مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 12

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

[تتمة كتاب الحج ]

[تتمة المقصد الرابع ]

[تتمة الباب الأول ]

[تتمة المبحث الثاني ]
[تتمة المطلب الأول ]
[تتمة الفصل الأول ]
[تتمة البحث الرابع ]
[تتمة المقام الأول ]
القسم الثاني ما يختصّ بالرجل
اشاره

و هو أمور خمسة:

الأول: لبس القميص و السراويل و القباء و الثوب المزرّر
اشاره

الذي تزرّره- أي تعقد أزراره- و الثوب المدرّع الذي تدرّعه، أي تدخل يديك في يديه، و كلّما أدخلت شيئا في جوف شي ء فقد ادّرعته و درّعته تدريعا، بل مطلق المخيط.

بلا خلاف يعلم كما في موضع من المنتهى «1»، بل مطلقا، كما في المفاتيح و شرحه و عن الغنية و التحرير و التنقيح «2»، بل بإجماع العلماء كافّة، كما في موضع آخر من المنتهى و عن التذكرة و ظاهر الدروس «3»، بل بالإجماع المحقّق عند التحقيق، و هو الحجّة في الجميع.

______________________________

(1) المنتهى 2: 781.

(2) المفاتيح 1: 331، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، التحرير 1: 114، التنقيح 1: 469.

(3) المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 332، الدروس 1: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 6

مضافا في الأول إلى صحيحتي ابن عمّار: «إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقّه و أخرجه من تحت قدميك» «1».

و صحيحتي خالد بن محمّد الأصمّ و عبد الصمد بن بشير الواردتين في الرجل الذي لبس قميصه محرما، ففي الأولى: «انزعه من رأسك» «2»، و في الثانية: «فأخرجه من رأسك» «3».

و تؤيّده صحيحة أخرى لابن عمّار و غير واحد: في رجل أحرم و عليه قميص، قال: «ينزعه و لا يشقّه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه» «4».

و ما ورد في وجوب الكفّارة على من لبس القميص متعمّدا، كما يأتي.

و في البواقي- غير الأخير- إلى صحيحتي ابن عمّار، و صحاح الحلبي «5» و محمّد «6» و زرارة «7»، و روايات أبي بصير «8» و الحنّاط «9» و حمران «10».

______________________________

(1) الاولى في: التهذيب 5: 72- 237، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 1.

الثانية

في: الكافي 4: 348- 3، الوسائل 12: 489 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 5.

(2) الكافي 4: 348- 2، الوسائل 12- 489 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 4.

(3) التهذيب 5: 72- 239، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.

(4) الكافي 4: 348- 1، التهذيب 5: 72- 238، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2.

(5) التهذيب 5: 70- 228، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 1.

(6) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.

(7) الكافي 4: 348- 1، الوسائل 13: 158 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 4.

(8) الكافي 4: 346- 1، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 5.

(9) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3.

(10) الكافي 4: 347- 6، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الإحرام ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 7

و لكن الكلّ قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبريّة أو المحتملة لها، أو ما يحتمل أن يكون المفهوم فيه انتفاء الإباحة بالمعنى الأخصّ، فالمناط فيها الإجماع، إلّا أن يجعل الإجماع قرينة على إرادة الحرمة، و هو كذلك، فتكون تلك الأخبار أيضا مثبتة للحرمة.

نعم، ينحصر دليل الأخير في الإجماع.

و لا دلالة في شي ء من الأخبار على تحريم المخيط مطلقا، كما اعترف به جماعة- منهم الشهيد في الدروس «1»- و على هذا، فاللازم فيه الاقتصار على موضع علم فيه الإجماع.

فالمنع عن مسمّى الخياطة و إن قلّت- كما اشتهر بين المتأخّرين- غير جيّد و إن كان أحوط.

و استفادة ذلك عن المنع عن لبس المزرّر بإطلاقه

في بعض تلك الأخبار، حيث إنّ خياطة الأزرار قليلة البتّة.

مردودة باحتمال أن يكون المنع لنفس الأزرار لا لخياطتها، مع أنّ المنع عن المزرّر أيضا و إن كان مطلقا في بعض الأخبار، إلّا أنّه صرّح في صحيحتي الحلبي «2» و يعقوب بن شعيب «3» بأنّ المنع إنّما هو في عقد الأزرار دون وجودها.

و منه يستفاد عدم المنع في مطلق الخياطة، لأنّه مقتضى الأصل، و عموم صحيحة زرارة: عمّا يكره للمحرم أن يلبسه، فقال: «يلبس كلّ

______________________________

(1) الدروس 1: 485.

(2) الكافي 4: 340- 8، الفقيه 2: 217- 995، و في العلل 2: 408- 1 عن عبيد اللّه بن علي الجعفي، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 3.

(3) الكافي 4: 340- 7، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 8

ثوب إلّا ثوبا يتدرّعه» «1».

و أمّا إطلاقات كلمات الأصحاب بالمنع عن لبس المخيط، فلا شك في انصرافها إلى المعتاد و المتبادر.

فروع:
أ: لا فرق في المنع من السراويل و القباء

و المزرّر و المدرّع بين المخيط منها و غيره، كالمصنوع من اللبد و المنسوج و الملصق بعضه على بعض، لإطلاق الأخبار «2» و كلمات الأخيار.

و أمّا الاستدلال على المنع فيه بمشابهته للمخيط في المعنى من الترفّه و التنعّم- كما عن التذكرة «3»- فضعيف غايته.

ب: ذكر الفاضل «4» و غيره «5»: أنّه يحرم عقد الرداء و زرّه،

لموثّقة الأعرج: عن المحرم يعقد (أزراره) على عنقه؟ قال: «لا» «6».

و ردّه في المدارك بقصور الرواية سندا عن إثبات الحرمة «7».

و فيه: أنّه لا ينحصر تحريم الزرّ بهذه الرواية، بل يدلّ عليه كثير من

______________________________

(1) الفقيه 2: 218- 999 و فيه: إلّا ثوبا واحدا يتدرّعه، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 5.

(2) الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35.

(3) التذكرة 1: 332.

(4) التذكرة 1: 333.

(5) كالسبزواري في الذخيرة: 580.

(6) الفقيه 2: 221- 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 1، و بدل ما بين القوسين فيها: إزاره.

(7) المدارك 7: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 9

الروايات المتقدّمة، المثبتة للحرمة عنده «1».

نعم، لو أراد العقد بدون الزرّ فهو كذلك، لا لضعف سند الرواية، بل لضعف دلالتها.

ج: يجوز له لبس السراويل إذا لم يجد إزارا،

بغير خلاف يعلم كما صرّح به جماعة «2»، بل بالإجماع كما عن التذكرة «3»، لصحيحة ابن عمّار «4».

و لا يحتاج إلى الفتق، للأصل و خلوّ النصّ. و حكي عن قوم من أصحابنا أنّه يفتق «5». و لا وجه له.

و ليس فيه حينئذ فدية على ما صرّح به في الخلاف و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة «6»، مدّعيا في الأخيرين عليه الإجماع، و قيل «7»: إن ثبت الإجماع، و إلّا فتعمّه أدلّة وجوب الكفّارة الآتية.

و كذا يجوز لبس القباء إذا لم يجد ما يتردّى به، بالإجماع كما عن المنتهى و التذكرة «8»، و تدلّ عليه المستفيضة «9»، و لكن لا يدخل يديه في يدي القباء، و يجعله منكوسا و مقلوبا، كما صرّح بالحكمين في الروايات،

______________________________

(1) الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53.

(2) انظر المدارك 7: 333، الرياض 1: 375.

(3) التذكرة 1:

332.

(4) الكافي 4: 340- 9، التهذيب 5: 69- 227، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الإحرام ب 50 ح 1.

(5) انظر الرياض 1: 376.

(6) الخلاف 2: 297، السرائر 1: 543، التحرير 1: 114، المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 332.

(7) انظر المنتهى 2: 782.

(8) المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 326.

(9) الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 10

و المراد بالنكس و القلب: جعل أسفله أعلاه.

و لا ينافيه تعقيبه بالمنع إدخال اليد، حيث إنّه لازم النكس بذلك المعنى، لجواز عطف اللوازم، بل صرّح في رواية المثنى بذلك المعنى، حيث قال: «و ليجعل أعلاه أسفل» «1».

نعم، في صحيحة محمّد «2» و مرسلة الكافي «3»: «و يقلّب ظهره لباطنه»، و مقتضى القاعدة: الجمع بين الأمرين، إلّا أنّ إثبات وجوب الثاني من الأخبار مشكل، و الجمع أحوط «4»، و لعلّ الأول هو المراد بالنكس الوارد في بعض الأخبار «5»، و الثاني هو المراد بالقلب الوارد في بعض آخر «6».

و هل يختصّ جواز لبس القباء بحال الاضطرار، أو يجوز مع عدم وجود الرداء مطلقا؟

ظاهر الأصحاب- كما في الذخيرة-: الثاني «7»، و هو كذلك، لصحيحة محمّد و رواية عمر بن يزيد «8»، و لا ينافيه التقييد بالاضطرار في سائر الأخبار «9»، لأنّ غايته التجويز في حال الاضطرار دون المنع في غيره.

د: يختصّ المنع عمّا ذكر بالرجال،

و أمّا النساء فيجوز لهنّ لبس

______________________________

(1) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 128- 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.

(3) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 4.

(4) في «ح» زيادة: بل لعلّه

الأظهر.

(5) انظر الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

(6) كما في الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

(7) الذخيرة: 580.

(8) التهذيب 5: 70- 229، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 2.

(9) الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 11

جميع ما ذكر وفاقا للأكثر، بل غير الشاذّ النادر، بل للمجمع عليه كما عن السرائر و المنتهى و التذكرة و المختلف و التنقيح «1»، للأصل، و اختصاص الأدلّة المانعة فتوى و رواية بالرجل، و مع ذلك، الأخبار للجواز لهنّ مستفيضة:

كصحيحة العيص: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين» الحديث «2».

و رواية النضر: عن المرأة المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال:

«تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفّازين» الحديث «3».

و رواية أبي عيينة: ما يحلّ للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟

قال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير» الحديث «4».

و القفّاز: كرمّان، شي ء يعمل لليدين يحشّى بالقطن تلبسه المرأة للبرد، أو ضرب من الحليّ لليدين و الرجلين.

و الروايات المجوّزة للبس السراويل و القميص بخصوصهما لهنّ «5».

خلافا للمحكيّ عن النهاية، فمنع عمّا عدا السراويل و الغلالة «6»،

______________________________

(1) السرائر 1: 544، المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 783، المختلف: 267، التنقيح 1: 469.

(2) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الاستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.

(3) الكافي 4: 344- 2، التهذيب 5: 74- 244، الوسائل 12: 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2.

(4) الكافي 4: 345- 6، التهذيب 5: 75- 247، الاستبصار 2: 309- 1101، الوسائل 12: 367

أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

(5) انظر الوسائل 12: 402 أبواب تروك الإحرام ب 50

(6) النهاية: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 12

و هي- بالكسر-: شعار يلبس تحت الثياب.

و هو- مع شذوذه و رجوعه عنه في المبسوط «1»، بل عدم ظهور عبارة النهاية على بعض النسخ كما قيل «2» في المنع و تصريحه فيه: بأنّ الترك أفضل- غير ظاهر الحجّة، عدا ما قيل من عموم الأخبار المحرّمة لهن «3»، و هو ممنوع، لاختصاص الخطاب فيها بالذكر، و التغليب مجاز، و القرينة مفقودة، بل هي كما عرفت على الجواز موجودة.

نعم، يحرم عليهنّ القفّازان كما هو المشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة «4»، لرواية أبي عيينة المتقدّمة، المعتضدة بالروايتين السابقتين عليها.

و تجويز بعض المتأخّرين «5» إباحتهما- للعمومات- ضعيف، لوجوب تقديم الخاص.

إلّا أنّ إجمالها- للاختلاف في تفسير هما كما مرّ، ففسّره في لسرائر و مجمع البحرين و الصحاح و المنتهى و التذكرة بالأوّل «6»، و في القاموس «7» و جماعة من أهل اللغة بالثاني «8»- ينفي الفائدة في المنع، لإباحة كلّ من

______________________________

(1) المبسوط 1: 320.

(2) انظر الرياض: 1- 375.

(3) انظر الرياض 1: 375.

(4) الخلاف 2: 294، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 333.

(5) انظر الرياض 1: 375.

(6) السرائر 1: 544، مجمع البحرين 4: 31، الصحاح 3: 892، المنتهى 2:

783، التذكرة 1: 333.

(7) القاموس 2: 194.

(8) كما في النهاية لابن الأثير 4: 90، لسان العرب 5: 395، أقرب الموارد 2: 1024.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 13

المعنيين بالأصل، إلّا أن يثمر في حرمة الجمع بينهما.

ه: لا تحريم في عقد شي ء كالمنطقة «1»،

و العمامة على البطن و الهميان و غيرهما، للأصل، و عدم المانع، و

خصوص صحيحة يعقوب في المنطقة و الهميان «2»، و صحيحة أبي بصير في الأول «3»، و موثّقة يونس في.

الأخير «4»، و صحيحة عمران الحلبي في العمامة «5»، و رواية يعقوب في الخرقة المربوطة أو المعصوبة على القرحة «6».

(نعم، يحرم عقد الإزار، لما مرّ في لبس ثوبي الإحرام) [1].

و أمّا منع عقد الرداء على العنق في موثّقة الأعرج المتقدّمة «7»، و منع رفع العمامة المشدودة إلى الصدر في صحيحة عمران المذكورة، و منع شدّها على البطن أيضا في صحيحة أبي بصير، فلا يفيد الحرمة، لورود الكلّ بالجملة الخبريّة، (و إن لم يجز عقد الرداء من جهة عدم صدق التردّي، و هو أمر آخر) [2].

الثاني: لبس ما يستر ظهر القدم بالخفّ خاصّة،

كما هو ظاهر النهاية و السرائر «8»، حيث اقتصر على ذكره.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «س» و «ق».

[2] ما بين القوسين ليس في «س» و «ق».

______________________________

(1) في «ق» و «س»: لا تحريم في عقد شي ء لعقد الإزار و المنطقة ..

(2) الكافي 4: 344- 3، الوسائل 12: 491 أبواب تروك الإحرام ب 47 ح 1.

(3) الكافي 4: 343- 2، الوسائل 12: 491 أبواب تروك الإحرام ب 47 ح 2.

(4) الفقيه 2: 221- 1027، الوسائل 12: 492 أبواب تروك الإحرام ب 47 ح 4.

(5) الفقيه 2: 221- 1026، الوسائل 12: 533 أبواب تروك الإحرام ب 72 ح 1.

(6) الفقيه 2: 221- 1025، الوسائل 12: 529 أبواب تروك الإحرام ب 70 ح 2.

(7) الفقيه 2: 221- 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 1.

(8) النهاية: 218، السرائر 1: 543.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 14

أو هو مع الجورب، كما هو ظاهر المقنع و التهذيب «1»، حيث ضمّه معه، و كذا

المفاتيح «2»، و صرّح في شرحه بالاختصاص بهما، و هو ظاهر الذخيرة «3»، بل المدارك أيضا «4».

أو هو مع الشمشك «5»، كما هو ظاهر المبسوط و الخلاف و الجامع «6».

أو بكلّ ما يستره باللبس، كالفاضلين «7»، و عامّة المتأخّرين، كما صرّح به جماعة «8»، بل في المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «9»، بل عن الغنية نفي الخلاف عنه «10».

و الأخبار الواردة في المسألة: صحيحتا ابن عمّار، و فيهما: «و لا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار، و لا الخفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان» «11».

و رواية أبي بصير، و فيها: «له أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك،

______________________________

(1) المقنع: 72، التهذيب 5: 384.

(2) المفاتيح 1: 331.

(3) الذخيرة: 594.

(4) المدارك 7: 337.

(5) الشمشك: قيل: إنّه المشاية البغدادية- مجمع البحرين 5: 277.

(6) المبسوط 1: 320، الخلاف 2: 296، الجامع 1: 184.

(7) المحقق في الشرائع 1: 250، العلّامة في التذكرة 1: 332.

(8) انظر الحدائق 15: 443.

(9) المدارك 7: 337.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

(11) الاولى في: التهذيب 5: 69- 227، الوسائل 12: 500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 340- 9، الفقيه 2: 218- 998، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 15

و ليشقّه عن ظهر القدم» «1».

و حمران في المحرم: «و يلبس الخفّين إذا لم يكن له نعل» «2».

و صحيحة محمّد في المحرم: «يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل و لكن يشقّ ظهر القدم» «3».

و صحيحة الحلبي: «و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ

إلى لبسهما» «4».

و صحيحة رفاعة: عن المحرم يلبس الخفّين و الجوربين، قال: «إذا اضطرّ إليهما» «5».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار مخصوصة بالخفّ و الجورب، و عن ذكر غيرهما أو ما يعمّ الغير خالية، فالتعدّي إليه ممّا لا وجه له أصلا.

و التمسّك بالشهرة المتأخّرة و نفي الخلاف في الغنية «6» ضعيف غايته، لعدم الحجّية.

و بجواز خروج الخفّ و الجورب مجرى الغالب أضعف، لعدم جواز التمسّك بالاحتمال و الجواز.

فإباحة ستره بلبس غيرهما هو الأقوى، بل بلبس الجورب أيضا،

______________________________

(1) الكافي 4: 346- 1، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 3.

(2) الكافي 4: 347- 6، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الإحرام ب 50 ح 3.

(3) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 5، و فيهما: قال: نعم، و لكن يشقّ.

(4) التهذيب 5: 384- 1341، الوسائل 12: 500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 2.

(5) الكافي 4: 347- 2، الفقيه 2: 217- 996، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 4.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 16

لقصور الخبرين المتضمّنين له عن إفادة الحرمة، لكون المفهوم فيهما بطريق الأخبار، الذي هو أعمّ من إفادة التحريم.

و أمّا الخفّ و إن كان كذلك أيضا إلّا أنّه يمكن استفادة تحريم لبسه من عطفه في الصحيحتين الأوليين على السراويل، الذي النهي فيه للحرمة.

و عن الأمر في رواية أبي بصير بالشقّ الذي هو للوجوب البتّة، و لو لا حرمة التستّر به لم يكن له وجه.

و عن مفهوم قوله في رواية أبي بصير و صحيحة الحلبي: «له أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ»، حيث إنّ المتبادر من هذا التركيب الحلّية و

نفيها منطوقا و مفهوما.

مضافا إلى مظنّة الإجماع فيه. فالتحريم فيه خاصّة أقوى، و إن كان الاجتناب عن الجورب- بل عن مطلق لبس ما يستر الظهر- أحوط و أولى.

و كيف كان، فالمحرّم ستر تمام الظهر، فلا يحرم ستر البعض، للأصل، و عدم استفادته من النصّ، لأنّ الخفّ و الجورب الممنوعين منهما ساتران للكلّ عادة، و الشهرة و نفي الخلاف مخصوصان به، بل صرّح جمع بعدم المنع في البعض «1»، بل يشعر بعض كلماتهم بالإجماع عليه «2».

و كذا يختصّ التحريم باللبس، فلا منع في الستر بغيره، كالجلوس عليه، و إلقاء طرف الإزار، و الجعل تحت الثوب عند النوم، و الغمس في الماء، و التستّر باليد، و غير ذلك، لعين ما ذكر، بل جوّز في الذخيرة التخصيص بما له ساق «3»، لما ذكر، و لا بأس به.

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 338، الحدائق 15: 443، الرياض 1: 376.

(2) كما في الرياض 1: 376.

(3) الذخيرة: 594.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 17

و منه و ممّا ذكرنا في لبس المخيط يظهر وجه تخصيص تحريم ذلك أيضا بالرجل، كما هو مختار جماعة- منهم: العماني و الشهيد الثاني «1»- مؤيّدا بالعمومات «2» المتقدّمة في لبس المخيط، و الأخبار المصرّحة: بأنّ إحرامها في وجهها «3».

و كذا يختصّ بحال الاختيار، فلو اضطرّ إلى اللبس جاز، بلا خلاف فيه يعلم، كما عن المنتهى «4»، بل بالإجماع، كما عن السرائر و المختلف «5»، لتصريح الأخبار «6» المتقدّمة به.

و هل يجب حينئذ شقّ ظهر القدم، كما عن الشيخ «7» و أتباعه «8»، و اختاره المحقّق الشيخ عليّ «9»، لرواية أبي بصير و صحيحة محمّد المتقدّمتين؟

أو لا يجب، كما عن الحلّي و المحقّق و الشهيد [1]، لضعف

الروايتين، و قوّة احتمال ورودهما مورد التقيّة، لموافقتهما لمذهب أكثر العامّة و منهم أبو حنيفة كما قيل «10»، و لخلوّ بعض المطلقات عنه مع وروده

______________________________

[1] الحلي في السرائر 1: 543، المحقق في الشرائع 1: 250، و قال الشهيد في الدروس (1: 376): و يجب شقّه عن ظهر القدم على الأصح.

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 267، الشهيد الثاني في المسالك 1: 109.

(2) الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35.

(3) انظر الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55.

(4) المنتهى 2: 782.

(5) السرائر 1: 543، المختلف: 270.

(6) الوسائل 12: 500 أبواب تروك الإحرام ب 51.

(7) في المبسوط 1: 320.

(8) كابن حمزة في الوسيلة: 163.

(9) جامع المقاصد 3: 185.

(10) انظر الرياض 1: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 18

في مقام البيان؟

أو يستحبّ، كما في الذخيرة «1»، جمعا بين الأخبار؟

أو يحرم كما قيل «2»، لأنّ فيه إتلافا للمال المحترم؟

الحق هو: الأول، لما مرّ، و ضعف الرواية عندنا غير ضائر.

و الحمل على التقيّة إنّما هو مع اختلاف الأخبار و لا اختلاف هنا، مع أنّه يمكن القلب في ذلك، لموافقة عدم الشقّ لبعض الروايات العامّية الدالّة على المنع «3».

و إطلاق بعض الأخبار غير مضرّ، لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و وروده في مقام البيان ممنوع إن أريد بيان جميع أحكامه- أي مقام الحاجة- و إن أريد في الجملة فغير ناهض.

و الجمع- بحمل المطلق على المقيّد- مقدّم على الحمل على الاستحباب.

و كون ذلك إتلافا ممنوع، و لو سلّم فبعد أمر الشارع به واجب كشقّ القميص.

الثالث: تغطية الرأس،
اشاره

فإنّها محرّمة على الرجل المحرم، إجماعا محقّقا و محكيّا في المنتهى و التذكرة و المدارك و المفاتيح و شرحه «4»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى

صحيحة ابن سنان: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لأبي

______________________________

(1) الذخيرة: 594.

(2) انظر الرياض 1: 376.

(3) انظر سنن الدار قطني 2: 272- 170.

(4) المنتهى 2: 789، التذكرة 1: 336، المدارك 7: 353، المفاتيح 1: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 19

و شكى إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذّى به و قال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال: «لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك» «1»، دلّت بمفهوم الغاية على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- مع إصابة الرأس.

و صحيحة عبد اللّه بن ميمون: «المحرمة لا تتنقّب، لأنّ إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه» «2».

المعتضدتين بمستفيضة اخرى، المانعة للرجل عن تغطية الرأس، و الآمرة بعدها بتجديد التلبية بالجملة الخبريّة.

كصحيحة زرارة، و فيها: «و لا يخمّر رأسه، و المرأة المحرمة عند النوم لا بأس أن تغطّي وجهها كلّه عند النوم» «3»، و قريبة منها صحيحة السرّاد «4»، و صحيحة حريز «5»، و صحيحة الحلبي «6».

و أمّا رواية زرارة في المحرم: «له أن يغطّي رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام» «7».

فشاذّة مطروحة، و بمخالفتها للعمل عن حيّز الحجيّة خارجة، أو على

______________________________

(1) الفقيه 2: 227- 1068، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.

(2) الكافي 4: 345- 7، الفقيه 2: 219- 1009، المقنعة: 445، الوسائل 12:

505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 2.

(3) الكافي 4: 349- 1، الوسائل 12: 510 أبواب تروك الإحرام ب 59 ح 1.

(4) التهذيب 5: 307- 1051، الاستبصار 2: 184- 614، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 5.

(5) الفقيه 2: 227- 1071، التهذيب 5: 307- 1050، الاستبصار 2: 184- 613، الوسائل 12:

505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 3.

(6) الفقيه 2: 227- 1070، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 6.

(7) التهذيب 5: 308- 1052، الاستبصار 2: 184- 615، الوسائل 12: 507 أبواب تروك الإحرام ب 56 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 20

حال الضرورة محمولة، و لا ينافيها قوله: «إذا أراد أن ينام» كما توهّم «1».

فروع:
أ: ذكر جمع من الأصحاب- كما في المدارك «2»-: أنّ المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصّة

حقيقة أو حكما، و ظاهرهم خروج الأذنين منه، و به صرّح الشهيد الثاني «3». و استوجه الفاضل في التحرير الدخول «4».

و تردّد في التذكرة و المنتهى «5».

دليل الأول: الأصل.

و دليل الثاني: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج: عن المحرم يجد البرد في أذنيه، يغطّيهما؟ قال: «لا» «6»، و هي عن إفادة التحريم قاصرة.

و الأولى الاستدلال برواية سماعة: عن المحرم يصيب اذنه الريح فيخاف أن يمرض، هل يصلح أن يسدّ أذنيه بالقطن؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك إذا خاف ذلك و إلّا فلا» «7».

دلّت بالمفهوم و المنطوق على ثبوت البأس و عدم الصلاحيّة- الذي هو أيضا مثبت للحرمة كما بيّنا وجهه في موضعه- مع عدم الخوف، و بها يدفع الأصل، فالحقّ هو: الثاني.

______________________________

(1) انظر الوافي 12: 598.

(2) المدارك 7: 355.

(3) المسالك 1: 11.

(4) التحرير 1: 114.

(5) التذكرة 1: 337، المنتهى 2: 789.

(6) الكافي 4: 349- 4، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 1.

(7) الكافي 4: 359- 9، الوسائل 12: 531 أبواب تروك الإحرام ب 70 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 21

ب: يجوز للرجل تغطية الوجه وفاقا للأكثر،

بل غير من شذّ و ندر، بل في التذكرة: أنّه قول علمائنا أجمع «1»، و عن الخلاف و المنتهى: الإجماع عليه أيضا «2»، للأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها «3»، الخالية عمّا يصلح للمعارضة.

خلافا للمحكيّ عن العماني، فحرّمه «4»، لصحيحة الحلبي: «المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا» «5».

و هي عن إفادة الحرمة قاصرة، لمنع الملازمة بينها و بين الكفّارة، و لذا جوّزه الشيخ في التهذيب و أوجب الكفّارة «6».

ج: صرّح في المنتهى بتحريم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطية جميعه «7»،

و هو كذلك، لصحيحة ابن سنان المتقدّمة، فإنّ إطلاق إثبات البأس في إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك.

نعم، يستثنى من ذلك وضع عصابة القربة على الرأس لحملها و إن تحقّق به ستر البعض، لصحيحة محمّد «8»، و لا يتقيّد ذلك بالضرورة، لإطلاق النصّ .. و العصابة للصداع، لصحيحة معاوية بن وهب «9»، و قد

______________________________

(1) التذكرة 1: 337.

(2) الخلاف 2: 298، المنتهى 2: 790.

(3) الوسائل 12: 510 أبواب تروك الإحرام ب 59.

(4) حكاه عنه في المختلف: 286.

(5) التهذيب 5: 308- 1054، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 4.

(6) التهذيب 5: 308.

(7) المنتهى 2: 789.

(8) الفقيه 2: 221- 1024، الوسائل 12: 508 أبواب تروك الإحرام ب 57 ح 1.

(9) الكافي 4: 359- 10، التهذيب 5: 308- 1056، الوسائل 12: 507 أبواب تروك الإحرام ب 56 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 22

عمل بهما الأصحاب.

د: يجوز ستر الرأس ببعض جسده كاليد و الذراع،

كما صرّح به في المنتهى «1» و غيره «2»، للأصل الخالي عن المعارض، لانتفاء الإجماع، و الأخبار المستفيضة المجوّزة لحكّ الرأس باليد «3»، و عدم صدق إصابة الثوب و التخمير و التقنّع الواردة في الأخبار، و عدم معلوميّة إرادة نحو ذلك من كون إحرام الرجل في رأسه، و لوجوب مسح الرأس في الوضوء، و لصحيحة معاوية بن وهب، و ابن عمّار، و رواية المعلّى بن خنيس، و جعفر بن المثنّى الآتية في مسألة التظليل.

و أمّا موثّقة الأعرج: عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

فقال: «لا، إلّا من علّة» «4».

فهي واردة في التظليل دون التغطية، و مع ذلك عن إفادة الحرمة قاصرة.

و هل يجوز التستّر بغير المعتاد للستر، كالطين و الحنّاء و الإناء و الزنبيل و القرطاس و الطبق

و المتاع؟

أو يعمّ المنع التغطية بأيّ شي ء كان؟

ظاهر المدارك: الأوّل «5»، و إن جعل الأحوط تركه. و استشكل فيه بعضهم «6».

______________________________

(1) المنتهى 2: 790.

(2) كالتذكرة 1: 336.

(3) الوسائل 12: 533 أبواب تروك الإحرام ب 73.

(4) الفقيه 2: 227- 1069، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 5.

(5) المدارك 7: 354.

(6) كالسبزواري في الذخيرة: 599، صاحب الرياض 1: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 23

و صرّح في المبسوط: بأنّ من خضّب رأسه أو طيّنه لزمه الفداء «1»، فهو رجّح الثاني، و عن بعضهم: نفي الخلاف فيه إلّا من العامّة «2».

وجه الأوّل: بعض ما ذكر للستر ببعض الجسد، مضافا إلى انصراف الأوامر و النواهي إلى الأمور المعتادة.

و دليل الثاني: صدق الستر و التغطية، و بعض الأخبار المانعة عن ستر المحرمة وجهها بالمروحة «3»، مع ما ورد أنّ إحرامها في وجهها و إحرامه في رأسه، و يؤيّده المنع عن الارتماس.

و الكلّ يقبل الخدش، لعدم دليل تامّ على حرمة مطلق الستر و التغطية، و بطلان القياس على المحرمة و الارتماس، إلّا أنّ الأحوط الترك البتّة.

ه: صرّح جماعة بعدم البأس في التوسّد بنحو وسادة و بعمامة مكوّرة «4»،

و هو كذلك، إذ يصدق على المتوسّد أنّه مكشوف الرأس، و لبعض ما ذكر.

و: لو غطّى رأسه ناسيا ألقى الغطاء وجوبا عند الذكر،

لأنّ استدامة التغطية محرّمة كابتدائها.

و يستحبّ له التلبية بعده، لصحيحتي حريز «5»، و الحلبي «6» الآمرتين بالتلبية بالجملة الخبريّة القاصرة عن إثبات الوجوب، مضافا إلى ما قيل من عدم القول بالوجوب «7» .. إلّا أنّه حكي عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة

______________________________

(1) المبسوط 1: 351.

(2) كما في التذكرة 1: 336، كشف اللثام 1: 330.

(3) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(4) انظر الرياض 1: 378.

(5) الفقيه 2: 227- 1071، التهذيب 5: 307- 1050، الاستبصار 2: 184- 613، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 3.

(6) الفقيه 2: 227- 1070، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 6.

(7) كما في المدارك 7: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 24

و سعيد «1»، و اختاره بعض مشايخنا «2»، و هو ضعيف.

ز: حرمة التغطية مخصوصة بالرجل،

و أمّا المرأة فلا يحرم عليها، بالإجماع و الأصل، و الأخبار «3».

الرابع: الارتماس بإدخال الرأس في الماء، فإنّه محرّم على الرجل المحرم بلا خلاف، بل بالإجماعين «4»، و هو العمدة لنا في الاستدلال.

و أمّا الأخبار المانعة عنه- كصحاح ابن سنان «5» و حريز «6» و يعقوب ابن شعيب «7» و مرسلة حريز «8»- فكلّها قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبرية، إلّا أن يجعل الإجماع على الحمل عليها قرينة.

و على هذا، فلا منع في إفاضة الماء و صبّه على الرأس، لانتفاء الإجماع فيه، بل على جوازه الإجماع في التذكرة و المنتهى «9» و غيرهما «10»، و مع ذلك فالأخبار بجوازه مستفيضة جدّا «11».

و ممّا ذكر ظهر أيضا وجه الاختصاص بالرجل، مضافا إلى اختصاص

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 321، ابن حمزة في الوسيلة: 163، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 187.

(2) كصاحب الرياض 1: 378.

(3) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(4) كما في التذكرة 1: 336، الرياض 1: 378.

(5) التهذيب 5: 307- 1048، الوسائل 12: 508 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 1.

(6) الفقيه 2: 226- 1064، التهذيب 5: 312- 1071، الاستبصار 2: 84- 259، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 3.

(7) الكافي 4: 353- 2، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 4.

(8) الكافي 4: 353- 1، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 5.

(9) التذكرة 1: 336، المنتهى 2: 790.

(10) كالحدائق 15: 499، و الرياض 1: 378.

(11) انظر الوسائل 12: 535 أبواب تروك الإحرام ب 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 25

الأخبار أيضا.

الخامس: التظليل للرجل راكبا،
اشاره

بالإجماع المحقّق و المحكيّ عن الانتصار و الخلاف و المنتهى و التذكرة «1»، و بالمستفيضة من الأخبار الصحيحة و غيرها، و هي كثيرة جدّا تقرب من ثلاثين.

و لكن منها ما يتضمّن الأمر بالإضحاء و نحوه ممّا يدلّ على التحريم.

و منها: ما يطلب فيه التظليل

بالجمل الخبريّة مع الأمر بالفداء لو ظلّل أو بدونه.

و منها: ما يدلّ على ثبوت الفداء فيه.

و القسمان الأخيران و إن لم يكونا بنفسهما ناصّين في التحريم، إلّا أنّه تتمّ دلالتهما عليه بضميمة الإجماع و القسم الأول.

فمن الأول: موثقة عثمان بن عيسى: إنّ علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و هو يريد أن يحرم، فقال: «إن كان كما زعم فليظلّل، و أمّا أنت فأضح لمن أحرمت له» «2».

و صحيحة ابن المغيرة: عن الظلال للمحرم، فقال: «أضح لمن أحرمت له». الحديث «3».

و صحيحة حفص و هشام بن الحكم، و فيها: «أضح لمن أحرمت له» «4».

و صحيحة هشام بن سالم: عن المحرم يركب في الكنيسة [1]، فقال:

______________________________

[1] الكنيسة: شبه هودج، يغرز في المحمل أو في الرحل قضبان و يلقى عليه ثوب يستظلّ به الراكب و يستتر به- المصباح المنير: 542.

______________________________

(1) الانتصار: 97، الخلاف 2: 318، المنتهى 2: 791، التذكرة 1: 337.

(2) الكافي 4: 351- 7، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 13.

(3) الكافي 4: 350- 2، الوسائل 12: 518 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 11.

(4) الفقيه 2: 226- 1067، الوسائل 12: 512 أبواب تروك الإحرام ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 26

«لا، و هو للنساء جائز» «1»، فإنّ التفصيل بين النساء و الرجال في الجواز قاطع للشركة فيه.

و الخبر: أ يجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟ فقال: «لا يجوز ذلك مع الاختيار» «2».

و من الثاني: صحيحة ابن المغيرة: أظلّل و أنا محرم؟ قال: «لا»، قلت: فأظلّل و أكفّر؟ قال: «لا»، قلت: فإن مرضت؟ قال: «ظلّل و كفّر» «3».

و صحيحة محمّد: عن المحرم يركب القبّة، فقال: «لا»، قلت:

فالمرأة المحرمة؟

قال: «نعم» «4».

و صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق: هل يستتر المحرم عن الشمس؟

قال: «لا، إلّا أن يكون شيخا كبيرا أو ذا علّة» «5».

و رواية محمّد بن منصور: عن الضلال للمحرم، قال: «لا يظلّل إلّا من علّة مرض» «6».

و صحيحة الأشعري: عن المحرم أ يظلّل على نفسه؟ فقال: «أمن

______________________________

(1) التهذيب 5: 312- 1072، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 4.

(2) الاحتجاج 2: 394، إرشاد المفيد 2: 235، الوسائل 12: 523، أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

(3) الفقيه 2: 225- 1059، التهذيب 5: 313- 1075، الاستبصار 2: 187- 627، العلل: 452- 1، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.

(4) التهذيب 5: 312- 1070، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 1.

(5) الكافي 4: 351- 8، التهذيب 5: 310- 1062، الاستبصار 2: 186- 622، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 9، بتفاوت يسير.

(6) الكافي 4: 351- 6، و في التهذيب 5: 309- 1060، و الاستبصار 2: 186- 621، و الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 8: من علّة أو مرض.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 27

علّة؟» فقلت: تؤذيه الشمس و هو محرم، فقال: «هي علّة يظلّل و يفدي» «1».

و موثقة ابن عمّار: عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم، فقال: «إلّا مريض، أو من به علّة و الذي لا يطيق الشمس» «2».

و رواية المعلّى: «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستر بعضه ببعض» «3».

و رواية البجلي في المحرم، و فيها: «هو أعلم بنفسه، إذا علم أنّه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظلّ منها» «4».

و رواية جعفر بن المثنّى،

و فيها: ما تقول في المحرم يستظلّ على المحمل؟ فقال: «لا»، فقال: يستظلّ في الخباء؟ فقال له: «نعم» إلى أن قال:- «كان رسول صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها، و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، و ربّما يستر وجهه بيده، و إذا نزل استظلّ بالخباء و في البيت و بالجدار» «5».

و بمضمونها رواية أخرى لمحمّد بن الفضيل «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 310- 1064، الاستبصار 2: 186- 624، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 309- 1057، الاستبصار 2: 185- 618، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 7، بتفاوت.

(3) الكافي 4: 352- 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.

(4) التهذيب 5: 309- 1059، الاستبصار 2: 186- 620، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 6.

(5) الكافي 4: 350- 1، التهذيب 5: 309- 1061، الوسائل 12: 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1، بتفاوت.

(6) الكافي 4: 352- 15، الوسائل 12: 521 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 28

و رواية أبي بصير: عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة؟

قال: «نعم»، قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال و هو محرم؟ قال: «نعم إذا كانت به شقيقة [1]، و يتصدّق لكلّ يوم بمدّ» «1».

و من الثالث صحيحة ابن بزيع: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل؟ فكتب: «نعم»، قال: و سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع، فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى «2»، و قريبة من ذيلها الأخرى «3» و الثالثة «4».

و صحيحة

إبراهيم بن أبي محمود: المحرم يظلّل على محمله و يفتدي إذا كانت الشمس و المطر يضرّان به؟ قال: «نعم»، قلت: كم الفداء؟ قال:

«شاة» «5» [2].

______________________________

[1] الشقيقة: نوع من صداع يعرض في مقدّم الرأس و إلى أحد جانبيه- نهاية ابن الأثير 2: 492.

[2] في «ح» و «ق» زيادة: و صحيحة ابن بزيع: عن الظلّ للمحرم في أذى من مطر أو شمس، أو قال: من علّة فأمر بفداء شاة يذبحها بمنى، و قال: «نحن إذا أردنا ذلك ظلّلنا و فدينا».

______________________________

(1) الكافي 4: 351- 4، الفقيه 2: 226- 1062، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 8.

(2) الكافي 4: 351- 5، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 1، و أورد ذيل الحديث في ج 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 6.

(3) التهذيب 5: 334- 1151، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 3.

(4) الفقيه 2: 226- 1063، التهذيب 5: 311- 1065، الاستبصار 2: 186- 625، الوسائل 13: 155 أبواب كفارات الإحرام ب 6 ح 7.

(5) الكافي 4: 351- 9، التهذيب 5: 311- 1066، الاستبصار 2: 187- 626، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 5، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 29

و رواية علي بن محمّد: المحرم هل يظلّل على نفسه إذا آذته الشمس أو مطر أو كان مريضا أم لا، فإن ظلّل هل عليه الفداء أم لا؟ فكتب: «يظلّل على نفسه و يهريق دما» «1» إلى غير ذلك من الأخبار «2».

و لا تعارض تلك الأخبار صحيحة الحلبي: عن المحرم يركب في القبّة؟ قال: «ما يعجبني ذلك إلّا أن يكون مريضا» «3».

و

صحيحة علي: سألت أخي أظلّل و أنا محرم؟ فقال: «نعم، و عليك الكفّارة»، فقال: رأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظلّ «4».

و صحيحة جميل «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال» «5».

لأنّ عدم الإعجاب في الأولى يشمل التحريم أيضا، و الثانيتان أعمّان مطلقا من كثير ممّا مرّ، لشمولهما لحال الضرورة، مع أنّ الثانية قضية في واقعة، و الرخصة في الثالثة تستعمل فيما كان محظورا و اذن فيه للضرورة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فاستحبّ الإضحاء «6»، و للذخيرة فاستشكل في المسألة «7»، للروايات الثلاث الأخيرة، و قد مرّ جوابها، مع

______________________________

(1) التهذيب 5: 310- 1063، الاستبصار 2: 186- 623، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 1.

(2) الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6.

(3) التهذيب 5: 309- 1058، الاستبصار 2: 185- 619، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 5.

(4) التهذيب 5: 334- 1150، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 2.

(5) التهذيب 5: 312- 1074، الاستبصار 2: 187- 628، الوسائل 12: 518 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 10.

(6) حكاه عنه في المختلف: 285.

(7) الذخيرة: 598.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 30

أنّه على فرض الدلالة لا حجّية فيها، لشذوذها و خروجها عن الحجّية، و مخالفتها الشهرة العظيمة، بل الإجماع، لعدم تحقّق قدح مثل تلك المخالفة فيه.

فروع:
أ: اعلم أنّ حرمة التظليل مخصوصة بحالة السير،

فلا يحرم حين النزول الاستظلال بالسقف و الخيمة و الشجرة و نحوها و الجلوس تحتها لضرورة أو غير ضرورة، بالإجماعين «1»، و الأصل، و النصوص، كروايتي جعفر و محمّد بن الفضيل المتقدّمتين.

و رواية الحسين بن مسلم: ما فرق بين الفسطاط و ظلّ المحمل؟

فقال: «لا ينبغي أن

يستظلّ في المحمل، و الفرق أن المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام و لا تقضي الصلاة»، قال: صدقت جعلت فداك «2».

و بهذه الأخبار المنجبرة تقيّد المطلقات المقيّدة.

و كذا مخصوصة بحال الركوب، فيجوز له المشي في الظلال و تحتها كظلّ المحمل و الحمل و الدابّة و الثوب و نحوه ينصبه فوق رأسه، وفاقا لجماعة، منهم: الشيخ و الشهيدان «3»، و غيرهم «4»، لصحيحة ابن بزيع المتقدّمة «5».

______________________________

(1) كما حكاه في المنتهى 2: 792.

(2) الفقيه 2: 225- 1060، المقنع: 74، الوسائل 12: 522 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الشيخ في المبسوط 1: 321، الشهيد الأوّل في الدروس 1: 377، الشهيد الثاني في الروضة 2: 244.

(4) كصاحب الحدائق 15: 484، و صاحب الرياض 1: 379.

(5) الكافي 4: 351- 5، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 31

و في خبر آخر: يجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟ فقال:

«لا يجوز ذلك مع الاختيار»، فقيل: أ فيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟

فقال عليه السلام: «نعم» «1».

و يؤكّده تضمّن كثير من الأخبار المانعة «2» لقوله: «لا يستظلّ في المحمل» أو: «على المحمل» أو: «في الكنيسة» أو: «القبّة».

و نسب إلى المنتهى «3»، اختصاص جواز الاستظلال حال المشي بما إذا لم يكن من فوق رأسه، و استدلّ له ببعض المطلقات، و أيّد أيضا بأنّ المتعارف من المشي في ظلّ المحمل أن يكون الحمل على أحد جانبيه، و العموم بالنسبة إلى غير الأفراد المتعارفة غير واضح.

و فيه: أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كان اللفظ عاما أو مطلقا، و أمّا صحيحة ابن بزيع فمتضمّنة لقوله: «تحت المحمل»، فليس المشي في أحد الجانبين

من أفراده، فتقيّد المطلقات بها.

مع أنّ لي في هذه النسبة إلى المنتهى نظرا، لأنّه قال: يجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال و أن يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصّة لضرورة و غير ضرورة عند جميع أهل العلم. انتهى.

فإنّ تصريحه بجواز المشي تحت الظلال أولا و جعله السائر قسيم النازل ينبئ عن أنّ مراده بالسائر الراكب، و غرضه أنّ تحريم التظليل للراكب

______________________________

(1) الاحتجاج: 394، الإرشاد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

(2) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64.

(3) المنتهى 2: 792.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 32

إذا كان فوق رأسه لا في أحد جانبيه، و تؤكّده نسبة ذلك إلى جميع أهل العلم.

و هل يختصّ تحريم التظليل راكبا بما إذا كان من فوق رأسه، أو يحرم التظليل عليه مطلقا؟

فعن المنتهى و الخلاف: الأول «1»، نافيا في الأخير الخلاف فيه، و عن الدروس: التردّد فيه «2».

و استدلّ للأول بالأصل.

و اختصاص أكثر الأخبار بالجلوس في القبّة و الكنيسة «3».

و بصحيحة ابن سنان «4» المتقدّمة في صدر مسألة التغطية.

و الأوّل: يدفع بالمطلقات.

و الثاني: لا يعارضها.

و الثالث: مخصوص بحالة الأذيّة، و هي من الضرورة، و لا نزاع في الجواز معها.

فالحقّ: حرمة التظليل حال الركوب مطلقا و لو لم يكن راكب المحمل و نحوه، بل الظاهر أنّه يجب حينئذ البروز للشمس، إذا تحولت إلى جهة أخرى، ليتحقّق الإضحاء المأمور به، و ينتفي التستّر عن الشمس المنهي عنه.

و كما يجب ترك التستّر عن الشمس، كذلك يجب ترك التظليل عن السماء أيضا، فلا يجوز الجلوس في نحو المحمل المسقّف في الليل و لا

______________________________

(1) المنتهى 2: 792، الخلاف

2: 318.

(2) الدروس 1: 379.

(3) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64.

(4) الفقيه 2: 227- 1068، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 33

في يوم الغيم، و كذا في يوم الصحو في أول النهار و آخره إذا جلس مواجها للشمس.

لأنّ المراد من التظليل أعمّ منهما- كما تفصح عنه طائفة من الأخبار «1» المتقدّمة، المتضمّنة للاستظلال من المطر- و لأنّ الإضحاء المأمور به بل التظليل أيضا محتمل لإرادة الإبراز للسماء و للإبراز للشمس، و قاعدة استصحاب الشغل اليقيني تقتضي وجوب الاجتناب عن الأمرين.

ب: يجوز التستّر ببعض جسده،

لروايتي المعلّى «2»، و جعفر «3» المتقدّمتين، و صحيحتي ابن عمّار و الحلبي:

الاولى: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» «4»، و نحوها الثانية «5».

و أمّا موثّقة سعيد الأعرج «6» فقد مرّ جوابها في مسألة التغطية.

ج: الحكم المذكور مخصوص بالرجل،

فيجوز الاستظلال بمعنييه للمرأة و الصبيان بلا خلاف، و عليه الإجماع في كلام جماعة «7»، و يدلّ عليه الأصل، و اختصاص النصوص المانعة بالرجال، و صحاح هشام «8» و محمّد «9»

______________________________

(1) الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67.

(2) الكافي 4: 352- 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.

(3) الكافي 4: 350- 1، التهذيب 5: 309- 1061، الوسائل 12: 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1.

(4) التهذيب 5: 308- 1055، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 3.

(5) الكافي 4: 352- 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.

(6) الفقيه 2: 227- 1069، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 5.

(7) كصاحب الرياض 1: 379.

(8) التهذيب 5: 312- 1072، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 4.

(9) التهذيب 5: 312- 1070، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 34

و جميل «1» و رواية أبي بصير «2» المتقدّمة جميعا، و صحيحة حريز: «لا بأس بالقبّة على النساء و الصبيان و هم محرمون» «3».

د: لا شكّ في اختصاص الحكم المذكور بحال الاختيار،

فيجوز له التظليل راكبا مع العذر و الضرورة إجماعا، على ما صرّح به جماعة، منهم:

المحقّق الثاني و الفاضل الهندي و المفاتيح و شرحه «4»، و إن اختلفوا في قدر العذر.

فمنهم من اكتفى فيه بمطلق المشقّة و لو بالمشقّة الحاصلة من حرّ الشمس و نزول المطر، و اختاره في الذخيرة «5»، لنفي مطلق العسر، و للصحاح الخمس المتقدّمة للأشعري «6» و ابن بزيع «7» و إبراهيم بن أبي محمود «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 312- 1074، الاستبصار 2: 187- 628، الوسائل 12: 518

أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 10.

(2) الكافي 4: 351- 4، الفقيه 2: 226- 1062، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 8.

(3) الكافي 4: 351- 10، الفقيه 2: 226- 1064، التهذيب 5: 312- 1071، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الإحرام ب 65 ح 1.

(4) المحقّق الثاني في جامع المقاصد 3: 187، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

332، المفاتيح 1: 334.

(5) الذخيرة: 598.

(6) التهذيب 5: 310- 1064، الاستبصار 2: 186- 624، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 4.

(7) الاولى في: الفقيه 2: 226- 1063، التهذيب 5: 311- 1065، الاستبصار 2:

186- 625، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 7.

الثانية في: الكافي 4: 351- 5، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 6.

(8) الكافي 4: 351- 9، التهذيب 5: 311- 1066، الاستبصار 2: 187- 626، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 35

و رواية عليّ بن محمّد «1».

و منهم من اشترط التضرّر به لعلّة أو كبر أو ضعف أو شدّة حرّ أو برد، و هو المحكيّ عن الشيخين و الحلّي «2»، و به أفتى طائفة من المتأخّرين، منهم: الروضة «3» و بعض مشايخنا «4».

لرواية البجلي «5» و موثقة [ابن عمّار «6»] «7» السابقتين المقيّدتين للتجويز بعدم الإطلاقة و الاستطاعة، و الخبر «8» المتقدّم النافي للجواز مع الاختيار، و موثّقة عثمان بن عيسى «9» السالفة المقيّدة بقوله: «إن كان كما زعم»، و هذه مقيّدة بالنسبة إلى مطلق الأذيّة، فيجب التقييد بها.

أقول: هذا كان بالنسبة إلى مطلق الأذيّة، فيجب التقييد بها.

أقول: هذا كان حسنا لو

أفادت الجمل الخبريّة في الرواية و الموثقة للتحريم بدون الإطاقة و الاستطاعة، أو منع صدق الأذيّة الواردة في الصحاح بدون حصول التضرّر، و كلاهما ممنوعان، و لذا أطلق الأذيّة في رواية جعفر «10» على ما يندفع بالستر باليد.

______________________________

(1) التهذيب 5: 310- 1063، الاستبصار 2: 186- 623، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 1.

(2) المفيد في المقنعة: 432، الطوسي في المبسوط 1: 321، الحلي في السرائر 1: 547.

(3) الروضة 2: 245.

(4) الحدائق 15: 479.

(5) التهذيب 5: 309- 1059، الاستبصار 2: 186- 620، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 6.

(6) التهذيب 5: 309- 1057، الاستبصار 2: 185- 618، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 7.

(7) ما بين المعقوفين ساقط عن النسخ.

(8) الاحتجاج: 394، الإرشاد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

(9) الكافي 4: 351- 7، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 13.

(10) الكافي 4: 350- 1، التهذيب 5: 309- 1061، الوسائل 12: 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 36

و لو سلّم جميع ذلك فيعارض ما ذكروه مع أدلّة نفي العسر بالعموم من وجه، فيجب تقديمه، لاستفادتها من الكتاب العزيز.

فالأقوى هو الأول، و لكن يجب تقييده بما إذا كانت مشقّة شديدة زائدة عمّا يقتضيه مطلق مقابلة الشمس أو البرد أو المطر، لتصدق الأذيّة و العسر، و يحصل العموم من وجه.

ه: هل يجوز التظليل اختيارا مع الفداء، أم لا؟

الأقوى: الثاني، وفاقا للتهذيبين و التذكرة و المنتهى «1»، للإطلاقات «2» المؤيّدة بصحيحة ابن المغيرة «3» السابقة.

خلافا للمحكيّ عن المقنع «4»، لصحيحة عليّ «5» المتقدّمة، و قد عرفت أنّها قضية في واقعة.

و: لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختصّا بالظلال دونه،

من غير خلاف يعرف، كما صرّح جماعة «6»، للعمومات «7»، و خصوص رواية بكر «8»، و لا تعارضها مرسلة العبّاس بن معروف «9»، لضعف دلالتها.

______________________________

(1) التهذيب 5: 312، الاستبصار 2: 187، التذكرة 1: 337، المنتهى 2: 792.

(2) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64.

(3) الفقيه 2: 225- 1059، التهذيب 5: 313- 1075، الاستبصار 2: 187- 627، العلل: 452- 1، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.

(4) المقنع: 74.

(5) التهذيب 5: 334- 1150، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 2.

(6) كصاحب الحدائق 15: 483، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 332، صاحب الرياض 1: 379.

(7) الوسائل 12: 526 أبواب تروك الإحرام ب 68.

(8) الكافي 4: 352- 12، الفقيه 2: 226- 1061، التهذيب 5: 311- 1068، الاستبصار 2: 185- 616، الوسائل 12: 526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 1.

(9) التهذيب 5: 311- 1069، الاستبصار 2: 185- 617، الوسائل 12: 526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 37

القسم الثالث ما يختصّ بالمرأة

و هو أمر واحد:

و هو: تغطية الوجه، فإنّها محرّمة عليها، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما في المنتهى و المدارك «2»، و في التذكرة و المفاتيح: الإجماع على حرمة النقاب عليها «3».

و تدلّ عليها من الأخبار صحيحة الحلبي: «مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقّبة و هي محرمة، فقال: أحرمي و أسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنّك إن تنقّبت لم يتغيّر لونك، فقال رجل: إلى أين ترخيه؟

فقال: تغطّي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم» «4».

و صحيحة عبد اللّه بن ميمون «5» المتقدّمة في مسألة تغطية الرأس.

و رواية

أحمد بن محمّد: «مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 599.

(2) المنتهى 2: 790، المدارك 7: 359.

(3) التذكرة 1: 337، المفاتيح 1: 333.

(4) الكافي 4: 344- 3، التهذيب 5: 74- 245، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.

(5) الكافي 4: 345- 7، الفقيه 2: 219- 1009، المقنعة: 445، الوسائل 12:

505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 2.

(6) الكافي 4: 346- 9، الفقيه 2: 219- 1010 بتفاوت يسير، قرب الإسناد:

363- 1300، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 38

و رواية ابن عيينة: ما يحلّ للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟

قال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير» «1».

و صحيحة عيص: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين، و كره النقاب»، و قال: «تسدل الثوب على وجهها»، قلت: حدّ ذلك إلى أين؟ قال: «إلى طرف الأنف قدر ما تبصر» «2».

و رواية يحيى بن أبي العلاء: «كره للمحرمة البرقع و القفّازين» «3».

و أمّا صحيحتا زرارة و السرّاد المتقدّمتين «4» في مسألة تغطية الرأس، فظاهر بعض المتأخّرين «5» حملهما على الإسدال المجوّز لها كما يأتي، و يمكن التخصيص بحالة النوم إن كان به قول.

و أكثر هذه الروايات و إن كانت متضمّنة للنقاب و البرقع إلّا أنّ العلّتين المصرّحتين بهما في الصحيحتين الأوليين تقتضيان التعميم.

و كذا الأمر بالأسفار في الاولى، و إماطة المروحة في الثالثة، و قوله في رواية سماعة الواردة في المحرمة: «و لا تستتر بيدها من الشمس» «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    39     القسم

الثالث ما يختص بالمرأة ..... ص : 37

لذا ذكر جماعة من الأصحاب أنّه لا فرق في التحريم بين التغطية بثوب و غيره «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 345- 6، التهذيب 5: 75- 247، الاستبصار 2: 309- 1101، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

(2) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الاستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.

(3) الفقيه 2: 219- 1012، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 9.

(4) في ص: 19.

(5) انظر مجمع الفائدة 6: 350.

(6) الفقيه 2: 220- 1017، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 10.

(7) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 331، و صاحب الرياض 1: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 39

و احتمل بعضهم التخصيص بالنقاب «1»، و استشكل آخر في التغطية بغير الثوب «2»، و هما و إن لم يناسبا مع العلّتين، [و لكن يناسب الأول ] «3»، لما يأتي من تجويز إسدال الثوب.

نعم، يستثنى منها إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها، بلا خلاف فيه يعلم، كما في المنتهى «4»، و بالإجماع كما في التذكرة «5».

و تدلّ عليه من الأخبار صحيحتا الحلبي «6» و العيص «7» المتقدّمتين، و صحيحة ابن عمّار: «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة» «8».

و صحيحة حريز: «المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن» «9» «10».

و روي عن عائشة: كان الركبان يمرّون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا جاءونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها،

______________________________

(1) كصاحب المدارك 7: 361، و صاحب الرياض 1: 379.

(2) كصاحب المدارك 7:

360.

(3) بدل ما بين المعقوفين في «س» و «ق»: لا يناسب الأول، و في «ح»: لا يناسب العلّة الاولى، و الصحيح ما أثبتناه.

(4) المنتهى 2: 791.

(5) التذكرة 1: 337.

(6) الكافي 4: 344- 3، التهذيب 5: 74- 245، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.

(7) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الاستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.

(8) الفقيه 2: 219- 1008، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 8.

(9) الفقيه 2: 219- 1007، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 6.

(10) في «س»: زيادة: و زرارة المتقدمة: «تسدل ثوبها إلى نحرها» و لم تتقدم، و هي في الفقيه 2: 227- 1074، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 40

فإذا جاوزونا كشفنا «1».

و هذه الروايات و إن كانت مختلفة في التحديد، إلّا أنّ مقتضى الجمع جواز السدل إلى النحر، لعدم معارضة [بعض ] «2» هذه الأخبار مع بعض.

و كذا لا يختصّ بحال الركوب كما اشترط في صحيحة ابن عمّار، إذ لا يثبت من مفهومها الحرمة في غير تلك الحالة.

و ظاهر تلك الأخبار عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه، كما قطع به في المنتهى «3» و صرّح به جمع من المتأخّرين «4»، للإطلاقات «5»، و عدم انفكاك السدل من إصابة البشرة.

و اشترط في القواعد عدم الإصابة «6»، و أوجب في المبسوط و الجامع المجافاة بخشبة و نحوها لئلّا يصيب البشرة «7»، و عن الشيخ: إيجاب الدم لو أصاب البشرة و لم تزل بسرعة «8»، و لا أرى مستندا لشي ء من ذلك.

إلّا أنّ المسألة بعد

عندي من المشكلات، لأنّ مقتضى العلّتين المذكورتين حرمة التغطية مطلقا، و مقتضى تجويز السدل مطلقا رفع اليد عن العلّتين و جواز التغطية بالسدل، فتبقى حرمة النقاب و البرقع خاصّة أو بغير السدل.

و الأولى هو الأخير، و حمل العلّة الأولى على الأولوية و الثانية على الإحرام بترك غير السدل ممّا يغطّي، و الأحوط مراعاة المجافاة أيضا، و اللّه العالم.

______________________________

(1) سنن البيهقي 5: 48 بتفاوت يسير.

(2) ليست في النسخ، أضفناها لاستقامة العبارة.

(3) المنتهى 2: 791.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 111، و صاحب الرياض 1: 379.

(5) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(6) القواعد 1: 80.

(7) المبسوط 1: 320، الجامع للشرائع: 187.

(8) المبسوط 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 41

المقام الثاني في مكروهات الإحرام
اشاره

و هي أمور:

منها: الاكتحال

و تفصيل الكلام فيه: أنّ الاكتحال إمّا يكون للضرورة، أو لغيرها، و الثاني إمّا يكون بغير السواد، أو ما فيه طيب، أو للزينة، أو يكون بما فيه أحد هذه الأمور.

فالأوّل مباح مطلقا بلا كلام فيه، كما في الذخيرة «1»، للأصل، و الأخبار:

كحسنة الكاهلي: أكتحل إذا أحرمت؟ قال: «لا، و لم تكتحل؟» قال:

إنّي ضرير البصر، فأنا إذا اكتحلت نفعني و إذا لم أكتحل أضرّني، قال:

«فاكتحل» «2».

و صحيحة ابن عمّار: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّا من علّة» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «المحرم لا يكتحل إلّا من وجع» «4».

و ما صرّح بأنّ من اشتكى عينيه يكتحل بما ليس فيه مسك أو طيب،

______________________________

(1) الذخيرة: 592.

(2) الكافي 4: 358- 3، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 10.

(3) التهذيب 5: 301- 1023، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 2.

(4) الكافي 4: 357- 5، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 42

كمرسلة أبان «1»، أو بما ليس فيه مسك و لا كافور، كمرسلة الفقيه «2»، أو بما ليس فيه زعفران، كصحيحة ابن سنان «3».

و كذا الثاني بلا خلاف فيه أيضا، للأصل الخالي عن المعارض، مضافا إلى الأخبار:

كصحيحة الحلبي: عن الكحل للمحرم، قال: «أمّا بالسواد فلا، و لكن بالصبر و الحضض» [1] «4».

و ابن عمّار: «لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فأمّا الزينة فلا» «5».

و مرسلة الفقيه، و في آخرها: «و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه إلّا كحلا أسود لزينة» «6».

و صحيحة زرارة: «تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلّا الكحل الأسود للزينة» «7».

و صحيحة

محمّد: «يكتحل المحرم عينه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران، و لا ورس» «8».

______________________________

[1] الحضض: بضم الضاد الاولى و فتحها، دواء معروف، و هو صمغ مرّ كالصبر- الصحاح 3: 1071.

______________________________

(1) الكافي 4: 357- 4، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 9.

(2) الفقيه 2: 221- 1029، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 12.

(3) التهذيب 5: 301- 1026، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 5.

(4) الكافي 4: 357- 3، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 7.

(5) التهذيب 5: 302- 1028، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) الفقيه 2: 221- 1029، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 13.

(7) التهذيب 5: 301- 1024 بتفاوت يسير، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 3.

(8) الفقيه 2: 221- 1030، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 43

و رواية الغنوي: «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحل بكحل فارسي» «1».

و الثلاثة الباقية مكروهة على الأقوى من حيث الاكتحال و إن حرم ثانيها من جهة الطيب، وفاقا في الأول للصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية و المحقق في النافع بل الشرائع- حيث نسب الحرمة إلى قول- و الذخيرة «2»، و في الخلاف: الإجماع عليه.

أمّا الجواز: فللأصل الخالي عن المعارض.

و أمّا الكراهة: فلما مرّ من المطلقات و المقيّدات بالأسود القاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبرية، كسائر ما لم يذكر أيضا كصحيحتي حريز:

إحداهما: «لا تنظر في المرأة و أنت محرم، لأنّه من الزينة، و

لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، إنّ السواد زينة» «3»، و ثانيتهما «4» كذيل الاولى.

و في الثانيين لجمع من الأصحاب، حيث لم يذكروهما في هذا المقام، و صريح القاضي في الأول منهما «5».

و خلافا للمشهور فيهما، و في التذكرة: الإجماع على تحريم الثاني «6»، لما مرّ من الأخبار بجوابه.

______________________________

(1) التهذيب 5: 301- 1027، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 6.

(2) المقنع 1: 73، الخلاف 2: 313، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، النافع: 85، الشرائع 1: 250، الذخيرة: 592.

(3) الكافي 4: 356- 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 3.

(4) التهذيب 5: 301- 1025، العلل: 456- 2، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 4.

(5) المهذّب 1: 221.

(6) التذكرة 1: 333 و 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 44

نعم، يحرم الثاني لأجل الطيب إن كان فيه طيب محرّم، لأدلّته.

و منها: النظر في المرآة.

فإنّه يكره على الأقوى، وفاقا للخلاف و الغنية و المهذّب و الوسيلة و النافع «1»، للأصل، و الصحاح الأربع لحريز «2» و ابن عمّار «3» و حمّاد «4»، المتضمّنة للجملة المحتملة للخبريّة.

خلافا للمشهور، فحرّموه، للأخبار المذكورة بجوابها.

و منها: لبس الخاتم للزينة.

وفاقا للنافع حاكيا له عن غيره أيضا، حيث قال: فيه قولان «5».

و دليل الجواز: الأصل، و صحيحة محمّد بن إسماعيل: رأيت العبد الصالح و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «6».

و رواية نجيح: «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم» «7».

و دليل المرجوحيّة: رواية مسمع «8» الواردة بالجملة الخبريّة،

______________________________

(1) الخلاف 2: 319، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المهذّب 1: 221، الوسيلة: 164، النافع: 85.

(2) الاولى في: الكافي 4: 356- 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 221- 1301، العلل: 458- 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 3.

(3) الكافي 4: 357- 2، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 4.

(4) التهذيب 5: 302- 1029، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 1.

(5) النافع: 85.

(6) التهذيب 5: 73- 241، الاستبصار 2: 165- 543، الوسائل 12: 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 3.

(7) الكافي 4: 343- 22، التهذيب 5: 73- 240، الاستبصار 2: 165- 542، الوسائل 12: 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 1.

(8) التهذيب 5: 73- 242، الاستبصار 2: 165- 544، الوسائل 12: 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 45

و التعليلات المتقدّمة في مسألة الاكتحال، و كلّها عن إفادة الوجوب- الذي هو المشهور- قاصرة، إلّا أنّ في الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا بين

الأصحاب «1»، فإن ثبت الإجماع و إلّا فلا دليل تامّا على الحرمة، و أمر الاحتياط واضح.

و منها: لبس المرأة الحليّ الغير المعتادة لها لبسها.

فإنّه مكروه، وفاقا للمحكيّ عن الاقتصاد و التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود و الجامع و النافع و الشرائع «2»، للأصل، و الأخبار القاصرة عن إفادة الحرمة «3»، لما مرّ، بل في بعضها «4» دلالة على الجواز.

خلافا للمحكيّ عن المشهور «5»، فحرّموه، للأخبار المذكورة.

و لا حرمة و لا كراهة في لبس المعتادة التي كانت تلبسها كثيرا في بيتها، و لكن يكره لها إظهارها للرجال حتى زوجها، كما دلّت عليها صحيحة البجلي «6».

و منها: إخراج الدم بفصد «7» أو حجامة أو سواك و حكّ و غيرها.

فإنّه مكروه وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و الشرائع «8»، و نسبه

______________________________

(1) الذخيرة: 594.

(2) الاقتصاد: 302، التهذيب 2: 73، الاستبصار 2: 310، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 228، الجامع: 185، النافع: 85، الشرائع 1: 250.

(3) الوسائل 12: 496 أبواب تروك الإحرام ب 49.

(4) كما في الوسائل 12: 496 أبواب تروك الإحرام ب 49.

(5) انظر مفاتيح الشرائع 1: 331.

(6) الكافي 345- 4، التهذيب 5: 75- 248، الاستبصار 2: 310- 1104، الوسائل 12: 496 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 1.

(7) الفصد: قطع العرق- الصحاح 2: 519.

(8) الخلاف 2: 315، المبسوط: 321، ابن حمزة في الوسيلة: 164، الشرائع 1: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 46

في الدروس إلى الصدوق «1»، و في المدارك إلى جمع من الأصحاب «2»، و هو مختار المدارك و الذخيرة و المفاتيح «3» و شرحه.

أمّا الجواز: فللأصل، و صحيحة حريز «4» المتقدّمة في إزالة الشعر، و صحيحة ابن عمّار: المحرم يستاك؟ قال: «نعم»، قال: قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: «نعم هو من السنّة» «5».

و الأخرى: عن المحرم يعصر الدمل و يربط عليه الخرقة، قال:

«لا بأس به» [1].

و موثّقة الساباطي: عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه، قال:

«يحكّه، فإن

سال منه الدم فلا بأس» «6».

و أمّا المرجوحيّة فلموثّقة يونس: عن المحرم يحتجم؟ قال: «لا أحبّه» «7».

و للأخبار المستفيضة «8» المانعة عن الاحتجام مطلقا أو بدون الضرورة أو الحكّ المدمي أو السواك كذلك، بالجمل الخبريّة الغير الناهضة لإثبات

______________________________

[1] الكافي 4: 359- 5، الوسائل 12: 530 أبواب تروك الإحرام ب 71 ح 5، و فيهما: و يربط على القرحة، قال: «لا بأس».

______________________________

(1) انظر الدروس 1: 386، 387.

(2) المدارك 7: 367.

(3) المدارك 7: 367، الذخيرة: 595، المفاتيح 1: 383.

(4) الفقيه 2: 222- 1033، التهذيب 5: 306- 1046، الاستبصار 2: 183- 610، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.

(5) الكافي 4: 366- 6، الفقيه 2: 222- 1032، العلل: 408- 1، الوسائل 12:

532 و 561 أبواب تروك الإحرام ب 71 و 92 ح 4 و 1.

(6) الكافي 4: 367- 12، الوسائل 12: 532 أبواب تروك الإحرام ب 71 ح 3.

(7) التهذيب 5: 306- 1045، الاستبصار 2: 183- 609، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 4.

(8) كما في الوسائل 12: 512، 533 أبواب تروك الإحرام ب 62 و 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 47

الزائد عن المرجوحيّة.

خلافا للمفيد و السيّد و النهاية و الديلمي و القاضي و الحلبي و الحلّي «1»، و نسب إلى ظاهر الإسكافي و إلى ظاهر الصدوق أيضا «2»، فحرّموه، للأخبار المانعة المذكورة بجوابها.

و رواية الصيقل: في المحرم يحتجم- إلى أن قال:- «و إذا آذاه الدم فلا بأس به» «3»، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس بدون الأذيّة.

و تردّ بالمعارضة مع صحيحة حريز «4» المتقدّمة، التي هي أيضا واردة في صورة انتفاء الأذيّة، بقرينة قوله فيها: «ما لم يحلق أو يقطع

الشعر»، فإنّه لو وجدت الأذيّة للغى التقييد، لأنّ مع الأذيّة يجوز مع القيد أيضا.

و منها: الإحرام في الثوب الأسود و الوسخ.

كما مرّ في مسألة لبس ثوبي الإحرام و في الثوب المعلّم، و هو المشتمل على لون يخالف لونه، لصحيحة ابن عمّار «5». و لا تنافيها الأخبار النافية للبأس عن لبسها أو المجوّزة له «6».

و منها: استعمال الحنّاء للزينة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 397، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 66، النهاية: 221، الديلمي في المراسم: 106، القاضي في شرح الجمل: 215، الحلبي في الكافي في الفقه 202، الحلي في السرائر 1: 546، 547.

(2) نسبه إليهما في المختلف: 269.

(3) التهذيب 5: 306- 1044، الاستبصار 2: 183- 608، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 3.

(4) التهذيب 5: 306- 1046، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.

(5) الفقيه 2: 216- 986، التهذيب 5: 71- 235، الوسائل 12: 479 أبواب تروك الإحرام ب 39 ح 3.

(6) كما في الوسائل 12: 476، 478 أبواب تروك الإحرام ب 38 و 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 48

فإنّه مكروه على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة «1».

أمّا الجواز: فللأصل، و صحيحة ابن سنان: عن الحنّاء، فقال: «إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب، و ما به بأس» «2».

و جعلها مخصوصة بالتداوي- فلا يعمّ ما كان للزينة- غير جيّد، لأنّ قوله: «يداوي» عطف على قوله «ليمسّه» من باب عطف الخاصّ على العام، و المسّ أعمّ، فيشمل مورد النزاع.

و أمّا المرجوحيّة: فللتعليلات المتقدّمة التي ذكرنا عدم صلاحها لإثبات الحرمة.

و رواية الكناني: امرأة خافت الشقاق و أرادت أن تحرم، هل تخضّب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: «ما يعجبني أن تفعل ذلك» «3».

[فإنّ «ما يعجبني»] [1] تدلّ على الكراهة قبل الإحرام، فيلحق به بعده بالطريق

الأولى.

خلافا للمحكيّ عن المختلف و الشهيد الثاني، فحرّماه «4»، و تبعهما بعض مشايخنا «5»، للتعليلات، و هي- كما ذكرنا- عن إفادة التحريم قاصرة.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ق» و «س»: فإنّها بنفي، و في «ح»: فإنها تبقى، و الأولى ما أثبتناه.

______________________________

(1) منهم الطوسي في التهذيب 5: 300، العلّامة في الإرشاد 1: 318، السبزواري في الذخيرة: 603.

(2) الكافي 4: 356- 18، الفقيه 2: 224- 1052، التهذيب 5: 300- 1019، الاستبصار 2: 181- 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

(3) الفقيه 2: 223- 1042، التهذيب 5: 300- 1020، الاستبصار 2: 181- 601، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 2.

(4) المختلف: 269، المسالك 1: 111.

(5) انظر الرياض 1: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 49

و كما يكره بعد الإحرام كذا يكره قبله حين إرادة الإحرام، لرواية الكناني المتقدّمة، و قيل: إذا بقي أثره «1»، و الرواية عن إفادة ذلك قاصرة.

و منها: دخول الحمّام.

لرواية عقبة «2» الواردة بالجملة الخبريّة القاصرة- لأجله- عن إفادة الحرمة، مضافا إلى صحيحة ابن عمّار النافية للبأس عنه، قال: «و لكن لا يتدلّك» «3»، و إلى انتفاء القول بالتحريم، كما صرّح به في التذكرة و قال:

إجماع علمائنا على عدم التحريم «4».

و منها: دلك الجسد في الحمّام.

للصحيحة المذكورة، بل مطلقا، لصحيحة يعقوب بن شعيب «5».

و منها: تلبية المنادي.

بأن يقول في جواب من ناداه: لبّيك، لصحيحة حمّاد «6»، و مرسلة الصدوق «7»، و في الأولى: «يقول: يا سعد».

و ظاهرها و إن كان التحريم- كما هو ظاهر الشيخ في بعض كتبه «8»-

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 381.

(2) التهذيب 5: 386- 1349، الاستبصار 2: 184- 612، الوسائل 12: 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 2.

(3) التهذيب 5: 314- 1081 و 386- 1350، الاستبصار 2: 184- 611، الوسائل 12: 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 1.

(4) التذكرة 1: 344.

(5) الفقيه 2: 230- 1093، التهذيب 5: 313- 1079، الوسائل 12: 535 أبواب تروك الإحرام ب 75 ح 1.

(6) الكافي 4: 366- 4، التهذيب 5: 386- 1348، الوسائل 12: 561 أبواب تروك الإحرام ب 91 ح 1.

(7) الفقيه 2: 211- 964، الوسائل 12: 561 أبواب تروك الإحرام ب 91 ح 2.

(8) التهذيب 5: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 50

إلّا أنّ شذوذ القول به و معارضتها لما رواه الصدوق: «و لا بأس أن يلبّي المجيب» «1» أوجب الحمل على الكراهة.

و منها: استعمال الرياحين.

فإنّه مكروه على الأظهر، وفاقا للإسكافي، و الشيخ و الحلّي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه «2»، و جمع من المتأخّرين «3».

أمّا الجواز: فللأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة كما يأتي.

و أمّا المرجوحيّة: فلصحيحة حريز «4» و مرسلته «5» السابقتين في مسألة الطيب، و صحيحة ابن سنان: «لا تمسّ ريحانا و أنت محرم» «6».

خلافا للمحكيّ عن المفيد و المختلف، فحرّماه «7»، و اختاره في المدارك «8» و بعض مشايخنا «9»، للصحيحين و المرسلة.

و يجاب بقصورها عن إفادة الحرمة، لاحتمال إرادة مطلق المرجوحيّة.

و لا ينافي اشتمال بعضها على الطيب أيضا و هو محرّم، فيجب الحمل

______________________________

(1) الفقيه 2:

211- 963، الوسائل 12: 388 أبواب الإحرام ب 42 ح 2، و فيهما:

«الجنب» بدل: «المجيب».

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 268 لكنه صريح في الحرمة، و اختارها العلّامة أيضا، الشيخ في النهاية: 219، الحلي في السرائر 1: 545، المحقّق في الشرائع: 252، الفاضل في الإرشاد 1: 318، التبصرة: 63، التذكرة 1: 344.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 388، السبزواري في الذخيرة: 603، كاشف الغطاء: 452.

(4) التهذيب 5: 297- 1007، الاستبصار 2: 178- 591، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 11.

(5) الكافي 4: 353- 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 6.

(6) الكافي 4: 355- 12، التهذيب 5: 307- 1048، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 3.

(7) المفيد في المقنعة: 432، المختلف: 268.

(8) المدارك 7: 380.

(9) انظر الرياض 1: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 51

فيهما على معنى واحد، لئلّا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.

لجواز كون ذلك الواحد هو مطلق المرجوحيّة، و لا بعد فيه، مع أنّ في تحريم مطلق الطيب أيضا نظرا كما مرّ.

مع أنّه على فرض الدلالة يعارض بصحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيخ و أشباهه و أنت محرم» «1».

إلّا أنّ التعارض ليس كلّيا، بل إنّما هو في أمور معدودة لا بعد في استثنائها.

و أمّا لفظ «أشباهه» فليس صريحا في المشابهة في صدق اسم الريحان، فلعلّه في عسر التحرّز عنه ممّا يثبت في براري الحرم، و لكنّ الأمر بعد قصور دلالة المحرّم في ذلك سهل.

و منها: الاحتباء.

و هو: أن يضمّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره و يشدّه عليهما و قد يكون باليدين، صرّح بكراهته

في الدروس «2»، لرواية حمّاد بن عثمان: «يكره الاحتباء للمحرم في مسجد الحرام» «3».

و منها: المصارعة.

حكم بكراهتها للمحرم في الدروس «4»، و هو كذلك، لصحيحة علي «5»، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الكافي 4: 355- 14، الفقيه 2: 225- 1057، التهذيب 5: 305- 1041، الوسائل 12: 453 أبواب تروك الإحرام ب 25 ح 1.

(2) الدروس 1: 388.

(3) الكافي 4: 366- 8، الوسائل 12: 562 أبواب تروك الإحرام ب 93 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الدروس 1: 388.

(5) الكافي 4: 367- 10، الوسائل 12: 563 أبواب تروك الإحرام ب 94 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 52

الفصل الثاني في الفعل الثاني من أفعال العمرة، و هو الطواف
اشاره

و هو واجب في كلّ من العمرة و الحجّ بأقسامهما إجماعا، بل ضرورة، بل هو جزء حقيقتهما، كما تنصّ عليه المستفيضة المتقدّمة في بيان كيفية الحجّ و العمرة و أقسامهما.

و الكلام: إمّا في مقدماته، أو كيفيّته، أو أحكامه، فهاهنا أبحاث:

البحث الأول في مقدّماته
اشاره

فهي إمّا واجبة أو مستحبّة، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
منها: الطهارة من الحدث في الطواف الواجب.

و وجوبها و اشتراطها فيه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، بل عليه الإجماع محقّقا و محكيّا «2»، و هو الحجّة فيه و إن كان إثباته من الأخبار مشكلا، لأنّها بين الدالّة على اعتبارها في مطلق الطواف بالجملة الخبريّة القاصرة عن إفادة الوجوب، كصحاح رفاعة «3»

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 120، السبزواري في الذخيرة: 626.

(2) كما في المنتهى 2: 690، و الحدائق 16: 83، و الرياض 1: 404.

(3) التهذيب 5: 154- 510، الاستبصار 2: 241- 838، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 53

و محمّد «1» و جميل «2» و روايتي زرارة «3» و أبي حمزة «4» و مرسلة ابن أبي عمير «5»، الواردة فيمن أحدث في أثناء الطواف.

و بين دالّة على اعتبارها في الفريضة بمفهوم الوصف- الذي ليس بحجّة- كإحدى روايات عبيد «6».

و بين النافية للاعتداد بالطواف مطلقا على غير طهارة، كصحيحة علي «7» و رواية زرارة، و المثبتة للبأس بالمفهوم في الطواف كذلك على غير وضوء، كصحيحة ابن عمّار «8»، و الفارقة بمفهوم الشرط بين الفريضة و النافلة في انتفاء الإعادة، كالرواية الأخرى من روايات عبيد «9».

المعارضة جميعا مع رواية الشحّام: في رجل طاف بالبيت على غير وضوء، قال: «لا بأس» «10».

______________________________

(1) الكافي 4: 420- 3، الفقيه 2: 250- 1202، التهذيب 5: 116- 380، الاستبصار 2: 222- 764، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 3.

(2) الكافي 4: 420- 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(3) الكافي 4: 420- 1، التهذيب 5: 116- 378، الاستبصار 2: 221-

762، الوسائل 13: 375 أبواب الطواف ب 38 ح 5.

(4) الكافي 4: 420- 2، التهذيب 5: 116- 379، الاستبصار 2: 222- 763، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(5) الكافي 4: 414- 2، التهذيب 5: 118- 384، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 ح 1.

(6) الفقيه 2: 250- 1203، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 2.

(7) الكافي 4: 420- 4، التهذيب 5: 117- 381، الاستبصار 2: 222- 765، قرب الإسناد: 234- 917، الوسائل 13: 375 أبواب الطواف ب 38 ح 4.

(8) الفقيه 2: 250- 1201، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 1.

(9) التهذيب 5: 117- 383، الاستبصار 2: 222- 767، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 9.

(10) التهذيب 5: 470- 1649، الوسائل 13: 377 أبواب الطواف ب 38 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 54

و حمل الأخيرة على السهو أو الفريضة ليس بأولى من حمل الأولى على الكراهة لو لا الإجماع، مضافا إلى عدم دلالة الأوليين إلّا على رجحان عدم الاعتداد، و الأخيرة إلّا على تحقّق نوع فرق، و لعلّه استحباب الإعادة في الفريضة.

و أمّا المندوب، فلا ينبغي الريب في عدم اشتراطها فيه، كما هو المشهور، لخصوص الأخبار، كصحيحتي محمّد و حريز «1»، و قويّة عبيد «2»، و موثّقتي عبيد «3»، الخالية عن المعارض المخصوص، اللازم تخصيص العمومات بها.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي «4»، و لعلّه للإطلاقات. و جوابه ظاهر.

و يستباح بالترابيّة مع تعذّر المائيّة، لعموم البدليّة كما مرّ.

و منها: إزالة النجاسة عن الثوب و البدن:

فأوجبها الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «5»، له ..

و للنبويّ: «الطواف بالبيت صلاة» «6».

و لموثّقة يونس بن يعقوب: عن رجل يرى في ثوبه الدم و

هو في الطواف، قال: «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم [فيعرفه ]، ثمَّ يخرج فيغسله، ثمَّ يعود فيتمّ طوافه» «7»، و قريبة منها الأخرى «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 118- 385، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 7.

(2) الفقيه 2: 250- 1203، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 2.

(3) التهذيب 5: 117- 382 و 383، الاستبصار 2: 222- 766 و 767، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 8 و 9.

(4) الكافي في الفقه: 195.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(6) سنن الدارمي 2: 44.

(7) التهذيب 5: 126- 415، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(8) الفقيه 2: 246- 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 55

و الأول: غير حجّة.

و الثاني: غير دال، لمنع اقتضاء التشبيه المساواة من جميع الجهات.

و الثالث: و إن كان- على ما في النهاية «1»- واردا بطريق الأمر الدالّ على الوجوب، دون ما في التهذيب «2»، إلّا أنّه- مع ذلك الاختلاف الموهن للدلالة على الوجوب- معارض بمرسلة البزنطي التي هي في حكم الصحيح: رجل في ثوبه دم ممّا لا يجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه، فقال: «أجزأه الطواف فيه، ثمَّ ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» «3».

و حمل الثانية على الجهل ليس بأولى من حمل الأولى على الاستحباب، و لذا قال الإسكافي و ابن حمزة و المدارك و الذخيرة و الكفاية بعدم الوجوب و الاشتراط «4»، و حكاه بعضهم عن جماعة من المتأخّرين «5»، و هو الأقرب، لما مرّ بضميمة الأصل.

و لو قلنا بالوجوب لاتّجه عدم التفرقة بين المعفوّ في الصلاة و

غيره، لإطلاق الدليل.

و منها: الختان للرجل.

عند الأكثر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «6»، و ظاهر المنتهى الاتّفاق

______________________________

(1) النهاية: 240.

(2) التهذيب 5: 126.

(3) الفقيه 2: 308- 1532، التهذيب 5: 126- 416، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 3.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 291، ابن حمزة في الوسيلة: 173، المدارك 8- 117، الذخيرة: 626، الكفاية: 66.

(5) انظر الرياض 1: 404.

(6) المدارك 8: 117، الذخيرة: 627، الرياض 1: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 56

عليه «1»، فإن ثبت ذلك فهو، و إلّا ففي إثبات وجوبه و اشتراطه من الأخبار «2».

إشكال، حيث إنّها بين أخبار كلّها واردة بالجملة الخبريّة، و لذا تأمّل فيه في الذخيرة و الكفاية «3» وفاقا للمحكيّ عن الحلّي «4»، و هو في موقعه جدّا.

و الأصل مع العدم، و الاحتياط مع الثبوت للرجل خاصّة، لاختصاص الفتاوى و الأخبار به، بل تصريحهما بنفيه في المرأة.

و على ما ذكرنا لا إشكال في انتفاء الاشتراط في الصبيّ و الخنثى و غير المتمكّن و الناسي أيضا، لعدم ثبوت الإجماع في شي ء منهم قطعا، مضافا في الجميع إلى الندرة الموجبة لخروجهم عن الإطلاقات، و في الأول إلى خروجه من الأخبار أيضا، لأنّها بين خاصّ بالرجل و مثبت للتكليف الغير المتوجّه إلى الصبي.

و منها: ستر العورة.

و حكي اعتباره عن الشيخ و ابن زهرة «5»، و عدّة من كتب العلّامة «6»، لعموم التشبيه، و المرويّ في تفسير القمّي عن مولانا الرضا، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني عن اللّه أن لا يطوف بالبيت عريان» «7».

و في تفسير العيّاشي، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام،

______________________________

(1) المنتهى 2: 690.

(2) الوسائل 13: 359 أبواب الطواف

ب 33.

(3) الذخيرة: 627، الكفاية: 66.

(4) حكاه عنه الشهيد في الدروس 1: 393، و انظر السرائر 1: 574.

(5) الشيخ في الخلاف 2: 322، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(6) كالمنتهى 2: 690، و التذكرة 1: 361.

(7) تفسير القمي 1: 282، الوسائل 3: 400 أبواب الطواف ب 53 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 57

قال: «لا يطوفنّ بالبيت مشرك و لا عريان» [1]، و مثله العامّي المروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «1».

خلافا لظاهر الأكثر- حيث لم يذكروه- و صريح جمع من المتأخّرين، و هو الأظهر، لمنع عموم التشبيه، و ضعف الروايات سندا و دلالة، لخلوّها عن الأمر.

و أمر النبيّ الوليّ صلوات اللّه عليهما عن اللّه أن لا يطوف إلى آخره، يحتمل أن يكون المراد الأمر بذلك القول، فلا يفيد الوجوب إلّا إذا كان أصل القول مفيدا له، و ليس هنا كذلك.

المقام الثاني: في مقدّماته المستحبّة. و هي أيضا أمور،
اشاره

إلّا أنّ أكثرها ليست مستحبّة للطواف من حيث هو، بل لمقدّماته، التي هي: دخول الحرم و مكّة و المسجد و تقبيل الحجر، و لمّا كانت هذه الأفعال إمّا لأجل الطواف خاصّة أو ابتداء عدّت هذه الأمور من مقدّماته المستحبّة.

فمنها: الغسل،

و المستفاد من الأخبار استحباب ثلاثة أغسال: واحد لدخول الحرم، و آخر لدخول مكّة، و ثالث للطواف.

فممّا يدلّ على الأول: رواية أبان بن تغلب: فلمّا انتهى إلى الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه، ثمَّ دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع، فقال: «يا أبان، من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا اللّه محي اللّه عنه مائة ألف سيئة، و كتب له مائة ألف حسنة، و بنى اللّه عزّ و جلّ له مائة

______________________________

[1] تفسير العياشي 2: 74- 5، الوسائل 13: 400 أبواب الطواف ب 53 ح 3، و فيهما: لا يطوفنّ بالبيت عريان.

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 982، صحيح البخاري 2: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 58

ألف درجة، و قضى له مائة ألف حاجة» «1».

و الحذّاء: فلمّا انتهى إلى الحرم اغتسل و أخذ نعليه بيديه، ثمَّ مشى في الحرم ساعة «2».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء اللّه فاغتسل حين تدخله، و إن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكّة» «3».

و ممّا يدلّ على الثاني موثّقة محمّد الحلبي: «فينبغي للعبد ان لا يدخل مكّة إلّا و هو طاهر و قد غسل عرقه و الأذى و تطهّر» «4».

و صحيحة الحلبي: أمرنا أبو عبد اللّه عليه السلام أن نغتسل من فخّ قبل أن ندخل مكّة «5».

و البجلي: عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمَّ ينام فيتوضّأ قبل أن يدخل،

أ يجزئه ذلك أو يعيد؟ قال: «لا يجزئه، لأنّه إنّما دخل بوضوء» «6».

و لا فرق في الدلالة بين أن تجعل لفظة: «لا» نفيا للإعادة أو للإجزاء، مع

______________________________

(1) الكافي 4: 398- 1، التهذيب 5: 97- 317، المحاسن: 67- 129، الوسائل 13: 195 أبواب مقدّمات الطواف ب 1 ح 1.

(2) الكافي 4: 398- 2، الوسائل 13: 196 أبواب الطواف ب 1 ح 2.

(3) الكافي 4: 400- 4، التهذيب 5: 97- 319، الوسائل 13: 197 أبواب مقدّمات الطواف ب 2 ح 2.

(4) الكافي 4: 400- 3، التهذيب 5: 98- 322، الوسائل 13: 200 أبواب مقدّمات الطواف ب 5 ح 3.

(5) الكافي 4: 400- 5، التهذيب 5: 99- 323، الوسائل 13: 200 أبواب مقدّمات الطواف ب 5 ح 1.

(6) الكافي 4: 400- 8، التهذيب 5: 99- 325، الوسائل 13: 201 أبواب مقدّمات الطواف ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 59

أنّ الظاهر من صحيحة أخرى له- تأتي في غسل طواف الحجّ- أنّه نفي للإجزاء.

و رواية عجلان: «إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار» «1».

و ممّا يدلّ عليه الثالث: صحيحة عليّ بن أبي حمزة: «إن اغتسلت بمكّة ثمَّ نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك» «2».

و قد زاد الفاضل «3» و جمع آخر «4» رابعا، هو: الغسل لدخول المسجد، و لا شاهد له من الاخبار، إلّا أنّ فتواهم تكفي لإثباته، لأنّه مقام التسامح، و يحتمل أن يكون الغسل المأمور به من منزله بمكّة في صحيحة ابن عمّار لأجله.

و من جميع ما ذكر ظهر فساد ما في المدارك من أنّ مقتضى هذه الأخبار: استحباب غسل

واحد إمّا قبل دخول الحرم أو بعده «5»، و كأنّ نظره إلى قوله في صحيحة ابن عمّار: «و إن تقدّمت» إلى آخره.

و لا يخفى أنّه لا منافاة فيها لما ذكرنا، لجواز أن يكون المراد: إن تقدّمت و لم تغتسل لدخول الحرم فاغتسل لدخول مكّة أو للطواف، لا أنّه يتخيّر أولا في ذلك.

و كذا لا تنافيه صحيحة ذريح: عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو

______________________________

(1) الكافي 4: 400- 6، التهذيب 5: 99- 324، الوسائل 13: 200 أبواب مقدّمات الطواف ب 5 ح 2.

(2) الكافي 4: 400- 7، التهذيب 5: 99- 326، الوسائل 13: 202 أبواب مقدّمات الطواف ب 6 ح 2.

(3) المنتهى 2: 689.

(4) كالمحقّق في الشرائع 1: 266، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 339، و صاحب الحدائق 16: 80.

(5) المدارك 8: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 60

بعد دخوله، قال: «لا يضرّك أيّ ذلك فعلت، و إن اغتسلت بمكّة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس» «1»، لعدم ضرر و لا بأس في ترك المندوب.

ثمَّ لا يخفى أنّ المستفاد من تلك الأخبار استحباب الإتيان بهذه الأفعال مغتسلا، فلا يلزم قصد الغاية في كلّ غسل، كما مرّ في بحث النيّة من الوضوء و الغسل، و لا يخفى أيضا أنّ تعدد الغسل إنّما هو إذا لم يكن على غسله السابق، و إلّا فيكفي، للتداخل.

و منها: مضغ شي ء من الإذخر-

ليطيّب به رائحة الفم- حين إرادة دخول الحرم أو بعده، لصحيحة ابن عمّار «2»، و رواية أبي بصير «3».

و منها: أن يدخل مكّة من أعلاها،

لموثّقة يونس «4»، و التأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله «5».

و الأقرب اختصاص ذلك بمن أتاها من طريق المدينة، كما عن المقنعة و التهذيب و المراسم و الوسيلة و السرائر و المنتهى و التحرير و التذكرة «6»،

______________________________

(1) الكافي 4: 398- 5، التهذيب 5: 97- 318، الوسائل 13: 197 أبواب مقدّمات الطواف ب 2 ح 1.

(2) الكافي 4: 398- 4، الوسائل 13: 198 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 1.

(3) الكافي 4: 398- 3، التهذيب 5: 98- 320، الوسائل 13: 198 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 2.

(4) الكافي 4: 399- 1، التهذيب 5: 98- 321، الوسائل 13: 199 أبواب مقدّمات الطواف ب 4 ح 2.

(5) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 13: 198 أبواب مقدّمات الطواف ب 4 ح 1.

(6) المقنعة: 399، التهذيب 5: 98، المراسم: 109، الوسيلة: 174، السرائر 1:

570، المنتهى 2: 688، التحرير 1: 97، التذكرة 1: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 61

و جمع من المتأخّرين «1»، للأصل، و اختصاص الموثّقة بالمدني، و عدم عموم في فعله صلّى اللّه عليه و آله.

و أطلق جمع آخر «2»، و لا وجه له.

و منها: دخول كلّ من الحرم و مكّة و المسجد حافيا،

و تدلّ على الأول روايتا أبان و الحذّاء، و على الثاني رواية عجلان المتقدّمة جميعا «3»، و على الثالث صحيحة ابن عمّار: «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة و الوقار و الخشوع» الحديث «4».

و منها: دخول كلّ من الثلاثة بالسكينة و الوقار و الخضوع،

للتصريح به في الروايات المتقدّمة.

و منها: أن يدخل المسجد من باب بني شيبة،

للتأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله.

و لرواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام، و فيها- بعد ذكر دفن هبل عند باب بني شيبة-: «فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنّة لأجل ذلك» «5».

و في المدارك «6»، و غيره «7»: إنّ هذا الباب غير معروف الآن، لتوسّع المسجد، و لكنّه قيل: إنّه بإزاء باب السلام، فينبغي الدخول منه على

______________________________

(1) المدارك: 456، الذخيرة: 631، الحدائق 16: 77.

(2) كما في المختصر النافع: 93، و التنقيح الرائع 1: 499، و المسالك 1: 120.

(3) راجع ص: 57 و 58 و 59.

(4) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدّمات الطواف ب 8 ح 1.

(5) الفقيه 2: 154- 668، العلل: 449- 1، الوسائل 13: 206 أبواب مقدمات الطواف ب 9 ح 1.

(6) المدارك 8: 124.

(7) حكاه في الذخيرة: 632.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 62

الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين «1»، لتحقّق المرور به.

و منها: الوقوف على باب المسجد، و التسليم و الدعاء بالمأثور

في صحيحة ابن عمّار بقوله فيها: «فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل:

السلام عليك» إلى آخره «2».

و موثّقة أبي بصيرة بقوله فيها: «تقول و أنت على باب المسجد: بسم اللّه و باللّه و من اللّه» إلى آخره «3».

و منها: استقبال البيت،

و رفع اليدين بعد دخول المسجد، و الدعاء بما في صحيحة ابن عمّار المذكورة، قال فيها: «فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل: اللّهم إنّي أسألك في مقامي هذا» الحديث.

و منها: المشي حتى يدنو من الحجر الأسود،

فيستقبله و يقف عنده، و يدعو بما في رواية أبي بصير: «إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله و تقول: الحمد للّه الذي هدانا لهذا» الحديث «4».

و يدعو أيضا عند محاذاة الحجر الأسود بما في مرسلة حريز: «إذا دخلت المسجد الحرام و حاذيت الحجر الأسود فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى آخر الدعاء «5».

و يستحبّ له التكبير و الصلاة و السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيضا عند

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 120.

(2) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدّمات الطواف ب 8 ح 2.

(3) الكافي 4: 402- 2، التهذيب 5: 100- 328، الوسائل 13: 205 أبواب مقدّمات الطواف ب 8 ح 2.

(4) الكافي 4: 403- 2، التهذيب 5: 102- 330، الوسائل 13: 314 أبواب الطواف ب 12 ح 3 و فيه: فتستلمها و تقول ..

(5) الكافي 4: 403- 3، الوسائل 13: 315 أبواب الطواف ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 63

استقباله، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب «1».

و منها: رفع اليدين عند الدنو من الحجر الأسود،

و حمد اللّه، و الثناء عليه، و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و السؤال أن يتقبّل اللّه منه، ثمَّ استلام الحجر- أي مسّه- بالتقبيل، فإنّ لم يستطع أن يقبّله فاستلمه بيده، و إن لم يستطعه أيضا أشار إليه، و يدعو بالمأثور في صحيحة أخرى لابن عمّار المتضمنة لجميع ذلك.

قال: «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اسأل اللّه أن يتقبّل منك، ثمَّ استلم الحجر و قبّله، فإن لم تستطع

أن تقبّله فاستلمه بيدك، و إن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه و قل: اللّهم أمانتي أدّيتها» إلى آخر الدعاء، إلى أن قال:

«فإن لم تستطع أن تقول هذا كلّه فبعضه، و قل: اللّهم إليك» إلى آخره «2».

و ما ذكرنا من استحباب الاستلام و التقبيل هو الحقّ المشهور بين الأصحاب، و عن الديلمي أنّه أوجبهما «3»، و تدفعه الأخبار المستفيضة، كصحيحة ابن عمّار «4»، و صحيحة ابن شعيب «5»، و غير ذلك «6».

و ما ذكرنا من أنّ استلام الحجر مسّه بالتقبيل أو اليد تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و يحتمل أن لا يكون التقبيل فيها تفسيرا للاستلام، بل يكون هو مستحبّا برأسه و يكون الاستلام هو المسّ باليد،

______________________________

(1) الكافي 4: 407- 4، الوسائل 13: 336 أبواب الطواف ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 402- 1، التهذيب 5: 101- 329، الوسائل 13: 313 أبواب الطواف ب 12 ح 1.

(3) حكاه عنه في المختلف: 290، و هو في المراسم: 110.

(4) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

(5) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.

(6) انظر الوسائل 13: 326، 323 أبواب الطواف ب 13 و ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 64

و يكون المعنى: استلم و قبّل، فإن لم تستطع التقبيل فاكتف بالاستلام خاصّة الذي هو باليد، و هو أوفق بسائر الأخبار الآمرة بالاستلام باليد «1».

و يستأنس له أيضا بموثّقة معاوية بن عمّار، و فيها- بعد ذكر تمام الطواف-: «ثمَّ يأتي الحجر الأسود فيقبّله و يستلمه أو يشير إليه، فإنّه لا بدّ من ذلك» «2».

و رواية الشحّام: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه

عليه السلام و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله، الحديث «3».

و كذا تدلّ على حصول استلام الحجر بالمسّ باليد مرسلة حريز المذكورة بعضها: «ثمَّ ادن من الحجر و استلمه بيمينك، ثمَّ تقول: بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر» إلى آخر الدعاء «4».

و في رواية محمّد الحلبي: عن الحجر إذا لم أستطع مسّه و كثر الزحام، قال: «أمّا الشيخ الكبير [و الضعيف ] و المريض فمرخّص، و ما أحبّ أن تدع مسّه إلّا أن لا تجد بدّا» «5».

و في رواية عبد الأعلى: رأيت أمّ فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى، الحديث «6».

______________________________

(1) الوسائل 13: 316 أبواب الطواف ب 13.

(2) الكافي 4: 430- 1، التهذيب 5: 144- 476، الوسائل 13: 472 أبواب السعي ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 408- 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3 و فيه: كنت أطوف مع أبي، و كان إذا ..

(4) الكافي 4: 403- 3، الوسائل 13: 315 أبواب الطواف ب 12 ح 4.

(5) الكافي 4: 405- 6، الوسائل 13: 326 أبواب الطواف ب 16 ح 7، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(6) الكافي 4: 428- 6، الوسائل 13: 323 أبواب الطواف ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 65

و رواية السكوني: كيف يستلم الأقطع؟ قال: «يستلم الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله» «1».

و أمّا في صحيحة يعقوب بن شعيب: عن استلام الركن، قال:

«استلامه أن تلصق بطنك به، و المسح أن تمسحه بيمينك» «2»، فهي إنّما تفسّر استلام الركن دون الحجر.

فما عن الشهيد «3» و بعض من تأخّر عنه

«4»، بل جمع آخر ممّن تقدّم عليه «5»- أنّه يستحبّ استلام الحجر بالبطن و بجميع البدن و إن تعذّر فباليد- لم يظهر لي وجهه، إلّا ما حكي عن الخلاف «6» من حكاية الإجماع عليه.

و بعد ما ظهر من الأخبار المراد من استلام الحجر لا حاجة إلى الرجوع إلى قول العامّة من اللغويين، و قد ظهر من الأخبار المذكورة أنّ الاستلام هو: المسّ باليمين، و أنّه يستحبّ التقبيل من حيث هو أيضا، بل و كذلك لو قلنا بدخوله في الاستلام أيضا، للإتيان بهما في روايتي الشّحام و ابن عمّار.

و عن الديلمي: إيجابه «7»، للأمر به في صحيحة ابن عمّار «8»، و يدفعه

______________________________

(1) الكافي 4: 410- 18، التهذيب 5: 106- 345، الوسائل 13: 343 أبواب الطواف ب 24 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2 و فيهما:

بيدك، بدل: بيمينك.

(3) الدروس 1: 398.

(4) كما في المسالك 1: 122.

(5) انظر الاقتصاد: 303، و المنتهى 2: 693.

(6) الخلاف 2: 320.

(7) المراسم: 110.

(8) الكافي 4: 402- 1، التهذيب 5: 101- 329، الوسائل 13: 313 أبواب الطواف ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 66

ظاهر الإجماع، و صحيحة أخرى لابن عمّار «1»، المتضمّنة لترك أبي عبد اللّه عليه السلام له.

و يستحبّ أيضا تقبيل اليد بعد مسّ الحجر بها، كما حكي عن الفقيه و المقنع و المقنعة و الاقتصاد و الكافي و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و الدروس «2»، و تثبته فتاواهم مع مناسبة للتبرّك و التعظيم و التحبّب.

و ما في صحيحة ابن عمّار الواردة في زيارة البيت يوم النحر: «ثمَّ تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبّله،

فإن لم تستطع فاستلمه بيدك و قبّل يدك» الحديث «3».

و ما في مرسلة الفقيه: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم الحجر بمحجنه «4» و قبّل المحجن» «5».

و أمّا ما ذكرناه من الإشارة باليد إذا لم يستطع الاستلام بها فمنصوص عليه من الأصحاب، و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «6»، و رواية محمّد بن عبيد اللّه: عن الحجر الأسود هل يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟

______________________________

(1) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

(2) الفقيه 2: 316، المقنع: 92، المقنعة: 401، الاقتصاد: 303، الكافي في الفقه: 209- 210، الجامع: 197، التحرير 1: 98، التذكرة 1: 363، المنتهى 2: 694، الدروس 1: 398.

(3) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

(4) المحجن: عصا في رأسها اعوجاج، كالصولجان، أخذا من الحجن بالتحريك، و هو الاعوجاج- مجمع البحرين 6: 231.

(5) الفقيه 2: 251- 1209، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 81 ح 2، بتفاوت يسير.

(6) في ص 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 67

قال: «إذا كان كذلك فأوم إليه إيماء بيدك» «1».

و يستحبّ تقبيل اليد حينئذ أيضا، كما عن الفقيه و المقنع و الجامع «2»، لبعض ما مرّ.

و كما يستحبّ استلام الحجر قبل الطواف يستحبّ في آخره أيضا، كما صرّح به في موثّقة ابن عمّار المذكورة «3» و صحيحته: «كنّا نقول: لا بدّ أن نستفتح بالحجر و نختم به، فأمّا اليوم فقد كثر الناس» «4»، فإنّ المراد:

استلامه لا الابتداء و الختم، لأنّه واجب مع الكثرة أيضا.

و يدلّ عليه أيضا المرويّ في قرب الإسناد للحميري «5».

بل عن الاقتصاد و الجمل و

العقود و الوسيلة و المهذّب و الغنية و الجامع و المنتهى و التذكرة بل الفقيه و الهداية: استحبابه في كلّ شوط «6».

و تدلّ عليه رواية الشّحام المتقدّمة «7»، بل هو الظاهر من صحيحة البجلي «8»، المتضمّنة لطواف أبي عبيد اللّه مع سفيان الثوري.

و مرسلة حمّاد بن عيسى، و فيها: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما من طائف

______________________________

(1) الكافي 4: 405- 7، التهذيب 5: 103- 336، الوسائل 13: 326 أبواب الطواف ب 16 ح 5.

(2) الفقيه 2: 316، المقنع: 92، الجامع: 197.

(3) في ص: 64.

(4) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

(5) قرب الإسناد: 316- 1226، الوسائل 13: 348 أبواب الطواف ب 26 ح 10.

(6) الاقتصاد: 303، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 231، الوسيلة: 172، المهذّب 1: 233، الغنية (الجوامع الفقهية): 578، الجامع: 197، المنتهى 2:

695، التذكرة 1: 363، الفقيه 2: 316، الهداية: 57.

(7) في ص: 64.

(8) الكافي 4: 404- 2، الوسائل 13: 325 أبواب الطواف ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 68

يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه و يغضّ بصره و يستلم الحجر في كلّ طواف [من غير أن يؤذي أحدا] و لا يقطع ذكر اللّه عن لسانه إلّا كتب اللّه له بكلّ خطوة» الحديث «1».

______________________________

(1) الكافي 4: 412- 3، الوسائل 13: 306 أبواب الطواف ب 5 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 69

البحث الثاني في كيفيّة الطواف
اشاره

أي أفعاله، و هي على قسمين: واجبة و مستحبّة، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في واجبات الطواف، و هي أمور:
منها: النيّة و استدامة حكمها إلى الفراغ كغيره من العبادات،

و قد مرّ تحقيق الكلام فيها.

و منها: البدأة بالحجر الأسود و الختم به،

بالإجماع المحقّق و المحكيّ عن جماعة «1».

و تدلّ عليهما من الأخبار صحيحة ابن عمّار: «من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود» «2»، و الحجر بالتسكين، و معنى الاختصار فيه: عدم إدخاله في الطواف.

و على الثاني صحيحة ابن سنان: «إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوّذ» إلى أن قال «ثمَّ ائت الحجر فاختم به» «3».

و أمّا صحيحة ابن عمّار: «كنّا نقول: لا بدّ أن نستفتح بالحجر و نختم به، فأمّا اليوم فقد كثر الناس»، فالمراد بها: الاستلام في المبدأ و المنتهى.

و على هذا، فلو ابتدأ بغيره لم يعتدّ بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 627، الحدائق 16: 100، الرياض 1: 405.

(2) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 70

الأسود، فيكون منه ابتداء طوافه.

و يتحقّق الابتداء به إمّا بالشروع منه فعلا بقصد الطواف بحيث لا يتقدّمه غيره، أو بالتعيين بالنيّة، بأن يقصد عند الانتهاء إلى الحجر أنّه بدو الطواف، و معنى الختم به: إكمال الشوط السابع إليه فعلا أو قصدا.

ثمَّ الثابت من الإجماع و مقتضى الأخبار هو الابتداء و الختم العرفيّين، بحيث يتحقّق الصدق عرفا.

و اعتبر الفاضل «1» و بعض من تأخّر عنه «2» جعل أول جزء من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه بعد النيّة بجميع بدنه علما أو ظنّا، و كذا في الاختتام، حيث يذهبون إلى بطلان الطواف بتعمّد الزيادة

فيه و لو خطوة.

و اختلفوا- لذلك- في تعيين أول جزء البدن، هل هو الأنف، أو البطن، أو إبهام الرجلين، و اضطرّوا لأجل ذلك إلى تدقيقات مستهجنة، بل قد يحتاج بعض الأشخاص إلى ملاحظة أنفه مع بطنه أو إبهامه.

و لا دليل لهم على شي ء من ذلك سوى الاحتياط، و توقّف صدق الابتداء و الاختتام عليه، و لا يخفى أنّه إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط.

و من الأخبار ما لا يجامع ذلك أصلا، كما في رواية محمّد: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجنه» «3»، و الألفاظ تحمل على المصداقات العرفيّة.

و ما أدري من أيّ دليل استنبطوا اعتبار أول جزء الحجر و أول جزء

______________________________

(1) التذكرة: 361.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 394، الشهيد الثاني في المسالك 1: 120.

(3) الفقيه 2: 251- 1209، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 81 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 71

البدن، و لو أمر المولى عبده بأنّه: امش مبتدئا من هذه الأسطوانة و مختتما بتلك، فهل يتصوّر أحد أن يريد ملاحظة الأنف أو البطن أو الإبهام أو أول نقطة من الأسطوانة؟! و من فعل ذلك يستهزأ به و يستهجن فعله.

و بالجملة: هذا أمر لا دليل عليه و لا شاهد، و لا يناسب تسميته احتياطا، بل اعتقاد وجوبه خلاف الاحتياط.

مع أنّه لو فرض لزوم تحقّق البدأة الحقيقي فيتحقّق بالتأخّر عن الحجر قليلا بحيث يعلم تأخّر جميع أجزاء البدن عن جميع أجزائه قليلا و قصد جعل الزائد من باب المقدّمة.

و كذا في الاختتام كما قالوا في نظائرها، و لا حاجة إلى تلك التدقيقات المرغوبة عنها، سيّما في مقام التقيّة و ازدحام الناس.

و منها: جعل البيت على يساره حال الطواف،

و هو ممّا

نفي عنه الخلاف «1»، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام جماعة «2»، بل هو إجماعي، و هو الدليل عليه، و ربّما تؤيّده صحيحة ابن يقطين: عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و الحجر، أو يدع ذلك؟ قال: «يترك اللزوم و يمضي» «3».

و يؤيّده أيضا فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله بضميمة قوله: «خذوا عني مناسككم» «4»، و جعله دليلا عليل، لعدم ثبوت كون ذلك منسكا منه، فيحتمل أن يكون أحد وجوه الفعل.

______________________________

(1) كما في المفاتيح 1: 369.

(2) انظر الخلاف 2: 325، و المدارك 8: 128، و الرياض 1: 406.

(3) التهذيب 5: 108- 350 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 349 أبواب الطواف ب 27 ح 1.

(4) كما في مسند أحمد 3: 318 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 72

ثمَّ على ما ذكر، لو جعله على يمينه لم يصحّ و وجبت عليه الإعادة، سواء كان عمدا أو جهلا أو نسيانا و لو بخطوة على ما صرّح به بعضهم «1»، و لا يقدح في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى اليمين بحيث لا ينافي صدق الطواف على اليسار عرفا.

و منها: إدخال حجر إسماعيل في الطواف،

بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع كما عن الغنية و الخلاف و في المدارك و المفاتيح «3» و شرحه، بل بالإجماع المحقّق، له، و للتأسّي، و للمستفيضة، كصحيحة ابن عمّار «4» المتقدّمة في البدأة بالحجر الأسود.

و البختري: في الرجل يطوف بالبيت [فيختصر في الحجر]، قال:

«يقضي ما اختصر من طوافه» [1].

و الحلبي: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال: «يعيد الطواف الواحد» «5».

و الأخرى، و هي كالأولى، إلّا أنّ

فيها: «يعيد ذلك الشوط» «6».

______________________________

[1] الكافي 4: 419- 1، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 2، ما بين المعقوفين، أثبتناه من الوسائل، و بدله في نسخة من الكافي: فاختصر.

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 248، و صاحب الحدائق 16: 102.

(2) الذخيرة: 628.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578، الخلاف 2: 324، المدارك 8: 128 المفاتيح 1: 410.

(4) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

(5) الفقيه 2: 249- 1197، مستطرفات السرائر: 34- 41، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.

(6) التهذيب 5: 109- 353، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 73

و رواية إبراهيم بن سفيان: امرأة طافت طواف الحجّ فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر و صلّت ركعتي الفريضة وسعت و طافت طواف النساء ثمَّ أتت منى، فكتب عليه السلام «تعيد» «1».

و ليس ذلك لكون الحجر من البيت- كما قيل «2»، بل نسبه في الدروس إلى المشهور «3»، و عليه في الجملة رواية عامّية «4»- لأنّه خلاف الأصحّ، كما دلّ عليه الصحيح «5» و غيره «6».

و هل يجب على من اختصر شوطا إعادة ذلك الشوط خاصّة، أو الطواف رأسا؟

الأصحّ: الأول، وفاقا لجماعة «7»، للأصل، و صحيحة البختري، و صحيحتي الحلبي.

و لا تنافيه صحيحة ابن عمّار، لأنّ الظاهر منها الاختصار في جميع الأشواط، و لا أقلّ من احتماله الكافي في مقام الرد، مع احتمال إرادة خصوص الشوط من الطواف، كما في صحيحة الحلبي الأولى، حيث قال:

«الطواف الواحد».

و لا رواية إبراهيم، لجواز إرادة إعادة الشوط.

______________________________

(1) الفقيه 2: 249- 1199، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف

ب 31 ح 4.

(2) في التذكرة 1: 361.

(3) الدروس 1: 394.

(4) انظر سنن الترمذي 2: 181- 877.

(5) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

(6) كما في الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31.

(7) انظر المدارك 8: 129، و الحدائق 16: 108، و الرياض 1: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 74

و لا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، بل تجب البدأة من الحجر الأسود، لصحيحة ابن عمّار، و لأنّه المتبادر من إعادة الشوط.

و منها: أن يطوف سبعة أشواط،

بالإجماع و النصوص المستفيضة «1»، بل المتواترة الآتي طرف منها في طي المسائل الآتية.

و منها: الموالاة بين الأشواط،

ذكرها بعضهم «2»، بل نسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأصحاب «3».

و استدلّ له بالتأسّي.

و بالأخبار الواردة في إعادة الطواف بدخول البيت أو حدوث الحدث في الأثناء، الآتية في مسألة قطع الطواف «4».

أقول: أما التأسّي: فإثبات الوجوب منه مشكل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    74     و منها: الموالاة بين الأشواط، ..... ص : 74

أمّا الأخبار: فهي معارضة مع ما دلّ على عدم اشتراطها في الطواف النفل و في الفرض بعد تجاوز النصف كما يأتي، و بما دلّ على جواز القطع و البناء لغسل الثوب، و لصلاة الفريضة في سعة الوقت، و للوتر، و لقضاء حاجة الأخ و النفس، و عيادة المريض و الاستراحة، و غيرها «5»، ثمَّ البناء على ما فعل.

و مع ذلك، فهي غير دالّة على الموالاة بالمعنى الذي راموه الشامل لعدم الفصل الطويل، و إنّما تدلّ على الإعادة في بعض الصور بالخروج عن المطاف و الاشتغال بأمر آخر.

______________________________

(1) الوسائل 13: 331 أبواب الطواف ب 19.

(2) كما في الدروس 1: 395.

(3) كما في التنقيح الرائع 1: 504، و الرياض 1: 411.

(4) انظر الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 و 41.

(5) انظر الوسائل 13: 378، 388 أبواب الطواف ب 40 و 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 75

و منها: إخراج المقام عن الطواف

بأن يكون الطواف بين البيت و المقام، مراعيا قدر ما بينهما من جميع الجهات، على المشهور بين الأصحاب، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «1»، و عن الغنية: الإجماع عليه «2».

لرواية محمّد: عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت، قال: «كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم

اليوم تطوفون ما بين المقام و البيت، فكان الحدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه ليس بطائف، و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين [البيت من ] نواحي البيت [كلها]، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنّه طاف في غير حدّ، و لا طواف له» «3».

و إضمارها غير ضائر، و ضعف سندها- لو كان- فالعمل له جابر.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فجوّزه خارج المقام مع الضرورة «4»، و عن المختلف و المنتهى و التذكرة الميل إليه «5».

و استدلّ له بموثّقة محمّد الحلبي: عن الطواف خلف المقام، قال:

«ما أحبّ ذلك و ما أرى به بأسا، فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بدّا» «6».

______________________________

(1) الرياض: 406.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(3) الكافي 4: 413- 1، التهذيب 5: 108- 351، الوسائل 13: 350 أبواب الطواف ب 28 ح 1، ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.

(4) حكاه عنه في المختلف: 288.

(5) المختلف: 288، المنتهى 2: 691، التذكرة 1: 362.

(6) الفقيه 2: 249- 1200، الوسائل 13: 351 أبواب الطواف ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 76

و لا يخفى أنّ مقتضى الرواية: الجواز مطلقا و لو اختيارا، و لكن مع الكراهة و أنّها ترتفع بالضرورة.

و ظاهر الصدوق الإفتاء به حيث روى الموثّقة «1»، و مال إليه المدارك و الذخيرة و شرح المفاتيح «2».

و لو لا شذوذ القول به- و مخالفته للشهرة القديمة، بل إجماع القدماء، بل مطلقا، لعدم قائل صريح به أصلا و لا ظاهر سوى الصدوق الغير القادح مخالفته في الإجماع- لكان حسنا، إلّا أنّ ما ذكرناه يمنع المصير

إليه، و يخرج الموثّقة عن حيّز الحجيّة.

فالقول الأول هو المفتي به و المعوّل.

ثمَّ- كما أشير إليه- تجب مراعاة المسافة ما بين المقام و البيت من جميع نواحي البيت، كما صرّح به في الرواية المذكورة، و مقتضاها احتساب حجر إسماعيل من المسافة على ما ذكرنا من كونه خارجا عن البيت.

و ذكر جماعة من المتأخّرين: أنّ المسافة تحسب من جهته من خارجه و إن كان خارجا عن البيت «3»، و علّلوه بوجوه عليلة، فالواجب متابعة مقتضى الرواية.

و كذا مقتضاها عدم جواز المشي على أساس البيت المسمّى ب: شاذروان، لكونه من لكونه من البيت على ما ذكره الأصحاب، فيكون الماشي عليه طائفا في البيت، و لأنّه لا يكون ما بين البيت و المقام.

و هل يجوز للطائف مسّ جدار البيت بيده؟

______________________________

(1) الفقيه 2: 132.

(2) المدارك 8: 131، الذخيرة: 628.

(3) انظر التذكرة 1: 362، و المسالك 1: 121، و الروضة 2: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 77

قيل: لا «1»، لأنّه لا يكون حينئذ بجميع أجزاء بدنه خارجا عن البيت.

و قيل نعم «2»، لأنّ من هذا شأنه يصدق عليه عرفا أنّه طائف بالبيت.

و هو أقرب، لذلك، و للأصل، و أمر الاحتياط واضح.

و ليعلم أنّ المقام حقيقة هو: العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه السلام يصعد عليه عند بنائه البيت، و عليه اليوم بناء، و المتعارف الآن إطلاق المقام على جميعه.

و هل المعتبر وقوع الطواف بين البيت و بين البناء الذي على المقام الأصلي، أم بينه و بين العمود؟

فيه وجهان، و الأقرب: الثاني، للأصل، و الرواية المذكورة.

و المستفاد منها أيضا أنّ المقام- أعني العمود- تغيّر عما كان في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ الحكم في

الطواف منوط بمحلّه الآن، و كذا في الصلاة خلفه.

و تدلّ عليه أيضا رواية إبراهيم بن أبي محمود: أصلّي ركعتي الطواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال: «حيث هو الساعة» «3».

المقام الثاني: في مستحبّاته.
اشاره

الزائدة على ما يستحبّ مقدّما عليه المتقدّم ذكره، و هي أيضا أمور:

منها: استلام الحجر و تقبيله

كلّما ينتهي إليه، و قد مرّ مستنده.

و منها: أن يقصد في مشيه،

بأن لا يسرع و لا يبطئ مطلقا، وفاقا

______________________________

(1) التذكرة 1: 362.

(2) كما في القواعد 1: 83، و كشف اللثام 1: 334.

(3) الكافي 4: 423- 4، التهذيب 5: 137- 453، الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 78

للقديمين، و النهاية و الحلبي و الحلّي و الشرائع و النافع «1»، و غيرهم «2»، بل الأكثر كما حكي عن جماعة «3».

لرواية عبد الرحمن بن سيابة: عن الطواف، فقلت: أسرع و أكثر أو أمشي و أبطئ؟ قال: «مشي بين المشيين» «4»، و مرسلة حمّاد بن عيسى «5» المتقدّمة في مسألة استلام الحجر.

و لعدم دلالتهما على الوجوب لم يقل أحد به.

مضافا إلى رواية الأعرج: عن المسرع و المبطئ في الطواف، فقال «كلّ واسع ما لم يؤذ أحد» «6».

و عن المبسوط و القواعد و في الإرشاد: استحباب الرمل «7»- و هو:

الهرولة، كما في الصحاح و القاموس «8»، أو المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب و العدو، كما عن الدروس «9»، أو الإسراع، كما عن الأزهري «10»، و لعلّ الكلّ متقارب، كما في الذخيرة «11»- في الأشواط الثلاثة الأولى خاصّة،

______________________________

(1) حكاه عن القديمين في المختلف: 288، النهاية: 237، الحلبي في الكافي في الفقه: 194، الحلي في السرائر 1: 572، الشرائع 1: 269، النافع: 94.

(2) كما في المنتهى 2: 696، و المسالك 1: 122.

(3) المدارك 8: 161، و الرياض 1: 413.

(4) الكافي 4: 413- 1، التهذيب 5: 109- 352، الوسائل 13: 352 أبواب الطواف ب 29 ح 4، بتفاوت يسير في الكافي.

(5) الكافي 4: 412- 3، الوسائل 13: 306 أبواب الطواف ب 5 ح 1.

(6) الفقيه 2: 255-

1238، الوسائل 13: 351 أبواب الطواف ب 29 ح 1.

(7) المبسوط 1: 356، القواعد 1: 83، الإرشاد 1: 325.

(8) الصحاح 4: 1713، القاموس 3: 398.

(9) الدروس 1: 399.

(10) حكاه عنه في الذخيرة: 633، و هو في التهذيب 15: 207.

(11) الذخيرة: 633.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 79

و المشي في الأربعة الباقية في طواف القدوم خاصّة، و هو أول طواف يأتي به القادم إلى مكّة مطلقا.

و قيل: هو الطواف المستحبّ للحاجّ مفردا أو قارنا إذا دخل مكّة قبل الوقوف، كما هو مصطلح العامّة «1».

و عن ابن حمزة: استحباب الرمل في الثلاثة الأشواط الاولى و المشي في الباقي و خاصّة في طواف الزيارة «2».

و مستنده- على ما ذكر في المنتهى «3»- ما روي عن جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمل ثلاثا و مشى أربعا «4»، و كذا عن ابن عبّاس عنه «5».

و فيه: أنّ استحباب التأسّي إنّما هو إذا لم يعارض فعله القول و لم تكن لفعله مصلحة و سبب منتف في حقّنا، و الذي يظهر من جملة من الروايات المرويّة في علل الصدوق «6»، و نوادر ابن عيسى «7» أنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله ذلك و كذلك أصحابه كان لمصلحة مخصوصة بهم يومئذ، و لذا أنّهم عليهم السلام- بعد نقلهم ذلك عنه- أظهروا له المخالفة.

و منها: أن يذكر اللّه سبحانه في طوافه،

و يدعوه بالمأثور و غيره، و يقرأ القرآن، للعمومات و الخصوصات، منها: مرسلة حمّاد المتقدمة «8».

______________________________

(1) انظر الدروس 1: 400.

(2) الوسيلة: 172.

(3) المنتهى 2: 696.

(4) انظر سنن الترمذي 2: 174- 859 بتفاوت يسير، و المنتهى 2: 696.

(5) سنن أبي داود 2: 179- 1890، المنتهى 2: 696.

(6) علل الشرائع: 412- 1، الوسائل 3: 351 أبواب الطواف

ب 29 ح 2.

(7) فقه الرضا (الحجري): 73، الوسائل 13: 352 أبواب الطواف ب 29 ح 5.

(8) في ص: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 80

و صحيحة ابن عمّار: «طف بالبيت سبعة أشواط، تقول في الطواف:

اللّهم إنّي أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء» إلى آخر الدعاء، فقال: «و كلّما انتهيت إلى باب الكعبة فصلّ على محمّد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و تقول فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ، و قل في الطواف: اللّهمّ إنّي إليك فقير و إنّي خائف مستجير فلا تغيّر جسمي و لا تبدّل اسمي» [1].

و رواية محمّد بن فضيل: «و طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن» «1».

و أيّوب: القراءة و أنا أطوف أفضل، أو ذكر اللّه؟ قال: «القراءة» «2».

و عبد السلام: دخلت طواف الفريضة و لم يفتح لي شي ء من الدعاء إلّا الصلاة على محمّد و آل محمّد، و سعيت فكان كذلك، فقال: «ما اعطي أحد ممّن سأل أفضل ممّا أعطيت» «3».

و منها: أن يلتزم المستجار-

و يسمّى بالملتزم و المتعوّذ أيضا، و هو بحذاء الباب من وراء الكعبة دون الركن اليماني بقليل- في الشوط السابع، فيبسط يديه و خدّه على حائطه و يلصق بطنه به، لصحيحة ابن عمّار «4» و موثّقته «5»،

______________________________

[1] الكافي 4: 406- 1، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1. و طلل الماء: ظهره- مجمع البحرين 5: 412.

______________________________

(1) التهذيب 5: 127- 417، الاستبصار 2: 227- 785، الوسائل 13: 403 أبواب الطواف ب 54 ح 2 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 427- 3، الوسائل

13: 403 أبواب الطواف ب 55 ح 1.

(3) الكافي 4: 407- 3، الوسائل 13: 336 أبواب الطواف ب 21 ح 1.

(4) الكافي 4: 411- 5، التهذيب 5: 107- 349، الوسائل 13: 345 أبواب الطواف ب 26 ح 4.

(5) التهذيب 5: 104- 339، الوسائل 13: 347 أبواب الطواف ب 26 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 81

و يدعو بالمأثور فيهما و في صحيحة ابن سنان «1»، و يقرّ للّه عنده بذنوبه و يعدّدها مفصّلة و يستغفر اللّه لها، للصحيحة و الموثّقة المذكورتين، و صحيحة أخرى لابن عمّار، المتضمّنة لفعل أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

و لو نسي الالتزام و تجاوز عن الملتزم، قيل: رجع و التزم «3»، لعموم جملة من النصوص «4»، و عدم لزوم زيادة في الطواف، لأنّه لا ينوي بالزائد الطواف.

و قيل: لا يرجع «5»، لمنع العموم المذكور، و لزوم الزيادة المنهيّ عنها، لعدم تقييد النهي عنها بالنيّة.

أقول: صحيحة ابن عمّار و موثّقته و إن لم تكونا عامّتين و لا مطلقتين- لتعليق الحكم فيهما بما إذا انتهى إلى الملتزم فلا يشمل ما إذا تجاوز عنه، و الرجوع عودا و قضاء محتاج إلى دليل- و لكن صحيحة ابن سنان مطلقة تصلح لإثبات الحكم، و لا يعارضها لزوم الزيادة، إذ يأتي في بحث الأحكام أنّ المنهيّ عنها ما كان بقصد الطواف.

إلّا أنّه تعارضها صحيحة ابن يقطين: عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر، أو يدع ذلك؟ قال: «يترك اللزوم» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

(2) الكافي 4: 410- 4،

الوسائل 13: 346 أبواب الطواف ب 26 ح 5.

(3) المختصر النافع: 94.

(4) الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26.

(5) كما في التهذيب 5: 108.

(6) التهذيب 5: 108- 350 و فيه: «يترك الملتزم»، الوسائل 13: 349 أبواب الطواف ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 82

دلّت على رجحان ترك اللزوم المنافي لاستحبابه المستفاد من إطلاق صحيحة ابن سنان، فيقيّد الإطلاق بما إذا لم يتجاوز.

نعم، هي مقيّدة بصورة التجاوز عن الركن، فترجيح ترك اللزوم المستفاد منها إنّما هو في هذه الصورة، فلا معارض للإطلاق فيما دونه، و لذا استحسن في الدروس و المدارك الرجوع إذا لم يبلغ الركن «1»، و هو جيّد.

و منها: أن يستلم الركنين الأعظمين:

العراقي و اليماني، بالإجماع و المستفيضة، كرواية الشّحام: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله، و إذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه «2».

و أبي مريم: كنت مع أبي جعفر عليه السلام أطوف فكان لا يمرّ في طواف من طوافه بالركن اليماني إلّا استلمه، ثمَّ يقول: «اللّهم تب عليّ حتى أتوب و اعصمني حتى لا أعود» «3».

و صحيحة ابن سنان، و فيها: «إذا كنت في الطواف السابع» إلى أن قال: «ثمَّ استلم الركن اليماني، ثمَّ ائت الحجر فاختم به» «4».

و الأخبار الآتية بعضها، المتضمّنة لاستلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهذين الركنين.

بل يستحبّ استلام الأركان الأربعة، لصحيحة الخراساني: أستلم

______________________________

(1) الدروس 1: 402، المدارك 8: 165.

(2) الكافي 4: 408- 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3 و فيه: كنت أطوف مع أبي، و كان إذا ..

(3) الكافي 4: 409- 14، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح

4.

(4) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 83

اليماني و الشامي [و العراقي ] و الغربي؟ قال: «نعم» «1».

و جميل بن صالح، و فيها: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يستلم الأركان كلّها «2».

و حسنة الكاهلي: «طاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ناقته العضباء [1]، و جعل يستلم الأركان بمحجنه و يقبّل المحجن» «3».

و الخلاف هنا في موضعين:

أحدهما: في استلام الركنين الآخرين، فلم يستحبّهما الإسكافي «4» [1]، لرواية غياث بن إبراهيم المصرّحة بأنّه: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلم إلّا الركن الأسود و اليماني» «5».

و صحيحة جميل بن صالح، و فيها- بعد ذكر عدم استلام رسول اللّه لهما-: «إنّ رسول اللّه استلم هذين و لم يعرض لهذين، فلا تعرض لهما، إذ لم يعرض لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «6».

______________________________

[1] الناقة العضباء: مشقوقة الاذن، أو هو علم لها- مجمع البحرين 2: 123، النهاية الأثيرية 3: 251.

[2] في «ق» و «س» زيادة: بل منعه، و عليه الفقهاء الأربعة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 106- 343، الاستبصار 2: 216- 743، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 25 ح 2، و ما بين المعقوفين أثبتناه من الوسائل.

(2) الكافي 4: 408- 9، التهذيب 5: 106- 342، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 1.

(3) الكافي 4: 429- 16، الوسائل 13: 441 أبواب الطواف ب 81 ح 1.

(4) حكاه عنه في المختلف: 290.

(5) الكافي 4: 408- 8، التهذيب 5: 105- 341، الاستبصار 2: 216- 744، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 2.

(6) الكافي 4: 408- 9،

التهذيب 5: 106- 342، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 84

و أجيب عنهما: بأنّهما حكاية فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله فلعلّه لأقلّية الفضل بالنسبة إلى الركنين الأعظمين، و لم يقل إنّ استلامهما محظور أو مكروه «1».

و فيه: أنّ الأخيرة تتضمّن قوله للسائل: «فلا تعرض لهما»، و هو إمّا يفيد الحظر أو الكراهة، فالأولى الجواب بالمعارضة مع ما سبق، و ترجيح ما سبق بمخالفة العامّة.

و الثاني: في استحباب استلام الركن اليماني، فأوجبه الديلمي «2»، للأمر به من غير معارض.

و أجيب بعدم الأمر به، بل غايته بيان فعلهم عليه السلام، و هو أعمّ من الوجوب «3».

و فيه: أنّ صحيحة ابن سنان متضمّنة للأمر المفيد للوجوب، فالأولى أن يجاب عنه بشذوذ الدالّ على الوجوب، فلا ينهض حجّة إلّا لإثبات الرجحان.

و المراد باستلام الأركان: التزامها و إلصاق البطن عليها، كما صرّح به في صحيحة يعقوب بن شعيب «4» المتقدّمة في استلام الحجر، فإنّ المستفاد منها أنّ المراد من الاستلام للركن- حيث يطلق في الأخبار «5»- الالتزام، و تؤكّده رواية الشحّام «6» المتقدّمة.

و يستحبّ الدعاء عند الركن اليماني و طلب الحاجات.

______________________________

(1) الرياض 1: 414.

(2) المراسم: 110.

(3) كما في الرياض 1: 414- 415.

(4) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.

(5) الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22.

(6) الكافي 4: 408- 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 85

ففي رواية السندي: «إنّه ما من مؤمن يدعو عنده إلّا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه و بين اللّه حجاب» «1».

و في روايتي العلاء بن المقعد: «إنّ

اللّه عزّ و جلّ وكّل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمّن على دعائكم» «2».

و يستحبّ أن يدعو عنده بعد استلامه بما في رواية أبي مريم المتقدّمة، و أن يصلّي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلما بلغه، لحسنة البختري «3».

و منها: أن يصلّي على النبي و آله كلّما انتهى إلى باب الكعبة،

لموثّقة ابن عمّار «4».

و أن يرفع رأسه إذا بلغ حجر إسماعيل قبل أن يبلغ الميزاب، و ينظر إلى الميزاب، و يقول: اللّهم أدخلني الجنّة برحمتك، و أجرني من النار برحمتك، و عافني من السقم، و أوسع عليّ من الرزق الحلال، و ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ و الإنس و شرّ فسقة العرب و العجم، لرواية عمرو بن عاصم «5»، و صحيحة عاصم بن حميد «6».

و أن يدعو إذا انتهى إلى ظهر الكعبة حين يجوز حجر إسماعيل بما في صحيحة ابن أذينة، و هو «يا ذا المنّ و الطول و الجود و الكرم إنّ عملي

______________________________

(1) الكافي 4: 409- 15، التهذيب 5: 106- 344، الوسائل 13: 342 أبواب الطواف ب 23 ح 6.

(2) الكافي 4: 408- 11 و 12، الوسائل 13: 341 أبواب الطواف ب 23 ح 1 و 2، بتفاوت يسير في الثانية.

(3) الكافي 4: 409- 16، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 21 ح 3.

(4) الكافي 4: 406- 1، التهذيب 5: 104- 339، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1.

(5) الكافي 4: 407- 5، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 5.

(6) التهذيب 5: 105- 340، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ذيل الحديث 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 86

ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني إنّك أنت السميع العليم» «1».

و أن يقول بين الركن اليماني و الحجر: رَبَّنا

آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ، لصحيحتي ابن سنان «2» و ابن عمّار «3».

فائدتان:
الأولى: يستحبّ التطوّع بثلاثمائة و ستين طوافا،

كلّ طواف سبعة أشواط بلا خلاف.

لصحيحة ابن عمّار: «يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة و ستين أسبوعا عدد أيّام السنة، فإن لم تستطع فثلاثمائة و ستين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف» «4».

و نحوها الرضوي، إلّا أنّ أوله: «يستحبّ أن يطوف الرجل بمقامه بمكّة» «5».

و الظاهر أنّ استحباب ذلك في مدّة الإقامة بمكّة لمن دخله حاجّا و يسافر عنه، كما هو الظاهر من الخطاب في الصحيحة إلى ابن عمّار و المصرّح به في الرضوي، و لو لم يخرج فالظاهر من قوله: «عدد أيام السنة» استحباب ذلك في عامه أو في كلّ عام، كذا قيل «6»، و لا بأس به.

______________________________

(1) الكافي 4: 407- 6، الوسائل 13: 335 أبواب الطواف ب 20 ح 6.

(2) الكافي 4: 408- 7، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 2.

(3) الكافي 4: 406- 1، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1.

(4) الكافي 4: 429- 14، الفقيه 2: 255- 1236، التهذيب 5: 135- 445، الوسائل 13: 308 أبواب الطواف ب 7 ح 1.

(5) فقه الرضا (عليه السلام): 220، مستدرك الوسائل 9: 377 أبواب الطواف ب 6 ح 1.

(6) الرياض 1: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 87

و لو لم يستطع- لضيق الوقت أو مانع آخر- فيطوف بهذا العدد أشواطا، فتكون جميع الأشواط واحدا و خمسين طوافا و ثلاثة أشواط، و ينوي بكلّ سبعة أشواط طوافا، و تبقى في الآخر عشرة يجعلها أيضا طوافا واحدا على المشهور.

و لا بأس بالزيادة، لأنّها ليست من القرآن المكروه في النافلة، لأنّه

لا يكون إلّا بين أسبوعين، و لو كان فيكون هذا مستثنى بالنصّ، و أمّا مطلق الزيادة فكراهته في النقل «1» غير ثابتة، فمتى ثبت من الشرع تكون مستحبّة.

و قال ابن زهرة «2»: يضمّ أربعة أشواط أخر، لتكمل الثلاثة الأخيرة أيضا أسبوعا و لم تحصل الزيادة و لا القران.

و استدلّ برواية أبي بصير الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على صحّة ما يصحّ عنه: «يستحبّ أن يطاف بالبيت عدد أيّام السنة كلّ أسبوع لسبعة أيّام، فذلك اثنان و خمسون أسبوعا» «3»، بحمل الروايتين الأوليين على هذه من جهة عدم نفيهما للزيادة.

و فيه: أنّ هذه الرواية لا تخلو عن إجمال، حيث دلّ صدرها على عدد أيّام السنة، و حملها على السنة الشمسيّة بعيد، مع أنّها أيضا لا تطابق الثلاثمائة و الأربعة و الستّين في الأكثر، فيحتمل نوع تجوّز في ذيلها، فتأمّل.

الثانية: لا خلاف في جواز الكلام في أثناء الطواف

بما يريد من أمور الدنيا و الآخرة، و في المنتهى: ادّعاء الإجماع عليه «4»، و يدلّ عليه الأصل

______________________________

(1) في «س»: النفل.

(2) حكاه عنه في المختلف: 292، و الرياض 1: 415.

(3) التهذيب 5: 471- 1655، الوسائل 13: 308 أبواب الطواف ب 7 ذيل الحديث 2.

(4) المنتهى 2: 701.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 88

السالم عن المعارض، و صحيحة ابن يقطين: عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة، أ يستقيم ذلك؟ قال:

«لا بأس به، و الشعر ما كان لا بأس به منه» «1».

نعم، يكره الكلام فيه، لفتوى الأصحاب، و النبوي العامّي: «الطواف بالبيت صلاة، فمن تكلّم فلا يتكلّم إلّا بخير» «2».

و رواية محمّد بن فضيل: «طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن»، قال: «و

النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشي ء من أمر الدنيا و الآخرة لا بأس به» «3».

لكن مقتضى الأخيرة اختصاص الكراهة بالفريضة، و قد يعمّم، لحكم العقل بمساواة النافلة للفريضة في الكراهة، و لكراهة مطلق التكلّم في المسجد.

و فيهما نظر، و يمكن الحمل بتفاوت مراتب الكراهة، و اللّه يعلم.

______________________________

(1) التهذيب 5: 127- 418، الاستبصار 2: 227- 784، الوسائل 13: 402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.

(2) سنن الدارمي 2: 44 بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 127- 417، الاستبصار 2: 227- 785، الوسائل 13: 403 أبواب الطواف ب 54 ح 2 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 89

البحث الثالث في أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قال جماعة: تحرم الزيادة على سبعة أشواط
اشاره

في الطواف الواجب، بمعنى: أن يطوف ثمانية أشواط مثلا قاصدا كونه طوافا واحدا، أو أربعة عشر شوطا كذلك بأن يجعل المجموع طوافا واحدا، و هذا غير القرآن الآتي حكمه، فإنّه وصل طوافين من غير فصل ركعتي الطواف بينهما و اعتقاد كونهما طوافين.

بل هو المشهور بين الأصحاب، كما في المنتهى و الذخيرة «1»، و في المدارك: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب «2»، بل قيل: إنّ ظاهرهم الاتّفاق على الحكم المذكور إلّا نادرا «3».

و استدلّ له بصحيحة ابن سنان «4» و رواية ابن عمّار «5»، المتقدّمتين في ختم الطواف بالحجر الأسود.

و برواية عبد اللّه بن محمّد: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل

______________________________

(1) المنتهى 2: 699، الذخيرة: 636.

(2) المدارك 8: 138.

(3) الرياض 1: 408.

(4) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

(5) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 90

الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة، و كذا السعي» «1».

و رواية أبي كهمش: عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: «إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه، و إن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا، و ليصلّ أربع ركعات» «2».

فإنّ وجوب القطع لا يكون إلّا مع تحريم الزيادة، و ورودها في الناسي غير ضائر، للأولويّة و الإجماع المركّب. و لا الأمر بالإتمام لو تجاوز عن الركن، لأنّه حكم ثبت في الناسي بالدليل و لا يثبت منه في العامد.

و موثّقة أبي بصير، و فيها: أنّه قد طاف و هو متطوّع ثمان مرّات و هو ناس، قال:

«فليتمّه طوافين ثمَّ يصلّي أربع ركعات، أمّا الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط» «3».

و أمّا الاستدلال بصحيحة أبي بصير: عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: «يعيد حتى يثبته» «4».

بالثاء المثلّثة و الباء المفردة و التاء المثنّاة الفوقانيّة- من الإثبات- كما في بعض النسخ.

و بالتاء المثنّاة الفوقانيّة و الباء المفردة و الياء المثنّاة التحتانيّة و النون أخيرا- على صيغة التفعّل- كما في بعض آخر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 151- 498، الاستبصار 2: 239- 831، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 11 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 418- 10 و فيه صدر الحديث، التهذيب 5: 113- 367، الاستبصار 2: 219- 753، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 3، 4.

(3) الكافي 4: 417- 6، التهذيب 5: 114- 371، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 2.

(4) الكافي 4: 417- 5، الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 91

و: «حتى يستتمّه»- كما في التهذيب بإسناده المختصّ به من الاستتمام- فغير جيّد، لجواز أن يكون المراد منه إتمام طواف آخر، بل هو الظاهر من قوله «حتى يستتمّه»، مضافا إلى عدم دلالة «يعيد» على الوجوب.

و الإيراد على الأوليين بأنّ مقتضاهما كون منتهى الطواف الوصول إلى الحجر، و ذلك لا ينافي الزيادة الخارجة من الطواف، و على الثانيتين بقصور السند.

مردود بأنّ المراد من الزيادة الخارجة إن كان من غير الطواف فلا كلام فيه، و إن كان من الطواف فمنافاتها للختم بالحجر ظاهرة، فإنّه لا يصدق الختم بالحجر، سيّما مع قصد كون الزيادة جزءا من الأول، كما هو المفروض.

و بأنّ ضعف السند غير ضائر، مع أنّ ما ذكر له جابر.

و ظاهر

المدارك و الذخيرة الميل إلى عدم التحريم «1»، للأصل.

مضافا إلى الأخبار المصرّحة بأنّ من زاد شوطا يضيف إليه ستّة و يجعلهما طوافين، من غير تفصيل بين السهو و العمد، إمّا مطلقا، كصحيحة محمّد «2» و رفاعة «3»، أو في خصوص الفريضة، كصحيحتي محمّد «4» و الخزّاز «5»، و لو كانت الزيادة محرّمة لما جاز ذلك، لاقتضاء النهي

______________________________

(1) المدارك 8: 138، 139، الذخيرة: 636.

(2) التهذيب 5: 472- 1661، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 12.

(3) التهذيب 5: 112- 363، الاستبصار 2: 218- 749، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 9.

(4) التهذيب 5: 152- 502، الاستبصار 2: 240- 835، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 10.

(5) الفقيه 2: 248- 1191، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 92

فساد الزائد لا أقلّ منه، و حملها على الساهي حمل بلا دليل.

و الاستشهاد برواية أبي كهمش المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان: «من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا، ثمَّ يصلّي ركعتين» «1».

غير سديد، لأنّهما تدلّان على أنّ الناسي يفعل كذلك لا على التخصيص به.

و إلى ما دلّ على زيادة علي عليه السلام- مع كونه معصوما عن السهو و النسيان- كصحيحتي ابن وهب و زرارة:

الاولى: «إنّ عليّا عليه السلام طاف ثمانية فزاد ستّة، ثمَّ ركع أربع ركعات» «2».

و الثانية: «إنّ عليّا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليها ستّة، ثمَّ صلّى ركعتين خلف المقام، ثمَّ خرج إلى الصفا و المروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول» «3».

و

حمل فعله عليه السلام على التعليم بارد، و على التقيّة فاسد، لعدم داع عليها.

أقول: يمكن الجواب عن الأخيرتين بأنّ فعل علي عليه السلام لعلّه من باب القران، إمّا بين النافلتين- كما تحتمله أولاهما- أو الفريضة و النافلة- كما

______________________________

(1) التهذيب 5: 112- 364، الاستبصار 2: 218- 750، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 112- 365، الاستبصار 2: 218- 751، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 6.

(3) التهذيب 5: 112- 366، الاستبصار 2: 218- 752، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 93

تحتمله ثانيتهما- و هما جائزان كما يأتي، و من أين علم أن قصده الزيادة في الطواف الواحد حتى يكون من مفروض المسألة؟! و أمّا البواقي فلو قطع النظر عن ظهورها في الساهي- كما لا يخفى على من تأمّلها، سيّما مع ملاحظة صحيحة ابن سنان و رواية أبي كهمش المتقدمتين- فغايتها التعارض مع ما مرّ.

فإن رجّحنا ما مرّ بالأشهرية فتوى و الأتميّة دلالة و الأحدثية في بعضه رواية، و إلّا- فلعدم قول بالتخيير- يرجع إلى الأصل، و هو مع القول الأول، لأنّ الطواف عبادة محتاجة إلى التوقيف، و لم يثبت الطواف الزائد عن السبعة أو الناقص عنها.

فإذن الحقّ هو القول الأول، سواء نوى الزيادة في بدو الطواف أو في أثنائه قبل إكمال السبعة أو بعده، لإطلاق الأدلّة، و سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة حتى خطوة، لما ذكر.

نعم، يشترط أن ينوي بالزيادة كونها من الطواف، و إلّا فلا يضرّ، لعدم صدق الزيادة في الطواف معه.

هذا كلّه إذا كانت الزيادة عمدا، سواء كان مع العلم بالحكم أو الجهل.

و لو كانت

سهوا، فإن لم يبلغ الركن الأول فليقطع الشوط وفاقا للأكثر، كما نصّ عليه بعض من تأخّر «1»، لرواية أبي كهمش المتقدّمة.

و إطلاق بعض العبارات «2»، يقتضي عدم الفرق بين بلوغه و عدم بلوغه في وجوب الإتمام أربعة عشر، لقوله في صحيحة ابن سنان السابقة: «حتى

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 410.

(2) انظر النهاية: 237، و النافع: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 94

يدخل في الثامن»، و لا يخفى أنّه أعمّ مطلقا من الأولى، فيجب التخصيص بها.

و إن بلغه أتمّها أربعة عشر شوطا و يجعلهما طوافين، للأخبار المتقدّمة المشار إليها.

خلافا للمحكيّ عن الصدوق «1»، و بعض مشايخ والدي «2»- رحمه اللّه- فحكما هنا أيضا بالبطلان، لبعض ما مرّ دليلا للقول الأول، سيّما رواية أبي بصير المقيّدة بالناسي، و لصحيحة ابن سنان المتقدّمة المكتفية بذكر ركعتين الدالّة على بطلان أحد الطوافين، و إلّا كان يأمر بأربع ركعات.

و أظهر منها صحيحة رفاعة المتقدّمة الإشارة إليها: «إذا طاف ثمانية فليتمّ أربعة عشر»، قلت: يصلّي أربع ركعات؟ قال: «يصلي ركعتين» «3».

و يحملان جميع أخبار الإتمام أربعة عشر شوطا إمّا على النافلة أو على البطلان.

و يجاب: أمّا عمّا مرّ فبالإطلاق الشامل للعمد و السهو الواجب تخصيصه بغير الأخير، لخصوص رواية أبي كهمش المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، التي لا يمكن حملها على البطلان، للأمر فيها بأربع ركعات.

و أمّا عن صحيحة ابن سنان فبأنّ عدم ذكر الركعتين لأخيرتين لا يدلّ على انتفائهما، فلعلّه لم يذكرهما لعدم وجوبهما، حيث إنّ أحد الطوافين يكون نفلا قطعا، أو المراد الركعتين قبل السعي أو عند المقام- كما صرّح به في بعض تلك الروايات- أو لكلّ طواف.

و منه يظهر الجواب عن صحيحة رفاعة، مع أنّهما معارضتان بأصرح

______________________________

(1) المقنع:

85.

(2) كصاحب الحدائق 16: 186.

(3) التهذيب 5: 112- 363، الاستبصار 2: 218- 749، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 95

منهما دلالة على الأمر بأربع ركعات، كرواية أبي كهمش، و رواية عليّ بن أبي حمزة «1»، و صحيحتي الخزّاز و ابن وهب، و بعضها صريحة في الفريضة «2».

و منه يظهر بطلان الحمل الذي ذكراه أيضا، سيّما مع التصريح في رواية عليّ بن أبي حمزة و مرسلة الفقيه «3»، بأنّ أحد الطوافين فريضة و الآخر تطوّع.

و أمّا إبطال ذلك الحمل- بأنّه يقتضي الأمر بخمسة عشر شوطا دون الأربعة عشر، كما في أكثر هذه الأخبار، لبطلان الثامن على ذلك أيضا- فضعيف، لجواز عدم قولهم ببطلان الزيادة في صورة السهو و إن قالوا ببطلان ما زيد عليه.

ثمَّ إنّه هل يكون الفريضة هو الطواف الأول، كما حكي عن الفاضل و الشهيدين «4»، لأصالة بقاء الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النيّة، و لظهور بعض الأخبار في ذلك «5»؟

أو الثاني، كما حكي عن الصدوق و الإسكافي «6»، و هو ظاهر النافع «7»، لمرسلة الفقيه و الرضوي «8» الناصّين على ذلك؟

الأظهر: الثاني، لما ذكر، و به يخرج عن الأصل. و تظهر الفائدة في

______________________________

(1) الفقيه 2: 248- 1193، التهذيب 5: 469- 1644، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 15.

(2) المتقدمة في ص: 91 و 92.

(3) الفقيه 2: 248- 1192، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 14.

(4) الفاضل في المختلف: 289، الشهيد الأول في الدروس 1: 407، الشهيد الثاني في الروضة 2: 250.

(5) انظر الهامش رقم 1 أعلاه.

(6) الصدوق في الفقيه 2: 248، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 289.

(7) النافع:

93.

(8) فقه الرضا (عليه السلام): 220، المستدرك 9: 399 أبواب الطواف ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 96

جواز قطع الثاني و عدمه، و في أحكام الشك.

و يصلّى للطوافين أربع ركعات: اثنتان قبل السعي و اثنتان بعده ندبا على الأظهر، وفاقا لبعض من تأخر «1».

و قيل: وجوبا «2»، لفعل علي عليه السلام لذلك «3»، و رواية عليّ بن أبي حمزة، و المروي في السرائر «4»، و الرضوي.

و غير الأخير لا يدلّ على الوجوب أصلا، و الأخير و إن دلّ عليه إلّا أنّه ضعيف لم يعلم انجباره.

فرعان:
أ: اعلم أنّ مقتضى تقييد الأكثر بالطواف الواجب: عدم حرمة الزيادة في الندب

عمدا، و هو ينافي توقيفيّة العبادة.

إلّا أن يقال: إنّ غايتها الإبطال الغير المحرّم في المندوب، و أمّا التشريع فقد بيّنا في عوائد الأيّام أنّ مثل ذلك ليس تشريعا محرّما «5».

ب- إنّما تحصل الزيادة المنهيّ عنها إذا قصد بها الطواف

دون ما إذا قصد غيره «6»، لعدم ثبوت الأزيد منه من روايات حرمة الزيادة «7»، و لأنّه لو لا ذلك للزم عدم جواز التجاوز عن الحجر الأسود بعد تمام الطواف.

______________________________

(1) المدارك 8: 171.

(2) كما في الحدائق 16: 212، الرياض 1: 410.

(3) راجع ص: 92.

(4) مستطرفات السرائر: 33- 38، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 16.

(5) عوائد الأيام: 112 و 113.

(6) في «س» زيادة: للأصل و قوله: «إنّما الأعمال» و.

(7) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 97

و يظهر من بعض مشايخنا «1» حصول الزيادة مطلقا، لإطلاق النص.

و هو ضعيف جدّا، لمنع الإطلاق بالمرّة.

المسألة الثانية: لو طاف و في ثوبه أو بدنه نجاسة،

فالحكم- على القول بعدم اشتراط الطهارة- واضح، و على القول الآخر يعيد الطواف مع التعمّد في ذلك، و الوجه فيه واضح.

و كذا مع الجهل بالحكم إذا كان مقصّرا دون ما إذا لم يكن كذلك، لارتفاع النهي المقتضي للفساد.

و لا يعيد مع عدم العلم بالنجاسة أو نسيانها حتى فرغ على الأقوى الأشهر، للامتثال المقتضي للإجزاء، و عدم دليل على الاشتراط حتى في تلك الصورة، و إطلاق مرسلة البزنطي «2» المتقدّمة في مسألة اشتراط إزالة النجاسة.

و استشكل بعضهم في صورة النسيان، لخبر التسوية بين الصلاة و الطواف، و قصور المرسلة سندا.

و يردّ الأول: بمنع عموم التسوية.

و الثاني: بعدم ضيره، سيّما مع صحّتها عمّن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه، و انجبارها بالشهرة.

و لو علم بها في الأثناء أزال النجاسة استحبابا أو وجوبا- على اختلاف القولين- و أتمّ الباقي، لموثّقة «3» يونس «4» المتقدّمة في المسألة المذكورة.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 408.

(2) الفقيه 2: 308- 1532، التهذيب 5: 126- 416، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح

3.

(3) في «س»: لمرسلة يونس، و قد تقدّمت أيضا، و هي في الفقيه 2:

246- 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.

(4) التهذيب 5: 126- 415، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 98

و رواية حبيب بن مظاهر: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته، ثمَّ جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «بئس ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، أما إنّه ليس عليك شي ء» [1].

و إطلاق الأول- كنصّ الثاني- يقتضي عدم الفرق بين ما لو توقّفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه، و لا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله.

خلافا للمحكيّ عن الشهيدين «1»، فجزما بوجوب الاستئناف مع التوقّف المذكور و عدم إكمال أربعة أشواط.

لثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف.

و لعموم ما دلّ على أنّ قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف «2».

و الأول: قياس مردود.

و الثاني: بما مرّ مخصوص، مع أنّ في العموم المذكور- بحيث يشمل محل النزاع- نظرا، بل و كذلك في وجوده، إذ لم نعثر على عامّ يشمل ذلك المورد أيضا دالّ على الإعادة قبل النصف.

و مفهوم التعليل- الآتي في مسألة قطع الطواف- غير مثبت إلّا بإعانة الأصل الغير الصالح لمقاومة شي ء، و لو سلّم فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة بقاء صحّة ما فعل و عدم وجوب الاستئناف.

______________________________

[1] الفقيه 2: 247- 1188، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 2 و فيه:

لأبي عبد اللّه الحسين عليه السلام، و فيهما بتفاوت يسير.

______________________________

(1) الشهيد الأول في الدروس 1: 405، الشهيد الثاني

في المسالك 1: 122.

(2) الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 99

المسألة الثالثة: لو شكّ في أثناء الطواف في الطهارة عن الحدث،

فعن التذكرة: وجوب التطهّر و الاستئناف مطلقا «1»، و لو شكّ فيها بعد الفراغ يمضي و لا يستأنف.

و في المدارك: أنّ الحقّ أنّ الشكّ إن كان بعد يقين الحدث وجبت عليه الإعادة مطلقا، و إن كان بعد يقين الطهارة لم تجب الإعادة كذلك «2».

و هو الصحيح الموافق للأصول، إلّا أنّ في الإعادة بعد الفراغ في الصورة الأولى أيضا نظرا، لما عرفت من أنّ الأصل في اشتراط الطهارة الإجماع المنتفي في هذه الصورة، مضافا إلى ما دلّ على عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ.

المسألة الرابعة: هل يجوز قطع الطواف قبل إتمامه، أم لا؟

الظاهر: نعم، للأصل و الأخبار الآتية المجوّزة للقطع لمطلق الحاجة، و عيادة المريض، و دخول وقت الفريضة و لو مع السعة، و نحو ذلك.

و مع القطع يعمل بما عليه من الإعادة و البناء.

و هل يجوز مع القطع تركه و عدم البناء عليه مطلقا لو كان الطواف نفلا؟

الظاهر: نعم، للأصل، و أمّا الفرض فسيأتي حكمه.

المسألة الخامسة: لا شك في أنّه لا يكون الطواف أقلّ من سبعة أشواط،
اشاره

و لم يوظّف من الشرع أنقص منها.

فلو نقص أحد في طوافه- بأن يطوف أشواطا أقلّ من سبعة، و ترك الطواف بأن يشتغل بأمر آخر أو يجلس أو يخرج عن المطاف، و بالجملة

______________________________

(1) التذكرة 1: 364.

(2) المدارك 8: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 100

بحيث لا يعدّ طائفا حينئذ- فإمّا يكون عن عمد، أو سهو و نسيان، أو علّة و عذر، كحيض أو مرض أو حدث، أو لدخول وقت فريضة، أو لحدوث خبث في الثوب أو البدن.

و على التقادير: إمّا يكون في طواف فرض أو نفل، و على التقادير:

إمّا يكون القطع و النقص قبل مجاوزة النصف أو بعدها، فهذه عشرون قسما.

ففي الأول:- أي ما كان عن عمد في طواف فرض قبل مجاوزة النصف- يجب عليه استئناف الطواف و عدم الاعتداد بما أتى به، بلا خلاف يعلم فيه.

و يدلّ عليه ما دلّ على الاستئناف بالقطع مطلقا، فريضة كانت أو نافلة، قبل الأربعة أو بعدها، كصحيحة البختري: فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة، قال: «يستقبل طوافه» «1».

و ما دلّ عليه في خصوص الفريضة قبل التجاوز عن الأربعة، كصحيحة أبان بن تغلب: في رجل طاف شوطا أو شوطين ثمَّ خرج مع رجل في حاجة، فقال: «إن كان طواف نافلة بنى عليه، و إن كان طواف فريضة لم يبن عليه» «2».

و صحيحة عمران

الحلبي: عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أطواف من الفريضة ثمَّ وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ قال: «نقص طوافه

______________________________

(1) الفقيه 2: 247- 1187، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 4 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 413- 1، التهذيب 5، 119- 3، الاستبصار 2: 223- 770، الوسائل 13: 380 أبواب الطواف ب 41 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 101

و خالف السنّة فليعد طوافه» «1».

و نحوها مرسلة ابن مسكان «2»، و قريبة منها صحيحة الحلبي «3»، إلّا أنّها غير مقيّدة بالفريضة، بل مطلقة.

و يتعدّى إلى ما زاد عن ثلاثة أشواط و لم يتجاوز النصف بعدم القول بالفصل.

و بهذه الأخبار يخصّص ما دلّ على جواز القطع و البناء في الفريضة مطلقا بما إذا كان بعد النصف:

كقويّة أبان: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في الطواف، فجاءني رجل من إخواني فسألني أن أمشي معه في حاجته، ففطن بي أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال:

«يا أبان، من هذا الرجل؟» قلت: رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته، فقال: «يا أبان، اقطع طوافك و انطلق معه في حاجته»، فقلت:

إنّي لم أتمّ طوافي، قال: «أحص ما طفت و انطلق معه في حاجته»، فقلت:

و إن كان في فريضة؟ قال: «نعم، و إن كان في فريضة» «4».

و قريبة منها رواية أبي أحمد «5»، إلّا أنّه ليس فيها: «أحص ما طفت».

لأعمّيتهما مطلقا بالنسبة إلى ما مرّ، مضافا إلى أنّهما قضيّتان في

______________________________

(1) الكافي 4: 414- 3، الوسائل 13: 381 أبواب الطواف ب 41 ح 9، بتفاوت.

(2) التهذيب 5: 118- 387، الاستبصار 2: 223- 769، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 4.

(3) التهذيب 5: 118- 386، الاستبصار

2: 223- 768، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 3.

(4) التهذيب 5: 120- 392، الوسائل 13: 380 أبواب الطواف ب 41 ح 7، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 414- 7، التهذيب 5: 119- 391، الاستبصار 2: 224- 773، الوسائل 13: 383 أبواب الطواف ب 42 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 102

واقعة، فلعلّ موردهما كان بعد الأربعة، مع أنّ الثانية لا تدلّ إلّا على جواز قطع الطواف للحاجة، و هو أعمّ من الإعادة و البناء.

و كذا يخصّص بها ما دلّ على جواز القطع و البناء مطلقا بغير الفريضة.

كمرسلة ابن أبي عمير المرويّة في الفقيه: في الرجل يطوف ثمَّ تعرض له الحاجة، فقال: «لا بأس أن يذهب في حاجته و حاجة غيره و يقطع الطواف، و إن أراد أن يستريح و يقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى على طوافه و إن كان أقلّ من النصف» «1».

و نحوها مرسلة جميل و النخعي، إلّا أنّه قال- بعد قوله: «بنى على طوافه»-: «و إن كان نافلة بنى على الشوط و الشوطين، و إن كان طواف فريضة ثمَّ خرج في حاجة مع رجل لم يبن و لا في حاجة نفسه» «2».

و صحيحة الجمّال: الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف، فقال:

«يخرج معه في حاجته ثمَّ يرجع و يبني على طوافه» «3».

و ابن رئاب: الرجل يعيي في الطواف، إله أن يستريح؟ قال: «نعم، يستريح، ثمَّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه» «4»، و قريبة منها صحيحة ابن أبي يعفور «5».

و يمكن تخصيص غير الأولى بما بعد النصف أيضا، مع أنّ

______________________________

(1) الفقيه 2: 247- 1185، الوسائل 13: 381

أبواب الطواف ب 41 ح 8.

(2) التهذيب 5: 120- 394، الاستبصار 2: 224- 774، الوسائل 13: 381 أبواب الطواف ب 41 ح 8.

(3) الفقيه 2: 248- 1189، الوسائل 13: 382 أبواب الطواف ب 42 ح 1.

(4) الكافي 4: 416- 4، الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46 ح 1.

(5) الكافي 4: 416- 5، الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 103

الأخيرتين غير متضمنّتين لقطع الطواف، بل للاستراحة، و هي غير مورد المسألة.

و في الثاني:- و هو السابق إلّا أنّه بعد النصف- يجب عليه البناء على ما سبق و الإتمام على الأظهر، وفاقا للمحكي عن المفيد و الديلمي «1»، و بعض مشايخنا المتأخرين «2».

و تدلّ عليه قويّة أبان، و رواية أبي أحمد، و إطلاق صحيحة الجمّال، و مرسلة النخعي و جميل، المتقدّمة جميعا، و كذا إطلاق صحيحة البختري «3» المتقدّمة في مسألة إدخال الحجر في الطواف، و روايتا أبي غرّة و أبي الفرج بضميمة عدم الاستفصال عن الفرض و النفل:

الاولى: مرّ بي أبو عبد اللّه عليه السلام و أنا في الشوط الخامس من الطواف، فقال لي: «انطلق حتى نعود هاهنا رجلا»، فقلت له: إنّما أنا في خمسة أشواط فأتمّ أسبوعي، فقال: «اقطعه و احفظه من حيث تقطع حتى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه» «4»، و قريبة منها الثانية «5».

و يدلّ عليه أيضا مفهوم العلّة المصرحة بها في رواية الأعرج: عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمَّ طمثت، قال: «تتمّ طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامّة، فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 440، الديلمي في

المراسم: 123.

(2) انظر الشرائع 1: 268، و المسالك 1: 122، و الرياض 1: 411.

(3) الكافي 4: 419- 1، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 2.

(4) الكافي 4: 414- 6، التهذيب 5: 119- 389، الاستبصار 2: 223- 771، و فيها: أبي عزّة، الوسائل 13: 382 أبواب الطواف ب 41 ح 10.

(5) التهذيب 5: 119- 390 الاستبصار 2: 223- 772، الوسائل 13: 38 أبواب الطواف ب 41 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 104

لأنّها زادت على النصف» الحديث «1».

و في رواية إسحاق: في رجل طاف طواف الفريضة ثمَّ اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف، قال: «إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمَّ طوافه، و إن كان طاف ثلاثة أشواط لا يقدر على الطواف فهذا ممّا غلب اللّه عليه، فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما أو يومين، فإن خلّته العلّة عاد فطاف أسبوعا، فإذا طالت عليه أمر من يطوف عنه أسبوعا، و يصلّي هو الركعتين و يسعى عنه و قد خرج من إحرامه، و كذلك يفعل في السعي و في رمي الجمار» «2».

فإنّ قوله: «فقد تمَّ طوافه» في قوّة التعليل للحكم بالإتمام، كذا قيل «3».

و فيه نظر، لجواز أن يكون قوله: «فقد تمَّ» تفريعا على الأمر بالطواف عنه، و حينئذ لا يكون تعليلا.

و تدلّ عليه أيضا- فيما إذا بقي الشوط الواحد- صحيحتا الحلبي «4» المتقدّمتين في مسألة إدخال الحجر.

و صحيحة الحسين بن عطيّة: عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط، قال أبو عبد اللّه عليه السلام «و كيف طاف ستّة أشواط؟» قال: استقبل الحجر

______________________________

(1) التهذيب 5: 393- 1371، الاستبصار 2: 313- 112، الوسائل 13: 456 أبواب الطواف

ب 86 ح 1.

(2) الكافي 4: 414- 5، التهذيب 5: 124- 407، الاستبصار 2: 226- 783، الوسائل 13: 386 أبواب الطواف ب 45 ح 2.

(3) انظر الرياض 1: 411.

(4) الاولى في: الفقيه 2: 249- 1197، مستطرفات السرائر: 34- 41، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1. الثانية في: التهذيب 5: 109- 353، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 105

و قال: اللّه أكبر و عقد واحدا، فقال: «أبو عبد اللّه عليه السلام: «يطوف شوطا»، قال سليمان: فإنّه فاته ذلك حتى أتى أهله، قال: «يأمر من يطوف عنه» «1».

و تؤيّدها الأخبار الواردة في الحائض، الفارقة فيها بين مجاوزة النصف و عدمها «2».

و لا معارض لشي ء مما ذكر، سوى إطلاق صحيحة البختري الاولى «3»، و صحيحة الحلبي: «إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثمَّ اشتكى أعاد الطواف، يعني الفريضة» «4».

و هي و إن وردت في الاشتكاء لكنّها تجري في العمد بالأولويّة، اللازم تقييده بالنصف و ما دونه، لما مرّ.

و لا ينافي ما مرّ أيضا قوله في مرسلة النخعي و جميل: «و إن كان طواف فريضة» إلى آخره «5»، لأنّ المراد أنّه لم يبن في الشوط و الشوطين، و لا أقلّ من احتماله.

خلافا للآخرين، فأوجبوا الاستئناف مع العمد حينئذ أيضا، لأصالة وجوب الموالاة، و استصحاب الاشتغال، و إطلاق الصحيحتين الأخيرتين.

و يضعّف الأولان: بعدم ثبوت الموالاة مطلقا، و لا الاشتغال بغير مطلق الطواف، و مع التسليم يندفع الأصل و الاستصحاب بما مرّ.

______________________________

(1) الكافي 4: 418- 9، الفقيه 2: 248- 1194، التهذيب 5: 109- 354، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 32 ح 1، و في الجميع: عن الحسن بن عطية.

(2)

كما في الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85.

(3) المتقدمة في ص: 100.

(4) الكافي 4: 414- 4، الوسائل 13: 386 أبواب الطواف ب 45 ح 1.

(5) راجع ص: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 106

و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب أو لا.

و الرابع: بعدم ثبوت الحكم في الأصل للمعارض كما يأتي، مع أنّ الإطلاقين معارضان بإطلاق البناء في غيرهما كما مرّ، فلو لا الترجيح يلزم الرجوع إلى أصالة بقاء صحّة ما مرّ و عدم وجوب الاستئناف، مع أنّ الترجيح للبناء، لخصوصيّة كثير منها مطلقا، و أكثريّة أخباره «1».

و الثالث و الرابع، السابقان. إلّا أنّهما يكونان عن سهو أو نسيان، و الحكم فيهما كالعمد بعينه بلا خلاف في أولهما، و على الأظهر الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر في ثانيهما «2».

إلّا إذا كان التذكّر بعد الدخول في السعي، فيبني مطلقا، سواء كان قبل النصف أو بعده.

أمّا الأول: فلظاهر الإجماع، و ظاهر إطلاق صحيحة البختري الاولى، و صحيحة أبان بن تغلب «3»، الخالي عن المعارض، بضميمة الإجماع المركّب في الزائد عن الشوطين إلى الثانية.

و أمّا الثاني: فلثبوته في العمد بما مرّ بضميمة الأولويّة، و الإجماع المركّب، و إطلاق صحيحة البختري السابقة في إدخال الحجر «4»، و العلّة المنصوصة في رواية الأعرج، الخالية جميعا عن المعارض، المؤيّدة بثبوتها في الحائض و المحدث و المريض كما يأتي.

و تدلّ عليه أيضا صحيحتا الحلبي المشار إليهما «5»، و صحيحة

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.

(2) انظر الرياض 1: 411.

(3) المتقدمتان في ص: 100.

(4) راجع ص: 72.

(5) في ص: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 107

الحسين بن عطيّة، فيما إذا كان الباقي شوطا واحدا.

خلافا للتهذيب و

النهاية و التحرير و التذكرة و المدارك و الذخيرة، فاقتصروا هنا في البناء على ما إذا بقي الشوط الواحد خاصّة «1»، لصحاح الحلبي و ابن عطيّة، و حكموا بالاستئناف في غيره، لأصالة وجوب الموالاة، و استصحاب الاشتغال، و الأخبار المتقدّمة الواردة فيمن وجد خلوة في البيت «2».

و جواب الأولين قد مرّ. و الثالث وارد في العمد و جوابه قدر مرّ. مع أنّ أكثرها وارد في الأقلّ من النصف.

و أمّا الثالث: فوفاقا للمحكيّ عن التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و النافع و المنتهى و التذكرة «3»، و بعض المتأخّرين ناسبا له إلى المشهور «4»، لموثّقة إسحاق: رجل طاف بالكعبة ثمَّ خرج فطاف بين الصفا و المروة، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد ترك من طوافه بالبيت، قال: «يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه، ثمَّ يرجع الى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي» «5»، و مثلها الأخرى «6».

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و القواعد و اللمعتين و في الشرائع

______________________________

(1) التهذيب 5: 109، النهاية: 237، التحرير 1: 99، التذكرة 1: 364، المدارك 8: 149، الذخيرة: 637.

(2) كما في الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.

(3) التهذيب 5: 109، النهاية: 237، السرائر 1: 575، التحرير 1: 99، النافع:

94، المنتهى 2: 697، التذكرة 1: 364.

(4) المفاتيح 1: 376.

(5) الكافي 4: 421- 1، الفقيه 2: 252- 1217، و في التهذيب 5: 130- 328 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.

(6) الكافي 4: 418- 8، الفقيه 2: 248- 1190، التهذيب 5: 109- 355، الوسائل 13: 358 أبواب الطواف ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 108

و الإرشاد، فقيّدوا البناء بصورة التجاوز عن النصف، و

أوجبوا مع عدمه الاستئناف «1»، لبعض ما مرّ.

و فيه نظر، لكون الموثّقة أخصّ مطلقا.

و الخامس و السادس، السابقان. إلّا أنّه يكون عن عذر، كحدث أو مرض، و الحكم فيهما كالأولين بعينه، فيعيد قبل مجاوزة النصف و يبني بعدها، و لا أعلم فيه خلافا، بل عن المنتهى: الإجماع في الحدث «2»، و قيل في المرض: إنّه ممّا قطع به الأصحاب «3».

و تدلّ عليه من الأخبار روايتا الأعرج و إسحاق المتقدّمتين «4»، و مرسلة ابن أبي عمير في المحدث في أثناء الطواف «5»، و روايات أبي بصير «6» و أحمد بن عمر «7» و إسحاق بيّاع اللؤلؤ «8» و إبراهيم بن إسحاق في الحائض فيه «9»، و الرضوي في الحائض و المعتلّ «10».

______________________________

(1) المبسوط 1: 357، القواعد 1: 83، الروضة 2: 251، الشرائع 1: 268، الإرشاد 1: 326.

(2) المنتهى 2: 697.

(3) كما في الذخيرة: 637.

(4) في ص: 103 و 104.

(5) الكافي 4: 414- 2، التهذيب 5: 118- 384، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 ح 1.

(6) الكافي 4: 448- 2، التهذيب 5: 395- 1377، الاستبصار 2: 315- 1118، الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85 ح 1.

(7) الكافي 4: 449- 3، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.

(8) الكافي 4: 449- 4، التهذيب 5: 393- 1370، الاستبصار 2: 313- 1111، الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2.

(9) الفقيه 2: 241- 1155، الوسائل 13: 455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.

(10) فقه الرضا (عليه السلام): 231، مستدرك الوسائل 9: 405 أبواب الطواف ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 109

خلافا للفقيه، فيجوّز للحائض البناء في القسمين و إن جوّز الإعادة

في الأول «1»، لصحيحة محمّد: عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثمَّ رأت دما، قال: «تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت منه و اعتدّت بما مضى» «2».

و يجاب عنه: بالشذوذ أولا، و بأخصّية الروايات السابقة في الحائض عنها ثانيا، لاختصاصها بالفريضة بقرينة إيجاب الاستئناف المختصّ بالفرض، فتبقى الصحيحة في النفل خاصّة.

و للمدارك، فجعل الاستئناف مطلقا أولى «3»، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «4» الواردة في الاشتكاء.

و يجاب عنها: بالأعميّة المطلقة الموجبة للتخصيص قطعا، و ضعف الروايات الفارقة- سيّما بعد الانجبار بما ذكر- غير مضرّ.

و السابع و الثامن، السابقان. إلّا أنّه يكون لدخول وقت الفريضة و إن لم يتضيّق، و الحكم فيهما البناء مطلقا، تجاوز النصف أم لا، وفاقا للمحكيّ عن الإصباح و النهاية و الجامع و السرائر و المهذّب و الغنية و النافع و الحلبي و التحرير و المنتهى و التذكرة «5»، و عنهما دعوى الإجماع.

______________________________

(1) الفقيه 2: 241.

(2) الفقيه 2: 241- 1153، التهذيب 5: 397- 1380، الاستبصار 2: 317- 1121، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3.

(3) المدارك 8: 155.

(4) في ص: 105.

(5) النهاية: 239، الجامع للشرائع: 198، السرائر 1: 573، المهذّب 1: 232، الغنية (الجوامع الفقهية): 579، النافع: 93، الحلبي في الكافي في الفقه: 195، التحرير 1: 99، المنتهى 2: 698، التذكرة 1: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 110

و تدلّ عليه صحيحة ابن سنان في مطلق الطواف «1»، و حسنة هشام في الفريضة منه «2».

بل و كذلك صلاة الوتر إذا خيف طلوع الفجر، لصحيحة البجلي «3»، و لا يعارضها فيما قبل النصف مفهوم التعليل المتقدّم، إذ لا يعتبر مفهوم العلّة إلّا بواسطة الأصل اللّازم دفعه بما ذكر.

خلافا للّمعتين

و الدروس، ففرّقا بين المجاوز عن النصف و عدمه «4»، و لعلّه لتعارض المفهوم المذكور ردّه.

و التاسع و العاشر، السابقان .. إلّا أنّه يكون لمشاهدة خبث في الثوب أو البدن، و الظاهر أنّهما كالثامن، كما صرّح به بعضهم «5»، لموثّقتي يونس ابن يعقوب «6»، المتقدّمتين في مسألة اشتراط إزالة الخبث، و رواية حبيب «7» المتقدّمة في مسألة من طاف ثمَّ علم في ثوبه أو بدنه نجاسة.

الأقسام العشرة الباقية، الأقسام المتقدّمة، إلّا أنّها تكون في الطواف النافلة.

______________________________

(1) الكافي 4: 415- 3، الفقيه 2: 247- 1184، التهذيب 5: 121- 396، الوسائل 13: 384 أبواب الطواف ب 43 ح 2.

(2) الكافي 4: 415- 1، التهذيب 5: 121- 395، الوسائل 13: 384 أبواب الطواف ب 43 ح 1.

(3) الكافي 4: 415- 2، الفقيه 2: 247- 1186، التهذيب 5: 122- 397، الوسائل 13: 385 أبواب الطواف ب 44 ح 1.

(4) الروضة 2: 251، الدروس 1: 395.

(5) انظر الحدائق 16: 198.

(6) الاولى في: التهذيب 5: 126- 415. الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.

الثانية في: الفقيه 2: 246- 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.

(7) الفقيه 2: 247- 1188، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 111

قال بعضهم: لا خلاف في البناء فيه مطلقا من غير فرق بين تجاوز النصف و عدمه «1».

و منهم من أطلق في التفصيل المذكور «2» و لم يقيّد بالواجب إلّا في بعض الأقسام المذكورة.

و صريح صحيحة أبان «3» و مرسلة النخعي و جميل «4»، البناء في الأقلّ من النصف في النافلة في الخروج للحاجة، و الظاهر كون السهو أيضا كذلك، للأولويّة، و الإجماع

المركب، بل و كذلك الحدث و العلّة، لاختصاص الأمر بالإعادة في الأقلّ من النصف في أخبارهما بالفريضة، بل و كذلك الحائض كما أشرنا إليه، فتبقى النافلة تحت أصالة بقاء صحّة ما فعل و عدم الأمر بالاستيناف.

فروع:
أ: المصرّح به في كلام الأكثر في الفارق بين الإعادة و البناء

في صور الفرق: مجاوزة النصف و عدمها «5»، و في كلام بعضهم: البلوغ أربعة أشواط و عدمه «6»، و فسّر بعضهم الأول بالثاني «7»، و أكثر الأخبار الفارقة تتضمن الأول، و بعضها الوارد في بعض الأقسام يتضمّن الثاني، لكنّه لا يدلّ على

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 417.

(2) كما في التحرير 1: 99، و الرياض 1: 411.

(3) المتقدّمة في ص: 100.

(4) المتقدّمتين في ص: 102.

(5) انظر النهاية: 239، و الجامع للشرائع: 198.

(6) كما في المنتهى 2: 698.

(7) كما في المدارك 8: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 112

أنّه الفارق، بل يحتمل أن يكون ذكره لكونه من أفراد الأول.

فالظاهر أنّ المناط هو الأول مطلقا و لو لم يبلغ الأربعة، إلّا أنّ يثبت إجماعهم على إرادة الثاني من الأول، و لم يثبت لي.

ب: هل يجزئ الاستئناف حيث يحكم بالبناء؟

لا ينبغي الريب فيه، لصدق الامتثال.

نعم، قد يستشكل في أنّه هل يترتّب عليه إثم، أم لا؟

ظاهر أخبار البناء: الثاني، لعدم دلالة شي ء منها على وجوبه، غايتها الرجحان.

نعم، في قوله: «بئس ما صنعت» في رواية حبيب المتقدّمة «1» دلالة عليه، و لكن لا تكون ذمّته مشغولة بشي ء بعده. و الأحوط ترك الاستئناف.

ج: حيث ما يبني، هل يبني من موضع القطع، أو من الركن؟

الأظهر: الأول، كما صرّح به في روايتي أبي غرّة و أبي الفرج «2»، و روايتي أبي بصير و أحمد بن عمر «3»، الواردتين في الحائض في الأثناء.

و أمّا ما في صحيحة ابن عمّار «4»، المتقدّمة- الواردة في اختصار الحجر الآمرة بالإعادة من الحجر الأسود- فلعلّه لبطلان ما جاء به من الطواف رأسا للاختصار، مع أنّ ثبوت الحكم فيه بالنصّ لا يوجب قياس غيره به.

و منهم من قال بالتخيير «5»، جمعا بين الروايات و الصحيحة، و هو كان

______________________________

(1) في ص: 98.

(2) المتقدمتين في ص: 103.

(3) المتقدمتين في ص: 108.

(4) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

(5) كما في الرياض 1: 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 113

حسنا لو ثبت اتّحاد جميع الموارد.

و احتاط في التحرير و المنتهى بالثاني «1». و فيه: أنّه يوجب الزيادة المنافية للاحتياط.

د: لو كان نقص الطواف سهوا و تذكّر بعد ركعتي الطواف،

فهل يعيدهما بعد إعادة الطواف أو البناء، أم لا؟

صرّح في المدارك بالثاني في صورة التذكّر في أثناء السعي «2»، استنادا إلى عدم الأمر بإعادتهما مع الأمر بالبناء، و لكون البناء بعد بعض أشواط السعي، و الصلاة متقدّمة على السعي.

و الأحوط إعادة الركعتين في غير هذه الصورة.

ه: جميع ما ذكر من أقسام الإعادة في غير المحدث إنّما هو فيما إذا خرج عن المطاف،

و أمّا إذا لم يخرج فالظاهر عدم الإعادة، بل البناء مطلقا، بناء على ما ذكرنا من عدم ثبوت وجوب الموالاة، و اختصاص أخبار الإعادة بالخروج عنه.

المسألة السادسة: من شكّ في عدد أشواط الطواف،

فإن كان بعد الفراغ الحاصل باعتقاد التمام و الدخول في غيره فلا شي ء عليه و لا إعادة- كسائر العبادات- بالإجماع، له و لانتفاء العسر و الحرج، و لما مرّ في كتاب الطهارة و الصلاة.

و قد يستدلّ أيضا بصحاح ابن حازم و محمّد و ابن عمّار و رفاعة:

الأولى: عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة؟

قال: «فليعد طوافه»، قلت: فاته، قال: «ما أرى عليه شيئا، و الإعادة أحبّ

______________________________

(1) التحرير 1: 99، المنتهى 2: 690.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    114     المسألة السادسة: من شك في عدد أشواط الطواف، ..... ص : 113

(2) انظر المدارك 8: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 114

إليّ و أفضل» «1».

و نحوها الثانية، إلّا أنّ فيها- بعد قوله: «فليعد طوافه»-: قيل: إنّه قد خرج وفاته ذلك، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

و نحوها الثالثة، إلّا أنّ فيها- بعد قوله: سبعة-: قال: «يستقبل»، قلت: ففاته ذلك، قال: «لا شي ء عليه» «3».

و الرابعة: «فإن طفت بالبيت طواف الفريضة و لم تدر ستّة طفت أو سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت و فاتك ذلك فليس عليك شي ء» «4».

و التقريب: عدم إمكان حملها على الأثناء، إذ لو كان فيه لوجب إمّا الإتيان بشوط آخر أو الاستئناف، للانحصار في القولين كما يأتي.

و لا قائل بعدم وجوب شي ء أصلا، إذ هو إمّا عن عمد أو جهل أو نسيان، و لكل حكم مضى تفصيله، إذ هو كترك الطواف بعضا أو كلا، فالحكم بعدم شي ء صريحا أوضح دليل على

إرادة الشكّ بعد الانصراف، و يكون الحكم بالإعادة للاستحباب و إن لم يظهر قائل به، لعدم اشتراط ظهور القائل فيه.

أقول: لا يخفى أنّ في هذا الحمل تخصيصا بما بعد الانصراف في قوله: «فلم يدر»، و تجوّزا في قوله: «فليعد».

و يمكن الحمل على الأثناء و ارتكاب التخصيص في عموم حال السائل الحاصل من ترك الاستفصال عمّا فعل من الاكتفاء بما فعل أو الإتيان بشوط آخر.

______________________________

(1) الكافي 4: 416- 1، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 8.

(2) التهذيب 5: 110- 356، الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33 ح 1.

(3) الكافي 4: 417- 3، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 10، بتفاوت يسير.

(4) الفقيه 2: 249- 1196، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 115

و لا شكّ أنّ التخصيص فقط أولى منه و من التجوّز، سيّما مع ظهور أنّه لم يكتف بما فعل، بل يبني على الأقلّ، كما هو الأصل في أمثال ذلك المحل، و المركوز في الأذهان عند العمل.

بل بيّنته صحيحة أخرى لابن حازم: إنّي طفت فلم أدر ستّة طفت أو سبعة، فطفت طوافا آخر، فقال: «هلّا استأنفت؟» قلت: قد طفت و ذهبت، قال: «ليس عليك شي ء» «1».

و لو سلّم فلا شكّ في أنّه من المحتمل لا أقلّ، فيدخل الأخبار في باب المجمل.

و إن كان في الأثناء، فإن تيقّن السبعة و شكّ في الزيادة فقط قطع طوافه و صحّ بلا خلاف، لأصالة عدم الزيادة، و لصحيحة الحلبي، عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أو ثمانية؟ فقال: «أمّا السبعة فقد استيقن، و إنّما وقع و همه على الثامن، فليصلّ ركعتين» «2».

و

موثّقته: رجل طاف فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية، فقال: «يصلّي ركعتين» «3».

قيل: هذا إذا كان على منتهى الشوط، و أمّا لو كان في أثنائه بطل طوافه، لتردّده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا، و القطع المحتمل للنقيصة «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 110- 358، الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33 ح 3.

(2) التهذيب 5: 114- 370، الاستبصار 2: 220- 756، الوسائل 13: 368 أبواب الطواف ب 35 ح 1.

(3) التهذيب 5: 113- 368، الاستبصار 2: 219- 754، الوسائل 13: 368 أبواب الطواف ب 35 ح 2.

(4) كما في المسالك 1: 123، الرياض 1: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 116

و فيه أولا: منع كون الزيادة المحتملة محذورا، و إلّا للزم في منتهى الشوط أيضا، مع أنّها لا تكون عمدا.

و ثانيا: منع التردّد بين الاثنين، لجواز إتمام الشوط، بل يقول به من يقول بالبناء على السبعة حينئذ أيضا لا محالة، فلا يحتمل النقص.

و لذا ذهب في المدارك و الذخيرة إلى أنّه كمنتهى الشوط «1»، و معهما الأصل قطعا و الروايتان احتمالا، حيث إنّه يصحّ إطلاق قوله: طاف سبعة، إذا كان في أثناء السابع، كما وقع في أخبار الشكّ بين ركعات الصلاة، و إن كان الظاهر منه إتمامه.

فإن قيل: الأصل يفيد لو لم يكن له معارض، و هو هنا موجود، و هو رواية أبي بصير: عن رجل شكّ في طواف الفريضة، قال: «يعيد كلّما شكّ»، قلت: جعلت فداك، شكّ في طواف نافلة، قال: «يبني على الأقلّ» «2».

و المرهبي: رجل شكّ في طوافه ستّة طاف أم سبعة، قال: «إن كان في فريضة أعاد كلّما شكّ فيه، و إن كان في نافلة بنى على ما هو أقلّ»

«3».

قلنا: هما غير ناهضين لإثبات وجوب الإعادة.

و أمّا الجواب باحتمال جعل «ما» موصولة و كونها في الكتابة عن لفظ «كلّ» مفصولة ليصير المعنى إعادة الشوط المشكوك فيه.

فغير صحيح، لإيجابه عدم تحقّق فرق بين شقّي الترديد.

______________________________

(1) المدارك 8: 178، الذخيرة: 639.

(2) الكافي 4: 417- 4، التهذيب 5: 113- 369، الاستبصار 2: 219- 755، الوسائل 13: 417- 362، أبواب الطواف ب 33 ح 12.

(3) التهذيب 5: 110- 359، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 117

و إن كان الشكّ في الأثناء في النقيصة- كأنّ شكّ بين ستّة و سبعة- وجبت إعادة الطواف في الفريضة، وفاقا للصدوق و الشيخ و القاضي و الحلّي و الفاضلين «1»، بل هو المشهور، كما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه «2»، بل عن الغنية الإجماع عليه «3».

لا للصحاح الأربع الأولى المتقدّمة، لما عرفت من إجمالها، بل استدلّ [بها] «4» بعضهم على عدم وجوب الإعادة «5»، كما يأتي.

و لا لروايتي أبي بصير و المرهبي السابقتين.

و صحيحتي الحلبي «6»، و ابن عمّار «7»: في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة، قال: «يستقبل».

و موثقة أبي بصير: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية، قال: «يعيد طوافه حتى يحفظ» «8».

لقصور الكلّ عن إفادة الوجوب.

بل لصحيحة رفاعة: في رجل لا يدري ستّة طاف أو سبعة، قال:

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 85، الشيخ في التهذيب 5: 110، القاضي في المهذب 1: 238، الحلي في السرائر 1: 572، المحقق في الشرائع 1: 270 و المختصر النافع: 94، العلّامة في المختلف: 289 و القواعد 1: 83.

(2) المدارك 8: 179، الذخيرة: 639، المفاتيح

1: 371.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(5) انظر الرياض 1: 416.

(6) الكافي 4: 416- 2، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 9.

(7) الكافي 4: 417- 3، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 10.

(8) الكافي 4: 417- 6، التهذيب 5: 114- 371، الوسائل 13: 362 أبواب الطواف ب 33 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 118

«يبني على يقينه»، و سأله رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال:

«طواف نافلة أو فريضة؟» قال: أجبني فيهما جميعا، قال: «إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، و إن كان طواف فريضة فأعد الطواف» «1».

و لا يضرّ صدرها، لوجوب تخصيصها بالنافلة، أو إرادة الإعادة من البناء على اليقين لخصوص ما بعده.

و صفوان: عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحد منهم لصاحبه:

تحفظوا الطواف، فلمّا ظنّوا أنّهم قد فرغوا قال واحد: معي سبعة أشواط، و قال الآخر: معي ستّة أشواط، و قال الثالث: معي خمسة أشواط، قال: «إن شكّوا كلّهم فليستأنفوا، و إن لم يشكّوا و علم كلّ واحد ما في يده فليبنوا» «2».

و موثقة حنّان: ما تقول في رجل طاف فأوهم فقال: طفت أربعة، و قال: طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أيّ الطوافين كان طواف نافلة أو طواف فريضة؟» ثمَّ قال: «إن كان طواف فريضة فليلق ما في يده و ليستأنف، و إن كان طواف نافلة فاستيقن الثلاث و هو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن على الثالث، فإنّه يجوز له» «3».

خلافا للمحكيّ عن المفيد و والد الصدوق و الإسكافي و الحلبي «4»

______________________________

(1) الفقيه 2: 249- 1195 و 1196، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب

33 ح 5 و 6.

(2) الكافي 4: 429- 12، التهذيب 5: 134- 441، الوسائل 13: 419 أبواب الطواف ب 66 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 417- 7، التهذيب 5: 111- 360، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 7.

(4) المفيد في المقنعة: 440، و حكاه عن والد الصدوق و الإسكافي في المختلف:

289، الحلبي في الكافي: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 119

و جماعة من المتأخّرين- منهم: المدارك و المفاتيح «1»- فقالوا بالبناء على الأقلّ و إن استحبّ الإعادة.

و احتجّوا له بالصحاح الأربع الأولى- حيث إنّ نفي الشي ء عليه بعد الفوات يدلّ على استحباب الأمر بالإعادة- و بصدر صحيحة رفاعة المذكورة، و بصحيحة ابن حازم الثانية.

أقول: أمّا الصحاح الأربع فتضعّف بما مرّ من الإجمال، فإنّ لكلّ منها أربعة احتمالات: الحمل على ما بعد الفراغ مع حمل الأمر على الاستحباب، و على الأثناء مع الحمل على الاستحباب أيضا، و مع حمله على الوجوب و تخصيص نفي الشي ء بما بعد فوات الوقت، كما جوّزه بعض شرّاح المفاتيح.

و عليه يكون في المسألة قول ثالث، إلّا أنّ الظاهر أنّه خرق للإجماع، و إبقاء نفي الشي ء على ظاهره و القول بأنّ عدم العلم بتأويل جزء من الحديث لا يضرّ في الاستدلال بالآخر.

و على هذا، فلا يمكن الاستدلال بها لشي ء من القولين أو الأقوال.

هذا، مع أنّ الأخيرة من الأربع محتملة كونها من كلام الصدوق دون جزء الحديث، كما قيل «2».

و أمّا الأخيرتان فلا شكّ في عمومهما مطلقا بالنسبة إلى ما ذكرنا، لشمولهما للنافلة و اختصاص أكثره بالفريضة، فيجب التخصيص. و حمل الخاص على التجوّز و إن كان ممكنا إلّا أنّ التخصيص مقدّم في نحو هذه الصورة من التعارض.

______________________________

(1) المدارك

8: 179- 181، المفاتيح: 1: 372.

(2) انظر الرياض 1: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 120

ثمَّ لا يخفى أنّ الدالّ من هذه الأخبار على وجوب الإعادة مخصوص بما إذا كان الشكّ في النقص خاصّة.

و هنا صورة أخرى: هي الشكّ في النقص و الزيادة معا، كأنّ يشكّ بين الستّة و السبعة و الثمانية، أو الستة و الثمانية، بأن يعلم زوجية الشوط و لكن لا يعلم أنّه السادس أو الثامن، و لا يظهر حكمها من غير روايتي أبي بصير و المرهبي و موثّقة أبي بصير، و هي- كما مرّ- غير صريحة في الوجوب.

و كلام القوم أيضا مخصوص بالشكّ في النقص خاصّة على الظاهر و إن كان المحتمل إرادتهم ما اشتمل على احتمال النقص، و لكنّه ليس مقطوعا به بحيث يثبت به الإجماع المركب.

و على هذا، فيكون مقتضى الأصل- و هو البناء على الأقلّ الثابت بقاعدة عدم نقض اليقين بالشكّ- باقيا فيها على حاله، فيلزم الحكم به، إلّا أنّ احتمال الإجماع المركّب و دلالة الأخبار الثلاثة المذكورة على جواز الاستئناف و كونه موافقا للاحتياط يرجّح الأخذ به.

هذا كلّه في طواف الفريضة.

و أمّا النافلة، فيجوز فيها البناء على الأقلّ مطلقا بلا خلاف، و تدلّ عليه صحيحة رفاعة، و موثّقة حنّان، و روايتا أبي بصير و المرهبي، جميعا.

و يجوز البناء على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على السبعة، وفاقا للمنتهى و التذكرة و التحرير و الشهيد الثاني «1» و بعض آخر «2»، لصحيحة

______________________________

(1) المنتهى 2: 699، التذكرة 1: 365، التحرير 1: 99، الشهيد الثاني في الروضة 2: 252، المسالك 1: 123.

(2) انظر الحدائق 16: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 121

رفاعة الخالية عن المعارض رأسا.

لأنّ الموثّقة و إن

أمر بالبناء على الأقلّ، إلّا أنّ قوله بعده: «فإنّه يجوز له» قرينة على ارادة الجواز منه. و الروايتان خاليتان عن الدالّ على الوجوب.

و التشكيك- في كون قوله: «فابن على ما شئت» من صحيحة رفاعة و جعله خبرا مرسلا آخر، كما احتمله جمع «1»- خلاف الظاهر، و لو سلّم فلا يضرّ، لحجّيته عندنا أيضا.

المسألة السابعة: يجب أن يكون الطواف للعمرة أو الحجّ قبل السعي

إجماعا بل ضرورة، كما تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار «2»، بل المتواترة الواردة في الموارد المتكثّرة، كالأخبار الفعليّة، و الواردة في وجوب إعادة الطواف على من قدّم السعي و لو نسيانا، و المتضمّنة للفظة «ثمَّ» الدالّة على الترتيب.

و قوله في دعاء الطواف الوارد في صحيحة ابن عمّار: «اللّهم إنّي أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي» «3»، إلى غير ذلك.

و يجي ء للمسألة بيان أيضا في آخر مسائل السعي.

المسألة الثامنة: من ترك طواف العمرة أو الحجّ
اشاره

فإمّا يكون عمدا أو جهلا أو نسيانا، فإن كان عمدا بطلت عمرته أو حجه، و وجبت عليه إعادة العمرة أو الحجّ، بلا ريب كما في المدارك «4»، بل بلا خلاف كما صرّح به

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 640، و الحدائق 16: 235، 239، و الوسائل 13: 360.

(2) الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.

(3) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.

(4) المدارك 8: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 122

جماعة «1»، بل بالإجماع المحقّق، له، و لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت عهدة التكليف، و لفحوى ما دلّ على الإعادة بتركه جهلا، كما يأتي.

و كذا إن كان جهلا، وفاقا للأكثر «2»، للأصل المتقدّم الخالي عن المعارض، المعتضد بصحيحة ابن يقطين: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: «إن كان على وجه جهالة في الحجّ أعاد و عليه بدنة» «3».

و رواية علي بن أبي حمزة: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: «إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحجّ و عليه بدنة» «4»، و في بعض النسخ: «سهى» مقام: «جهل» في السؤال «5».

و مقتضى الروايتين: وجوب بدنة عليه أيضا، كما

حكي عن الشيخ و الأكثر «6»، و أفتى به جمع ممّن تأخر «7»، و هو الأظهر، لما مرّ.

و بعض الأخبار النافية لها على المواقع جهلا، و هو صحيحة ابن عمّار: عن متمتّع وقع على أهله و لم يزر، قال: «ينحر جزورا، و قد

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 703، السبزواري في الذخيرة: 625، الفيض في المفاتيح 1: 365.

(2) كما في النافع: 94، و الجامع للشرائع: 199، و كفاية الأحكام: 66.

(3) التهذيب 5: 127- 420، الاستبصار 2: 228- 787، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 1.

(4) التهذيب 5: 127- 419، الاستبصار 2: 228- 786، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 2 بتفاوت يسير.

(5) الفقيه 2: 256- 1240، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 2.

(6) التهذيب 5: 127، و الاستبصار 2: 228، و حكاه عن الأكثر في المدارك 8:

174، و المفاتيح 1: 366.

(7) منهم الكركي في جامع المقاصد 3: 201، السبزواري في الذخيرة: 625، صاحب الرياض 1: 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 123

خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء» «1».

فالمراد به: العالم و الجاهل بحرمة المواقعة من غير إرادة ترك الطواف، أو تركه سهوا بقرينة عدم الحكم صريحا بفساد الحجّ، و لا أقلّ من احتمالها لذلك.

خلافا للمحكيّ عن التنقيح، فظاهره عدم الوجوب «2»، للأصل، و شذوذ الروايتين، لعدم قائل بمضمونهما و ضعف سندهما.

و الكلّ فاسد، و الوجه واضح، و تعلّق البدنة لا يتوقف على المواقعة، و كذا لا يختصّ بطواف الحجّ، للإطلاق، و إن قيّدوه بهما في الناسي كما يأتي.

و إن كان نسيانا قضاه متى ذكره، و لا يبطل النسك

الذي أتى به إلّا السعي، فإنّه تجب إعادته لو تذكّر بعده قبل سائر النسك كما يأتي، بلا خلاف في الصحّة و القضاء، إلّا عن نادر يأتي، بل بالإجماع كما عن صريح الخلاف و الغنية «3» و ظاهر غيرهما «4».

أمّا الأول- أي الصحّة- فلصحيحة هشام: عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: «لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه» «5».

و علي: عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء،

______________________________

(1) الكافي 4: 378- 3، التهذيب 5: 321- 1104، الوسائل 13: 121 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.

(2) التنقيح 1: 506.

(3) حكاه عن الخلاف في الرياض 1: 416، الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) كما في المدارك 8: 177.

(5) الفقيه 2: 245- 1173، التهذيب 5: 282- 961، الوسائل 14: 291 أبواب العود إلى منى ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 124

كيف يصنع؟ قال: «يبعث بهدي، إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل عنه من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «1».

و حمل الأولى على طواف الوداع و الثانية على طواف النساء ارتكاب للتخصيص بلا مخصّص.

خلافا فيه للمحكيّ عن التهذيب و الاستبصار و الحلبي، فأبطلا الحجّ به «2»، للأصل، و الخبرين المتقدّمين في الجاهل.

و الأصل مدفوع بما مرّ، و الجاهل غير موضوع المسألة، و القياس باطل، مع أنّه قول شاذّ يمكن دعوى مخالفته للإجماع، لرجوع الشيخ عنه في كتبه المتأخرة، كالخلاف و المبسوط و النهاية «3».

و أمّا الثاني- أي القضاء- فللصحيحة الثانية، و لكن في دلالتها على الوجوب نظرا، إلّا أنّ الظاهر أنّ وجوب القضاء إجماعي، فهو

يكفي في إثباته.

و يمكن الاستدلال له بالعلّة المنصوصة في صحيحة ابن عمّار: عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت و يطوف، فإن مات فليقض عنه وليّه، فأمّا ما دام حيّا فلا يصلح أن يقضى عنه، و إن نسي رمي الجمار فليسا بسواء، الرمي سنّة و الطواف فريضة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 128- 421، الاستبصار 2: 228- 788، قرب الإسناد: 244- 969، مسائل علي بن جعفر: 106- 9، الوسائل 13: 405 أبواب الطواف ب 58 ح 1.

(2) التهذيب 5: 127، الاستبصار 2: 228، الحلبي في الكافي في الفقه: 195.

(3) حكاه عن الخلاف في الرياض 1: 416، المبسوط 1: 359، النهاية: 240.

(4) التهذيب 5: 253- 857، الاستبصار 2: 233- 807، الوسائل 13: 406 أبواب الطواف ب 58 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 125

يعني: إن نسي رمي الجمار جاز قضاؤه عنه و إن كان حيّا، لأنّه سنّة لم يجر له ذكر في القرآن، و ذلك بخلاف طواف البيت، فإنّه فريضة مذكورة في القرآن، فهما ليسا بسواء في الحكم، بل يجب عليه القضاء بنفسه.

و تجوز له مباشرة القضاء بنفسه إجماعا، بل يجب ذلك عليه على الأظهر الأشهر، إلّا إذا تعذّر الرجوع أو تعسّر فيستنيب من يقضي عنه، فإن مات و لم يقض يقضي عنه وليّه إمّا بنفسه أو بالاستنابة.

أمّا الأول- أي جواز مباشرته- فبالإجماع و الصحيحين الأخيرين، أمّا أولهما فمن جهة أنّ التوكيل لا يكون إلّا فيما يجوز للموكّل مباشرته، و أمّا ثانيهما فظاهر.

و أمّا الثّاني- أي وجوب مباشرته- فللصحيحة الأخيرة، فإنّ عدم الصلاحية يقتضي الفساد، كما بيّناه في موضعه.

و قد يستدلّ عليه أيضا بفحوى ما دلّ

على وجوب المباشرة في نسيان طواف النساء كما يأتي، و فحوى ما مرّ على وجوب قضاء ركعتي الطواف، اللتين هما من فروع الطواف و توابعه بنفسه.

و فيهما نظر، لمنع ثبوت الأولوية مع منع أصل الحكم في الأول.

خلافا فيه لبعض المتأخّرين، فجوّز الاستنابة مطلقا و لو مع القدرة على المباشرة «1»، لإطلاق صحيحة عليّ المتقدّمة.

و فيه: أنّه معارض بعموم العلّة المنصوصة في الصحيحة الأخيرة، فإنّها تدلّ على عدم جواز الاستنابة ما دام حيّا مطلقا، خرجت عنه صورة التعذّر بالصحيحة الأولى فيبقى الباقي.

______________________________

(1) كما في المدارك: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 126

نعم، مقتضاها كفاية التعذّر الحاصل بسبب العود من البلد، و لا بأس به، كما اختاره بعض المتأخّرين «1»، بمعنى: كفاية هذا القدر من العذر.

و الأكثر اعتبروا فيه الامتناع أو المشقّة التي لا تتحمّل عادة، لأنّه المتيقّن من إطلاق الصحيحة، حيث إنّه الفرد الغالب.

و فيه: منع الغلبة، فإنّ البلاد القريبة إلى مكّة كثيرة و من لا تشقّ عليه المعاودة فيها كثير.

و منهم من اعتبر في العود استطاعة الحجّ المعهودة «2». و هو ضعيف في الغاية.

و أمّا الثالث- أي جواز الاستنابة مع التعذّر أو التعسّر- فلا خلاف فيه من القائل بصحّة الحجّ، و عن الغنية: الإجماع عليه «3»، و تدلّ عليه صريحا صحيحة علي، و صريحها تساوي طوافي الحجّ و العمرة في ذلك، كما هو مقتضى إطلاق كلام جماعة، و لكن عن الأكثر الاقتصار على طواف الحجّ، و لا وجه له بعد عموم الحجّ.

و أمّا الرابع «4»، فللصحيحة الأخيرة.

فروع:
أ: يتحقّق ترك الطواف الموجب لبطلان الحجّ في صورة العمد بانقضاء وقته.

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير 1: 99، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 507، صاحب الرياض 1: 417.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 404.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) أي

قضاء الولي عنه بنفسه أو بالاستنابة إن مات و لم يقض.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 127

و هو يكون في طواف الحجّ بخروج ذي الحجّة قبل فعله.

و في طواف عمرة التمتّع بضيق الوقت عنها و عن الإحرام، بالحجّ و الوقوف.

و في طواف العمرة المجامعة لحجّ القران و الإفراد بخروج السنة، بناء على وجوب إيقاعها فيها.

و لكن في المدارك: أنّه غير واضح «1»، و في العمرة المجرّدة إشكال، إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف لها مطلقا حيث لم يوقّت، و البطلان بالخروج عن مكّة بنيّة الإعراض عن فعله.

و عن الشهيد الثاني تحقّق ترك الطواف في الجميع بنيّة الإعراض عنه «2».

و لا يخفى أنّ مع بقاء الوقت يمكن الإتيان بالمأمور به على وجهه، فينتفي مقتضى البطلان.

ب: هل يحصل التحلّل عمّا يتوقف على الطواف لمن نسي الطواف بالإتيان به

و لا يحصل بدون فعله، أو يتحلّل؟

مقتضى الاستصحاب- بل إطلاق الأخبار-: الأول.

و لو كان ترك الطواف بالعمد و بطلت مناسكه، ففي حصول التحلّل بمجرّد ذلك، أو البقاء على إحرامه إلى أن يأتي الفعل الفائت في محلّه لحصول التحلّل، أو حصول التحلّل بأفعال العمرة، أوجه، كما قال في الذخيرة «3»، و بالأخير قطع المحقّق الثاني «4».

______________________________

(1) المدارك 8: 173.

(2) الروضة 2: 257.

(3) الذخيرة: 626.

(4) في جامع المقاصد 3: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 128

ج: لو عاد لاستدراك الطواف بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكّة،

فهل يكتفي بذلك، أو يتعيّن عليه الإحرام ثمَّ يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟

وجهان، و لعلّ الأول أظهر، تمسّكا بمقتضى الأصل، و التفاتا إلى أنّ من نسي الطواف يصدق عليه أنّه في الجملة محرم.

د: لا كفّارة على تارك الطواف المواقع أهله قبل قضائه عمدا مطلقا،

على الأظهر الأشهر، للأصل الخالي عن الدافع بالمرّة.

و احتمل الشهيد ثبوتها «1»، لورودها في حديث الجاهل «2»، و أولويّتها في العامد.

و فيه: منع الأولويّة، لعدم معلوميّة العلّة.

و الاستدلال عليه بصحيحة ابن عمّار «3»- المتقدّمة في صدر المسألة- ضعيف، لما عرفت من عدم تضمّنها لترك الطواف، و من الإجمال في المراد من العالم، فيخرج عن محلّ النزاع.

و إن كان جهلا فعليه بدنة، كما مرّ وجهه.

و إن كان نسيانا، ففي وجوب الكفّارة عليه مطلقا، كما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و المهذّب و الجامع «4»، لصحيحة ابن عمّار و عليّ المتقدّمتين «5»، و صحيحة عيص: عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن

______________________________

(1) انظر الدروس 1: 403.

(2) المتقدّم في ص: 122.

(3) الكافي 4: 378- 3، التهذيب 5: 321- 1104، الوسائل 13: 121 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 9 ح 1.

(4) النهاية: 240، المبسوط 1: 359، المهذب 1: 223، الجامع للشرائع: 199.

(5) في ص: 123، 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 129

يزور البيت، قال: «يهريق دما» «1».

أو عدمها إلّا مع المواقعة بعد الذكر، كما عن السرائر و الشرائع و النافع و عن التذكرة و المختلف و المنتهى و الشهيدين «2»، و غيرهم «3»، بل الأكثر كما قيل «4»، للجمع بين ما مرّ و بين مرسلة الفقيه: «إن جامعت و أنت محرم» إلى أن قال: «و إن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك» «5».

و الصحيح المرويّ في العلل: في

المحرم يأتي أهله ناسيا، قال:

«لا شي ء عليه، إنّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس» «6».

بحمل الاولى على المواقعة بعد الذكر، أو بحملها على الاستحباب.

قولان، أجودهما: الأخير.

لا لما ذكر، لعدم ظهور شمول الروايتين لموضوع المسألة، فإنّه من ترك الطواف نسيانا، و ظاهرهما من نسي كونه محرما.

بل للأصل الخالي عن المعارض الصريح، لكون الأخبار المتقدّمة قاصرة عن إفادة الوجوب.

ثمَّ إيجاب الكفّارة على الناسي- على القول به- إنّما هو مع المواقعة دون ترك الطواف، كما كان في الجاهل، لاختصاص أدلّته على فرض

______________________________

(1) الكافي 4: 379- 4، التهذيب 5: 321- 1105 الوسائل 13: 122 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.

(2) السرائر 1- 574، الشرائع 1: 270، النافع: 94، التذكرة 1: 364، المختلف:

292، المنتهى 2: 703، الشهيد في الدروس 1: 405، الشهيد الثاني في المسالك 1: 123.

(3) كالرياض 1: 417.

(4) انظر كفاية الأحكام: 67، و الرياض 1: 417.

(5) الفقيه 2: 213- 969، الوسائل 13: 109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 5.

(6) علل الشرائع: 455- 14، الوسائل 13: 109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 130

التماميّة، و كذا قيّده الأكثر بطواف الحجّ، و لا وجه له بعد إطلاق الصحيحة الاولى و تصريح الثانية لو تمّت دلالتهما، و لذا حكي عن الجامع التعميم «1».

المسألة التاسعة: من طاف طواف فريضة ثمَّ ذكر أنّه لم يتطهّر

يجب عليه إعادة الطواف و صلاته، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و الظاهر أنّه إجماعيّ أيضا.

و أمّا طواف النافلة فلا يعيده، و لكن يتظهّر و يعيد الصلاة، لاشتراطها بالطهارة مطلقا.

المسألة العاشرة: من كان مريضا لا يمكنه الطواف بنفسه
اشاره

في وقته طيف به محمولا، فإن لم يتمكّن من أن يحمله أحد- لعدم استمساك طهارته المانع من دخول المسجد أو نحو ذلك من أنحاء العذر- طاف آخر نيابة عنه، فإنّ ذلك مجزي عن طوافه بنفسه، بلا خلاف في شي ء من الحكمين بين الأصحاب، كما في المدارك و المفاتيح و شرحه «2».

و الأخبار في هذا المورد كثيرة:

منها: صحيحة صفوان: عن الرجل المريض يقدم مكّة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت و لا يأتي بين الصفا و المروة، قال: «يطاف به محمولا يخطّ الأرض برجليه حتى تمسّ الأرض قدماه في الطواف، ثمَّ يوقف به في أصل الصفا و المروة إذا كان معتلّا» «3».

و موثّقة إسحاق: عن المريض المغلوب يطاف عنه بالكعبة؟ قال:

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 199.

(2) المدارك 8: 155، المفاتيح 1: 364.

(3) التهذيب 5: 123- 401، الاستبصار 2: 225- 777، الوسائل 13: 389 أبواب الطواف ب 47 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 131

«لا، و لكن يطاف به» «1».

و رواية الربيع: قال: شهدت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض، الحديث «2».

و مرسلة الفقيه: إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام مرض فأمر غلمانه أن يحملوه و يطوفوا به، فأمرهم أن يخطّوا برجله الأرض حتى تمسّ الأرض قدماه في الطواف «3».

و صحيحة حريز: عن رجل يطاف به و يرمى عنه، قال: فقال: «نعم، إذا كان لا يستطيع» «4».

و منها: الأخبار المستفيضة الواردة في السؤال عن إجزاء طواف الحامل للمريض

الطائف به عن نفسه المثبتة للمطلوب بالتقرير «5».

و منها: صحيحة أخرى لحريز: «المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه» «6».

و صحيحة ابن عمّار: «المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما الجمار» «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 268- 919، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 422- 1، التهذيب 5: 122- 398، الوسائل 13: 391 أبواب الطواف ب 47 ح 8 و فيه: شهدت أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام.

(3) الفقيه 2: 251- 1211، الوسائل 13: 392 أبواب الطواف ب 47 ح 10.

(4) التهذيب 5: 123- 402، الاستبصار 2: 225- 778، الوسائل 13: 389، أبواب الطواف ب 47 ح 3.

(5) انظر الوسائل 13: 395 أبواب الطواف ب 50.

(6) التهذيب 5: 123- 403، الاستبصار 2: 225- 779، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف 49 ح 1.

(7) الكافي 4: 422- 2، التهذيب 5: 124- 404، الاستبصار 2: 226- 780، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 132

و الأخرى: «الكسير يحمل فيرمي الجمار، و المبطون يرمى عنه و يصلّى عنه» «1».

و الثالثة ما روي أيضا: «رخصة في الطواف و الرمي عنهما» «2».

و الرابعة: «إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها».

و الخامسة: «إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليحرم عنها، و عليها ما يتّقى على المحرم، و يطاف بها أو يطاف عنها و يرمى عنها» «3».

و السادسة: «الكسير يحمل فيطاف به، و المبطون يرمي و يطاف عنه و يصلّى عنه» «4».

و صحيحة حبيب الخثعمي: «أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يطاف عن المبطون و الكسير» «5».

و

مرسلة الفقيه: و قد روى حريز رخصة في أن يطاف عنه- أي عن المريض و المغلوب- و عن المغمى عليه و يرمى عنه «6».

و صحيحة يونس: سقط من جمله فلا يستمسك بطنه، أطوف عنه و أسعى؟ قال: «لا، و لكن دعه، فإن برئ قضى هو، و إلّا فاقض أنت عنه» «7».

______________________________

(1) الفقيه 2: 252- 1215، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 7.

(2) الفقيه 2: 252- 1216، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 8.

(3) الرابعة و الخامسة نصّان لرواية واحدة كما في: التهذيب 5: 398- 1386، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 4 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 125- 409، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 6.

(5) التهذيب 5: 124- 405، الاستبصار 2: 226- 781، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 5.

(6) الفقيه 2: 252- 1214، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 2، بتفاوت.

(7) التهذيب 5: 124- 406، الاستبصار 2: 226- 782، الوسائل 13: 387 أبواب الطواف ب 45 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 133

و لا يخفى أنّ الأخبار الخمسة الأولى مع الأخبار التقريريّة ناصّة على جواز الطواف بالمريض بقول مطلق و لو كان مغلوبا.

(و كذا تدلّ صحيحة ابن عمّار السادسة على جواز الطواف بالكسير كذلك، و صحيحة حريز الثانية تدلّ على جواز الطواف عن المريض المغلوب و المغمى عليه) [1].

و كذا تدلّ صحيحة ابن عمّار الاولى و صحيحة الحبيب عن الكسير كذلك، و تدلّ صحيحتا ابن عمّار الاولى و الثانية و رواية الحبيب على الطواف عن المبطون.

و مقتضى الاستدلال: أن يخصّ المبطون بالطواف عنه، لخصوصيّة أخباره و عدم جواز إدخاله المسجد،

و أمّا غيره فإن أمكن الطواف به تعيّن، لدلالة الأخبار الأولى على جوازه مطلقا.

و أمّا الأخبار الأخر الدالّة على الطواف عنه فأمّا محمولة على غير المتمكّن، كما تشعر به صحيحتا ابن عمّار الثانية و السادسة، و تحتمله صحيحتاه الرابعة و الخامسة، بحمل لفظة «أو» على التقسيم.

أو محمولة على التخيير، كما هو الظاهر من الخبرين المتضمّنين للرخصة، و تحتمله الصحيحتان أيضا، بحمل لفظة «أو» على التخيير، و لكن على التقديرين تبرأ الذمّة بالطواف به.

و لا كذلك الطواف عنه حتى لا يثبت ذلك من خبري الرخصة أيضا، لأنّ تنكير الرخصة لا يفيد أزيد من نوع رخصة، فلعلّها في غير المتمكّن، فمقتضى أصل الاشتغال الطواف به، و تصرّح به موثّقة إسحاق، و فيها:

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ح» و «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 134

قلت: المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: «لا، و لكن يطاف به» «1»، و إن لم يتمكّن تعيّن الطواف عنه، لدلالة الأخبار الأخر على إجزائه مطلقا، سواء حملت على التخيير أو التقسيم و عدم إمكان الطواف به.

و اللّازم التربّص فيمن يطاف عنه، فإن حصل اليأس عن برئه في الوقت طيف عنه، كما صرّح به في صحيحة يونس، بل و كذلك من يطاف به.

فرع: و يصلّى عنه صلاة الطواف أيضا

إن لم يتمكّن بنفسه من الصلاة، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة.

المسألة الحادية عشرة: قد مرّ حكم الحائض قبل الطواف
اشاره

في بحث كيفيّة العمرة و الحجّ، و في أثناء الطواف في المسألة الخامسة.

و أمّا المستحاضة

فهي كالطاهرة إذا فعلت ما عليها.

تدلّ عليه صحيحة زرارة: «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحجّ، فلمّا قدموا مكّة و نسكوا المناسك و قد أتى لها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطوف بالبيت و تصلّي و لم ينقطع منها الدم ففعلت ذلك» «2».

و مرسلة يونس: «المستحاضة تطوف بالبيت و تصلّي و لا تدخل الكعبة» «3».

______________________________

(1) التهذيب 5: 268- 919، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 5.

(2) الكافي 4: 449- 1، التهذيب 5: 399- 1388، الوسائل 13: 462 أبواب الطواف ب 91 ح 1.

(3) الكافي 4: 449- 2، التهذيب 5: 399- 1389، الوسائل 13: 462 أبواب الطواف ب 91 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 135

و موثّقة البصري: عن المستحاضة أ يطأها زوجها، و هل تطوف بالبيت؟ قال: «تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل فلتدخل كرسفا، فإذا ظهر عن الكرسف فلتغتسل، ثمَّ تضع كرسفا آخر، ثمَّ تصلّي، فإذا كان دما سائلا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، و كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها، و لتطف بالبيت» «1».

______________________________

(1) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 136

الفصل الثالث في الثالث من أفعال العمرة، و هو ركعتا الطواف
اشاره

و هما من لوازم الطواف، يعني: أنّه يصلّي ركعتين بعد الطواف وجوبا في الطواف الواجب و استحبابا في المستحبّ، على

المعروف من مذهب الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «2»، و عن الخلاف: الإجماع على وجوبه «3».

و تدلّ عليه- بعد الآية المباركة «4»- الأخبار المتواترة:

منها: صحيحة ابن عمّار: «إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصل ركعتين و اجعله امامك، و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد- قل هو اللّه أحد- و في الثانية قل يا أيّها الكافرون، ثمَّ تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و سله أن يتقبّل منك، و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصلّيهما في أيّ ساعة من الساعات شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما» «5»، قوله: «ساعة تطوف» متعلّق بقوله: «فصلّهما».

______________________________

(1) كصاحب المدارك 8: 133، و الحدائق 16: 134 و الرياض 1: 406.

(2) المفاتيح 1: 372 و فيه ركعتا الطواف واجبتان عند أكثر أصحابنا.

(3) الخلاف 2: 327.

(4) و هي قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة: 125.

(5) الكافي 4: 423- 1، التهذيب 5: 286- 973، الوسائل 13: 300 أبواب الطواف ب 3 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 137

و قريبة منها موثّقته إلى قوله: «و أثن عليه» «1».

و صحيحة محمّد: عن رجل طاف طواف الفريضة ففرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال: «وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلّهما قبل المغرب» «2».

و منصور بن حازم: عن ركعتي طواف الفريضة، قال: «لا تؤخّرها ساعة، إذا طفت فصلّ» «3».

و رواية ميسر: «صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في

طي المسائل.

و في الخلاف و السرائر نقل قول بالاستحباب عن بعض الأصحاب «5»، و هو- مع شذوذه- مردود بالآية و الأخبار.

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: يجب إيقاعهما خلف مقام إبراهيم عليه السلام
اشاره

قريبا منه عرفا، وفاقا للصدوقين و الإسكافي و المصباح و مختصره و المهذّب للقاضي «6»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 136- 450، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3 و فيه إلى قوله: و اسأله ان يتقبّل منك.

(2) الكافي 4: 423- 3، الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76 ح 1.

(3) التهذيب 5: 141- 466، الاستبصار 2: 236- 820، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف ب 76 ح 5.

(4) التهذيب 5: 141- 465، الاستبصار 2: 236- 819، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف ب 76 ح 6.

(5) الخلاف 2: 327، السرائر 1: 576.

(6) الصدوق في الفقيه 2: 318، و الهداية: 58، و حكاه عن والد الصدوق و الإسكافي في المختلف: 291، المصباح: 624، المهذّب 1: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 138

و جماعة من المتأخّرين «1».

لصحيحة ابن عمّار و موثّقته المتقدّمتين، و صحيحة الحلبي: «إنّما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام» «2».

و مرسلة صفوان: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي الطواف الفريضة إلّا خلف المقام، لقول اللّه عزّ و جلّ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة» «3».

و الأخبار الآتية في نسيان الركعتين الآمرة بإعادتهما خلف المقام «4».

خلافا لظاهر من قال بوجوبه عنده الشامل للخلف و أحد الجانبين أيضا، كما عن الاقتصاد و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و شرحه و الجامع «5»، لأخبار مستفيضة جدّا

مشتملة على هذا اللفظ.

و يردّ بأنّه أعمّ من الخلف، فيجب تخصيصه به.

و أمّا من قال بوجوبه في مقام إبراهيم- كما في الشرائع و النافع و الإرشاد و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المراسم و التذكرة و التبصرة و التحرير و المنتهى «6».

______________________________

(1) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 250، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 87، و صاحب الحدائق 16: 135.

(2) التهذيب 5: 42- 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 5: 137- 451، الوسائل 13: 425 أبواب الطواف ب 72 ح 1، الآية:

البقرة: 125.

(4) الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.

(5) الاقتصاد: 303، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 230، جمل العلم و العمل:

109، شرح الجمل: 227، الجامع: 199.

(6) الشرائع 1: 236، النافع: 93، الإرشاد 1: 324، النهاية: 242، المبسوط 1:

360، الوسيلة: 172، المراسم: 110، التذكرة 1: 362، التبصرة: 68، التحرير 1: 98، المنتهى 2: 703.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 139

و غيرها «1»- فهو لا يخرج عن القولين، للقطع بأنّ أصل الصخرة- الذي هو المقام- لا يصلح للصلاة فيه، فالمراد: إمّا كونه عنده فيرجع إلى القول الثاني، أو في البناء المعدّ للصلاة، الذي هو وراء الموضع الذي فيه الصخرة بلا فصل- كما قيل «2»- فيرجع إلى الأول. و لو أريد غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.

نعم، في روايتين أنّه قال: «يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّي» «3»، و هو غير مفيد، لأنّ بعد العلم بأنّه ليس المراد نفس المقام يراد التجوّز، و لتعدّده يدخله الإجمال، فلا يعلم تنافيهما لما ذكر.

و كذا لا تنافيه صحيحة حسين: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا

من ظلال المسجد لكثرة الناس «4».

لجواز أن تكون الكثرة مانعة عن الخلف المتّصل، فيجوز التباعد حينئذ مع ضيق الوقت، مع أنّ الحيال يمكن أن يكون خلف المقام.

و لمن قال باستحبابه خلف المقام، فإن لم يفعل و فعل في غيره أجزأ، كما عن الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «5».

______________________________

(1) كالدروس 1: 396، و الرياض 1: 406.

(2) انظر جامع المقاصد 3: 196.

(3) الاولى في: الكافي 4: 426- 6، التهذيب 5: 138- 455، الاستبصار 2:

234- 810، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 5.

الثانية في: الفقيه 2: 254- 1228، التهذيب 5: 140- 462، الاستبصار 2:

234- 812، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 12.

(4) الكافي 4: 423- 2، الوسائل 13: 433 أبواب الطواف ب 75 ح 2، بتفاوت يسير.

(5) الخلاف 2: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 140

و لمن جعل محلّهما المسجد مطلقا، كما عن الحلبي «1». أو في خصوص طواف النساء، كما عن الصدوقين «2».

و لا دليل لهما سوى الأصل.

و عدم تماميّة دلالة الآية على تعيين عند المقام.

و إطلاق بعض الأخبار لمن نسيهما في فعله في مكانه «3».

و الرضوي المطابق لقول الصدوقين «4».

و الأول: مدفوع بما مرّ.

و الثاني: بأنّها مجملة يحكم عليها المفصّل.

و الثالث: بمعارضته مع أقوى منه كما يأتي.

و الرابع: بالضعف الخالي عن الجابر.

فروع:
أ: المقام الذي تجب الصلاة فيه أو خلفه أو عنده

هو حيث هو الآن لا حيث كان على عهد النبيّ و إبراهيم عليهما السلام، بلا خلاف يعلم، و تدلّ عليه صحيحة ابن أبي محمود «5»، المتقدّمة في بيان وجوب إخراج المقام عن الطواف.

ب: قالوا: إنّ هذا الحكم مخصوص بحال الاختيار،

و أمّا مع الاضطرار

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 158.

(2) الصدوق في الفقيه 2: 330، حكاه عن والده في المختلف: 291.

(3) انظر الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 222 و 223، مستدرك الوسائل 9: 414 أبواب الطواف ب 48 ح 1.

(5) الكافي 4: 423- 4، التهذيب 5: 137- 453، الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 141

فيجوز التباعد عنه، بلا خلاف يعلم، بل في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «1».

مع مراعاة الوراء أو أحد الجانبين مخيّرا، كبعضهم «2».

أو مرتّبا بتقديم الخلف- كآخر «3»- مع الإمكان.

و إن لم يمكن و خاف ضيق الوقت جاز فعلهما في أيّ موضع شاء من المسجد.

و زاد بعضهم في الصورتين مراعاة الأقرب فالأقرب «4».

و احتجّ لأصل جواز التباعد بصحيحة حسين المتقدّمة. و في دلالتها نظر كما مرّ.

و لمراعاة الأقرب بالأخبار الآمرة بفعلهما عنده «5». و لا دلالة لها، إذ لو كان التباعد بقدر لا يخرج عن العنديّة فيجوز مطلقا، و إن خرج فيخرج عن مدلول تلك الأخبار.

و لذا اقتصر بعض متأخّري المتأخّرين على المتيقّن «6»، و هو تجويز تخصيص التباعد بصورة عدم الإمكان و ضيق الوقت، و هو الأصحّ.

و يدلّ على سقوط اعتبار الخلف حينئذ اختصاص الأمر به بصورة الإمكان و لو بالتأخير قطعا، فلا أمر به عند عدم الإمكان، و تبقى إطلاقات إيقاع الصلاة خالية عن المقيّد.

و منه يظهر وجوب اعتبار العنديّة مع إمكانها و عدم

إمكان الخلف،

______________________________

(1) المفاتيح 1: 373.

(2) كما في الشرائع 1: 268.

(3) كما في الرياض 1: 406.

(4) انظر كشف اللثام 1: 339، و الدرّة النجفية: 183، و الرياض 1: 407.

(5) كما في الوسائل 13: 426 أبواب الطواف ب 73.

(6) كما في الرياض 1: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 142

و أمّا بعد سقوطهما فلا دليل على اعتبار الأقرب و لا المسجد.

ج: كلّ ما ذكر إنّما هو في صلاة طواف الفريضة،

و أمّا النافلة فلا يتعيّن لها قرب المقام بلا خلاف، و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «1»، بل هو إجماع محقّق.

و يدلّ عليه الأصل، و اختصاص الروايات المعيّنة لمحلّها خلف المقام أو عنده بالفريضة «2».

و خصوص رواية زرارة: «لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا عند مقام إبراهيم عليه السلام، و أمّا التطوّع فحيث شئت من المسجد» «3».

و ظاهرهم الاتّفاق على تعيّن المسجد لمحلّها، لهذه الرواية، و في دلالتها على الشرطية و التعيّن تأمّل.

بل قيل: إنّ ظاهر المرويّ في قرب الإسناد-: عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلّي الركعتين خارج المسجد، قال: «يصلّي بمكّة لا يخرج منها إلّا أن ينسى، فيصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف» «4»- جواز صلاة ركعتي الطواف النافلة- بل مطلقا- خارج المسجد بمكّة «5».

و هو أيضا لا يخلو عن تشويش في الدلالة من جهة تعيين المسجد في صورة النسيان.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 373.

(2) انظر الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71.

(3) الكافي 4: 424- 8، التهذيب 5: 137- 452، الوسائل 13: 426 أبواب الطواف ب 73 ح 1.

(4) قرب الإسناد: 212- 832، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 73 ح 4.

(5) انظر الرياض 1: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 143

و بالجملة: تعيين محلّ النافلة

وجوبا من الأخبار مشكل، إلّا أنّه لم نعثر على مجوّز لإيقاعها خارج المسجد، فالأحوط عدم التعدّي عن المسجد.

المسألة الثانية: من نسي ركعتي الطواف،
اشاره

قال: جماعة- بل هو الأشهر-: إنّه يجب عليه الرجوع إلى المقام مع الإمكان و عدم المشقّة و إتيانهما فيه «1»، لوجوب امتثال الأوامر الموجبة لهما فيه مطلقا.

و موثّقة عبيد: في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثمَّ طاف طواف النساء و لم يصلّ الركعتين حتى ذكر بالأبطح، فيصلي أربعا، قال: «يرجع فليصلّ عند المقام أربعا» «2».

و نحوها صحيحة محمّد، إلّا أنّ فيها: «يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّي» «3».

و رواية ابن مسكان: «إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصلّهما، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى » «4».

و صحيحة الحلّال: عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي الطواف الفريضة

______________________________

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 396، و الكركي في جامع المقاصد 3: 197، و صاحب المدارك 8: 134، و السبزواري في الذخيرة: 630، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 340.

(2) الكافي 4: 425- 3، التهذيب 5: 138- 456، الاستبصار 2: 234- 811، الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 7.

(3) الكافي 4: 426- 6، التهذيب 5: 138- 455، الاستبصار 2: 234- 810، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 5، بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 140- 463، الاستبصار 2: 234- 813، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 144

فلم يذكر حتى أتى منى، قال: «يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّيهما» «1»، و غير ذلك «2».

و لو تعذّر الرجوع أو شقّ عليه، صلّاهما حيث تذكّر، لوجوب الصلاة، و

عدم التكليف بما لا يطاق و يشقّ.

[و] [1] لرواية الكناني: عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم في طواف الحجّ و العمرة، فقال: «إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع» «3».

و صحيحة ابن عمّار: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم فلم يذكر حتى ارتحل من مكّة، قال: «فليصلّهما حيث ذكر، فإن ذكرهما و هو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما» «4».

و الروايات الآمرة بإيقاعهما في منى لمن نسيهما حتى أتى منى، كرواية ابن المثنّى و حنّان «5»، و رواية عمر بن البرّاء «6»، و موثّقة عمر بن

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

______________________________

(1) الفقيه 2: 254- 1228، التهذيب 5: 140- 462، الاستبصار 2: 234- 812، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 12.

(2) انظر الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.

(3) الكافي 4: 425- 1، التهذيب 5: 139- 458، الاستبصار 2: 235- 815، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 16.

(4) الكافي 4: 425- 2، الفقيه 2: 253- 1226، التهذيب 5: 471- 1653، الوسائل 13: 432 أبواب الطواف ب 74 ح 18.

(5) الكافي 4: 426- 8، الوسائل 13: 432 أبواب الطواف ب 74 ح 17.

(6) الفقيه 2: 254- 1229، التهذيب 5: 471- 1654، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 145

يزيد «1».

و الآمرة بإيقاعهما في مكانه بقرن المنازل لمن نسيهما حتى أتاه، كموثّقة حنّان «2»، و في صحيحة ابن المثنّى: نسيت ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى

مكّة فصلّيتهما، فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «ألّا صلّاهما حيث ذكر» «3».

بحمل تلك الروايات على صورة التعذّر أو المشقّة بشهادة صحيحة أبي بصير: عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، حتى ارتحل، فقال: «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث يذكر» «4».

أقول:

لا يخفى أنّ أخبار إيقاعهما حيث يذكر أخصّ مطلقا من جميع الروايات المتقدّمة الآمرة بإيقاعهما في المقام، من جهة اختصاص الاولى بالناسي ثمَّ بالمرتحل، فتخصيص الثانية بها لازم.

و أمّا الأخبار الآمرة للناسي بالرجوع فقاصرة من حيث الدلالة جدّا، لكون غير اثنتين منها خالية عن الدالّ على الوجوب، بل غايتها الرجحان.

و أمّا الاثنتان الباقيتان، فإحداهما: رواية ابن مسكان، و هي- من

______________________________

(1) التهذيب 5: 139- 459، الاستبصار 2: 235- 816، الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 8.

(2) التهذيب 5: 138- 457، الاستبصار 2: 234- 814، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 11.

(3) الكافي 4: 426- 4، التهذيب 5: 139- 460، و في الاستبصار 2: 235- 817، و الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 9 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 140- 461، الاستبصار 2: 235- 818، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 146

حيث تضمّنها لاشتراط التجاوز عن الميقات في الرجوع، الذي هو غير شرط إجماعا- يدخلها الإجمال و احتمال السقوط كما قيل «1»، مع أنّ محلّ الرجوع فيها غير معلوم، فلعلّه الحرم، كما عن الدروس «2».

و أمّا الأخرى- و هي موثّقة عبيد- فغايتها وجوب الصلاة في المقام

عند الرجوع، و أمّا وجوب الرجوع فلا، لمكان الخبريّة، مع أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك فغايتها التعارض.

و ليس حمل أخبار الإيقاع حيث تذكّر على صورة التعذّر أو المشقّة أولى من حمل أخبار الرجوع على الأفضليّة، بل الأخير أولى، لفهم العرف و صلاحيّة التجويز حيث أمكن، للقرينة لحمل الأمر بالرجوع على الاستحباب، بخلاف العكس، فإنّه جمع بلا شاهد.

و أمّا صحيحة أبي بصير فلا تدلّ إلّا على أنّ مطلق مشقّة الرجوع- التي لا ينفكّ عنها مرتحل- تمنع عن الأمر بالرجوع، و حينئذ يصير النزاع لفظيّا، إذ هذا القدر من المشقّة يتحقّق مع الارتحال قطعا، و لا دليل على اعتبار الزيادة، سيّما مع ملاحظة عدم الاستفصال في صحيحة ابن المثنّى المتقدّمة.

و تظهر من ذلك قوّة القول بعدم وجوب الرجوع مطلقا و جواز الإيقاع حيث تذكّر، مع أفضليّة الرجوع مع الإمكان، كما احتملهما الشيخان في الفقيه و الاستبصار «3»، و مال إليه في الذخيرة «4»، و بعض مشايخنا الأخباريين «5».

______________________________

(1) انظر الوافي 13: 916.

(2) الدروس 1: 396.

(3) الفقيه 2: 254، الاستبصار 2: 236.

(4) الذخيرة: 630.

(5) و هو صاحب الحدائق 16: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 147

و قد رجّح بعض مشايخنا الجمع المشهور بأولويّة التخصيص من المجاز، و أكثريّة أخبار الرجوع و أصحّيتها و أصرحيّتها، و أشهريّة هذا الجمع «1».

و يضعّف بمنع أولويّة هذا النوع كما حقّقناه في الأصول، و كذا منع الأكثريّة و الأصحّية و الأصرحيّة، بل الأمر بالعكس في الجميع كما لا يخفى عن الناظر في أخبار الطرفين، و عدم صلاحية مطلق الأشهريّة للترجيح، مع أنّ مذهب أكثر القدماء في هذه المسألة غير معلوم.

نعم، لا شكّ في اختصاص ذلك بالمرتحل عن مكّة، و أمّا

قبله فيجب العود إلى المقام قطعا، لعدم معارض لمطلقات الأمر بالإيقاع في المقام، إلّا مع التعذر أو المشقّة، فيوقعهما في مكانه، لأدلّة نفي العسر و الحرج النافية لإيجاب الرجوع.

و في المسألة قول آخر اختاره في الدروس، و هو: إيجاب الرجوع إلى المقام إلّا مع التعذّر خاصّة، ثمَّ يجب معه الإيقاع في الحرم إلّا مع التعذّر، فحينئذ يوقعهما حيث أمكن من البقاع «2».

و لا أرى له مستندا، بل الظاهر من الأدلّة خلافه، فيعمل بمطلقات الأمر بالصلاة، فيوقعهما حيث كان و لو خارج الحرم و عدم تعذّر العود إليه، بل و لو مع إمكان العود إلى المسجد بدون المشقّة و تعسّر العود إلى المقام، لإطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر، بحيث يشمل خارج الحرم و المسجد، و لو مع التمكن منهما و صورة المشقّة من غير تعذّر في العود إلى المقام، بل صراحة صحيحة ابن المثنى و غيرها.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 407.

(2) الدروس 1: 396.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 148

نعم، لا شكّ أنّ هذا القول أحوط، و الأحوط منه الرجوع إلى المسجد إن أمكن و لم يمكن إلى المقام، و الأحوط من الجميع العود إلى المقام مع الإمكان و إن تضمّن المشقّة.

ثمَّ إنّه كما تجوز للخارج المرتحل الصلاة حيث تذكّر، تجوز له الاستنابة في الإيقاع في المقام أيضا، للمستفيضة المصرّحة به:

كصحيحة عمر بن يزيد: «إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» «1».

و الأخرى: «من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين» «2».

و محمّد: عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين، قال: «يصلّى عنه» «3».

و مرسلة ابن مسكان:

عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج، قال: «يوكّل» «4».

و لا يضرّ عدم التعرّض في الأخيرتين للصلاة بنفسه، لعدم دلالتهما على وجوب الاستنابة، بل على الجواز الغير المنافي لجواز غيره أيضا، كما أنّ كثيرا من أخبار الإيقاع بنفسه لا تنافي جواز الاستنابة لذلك.

مع أنّه- على فرض الدلالة على الوجوب ظاهرا في الطرفين أو في أحدهما كما في بعض أخبار الإيقاع بنفسه- يجب الحمل على التخيير بشهادة صحيحتي عمر بن يزيد.

______________________________

(1) الفقيه 2: 254- 1227، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74 ح 1.

(2) التهذيب 5: 143- 473، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.

(3) التهذيب 5: 471- 1652، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.

(4) التهذيب 5: 140- 463، و في الاستبصار 2: 234- 813، و الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 14 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 149

و جوّز في التحرير و التذكرة الاستنابة مع المشقّة في الرجوع أو التعذّر «1»، و هو مبنيّ على تخصيصهم عدم وجوب الرجوع بصورة المشقّة أو التعذّر.

و أوجب في المبسوط الاستنابة حينئذ «2»، للأخبار المذكورة. و هو ضعيف.

فروع:
أ: الجاهل كالناسي،

وفاقا لصريح جماعة «3»، لصحيحة جميل:

«الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي» «4».

ب: مقتضى الأصل- في ترك الركعتين عمدا إمّا مطلقا أو في مقام إبراهيم- عليه السلام- وجوب العود عليه مع الإمكان،

و إلّا فالبقاء في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن، للاستصحاب و عدم الامتثال.

و عن الشهيد الثاني: جعل العامد كالناسي «5». و لا وجه له.

بل استشكل بعضهم- كصاحبي المدارك و الذخيرة- في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما «6»، و نفي في الأخير البعد عن بطلانها، و كذا في الكفاية «7».

______________________________

(1) التحرير 1: 98، التذكرة 1: 362.

(2) المبسوط 1: 383.

(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 397، السبزواري في الذخيرة: 630، الفيض في المفاتيح 1: 373.

(4) الفقيه 2: 254- 1230، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 3.

(5) كما في المسالك 1: 121.

(6) المدارك 8: 136، الذخيرة: 630.

(7) كفاية الأحكام: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 150

إمّا لعدم وقوعها على الوجه المأمور به، و هو كونها بعد الركعتين، كما ذكره الأول.

أو لأنّ الأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضدّه الخاصّ، المستلزم للفساد في العبادة.

و لا يخفى أنّ الأول إنّما يتمّ لو ثبت وجوب الترتيب بين الركعتين و الأفعال المتأخّرة من حيث هو، و إلّا فليس ما أتى به غير الوجه المأمور به، لصدق الإتيان بها.

و أمّا كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه و إن اقتضى فساد الأعمال المتأخّرة مطلقا عند المشهور، إلّا أني بيّنت في الأصول أنّ فيه تفصيلا جريانه في جميع الأفعال المتأخّرة عن الركعتين و في كلّ وقت غير معلوم.

و في حكم العامد الجاهل المقصّر في أفعال الصلاة أو في مقدّماته بحيث أوجب بطلان الصلاة، كمن لا يصحّ غسله أو وضوؤه أو قراءته و نحو ذلك.

و الجاهل الذي جعله بمنزلة الناسي إنّما هو الجاهل بأصل وجوب الصلاة للطواف أو في المقام.

و

العجب كلّ العجب من بعض مشايخي بالإجازة «1»، أنّه استجود ما ذكره صاحبا المدارك و الذخيرة من قرب بطلان الأفعال المتأخّرة عن الركعتين جميعا- التي منها: السعي و الوقوفان- في طواف العمرة.

و مع ذلك، لمّا شاهد ما ذكره والدي العلّامة المحقّق في التحفة الرضويّة: أنّ من قصّر في تصحيح وضوئه و قراءته و ركوعه و سجوده

______________________________

(1) و هو صاحب الرياض 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 151

- و لأجله بطلت صلاته- يحصل الإشكال في صحّة حجّة من جهة بطلان ركعتي طوافه.

اعترض عليه: بأنّه لا وجه لبطلان العمرة و الحجّ ببطلان الركعتين، مع أنّهما ليستا من أركان الحجّ.

و لمّا وصلت إلى خدمته في الحائر الحسيني عليه السلام عند مسافرتي إلى بيت اللّه- بعد انتقال والدي إلى جوار اللّه- قال لي: إنّه قد ذكر الوالد المعظّم كذا في التحفة، و يلزم عليك إخراج ذلك منه، لئلّا يتوهّم بعد ذلك وقوع الخلاف في بطلان الحجّ ببطلان الركعتين، مع أنّه ممّا لم يقل به أحد.

و لم يتيسّر لي- بعد ملاحظة المسألة- بيان الحال له و العرض عليه.

ج: لو مات الناسي لهما و لم يصلّهما قضاهما عنه الولي،

من غير خلاف بينهم يعرف، لصحيحتي عمر بن يزيد «1» و محمّد «2» المتقدّمتين، و لا يضرّ شمولهما لصورة الحياة أيضا.

إلّا أنّ في دلالتهما على الوجوب نظرا، و كذا في دلالة عمومات وجوب قضاء الفوائت من الصلاة عن الميّت «3»، كما مرّ في بحث الصلاة.

و الأحوط للوالي القضاء عنه، و للميّت الوصيّة به له أو لغيره.

و لا يبعد استفادة الوجوب على الوليّ بوجوب قضائه الطواف عنه أو استنابته له كما هو الأقوى، لصحيحة ابن عمّار: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت»،

و قال: «يأمر

______________________________

(1) التهذيب 5: 143- 473، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.

(2) التهذيب 5: 471- 1652، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.

(3) كما في الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلوات ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 152

من يقضي عنه إن لم يحجّ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» «1».

و هو و إن كان مخصوصا بطواف النساء، لكن يتعدّى إلى طواف العمرة و الزيارة بالطريق الأولى، أو الإجماع المركّب.

د: قال في المدارك: إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي أنّه لا يعتبر في صلاة الركعتين وقوعهما في أشهر الحجّ

«2»، و نقل عن المسالك اعتباره و جعله أحوط «3»، و هو جيّد.

ه: لا فرق في الأحكام المذكورة بين طواف الحجّ و النساء و العمرة،

للإطلاقات.

المسألة الثالثة: اختلفوا في القران بين الطوافين المفروضين

- بأن لا يصلّي ركعتي كلّ طواف بعده، بل يأتي بهنّ أجمع ثمَّ بصلاتهن، بعد وفاقهم ظاهرا على مرجوحيّته- أنّه هل هو حرام، أم مكروه؟ و على الأول:

هل هو مبطل، أم لا؟

فالمشهور- كما في النافع و التنقيح-: الحرمة «4»، و هو الأقرب، للمستفيضة من الأخبار، كروايات زرارة «5» و عمر بن يزيد «6» و عليّ بن أبي

______________________________

(1) الكافي 4: 513- 5، التهذيب 5: 128- 422، الاستبصار 2: 228- 789، الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.

(2) المدارك 8: 136.

(3) المسالك 1: 121.

(4) النافع: 93، التنقيح 1: 502.

(5) الفقيه 2: 251- 1208، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 2.

(6) الكافي 4: 419- 3، التهذيب 5: 115- 373، الاستبصار 2: 220- 758، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 153

حمزة «1» و مضمرة صفوان و البزنطي «2»، و صحيحة البزنطي «3».

و المرويّ في السرائر عن كتاب حريز: «لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة» «4».

و غير الثلاث الاولى و إن لم يكن صريحا في إفادة الحرمة و لكنّها تستفاد من الثلاث الاولى، أمّا الأوليان منهما فباعتبار التفصيل القاطع للشركة بين الفريضة و النافلة بنفي البأس- الذي هو الحرمة- عن النافلة، و أمّا الثالثة فللأمر المفيد للوجوب فيها بصلاة ركعتين بين كلّ أسبوعين.

و لا تنافي ذلك المستفيضة «5» المتقدّمة في مسألة زيادة الطواف عن سبعة أشواط، الآمرة بإضافة الباقي إلى الزائد حتى يتمّ أربعة عشر شوطا، لعدم كونه في المفروضين، بل صرّح في كثير منها بكون الأول تطوّعا.

خلافا للحلّي و المدارك و الذخيرة، فيكره مطلقا «6».

للأصل.

و ضعف الأخبار.

و التعبير بالكراهة في الروايتين الأوليين.

و كثرة

الأخبار الدالّة على أنّهم قرنوا.

______________________________

(1) الكافي 4: 418- 2، التهذيب 5: 115- 374، الاستبصار 2: 220- 759، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 3.

(2) التهذيب 5: 115- 375، الاستبصار 2: 221- 760، الوسائل 13: 371 أبواب الطواف ب 36 ح 6.

(3) التهذيب 5: 116- 376، الاستبصار 2: 221- 761، الوسائل 13: 371 أبواب الطواف ب 36 ح 7.

(4) مستطرفات السرائر: 73- 12، الوسائل 13: 373 أبواب الطواف ب 36 ح 14.

(5) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.

(6) الحلي في السرائر 1: 572، المدارك 8: 140، الذخيرة: 635 و 636.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 154

و الأول: بما مرّ مدفوع.

و الثاني:- لو كان- بما سبق مجبور.

و الثالث: بأعميّة الكراهة عن الحرمة في اللغة و الشرع مردود.

و الرابع: لما مرّ غير معارض، لكونه إخبارا عن الفعل، فلعلّه كان في النافلة، أو الفريضة لحال التقيّة، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة «1».

و هل هو مبطل، أم لا؟

لا ينبغي الريب في عدم بطلان الطواف الأول، لانتفاء المقتضي له رأسا، لعدم تعلّق نهي به أصلا، و إنّما تعلّق بالقران الذي لا يصدق إلّا بالإتيان بالطواف الثاني، فهو المنهيّ عنه لا الأول، و لا هما معا.

نعم، الظاهر بطلان الثاني، لتعلّق النهي بنفس العبادة حينئذ، مضافا إلى الأمر بالصلاة بين كلّ أسبوعين في الرواية الثالثة، المستلزم للنهي عن ضدّه، و إلى الأخبار الدالّة على فوريّة صلاة الطواف و أنّها تجب ساعة الفراغ منه و لا تؤخّر «2»، حيث يستحيل الأمر بشيئين متضادّين في وقت مضيّق و لو لأحدهما.

و أمّا القران بين النافلتين فالظاهر كراهته، لفتوى جمع من الأصحاب «3»، و إطلاق طائفة من الأخبار المذكورة «4»، و

خصوص ظاهر المرويّ في السرائر المتقدّم.

و لا تنافيها صحيحة زرارة: «إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين.

______________________________

(1) في ص: 152.

(2) الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    155     المسألة الثالثة: اختلفوا في القران بين الطوافين المفروضين ..... ص : 152

(3) منهم المحقّق في المختصر النافع: 93، صاحب المدارك 8: 140، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 335.

(4) في ص: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 155

و الطوافين في الفريضة، و أمّا النافلة فلا بأس به» «1».

لأنّ غايتها نفي الحرمة، لأعميّة الكراهة.

و هل القران بين الفريضة و النافلة كالفريضتين، أو النافلتين؟

الظاهر: الثاني، للشكّ في دخوله تحت قوله في الأخبار: «في الفريضة»، فيبقى تحت الأصل.

فإن قيل: يشكّ في دخوله تحت قوله: «في النافلة» أيضا، فيبقى تحت العمومات الناهية.

قلنا: كان ذلك حسنا لو كانت العمومات على التحريم دالّة، و ليست كذلك.

و للأخبار المتقدّمة في مسألة الزيادة في الطواف المفروض، الآمرة بإتمام الزائد الموجب لحصول القران بين المفروض و المندوب «2».

و صحيحة زرارة الناصّة على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام زاد في الفريضة حتّى تمّت أربعة عشر شوطا «3».

المسألة الرابعة: تصلّى ركعتا الطواف الفريضة في كلّ وقت،

حتى الأوقات الخمسة التي قالوا بكراهة النوافل فيها، للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 418- 1، الفقيه 2: 251- 1207، التهذيب 5: 115- 372، الاستبصار 2: 220- 757، الوسائل 13: 369 أبواب الطواف ب 36 ح 1.

(2) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.

(3) التهذيب 5: 112- 366، الاستبصار 2: 218- 752، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 7.

(4) الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 156

و الصحاح المعارضة لها

بالمنع «1» محمولة إمّا على التقيّة- كما صرّح به شيخ الطائفة «2»- أو على النافلة، لكراهة ركعتيها على الأشهر، و إن كانت هي أيضا محلّ نظر، فتدبّر.

المسألة الخامسة: يستحبّ أن يقرأ في أولاهما: الحمد و التوحيد، و في الثانية: الحمد و الجحد،

للشهرة، و خصوص الصحيحة «3» و الموثقة «4» المتقدّمتين في أول الباب.

و عن موضع من نهاية الشيخ العكس «5»، و جعله الشهيد «6» و جماعة «7» رواية، و لم أقف عليها.

______________________________

(1) كصحيحة ابن بزيع الواردة في: التهذيب 5: 142- 470، الاستبصار 2:

237- 825، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 10.

و صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في: التهذيب 5: 141- 468، الاستبصار 2:

236- 823، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 8.

(2) في الاستبصار 2: 237.

(3) الكافي 4: 423- 1، التهذيب 5: 286- 973، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

(4) التهذيب 5: 136- 448، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

(5) النهاية: 79، و فيه: استحباب قراءة الجحد في ركعتي الطواف.

(6) الدروس 1: 402.

(7) كالعلّامة في التذكرة 1: 363، و حكاه في الرياض 1: 415 عن جماعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 157

الفصل الرابع في رابع أفعال العمرة، و هو السعي
اشاره

و فيه أبحاث:

البحث الأول: في مقدّماته، و هي أمور كلّها مستحبّة:
منها: الطهارة من الحدث،

و هي راجحة بلا خلاف، له، و للمستفيضة، كصحيحة الأزرق المصرّحة بكونه مع الوضوء أحبّ «1».

و كموثّقة ابن فضّال: «و لا تطوف و لا تسعى إلّا على وضوء» «2».

و صحيحتي الحلبي «3» و ابن عمّار «4»، و روايتي عمر بن يزيد «5» و أبي بصير «6»، الواردة جميعا في ترك الحائض السعي، القاصرة- كالموثّقة- عن إفادة الوجوب، للجملة الخبريّة، و المعارضة مع ما تأتي إليه الإشارة.

و ليست بواجبة على الحقّ المشهور، بل المجمع عليه، حيث لا تقدح

______________________________

(1) الكافي 4: 438- 2، الفقيه 2: 250- 1204، التهذيب 5: 154- 506، الاستبصار 2: 241- 840، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 6.

(2) الكافي 4: 438- 3، التهذيب 5: 154- 508، و في الاستبصار 2: 241- 839 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 495 أبواب السعي ب 15 ح 7.

(3) التهذيب 5: 394- 1373، الاستبصار 2: 314- 1114، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 3.

(4) التهذيب 5: 396- 1379، الاستبصار 2: 316- 1120، الوسائل 13: 460 أبواب الطواف ب 89 ح 4.

(5) التهذيب 5: 393- 1372، الاستبصار 2: 313- 1113، الوسائل 13: 457 أبواب الطواف ب 87 ح 1.

(6) الكافي 4: 447- 5، التهذيب 5: 394- 1375، الاستبصار 2: 315- 1116، الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 158

فيه مخالفة الشاذّ، للأصل السالم عن المزيل، و للمستفيضة بل المتواترة معنى:

كالأخبار الواردة في حدوث الحيض بعد الطواف قبل السعي و أنّها تسعى «1»، و هي كثيرة جدّا.

و المصرّحة بجواز إتيان جميع المناسك غير الطواف بلا وضوء، كالصحاح الثلاث لابن عمّار و رفاعة و جميل، و رواية

أبي حمزة:

الاولى: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف، فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل» «2».

و الثانية: أشهد شيئا من المناسك و أنا على غير وضوء؟ قال: «نعم، إلّا الطواف بالبيت، فإنّ فيه صلاة» «3».

و الثالث: أ ينسك المناسك و هو على غير وضوء؟ قال: «نعم، إلّا الطواف بالبيت، فإنّ فيه صلاة» «4»، و مثلها الرابعة «5».

و بجواز خصوص السعي كذلك، كصحيحة الأزرق، و رواية الشحّام «6».

خلافا للمحكيّ عن العماني، فأوجبها «7»، لما مرّ بجوابه.

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89.

(2) الفقيه 2: 250- 1201 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 154- 509، الاستبصار 2:

241- 841، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 5: 154- 510، الاستبصار 2: 241- 838، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 2.

(4) الكافي 4: 420- ذ ح 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(5) الكافي 4: 420- 2، التهذيب 5: 116- 379، الاستبصار 2: 222- 763، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(6) التهذيب 5: 154- 507، الاستبصار 2: 241- 837، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 4.

(7) حكاه عنه في المختلف: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 159

و منها: الطهارة عن الخبث

في الثوب و البدن، لفتوى الجماعة.

و منها: استلام الحجر و تقبيله مع الإمكان،

و الإشارة إليه مع العدم.

و الشرب من زمزم بعد إتيانه.

و الصبّ على الرأس و الجسد من مائه.

بعد السقي منه بنفسه من الدلو المقابل للحجر الأسود إن كان و أمكن، و إلّا فمن غيره.

و تدلّ على الأول: صحيحة ابن عمّار الطويلة، الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: «ثمَّ صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثمَّ عاد إلى الحجر فاستلمه، و قد كان استلمه في أول طوافه، ثمَّ قال: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ » الحديث «1».

و الأخرى الواردة في طواف الحجّ، و فيها: «ثمَّ صلّ عند مقام إبراهيم» إلى أن قال: «ثمَّ ارجع إلى الحجر الأسود فقبّله إن استطعت، و استقبله و كبّر، ثمَّ اخرج إلى الصفا» الحديث «2».

و الحلبي الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: «ثمَّ صلّى ركعتين عند المقام و استلم الحجر، ثمَّ قال: ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ» «3».

و عليه و على الثاني: صحيحة ابن سنان الواردة فيه أيضا: «فلمّا طاف بالبيت صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم، و دخل زمزم فشرب منها، ثمَ

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(2) الكافي 4: 423- 1، التهذيب 5: 144- 476، الوسائل 13: 300 أبواب الطواف ب 3 ح 1 و 2، بتفاوت.

(3) الكافي 4: 248- 6، العلل: 412- 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 160

قال: اللّهم إنّي أسألك علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كلّ داء و سقم، فجعل

يقول ذلك و هو مستقبل الكعبة، ثمَّ قال لأصحابه: ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر، فاستلمه ثمَّ خرج إلى الصفا، ثمَّ قال: ابدأ بما بدأ اللّه به، ثمَّ صعد إلى الصفا فقام عليها مقدار ما يقرأ الإنسان سورة البقرة» «1».

و ابن عمّار: «إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبّله و استلمه أو أشر إليه، فإنّه لا بدّ من ذلك»، و قال: «إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل و تقول حين تشرب: اللّهم اجعله علما نافعا» إلى آخر ما مرّ «2».

و عليهما و على الثالث: صحيحة الحلبي: «إذا فرغ الرجل من طوافه و صلّى ركعتين فليأت زمزم و يستق منه ذنوبا [1] أو ذنوبين فليشرب منه و ليصبّ على رأسه [و ظهره ] و بطنه و يقول: اللّهم اجعله علما نافعا» إلى آخر ما مرّ، ثمَّ قال-: «ثمَّ يعود إلى الحجر الأسود» «3».

و منه يظهر دليل الرابع أيضا.

و تدلّ عليه و على غير الأول ممّا مرّ صحيحة أخرى للحلبي:

«يستحبّ أن تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه و تصبّ على رأسك و جسدك، و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر» «4».

______________________________

[1] الذنوب: الدلو الملأى ماء و قيل: فيها ماء قريب من المل ء- الصحاح 1: 129.

______________________________

(1) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.

(2) الكافي 4: 430- 1، التهذيب 5: 144- 476، الوسائل 13: 472 أبواب السعي ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 430- 2، التهذيب 5: 144- 477، الوسائل 13: 473 أبواب السعي ب 2 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 145- 478، الوسائل 13:

474 أبواب السعي ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 161

و لا يخفى أنّه لا تدلّ تلك الأخبار على أنّ هذه الأمور مستحبّة للسعي و من مقدّماته- كما ذكره الأكثر «1»- بل يمكن أن تكون من مستحبّات الطواف أو الركعتين و من خواتيمه، كما استظهره في الدروس، قال:

و الظاهر استحباب الاستلام و الإتيان عقيب الركعتين و لو لم يرد السعي «2».

و تدلّ عليه صحيحة ابن مهزيار: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء و صلّى خلف المقام، ثمَّ دخل زمزم، فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود، فشرب منها و صبّ على بعض جسده، ثمَّ اطلع في زمزم مرتين، و أخبرني بعض أصحابنا أنّه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك «3».

و يمكن أن يكون هو مستحبّا بنفسه، كما يستفاد من صحيحة الحلبي الأخيرة، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة.

و لا يخفى أيضا أنّ ظاهر أكثر الأصحاب تقديم الاستلام على إتيان زمزم «4»، و المدلول عليه في صحيحتي ابن سنان و الحلبي الأولى عكس ذلك، فهو الأولى، و لا يظهر من صحيحة ابن عمّار الأخيرة الأول- كما ذكره في الذخيرة «5»- كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

و منها: الدعاء

بالمأثور في الأخبار المتقدّمة عند الشرب و الصبّ.

و منها: الخروج للسعي من باب الصفا

المقابل للحجر، بلا خلاف،

______________________________

(1) انظر الحدائق 16: 256، و الرياض 1: 421.

(2) الدروس 1: 409.

(3) الكافي 4: 430- 3، الوسائل 13: 474 أبواب السعي ب 2 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) كما في الذخيرة: 645، كشف اللثام 1: 346، الرياض 1: 421.

(5) الذخيرة: 645.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 162

كما عن التذكرة و المنتهى «1»، له، و لصحيحة ابن عمّار، و فيها:

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ثمَّ اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود- حتى تقطع الوادي و عليك السكينة و الوقار، و اصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد اللّه و اثن عليه، و اذكر من آلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثمَّ كبّر اللّه عزّ و جلّ سبعا، و احمده سبعا، و هلّله سبعا، و قل: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له» و ذكر الدعاء، إلى أن قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا» «2».

و صحيحة عبد الحميد: عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا- إلى أن قال-: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود» الحديث «3».

قال والدي- قدّس سرّه-: إنّ هذا الباب هو الباب الذي يشتهر اليوم بباب الصفا، قيل: هذا الباب داخل الآن في المسجد، إلّا أنّه معلّم بأسطوانتين، فليخرج من بينهما «4». و في الدروس: الظاهر استحباب الخروج من

الباب الموازي لهما «5».

______________________________

(1) التذكرة 1: 366، المنتهى 2: 704.

(2) الكافي 4: 431- 1، التهذيب 5: 145- 481، الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 2.

(3) التهذيب 5: 145- 480، و في الكافي 4: 432- 4، و الفقيه 2: 256- 1243، و الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 1 بتفاوت.

(4) كما في المدارك 8: 205.

(5) الدروس 1: 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 163

و منها: أن يأتي بالسكينة و الوقار إلى أن يصعد الصفا،

فيصعده و يستقبل الركن العراقي و ينظر إلى البيت و يحمد اللّه و يذكر آلاءه، ثمَّ يكبّر اللّه و يحمده و يهلّله سبعا، ثمَّ يدعو بالمأثور، و يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة بالتأنّي.

تدلّ على كلّ ذلك صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و على بعضه صحيحته الأخرى الواردة في حجّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: «فابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ به» إلى أن قال: «ثمَّ أتى الصفا فصعد عليه و استقبل الركن اليماني، فحمد اللّه و أثنى عليه و دعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا، ثمَّ انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا، ثمَّ انحدر و عاد إلى الصفا فوقف عليها، ثمَّ انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه، فلمّا فرغ من سعيه و هو على المروة أقبل على الناس» الحديث «1».

و تدلّ على استحباب الطول على الصفا بالقدر المذكور صحيحة ابن سنان المتقدّمة أيضا.

و ورد في مرفوعة ابن الوليد «2» و مرسلة الفقيه «3» و رواية المنقري «4»:

أنّ طول الوقوف على الصفا و المروة يوجب كثرة المال.

و لا ينافيه ما في مرسلة محمّد بن عمر بن يزيد: كنت وراء أبي الحسن موسى عليه السلام على الصفا أو

على المروة و هو لا يزيد على حرفين:

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، و في التهذيب 5: 454- 1588 و الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 433- 6، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 2.

(3) الفقيه 2: 135- 578، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 2.

(4) التهذيب 5: 147- 483، الاستبصار 2: 238- 827، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 164

«اللّهمّ إنّي أسألك حسن الظنّ بك على كلّ حال، و صدق النيّة في التوكّل عليك» «1».

إذ لعلّه عليه السلام كان يكرّر هذين الحرفين بقدر يطول الوقوف.

و له أن يقتصر على بعض ما مرّ من الأذكار المأثورة، كما صرّح به في آخر صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، قال: «فإن لم تستطع هذا فبعضه» «2».

و له أن يدعو بغيرها ممّا جرى على لسانه، كما صرّح به في رواية أبي الجارود: «ليس على الصفا شي ء موقّت» «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 433- 9، التهذيب 5: 148- 486، الاستبصار 2: 238- 828، الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 5 ح 6.

(2) الكافي 4: 431- 1، التهذيب 5: 145- 481، الوسائل 13: 476 أبواب السعي ب 4 ح 1.

(3) الكافي 4: 433- 7، التهذيب 5: 147- 485، الوسائل 13: 480 أبواب السعي ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 165

البحث الثاني في كيفيّة السعي و أفعاله
و هي واجبة و مندوبة، أمّا الواجبات فستّة:
الأول: النيّة،

أي القصد إلى الفعل المخصوص، متقرّبا إلى اللّه سبحانه، مميّزا لنوعه عن غيره، فلا بدّ من تصوّر معناه المتضمّن للذهاب من الصفا إلى المروة و العود سبعا، و كونه سعي حجّ الإسلام مثلا أو غيره مع الاحتياج إلى المميّز.

و تجب

مقارنتها و لو بالنيّة الحكميّة لأوله و استدامة حكمها إلى الفراغ إن أتى به متّصلا إلى الآخر، فإن فصل جدّدها ثانيا فيما بعده.

و الوجه في الكلّ ظاهر ممّا حقّقناه في أمر النيّة.

الثاني و الثالث: البدأة بالصفا في أول السعي و الختم بالمروة في آخره،
اشاره

بالإجماع المحقّق و المحكيّ «1» مستفيضا، و النصوص المستفيضة.

فممّا يدلّ على الأول خاصّة صحيحة ابن سنان المتقدّمة «2»، و ابن عمّار: «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى» «3».

و اخرى، و فيها: «فإن بدأ بالمروة فليطرح و ليبدأ بالصفا و يبدأ بالصفا قبل المروة» «4».

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 329، و المنتهى 2: 704، و التذكرة 1: 366، و الحدائق 16: 266.

(2) في ص: 195.

(3) التهذيب 5: 151- 495، الوسائل 13: 487 أبواب السعي ب 10 ح 1.

(4) الكافي 4: 437- 5، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 166

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال:

«يعيد» الحديث «1»، و نحوها رواية عليّ الصائغ «2».

و ممّا يدلّ عليهما صحيحة ابن عمّار «3» المتقدّمة الواردة في حجّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أمّا دلالتها على البدأة بالصفا فظاهرة، و أمّا على الختم بالمروة فلقوله: «فلمّا فرغ من سعيه و هو على المروة».

و صحيحة الحلبي الواردة فيه أيضا، و فيها: «ثمَّ قال: ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ به، فأتى الصفا فبدأ بها، ثمَّ طاف بين الصفا و المروة سبعا، فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا» «4».

و صحيحة أخرى لابن عمّار: «انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المنارة- و هي طرف المسعى- فاسع مل ء فروجك «5»، و قل: بسم

اللّه و اللّه أكبر، و صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته، اللّهم اغفر و ارحم و تجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم، حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها فقل: يا ذا المنّ و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، ثمَّ امش و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المروة، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت، فاصنع عليها كما

______________________________

(1) الكافي 4: 436- 1، التهذيب 5: 151- 496، العلل: 581- 18، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 4.

(2) الكافي 4: 436- 4، التهذيب 5: 151- 497، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 5.

(3) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(4) الكافي 4: 248- 6، العلل: 412- 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

(5) يقال للفرس: ملأ فرجه و فروجه إذا عدا و أسرع- النهاية لابن الأثير 3: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 167

صنعت على الصفا و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» «1»، و قريبة منها موثّقته «2».

و يمكن إتمام دلالة القسم الأول من الأخبار على الحكمين أيضا بتقريب استلزام البدأة بالصفا و السعي على الطريق المذكور فيه للختم بالمروة.

و إنّما قيّدنا البدأة بأول السعي و الختم بآخره لئلّا يتوهّم أنّه كذلك في كلّ شوط، فإنّه غير جائز، بل اللازم البدأة بالصفا و الختم بالمروة في كلّ شوط فرد، و العكس في كلّ زوج.

فلو بدأ بالصفا إلى المروة، ثمَّ عاد إلى الصفا من غير أن يحسب عوده سعيا، ثمَّ

يبدأ من الصفا أيضا إلى المروة و يعدّه ثاني الأشواط، و هكذا إلى أن يتمّ، بطل السعي، لأنّ غير الطريق المعهود من الحجّ المأمور بأخذ المناسك عنهم، بل يخالف المدلول عليه ظاهرا من كثير من الأخبار المذكورة.

فروع:
أ: ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدّمة «3» و إن كان وجوب الصعود على الصفا،

إلّا أنّ ظاهر القوم الاتّفاق على انتفاء الوجوب، بل عن الخلاف و المنتهى و التذكرة و القاضي «4» و بعض آخر «5»: الإجماع عليه.

______________________________

(1) الكافي 4: 434- 6، الوسائل 13: 482 أبواب السعي ب 6 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 148- 487، الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 6 ح 1.

(3) في ص: 165.

(4) الخلاف 2: 329، المنتهى 2: 705، التذكرة 1: 366، القاضي في جواهر الفقه: 42.

(5) كما في الحدائق 16: 265، و الرياض 1: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 168

و تدلّ عليه صحيحة البجلي: عن النساء يطفن على الإبل و الدوابّ أ يجزيهنّ أن يقفن تحت الصفا و المروة حيث يرين البيت؟ قال: «نعم» «1»، بضميمة عدم الفصل بين النساء و الرجال و الراكب و الراجل، و الصحاح المستفيضة الآتية «2» المجوّزة للسعي راكبا و على الإبل و في المحمل.

و بما ذكر تضعف دلالة الأمر على الوجوب، بل يحمل على الاستحباب بقرينة ما ذكر.

و يظهر عن المنتهى و التذكرة وجود قول بوجوب الصعود، و لكن من باب المقدّمة.

و ردّه: بأنّه إنّما يتمّ لو توقّف حصول العلم بتحقّق الواجب عليه، و ليس كذلك، إذ يمكن أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا «3»، و هو كذلك.

ب: قالوا في كيفية البدأة و الختم بإلصاق العقب بالصفا و الأصابع بالمروة،

إذ لا يتحقّق استيفاء ما بينهما و البدأة و الختم إلّا بذلك، و لا ريب أنّه أحوط، بل و كذلك في كلّ شوط، سيّما مع أنّ الظاهر- كما قيل «4»- اتّفاق الأصحاب عليه.

و لولاه لقلنا بعدم لزوم هذه الدقّة و الاكتفاء بالسعي بين الصفا و المروة، و الابتداء بالأول و الختم بالثاني عرفا، كما اختاره بعض مشايخنا «5»، لأنّ العرف هو المرجع في أمثال ذلك، سيّما مع

تصريح

______________________________

(1) الفقيه 2: 257- 1249، و في الكافي 4: 437- 5، و التهذيب 5: 156- 517، و الوسائل 13: 498 أبواب السعي ب 17 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) في ص: 171.

(3) المنتهى 2: 704، التذكرة 1: 366.

(4) انظر الذخيرة: 644.

(5) انظر الحدائق 16: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 169

الصحاح بجواز السعي على الإبل و وقوعه من الحجّ، و لا شكّ أنّه لا تقع معه هذه الدقّة، إلّا أنّ ظاهر الاتّفاق يمنع من الجرأة على الفتوى به.

و لا يخفى أنّ ذلك مع عدم الصعود إلى الصفا و المروة، و أمّا معه فلا يحتاج إلى الإلصاق في شي ء من الموضعين، لتحقّق الواجب و الزائد بدونه.

نعم، يجب استحضار النيّة عند الصعود من الدرج و النزول.

و لا يخفى أيضا أنّ الظاهر في صورة الإلصاق كفاية إلصاق عقب احدى الرجلين و أصابعها، لصدق البدأة و الختم و الاستيفاء بذلك، و عدم مظنّة الإجماع في الرجلين.

ج: لو بدأ بالمروة قبل الصفا

فظاهر المدارك «1»، و غيره «2»: وجوب إعادة السعي مبتدئا من الصفا و طرح ما سعى بالمرّة، و هو كذلك، فلا يكفي طرح الشوط الأول خاصّة و جعل ما بعده المبدأ فيه من الصفا أول السعي، لعدم صدق الإتيان بالمأمور به على وجهه، إذ لا يصدق مع ذلك البدأة بالصفا عرفا، و لصحيحتي ابن عمّار و روايتي علي بن أبي حمزة و علي الصائغ، المتقدّمة جميعا «3».

الرابع: السعي بينهما سبعا بعد ذهابه إلى المروة شوطا

و عوده منها إلى الصفا آخر، و هكذا إلى أن يكملهما سبعا، بالإجماع المحقّق و المحكيّ في كلام جماعة «4»، و لأنّه الموافق لما صرّح به في الأخبار من البدأة بالصفا

______________________________

(1) المدارك 8: 206.

(2) كالخلاف 2: 330، و التذكرة 1: 367.

(3) في ص: 166.

(4) منهم الطوسي في الخلاف 2: 328، السبزواري في الذخيرة: 645، صاحب الحدائق 16: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 170

و الختم بالمروة، إذ لا يتصوّر الإتيان بالسبع إلّا بما ذكر، أو بجعل كلّ ذهاب و عود شوطا واحدا، و الثاني مستلزم للختم بالصفا أيضا، فتعيّن الأول.

و منه تظهر دلالة صحيحة هشام- قال: سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبيد اللّه بن راشد، فقلت له: تحفظ عليّ، فجعل يعدّ ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعدّ؟ قال: ذاهبا و جائيا شوطا واحدا، فأتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال:

«قد زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شي ء» «1»- على المطلوب أيضا.

الخامس: الذهاب من كلّ من الصفا و المروة إلى الآخر بالطريق المعهود،

بغير خلاف، كما صرّح في شرح المفاتيح، فلو اقتحم المسجد ثمَّ خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يصحّ سعيه، لأنّه المعهود من الشارع، و لوجوب حمل الألفاظ على المعاني المتعارفة، و هذا المعنى هو المفهوم عرفا من السعي بين الصفا و المروة.

السادس: استقبال المطلوب بوجهه،

بغير خلاف أيضا، كما في الكتاب المذكور، فيستقبل المروة عند الذهاب إليه من الصفا، و الصفا عند الذهاب إليه من المروة، فلو مشى عرضا أو قهقرى لم يصحّ، لما ذكر في سابقة بعينه.

بل يظهر منه وجوب المشي بالطريق المتعارف راجلا أو راكبا، فلو تدحرج إلى المطلوب لم يصحّ، بل الظاهر الإشكال فيما لو سعى بينهما بالمشي بالصدر أو الركبتين و اليدين، فتأمّل.

و أمّا المستحبّات فأربعة:
اشاره

______________________________

(1) التهذيب 5: 152- 501، الاستبصار 2: 239- 834، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 171

الأول: أن يسعى راجلا و إن جاز راكبا،

كما يأتي، لأنّ أفضل الأعمال أحمزها، و لأنّه أدخل في الخضوع و أقرب إلى المذلّة، و قد ورد في الأخبار العديدة: أنّ المسعى أحبّ الأراضي إلى اللّه تعالى «1»، لأنّه يذلّ فيه الجبابرة.

و لصحيحة ابن عمّار: عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة راكبا، قال: «لا بأس، و المشي أفضل» «2».

و الأخرى: عن المرأة تسعى بين الصفا و المروة على دابّة أو على بعير، فقال: «لا بأس بذلك»، و سألته عن الرجل يفعل ذلك، فقال: «لا بأس به، و المشي أفضل» «3».

و لكن ذلك إذا لم يخف الضعف، و إلّا فالظاهر أفضليّة الركوب، كما صرّح به في صحيحة الخشّاب: «أسعيت بين الصفا و المروة؟» فقال: نعم، قال: «و ضعفت؟»، قال: لا و اللّه لقد قويت، قال: «فإن خشيت الضعف فاركب، فإنّه أقوى لك في الدعاء» «4».

الثاني و الثالث: أن يهرول ما بين المنارة الاولى و الأخرى الموضوعة عند زقاق العطّارين،

و يقتصد في مشيه في طرفيهما.

أمّا رجحانه فبالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «5»، و النصوص المستفيضة المرجّحة قولا و فعلا، منها: صحيحة ابن عمّار و موثّقته

______________________________

(1) الوسائل 13: 467 أبواب السعي ب 1.

(2) الكافي 4: 437- 2، التهذيب 5: 155- 512، الوسائل 13: 496 أبواب السعي ب 16 ح 2.

(3) الفقيه 2: 257- 1248، التهذيب 5: 155- 513، المقنعة: 451، الوسائل 13: 496، 497 أبواب السعي ب 16 ح 3 و 4.

(4) التهذيب 5: 155- 514، الوسائل 13: 497 أبواب السعي ب 16 ح 5، و فيهما على الدعاء.

(5) كما في التذكرة 1: 366، و الرياض 1: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 172

المتقدّمتان «1».

و موثّقة سماعة: عن السعي بين الصفا و المروة، قال: «إذا انتهيت إلى الدار التي عن يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى

أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة، فإذا انتهيت إليه فكفّ عن السعي و امش مشيا، فإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك، فإذا انتهيت إلى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي و امش مشيا، و إنّما السعي على الرجال و ليس على النساء سعي» «2»، إلى غير ذلك «3».

و أمّا عدم وجوبه فعلى الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير من شذّ و ندر، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «4».

لصحيحة الأعرج: عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة، قال: «لا شي ء عليه» «5»، و الرمل- محرّكة-: بين العدو و المشي، و هو بمعنى الهرولة.

و هي بإطلاقها تشمل الترك عمدا و سهوا مع التذكّر بعد السعي و في أثنائه، فلا يكون واجبا.

______________________________

(1) في ص: 166، 167.

(2) الكافي 4: 434- 1، و في التهذيب 5: 148- 488، و الوسائل 13: 482 أبواب السعي ب 6 ح 4 بتفاوت يسير.

(3) الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 6.

(4) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، العلّامة في المنتهى 2:

705، صاحب المدارك 8: 208، 209، الفيض في المفاتيح 1: 375.

(5) الكافي 4: 436- 9، التهذيب 5: 150- 494، الوسائل 13: 486 أبواب السعي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 173

و لا يتوهّم أنّ المسؤول عنه فيها ترك بعض الرمل و هو لا ينافي وجوب مطلقة، لأنّا نجيب عنه: أنّ ظاهر الأوامر في الأخبار المتقدّمة متعلّقة بالرمل بين المنارتين- أي تمام موضعه- فإذا ثبت عدم وجوب الكلّ تصرف تلك الأوامر عن حقيقته، فلا يبقى دليل على وجوب

البعض أيضا، فيعمل فيه بالأصل.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فأوجبه، لظاهر الأوامر «1». و جوابه- بعد ما ذكر- ظاهر، مع أنّ كلامه- كما قيل «2»- عن إفادة الوجوب قاصر.

ثمَّ استحباب الهرولة مخصوص بالرجال، فلا يستحبّ للنساء بلا خلاف ظاهر، للموثّقة المتقدّمة، و صحيحة أبي بصير: «ليس على النساء جهر بالتلبية، و لا استلام الحجر، و لا دخول البيت، و لا سعي بين الصفا و المروة»، يعني: الهرولة «3».

و بالماشي، و أمّا الراكب فيسرع دابّته بين حدّي الهرولة، إجماعا، كما عن التذكرة «4» و غيره «5»، و صرّحت به صحيحة ابن عمّار «6».

الرابع: الدعاء في موضع الهرولة

بالمأثور في صحيحة ابن عمّار «7» المتقدّمة و غيرها «8».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 211.

(2) انظر الرياض 1: 422.

(3) الكافي 4: 405- 8، الوسائل 13: 329 أبواب الطواف ب 18 ح 1.

(4) التذكرة 1: 366.

(5) كالحدائق 16: 275، و الرياض 1: 422.

(6) الكافي 4: 437- 6، الفقيه 2: 257- 1250، التهذيب 5: 155- 515، الوسائل 13: 498 أبواب السعي ب 17 ح 2.

(7) الكافي 4: 431- 1، التهذيب 5: 145- 481، الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 2.

(8) الوسائل 13: 476 أبواب السعي ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 174

البحث الثالث في أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: من ترك السعي حتى انقضى وقته

على ما مرّ في الطواف، فإن كان متعمّدا بطل حجّه أو عمرته إجماعا محقّقا و محكيّا في كلام جماعة «1»، له، و لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

و لصحيحة ابن عمّار: في رجل ترك السعي متعمّدا، قال: «عليه الحجّ من قابل» «2».

و اخرى، و في آخرها: في رجل ترك السعي متعمّدا، قال: «لا حجّ له» «3»، و غير ذلك «4».

و أمّا قوله سبحانه فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «5»- حيث يستفاد من نفي الجناح عدم الوجوب- فإنّما هو في مورد خاصّ لوجه مخصوص نصّ عليه في مرسلة الوشّاء «6».

______________________________

(1) منهم العلّامة في التذكرة 1: 366، صاحب الحدائق 16: 275، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 347.

(2) الكافي 4: 436- 10، التهذيب 5: 150- 491، الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7 ح 1.

(3) التهذيب 5: 150- 492، الاستبصار 2: 238- 829، الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7 ح 3.

(4) الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7.

(5) البقرة: 158.

(6) الكافي 4: 435- 8، التهذيب 5: 149- 490، الوسائل 13: 468 أبواب السعي ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 175

و إن كان سهوا فقالوا: إن أمكن عوده بنفسه و الإتيان به من غير عسر و مشقّة عاد و أتى، و إن شقّ و تعسّر استناب فيه، بلا خلاف فيهما، كما صرّح به جماعة «1»، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه «2».

و استدلّ على الأول بالأصل.

و فيه نظر، لأنّ الأصل عدم وجوب الإتيان به خاصّة بعد مضيّ وقته، سيّما في الأوقات التي لا تصلح للنسك .. و ثبوت وجوب أصل الإتيان به غير مفيد، لاستواء نسبته إلى إتيانه بنفسه أو

السعي عنه.

و بصحيحة ابن عمّار: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال:

«يعيد السعي»، قلت: فاته ذلك حتى خرج، قال: «يرجع فيعيد السعي، إنّ هذا ليس كرمي الجمار، إنّ الرمي سنّة و السعي بين الصفا و المروة فريضة» «3»، و نحوها الأخرى «4».

و فيها قصور من حيث الدلالة، لمكان الجملة الخبريّة.

و على الثاني بصحيحة محمّد: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، فقال: «يطاف عنه» «5».

و رواية الشّحام: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى

______________________________

(1) منهم الفيض في المفاتيح 1: 374، صاحب الرياض 1: 423.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(3) الكافي 4: 484- 1، الوسائل 13: 485 أبواب السعي ب 8 ح 1.

(4) التهذيب 5: 15- 492، الاستبصار 2: 238- 829، الوسائل 13: 485 أبواب السعي ب 8 ح 1.

(5) الفقيه 2: 256- 1244، التهذيب 5: 472- 1658، الوسائل 13: 486 أبواب السعي ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 176

يرجع إلى أهله، فقال: «يطاف عنه» «1».

بحملهما على صورة المشقّة و التعسّر، جمعا بينهما و بين ما مرّ، و لإشعار قوله في الثاني: حتى يرجع إلى أهله، بذلك، و لأنّ أدلّة نفي العسر و الحرج تعارض ما مرّ، فيبقى خبر الاستنابة حينئذ بلا معارض.

أقول: الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بالقول بجواز كلّ من الأمرين، بل هو ليس جمعا حقيقة، بل مقتضى الروايات، لورود الكلّ بالجمل الخبريّة، و بعد الحمل على الجواز لا تكون أدلّة نفي العسر و الحرج معارضة لما مرّ أيضا.

و بالجملة: فإثبات وجوب المباشرة في الصورة الاولى من الخبرين المتقدّمين مشكل، إلّا أنّه يمكن أن يستدلّ عليه بالعلّة المنصوصة في صحيحة ابن عمّار

«2» المتقدّمة في نسيان الطواف، بضميمة التصريح بكون السعي أيضا فريضة في صحيحتيه المتقدّمتين آنفا، و هي كافية في إثباته، و مقتضاها و إن كان عدم جواز الاستنابة ما دام حيّا، إلّا أنّه خرجت صورة التعذّر برواية الشّحام المعتضدة بعمل الأعلام، و مقتضاها كفاية العسر الحاصل من العود بعد الرجوع إلى الأهل، كما مرّ في الطواف.

ثمَّ الجهل هل هو مثل العمد أو السهو؟

الظاهر: الأول، للأصل، حيث لم يأت بالمأمور به على وجهه.

المسألة الثانية: يبطل السعي بالزيادة فيه
اشاره

إن كانت عمدا، على المشهور، كما في المفاتيح و شرحه «3»، بل بلا خلاف ظاهر فيه، كما صرّح

______________________________

(1) التهذيب 5: 150- 493، الاستبصار 2: 239- 830، الوسائل 13: 486 أبواب السعي ب 8 ح 2.

(2) في ص: 124.

(3) المفاتيح 1: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 177

به بغضهم «1»، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك و الذخيرة «2»، لرواية عبد اللّه بن محمّد «3» المتقدّمة في مسألة زيادة الطواف المنجبرة ضعفها- لو كان- بالشهرة.

و صحيحة ابن عمّار: «إن طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية، و إن طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و يستأنف السعي» «4».

و إطلاقهما و إن كان شاملا لغير العمد أيضا، إلّا أنّه يقيّد بالعمد، جمعا بينه و بين الأخبار الآتية الدالّة بإطلاقها على طرح الزائد و الاعتداد بالسبعة، بشهادة صحيحة البجلي: في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط، ما عليه؟ فقال: «إن كان خطأ طرح واحدا و اعتدّ بسبعة» «5».

فإنّها أخصّ مطلقا من الإطلاقين، فيقيّد الأول بمنطوقها، و الثاني بمفهومها، حيث إنّه يقتضي أنّ مع عدم الخطأ ليس الحكم طرح الواحد و

الاعتداد بالسبعة، و ليس إلّا البطلان إجماعا.

و تخصيص الصحيحة بصورة النسيان و حملها على من استيقن الزيادة و هو على المروة لا الصفا- فيبطل سعيه على زيادة شوط، لظهور ابتدائه من

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 423.

(2) المدارك 8: 213، الذخيرة: 646.

(3) التهذيب 5: 151- 498، الاستبصار 2: 239- 831، الوسائل 13: 490 أبواب السعي ب 12 ح 2.

(4) التهذيب 5: 153- 503، الاستبصار 2: 240- 836، الوسائل 13: 489 أبواب السعي ب 12 ح 1.

(5) الكافي 4: 436- 2، و في الفقيه 2: 257- 1246 بتفاوت يسير، التهذيب 5:

152- 4990، الاستبصار 2: 239- 832، الوسائل 13: 491 أبواب السعي ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 178

المروة، و لا يبطل على زيادة الشوطين، لأنّه يظهر كونه بادئا من الصفا، و يكون ابتداء التاسع أيضا منه، فيبطل الأول للزيادة، و يصحّ الثاني- فتخصيص و حمل لا موجب لهما أصلا، بل بعيد غايته.

فالأولى تخصيص إطلاقها بصورة العمد، لما ذكرنا، و يكون في صورة زيادة الشوط باطلا، أمّا السبعة الأولى فللزيادة عليها، و أمّا الثامن فلابتدائه من المروة.

و أمّا في صورة زيادة الشوطين يكون ما تقدّم على التاسع باطلا، لما مرّ، و يصحّ التاسع فيضاف إليه و يستتمّ. و لا يلزم أن ينوي به أولا أنّه ابتداء عبادة مستقلّة، إذ لم يثبت في اشتراط النيّة الزائد على اشتراط قصد الفعل و القربة، و هما متحقّقان، و لزوم قصد الفعل الكامل المستقلّ أولا لا دليل عليه، بل يكفي قصده في الأثناء، فتأمّل.

و إن كانت الزيادة سهوا فلا خلاف في عدم البطلان نصّا و فتوى، و عليه الإجماع في كلام بعضهم «1»، و تدلّ عليه الصحاح المستفيضة، كصحيحة

هشام المتقدّمة «2» في مسألة وجوب السعي سبعا، و البجلي المتقدّمة آنفا.

و ابن عمّار: «من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية و اعتدّ بسبعة» «3».

و جميل: حججنا و نحن صرورة، فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، فقال: «لا بأس، سبعة لك

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 646، و الرياض 1: 423.

(2) في ص: 170.

(3) الكافي 4: 437- 5، الوسائل 13: 491 أبواب السعي ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 179

و سبعة تطرح» «1».

و محمّد: «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام: إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة و استيقن ثمانية أضاف إليها ستّا، و كذا إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا» «2».

ثمَّ إنّه هل يطرح الزائد و يعتدّ بالسبعة، كما هو مقتضى غير الأخيرة من الصحاح المذكورة، و مال إليه بعض المتأخّرين «3»؟

أو يكمل الزائد أسبوعين، كما هو صريح الأخيرة، و محكيّ عن ابن زهرة «4»؟

أو مخيّر بين الأمرين، كما هو مقتضى الجمع بين القسمين، و منقول عن أكثر الأصحاب «5»؟ و هو الأقوى، لما ذكر، بل عدم دلالة شي ء من القسمين على التعيّن، و الوجوب يعيّن المصير إلى ذلك، و أكثريّة أخبار القسم الأول لا توجب رفع اليد عن الثاني بالمرّة بعد حجّيته بل صحّته.

و الاستشكال فيه- بأنّ السعي ليس مثل الطواف عبادة برأسها ليكون الثاني مستحبّا- مردود بأنّ هذه الصحيحة تكفي في إثبات مشروعيتها في هذا المقام.

و بأنّ اشتراط البدأة بالصفا في السعي يستلزم بطلان الشوط الثامن،

______________________________

(1) الكافي 4: 436- 3، التهذيب 5: 152- 500، الاستبصار 2: 239- 833، الوسائل 13: 492 أبواب السعي ب

13 ح 5.

(2) التهذيب 5: 152- 502، الاستبصار 2: 240- 835، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 10.

(3) كصاحب الرياض 1: 423.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(5) كما في الرياض 1: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 180

فلا يصحّ السعي الثاني مطلقا.

مردود بأنّه يمكن أن يكون اشتراط البدأة مخصوصا بالسعي المبتدأ دون المنضم، فإنّ الثابت لزوم كون مبدإ أصل السعي الصفا بحيث لا تتقدّمه البدأة بالمروة، لا كلّ سعي.

و حمل الأخيرة على كون مبدإ الأشواط فيها المروة دون الصفا، و كون الأمر بإضافة الست إنّما هو لبطلان السبعة الأولى، لوقوع البدأة فيها بالصفا، بخلاف الشوط الثامن.

فهو بعيد غايته، بل خلاف مقتضى حقيقة الكلام.

و لا يخفى أنّه ينبغي الاقتصار حينئذ في الإضافة بمورد النصّ، و هو إكمال الشوط الثامن، لمخالفته للأصول، فلو نقص عنه يطرح الزائد و يعتدّ بالسبعة، بل لو لا الإجماع المركّب كان ينبغي الاقتصار بخصوص الثامن و إضافة الستّ، دون ما إذا تجاوز عنه.

فرع: حكم الجاهل هنا كالناسي،

لشمول الخطأ للجهل أيضا، بل ظهوره فيه، بل ظهور صحيحتي هشام و جميل في الجاهل أيضا.

المسألة الثالثة: يحرم النقص عن السبعة أشواط، فإن نقص عنها عمدا حتى فات وقته بطلت نسكه، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه.

و إن نقص سهوا أتى بالنقيصة متى تذكّر، سواء فات وقت الموالاة أم لا، لعدم وجوب الموالاة فيه كما يأتي، و سواء كانت النقيصة أقلّ من النصف أو أكثر، فإن كان رجع إلى أهله عاد و أتى بها مع المكنة، و إلّا استناب فيه وجوبا.

أمّا صحّة النسك حينئذ فبالإجماع، و المستفيضة من الأخبار

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 181

كصحيحة ابن عمّار: «فإن سعى الرجل أقلّ من سبعة أشواط ثمَّ رجع

إلى أهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه، و ليس عليه شي ء، و إن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعا» «1».

و سعيد بن يسار: رجل متمتّع سعى بين الصفا و المروة ستّة أشواط، ثمَّ رجع إلى منزله و هو يرى أنّه قد فرغ منه، و قلّم أظافيره و أحلّ، ثمَّ ذكر أنّه سعى ستّة أشواط، فقال لي: «يحفظ أنّه قد سعى ستة أشواط، فإن كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط فليعد و ليتمّ شوطا و ليرق دما»، فقلت: دم ما ذا؟ قال: «دم بقرة، و إن لم يكن حفظ أنّه سعى ستّة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثمَّ ليرق دم بقرة» «2».

و رواية ابن مسكان: عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستّة أشواط و هو يظنّ أنّها سبعة، فذكر بعد ما أحلّ و واقع النساء أنّه إنّما طاف ستّة أشواط، فقال: «عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر» «3».

أمّا الإتيان بالنقيصة مع المكنة لو كانت أقلّ من النصف فبالإجماع أيضا، و تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة عموما و خصوصا.

و أمّا الإتيان بها لو كانت النصف أو أكثر فعلى الأظهر الأشهر، كما صرّح به الشهيد الثاني «4»، لإطلاق الصحيحة الأولى الخالية عمّا يصلح للمعارضة، المعتضدة بما يأتي من جواز القطع و البناء بعد شوط أو ثلاثة

______________________________

(1) التهذيب 5: 153- 503، الوافي 2: 142 أبواب أفعال العمرة و الحج و مقدماتها و لواحقها ب 117.

(2) التهذيب 5: 153- 504، الوسائل 13: 492 أبواب السعي ب 14 ح 1.

(3) الفقيه 2: 256- 1245، التهذيب 5: 153- 505، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 14 ح 2.

(4) المسالك 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 12، ص: 182

لصلاة أو حاجة.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و الديلمي و الحلبيين «1»، و عن الغنية الإجماع عليه، فاعتبروا في البناء مجاوزة النصف.

و احتج لهم برواية أبي بصير: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجازت النصف فعلّمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقية طوافها من الموضع الذي علّمته، و إن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» «2»، و قريبة منها رواية الحلّال «3».

و الجواب عنهما- مع عدم كونهما من مفروض المسألة- أنّهما معارضتان مع صحيحة ابن عمّار «4»، و غيرها «5»، المصرّحة بإتمام السعي لو حاضت في أثنائه، و مع ذلك فهما غير دالّتين على الوجوب، فتحتملان الأفضليّة لو طهرت قبل فوات الوقت، كما حملهما عليه في التهذيبين «6».

و أمّا الإتيان بنفسه مع المكنة فوجهه واضح، و الأخبار به مصرّحة «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 441، الديلمي في المراسم: 123، الحلبي في الكافي في الفقه: 196، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(2) الكافي 4: 448- 2، التهذيب 5: 395- 1377، الاستبصار 2: 315- 1118، الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85 ح 1.

(3) الكافي 4: 449- 3، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.

(4) الكافي 4: 448- 9، الفقيه 2: 240- 1144، التهذيب 5: 395- 1376، الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89 ح 1.

(5) الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89.

(6) التهذيب 5: 396، الاستبصار 2: 316.

(7) انظر الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 183

و أمّا الاستنابة مع عدم المكنة فاستدلّ له بأنّ الحكم كذلك لو ترك الكلّ كما مرّ،

فترك بعضه أولى بذلك.

و فيه تأمّل، لعدم وضوح دليل الأولويّة، فإنّه ثبت جواز الاستنابة في الصلاة و لم يثبت في بعض أجزائها المنسيّة، إلّا أن تعارض أدلّة وجوب المباشرة بعمومات نفي العسر و الحرج، فيتردّد الأمر بين الاستنابة و عدم الإتيان، و الثاني باطل بالإجماع، فيبقى الأول.

المسألة الرابعة: لو سعى المتمتّع ستّة أشواط

و علم أو ظنّ إتمامه، فأحلّ و واقع أهله أو قلّم أظفاره، فعليه إتمام السعي و دم بقرة، وفاقا لجماعة من الأصحاب، منهم: المفيد و الشيخ في التهذيب و الفاضل في التذكرة و الإرشاد «1» و غيرهما «2»، و غيرهم «3».

لصحيحة ابن يسار و رواية ابن مسكان المتقدّمتين.

و الإيراد- بضعف سند الثانية، أو عدم صراحة الروايتين في الوجوب- ضعيف غايته.

و الاستبعاد- بمخالفتهما لبعض العمومات- أضعف، إذ العامّ يخصّص بالخاصّ المطلق، و ليست تلك العمومات ممّا يأبى العقل عن خلافها، فلا حاجة إلى بعض التوجيهات البعيدة التي ذكرها بعضهم «4».

و لا يجب الاقتصار على المتمتّع، لإطلاق الرواية بالنسبة إلى غيره أيضا، و ظهورها فيه أيضا- كما ادّعي «5»- لا أفهم وجهه.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 434، التهذيب 5: 153، التذكرة 1: 367، الإرشاد 1: 327.

(2) كالقواعد 1: 84.

(3) كصاحب الحدائق 16: 284.

(4) كما في المسالك 1: 125، الرياض 1: 425.

(5) انظر الرياض 1: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 184

و لا على الظانّ، لشمول الصحيحة للقاطع أيضا، بل الظاهر أنّ المراد بالظانّ في الثانية أيضا هو القاطع، لاستعماله فيه كثيرا في أمثال المقام، لاشتراط حفظ الستّة في الأولى.

نعم، لا يبعد لزوم الاقتصار على ستّة أشواط، كما هي مورد الخبرين، و المخصوص بها في كلام جماعة من الأصحاب «1».

المسألة الخامسة: لو شكّ في عدد الأشواط،

فإن علم السبعة و شكّ في الزائد على وجه لا ينافي البدأة بالصفا- كالشكّ بين السبعة و التسعة و هو على المروة- صحّ سعيه و لا شي ء عليه، لتحقّق الواجب، و عدم منافاة الزيادة سهوا كما مرّ.

و إن كان في الأثناء استأنف السعي وجوبا، على ما قطع به الأصحاب كما في المدارك «2»، بل بالإجماع كما في المفاتيح

«3»، أو الاتّفاق كما في شرحه.

لا لما قيل من وقوع التردّد بين محذوري الزيادة و النقصان و كلّ منهما مبطل «4»، لمنع كون الزيادة أو النقيصة المحتملة محذورا، مع أنّ الأصل عدم الزيادة.

بل لصحيحتي ابن عمّار و ابن يسار المتقدّمتين في المسألة الثالثة «5»، و مقتضاهما عدم الفرق في وجوب الإعادة بين ما إذا كان الشكّ حال الاشتغال بالسعي أو الفراغ منه، كما هو مقتضى كلام الأصحاب أيضا، و به

______________________________

(1) كالسبزواري في الذخيرة: 648.

(2) المدارك 8: 215.

(3) المفاتيح 1: 376.

(4) انظر الرياض 1: 424.

(5) في ص: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 185

تخصّص عمومات «1» عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ عن العمل.

المسألة السادسة: لا تجب الموالاة في السعي،

بالإجماع كما عن التذكرة «2»، للأصل و الإطلاقات «3».

المؤيّدين بصحيحة الحلبي «4»، المصرّحة بالجلوس في أثناء السعي للاستراحة.

و ابن عمّار «5» المصرّحة بقطع السعي و الصلاة ثمَّ العود إذا دخل وقت الفريضة و هو في السعي.

و موثّقة ابن فضّال «6»، المتضمّنة للقطع و الصلاة ثمَّ العود و الإتمام لو طلع الفجر و هو سعى شوطا واحدا.

و صحيحة الأزرق «7»، النافية للبأس لقطع السعي لمن سعى ثلاثة أشواط أو أربعة، فيدعوه صديقه لحاجة أو إلى الطعام.

و إنّما جعلناها مؤيّدة لجواز تخصيص القطع بهذه الأمور خاصّة، مع عدم معلوميّة منافاة الجلوس بقدر الاستراحة للموالاة، و عدم صراحة

______________________________

(1) الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23.

(2) التذكرة 1: 367.

(3) الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20.

(4) الكافي 4: 437- 3، التهذيب 5: 156- 516، الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20 ح 1.

(5) الكافي 4: 438- 1، الفقيه 2: 258- 1252، التهذيب 5: 156- 519، الوسائل 13: 499 أبواب السعي ب 18

ح 1.

(6) الفقيه 2: 258- 1254، التهذيب 5: 156- 518، الوسائل 13: 499 أبواب السعي ب 18 ح 2.

(7) الفقيه 2: 258- 1253، التهذيب 5: 157- 520، الوسائل 13: 500 أبواب السعي ب 19 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 186

الصحيحين في البناء على ما سعى، فتأمّل.

و يظهر من بعض المتأخّرين نوع ميل إلى وجوب الموالاة، للتأسّي، و الأخذ بالمتيقن «1».

و يردّ الأول: بعدم وجوبه، إذ لم يعلم كونه على طريق الوجوب، بل يمكن منع ثبوت مواظبتهم على الموالاة.

و الثاني: بأنّه إنّما يتمّ لو لم تكن الإطلاقات.

المسألة السابعة: يجوز السعي راكبا و على المحمل،

إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «2»، و للنصوص المستفيضة، كالصحاح الثلاث «3» المتقدّمة في الأمر الأول من المستحبّات، و صحيحة الحلبي: في الرجل يسعى بين الصفا و المروة على الدابّة؟ قال: «نعم، و على المحمل و غيرها» «4».

المسألة الثامنة: يجوز الجلوس في خلاله للراحة

على الأظهر الأشهر، للأصل، و صحيحة ابن رئاب: الرجل يعيا في الطواف إله أن يستريح؟ قال: «نعم، يستريح، ثمَّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه» «5».

بل كذلك أيضا، للأصل، و لصحيحة الحلبي: عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: «نعم، إن شاء جلس على الصفا و المروة

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 424.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، المفاتيح 1: 375، الرياض 1: 422.

(3) و هي: صحيحتا ابن عمار و صحيحة الخشّاب، المتقدمة جميعا في ص: 171.

(4) الكافي 4: 437- 1، التهذيب 5: 155- 511، الوسائل 13: 496 أبواب السعي ب 16 ح 1.

(5) الكافي 4: 416- 4، و في قرب الإسناد: 165- 604 بتفاوت يسير، الوسائل 13: أبواب الطواف ب 46 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 187

و بينهما فيجلس» «1».

و عن الحلبيّين: المنع من الجلوس حتى مع الإعياء، و يجوّزان الوقوف مع الإعياء «2». و لا دليل لهما.

و أمّا صحيحة البصري: «لا يجلس على الصفا و المروة إلّا من جهد» «3» فمع دلالتها على الجواز مع الإعياء، لا يثبت أزيد من الكراهة، و لا بأس بها.

المسألة التاسعة: لو نسي الهرولة في موضعها

يستحبّ الرجوع القهقرى إلى مبدئها و تداركها.

لمرسلة الصدوق و الشيخ: «من سهى عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كلّه ثمَّ ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا، لكن يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي» «4».

و مقتضى الأصل: الاقتصار في الرجوع على ما ورد فيه النصّ من القهقرى، و ما إذا ذكر في شوط أنّه ترك السعي فيه، فلا يرجع بعد الانتقال إلى شوط آخر، و ما إذا تركه سهوا،

فلا يرجع لو ترك عمدا.

المسألة العاشرة: قد مضى في بحث الطواف وجوب تقديم طواف الحجّ و العمرة على السعي،

فيحرم تقدم السعي عليه عمدا، و هو كما مرّ إجماعي، مدلول عليه بالأخبار المتواترة الفعليّة و القولية «5» المتقدّمة إليها

______________________________

(1) الكافي 4: 437- 3، التهذيب 5: 156- 516، الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20 ح 1.

(2) أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 196، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(3) الكافي 4: 437- 4، الفقيه 2: 258- 1251، الوسائل 13: 502 أبواب السعي ب 20 ح 4، و في الجميع: لا يجلس بين الصفا و ..

(4) الفقيه 2: 308- 1528، التهذيب 5: 453- 1581، و فيهما: حتى يصير من السعي ..، الوسائل 13: 487 أبواب السعي ب 9 ح 2.

(5) انظر الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 188

الإشارة في ما مرّ.

و لو قدّم السعي يجب عليه الطواف ثمَّ إعادة السعي، كما صرّح به في المستفيضة:

كصحيحة منصور: عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت، فقال: «يطوف بالبيت، ثمَّ يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» «1».

و روايته: عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا و المروة، قال: «يرجع فيطوف بالبيت ثمَّ يستأنف السعي» قلت: إنّ ذلك قد فاته، قال: «عليه دم، ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» «2».

و موثّقتي إسحاق «3» المتقدّمتين في المسألة [الخامسة] «4» من أحكام الطواف.

و لا يضرّ عدم صراحة بعضها في الوجوب بعد الإجماع عليه و دلالة رواية منصور بوجهين.

و لا فرق في ذلك بين العمد و السهو، كما هو المستفاد من إطلاق الفتاوى، و صرّح به في الدروس «5»، لإطلاق الأخبار، و يظهر منه وجوب إعادة السعي في

كلّ موضع تجب فيه إعادة الطواف لو أعاده بعد السعي.

______________________________

(1) الكافي 4: 421- 2، التهذيب 5: 129- 426، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 2.

(2) التهذيب 5: 129- 427، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 1.

(3) الاولى في: الكافي 4: 421- 1، الفقيه 2: 252- 1217، التهذيب 5: 130- 328، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.

الثانية في: الكافي 4: 418- 8، الفقيه 2: 248- 1190، التهذيب 5:

109- 355، الوسائل 13: 358 أبواب الطواف ب 32 ح 2.

(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الرابعة، و الصحيح ما أثبتناه.

(5) الدروس 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 189

نعم، لو قدّمه على بعض الطواف سهوا لم يستأنف، بل يتمّ السعي بعد إتمام الطواف، كما مرّ في المسألة المشار إليها.

المسألة الحادية عشرة: قالوا: لا يجوز تأخير السعي عن يوم الطواف إلى الغد،

بلا خلاف فيه- كما قيل «1»- إلّا عن الشرائع، فجوّزه «2»، و إن احتمل كلامه الإرجاع إلى المشهور، بإخراج الغاية عن المغيّى.

و استدلّ للمشهور بصحيحة محمّد: عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: «لا» «3».

و في دلالتها على الوجوب نظر، لجواز كون السؤال عن الجواز بالمعنى الأخصّ، و الأصل يقتضي العدم، بل يدلّ عليه إطلاق صحيحة أخرى لمحمّد «4»، و هي كالأولى، إلّا أنّه ليس فيها قوله: إلى غد، و قال: «نعم»، مكان: «لا».

و الاحتياط في عدم التأخير.

و يجوز التأخير في يوم الطواف إلى آخره و إلى الليل قولا واحدا، للأصل، و إطلاق الصحيحة الأخيرة، و صحيحة ابن سنان «5»، و مرسلة الفقيه «6».

المسألة الثانية عشرة: المريض الذي لا يتمكّن بنفسه من السعي يسعى به أو عنه،

بالتفصيل المتقدّم في الطواف بدليله.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 418.

(2) الشرائع 1: 270.

(3) الكافي 4: 422- 5، الفقيه 2: 253- 1220، التهذيب 5: 129- 425، الاستبصار 2: 229- 792، الوسائل 13: 411 أبواب الطواف ب 60 ح 3.

(4) التهذيب 5: 129- 424، الاستبصار 2: 229- 791، الوسائل 13: 411 أبواب الطواف ب 60 ح 2.

(5) الكافي 4: 421- 3، الفقيه 2: 252- 1218، التهذيب 5: 128- 423، الاستبصار 2: 229- 790، الوسائل 13: 410 أبواب الطواف ب 60 ح 1.

(6) الفقيه 2: 253- 1219، الوسائل 13: 410 أبواب الطواف ب 60 ذ ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 190

الفصل الخامس في خامس أفعال العمرة، و هو التقصير
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا فرغ المعتمر بعمرة التمتّع عن السعي

يقصّر راجحا، بلا خلاف يعرف، بل بالإجماعين «1»، و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة ابن عمّار: «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتّع فقصّر من شعر رأسك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شاربك، و الق أظفارك، و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، فطف بالبيت تطوّعا ما شئت» «2».

و صحيحته الأخرى، و فيها: «ثمَّ قصّ [من ] رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك، و قلّم أظفارك و أبق منها لحجّك» الحديث «3».

و ابن سنان: «طواف المتمتّع أن يطوف بالكعبة، و يسعى بين الصفا و المروة، و يقصّر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ» «4».

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 330، و الغنية (الجوامع الفقهية): 579، و كشف اللثام 1:

349، و الحدائق 16: 297.

(2) الكافي 4: 438- 1، الفقيه 2: 236- 1127، التهذيب 5: 157- 521، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 4، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 148- 487، الوسائل 13: 505 أبواب التقصير ب 1 ح 1، و ما بين المعقوفين، أثبتناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 157- 522، الوسائل 13: 505، أبواب التقصير ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 191

و رواية عمر بن يزيد: «ثمَّ ائت منزلك فقصّر من شعرك، و حلّ لك كلّ شي ء» «1»، و غير ذلك ممّا يأتي.

و هل هو واجب عليه، كما هو المشهور، بل لا يعرف فيه خلاف إلّا من الخلاف؟

أو هو الأفضل و إن جاز الحلق أيضا؟ كما عن الخلاف «2»، و حكي عن والد الفاضل أيضا «3»؟

الحقّ هو: الأول.

لا لصحيحتي ابن عمّار الأوليين، لعدم

وجوب المأمور به فيهما بخصوصه قطعا من الأخذ من شعر الرأس من جوانبه و اللحية.

و لا لصحيحة ابن سنان، لقصورها عن إفادة الوجوب.

بل لرواية عمر بن يزيد و صحيحة ابن عمّار «إذا أحرمت فعقصت [1] رأسك أو لبّدته [2] فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير و الحلق في الحجّ، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «4».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الواردة في صفة أصناف الحجّ و الاقتصار فيها

______________________________

[1] عقص الشعر: جمعه و جعله في وسط الرأس و شدّه- مجمع البحرين 4: 175.

[2] تلبيد الشعر: أن يجعل فيه شي ء من صمغ أو خطمي و غيره عند الإحرام لئلا يشعث و يقمل اتّقاء على الشعر- مجمع البحرين 3: 140.

______________________________

(1) التهذيب 5: 157- 523، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 3.

(2) الخلاف 2: 330.

(3) حكاه عنه في المختلف: 294.

(4) التهذيب 5: 160- 533، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 8، و فيهما: فعقصت شعر رأسك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 192

في عمرة التمتّع على التقصير «1»، و الأخبار المتضمّنة لوجوب الدم على من أتى النساء قبل التقصير «2»، و لبطلان العمرة إذا أهلّ بالحجّ قبل التقصير، و الأخبار المثبتة للدم على ناسي التقصير و على الحالق.

هذا في صورة عدم عقص شعر الرأس أو تلبيده. و أمّا معه، فحكي في المنتقى عن المفيد: وجوب الحلق خاصّة كما في إحرام الحجّ، و نسب إلى ظاهر التهذيب موافقته في ذلك، و مال هو نفسه إليه أيضا «3».

و استحسنه في الذخيرة «4»، و استدلّ له بصحيحة ابن عمّار الأخيرة، بجعل قوله: «في الحجّ» قيدا للحكم

الأخير، و بصحيحة أخرى له، و صحيحة للعيص و رواية أبي سعد الآتيتين في بحث تحليل الحجّ، الدالّتين على تعيّن الحلق على المعقّص و الملبّد مطلقا، و بصحيحة هشام الآتية فيه أيضا، الدالّة عليه في الحجّ أو العمرة.

قال في المنتقى: إنّ هذه أخصّ ممّا مرّ، لاختصاصها بالمعقّص و الملبّد، فيجب حمل العامّ على الخاصّ «5».

أقول:

إنّ ما ذكره في الأولى محض احتمال، و بمجرّده لا يمكن تخصيص عموم قوله أخيرا: «و ليس في المتعة إلّا التقصير».

و الأربعة الباقية و إن اختصّت بالمعقّص و الملبّد إلّا أنّ الأوليين أعمّان من الحجّ و العمرة، و الأخيرة من العمرة المتمتّع بها و المبتولة، فالنسبة بين الفريقين بالعموم من وجه دون المطلق، و لكن لا مرجّح لأحدهما على الظاهر،

______________________________

(1) الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 7.

(2) انظر الوسائل 13: 117 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5.

(3) المنتقى 3: 332.

(4) الذخيرة: 649.

(5) المنتقى 3: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 193

و الترجيح بالشهرة فتوى عندي غير ثابت، و الأصل بالنسبة إليهما على السواء.

و المسألة قويّة الإشكال، و إن كان مقتضى الاستدلال التخيير حينئذ إلّا أنّه لا أعلم به قائلا، بل يتأتّى هذا الإشكال في حقّ الصرورة أيضا، لتعارض أخبارها الآتية في تحليل الحجّ مع أخبار التقصير بالعموم من وجه، إلّا أنّه لم ينقل عن أحد القول بتعيّن الحلق في حقّه.

و يمكن رفع الإشكال فيه بذلك، حيث إنّ مخالفة الشهرة القويّة لا أقلّ موهنة للخبر مخرجة له و لو لعمومه عن الحجيّة.

بل بذلك يمكن دفع الإشكال في المعقّص و الملبّد أيضا، سيّما و أنّ كلام الشيخ «1» ليس صريحا و لا ظاهرا في ذلك.

نعم، سكت هو عن ردّ قول المفيد،

و ذلك ليس بظاهر في المخالفة، بل في ظهور قول المفيد في ذلك أيضا كلام، فتأمّل.

المسألة الثانية: و حيث عرفت وجوب التقصير عليه، فهل يجوز له معه الحلق مطلقا، أو بعد التقصير، أم لا؟

حكي عن القاضي و ابن حمزة و الشهيد: الحرمة في الحالين «2»، و أطلق في الشرائع عدم جوازه «3»، و ظاهر النافع التحريم قبله خاصّة.

و تردّد في المدارك في أصل التحريم «4». و هو في محلّه، لأنّ الأصل ينفيه، و لا دليل يثبته أصلا سوى ما في بعض الأخبار من إيجاب الدم له،

______________________________

(1) التهذيب 5: 160.

(2) حكاه عنهم في الحدائق 16: 299، و كشف اللثام 1: 350.

(3) الشرائع 1: 302.

(4) المدارك 8: 461.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 194

و هو محلّ مناقشة كما يأتي.

و على فرض الثبوت لا يثبت التحريم، لجواز ترتّبه على فعل مباح أو ترك مستحبّ أيضا، و لذا أثبته بعضهم «1» في الحلق المستحبّ تركه قبل الإحرام أيضا.

نعم، يمكن القول بتحريمه قبله بالاستصحاب.

و القول- بأنّه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلا، لأنّ أوله تقصير- مردود بالمنع، لأنّ التقصير: جعل الشعر أو غيره قصيرا، و الحلق هو أمر آخر، و بينهما فرق ظاهر عرفا و لغة، و لا يمكن استصحاب التحريم فيما بعد، لقوله في الأخبار المتقدّمة: «فقد أحللت من كلّ شي ء».

و قد يستدلّ على التحريم- و لو بعد التقصير- بقوله في صحيحتي ابن عمّار المتقدّمتين: «و أبق منها لحجّك» «2»، حيث إنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه العامّ.

و فيه: أنّه لا يتعيّن في الحجّ حلق الرأس على الإطلاق، بل يتخيّر غير الصرورة و المعقّص و الملبّد بينه و بين التقصير، فلا يجب إبقاء شي ء من الرأس مطلقا قطعا، فيمكن إرجاع الضمير المجرور إلى المذكورات من اللحية و الشارب و الأظفار و الرأس، فلا دلالة

فيها أصلا.

ثمَّ على القول بالتحريم، فهل المحرّم حلق جميع الرأس، أو يحرم بعضه أيضا؟

______________________________

(1) كالصدوق في الفقيه 2: 238، و حكاه في الرياض 1: 436.

(2) الكافي 4: 438- 1، الفقيه 2: 236- 1127، التهذيب 5: 157- 521، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 195

استوجه في المنتهى «1»، و حكي عن جمع أيضا «2»: عدم تحريم البعض، و لا أرى وجها للتفرقة بين الكلّ و البعض.

و عليه أيضا هل يكون مجزئا عن التقصير، أم لا؟

قيل: نعم مطلقا «3». و قيل: بإجزاء حلق البعض «4». و الحقّ: عدم الإجزاء، لما أشرنا إليه من مباينة الحلق و التقصير.

ثمَّ لو حلق فهل عليه دم، أم لا؟

المشهور- كما قيل «5»-: الأول، بل ربّما يلوح من كلام بعضهم مظنّة كونه إجماعا «6»، و في النافع اختصاصه بما قبل التقصير «7». و ظاهر طائفة من المتأخّرين التأمّل فيه «8».

و ما يدلّ عليه رواية إسحاق: عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: «عليه دم يهريقه» «9».

و صحيحة جميل: عن متمتّع حلق رأسه بمكّة، قال: «إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن تعمّد ذلك في أول أشهر الحجّ بثلاثين يوما فليس

______________________________

(1) المنتهى 2: 711.

(2) حكاه في الرياض 1: 436.

(3) كما في المنتهى 2: 711.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    196     المسألة الثانية: و حيث عرفت وجوب التقصير عليه، فهل يجوز له معه الحلق مطلقا، أو بعد التقصير، أم لا؟ ..... ص : 193

(4) كما في الدروس 1: 415.

(5) انظر المدارك 8: 461.

(6) انظر الرياض 1: 436.

(7) النافع: 108.

(8) كما في المدارك 8: 461، الذخيرة: 649، الرياض 1: 436.

(9) الفقيه 2:

238- 1133 و فيه: عن أبي بصير، و في التهذيب 5: 158- 525 و الاستبصار 2: 242- 842 و الوسائل 13: 510 أبواب التقصير ب 4 ح 3: عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 196

عليه شي ء، و إن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه» «1».

و يرد على الاولى: أنّها ظاهرة في الناسي، و ظاهرهم الإجماع- كما قيل «2»- أيضا على عدم الوجوب عليه، و لكن كلام المحقّق مطلق «3»، و لكنّه لا يخرجها عن الشذوذ المخرج عن الحجّية، و مع ذلك مخصوص بما قبل التقصير، فلا يصلح حجّة للتعميم.

و على الثانية: أنّه لا ظهور فيها على كون الحلق بعد الإحرام، كذا قيل «4».

و فيه نظر، بل ظاهر التعليق على المتمتّع و على كونه بمكّة كونه بعده و إن احتمل بعيدا كونه قبله.

نعم، يرد عليها: أنّه لا دلالة فيها على كون الدم لأجل الحلق بعد الإحرام، و إلّا لم يكن للتخصيص بما بعد الثلاثين المذكورة وجه، فلعلّه للإخلال بتوفير الشعر المستحبّ عند الأكثر و الواجب عند بعضهم «5»، بل عن المفيد: إيجاب الإخلال به للدم «6».

و ظهر من ذلك أنّه لا دليل على وجوب الدم به في صورة التأخير عن التقصير.

______________________________

(1) الكافي 4: 441- 7، الفقيه 2: 238- 1137، التهذيب 5: 158- 526، الاستبصار 2: 242- 843، الوسائل 13: 510 أبواب التقصير ب 4 ح 5.

(2) انظر الرياض 1: 436.

(3) الشرائع 1: 302.

(4) انظر الرياض 1: 436.

(5) كالشيخ في النهاية 1: 206.

(6) المقنعة: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 197

و أمّا مع التقديم، فظاهر الرواية الأولى الوجوب على الناسي، و هو خلاف

المعروف بين الأصحاب، و به تخرج الرواية عن الحجّية، فلا تكون دليلا في صورة التقديم أيضا.

و لو احتيط حينئذ- مع العمد، لمظنّة الإجماع، و مع النسيان، للرواية، بل في صورة التأخير، للشهرة حتى في حلق البعض، لصدق حلق الرأس الوارد في الرواية- كان أولى.

المسألة الثالثة: يكفي المسمّى في التقصير،

لإطلاق، الأخبار، و المشهور كفايته من الشعر أو الظفر، و عن بعضهم: لزوم كونه في الشعر «1»، و هو المستفاد من الأخبار.

و لا يلزم كون التقصير بالمقراض، كما صرّح به في صحيحة ابن عمّار «2» و رواية محمّد الحلبي «3»، و لا بالحديد، بل يكفي القطع و لو بالسنّ أو الظفر، كما صرّح به في رواية محمّد المشار إليها، و صحيحتي حمّاد بن عثمان «4» و الحلبي «5».

المسألة الرابعة: لو ترك التقصير حتى أحرم بالحجّ،

فإن كان عمدا فعن الشيخ بطلان متعته و صيرورة حجّه مفردة «6». و عن الحلّي: بطلان

______________________________

(1) انظر التحرير 1: 100.

(2) الكافي 4: 439- 6، التهذيب 5: 158- 524، الوسائل 13: 507 أبواب التقصير ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 5: 162- 542، الاستبصار 2: 244- 851، الوسائل 13: 509 أبواب التقصير ب 3 ح 4.

(4) الفقيه 2: 238- 1138، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.

(5) الكافي 4: 441- 6، التهذيب 5: 162- 543، الاستبصار 2: 244- 852، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.

(6) الخلاف 2: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 198

إحرامه الثاني «1».

و تدلّ على الأول رواية أبي بصير: «المتمتّع إذا طاف و سعى ثمَّ لبّى قبل أن يقصّر، فليس له أن يقصّر، و ليس له متعة» «2».

و رواية العلاء: عن رجل متمتّع طاف ثمَّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر، قال: «بطلت متعته، هي حجّة مبتولة» «3».

و لم أعثر لدليل على الثاني.

و إن كان نسيانا فيصحّ تمتّعه، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «4»، للأخبار الآتية، و عليه دم شاة على الأظهر، (وفاقا لعليّ بن بابويه و الشيخ و القاضي و الإرشاد «5».

لموثّقة إسحاق: الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى

يهلّ بالحجّ، قال: «عليه دم يهريقه» «6».

و خلافا للفقيه و الديلمي و الحلّي و القواعد، فلا دم عليه وجوبا «7».

لصحيحة ابن سنان: في رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتى أحرم

______________________________

(1) السرائر 1: 581.

(2) التهذيب 5: 159- 529، الاستبصار 2: 243- 846، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 5.

(3) التهذيب 5: 90- 296، الاستبصار 2: 175- 580، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.

(4) الذخيرة: 649.

(5) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة: 649، الشيخ في النهاية: 246، القاضي في المهذب 1: 225، الإرشاد 1: 328.

(6) التهذيب 5: 158- 527، الاستبصار 2: 242- 844، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 6.

(7) الفقيه 2: 237، الديلمي في المراسم: 124، الحلّي في السرائر: 136، القواعد 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 199

بالحجّ، قال: «يستغفر اللّه و لا شي ء عليه» «1».

و ابن عمّار: عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل الحجّ، قال: «يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و تمّت عمرته» «2».

و البجلي: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فدخل مكّة، فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ و نسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات، قال:

«لا بأس به، يبني على العمرة و طوافها، و طواف الحجّ على أثره» «3».

فيحملون الموثّقة على الاستحباب، لهذه الأخبار.

و فيه: أنّ هذه الأخبار عامّة، لأنّ نفي الشي ء أعمّ من الذمّ و العقاب و غيرهما، و الموثقة خاصّة، و التخصيص مقدّم على التجوّز) [1].

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ح»: و قد مرّت المسألة مفصّلة في بحث أحكام الإحرام.

______________________________

(1) الكافي 4: 440- 1، الفقيه 2: 237- 1129، التهذيب 5: 90- 297، الاستبصار

2: 175- 577، الوسائل 12: 410 أبواب الإحرام ب 54 ح 1.

(2) الكافي 4: 440- 2، التهذيب 5: 91- 299، الاستبصار 2: 175- 579، الوسائل 13: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.

(3) الكافي 4: 440- 3، التهذيب 5: 90- 298، الاستبصار 2: 175- 578، الوسائل 13: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 200

المطلب الثاني في أفعال حجّ التمتّع
اشاره

و قد عرفت أنّها ثلاثة عشر فعلا: الإحرام، و الوقوف بعرفات، و الوقوف بمشعر، و ثلاثة أفعال منى قبل النفر إلى مكّة، و خمسة أفعال مكّة بعده، و فعلان بعد العود إلى منى.

ففي هذا المطلب سبعة فصول [1]:

الفصل الأول في إحرام حجّ التمتّع

اعلم أنّه إذا فرغ المتمتّع من العمرة و أحلّ منها وجب عليه الإحرام بالحجّ إجماعا قطعيّا، منصوصا عليه في الأخبار «1» الغير العديدة، المذكور أكثرها في المسألة الثامنة من الباب [الأول من المقصد الرابع ] [2].

و يجب كون ذلك الإحرام من بطن مكّة، كما مرّ مفصّلا في المسألة المذكورة، و كذا مرّ أفضل مواضعها هنا، و مرّ موضع التلبية لذلك الإحرام و موضع قطعها في بحث تلبية إحرام عمرة التمتّع، و كذا مرّ كيفية الإحرام

______________________________

[1] في «ح» زيادة: و يلحقها ما بعد الفراغ و العود إلى مكة.

[2] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الثاني من المقصد الثالث، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) الوسائل 11: 301 أبواب أقسام الحجّ ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 201

و مقدّماته و واجباته و مستحبّاته.

و يترجّح أن يكون ذلك الإحرام يوم التروية، بلا خلاف، كما في الذخيرة و عن المنتهى «1»، بل بالإجماع كما عن التذكرة «2»، له، و للمستفيضة من الأخبار «3» المتقدّمة أكثرها في المسألة المذكورة.

و عن ابن حمزة أنّه قال: إذا أمكنه الإحلال و الإحرام بالحجّ و لم يضيّق الوقت لزمه الإحرام يوم التروية «4»، و لعلّه للأمر في الأخبار المذكورة.

و يردّ: بوجوب حمله على الاستحباب، لعمل الطائفة، و لأخبار أخر دالّة على التوسعة.

كصحيحة عليّ بن يقطين: عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: «إذا زالت الشمس»، و عن الذي يريد أن يتخلّف

بمكّة عشيّة التروية إلى أيّ ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال: «ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى» «5».

و قويّة يعقوب بن شعيب: «لا بأس للمتمتّع أن يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يحسّ فوات الموقفين» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 650، المنتهى 2: 714.

(2) التذكرة 1: 370.

(3) الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20.

(4) الوسيلة: 176، و قد حكاه عنه في المختلف: 296.

(5) التهذيب 5: 175- 587، الاستبصار 2: 252- 887، الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحجّ و الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.

(6) الكافي 4: 444- 4، التهذيب 5: 171- 568، الاستبصار 2: 247- 863، الوسائل 11: 292 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 5، و في الجميع: إن لم يحرم ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 202

و رواية محمّد بن ميمون: قد قدم أبو الحسن عليه السلام متمتّعا ليلة عرفة، فطاف و أحلّ و أتى بعض جواريه، ثمَّ أهلّ بالحجّ و خرج «1».

و رواية عمر بن يزيد المتقدّمة في المسألة المذكورة، و فيها: «و اعلم أنّه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار» «2».

مضافا إلى ما في الأوامر المذكورة من ضعف الدلالة على الوجوب، كما مرّ وجهه في المسألة المتقدّمة.

و أفضل أوقات يوم التروية له: عند الزوال، كما نطقت به الأخبار «3».

و أمّا أنّ الأفضل كونه بعد الصلاتين، أو بعد صلاة الظهر خاصّة، أو قبلهما، فقد مرّ في بحث إحرام العمرة.

و يظهر ممّا يأتي في أفضل حالات الخروج إلى منى، و أنّ الأفضل للإمام التقديم على الصلاتين و الباقون بالخيار.

______________________________

(1) الكافي 4: 443- 2، الفقيه 2: 242- 1157، التهذيب 5: 172- 572، الاستبصار 2:

247- 867، الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 2 و فيه: ثمَّ أحرم بالحجّ و خرج.

(2) التهذيب 5: 169- 561، الاستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 3.

(3) الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 203

الفصل الثاني في ثاني أفعال الحجّ، و هو الوقوف بعرفات
اشاره

و الكلام إمّا في مقدّماته، أو كيفيّته، أو أحكامه، فهاهنا ثلاثة أبحاث:

البحث الأول في مقدماته
اشارة

و هي أمور:

منها: الخروج من مكّة إلى جهة عرفات،

و لا شكّ في وجوبه، لأنّه مقدّمة الواجب، و لا خلاف في رجحان كونه يوم التروية، كما في الذخيرة «1».

و تدلّ عليه من الأخبار صحيحة الحلبي «2»، و ابن عمّار «3»، و موثّقة أبي بصير «4»، و رواية عمر بن يزيد «5»، المتقدّمة في بيان موضع إحرام حجّ

______________________________

(1) الذخيرة: 650.

(2) الكافي 4: 443- 3، التهذيب 5: 164- 547، الوسائل 11: 303 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 7.

(3) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 13: 519 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 1 ح 1.

(4) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الاستبصار 2: 252- 885، الوسائل 13: 521 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 2.

(5) التهذيب 5: 169- 561، الاستبصار 2: 252- 886، الوسائل 13: 521 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 204

التمتّع من الباب [الأول من المقصد الرابع ] [1]، و الأخبار الآتية الآمرة بالخروج بعد زوال الشمس من هذا اليوم «1».

و موثّقة إسحاق: عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحجّ و يخرج إلى منى قبل يوم التروية؟

قال: «نعم»، قلت: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا و يتروّح بذلك؟

قال: «لا»، قلت: يتعجل بيوم؟ قال: «نعم»، قلت: بيومين؟ قال: «نعم»، قلت: ثلاثة؟ قال: «نعم»، قلت: أكثر من ذلك؟ قال: «لا» «2».

و هل تأخيره إلى التروية على سبيل الوجوب، كما يحكى عن الإسكافي و الشيخ «3»؟

أو الاستحباب، كما هو المشهور، و عن المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «4»، و عن التذكرة: الإجماع عليه «5»؟

الظاهر: الثاني، للأصل السالم عمّا يصلح

لإثبات الوجوب، فإنّ الأخبار الثلاثة الاولى و إن تضمّنت الأمر إلّا أنّها في الخروج بعد الزوال، الذي هو ليس بواجب قطعا كما يأتي، و كذا سائر الأخبار الآتية، و موثّقة إسحاق و إن لم تتقيّد بالزوال إلّا أنّها لكونها جملة خبريّة لا تفيد التحريم، فيمكن أن يكون السؤال عن الإباحة.

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الثاني من المقصد الثالث، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2.

(2) الكافي 4: 460- 1، التهذيب 5: 176- 589، الاستبصار 7: 253- 889، الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 1.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 296، الشيخ في التهذيب 5: 175.

(4) المنتهى 2: 714.

(5) التذكرة 1: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 205

ثمَّ إنّ ما ذكر من رجحان الخروج يوم التروية لغير ذوي الأعذار، و أمّا هم فلهم التقدّم بيوم أو يومين أو ثلاثة، بلا خلاف يعرف، للموثقة المذكورة، و مرسلة البزنطي الآتية و غيرهما.

و الأحوط عدم تقدّم ذوي الأعذار على الثلاثة، كما تنطق به الأخبار المتقدّمة، كما أنّ الأحوط لغيرهم عدم التقدّم على التروية.

ثمَّ الراجح أن يكون الخروج يوم التروية بعد الزوال، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، و يدلّ عليه غير موثّقة إسحاق من الأخبار المذكورة طرّا.

و هل هو على سبيل الوجوب لغير ذوي الأعذار؟ كما يحكى عن الشيخ «1»، للأخبار المذكورة المتضمّنة أكثرها للأمر، و لصحيحة عليّ بن يقطين: عن الذي يريد أن يتقدّم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: «إذا زالت الشمس»، و عن الذي يريد أن يتخلّف بمكّة عشيّة التروية إلى أيّ ساعة يسعه أن

يتخلّف؟ قال: «ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى» «2».

أو الاستحباب؟ كما هو المشهور، بل ظاهر الفاضل كونه إجماعيّا «3»، حيث حمل قول الشيخ على شدّة الاستحباب، لرواية رفاعة: هل يخرج الناس إلى منى غدوة؟ قال: «نعم، إلى غروب الشمس» «4»، و ضعفها- لو كان- منجبر بالاشتهار، و هي قرينة صارفة لسائر الأخبار عن ظاهرها، مضافة إلى أنّ الدالّ على الوجوب لو ابقي و ظاهره لخرج عن الحجيّة

______________________________

(1) حكاه عنه في الحدائق 16: 350.

(2) التهذيب 5: 175- 587، الاستبصار 2: 252- 887، الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.

(3) المنتهى 2: 715.

(4) الكافي 4: 460- 3، التهذيب 5: 176- 588، الاستبصار 2: 253- 888، الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 206

بالشذوذ، و لم يفد سوى الاستحباب المحتمل للتسامح.

ثمَّ في الوقت الراجح فيه الخروج بعد الزوال من جهة التقديم على الصلاة و التأخير عنها اختلفوا على أقوال:

ففي الشرائع و النافع و عن المبسوط و النهاية: أنّه بعد صلاة الظهرين بمكّة «1».

و استدلّ له بصحيحة الحلبي و ابن عمّار المذكورة «2».

و هي عن الدلالة على ذلك قاصرة، إذ ليس فيها الظهرين و غايته المكتوبة، فيحتمل الظهر خاصّة، كما عليه جماعة «3».

و بأنّ المسجد الحرام أفضل من غيره، فيستحبّ إيقاع الفرضين فيه.

و فيه ما فيه، لأنّه أمر آخر غير جهة الخروج إلى عرفات.

و عن المفيد و السيّد: أنّه قبل الظهرين، و الراجح إيقاعهما بمنى.

و يدلّ عليه ظاهر موثّقة أبي بصير و رواية عمر المتقدّمتين «4»، و صحيحة ابن عمّار الطويلة المتضمّنة لبيان حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،

و فيها:

«فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا و يهلّوا بالحجّ، فخرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتوا منى، فصلّى الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، ثمَّ غدا و الناس معه» الحديث «5».

______________________________

(1) الشرائع 1: 252، النافع: 86، المبسوط 1: 364، النهاية: 247.

(2) في ص: 203.

(3) منهم الطوسي في المبسوط 1: 365، العلّامة في المنتهى 2: 715، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 204.

(4) في ص: 203.

(5) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 207

و صحيحة جميل: «على الإمام أن يصلّي الظهر بمنى، ثمَّ يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس، ثمَّ يخرج إلى عرفات» «1»، و قريبة منها الأخرى «2».

و صحيحة محمّد: «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر [يوم التروية] إلّا بمنى و يبيت بها إلى طلوع الشمس» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «على الإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف، و يصلّي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام» «4».

و الأخرى: «و إذا انتهيت إلى منى فقل: اللّهم هذه منى و هذه ممّا مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك، فإنّما أنا عبدك و في قبضتك، ثمَّ تصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، و الإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك، و موسّع لك أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر، ثمَّ تدركهم بعرفات»، ثمَّ قال: «و حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر [1]» «5».

______________________________

[1] محسّر: بكسر

السين و تشديدها، و هو واد معترض الطريق بين جمع و منى، و هو إلى منى أقرب، و هو حد من حدودها- مجمع البحرين 3: 268.

______________________________

(1) الكافي 4: 460- 2، الفقيه 2: 280- 1373، الوسائل 13: 525 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 6.

(2) التهذيب 5: 177- 592، الاستبصار 2: 254- 892، الوسائل 13: 523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 5: 176- 591، الاستبصار 2: 253- 891، الوسائل 13: 523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 177- 593، الاستبصار 2: 254- 893، الوسائل 13: 524 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 3.

(5) الكافي 4: 461- 1، التهذيب 5: 177- 596، الوسائل 13: 525 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 208

و عن الشيخ في التهذيب: الفرق بين الإمام- أي أمير الحاجّ- و غيره، فالأول للثاني و الثاني للأول «1»، و هو مذهب المحقّق في النافع «2»، بل ظاهر كلام الشيخ عدم جواز الصلاتين للإمام إلّا بمنى، أمّا الأول فلصحيحة الحلبي و ابن عمّار و موثّقة أبي بصير و رواية عمر، و أمّا الثاني فلصحيحة جميل و ما بعدها من الأخبار.

و ذهب الحلّي إلى الفرق أيضا، إلّا أنّه رجّح لغير الإمام الخروج بعد صلاة الظهر خاصّة «3»، و لعلّه لظاهر صحيحة الحلبي و ابن عمّار.

و ذهب جماعة من المتأخّرين- منهم: المدارك و المفاتيح و شرحه- إلى التفصيل أيضا، و لكن قالوا في غير الإمام بالتخيير بين الخروج قبل الصلاة و بعدها «4»،

للجمع بين الأخبار، و لإطلاق موثّقة أبي بصير المذكورة، و تصريح صحيحة ابن عمّار الأخيرة.

و مرسلة البزنطي: يتعجّل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين لأجل الزحام و ضغاط الناس؟ فقال: «لا بأس، و موسّع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية إلى أن يصبح حيث يعلم أنّه لا يفوته الوقت» [1].

______________________________

[1] التهذيب 5: 176- 590، و في الاستبصار 2: 253- 890 و الوسائل 13: 523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 3 الى قوله: «لا بأس»، و الظاهر أن ما بعده من كلام الشيخ. و الرواية في الفقيه 2: 280- 1371 إلى قوله: «لا بأس»، عن إسحاق بن عمّار.

______________________________

(1) التهذيب 5: 175.

(2) النافع: 86.

(3) السرائر 1: 585.

(4) المدارك 7: 388، المفاتيح 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 209

أقول: لا ينبغي الريب في استحباب خروج الإمام قبل صلاة الظهر، للأخبار المذكورة التي هي أخصّ مطلقا من غيرها، بل ظاهر غيرها الاختصاص بغير الإمام، فلا يكون لأخبار الإمام معارض و لو على سبيل العموم.

و ظاهر أكثر تلك الأخبار و إن كان الوجوب على الامام- كما هو ظاهر الشيخ «1» و محتمل الحلّي «2»- إلّا أنّ الأكثر حملوها على الاستحباب، بل عن الفاضل: حمل كلام الشيخ أيضا على شدّة الاستحباب «3»، فلا ينبغي الريب في سقوط القول الأول.

و أمّا غير الإمام، فظاهر الموثّقة و صريح، رواية عمر أنّه أيضا كالإمام، كما هو القول الثاني.

و لكن مقتضى صحيحة الحلبي و ابن عمّار غير ذلك، بل رجحان تأخيره إمّا عن الصلاتين، كما هو القول الثالث، أو عن الظهر خاصّة، كما هو القول الرابع.

فإن قدّمنا الموثّقة و الرواية بالأكثريّة و الأصرحيّة فالترجيح

للثاني.

و إن رجّحنا الصحيحة بالصحّة و بمخالفة العامّة- حيث نقل عنهم القول باستحباب الخروج إلى منى قبل الظهرين- فالترجيح للقول الثالث إن حملنا المكتوبة في الصحيحة على مطلق الوجوب الشامل للظهرين.

و للرابع إن اكتفينا بالقدر المتيقّن رجحانه منها، و هو صلاة الظهر خاصّة.

و إن لم يلتفت إلى تلك المرجّحات، فالترجيح للقول الخامس، و هو الأقوى، لما ذكر من عدم الالتفات إلى المرجّحات.

______________________________

(1) التهذيب 5: 175.

(2) السرائر 1: 585.

(3) المنتهى 2: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 210

أمّا الأكثرية و الأصحيّة فلمنع كونهما مرجّحتين، و أمّا الأصرحية فلمنعها رأسا، و أمّا مخالفة العامّة فلعدم ثبوتها.

فعلى ذلك القول الفتوى، فيتساوى لغير الإمام الخروج قبل الصلاتين و بعده، و يجوز له التأخير إلى الغروب، لرواية رفاعة «1» المتقدّمة، بل إلى طلوع الفجر من يوم عرفة، لصحيحة ابن يقطين «2» السابقة، بل إلى ما يتضيّق وقت الوقوف بعرفات، لمرسلة البزنطي السالفة، المعتضدة كلّها بالأصل و بظاهر الإجماع، و كذلك الإمام، لما ذكر.

و يستثنى من ذلك المضطرّ الذي له الإحرام قبل يوم التروية، فإنّ له الخروج أيضا قبله بلا مرجوحية، كما مرّ في بحث الإحرام.

و منها: أن يبيت الإمام و غيره بمنى ليلة عرفة حتى يطلع الفجر،

و هو راجح بلا خلاف يعلم.

و يدلّ على رجحانه تصريح الأصحاب، و قوله في صحيحة ابن عمّار المتقدمة: «ثمَّ يصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر» «3»، و صحيحته الأخرى الطويلة «4».

و تدلّ عليه في حقّ الإمام صحاح جميل و محمد المتقدّمة «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 460- 3، التهذيب 5: 176- 588، الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحجّ و الوقوف بعرفة ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 5: 175- 587، الاستبصار 2: 252- 887، الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و

الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 461- 1، التهذيب 5: 177- 596، الوسائل 13: 524 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 5.

(4) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(5) في ص: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 211

و ليس بواجب، للأصل و قصور تلك الأخبار عن إثباته.

خلافا للمحكيّ عن القاضي و الحلبي، فأوجباه «1». و هو ضعيف.

و منها: أن لا يجوز وادي محسّر

- بكسر السين المشدّدة، حدّ منى إلى جهة عرفة- حتى تطلع الشمس، لصحيحة هشام بن الحكم: «لا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس» «2».

و لقصورها عن إفادة التحريم حكم الأكثر بكراهته.

خلافا للشيخ و القاضي، فحرّماه «3». و هو أيضا ضعيف.

و منها: الدعاء عند الخروج إلى منى بما في صحيحة ابن عمّار:

«إذا توجّهت إلى منى فقل: اللّهمّ إيّاك أرجو و إيّاك أدعو فبلّغني أملي و أصلح لي عملي» «4».

و عند الانتهاء إليها بما في صحيحته الأخرى المتقدّمة.

و عند الخروج منها و التوجّه إلى عرفات بما في صحيحته الثالثة: «إذا غدوت إلى عرفة فقل و أنت متوجّه إليها: اللّهمّ إليك صمدت، و إيّاك اعتمدت، و وجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، و أن تقضي لي حاجتي، و أن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي» «5».

______________________________

(1) القاضي في المهذّب 1: 245، الحلبي في الكافي في الفقه: 198.

(2) التهذيب 5: 178- 597، الوسائل 13: 528 أبواب إحرام الحج ب 7 ح 4.

(3) الشيخ في التهذيب 5: 178، القاضي في المهذّب 1: 251.

(4) الكافي 4: 460- 4، التهذيب 5: 177- 595، الوسائل 13: 526 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 6 ح 1.

(5) الكافي 4: 461- 3، التهذيب 5: 179- 600، الوسائل 13: 528 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 212

البحث الثاني في كيفيّته
اشارة

و هي إمّا واجبة أو مندوبة، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
الأول: النيّة على ما مرّ بيانها غير مرّة،

و وقتها أول وقت الكون، كما يأتي.

الثاني: الوقوف بعرفات،

و هو واجب إجماعا، بل ضرورة دينيّة، و تصرّح به الأخبار.

روي في المجمع عن الباقر عليه السلام، قال: «كانت قريش و حلفاؤهم من الخمس «1» لا يقفون مع الناس بعرفة، و لا يفيضون منها، و يقولون نحن أهل حرم اللّه فلا نخرج من الحرم، فيقفون بالمشعر و يفيضون منه، فأمرهم اللّه أن يقفوا بعرفات و يفيضوا منه» «2».

فائدتان:
الأولى: المراد بالوقوف بها: الكون فيها،

سواء كان نائما أو مستيقظا، قاعدا أو قائما أو راكبا، ساكنا أو ماشيا، للأصل، و صدق الوقوف بعرفات على جميع الحالات، و إن كان بعض الحالات أفضل بالنسبة إلى

______________________________

(1) الخمس: الإحلاف في قريش خمس قبائل: عبد الدّار و جمح و سهم و مخزوم و عديّ بن كعب- لسان العرب 9: 54.

(2) مجمع البيان 1: 296 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 213

البعض، كما يأتي.

الثانية: المرجع في معرفة عرفات إلى أهل الخبرة

القاطنين في تلك الحدود، و كذا المشعر و سائر المواضع، و وجهه ظاهر، مضافا إلى صحيحة ابن البختري «1» الآتية في مقدّمات نزول منى، و كلّها موقف، للصدوق، و لصحيحة مسمع: «عرفات كلّها موقف، و أفضل الموقف سفح الجبل» «2».

و هي بمحلّها معروفة، فيجب الفحص عنها، و مع التشكيك في بعض الحدود يجب القصر على المتيقّن، لاشتغال الذمّة اليقيني.

و لا يكفي الوقوف بحدودها الخارجة عنها، فلا يجزئ الوقوف بنمرة- بفتح النون و كسر الميم و فتح الراء، و قيل: يجوز إسكان الميم «3»- و هي:

الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف، و المأزمان- بكسر الزاء- مضيق بين مكّة و منى بين جبلين، كذا في تحرير النووي و القاموس «4».

و في صحيحة ابن عمّار: أنّها بطن عرنة، ففيها: «فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة- و هي: بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة- فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و إنّما تعجّل العصر و تجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة، و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلى ذي المجاز،

______________________________

(1) الكافي 4: 470- 1، الوسائل 14: 24

أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1.

(2) الكافي 4: 463- 1، الوسائل 13: 534 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 11 ح 2.

(3) كما في الصحاح 2: 837، كشف اللثام 1: 353.

(4) القاموس المحيط 2: 154، و: ج 4: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 214

و خلف الجبل موقف» «1».

و فيها تصريح بخروج نمرة عن الموقف و عرفة، و لكن فيها إشكالا من حيث تفسيرها النمرة ببطن عرنة أولا، ثمَّ عطف الأول على الثاني في آخر الحديث ثانيا الدالّ على التعدّد، و الطاهر أنّ النمرة التي يضرب فيها الخباء هي أسفل الجبل، و هو بطن عرنة، و التي جعلت قسيما له هي أصل الجبل.

و كذا لا يجوز الوقوف بعرنة- بضمّ العين المهملة و فتح الراء و النون كهمزة-: واد بعرفات، قاله المطرّزي «2». و قال السمعاني: واد بين عرفات و منى «3». و قيل: عرينة بالتصغير «4».

و لا بثويّة، بفتح الثاء المثلّثة و كسر الواو و تشديد الياء المثنّاة تحتها.

و لا بذي المجاز، قيل: هو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب «5».

و لا بالأراك- كسحاب-: موضع قريب بنمرة.

فإنّ كلّ هذه المواضع الخمسة من حدود عرفات، أي تنتهي العرفات إليها، فلا يجزئ الوقوف بها، بالإجماعين «6»، و الأخبار، منها: الصحيحة

______________________________

(1) الكافي 4: 461- 3، التهذيب 5: 179- 600، الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 1.

(2) المغرب 2: 40.

(3) الأنساب 4: 182.

(4) كما في مجمع البحرين 6: 282، لسان العرب 13: 283، المغرب 2: 40.

(5) انظر كشف اللثام 1: 353.

(6) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 518، و المنتهى 2: 722، و المدارك 7: 395، و الرياض 1: 386.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 215

المتقدّمة.

و في موثّقة سماعة: «و اتّق الأراك و نمرة- و هي بطن عرنة- و ثويّة و ذي المجاز، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه» «1».

و في صحيحة الحلبي «2» و غيرها «3»: «إنّ أصحاب الأراك لا حجّ لهم».

الثالث: أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة،

فلو وقف قبله لم يجز إجماعا، و هو- مع أصل الاشتغال، و فعل النبيّ و الآل، و النصوص المستفيضة «4» المتضمّنة للأمر بدخول الموقف ما بعد الزوال، و المتضمّنة لقطع التلبية بالزوال و توقيفيّة العبادة، بضميمة انتفاء ما يدلّ على كفاية مطلق الوقوف- يدلّ عليه.

الرابع: أن يكون قبل الغروب،

فلو وقف بعده اختيارا لم يجز إجماعا أيضا، له، و لجميع ما مرّ من الأدلّة، فإنّ ما بعد الزوال لا يصدق على ما بعد الغروب عرفا، مضافا إلى الأخبار الآمرة بالإفاضة من عرفات بعد الغروب «5».

و أمّا الأخبار المصرّحة بكفاية إدراكها في الليل «6» فكلّها واردة في المضطرّ و من لم يدرك يوم عرفة بعرفات، كما يأتي.

الخامس: أن يكون وقوفه فيها منتهيا إلى الغروب،

فلا يجوز الإفاضة

______________________________

(1) الفقيه 2: 281- 1377، التهذيب 5: 180- 604، الوسائل 13: 533 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 6، بتفاوت.

(2) العلل: 455- 1، الوسائل 13: 533 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 11.

(3) الوسائل 13: 531 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10.

(4) الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9.

(5) الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

(6) كما في الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 216

عنها قبل الغروب، و هو أيضا إجماعيّ كما في المنتهى و المختلف «1»، و يدلّ عليه فعل الحجج عليهم السلام، و النصوص المثبتة للكفّارة على من أفاض قبله «2».

و موثّقة يونس: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: «إذا ذهبت الحمرة» يعني: من الجانب الشرقي «3».

و صحيحة ابن عمّار: «إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأفاض بعد غروب الشمس» «4»، و غير ذلك «5»، مع قوله عليه السلام: «خذوا عنّي مناسككم» «6».

و أمّا قول الشيخ- و الأولى أن يقف إلى غروب الشمس و يدفع عن الموقف بعد غروبها «7»- فمراده كما في المختلف أنّ الأولى انتهاء الوقوف

بالغروب و عدم الوقوف بعده، أو أنّ الأولى استمرار الوقوف متّصلا إلى الغروب و إن أجزأ لو خرج في الأثناء ثمَّ عاد قبل الغروب «8».

السادس: أن يكون ابتداء وقوفه أول الزوال

حتى يكون وقوفه من أول الزوال إلى الغروب إذا كان مختارا.

لا بمعنى: أنّه يجب استيعاب جميع هذا الوقت في الموقف حقيقة

______________________________

(1) المنتهى 2: 720، المختلف: 300.

(2) الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23.

(3) الكافي 4: 446- 1، الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 3.

(4) الكافي 4: 467- 2، التهذيب 5: 186- 619، الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 1.

(5) الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

(6) سنن النسائي 5: 270، مسند أحمد 3: 318، كنز العرفان 1: 271.

(7) انظر الخلاف 2: 338.

(8) المختلف: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 217

حتى لا يجوز الإخلال بجزء، كما عن الدروس و اللمعة و الروضة «1»، و نقله في الذخيرة من غير واحد من عبارات المتأخّرين «2»، و يشعر كلام المدارك بنسبته إلى الأصحاب «3».

لعدم دليل على ذلك أصلا، كما اعترف به في المدارك و الذخيرة «4» و غيرهما «5»، بل في الأخبار ما يعطي خلافه، كما يأتي.

بل بمعنى أنّه يجب استيعاب ذلك الوقت عرفا، الحاصل بالاشتغال بمقدّمات الوقوف المستحبّة في حدود عرفة، ثمَّ الوقوف حتى يكون الوقت مستوعبا بهذه الأمور و إن كان قليل من أول الوقت مصروفا في الحدود بالمقدّمات و الصلاة.

و هذا المعنى هو الذي استقربه في الذخيرة «6»، بل هو الذي يعطيه كلام الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية و المبسوط و الديلمي في رسالته و الحلّي في

سرائره و الفاضل في المنتهى «7».

و هذا المعنى هو الذي يستفاد من الأخبار، و عليه عمل الحجج الأطهار:

ففي صحيحة ابن عمّار المتضمّنة لصفة حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ثمَّ غدا

______________________________

(1) الدروس 1: 419، الروضة 2: 269.

(2) الذخيرة: 651.

(3) المدارك 7: 393.

(4) المدارك 7: 393، الذخيرة: 651.

(5) كالحدائق 16: 377.

(6) الذخيرة: 652.

(7) الفقيه 2: 322، النهاية: 250، المبسوط 1: 366، المراسم: 112، السرائر 1: 587، المنتهى 1: 718.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 218

و الناس معه» إلى أن قال: «حتى انتهى إلى نمرة- و هو: بطن عرنة بحيال الأراك- فضرب قبّته و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثمَّ صلّى الظهر و العصر بأذان و إقامتين، ثمَّ مضى إلى الموقف فوقف به» الحديث «1».

و صحيحة أبي بصير: «لمّا كان يوم التروية قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام: تروّ من الماء، فسمّيت التروية، ثمَّ أتى منى فأباته بها، ثمَّ غدا به إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرنة، فبنى مسجدا بأحجار بيض، و كان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلّي الإمام يوم عرفة، فصلّى بها الظهر و العصر، ثمَّ عمد به إلى عرفات، فقال: هذه عرفات فاعرف بها مناسكك و اعترف بذنبك، فسمّي عرفات» الحديث «2».

و موثقة ابن عمّار: «و إنما تعجّل الصلاة و تجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة، ثمَّ تأتي الموقف» «3»، و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الفائدة الثانية «4»، إلى غير

ذلك.

و هذه الأخبار و إن كانت قاصرة عن إفادة وجوب الوقوف تمام ذلك

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1558، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(2) في الكافي 4: 207- 9: «دون عرفة» بدل: «دون عرنة»، الوسائل 11: 230 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 24.

(3) التهذيب 5: 182- 611، الوسائل 13: 538 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 14 ح 1.

(4) في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 219

الوقت، إلّا أنّه يمكن إتمامها بضميمة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم».

و يستفاد من التذكرة الاكتفاء بمسمّى الوقوف، قال: إنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النيّة «1».

و نسبه بعضهم إلى السرائر «2». و هو ليس منه بظاهر، لأنّه قال أولا:

فإذا زالت اغتسل و صلّى الظهر و العصر جميعا يجمع بينهما بأذان واحد و إقامتين لأجل البقعة، ثمَّ يقف بالموقف- إلى أن قال:- و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، و ليس ذلك بواجب، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال، و أمّا الدعاء و الصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب، و إنّما الواجب الوقوف و لو قليلا «3». انتهى.

و كأنّه أخذ هذه النسبة من قوله: و لو قليلا، و هو ليس قيدا لمطلق الوقوف بل للوقوف في سفح الجبل، و لذا نسب في الذخيرة إليه وجوب الوقوف بسفح الجبل «4»، خلافا للمشهور.

و قرّب الاكتفاء بمسمّى الوقوف بعض مشايخنا أيضا «5»، للأصل النافي للزائد، بعد الاتّفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه، و عدم اشتراط شي ء زائد فيه مع سلامته

عن المعارض.

و هو حسن لو لا ما مرّ من الأمر بأخذ المناسك عنه و عدم اكتفائه بالمسمّى أبدا، سيّما في الجزء الأخير من اليوم، اللّازم كونه هو الواجب، لما مرّ من وجوب الانتهاء إلى الغروب، و لكن مع ذلك فلا وجه للاكتفاء

______________________________

(1) التذكرة 1: 372.

(2) انظر الرياض 1: 383.

(3) السرائر 1: 587.

(4) الذخيرة: 652.

(5) انظر الحدائق 16: 377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 220

بالمسمّى، سيّما مع ندرة القول به، بل لا بعد في جعل خلافه إجماعيّا.

المقام الثاني: في مستحبّاته.

و هي: أن يغتسل للوقوف، و يضرب خباه بنمرة، و يقف في ميسرة الجبل بالنسبة إلى المقادم إليه من مكّة على ما ذكره جماعة «1».

و حكى بعضهم قولا بميسرة المستقبل للقبلة «2». و لا دليل عليه.

قيل: و يكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة و لو في مروره «3».

و هو خلاف المتبادر من الأخبار، بل الظاهر منها كون الوقوف كذلك ما دام واقفا.

و أن يقف في سفح الجبل- أي أسفله- و أوجبه الحلّي و لو قليلا «4»، و الأخبار قاصرة عن إفادته، بل فيها تصريح بأنّه أحبّ و أفضل، و في السهل دون الحزن «5».

و أن يجمع رحله، و يضمّ أمتعته بعضها ببعض.

و أن يسدّ الخلل، أي الفرجة الواقعة بينه و بين رحله أو أصحابه في الموقف بنفسه أو رحله.

و أن يصرف زمان وقوفه كلّه في الذكر و الدعاء، و قيل بوجوبه «6».

و أن يكون حال الدعاء قائما، إلّا إذا كان منافيا للخشوع لشدّة التعب

______________________________

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 653، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 353، صاحب الرياض 1: 384.

(2) انظر كشف اللثام 1: 353.

(3) الدروس 1: 418.

(4) السرائر 1: 587.

(5) الوسائل 13: 534 أبواب إحرام الحج و

الوقوف بعرفة ب 11.

(6) كما في الكافي في الفقه: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 221

و نحوه، فيستحبّ الجلوس.

و أن يدعو له و لوالديه و للمؤمنين بالمأثور، و هو كثير جدّا، منقول في الأخبار و كتب الأدعية «1».

و يكره الوقوف في أعلى الجبل، و قيل بتحريمه «2». و ترتفع الكراهة مع الضرورة. و أن يقف راكبا و قاعدا على ما قيل «3».

كلّ ذلك للأخبار، كما في أكثرها، و للاعتبار كما في كثير منها، و للاشتهار بين العلماء الأبرار كما في جميعها.

و من المستحبّات: أن يكون متطهّرا حالة الوقوف، لرواية عليّ: عن الرجل هل يصلح أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال: «لا يصلح له إلّا و هو على وضوء» «4».

و ظاهرها و إن كان الوجوب، إلّا أنّه يلزم حمله على الاستحباب، كما هو المشهور على ما في شرح المفاتيح، لصحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء، إلّا الطواف، فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل» «5».

و أن يجمع بين صلاتي الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، للأخبار «6».

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 538، 544 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 14 و 17.

(2) انظر المهذب 1: 251، و السرائر 1: 578.

(3) كما في الإرشاد 1: 329.

(4) التهذيب 5: 479- 1700، الوسائل 13: 555 أبواب إحرام الحج ب 20 ح 1.

(5) الفقيه 2: 250- 1201، التهذيب 5: 154- 509، و في الاستبصار 2:

241- 841: و الوضوء أفضل على كل حال، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 1.

(6) الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 222

البحث الثالث في أحكام الوقوف
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لو ترك بعض الوقوف الاختياريّ عمدا

- و هذا إنّما يمكن على غير القول بكفاية المسمّى و إلّا فلا يكون له جزء- فإن كان من أوله بأن يأتي بعد الزوال كثيرا، أو في وسطه بأن يفيض ثمَّ يعود قبل الغروب، أو من آخره بأن يفيض قبل الغروب و لم يعد فيكون آثما في الصور الثلاث، و لكن يصحّ حجّه في جميع الصور بالإجماع، و لا كفّارة عليه أيضا في الصورة الأولى إجماعا، له، و للأصل.

و تجب عليه الكفّارة إجماعا، في الصورة الأخيرة، و هي بدنة على المشهور المنصور، و مع العجز عنها صوم ثمانية عشر يوما، لصحيحتي مسمع و ضريس، و مرسلة السرّاد:

الاولى: في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة» «1».

و الثانية: عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس، قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله» «2».

______________________________

(1) التهذيب 5: 187- 621، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 1.

(2) الكافي 4: 467- 4، التهذيب 5: 186- 620، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 223

و الثالثة: في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال:

«عليه بدنة، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما» «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين، فالكفّارة شاة «2»، و لا يعرف مستندهما إلّا ما عن الجامع من قوله: و روي شاة «3». و هو ضعيف لا يقاوم ما مرّ، كإطلاق النبويّ: «من ترك نسكا فعليه دم»

«4».

و أمّا في الصورة الثانية فالمشهور- كما في شرح المفاتيح- سقوط الكفّارة، و قوّاه بعض مشايخنا «5»، للأصل، و اختصاص النصوص المتقدّمة المثبتة لها- بحكم التبادر و غيره- بصورة عدم الرجوع قبل الغروب.

و نفى في المدارك البعد عن وجوب الكفّارة حينئذ أيضا «6». و ظاهر الذخيرة التردّد «7».

و الأقوى وجوبها، لإطلاق النصوص المتقدّمة المندفع به الأصل، و تخصيصها بصورة الرجوع لا وجه له، و التبادر المتقدّم ذكره لا أفهم وجهه.

قيل: و يستفاد من الصحيحة الثانية جواز صوم هذه الأيّام في السفر و عدم وجوب المتابعة فيها، تصريحا في الأول و إطلاقا في الثاني كما فيما عداها «8».

أقول: جعل الأول تصريحا غير جيّد، لأنّ الطريق أعمّ ممّا نوى فيه

______________________________

(1) التهذيب 5: 480- 1702، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 2.

(2) حكاه عنهما في المختلف: 299.

(3) الجامع للشرائع: 207.

(4) سنن الدار قطني 2: 244- 39، بتفاوت يسير.

(5) انظر الرياض 1: 384.

(6) المدارك 7: 399.

(7) الذخيرة: 653.

(8) انظر الرياض 1: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 224

العشرة المخرجة له عن السفر، فالاستفادة في الأمرين بالإطلاق، و هو كاف في إثباتهما مع أصالة عدم حرمة الصوم في السفر و عدم وجوب المتابعة.

المسألة الثانية: لو ترك بعض الوقوف الاختياريّ من الأول أو الوسط أو الآخر جهلا،

صحّ حجّه إجماعا و لا شي ء عليه من الكفّارات كذلك، له، و للأصل، و صحيحة مسمع المتقدّمة، و يمكن الاستدلال بها على صحّة الحجّ أيضا كما لا يخفى.

و الناسي كالجاهل، بالإجماع، بل يمكن إدخاله في الجاهل المنصوص عليه أيضا، و لو علم أو ذكر قبل الغروب وجب عليه العود مع الإمكان، امتثالا للأمر الواجب عليه.

المسألة الثالثة: لو ترك الوقوف الاختياريّ بعرفات

- أي في يوم عرفة رأسا، أي بجميع أجزائه- عمدا، بطل حجّه إجماعا محقّقا و محكيّا «1»، و في التذكرة و المنتهى و المدارك: أنّه قول علماء الإسلام «2».

و تدلّ عليه مع الإجماع القاعدة الثابتة، و هي: عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، لأنّ المختار مأمور بالوقوف فيها يوم عرفة. و أمّا الوقوف الاضطراري فهو مخصوص بمن لم يتمكّن من الاختياريّ، كما يأتي.

و الدخل فيها- بأنّ الأمر به لا يقتضي دخوله في ماهيّة الحجّ- فإنّما يصحّ لو علمنا ماهيّة الحجّ أو قدرا مشتركا، و لكنّها غير معلومة، إذ يجري ذلك الدخل في كلّ فعل فعل، و جعل بعض الأفعال جزءا بالإجماع يجري في ذلك أيضا.

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المتعدّدة المصرّحة بأنّ الذين يقفون تحت الأراك لا حجّ لهم «3».

______________________________

(1) كما في الدروس 1: 421، و الرياض 1: 384.

(2) التذكرة 1: 373، المنتهى 2: 719، المدارك 7: 399.

(3) كما في الوسائل 13: 531 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 225

و أكثر تلك الأخبار و إن لم يصرّح فيه بمن وقف في الأراك في الوقت الاختياريّ فيمكن تنزيله على من ترك الوقتين، إلّا أنّ صحيحة الحلبي منها ظاهرة في ذلك، فإنّ فيها: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في الموقف:

ارتفعوا عن بطن عرنة، و قال: أصحاب الأراك لا حجّ لهم» «1».

فإنّ موقفه صلّى اللّه عليه و آله كان في الوقت الاختياريّ قطعا، فالأمر بالارتفاع حينئذ و نفي الحجّ عن أصحاب الأراك فيه ظاهر فيما قلناه.

و أمّا مرسلة ابن فضّال: «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنّة» «2» فالمراد بالسنّة فيها مقابل الفرض الذي هو ما ثبت وجوبه بالكتاب.

و مقتضى القاعدة المذكورة و إن كان البطلان بترك جزء من الوقوف الواجب الاختياريّ عمدا، إلّا أنّهم خصّوه بمن تركه بجميع أجزائه، أي ترك المسمّى، و الدليل عليه الإجماع.

و قد يستدلّ عليه أيضا بالأخبار المتقدّمة المتضمّنة لإيجاب الكفّارة على من أفاض قبل الغروب. و هو غير جيّد، لأنّ وجوب الكفّارة أعمّ من بطلان الحجّ، إلّا أن تستقيم الدلالة بالإجماع المركّب، فتأمّل.

المسألة الرابعة: لو ترك جميع الوقوف الاختياري اضطرارا
اشارة

- بأن نسيه و لم يصل إليه لضيق وقته أو لعذر آخر- لم يبطل حجّه و لا كفّارة عليه، بل يجب عليه تداركه ليلة العيد و لو إلى الفجر متّصلا به مع الإمكان إجماعا، له، و للنصوص:

كصحيحة الحلبي: عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال:

______________________________

(1) الكافي 4: 463- 3، التهذيب 5: 287- 976، الاستبصار 2: 302- 1079، الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10.

(2) الفقيه- 2: 206- 937 و فيه: بتفاوت، التهذيب 5: 287- 977، الاستبصار 2:

302- 1080، الوسائل 13: 552 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 226

«إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثمَّ يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّة حتى يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام،

فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تمَّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحجّ من قابل» «1».

و صحيحة ابن عمّار: في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: «إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثمَّ يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تمَّ حجّه» «2».

و الأخرى: «كان رسول صلّى اللّه عليه و آله في سفر فإذا شيخ كبير، فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف قليلا ثمَّ يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها، و قد تمَّ حجّه» «3».

و رواية إدريس: عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، و إن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثمَّ ليفض مع الناس، و قد تمَّ حجّه» «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 289- 981، و في الاستبصار 2: 301- 1076، و الوسائل 14: 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 476- 2، الفقيه 2: 284- 1394، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1.

(3) التهذيب 5: 290- 983، الاستبصار 2: 303- 1081، الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 4.

(4) التهذيب 5: 289- 982، الاستبصار 2: 301-

1077، الوسائل 14: 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 227

و هذه الروايات و إن كانت ظاهرة فيمن لم يتمكّن من إدراك الاختياريّ قاصرة عن التصريح بالناسي، إلّا أنّه مستفاد من التعليل المصرّح به في الصحيحة الأولى، إذ لا شكّ أنّ النسيان من أقوى الأعذار، بل يمكن الاستدلال به على عذر الجاهل أيضا- كما هو ظاهر الذخيرة و الدروس «1»- إذا كان الجهل ساذجا غير مشوب بتقصير أصلا.

و تؤيّد حكم المضطرّ و الناسي و الجاهل جميعا المستفيضة من الأخبار الصحيحة و غيرها «2» الآتية، المصرّحة بأنّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ.

فرعان:
أ: الواجب في الوقوف الاضطراريّ مسمّى الكون،

لا استيعاب الليل، إجماعا محقّقا و محكيّا في التذكرة «3» و غيرها «4»، و يدلّ عليه إطلاق الأخبار المتقدّمة، بل تصريح بعضها بقوله: «قليلا».

ب: وجوب الوقوف الاختياريّ إنّما هو مع علمه أو ظنّه

بأنّه إذا أتى به يدرك الاختياريّ المشعر، أمّا لو لم يعلم و لم يظنّ ذلك- بأن احتمل فواته أو ظنّه أو علمه- لا يجب عليه.

أمّا مع ظنّ الفوات أو علمه فلجميع الأخبار المتقدّمة.

و أمّا مع الاحتمال فلصحيحة الحلبي «5»، لأنّ معنى قوله: «و إن كان في مهل» أنّه كان كذا بحسب علمه أو ظنّه، لأنّ الألفاظ و إن كانت للمعاني

______________________________

(1) الذخيرة: 658، الدروس 1: 421.

(2) انظر الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

(3) التذكرة 1: 372.

(4) انظر المنتهى 2: 721، و المدارك 7: 402.

(5) المتقدمة في ص: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 228

النفس الأمريّة، الّا أنّها مقيّدة بالعلم أو الظنّ في مقام التكاليف، و لا شك أنّ من يتساوى عنده الطرفان ليس في مهل بحسب علمه أو ظنّه.

و لقوله في رواية إدريس: «و إن خشي» إلى آخره، فإنّ مع احتمال الفوت تتحقّق الخشية.

المسألة الخامسة: لو ترك اضطراريّ عرفة عمدا

بعد ما فات اختياريّها، بطل حجّه، كما صرّح به بعض مشايخنا «1»، بل هو مقتضى إطلاق كثير من عبارات الأصحاب «2»، و تدلّ عليه القاعدة المتقدّمة، و صريح صحيحة الحلبي السابقة، و به تخصّص العمومات الدالّة على أنّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ «3».

و أمّا قول الفاضل في القواعد: الوقوف الاختياريّ بعرفة ركن، من تركه عمدا بطل حجّه «4».

فلا ينفي ركنية الاضطراريّ، و إنّما قيّده به ليعلم أنّه لا يجزئ الاقتصار على الاضطراريّ عمدا، و لذا قيّد في الإرشاد الاجتزاء بالمشعر بعد فوات عرفات بالكلّية، بقوله: جاهلا أو ناسيا أو مضطرّا «5».

المسألة السادسة: لو فاته الاضطراريّ أيضا اضطرارا لعذر أو نسيان

لم يبطل حجّه إذا أدرك اختياريّ المشعر، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «6»، بل هو موضع وفاق كما في المدارك «7»، بل بالإجماع البسيط

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 384.

(2) انظر المنتهى 2: 719، و التذكرة 1: 373، و الذخيرة: 653.

(3) الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

(4) القواعد 1: 86.

(5) الإرشاد 1: 328.

(6) الذخيرة: 653.

(7) المدارك 7: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 229

كما عن عبارات جماعة، منها: الانتصار و الخلاف و الغنية و الجواهر «1»، و الإجماع المركّب كما عن الانتصار و المنتهى «2».

فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختياريّة إذا فات الوقوف بعرفة لعذر، بل بالإجماع المحقّق، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى جميع الأخبار المتقدّمة في المسألة الرابعة، بل و كذا إذا أدرك اضطراريّ المشعر، كما يأتي.

______________________________

(1) الانتصار: 90، الخلاف 2: 342، الغنية (الجوامع الفقهية): 580، جواهر الفقه: 43.

(2) الانتصار: 90، المنتهى 2: 720.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 230

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر
اشاره

و هو ثالث أفعال الحجّ، و يقال له: الجمع، لاجتماع الناس فيها، قاله الجوهري «1». أو لجمع آدم فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء، كما في رواية إسماعيل بن جابر «2» و غيره. و يقال له المزدلفة أيضا، كما صرّح به في صحيحة ابن عمّار «3».

و الكلام فيه أيضا إمّا في مقدّماته، أو كيفيّته، أو أحكامه، فهاهنا ثلاث أبحاث:

البحث الأول في مقدّماته
اشاره

و هي أمور:

منها: الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس من يوم عرفة إلى المشعر،

و هو واجب، لوجوب المقدّمة.

و منها: أنّه يستحبّ أن يدعو عند غروب الشمس

بما في موثّقة أبي بصير المرويّة في التهذيب، قال: «إذا غربت الشمس فقل: اللّهمّ لا تجعله آخر العهد» إلى آخره «4».

______________________________

(1) الصحاح 3: 1198.

(2) علل الشرائع: 437- 1، الوسائل 14: 16 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 7.

(3) علل الشرائع: 436- 1، الوسائل 14: 10 أبواب الوقوف بالمشعر ب 4 ح 4.

(4) التهذيب 5: 187- 622، الوسائل 13: 559 أبواب إحرام الحج ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 231

و أن يدعو عند إفاضته بما رواه هارون بن خارجة: اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أقطع رحما أو ذي جار» «1».

و أن يفيض بالاستغفار، لصحيحة ابن عمّار: «إذا غربت الشمس فأفض مع الناس و عليك السكينة و الوقار، و أفض بالاستغفار، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل:

اللّهمّ ارحم موقفي، و زد في علمي، و سلّم لي في ديني، و تقبّل مناسكي.

و إيّاك و الوجيف الذي يصنعه الناس، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: أيّها الناس إنّ الحجّ ليس بوجيف الخيل و لا إيضاع الإبل، و لكن اتّقوا اللّه و سيروا سيرا جميلا، و لا توطئوا ضعيفا و لا توطئوا مسلما، و توأّدوا و اقتصدوا في السير، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكفّ ناقته حتى يصيب رأسها مقدّم الرجل و يقول: أيّها الناس عليكم بالدعة، فسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تتّبع»، قال:

و سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «اللّهمّ أعتقني من

النار» يكرّرها حتى أفاض الناس، فقلت: ألا تفيض، فقد أفاض الناس؟ قال: «إنّي أخاف الزحام و أخاف أن أشرك في عنت إنسان» «3».

أقول: الوجيف و الإيضاع كلاهما بمعنى الإسراع. و توأّدوا من التؤدة و هي: التأنّي. و العنت: المشقّة.

و منها: أنّه يستحبّ أن يقتصد في السير إلى المشعر و يتوسّط بسكينة

______________________________

(1) الكافي 4: 467- 3، الوسائل 14: 6 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 3.

(2) البقرة: 199.

(3) التهذيب 5: 187- 623، الوسائل 14: 5 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 232

و وقار، لما تقدّم في صحيحة ابن عمّار.

و منها: أن يدعو عند الكثيب الأحمر

- أي التلّ من الرمل عن يمين الطريق- بما مرّ في الصحيحة استحبابا.

و منها: أن يؤخّر صلاة المغرب و العشاء إلى المشعر

و إن ذهب ربع الليل بل ثلثه بلا خلاف، بل عن المنتهى: الإجماع عليه «1».

و هو راجح بالإجماع.

و لصحيحة الحلبي و ابن عمّار: «لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا، فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين» «2».

و محمّد: «لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل» «3».

و منصور: «صلّوا المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا» «4».

و مضمرة سماعة: عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع، قال: «لا تصلّهما حتى تنتهي إلى جمع و إن مضى من الليل ما مضى، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمعهما بأذان واحد و إقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات» «5».

______________________________

(1) المنتهى 2: 723.

(2) الكافي 4: 468- 1، التهذيب 5: 188- 626، الوسائل 14: 14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 5: 188- 625، الاستبصار 2: 254- 895، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.

(4) التهذيب 5: 190- 630، الاستبصار 2: 255- 899، الوسائل 14: 15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 3، و فيها: صلاة المغرب و العشاء ..

(5) التهذيب 5: 188- 624، الاستبصار 2: 254- 894، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 233

و ليس بواجب على الأظهر الأشهر و إن أفاده ظاهر ما مرّ، لأنّ الأمر فيما مرّ للاستحباب بقرينة صحيحة هشام بن الحكم: «لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة» «1».

و محمّد: «عثر محمل أبي بين عرفة و المزدلفة،

فنزل فصلّى المغرب و صلّى العشاء بالمزدلفة» «2».

و استدلّ برواية محمّد بن سماعة أيضا: للرجل أن يصلّي المغرب و العتمة في الموقف؟ قال: «قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّاهما في الشعب» «3».

أقول: الشعب بالكسر: يقال للطريق في الجبل، و لمسيل الماء في بطن أرض، و لما انفرج بين جبلين.

و هذا الحديث ليس نصّا على أنّ السائل أراد بالموقف عرفات، فيجوز أن يحمل على المشعر، و يراد بالشعب بطن الوادي الذي قريب منه الذي ورد الأمر بالنزول به.

خلافا لظاهر الشيخ في الخلاف و النهاية و العماني و ابن زهرة، فأوجبوا التأخير «4»، لما مرّ بجوابه.

______________________________

(1) التهذيب 5: 189- 629، الاستبصار 2: 255- 898، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 5: 189- 628، الاستبصار 2: 255- 897، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 4.

(3) التهذيب 5: 189- 627، الاستبصار 2: 255- 896، الوسائل 14: 13 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 5.

(4) الخلاف 2: 340، النهاية: 251، 252، حكاه عن العماني في المختلف:

299، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 580.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 234

و منها: أن يجمع بين الصلاتين بأذان واحد و إقامتين استحبابا،

و لا يأتي بنوافل المغرب بينهما، بالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «1»، له، و للصحيحين، و المضمرة المتقدّمة.

و ليس ذلك بواجب، لصحيحة أبان: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام بالمزدلفة، فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلّى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما، ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات «2».

و منها: أن يأتي بنوافل المغرب بعد العشاء،

و في المدارك: أنّه قول علمائنا أجمع «3»، لروايتي عنبسة:

إحداهما: إذا صلّيت المغرب بجمع أصلّي الركعات بعد المغرب؟

قال: «لا، صلّ المغرب و العشاء ثمَّ تصلّي الركعات بعد» «4».

و الثانية: عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة، فقال: «صلّها بعد العشاء أربعة ركعات» «5».

و الأمر فيها ليس للوجوب قطعا، لاستحباب أصل النافلة، و لصحيحة أبان المتقدّمة، فيكون ذلك أيضا مستحبّا.

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 340 و 341، و الذخيرة: 656.

(2) التهذيب 5: 190- 632، الاستبصار 2: 256- 901، الوسائل 14: 15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 5، و فيها: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة ..

(3) المدارك 7: 420.

(4) التهذيب 5: 190- 631، الاستبصار 2: 255- 900، و في الوسائل 14: 15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 4: ثمَّ صلّ ..

(5) الكافي 4: 469- 2، الوسائل 14: 14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 235

البحث الثاني في كيفيته
اشاره

و هي أيضا بين واجبة و مندوبة، فيها هنا مقامان:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
الأول: النيّة

كما مرّ مرارا، و لينو أنّ وقوفها لحجّة الإسلام أو غيرها، ليحصل التمييز إن كان هنا وجه اشتراك.

و يظهر من بعض الأخبار الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء فيه و إن لم يعلم أنّه الموقف و لم ينو الوقوف، و لا يبعد أن يكون كذلك في صحّة الحجّ و أن توقّف ترتّب ثواب الوقوف بخصوصه على نيّته.

الثاني: أن يكون وقوفه بالمشعر،

و حدّه ما بين المأزمين إلى الحياض و إلى وادي محسّر، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما في غيره «2»، و قد صرّح بذلك التحديد في صحاح ابن عمّار «3» و أبي بصير «4» و زرارة «5» و موثّقة إسحاق «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 657.

(2) كالمنتهى 2: 726، و المدارك 7: 421.

(3) التهذيب 5: 190- 633، الوسائل 14: 17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 471- 6، الوسائل 14: 18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 4.

(5) التهذيب 5: 190- 634، الوسائل 14: 17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 2.

(6) الكافي 4: 471- 5، الوسائل 14: 18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 236

و المأزمان: جبلان بين عرفات و المشعر، أو مضيق بينهما كما مرّ «1».

و وادي محسّر: واد معروف.

قال والدي العلّامة- قدّس سرّه- في المناسك المكّية ما ترجمته:

ابتداء وادي محسّر بالنسبة إلى من يذهب من المشعر إلى منى انتهاء المشعر، و هو موضع بين جبلين في عرض الطريق، فيها أحجار منصوبة تنحدر فيه الأرض، و منه إلى أربعين و خمسمائة ذراع داخل في وادي محسّر. انتهى.

و يجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل، بلا خلاف كما صرّح به جمع «2»،

بل بالإجماع كما حكاه جمع آخر «3»، و تدلّ عليه موثّقة سماعة «4».

و في جواز الارتفاع إليه اختيارا مع الكراهة و عدمه، قولان، و الأحوط الترك.

الثالث: أن يكون الوقوف في وقت معيّن،
اشاره

و هو للرجل المختار غير ذي العذر ما بين الطلوعين من يوم النحر، و للمرأة و الرجل ذي العذر ما بين غروب الشمس ليلة النحر إلى طلوع الشمس، و لغير المتمكّن من إدراك الوقتين من طلوع الشمس إلى الزوال.

أمّا الأول فهو الأظهر الأشهر، و في الذخيرة: أنّه المعروف «5»، و في المدارك و المفاتيح و شرحه: عليه الإجماع «6».

______________________________

(1) في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    237     الثالث: أن يكون الوقوف في وقت معين، ..... ص : 236

(2) حكاه في الرياض 1: 386.

(3) كصاحب المدارك 7: 422، السبزواري في الذخيرة: 657.

(4) التهذيب 5: 180- 604، الوسائل 14: 19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 9 ح 2.

(5) الذخيرة: 656.

(6) المدارك 7: 431، المفاتيح: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 237

و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل و إن شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد اللّه عزّ و جلّ» إلى أن قال: «ثمَّ أفض حين يشرق لك ثبير [1] و ترى الإبل مواضع أخفافها» «1».

و مرسلة جميل: «لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا» «2»، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم الخوف.

خلافا للمحكيّ عن الدروس، فجعل الوقت الاختياريّ ليلة النحر إلى طلوع الشمس «3»، و نسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر «4»، نظرا إلى حكمهم بجبر الإفاضة قبل الفجر بدم شاة فقط و بصحّة الحجّ لو أفاض قبله.

و فيه: أنّ الجبر بالدم لو

لم يكن قرينة على تحريم الإفاضة لم يشعر بجوازها و لو لم يذكر غيره، بل هو بنفسه كاف في الإشعار بعدم الجواز عند الأكثر، و صحّة الحجّ مع الإفاضة لا تنافي الإثم، مع أنّ في الصحّة كلاما يأتي.

و يشبه أن يكون النزاع لفظيّا، فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين خاصّة الوقت الاختياريّ ما يحرم ترك الوقوف فيه، و من ضمّ معه قبل الفجر أراد ما يوجب تركه عمدا بطلان الحجّ.

______________________________

[1] ثبير: جبل بين مكّة و منى و يرى من منى و هو على يمين الداخل منها إلى مكّة- المصباح المنير: 80.

______________________________

(1) في الكافي 4: 469- 4 و الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 191- 635.

(2) الكافي 4: 474- 3، التهذيب 5: 194- 645، الاستبصار 2: 257- 905، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.

(3) الدروس 1: 424.

(4) كما في الرياض 1: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 238

و كيف كان، فاستدلّ لهذا القول بصحيحة هشام بن سالم: «و التقدّم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلّون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس» «1».

و إطلاق رواية مسمع: في رجل وقف مع الناس بجمع ثمَّ أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: «إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «2»، و لو وجب الوقوف بعد الفجر لما سكت عن أمره بالرجوع.

و إطلاق الأخبار بأنّ من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ.

و يردّ الأول: بكونه أعمّ مطلقا ممّا مرّ، لاختصاص ما مرّ بغير المضطرّ، فيجب التخصيص به.

و الثاني: بأنّ عدم الذكر لا يدلّ على

العدم، و لذا سكت في أخبار الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس «3» عن العود، و اكتفى بذكر الكفّارة فقط- كما مرّ- مع وجوبه.

و الثالث: بأنّ إدراك الحجّ بشي ء لا ينافي وجوب غيره أيضا، مع أنّه أيضا كالأول أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

نعم، روى عليّ بن عطية، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام ابن عبد الملك الكوفي، و كان هشام خائفا، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أي شي ء أحدثنا في حجّتنا، فنحن كذلك إذ لقينا

______________________________

(1) التهذيب 5: 193- 643، الاستبصار 2: 256- 903، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 8.

(2) الكافي 4: 473- 1، الفقيه 2: 284- 1393، التهذيب 5: 193- 642، الاستبصار 2: 256- 902، الوسائل 14: 27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.

(3) الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 239

أبو الحسن موسى عليه السلام و قد رمى الجمار و انصرف، فطابت نفس هشام «1».

إلّا أنّها قضيّة في واقعة، فلعلّه عليه السلام كان ذا عذر، مع أنّ المراد إدراك الوقوف و المراد الشرعيّ، و كونه وقوفا شرعيّا ممنوع.

و أمّا الثاني فهو أيضا ثابت بالإجماعين «2»، و نسبه في المنتهى إلى كلّ من يحفظ عنه العلم «3».

و تدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع، و مطلقات إدراك الحجّ بإدراك قبل المشعر طلوع الشمس، حيث إنّ ما مرّ من موجبات الوقوف بعد الفجر لا يعمّ النساء قطعا، بل مخصوص بالرجال- المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن عمّار الطويلة، المتضمّنة لصفة حجّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله «4»، و مرسلة جميل المتقدّمة، و رواية أبي بصير [و

صحيحتيه ] [1] و رواية سعيد السمّان، و صحيحة الأعرج، و رواية عليّ بن أبي حمزة:

الأولى: «لا بأس بأن تقدّم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام ساعة، ثمَّ ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة، ثمَّ يصبرن ساعة، ثمَّ ليقصّرن و ينطلقن إلى مكّة فيطفن، إلّا أن يكنّ يردن أن يذبح عنهن، فإنّهنّ يوكّلن من يذبح عنهن» [2].

______________________________

[1] في النسخ: و صحيحته، و الصحيح ما أثبتناه.

[2] الكافي 4: 474- 6، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7 بتفاوت يسير، عبّر الماتن عنها بالرواية، باعتبار ضعفها بمحمد بن سنان بسند الكافي، و لكنها صحيحة بسند الصدوق في الفقيه 2: 283- 1392.

______________________________

(1) التهذيب 5: 263- 897، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 3.

(2) انظر المدارك 7: 427، و الذخيرة: 657.

(3) المنتهى 2: 726.

(4) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 240

و الثانية: «رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحّي عنهن» «1».

و الثالثة: «رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل، فإن أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهم» «2».

و الرابعة: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عجّل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى، فأمر من كان عليها منهنّ هدي أن ترمي و لا تبرح حتى

تذبح، و من لم يكن عليها منهنّ هدي أن تمضي إلى مكّة حتى تزور» «3».

و الخامسة: «أفض بهنّ بليل و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثمَّ أفض بهنّ حتى تأتي بهنّ الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ و يقصّرن من أظفارهن، ثمَّ يمضين إلى مكّة في وجوههن، و يطفن بالبيت و يسعين بين الصفا و المروة، ثمَّ يرجعن إلى البيت فيطفن أسبوعا، ثمَّ يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجّهن» و قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسل أسامة معهن» «4».

و السادسة: «أيّ امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس، فليرم الجمرة، ثمَّ ليمض و ليأمر من يذبح عنه، و تقصّر المرأة

______________________________

(1) الكافي 4: 474- 5، التهذيب 5: 194- 646، الاستبصار 2: 257- 906، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 3.

(2) الكافي 4: 475- 8، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 6.

(3) الكافي 4: 473- 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.

(4) الكافي 4: 474- 7، التهذيب 5: 195- 647، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 241

و يحلق الرجل، ثمَّ ليطف بالبيت و بالصفا و المروة، ثمَّ ليرجع إلى منى، فإن أتى منى و لم يذبح عنه فلا بأس أن يذبح هو، و ليحمل الشعر إذا حلق بمكّة إلى منى، و إن شاء قصّر إن كان حجّ قبل ذلك» «1».

و لا كفّارة عليهنّ إجماعا، للأصل.

و هذا الحكم شامل للنساء مطلقا، كما وقع التصريح بهنّ في أكثر الأخبار المتقدّمة، و

كذا الصبيان و الرجل الخائف، كما وقع به التصريح في مرسلة جميل، و الضعفاء مطلقا، كما صرّح بهم في صحيحة ابن عمّار الطويلة و إحدى صحاح أبي بصير.

و منها يظهر شمول الحكم لكلّ ذي عذر، لصدق الضعف، بل يدلّ عليه ما في ذيل صحيحة الأعرج من إرسال الرسول صلّى اللّه عليه و آله أسامة مع النساء.

و هل يشمل الحكم الجاهل و الناسي؟

فيه تردّد، و عدم الشمول أظهر.

و أمّا الثالث فهو أيضا إجماعي، تدلّ عليه صحيحة الحسن العطّار:

«إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام، و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه» «2».

و رواية ابن عمّار أو «3» صحيحته: ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى منى؟ قال: «فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد

______________________________

(1) الكافي 4: 474- 4، التهذيب 5: 194- 644، الاستبصار 2: 256- 904، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 4.

(2) التهذيب 5: 292- 990، الاستبصار 2: 305- 1088، الوسائل 14: 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.

(3) في «س»: و صحيحته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 242

أفاضوا من جمع» «1».

و موثّقة يونس: رجل أفاض من عرفات فمرّ فلم يقف حتى انتهى إلى منى و رمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: «يرجع إلى المشعر فيقف به، ثمَّ يرجع فيرمي الجمرة العقبة» «2».

و موثّقة ابن عمّار: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و إن كان وجد الناس أفاضوا من جمع» «3».

و مرسلة ابن أبي عمير: «تدري لم جعل ثلاث هنا؟»

قال: قلت: لا، قال: «من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحجّ» «4».

فإنّ الجعل هو التوقيف الشرعي، و ليس الثالث للمختار، فهو للمضطرّ قطعا.

و الأخبار الصحيحة المستفيضة الآتية المصرّحة بأنّ من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ، فإنّ إدراك الحجّ لمن أحرم به واجب، و ما يتوقّف عليه الواجب واجب.

و نسب الحلّي إلى السيّد امتداد هذا الاضطراريّ إلى غروب الشمس من يوم النحر «5»، و أنكره في المختلف، و نسب إلى الحلّي الوهم «6». و كيف كان، فهو نادر خال عن الدليل.

______________________________

(1) الكافي 4: 472- 3، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 472- 4، الفقيه 2: 283- 1389، التهذيب 5: 288- 979، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 3.

(3) التهذيب 5: 288- 978، الوسائل 14: 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 1.

(4) الكافي 4: 476- 6، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 12.

(5) السرائر 1: 619.

(6) المختلف: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 243

و الاستدلال له بإطلاقات: «من أدرك المشعر» عليل، لأنّ الكلام في الإدراك الشرعي.

و ها هنا قول آخر محكيّ عن ابن زهرة، و هو: أنّ الاختياريّ ليلة النحر و الاضطراريّ من طلوع فجره إلى طلوع شمسه «1». و هو غريب، و عن الدليل عري.

فرع: الواجب من هذه الأوقات الثلاثة للمشعر مجرّد المسمّى،

و لا يجب استيعاب الوقت و لا جزء معيّن منه، بلا خلاف يعرف في الاضطراريّين.

و يدلّ عليه في الاضطراريّ الأول قوله في صحيحة أبي بصير:

«فيقفن عند المشعر الحرام ساعة» «2»، و تصريح جميع الأخبار الواردة في توقيته بالإفاضة ليلا و رمي الجمار فيه «3»، فإنّه يعمّ أيّ وقت من الليل أراد فيه.

نعم، الأولى أن

يؤخّر الإفاضة فيه عن زوال الليل، كما صرّح به في الصحيحة المذكورة، و ظاهرها و إن كان عدم جواز الإفاضة قبل زواله، إلّا أنّ عدم القول به أوجب حمله على المرجوحيّة.

و في الاضطراريّ الثاني قوله: «فليقف قليلا» في صحيحة العطّار.

و على الأقوى الموافق للسرائر و التذكرة و المنتهى و الدروس في الاختياري «4»، بل عليه الإجماع عن التذكرة و المنتهى «5».

و يدلّ عليه الأصل، و إطلاق الوقوف في صحيحة ابن عمّار «6».

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 1: 387، و هو في الغنية (الجوامع الفقهية): 580.

(2) الكافي 4: 474- 6، الفقيه 2: 283- 1392، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7.

(3) الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17.

(4) السرائر 1: 589، التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 726، الدروس 1: 423.

(5) انظر التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 726.

(6) في ص: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 244

المتقدّمة، المتحقّق بالمسمّى.

و حسنة محمّد بن حكيم: الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة يكونان مع الجمّال الأعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم- كما هو- إلى منى و لم ينزل بهم جمعا، فقال: «أ ليس قد صلّوا بها؟ فقد أجزأهم»، قلت: فإن لم يصلّوا بها؟ [قال:] «ذكروا اللّه فيها، فإن كانوا ذكروا اللّه فيها فقد أجزأهم» [1].

و رواية أبي بصير: إنّ صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة، فقال:

«يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة»، قلت: فإنّه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة، ثمَّ قال: «أ ليسا قد صلّيا الغداة بالمزدلفة؟» قلت: بلى، قال: «أ ليسا قد قنتا في صلاتهما؟» قلت: بلى، قال: «تمَّ حجّهما» «1»، إلى غير ذلك.

و رواية جميل:

«ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، و سائر الناس إن شاءوا عجّلوا و إن شاءوا أخّروا» «2».

و صحيحة هشام بن الحكم: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ» «3»، إلى غير ذلك.

و قيل بوجوب الوقوف من بدو طلوع الفجر «4». و لا دليل عليه من

______________________________

[1] الكافي 4: 472- 1، الفقيه 2: 283- 1390، التهذيب 5: 293- 995، الاستبصار 2: 306- 1093، الوسائل 14: 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 3، بتفاوت يسير، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 4: 472- 2، التهذيب 5: 293- 994، الاستبصار 2: 306- 1092، الوسائل 14: 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 7.

(2) التهذيب 5: 193- 641، الاستبصار 2: 258- 909، الوسائل 14: 26 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 4.

(3) الكافي 4: 476- 5، الفقيه 2: 243- 1161، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 10.

(4) كما في المسالك 1: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 245

الأخبار، بل الأمر بالوقوف في صحيحة ابن عمّار «1»، بعد صلاة الفجر يدلّ على خلافه، كما أنّ الأصل أيضا ينفيه.

و عن الصدوقين و المفيد و السيّد و الديلمي و الحلبي: وجوب الوقوف إلى طلوع الشمس للحاجّ مطلقا «2»، لقوله في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في صدر المسألة: «ثمَّ أفض حين يشرق لك ثبير» إلى آخره «3».

و صحيحة هشام بن الحكم: «لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس» «4».

و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و الاقتصاد و ظاهر الجمل و العقود و الغنية و الجامع: وجوبه للإمام خاصّة «5»، للصحيحتين المذكورتين، و رواية جميل المتقدّمة.

و عدم دلالة الأخيرة

على الوجوب ظاهر، و دلالة الثانية عليه غير ظاهرة، لاحتمال الخبريّة، مع أنّ وادي محسّر من حدود المشعر لا نفسه.

و الاولى عن إفادة المطلوب قاصرة، لأنّ إرادة طلوع الشمس منها غير

______________________________

(1) الكافي 4: 469- 4، التهذيب 5: 191- 635، الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.

(2) الصدوق في المقنع: 87، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 300، المفيد في المقنعة: 417، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

68، الديلمي في المراسم: 113، الحلبي في الكافي: 197.

(3) الكافي 4: 469- 4، التهذيب 5: 191- 635، الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.

(4) الكافي 4: 470- 6، التهذيب 5: 193- 640، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2.

(5) النهاية: 252، المبسوط 1: 368، الوسيلة: 179، المهذّب 1: 254، الاقتصاد: 306، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 234، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الجامع للشرائع: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 246

واضحة، سيّما مع قوله: «و ترى الإبل موضع أخفافها».

و مع ذلك تعارضان مع ما يأتي من النصّ المصرّح بأنّ الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل أحبّ.

المقام الثاني: في مستحبّاته.

و هي: أن يكون متطهّرا، لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمّار و الحلبي:

«أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف» «1».

و أن تكون نيّة الوقوف بعد صلاة الصبح، كما صرّح به كلماتهم في المقنع و الهداية و الكافي و المراسم و جمل العلم و العمل و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد «2»، و غيرها من كتب الجماعة «3».

و استدلّ له بما مرّ من صحيحة ابن عمّار و الحلبي.

و في دلالتها نظر، لأنّ الظاهر من

قوله: «أصبح بعد ما تصلّي الفجر» أنّ المراد من صلاة الفجر فيها نافلته، إلّا أنّ تصريح الأصحاب كاف في إثبات الاستحباب.

و أن يصرف زمان وقوفه بالذكر و الدعاء، سيّما الدعوات المأثورة.

و عن السيّد و الحلبي و القاضي: وجوبه «4»، و في المفاتيح و شرحه: أنّه

______________________________

(1) الكافي 4: 469- 4، التهذيب 5: 191- 635، الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1، و لكنها عن معاوية بن عمار فقط.

(2) المقنع: 87، الهداية: 61، الكافي: 214، المراسم: 112، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 68، الشرائع 1: 256، النافع: 88، المنتهى 2: 724، التذكرة 1: 374، التحرير 1: 102، الإرشاد 1: 329.

(3) كالمدارك 7: 429، و الرياض 1: 387.

(4) انظر الانتصار: 89 و الكافي: 214، القاضي في المهذّب 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 247

لا يخلو من قوّة «1». و هو كذلك، لظاهر قوله تعالى، و ظواهر الأوامر في الأخبار.

إلّا أنّه يجزئه اليسير من الذكر و الدعاء.

و أن يفيض غير الإمام من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، لموثّقة إسحاق «2»، و خبر معاوية بن حكيم «3». و أمّا الإمام فالأفضل له الإفاضة بعد الطلوع، لرواية جميل المتقدّمة.

و ورد في الأخبار و كلمات الأصحاب استحباب وطء الصرورة المشعر برجله، و لا بدّ إمّا من حمل المشعر فيه على موضع خاصّ من الموقف- كما قيل «4»- أو جعل المستحبّ الوطء بالرجل الذي هو أعمّ من الوقوف راكبا و في المحمل، بل مع النعل و الخفّ.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 347.

(2) الكافي 4: 470- 5، التهذيب 5: 192- 639، الاستبصار 2: 257- 908، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 5: 192-

638، الاستبصار 2: 257- 907، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 3.

(4) انظر الرياض 1: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 248

البحث الثالث في أحكامه و لواحقه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: حكي عن ظاهر الأكثر: وجوب المبيت بالمشعر «1»،

و استدلّ بعضهم «2» بقوله في صحيحة ابن عمّار و الحلبي: «و يستحبّ للصرورة أن يقف على المشعر و يطأه برجله و لا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «3».

و فيه نظر، لإمكان عطف قوله: «و لا يجاوز» على قوله: «يقف» فيكون مستحبّا، و لولاه أيضا لكان للجملة الخبريّة محتملا فلا يفيد الوجوب، مع أنّ عدم التجاوز عن الحياض أعمّ من المبيت في المزدلفة، لإمكان التقدّم عليها.

و صرّح في التذكرة بعدم الوجوب «4»، و هو ظاهر سائر كتبه «5».

و ظاهر الشرائع و النافع «6». و هو الأقوى، للأصل و عدم الدليل، سيّما إن كان مرادهم صرف بقيّة ليله فيها تماما، كما هو مقتضى الاستدلال بالصحيحة المذكورة.

______________________________

(1) المدارك 7: 423.

(2) انظر المدارك 7: 423، و الرياض 1: 387.

(3) الكافي 4: 468- 1، الوسائل 14: 19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 10 ح 1 و ليس فيه صدر الحديث.

(4) التذكرة 1: 374.

(5) كالمنتهى 2: 724.

(6) الشرائع 1: 256، النافع: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 249

و كذا لا يدلّ عليه مفهوم مرسلة جميل: «لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا» «1»، لأنّ عدم الإفاضة أعمّ من المبيت فيه، فيقدّم فيه لدرك الوقت الاختياري، و منه يعلم عدم دلالة ما يصرّح بالكفّارة في الإفاضة قبل الفجر.

و لو كان المراد كون جزء من الليل فيها فيمكن الاستدلال له بالأخبار الآمرة لتأخير الصلاتين إليها و الإتيان بهما فيها «2»، إلّا أنّه قد عرفت عدم بقاء تلك الأوامر على الحقيقة، فالظاهر عدم الوجوب أصلا.

نعم، يستحبّ، لبعض ما ذكر، و للتأسّي. و منهم من جعله دليل الوجوب «3». و فيه نظر.

المسألة الثانية: لا يجوز ترك الوقوف بالليل لمن علم أنّه لا يتمكّن من إدراك الوقوف بين الطلوعين

و لا بعده أو الأول خاصّة، لو قلنا بصحّة الحجّ مع

الوقوف الليلي، كما هو الحقّ، و أمّا لو لم نقل به فيجوز تركه مطلقا.

المسألة الثالثة: لا يجوز ترك الوقوف بين الطلوعين عمدا،

للأمر به المقتضي لوجوب الامتثال. و من أفاض عمدا قبل الفجر كان عليه دم شاة، للنصّ «4».

و هل يجب عليه ذلك للإفاضة، أو لترك الوقوف بين الطلوعين حتى

______________________________

(1) الكافي 4: 474- 3، التهذيب 5: 194- 645، الاستبصار 2: 257- 905، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.

(2) الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.

(3) المدارك 7: 423.

(4) الكافي 4: 473- 1، الفقيه 2: 284- 1393، التهذيب 5: 193- 642، الاستبصار 2: 256- 902، الوسائل 14: 27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 250

أنّه لو لم يدخل المشعر حتى تطلع الشمس وجب عليه الدم أيضا؟

فيه نظر، و الأول أظهر.

و في بعض الصحاح الآتية: أنّ عليه بدنة.

و يمكن الجمع بحمل الأول على من وقف و لبث و أفاض قبل الفجر، و الثاني [على ] «1» من لم يلبث كما هو صريح الثاني، أو الأول على من أفاض لغير الجهل من الأعذار، و الثاني على المتعمّد المحض.

المسألة الرابعة: لا يجوز ترك الوقوف بعد طلوع الشمس

لمن فاته قبله و يتمّ حجّه مع ذلك الوقوف، و أمّا من فات حجّه فلا يجب عليه ذلك، و سيأتي تفصيله.

المسألة الخامسة: من ترك الوقوف بالمشعر رأسا
اشاره

ليلا و نهارا عمدا بطل حجّه إجماعا، له، و للقاعدة المتقدّمة في وقوف عرفات، و لرواية الحلبيّين- و قيل صحيحتهما-: «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ» «2».

و مفهوم المستفيضة المصرّحة بأنّ «من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ» «3».

و لو كان اضطرارا صحّ الحجّ إن كان أدرك اختياريّ عرفة، كما يأتي.

تذنيب: اعلم أنّه قد ظهر ممّا ذكر أنّ أوقات الوقوفين خمسة:
اشاره

اختياريّ عرفة، و هو: ما بين الزوال يوم عرفة إلى غروب شمسه.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(2) التهذيب 5: 292- 991، الاستبصار 2: 305- 1089، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.

(3) التهذيب 5: 292- 991، الاستبصار 2: 305- 1089، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 251

و اضطراريّة، و هو: ما بين غروب شمسه إلى طلوع فجر يوم النحر.

و اختياريّ المشعر المحض، و هو: ما بين طلوعي فجر يوم النحر و شمسه.

و اختياريّة المشوب بالاضطراري، و هو: اضطراريّ عرفة.

و اضطراريّة المحض، و هو: من طلوع شمسه إلى زوالها.

و علم أنّ من ترك الوقوفين جميعا فقد بطل حجّه، سواء كان ذلك عن عمد أو نسيان أو جهل، و يدلّ عليه إجماع علماء الإسلام، و أخبار نفي الحجّ عن أصحاب الأراك «1» و عمّن فاتته المزدلفة.

و لو أدرك شيئا من الوقوفين فأقسامه- بالنسبة إلى انقسام كلّ منهما إلى الاختياريّ و الاضطراريّ- ثمانية.

و لو جعل الوقوف الليليّ للمشعر قسما على حدة تصير الأقسام أحد عشر، خمسة مفردة، و هي: اختياريّ عرفة، و اضطراريّها، و اختياريّ المشعر، و ليلته، و اضطراريّة، و ستّة اخرى مركّبة من هذه الخمسة:

الاختياريّان، و الاضطراريّان، و اختياريّ كلّ مع اضطراريّ الآخر، و اختياريّ عرفة مع ليلي المشعر،

و اضطراريّها معه.

و نحن نذكر حكم كلّ منها بالنسبة إلى صحّة الحجّ و عدمه، و حكم التارك للبعض عمدا و غير عمد بالتفصيل، فنقول:

[القسم الأول المفردات ]
الأول: أن يدرك اختياريّ عرفة خاصّة

، فعن الشهيد الثاني صحّة الحجّ «2»، و هو مذهب صاحب الجامع و المحقّق في الشرائع و الفاضل في

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10 و 11، الوسائل 13:

532 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 3، 6، 7 و 11.

(2) المسالك 1: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 252

الإرشاد و التبصرة و الشهيد في الدروس و اللمعة «1»، بل نسبه جماعة إلى المشهور، منهم: المحدّث المجلسي و الجزائري و شارح المفاتيح، و في الذخيرة و الكفاية: أنّه المعروف بين الأصحاب «2»، و نفي عنه الشهيد الثاني الخلاف كالتنقيح «3»، بل ظاهر المختلف و الدروس أيضا- كما قيل «4»- نفي الخلاف عنه، و في شرح المفاتيح: حكى عن بعضهم الإجماع عليه.

و اختار الفاضل في المنتهى: عدم الصحّة «5»، و تبعه في المدارك و المفاتيح من المتأخّرين «6»، و تردّد في التذكرة و التحرير «7»، إلّا أنّه صرّح في التحرير ثانيا بالصحّة كما حكي عنه «8»، بل حكي مثل ذلك عن المنتهى أيضا «9».

حجّة الأول: ما اشتهر من النبويّ من أنّ: «الحجّ عرفة» «10»، و ما في بعض أخبارنا الحسنة: «الحجّ الأكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار» «11».

و صحيحة حريز كما في الفقيه: «من أفاض من عرفات مع الناس و لم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمّدا أو مستخفّا فعليه بدنة» [1].

______________________________

[1] الكافي 4: 473- 6، الفقيه 2: 283- 1388، التهذيب 5: 294- 996، الوسائل

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 220، الشرائع 1: 254، الإرشاد 1: 330، التبصرة:

71، الدروس 1: 425، اللمعة (الروضة 2): 278.

(2) الذخيرة: 658، كفاية الأحكام: 69.

(3) الشهيد الثاني في المسالك 1: 113، التنقيح 1: 480.

(4) انظر الرياض 1: 385.

(5) المنتهى 2: 728.

(6) المدارك 7: 405، 406، المفاتيح 1: 348.

(7) التذكرة 1: 375، التحرير 1: 103.

(8) حكاه عنه في الرياض 1: 385.

(9) كما في الرياض 1: 385.

(10) سنن الدارمي 2: 59.

(11) الكافي 4: 264- 1، الوسائل 13: 550 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 253

و رواية محمّد بن يحيى: في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى، فقال: «ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟» قلت:

فإنّه جهل ذلك، قال: «يرجع»، قلت: إنّ ذلك قد فاته، قال: «لا بأس» «1».

و مرسلة الخثعمي: فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى، قال: «يرجع»، قلت: إنّ ذلك فاته، قال: «لا بأس» «2».

و دليل الثاني: عدم الإتيان بالمأمور به، و رواية الحلبيّين المتقدّمة، و رواية محمّد بن سنان: «فإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له» «3»، و مفهوم المعتبرة من الصحاح و غيرها، المصرّحة:

بأنّ من أدرك جمعا- إمّا مطلقا، أو قبل زوال الشمس- فقد أدرك الحجّ «4».

أقول: الثلاثة الاولى من أدلّة القول الأول و إن كانت قاصرة، لعدم ثبوت الأولى من طرقنا، و عدم دلالتها على المطلوب لو ثبت، لكون الإطلاق مجازا قطعا و تعدّد المجازات.

و منه يظهر ضعف دلالة الثانية.

و عدم [1] استلزام وجوب البدنة لصحّة الحج، و كذا السكوت عن

______________________________

14: 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1، و هي مرويّة في الكافي و التهذيب عن علي بن

رئاب عن حريز، و في الفقيه و الوسائل عن علي بن رئاب فقط.

[1] هذا بيان وجه قصور الثالثة.

______________________________

(1) الكافي 4: 473- 5، التهذيب 5: 293- 993، الاستبصار 2: 305- 1091، الوسائل 14: 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6، بتفاوت.

(2) التهذيب 5: 292- 992، الاستبصار 2: 305- 1090، الوسائل 14: 46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.

(3) التهذيب 5: 290- 984، الاستبصار 2: 303- 1082، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 4.

(4) انظر الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 254

بطلان الحج، مضافا إلى أعمّية ترك اللبث مع الناس عن ترك اللبث مطلقا.

و لكن دلالة الأخيرتين تامّة، و ضعف سندهما- لو كان- بالشهرة مجبور، و هما أخصّان مطلقا من جميع أدلّة الثاني.

لا لما قيل من عمومها بالنسبة إلى إدراك اختياريّ عرفة و عدمه «1»، لأنّهما أيضا كذلك، و التخصيص الخارجي لا يفيد في التعارض، كما بيّنا وجهه في موضعه.

بل لعمومها بالنسبة إلى الجاهل باختياريّ المشعر و غيره و اختصاصهما بالجاهل، فيجب تخصيصها بهما كما تخصّصان بمن أدرك عرفة بما يأتي.

و هما و إن اختصّتا بالجاهل، إلّا أنّه يلحق به الناسي و المضطرّ أيضا بعدم القول بالفصل.

و أمّا العامد فلا ينبغي الريب في بطلان حجّه، لعدم إتيانه بالمأمور به، و عدم دليل له على الاجتزاء أصلا يقابل ما مرّ من أدلّة القول الثاني.

فإذن الحقّ هو القول الأول بالنسبة إلى الجاهل و أخويه، و الثاني بالنسبة إلى العامد، و الظاهر أنّ غير العامد أيضا مراد من حكم بصحّة الحجّ هنا.

الثاني: أن يدرك اضطراريّ عرفة خاصّة،

في الدروس: أنّه غير مجز قولا واحدا «2»، و كذا في المفاتيح «3»، و في

الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا «4»، و نقل بعضهم عن جماعة الإجماع عليه «5»، إلّا أنّ في شرح

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 385.

(2) الدروس 1: 426.

(3) المفاتيح 1: 348.

(4) الذخيرة: 659.

(5) انظر الرياض 1: 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 255

المفاتيح نسبه إلى المشهور، و هو مؤذن بالخلاف فيه، و لعلّه نظر إلى إطلاق كلام الإسكافي «1».

و مقتضى ما ذكرنا من الاستدلال للصحّة في الأول الصحّة في الثاني أيضا، إلّا أنّ شذوذ القول بها هنا أوجب عدم حجّية الروايتين بالنسبة إليه، فالوجه عدم الصحّة لا للعامد و لا لغيره.

الثالث: أن يدرك ليلة المشعر خاصّة،

قال في الذخيرة: الظاهر أنّه لا يصحّ حجّه، لعدم الإتيان بالمأمور به، و عدم الدليل على الصحّة.

و حكي عن الشهيد الثاني القول بالصحّة، لصحّة حجّ من أدرك اضطراريّ المشعر بالنهار، فهذا يصحّ بالطريق الأولى، لأنّ الوقوف الليليّ فيه شائبة الاختياري، للاكتفاء به للمرأة اختيارا، و للمضطرّ، و للمتعمّد مطلقا مع الجبر بشاة «2».

و ظاهر المدارك التردّد «3».

أقول: الظاهر عدم الإجزاء لمن ترك عرفة عمدا و الإجزاء لغيره مطلقا، سواء كان ممّن رخّص له الإفاضة قبل الفجر مطلقا أو مع عذر أو لا، و سواء أفاض قبل الفجر عمدا أو اضطرارا.

أمّا الحكم الأول فلمعارضة عمومات نفي الحجّ عن أصحاب الأراك «4» مع عمومات إدراك الحجّ بإدراك مزدلفة «5» بالعموم من وجه، و لا مرجّح، فيرجع إلى قاعدة عدم الصحّة، لعدم الإتيان بالمأمور به.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 301.

(2) الذخيرة: 659.

(3) انظر المدارك 7: 406، 407، 426.

(4) الوسائل 13: 531، أبواب إحرام الحج ب 10.

(5) الوسائل 14: 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 256

و يدلّ عليه أيضا صريح صحيحة الحلبي «1»

المتقدّمة في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفة، المصرّحة: بأنّه إن كان يتمكّن من إدراك اضطراريّ عرفة و لم يدركه لم يتمّ حجّه، و إذا كان كذلك بالنسبة إلى الاضطراريّ فالاختياريّ أولى بالحكم.

و أمّا الحكم الثاني فلصحيحة الحلبي المذكورة، و سائر الأخبار «2» المتقدّمة في تلك المسألة، المصرّحة: بأنّ من فاتته عرفات و وقف بالمشعر الحرام أو أقام به أو أدرك الناس به تمَّ حجّه، فإنّها بإطلاقها شاملة لما نحن فيه و أخصّ مطلقا من عمومات أصحاب الأراك، و التخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له.

و تؤيّده مطلقات من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ منطوقا أو مفهوما، و إنّما جعلناها مؤيّدة لإمكان الدخل فيها بأنّ المتبادر من إدراك المشعر و نحوه غير الكون به، بل المراد إدراك أمر فيه، فهو إمّا إدراك وقوفه الشرعيّ، أو في وقت خاصّ، أو جمع خاصّ، أو غيره، فيكون الكلام مقتضيا، و مقتضاه غير معلوم، و لا قدر مشترك له يقينا بحيث يشمل المورد، فيدخله الإجمال المنافي للاستدلال.

الرابع: أن يدرك اختياريّ المشعر فيما بين الطلوعين خاصّة،

و حجّه صحيح- بالإجماع و الأخبار «3»، كما مرّ في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفات- إذا لم يكن ترك عرفة عمدا، و إلّا فلا يصحّ كما مرّ.

الخامس: أن يدرك اضطراريّ المشعر النهاريّ خاصّة،

فإن كان ترك

______________________________

(1) التهذيب 5: 289- 981، الاستبصار 2: 301- 1076، الوسائل 14: 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.

(2) الوسائل 14: 35، 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1، 2، 3، 4.

(3) الوسائل 13: 548 أبواب إحرام الحج ب 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 257

عرفة عمدا فحجّه باطل، لما مرّ، و إن كان اضطرارا ففيه خلاف:

فالمشهور بين الأصحاب فتوى- كما صرّح به جماعة «1»- عدم صحّة الحجّ، بل و كذلك رواية على ما ذكره المفيد، قال: الأخبار بعدم إدراك الحجّ به متواترة، و جعل القول المخالف رواية نادرة «2»، بل عليه الإجماع في المختلف كما قيل «3».

و في الغنية و التنقيح: لا خلاف في عدم إجزاء اضطراريّ عرفة، و أنّ ابن الجنيد إنّما قال بإجزاء اضطراريّ جمع لا غير، و به قال أيضا الصدوق، و على التقديرين فالإجماع منعقد اليوم على عدم إجزاء واحد من الاضطراريّين، لانقراض ابن الجنيد و من قال بمقالته «4». انتهى.

و نقل في المدارك الإجماع عن المنتهى أيضا «5»، و لم أجده فيه، بل ما وجدته فيه أنّه قال: أمّا لو أدرك أحد الاضطراريّين خاصّة، فإن كان المشعر صحّ حجّه على قول السيّد و بطل على قول الشيخ، و تؤيّد قول السيّد روايتا عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة «6» و جميل الحسنة «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام، لكن الشيخ تأوّلهما بتأويلين بعيدين. انتهى [1].

______________________________

[1] المنتهى 2: 728، و ليس فيه: لكن الشيخ تأولهما بتأويلين بعيدين.

______________________________

(1) انظر

الرياض 1: 385.

(2) المقنعة: 431.

(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 358، و انظر المختلف: 301.

(4) التنقيح 1: 481.

(5) المدارك 7: 406.

(6) التهذيب 5: 291- 989، الاستبصار 2: 304- 1086، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.

(7) الكافي 4: 476- 3، التهذيب 5: 291- 988، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 258

و ذهب الصدوق في العلل إلى الاجتزاء به «1»، و هو قول الإسكافي «2»، و الظاهر من كلام السيّد و الحلبي «3»، و اختاره الشهيد الثاني و صاحب المدارك من المتأخّرين «4».

و قال الشهيد الأول في نكت الإرشاد: و لعلّ الأقرب إجزاؤه، ثمَّ قال:

و لو لا أنّ المفيد نقل أنّ الأخبار الواردة بعدم الإجزاء متواترة، و أنّ الرواية بالإجزاء نادرة، لجعلناه أصحّ لا أقرب «5». انتهى.

و الأقوى عندي هو القول المشهور، لنا: صحيحة حريز: عن رجل مفرد للحجّ فاته الموقفان جميعا، فقال: «له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ، و يجعلها عمرة، و عليه الحجّ من قابل» «6».

و مثلها الأخرى، إلّا أنّه زاد في آخرها: قال: قلت: كيف يصنع؟

قال: «يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، و إن شاء أقام بمكّة، و إن شاء أقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء، ليس من الناس في شي ء» «7»، و بمضمونها رواية إسحاق بن عبد اللّه «8» و صحيحة

______________________________

(1) علل الشرائع: 451.

(2) حكاه عنه في المختلف: 301.

(3) السيد في الانتصار: 96، الحلبي في الكافي: 197.

(4) الشهيد الثاني في الروضة 2: 278، المدارك 7: 407.

(5) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد

1: 443.

(6) التهذيب 5: 291- 986، الاستبصار 2: 304- 1084، الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 1.

(7) التهذيب 5: 480- 1704، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 4، بتفاوت يسير.

(8) التهذيب 5: 290- 985، الاستبصار 2: 303- 1083، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 259

الحلبي «1» المتقدّمة في رابعة وقوف عرفات.

و لا يضرّ قوله فيها أخيرا: «فإن لم يدرك المشعر الحرام» إلى آخره، لأنّ المتبادر منه- بعد سبق قوله: «إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس»- أنّه إن لم يدركه قبل الطلوع، كما لا يخفى.

و رواية ابن سنان: عن الذي إذا أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ، قال:

«إذا أتى جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له، و إن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام، و إن شاء أن يرجع إلى أهله رجع و عليه الحجّ من قابل» «2»، و مثلها رواية محمّد بن الفضيل «3».

و صحيحة ضريس: عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر، فقال: «يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل مكّة، و يطوف و يسعى بين الصفا و المروة، و يحلق رأسه و ينصرف إلى أهله إن شاء»، و قال: «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحجّ من قابل» «4».

و رواها الصدوق أيضا كذلك، إلّا أنّه زاد فيها- بعد قوله: «و يحلق

______________________________

(1) التهذيب 5: 289- 981، الاستبصار 2: 301- 1076، الوسائل 14: 36 أبواب

الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.

(2) التهذيب 5: 294- 997، الاستبصار 2: 306- 1094، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 4.

(3) التهذيب 5: 291- 987، الاستبصار 2: 304- 1085، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 3.

(4) التهذيب 5: 295- 1001، الاستبصار 2: 308- 1098، الوسائل 14: 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 260

رأسه»: «و يذبح شاته» «1».

و حمل الحجّ المنفيّ في هذه الأخبار على الحجّ الكامل و الأمر بجعلها عمرة على الاستحباب فاسد، لمنافاته لفوريّة الحجّ، التي هي إجماع من المسلمين، و غير مناسب لقوله: «ليس من الناس في شي ء»، و لقوله: «هي عمرة مفردة»، و لسؤال السائل في كثير منها.

و كذا حمل تلك الأخبار على من ترك الموقفين اختيارا، إذ المختار في ترك عرفة ليس له الحجّ إلى طلوع الشمس أيضا، مع أنّها ظاهرة كلّا في المضطرّ.

و احتجّ المخالف بصحيحة ابن المغيرة: جاءنا رجل بمنى فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعا، فقال له عبد اللّه بن المغيرة: فلا حجّ له، و سأل إسحاق بن عمّار فلم يجبه، فدخل إسحاق على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك، فقال: «إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحجّ» «2».

و صحيحة جميل: «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحجّ» «3»، و نحوها صحيحته الأخرى «4»، و موثّقة إسحاق «5».

______________________________

(1) الفقيه 2: 243- 1160.

(2) التهذيب 5: 291- 989، الاستبصار 2: 304- 1086، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.

(3) الكافي 4: 376- 3، التهذيب 5: 291- 988،

الاستبصار 2: 304- 1087، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.

(4) العلل: 450- 1، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 8.

(5) الكافي 4: 476- 4، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 261

و صحيحة أخرى لجميل: «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من عرفة، و له الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» «1».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف» «2».

و صحيحة هشام بن الحكم: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ» «3»، و نحوها موثّقة أخرى لإسحاق «4».

و مرسلة ابن أبي عمير: «تدري لم جعل ثلاث هنا؟» قال: قلت: لا، قال: «من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحجّ» «5».

و موثّقة الفضل بن يونس: عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل أن يعرّف، فبعث به إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النحر خلّى سبيله، كيف يصنع؟. قال: «يلحق بجمع ثمَّ ينصرف إلى منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه»، قلت: فإن خلّى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال:

«هذا مصدود من الحجّ، إن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ثمَّ يسعي أسبوعا و يحلق رأسه و يذبح شاة، و إن دخل مكّة مفردا للحجّ فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه و لا حلق» «6».

و الجواب: بعدم دلالة صحيحة ابن عمّار و ما يتعقّبها من الأخبار

______________________________

(1) التهذيب 5: 171- 569، الاستبصار 2: 247- 864، الوسائل 11: 295 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 15.

(2) الفقيه 2: 243- 1165، الوسائل 14: 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب

23 ح 15.

(3) الكافي 4: 476- 5، الفقيه 2: 243- 1161، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 10.

(4) الفقيه 2: 234- 1164، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.

(5) الكافي 4: 476- 6، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.

(6) الكافي 4: 371- 8، التهذيب 5: 465- 1623، الوسائل 13: 183 أبواب الإحصار و الصد ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 262

أصلا.

أمّا الصحيحة، فلعدم دلالتها إلّا على إدراك الموقف بإدراك الاضطراري، و لا كلام فيه.

و أمّا صحيحة هشام و الموثّقة التي بعدها، لأنّ قوله: «و عليه خمسة» قرينة ظاهرة على أنّ المراد إدراكه قبل طلوع الشمس، لأنّه الوقت الذي يكون فيه الناس، و لأنّه لا فائدة ظاهرا لهذا القيد إلّا كون الوقوف قبل الطلوع، حيث إنّ بعده يفيض الناس عنه.

و أمّا المرسلة، فلعدم معلوميّة المشار إليه بقوله: «هنا»، بل الظاهر من مرسلته الأخرى أنّه إشارة إلى منى، فإنّ فيها: «أ تدري لم جعل المقام ثلاثا بمنى؟» الحديث «1»، فيكون المراد: أيّام الوقوف بمنى ثلاثة.

و أمّا الموثّقة الأخيرة، فلأنّ الظاهر من قوله: «يلحق بجمع» اللحوق بالناس، الذي يكون قبل الطلوع.

و أمّا البواقي، فهي أعمّ مطلقا ممّا مرّ من أخبار عدم الإجزاء، لأنّ هذه الأخبار كلّا أعمّ من إدراك اضطراريّ عرفات، بل من اختياريّها أيضا حتى الأولى، لأنّ الظاهر من قوله فيها: «لم يدرك الموقفين جميعا» أنّه لم يدركهما معا، و ما مرّ أكثره مخصوص بمن لم يدرك عرفة أصلا، فيجب تخصيص الثانية بالأولى.

بل الأخبار الإجزاء عموم آخر أيضا، لشمول قبل الزوال لما قبل طلوع الشمس أيضا.

هذا، مع ما في صحيحة جميل الأخيرة من

عدم الدلالة أيضا، لأنّه إذا

______________________________

(1) التهذيب 5: 481- 1706، العلل: 450- 1، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 263

قيل: إدراك الأمر الفلاني إلى هذا الوقت، معناه: أنّه يدركه إذا أدرك من الوقت قدرا يتمكّن فيه من العمل بما هو لازم ذلك الأمر، كما في المتعة، حيث يشترط إدراك ما قبل الزوال بقدر يطوف و يسعى و يقصّر.

و الحاصل: أنّه إذا جعل عمل مغيّى بغاية يكون قبل الغاية ظرفا للعمل، بمعنى: أنّ قبلها وقت له و إن كان بعض أجزاء الوقت ظرفا لبعض أجزاء العمل، و لا يلزم أن يكون كلّ جزء ظرفا لجميع أجزاء العمل.

و ممّا ذكرنا ظهر فساد ما قيل من رجحان أخبار الإجزاء بمخالفة العامّة، حيث إنّهم يقولون بفوات الحجّ بفوات عرفات، فإنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو في التعارض بالتساوي أو العموم من وجه، مع أنّ أخبار عدم الإجزاء صريحة في إدراك الحجّ بعد طلوع الفجر، و هذا أيضا مخالف للعامّة.

و أمّا الستّ المركّبات.
الأول: أن يدرك الاختياريّين،

و درك الحجّ به ضروري.

و الثاني: أن يدرك اختياريّ عرفة مع ليلي المشعر خاصّة

و لم يدرك نهاريّة أصلا و لو عمدا، و ذلك أيضا كالأول عند الأكثر، و هو الأصح، لما عرفت من إجزاء إدراكه فقط، فكيف إذا كان مع غيره؟! و بما مرّ من أدلّته يخرج في صورة العمد عن تحت القاعدة المتقدّمة «1».

نعم، لو ترك ما بين الطلوعين عمدا يكون آثما، لتركه الواجب، و كانت عليه شاة أو بدنة على ما مرّ.

______________________________

(1) في ص: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 264

الثالث: أن يدرك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر في النهار،

فإن كان ترك اختياريّ المشعر عمدا بطل حجّه إجماعا على الظاهر، و للقاعدة المتقدّمة.

و لا يفيد منطوق مطلقات: «من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ»، لمعارضتها مع منطوق مطلقات: «من أدركه بعد طلوع الشمس فلا حجّ له»، و مفهوم مطلقات: «من أدركه و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ»، فيرجع إلى الأصل، مع أنّ الأخيرة أخصّ مطلقا من الاولى.

و إن كان اضطرارا صحّ حجّه اتّفاقا، كما عن المنتهى و التذكرة «1»، و في التنقيح «2» و غيره «3» بلا خلاف، لما عرفت من صحّته بإدراك اختياري عرفة خاصّة، فكيف إذا كان مع اضطراريّ المشعر؟! مضافا إلى المستفيضة المتقدّمة في تعيين الوقت الثالث للأوقات الثلاثة في المشعر.

الرابع: أن يدرك اضطراريّ عرفة مع ليليّة المشعر،

فإن كان ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل حجّه، لما مرّ في بحث وقوف عرفة من الإجماع و القاعدة و الأخبار.

و لا يعارضها عموم: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ»، لمخالفته في المورد للإجماع، و معارضته لصحيحة الحلبي «4»- المصرّحة: بأنّ

______________________________

(1) المنتهى 2: 727، التذكرة 1: 375.

(2) التنقيح 1: 482.

(3) كالحدائق 16: 435.

(4) التهذيب 5: 287- 976، الاستبصار 2: 302- 1079، الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 19 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 265

أصحاب الأراك لا حجّ لهم- بالعموم من وجه، الموجبة للرجوع إلى القاعدة.

و إن كان لا عن عمد صحّ حجّه بالإجماع ظاهرا، لما مرّ من الصحّة مع إدراك الليليّة وحدها، فمع اضطراريّ عرفة بطريق أولى.

الخامس: أن يدرك اضطراريّ عرفة مع اختياريّ المشعر

و يصحّ حجّه إجماعا، و وجهه ظاهر ممّا مرّ، إلّا إذا كان تاركا لاختياريّ عرفة عمدا، فيبطل حجّه، لما سبق.

السادس: أن يدرك الاضطراريّين من غير تعمّد ترك أحد الاختياريّين،
اشاره

و الأقوى: صحّة الحجّ، وفاقا للشيخ و الصدوق و السيّد و الإسكافي و الحلبيّين و المحقّق و أكثر كتب الفاضل «1»، و أكثر المتأخّرين «2»، بل الأكثر مطلقا كما قيل «3»، لصحيحة الحسن العطّار «4».

و أمّا العمومات- المتضمّنة ل: «أنّ من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حجّ له» «5» الشاملة بعمومها لمحلّ النزاع- فإنّها معارضة لمثلها من العمومات القائلة ب: «أنّ من أدرك المشعر قبل

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 273، الصدوق في العلل: 451، السيد في الانتصار: 90، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 301، أبو الصلاح في الكافي: 197، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 508، المحقق في الشرائع 1: 254، الفاضل في المنتهى 2: 728.

(2) كصاحب المدارك 7: 406 السبزواري في الذخيرة: 658، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 358.

(3) انظر الحدائق 16: 411.

(4) التهذيب 5: 292- 990، الاستبصار 2: 305- 1088، الوسائل 14: 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.

(5) الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 266

زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحجّ» «1».

و تقييد الأخيرة بمن أدرك اختياريّ عرفة ليس بأولى من تقييد الاولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا و لو اضطراريّها، بل الأخيرة أولى بوجوه كثيرة، منها: شهادة صحيحة العطّار له.

و أمّا لو ترك أحد الاختياريّين فيبطل حجّه، للقاعدة المشار إليها مرارا، التي هي المرجع بعد تعارض العمومين المذكورين، و عدم شهادة الصحيحة هنا.

فذلكة:

قد علم ممّا ذكر بطلان الحجّ في صورتين من الصور الإحدى عشرة، و هما: ما إذا أدرك أحد الاضطراريّين خاصّة، و الصحّة في الصور التسع الباقية، و أنّ من ترك أحد الاختياريّين

عمدا أو أحد الاضطراريّين كذلك مع فوات اختياريّ و لو لا عن عمد بطل حجّة، إلّا في صورة واحدة، هي: ترك اختياريّ المشعر لمن أدرك ليليّه.

المسألة السادسة: من فاته الحجّ بعد الإحرام
اشاره

بفوات أحد الموقفين أو نحوه سقطت عنه بقيّة مناسكه من الهدي و الرمي و المبيت بمنى و الحلق أو التقصير فيها، أو الموقف الثاني إن فات قبله، و يتحلّل عن إحرامه بعمرة مفردة مع الإمكان، فيأتي بأفعالهم ثمَّ يتحلّل بما يتحلّل به المعتمر من الحلق أو التقصير، و عليه الحجّ من قابل مع استقرار وجوبه في ذمّته.

بإجماع العلماء المحقّق و المحكيّ «2» في الأحكام الثلاثة.

مضافا في الأول- و هو سقوط بقيّة المناسك- إلى الأصل، فإنّ وجوبها عليه إنّما كان من حيث كونه حاجّا، و مع فواته يتغيّر الموضوع.

______________________________

(1) كما في الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.

(2) كما في الذخيرة: 660، الحدائق 16: 461، الرياض 1: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 267

و إلى موثّقة الفضل المتقدّمة في مسألة من أدرك اضطراريّ المشعر، المصرّحة بعدم وجوب الذبح و الحلق عليه، و صحيحة حريز الثانية و رواية إسحاق المتقدّمتين فيها أيضا، و المصرّحتين بأنّ له أن لا يقيم بمنى و يذهب حيث شاء و أنّه ليس من الناس في شي ء.

و في الثاني و الثالث- و هما: التحلّل بالعمرة المفردة و الحجّ من قابل مع الاستقرار- إلى غير الاولى من الأخبار المذكورة، و صحيحة حريز الاولى و صحيحة ضريس و روايتي ابن سنان و الفضيل، المتقدّمة جميعا في المسألة المذكورة، و صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفات، و صحيحتي ابن عمّار:

الأولى: «أيّما قارن أو مفرد أو متمتّع قدم و قد فاته الحجّ فليحلّ بعمرة و

عليه الحجّ من قابل» «1».

و الثانية: رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ و لم يكن طاف، قال: «يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق و لا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحلّ، و عليه الحجّ من قابل يحرم من حيث أحرم» «2».

فروع:
أ:

ظاهر أكثر الأخبار المتقدّمة من جهة تضمّنه لقول: «فهي عمرة»

______________________________

(1) الفقيه 2: 284- 1394، و في الوسائل 14: 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 295- 999، الاستبصار 2: 307- 1096، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 268

أو: «يطوف و يسعى» انقلاب إحرامه عمرة قهرا من غير توقّف على نيّة الاعتمار، فلو أتى بأفعالها من غير نيّة العمرة لكفى، كما نقله في الذخيرة عن موضع من القواعد و عن الدروس و اختاره هو «1»، لما ذكر، و لأصالة عدم وجوبها.

و لا ينافيها قوله في بعضها: «و ليجعلها عمرة»، لأنّ المفهوم من هذا الأمر الإتيان بأفعالها.

و عن التحرير و التذكرة و المنتهى: اعتبار النيّة «2»، للاستصحاب، و قوله: «إنّما الأعمال بالنيّات»، و عدم وضوح دلالة نحو قوله: «فهي عمرة» أو: «يطوف و يسعى» على الانقلاب القهري، لجواز أن يكون المعنى: فالواجب عليه هذه الأمور، أو: أفعاله التي يجب عليه الإتيان بها أفعال العمرة.

أقول: و إن أمكن الخدش في الاستصحاب، و في دلالة: «إنّما الأعمال بالنيّات»، و كذا في دلالة نحو قوله: «فهي عمرة» على القول الأول، و لكن الإنصاف أنّ المتبادر من الجعل عمرة: النقل إليها بالاختيار، إمّا بالقصد، أو بأمر آخر اختياريّ مشعور به، و هو أيضا لا ينفكّ عن قصدها، و

إلّا لم يكن جعلا منه، و هو ظاهر، فالحقّ هو القول الثاني.

ب: لو أراد من فاته الحجّ البقاء على إحرامه ليحجّ به

لم يكن ذلك له، كما صرّح به جماعة، منهم: الفاضل و الشهيد «3»، أمّا على

______________________________

(1) الذخيرة: 660.

(2) التحرير 1: 124، التذكرة 1: 398، المنتهى 2: 728.

(3) الفاضل في التحرير 1: 124، الشهيد في الدروس 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 269

الانتقال القهري فظاهر، و أمّا على القول الآخر فلوجوب النقل إلى العمرة المفردة- الموجب للنهي عن ضدّه، الموجب لفساد أفعال حجّ الذي أتى بذلك الإحرام- و لتوقيفيّة العبادة، و عدم معلوميّة هذا النحو من العبادة.

و على هذا، فلو بقي إلى السنة القابلة بذلك الإحرام وجب عليه إكمال العمرة أولا، لأجل ذلك الوجوب، ثمَّ الإتيان بما عليه من المناسك من حجّ التمتّع أو غيره. و كذا لو رجع إلى بلده و عاد.

و لو لم يمكنه العود كان له حكم المصدود عن أفعال العمرة و سيأتي، و لا يجزئه الحجّ من قابل بذلك الإحرام و لا تبرأ ذمّته، لأنّ الإحرام الباقي عليه إمّا إحرام عمرة التمتّع أو حجّه أو حجّ آخر.

فإن كان الأول، لا يفيد ذلك التمتّع لهذا الحجّ، لوجوب كونهما في سنة واحدة كما مرّ.

و إن كان الثاني، لا يفيد هذا الحجّ لذلك التمتّع، لذلك أيضا، و للأمر المقتضي للنهي عن الضدّ الموجب لفساده كما سبق.

و إن كان الثالث، يكون فاسدا، لما مرّ من النهي.

ج: مقتضى ظواهر الأخبار المذكورة: وجوب الحجّ عليه من قابل مطلقا،

و مقتضى صحيحة ضريس المتقدّمة: التفصيل بين المشترط عند الإحرام فلا يجب عليه الحجّ مطلقا، و غير المشترط فيجب كذلك.

و في رواية الرقّي: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحجّ، فقال: «نسأل اللّه العافية»، ثمَّ قال: «أرى عليهم أن يهريق كلّ واحد منهم دم شاة و يحلق، و عليهم الحجّ من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، و إن أقاموا حتى

تمضي أيّام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 270

التشريق بمكّة خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه و اعتمروا فليس عليهم الحجّ من قابل» «1».

و مقتضاها التفصيل بين المنصرف إلى بلده فلا يجب الاستدراك، و غيره فيجب، إلّا أنّ الأكثر قيّدوه بما إذا كان الحجّ واجبا عليه، بل وجوبا مستقرّا مستمرّا قبل عامه هذا، و إلّا فحكموا باستحباب القضاء بل في الذخيرة: أنّه لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ذلك «2»، و نحوه في غيره «3».

و قيّد بعضهم عدم وجوب القضاء في المندوب بما إذا لم يكن الفوات بتفريط منه «4»، و إلّا فيجب القضاء مطلقا.

و ذكر بعضهم أنّ هذا هو المشهور، فقال: إنّ المشهور عدم وجوب استدراك الحجّ المندوب، إلّا إذا كان فواته بتقصير منه فيتدارك وجوبا في العام المقبل، و مال بعض الأصحاب إلى عدم وجوب القضاء في المندوب مطلقا. انتهى.

و على هذا، فيكون وجوب القضاء على من استقرّ في ذمّته و رجع إلى بلده و لم يشترط إجماعيّا نصّا و فتوى، فلا كلام فيه، و كذا يكون عدم وجوبه فيما إذا لم يستقرّ في ذمّته و اشترط و لم يرجع ظاهرا، لوجوب تخصيص العمومات الاولى بالمقيّدين الأخيرين.

______________________________

(1) الكافي 4: 475- 1، التهذيب 5: 295- 1000، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 5، بتفاوت.

(2) الذخيرة: 660.

(3) كالرياض 1: 388.

(4) انظر الحدائق 16: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 271

و أمّا البواقي، فلو قطع النظر عن قول الأصحاب لوجب الحكم بوجوب القضاء مطلقا، إلّا أنّ مخالفة الشهرة العظيمة القديمة و الجديدة ممّا يوهن الخبر الصحيح، و لذلك يحكم بمقتضى الأصل في موارد مخالفة القوم في الوجوب، و هو المندوب

الفائت بغير التفريط، و بوجوب القضاء في غيره مطلقا.

د: يجوز لهذا الشخص التخلّف عن الناس و إتيان مكّة و إتمام عمرته

و الرجوع إلى أهله، و يجوز له الإقامة بمنى معهم أيّام التشريق و إتيان مكّة معهم و إتمام أمره، كما صرّح به في أكثر الروايات المتقدّمة، إلّا أنّ المستحبّ له إقامة منى أيّام التشريق، لصحيحة ابن عمّار الأخيرة المتقدّمة في هذه المسألة.

ه: المشهور بين الأصحاب- كما صرّح به غير واحد «1»- عدم وجوب الهدي على ذلك الشخص

، بل نسبوا القول بوجوبه و الرواية المتضمّنة له إلى الشذوذ، و هو كذلك، للأصل المعتضد بخلوّ أكثر أخبار المقام عن ذكره.

و عن الشيخ قول بوجوبه «2»، و قيل: إنّه نقله عن بعض الأصحاب «3»، و عن الدروس: نسبة إيجابه إلى الصدوقين أيضا «4».

و احتجّوا له برواية الرقّي المتقدّمة، و صحيحة ضريس السابقة على طريق الصدوق، و هما قاصرتان عن إفادة الوجوب، أمّا الثانية فظاهرة، لمقام الجملة الخبريّة، و أمّا الأولى فللفرق بين قوله: «أرى أنّ عليهم دم شاة»، و قوله: «أرى عليهم أن يهريق»، فالأول ظاهر في الإيجاب، و أمّا

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 437، و الذخيرة: 660، و الحدائق 16: 466.

(2) الخلاف 2: 375، 376.

(3) المدارك 7: 437.

(4) الدروس 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 272

الثاني- و هو عبارة الصحيحة- لم تثبت دلالته على الوجوب.

نعم، روى إسحاق بن عمّار في الموثّق: عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها و أهلها فحاضت، فاستحيت أن تعلم أهلها و زوجها حتى قضت المناسك [و هي على تلك الحالة]، و واقعها زوجها، و رجعت إلى الكوفة، فقالت لأهلها: كان من الأمر كذا و كذا، فقال: «عليها سوق بدنة، و عليها الحجّ من قابل» [1].

إلّا أنّه يمكن أن لا يكون وجوب البدنة لما هو القدر المشترك بينها و بين المورد من فوات الحجّ، بل لأمور أخر تميّزت بها، من الإتيان بالمناسك و الوقاع في

الإحرام و غيرهما، مع أنّ الظاهر عدم قول بوجوب البدنة بخصوصها.

المسألة السابعة: يستحبّ للحاجّ حال كونه في المشعر التقاط حصى الجمار منه،
اشاره

إجماعا محقّقا «1»، و محكيّا مستفيضا «2»، له، و لصحيحتي ابن عمّار «3» و ربعي «4»: «خذ حصى الجمار من جمع، و إن أخذته من رحلك بمنى أجزأك».

و رواية زرارة: عن الحصى التي يرمى بها الجمار، قال: «تؤخذ من

______________________________

[1] الكافي 4: 450- 1، الفقيه 2: 241- 1151، التهذيب 5: 475- 1676، الوسائل 13: 140 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 19 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و هو على تلك، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 289.

(2) انظر الرياض 1: 289.

(3) الكافي 4: 477- 1، التهذيب 5: 195- 650، الوسائل 14: 59 أبواب رمي جمرة العقبة ب 4 ح 2.

(4) الكافي 4: 477- 3، التهذيب 5: 196- 651، الوسائل 14: 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 273

جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى» «1».

ثمَّ إنّها سبعون حصاة، و هي العدد الواجب، و لو التقط أزيد منه احتياطا- حذرا من سقوط بعضها أو عدم إصابته- فلا بأس.

فروع:
أ: هذا على سبيل الاستحباب،

و يجوز أخذها من غير المشعر إجماعا و نصّا، كما مرّ و يأتي، إلّا أنّه يجب أن يكون من أرض الحرم من أيّ جهاتها شاء، بلا خلاف أجده.

و تدلّ عليه صحيحة زرارة: «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك»، قال: و قال: «لا ترم الجمار إلّا بالحصى» «2».

و موثّقة حنّان: «يجوز أخذ الحصى من جميع الحرم، إلّا من المسجد الحرام و مسجد الخيف» «3».

و مرسلة حريز: من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: «لا تأخذه من موضعين: من خارج الحرم، و من حصى الجمار، و لا بأس بأخذه من سائر

الحرم» «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 477- 2، الوسائل 14: 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 2.

(2) الكافي 4: 477- 5، التهذيب 5: 196- 654، الوسائل 14: 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 1.

(3) الكافي 4: 478- 8، التهذيب 5: 196- 652، الوسائل 14: 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 2.

(4) الكافي 14: 478- 9، التهذيب 5: 196- 653، الوسائل 14: 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 274

و يستثنى من الحرم: المسجد الحرام و مسجد الخيف، فلا يجوز الأخذ منهما، للموثّقة المتقدّمة.

و لم يستثن القدماء- على ما في الدروس- سوى المسجدين «1»، بل في المختلف التصريح بالجواز من غيرهما عن الصدوق و الشيخ و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة «2»، بل ظاهر التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «3»، و إن كان فيهما بعد ذلك الإجماع نسبة التعدّي إلى سائر المساجد إلى بعض علمائنا.

و استثنى جماعة- منهم: الجامع و النافع و الشرائع و القواعد- سائر المساجد أيضا «4»، و لم يذكروا دليلا عليه بخصوصه.

نعم، ينبغي البناء فيه على النهي عن إخراج حصى المساجد و عدمه، فيحرم على الأول دون الثاني.

و على الأول، فهل يفسد العمل؟

قيل: نعم، للنهي الموجب للفساد «5».

و ردّ: بأنّ غايته فساد الالتقاط دون الرمي «6».

و أجيب «7»: بوجوب الإعادة فورا، و مقتضاه النهي عن أضداده أيضا، و منها الرمي.

و هو حسن لو ثبتت الفوريّة المدّعاة، مع أنّ في فساد الضدّ المنهيّ

______________________________

(1) الدروس 1: 428.

(2) المختلف: 303.

(3) التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 728.

(4) الجامع للشرائع: 209، المختصر النافع: 88، الشرائع 1: 257، القواعد 1: 87.

(5) انظر المختلف: 303.

(6) انظر كشف اللثام 1: 359، الرياض

1: 389.

(7) كما في الرياض 1: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 275

عنه- الذي تعلّق [به ] «1» أمر آخر و لو موسّع- كلاما بيّناه في الأصول.

ثمَّ إنّ المراد بحصى الحرم- كما هو المتبادر- هو: المتكوّن فيه أو ما لم يعلم نقله إليه من غيره، فلا يكفي ما علم أنّه نقل إليه من غيره و لو بمدّة قبل ذلك.

ب: يجب أن تكون الحصاة أبكارا

- أي غير مرميّ بها رميا صحيحا- إجماعا محقّقا، و محكيّا عن الخلاف و الغنية و الجواهر و في المدارك و المفاتيح و شرحه «2»، و في الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب «3»، و هو الحجّة فيه المؤيّدة بمرسلة حريز المتقدّمة.

و مرسلة الفقيه: «و لا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي» «4».

و في رواية عبد الأعلى: «و لا تأخذ من حصى الجمار» «5».

ج: يجب أن يكون ممّا يصدق عليه الحصى،

وفاقا للأكثر، كما في التحرير و المنتهى «6»، لأنّه المأمور به، و في صحيحة زرارة المتقدّمة النهي عن الرمي بغيره.

و تجمعه أمور ثلاثة:

كونه حجرا، و جعله في الانتصار ممّا انفردت به الإماميّة «7»، و ظاهر

______________________________

(1) ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) الخلاف 2: 343، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، جواهر الفقه: 43، المدارك 7: 441، المفاتيح 1: 349.

(3) الذخيرة: 661.

(4) الفقيه 2: 285- 1398، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 2.

(5) الكافي 4: 483- 3، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 2.

(6) التحرير 1: 103، المنتهى 2: 730.

(7) الانتصار: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 276

التذكرة و المنتهى الإجماع عليه «1»، فلا يجزئ المدر [1] و الآجر [2] و الخزف و الجوهر.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف، فجوّز بالجوهر و البرام [3] «2»، و لعلّه لصدق الحجر، و هو في الأخير غير بعيد.

و أن لا يكون كبيرا يخرج عن اسم الحصى. خلافا للدروس «3».

و أن لا يكون صغيرا كذلك، و الظاهر كفاية حصى الجصّ، لصدق الاسم.

و في وجوب طهارة الحصى قولان- كما في الذخيرة «4»- و أقربهما:

العدم، للأصل السالم عن المعارض.

د: يستحبّ أن تكون ملتقطة،

رخوة، برشاء، كحلية، منقّطة بقدر الأنملة.

و المراد بالأول: أن تكون كلّ واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة، و لا تكون مكسورة من حجر، و تدلّ عليه رواية أبي بصير: «التقط الحصى و لا تكسرنّ منه شيئا» «5».

و بالثاني: أن لا تكون صلبة.

و بالثالث: أن تكون فيه نقط تخالف لونه، كما نسب إلى المشهور «6».

______________________________

[1] المدر: قطع الطين الذي لا يخالطه رمل- مجمع البحرين 3: 479.

[2] الآجر: طبيخ الطين- لسان العرب 4: 11.

[3] البرام: الحجر المعروف بالحجاز و اليمن- النهاية

لابن الأثير 1: 121.

______________________________

(1) التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729.

(2) الخلاف 2: 342.

(3) الدروس 1: 435.

(4) الذخيرة: 661.

(5) الكافي 4: 477- 4، التهذيب 5: 197- 657، الوسائل 14: 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 3.

(6) نسبه في الرياض 1: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 277

و حكي عن الجوهري «1» و غيره «2»، أو خصوص نقط بيض، كما عن ابن فارس «3»، أو ما فيه لون مختلط حمرة و بياضا و غيرهما، كما عن النهاية الأثيريّة «4»، أو مختلط بحمرة، كما عن المحيط «5»، أو ما فيه ألوان و خلط، كما عن تهذيب اللغة «6».

و كيف ما كان، فتدلّ عليه و على سابقة صحيحة هشام بن الحكم:

«كره الصمّ منها»، و قال: «خذ البرش» «7»، و الصمّ- جمع الأصمّ- و هو:

الصلب من الحجر.

و تدلّ على الثلاثة الأخيرة رواية البزنطي: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء، خذها كحليّة منقّطة، تخذفهنّ خذفا، تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبّابة»، قال: «و ارمها من بطن الوادي و اجعلهنّ عن يمينك كلّهن، و لا ترم على الجمرة»، قال:

«و تقف عند الجمرتين الأوليين و لا تقف عند جمرة العقبة» «8».

و لا يخفى أنّ الأبرش على التفسير الأول يكون مساويا للمنقّطة فيغني

______________________________

(1) الصحاح 3: 995.

(2) كابن منظور في لسان العرب 6: 264.

(3) معجم مقاييس اللغة 1: 219.

(4) نهاية ابن الأثير 1: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    279     الفصل الرابع في نزول منى ..... ص : 279

(5) المحيط 7: 331.

(6) تهذيب اللغة 11: 360- 361.

(7) الكافي 4: 477- 6، التهذيب 5: 197- 655، الوسائل 14: 33 أبواب الوقوف

بالمشعر ب 20 ح 1.

(8) الكافي 4: 478- 7، التهذيب 5: 197- 656، قرب الإسناد: 359- 1284، الوسائل 14: 33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 2 و ص 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1 و ص 65 ب 10 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 278

عنها، و لعلّه لذلك اقتصر الشيخ في التهذيب و الفقيه و الجمل على البرش «1».

و على الثاني يكون أخصّ منها، و على البواقي يكون أعم، و اللّه أعلم.

______________________________

(1) التهذيب 5: 196، الفقيه 2: 9، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 279

الفصل الرابع في نزول منى
اشارة

و ما فيها من المناسك و الأفعال الثلاثة يوم النحر قبل النفر إلى مكّة.

و لكونها ثلاثة- رمي جمرة العقبة، و الهدي، و الحلق أو التقصير- فهاهنا مقدّمة، و ثلاثة أبحاث، و خاتمة.

أمّا المقدّمة: ففي مقدّمات نزول منى.
اشارة

و هي أمور كلّها مستحبّة إلّا اثنين:

أحدهما: الإفاضة من المشعر يوم النحر.

و الثاني: نزول منى فيه، لتوقّف الأفعال الواجبة في ذلك اليوم في منى عليهما.

و أمّا المستحبّات:

فمنها: ما مرّ من إفاضة الإمام من المشعر بعد طلوع الشمس،

و إفاضة غيره قبله بقليل.

و منها: أن لا يتجاوز عن وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشمس،

وفاقا للسرائر و الشرائع و النافع و المختلف و التذكرة و المنتهى «1»، لصحيحة هشام بن الحكم «2»، المتقدّمة في مستحبّات الغدوّ إلى عرفات، القاصرة عن إفادة

______________________________

(1) السرائر 1: 586، 589، الشرائع 1: 253، النافع: 88، المختلف: 297، التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729.

(2) الكافي 4: 470- 6، التهذيب 5: 193- 640، الوسائل 13: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 280

التحريم، لاحتمال الجملة الخبريّة.

و خلافا للمحكيّ عن صريح القاضي «1» و ظاهر الأكثر، فيحرم، للصحيحة.

أقول: قد استدلّوا لمرجوحيّة التجاوز عنه في الإفاضة من منى إلى عرفات و من المشعر إلى منى بهذه الصحيحة، و هو يتوقّف على ثبوت جواز هذا النحو من الاستعمال في المعنيين، و هو غير معلوم، و لذا ذكر بعضهم الكراهة في الثاني خاصّة «2».

و أورد في الكافي الصحيحة في الإفاضة من المشعر «3»، و في التهذيب في الإفاضة من منى «4»، و مع ذلك فالاستدلال بها على أحدهما أو كليهما مشكل، إلّا أن يكون النظر إلى كلّ من الاحتمالين المقتضي لرجحان الاحتياط، و لكنّ الأمر فيه سهل، لكفاية فتوى الأصحاب في إثبات الاستحباب.

و المستحبّ عدم قطع الوادي بتمامه، لأنّه المستفاد من الصحيحة و ظاهر الأكثر، و قد يقال باستحباب عدم قطع بعضه أيضا، بل قد يجعل ذلك أحوط.

و منها: أن يهرول و يسعى

- أي يسرع في المشي- إن كان ماشيا و يحرّك دابّته إن كان راكبا في وادي محسّر بتمامه، كما هو صريح السرائر «5» و ظاهر الأكثر.

كما في صحيحة ابن عمّار: «إذا مررت بوادي محسّر- و هو: واد عظيم بين جمع و منى و هو إلى منى أقرب- فاسع فيه حتى تجاوزه، فإنّ

______________________________

(1) المهذّب 1: 254.

(2)

السرائر 1: 589.

(3) الكافي 4: 468.

(4) التهذيب 5: 178.

(5) السرائر 1: 589.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 281

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّك ناقته و قال: سلّم لي عهدي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتي، و اخلفني فيمن تركت بعدي» «1».

و رواية عبد الأعلى: «إذا مررت بوادي محسّر فاسع فيه» «2».

أو قدر مائة ذراع، كما في رواية عمر بن يزيد: «الرمل في وادي محسّر قدر مائة ذراع» «3».

أو مائة خطوة، كما في صحيحة محمّد بن إسماعيل: «الحركة في وادي محسّر مائة خطوة» «4».

و مقتضى استدلالهم بصحيحة هشام في المسألة المتقدّمة في المقامين حكمهم باستحباب الهرولة أيضا فيهما لتلك الأخبار، لكن لم أجد بعد على من ذكرها في الأول، بل صرّح في المدارك بالإجماع على عدم استحبابها فيه و كونه بدعة «5».

و لعلّه لما في صحيحة بن عمّار: «و أفض حين يشرق لك ثبير» إلى أن قال: «فأفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة، فأفض بذكر اللّه و الاستغفار و حرّك به لسانك، فإذا مررت بوادي محسّر» إلى آخر ما مرّ في صحيحته «6»، حيث إنّها صريحة في السعي في الثاني،

______________________________

(1) الكافي 4: 470- 3، الفقيه 2: 282- 1384، التهذيب 5: 192- 637، الوسائل 14: 22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 5: 195- 648، الوسائل 14: 22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 2.

(3) الكافي 4: 471- 8، الوسائل 14: 23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 5.

(4) الكافي 4: 471- 4، الفقيه 2: 282- 1385، الوسائل 14: 23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 3.

(5) المدارك 7: 446.

(6) التهذيب 5: 192-

637، العلل: 444- 1، الوسائل 14: 26 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 5، بتفاوت يسير في العلل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 282

فحملوا عليه المطلقات أيضا.

و لو ترك الهرولة فيه حتى تعدّى عن الوادي- بل حتى دخل مكّة أيضا- يستحبّ الرجوع و الهرولة.

لصحيحة حفص بن البختري: سأل بعض ولده: «هل سعيت في وادي محسّر؟» فقال: لا، فأمره أن يرجع حتى يسعى، قال له ابنه:

لا أعرفه، قال: فقال له: «سل الناس» «1».

و مرسلة الحجّال: مرّ رجل بوادي محسّر فأمره أبو عبد اللّه عليه السلام بعد الانصراف إلى مكّة أن يرجع و يسعى «2» و نحوها مرسلة الفقيه «3».

و الظاهر- كما هو مقتضى ترك الاستفصال في الصحيحة، و مفاد إطلاق عبارات جمع من الطائفة- ثبوت العود للهرولة مطلقا.

سواء تركها نسيانا أو جهلا أو عمدا، و خصّ في النافع الناسي بالذكر «4»، و لا وجه له.

و منها: أن يقتصد في سيره بسكينة و وقار،

و يفيض بالذكر و الاستغفار، كما مرّ في صحيحة ابن عمّار.

______________________________

(1) الكافي 4: 470- 1، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 470- 2، التهذيب 5: 195- 649، و ليس فيه: إلى مكّة، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.

(3) الفقيه 2: 282- 1387، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.

(4) المختصر النافع: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 283

البحث الأول في رمي جمرة العقبة
اشارة

و يقال لها: القصوى أيضا.

و هي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكّة، و الخارج من مكّة إلى منى يصل أولا إليها في يسار الطريق، و هي منصوبة اليوم في جدار عظيم متّصل بتلّ بحيث تظهر جهتها الواحدة.

و رميها بالجمار في ذلك اليوم واجب، بلا خلاف يعلم، كما عن التذكرة و المنتهى و الذخيرة «1»، بل مطلقا كما في غيرها «2».

و أمّا ما وقع في بعض كلمات الشيخ- من أنّ الرمي سنّة «3»- فأراد به مقابل الفرض، بمعنى: ما ثبت وجوبه من الكتاب، صرّح بذلك في السرائر، ثمَّ قال: لا خلاف عندنا في وجوبه و لا أظنّ أحدا من المسلمين خالف فيه «4»، كذا قيل «5».

و فيه: أنّ قول صاحب السرائر ذلك إنّما هو في مطلق الرمي بعد الرجوع إلى منى، و أمّا رمي جمرة العقبة يوم النحر فقال فيه: و ينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة «6». و ظاهر ذلك الاستحباب كما لا يخفى.

______________________________

(1) التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729، الذخيرة: 662.

(2) انظر كشف اللثام 1: 359.

(3) كما في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 234.

(4) السرائر 1: 591.

(5) انظر المدارك 8: 6.

(6) السرائر 1: 606.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص:

284

نعم، صرّح بالإجماع فيه كما في شرح المفاتيح، بل لا يبعد أن يكون الإجماع محقّقا عند التحقيق، و هو الحجّة فيه مع التأسي.

و صحيحة ابن عمّار: «خذ حصى الجمار ثمَّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و الحصى في يدك: اللّهمّ إنّ هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي و ارفعهنّ في عملي، ثمَّ ترمي و تقول مع كلّ حصاة: اللّه أكبر، اللّهمّ ادحر عنّي الشيطان، اللّهمّ تصديقا بكتابك و على سنّة نبيّك صلّى اللّه عليه و آله، اللّهمّ اجعله لي حجّا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا، و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك و رجعت من الرمي فقل» إلى أن قال: «و يستحبّ أن ترمي الجمار على طهر» «1».

و في صحيحته الأخرى الواردة في حجّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله بعد بيان نزوله المشعر: «و عجّل ضعفاء بني هاشم بليل و أمرهم أن لا يرموا الجمرة العقبة حتى تطلع الشمس، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى، فرمى جمرة العقبة» «2».

و فيها تصريح برمي جمرة العقبة يوم النحر، بل في الأولى أيضا، حيث أمر به بعد أخذ الحصى و قبل سائر الأعمال.

و في رواية زرارة: عن رمي الجمرة يوم النحر ما لها ترمى وحدها و لا يرمي من الجمار غيرها يوم النحر؟ فقال: «قد كنّ يومين كلّهنّ و لكنّهم تركوا ذلك»، فقلت له: جعلت فداك، فأرميهن؟ قال: «لا ترمهنّ، أما

______________________________

(1) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح

1.

(2) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 285

ترضى أن تصنع كما أصنع؟» «1».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمّار الآتية، المتكفّلة لكيفيّة رمي سائر الجمرات، القائلة: قل كذا و افعل كذا كما فعلت حين رمي جمرة العقبة يوم النحر.

و إن أبيت عن دلالة تلك الأخبار على وجوب رمي جمرة العقبة، فليستدلّ له بصحيحتي السمّان «2» و الأعرج «3»، و رواية عليّ بن أبي حمزة «4»، المتقدّمة جميعا في الواجب الثالث من واجبات وقوف المشعر، و إن كان فيها قصور من حيث الإحاطة بتمام أفراد المطلوب فليتمّه بالإجماع المركّب.

ثمَّ إنّ للرمي واجبات، و مستحبّات، و أحكاما، نذكرها في ثلاثة مقامات:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
الأول: النيّة،

و قد مرّ حكمها مرارا، و تجب مقارنتها لأول الرمي و استدامتها حكما إلى الفراغ.

الثاني: الرمي بسبع حصيات بإجماع علماء الإسلام،

كما في كلام جماعة «5»، و تدلّ عليه النصوص الآتية في حكم من نقص العدد.

الثالث: إلقاؤها بما يسمّى رميا،

إجماعا كما في المنتهى «6» و غيره «7»، لأنّ

______________________________

(1) الكافي 4: 479- 2، الوسائل 14: 74 أبواب رمي جمرة العقبة ب 16 ح 2.

(2) الكافي 4: 473- 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.

(3) الكافي 4: 474- 7، التهذيب 5: 195- 647، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.

(4) الكافي 4: 474- 4، التهذيب 5: 194- 644، الاستبصار 2: 256- 904، الوسائل 14: 53 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.

(5) منهم العلّامة في المنتهى 2: 731، صاحب المدارك 8: 7، صاحب الرياض 1: 390.

(6) المنتهى 2: 731.

(7) كالمفاتيح 1: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 286

الأمر وقع بالرمي فيجب امتثاله، فلو وضع بكفّه في المرمى لم يجز، و حكى في المنتهى اختلافا في الطرح، ثمَّ قال: و الحاصل أنّ الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم، فإن سمّي رميا أجزأ بلا خلاف، و إلّا لم يجز إجماعا «1».

الرابع: أن يرميها باليد،

فلو رميها بفمه أو رجله لم يجز، لانصراف المطلق إلى الشائع المتعارف، و في رواية أبي بصير: «خذ حصى الجمار بيدك اليسرى و ارم باليمنى» «2».

الخامس: أن يصيب الجمرة،

فلو لم يصبها لم يجز إجماعا، لعدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة، و لصحيحة ابن عمّار: «و إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها» «3».

و لو شكّ في الإصابة ما دام مشتغلا أعاد، تحصيلا للبراءة اليقينيّة.

السادس: أن يتلاحق الحصيات،

فلو رمى بها دفعة واحدة لم تحسب إلّا واحدة، بغير خلاف بيننا، كما صرّح به في السرائر، قال: فإن رماها بسبع حصيات دفعة واحدة لا يجزئه بغير خلاف بيننا «4». و لعلّ دليله الإجماع (و التأسّي) [1].

ثمَّ إنهم قالوا: و المعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت، و لو رمى دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز «5».

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ح».

______________________________

(1) المنتهى 2: 731.

(2) الكافي 4: 481- 3، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12 ح 2.

(3) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، التهذيب 5: 266- 907، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.

(4) السرائر 1: 608.

(5) انظر المدارك 8: 8، الرياض 1: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 287

السابع: أن يكون كلّ من الإصابة و الرمي بفعله،

بلا خلاف، كما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح «1»، بل بالإجماع كما في شرح المفاتيح، لأنّه مقتضى وجوب امتثاله الأمر بالرمي، و برمي الجمرة.

فلو كانت الحصاة في يده فصدمه حيوان و ألقيت إلى الجمرة لم يكف، و كذا لو ألقاها و وقعت على حيوان و تحرّك و وقعت الإصابة بحركته.

أمّا لو ألقاها و وقعت على غير الجمرة ثمَّ تدحرجت إليها أو تجاوزت عنه إليها و لو بصدمته- كما إذا وقعت على أرض صلبة ثمَّ رجعت إليها- فالوجه الإجزاء في الجميع، لصدق الامتثال، و صحيحة ابن عمّار «و إن أصابت إنسانا أو جملا ثمَّ وقعت على الجمار أجزأك» «2».

و لو شكّ في اشتراك حركة الغير بنى على أصالة عدم تأثيرها فيه.

المقام الثاني: في مستحباته، و هي أيضا أمور:
منها: أن يكون متطهّرا من الحدث،

فإنّه راجح إجماعا فتوى و نصّا، و من النصوص صحيحة ابن عمّار «3» المتقدّمة في صدر المسألة.

و رواية ابن أبي غسّان: عن رمي الجمار على غير طهور، قال:

«الجمار عندنا- مثل الصفا و المروة- حيطان، إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، و الطهر أحبّ اليّ فلا تدعه و أنت قادر عليه» «4».

______________________________

(1) المدارك 8: 8، الذخيرة: 662، المفاتيح 1: 350.

(2) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، التهذيب 5: 266- 907، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.

(3) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 3.

(4) التهذيب 5: 198- 660 و فيه: عن ابن أبي غسّان، عن حميد بن مسعود، و في الاستبصار 2: 258- 912، و الوسائل 14: 57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 5:

عن أبي غسّان حميد بن مسعود.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 12، ص: 288

و صحيحة ابن عمّار «1» المتقدّمة في مسألة الطهارة للسعي، و صحيحة محمّد: «لا ترم الجمار إلّا و أنت على طهر» «2».

و ليس بواجب، على الأظهر الأشهر، كما في المدارك و الذخيرة «3» و غيرهما «4»، و عن المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «5»، بل حكي عنه إسناده إلى علمائنا، و عن ظاهر الغنية الإجماع عليه «6».

لا للصحيحة الأولى، حتى يورد عليه بعدم وضوح «يستحبّ» فيما يجوز تركه، كما هو المصطلح عليه الآن، فلعلّ المراد المعنى الأعمّ المجامع للوجوب.

و لا للصحيحة الثانية و صحيحتي جميل «7» و رفاعة «8» و رواية أبي حمزة «9»، المتقدّمة جميعا في مسألة طهارة السعي، حتى يورد عليها بأنّها أعمّ من الصحيحة الأخيرة، فيجب تخصيصها بها.

و لا يفيد التعليل ب: «أنّ فيه صلاة» في أكثرها لجعلها خاصّة كما توهّم، لأنّه أيضا عام.

______________________________

(1) التهذيب 5: 396- 1379، الاستبصار 2: 316- 1120، الوسائل 13: 460 أبواب الطواف ب 89 ح 4.

(2) الكافي 4: 482- 10، التهذيب 5: 197- 659، الاستبصار 2: 258- 911، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 1.

(3) المدارك 8: 9، الذخيرة: 662.

(4) كالمفاتيح 1: 350.

(5) المنتهى 2: 732.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

(7) الكافي 4: 420- 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(8) التهذيب 5: 154- 510، الاستبصار 2: 241- 838، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 2.

(9) الكافي 4: 420- 2، التهذيب 5: 116- 379، الاستبصار 2: 222- 763، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 289

بل لرواية ابن أبي غسّان المصرّحة بعدم الضرر، و لا يضرّ ضعف سندها عندنا

مع أنّها بالشهرة و نقل الإجماع منجبرة، فبها تعارض الصحيحة الأخيرة، و تكون لتجوّزها قرينة.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و السيّد و الإسكافي، فأوجبوه «1»، لما مرّ بجوابه.

و لا يستحبّ له الغسل بخصوصه، كما صرّح به في صحيحة الحلبي:

عن الغسل إذا رمى الجمار، قال: «ربّما فعلت و أمّا السنّة فلا، و لكن من الحرّ و العرق» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن الغسل إذا أراد أن يرمي، فقال: «ربّما اغتسلت، فأمّا من السنّة فلا» «3».

فقول الإسكافي بحسنه «4» غير حسن.

و منها: الدعاء عند إرادة الرمي،

و عند رمي كلّ حصاة، و عند الرجوع إلى المنزل، بما في صحيحة ابن عمّار «5» المتقدّمة في صدر المسألة.

و منها: أن يكون بينه و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا،

لصحيحة ابن عمّار «6» المتقدّمة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 417، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 68، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 302.

(2) الكافي 4: 482- 9، التهذيب 5: 197- 658، الاستبصار 2: 258- 910، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 482- 8، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 4.

(4) حكاه عنه في المختلف: 302.

(5) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.

(6) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 290

و التعبير عن ذلك: ب: أنّه يستحبّ أن لا يتباعد بما يزيد عن خمسة عشر- كما في النافع «1»- أو يكون البعد عشرة أو خمسة عشر كما في الشرائع و السرائر و الإرشاد «2» و غيرها «3».

غير جيّد، لأنّ الأول قاصر عن إفادة تمام ما في النصّ، و الثاني تعدّ عنه، بل الصحيح ما ذكرنا، كما نقل عن عليّ بن بابويه «4».

و منها: أن يخذف الجمار خذفا،

لمرسلة البزنطي المتقدّمة في مسألة التقاط الحصى «5»، المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، و بروايته في قرب الإسناد للحميري «6».

و الخذف- بإعجام الحروف-: الرمي بأطراف الأصابع، كما عن الخلاص، و نسبه الحلّي في السرائر إلى أهل اللسان «7».

و عن الصحاح «8» و الديوان و غيرهما «9»: الرمي بالأصابع.

و الظاهر اتّحاده مع الأول، إذ لا يكون الرمي بالأصابع غالبا إلّا بأطرافها، و لذا فسّره في السرائر بالأول، ثمَّ قال: هكذا ذكره الجوهري في

______________________________

(1) المختصر النافع: 89.

(2) الشرائع 1: 259، السرائر 1:

591، الإرشاد 1: 331.

(3) كالجمل و العقود (الرسائل العشر): 235، الكافي في الفقه: 215.

(4) حكاه عنه في المختلف: 303.

(5) الكافي 4: 478- 7، التهذيب 5: 197- 656، قرب الإسناد: 359- 1284، الوسائل 14: 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.

(6) قرب الإسناد: 359- 1284.

(7) السرائر 1: 590.

(8) الصحاح 4: 1347.

(9) انظر أساس البلاغة: 150، لسان العرب 9: 61، المصباح المنير: 165، أقرب الموارد 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 291

الصحاح «1».

و كذا يتّحد معهما ما عن المجمل و المفصّل: أنّه الرمي من بين إصبعين، إذ الرمي بالأصابع أو بأطرافها لا يكون غالبا إلّا من إصبعين.

ثمَّ ذلك و إن كان مطلقا و يتصوّر على أنحاء شتى، إلّا أنّ المستحبّ هنا أن يرمي من طرفي السبّابة، و الإبهام، بأن يضعها على الإبهام و يدفعها بظفر السبّابة، كما فسّر الخذف به في مجمع البحرين «2»، لتصريح المرسلة به، فيكون هذا الفرد من الخذف مستحبّا، بأن يضعها على باطن الإبهام و يرميها بظفر السبابة.

و إنّما خصّصناه- مع إطلاق المرسلة- بباطن الإبهام، كما في السرائر «3» و عن المقنعة و المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و المراسم و الكافي و المهذّب و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى «4»، بل هو المشهور كما في المختلف و الروضة و مجمع البحرين «5»، دون ظاهرها كما عن القاضي «6».

لأنّ الدفع بظفر السبّابة- كما أمر به في المرسلة- لا يتيسّر إلّا بوضعها على بطن الإبهام.

______________________________

(1) السرائر 1: 590.

(2) مجمع البحرين 5: 42.

(3) السرائر 1: 590.

(4) المقنعة: 417، المبسوط 1: 369، النهاية: 266، المصباح: 641، المراسم:

113، الكافي: 215، المهذّب 1: 255، الجامع للشرائع: 210، التحرير 1:

104، التذكرة

1: 377، المنتهى 2: 732.

(5) المختلف: 302، الروضة 2: 286، مجمع البحرين 5: 42.

(6) المهذب 1: 255 .. و فيه: و قيل بل يضعها على ظهر إبهامه و يدفعها بالمسبّحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 292

و أمّا ما عن الانتصار- من الدفع بظفر الوسطى عن بطن الإبهام «1»- فمخالف للنصّ، خال عن الدليل المعلوم.

و لا تضرّ مخالفة جمع من اللغويين في تفسير الخذف بما ذكر بعد بيان النصّ لكيفيّته، كما أنّه فسّره في العين و المحيط و المقاييس و الغريبين و النهاية الأثيريّة و القاموس بالدفع من بين السبّابتين «2».

ثمَّ استحباب ذلك هو الحقّ المشهور، لقصور المرسلة دلالة عن إثبات الوجوب.

خلافا للسرائر «3» و المحكيّ عن الانتصار مدّعيا فيه الإجماع «4»، فأوجباه.

و الإجماع غير ثابت، و النصّ- كما عرفت- قاصر.

و منها: أن يرميها من قبل وجهها لا عاليا عليها،

لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «5»، و يستلزم ذلك استدبار الكعبة فهو أيضا يكون مستحبّا، كما صرّح به فحول القدماء ناسبا له إلى فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «6».

و منها: أن لا يقف عندها بعد الفراغ منه،

لرواية البزنطي المتقدّمة:

«و لا تقف عند جمرة العقبة» «7»، و غيرها ممّا يأتي في رمي الجمار أيّام التشريق.

______________________________

(1) الانتصار: 105.

(2) العين 4: 245، المحيط 4: 320، معجم مقاييس اللغة 2: 165، النهاية الأثيرية 2: 16، القاموس 3: 135.

(3) السرائر 1: 590.

(4) الانتصار: 106.

(5) في ص: 284.

(6) انظر المبسوط 1: 369، و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 303.

(7) الكافي 4: 478- 7، الوسائل 14: 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 293

المقام الثالث: في أحكامه،
اشارة

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: يجوز الرمي راكبا و ماشيا،

بالإجماعين «1»، و المستفيضة من النصوص «2».

و اختلفوا في الأفضل منهما، فعن المشهور: أفضليّة المشي، و عن المبسوط و في السرائر: أفضليّة الركوب في رمي هذه الجمرة «3».

و الأظهر هو المشهور، لأنّ أفضليّته هي المستفادة من صحيحتي عليّ ابن جعفر «4» و عليّ بن مهزيار «5»، و روايتي مثنى «6» و عنبسة «7».

و أمّا صحاح ابن عمّار «8» و التميمي «9» و ابن عيسى «10» و مرسلة محمّد بن الحسين «11»، فهي لا تتضمّن سوى وقوع الرمي عن بعض الحجج عليه السلام راكبا

______________________________

(1) كما في المفاتيح 1: 351، كشف اللثام 1: 361.

(2) الوسائل 14: 62، 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 و 9.

(3) المبسوط 1: 369، السرائر 1: 591.

(4) التهذيب 5: 267- 912، الاستبصار 2: 298- 1066، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 1.

(5) الكافي 4: 486- 5، الوسائل 14: 64 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 4.

(6) الكافي 4: 486- 4، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 3.

(7) الكافي 4: 485- 3، التهذيب 5: 267- 913، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 2.

(8) التهذيب 5: 267- 911، الاستبصار 2: 298- 1065، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 4.

(9) التهذيب 5: 267- 910، الاستبصار 2: 298- 1064، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 3.

(10) التهذيب 5: 267- 908، الاستبصار 2: 298- 1062، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 1.

(11) التهذيب 5: 267- 909، الاستبصار 2: 298- 1063، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب

8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 294

أو نفي البأس عنه، و هما لا يفيدان الأفضليّة.

المسألة الثانية: ظاهر الأصحاب، و مقتضى نسبة هذا الرمي في الأخبار بالرمي يوم النحر، وجوب كونه في ذلك اليوم،

و إن لم أعثر بعد على خبر دالّ بصريحه على وجوب كونه فيه، و لكن الظاهر من تتبّع الأخبار و فتوى الأصحاب ذلك، فلا ينبغي الخروج عنه.

نعم، قال في السرائر: و ينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة، كما مرّ «1».

و لكن ظاهر ذلك استحباب أصل الرمي لا وقوعه في يوم النحر مع وجوب أصله.

و وقته تمام النهار، و يجوز لذوي الأعذار التقديم في الليل، كما يأتي في بحث رمي الجمار أيام التشريق.

المسألة الثالثة: هل يجب أن يكون الرمي مقدّما على الذبح و الحلق؟

الأقرب: لا، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه سبحانه.

______________________________

(1) راجع ص: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 295

البحث الثاني في الهدي
اشارة

و الكلام إمّا فيمن يجب عليه الهدي، أو في كيفيّة ذبحه و وقته و مكانه، أو في جنسه و وصفه و سنّه و عدده، أو في مصرفه و قسمته، أو في حكم العجز عنه و بدله، فهاهنا خمسة مقدمات:

المقام الأول: فيمن يجب عليه الهدي،
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: يجب الهدي على المتمتّع،

بالإجماعين «1»، و الكتاب، و السنّة.

قال اللّه سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «2».

و في صحيحة زرارة: فقلت: و ما المتعة؟ قال: «يهلّ بالحج» إلى أن قال: «فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ و نسك المناسك و عليه الهدي»، فقلت: و ما الهدي؟ فقال: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخفضه شاة» «3».

و في رواية الأعرج: «من تمتّع في أشهر الحج ثمَّ أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمَّ جاور بمكّة حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة، و إنّما الأضحى على

______________________________

(1) انظر المنتهى 2: 734.

(2) البقرة: 196.

(3) التهذيب 5: 36- 107، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 296

أهل الأمصار» «1».

قوله: «إنّما الأضحى» يحتمل أن يكون المراد بها: الهدي، يعني:

الهدي على المتمتّعين، و هم أهل الأمصار، حيث لا تمتّع على أهل مكّة.

و فسّر في الوافي أهل الأمصار على من لم يحضر الحجّ، فقال:

حاصل الحديث أنّ المتمتّع يجب عليه الهدي، و غير المتمتّع لا يجب عليه الهدي، و الأضحية ليست إلّا على أهل الأمصار ممّن لم يحضر الحجّ دون من حضر «2».

إلى غير ذلك من الأخبار.

و لا فرق في وجوب الهدي على المتمتّع بين من أتاه فرضا أو متنفّلا، و لا بين المكّي و غيره، لإطلاق الأخبار.

و لا هدي على غير المتمتّع معتمرا أو حاجّا، مفترضا أو متنفّلا، مفردا أو قارنا، إلّا ما يسوقه القارن

عند الإحرام، إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «3».

و تدلّ عليه رواية الأعرج المتقدّمة، و ما في رواية إسحاق بن عبد اللّه:

«و إذا لم يكن متمتّعا لا يجب عليه الهدي» «4».

و في صحيحة ابن عمّار: «و أمّا المفرد للحجّ فعليه طواف» إلى أن قال: «و ليس عليه هدي و لا أضحية» «5»، و نحو ذلك في صحيحته

______________________________

(1) الكافي 4: 487- 1، التهذيب 5: 199- 662، الاستبصار 2: 259- 913، الوسائل 14: 82 أبواب الذبح ب 1 ح 11.

(2) الوافي 13: 1103.

(3) كما في التذكرة 1: 378، و المدارك 1: 15، و الرياض 1: 390.

(4) التهذيب 5: 200- 664، و صدر الحديث في الاستبصار 2: 259- 915، الوسائل 11: 252 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 20.

(5) التهذيب 5: 41- 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 297

الأخرى «1»، إلى غير ذلك «2».

و تحمل بعض الاخبار الموجبة للهدي على غيره أيضا «3» على الاستحباب جمعا.

المسألة الثانية: لو تمتّع المملوك بإذن مولاه

تخيّر المولى بين أن يهدي عنه و بين أن يأمره بالصوم الذي يجب على الحرّ العاجز من الهدي كما يأتي، بلا خلاف، بل بالإجماع، و بكلّ منهما صرّح أيضا جماعة «4»، و تدلّ عليه النصوص المستفيضة «5».

و أمّا بعض الأخبار المتضمّن: لأنّه عليه ما على الحرّ إمّا الأضحية و إمّا الصوم «6»، فالمراد بيان الكميّة دون الكيفيّة بقرينة ما ذكر.

و لو أعتق المملوك في زمان يجري حجّه عن حجة الإسلام كان كالحرّ في الكيفيّة أيضا، فيجب عليه الهدي.

المقام الثاني: في كيفيّته، و وقته، و مكانه، و فيه مسائل:
المسألة الأولى: تجب في ذبح الهدي أو نحره النيّة،

لأنّه عبادة، و لأنّ جهات الذبح متعدّدة فلا يتمحّض المذبوح هديا إلّا بالنيّة، كما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية: يجوز له الذبح أو النحر بنفسه،

و أن يوكّل غيره فيه.

______________________________

(1) الكافي 4: 298- 1، التهذيب 5: 44- 131، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 13.

(2) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.

(3) الوسائل 14: 79 أبواب الذبح ب 1.

(4) منهم العلّامة في المنتهى 2: 737، صاحب الرياض 1: 391.

(5) الوسائل 14: 83 أبواب الذبح ب 2.

(6) التهذيب 5: 201- 668، الاستبصار 2: 262- 926، الوسائل 14: 85 أبواب الذبح ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 298

أمّا الأول فظاهر.

و أمّا الثاني فهو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك و الذخيرة «1»، بل إجماعيّ، كما في غيرهما «2»، و تدلّ عليه صحيحتا أبي بصير «3»، و روايته «4»، و رواية عليّ بن أبي حمزة «5»، المتقدّمة جميعا في بيان وقت الوقوف بالمشعر.

و صحيحة علي: عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها، أ يجزئ عن صاحب الضحيّة؟ فقال: «نعم، إنّما له ما نوى» «6»، يعني: إنّما للذابح ما نواه دون ما سمّاه.

و حينئذ تجب النيّة منهما، سمّاه.

و حينئذ تجب النيّة منهما، سمّاه.

و حينئذ تجب النيّة منهما، أمّا من الموكّل فينوي عند الأمر مستداما نيّته إلى زمان الذبح، مثلا: إنّ الآمر بالذبح- مثلا للهدي- يقصد القربة في الذبح لا في الأمر، فلو أمر إجلالا لنفسه مثلا و لكن كان قصده من الذبح القربة لكفى. و لو أخلّ ببعض أجزائها حين الأمر و قصده بعده قبل الذبح لكفى، كما لو أمر به للأكل ثمَّ رجع بعده و قصد الهدي.

______________________________

(1) المدارك 8: 18، الذخيرة: 664.

(2) كالرياض 1: 391.

(3)

الاولى في: الكافي 5: 474- 5، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 3.

الثانية في: الكافي 5: 475- 8، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 6.

(4) الكافي 5: 474- 4، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر.

(5) الكافي 5: 474- 4، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 4.

(6) الفقيه 2: 296- 1469، التهذيب 5: 222- 748، قرب الإسناد: 239- 942، مسائل علي بن جعفر: 162- 254، الوسائل 14: 138 أبواب الذبح ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 299

و أمّا من الوكيل، فينوي أنّه من فلان، و ليس عليه قصد التقرّب بل، و لا تعيين مقصود الآمر.

فما في كلام بعضهم- من أنّ النيّة يجب أن تكون منه أو من الذابح «1»- غير سديد، لأنّه إن كان المراد نيّة القربة فلا تجب على الذابح، بل لا تكفي منه لو لم ينوها الآمر، و إن كان نيّة أنّه من فلان فهي متعيّنة على الوكيل إن احتمل وجها آخر.

بل الظاهر أنّه لا نيّة على الذابح إلّا إذا لم يتعيّن عين هدي الآمر و كان التعيين على الوكيل، فلو أعطاه شاة معيّنة ليذبحها له هديا، ثمَّ اشتبه على الذابح و ظنّها هدي نفسه و ذبحها، يكفي عن الآمر.

المسألة الثالثة: المشهور- كما في شرح المفاتيح- أنّه يجب أن يكون الذبح أو النحر يوم النحر

مع الإمكان، و في المدارك: أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة «2»، و في الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا «3»، و قيل: إنّه اتّفاقي «4».

و استدلّ له: بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحر في هذا اليوم، و قال: «خذوا عنّي مناسككم» «5».

و فيه: أنّه يفيد لو ثبت كون ذلك منسكا أيضا، و إلّا فلا بدّ من وقوعه

في وقت.

______________________________

(1) الذخيرة: 664.

(2) المدارك 8: 27.

(3) الذخيرة: 664.

(4) كما في الرياض 1: 392.

(5) مسند أحمد 3: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 300

و في المفاتيح أنّه قيل: بل يجوز طول ذي الحجّة اختيارا «1».

و هو قول الحلّي، قال في السرائر: و أمّا هدي المتعة فإنّه يجوز ذبحه طول ذي الحجّة، إلّا أنّه يكون قضاء بعد انقضاء هذه الأيّام- أي أيّام النحر- هكذا قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه.

و الأولى عندي أن لا يكون قضاء، لأنّ ذي الحجّة بطوله من أشهر الحجّ و وقت للذبح الواجب، فلا يكون قضاء، لأنّ القضاء ما يكون له وقت ففات «2». انتهى.

و به قال المحقّق في الشرائع، قال: و كذا لو ذبحه في بقيّة ذي الحجّة جاز «3».

و نقله في المدارك عن الشيخ في المصباح، فقال فيه: إنّ الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجّة، و يوم النحر أفضل «4». انتهى.

و حكي هذا القول عن مختصر المصباح و النهاية و الغنية و ظاهر المهذّب «5»، و عن الغنية الإجماع عليه.

و هو الأقوى، للأصل الخالي عن المعارض، و إطلاقات الكتاب و السنّة، و مفهوم الشرط في رواية الكرخي الآتية في المسألة اللاحقة، بل لو لا الإجماع لكان مقتضاهما جواز التأخير عن ذي الحجّة أيضا، كما يوهمه ظاهر المهذّب، إلّا أنّ الإجماع يدفعه.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 353.

(2) السرائر 1: 595.

(3) الشرائع 1: 260.

(4) المدارك 8: 27.

(5) نقله- عن مختصر المصباح في الرياض 1: 392، النهاية: 257، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المهذّب 1: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 301

بل في الروايات أيضا ما يدفعه، و هو: رواية النضر بن قرواش: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فوجب عليه

النسك، فطلبه فلم يصبه، و هو موسر حسن الحال، و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟

قال: «يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكّة إن كان يريد المضيّ إلى أهله و ليذبح عنه في ذي الحجّة»، قلت: فإنّه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجّة نسكا و أصابه بعد ذلك، قال: «لا يذبح عنه إلّا في ذي الحجّة و لو أخّره إلى قابل» «1».

المسألة الرابعة: يجب أن يكون الذبح أو النحر الواجب في الهدي بمنى،

و ظاهر التذكرة و المنتهى و المدارك و الذخيرة و صريح المفاتيح:

الإجماع عليه «2». و هو كذلك، فهو الدليل عليه.

(مضافا إلى) [1] رواية عبد الأعلى: «لا هدي إلّا من الإبل و لا ذبح إلّا بمنى» «3».

و صحيحة منصور: في الرجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره، قال: «إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره بغير منى لم يجز عن صاحبه» «4»، و صحيحة السمّان «5» المتقدّمة في

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: لو ثبت و ..

______________________________

(1) التهذيب 5: 37- 110، الاستبصار 2: 260- 917، الوسائل 14: 176 أبواب الذبح ب 44 ح 2.

(2) التذكرة 1: 380، المنتهى 2: 738، المدارك 8: 19، الذخيرة: 664، المفاتيح 1: 352.

(3) التهذيب 5: 214- 722، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 6.

(4) الكافي 4: 495- 8، الفقيه 2: 297- 1475، التهذيب 5: 219- 739، الاستبصار 2: 272- 963، الوسائل 14: 137 أبواب الذبح ب 28 ح 2.

(5) الكافي 4: 473- 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 302

بيان وقت الوقوف بمشعر.

و يؤيده كثير من الأخبار المتقدّمة فيه أيضا.

و رواية

الكرخي: «إن كان هديا واجبا فلا ينحر إلّا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى» «1».

و حسنة مسمع: «منى كلّه منحر» «2».

و أمّا بعض الأخبار المتضمّنة لهدي الإمام عليه السلام في غير منى «3»، فقضايا في وقائع لا تفيد عموما و لا إطلاقا، فلعلّ هديه كان في عمرة أو مندوب، و مقتضى ذلك: أن لو تركه بمنى حتى ارتحل عن منى يعود إليها و يذبح، و إن لم يتمكّن منه يبعث إليها ليذبحه فيها.

و لا تنافيه صحيحة ابن عمّار: في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثمَّ ذبح، قال: «لا بأس قد أجزأ عنه» «4»، لعدم صراحتها في كون الذبح أيضا بمكّة.

المسألة الخامسة:

ذهب جماعة- منهم: الشيخ في أحد قوليه و المحقّق «5»- إلى أنّه يجب أن يكون الذبح أو النحر بعد رمي جمرة العقبة و قبل الحلق أو التقصير، و نسبه بعضهم إلى أكثر المتأخّرين «6»، و عن

______________________________

(1) الكافي 4: 488- 3، التهذيب 5: 201- 670، الاستبصار 2: 263- 928، الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 5: 215- 723، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 7.

(3) الكافي 4: 488- 6، التهذيب 5: 202- 671، الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 2.

(4) الكافي 4: 505- 4، الفقيه 2: 301- 1497، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 5.

(5) الشيخ في الاستبصار 2: 284، المحقق في الشرائع 1: 265.

(6) انظر الحدائق 17: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 303

المنتهى: النسبة إلى الأكثر بقول مطلق «1».

و عن الشيخ في

قوله الآخر و العماني و الحلبي و المهذّب و الفاضل في المختلف: استحباب ذلك «2».

و به صرّح الحلّي في السرائر، قال بعد ذكر الثلاثة: و لا بأس بتقديم أيّها شاء على الآخر، إلّا أنّ الأفضل الترتيب «3».

و عن ظاهر المختلف: أنّه قول معظم الأصحاب «4»، و أسنده في الدروس إلى الشهرة «5»، و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة «6». و هو الأقرب.

أمّا رجحان الترتيب على النحو المذكور فلفتوى جمع من الفحول، و التأسّي بالرسول صلّى اللّه عليه و آله، و جملة من الأخبار الآتية القاصرة عن إفادة الوجوب، و قوله عليه السلام: «ينبغي لهم أن يقدّموه» في صحيحة جميل و رواية البزنطي الآتيتين.

و أمّا عدم الوجوب فللأصل الخالي عن المعارض، و صحيحة جميل:

عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا» ثمَّ قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول اللّه، حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا

______________________________

(1) المنتهى 2: 764.

(2) الشيخ في الخلاف 2: 345، حكاه عن العماني في المختلف: 307، الحلبي في الكافي: 201، المهذّب 1: 259، المختلف: 307.

(3) السرائر 1: 602.

(4) المختلف: 307.

(5) الدروس 1: 452.

(6) كالسبزواري في الذخيرة: 664، صاحب الرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 304

شيئا كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه، و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدموه، فقال صلّى اللّه عليه و آله: لا حرج» «1».

و قريبة منها صحيحة محمّد بن حمران «2»، و رواية البزنطي، و فيها:

«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا كان يوم النحر أتاه طوائف

من المسلمين فقالوا:

يا رسول، ذبحنا من قبل أن نرمي، و حلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق شي ء ممّا ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه، و لا شي ء ممّا ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدّموه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا حرج، لا حرج» «3».

و صحيحة ابن سنان: عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي، قال:

«لا بأس، و ليس عليه شي ء، و لا يعودن» «4».

و حمل هذه على صورة الجهل أو النسيان حمل بلا حامل.

احتجّ الموجبون بقوله سبحانه وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5».

و المراد به: الذبح، كما تدلّ عليه رواية الساباطي: و عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: «يذبح و يعيد الموسى، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ الآية» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 504- 1، الفقيه 2: 301- 1496، التهذيب 5: 236- 797، الاستبصار 2: 285- 1009، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.

(2) التهذيب 5: 240- 810، الوسائل 14: 215 أبواب الذبح ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 504- 2، التهذيب 5: 236- 796، الاستبصار 2: 284- 1008، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.

(4) التهذيب 5: 237- 798، الاستبصار 2: 285- 1010، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 10.

(5) البقرة: 196.

(6) التهذيب 5: 485- 1730، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 305

و بهذه الرواية، و برواية موسى بن القاسم، عن عليّ: «لا يحلق رأسه و لا يزور البيت حتى يضحّي، فيحلق رأسه و يزور متى ما شاء» «1».

و رواية جميل: «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق» «2».

و رواية عمر بن

يزيد: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك» «3»، و الفاء للترتيب.

و صحيحة ابن سنان المتقدّمة، فإنّ قوله: «لا يعودن» ظاهر في التحريم.

و الجواب- مع عدم دلالتها على وجوب تقديم الرمي و نوع إجمال في التضحية و موافقتها لكثير من العامّة «4»- أنّ شيئا منها سوى الآية و رواية عمر بن يزيد لا يدلّ على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة أو احتمالها.

و أمّا الآية و إن دلّت على وجوب تأخير الحلق عن بلوغ الهدي محلّه، إلّا أنّ كون بلوغ الهدي محلّه هو الذبح غير معلوم.

و رواية الساباطي معارضة بأكثر منها عددا و أصرح دلالة، و هي رواية عليّ بن أبي حمزة: «إذا اشتريت أضحيتك و وزنت ثمنها و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محلّه» «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 236- 795، الاستبصار 2: 284- 1006، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 9.

(2) الكافي 4: 498- 7، التهذيب 5: 222- 749، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 3.

(3) التهذيب 5: 240- 808، الوسائل 14: 211 أبواب الحلق و التقصير ب 1 ح 1.

(4) انظر بداية المجتهد 1: 352، و المغني و الشرح الكبير 3: 479.

(5) الموجود في المصادر رواية واحدة أوردها في الكافي 4: 502- 4، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 39 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 306

و مثلها رواية عليّ، عن العبد الصالح، و زاد في آخرها: «فإن أحببت أن تحلق فاحلق»، و نحوها رواية أبي بصير «2».

و مرسلة الفقيه عن عليّ بن أبي حمزة: «إذا اشترى الرجل هديه و قمّطه في بيته فقد بلغ محلّه، فإن شاء فليحلق» «3».

و عن المبسوط و النهاية و التهذيب و الحلّي: الفتوى بمضمونها و

تجويز الحلق بحصول الهدي في الرحل و إن لم يذبحه «4»، و إطلاقها إذا لم يرم بعد أيضا، فهذه الأخبار أيضا دالّة على عدم وجوب الترتيب.

و أمّا رواية عمر بن يزيد ففيها: عدم إمكان حمل الأمر فيها على الوجوب، لعدم وجوب الحلق بخصوصه، بل يتخيّر بينه و بين التقصير، فغاية ما يستفاد منها رجحان ما يتضمّنها من الحلق المرتّب، و مع ذلك معارضة بما مرّ من الأخبار المجوّزة للحلق بعد بلوغ الهدي محلّه.

و ممّا يمكن أن يستدلّ به على وجوب الترتيب بين هذه المناسك كلّا أو بعضا: الأخبار المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات الوقوف بالمشعر، المتضمّنة للفظة: «ثمَّ» في الأمر بها، إلّا أنّها لمعارضتها لصحيحتي جميل و ابن حمران و رواية البزنطي يجب حملها على الندب، لكونها قرينة على ذلك عرفا.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ: عدم وجوب الترتيب بين هذه المناسك الثلاثة و إن كان راجحا، بل موافقا لطريقة الاحتياط، و اللّه العالم.

______________________________

(2) التهذيب 5: 235- 794، الاستبصار 2: 284- 1007، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 9 ح 37.

(3) الفقيه 2: 300- 1494، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 39 ح 7.

(4) المبسوط 1: 374، النهاية: 262، التهذيب 5: 222، الحلّي في السرائر 1: 599.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 307

المقام الثالث: في جنس الهدي،
اشارة

و سنّه، و وصفه، و عدده، و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب أن يكون من إحدى النعم الثلاث:

الإبل، و البقر، و الغنم، بلا خلاف فيه، كما صرّح به طائفة «1»، بل بالإجماع كما ذكره جماعة «2»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه مع أصل الاشتغال، حيث لا إطلاق معلوما يصدق على غيرها، و لو كان لوجب صرفه إليها، و لأنّها المتبادرة المعتادة، و لصحيحة زرارة «3» المتقدّمة في صدر بحث الهدي.

المسألة الثانية: إن كان الهدي إبلا أو بقرا أو معزا يجب أن يكون ثنيّا،

و إن كان ضأنا يجزئ فيه الجذع، بلا خلاف فيه يعلم، كما في الذخيرة «4»، و في المدارك: أنّه مذهب الأصحاب «5»، و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه و الاتّفاق «6». و الظاهر أنّه كذلك، فهو الحجّة فيه المعتضدة بالاحتياط.

و أمّا الأخبار فلا يثبت منها تمام المطلوب، لأنّ منها ما يدلّ على إجزاء هذه الأسنان في الثلاث دون نفي غيرها:

كصحيحة العيص: «الثنيّة من الإبل، و الثنيّة من البقر، و الثنيّة من المعز، و الجذع من الضأن» «7».

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 8: 28، السبزواري في الذخيرة: 666.

(2) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الفيض في المفاتيح 1: 353.

(3) راجع ص: 295.

(4) الذخيرة: 666.

(5) المدارك 8: 28.

(6) المفاتيح 1: 353.

(7) التهذيب 5: 206- 688، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 308

و رواية أبي حفص: «يجزئ من البدن الثنيّ، و من المعز الثنيّ، و من الضأن الجذع» «1».

و منها ما يدلّ على عدم إجزاء الأدنى من الثنيّ من المعز:

كصحيحة ابن سنان: «يجزئ من الضأن الجذع، و لا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ» «2».

و في صحيحة ابن عمّار: «يجزئ في المتعة الجذع من الضأن، و لا يجزئ الجذع من المعز» «3».

و رواية حمّاد: أدنى ما يجزئ من أسنان الغنم في الهدي، فقال:

«الجذع

من الضأن»، قلت: فالمعز؟ قال: «لا يجزئ الجذع من المعز» «4».

و مع ذلك ورد في قويّة محمد بن حمران: «أسنان البقر تبيعها و مسنّها في الذبح سواء» «5».

أقول: و التبيع: ما دخل في الثانية، و المسنّ: ما دخل في الثالثة.

و أمّا عدم إجزاء غير الثنيّ من البقر فلا تصريح فيه في الأخبار، بل صرّح في صحيحة الحلبي فيما يضحّي به: «أمّا البقر فلا يضرّك أيّ أسنانها، و أمّا الإبل فلا يصلح إلّا الثنيّ فما فوق» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 490- 7، الوسائل 14: 105 أبواب الذبح ب 11 ح 9.

(2) التهذيب 5: 206- 689، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 2.

(3) الكافي 5: 490- 9، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 6.

(4) الكافي 4: 489- 1، التهذيب 5: 206- 690، المحاسن: 340- 127، العلل:

441- 1، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 4.

(5) الكافي 4: 489- 3، الوسائل 14: 105 أبواب الذبح ب 11 ح 7.

(6) الكافي 4: 489- 2، التهذيب 5: 204- 681، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 5، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 309

و منها يظهر عدم إجزاء غير الثنيّ من الإبل في الأضحية، و لكن الظاهر عدم القول بالفصل.

ثمَّ الثنيّ من الإبل ما كمل له خمس سنين و دخل في السادسة، بلا خلاف كما في المفاتيح «1»، و إجماعا كما في شرحه.

و أمّا من البقر و الغنم، ففي الوافي: أنّ الأشهر أنّه ما دخل في الثالثة «2»، و هو المطابق للصحاح و القاموس «3»، و به قال الشيخ كما حكي عنه «4»، و الفاضل في المنتهى و التحرير و موضع من التذكرة «5».

و

في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه: أنّ المشهور أنّه ما دخل في الثانية «6»، و به صرّح الحلّي في السرائر و المحقّق في الشرائع «7».

و أمّا الجذع من الضأن، فعن التذكرة و المنتهى- موافقا لكلام الجوهري على ما قيل-: أنّه ما كمل له ستّة أشهر «8».

و في السرائر و عن الدروس و التحرير: أنّه ما كمل له سبعة أشهر «9».

و عن موضع من المنتهى: أنّه إذا بلغ سبعة أشهر فهو جذع إن كان بين شابّين، و إن كان بين هرمين فلا يقال أنّه جذع حتى يكمل ثمانية

______________________________

(1) المفاتيح 1: 353.

(2) الوافي 13: 1112.

(3) الصحاح 6: 2295، القاموس 4: 311.

(4) حكاه عنه في الكفاية: 70.

(5) المنتهى 1: 491، التحرير 1: 61، التذكرة 1: 213.

(6) المدارك 8: 29، الذخيرة: 666، المفاتيح 1: 353.

(7) السرائر 1: 597، الشرائع 1: 260.

(8) قال به صاحب المدارك 8: 30، و انظر التذكرة 1: 381، المنتهى 2: 740، الصحاح 3: 1194.

(9) السرائر 1: 597، الدروس 1: 436، التحرير 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 310

أشهر «1». و أسند ذلك إلى الشيخ و ابن الأعرابي «2».

و في المفاتيح و شرحه: أنّ المشهور أنّ الجذع من الضأن «3» ما دخل في الثانية «4»، و هو الظاهر من القاموس و النهاية الأثيريّة «5».

و قد سبقت أقوال أخر فيه و في الثنيّ من المعز في كتاب الزكاة، و حيث لا دليل تامّا يمكن التعويل عليه في التعيين في المقام، فالواجب بمقتضى أصل الاشتغال الأخذ بالاحتياط و ذبح الأعلى سنّا من هذه الأقوال.

المسألة الثالثة: يجب في الهدي أن يكون تامّ الأعضاء خاليا عن العيب،
اشارة

فلا يجزئ الناقص، و لا المعيب.

و ننقل أولا الأخبار الواردة في المقام، فنقول:

و تدلّ على الأول كلّية: صحيحه عليّ: عن

الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل يجزئ عنه؟ قال: «نعم، إلّا أن يكون هديا واجبا، فإنّه لا يجوز ناقصا» «6».

و على الثاني كذلك: مفهوم صحيحة عمران الحلبي: «من اشترى هديا و لم يعلم أنّ به عيبا حتى نقد ثمنه ثمَّ علم بعد فقد تمَّ» «7».

______________________________

(1) المنتهى 1: 491.

(2) أسنده إلى الشيخ في المنتهى 1: 419، و إلى ابن الأعرابي في المبسوط 1: 199، و لسان العرب 8: 44.

(3) في «ح» و «ق» زيادة: و المعز.

(4) المفاتيح 1: 353.

(5) القاموس 3: 12، النهاية الأثيرية 1: 250.

(6) الفقيه 2: 295- 1463، التهذيب 5: 213- 719، الاستبصار 2: 268- 952، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.

(7) التهذيب 5: 214- 720، الاستبصار 2: 269- 953، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 311

و ابن عمّار: في رجل اشترى هديا فكان به عيب عور أو غيره، فقال:

«إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه ردّه و اشترى غيره» «1».

و تدلّ على بعض أفراد كلّ منها المستفيضة من النصوص أيضا:

منها: المرويّ في السرائر و في المنتهى عن البرّاء، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطيبا فقال: «أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البيّن عورها، و المريضة البيّن مرضها، و العرجاء البيّن عرجها، و الكسيرة التي لا تبقى» «2».

و فسّر في المنتهى الكسيرة التي لا تبقى: بالمهزولة التي لا مخّ لها «3».

و صحيحة البجلي: عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب [1]، و لم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي، هل يجزئه

أم يعيده؟ قال: «لا يجزئه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه» «4».

و الأخرى: عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيّا مجبوبا، قال:

«إن كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه» «5».

و في رواية أبي بصير: فالخصي يضحّى به؟ قال: «لا، إلّا أن لا يكون غيره» «6».

______________________________

[1] الجبّ: قطع الذكر أو ما لا يبقى منه قدر حشفة، و منه: «خصيّ مجبوب» مقطوع- مجمع البحرين 2: 21.

______________________________

(1) الكافي 4: 490- 9، التهذيب 5: 214- 721، الاستبصار 2: 269- 954، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.

(2) السرائر: 141، و هو في مسند أحمد 4: 284.

(3) المنتهى 2: 740.

(4) التهذيب 5: 211- 708، الوسائل 14: 106 أبواب الذبح ب 12 ح 3.

(5) التهذيب 5: 211- 709، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 4.

(6) الكافي 4: 490- 5، الوسائل 14: 108 أبواب الذبح ب 12 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 312

و صحيحة الحلبي: عن الضحيّة تكون الاذن مشقوقة، فقال: «إن كان شقّها وسما [1] فلا بأس، و إن كان شقّا فلا يصلح» «1».

و رواية السكوني: «لا يضحّى بالعرجاء، و لا بالعجفاء، و لا بالخرقاء، و لا الجذّاء، و لا العضباء» «2».

قال في الوافي: العجفاء: المهزولة، و الخرقاء: المخروقة الاذن و التي في أذنها ثقب مستدير، و الجذّاء: المقطوعة الاذن، و العضباء: المكسورة القرن الداخل أو مشقوقة الاذن «3».

و مرسلة الفقيه: «لا يضحّى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها، و لا بالعجفاء، و لا بالجرباء و لا بالجدعاء، و لا العضباء» «4».

في الوافي: الجدعاء: مقطوعة الأنف و الاذن «5».

و صحيحة جميل: في الأضحية يكسر قرنها، قال: «إذا كان القرن الداخل صحيحا فهي تجزئ» «6».

و

الأخرى في المقطوع القرن أو المكسور القرن: «إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و إن كان القرن الخارج الظاهر مقطوعا» «7».

______________________________

[1] الوسم: أثر الكيّ، و العلامة- أقرب الموارد 2: 1452.

______________________________

(1) الكافي 4: 491- 11، الوسائل 14: 129 أبواب الذبح ب 23 ح 2.

(2) التهذيب 5: 213- 716، معاني الأخبار: 221- 1، الوسائل 14: 126 أبواب الذبح ب 21 ح 3، 4، بتفاوت.

(3) الوافي 13: 1124.

(4) الفقيه 2: 293- 1450، الوسائل 14: 126 أبواب الذبح ب 21 ح 3.

(5) الوافي 13: 1123.

(6) الكافي 4: 491- 13، الفقيه 2: 296- 1466، الوسائل 14: 128 أبواب الذبح ب 22 ح 1.

(7) التهذيب 5: 213- 717، الوسائل 14: 128 أبواب الذبح ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 313

و رواية شريح بن هاني: «أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين و الاذن، و نهانا عن الخرقاء و الشرقاء و المقابلة و المدابرة» «1».

في الوافي: الشرقاء: منشقّة الاذن طولا باثنتين، و المقابلة و المدابرة:

الشاة التي شقّ اذنها ثمَّ يفتل ذلك معلّقا، فإن أقبل به فهو، إقباله، و إن أدبر به فإدباره، و الجلدة المعلّقة من الاذن هي الإقبالة و الإدبارة، و الشاة مقابلة و مدابرة «2».

و صحيحة البزنطي: عن الأضاحي إذا كانت الاذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: «ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس» «3».

ثمَّ المستفاد من الاولى: عدم إجزاء الأول- أي الناقص- مطلقا في الهدي الواجب، فلا يجزئ مقطوع الاذن، و الأنف، و اللسان، و الشفة، و القضيب، و الأنثيين، و الألية، و الثدي، و القرن، و نحوها.

و تؤكّدها في المجبوب صحيحتا البجلي، و في مقطوعة الاذن صحيحة

البزنطي و رواية السكوني و مرسلة الفقيه، و في مكسورة القرن الداخل الأخيرتان مع صحيحتي جميل.

فيجب أن يكون ذلك هو الأصل في الأول، فإن ثبت خلافة في موضع يستثنى، و إلّا فلا، و يأتي موضع الاستثناء.

و أمّا صحيحة الحلبي المتضمّنة لقوله عليه السلام: النعجة و الكبش و الأنثى أفضل أو خير أو أحبّ من الخصي «4»، فلا يدلّ على إجزاء الخصي، و لو

______________________________

(1) الفقيه 2: 293- 1449، التهذيب 5: 212- 715، معاني الأخبار: 222- 1، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 2.

(2) الوافي 13: 1124.

(3) التهذيب 5: 213- 718، الوسائل 14: 129 أبواب الذبح ب 23 ح 1.

(4) التهذيب 5: 206- 687، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 314

دلّ فإنّما هو بالعموم أو الإطلاق بالنسبة إلى الهدي و غيره، و بالنسبة إلى العجز عن غيره و عدمه، فيجب التقييد.

و أمّا الثاني و إن كان يظنّ أنّ مدلول الثانية و الثالثة عدم إجزاء المعيب مطلقا بعد نقد الثمن، إلّا أنّ في تماميّة دلالتهما عليه نظر، بل غايته المرجوحيّة.

نعم، يدلّ على عدم إجزاء العوراء و العرجاء الشديدتين رواية البرّاء، و ضعفها مجبور بحكاية جمع عدم الخلاف في المنع مع الصفات الأربع المذكورة فيها «1»، بل في المنتهى و المدارك «2»، و غيرهما «3»: الإجماع عليه.

و تعاضدها رواية السكوني و مرسلة الفقيه، و لا يضرّ اختصاصها بالأضحية، إمّا لعمومها للهدي أيضا أو للإجماع المركّب.

و أمّا سائر العيوب المذكورة في باقي الأحاديث المتقدّمة فبين ما لا تصريح بعدم إجزائه- بل غايته المرجوحية- و بين ما يعارض في حقّه بصحيحة البزنطي، فلا يثبت المنع عن غير العيبين، بل يجب

العمل فيه بمقتضى الأصل، و الإطلاق، و قوله سبحانه فَمَا اسْتَيْسَرَ.

و أمّا المريضة و المهزولة فيجي ء الكلام فيهما.

و قد تلخّص من جميع ما ذكر: عدم إجزاء الناقص مطلقا- سوى ما يجي ء استثناؤه- و عدم إجزاء العوراء و العرجاء الشديد عورها و عرجها، و إجزاء غيرهما.

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    315     ب: هل المعتبر في العوراء انخساف العين، ..... ص : 315

(2) المنتهى 2: 740، المدارك 8: 30.

(3) كالرياض 1: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 315

فروع:
أ: يستثنى من الناقص ما كسر قرنه الخارج و بقي الداخل،

و هو الأبيض الذي في وسط الخارج، و تدلّ على إجزائه صحيحتا جميل.

ب: هل المعتبر في العوراء انخساف العين،

كما عن الغنية «1»؟ أو لا، كما عن المنتهى و التحرير «2»؟

الظاهر هو: الأول، لأنّه المحتمل من العور البيّن، و لأنّ الرواية «3» المتضمّنة له ضعيفة لا يعمل بها إلّا في موضع علم انجبارها فيه. و صدق النقض على مطلق العور حتى تشمله صحيحة عليّ غير معلوم.

و كذا يشترط في العرج الشدّة بحيث يكون بيّنا، و الوجه ظاهر.

ج: و ممّا استثنوه أيضا: الناقص بحسب الخلقة،

كالجمّاء، و هي التي لم يخلق لها قرن، و الصمعاء و هي التي لم تخلق لها اذن.

و لا بأس به، للشكّ في صدق الناقص عليه، و لانصراف الإطلاق إلى الشائع.

و استثنى بعضهم البتراء أيضا «4»، و هي مقطوعة الذنب. و لا وجه له، لصدق النقص.

نعم، لو أريد منها فاقدة الذنب بحسب الخلقة كان له وجه.

د: الخصيّ الممنوع منه هو مسلول الخصية،

و أمّا المرضوض

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(2) المنتهى 2: 740، التحرير 1: 105.

(3) أي رواية البرّاء المتقدمة في صلّى اللّه عليه و آله: 311.

(4) كما في المنتهى 2: 741.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 316

خصيته- و هو الموجوء أيضا- فلا بأس به، لعدم صدق النقص، للأصل، و صحيحة ابن عمّار: «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو من البقر، و إلّا فاجعل كبشا سمينا فحلا، فإن لم تجد فموجوءا من الضأن، فإن لم تجد فتيسا فحلا، فإن لم تجد فما تيسّر عليك» «1».

و في صحيحة أبي بصير: «المرضوض أحبّ إليّ من النعجة» «2».

و في صحيحة محمد: «و الموجوء خير من النعجة» «3».

ه: و ممّا يستثنى أيضا من الناقص: الخصيّ إذا لم يجد غيره،

على الأظهر الموافق لتصريح جماعة، منهم: الشهيد في الدروس و صاحب المدارك «4»، لصحيحة البجلي و الأخريين المتعقّبتين لها، و قوله في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة: «فإن لم تجد فما تيسّر عليك».

و: و ممّا استثناه الشيخ في التهذيب: الناقص إذا بان نقصه بعد نقد الثمن «5»،

للصحيحين المتقدّمين «6»، فخصّ بهما الصحيح المتقدّم عليهما «7».

و التحقيق: أنّ بين الفريقين عموما من وجه، فمن استثنى عمل

______________________________

(1) التهذيب 5: 204- 679، الوسائل 14: 95 أبواب الذبح ب 8 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 490- 5، الوسائل 14: 112 أبواب الذبح ب 14 ح 3.

(3) التهذيب 5: 205- 686، الوسائل 14: 111 أبواب الذبح ب 14 ح 1.

(4) الدروس 1: 437، المدارك 8: 34.

(5) التهذيب 5: 214.

(6) الأول في: التهذيب 5: 214- 720، الاستبصار 2: 269- 953، الوسائل 14:

130 أبواب الذبح ب 24 ح 3.

الثاني في: الكافي 4: 490- 9، التهذيب 5: 214- 721، الاستبصار 2:

269- 954، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.

(7) الفقيه 2: 295- 1463، التهذيب 5: 213- 719، الاستبصار 2: 268- 952، قرب الإسناد: 239- 941، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 317

بالإطلاق، و من لم يستثن عمل بأصل الاشتغال بعد رفع اليد عن الإطلاق، لتخصيصه بالمجمل الموجب لعدم الحجيّة في موضع الإجمال.

و هو الأقوى، لذلك، مضافا إلى ظاهر الإجماع، حيث لا يوجد للشيخ موافق في المسألة، بل تردّد هو نفسه في الاستبصار المتأخّر عن التهذيب أيضا «1».

ز: هل يستثنى ساقط الأسنان لهرم أم لا؟

الظاهر: الثاني، لصدق النقص، و لا تعارضه صحيحة العيص في الهرم الذي قد وقعت ثناياه: «إنّه لا بأس به في الأضاحي» «2»، و قريبة منها مرسلة الفقيه «3»، إذ لا يعلم شمولها للهدي أيضا.

ح: إذا لم يوجد إلّا فاقد الشرائط الغير الثابت استثناؤه بخصوصه،

ففي الإجزاء، أو الانتقال إلى الصوم، قولان، أصحّهما: الأول، لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة: «فإن لم تجد فما تيسّر عليك».

و في صحيحته الأخرى: «اشتر فحلا سمينا للمتعة» إلى أن قال: «فإن لم تجد فما استيسر من الهدي» الحديث «4».

و كذا الحكم في الشرطين الآتيين من عدم الهزال و المرض.

المسألة الرابعة: يجب أن لا يكون الهدي مهزولا،

بلا خلاف يوجد كما قيل «5»، للصحاح و غيرها المستفيضة، المصرّحة كلّا: بأنّه لو اشتراها سمينة فوجدها سمينة أو مهزولة أجزأت، و لو اشتراها مهزولة فوجدها

______________________________

(1) الاستبصار 2: 269.

(2) الكافي 5: 491- 15، الوسائل 14: 114 أبواب الذبح ب 16 ح 6.

(3) الفقيه 2: 297- 1471، الوسائل 14: 115 أبواب الذبح ب 16 ح 8.

(4) الكافي 4: 490- 9، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 7.

(5) انظر الرياض 1: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 318

سمينة أجزأت أيضا، و لو اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة لم يجز، كصحاح العيص و الحلبي «1» و منصور «2» و مرسلة الفقيه.

و الأوليان مطلقتان، و الثالثة واردة في الهدي، و الرابعة مصرّح به فيها بعد الإطلاق بأنّ في هدي المتمتّع مثل ذلك.

و مقتضى تلك النصوص: الإجزاء لو اشتراها سمينة فبانت مهزولة، و هو كذلك بلا إشكال إذا كان الظهور بعد الذبح، و إن كان قبله فقد يستشكل فيه من جهة إطلاق النصوص، و من قوّة احتمال اختصاصها- بحكم التبادر- بما بعد الذبح، فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على المنع من المهزولة.

و فيه: منع التبادر، و لو سلّم فيجب تقييده بمفهوم الشرط في صحيحة منصور: «و إن اشتراه و هو يعلم أنّه مهزول لم يجز عنه»، مضافا إلى إطلاق صدرها.

و كذا مقتضى الأخبار المذكورة: الإجزاء لو

ظهرت سمينة بعد الاشتراء مهزولة و لو بعد الذبح.

خلافا للعماني فيما بعد الذبح، لعدم حصول التقرّب به «3».

و فيه: أنّه ربّما لا يعلم الحكم، و كذا لو علم، لإمكان سقوط الواجب بفعل آخر، للنص.

ثمَّ إنّه فسّرت المهزولة بما لم يكن على كليتها شحم، و هو الذي يظهر من رواية الفضيل «4»، و لكن في كونه تفسيرا للهزال تأمّل، فيحتمل أن

______________________________

(1) الكافي 4: 490- 6، الوسائل 14: 114 أبواب الذبح ب 16 ح 5.

(2) التهذيب 5: 211- 712، الوسائل 14: 113 أبواب الذبح ب 16 ح 2.

(3) حكى ذلك عنه في المختلف 1: 306.

(4) الكافي 4: 492- 16، التهذيب 5: 212- 714، الوسائل 14: 113 أبواب الذبح ب 16 ح 3 و فيه: عن الفضل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 319

يكون ذلك مجزئا لظنّه السمن أولا، كما تدلّ عليه ندامته، فالأولى الرجوع إلى العرف.

المسألة الخامسة: لا تجزئ المريضة البيّن مرضها،

باتّفاق العلماء كما عن المنتهى «1»، لرواية البرّاء «2» المنجبر ضعفها بما ذكر.

المسألة السادسة: يستحبّ أن يكون الهدي سمينا،

للأخبار «3»، و الاعتبار، بل نقل الإجماع «4».

و أن يكون ممّا عرّف به، أي احضر بعرفات في عشيّة عرفة- كما عن المفيد و المنتهى و التذكرة و المهذّب و المدارك و الذخيرة و المفاتيح «5»- أو مطلقا، كما في السرائر «6»، و نقل عن غيره أيضا «7».

لصحيحة البزنطي: «لا يضحّى إلّا بما قد عرّف به» «8»، و نحوها في صحيحة أبي بصير «9».

و لقصورهما عن إفادة الوجوب- لمكان الخبريّة، مضافا إلى رواية سعيد: عمّن اشترى شاة لم يعرّف بها، قال: «لا بأس بها عرّف بها أم لم

______________________________

(1) المنتهى 3: 740.

(2) المتقدمة في ص: 311.

(3) الوسائل 14: 109 أبواب الذبح ب 13.

(4) كما في كشف اللثام 1: 368.

(5) نقله عنه في المدارك 8: 39، المنتهى 2: 742، التذكرة 1: 382، المهذّب 1: 257، الذخيرة: 669، المفاتيح 1: 355.

(6) السرائر 1: 598.

(7) كما في الشرائع 1: 261.

(8) التهذيب 5: 207- 692، الاستبصار 2: 265- 937، الوسائل 14: 115 أبواب الذبح ب 17 ح 1.

(9) التهذيب 5: 206- 691، الاستبصار 2: 265- 936، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 320

يعرّف بها» «1»- حملناهما على الاستحباب وفاقا للأكثر، بل عن المنتهى:

الإجماع عليه «2».

و عن ظاهر التهذيبين و النهاية و المبسوط و الإصباح و المهذّب و الغنية:

الوجوب «3»، لما ذكر بجوابه.

و يكفي في التعريف إخبار البائع به، لصحيحة أخرى لسعيد «4».

و هل التعريف هو الإحضار بعرفات في عشيّة عرفة، كما عن التذكرة و المنتهى و المهذّب و المقنعة و في المدارك و الذخيرة و المفاتيح «5»؟

أو الإحضار بعرفات

مطلقا، كما في السرائر «6»، بل نسب ذلك إلى غير الثلاثة الأولى «7».

كلّ محتمل، و مقتضى أصل الاشتغال: الأول.

و أن يكون إناثا من الإبل و البقر و فحولة من الغنم، لفتوى العلماء الأخيار.

و صحيحة ابن عمّار: «أفضل البدن ذوات الأرحام من البدن و البقر، و قد تجزئ الذكورة من البدن، و الضحايا من الغنم الفحولة» «8».

______________________________

(1) الفقيه 2: 297- 1473، التهذيب 5: 207- 693، الاستبصار 2: 265- 938، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 4.

(2) المنتهى 2: 742.

(3) التهذيب 5: 206، الاستبصار 2: 265، النهاية: 258، المبسوط 1: 373، المهذّب 1: 257، الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(4) التهذيب 5: 207- 694، الاستبصار 2: 265- 939، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 3.

(5) التذكرة 1: 382، المنتهى 2: 742، المهذّب 1: 257، نقله عن المفيد في المدارك 8: 39، الذخيرة: 669، المفاتيح 1: 355.

(6) السرائر 1: 598.

(7) كما في الرياض 1: 394.

(8) التهذيب 5: 204- 680، الوسائل 14: 98 أبواب الذبح ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 321

و أبي بصير: «أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر»، و قال: «ذوو الأرحام»، و قال: «لا يضحّى بثور و لا جمل» «1».

و الحلبي: عن الإبل و البقر أيّهما أفضل أن يضحّى بها؟ قال: «ذوات الأرحام» «2».

و مقتضى هذه الروايات بضميمة الأصل و الإطلاق: إجزاء العكس في كلّ منهما، كما هو الأشهر، بل في المنتهى: لا نعلم خلافا في جواز العكس في الثانيين «3».

و في النهاية: لا يجوز التضحية بثور و لا بجمل بمنى، و لا بأس بهما في البلاد «4».

و في الاقتصاد: أنّ من شرطه إن كان من البدن أو البقر

أن يكون أنثى، و إن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن، فإن لم يجد من الضأن جاز التيس من المعز «5».

و في المهذّب: إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنيّا من الإناث، و إن كان من البقر فيكون ثنيّا من الإناث «6».

فإن أرادوا تأكّد الاستحباب- كما قيل «7»- و إلّا فمحجوج عليهم بعدم الدليل.

______________________________

(1) التهذيب 5: 204- 682، الوسائل 14: 99 أبواب الذبح ب 9 ح 4.

(2) الكافي 4: 489- 2، التهذيب 5: 204- 681، الوسائل 14: 99 أبواب الذبح ب 9 ح 5.

(3) المنتهى 2: 742.

(4) النهاية: 257.

(5) الاقتصاد: 307.

(6) المهذّب 1: 257.

(7) انظر الحدائق 17: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 322

المسألة السابعة: يكره التهدّي بالثور و الجمل،

لصحيحة أبي بصير المتقدّمة، و هي و إن اختصّت بالتضحية، و لكن الأكثر تعدّوا إلى التهديّ أيضا، و لعلّه للإجماع المركّب أو أعميّة التضحية أو الفحوى، و إن أمكن المناقشة في الكلّ، إلّا أنّ بعد فتوى جماعة «1» لا بأس به في مقام التسامح.

و لذلك يقال بكراهة الجاموس فيهما أيضا، مع التصريح بالجواز في صحيحة عليّ بن الريّان: عن الجاموس عن كم يجزئ في الضحية؟ فجاء الجواب: «إن كان ذكرا فعن واحد، و إن كان أنثى فعن سبعة» «2».

و هذه الصحيحة- مضافة إلى ظاهر الإجماع- هي دليل إجزائه، دون البناء على أنّه مع البقر جنس واحد حتى يناقش فيه.

و كذا يكره الموجوء، لفتوى الأصحاب، و إن كان في استفادة كراهته من الأخبار «3» نظر، لأنّ فيها رجّح بعض الأصناف على الموجوء و الموجوء على بعض آخر.

المسألة الثامنة: يستحبّ في النحر أو الذبح أمور:
منها: أن تنحر الإبل قائمة،

لقوله سبحانه فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ «4»، أي حال كونها قائمات في صفّ واحد.

و لصحيحتي ابن سنان و الكناني:

الاولى: في قول اللّه عزّ و جلّ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ ،

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 742، التذكرة 1: 382، و الكركي في جامع المقاصد 3: 244، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 290.

(2) التهذيب 5: 209- 701، الاستبصار 2: 267- 946، الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 8.

(3) الوسائل 14: 111 أبواب الذبح ب 14.

(4) الحجّ: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 323

قال: «ذلك حين تصفّ للنحر تربط يديها ما بين الخفّ إلى الركبة، و وجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض» «1».

و الثانية: كيف تنحر البدنة؟ قال: «تنحر و هي قائمة من قبل اليمين» «2».

و لا يجب ذلك، بلا خلاف يعلم، كما عن التذكرة و

المنتهى «3»، و يدلّ عليه المرويّ في قرب الإسناد: عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟ قال: «يعقلها، و إن شاء قائمة و إن شاء باركة» «4».

و منها: أن تكون الإبل حال النحر مربوطة يديها ما بين الخفّ و الركبة،

أي يجمع بين يديها و يربطهما ما بين الخفّ و الركبة، للصحيحة الاولى.

و أمّا ما في رواية حمران المذكورة في كتاب الصيد و الذبائح: «و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه» «5».

فأرجعها المحقّق الشيخ عليّ إلى الأول، قال: المراد بشدّ أخفافه إلى آباطه: أن يجمع يديهما و يربطهما ما بين الخفّ و الركبة، و بهذا صرّح في رواية ابن سنان، و ليس المراد في الأول أنّه يعقل خفّي يديه معا إلى آباطه، لأنّه لا يستطيع القيام حينئذ، و المستحبّ في الإبل أن تكون قائمة [1]. انتهى.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في جامع المقاصد و لا في رسالة الحج، و العبارة موجودة في المسالك 2: 228.

______________________________

(1) الكافي 4: 497- 1، الفقيه 2: 299- 1487، التهذيب 5: 220- 743، الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.

(2) الكافي 4: 497- 2، الفقيه 2: 299- 1488، التهذيب 5: 221- 744، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

(3) التذكرة 1: 380، المنتهى 2: 738.

(4) قرب الإسناد: 235- 921، الوسائل 14: 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.

(5) الكافي 6: 229- 4، التهذيب 9: 55- 227، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 324

و كأنّه حمل الإبط على الركبة مجازا.

و احتمل بعضهم التخيير بين الأمرين أو اختصاص الهدي بالأول «1».

و كلّ محتمل.

و أمّا ما ورد في رواية أبي خديجة: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو ينحر بدنة معقولة

يدها اليسرى، ثمَّ يقوم على جانب يدها اليمني و يقول: «بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهم إنّ هذا منك و لك، اللّهم تقبّله منّي»، ثمَّ يطعن في لبّتها «2».

فلا ينافي ما مرّ، لإمكان الجمع بين عقل اليد اليسرى ثمَّ ربط اليدين فيجمع بين الأمرين.

فالعمل بالأخيرة خاصّة- لترجيح هذه الرواية، كما عن الحلبيّين «3»، أو الحكم بالتخيير، كبعض المتأخّرين «4»- ليس بجيّد، مع أنّه على فرض التنافي يكون الترجيح للأولى، لتقديم القول على الفعل.

و منها: أن يكون الذي ينحرها واقفا من الجانب الأيمن للبدنة،

لصحيحة الكناني و رواية أبي خديجة المتقدمتين، و الأولى و إن لم تكن خالية عن إجمال في قوله: «من قبل اليمين»، إلّا أنّ الثانية تبيّنها.

و منها: أن يتولّى الذبح أو النحر بنفسه إن أحسنه،

للتأسّي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه روي في الهدي و الأضحية تولّيه بنفسه:

ففي مرسلة الفقيه: «ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكبشين، ذبح واحدا

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 368.

(2) الكافي 4: 498- 8، التهذيب 5: 221- 745، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.

(3) الحلبي في الكافي: 320.

(4) كما في كشف اللثام 1: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 325

بيده فقال: اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أهل بيتي، و ذبح الآخر و قال:

هذا عنّي و عمن لم يضحّ من أمّتي» «1».

و في صحيحة الحلبي الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و ستّين، فنحرها بيده» «2».

و ليس التولّي بنفسه واجبا كما مرّ، و إن لم يتولّاه بنفسه يجعل يده مع يد الذابح.

و استدلّوا له بصحيحة ابن عمّار: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يجعل السكّين في يد الصبي ثمَّ يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح» «3».

و في دلالتها على المطلوب نظر، لجواز أن يكون ذلك لأجل الاحتراز عن ذبح الصبي، و مع ذلك فهي أخصّ من المدّعى، فإنّ كون يده مع يده يتصور على وجوه أخر غير ما في الصحيحة، و لعلّ فتوى الأصحاب تكفي في إثبات المطلوب.

و منها: أن يدعو عند النحر أو الذبح

بما في صحيحة صفوان: «إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه و قل: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،- إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، اللّهمّ منك و

لك بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهمّ تقبّل منّي، ثمَّ أمرّ السكّين» «4».

و قد مرّ في رواية أبي خديجة دعاء أبي عبد اللّه عليه السلام، و ورد في

______________________________

(1) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.

(2) الكافي 4: 248- 6، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 14.

(3) الكافي 4: 497- 5، الوسائل 14: 151 أبواب الذبح ب 36 ح 2.

(4) الكافي 4: 498- 6، التهذيب 5: 221- 746، الوسائل 14: 152 أبواب الذبح ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 326

مرسلة الفقيه في تضحية أمير المؤمنين عليه السلام أنه يقول: «بسم اللّه وجّهت وجهي» إلى قوله: «ربّ العالمين، اللهمّ منك و لك» «1».

و يمكن التخيير، و يحتمل التفرقة بين الهدي و الأضحية، فالأول للأول، و الثاني للثاني، كما هو مورد الخبرين، و اللّه العالم.

المسألة التاسعة: الحقّ: أنّه لا يجزئ الهدي الواحد إلّا عن شخص واحد في الحجّ الواجب
اشارة

مطلقا و لو بالشروع فيه، مطلقا و لو عند الضرورة، بل ينتقل حينئذ فرضه إلى الصوم، وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة «2»، و عن الخلاف: الإجماع عليه «3»، للأصل، و المستفيضة.

منها: صحيحة محمّد بن عليّ الحلبي: عن النفر تجزئهم البقرة؟

قال: «أمّا في الهدي فلا، و أمّا في الأضحى فنعم، و يجزئ الهدي عن الأضحية» «4»، و نحوها روايته إلى قوله: «نعم» «5».

و صحيحة محمّد- على ما في الاستبصار-: «لا تجوز البدنة و البقرة إلّا عن واحد بمنى» «6».

و أمّا على ما في التهذيب: «لا تجوز إلّا عن واحد بمنى» «7» ففي معناها إجمال يمنع الاستدلال، كما لا يخفى على المتأمّل.

______________________________

(1) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 153 أبواب الذبح ب 37 ح 2.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 70، صاحب

الحدائق 17: 34.

(3) الخلاف 2: 536.

(4) الفقيه 2: 297- 1472، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.

(5) التهذيب 5: 210- 705، الاستبصار 2: 268- 950، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.

(6) الاستبصار 2: 266- 941.

(7) التهذيب 5: 208- 696، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 327

و صحيحة الحلبي: «تجزئ البقرة و البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزئ بمنى إلّا عن واحد» «1».

و تؤيّده صحيحة الأزرق: عن متمتّع كان معه ثمن هدي و هو يجد بمثل ذلك الذي معه هديا، فلم يزل يتوانى و يؤخّر ذلك حتى إذا كان آخر النهار غلت الغنم فلم يقدر بأنّ يشتري بالذي معه هديا، قال: «يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق» «2».

خلافا للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و الجمل و الاقتصاد و موضع من الخلاف، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين» «3»، قيل: و تبعه كثير.

و عن القاضي و المختلف و ظاهر المنتهى، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن الكثير مطلقا «4».

و عن موضع من الخلاف، فتجزئ بقرة أو بدنة عن سبعة إذا كانوا من أهل خوان «5» واحد «6».

و عن المفيد و الصدوق، فتجزئ بقرة عن خمسة إذا كانوا من أهل بيت «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 207- 695، الاستبصار 2: 266- 940، الوسائل 14: 118 أبواب الذبح ب 18 ح 4.

(2) الكافي 4: 508- 7، الفقيه 2: 304- 1509، الوسائل 14: 194 أبواب الذبح ب 51 ح 7.

(3) النهاية: 258، المبسوط 1: 372، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 235، الاقتصاد: 307، الخلاف 2: 535.

(4) القاضي في المهذب 1: 257،

المختلف: 305، المنتهى 2: 748.

(5) الخوان: الذي يؤكل عليه- الصحاح 5: 2110.

(6) الخلاف 2: 441.

(7) المفيد في المقنعة: 418، الصدوق في الهداية: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 328

و عن الديلمي، فكذلك مطلقا «1».

و حكى في الشرائع قولا بإجزاء الواحد عن خمسة و سبعة عند الضرورة إذا كانوا من أهل خوان واحد «2».

و في النافع قولا بإجزاء واحد عن سبعة و عن سبعين بشرط القيدين «3».

مستندين إلى أخبار كثيرة أقربها إلى الدلالة على المطلوب خمسة، و هي: رواية زيد بن جهم، و صحاح حمران و البجلي و ابن عمران، و مرسلة الحسن بن عليّ.

الاولى: متمتّع لم يجد هديا، فقال: «أما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول: أشركوني بهذا الدرهم؟!» «4».

و الثانية: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار، فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك، فقال: «اشتركوا فيها»، قلت: كم؟ قال: «ما خفّ فهو أفضل»، قلت: عن كم يجزئ؟ قال: «عن سبعين» «5».

و الثالثة: قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتّعون، و هم مترافقون، و ليسوا بأهل بيت واحد، و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، أ لهم أن يذبحوا بقرة؟ قال: «لا أحبّ ذلك إلّا من ضرورة» «6».

______________________________

(1) المراسم: 114.

(2) الشرائع 1: 259.

(3) النافع: 89.

(4) الكافي 4: 497- 5، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 13.

(5) الكافي 4: 496- 4، التهذيب 5: 209- 703، الاستبصار 2: 267- 948، الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 11.

(6) الكافي 4: 496- 2، التهذيب 5: 210- 706، الاستبصار 2: 268- 951، الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 329

و الرابعة: «تجزئ

البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد» «1».

و الخامسة: كنّا جماعة بمنى- إلى أن قال:- فقلنا: نعم، أصلحك اللّه، إنّ الأضاحي قد عزّت علينا، قال: «فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم»، قلنا: لا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: «فاجتمعوا فاشتروا بقرة فيما بينكم»، قلنا: و لا تبلغ نفقتنا، قال: «فأجتمعوا فاشتروا شاة فاذبحوها فيما بينكم»، قلنا: تجزئ عن سبعة؟ قال: «نعم، و عن سبعين» [1].

فإنّ التضمّن للمتمتّع و الهدي كما في بعضها و لمني كما في بعض آخر يقرّب الرواية إلى المطلوب.

و أمّا البواقي، فليس فيها إلّا إجزاء الواحد عن كثير، إمّا مطلقا أو في الأضحية، و لا شكّ أنّها أعمّ مطلقا من الأخبار التي ذكرناها للمطلوب، فلا تعارضها فيه.

و أمّا الخمسة، فالأربعة الأخيرة منها أيضا كذلك.

و كونهم بمنى أو متمتّعين لا يخصّص الرواية بالهدي، لاستحباب الأضحية للمتمتّع أيضا، بل في بعضها التصريح بالأضحية التي هي الظاهرة في غير الهدي.

و أمّا الاولى، فلا دلالة لها على إجزاء ذلك عن الصيام المأمور به في

______________________________

[1] الكافي 4: 496- 3، التهذيب 5: 209- 702، الاستبصار 2: 267- 947، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 12 و ص: 123 ب 19 ح 1، و في الجميع: عن الحسن بن علي، عن رجل يسمّى سوادة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 208- 697، الاستبصار 2: 266- 942، الوسائل 14: 118 أبواب الذبح ب 18 ح 5، و في الجميع: عن ابن عمّار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 330

القرآن بعد عدم وجدان الهدي، و لا على وجوب ذلك التشريك، فيحتمل أن يكون ذلك أمرا مرغوبا تحصل له فضيلة الهدي و إن وجب عليه الصيام.

فرع: ما مرّ- كما أشير إليه- مخصوص بالهدي،

بل الواجب منه- كما قالوا- و لو

بالشروع في الحجّ.

و أمّا الأضحية و المبعوث به من الآفاق و المتبرّع بسياقه إذا لم يتعيّن بالإشعار أو التقليد فيجزئ الواحد فيه إبلا كان أو بقرا أو غنما عن الكثير مطلقا، و لو بلغ ما بلغ، و لو في الاختيار، و في المنتهى: الإجماع على الإجزاء عن سبعة «1»، و في التذكرة: عن سبعين «2»، و لا يبعد أن يكون ذلك مثالا للكثرة، كما هو الظاهر من الأخبار المتضمّنة للعدد الخاص.

و قد ورد في صحيحة ابن سنان: «ذبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الأضحى كبشا عمّن لم يجد من أمّته» «3».

و في مرسلة الفقيه: أنّه ذبح كبشا و قال: «اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أهل بيتي، و ذبح الآخر و قال: هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أمّتي» «4».

و لو لا مظنّة الإجماع على اختصاص عدم الإجزاء بالهدي الواجب لقلنا به في الهدي مطلقا و خصّصنا التشريك بالأضحية، كما هو الظاهر من الجمع بين الأخبار.

و نقل في السرائر عن الخلاف جواز تشريك السبعة في التطوّع إذا

______________________________

(1) المنتهى 2: 748.

(2) التذكرة 1: 384.

(3) الكافي 4: 495- 1، الوسائل 14: 100 أبواب الذبح ب 10 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 331

كانوا من أهل بيت واحد، و لا يجزئ إذا كانوا من أهل بيوت شتّى، و ادّعى عليه إجماع الفرقة «1».

و الأخبار تردّه، و تخصيص الإجزاء بسبعة في الذكر في بعض الاخبار «2» لا ينافي إجزاء الغير، فلا تقيّد به الإطلاقات، و لا يعارض ما يتضمن الزائد.

المقام الرابع: في مصرف الهدي و قسمته.
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب أكل المالك شيئا من لحم الهدى،

وفاقا لصريح الحلّي و الشرائع و المختلف و المنتهى و القواعد و الدروس و المسالك و المدارك و الذخيرة و الكفاية «3»، و هو ظاهر الصدوق و العماني «4».

للآيتين «5»، و صحيحة ابن عمّار: «إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم، كما قال اللّه تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» «6».

و أورد «7» عليهما: بمنع دلالة الأمر فيهما على الوجوب، أمّا أولا:

______________________________

(1) السرائر 1: 596.

(2) الكافي 4: 496- 3، التهذيب 5: 209- 702، الاستبصار 2: 267- 947، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 12.

(3) الحلي في السرائر 1: 598، الشرائع 1: 261، المختلف: 306، المنتهى 2:

752، القواعد 1: 88، الدروس 1: 439، المسالك 1: 116، المدارك 8: 43، الذخيرة: 670، الكفاية: 71.

(4) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.

(5) الحج: 28، 36.

(6) التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.

(7) كما في الرياض 1: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 332

فلوروده مورد توهّم الحظر، حيث حكي عن صاحب الكشّاف و الفاضل المقداد «1» و غيرهما «2»:

أنّ الأمم الماضية يمتنعون من أكل نسائكم، فرفع اللّه الحرج عنه، فلا يفيد سوى الإباحة.

و أمّا ثانيا: فلأن محلّ النزاع هو هدي التمتّع، كما صرّح به في المدارك «3».

و في المنتهى: هدي التطوّع يستحب الأكل منه بلا خلاف، لقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها، و أقلّ مراتب الأمر الاستحباب- إلى أن قال:- و لو لم يأكل من هدي التطوّع لم يكن به بأس بلا خلاف «4».

و لا اختصاص للآيتين و لا للرواية بهدي التمتع، بل يعمّه و هدي القران و التضحية، فلا بدّ إمّا من صرف

الأمر إلى الاستحباب أو التخصيص بهدي التمتّع، و الرجحان للأول، لما مرّ من كون المقام مقام توهّم الحظر، و لشهرة القول بالاستحباب، مضافا إلى شمول الرواية لسائر أفراد الذبح و النحر أيضا.

و يرد على الأول: عدم ثبوت النقل المذكور بحيث يوجب علينا صرف اللفظ عن حقيقته المعلومة، سيّما في الرواية التي وردت بعد مدّة طويلة من زمان رفع الحظر لو كان.

______________________________

(1) حكاه عنه في زبدة البيان: 227، و انظر الكشّاف 3: 158، الفاضل المقداد في كنز العرفان 1: 314.

(2) كالطبرسي في مجمع البيان 4: 86، القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 12:

64.

(3) المدارك 8: 45.

(4) المنتهى 2: 752.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 333

هذا، مع ما في حمل الأمر الوارد عقيب الحظر على الإباحة من الكلام.

و على الثاني: أنّ تصريح المدارك بأنّ محلّ النزاع هو هدي التمتّع يمكن أن يكون في هذا المقام، و مثله لا يدلّ على عدم النزاع في غيره أصلا، و نفي الخلاف في المنتهى لا حجيّة فيه، خصوصا بعد العلم بوجود الخلاف.

قال في السرائر: فأمّا هدي المتمتّع و القارن فالواجب أن يأكل منه و لو قليلا، و يتصدّق على القانع و المعترّ و لو قليلا، لقوله تعالى فَكُلُوا إلى آخره، و الأمر عندنا يقتضي الوجوب «1». انتهى.

و هذا ظاهر الصدوق و العماني أيضا «2»، و استقرب الشهيد في الدروس أيضا مساواة هدي السياق لهدي التمتّع في وجوب الأكل منه و الإطعام «3».

و قال في المدارك بعد نقله عنه: و لا بأس به «4».

مع أنّه يمكن أن يكون مراد المنتهى من التطوّع الأضحية و نحوها، و نفيه الخلاف مع تصريح الحلّي بالخلاف يدلّ على ذلك.

و قد يستدلّ للوجوب بأخبار أخر يمكن المناقشة

في دلالتها، و لا فائدة تامّة في ذكرها بعد ما ذكر.

و لا تنافيها صحيحة سيف الآتية الآمرة بالتثليث من غير ذكر الأكل،

______________________________

(1) السرائر 1: 598.

(2) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.

(3) الدروس 1: 443.

(4) المدارك 8: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 334

لأنّ أكله داخل في إطعام الأهل، كما يستفاد من الموثّقة الآتية الآمرة بأكل الثلث.

و إن أبيت فنقول: فتتعارض هذه الصحيحة مع الموثقة، و الترجيح مع الموثّقة لا محالة، لموافقة الكتاب.

خلافا للشيخ «1» و جماعة «2»، فقالوا باستحباب الأكل، و في الدروس:

أنّ ظاهر الأصحاب الاستحباب «3». و استدلّوا له بالأصل الواجب دفعه بما ذكر.

المسألة الثانية: يجب أيضا إطعام شي ء منه،

و اختلف القائلون بوجوب أكله فيما يجب زائدا عليه.

فقال الحلّي بوجوب التصدّق على القانع و المعترّ «4»، و لم يزد على ذلك.

و في الكفاية: الواجب مسمّى الأكل، و إعطاء شي ء إلى القانع، و إعطاء شي ء إلى المعترّ «5».

و في الذخيرة: إعطاء شي ء إلى الفقير أيضا «6»، مضافا إلى ما في الكفاية.

و في المدارك: وجوب الأكل منه و الإطعام «7».

و في المسالك: وجوب الأكل و إهداء الإخوان و الصدقة على

______________________________

(1) النهاية: 261.

(2) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 200، ابن حمزة في الوسيلة: 184.

(3) الدروس 1: 439.

(4) السرائر 1: 598.

(5) الذخيرة: 670.

(6) الذخيرة: 670.

(7) المدارك 8: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 335

الفقراء «1». و هو المصرّح به في الدروس «2»، و ظاهر الصدوق و العماني «3».

أقول: لا ينبغي الريب في وجوب الإطعام كما في المدارك، و الآيتان و الصحيحة السابقة «4» و رواية علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله «5» تدلّ عليه بلا معارض، بل لها المعاضدات

الكثيرة.

و الظاهر وجوب إطعام الفقير، لإحدى الآيتين.

و لا تنافيها الصحيحة و الرواية المشار إليها، لكون إطعام الفقير أخصّ مطلقا من الإطعام.

و لا الآية الأخرى، لإمكان الجمع بين إطعام الفقير و القانع و المعترّ.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة سيف: «إنّي سقت هديا فكيف أصنع به؟

فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعترّ ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤّال؟ فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعترّ ينبغي له أكثر من ذلك، هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك» «6».

و موثّقة العقرقوفي: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال:

«بمكّة»، قلت: فأيّ شي ء أعطي منها؟ قال: «كلّ ثلثا و أهد ثلثا و تصدّق

______________________________

(1) المسالك 1: 116.

(2) الدروس 1: 439.

(3) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.

(4) التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.

(5) الكافي 4: 501- 9، التهذيب 5: 224- 755، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 40 ح 20.

(6) التهذيب 5: 223- 753، معاني الأخبار: 208- 2، الوسائل 14: 160 أبواب الذبح ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 336

ثلثا» «1»، و غير ذلك «2».

فإن أبيت عن وجوب التثليث فتكون الروايتان معاضدتين للآية، و لا معارض لها أصلا، فيجب العمل بها، مع أنّ الصحيحة و الموثقة واردتان في هدي السياق خاصّة، و اتّحاد حكم الجميع غير واضح.

و كذا يجب إعطاء القانع و المعترّ، للآية و الصحيحتين المتقدّمتين، و لا معارض لها أصلا، أمّا الآية الأخرى و مطلقات الأمر بالإطعام فظاهر، و أمّا الأخبار المتضمّنة للإهداء و التصدّق فلتحقّقهما بالنسبة إلى القانع

و المعترّ أيضا.

و لا يجب غير ذلك أصلا، للأصل الخالي عن الدافع، سوى صحيحة سيف الآمرة بإطعام الأهل.

و هو غير قابل للحمل على الوجوب قطعا، لعدم وجوب إعطاء الأهل الثلث بالإجماع المعلوم من سيرة العلماء، بل جميع الأمّة من الصدر الأول إلى زماننا هذا، بل الحجج عليهم السلام، فإنّا نقطع بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما أطعم ثلث ستّ و ستّين و لا الوليّ عليه السلام ثلث أربع و ثلاثين حين سوقهما لها لأهل بيتهما.

فإذن الحقّ هو: خيرة الذخيرة، بل يمكن إرجاع جميع الأقوال المذكورة في وجوب الزائد على الأكل إلى واحد، حيث إنّه لا يشترط في الإهداء الغناء، بل يكفي الإرسال لا بقصد التصدّق، و لا في القانع و المعترّ شي ء من الفقر و لا الغناء.

______________________________

(1) الكافي 4: 488- 5، التهذيب 5: 202- 672، الوسائل 14: 165 أبواب الذبح ب 40 ح 18.

(2) الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 337

ثمَّ المراد بالقانع هو: الذي يقنع بما أرسلت إليه و لا يطلب منك الزائد عليه، و بالمعترّ: من يمرّ بك بقصد إعطائك إيّاه و لا يسأل، كما تدلّ عليه صحيحة سيف المذكورة، و صحيحتا ابن عمّار «1» و مرسلة الفقيه «2» و رواية عبد الرحمن «3».

المسألة الثالثة: يكفي في امتثال ما مرّ من الأكل و إطعام الفقير و القانع و المعترّ المسمّى،

لصدق الامتثال، و أصالة عدم وجوب الزائد.

و قد يقال بوجوب التثليث في القسمة: ثلث للأهل، و ثلث للإهداء، و ثلث للتصدّق.

و لا دليل عليه في غير هدي السياق من هدي التمتّع و الأصحيّة و غيرها، و الإجماع المركّب غير ثابت جدّا.

نعم، تدلّ عليه في هدى السياق صحيحة سيف و موثّقة العقرقوفي المتقدّمتين، فلا بأس بالقول بالوجوب فيه خاصّة، و لكن

في غير الثلث الأول، لما مرّ من الإجماع على عدم إعطاء الأهل و لا أكل المالك الثلث، بل الظاهر عدم إمكانهما غالبا، سيّما بملاحظة النهي عن الإخراج عن منى، و مع ذلك يحصل الوهن في وجوب الثلاثين الأخيرين أيضا.

المسألة الرابعة: ما ذكر إنّما هو في الهدي،

و أمّا في الأضحية

______________________________

(1) الاولى في: التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 500- 6، الوسائل 14: 164 أبواب الذبح ب 40 ح 14.

(2) الفقيه 2: 294- 1456، الوسائل 14: 167 أبواب الذبح ب 40 ح 24.

(3) الكافي 4: 499- 2، معاني الأخبار: 208- 1، الوسائل 14: 163 أبواب الذبح ب 40 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 338

فلا يجب فيها شي ء ممّا ذكر، للأصل.

و يستحبّ التثليث: إمّا ثلث لأهل البيت، و ثلث للجيران، و ثلث للسائلين و الطالبين، كما تدلّ عليه رواية الكناني: عن لحوم الأضاحي، فقال: «كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السلام يتصدّقان بثلث على جيرانهما»، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت» «1».

و الأولى اعتبار الفقر في الجيران، لمكان لفظ التصدّق.

أو ثلث لأهل البيت، و ثلث للفقراء من القانعين و المعترّين، و ثلث يهدى للأصدقاء، كما ذكره الحلّي في السرائر، ناسبا له إلى رواية أصحابنا «2»، لهذه الرواية المرسلة الكافية في مقام الاستحباب.

المسألة الخامسة: يترجّح عدم إخراج لحم الهدي عن منى

بلا خلاف فيه يوجد، بل مطلقا كما في المفاتيح، قال: و لا ينبغي إخراج شي ء منها من منى، بل يصرفه بها بلا خلاف «3». بل بالإجماع، و هو أو فتوى الأصحاب دليل عليه، و إلّا فليس في الأخبار شي ء يثبته كما سيظهر.

و هل ذلك على الوجوب حتى يحرم الإخراج؟ كما هو صريح الشرائع و الإرشاد و ظاهر النافع «4» و نسبه في الذخيرة إلى المشهور «5»، و قال في المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 499- 3، الفقيه 2: 294- 1457، المقنع: 88، العلل: 438- 3، الوسائل 14:

163 أبواب الذبح ب 40 ح 13.

(2) السرائر 1: 598.

(3) المفاتيح 1: 356.

(4) الشرائع 1: 260، الإرشاد 1: 332، النافع 1: 89.

(5) الذخيرة: 666.

(6) المدارك 8: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 339

أو الاستحباب حتى يستحبّ؟ كما هو ظاهر بعضهم «1»، بل نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور، قال: و المشهور بين الأصحاب كراهة إخراج شي ء من الهدي من منى و استحباب صرفه بها، و لعلّه ممّا لا خلاف فيه. ثمَّ قال بعد نقل طائفة من الاخبار: و المستفاد من ظواهر تلك الأخبار و إن كان التحريم و عدم جواز الإخراج إلّا أنّها محمولة عند الأكثر على الكراهة. انتهى.

الحقّ هو: الثاني، للأصل الفارغ عن مكاوحة [1] المعارض رأسا.

فإنّ الأخبار التي يتمسّكون بها للمنع تحريما أو كراهة: صحيحة محمّد: عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: «لا يخرج منه شي ء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام» «2».

و ابن عمّار: «لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي» «3».

و مرسلة الفقيه: «كنّا ننهى الناس عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاثة، لقلّة اللحم و كثرة الناس، و أمّا اليوم فقد كثر اللحم و قلّ الناس فلا بأس بإخراجه، و لا بأس بإخراج الجلد و السنام من الحرم، و لا يجوز إخراج اللحم منه» «4».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: «لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته، و له أن

______________________________

[1] كاوحت فلانا مكاوحة إذا قاتلته فغلبته .. أكاح زيدا و كوّحه إذا غلبه- لسان العرب 2: 575.

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 401.

(2) التهذيب 5: 226- 765، الاستبصار 2: 274- 974، الوسائل 14: 171 أبواب الذبح ب 42 ح 1.

(3) التهذيب 5: 226- 766، الاستبصار 2: 275- 975، الوسائل 14: 171 أبواب

الذبح ب 42 ح 2.

(4) الفقيه 2: 295- 1459، الوسائل 14: 170 أبواب الذبح ب 41 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 340

يأكل بمنى أيّامها» «1».

و رواية عليّ: «لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته، و له أن يأكل منها أيّامها، إلّا السنام، فإنّه دواء» «2».

و موثّقة إسحاق: عن الهدي أ يخرج شي ء منه من الحرم؟ فقال:

«بالجلد و السنام و الشي ء ينتفع به»، قلت: إنّه بلغنا عن أبيك أنّه قال:

«لا يخرج من الهدي المضمون شيئا»، قال: «بل يخرج بالشي ء ينتفع به»، و زاد فيه أحمد: و لا يخرج بشي ء من اللحم من الحرم «3».

و يردّ أولا: بقصور تلك الروايات جميعا عن إفادة التحريم، لمكان الجملة الخبريّة أو ما يحتمله، سوى مرسلة الفقيه فإنّه و إن صرّح فيها أخيرا بقوله «لا يجوز» إلّا أنّه معارض بقوله أولا: «فلا بأس بإخراجه»، فلا بدّ إمّا من جعل الأخير من فتوى صاحب الكتاب- كما احتمله في الوافي «4»- أو من حمل: «لا يجوز» على الكراهة، أو رفع اليد عن الرواية.

و ثانيا: بما في كلّ واحد أيضا:

أمّا الأولى ففيها- مع ورودها في الحرم دون منى-: أنّ اللحم فيها عامّ للهديين و الكفّارات و الضحايا و سائر التطوّعات، و الإخراج أعمّ من إخراج المالك و الفقير و المهدى له و المشتري، و كثير منها ممّا لم يقل أحد بتحريمه، و بذلك تنفتح فيها أبواب من التجوّزات، و تعيين ما يفيد المطلوب منها

______________________________

(1) التهذيب 5: 227- 767، الاستبصار 2: 275- 976، الوسائل 14: 171 أبواب الذبح ب 42 ح 3.

(2) التهذيب 5: 227- 769، الاستبصار 2: 275- 978، الوسائل 14: 172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.

(3) الوافي 14: 1167.

(4) الوافي 14:

1167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 341

لا معين له، و مع ذلك قيّد بما بعد ثلاثة أيّام، و هو أيضا ممّا يفتح بابا اخرى.

و أمّا الثانية، ففيها عدم تعيّن محلّ الإخراج و لا من يخرجه.

و أمّا الثالثة، ففيها ما مرّ.

و أمّا الرابعة و الخامسة، ففيهما: أنّ التزوّد غير الإخراج، فقد يتزوّد و لا يخرج، و قد يخرج من غير التزوّد و يهديه لمن في غير منى، و مع ذلك تتضمّنان الأضحية، و شمولها للهدي غير معلوم.

و أمّا السادسة، ففيها ما مرّ في الاولى من ورودها في الحرم، و مع ذلك يدلّ صدرها على جواز إخراج شي ء ينتفع به، و هو بإطلاقه يشمل اللحم، و آخره لم يقطع بكونه من أحمد نفسه أو من الإمام.

هذا كلّه، مع ما لتلك الأخبار من المعارض، و هو صحيحة محمّد:

عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: «كنّا نقول: لا يخرج منها شي ء، لحاجة الناس إليه، و أمّا اليوم فقد كثير الناس فلا بأس بإخراجه» «1».

هذا في اللحوم.

و أمّا الجلود و غيرها من الأجزاء- كالأطراف و الأمعاء و الشحم و القرن و غيرها- فظاهر بعض المحرّمين في اللحم التحريم فيها أيضا «2».

و عن الشهيد الثاني التصريح به «3»، و استدلّ له ببعض الأخبار الآمرة بالتصدّق بطائفة من هذه الأشياء و الناهية عن إعطائها الجزّارين «4».

و هو غريب، لأنّ كلّا منها غير الإخراج، و مع ذلك صرّح في المرسلة

______________________________

(1) الكافي 4: 500- 7، التهذيب 5: 227- 768، الاستبصار 2: 275- 977، الوسائل 14: 172 أبواب الذبح ب 42 ح 5.

(2) كما في الشرائع 1: 260.

(3) المسالك 1: 115.

(4) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص:

342

و الموثّقة المتقدّمتين بجواز إخراج الجلد و السنام، فالحقّ: الجواز.

و لا تنافيه صحيحة محمّد: عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال:

«لا يخرج منه شي ء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام» «1»، لأنّ الظاهر رجوع الضمير إلى اللحم، مع أنّه لا يثبت أزيد من المرجوحيّة، و لو سلّم يجب الحمل عليها، لما مرّ.

و الظاهر عدم جواز إعطاء الجلود و لا شيئا آخر الجزّار و السلّاخ، للنهي عنه في صحيحة البختري «2»، و رواية ابن عمّار «3»، و رواية سليمان بن جعفر: «و إنّما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها، لأنّ اللّه تعالى قال فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا، و الجلد لا يؤكل و لا يطعم، و لا يجوز ذلك في الهدي» «4».

و هل المنع يختصّ بالإعطاء أجرة، أو مطلقا؟

ظاهر الإطلاق: الثاني.

و قيّده جماعة بالأول «5»، و لعلّه لكونه الظاهر من المنع.

و فيه: منع ظاهر، و أمر الاحتياط واضح، و اللّه العالم.

المقام الخامس: في العجز عن الهدي و بيان بدله،
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: من أحرم بالتمتّع و لم يكن له هدي و لا ثمنه

الذي

______________________________

(1) التهذيب 5: 226- 765، الاستبصار 2: 274- 974، الوسائل 14: 171 أبواب الذبح ب 42 ح 1.

(2) الكافي 4: 501- 1، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 1.

(3) الكافي 4: 501- 2، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.

(4) الفقيه 2: 129- 550، الوسائل 14: 175 أبواب الذبح ب 43 ح 7، و رويت فيهما مرسلة.

(5) انظر الخلاف 2: 535، كشف اللثام 1: 371.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 343

يشتريه يجب عليه الانتقال إلى بدله، و هو صوم عشرة أيّام، بالكتاب، و السنّة، و الإجماع، ثلاثة و سبعة، و تلك عشرة كاملة.

المسألة الثانية: يجب أن تكون الثلاثة الأيّام في الحجّ
اشارة

- أي في شهره- و هو هنا: ذو حجّته الذي يحجّ فيه، بلا خلاف أجده.

و تدلّ عليه صحيحة رفاعة، و فيها: «إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عزّ و جلّ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ، نقول في ذي الحجّة» «1».

و في صحيحة البجلي- بعد السؤال عنه عن قوله تعالى فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ -: «كان جعفر عليه السلام يقول: ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ» «2».

و في صحيحة منصور: «من لم يصم في ذي الحجّة حتى يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة و ليس له صوم، و يذبحه بمنى» «3».

و يجب فيها التتابع، بإجماعنا المصرّح به في كلام جماعة «4».

و تدلّ عليه موثّقة إسحاق: «لا تصم الثلاثة الأيّام متفرّقة» «5»، و نحوها الصحيح المرويّ في قرب الإسناد «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 506- 1، التهذيب 5: 38- 114، الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46 ح 1، و الآية: البقرة: 196.

(2) التهذيب 5: 230- 779، الاستبصار 2: 278- 988، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 4.

(3)

الكافي 4: 509- 10، التهذيب 5: 39- 116، الاستبصار 2: 278- 989، الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.

(4) كما في المنتهى 2: 743، الحدائق 17: 130، الرياض 1: 396.

(5) التهذيب 5: 232- 784، الاستبصار 2: 280- 994، الوسائل 14: 198 أبواب الذبح ب 53 ح 1.

(6) قرب الإسناد: 17- 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 344

و رواية عليّ بن الفضل الواسطي المضمرة: «إذا صام المتمتّع يومين لا يتابع اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيّام في الحجّ، فليصم بمكّة ثلاثة أيّام متتابعات، فإن لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطريق، أو إذا قدم علي أهله صام عشرة أيّام متتابعات» «1».

و يستثنى من وجوب التتابع فيه: إذا صام يومي التروية و عرفة، فيأتي بالثالث بعد التشريق، حكي ذلك عن الشيخ و الحلّي «2»، و جماعة «3»، و اختاره في الشرائع «4»، و في المدارك: أنّه المشهور بين الأصحاب «5»، و عن الحلّي: الإجماع عليه، و هو الأظهر.

لموثّقة الأزرق: عن رجل قدم يوم التروية متمتّعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: «يصوم يوما آخر بعد أيّام التشريق» «6».

و رواية البجلي: فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: «يجزئه أن يصوم يوما آخر» «7».

و عورضتا بروايات أخر مصرّحة: بأنّ من فاته ذلك لا يصوم اليومين

______________________________

(1) التهذيب 5: 231- 782، الاستبصار 2: 279- 993، الوسائل 14: 196 أبواب الذبح ب 52 ح 4، و في قرب الإسناد: 394- 1381 عن أبي الحسن عليه السلام.

(2) الشيخ في المبسوط 1: 370، و النهاية: 255، الحلّي في السرائر 1: 593.

(3)

منهم الشهيد في الدروس 1: 441، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 238، و صاحب الرياض 1: 396.

(4) الشرائع 1: 262.

(5) المدارك 8: 50.

(6) الفقيه 2: 304- 1505، التهذيب 5: 231- 781، الاستبصار 2: 279- 992، الوسائل 14: 196 أبواب الذبح ب 52 ح 2.

(7) التهذيب 5: 231- 780، الاستبصار 2: 279- 991، الوسائل 14: 195 أبواب الذبح ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 345

بل يصوم بعد ذلك «1»، و لا تعارضهما عند التحقيق، لأنّها بين واردة بالجملة الخبريّة التي لا تفيد أزيد من المرجوحيّة، و آمرة بصوم أيّام التشريق أو يوم الحصبة و ما بعده، و لا يمكن حمل الأمر فيها على الوجوب، لجواز التأخير.

نعم، تعارضهما رواية الواسطي المتقدّمة، و لكنّها أعمّ مطلقا منهما، لأعميّة اليومين من التروية و عرفة، فيتعيّن التخصيص، و لكن لا شكّ أنّ الأحوط تأخير الثلاثة عن يوم النحر.

و لو فاته يوم التروية لا يصوم عرفة و يومين بعد النحر، لوجوب التتابع، خرج ما إذا أدرك التروية و عرفة بما مرّ، فيبقى الباقي.

و هل يجب كون الثلاثة في الثلاثة الأيّام التي قبل يوم النحر اختيارا، كما هو ظاهر الحلّي؟

قال في السرائر: فالثلاثة الأيّام: يوم قبل يوم التروية و يوم تروية و يوم عرفة، فإن فاته صوم هذه الأيّام صام يوم الحصبة.

و قال أيضا فيما بعد ذلك: أجمعوا على أنّه لا يجوز الصيام إلّا يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و قبل ذلك لا يجوز «2».

و هو- كما ترى- ظاهر في دعوى الإجماع على ذلك، و حكي الإجماع عليه عن ظاهر التبيان أيضا «3»، و ظاهر بعضهم حكاية القول به عن جمع آخر أيضا

«4».

______________________________

(1) أنظر الوسائل 14: 195 أبواب الذبح ب 52.

(2) السرائر 1: 592- 594.

(3) التبيان 2: 160.

(4) كالمختلف: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 346

أو يستحبّ، كما صرّح به جماعة «1»؟

بل في الذخيرة: أنّه يجوز تأخيرها، فيصوم طول ذي الحجّة، لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا، و هو قول أكثر العامّة، و حكى المصنّف عن بعض العامّة قولا بخروج وقتها بمضيّ عرفة، و هو ضعيف «2». انتهى.

و يمكن الجمع: إمّا بحمل الأول على جعل الثلاثة المتّصلة «3» أول وقت الجواز.

أو بحمل الثاني على بقاء الوقت الاختياري، و إن وجبت المبادرة عند جماعة في الثلاثة المتّصلة «4».

و كيف كان، تدلّ على الأول أخبار كثيرة، أكثرها و إن لم يثبت سوى رجحان الثلاثة المذكورة- كالصحاح الأربع لرفاعة «5» و ابن عمّار «6» و العيص «7» و حمّاد «8»، و مرسلة الفقيه «9»، و روايتي يونس «10» و البجلي «11»-

______________________________

(1) كالمنتهى 2: 743، الدروس 1: 440، الحدائق 17: 124.

(2) الذخيرة: 673.

(3) كشف اللثام 1: 364، و انظر الرياض 1: 397.

(4) كشف اللثام 1: 364، و انظر الرياض 1: 397.

(5) المتقدمة في ص: 343.

(6) الكافي 4: 507- 3، التهذيب 5: 39- 115، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 4.

(7) الكافي 4: 508- 4، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 3.

(8) قرب الإسناد: 17- 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

(9) الفقيه 2: 302- 1504، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

(10) التهذيب 4: 231- 679، الوسائل 10: 201، أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 3.

(11) التهذيب 5: 230- 779، الاستبصار 2: 278- 988، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح

ب 51 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 347

و لكن يمكن إثبات الوجوب من بعضها، كصحيحة البجلي: ما تقول في رجل تمتّع و لم يكن له هدي؟ قال: «يصوم الأيّام التي قال اللّه تعالى» إلى أن قال: و أيّ أيّام هي؟ قال: «قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة» الحديث «1».

فإنّ في تفسير الأيّام التي قال اللّه سبحانه بالثلاثة دلالة على تعيينها.

و صحيحة محمّد: «الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فآخرها يوم عرفة، فإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله و لا يصومها في السفر» «2».

و رواية القدّاح: «من فاته صيام الثلاثة الأيّام في الحجّ، و هي قبل يوم التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فليصم أيّام التشريق، فقد اذن له» «3».

إلّا أنّه تعارضها صحيحة زرارة: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس» «4»، المؤيّدة ببعض عمومات أخر، فهي قرينة على إرادة الرجحان من الروايات الأولى.

فإذن الأقوى هو: الاستحباب، فيجوز تأخيرها اختيارا.

و هل تجب المبادرة إليها بعد التشريق، فإن فات فليصم بعد ذلك، كما نسب إلى ظاهر الأكثر «5»؟

______________________________

(1) التهذيب 5: 230- 779، الاستبصار 2: 278- 988، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 4.

(2) التهذيب 5: 234- 791، الاستبصار 2: 283- 1003، الوسائل 14: 181 أبواب الذبح ب 46 ح 10.

(3) التهذيب 5: 229- 778، الاستبصار 2: 277- 987، الوسائل 14: 193 أبواب الذبح ب 51 ح 6.

(4) الفقيه 2: 303- 1508، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 13.

(5) كشف اللثام 1: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 348

أو لا، بل يجوز التأخير عنه

اختيارا أيضا ما لم يخرج ذو الحجة؟

الظاهر: الثاني، للأصل السليم عمّا يعارضه، سوى أخبار كثيرة «1» قاصرة عن إفادة الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، أو المتضمّنة للأمر بصوم آخر أيّام التشريق، الذي لا قائل بوجوبه ظاهرا، بل تعارضها فيه أخبار كثيرة أخرى «2»، فيجوز صومها طول ذي الحجّة.

و هل يجوز صيام الثلاثة في أيّام التشريق كلّا، أو يجوز جعل أوله آخرها- أي يصوم يوم الحصبة، و هو الثالث عشر، و يومين بعده فلا يجوز الصوم في أيام منى خاصّة أو لا يجوز أصلا؟

الأول: محكيّ عن الإسكافي «3»، و له رواية القدّاح المتقدّمة، و رواية إسحاق «4».

و الثاني: للصدوقين و نهاية الشيخ و الحلّي و المدارك و الذخيرة «5»، و جمع آخر «6»، و لهم الصحاح الأربع، و مرسلة الفقيه، المتقدّمة إليها جميعا الإشارة، و صحيحة البجلي المتقدّم شطر منها.

و الثالث: للشرائع «7»، و له رواية البجلي المتقدّمة إليها الإشارة،

______________________________

(1) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.

(2) كما في الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

(3) حكاه عنه في المختلف: 304.

(4) التهذيب 5: 229- 777، الاستبصار 2: 277- 986، الوسائل 14: 193 أبواب الذبح ب 51 ح 5.

(5) الصدوق في الفقيه 2: 302، حكاه عن والده في المختلف: 304، النهاية:

255، الحلي في السرائر 1: 592، المدارك 8: 51، الذخيرة 673.

(6) كصاحب الحدائق 17: 134.

(7) الشرائع 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 349

و صحيحتا ابن سنان «1» و ابن مسكان «2».

و مقتضى التحقيق: ردّ الأول، لندرته و شذوذه فتوى و رواية- كما صرّح في التهذيبين «3»- المانعين عن الحجّية، و الموجبين لمرجوحيّة الخبر عن معارضه، و لموافقته العامّة كما صرّح به جماعة «4».

و تشعر الروايتان بالتقية

أيضا، حيث نسبه الإمام عليه السلام إلى عليّ عليه السلام، بل في مكاتبة ابن السرّاج المرويّة في صحيحة صفوان دلالة عليها أيضا «5».

فيبقى الثانيان، و أخبار الأخير أعمّ مطلقا من أخبار الثاني، لأنّ الأول يعمّ جميع أيّام التشريق، و الثاني يختصّ بآخرها، فتعيّن حمل الأخير على الأول [1]، و يشهد لذلك الحمل صحيحة صفوان المتضمّنة لمكاتبة ابن السرّاج، و صحيحة البجلي المشار إليها، و غيرهما.

فإذن الحقّ هو: القول الأوسط.

و كما يجوز تأخير صيام الثلاثة عن الأيّام الثلاثة المتّصلة بيوم النحر، يجوز تقديمها عليها ما لم يتجاوز عن ذي الحجّة، وفاقا للمشهور كما عن التنقيح «6»، لإطلاق الآية، و تفسيرها في بعض الأخبار [2] المتقدّمة بذي

______________________________

[1] أي الأول من الثانيين.

[2] كصحيحتي رفاعة و البجلي المتقدمتين في ص 343.

______________________________

(1) التهذيب 5: 228- 774، الاستبصار 2: 276- 983، الوسائل 14: 191 أبواب الذبح ب 51 ح 1.

(2) التهذيب 5: 229- 775، الاستبصار 2: 277- 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51، ح 2.

(3) التهذيب 5: 230، الاستبصار 2: 277.

(4) انظر الخلاف 2: 275، و الحدائق 17: 135.

(5) التهذيب 5: 229- 776، الاستبصار 2: 277- 985، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 3.

(6) التنقيح 1: 493.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 350

الحجّة.

و صحيحة زرارة: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أول العشر فلا بأس بذلك» «1».

و قريبة منها روايته، و فيها: «فأحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيّام في أول العشر» «2».

و بهما يخرج ما ظاهره تعيّن الثلاثة المتّصلة عن ظاهره، مع أنّك قد عرفت أنّه غير باق على ظاهره، و التأخير إلى السابع أحوط.

و لا يجوز التقديم على ذي الحجّة، لما

مرّ.

و يجب أن يكون الشروع في الصوم بعد التلبّس بالمتعة إجماعا، و هو الدليل عليه دون بعض التعليلات الغير التامّة، و يدلّ عليه أيضا تعلّق الأمر بالصيام في الآية و الأخبار «3» على المتمتّع، و صدقه قبل التلبّس به غير معلوم، فلا يكون مأمورا به، فلا يكون قبله صحيحا.

و يكفي التلبّس بالعمرة وفاقا للأكثر، بل في صريح السرائر: الإجماع عليه «4»، للأصل، و الإطلاق.

و اعتبر بعض الأصحاب التلبّس بالحجّ «5»، و تدفعه المستفيضة «6»، الدالّة على الأمر بصوم يوم قبل التروية مع استحباب الإحرام بالحجّ يوم التروية.

______________________________

(1) التهذيب 5: 235- 793، الاستبصار 2: 283- 1005، الوسائل 14: 180 أبواب الذبح ب 46 ح 8.

(2) الكافي 4: 507- 2، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 2.

(3) انظر الوسائل 14: 178، 185 أبواب الذبح ب 46 ح 47.

(4) السرائر 1: 594.

(5) كما في الدروس 1: 440.

(6) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 351

و هل يجب أن يكون صيام الثلاثة في مكّة أو منى قبل الرجوع- كما قيّده بعضهم به «1»- إلّا مع حصول عذر من نسيان أو عدم موافقة الرفقاء أو غيرهما؟

ظاهر الأصحاب ذلك، و يمكن الاستدلال له ببعض مفاهيم الشرط الواردة في بعض الأخبار المشار إليها و في غيرها أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    351     أ: من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجة سقط عنه الصوم ..... ص : 351

أمّا مع العذر فيجوز صومها في الطريق و بعد الرجوع إلى الأهل، كما صرّح به في الأخبار «2».

و لا يتعيّن صومها بعد الرجوع إلى الأهل، كما في صحيحة محمّد «3»، لمعارضتها مع أخبار

كثيرة مخالفة للعامّة.

فروع:
أ: من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجّة سقط عنه الصوم

و تعيّن عليه الهدي بمنى في القابل، عند علمائنا و أكثر العامّة كما في المدارك «4»، و عن الخلاف و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «5»، بل قيل: نقله جماعة.

و استدلّ له بصحيحة منصور المتقدّمة «6»، و الأخرى: من لم يصمّ

______________________________

(1) انظر النهاية: 256، المنتهى 2: 744.

(2) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

(3) التهذيب 5: 234- 791، الاستبصار 2: 283- 1003، الوسائل 14: 181 أبواب الذبح ب 46 ح 10.

(4) المدارك 8: 55.

(5) الخلاف 2: 278، المفاتيح 1: 358.

(6) الكافي 4: 509- 10، التهذيب 5: 39- 116، الاستبصار 2: 278- 989، الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 352

الثلاثة الأيّام في الحجّ حتى يهلّ الهلال، فقال: «عليه دم يهريقه و ليس عليه صيام» «1».

و صحيحة عمران الحلبي: عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيّام التي على المتمتّع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: «يبعث بدم» «2».

خلافا للمحكيّ عن التهذيب و المفيد، فيصوم في الطريق أو البلد إن كان ترك الصوم لعائق أو نسيان «3»، و استحسنه في الذخيرة «4».

للمستفيضة من الصحاح «5»، المصرّحة: بأنّ من فاته صومها بمكّة- لعدم القدرة أو عدم إقامة الجمّال أو الأصحاب- فليصمها في الطريق إن شاء، و إن شاء إذا رجع إلى أهله، من غير تقييد ببقاء ذي الحجّة و عدم خروجه، بتقييد الأولين من دليل الأول بالناسي بشهادة الثالثة.

أقول: مقتضى هذا الجمع: إدخال التارك للصوم عمدا في المستفيضة و إيجاب الصوم عليه، مع أنّه غير صحيح، لاختصاص المستفيضة طرّا بوجود المانع، فيبقى إطلاق الصحيحين الأولين في حقّ غير ذوي الأعذار بلا معارض، و لا

وجه لإخراجه عنهما.

فلا يبقى الريب في سقوط الصوم و وجوب الذبح على غير ذوي الأعذار، و لا على الناسي، للصحيحة الثالثة الخالية عن المعارض.

نعم، يبقى الكلام في ذوي الأعذار، و التعارض في حقّهم بين

______________________________

(1) التهذيب 4: 231- 680.

(2) الفقيه 2: 304- 1511، التهذيب 5: 235- 792، الاستبصار 2: 283- 1004، الوسائل 14: 186 أبواب الذبح ب 47 ح 3.

(3) حكاه عنهما في الذخيرة: 673. و الرياض 1: 397، و انظر التهذيب 5: 233.

(4) الذخيرة: 674.

(5) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 353

الصحيحين و المستفيضة بالعموم من وجه، لاختصاص الأولين بخروج الشهر و عمومهما بالنسبة إلى العذر و غيره، و الثانية بذوي الاعذار و عمومها بالنسبة إلى خروج الشهر و عدمه.

و الترجيح للأولين، لا لموافقة الكتاب كما قيل «1»- إذ غاية ما يدلّ عليه وجوب الصوم في الشهر و أمّا بعد خروجه فلا دلالة له عليه نفيا و إثباتا- بل لشذوذ القول الثاني، بحيث يخرج الدالّ عليه عن الحجّية، إذ لم ينقل قائل به سوى من ذكر، و رجع عنه الشيخ في الخلاف و الاستبصار أيضا «2»، و اللّه العالم.

و لا يخفى أنّ بما ذكرنا و إن ثبت سقوط الصوم و وجوب الذبح، لكن المستند- في كون الذبح هو الهدي دون كونه كفّارة- إن كان هو الإجماع فلا كلام، و إلّا ففي دلالة الأخبار «3» عليه نظر.

و أطلق طائفة من الأصحاب- منهم الحلّي «4»- بوجوب الدم، من غير تنصيص على كونه هديا أو كفّارة، و لكن صرّح الأكثر بالأول.

و الذبح بنيّة ما في الذمّة طريق الاحتياط.

ب: و هل يجب مع هذا الهدي دم كفّارة؟

عن المنتهى و المبسوط و الجامع: نعم «5»، و هو الأحوط، لما روي

من أنّه من ترك نسكا فعليه دم «6».

______________________________

(1) الرياض 1: 397.

(2) الخلاف 2: 278، الاستبصار 2: 279.

(3) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

(4) السرائر 1: 592.

(5) المنتهى 2: 746، المبسوط 1: 370، الجامع للشرائع: 210.

(6) سنن البيهقي 5: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 354

و عن الأكثر: لا، و هو الأظهر، للأصل، و ضعف الرواية.

ج: لو صام الثلاثة كملا- لفقد الهدي أو ثمنه- ثمَّ وجد الهدي،

لم يجب عليه على الأشهر الأظهر، بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، للأصل، و إطلاق الآية، و صريح رواية حمّاد المنجبرة بالعمل: عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحجّ، ثمَّ أصاب هديا يوم خرج من منى، قال: «أجزأه صيامه» «2».

لكن الانتقال إلى الهدي أفضل بلا خلاف، كما صرّح به غير واحد «3»، لرواية عقبة بن خالد «4»، القاصرة عن إفادة الوجوب للجملة الخبرية.

و قيل: للاحتياط «5»، حيث حكي عن المهذّب القول بوجوب الانتقال مطلقا «6».

و عن القواعد: إذا وجده قبل التلبّس بالسبعة في وقت الذبح «7».

و هو حسن من جهة الوفاق على كفاية الذبح، و إلّا فكان الاحتياط في الجمع بين الهدي و صيام العشرة.

و المسقط للهدي عند الأكثر إكمال الثلاثة، فلولاه يجب الهدي.

خلافا للسرائر و المحكيّ عن الخلاف و كنز العرفان و جملة من كتب

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 277، و حكاه عنه في كشف اللثام 1: 364.

(2) الكافي 4: 509- 11، التهذيب 5: 38- 112، الاستبصار 2: 260- 919، الوسائل 14: 177 أبواب الذبح ب 45 ح 1.

(3) انظر المفاتيح 1: 358، الرياض 1: 397.

(4) الكافي 4: 510- 14، التهذيب 5: 38- 113، الاستبصار 2: 261- 920، الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 45 ح 2.

(5) كما في المدارك 8: 57، و المفاتيح 1: 358.

(6) المهذّب 1:

159.

(7) القواعد 1: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 355

الفاضل، فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرّد التلبّس بالصوم «1»، للأصل، و الإطلاق المذكورين. و لا يخلو عن قوّة.

إلّا أنّ الاحتياط مع الأول، و الأحوط الجمع، كما في الصورة الأولى أيضا.

المسألة الثالثة: يجب أن يكون صيام السبعة الأيّام بعد الرجوع إلى الأهل،

بلا خلاف يعرف، كما في الذخيرة «2».

و خالف فيه أكثر العامّة، فقال بعضهم: إذا فرغ من أفعال الحجّ [1].

و بعضهم: إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق [2].

لنا: ظاهر الآية و الأخبار المتكثّرة، كالصحاح الست: لحمّاد «3» و ابن عمّار «4»، و ابن سنان «5» و ابن مسكان «6» و سليمان «7» و صفوان «8»، و غيرها «9».

______________________________

[1] قال به مالك و أحمد و أبي حنيفة، انظر المجموع 7: 193.

[2] قال به عطا و مجاهد، انظر المغني لابن قدامة 3: 509.

______________________________

(1) السرائر 1: 594، الخلاف 2: 277، كنز العرفان 1: 297، الفاضل في المنتهى 2: 747، و المختلف: 305.

(2) الذخيرة: 674.

(3) قرب الإسناد: 17- 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

(4) تفسير العياشي 1: 92- 239، الوسائل 14: 183 أبواب الذبح ب 46 ح 16.

(5) التهذيب 5: 228- 774، الاستبصار 2: 276- 983، الوسائل 14: 191 أبواب الذبح ب 51 ح 1.

(6) التهذيب 5: 229- 775، الاستبصار 2: 277- 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 46 ح 7.

(7) التهذيب 5: 229- 775، الاستبصار 2: 277- 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 2.

(8) التهذيب 5: 229- 776، الاستبصار 2: 277- 985، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 3.

(9) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 356

و لا يشترط في تلك السبعة

التتابع على الحقّ المشهور، و عن المنتهى و التذكرة: أنّه لا يعرف فيه خلاف «1»، للأصل، و الإطلاق.

و عموم صحيحة ابن سنان: «كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين» «2».

و خصوص رواية إسحاق: إنّي قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيّام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد، قال: «صمها ببغداد»، قلت أفرّقها؟ قال:

«نعم» «3»، و ضعفها- لو كان- منجبر بما ذكر.

خلافا للمحكيّ في المختلف عن العماني و الحلبي «4»، و في التنقيح عن المفيد و ابن زهرة «5»، و في غيرهما عن المختلف أيضا «6»، فأوجبوه.

لرواية عليّ: عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة، أ يصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال: «يصوم الثلاثة لا يفرّق بينها، و السبعة لا يفرّق بينها، و لا يجمع الثلاثة و السبعة جميعا» «7».

و حسنة الحسين بن يزيد: «الثلاثة الأيّام و السبعة الأيّام في الحجّ لا يفرّق بينها، إنّما هي بمنزلة الثلاثة الأيّام في اليمين» «8».

______________________________

(1) المنتهى 2: 744، التذكرة 1: 383.

(2) الكافي 4: 140- 1، الوسائل 10: 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 1.

(3) التهذيب 5: 233- 787، الاستبصار 2: 281- 998، الوسائل 14: 200 أبواب الذبح ب 55 ح 1.

(4) المختلف: 238.

(5) التنقيح 1: 494.

(6) حكاه عنه في الرياض 1: 397.

(7) التهذيب 4: 315- 957، الاستبصار 2: 281- 999، تفسير العياشي 1:

93- 242، الوسائل 14: 200 أبواب الذبح ب 55 ح 2.

(8) الكافي 4: 140- 3، الوسائل 10: 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 357

و جوابهما: قصور الدلالة عن الوجوب، و لا يفيد قوله: «بمنزلة الثلاثة الأيام»، إذ يمكن أن يكون المراد تنزيلها منزلتها

في الرجحان. و ما قد يدّعى من عموم المنزلة في مثل ذلك لا دليل عليه.

و مع ذلك كلّه، فلا ريب أنّ الاحتياط في التتابع.

و لا تجب المبادرة إلى الصوم بعد الرجوع فورا، للأصل.

و لو أقام من وجبت عليه السبعة بمكّة انتظر وصول أصحابه إلى بلده، أو مضيّ شهر إن كانت مدّة وصول أصحابه إلى البلد أكثر من شهر، بلا خلاف يوجد، كما في الذخيرة «1»، و قيل: إنّه مقطوع به في كلامهم «2»، لصحيحة ابن عمّار «3».

و عن جماعة- منهم: القاضي و الحلبيّون-: انتظار الوصول و عدم اعتبار الشهر «4»، و هو مقتضى صحيحتي البزنطي «5» و أبي بصير «6».

و الأول أظهر، لأنّ دليله مفصّل.

و مقتضى الاحتياط: التأخير إلى أكثر الأمرين، حيث لا تعتبر الفوريّة، و يكفي ظنّ وصول الأصحاب، كما صرّح به في الصحيحتين الأخيرتين.

و الإقامة أعمّ من مدّة معيّنة أو غير معيّنة أو الأبديّة، لعمومها في

______________________________

(1) الذخيرة: 674.

(2) الرياض 1: 397.

(3) الفقيه 2: 303- 1507، التهذيب 5: 234- 790، الاستبصار 2: 282- 1002، الوسائل 14: 190 أبواب الذبح ب 50 ح 2.

(4) القاضي في المهذّب 1: 201، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572، علاء الدين في الإشارة: 119، أبو الصلاح في الكافي: 188.

(5) التهذيب 5: 41- 121، الوسائل 14: 189 أبواب الذبح ب 50 ح 1.

(6) الكافي 4: 509- 8، الفقيه 2: 303- 1506، التهذيب 4: 314- 954، الوسائل 14: 190 أبواب الذبح ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 358

الصحيحة.

و في مبدأ الشهر احتمالات أظهرها يوم عزم الإقامة.

و الظاهر تخصيص ذلك بإقامة مكّة، و أمّا في غيرها من البلدان أو الطريق فلا، بل ينتظر الوصول إلى البلد، و

مع اليأس يسقط الصيام، لتعلّق الأمر بالرجوع، و لا ينتقل إلى الهدي حينئذ، للأصل.

المسألة الرابعة: لو مات من وجب عليه ذلك الصيام قبل الصوم،

فإن لم يتمكّن من صيام شي ء من العشرة و لو بعضا سقط الصوم و لم يجب على وليّه القضاء عنه، بالإجماع على ما ادّعاه جماعة «1».

و إن تمكّن من فعل الجميع و لم يفعل ففيه أقوال، أظهرها: عدم القضاء على الوليّ إن مات بعد صوم الثلاثة، و قضاء العشرة إن مات قبله، لأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار.

المسألة الخامسة: لو مات الواجد للهدي و لم يهد،

أخرج الهدي من أصل تركته، لأنّه من الحقوق الماليّة و جزء من الحجّ الذي يخرج كلّه منه، و لو لم تف التركة إلّا بجزء من الهدي سقط الكلّ على الأظهر.

المسألة السادسة: لو لم يكن له الهدي و لا ثمنه و لكن توقّع حصوله

قبل مضيّ وقت الهدي توقّعا معتنى به عرفا، لم ينتقل إلى الصوم، لصدق الوجدان عرفا.

المسألة السابعة: من فقد الهدي و كان له ثمنه و يريد الرجوع،

يخلّف ثمنه عند من يشتريه طول ذي الحجّة فيذبحه، فإن لم يتمكّن من ذلك أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة، وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّدين و الفاضلين في

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 304، و نقله عن الصيمري في الرياض 1: 398.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 359

غير الشرائع و الحلبي و ابن حمزة [1]، بل للأكثر، بل عامّة من تأخّر كما قيل «1»، و عن ظاهر الغنية: الإجماع عليه «2».

لصحيحة حريز: في متمتّع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: «يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة، و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزئ عنه، فإن مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة» «3».

و احتجّ له برواية النضر بن قرواش «4»، و هي بمضمون الصحيحة، إلّا أنّها تتضمّن التصريح بالضعف عن الصيام، و على هذا فلا تصلح دليلا للمطلوب مع القدرة عليه.

خلافا للحلّي و الشرائع «5»، و عزي إلى الفقيه أيضا، و قد ينسب إلى العماني «6»، و تنظّر فيه بعضهم «7»، و نسبه في السرائر إلى الجمل و العقود «8».

و فيه أيضا نظر.

______________________________

[1] الصدوقان في الفقيه 2: 304، المفيد في المقنعة: 390، الطوسي في المبسوط 1: 370، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المرتضى في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 63، المحقق في النافع: 90، الفاضل في المنتهى 2: 743، الحلبي في الكافي: 200، ابن حمزة في الوسيلة: 182.

______________________________

(1) في الرياض 1: 396.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(3) الكافي 4: 508- 6، التهذيب 5: 37- 109،

الاستبصار 2: 260- 916، الوسائل 14: 176 أبواب الذبح ب 44 ح 1.

(4) التهذيب 5: 37- 110، الاستبصار 2: 260- 917، الوسائل 14- 176 أبواب الذبح ب 44 ح 2.

(5) الحلي في السرائر 1: 592، الشرائع 1: 261.

(6) كما في المختلف: 304.

(7) كصاحب الرياض 1: 396.

(8) السرائر 1: 592.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 360

و استدلّ له بصدق عدم وجدان الهدي الموجب لانتقال الفرض إلى الصوم، و برواية أبي بصير: عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم؟ قال: «بل يصوم، فإنّ أيّام الذبح قد مضت» «1».

و يردّ الأول: بوجوب تخصيصه بمن لم يجد الثمن أيضا، أو وجده و لم يجد الهدي، للخبر الصحيح «2» المعمول به عند الأصحاب، الذي هو أخصّ مطلقا من الآية.

و الثاني: بأنّه ظاهر فيمن يقدر على تحصيل الهدي و ذبحه بمنى، و هو غير ما نحن فيه.

و للمحكيّ عن الإسكافي، فخيّر بين القولين و بين التصدّق بالوسطى من قيمة الهدي «3»، جمعا بين ما مرّ و بين رواية عبد اللّه بن عمر «4».

و ردّ: بفقد الشاهد على ذلك الجمع «5».

و فيه: أنّ التعارض مع عدم المرجّح كاف فيه كما ثبت في محلّه، إلّا أنّ الترجيح هنا لأحد الأولين موجود، و لو لم يكن إلّا وجوب طرح المخالف للكتاب لكفى.

المسألة الثامنة: مقتضى وجوب الهدي و تعليق الانتقال إلى بدله بعدم وجدانه: وجوب شرائه لو وجد
اشاره

______________________________

(1) التهذيب 5: 37- 111، الاستبصار 2: 260- 918، الوسائل 14: 177 أبواب الذبح ب 44 ح 3.

(2) أي صحيحة حريز المتقدّمة في ص: 359.

(3) حكاه عنه في المختلف: 304.

(4) الكافي 4: 544- 22، الفقيه 2: 296- 1467، التهذيب 5: 238- 805، الوسائل 14: 203 أبواب الذبح ب 58

ح 1.

(5) انظر رياض المسائل 1: 396.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 361

و وجد ثمنه، لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به.

و لو لم يكن ثمنه موجودا و أمكنه الاستقراض مع تمكّنه من أدائه وجب أيضا، لما ذكر.

و كذا لو كان له متاع أو جنس تيسّر له دفعه بإزاء الهدي أو بيعه و صرف ثمنه فيه، وجب، ما لم يكن ممّا يدّعى ببقائه الحاجة أو الضرورة، فإنّ كان كذلك لا يجب، لأدلّة نفي الضرر و الحرج، و هذا هو الأصل في المقام.

و استثني منه لباس التجمّل، بل الفضل من الكسوة مطلقا، على ما قطع به الأصحاب في الأول، لمرسلة ابن أسباط: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ و في عيبته [1] ثياب، إله أن يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديا؟ قال:

« [لا]، هذا ممّا يتزين به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا» [2].

و صحيحة البزنطي: عن المتمتّع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه، فتسوى تلك الفضول مائة درهم، هل يكون ممّن يجب عليه؟

فقال: «له بدّ من كراء و نفقة؟»، فقلت: له كراء و ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: «أيّ شي ء الكسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّه تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إلى آخره «1».

______________________________

[1] العيبة- بالفتح-: مستودع الثياب، أو مستودع أفضل الثياب- مجمع البحرين 2:

130.

[2] الكافي 4: 508- 5، التهذيب 5: 238- 802، الوسائل 14: 202 أبواب الذبح ب 57 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 486- 1735، قرب الإسناد: 388- 1364، الوسائل 14: 201 أبواب الذبح ب 57 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12،

ص: 362

قيل: و لأنّ مع التوقّف على بيع مثل ذلك لا يصدق قوله سبحانه:

فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، إذ ليس ذلك استيسارا عرفا «1». و فيه نظر.

و يجب الاقتصار في الاستثناء على ما ذكر، لمخالفته الأصل.

و لو باع شيئا من المستثنى و اشترى الهدي أجزأ، لصدق الاستيسار و الوجدان حينئذ و لو سلّمنا عدم صدقه أولا.

و ناقش فيه بعضهم «2»، لأنّ مثل ذلك فرضه الصوم، فهو آت بغير الفرض.

و فيه: أنّه فرضه ما دام كذلك، و لكن إذا باع متاعه و اشترى الهدي فلا نسلّم أنّ فرضه الصوم.

فائدتان:
الأولى: ما سبق كان أحكام هدي التمتّع،

و قد ذكروا لهدي السياق أيضا أحكاما تركنا ذكرها، لقلّة الفائدة فيها في هذه الأزمنة. و لهدي الفداء و الكفّارات أيضا أحكام تأتي في بابها.

الثانية: في بيان الأضحية و أحكامها، و فيه مسائل:
المسألة الأولى: ترجّح الأضحية للحاجّ و غيره في مكّة و غيرها من الأمصار،

بالإجماعين «3».

و يدلّ عليه قوله سبحانه فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «4»، على ما ذكره

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 666.

(2) انظر المدارك 8: 23.

(3) الحدائق 17: 200.

(4) الكوثر: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 363

بعض المفسّرين من أنّ المراد: نحر الأضحية بعد صلاة العيد «1».

و الأخبار المتكثّرة، منها: رواية الأعرج «2»، المتقدّمة في مسألة وجوب الهدي.

و صحيحة ابن سنان: عن الأضحى أ واجب على من وجد لنفسه و عياله؟ فقال: «أمّا لنفسه فلا يدعه، و أمّا لعياله فإن شاء تركه» «3».

و صحيحة محمّد: «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير، و هي سنّة» «4».

و العلاء: عن الأضحى، فقال: «هو واجب على كلّ مسلم إلّا من لم يجد»، فقال له السائل: فما ترى في العيال؟ فقال: «إن شئت فعلت و إن شئت لم تفعل، فأمّا أنت فلا تدعه» «5».

و مرسلة الفقيه: جاءت أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه، يحضر الأضحى و ليس عندي ثمن الأضحية فأستقرض و اضحّي؟ قال: «استقرضي، فإنّه دين مقضيّ، و يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها» [1].

و مرسلة الحلبي: «ضحّ بكبش أسود أقرن فحل، فإن لم تجد أسود

______________________________

[1] الفقيه 2: 138- 591، و في الفقيه 2: 292- 1447، علل الشرائع: 440- 1، الوسائل 14: 210 أبواب الذبح ب 64 ح 1 لا يوجد: و يغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة من دمها، و لعلّه من كلام الصدوق.

______________________________

(1) انظر مجمع البيان 5: 549، التبيان 10: 418.

(2)

الكافي 4: 487- 1، التهذيب 5: 36- 180، الاستبصار 2: 259- 913، الوسائل 14: 82 أبواب الذبح ب 1 ح 11.

(3) الكافي 4: 487- 2، الوسائل 14: 204 أبواب الذبح ب 60 ح 1.

(4) الفقيه 2: 292- 1445، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 3.

(5) الفقيه 2: 292- 1446، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 364

فأقرن فحل، يأكل في سواد، و يبعر في سواد، و ينظر في سواد» [1].

و صحيحة ابن سنان: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضحّي بكبش أقرن فحل، ينظر في سواد، و يمشي في سواد» «1» و لا تجب اتّفاقا عن غير الإسكافي «2»، للنبويّ المنجبر بالعمل: «كتب عليّ النحر و لم يكتب عليكم» «3».

و أوجبه الإسكافي، للآية، و الأخبار المتقدّمة.

و الجواب: أنّ الآية خطاب إلى الرسول، و قيل: إنّ وجوبها عليه صلّى اللّه عليه و آله من خواصّه «4»، كما يدلّ عليه النبوي أيضا، مع أنّ في ورودها في الأضحية كلاما.

و الأخبار- لمخالفتها في الوجوب للشهرتين «5»، بل الإجماع- لا تنهض حجّة لإثباته.

مضافا في الاولى إلى ما مرّ من احتمال إرادة المتمتّعين من أهل الأمصار.

و في الثانية من احتمال الخبريّة.

و ما في الثالثة من الإيجاب على الصغير المنفيّ قطعا، و إضمار الولي في حقّه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب، سيّما بعد انضمام قوله:

______________________________

[1] الكافي 4: 489- 4، الوسائل 14: 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5، و فيهما:

و يشرب، بدل: و يبعر، و في الكافي: حدّثني من سمعته.

______________________________

(1) التهذيب 5: 205- 685، الوسائل 14: 109 أبواب الذبح ب 13 ح 1.

(2) المختلف: 307.

(3) مسند أحمد 1:

317.

(4) كشف اللثام 1: 368.

(5) مسالك الافهام 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 365

«و هي سنّة».

و منه يظهر ما في الرابعة أيضا من عموم: «كل مسلم»، فلا بدّ إمّا من التخصيص أو التجوّز، و التخصيص و إن كان مقدّما إلّا أنّه يضعف الترجيح هنا بوجوه خارجيّة.

و في الخامسة من عدم وجوب الاستقراض بخصوصه.

و في السادسة من عدم وجوب ما يتضمّنها من الكبش الموصوف.

المسألة الثانية: يجزئ الهدي للحاجّ عن الأضحية

بلا خلاف أجده، لصحيحة الحلبي المتقدّمة «1»، و صحيحة محمّد: «يجزئه في الأضحية هديه» «2».

قالوا: و الجمع بينهما أفضل. و في الذخيرة: أنّ للفظ الإجزاء ظهورا فيه «3».

و فيه نظر، لأنّ الإجزاء يدلّ على سقوط الأمر بواسطة الإتيان بما يجتزئ به، و إذ لا أمر فلا استحباب، فهو دليل لعدم الاستحباب.

و قيل: لأنّ فيه فعل المعروف و نفع الفقراء «4».

و فيه: أنّ الكلام في الأضحية من حيث إنّها هي، و لذا قيل- بعد نقل التعليل-: و فيه لو لا النصّ نظر- إلى أن قال:- و لكن الأمر بعد وضوح المأخذ سهل «5».

أقول:

إن أراد بالنصّ و المأخذ ما ذكره في الذخيرة فقد عرف ما فيه،

______________________________

(1) الكافي 4: 489- 4، الوسائل 14: 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5.

(2) التهذيب 5: 238- 803، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 2.

(3) الذخيرة: 679.

(4) حكاه في المدارك 8: 86، الرياض 1: 401.

(5) الرياض 1: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 366

و إن كان غيره فلم أجده.

و على هذا، فلا دليل لاستحبابه على ذي الهدي، إلّا أن يثبت الإجماع، أو يتمسّك بفتوى الأصحاب في مقام الاستحباب، إن لم يضرّها لفظ الإجزاء.

المسألة الثالثة: لو لم يجد الأضحية يستحبّ التصدّق بثمنها

بلا خلاف يوجد، فإن اختلفت الأثمان فالظاهر كفاية الأدنى، و لكن الأفضل الوسط، و المراد به: نصف القيمتين و ثلث القيم الثلاث و ربع الأربع و هكذا، لرواية عبد اللّه بن عمر «1»، و هي و إن وردت في التثليث بعد السؤال عن الثلاث، إلّا أنّ منهم «2» من عمّم- كما ذكرنا- و لا بأس به.

المسألة الرابعة: زمان الأضحية في منى أربعة أيّام،

أولها يوم النحر، و في سائر الأمصار ثلاثة كذلك بلا خلاف فيه يعلم، كما في الذخيرة «3»، بل بالإجماع، كما عن ظاهر الغنية و المنتهى «4» و صريح غيرهما «5».

لصحيحة علي: عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال: «أربعة أيّام»، و عن الأضحى في غير منى، قال: «ثلاثة أيّام»، فقلت: ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال: «نعم» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 544- 22، الفقيه 2: 296- 1467، التهذيب 5: 238- 805، الوسائل 14: 203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 449، صاحب المدارك 8: 86، صاحب الرياض 1: 401.

(3) الذخيرة: 678.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المنتهى 2: 755.

(5) المدارك 8: 82.

(6) التهذيب 5: 202- 763، الاستبصار 2: 264- 930، قرب الإسناد: 240- 947، 948، 949، الوسائل 14: 91 أبواب الذبح ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 367

أقول:

المراد باليوم الثالث: الثالث مع الأضحى الذي هو يوم القدوم، كما صرّح به في موثّقة الساباطي المرويّة في الفقيه: عن الأضحى بمنى، فقال: «أربعة أيّام»، و عن الأضحى في سائر البلدان، فقال: «ثلاثة أيّام»، و قال: «لو أنّ رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين ضحّى اليوم الثالث الذي قدم فيه» «1».

و رواية غياث: «الأضحى ثلاثة أيّام،

و أفضلها أولها» «2».

و هي و إن كانت أعمّ من منى و سائر الأمصار، إلّا أنّه يجب حملها على الأخير، حملا للمطلق على المقيّد. و منهم من حملها على التقيّة «3»، لأنّ مذهب أبي حنيفة و مالك و الثوري- كما قيل «4»- إنّها ثلاثة أيّام مطلقا.

و أمّا صحيحة محمّد: «الأضحى يومان بعد يوم النحر، و يوم واحد بالأمصار» «5».

و رواية كليب: عن النحر، فقال: «أمّا بمنى فثلاثة أيّام، و أمّا في البلدان فيوم واحد» «6».

فليستا صريحتين في التعارض مع ما مرّ، لجواز أن يكون المراد بالأضحى في الاولى و بالنحر في الثانية: يوم الأضحى و النحر من جهة

______________________________

(1) الفقيه 2: 291- 1439، الوسائل 14: 92 أبواب الذبح ب 6 ح 3.

(2) الفقيه 2: 292- 1442، التهذيب 5: 203- 675، الاستبصار 2: 264- 932، الوسائل 14: 92 أبواب الذبح ب 6 ح 4.

(3) كالسبزواري في الذخيرة: 679.

(4) المنتهى 2: 755.

(5) الكافي 4: 486- 2، التهذيب 5: 203- 677، الاستبصار 2: 264- 934، الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 7.

(6) الكافي 4: 486- 1، التهذيب 5: 203- 676، الاستبصار 2: 264- 933، الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 368

الصوم لا من جهة الأضحية، كما ذكره الصدوق و الشيخ «1».

و صدّق الصدوق ذلك برواية منصور: «النحر بمنى ثلاثة أيّام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيّام، و النحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد» «2».

و لا يتوهّم أنّه خلاف ما عليه الأصحاب من عدم جواز الصوم أيّام التشريق كلّا، لما مرّ من جواز بعض أفراده، و هو صوم بدل الهدي في اليوم

الثاني عشر.

و يمكن أيضا حمل الأخيرين على الأفضليّة [1]، كما ذكره جماعة «3».

و لو انقضت هذه الأيّام و لم يضحّ لم يكن عليه قضاؤها، لأنّه بأمر جديد. و عن المنتهى: القضاء إن وجب بنذر و شبهه «4»، لتعليل غير سديد.

المسألة الخامسة: يكره التضحية بما يربّيه،

لرواية محمّد بن الفضيل: كان عندي كبش سمين لاضحّي به- إلى أن قال في الجواب:- «ما كنت أحبّ لك أن تفعل، لا تربّينّ شيئا من هذا ثمَّ تذبحه» «5».

و مرسلة الفقيه: «لا يضحّى بشي ء من الدواجن» «6».

______________________________

[1] أي تحمل صحيحة محمّد و رواية كليب على أنّ الأفضل ذبح الأضحية في منى في يوم النحر و يومين بعده، و في الأمصار في يوم النحر.

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 291، الشيخ في التهذيب 5: 203.

(2) الفقيه 2: 291- 1441، التهذيب 5: 203- 678، الاستبصار 2: 265- 935، الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 5.

(3) انظر المدارك 8: 84، الذخيرة: 679.

(4) المنتهى 2: 756.

(5) الكافي 4: 544- 20، التهذيب 5: 452- 1578، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 1.

(6) الفقيه 2: 296- 1468، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 369

و الدواجن: الآلفات في البيوت، المقيمات في المكان، من الحمام و الشاة و أشباهها.

و رواية أبي الصحاري: الرجل يعلف الشاة و الشاتين ليضحّي بها، قال: «لا أحبّ ذلك»- إلى أن قال:- «و لكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين و ليشتر منها و يذبحه» «1».

و الأولى أن لا يذبح إلّا فيما يشتري في العشر من ذي الحجّة، لمرسلة الفقيه: «لا يضحّى إلّا بما يشتري في العشر» «2».

المسألة السادسة: قد سبق في مصرف الهدي مصرف الأضحية أيضا،

و لكنّه على الأفضليّة، لقصور مستنده عن إثبات الوجوب، و له أكل الكلّ و إهداء الكلّ و التصدّق بالكلّ، للأصل. و كذا يجوز ادّخار لحومها بعد ثلاثة أيّام. و ما فيه النهي عنه منسوخ، كما صرّحت به الأخبار «3».

و هل يجوز بيع لحومها؟

قد نسب بعضهم إلى الأصحاب عدم

الجواز «4»، و خصّص بعضهم المنع بالواجبة منها «5»، و قيل: لعلّ ذلك مراد الأصحاب «6».

أقول: الكلام إمّا في البيع مطلقا و لو لأجل التصدّق بثمنها، أو في البيع مع عدم التصدّق بالثمن، ثمَّ على الثاني إمّا يكون الكلام في جواز البيع و عدمه، حتى يأثم به أو لا يأثم، أو في وقوع الأضحية المستحبّة معه و عدمه.

______________________________

(1) التهذيب 9: 83- 353، الوسائل 24: 92 أبواب الذبائح ب 40 ح 2.

(2) الفقيه 2: 295- 1461، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 3.

(3) الوسائل 14: 168 أبواب الذبح ب 41.

(4) المدارك 8: 80.

(5) المنتهى 2: 754.

(6) كما في المدارك 8: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 370

فإن كان الأول: فالظاهر الجواز، لعدم دليل على المنع، و خروجه عن ملكه بمجرّد الذبح غير معلوم.

و منه يظهر حكم الثاني أيضا، فإنّ الأصل مع الإباحة، و لا دليل على انتفائها.

و أمّا الثالث: فمبنيّ على أن يعلم أنّ التضحّي هو مجرّد الذبح، أو هو مع الصرف في مصرف خاص و لو بجزء منه و لو بإطعامه أهل بيته.

لا دليل على تعيين الأول، و لو مجرّد إطلاق، إذ غاية الإطلاقات ذبح الأضحية أو التضحّي، و الكلام بعد في تعيين المراد منه، و أصل الاشتغال- و لو بالأمر الاستحبابي- يقتضي عدم حصول التضحية بدون إطعام الغير مجّانا، و أمّا معه فالظاهر كفايته، و يدلّ على لزوم الأزيد من الذبح تتبّع الأخبار و سيرة المسلمين في الأعصار.

المسألة السابعة: يجوز أن يجعل جلد الأضحية مصلّى،

و أن يشتري بها متاع البيت، و أن ينتفع بها، للتصريح بالأول- بل برجحانه- في صحيحة ابن عمّار «1»، و بالثانيين في روايته «2».

و التصدّق أفضل، كما ورد فيهما. و عموم الرواية يدلّ

على جواز جعلها جرابا «3» أيضا، و في صحيحة علي: أنّه لا يصلح إلّا أن يتصدّق بثمنها «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 228- 771، الاستبصار 2: 276- 980، الوسائل 14: 174 أبواب الذبح ب 43 ح 5.

(2) الكافي 4: 501- 2، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.

(3) الجراب بالكسر: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ و الدقيق و نحوهما، و الجمع جرب- مجمع البحرين 2: 23.

(4) التهذيب 5: 228- 773، الاستبصار 2: 276- 982، قرب الإسناد: 240- 943، الوسائل 14: 174 أبواب الذبح ب 43 ح 4، مسائل علي بن جعفر: 66- 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 371

و هو الأحوط.

و هل يمنع عن إعطائها الجزّارين، كما في جلود الهدي؟

الأصل يقتضي عدم المنع، لكون الأخبار المانعة بين ما يختصّ بالهدي و ما يحتمله «1»، بل صرّح في رواية سليمان بن جعفر المتقدّمة في جلد الهدي بالجواز «2».

و الأولى: المنع بإزاء الأجرة، و كذا الأحوط عدم بيعها إلّا مع التصدّق بثمنها أو إهدائه.

المسألة الثامنة: قال في المنتهى: تختصّ الأضحيّة بالنعم الثلاث،

و منها بالأسنان المذكورة، في الهدي «3».

و الأول كذلك، لظاهر الإجماع، و قضية أصل الاشتغال.

و أمّا الثاني، فقد عرفت أنّ المستند التامّ في الهدي الإجماع، فإن ثبت هنا و إلّا فللكلام فيه مجال.

نعم، تدلّ على عدم إجزاء ما دون الثني من الإبل صحيحة الحلبي «4»، المتقدّمة في الهدي، و الاحتياط في المقام لا يترك.

المسألة التاسعة: قيل: يشترط في الأضحية من الأوصاف ما يشترط في الهدي «5».

و في قبول ذلك كلّيّا إشكال، لاختصاص بعض الأخبار «6» المتقدّمة في

______________________________

(1) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.

(2) المتقدّمة في ص 342.

(3) المنتهى 2: 757.

(4) الكافي 4: 489- 2، التهذيب 5: 204- 681، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 5.

(5) الحدائق 17: 208.

(6) الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 372

الوصف بالهدي و عدم ثبوت الإجماع المركّب، و معارضة صحيحة عليّ «1» المتقدّمة مع الأخبار المتضمّنة للفظ الأضحية «2»، إلّا أنّ الحكم لمّا كان موافقا للاحتياط- و مع ذلك كانت أكثر الأخبار المتقدّمة متضمّنة للفظ الأضاحي- لا بأس به.

المسألة العاشرة: يجزئ الواحد عن الكثير كما مرّ،

و يجوز التضحية عن الغير، إجماعا فتوى و نصّا، و قد مرّ النصّ الدالّ عليه من تضحية الرسول صلّى اللّه عليه و آله لأهل بيته و لأمّته «3»، و تضحية الأمير عليه السلام للرسول صلّى اللّه عليه و آله «4».

______________________________

(1) الفقيه 2: 295- 1463، التهذيب 5: 213- 719، الاستبصار 2: 268- 952، قرب الإسناد: 239- 941، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.

(2) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.

(3) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.

(4) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 206 أبواب الذبح ب 60 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 373

البحث الثالث في الحلق أو التقصير
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: و هو واجب على الحاجّ،

بالإجماعين «1»، و النصوص:

كرواية عمر بن يزيد: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك» «2».

و رواية أبي بصير: عن رجل جهل أن يقصّر من شعره أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: «فليرجع إلى منى حتى يحلق رأسه بها أو يقصّر، و على الصرورة أن يحلق» «3»، و بمضمونها روايته الأخرى «4»، إلى غير ذلك من الأخبار «5».

و القول باستحبابه- كما عن الشيخ في التبيان أو النهاية «6» على اختلاف النقلين- شاذّ، و بما مرّ مردود.

المسألة الثانية: يتخيّر الرجل بين الحلق و التقصير،

إلّا أن يكون

______________________________

(1) المنتهى 2: 762، مفاتيح الشرائع 1: 360، الرياض 1: 401.

(2) التهذيب 5: 240- 808، الوسائل 14: 211 أبواب الحلق و التقصير ب 1 ح 1.

(3) الكافي 4: 502- 5، الفقيه 2: 301- 1498، التهذيب 5: 241- 813، الاستبصار 2: 285- 1012، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 4، بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 242- 818، الاستبصار 2: 286- 1017، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 6.

(5) الوسائل 14: 211 أبواب الحلق و التقصير ب 1.

(6) التبيان 2: 154، النهاية: 262. نقله عن التبيان في المنتهى 2: 762، و في نسخة من السرائر 1: 602 عن النهاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 374

صرورة، أو ملبّدا- أي جعل في رأسه عسلا أو صمغا لئلّا يتّسخ أو يقمل- أو معقوصا [1]، فإنّ هؤلاء الثلاثة يتعيّن عليهم الحلق، وفاقا لجماعة من أعاظم القدماء «1».

و تدلّ على تخيير غير الثلاثة بينهما النصوص الآتية، و على تعيّن الحلق على الصرورة روايتا أبي بصير المتقدّمتان، و الثالثة: «على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصّر، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام» «2».

و رواية بكر بن خالد: «ليس

للصرورة أن يقصّر، و عليه أن يحلق» «3»، و نحوها مرسلة الفقيه «4».

و رواية الساباطي: عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق، قال:

«إن كان قد حجّ قبلها فليجزّ شعره، و إن كان لم يحجّ فلا بدّ له من الحلق» «5».

و رواية سليمان بن مهران المرويّة في الفقيه، المتضمّنة لعلل بعض المناسك، و فيها: فقلت: و كيف صار الحلق عليه- أي على الصرورة- واجبا دون من قد حجّ؟ فقال: «ليصير بذلك موسما» الحديث «6».

و على الملبّد و المعقوص صحيحة هشام: «إذا عقص الرجل رأسه أو

______________________________

[1] عقص الشعر: جمعه و جعله في وسط الرأس و شدّه- مجمع البحرين 4: 175.

______________________________

(1) انظر الجمل و العقود (الرسائل العشر): 236، و النهاية: 263، و الوسيلة: 186.

(2) الكافي 4: 503- 7، التهذيب 5: 484- 1725، الوسائل 14: 223 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 5.

(3) التهذيب 5: 243- 820، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 10.

(4) الفقيه 2: 139- 598، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 12.

(5) التهذيب 5: 485- 1730، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 4.

(6) الفقيه 2: 154- 668، علل الشرائع: 449- 1، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 375

لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» «1».

و ابن عمّار: «إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير و الحلق في الحجّ، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «2».

و على الثلاثة صحيحة أخرى لابن عمّار: «ينبغي للصرورة أن

يحلق رأسه، و إن كان قد حجّ فإن شاء قصّر و إن شاء حلق»، قال: «و إذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق، و ليس له التقصير» «3».

و رواية أبي سعيد: «يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبّد شعره، و رجل حجّ بدوا لم يحجّ قبلها، و رجل عقص رأسه» «4».

و لفظة: «ينبغي» في صحيحة ابن عمّار و إن لم تكن صريحة في الوجوب، إلّا أنّ بعد ضمّها مع مفهوم قوله: «و إن شاء»، إلى آخره، تصير ظاهرة في الوجوب.

خلافا لجماعة أخر «5»، بل نسب إلى الشهرة «6»، فحكموا باستحباب الحلق للثلاثة، للأصل، و إطلاق قوله سبحانه مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ ، إلى آخره «7»، و قوله عليه السلام: «و للمقصّرين» «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 484- 1724، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 2.

(2) التهذيب 5: 160- 533، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 8.

(3) الكافي 4: 502- 6، التهذيب 5: 484- 1726، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 5: 485- 1729، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 3.

(5) كما في المختلف: 308، الدروس 1: 453.

(6) كما في المدارك 8: 89، الرياض 1: 401.

(7) الفتح: 27.

(8) التهذيب 5: 243- 822، الوسائل 14: 223 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 376

و ضعف الجميع ظاهر بعد دلالة النصوص على التعيين.

ثمَّ إنّ من تخيّر بين الأمرين فالحلق له أفضل، إجماعا كما عن التذكرة «1»، له، و للصحاح المتضمّنة لطلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المغفرة للمحلّقين مرّتين أو ثلاث مرّات، و للمقصّرين مرّة

«2».

المسألة الثالثة: التخيير إنّما هو في حقّ الرجل،

و أمّا المرأة فيتعيّن عليها التقصير و لا حلق عليها، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم، كما في الذخيرة «3»، بل هو موضع وفاق بين العلماء، كما في المدارك «4»، بل بالإجماع كما عن التحرير و المنتهى و في المفاتيح و شرحه «5»، بل يحرم الحلق عليها، إجماعا كما عن المختلف و غيره «6»، للنبويّ و المرتضويّ، المنجبرين بما مرّ:

الأول: «ليس على النساء حلق، إنّما على النساء التقصير» «7».

و الثاني: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها» «8».

و حسنة الحلبي: «ليس على النساء حلق، و عليهنّ التقصير» «9».

المسألة الرابعة: الظاهر كفاية المسمّى في كلّ من الحلق و التقصير،

لإطلاق النصوص.

______________________________

(1) التذكرة 1: 390.

(2) الفقيه 2: 139- 597، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 11.

(3) الذخيرة: 681.

(4) المدارك 8: 91.

(5) التحرير 1: 108، المنتهى 2: 763، المفاتيح 1: 361.

(6) المختلف: 308، كشف اللثام 1: 373.

(7) سنن الدارمي 2: 64، سنن أبي داود 2: 203- 1984.

(8) سنن النسائي 8: 130.

(9) التهذيب 5: 390- 1364، الوسائل 13: 511 أبواب التقصير ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 377

و يستحبّ أن يكون تقصير المرأة قدر أنملة، لمرسلة ابن أبي عمير:

«تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها قدر أنملة» «1».

و الأكثر حملوها على الندب، لقصورها عن إثبات الوجوب.

و لمرسلة الفقيه: «يكفيها في التقصير مثل طرف الأنملة» «2».

و لا يجب أن يكون بالمقراض و لا بالحديد، بل يكفي لو وقع بالسنّ أو الظفر أو غيرهما، كما مرّ في تقصير العمرة.

و يستحبّ في الحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن، لرواية الحسن بن مسلم «3»، و صحيحة ابن عمّار «4»، و أن يحلق إلى العظمين، لرواية غياث بن إبراهيم «5».

المسألة الخامسة: من ليس على رأسه شعر

- إمّا خلقة، كالأقرع، أو لحلقه في إحرام العمرة- يمرّ الموسى على رأسه إجماعا.

لرواية أبي بصير: عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال:

«عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 244- 824، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.

(2) الفقيه 1: 194- 908، الوسائل 13: 512 أبواب التقصير ب 5 ح 4.

(3) الكافي 4: 439- 5، التهذيب 5: 244- 825، الوسائل 13: 516 أبواب التقصير ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 5: 244- 826، الوسائل 14: 228 أبواب الحلق و التقصير ب 10

ح 1.

(5) الكافي 4: 503- 10، التهذيب 5: 244- 827، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق و التقصير ب 10 ح 2.

(6) التهذيب 5: 158- 525، الاستبصار 2: 242- 842، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 378

و رواية زرارة: إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس و لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له أبو عبد اللّه عليه السلام، فأمر أن يلبّى عنه و يمرّ الموسى على رأسه، فإنّ ذلك يجزئ عنه «1».

و في رواية الساباطي: عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: «يذبح و يعيد الموسى، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «2»» «3».

و هل ذلك على سبيل الاستحباب؟ كما عن الأكثر «4»، و عن الخلاف الإجماع عليه «5»، لضعف الروايات سندا و دلالة على الوجوب.

أو الوجوب؟ لأنّه الظاهر من الأمر في الروايات، سيّما رواية زرارة المتضمّنة لأمره عليه السلام، و قيل بالوجوب على من حلق رأسه في العمرة و الاستحباب للأقرع «6»، و لا دليل له.

أقول: المراد بالاستحباب: إمّا كونه أفضل فردي المخيّر من الحلق و التقصير، كما كان أصل الحلق كذلك و معه يسقط التقصير، أو استحبابه بنفسه و إن وجب حينئذ التقصير أيضا لتعيّن الفرد الآخر إذا تعذّر أحدهما.

و كذلك المراد بالوجوب: إمّا كونه أحد فردي الواجب المخيّر فيسقط التقصير، أو وجوبه بنفسه و إن وجب التقصير.

______________________________

(1) الكافي 4: 504- 13، التهذيب 5: 244- 828، الوسائل 14: 230 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح 3.

(2) البقرة: 196.

(3) التهذيب 5: 485- 1730، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح

3.

(4) كما في المدارك 8: 98، الذخيرة: 682.

(5) الخلاف 2: 331.

(6) انظر المسالك 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 379

الظاهر من قوله في رواية زرارة: «فإنّ ذلك يجزئ عنه» أحد الأولين، بل هو الظاهر من قوله: «حين يريد أن يحلق» في الرواية الاولى، و من التعليل في الأخيرة، مضافا إلى استبعاد استحباب ذلك أو وجوبه مع التقصير، مع عدم كون نفس الحلق كذلك، فالوجه هو أحد الأولين.

و هل هو على الاستحباب كما في الحلق، أو الوجوب؟

الظاهر: الأول، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب دلالة، سوى رواية زرارة، و هي و إن أفادت الوجوب، و لكنّها لكونها قضيّة في واقعة يحتمل أن لم يمكن في حقّه التقصير، لعدم شعر له أو كان صرورة أو ملبّدا أو معقوصا، فإنّه يتعيّن حينئذ إمرار الموسى مع عدم إمكان الحلق، مضافا إلى الاستبعاد المذكور.

المسألة السادسة: يجب أن يكون الحلق أو التقصير بمنى،

حتى لو رحل قبله عمدا أو جهلا أو نسيانا وجب عليه العود إليه للحلق أو التقصير، بلا خلاف كما قيل «1»، و في المدارك: أنّه مما قطع به الأصحاب «2»، و عن المدارك و المنتهى: أنّه موضع وفاق «3»، و في المفاتيح و شرحه: أنّه إجماع «4»، و الظاهر أنّه كذلك، فهو الدليل على الحكمين، مضافا إلى رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة الاولى «5».

و أمّا حسنة مسمع: عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر،

______________________________

(1) في الذخيرة: 682.

(2) المدارك 8: 95.

(3) المدارك 8: 95، المنتهى 2: 762.

(4) المفاتيح 1: 361.

(5) الكافي 4: 502- 5، التهذيب 5: 241- 813، الاستبصار 2: 285- 1012، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 380

قال: «يحلق رأسه

إذا ذكر في الطريق أو أين كان» [1].

و رواية أبي بصير: في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه، قال:

«يحلقه بمكّة، و يحمل شعره إلى منى، و ليس عليه شي ء» «1».

فمحمولتان على من لم يتمكّن من العود، لاختصاص الرواية بالمتمكّن قطعا، فهي في قوّة الخاص، مع أنّه لولاه لزم طرح إطلاق الحسنة، لمخالفتها لعمل الأصحاب.

و لو تعذّر العود وجب الحلق أو التقصير حيث تذكّر و تمكّن، بلا إشكال كما في المدارك «2»، و بلا خلاف كما في شرح المفاتيح و غيره «3»، لإطلاقات وجوب أحدهما، و وجوب كونه بمنى مع التمكّن لا يوجب سقوطه مع عدمه، و تؤيّده حسنة مسمع المذكورة.

و يترجّح حينئذ بعث شعره إلى منى بلا خلاف يعلم، له، و للأخبار، منها: رواية أبي بصير المذكورة.

و الأخرى: عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى، قال: «ما يعجبني أن يلقي شعره إلّا بمنى، و لم يجعل عليه شيئا» «4».

و قريبة منها رواية الكناني «5».

______________________________

[1] التهذيب 5: 241- 814، الاستبصار 2: 285- 1013، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 2. و فيها: «يحلق في الطريق أو أين كان».

______________________________

(1) التهذيب 5: 242- 817، الاستبصار 2: 286- 1016، المقنع: 89، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 7.

(2) المدارك 8: 96.

(3) انظر الرياض 1: 402.

(4) التهذيب 5: 242- 818، الاستبصار 2: 286- 1017، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 6.

(5) الكافي 4: 503- 8، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 381

و صحيحة البختري: في الرجل يحلق رأسه بمكّة، قال: «يردّ الشعر إلى

منى» «1».

و ابن عمّار: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، و يقول: كانوا يستحبّون ذلك» «2».

و صحيحة أبي بصير: في الرجل يوصي أن يذبح عنه و يلقي هو شعره بمكة، قال: «ليس له أن يلقي شعره إلّا بمنى». «3»

و قد يستدلّ عليه أيضا ببعض الأخبار الآمرة بالرجوع و إلقاء الشعر بمنى «4»، و هي خارجة عن المورد، لأنّ الكلام في تعذّر الرجوع، و معه فلا كلام، و حينئذ يمكن أن يكون الإلقاء كناية عن الحلق أو التقصير.

و هل البعث واجب مطلقا، كما هو ظاهر الشرائع «5»، و عن الشيخ في النهاية «6»؟

أو مع العمد في الخروج عن منى، كما عن المختلف «7»؟

أو يستحبّ مطلقا، كصريح النافع و المنتهى «8» و غيرهما «9»، و ظاهر

______________________________

(1) الكافي 4: 503- 9، التهذيب 5: 242- 816، الاستبصار 2: 286- 1015، الوسائل 14: 219 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 5: 242- 815، الاستبصار 2: 286- 1014، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 5.

(3) الفقيه 2: 300- 1495، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 4.

(4) الوسائل 14: 217 و 219 أبواب الحلق و التقصير ب 5 و 6.

(5) الشرائع 1: 265.

(6) النهاية: 263.

(7) المختلف: 308.

(8) النافع: 92، المنتهى 2: 764.

(9) كالرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 382

القواعد «1» و غيره «2»؟

الحقّ هو: الأخير، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب، حتى صحيحة أبي بصير الأخيرة، لعدم صراحة قوله: «ليس له» في الوجوب، مع عدم خلوّها عن نوع إجمال من جهة مرجع الضمير في قوله: «هو» و قوله: «له»، و عدم تعيّن الشعر أنّه

من الحلق أو التقصير في الحجّ أو العمرة أو عن غير ذلك.

و لو تعذّر البعث سقط إجماعا كما قيل «3».

و يستحبّ دفن الشعر بمنى، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و رواية أبي شبل: «إنّ المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثمَّ دفنه جاء يوم القيامة و كأنّ كلّ شعرة لها لسان طلق تلبّي باسم صاحبها» «4».

و ظاهرهما عدم اختصاص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى و بعث شعره إليها، بل يستحبّ للجميع، و هو كذلك.

و القول بوجوب الدفن- كما حكي عن الحلّي «5»- نادر ضعيف، خال عن الدليل.

المسألة السابعة: قيل: المشهور أنّه يجب أن يكون الحلق أو التقصير للحاجّ يوم النحر «6»،

لرواية البصري: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم

______________________________

(1) القواعد 1: 89.

(2) كالدروس 1: 453.

(3) حكاه في الرياض 1: 402، و استظهر في الذخيرة: 682 عدم الخلاف فيه.

(4) الكافي 4: 502- 1، الفقيه 2: 139- 596، المقنع: 89، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 3، بتفاوت يسير.

(5) حكاه عنه في الرياض 1: 402، و هو في السرائر 1: 601.

(6) المدارك 8: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 383

النحر يحلق رأسه» «1».

و في دلالتها على الوجوب نظر، و وجوب أخذ المناسك عنه يفيد لو علم كون ذلك أيضا من المناسك.

و يعاضد الوجوب أيضا بعض الأخبار المتضمّنة لحلّية كلّ شي ء يوم النحر إلّا النساء، كصحيحة محمّد بن حمران «2»، فإنّه لو لا تلازم الحلق و يوم النحر لم يصحّ ذلك على الإطلاق، إلّا أنّه لا يصلح دليلا، لجواز أن يكون ذلك لاستحبابه و تعارفه، و إلّا فالوجوب أيضا لا يستلزم الفعلية.

و عن الحلبي و التذكرة و المنتهى «3»: جواز تأخيره إلى آخر أيّام التشريق بعد أن يقدّمه على الطواف، للأصل. و هو الأقوى،

لذلك.

المسألة الثامنة: قال جماعة بوجوب تأخيره عن الذبح و الرمي «4»،

و قد مرّ تحقيقه، و أنّ الأقوى الاستحباب.

المسألة التاسعة: قالوا: يجب أن يكون الحلق أو التقصير قبل زيارة البيت لطواف الحجّ و السعي،
اشاره

و في المدارك نفي الريب عنه «5»، و في الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا صريحا «6»، و هو كذلك.

إلّا أنّ جماعة- منهم الحلّي في السرائر «7»- لم يصرّحوا بوجوب

______________________________

(1) الكافي 4: 502- 3، الوسائل 14: 214 أبواب الحلق و التقصير ب 1 ح 12.

(2) التهذيب 5: 247- 835، الاستبصار 2: 289- 1024، الوسائل 14: 236 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 1.

(3) الحلبي في الكافي: 201، التذكرة 1: 390، المنتهى 2: 765، نقله عنهم في المفاتيح 1: 361.

(4) انظر الشرائع 1: 265، المنتهى 2: 764، و المدارك 8: 101.

(5) المدارك 8: 92.

(6) الذخيرة: 681.

(7) السرائر 1: 601.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 384

ذلك، و اكتفوا بوجوب الدم لو أخّره عنها.

و ظاهر الذخيرة التشكيك في وجوبه، بل جعل عدم وجوبه مقتضى كلام الجماعة «1».

و جعله بعض مشايخنا هو الظاهر من الأخبار، و إن صرّح أخيرا: بأنّه لا خروج عمّا عليه الأصحاب «2».

و مراده من الأخبار: صحيحتا جميل «3» و ابن حمران «4»، و رواية البزنطي المتقدّمة «5» في مسألة ترتيب هذه المناسك الثلاثة، و الصحيحة الآتية المتضمّنة للفظ: «لا ينبغي» الظاهر في الاستحباب، و رواية أبي بصير التي تأتي الإشارة إليها «6»، و الأخبار الكثيرة المجوّزة لتقديم الطواف على الخروج إلى منى «7»، كما يأتي في مسألة وجوب تأخير الطواف عن الوقوفين.

و لا ينافيه إيجاب الدم على من أخّره عنها في بعض الأخبار «8» كما يأتي، أمّا لإمكان حمله على الاستحباب كما قيل «9»، أو لعدم اقتضاء

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 681.

(2) كما في الرياض 1: 402.

(3) الكافي 4: 504- 1، التهذيب 5: 236- 797، الوسائل 14: 155

أبواب الذبح ب 39 ح 4.

(4) التهذيب 5: 240- 810، الوسائل 14: 215 أبواب الحلق و التقصير ب 2 ح 2.

(5) الكافي 4: 504- 2، التهذيب 5: 236- 796، الاستبصار 2: 284- 1008، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.

(6) في: ج 13 ص 14.

(7) الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحج ب 13.

(8) الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.

(9) الرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 385

وجوب الدم مع التأخير على وجوب التقديم، لجواز التخيير بين التقديم بلا دم و التأخير مع الدم.

و قال في الذخيرة: لم أطّلع على خبر تتّضح دلالته على الوجوب «1».

أقول: تدلّ على وجوب تقديم التقصير على الطواف صحيحة الأعرج «2»، و بعض ما تقدّمها «3» من الروايات المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات الوقوف، المتضمّنة للفظة: «ثمَّ» الدالّة على الترتيب، إلّا أنّه تعارضها صحيحتا جميل و ابن حمران و رواية البزنطي و سائر الأخبار المشار إليها.

و يمكن لأجلها حمل الترتيب فيها على الاستحباب، إلّا أنّ مخالفة الأخبار المجوّزة لتقديم الطواف مطلقا للشهرة العظيمة- التي كادت أن تكون إجماعا، بل هي إجماع عند التحقيق- تمنع عن العمل بإطلاقها حتى في غير المعذور أيضا، و مع ذلك يخالف العامّة أيضا كما قيل «4».

و على هذا، فالأقرب وجوب تقديم الحلق على الطواف.

ثمَّ لو قدّم الطواف على الحلق أو التقصير، فإن كان عمدا لزمه دم شاة فيما قطع به الأصحاب كما قيل «5»، و عزاه في الدروس إلى الشيخ و أتباعه «6»، لصحيحة محمّد: في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أنّ ذلك لا ينبغي [له ] فإنّ عليه

دم

______________________________

(1) الذخيرة: 681.

(2) الكافي 4: 474- 7، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 2.

(3) الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39.

(4) انظر الرياض 1: 402.

(5) الحدائق 17: 248، الذخيرة: 681.

(6) الدروس 1: 454.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 386

شاة» «1» و هل عليه إعادة الطواف؟

ظاهر الشيخ و أتباعه كما في الدروس «2»، و مع الصدوق كما في الذخيرة «3»، بل ظاهر الأكثر كما ذكره الفاضل الهندي «4»، و صريح الصيمري كما حكي عنه «5»: عدم الوجوب.

لظاهر الصحيحة المذكورة، و ظاهر رواية أبي بصير الثانية، المتقدّمة في المسألة السادسة، المصرّحة بقوله: «و ليس عليه شي ء» «6».

و عن جماعة من المتأخّرين- منهم الشهيد الثاني في الروضة «7»، مدّعيا عليه الإجماع-: الوجوب.

لصحيحة ابن يقطين: عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصّر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل، ما حالها؟ و ما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: «لا بأس به يقصّر و يطوف للحجّ ثمَّ يطوف للزيارة، ثمَّ قد أحلّ من كلّ شي ء» «8».

أقول: إثبات أحد القولين من الأخبار مشكل.

______________________________

(1) الكافي 4: 505- 3، الوسائل 14: 238 أبواب الحلق و التقصير ب 15 ح 1. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الدروس 1: 454.

(3) الذخيرة: 681.

(4) في كشف اللثام 1: 374.

(5) حكاه عنه في الرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    387     المسألة التاسعة: قالوا: يجب أن يكون الحلق أو التقصير قبل زيارة البيت لطواف الحج و السعي، ..... ص : 383

(6) التهذيب 5: 242- 817، الاستبصار 2: 286- 1016، المقنع: 89، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 7.

(7) الروضة 2: 309.

(8) التهذيب 5: 241-

811، الوسائل 14: 217 أبواب الحلق و التقصير ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 387

أمّا الأول: فلأنّ عدم الذكر في الصحيحة لا يدلّ على العدم، و كونه مقام الحاجة ممنوع، لجواز كون ذلك معلوما للسائل بوجه آخر. و أمّا الرواية فلجواز كون نفي الشي ء لعدم حلقه بمنى.

و أمّا الثاني: فلقصور الصحيحة عن إثبات الوجوب.

و الصواب: البناء في ذلك على وجوب التقديم و عدمه، فإن وجب وجبت الإعادة، لكون ما أتى به منهيّا عنه، لكونه ضدّ الواجب- الذي هو تأخير الطواف- و النهي موجب للفساد، و إلّا لم تجب، للأصل.

و إن كان ناسيا لم يجب عليه دم، للأصل.

و المعروف من مذهب الأصحاب- كما في المدارك و الذخيرة «1»- وجوب إعادة الطواف عليه، لصحيحة ابن يقطين المتقدّمة، و قد عرفت ضعف دلالتها على الوجوب.

و ظاهر الشرائع «2» و المحكيّ عن المختلف و الصيمري «3» وجود الخلاف فيه، و حكي الخلاف عن الصدوق أيضا «4»، و القول بعدم وجوب الإعادة، و هو مقتضى الأصل، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

و الجاهل كالناسي في عدم وجوب الدم بلا خلاف يظهر، و في وجوب الإعادة عند طائفة «5»، و قالت طائفة أخرى بعدم الوجوب «6»، و هو الأظهر، لما مرّ.

______________________________

(1) المدارك 8: 93، الذخيرة: 681.

(2) الشرائع 1: 265.

(3) في الرياض 1: 403.

(4) حكاه عنه في الرياض 1: 403، و هو في الفقيه 2: 301.

(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 119، صاحب المدارك 8: 94.

(6) منهم الصدوق في المقنع: 89، صاحب الحدائق 17: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 388

و في وجوب إعادة السعي- لو كان أتى به، حيث تجب إعادة الطواف- قولان، الأقوى هو:

الأول، لما مرّ في بحث السعي من وجوب إعادته لو قدّمه على الطواف.

ثمَّ إنّ ما ذكر إنّما هو في المتمتّع، و أمّا القارن و المفرد فيجوز له تقديم الطواف، كما يأتي بيانه في بيان مناسكه بعد الرجوع إلى مكّة.

فرع: قال في الذخيرة: و لو قدّم الطواف على الذبح أو على الرمي،

ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير وجهان «1». و نحوه في المدارك «2»، و زاد في آخره: و أحوطهما ذلك.

أقول: أمّا في الدم، فلا دليل على اللحوق، و لا وجه للاحتياط به.

و أمّا في الإعادة، فلو كان ثبت وجوب التقديم على الحلق أو الطواف كان لها مطلقا- أو مع العمد- وجه، و لكن لم يثبت شي ء منهما.

و أمّا في وجوب الترتيب و عدمه، فيمكن الاستدلال للوجوب ببعض الأخبار المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات منى «3».

و تعارضها صحيحتا جميل و ابن حمران، و رواية البزنطي، و بعض الأخبار الأخر المتقدّمة إليها الإشارة «4»، و لكن العمل بها على الإطلاق- لما ذكر من مخالفة الشهرة و موافقة العامّة- مشكل، فالأقرب وجوب الترتيب.

و الحكم في الناسي و الجاهل كما مرّ.

______________________________

(1) الذخيرة: 682.

(2) المدارك 8: 94.

(3) راجع ص: 302، 303.

(4) في ص: 303، 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 389

خاتمة فيما يحلّ له من محرّمات الإحرام بعد الحلق أو التقصير
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا فرغ المتمتّع من مناسكه الثلاثة-
اشاره

الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير- يحلّ له كلّ شي ء أحرم منه، إلّا الطيب و النساء، وفاقا لتصريح المبسوط و النهاية و السرائر و الوسيلة و الجامع «1»، و ظاهر المحكيّ عن التهذيب و الاستبصار و عن الإسكافي و الخلاف و المختلف «2».

لصحيحة محمّد بن حمران: عن الحاج يوم النحر ما يحلّ له؟ قال:

«كلّ شي ء إلّا النساء»، و عن المتمتّع ما يحلّ له يوم النحر؟ قال: «كلّ شي ء إلّا النساء و الطيب» «3».

و قويّة عمر بن يزيد: «اعلم أنّك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شي ء إلّا النساء و الطيب» «4».

و الصحيح المرويّ في السرائر عن نوادر البزنطي: المتمتّع ما يحلّ له

______________________________

(1) المبسوط 1: 376، النهاية: 263، السرائر 1: 601، الوسيلة: 187، الجامع للشرائع: 216.

(2) التهذيب 5: 245، الاستبصار 2: 287، حكاه عنه في المختلف: 308، الخلاف 2: 348، المختلف: 308.

(3) التهذيب 5: 247- 835، الاستبصار 2: 289- 1024، الوسائل 14: 236 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 1، و فيهما: عن الحاجّ غير المتمتّع يوم النحر.

(4) التهذيب 5: 245- 831، الاستبصار 2: 287- 1020، الوسائل 14: 233 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 390

إذا حلق رأسه؟ قال: «كلّ شي ء إلّا النساء و الطيب» «1».

و تؤيّد عدم حلّية الطيب له صحيحة منصور: عن رجل رمى و حلق أ يأكل شيئا فيه صفرة؟ قال: «لا، حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة، ثمَّ قد حلّ له كلّ شي ء إلّا النساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر، ثمَّ قد حلّ له النساء» «2».

و صحيحة العلاء: تمتّعت يوم ذبحت و حلقت، أ فألطّخ رأسي

بالحنّاء؟ قال: «نعم، من غير أن تمسّ شيئا من الطيب»، قلت: أ فألبس القميص؟ قال: «نعم، إذا شئت»، قلت: أ فأغطّي رأسي؟ قال: «نعم» «3».

و قريبة منها صحيحته الأخرى، و قد زاد في آخرها: قلت: قبل أن أطوف بالبيت؟ قال: «نعم» «4».

و الروايتان الأخيرتان تدلّان على أنّه جعل «5» له لبس المخيط و تغطية الرأس أيضا.

و تدلّ على حلّية التغطية أيضا موثّقة يونس: المتمتّع يغطّي رأسه إذا حلق؟ فقال: «يا بنيّ، حلق رأسه أعظم من تغطيته إيّاه» «6».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 32- 31، الوسائل 14: 238 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 4.

(2) التهذيب 5: 245- 829، الاستبصار 2: 287- 1018، الوسائل 14: 232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 5: 245- 830، الاستبصار 2: 287- 1019، الوسائل 14: 233 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 3.

(4) التهذيب 5: 247- 836، الاستبصار 2: 289- 1025، الوسائل 14: 233 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 5.

(5) في «س»: حلّ.

(6) الكافي 4: 505- 2، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 391

و قد دلّت أخبار أخر أيضا على حلّية كلّ شي ء- غير بعض المذكورات- له، و على بقاء حرمة النساء له «1».

و المعارض لأخبارنا ثلاثة أصناف من الأخبار:

أحدها: ما دلّ على عدم جواز لبس المخيط و تغطية الرأس من الأخبار «2»، و هي على الكراهة محمولة، كما يأتي.

و ثانيها: ما دلّ على حلّية الطيب له أيضا، كصحيحة سعيد بن يسار:

عن المتمتّع إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطليه بالحنّاء؟ قال: «نعم، الحنّاء و الثياب و الطيب و كلّ شي ء إلّا النساء»، ردّدها

عليّ مرتين أو ثلاثا، و قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام، فقال: «نعم، الحنّاء و الثياب و الطيب و كلّ شي ء إلّا النساء» «3».

و صحيحة البجلي، و هي طويلة، و في آخرها: فقال: يا أبه، إنّ موسى أكل خبيصا [1] فيه زعفران و لم يزر بعد: فقال أبي: «هو أفقه منك، أ ليس قد حلقتم رؤوسكم؟!» «4».

و الخزّاز: رأيت أبا الحسن عليه السلام بعد ما ذبح حلق، ثمَّ ضمّد رأسه بمسك، ثمَّ زار البيت و عليه قميص و كان متمتّعا «5».

______________________________

[1] الخبيص: هو طعام معمول من التمر و الزبيب و السمن- مجمع البحرين 4:

167.

______________________________

(1) الوسائل 14: 232 أبواب الحلق و التقصير ب 13.

(2) انظر الوسائل 14: 240 أبواب الحلق و التقصير ب 18.

(3) الكافي 4: 505- 1، التهذيب 5: 245- 832، الاستبصار 2: 287- 1021، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 7، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 506- 4، التهذيب 5: 246- 833، الاستبصار 2: 288- 1022، الوسائل 14: 237 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 3.

(5) الكافي 4: 505- 3، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 392

و ابن عمّار: «سئل ابن عبّاس: هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتطيّب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضمّد رأسه بالمسك قبل أن يزور» «1».

و موثّقة إسحاق: عن المتمتّع إذا حلق رأسه ما يحلّ له؟ قال: «كلّ شي ء إلّا النساء» «2».

و لكن لا يعلم من الأصحاب من عمل بهذه الأخبار و أحلّ الطيب له، صرّح بذلك في الذخيرة أيضا «3»، و على هذا

فتكون شاذّة يجب طرحها، و مع ذلك مرجوحة بالنسبة إلى معارضاتها، لموافقتها لأكثر العامّة، كالشافعي و أحمد و أبي حنيفة و غيرهم «4».

و تومئ إليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، مضافا إلى كون صحيحتي البجلي و ابن عمّار قضية في واقعة، فلعلّه كان في غير التمتّع.

و دلالة الموثّقة بالعموم المطلق بالنسبة إلى ما مرّ، فيجب التخصيص بغير الطيب.

و نسخ الصحيحة الأولى مختلفة، ففي بعضها لا يوجد قوله: قبل أن يزور، فيحصل لها العموم أيضا.

و ثالثها: ما يدلّ على حرمة الصيد له أيضا، و هي صحيحة ابن عمّار:

«إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا

______________________________

(1) التهذيب 5: 246- 834، الوسائل 14: 237 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 2.

(2) الكافي 4: 506- 5، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 8.

(3) الذخيرة: 683.

(4) المغني و الشرح الكبير 3: 470، بدائع الصنائع 2: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 393

النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا الصيد» «1».

فإنّها تدلّ على بقاء حرمة الصيد بعد المناسك الثلاثة أيضا، و عمل بها جماعة من الأصحاب، منهم: الشرائع و النافع و الإرشاد «2» و غيرها «3»، و نسبه في المدارك إلى أكثر الأصحاب «4».

و قيل: فيه نظر، لإطلاق أكثر الأصحاب أنّه يحلّ له كل شي ء إلّا الطيب و النساء «5». انتهى.

و استدلوا له بالصحيحة المذكورة مضافة إلى الاستصحاب، و ظاهر قوله سبحانه لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «6»، حيث إنّ الإحرام يتحقّق بحرمة الطيب

و النساء أيضا، و لكونه في الحرم.

أقول: يمكن الجواب أمّا عن الصحيحة: فبأنّه لا كلام في حرمة الصيد بعد طواف النساء و الحلق أيضا من جهة الحرم، و إنّما الكلام في حرمته من جهة الإحرام، و تظهر الفائدة في أكل لحم الصيد، و الصحيحة لا تدلّ إلّا على حرمته، لا على أنّه من جهة الإحرام.

و لا يصير الاستثناء منقطعا كما قد يتوهّم، لأنّ الصيد أيضا ممّا أحرم منه، غاية الأمر أنّ جهة حرمته أيضا ليست نفس الإحرام، و لكن ذلك لا يخرجه عن كونه ممّا أحرم منه، و لا عن أصل الحرمة.

______________________________

(1) الفقيه 2: 302- 1501، الوسائل 14: 232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 1.

(2) الشرائع 1: 265، النافع 1: 92، الإرشاد 1: 335.

(3) كالحدائق 17: 259.

(4) المدارك 8: 102.

(5) انظر الرياض 1: 403.

(6) المائدة: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 394

و بالجملة: لا دلالة للصحيحة على حرمته الإحراميّة حتى تعارض ما مرّ، و لا أقلّ من الاحتمال المسقط للمعارضة.

هذا، مع ما فيها من الشذوذ المخرج عن الحجيّة، لعدم قول يعرف بين الأصحاب بحرمة الصيد الإحراميّ، بعد طواف النساء.

و أمّا عن الاستصحاب: فباندفاعه بما مرّ.

و أمّا عن الآية: فبمنع كونه محرما، فإنّ المراد بالمحرم ليس من حرم عليه شي ء، بل من تحرم عليه الأمور المخصوصة التي ارتفعت حرمة أكثرها، فلا يمكن استصحاب المحرّمية أيضا، لتغيّر الموضوع.

فرع: قد ذكرنا حصول التحلّل عن غير الأمرين بالفراغ عن المناسك الثلاثة.

و هل يتوقف التحلّل عليها، كما هو ظاهر من علّق التحلّل بالفراغ عن مناسك منى، كما في النافع «1»، و عن جماعة أخرى «2»؟

أو يترتّب التحلّل بالحلق أو التقصير خاصة، كما في الكتب السبعة الأولى المذكورة في صدر المسألة، و في الشرائع و الإرشاد «3»؟

و عن

العماني و المقنع و التحرير و المنتهى و التذكرة: الترتّب على الرمي و الحلق [1].

______________________________

[1] حكاه عن العماني في المختلف: 308، و عن البقية في كشف اللثام 1: 374.

المقنع: 90 و فيه: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب. التحرير 1: 109، المنتهى 2: 765، التذكرة 1: 391 و فيهما: إذا حلق أو قصر حلّ له كل شي ء أحرم منه إلّا النساء ..

______________________________

(1) النافع 1: 92.

(2) كما في التنقيح 1: 498، الرياض 1: 403.

(3) راجع ص: 389، الشرائع 1: 265، الإرشاد 1: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 395

و عن ابني بابويه: على الرمي «1».

و قيل: برجوع القول الثاني و الثالث إلى الأول، حيث إنّ المتعارف في الحلق وقوعه بعد الرمي و الذبح «2».

و كيف كان، دليل الأول: أنّه المراد من الأخبار، حملا للحلق على الغالب المتعارف من كونه بعد النسكين الآخرين، بل على أصله عند من أوجب الترتيب، بل يمكن كون التعارف قرينة على إرادة ذلك.

دليل الثاني: أكثر الأخبار المتقدّمة المعلّقة للحلّية على الحلق خاصّة «3».

و دليل الثالث: صحيحة منصور المتقدّمة «4».

و حجّة الرابع: المرويّ عن قرب الإسناد: «إذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ لك كلّ شي ء حرم عليك إلّا النساء» «5».

أقول: يردّ دليل الأخير بالضعف، و الشذوذ، و معارضته الأخبار الغير العديدة.

و دليل ما قبله: بأنّ الرمي و الحلق في الصحيحة إنّما ورد في السؤال، و هو غير كاف لإثبات التعليق.

و دليل ما قبله: بأنّ الحكم و إن علّق في أكثر الأخبار بما بعد الحلق، إلّا أنّا قد أثبتنا في الأصول: أنّ حمل اللفظ على مقتضى أصل الحقيقة إنّما

______________________________

(1) الفقيه 2: 328، حكاه

عنه و عن أبيه في المختلف: 308.

(2) الذخيرة: 684.

(3) راجع ص: 389، 390.

(4) في ص: 392.

(5) قرب الإسناد: 108- 370، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 396

هو إذا لم يكن هناك ما يصلح لأن يكون قرينة للتجوّز، و أمّا معه فلا يجري على أصل الحقيقة، بل إن علم كون ذلك الأمر قرينة يحمل على التجوّز، و إن صلح لها يتوقّف و يعمل بالأصل، و الأصل هنا مع عدم التحلّل إلّا بعد الثلاثة.

و مع ذلك تعارض تلك الأخبار بمفهوم صحيحة ابن عمّار الأخيرة «1»، الدالّة على عدم التحلّل بدون الذبح، و يلزمه بدون الرمي أيضا بالإجماع المركّب، و بما يأتي من المرويّ في بصائر الدرجات [1].

فإذن الأقرب هو: القول الأول، و إليه المعوّل.

المسألة الثانية: إذا طاف المتمتّع طواف الحجّ و سعى بين الصفا و المروة أحلّ من الطيب أيضا،

بلا خلاف يعلم، لصحيحتي منصور و ابن عمّار المتقدّمتين.

و رواية المروزي: «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة [متمتّعا] فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة و قصّر، فقد حلّ له كلّ شي ء ما خلا النساء، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافا و صلاة» «2».

و صحيحة أخرى لابن عمّار الطويلة في زيارة البيت يوم النحر، و في آخرها: «ثمَّ اخرج إلى الصفا، فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة» إلى أن قال: «فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء أحرمت منه إلّا النساء» الحديث «3».

______________________________

[1] التهذيب 5: 162- 544، الاستبصار 2: 244- 853، الوسائل 13: 444 أبواب الطواف ب 82 ح 7. و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 398.

(2) انظر ص: 396.

(3) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853،

الاستبصار 2: 292- 1037، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 397

و أمّا صحيحة محمّد بن إسماعيل: هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال: «لا» «1».

فمحمولة على الجواز بالمعنى الأخصّ، كما ذكره في التهذيبين «2» بقرينة ما مرّ، و لولاه لطرحت بالشذوذ.

و مقتضى الصحاح المذكورة: عدم التحلّل بالطواف خاصّة، و هو المشهور كما قيل «3».

و ظاهر بعض العبارات- و منها: الشرائع و النافع و المنتهى «4»- عدم توقّف التحلّل على السعي، للخبرين.

في أحدهما: «إذا كنت متمتّعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت» «5».

و الآخر المرويّ في بصائر الدرجات، الآتي ذكره.

و جوابه: أنّ التعارض بين مفهوم غاية الخبرين و مفهوم شرط الصحاح بالعموم من وجه، فإن رجّحنا الصحاح بالصحّة و الأكثرية و الأشهرية، و إلّا فيرجع إلى استصحاب الحرمة.

و هل يتوقّف هذا التحليل على صلاة الطواف؟

قيل: لا، لإطلاق النصّ، و الفتوى «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 248- 839، الاستبصار 2: 290- 1029، الوسائل 14: 242 أبواب الحلق و التقصير ب 19 ح 1.

(2) التهذيب 5: 248، الاستبصار 2: 290.

(3) في الرياض: 1: 403.

(4) الشرائع 1: 265، النافع: 92، المنتهى 2: 766.

(5) التهذيب 5: 298- 1009، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 12.

(6) انظر الرياض 1: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 398

و فيه: أنّ الإطلاق إنّما يحكم به لو لا شيوع تقدّمها على السعي المتأخّر عنه التحليل، مضافا إلى دلالة رواية المروزي المتقدّمة «1» على التوقّف.

و كذا صحيحة ابن عمّار الأخيرة «2» على التوقّف، فإنّ فيها قبل ما نقلنا منها: «ثمَّ صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين» إلى

أن ساق الكلام إلى قوله عليه السلام:

«فإذا فعلت ذلك فقد أحللت» إلى آخره. فالأصحّ: التوقّف.

و لو قدّم الطواف و السعي على الوقوف أو مناسك منى- كما في القارن و المفرد مطلقا و المتمتّع للضرورة أو بدونها إن جوّزناه في بعضها- فهل يحصل ذلك التحلّل، أم لا؟

نقل في المدارك عن بعض الأصحاب: الأول «3»، و استوجهه شيخنا الشهيد الثاني- رحمه اللّه- و اختار هو عدمه «4».

للاستصحاب، و المرويّ في بصائر الدرجات، فإنّ فيه: «إذا أردت المتعة في الحجّ» إلى أن قال: «ثمَّ أحرمت بين الركن و المقام بالحجّ، فلا تزال محرما حتى تقف بالمواقف، ثمَّ ترمي و تذبح و تغتسل، ثمَّ تزور البيت، فإذا فعلت فقد أحللت» «5».

و لا تفيد الإطلاقات، لما ذكرنا من الشيوع المانع عن التمسّك به.

المسألة الثالثة: إذا طاف المتمتّع طواف النساء حلّت له النساء

______________________________

(1) في ص: 396.

(2) المتقدّمة في ص: 396.

(3) المدارك 8: 106.

(4) المسالك 1: 119.

(5) بصائر الدرجات: 533، الوسائل 11: 234 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 30، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 399

و جميع ما أحرم منه، و لم يبق بعد ذلك شي ء، إجماعا كما في المدارك «1»، بل على التحقيق، له، و للأخبار، كصحيحتي منصور «2» و ابن عمّار «3» المتقدّمتين.

و صحيحة ابن عمّار الأخيرة المنقول بعضها، و فيها- بعد ذكر: «ثمَّ أرجع إلى البيت»-: «فطف به أسبوعا آخر، ثمَّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم، ثمَّ قد أحللت من كلّ شي ء، و فرغت من حجّك كلّه و كلّ شي ء أحرمت منه» «4»، بل و كذا رواية المروزي السابقة «5» و غيرها «6».

و مقتضى الصحيحتين الأخيرتين: توقّف حلّية النساء على ركعتي هذا الطواف أيضا، و هو كذلك لذلك، وفاقا للمحكيّ عن الهداية و الاقتصاد

«7».

و خلافا لإطلاق أكثر الفتاوى، لإطلاق أكثر النصوص، و حمل صحيحة ابن عمّار على توقّف مجموع التحلّل و الفراغ من الحجّ عليها.

و فيه: أنّ رواية المروزي لا تقبل حملا، فبها تقيّد الإطلاقات.

و حكي عن العماني: حلّية النساء بالفراغ من السعي «8»، و هو خلاف الإجماع و النصوص المذكورة و غيرها.

و كما تحرم النساء على الرجال قبل طوافهم طواف النساء، فكذلك

______________________________

(1) المدارك 8: 106.

(2) المتقدّمة في ص: 390.

(3) المتقدّمة في ص: 392.

(4) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الاستبصار 2: 292- 1037، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

(5) في ص: 396.

(6) الوسائل 14: 236 أبواب الحلق و التقصير ب 14.

(7) الهداية: 65، الاقتصاد: 309.

(8) حكاه عنه في المختلف: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 400

الرجال تحرم عليهنّ قبل طوافهنّ، كما صرّح به جماعة «1».

لا لعموم قوله تعالى فَلا رَفَثَ الآية «2»، بضميمة كون الرفث هو الجماع و عدم الخروج عن الحجّ إلّا بطواف النساء، لدلالة الأخبار الصحيحة- كما يأتي- من خروج طواف النساء عن الحجّ.

و لا للإجماع المنقول، لعدم حجّيته.

بل للاستصحاب، و الأخبار، كصحيحة العلاء و البجلي و ابن رئاب و عبد اللّه بن صالح: «المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثمَّ حاضت» و ساق الحديث إلى أن قال: «ثمَّ طافت طوافا للحجّ، ثمَّ خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها» «3».

و رواية درست: متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم- إلى أن قال: «فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين، وسعت بين الصفا و المروة، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شي ء ما عدا

فراش زوجها» [1].

و رواية عجلان: «إذا اعتمرت المرأة ثمَّ اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة و طواف الحجّ و طواف النساء، ثمَّ أحلّت من كلّ شي ء» «4».

______________________________

[1] الكافي 4: 446- 2، التهذيب 5: 391- 1368، الاستبصار 2: 312- 1109، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 2. و في الجميع: عن درست الواسطي، عن عجلان أبي صالح ..

______________________________

(1) انظر المدارك 8: 107، الذخيرة: 684، الحدائق 17: 267.

(2) البقرة: 197.

(3) الكافي 4: 445- 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 447- 6، التهذيب 5: 394- 1374، الاستبصار 2: 314- 1115، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 401

المسألة الرابعة: ما ذكر إنّما هو في حقّ المتمتّع،

و أمّا القارن و المفرد فيتحلّلان بالحلق أو التقصير عن غير النساء مطلقا حتى الطيب، صرّح بذلك الشيخ في النهاية و المبسوط و الحلّي و ابن حمزة في الوسيلة «1»، و جمع آخر «2»، بل الأكثر، و في الذخيرة: أنّه المعروف بين الأصحاب «3».

و ظاهر إطلاق الأكثر عدم الفرق في ذلك بين أن يقدّما الطواف و السعي على باقي المناسك أم لا.

و قيّده في الدروس بصورة التقديم «4».

و عن الجعفي: التسوية بينهما و بين المتمتّع «5».

و سيأتي تحقيق المقام فيه إن شاء اللّه.

المسألة الخامسة: يكره للمتمتّع لبس المخيط و التقنّع

حتى يطوف للحجّ و يسعى، و الطيب حتى يطوف طواف النساء.

و تدلّ على الأول صحاح: محمّد «6»، و سعيد الأعرج «7»، و منصور «8»، و ابن عمّار عن إدريس القمّي «9».

______________________________

(1) النهاية: 263، المبسوط 1: 377، الحلي في السرائر 1: 601، الوسيلة: 187.

(2) انظر الدروس 1: 455، الحدائق 17: 258.

(3) الذخيرة: 684.

(4) الدروس 1: 455.

(5) حكاه عنه في الدروس 1: 455.

(6) التهذيب 5: 247- 837، الاستبصار 2: 289- 1026، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 2.

(7) الفقيه 2: 302- 1502، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 4.

(8) التهذيب 5: 248- 839، الاستبصار 2: 290- 1028، الوسائل 14: 240 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 1.

(9) التهذيب 5: 247- 838، الاستبصار 2: 289- 1027، المقنع: 90، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 402

و على الثاني: صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة في المسألة الثانية «1».

و إنّما حملت هذه الروايات على الكراهة لقرينة ما مرّ من الأخبار المخالفة لها، مضافة إلى قصور الأربعة الأولى عن

إفادة الحرمة، بل صحيحة منصور ظاهرة في عدمها.

و مورد الجميع المتمتّع خاصّة، بل في صحيحة الأعرج التصريح بعدم المنع في غيره، و كذا في الخبر المرويّ عن قرب الإسناد «2».

و ظاهر بعضهم الإطلاق، و لا وجه له معلوما كما قيل «3».

______________________________

(1) راجع ص: 397.

(2) قرب الإسناد: 108- 370، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 11.

(3) في الرياض 1: 400.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.