فسخ الجميع بعضه في مدّة و بعضه في الأخرى.

[الفرع السابع ]

ز: يسقط هذا الخيار بالإسقاط في المدّة، إجماعا كما في الغنية «5»، و تدلّ عليه رواية السكوني المتقدّمة.

و يسقط أيضا بالتصرّف ممّن له الخيار في العوض المنتقل إليه، كما أنّ التصرّف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد، إذا كان الأول مفهما للرضا و الثاني للفسخ لا مطلقا.

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) الدروس 3: 269.

(3) راجع صحيحة ابن سنان المتقدمة في ص: 381.

(4) راجع رواية السكوني المتقدمة في ص: 381.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 388

أمّا الفسخ بالثاني فظاهر.

و أمّا اللزوم بالأول فتدلّ عليه- مضافة إلى ما مرّ في خيار الحيوان من العلّة المذكورة- رواية السكوني المتقدّمة.

و أمّا عدم اللزوم بمطلق التصرّف، فللزوم الاقتصار فيما خالف ما دلّ على ثبوت الخيار على القدر الثابت من النصّ، و لم يظهر منه الأزيد من الدالّ على الرضا كما مرّ.

مضافا إلى الأخبار المتقدّمة المجوّزة للبيع الشرطي بشرط ردّ الثمن، فإنّ الثمن ممّا يتصرّف فيه البتّة.

و من هذا يظهر أنّ تصرّف البائع في الثمن الواقع في الأغلب في البيع الشرطي في أمثال زماننا لا يوجب سقوط خياره.

[الفرع الثامن ]

ح: ثبوت خيار الشرط في العقود اللازمة مخالف لمقتضى الأصل، لكونه مخالفا لما دلّ على اللزوم، فلا يثبت إلّا فيما دلّ دليل على ثبوته فيه، و قد ثبت في البيع كما مرّ، و يثبت في عقود أخر أيضا، كما يأتي في موضعه.

و قد يتوهّم أصالة ثبوته في كلّ عقد، لعموم أدلّة الوفاء بالشرط.

و فيه: أنّه أمر مخالف للسنّة، فلا تجري فيه العمومات كما مرّ.

الرابع: خيار الغبن.

اشاره

و ثبوته للمغبون هو المشهور بين الأصحاب، خصوصا المتأخّرين منهم «1»، بل عليه الإجماع في الغنية و التذكرة «2»، و كثير من المتقدّمين- بل

______________________________

(1) منهم ابن فهد في المهذب 2: 374 و الكركي في جامع المقاصد 1: 243 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 463.

(2) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 588، التذكرة 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 389

أكثرهم كما في الدروس «1»- لم يذكروه، و نقل في الدروس عن المحقّق في درسه القول بعدمه، و نسبه إلى ظاهر الإسكافي، و ظاهر الكفاية التردّد فيه «2».

و الحقّ: ثبوته، لا لقوله سبحانه إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «3»، حيث إنّه لو علم المغبون لم يرض، لأنّ غاية ما يدلّ عليه جواز الأكل فيما كان تجارة عن تراض و عدم جوازه بالباطل، و أين هذا من الخيار؟! و من أين يثبت كون هذا بدون التراضي باطلا؟ مع أنّ ظاهر قوله:

تِجارَةً عَنْ تَراضٍ - كما صرّح به الأردبيلي في آيات الأحكام و نقله عن الكشّاف و مجمع البيان «4»- اشتراط التراضي حين العقد، فالآية على عدم الخيار أدلّ.

و لا لما روته العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تلقّي الركبان من أنّه إن تلقّاهم متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم

السوق «5»، المنجبر ضعفه بالشهرة، لعدم دلالته على كون الخيار لأجل الغبن، بل هو مطلق كما صرّح به في المنتهى، و قال: لأجل إطلاقه أفتى بعض العامّة مختار المتلقّى و إن لم يغبن «6»، و إنّما خصّه فيه و في غيره بصورة الغبن من جهة استنباط العلّة

______________________________

(1) الدروس 3: 275.

(2) الكفاية: 92.

(3) النساء: 29.

(4) زبدة البيان: 427.

(5) عوالي اللئالي 3: 210- 56.

(6) المنتهى 2: 1006.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 390

و المناسبة، و هو عندنا غير صالح للاستناد.

و لا للنصوص المصرحة بحرمة غبن المسترسل، و المؤمن، و النهي عنه «1»، لعدم دلالتها على الخيار.

بل لنفي الضرر و الضرار في أحكام الإسلام، كما ورد في المتواترة من الأخبار «2».

و المراد منه- كما بيّناه في موضعه-: أن كلّ حكم مستلزم للضرر فهو ليس من أحكام الشرع، و لا شكّ أنّ لزوم البيع هنا مستلزم للضرر، فهو ليس حكما للشرع، بخلاف صحة البيع، فإنّها حكم آخر غير اللزوم و لا يستلزم ضررا، فهي ثابتة قطعا، و هذا معنى الخيار.

و لا تضرّ معارضة أدلّة لزوم البيع لأخبار نفي الضرر، إذ لو رجّحنا الثانية بالأكثريّة و الأشهريّة في المورد و معاضدتها للاعتبار فهو، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و مقتضاه انتفاء اللزوم.

فإن قلت: الضرر كما يندفع بالخيار يندفع بالتسلّط على أخذ التفاوت أيضا، فاللازم من نفي الضرر عدم كون اللزوم و عدم التسلّط على التفاوت معا من حكم الشرع، بل يتعيّن انتفاء أحدهما، و لا دليل على كون المنفي هو الأول.

قلنا: يتعيّن الأول بالإجماع على بطلان الثاني، مع أنّه لو قطع النظر عن الإجماع تتعارض أدلّة لزوم البيع مع أدلّة تسلّط الغابن على ماله- الذي منه التفاوت- و الترجيح

مع الثاني، لموافقة الكتاب، على أنّه لو لا الترجيح لعمل بالأصل المقتضي لعدم اللزوم.

______________________________

(1) الوسائل 17: 395 أبواب آداب التجارة ب 9، و ج 18: 31 أبواب الخيار ب 17.

(2) الوسائل 18: 31 أبواب الخيار ب 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 391

نعم، يحصل الإشكال- كما في القواعد و التذكرة «1»- فيما إذا بذل الغابن التفاوت، و لذا قيل بعدم الخيار حينئذ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على المتيقّن المجمع عليه و المتحقّق به الضرر، و ليس منهما محلّ الفرض «2»، و احتمله بعض المتأخّرين «3»، و هو الأقوى، لذلك.

خلافا للمشهور، لاستصحاب الخيار الثابت بالإجماع في موضع النزاع.

و لأنّ دفع التفاوت لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن على اشتمالها عليه، لأنّه هبة مستقلّة.

و فيهما نظر، أمّا الأول فلمنع ثبوت الخيار أولا حتى يستصحب، بل نقول: ثبت بالمبايعة المشتملة على الغبن أحد الأمرين: إمّا بذل الغابن التفاوت أو خيار المغبون، و الإجماع على ثبوته أولا مطلقا ممنوع.

و أمّا الثاني، فلمنع كونه هبة مستقلّة، بل هو من مقتضى المعاوضة، لا بمعنى أنّه مقتضاها معيّنا، بل بمعنى أنّه مقتضى أحد الأمرين، و مع ذلك فخروج المعاوضة عن اشتمالها على الغبن ظاهر.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: يشترط في ثبوت هذا الخيار أمران:

أحدهما: جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد، فلو عرفها ثمَّ زاد أو نقص فلا خيار، و الظاهر عدم الخلاف فيه، و في المسالك الإجماع

______________________________

(1) القواعد 1: 143، التذكرة 1: 523.

(2) قال به في الرياض 1: 525.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    392     الفرع الأول ..... ص : 391

(3) الكاشاني في المفاتيح 3: 74.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 392

عليه «1»، و منه يظهر الوجه

فيه.

مضافا إلى خروج مثل ذلك عن عمومات نفي الضرر بالإجماع القطعي، بل الضرورة، فإنّ لكلّ أحد هبة ماله و إباحته و صلحه و بيعه بأقلّ من ثمن المثل، بل يدلّ عليه كلّ ما دلّ على لزوم ذلك، كأكثر الأخبار الدالّة على أنّ منجّزات المريض من الأصل أو الثلث «2»، و كذا يدلّ عليه عموم:

«الناس مسلّطون على أموالهم» و غير ذلك.

هذا إذا قلنا بكونه ضررا، و أمّا لو لم نقل به- كما هو المحتمل، لأنّ غير السفيه لا يفعل مثل ذلك إلّا لغرض فيجبر الضرر به- فالأمر أوضح.

و ثانيهما: الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتسامح بمثله عادة، فلو كان التفاوت يسيرا يتسامح بمثله في العادة فلا خيار، و لم أعثر فيه على خلاف أيضا.

و يدلّ عليه: أنّ المسامحة العاديّة تكون شاهد حال على الرضا بذلك التفاوت، و قد عرفت خروج الضرر مع الرضا عن عمومات نفيه.

بل نقول: إنّ ما يتسامح به عادة لا يوجب الزيادة أو النقصان في القيمة، لأنّ القيمة ليست شيئا معيّنا، بل هي ما يقابل به الشي ء عند أهل خبرته، فإذا تسامحوا بشي ء فيه لا يكون هذا تفاوتا في القيمة، بل القيمة تكون هي الواقع بين طرفي عدم التسامح، و لا يجب كونها أمرا معيّنا غير قابل للزيادة و النقصان، مع أنّ صدق الضرر على مثل ذلك عرفا ممنوع.

[الفرع الثاني ]

ب: الأقوى- كما في الدروس و المسالك «3»- فوريّة هذا الخيار،

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) الوسائل 19: 296 أبواب أحكام الوصايا ب 17.

(3) الدروس 3: 275، المسالك 1: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 393

لأدلّة لزوم كلّ بيع، و معناه عدم جواز نقضه في شي ء من الأوقات، خرج قدر الضرورة بالدليل فيبقى الباقي.

و

ظاهر المحقّق في الشرائع أنّه على التراخي «1»، للاستصحاب. و هو غير صالح لمقاومة العموم.

نعم، لو جهل أصل الخيار أو الفوريّة عذر إلى حين العلم بها.

[الفرع الثالث ]

ج: إذا حصل التصرّف، فإمّا يكون من الغابن خاصّة، أو من المغبون كذلك، أو منهما.

فإن كان من الغابن، فإمّا أن تكون العين باقية في ملكه بلا مانع من الردّ و لا تغيير، فحكمه ظاهر.

أو تكون كذلك مع التغيّر بالزيادة، فللمغبون الفسخ، لنفي الضرر، و يشترك الغابن بالنسبة إن كانت الزيادة عينيّة من ماله، لأصالة بقاء ماله في ملكه، و يبيع العين إن كانت عينيّة من اللّه- كالنماء المتّصل- أو وصفيّة مطلقا.

نعم، إن كانت زيادة الوصفيّة بعمل الغابن يحتمل قويّا استحقاقه اجرة عمله، لنفي الضرر.

أو بالنقيصة، إذ ليس دليل على ضمان الغابن لها و إن كان النقص بعمله، لكونه مأذونا من الشرع بالتصرّف فيه بأي نحو كان، و الأصل عدم ضمانه و عدم حلّيّة ماله إلّا بطيب نفسه.

و إن كان النقص مساويا للتفاوت الحاصل بالغبن أو أكثر منه فليس للمغبون الفسخ، إذ كان دليله نفي الضرر و الفسخ لا يجبره، فنفي الضرر لا

______________________________

(1) الشرائع 2: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 394

يثبته.

و إن كان أقلّ منه فيفسخ، و لا شي ء له بإزاء النقص، لما مرّ.

أو بالمزج، فإن كان بحيث يتميّز عمّا امتزج به عرفا، أو كان المزج مع المساوي من جنسه، فللمغبون الفسخ و يشترك الغابن بالنسبة، و إلّا فيكون حكمه حكم التالف، لأنّ الموجود طبيعة ثالثة.

أو تكون العين باقية في ملكه مع المانع من الردّ، فإن كان مانعا من ردّ الملكيّة- كالاستيلاد- فليس للمغبون الفسخ، لأنّه عبارة عن إرجاع الملك إلى المغبون و المفروض عدم إمكانه، و لا

شي ء آخر، للأصل. و إن كان مانعا من ردّ العين دون الملكيّة- كالإجارة- فله الفسخ و انتظار الانقضاء. و يحتمل عدم الخيار إن كان ضرر الانتظار مساويا لضرر الغبن أو أزيد، لما مرّ.

هذا على فرض ثبوت المانعيّة في الصورتين و ترجيح أدلّتها على دليل نفي الضرر، و إلّا فيتعارضان و تبقى أصالة عدم مانعيّة الاستيلاد و عدم لزوم الإجارة و عدم لزوم أصل البيع، فللمغبون الفسخ و الاسترداد.

أو تكون العين باقية لا في ملكه، بل إمّا ينقلب ملكها إلى الغير بأحد وجوه النقل أو بالعتق أو الوقف أو نحوهما، و الظاهر حينئذ أنّ للمغبون فسخ البيع الأول و العقد الطاري مطلقا، لتعارض أدلّة نفي الضرر و نفي ضمان المثل و القيمة مع أدلّة لزوم هذه العقود، و المرجع إلى الأصل، و مقتضاه ما ذكرنا.

مع أنّه إذا كان بنقل الملك إلى الغير فهو قد نقل الملك الثابت له و هو المتزلزل، و مقتضى لزوم هذا النقل عدم جواز نقضه من هذا الناقل لا عدم جوازه من الناقل الأول أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 395

أو تكون العين تالفة، و الظاهر أنّه ليس له الفسخ، لما مرّ في النقيصة، سواء في ذلك تلف الكلّ أو البعض، إلّا إذا كان البعض التالف أقلّ من التفاوت الحاصل بالغبن.

و إن كان التصرّف من المغبون خاصّة، فإن كان بعد العلم بالغبن و الخيار فيسقط الخيار، لمنافاته الفوريّة، و لأنّه رضا منه، و هو للخيار مسقط كما يأتي.

و إن كان قبلهما فالحكم كما إذا كان المتصرّف الغابن، إلّا في صورة النقيصة فليس له الفسخ مطلقا، لإيجابه ضرر الغابن، فيتعارض الضرران و يبقى لزوم البيع بحاله، و هو الوجه، لعدم الخيار في

صورة التلف مطلقا.

و تضمينه المثل أو القيمة لا دليل عليه.

و ممّا ذكرنا يظهر الحكم فيما إذا كان المتصرّف كليهما.

هذا كلّه إنّما هو مقتضى الأصول و إن لم ينصّ الأكثر على فتوى في أكثرها أو جميعها، و خالف في كثير منها جماعة.

[الفرع الرابع ]

د: يسقط هذا الخيار باشتراط عدم الفسخ للغبن لو ظهر، لعموم:

«المؤمنون عند شروطهم» «1».

و بإسقاطه بعد العلم بالغبن و الخيار، لإيجابه التراضي، و لأنّه رضا منه، و هو موجب لسقوط الخيار، للعلّة المنبّهة عليه في صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة «2»، و لأنّ الرضا بالضرر مسقط لحكم نفي الضرر، و لأجل ذلك يسقط بالإسقاط قبل العلم أيضا، إلّا أن يكون إسقاطه لاعتقاده عدم الغبن، فإنّه لا يسقط حينئذ بالإسقاط، لعدم دليل عليه، و عدم كونه رضا بالضرر.

______________________________

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6 ح 1 و 2 و 5.

(2) في ص 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 396

[الفرع الخامس ]

ه: ظاهر الأصحاب صحّة البيع المشتمل على الغبن مطلقا، سواء قصد الغابن الغبن و خدع المغبون أم لا.

و في رواية ميسر: «غبن المؤمن حرام» «1».

و في أخرى: «غبن المسترسل حرام» [1].

و في ثالثة: «لا تغبن المسترسل، فإنّ غبنه لا يحلّ» «3».

و في مجمع البحرين: الاسترسال: الاستئناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة فيما يحدّثه «4». انتهى.

و لا شكّ أنّ البيع أو الشراء الصادر عمّن قصد الغبن و الخديعة إمّا عين الغبن أو ملزومه، و أيّهما كان يبطل البيع، لمكان النهي، فإنّه يفسد المعاملة على الأقوى.

[الفرع السادس ]

و: لو علم المغبون مرتبة من الغبن، و لا يعلم الأزيد، و ثبت الأزيد، فالغبن في الزائد عمّا يعلم.

و لو أسقط الخيار في مرتبة و ثبت الأزيد كان الخيار له، لنفي الضرر.

الخامس: خيار تأخير إقباض الثمن و المثمن عن ثلاثة أيّام.

اشاره

فمن باع و لم يقبض الثمن و لا قبض المبيع فالبيع لازم ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن و إلّا فللبائع الخيار، بالإجماع المحقّق، و المنقول

______________________________

[1] الكافي 5: 153- 14، الوسائل 18: 31 أبواب الخيار ب 17 ح 1، و فيهما: غبن المؤمن سحت.

______________________________

(1) الكافي 5: 153- 15، التهذيب 7: 8- 22، الوسائل 18: 32 أبواب الخيار ب 17 ح 2.

(3) الوسائل 17: 385 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 7.

(4) مجمع البحرين 5: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 397

مستفيضا في كلام جماعة، كالانتصار و الغنية و التنقيح و التذكرة و الدروس و المسالك «1»، و ظاهر السرائر و المهذب «2»، و مع ذلك فالنصوص به مستفيضة:

كصحيحة زرارة: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمَّ يدعه عنده، يقول: حتى آتيك بثمنه، قال: «إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له» «3».

و صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: «الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه و إلّا فلا بيع بينهما» «4».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام و لم يجي ء فلا بيع بينهما» «5».

و في رواية: «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 210، الغنية (الجوامع الفقهية): 587، التنقيح 2: 48، التذكرة 1:

523، الدروس 3: 273 و لم يدّع الإجماع صريحا، المسالك

1: 180.

(2) السرائر 2: 277، المهذب البارع 2: 379.

(3) الكافي 5: 171- 11، الفقيه 3: 127- 554، التهذيب 7: 21- 88، الاستبصار 3: 77- 258، الوسائل 18: 21 أبواب الخيار ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 7: 22- 92، الاستبصار 3: 78- 259، الوسائل 18: 22 أبواب الخيار ب 9 ح 3.

(5) الفقيه 3: 126- 552، التهذيب 7: 22- 91، الاستبصار 3: 78- 260، الوسائل 18: 22 أبواب الخيار ب 9 ح 4، و في الجميع: فلا بيع له.

(6) الكافي 5: 172- 16، التهذيب 7: 21- 90، الوسائل 18: 21 أبواب الخيار ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 398

و أكثر تلك الأخبار و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى إقباض المبيع و عدمه، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على اشتراط عدمه، بل عبارات نقلة الإجماع مصرّحة به، فهو المقيّد للمطلقات.

مضافا إلى قوله: «فإن قبض بيعه» في الصحيحة الثانية، فإنّه يدلّ على عدم الخيار مع قبض المبيع، سواء كان بعد الثلاثة أو قبلها.

و في الغنية نسب ذلك إلى رواية الأصحاب، و لعلّه إشارة إلى هذه الصحيحة.

نعم، عن الشيخ القول بالخيار مع تعذّر قبض الثمن و إن قبض المبيع «1»، و قوّاه في الدروس «2»، لنفي الضرر.

و فيه: أنّ دفع الضرر بأخذ العين مقاصّة ممكن إن أمكن، و إلّا فليس للفسخ فائدة.

و ظاهر النصوص- كما ترى- بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت الخيار، كما هو المنقول عن الإسكافي «3» و أحد قولي الشيخ «4»، و مال إليه صاحب الكفاية «5».

و منع الظهور بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة فلا يفيد سوى نفيه لا وقع له، إذ لا دليل على كون المورد مورد توهّم اللزوم،

بل يمكن أن يكون مورد توهّم الصحة.

و كذا لا إشعار لتخصيص النفي في بعض تلك الأخبار بالمشتري

______________________________

(1) حكاه عنه في الدروس 3: 274 و انظر المبسوط 2: 148.

(2) الدروس 3: 274.

(3) نقله عنه في المختلف: 351.

(4) المبسوط 2: 87.

(5) الكفاية: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 399

بقوله: «فلا بيع له» إلى الخيار، لعدم انتفاء البيع له بثبوت الخيار عليه.

و لكنّ الحق- مع ذلك كلّه- في ثبوت الخيار، لأنّ البيع هو فعل صادر من البائع، و نفيه حقيقة غير صادق، لتحقّق البيع في السابق، و نفيه بعد الثلاثة لا معنى له، إذ لا بيع حينئذ مطلقا، فالمراد معناه المجازي، و هو إمّا المبيع أو حكم البيع مطلقا أو استمراره أو صحّته حينئذ أو لزومه، و إذا تعدّدت المجازات فيؤخذ بالمتيقّن- الذي هو نفي اللزوم- و يعمل في الباقي بالأصل.

و الحمل على نفي الصحّة- لكونها أقرب المجازات- غير جيّد، إذ لا دليل على تعيّن الحمل على مثل ذلك الأقرب.

و يشترط في ثبوت هذا الخيار عدم اشتراط التأجيل في الثمن أو المثمن أو بعض كلّ واحد منهما و لو ساعة، فلا يثبت ذلك الخيار في السلف و النسية مطلقا، بالإجماع.

مضافا في الأول إلى عدم إطلاق البيع المطلق على السلف في الأخبار، و إلى ظهور الصحيحتين في غيره، لمكان قوله: ثمَّ يدعه، في أولاهما، و: «إن قبض بيعه» في الثانية.

و في الثاني إلى ظهور جميع الأخبار في غيره، حيث إنّ مبدأ الثلاثة أيّام فيها- بحكم التبادر- وقت البيع، فالحكم- بأنّه إن لم يجي ء بالثمن فيها يكون البائع ذا خيار- قرينة على إرادة غير النسية.

هذا كلّه، مع أنّه على القول بشمول تلك الأخبار للنسية و السلف تكون الأخبار الدالّة

على لزوم كلّ من النسية و السلف- المذكورة في ثانيهما- معارضة مع تلك الأخبار بالعموم من وجه، فلو لم ترجّح الأوليين فالمرجع إلى أصالة لزوم مطلق البيع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 400

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: قبض البعض كلا قبض، لصدق عدم قبض الثمن و إقباض المثمن مجتمعا و منفردا.

[الفرع الثاني ]

ب: شرط القبض المانع كونه بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه، كما لو ظهر الثمن أو بعضه مستحقّا للغير.

[الفرع الثالث ]

ج: قال في المسالك: و لا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة و إن كان قرينة الرضا بالعقد، عملا بالاستصحاب «1».

و استشكل فيه بعضهم مع القرينة «2»، لمفهوم صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة «3». و هو في محلّه، بل السقوط أظهر.

و منه يظهر الوجه في سقوطه بالإسقاط و نحوه ممّا يدلّ على الرضا.

[الفرع الرابع ]

د: لو بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل الفسخ، ففي سقوط الخيار وجهان، منشأهما زوال الضرر و الاستصحاب، و الثاني أظهر، لأنّ كون الضرر مناطا استنباطيّا لا عبرة به.

[الفرع الخامس ]

ه: لو تلف المبيع بعد الثلاثة و ثبوت الخيار، كان من مال البائع، إجماعا محقّقا و منقولا «4» متواترا.

و تدلّ عليه- مضافا إليه و إلى ما يأتي- صحيحة ابن سنان: «لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له» «5».

______________________________

(1) المسالك 1: 180.

(2) انظر الرياض 1: 526.

(3) راجع ص 372.

(4) كما في المهذب البارع 2: 380، المقتصر: 169، كشف الرموز 1: 459، المسالك 1: 180، الرياض 1: 526.

(5) الفقيه 3: 126- 551، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 401

و كذا لو تلف قبل الثلاثة، على الأشهر الأقرب، بل في الخلاف الإجماع عليه «1».

للنبويّ: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع» «2».

و رواية عقبة بن خالد: في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه، غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه» «3».

و ذهب المفيد و السيّد و الديلمي «4» و من تبعهم- بل في الانتصار و الغنية الإجماع عليه «5»، و عن نكت الإرشاد الميل إليها أيضا- إلى أنّ تلفه من المشتري.

نظرا إلى ثبوت الناقل من غير خيار.

و لكون النماء له فيكون التلف عليه، لتلازم الأمرين، كما يستفاد من موثّقة إسحاق بن

عمّار و رواية معاوية بن ميسرة الواردتين في خيار الشرط «6».

______________________________

(1) الخلاف 3: 20.

(2) عوالي اللئالي 3: 212- 59، مستدرك الوسائل 13: 303 أبواب الخيار ب 9 ح 1.

(3) الكافي 5: 171- 12، التهذيب 7: 21- 89، الوسائل 18: 23 أبواب الخيار ب 10 ح 1.

(4) المفيد في المقنعة: 599، السيد في الانتصار: 210، الديلمي في المراسم:

172.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

(6) راجع ص 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 402

و الأول مردود بما مرّ من الدليل.

و الثاني بأنّه لا يدلّ على التلازم من الجانبين، بل على أنّ كون التلف من ماله مستلزم لكون الغلّة له دون العكس. فلا يفيد.

و قد يستدلّ بالإجماعين المحكيّين، و ضعفه عندنا ظاهر.

و عن ابن حمزة و ظاهر الحلبي: أنّ البائع إن عرض تسليمه على المشتري فلم يقبله فالثاني، و إلّا فالأول «1». و نفي عنه البأس في المختلف «2». و لا مستند تامّا له.

السادس: خيار ما يفسد من يومه.

اشاره

فلو اشترى أحد ما يفسد من يومه يلزم البيع إلى الليل، فإن أتى المشتري بالثمن و إلّا فللبائع الخيار، لمرسلة محمّد بن أبي حمزة أو غيره:

في الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه، و يتركه حتى يأتيه بالثمن، قال: «إن جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و إلّا فلا بيع له» «3». و إثبات الخيار بها مع ظهورها في البطلان قد مرّ وجهه.

و في رواية زرارة: «و العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلى الليل» «4».

و المستفاد من هذا التمثيل أنّ المراد بالفساد هنا مطلق النقص و التنزّل و لو في الوصف و الطراوة، و تكون لفظة: «من» بمعنى: في، أي ما ينقص

______________________________

(1) ابن حمزة في الوسيلة: 239،

الحلبي في الكافي في الفقه: 353.

(2) المختلف: 351.

(3) الكافي 5: 172- 15، التهذيب 7: 25- 108، الاستبصار 3: 78- 262، الوسائل 18: 24 أبواب الخيار ب 11 ح 1.

(4) الفقيه 3: 127- 555، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 403

بحسب الوصف في يومه، أو تكون ابتدائية، أي ينقص وصفا مبتدئا من يومه، فإنّ ما مثّل به كذلك، فإنّ أحسن ما يكون هو عليه هو أول يومه، ثمَّ ينقص شيئا فشيئا إلى أن يفسد بالمرّة.

و إنّما قلنا: أنّ المستفاد منه ذلك، إذ لا شكّ أنّ ما مثّل به ليس ممّا يفسد بالمرّة في اليوم قطعا.

نعم، ينقص وصفه من الطراوة و نحوها.

و فساده في يومه نادرا غير مفيد، إذ ما من شي ء إلّا و هو كذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا وقع لما استشكله في المسالك و غيره من أنّ الغرض من إثبات هذا الخيار تلافي ضرر البائع قبل تلف المبيع بأن يفسخ البيع و يبيعه لغيره قبل تلفه، و هذا المعنى يقتضي أن يكون الفسخ قبل التلف، و إذا كان مبدأ الخيار دخول الليل فليس المبيع ممّا يفسد ليومه، و الحال أنّ المسألة مفروضة فيما يفسد ليومه، و الرواية أيضا دالّة عليه، و حينئذ فثبوت الخيار بعد فساده لا وجه له، و إنّما ينبغي ثبوته إذا خيف فساده بحيث يتلافى أمره قبله «1». انتهى.

و وجه الدفع: أنّ المراد بالفساد ليس التلف حتى لا يكون وجه للخيار، بل ضرب من النقص، و لمّا كان النقص الحاصل في ظرف اليوم لم يكن ممّا يوجب كثير تفاوت و إنّما يحصل ذلك بمضيّ الليل على المبيع فأثبت الخيار بعد مضيّ اليوم.

و

قد يستدلّ على ثبوت ذلك الخيار بخبر الضرار.

و هو غير جيّد، لأنّه إن أريد ضرر المشتري فهو ممّا أقدم نفسه عليه

______________________________

(1) المسالك 1: 180 و الروضة 3: 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 404

حيث تركه و لم يأخذه، مع أنّ البيع من قبله ممكن.

و إن أريد ضرر البائع فهو إنّما يكون لو جعلنا الفاسد من ماله، و لكن لو قلنا: إنّه من مال المشتري، فلا ضرر عليه.

و كون التلف قبل القبض من مال البائع مطلقا- حتى فيما كانت العين باقية و إن فسدت- غير ثابت.

و لو سلّم فالضرر إنّما هو من الحكم بكون التلف قبل القبض من البائع لا من الحكم باللزوم، إذ مقتضى اللزوم كون التلف من المشتري، فلا ضرر لأجله على البائع، فالحكم الموجب للضرر كون التلف من البائع، فلو أثّر نفي الضرر لأثّر في رفع هذا الحكم دون اللزوم.

هذا، و التحقيق: أنّ كون التلف قبل القبض على البائع نوع من الضرر، فدليله أخصّ مطلقا من أدلّة نفي الضرر، فيجب تخصيصها به، و لكون الضرر الحاصل في المقام من أفراد هذا النوع فلا يكون منفيّا في الشرع و لا داخلا تحت أدلّة نفي الضرر، فلا وجه للاستدلال بها في المقام.

و من ذلك يظهر ضعف ما ارتكبه جماعة من المتأخّرين من إثبات الخيار في كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك و عدم تقييده بالليل، و التأخير فيما يفسد في يومين إلى حين خوف الفساد «1»، و غير ذلك من التفريعات.

فرع:

يشترط في هذا الخيار ما اشترط في سابقة، من عدم قبض المثمن، و إقباض الثمن، و عدم التأجيل في أحدهما، أمّا الأولان فلأنّهما مورد النص، و أمّا الثالث فلما مرّ في

السابق.

______________________________

(1) كما في الدروس 3: 274 و جامع المقاصد 4: 299 و المسالك 1: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 405

السابع: خيار الرؤية.

اشاره

و هو إنّما يثبت في بيع الأعيان الموجودة في الخارج من غير مشاهدة حال البيع إذا كان بالوصف و ظهر عدم المطابقة، أو برؤية قديمة إذا ظهر بخلافها، فإن ظهرت النقيصة كان الخيار للمشتري إن كان هو الموصوف له، و إن ظهرت الزيادة كان للبائع إن كان هو كذلك.

و كأنّه لا خلاف فيه كما في الكفاية «1»، بل بلا خلاف كما في شرح الإرشاد للأردبيلي و غيره «2»، بل بالاتّفاق كما في الحدائق «3»، بل بالإجماع كما في شرح المفاتيح، [بل ] [1] بالإجماع المحقّق، له.

و لصحيحة جميل: رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلمّا أن نقد المال و صار إلى الضيعة فقلبها ثمَّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّه لو قلب منها أو نظر إلى تسع و تسعين قطعة ثمَّ بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية» «5».

و هي و إن كانت خالية عن ذكر التوصيف و المخالفة، إلّا أنّه لا بدّ من [تقييدها] [2]، للإجماع على اختصاص خيار الرؤية بتلك الصورة، أو لأنّ ذلك معنى خيار الرؤية.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

[2] في النسخ: تقديرها، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) الكفاية: 92.

(2) مجمع الفائدة 8: 410.

(3) الحدائق 19: 56.

(5) الفقيه 3: 171- 766 بتفاوت، التهذيب 7: 26- 112، الوسائل 18: 28 أبواب الخيار ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 406

مضافا إلى أنّ إطلاقها أيضا لو كان لكفى، لشموله المطلوب و خروج ما خرج

بالدليل، أو يتعدّى إلى المطلوب بالأولويّة، كما يتعدّى بها أو بعدم الفصل إلى غير مورد الصحيحة، و هو الذي لم ير شيئا من المبيع إن جعل المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئيّة، و فيما إذا ظهرت الزيادة و كان الخيار للبائع.

و يدل على المطلوب أيضا النبويّ المنجبر بما ذكر: «من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار» «1».

و ما رواه في التذكرة عن طريق الخاصّة: أنّهم سألوا عن بيع الجرب [1] الهرويّة، فقال: «لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فإن وجدها كما ذكرت و إلّا ردّها» «3»، أي يجوز له ردّها، مع أنّ الردّ ليس على الوجوب إجماعا، بل المعنى: إن شاء، و هو معنى الخيار.

و قد يستدلّ على المطلوب في جميع الصور بنفي الضرار و الضرر بضميمة عدم قول يجبره بنحو آخر.

و فيه نظر، لأنّه أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بما تضمّن الغبن، و حينئذ فليس هو غير خيار الغبن، إلّا أن يقال بشموله لما لم يكن ذو الوصف المخالف مطلوبا للمشتري أصلا مع عدم المغبونيّة أيضا، و حينئذ فيمكن إتمام الاستدلال بضميمة الإجماع المركّب.

و قد يستدلّ أيضا بما ورد من كراهة شراء ما لم يره «4»، و من ثبوت

______________________________

[1] الجراب: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ و الدقيق و نحوهما و منه: الجراب الهروي، و الجمع: جرب- مجمع البحرين 2: 23.

[1] الجراب: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ و الدقيق و نحوهما و منه: الجراب الهروي، و الجمع: جرب- مجمع البحرين 2: 23.

______________________________

(1) سنن الدارقطني 3: 4- 8 و 10.

(3) التذكرة 1: 524.

(4) الوسائل 18: 33 أبواب الخيار ب 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 407

الخيار في

شراء سهام القصّابين.

و فيهما نظر، لعدم دلالة الأول على ثبوت الخيار، و خروج الثاني عن مورد المسألة.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: هل هذا الخيار على الفور، أو التراخي؟

فيه وجهان، أشهرهما- كما قيل «1»-: الأول، اقتصارا فيما خالف أدلّة لزوم العقد على أقلّ ما يندفع به الضرر.

و قد يقال: و هو كان حسنا لو كان المستند مجرّد أدلّة نفي الضرر، و لكنّك عرفت النصّ المطلق أيضا، فإطلاقه يثبت الثاني.

أقول: إنّه كان حسنا لو كان النصّ مطلقا، و لكنّه لا إطلاق فيه، إذ غايته إثبات خيار الرؤية، و يكفي في ثبوته و تحقّقه ثبوته في وقت واحد، فيقتصر فيه على القدر المعلوم، إلّا أن يتمسّك بالاستصحاب، و لكن يعارضه استصحاب حال العقل، حيث إنّ قبل ظهور المخالفة لم يكن خيار أصلا، و لم يعلم بالظهور أزيد من ثبوته في الوقت المتّصل بوقت الظهور، فالأصل عدم ثبوته بعده.

فإذن الأجود ما عليه الأكثر.

[الفرع الثاني ]

ب: لو كان التوصيف من ثالث و زاد و نقص باعتبارين، كان الخيار للمتبايعين، فإن فسخا فهو و إلّا يقدّم الفاسخ، و الوجه ظاهر.

[الفرع الثالث ]

ج: لو رأى البعض و وصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم

______________________________

(1) قال به في الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 408

المطابقة، لصحيحة جميل المتقدّمة «1». و احتمال رجوع الإشارة إلى خصوص القطعة غير مضرّ، لإمكان الإتمام بدخول الضرر بتبعّض الصفقة في بعض الصور الغير المنجبر بما ذكر إجماعا، و التعدّي إلى البواقي بالإجماع المركّب.

و تدلّ عليه أيضا الرواية المنقولة عن التذكرة «2»، لشمول إطلاقها لما ذكر.

و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان المجموع جنسا واحدا أو جنسين إذا بيع بعقد واحد.

[الفرع الرابع ]

د: لو نقص وصف و لكنّه زاد آخر- بحيث يجبر الناقص- ثبت خيار المشتري أيضا، لإطلاق النص.

[الفرع الخامس ]

ه: هل يجوز اشتراط إسقاط هذا الخيار حين العقد، أم لا؟

استشكل فيه الفاضل في التحرير «3».

و قطع الشهيد الثاني بعدم سقوطه «4».

و استقرب في الدروس بطلان العقد به «5». و هو الأقرب، لبطلان الشرط، لكونه مخالفا للسنّة.

نعم، لو شرط عدم الفسخ- لو ثبت له الخيار- جاز و لزم، و لم يؤثّر الفسخ لو فسخ.

[الفرع السادس ]

و: لو شرط البائع إبدال المبيع إن ظهرت المخالفة فاستقرب في

______________________________

(1) في ص 405.

(2) راجع ص 406.

(3) التحرير 1: 167.

(4) المسالك 1: 182.

(5) الدروس 3: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 409

الدروس الفساد «1»، و قال في الحدائق بالصحّة مع عدم الظهور و الفساد معه «2».

و التحقيق: أنّه إن كان المشروط عدم الفسخ و تملّك البدل بهذا العقد فهو فاسد قطعا، لبطلان الشرط.

و إن كان الإبدال بعقد آخر بعد ردّ المبدل منه و فسخه فلا فساد فيه، لأنّه شرط سائغ و كان مرادا من الأول، فيكون صحيحا.

و أمّا ما في الحدائق فهو غير جيّد جدّا.

الثامن: خيار الاشتراط.

اشاره

و هو خيار مخالفة الشرط.

و توضيحه: أنّه إذا لم يف المشروط عليه بالشرط الواقع في متن العقد ففيه أقوال:

الأول: عدم عصيانه و عدم وجوب الوفاء بالشرط عليه، بل للمشروط له خيار الفسخ، و فائدة الشرط جعل العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط، نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور.

الثاني: وجوب وفائه به و عصيانه بتركه و عدم ثبوت الخيار له إلّا مع تعذّر التوصّل إلى الشرط و لو بإجبار المشروط عليه و رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذّر ثبت له الخيار، ذهب إليه جماعة، منهم: المسالك و كفاية الأحكام «3»، و عن السرائر و الغنية الإجماع عليه «4».

______________________________

(1) الدروس 3: 276.

(2) الحدائق 19: 59.

(3) المسالك 1: 191، الكفاية: 97.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 410

الثالث: وجوب الوفاء، و لو لم يف فالمشروط له مخيّر بين الإجبار مع الإمكان و الفسخ، و إن لم يمكن فله الفسخ.

الرابع: وجوب الوفاء، فإن امتنع فله الفسخ، و هو ظاهر الدروس «1».

الخامس: إنّ الشرط إن كان ممّا يكفي العقد في

تحقّقه من دون احتياج إلى صيغة أخرى- كشرط الوكالة في عقد الرهن- فهو لازم، و لا خيار فيه إلّا مع تعذّر تحصيل الشرط، و إن احتاج إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد- كشرط الرهن على الثمن، أو العتق- فلا يجب الوفاء به، بل يجعل العقد اللازم جائزا. نسب إلى الشهيد «2».

و لا أرى على هذا التقرير فرقا بين هذا التفصيل و القول الأول، إذ ما يكفي العقد في تحقّقه فيتحقّق الشرط بتحقّق العقد، فلا يكون الشرط منتفيا حتى يبقى خيار.

ثمَّ إنّهم استدلّوا للأول بأصالة عدم وجوب الوفاء.

و عدم لزوم العقد بدون الشرط.

و كون الانتقال معلّقا على الشرط، فلا يحصل الانتقال اللازم بدونه.

و يردّ الأصل الأول بأدلّة وجوب الوفاء بالشرط، سيّما في ضمن العقد، كما ذكرناها في كتاب عوائد الأيّام.

و الثاني بعمومات لزوم البيع.

و الثالث بمنع كون الانتقال معلّقا، و إنّما هو إذا كان الشرط بالمعنى الأصولي، و ليس كذلك، بل هو بالمعنى اللغوي، الذي هو الإلزام و الالتزام، مع أنّه لو أريد به المعنى الأصولي لاقتضى انتفاء البيع انتفاء الشرط من غير

______________________________

(1) انظر الدروس 3: 214.

(2) نسبه في المسالك 1: 191 و الروضة 3: 507 إلى بعض تحقيقاته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 411

حاجة إلى الفسخ، بل يكون العقد من رأسه باطلا و لو وفى بالشرط، لإيجابه التعليق.

و دليل الثاني: أمّا على وجوب الوفاء فما مرّ.

و أمّا على التسلّط على الإجبار فلكونه تاركا للواجب.

و أمّا على التسلّط على الفسخ مع التعذّر فكأنّه الإجماع المنقول، و أدلّة نفي الضرر.

و الأولان صحيحان.

و أمّا الثالث، فيردّ بعدم حجّيّة الإجماع المنقول، و إمكان جبر الضرر بغير الخيار من تقاصّ و نحوه، مع أنّ كلّ شرط ليس ممّا

يتضمّن انتفاؤه الضرر.

و أدلّة سائر الأقوال تظهر ممّا مرّ.

أقول: و يمكن أن يستدلّ للمقام برواية أبي الجارود: «إن بعت رجلا على شرط، فإن أتاك بمالك و إلّا فالبيع لك» «1».

وجه الاستدلال: أنّ الشرط فيها مطلق يعمّ جميع الشروط، فإن جعلت لفظة «ما» في قوله: «مالك» موصولة، و «اللام» جارّة، يثبت المطلوب في جميع الموارد.

و إن جعلت لفظة «ما» جزءا للكلمة و كذلك «اللام»، فإمّا يراد بالمال المشروط مطلقا مجازا، أو يخصّ الشرط بالماليّة و يتعدّى إلى الغير بالإجماع المركّب و يثبت تمام المطلوب، و كذلك في الشروط التي للمشتري و خياره.

______________________________

(1) التهذيب 7: 23- 97، الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 412

و أمّا إرادة الثمن من المال فهو- مع كونه تخصيصا بلا مخصّص- يوجب لغويّة قوله: «على شرط»، إلّا أن يخصّ بشرط إتيان الثمن في وقت معيّن خاصّة، و هو أيضا تخصيص بلا مخصّص، مع أنّه أيضا يثبت المطلوب بضميمة الإجماع المركّب.

و أمّا تخصيص الشرط بشرط خيار الفسخ مع عدم الإتيان بالثمن فهو تخصيص لا وجه له، بل إخراج للأكثر.

و أمّا إرادة الخيار من قوله: «فالبيع لك» فبمثل التقريب المتقدّم في قوله: «لا بيع له» «1»، و على هذا فيكون الخيار ثابتا له، و له الإجبار أيضا، لأدلّة عموم لزوم الوفاء بالشرط، و استحقاق المشروط له، و عدم منافاة ثبوت الخيار له أيضا.

فإذن الحقّ هو القول الثالث.

و لو تلف المبيع قبل الوفاء بالشرط انتفى الخيار بالتقريب المتقدّم، و بقي حقّ المطالبة و الإجبار.

و الظاهر فوريّة هذا الخيار أيضا، للاقتصار على القدر المتيقّن.

و التمسّك بإطلاق النصّ، فيه ما مرّ سابقا، و اللّه العالم.

مسألة:

إن مات من له

الخيار انتقل الخيار إلى الوارث، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في موضعين من التذكرة و ظاهر السرائر «2»، و نفى عنه الشبهة في المسالك «3»، و قيل: بلا خلاف «4»، و قيل: و لا يعرف في ذلك

______________________________

(1) راجع ص: 397.

(2) التذكرة 1: 536 و 537، السرائر 2: 249.

(3) المسالك 1: 181.

(4) الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 413

خلاف، و هو الحجّة في المقام.

و قد يستدلّ بالنبوي: «ما ترك الميّت من حقّ فهو لوارثه» «1».

و هو يتمّ لو ثبت كون الخيار ممّا ترك و بقاؤه بعد الموت.

و استصحابه غير صحيح، لتغيّر الموضوع.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بعمومات الإرث «2».

و الاحتجاج باستصحاب تزلزل ملكيّة الطرف الآخر- الموجب لثبوت الخيار للوارث بالإجماع المركّب- يضعف بمعارضته بأصالة عدم حدوث خيار للوارث أو غيره المزيل للتزلزل، لأنّه ليس إلّا كون الملك بحيث يثبت فيه الخيار لأحد.

كما يضعف الاحتجاج بأنّ ملكيّة ذي الخيار لمّا انتقل إليه كانت متزلزلة فيجب كونها كذلك للوارث أيضا، بمنع الملازمة، فإنّ ملكيّة الوارث ثابتة بعمومات الإرث، و هي ظاهرة في المستقرّة، و لو منع الظهور فالأصل عدم تسلّطه على الطرف الآخر.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: قال في التحرير: لو جعل الخيار لأجنبي فمات، فالوجه عدم سقوط الخيار، بل ينتقل إلى الوارث لا إلى المتعاقدين «3». انتهى.

أقول: كان الوجه ما ذكره لو كان المناط في الانتقال النبوي المتقدّم أو آيات الإرث، و أمّا على ما ذكرنا- من أنّه الإجماع- فالوجه السقوط، حيث

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 2: 914- 2738، مسند أحمد 2: 453، بتفاوت.

(2) الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1.

(3) التحرير 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 414

لم يثبت الإجماع هنا.

[الفرع الثاني ]

ب: لو شرط عدم انتقال الخيار إلى الوارث، فالوجه صحّته و عدم الانتقال، لأنّ الثابت من الإجماع انتقال ما ليس كذلك من الخيارات.

نعم، تشكل الصحّة لو تمّت دلالة الظواهر على الانتقال، لأنّ الشرط حينئذ يكون مخالفا للسنّة.

[الفرع الثالث ]

ج: إن كان الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقيّة المدّة المضروبة، فلو كان غائبا أو حاضرا و لم يبلغه الخبر حتى انقضت المدّة سقط خياره.

[الفرع الرابع ]

د: إن كان الخيار خيار غبن اعتبر فيه الفوريّة، لعدم ثبوت الزائد منها عن الإجماع. و الظاهر أنّ الفوريّة المعتبرة فيه من حين بلوغ الخبر و علمه بالفوريّة.

[الفرع الخامس ]

ه: لا يثبت من أدلّة انتقال الخيار إلى الوارث أزيد من أنّه كما كان للمورّث ينتقل إلى مجموع الورثة، لأنّ الخيار نفسه ليس ممّا يتخصّص بالحصص، و لا دليل على تخصيصه بالنسبة إلى ما فيه الخيار، بأن يكون لكلّ وارث فسخ حصّته منه، على أنّ مورّثهم لم يملك إلّا فسخ الجميع و المنتقل إليهم إنّما هو حقّه.

و على هذا، فليس للوارث مع التعدّد التفريق، بأن يفسخوا في البعض و يجيزوا في البعض، بل لهم إمّا فسخ الجميع أو قبوله.

و لو اختلفت الورثة في الفسخ و الإجازة، قيل: يقدّم الفسخ «1»، فبفسخه ينفسخ الجميع أو حصّته خاصّة مع تخيّر الآخر، لتبعّض الصفقة.

و تنظّر فيه جماعة «2»، و هو في موقعه، بل الحقّ تقديم الإجازة، فإذا

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 181 و الحدائق 19: 71.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 93 و صاحب الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 415

أجاز واحد لزم البيع في الجميع، إذ لم يثبت أثر إلّا لفسخ الجميع، الذي هو بمنزلة فسخ المورّث، فإذا أجاز واحد بقي خيار الآخر بلا أثر، بل لا خيار لهم، إذ لم يثبت إلّا خيار الجميع، و ينتفي الكلّ بانتفاء جزئه.

و كونه موجبا لإبطال حقّ من يريد الفسخ- مع معارضته بكون تقديم الفسخ أيضا مبطلا لحقّ إجازة الآخر- مردود بمنع كون الخيار حقّا للبعض، و إنّما هو أمر ثابت للجميع من حيث هو، على أن لا حجر في إبطال حقّ يستلزمه استيفاء حقّ.

[الفرع السادس ]

و: إذا كان الخيار في بيع الأرض أو شرائها، فهل للزوجة الخيار، أم لا؟ استشكل فيه في القواعد «1»، و استبعد في شرحه للشيخ علي في إرثها من الخيار في الأرض المشتراة «2».

و

إذ عرفت أنّ الخيار إنّما هو للجميع دون كلّ واحد تعلم دخولها في أهل الخيار، إذ لم يثبت من أدلّة الانتقال إلّا الانتقال إلى الجميع، الذين منهم الزوجة، فلم يعلم الانتقال إلى من سواها خاصّة.

نعم، لو انحصر الوارث فيها فالحقّ- على ما ذكرنا من انحصار الدليل بالإجماع- عدم انتقال الخيار إليها، و أمّا على الاستدلال بالظواهر يجب الحكم بالثبوت، لعدم مخرج لإرث الزوجة عن الخيار.

ثمَّ في صورة عدم الانحصار، فإن كان ذو الخيار المورّث بائعا، فإن لم تجوّز الزوجة الفسخ ترث حصّتها من الثمن، و إن اختارت الفسخ مع سائر الورثة لم ترث من الأرض و لا من ثمنها، لأنّ بعد الفسخ يستحقّ المشتري الثمن من مال البائع، إذ انتقاله إليه كان من جهة البيع و قد انفسخ،

______________________________

(1) القواعد 1: 143.

(2) جامع المقاصد 4: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 416

و انتقال حصّتها من الثمن إليها قبل الفسخ كان انتقالا متزلزلا.

هذا إذا كان الشرط مطلقا.

و إن كان مقيّدا بردّ الثمن، فيتبع الحكم ما قرّرته الزوجة أولا، فإن اختارت الفسخ مع ردّ الثمن من مال الميت تنقص حصّتها من الثمن، و إن اختارته مع ردّه من مال سائر الورثة لم تنقص.

و إن كان ذو الخيار مشتريا، فإن اختارت الزوجة الإجازة لم ترث من الأرض، و إن اختارت الفسخ ورثت من الثمن.

[الفرع السابع ]

ز: لو أسقط بعض الورثة ماله من الخيار ليس له الرجوع بعده، لأنّ الثابت من الإجماع خيار غير مثل ذلك الشخص. و لا يفيد الاستصحاب، لأنّ الثابت له أولا لم يكن إلّا حقّه قبل الإسقاط- أي ما لم يسقط- فيتعارض الاستصحابان.

[الفرع الثامن ]

ح: لو كان الوارث صغيرا أو مجنونا قام وليّه مقامه، و كذا لو جنّ ذو الخيار.

مسألة: ذهب أكثر الأصحاب [إلى أنّ المبيع يملك بالعقد]

- بل عن ظاهر السرائر و صريح موضع من التذكرة الإجماع عليه- [إلى ] [1] أنّ المبيع يملك بالعقد «2».

و عن الإسكافي: أنّه يملك بانقضاء الخيار مع عدم الفسخ «3»، و هو المحكيّ عن الشيخ إذا كان الخيار لهما أو للبائع، و إلّا فكالأول على ما في الخلاف «4»، أو يخرج من ملك البائع و إن لم يدخل في ملك المشتري، كما

______________________________

[1] ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(2) السرائر 2: 248، التذكرة 1: 533.

(3) حكاه عنه في الدروس 3: 270.

(4) الخلاف 3: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 417

عن المبسوط «1».

و الحقّ هو: الأول، لصدق البيع المقتضي للملك شرعا بعموماته.

و فقد المانع المعلوم، إذ ليس إلّا ثبوت الخيار، و منافاته له غير معلومة، بل عدمها معلوم كما في خيار العيب.

و لإطلاق كثير من النصوص «2»، الدالّة على جواز بيع المبتاع قبل القبض مطلقا كما في بعض، و من البائع كما في آخر، و أنّ ربحه للمشتري البائع ثانيا، و في بعضها صرّح بعدم قبض شي ء من الثمن و المثمن.

وجه الاستدلال: أنّه يدلّ على جواز بيع المشتري لنفسه، و أنّ ربحه له، المستلزم لكونه ملكا له، سواء كان له خيار أو لا، إلّا أنّ دلالته إنّما هو فيما إذا كان الخيار للبائع، لمعارضته مع ما هو أخصّ منه مطلقا ممّا يدلّ على عدم جواز البيع فيما إذا كان الخيار للمشتري إلّا مع إسقاطه الخيار، كرواية السكوني المتقدّمة في خيار الشرط: في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: «ليشهد أنّه قد رضيه و استوجبه،

ثمَّ ليبعه إن شاء» «3».

و رواية الشحّام: عن رجل ابتاع ثوبا من أهل السوق لأهله و أخذه بشرط فيعطى به ربحا، قال: «إن رغب في الربح فليوجب على نفسه الثوب، و لا يجعل في نفسه إن ردّه عليه أن يردّه على صاحبه» «4».

و يؤيّد المطلوب- بل يدلّ عليه أيضا- إطلاق ما يدلّ على [أنّ ] [1]

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المبسوط 2: 83.

(2) الوسائل 18: 65 أبواب أحكام العقود ب 16.

(3) تقدّمت في ص: 381.

(4) التهذيب 7: 26- 111، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 12 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 418

مال العبد للمشتري مطلقا، أو مع علم البائع، أو مع الشرط «1».

و قد يستدلّ أيضا بمفهوم النصوص الآتية، الدالّة على أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه من دون تقييد بمضيّ زمان الخيار «2»، فإنّه يدلّ على أنّ التالف بعد القبض من مال المشتري و إن كان له خيار، و لو لا أنّه ملكه لم يكن كذلك.

و بخصوص موثّقة إسحاق بن عمّار و رواية معاوية بن ميسرة، المتقدّمتين «3» في خيار الشرط، المصرّحتين: بأنّ كلّا من النماء و التلف في مدّة الخيار من مال المشتري. و اختصاصهما بنوع من الخيار بعدم القول بالفصل منجبر.

و بتعليق إباحة التصرّف في الكتاب و السنّة على المراضاة و المبايعة، فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليه.

و بأنّ الصحّة هنا ترتّب الأثر، فإن وصف المبيع بها حال وقوعه ثبت المطلوب، و إلّا فلا معنى للخيار.

و بأنّه لو لا انتقال الملك إلى المشتري لكان موقوفا، فلم يكن فرق بين بيع المالك و الفضولي، و هو باطل «4».

و في الكلّ نظر:

أمّا

الأول، فلكون إطلاق مفهومه معارضا مع إطلاق المنطوق الذي هو أقوى، مضافا إلى معارضته مع ما هو أصحّ منها سندا، كصحيحة ابن

______________________________

(1) الوسائل 18: 252 أبواب بيع الحيوان ب 7.

(2) انظر ص: 418.

(3) في ص: 384.

(4) انظر الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 419

سنان: عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال:

«على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام، و يصير المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم يشترط، و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع» «1»، و قريبة منها رواية البصري «2».

و اختصاصهما بخيار الحيوان أو الشرط غير ضائر، لما مرّ.

و أمّا الثاني، فلمعارضته من جهة التلف مع ما تقدّم، و من جهة النماء مع صحيحة الحلبي المتقدّمة في خيار الحيوان: في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمَّ ردّها، قال: «إن كان في تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء» «3».

و ترجيح الموثّقة و أختها على الصحيحة و صاحبتها بالشهرة و مخالفة العامّة- كما وقع عن بعضهم «4»- غريب، لأنّ أصل الحكم في النوعين- و هو بكون التلف ممّن لا خيار له، و هو المشتري في النوع الأول، و البائع في الثاني- مشهور بين الأصحاب، بل- كما صرّحوا به- عليه إجماعهم، فلا يوجب كون ما يدّعى لزومه شرعا لأحدهما مشهورا مخالفا للعامّة ترجيحا من هاتين الحيثيّتين، كما هو ظاهر جدّا.

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 3، التهذيب 7: 24- 103، الوسائل 18: 14،

15 أبواب الخيار ب 5 ح 2، 3 و أورد ذيله في ص 20 ب 8 ح 2.

(2) الكافي 5: 171- 9، التهذيب 7: 24- 104، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 1.

(3) راجع ص: 380.

(4) انظر الرياض 1: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 420

و أغرب منه الترجيح بصراحة الدلالة، فإنّها في النوعين على نسق واحد، بل دلالة الثاني أتمّ بواسطة مفهوم قوله: «و يصير المبيع للمشتري»، مضافا إلى ترجيحه بصحّة السند.

و التحقيق: انتفاء اللزوم بين الحكم بكون التلف من أحدهما و ثبوت الملكيّة له، لعدم دليل عليه من عقل أو شرع، و لذا يكون التلف من البائع قبل القبض و إن لم يكن خيار فيه أيضا، و كذا في زمن الخيار للمشتري عند القائلين بتملّكه. فالاستدلال بذلك ساقط رأسا، بل و كذلك في النماء أيضا، فإنّه لا دليل على استلزام كون النماء لشخص كون الملك له أيضا.

و أمّا الثالث، فلمنع الملازمة المذكورة بقوله: لو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق.

و أمّا الرابع، فلمنع قوله: ثبت المطلوب، إذ يكفي في الصحة كون الأثر هو الملكيّة الحاصلة بمضيّ مدّة الخيار.

و أمّا الخامس، فلمنع لزوم عدم الفرق إن أريد مطلقا، و منع بطلان اللازم إن أريد من وجه.

دليل الإسكافي: الأصل. المندفع بما مرّ.

و ما يدلّ على أنّ التّلف من البائع كما سبق. و ضعفه قد ظهر.

و مفهوم قوله: «و يصير المبيع للمشتري».

و جوابه- بعد كونه أخصّ من مدّعاه، حيث إنّه يختصّ بالخيار الثابت للمشتري خاصّة و بخيار الحيوان و عدم ثبوت الإجماع المركّب، و لذا أفتى بعض المتأخّرين بوضوح الحكم في خيار الشرط، و استشكل في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص:

421

خيار الحيوان «1»-: أنّه لم يحكم بهذا الجزء من الحديث سوى الإسكافي، فهو مخالف لشهرة القدماء، بل الإجماع، فعن درجة الحجّية ساقطة.

و لم نقف على دليل للشيخ، سيّما على النقل الأخير.

ثمَّ إنّه تظهر ثمرة الخلاف في الأخذ بالشفعة، و في جريانه في حول الزكاة، و غير ذلك، و قالوا في النماء المتجدّد في زمان الخيار، و يأتي بيانه.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: يظهر منهم أنّ تبعيّة الملكيّة المستقرّة في النماء المتجدّد في زمن الخيار لملكيّة الأصل قاعدة كلّية ثابتة.

و لذا فرّع الأكثر على ملكيّة المشتري كون النماء المتجدّد له و إن فسخ البائع، و قالوا: ليس له مطالبة المشتري بالنماء و لا بمثله، أو قيمته مع تلفه.

و قال بعض المتأخّرين- بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدّمة «2»، المصرّحة بوجوب ردّ ثلاثة أمداد للبن الشاة المردودة بعد ثلاثة أيّام- إنّ ما مرّ من أنّ الغلّة في زمن الخيار للمشتري فهو مختصّ بخيار الشرط.

و قال بعض آخر- بعد نقل موثّقة إسحاق بن عمّار، الدالّة على أنّ الغلّة للمشتري «3»، و نقل الروايات الواردة في خيار العيب، الدالّة على ما يخالف ذلك ظاهرا-: و يمكن الجمع بينهما بحمل الموثّقة و نظائرها- الدالّة على أنّ النماء في زمان الخيار إنّما هو للمشتري- على خيار الشرط و اختصاص الحكم به دون غيره من أنواع الخيار، و ورود تلك الأخبار في

______________________________

(1) كما في الكفاية: 93.

(2) في ص: 380.

(3) راجع ص: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 422

خيار الشرط مؤيّد لذلك الحمل، انتهى.

و يظهر منهما عدم كلّية القاعدة.

و هو و إن كان مخالفا لما هو المشهور، و لمقتضى استصحاب ملكيّة النماء الثابتة حال الخيار قطعا بلا معارض، إلّا أنّ صحيحة الحلبي و المستفيضة الواردة في

خيار العيب «1» تساعده، و أظهر منها موثّقة إسحاق ابن عمّار و رواية معاوية بن ميسرة المتقدّمتان «2»- و مخالفة العلّيّة للشهرة بعد اشتهار الحكم الذي هو العلّة و استنادهم في الحكم إلى هذين الخبرين غير ضائر- الدالّتان على أنّ النماء لمن عليه التلف، فهو الأظهر إلّا أن يثبت الإجماع على الكلّية، و هو محلّ نظر.

و ظاهر الموثّقة و الرواية كون النماء لمن عليه التلف و إن لم يفسخ البيع بالخيار، و لعلّ الحكم به مستبعد.

[الفرع الثاني ]

ب: يجوز للمشتري التصرّف في المبيع، و للبائع في الثمن، و إن لم يوجبا البيع على نفسهما قبل التصرّف، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم.

و لا فرق في التصرّفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرّف خاصّة إذا لم يكن متلفا و لا ناقلا، و إن كان كذلك فإمّا يكون الخيار للمتصرّف، أو للآخر، أو لهما.

فإن كان الأول، فالظاهر جوازه و سقوط خياره مطلقا، ناقلا كان المتصرّف أو متلفا، لأنّ الفسخ عبارة عن إبطال البيع، الذي هو نقل الملكيّة المتحقّقة للمتصرّف، و وجود الملكيّة فرع بقاء المملوك أو عدم انتقال الملكيّة، و مع التلف أو النقل لا ملكيّة له حتى يبطلها، فلا يمكن

______________________________

(1) الوسائل 18: 14 و 19 أبواب الخيار ب 5 و 8.

(2) في ص: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 423

استصحاب الخيار، لتغيّر الموضوع.

و لكونه (باعثا على) [1] إسقاط حقّ نفسه لا يعارض الخيار أدلّة لزوم النقل.

و إبطال ملكيّة الطرف الآخر بعض المشروط الثابت تحقّقه في ضمن الكلّ، فلا يمكن استصحابه.

و أمّا جواز الفسخ للبائع الشرطي مع تصرّفه في الثمن و إتلافه إيّاه فهو لأنّه معهود بين المتعاقدين، فالمشروط حقيقة خيار فسخ ملكيّة الطرف الآخر مع ردّ مثل

الثمن لا ملكيّة الطرفين و إن كان الخيار لهما أو للآخر خاصّة.

و أمّا إذا كان للآخر دونه أو لهما، فقيل: لا يجوز إذا كانت ناقلة- كالبيع و الوقف و الهبة- إلّا بإذن الآخر، لمنافاتها خياره «1».

و قال الفاضل في التذكرة: و لو باع أو وقف أو قبض- أي المشتري- في زمن خيار البائع أو خيارهما بغير إذن البائع فالأولى الوقوف على الإجازة «2». و هذا تصريح بالجواز و تزلزله في زمان خيار البائع.

و قال في القواعد: و لو باع أو وقف أو وهب في مدّة خيار البائع أو خيارهما لم ينفذ إلّا بإذن البائع «3». و هذا يحتمل الوجهين.

و صرّح في السرائر و التذكرة بجواز عتق المشتري العبد في زمان خيار البائع أو خيارهما «4».

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق»، و في نسخة من «ح»: باعها على.

______________________________

(1) الرياض 1: 528.

(2) التذكرة 1: 538.

(3) القواعد 1: 144.

(4) السرائر 3: 249، التذكرة 1: 538.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 424

و تردّد في الثاني في كون خصوص العتق كالتلف فيرجع البائع بعد الفسخ إلى المثل أو القيمة، أو كون العتق على الإجازة موقوفا «1».

و قد يقال: الحقّ صحّة البيع و توقّفه على إجازة البائع، فإن فسخ يرجع المبيع إليه، و إن سقط خياره بأحد مسقطاته لزم.

أمّا الأول، فلكونه ملكا له، و الناس على أموالهم مسلّطون، و لعمومات حلّيّة البيع.

و أمّا الثاني، فلاستصحاب خيار البائع، فإنّ معنى خياره أو لازمه:

تسلّطه على إرجاع المبيع إلى ملكه، و استصحابه يقتضي جواز أخذه العين ما دامت باقية.

و أيضا ليس البيع إلّا نقل الملك الثابت للبائع، و ليس للمشتري في زمن الخيار إلّا الملك المتزلزل، فلا يترتّب على بيعه إلّا حصول

الملكيّة المتزلزلة الثابتة للمشتري لمن يشتريه ثانيا، و هي الملكيّة المنتفية بفسخ البائع الأول.

و لا تنافيه أصالة لزوم البيع، لأنّ مقتضاها لزوم نقل الملك الصادر من البائع، فيكون نقل الملك المتزلزل الصادر من المشتري لازما، و مقتضاه عدم تسلّطه على فسخ ذلك النقل حتى لو لم يفسخ البائع الأول لم يلزمه أمر أصلا، و هذا لا ينافي تزلزل الملك الحاصل ببيع آخر.

و لا يخفى أنّ ذلك لا يجري فيما لا يقبل التزلزل من التصرّفات الناقلة، كالوقف و العتق، و كذا في التلف، و مع ذلك يرد عليه ما مرّ من أنّ الفسخ بالخيار كان فسخ ملكيّة المتصرّف و بعد انتقالها لا وجه لبقاء خيار

______________________________

(1) التذكرة 1: 538.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 425

الفسخ.

فالحقّ: عدم جواز التصرّفات المتلفة و الناقلة مطلقا في هذه الصورة إلّا بإذن الآخر، لإيجابها إتلاف حقّ الغير الموجب للضرر و الضرار، و إذا لم يجز لم يترتّب عليها الأثر لو وقعت أيضا.

[الفرع الثالث ]

ج: يجوز للمشتري الانتفاع بالمبيع بنحو الركوب و استخدام العبد و سكنى الدار و زرع الأرض و نحوها، للأصل.

و هل للبائع أخذ الأجرة منه بعد الفسخ؟

لا شكّ في عدمه إذا كان الخيار للبائع، لأنّ النماء للمشتري حينئذ.

و إن كان الخيار للمشتري فالظاهر العدم أيضا، لأصل العدم، و عدم صدق العلّة التي جعلها في الموثّقة و صاحبتها «1» لمن عليه التلف.

نعم، لو آجره المشتري فحكم الأجرة حكم النماء، لصدق العلّة عليها.

[الفرع الرابع ]

د: يجوز للمشتري إجارة المبيع إلى تمام مدّة الخيار و الزائد عليها، و حكمها حكم البيع، و حكم وجه الإجارة حكم النماء.

نعم، لو آجره من البائع نفسه في زمن خيار البائع فالظاهر لزوم الإجارة، لوقوعها بإذنه.

مسألة:

إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الغنية و الروضة «2»، و في شرح القواعد للشيخ علي و في التذكرة: أنّه لا خلاف فيه عندنا «3»، و في الكفاية: لا أعرف فيه

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 384.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 589، الروضة 3: 459.

(3) جامع المقاصد 4: 308، التذكرة 1: 473.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 426

خلافا «1»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى النبويّ و رواية عقبة بن خالد المتقدّمتين في تلف المبيع في خيار التأخير «2»، و قصورهما سندا- لو كان- منجبر بالعمل، فهما- بعد الإجماع- مخرجان للحكم هنا عن مقتضى قاعدة حصول الملكيّة بمجرّد العقد المستلزم لكون التلف من المشتري.

و المراد بكونه من مال بائعه: أنّه ينفسخ العقد بتلفه من حينه، و يرجع الثمن إلى ملك المشتري، و ليس للمشتري مطالبة المثل أو القيمة، لأنّ هذا مقتضى كونه من ماله، و هو المستفاد من مفهوم الشرط في قوله في رواية عقبة: «فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله»، فإنّه يدلّ على أنّه ما لم يخرجه ليس ضامنا لحقّه، الذي هو الثمن.

ثمَّ إنّه لا ريب في الحكم إذا كان التلف بآفة سماويّة.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، بل كان من المشتري أو البائع أو الأجنبي، فقيل بالرجوع إلى مقتضى القاعدة، و هو كون التالف من مال المشتري و رجوعه إلى المتلف بالمثل أو القيمة لو لم يكن

نفسه، و قد ينسب ذلك إلى فتوى الجماعة «3».

و في الدروس و المسالك و شرح القواعد للشيخ علي: تخيّر المشتري بين الفسخ و الرجوع بالثمن، و بين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة في الأخيرين «4». و هو مذهب الشيخ- على ما في التذكرة- في الثالث، و أمّا في

______________________________

(1) الكفاية: 93.

(2) راجع ص: 401.

(3) انظر الرياض: 1: 528.

(4) الدروس 3: 212، المسالك 1: 182، جامع المقاصد 4: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 427

الثاني فمذهبه- على ما في التذكرة- أنّه كالتلف بآفة سماويّة فيفسخ البيع، بل ذكر في التذكرة وجها في كون الأول أيضا كالتلف بآفة سماويّة، فعلى المشتري المتلف القيمة للبائع و يستردّ الثمن «1».

و أطلق الحلّي «2» و جماعة «3»: أنّه إذا تلف المبيع قبل القبض فهو من مال بائعه. و هو ظاهر في الإطلاق.

و كون المتبادر من التلف كونه بآفة سماويّة ممنوع.

و على هذا، فيكون الإطلاق هو مدلول الروايتين، مضافا إلى أنّ المفهوم في الأخيرة كاف في إثبات الإطلاق، فعليه الفتوى.

نعم، كون إتلاف المشتري من البائع إنّما هو إذا لم يصادف قبضه بل كان بتفريط منه، و أمّا إذا صادفه فمن المشتري، و الوجه ظاهر، و جعل مطلق إتلافه بمنزلة القبض لا وجه له.

ثمَّ البائع يعمل مع المتلف- إذا كان غيره- معاملة صاحب المال مع من أتلفه.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: النماء بعد العقد قبل التلف للبائع على ما اخترناه، لأنّ التلف منه.

و على المشهور فيه وجهان، مبنيّان على أنّ التلف هل هو أمارة الفسخ للعقد من أصله- كما قيل، و نسب إلى ظاهر النصّ و عبارة جماعة «4»

______________________________

(1) التذكرة 1: 474.

(2) السرائر 2: 241.

(3) منهم المحقق في الشرائع 2: 23 و العلامة في الإرشاد

1: 375 و الشهيد في اللمعة (الروضة 3): 459.

(4) انظر الرياض 1: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 428

- أو من حين التلف- كما هو ظاهر المسالك «1» و غيره- فيقدّرون دخوله في ملك البائع آنا ما، و يكون التلف كاشفا عنه؟

و الحقّ هو: الثاني، استصحابا للحالة السابقة، و عدم ظهور النصّ في خلافه.

[الفرع الثاني ]

ب: قال في التذكرة: إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة «2». و يظهر ذلك في غيره أيضا. و هو كذلك، لصدق المبيع عليه لغة. و التفرقة في العرف المتأخّر غير ضائرة، لأصالة تأخّر الحادث، مع أنّ استفادة العموم من رواية عقبة ممكنة.

[الفرع الثالث ]

ج: صرّح في التذكرة و الدروس: بأنّه لو أبرأ المشتري البائع من الضمان لم يبرأ «3». و هو كذلك، للأصل. و كذا لو شرط البراءة، لكونها مخالفة للسنّة.

[الفرع الرابع ]

د: لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، ففي الدروس: أنّه من مال البائع و للمشتري الفسخ أيضا، لتبعّض الصفقة «4».

و في التذكرة: أنّه إن كان للتالف قسط من الثمن- كعبد من عبدين- ينفسخ العقد فيه، و لا يبطل في الآخر، بل يتخيّر المشتري في الفسخ، للتبعّض.

و إن لم يكن له قسط من الثمن- كما لو سقطت يد العبد- فلعلمائنا فيه قولان:

______________________________

(1) المسالك 1: 181.

(2) التذكرة 1: 474.

(3) التذكرة 1: 473، الدروس 3: 212.

(4) الدروس 3: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 429

أحدهما: تخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء مجّانا.

و ثانيهما: تخيّره بين الفسخ و الإمضاء مع الأرش «1».

أقول: لا ريب في كون التلف من البائع فيما إذا كان للتالف قسط من الثمن، لصدق المبيع و المباع عليه. و أمّا في غيره، فمقتضى القاعدة كونه من المشتري، لأنّه ماله، و عدم معلوميّة صدق المبيع و المباع الواردين في الخبرين عليه، مع أنّ الأوّل ضعيف، و انجباره في مثل ذلك غير معلوم، و الثاني مخصوص بالمسروق، و التعدّي إلى غيره بعدم الفصل الغير الثابت هنا.

مسألة:

إذا تلف المبيع أو الثمن في زمن الخيار، فمقتضى القاعدة كونه من المشتري في المبيع و من البائع في الثمن مطلقا، سواء كان الخيار للمشتري، أو للبائع، أو للأجنبي، أو لاثنين منهما، أو للثلاثة.

و تدلّ عليه في صورة كون الخيار للبائع موثّقة إسحاق بن عمّار و معاوية بن ميسرة المتقدّمتين «2»، و في جميع الصور قوله: «فإذا أخرجه من بيته» المتقدّم في رواية عقبة «3»، إلّا أنّه خرج من هذه فيما إذا كان الخيار للمشتري خاصّة بلا خلاف يعرف، لصحيحة ابن سنان و رواية البصري المتقدّمتين «4»، و يبقى الباقي تحت

القاعدة.

و ظاهر الصحيحة و الروايتين كون التلف من اللّه، و على هذا فيكون غيره- من كون التلف من البائع أو المشتري أو من شخص معيّن- باقيا

______________________________

(1) التذكرة 1: 474.

(2) في ص: 384.

(3) راجع ص: 401.

(4) في ص: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 430

على مقتضى القاعدة من كون التلف من مال المشتري، و يرجع على المتلف إذا كان غيره، [لقاعدة] [1] ضمان التالف.

و هل يبقى الخيار لمن له الخيار بعد التلف، أم لا؟

مقتضى القاعدة التي ذكرناها- من عدم إمكان استصحاب الخيار بعد انتفاء الملكيّة- انتفاؤه مطلقا.

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: إلى قاعدة، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 431

المقصد الثالث في النقد و النسيئة

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 433

اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن و المثمن و تأخيرهما- و لو بساعة- و التفريق أربعة أقسام:

الأول: النقد.

و الثاني: الكالي بالكالي.

و الثالث: النسيئة.

و الرابع: السلف.

و ما بعض ثمنه نقد و بعضه نسيئة مركّب من النقد و النسيئة، و منه ما لو شرط أداء الثمن من حين العقد إلى عشرة أيّام مثلا بقسط الأيّام.

و لو لم يشترط التأخير، و لكن شرط جواز التأخير إمّا صريحا- نحو:

بعتك بشرط أن يكون لك التأخير إلى عشرة أيّام- أو التزاما، نحو بعتك:

بشرط أن لا تؤخّر الثمن عن عشرة أيّام، حيث إنّه يفهم منه عرفا أنّ له التأخير ما دون العشرة، و منه قوله: بعتك بشرط أن تؤدّي الثمن اليوم، أو أن تعجّله في اليوم، فإنّه يستلزم جواز التأخير ما لم يفت اليوم.

ففيه إشكال، سيّما إذا كان زمان تجويز التأخير قليلا بالنسبة إلى جعله نسيئة نحو ساعة، مع أنّ شرط التأخير ساعة نسيئة قطعا. أو كان الزمان طويلا بالنسبة

إلى احتمال كونه نقدا، نحو سنة، فإنّ الظاهر أنّ الأول نقد، سيّما إذا قال: بشرط أن تؤدّي الثمن اليوم أو الساعة، و الثاني نسيئة، سيّما إذا قال: بشرط أن يكون لك التأخير إلى سنة أو لا تؤخّر عن السنة، مع أنّ شرط التأجيل يكون نسيئة من غير فرق بين الزمان القليل و الكثير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 434

و يحتمل أن يشترط في التعجيل عدم شرط التأخير مطلقا و لا تجويزه إلّا في مدّة قليلة لا تنافي التعجيل عرفا، نحو ساعة أو يوم.

و يظهر من المسالك «1» و غيره: أنّ شرط التعجيل في هذا اليوم- مثلا- نقد، حيث عيّن مثل ذلك زمان التعجيل.

و تظهر الفائدة في مواضع كثيرة، منها: في خيار تأخير الثمن عن ثلاثة، فتأمّل.

و نذكر أحكامها في

مسائل:

المسألة الاولى:

من اشترى مطلقا- من غير ذكر تأخير الثمن- كان الثمن حالا من غير خلاف، كما صرّح به بعضهم «2».

و لأنّه المتبادر من الإطلاق.

و لأنّه لولاه فإمّا ينصرف إلى أجل معيّن- و هو تحكّم باطل- أو لا، فيلزم إبطال المبيع، و هو فاسد إجماعا و نصّا.

و لانتقاله إلى البائع بالعقد، لأنّه مقتضاه، و مقتضى الانتقال تسلّطه على المطالبة حال الانتقال.

و لموثّقة الساباطي: في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثمَّ افترقا، قال: «وجب البيع و الثمن، إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد» «3».

ثمَّ لو اشترطا التعجيل لأفاد التأكيد، و لو أخّر مع الشرط ففي إفادته التسلّط على الفسخ و عدمه أقوال مرّت في فصل أحكام الخيار. و كذا لو

______________________________

(1) المسالك 1: 182.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 589، الحدائق 19: 119، الرياض 1:

529.

(3) الوسائل 18: 36 أبواب العقود ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 14، ص: 435

شرط التأجيل إلى أجل معين و أخّر عنه.

المسألة الثانية:

بيع النسيئة جائز إجماعا محقّقا، و محكيّا في التذكرة «1» و غيره «2»، له، و للمستفيضة، بل المتواترة معنى، الآتي كثير منها في تلك المسألة و ما بعدها.

و لا فرق فيها بين المدّة القصيرة و الطويلة- حتى مثل ألف سنة- ممّا يسلّم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادة، بلا خلاف يعتدّ به، للأصل، و عمومات البيع و الشرط، و خصوص إطلاقات أخبار النسيئة.

و لا تنافيها رواية أحمد بن محمّد: إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح، فقال: «بعهم بتأخير سنة»، قلت: فبتأخير سنتين؟ قال: «نعم»، قلت:

بثلاث؟ قال: «لا» «3».

لعدم دلالتها على الحرمة، بل غايتها الكراهة، و يمكن أن يكون ذلك لطول الأمل، أو صعوبة تحصيل الثمن في هذه المدّة الطويلة، مع أنّها على فرض الدلالة مخالفة للشهرة العظيمة لو لا الإجماع، و مثلها ليس بحجّة، سيّما مع معارضتها من أخبار كثيرة، و موافقتها- كما قيل «4»- لرأي بعض العامّة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فمنع من التأجيل على زيادة ثلاث سنين «5»، و لا مستند له، و الرواية المتقدّمة على مذهبه غير منطبقة، فهي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    436     المسألة الثالثة: ..... ص : 436

____________________________________________________________

(1) التذكرة 1: 546.

(2) الرياض 1: 529.

(3) الكافي 5: 207- 1، قرب الاسناد: 164، الوسائل 18: 35 أبواب أحكام العقود ب 1 ح 1.

(4) انظر الرياض 1: 529.

(5) حكاه عنه في المختلف: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 436

لحجّته غير صالحة.

المسألة الثالثة:
اشاره

يشترط في صحّة بيع النسيئة تعيين المدّة، بلا خلاف يعرف.

و في الكفاية: الظاهر أنّه لا خلاف في أنّه يشترط أن تكون المدّة معلومة لا تتطرّق إليها الزيادة و النقيصة «1».

و في شرح الإرشاد للأردبيلي- في دليل اشتراط تعيين المدّة-:

و كأنّه الإجماع، فلو لم يعيّن المدّة أو عيّن أجلا محتملا للزيادة و النقيصة بطل البيع، و استدلّ له باستلزام عدم التعيين للغرر و الجهالة في الثمن، لأنّ للمدّة قسطا من الثمن عرفا و عادة «2».

أقول: أمّا الغرر فلزومه في جميع الموارد ممنوع، و كيف لا غرر في قولك: بعتك إلى آخر الشهر، مع احتمال تسعة و عشرين و ثلاثين؟! و يحصل الغرر بقولك: بعتك إلى تسعة و عشرين الشهر أو ثلاثين، و كذا في تفاوت عشرة أيّام و نحوها في نسيئة سنة.

نعم، لا مضايقة في قبول لزوم الغرر فيما يختلف الثمن به عرفا و عادة، فإنّ الزمان قيد و وصف للثمن يختلف باختلافه ما بإزائه البتّة، فأدلّة المنع عن بيع الغرر تمنع عن مثل ذلك، فلو ثبت الإجماع المركّب في جميع الموارد فهو، و إلّا فلا وجه للاستدلال ببطلانه بالغرر.

نعم، يصحّ الاستدلال بالجهل، بناء على الأصل الذي أصّلناه في كتاب العوائد من أصالة عدم صحّة جعل ما في الذمّة ثمنا إلّا ما ثبتت فيه الصحّة، و هو ما كان معلوما قدرا و جنسا و وصفا و قيدا.

______________________________

(1) الكفاية: 94.

(2) مجمع الفائدة 8: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 437

و منه يظهر عدم صحّة جعل الأجل مجي ء الغراب أو إدراك الثمرات أو ما يشترك بين زمانين- كشهر ربيع أو الجمادى أو يوم جمعة أو يوم خميس- لعين ما ذكر.

و قيل بالصحّة في صورة الاشتراك، و يحمل على الأول، للتعليق على اسم معيّن متحقّق بالأول «1».

قيل: و لكن ذلك إذا علما بذلك قبل العقد، حتى يقصد أجلا مضبوطا، و لا يكفي ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به، و مع القصد لا إشكال في

الصحّة و إن لم يكن الإطلاق محمولا عليه.

و تجويز الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع فيه، قصده أم لا- نظرا إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطا في نفسه شرعا، و إطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعيّة- غير صحيح، لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقا، بل إنّما هو بالنظر إلى إطلاق كلام الشارع خاصّة، لعدم دليل يدلّ على التعدّي أصلا «2».

أقول: لا يخفى أنّ مثل الربيع و الجمعة إمّا مشترك لفظي أو معنوي.

فإن كان الأول- كما هو الظاهر في الربيعين- و إن كان لا يحمل اللفظ على الأول إلّا مع القصد، و لكن ما ذكره- من اقتضاء الشرع ذلك، و انضباط الأجل في نفسه، و إثبات الحقيقة الشرعيّة فيها، و تنزيل كلام الشارع عليها- هنا غير صحيح، إذ لا اقتضاء من الشرع هنا، و لا انضباط، و لا حقيقة شرعيّة.

و إن كان الثاني- كما هو المستفاد من كلامه، حيث جعله من باب

______________________________

(1) الروضة 3: 514.

(2) انظر الروضة 3: 514، الرياض 1: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 438

الإطلاق- فاللازم الحمل على الأول، لتحقّق المطلق به، إلّا إذا علم قصدهما عدمه، كما هو شأن سائر المطلقات، و لا دخل له أيضا باقتضاء الشرع و الحقيقة الشرعيّة.

فروع:
[الأول ]

أ: الاختلاف الموجب للبطلان هو الذي يوجب التفاوت العرفي و لا يتسامح به عرفا، فلا بأس بالتأجيل إلى آخر ساعة من اليوم الفلاني، مع أنّ الساعة أيضا لها أجزاء، بل و كذلك ساعات اليوم، بل اليوم بالنسبة إلى الشهر و السنة، و نحو ذلك، ما لم يصرّح بما يختلف به، و ذلك كما في الوزن، فإنّ وزن مائة منّ- مثلا- يختلف غالبا بمثاقيل عديدة و هو مغتفر إلّا أن يصرّح فيقال:

بعت مائة منّ أو مائة منّ إلّا عشرة مثاقيل بالترديد، و كذا في تراب الحنطة و نحوه.

و الدليل على اغتفار هذا القدر من الاختلاف في جميع ما ذكر:

الإجماع، بل الضرورة.

[الثاني ]

ب: اللازم- كما مرّ في خيار الشرط- تعيين المدّة بما يتعارف التعيين به من اليوم و الشهر و السنة، أو إلى الوقت الفلاني، و إذا عيّن بواحد من هذه الأمور لا يضرّ الاختلاف بالآخر، فلو عيّن باليوم لا تضرّ جهالة ساعاته، و لو عيّن بالشهر لم تضرّ جهالة أيّامه، و لو عيّن إلى عيد الأضحى لم تضرّ جهالة عدد الأيّام إليه، لما مرّ من اغتفار هذا الاختلاف، و للأخبار المتضمّنة لمثل السنة و السنتين مع اختلاف أيّامها، و للإجماع.

[الثالث ]

ج: لو أجّل بالغاية، بأن يقول: بعتك نسيئة إلى آخر الشهر، يحلّ الأجل بمجرّد تمام الشهر، و كذا لو قال: إلى أول الشهر الفلاني، أو: إلى يوم الجمعة، فيحلّ بمجرّد دخوله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 439

و لو أجّل بالظرفيّة، كأن يقول: بعتك بمائة درهم تؤدّيها في يوم أول الشهر الفلاني، فلا يحلّ بمجرد دخول ذلك اليوم، بل الظاهر أنّه إن كان ممّا يكون اختلافه قليلا متسامحا به لم يضرّ، و إلّا بطل، فلو قال: بعتك بأن تؤدّي ثمنها في الشهر الآتي، بطل، و كذا لو قال: بعتك بأن تؤدّي ثمنها في السنة الآتية، و لو قال: بعتك بأن تؤدّي ثمنها في يوم أول الشهر أو يوم أول السنة الفلانية، صحّ، فتأمّل.

المسألة الرابعة:

لو باع بثمن حالّا و بآخر مؤجّلا، بطل على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة ممّن تأخّر «1»، و إليه ذهب الشيخ في المبسوط و الديلمي و الحلبي و الحلّي و ابن زهرة و الفاضلان و الشهيدان «2»، و نسبه بعض معاصرينا إلى المفيد و الإسكافي و السيّد و القاضي أيضا «3».

للجهل الواقعي المانع عن انتقال الثمن.

و للأصل المتقدّم مرارا.

و لموثّقة الساباطي: «فانههم عن بيع ما لم يقبض، و عن شرطين في بيع» «4».

و قد فسّر في رواية السكوني الآتية «5» الشرطين في بيع بذلك.

و في رواية سليمان: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلف و بيع، و عن

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 529.

(2) المبسوط 2: 159، الديلمي في المراسم: 174، الحلبي في الكافي: 357، الحلي في السرائر 2: 287، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 589، المحقّق في النافع: 122، العلامة في التبصرة: 92، الشهيدين في اللمعة و الروضة

3: 514.

(3) الرياض 1: 529.

(4) التهذيب 7: 231- 1006، الوسائل 18: 58 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 6.

(5) في ص: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 440

بيعين في بيع» «1»، و قد فسّره جماعة بذلك، منهم ابن الأثير في نهايته «2»، و إن فسّره بعض آخر بغير ذلك أيضا.

و لقوله عليه السّلام في ذيل صحيحة محمّد بن قيس الآتية: «من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسمّ أحدهما قبل الصفقة» «3»، فإنّ الأمر بالتسمية نهي عن ضدّه- و هو الترديد- و النهي موجب للفساد.

و لكن يمكن الخدش في الروايتين الأوليين باشتمالهما على ما ليس مطلقا أو كلّيا بمنهيّ عنه تحريما، فيجب إمّا تجوّز في النهي أو في المنهيّ عنه، فيدخل الإجمال المسقط للاستدلال، مضافا في الثانية إلى عدم دليل على إرادة المطلوب من البيعين في بيع، بل لا يعلم شموله له بالإطلاق أيضا.

و في الثالثة: بعدم وجوب التعيين قبل الصفقة قطعا، فيمكن أن يستحبّ ذلك.

فلم تبق إلّا الأصول المتقدّمة، و هي كافية في إثبات المطلوب لو لا الدليل الدافع.

و لكن قد روى محمّد بن قيس في الصحيح: «من باع سلعة فقال: إنّ ثمنها كذا يدا بيد و كذا و كذا نظرة فخذها بأيّ ثمن شئت، و جعل صفقتهما واحدة، فليس له إلّا أقلّهما و إن كانت نظرة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 7: 230- 1005، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

(2) النهاية الأثيريّة 1: 173.

(3) الكافي 5: 206- 1، التهذيب 7: 47- 201، الوسائل 18: 36 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 1.

(4) الكافي 5: 206- 1، الفقيه 3: 179- 812، التهذيب 7: 47- 201، الوسائل 18: 36 أبواب أحكام العقود

ب 2 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 441

و السكوني في الضعيف: «قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين، بالنقد كذا و بالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، يقول: ليس له إلّا أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله بنسيئة» «1».

و ظاهر الروايتين دالّ على الصحّة و الأخذ بثمن النقد بالأجل المذكور، و حكي العمل به عن نهاية الشيخ «2»، و حكاه في المهذّب البارع عن المفيد و السيّد و القاضي «3»، و بعض آخر عن الإسكافي أيضا «4»، و إن اختلفت الأقوال في الجواز و عدمه مطلقا أو بعد الإمضاء، و في المسالك نسبه إلى جمع من الأصحاب «5»، و في شرح الإرشاد للأردبيلي إلى جماعة «6»، و اختاره في الكفاية «7».

و يظهر من المحقّق الأردبيلي و صاحب الحدائق نوع تردّد في المسألة «8».

و هو في محله، لاعتبار الروايتين، و خلوّهما عن المعارض الصريح، إلّا أن تردّا بمخالفة شهرة القدماء، و هو أيضا- بعد نسبته إلى جمع و جماعة، و حكايته عن الأجلّاء المذكورين- فاسد.

______________________________

(1) التهذيب 7: 53- 230، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 2.

(2) النهاية: 388.

(3) المهذب البارع 2: 386.

(4) الرياض 1: 529.

(5) المسالك 1: 182.

(6) مجمع الفائدة 8: 327.

(7) الكفاية: 94.

(8) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 329، صاحب الحدائق 19: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 442

فالأقرب هو الصحّة و العمل بمقتضى الروايتين [1]، و الترك أحوط.

و لو كان البيع المتردّد ثمنه إلى أجلين- كشهر بدينار و شهرين بدينارين- يصير البطلان أقرب، لعدم المعارض للأصول، و إشكال ثبوت الإجماع المركّب.

المسألة الخامسة:

لو باع شيئا نسيئة جاز للبائع

أن يشتريه من المشتري قبل الأجل و بعده، بزيادة أو نقيصة، حالّا أو مؤجّلا، بغير جنس ثمنه مطلقا أو بجنس ثمنه، مساويا له، أو بزيادة أو نقيصة إذا لم يشترط ذلك حال البيع، بلا خلاف في غير ما إذا كان البيع بعد حلول الأجل بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة، للإجماع، و عمومات البيع و الشراء «2».

و صحيحة بشّار: عن الرجل يبيع المتاع بنساء و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: «نعم، لا بأس به» «3».

و منصور: رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي لك عندي، فرضي، قال: «لا بأس بذلك» «4».

و الأولى خاصّة بالنسيئة عامّة لجميع صور المسألة.

و الثانية عامّة للنقد و النسيئة. و تخصيص بعض مشايخنا إيّاها بالنسيئة

______________________________

[1] في «ق» و «ح» زيادة: كان العمل أقرب.

______________________________

(2) الوسائل 18: 40 أبواب أحكام العقود ب 5.

(3) الكافي 5: 208- 4، الفقيه 3: 134- 585، التهذيب 7: 47- 204، الوسائل 18: 41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3.

(4) الفقيه 3: 165- 727، التهذيب 7: 43- 181، الوسائل 18: 40 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 443

غير موجّه «1». و تشمل أيضا أكثر صور المسألة.

و لا معارض لها إلّا صحيحة أخرى لمنصور في صورة الشراء نسيئة- على ما قيل «2»-: عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أم غنم أو غير ذلك، فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئا، قال: «لا يبيعه نسيئة، فأمّا نقدا فليبعه ما شاء» «3».

و لكنّها- مع خروجها عن مسألة اشتراء ما بيع بالنسيئة و عدم صراحتها في

اشتراء المبيع الأول- ليست صريحة في عدم الجواز، بل تحتمل الكراهة، لمقام الجملة الخبريّة.

و أمّا إذا كان البيع بعد حلول الأجل بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة، ففيه خلاف، بل يظهر من كلام بعض مشايخنا الأخباريّين كون الخلاف في ذلك و لو كان قبل حلول الأجل أيضا «4».

و كيف كان، فالحقّ المشهور فيه أيضا الصحّة، و تدلّ عليه- بعد الأصل و العمومات- صحيحة بشّار المتقدّمة، و صحيحة يعقوب و عبيد: عن رجل باع طعاما بمائة درهم إلى أجل، فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه، فقال ليس لي دراهم خذ منّي طعاما، فقال: «لا بأس به، فإنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» [1].

______________________________

[1] التهذيب 7: 33- 136، الاستبصار 3: 77- 256، الوسائل 18: 307 أبواب السلف ب 11 ح 10 و فيه: عن يعقوب بن شعيب فقط.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 529.

(2) الرياض 1: 529.

(3) التهذيب 7: 48- 207، الوسائل 18: 45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.

(4) الحدائق 19: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 444

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية و كتابي الحديث «1»، مستدلّا برواية خالد بن الحجّاج: عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمّى، فلمّا جاء الأجل أخذته بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره منّي، فقال: «لا تشتره منه، لأنّه لا خير فيه» «2».

و رواية عبد الصمد: أبيع الطعام من الرجل إلى أجل، فأجي ء و قد تغيّر الطعام من سعره، فيقول: ليس عندي دراهم، قال: «خذ منه بسعر يومه»، قال: أفهم- أصلحك اللّه- إنّه طعامي الذي اشتراه مني، قال: «لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك» «3».

و فيهما- مع المخالفة للشهرة العظيمة المخرجة للخبر عن الحجّيّة، و

اختصاصهما بالطعام، و قد جوّز بعضهم الاختصاص به «4»، فلا إجماع مركّبا، و أعمّية الأولى عن الطعام الذي اشتراه منه، و عن البيع بالزيادة أو النقيصة، و مطلوبه هما بخصوصهما-: أنّ أولاهما معارضة مع ما مرّ بالتساوي، فيجب إمّا الرجوع إلى العمومات، أو الحمل على الكراهة.

و الثانية و إن كانت أخصّ منه مطلقا- لاختصاصها بالطعام الذي اشتراه و أعمّيته منه- إلّا أنّ احتمال كون قوله: «لا تأخذ» جملة خبرية يمنع عن إثبات الزائد عن الكراهة عنه أيضا.

هذا إذا لم يشترط في متن العقد بيعه منه ثانيا.

______________________________

(1) التهذيب 7: 33، الاستبصار 3: 77.

(2) التهذيب 7: 33- 137، الاستبصار 3: 76- 255، الوسائل 18: 311 أبواب السلف ب 12 ح 3.

(3) الفقيه 3: 130- 566، التهذيب 7: 35- 145، الاستبصار 3: 77- 257، الوسائل 18: 312 أبواب السلف ب 12 ح 5.

(4) انظر الحدائق 19: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 445

و أمّا لو شرط ذلك فيه، بطل بلا خلاف كما قيل «1»، و استدلّ له بتعليلات ضعيفة.

نعم، يدلّ عليه مفهوم الشرط في رواية الحسين بن المنذر: يجيئني الرجل، فيطلب العينة «2»، فأشتري له المتاع من أجله، ثمَّ أبيعه إيّاه، ثمَّ أشتريه منه مكاني، قال: فقال: «إذا كان بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت أنت أيضا بالخيار، إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر، فلا بأس» «3».

و المرويّ في قرب الإسناد: عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثمَّ اشتراه بخمسة دراهم، أ يحل؟ قال: «إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس» «4».

و مثله في كتاب عليّ بن جعفر، إلّا أنّه قال: بعشرة دراهم إلى أجل، ثمَّ اشتراه بخمسة دراهم بنقد

«5».

و لكنّها أخصّ من المدّعى، لاختصاصها بما إذا كان البيع الثاني بأقلّ من الثمن الأول، أمّا الأخيرتان فظاهرتان، و أمّا الأولى فلأنّه المأخوذ في مفهوم العينة.

و مع ذلك، فهاهنا كلام آخر، و هو أنّه لا يمكن أن يكون البيع الأول و شرطه صحيحا و خصوص الثاني فاسدا، إذ مع صحّة الأولين لا بدّ و أن يكون الوفاء بالشرط لازما، و كيف يجتمع ذلك مع فساد الثاني، و لا أن

______________________________

(1) الرياض 1: 530.

(2) العينة: السلف- لسان العرب 13: 306.

(3) الكافي 5: 202- 1، التهذيب 7: 51- 223، الوسائل 18: 41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 4، بتفاوت يسير.

(4) قرب الاسناد: 114، الوسائل 18: 42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.

(5) البحار 10: 259، الوسائل 18: 42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 446

يكون مجرّد الشرط فاسدا؟! إذ مع فساده و صحّة البيع الأول يلزم صحّة الثاني أيضا، إذ يكون وجود الشرط كعدمه، لفساده، و يكون المشتري بالخيار، فلا بدّ و أن يكون أصل البيع الأوّل فاسدا.

و على هذا، فلا تكون هناك نسيئة، و لا يجوز بيعه من غير البائع الأول أيضا، و لا يكون هذا العنوان للمسألة جدّا، بل يكون من قبيل أن يعنون أيضا: أنّه لو باع نسيئة لم يجز للمشتري بيعه من البائع بالثمن المجهول- مثلا- بل يجب أن يعنون مسألة أخرى، و هو أنّه لا يجوز شرط البيع من البائع في عقد البيع، فتأمّل.

المسألة السادسة:

لا يجب على المشتري نسيئة دفع الثمن قبل حلول الأجل إجماعا، له، و للأصل، و مقتضى الشرط. و لا تسلّط للبائع على طلبه، للثلاثة المذكورة.

و لو تبرّع المشتري بالدفع لا

يجب على البائع الأخذ أيضا، إجماعا و أصلا. و تخيّل الوجوب- لبعض الاعتبارات العقليّة- ضعيف غايته.

و إذا حلّ الأجل وجب الدفع على المشتري مع المكنة و مطالبة البائع و لو بشاهد الحال، إجماعا أيضا، و وجهه ظاهر «1». و لو لم يدفع كان للبائع المطالبة كذلك.

______________________________

(1) في «ق» زيادة: و إذا دفعه المشتري.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.