مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء ١١

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

كتاب الحجّ

اشاره

و تتبعه العمرة أو تدخل فيه، و فيه مقاصد:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 9

المقصد الأول في أنواعه

اشاره

(و أقسامه بحسب الحكم و شرائط كلّ منها، و ما يتعلّق به من هذه الجهة، و ينقسم كلّ من الحجّ و العمرة من هذه الجهة إلى قسمين:

واجب و ندب) [1]، فهاهنا أبواب ثلاثة:

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «س»: و شرائطها، و هو واجب و ندب، و كلّ منهما إمّا تمتع أو قران أو إفراد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 11

الباب الأول في الواجب من الحجّ

اشاره

و هو على قسمين: الواجب بأصل الشرع، و الواجب بالعارض، فهاهنا مطلبان:

المطلب الأول في الواجب بأصل الشرع
اشاره

و هو الذي يسمّى بحجّة الإسلام، و هو واجب على كلّ من اجتمعت فيه الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثى، بالكتاب «1» و السنّة «2» و إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين. و الكلام إمّا في أحكامه من جهة الوجوب، أو شرائطه من هذه الجهة، ففيه فصلان:

الفصل الأول في أحكامه
اشاره

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: الواجب على كل مستجمع للشرائط في تمام العمر مرّة واحدة،

بلا خلاف فيه بين المسلمين كما في التهذيبين «3»، بل

______________________________

(1) آل عمران: 96- 97.

(2) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 1.

(3) التهذيب 5: 16، الإستبصار 2: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 12

بإجماعهم كما في المعتبر و المنتهى و شرح المفاتيح «1» و غيرها «2»، و نسبه في التذكرة إلى عامّة أهل العلم «3»، للأصل، و الإجماع المحقّق، و قيل «4»:

بالنصوص المستفيضة من طرق الخاصّة و العامّة «5».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق في العلل، فأوجبه في المستجمع للشرائط في كلّ عام «6»، للمستفيضة المتضمّنة للصحيح و غيره «7»، لكنّها غير ناهضة لإثبات الحكم، لمخالفتها الإجماع، فهي إمّا مطروحة، أو على الاستحباب محمولة، أو على إرادة كلّ عام على البدليّة، أو على الوجوب كفاية، بمعنى: أنّه يجب أن لا يخلو بيت اللَّه من طائف أبدا، كما يستفاد من الأخبار المستفيضة أيضا «8».

المسألة الثانية: وجوبه فوري،

بمعنى: أنّه تجب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة و التمكّن، بلا خلاف فيه يعرف كما في الذخيرة «9»، بل بلا خلاف فيه بيننا كما عن السرائر «10»، بل بالإجماع كما في المنتهى و التذكرة و المدارك و المفاتيح و عن الناصريات و الخلاف و الروضة و شرح الجمل

______________________________

(1) المعتبر 2: 747، المنتهى 2: 642.

(2) كالرياض 1: 337.

(3) التذكرة 1: 296.

(4) كما في الرياض 1: 337.

(5) من طرق الخاصّة: كما في الوسائل 11: 19 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 3، و من طرق العامّة: كما في سنن ابن ماجة 2: 963- 2886، سنن أبي داود 2:

139- 1720.

(6) العلل: 405.

(7) كما في الوسائل 11: 16 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 2.

(8) انظر الوسائل 11: 20 أبواب وجوب الحج و شرائطه

ب 4.

(9) الذخيرة: 549.

(10) السرائر 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 13

للقاضي و شرح القواعد للمحقّق الثاني «1» و غيرها «2»، بل بالإجماع المحقّق، له، و للأخبار المستفيضة، كصحيحتي الحلبي «3» و المحاربي «4»، و غيرهما «5» من الروايات الكثيرة.

ثم لو عصى و أخّر عن أول العام يجب عليه فيما يليه كذلك و هكذا، بالإجماع.

و لو توقّف إدراك الحجّ على مقدّمات- من سفر و غيره- وجب الفور بها على وجه يدرك الحجّ كذلك، لوجوب مقدّمة الواجب.

و لو تعدّدت الرفقة في العام الواحد، فإن لم يتمكّن من المسير مع بعضها تعيّن الباقي قطعا، و إن احتمل المسير مع كل واحد منها يجوز التأخير إلى الأخير، وفاقا للمدارك «6»، لانتفاء الدليل على فوريّة المسير بهذا المعنى.

و قيل: يجب السير مع أولاها، فإن أخّر عنها و أدركه مع الثانية و إلّا كان كمؤخّره عمدا، اختاره في الروضة «7». و قال في الدروس بجواز التأخير مع الوثوق بالسفر مع غيرها «8». و لا دليل لهما.

______________________________

(1) المنتهى 2: 642، التذكرة 1: 296، المدارك 7: 15، المفاتيح 1: 294، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الخلاف 2: 257، الروضة 2: 161، شرح جمل العلم العمل: 207، لم نعثر عليه في جامع المقاصد.

(2) كما في كشف اللثام 1: 275.

(3) التهذيب 5: 18- 54، 403- 1405، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 6 ح 3.

(4) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333، التهذيب 5: 17- 49، الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7 ح 1.

(5) كما في الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 6.

(6) المدارك 7: 18.

(7) الروضة 2: 161.

(8) الدروس 1: 314.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 14

نعم، يتمّ الأول بالنسبة إلى ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء، لعموم ما دلّ على وجوبه «1» السليم عن المعارض، و أمّا بالنسبة إلى الإثم و العصيان فلا.

______________________________

(1) كما في الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 15

الفصل الثاني في شرائط حجة الإسلام
اشاره

و هي أمور:

الشرط الأول و الثاني: البلوغ و العقل
اشاره

فلا يجب على الصبيّ و المجنون، إجماعا محققا و محكيّا «1» مستفيضا، للأصل، و حديث رفع القلم «2»، مضافا في الصبيّ إلى مفهوم رواية شهاب «3»، و موثّقة إسحاق: عن ابن عشر سنين يحجّ؟ قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» «4».

و يصحّ من الصبيّ المميّز و غير المميّز، بلا خلاف في الأول كما عن التذكرة و المنتهى «5»، بل بالإجماع كما صرّح به بعضهم «6» و حكي عن الخلاف «7»، بل قيل: بلا خلاف في الثاني أيضا «8».

و تدل عليه في الأول عمومات مرغّبات الحجّ و أفعاله، فإنّها شاملة

______________________________

(1) كما في المعتبر 1: 327، و كشف اللثام 1: 285، و الرياض 1: 337.

(2) الفقيه 1: 36- 132، الخصال: 417- 9، الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

(3) التهذيب 5: 6- 14، الإستبصار 2: 146- 476، الوسائل 11: 45 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 12 ح 2.

(4) الفقيه 2: 266- 1296، الوسائل 11: 44 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 12 ح 1.

(5) التذكرة 1: 297، المنتهى 2: 859.

(6) كصاحب الرياض 1: 337.

(7) الخلاف 2: 378.

(8) كما في كشف اللثام 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 16

للصبيّ أيضا على ما مرّ في الصوم.

و فيهما الأخبار العديدة، كرواية محمد بن الفضيل: عن الصبي متى يحرم به؟ قال: «إذا أثغر» «1»، أقول: يعني إذا سقط سنّه.

و رواية الحكم: «الصبيّ إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يعتق» «2».

و صحيحة ابن سنان: «فقامت إليه امرأة و معها صبيّ لها،

فقالت:

يا رسول اللَّه، أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: نعم، و لك أجره» «3».

و صحيحة زرارة: «إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّى عنه»، قلت: ليس لهم ما يذبحون، قال: «يذبح [عن] الصغار و يصوم الكبار، و يتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب و الطيب، و إن قتل صيدا فعلى أبيه» «4».

أقول: يفرض الحجّ- أي يوجبه على نفسه- بعقد الإحرام و التلبية، أو الإشعار، أو التقليد، فإنّ الصبيّ في تلك الأخبار أعمّ من المميّز و غيره، بل في الأخيرة تصريح بكلّ منهما.

______________________________

(1) الكافي 4: 276- 9، الفقيه 2: 266- 1297، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 20 ح 2.

(2) الفقيه 2: 267- 1298، الوسائل 11: 49 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 16 ح 2.

(3) التهذيب 5: 6- 16، الإستبصار 2: 146- 478، الوسائل 11: 54 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 20 ح 1.

(4) الكافي 4: 303- 1، الفقيه 2: 265- 1291، التهذيب 5: 409- 1424، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحجّ ب 17 ح 5، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: من، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 17

و لا ينافيه قوله: «يحرم به» و: «حجّ به»، لأنّه أعمّ من الأمر بمباشرته أو جعله مباشرا، بقرينة قوله في الثانية: «و العبد إذا حجّ به» و كذا قوله في الأخيرة: «حجّ بابنه» ثم قوله: «يأمره» إلى آخره.

ثم كيفية حجّ الأول: أن يباشر بنفسه ما يباشره الحاجّ من المناسك.

و حجّ الثاني: أن يباشر به، أي

يجعل مباشرا لما يمكن جعله كذلك من الأفعال، و تولّى «1» عنه ما لم يمكن من النيّات و الأقوال.

و تدلّ على الأول: العمومات المشار إليها، و قوله في صحيحة زرارة:

«يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ»، بضميمة الإجماع المركّب في تتمة المناسك.

و على الثاني: قوله في الصحيحة: «فإن لم يحسن» إلى آخره.

و صحيحة معاوية بن عمّار: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة [1] أو إلى بطن [مرّ] ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يسعى بهم و يرمى عنهم، و من لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليّه» [2].

و البجلي، و فيها- بعد السؤال عن مولود صبي-: «إذا كان يوم التروية فجرّدوه و غسلوه كما يجرّد المحرم، ثم أحرموا عنه، ثم قفوا به في الموقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه، ثم زوّروه بالبيت،

______________________________

[1] كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة على أربع مراحل، و هي ميقات أهل مصر و الشام إن لم يمرّوا على المدينة- معجم البلدان 2: 111.

[1] الفقيه 2: 266- 1294 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 409- 1423، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحجّ ب 17 ح 3 بتفاوت يسير، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: مرو، و ما أثبتناه موافق للمصادر، و هو من نواحي مكّة، عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا- معجم البلدان 1: 449.

______________________________

(1) في «ح» و «س»: و يؤتى ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 18

ثم مروا الخادم أن يطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة» «1».

و لا يتوهّم شمول هذه الكيفيّة للمميّزين أيضا، لظهورها في غيرهم، مع أنّه على فرض الشمول يجب التقييد بما في

صحيحة زرارة المتقدّمة.

فروع:
أ: هل يشترط في صحّة حجّ المميّز إذن الولي؟

فيه وجهان، أوجههما: لا، للأصل، و العمومات.

و قيل: نعم «2»، بل نسب إلى الأكثر «3».

لأنّ الحجّ عبادة متلقّاة من الشرع مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيها على المتيقّن، و هو الصبيّ المأذون.

و لأنّ الصحّة هنا بمعنى ترتّب الكفّارات عليه أو على الولي و الهدي أو بدله، و لم يجز له التصرّف في شي ء من ذلك في المال إلّا بإذن الولي.

و لقوله في الصحيحة: «يأمره» إلى آخره.

و يضعف الأول: بحصول التوقيف و التعيين من العمومات.

و الثاني: بمنع كون الصحّة هنا بالمعنى المذكور، بل هي بمعنى موافقة الأفعال لأمر الشارع، و لزوم الكفّارات أثر ارتكاب أمر آخر و ليس أثرا للإحرام أصلا.

سلّمنا أنّه أثره و لا يجوز له التصرّف في المال، فغايته أنّه يبقى في

______________________________

(1) الكافي 4: 300- 5 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 410- 1425، الوسائل 11:

286 أبواب أقسام الحجّ ب 17 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) انظر الرياض 1: 338.

(3) كما في الرياض 1: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 19

ذمّته، أو يكون بالنسبة إلى الكفّارات و الهدي بمنزلة الفاقد لها فيصنع ما يصنعه.

و الثالث: بعدم الدلالة، لتقييده بقوله: «إذا أراد الرجل» [1].

ب: ظاهرهم أنّ المباشر للحجّ بغير المميّز: الوليّ أو من يأمره

و يستنيبه.

ثم اختلفوا في تعيّنه، و الأخبار غير دالّة على التخصيص، لأنّ قوله:

«من كان معكم من الصبيان» أعمّ ممّن كان مع وليّه أو غيره، و كذا لا اختصاص في الأمر بقوله: «قدّموا» و: «فجرّدوه» و: «لبّوا عنه» و غير ذلك، فإن ثبت الإجماع فيه فهو، و إلّا فالظاهر جوازه لكلّ من يتكفّل طفلا، غاية الأمر أنّه لا يتعلّق أمر ماليّ بالطفل، بل يكون على المباشر، فتأمّل.

ج: قيل: ما وقفت عليها في المسألة من الروايات مختصّ بالصبي،

و لا ريب أنّ الصبيّة في معناه «1».

أقول: لأحد مطالبته بدليل كونها في معناه، و ربّما يستدلّ للصبيّة برواية شهاب و موثّقة إسحاق المتقدّمتين «2»، و في دلالتهما نظر، لأنّها إنّما هي إذا تضمّنت حجّ الصبيّة، و ليس فيها ذلك، بل ليس فيها حجّ الصبيّ أيضا، لجواز أن يكون السؤال عن وجوب الحجّ، فأجاب بأنّه بعد الاحتلام و الطمث، لا أن يكون السؤال عن الحجّ الواقع حتى يمكن التمسّك فيه بالتقرير.

و قد يستدلّ أيضا بموثّقة يعقوب: إنّ معي صبية صغارا و أنا أخاف

______________________________

[1] كذا في النسخ، و في الصحيحة: إذا حج الرجل.

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 26.

(2) في ص: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 20

عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: «ائت بهم العرج [1] فليحرموا منها» الحديث «1».

و لا يخفى أنّ الثابت من هذه الرواية- بل الأوليين- هو حجّ الصبية، و هو يثبت من العمومات أيضا، لا الحجّ به.

د: ألحق الأصحاب بالصبي: المجنون،

و استدل له بأنّه ليس أخفض حالا من الصبي «2».

و ردّ بأنّه قياس «3»، و هو كذلك، إلّا أنّه لمّا كان المقام مقام المسامحة تكفي في حكمه فتوى كثير من الأصحاب به.

ه: لا يجزئ هذا الحجّ بقسميه عن حجّة الإسلام لو استجمع الصغير و المجنون الشرائط بعد الكمال،

بلا خلاف يعرف كما عن المنتهى «4»، بل بالإجماع كما في شرح القواعد لبعض الأجلّة و المفاتيح و شرحه «5»، بل بالإجماع المحقّق، له، و للمستفيضة، كروايتي شهاب و الحكم، و موثّقة إسحاق المتقدّمة «6»، و رواية مسمع «7».

______________________________

[1] و هي قرية جامعة في واد من نواحي الطائف، في أول تهامة، و تقع في بلاد هذيل- معجم البلدان 4: 98.

______________________________

(1) الكافي 4: 303- 3، الفقيه 2: 266- 1293، الوسائل 11: 289 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 7.

(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 748، و العلّامة في المنتهى 2: 649.

(3) المدارك 7: 26.

(4) المنتهى 2: 649.

(5) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 285، المفاتيح 1: 296.

(6) في ص: 15 و 16.

(7) الكافي 4: 278- 18، التهذيب 5: 6- 15، الإستبصار 2: 146- 477، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 21

و هل يجزئ لو أدرك أحد الموقفين كاملا، أم لا؟

الأول: للشيخ في المبسوط و الخلاف «1» و الوسيلة و الإرشاد «2»، بل أكثر الأصحاب كما صرّح به جماعة «3»، بل إجماعيّ كما عن الخلاف و التذكرة «4» و ظاهر المسالك «5».

و تردّد فيه في الشرائع و المنتهى و التحرير «6»، بل نفاه جمع من متأخّري المتأخّرين «7».

دليل الأولين: الروايات المثبتة لهذا الحكم في العبد «8».

و كونه زمانا يصحّ فيه إنشاء الحجّ، فكان مجزئا بأن يجدّد نيّة الوجوب.

و يردّ الأول: بأنّه قياس.

و الثاني:

بأنّه إن أريد أنّه زمان يصحّ فيه الإنشاء في بعض الصور المنصوصة فلا يفيد، و إن أريد مطلقا فلا نسلّم.

و لو استدلّ له بقوله عليه السلام في غير واحد من الأخبار: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ» «9» لكان أقرب، و إن كان في شموله للمورد نظر،

______________________________

(1) المبسوط 1: 297، الخلاف 2: 378.

(2) الوسيلة: 195، الإرشاد 1: 310.

(3) منهم صاحب المدارك 7: 22، و السبزواري في الكفاية: 56، و صاحب الحدائق 14: 60.

(4) الخلاف 2: 379، التذكرة 1: 299.

(5) المسالك 1: 87.

(6) الشرائع 1: 225، المنتهى 2: 649، التحرير 1: 90.

(7) كصاحب الحدائق 14: 61، و المفاتيح 1: 296.

(8) كما في الوسائل 11: 52 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 17.

(9) رجال الكشي 2: 680- 716، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 13، و انظر ص 57 ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 22

سيّما في حجّ التمتع، حيث إنّ العمرة الواجبة وقعت في زمان عدم التكليف و لم يثبت إدراك العمرة بذلك.

و لا شك أنّ الأحوط بل الأظهر: الإعادة بعد الاستطاعة.

ثم على القول بالإجزاء، ففي اشتراط استطاعته من البلد، أو الميقات، أو حين التكليف، أقوال، أظهرها: الأخير، كما يظهر مما سنذكره في المملوك و نفقته الزائدة على ما يلزمه في الحضر على من يسافر به، لعدم ثبوت جواز التصرّف في القدر الزائد في مال الطفل.

الشرط الثالث: الحرّية.
اشاره

فلا يجب على المملوك، إجماعا محقّقا، و محكيّا «1» مستفيضا، له، و للنصوص المستفيضة «2»، و إطلاقها- كإطلاق الفتاوى «3»، بل صريح بعضها «4»- يشمل ما لو أذن له المولى أيضا.

نعم، يصحّ منه الحجّ إذا أذن له المولى، بالإجماع و النصوص، و لا يجزئه عن

حجّة الإسلام كذلك لو استجمع الشرائط بعد العتق.

و أمّا بعض الروايات الظاهرة في الإجزاء فمؤوّلة، أو مخصّصة بما هو أخصّ منها، أو مطروحة، للمعارضة مع الأكثر و المخالفة للإجماع، إلّا أن يدرك أحد الموقفين معتقا، فيجزئه عنها إجماعا و نصّا.

ففي صحيحة ابن عمّار: مملوك أعتق يوم عرفة، قال: «إذا أدرك أحد

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 337.

(2) الوسائل 11: 47 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 15.

(3) كما في المبسوط 1: 297، و الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المعتبر 2: 749.

(4) كما في الحدائق 14: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 23

الموقفين فقد أدرك الحجّ» «1».

و شهاب: في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا، أ يجزئ عن حجّة الإسلام؟ قال: «نعم» «2».

و هل تشترط في إجزائه عنها استطاعته حين العتق أم لا؟

الظاهر: نعم، إن أريد الاستطاعة البدنيّة، بل الماليّة بقدر ما يحتاج إليه من الزاد و الراحلة من الموقف إلى إتمام الحجّ، لإطلاق الآية «3» و النصوص «4»، فلو لم يكن كذلك و أتمّ الحجّ بجهد و مشقّة لم يجز عن حجّة الإسلام.

و لا، إن أريد الأزيد من ذلك، للأصل السالم عن المعارض.

و قيل: لا يشترط أصلا، لإطلاق النص «5».

و فيه نظر، لأنّ الإطلاق لا عموم فيه، فينصرف إلى الغالب من حصول الاستطاعة البدنيّة المعتبرة في المورد، فلا يشمل ما لو لم تكن هناك استطاعة.

و لو سلّم الإطلاق فيعارض ما دلّ على اشتراط الاستطاعة من الكتاب و السنّة بالعموم من وجه، و الأخير أرجح، لموافقة الكتاب، مضافا إلى الأكثريّة و الأصرحيّة و الأشهريّة، بل يظهر من بعض الأجلّة الإجماع على اشتراط الاستطاعة «6».

فرع:

لو جنى العبد المأذون في إحرامه حال رقّيته بما يلزمه به الدم،

______________________________

(1) الفقيه 2:

265- 1290، التهذيب 5: 5- 13، الإستبصار 2: 148- 485، الوسائل 11: 52 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 17 ح 2.

(2) الكافي 4: 276- 8، التهذيب 5: 5- 12، الإستبصار 2: 148- 484، الوسائل 11: 53 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 17 ح 4.

(3) آل عمران: 97.

(4) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 8.

(5) قاله صاحب المدارك 7: 31.

(6) انظر كشف اللثام 1: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 24

كان على سيّده، وفاقا لصريح المعتبر «1»، و ظاهر التهذيب «2»، و قوّاه في المدارك «3»، لصحيحة حريز: «كلّما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإحرام» «4».

و لا تعارضه صحيحة ابن أبي نجران: عن عبد أصاب صيدا و هو محرم، هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: «لا شي ء على مولاه» «5»، لأنّ الأولى أخصّ مطلقا من الثانية بتقييدها بالإذن في الإحرام.

و القول بأنّ الثانية أيضا متضمّنة له، لأنّ قول السائل: «و هو محرم» بقرينة تقريره عليه في الجواب يدلّ على تحقّق الصحّة المشروطة بالإذن.

مردود بمنع حجّية مثل ذلك التقرير أولا، و تحقّق الصحّة بالإذن بالعموم، بأن يقول له: افعل ما تشاء، الذي هو أيضا أعمّ مطلقا من الإذن في الإحرام، ثانيا.

الشرط الرابع: الاستطاعة.
اشاره

بالإجماع، و الكتاب «6»، و السنّة المتواترة «7»، و هي تكون بالاستطاعة

______________________________

(1) المعتبر 2: 751.

(2) التهذيب 5: 382.

(3) المدارك 7: 33.

(4) الكافي 4: 304- 7، الفقيه 2: 264- 1284، التهذيب 5: 382- 1334، الإستبصار 2: 216- 741، الوسائل 13: 104 أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 56 ح 1.

(5) التهذيب 5: 383- 1335، الإستبصار 2: 216- 742، الوسائل 13: 105

أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 56 ح 3.

(6) آل عمران: 97.

(7) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 25

في أربعة أمور: الاستطاعة الماليّة، و السربيّة، و البدنيّة، و الزمانيّة، و تفصيلها يقع في أربعة مقامات:

المقام الأول: في الاستطاعة الماليّة.
اشاره

و هي تحصل بالتمكّن من الزاد و الراحلة.

أمّا الزاد فالمراد منه: ضروريّ الأكل و الشرب مدّة ذهابه إلى المقصد و عوده إلى بلده، و دخوله في مفهوم الاستطاعة لغة و عرفا واضح، و الأخبار به ناصّة «1» كما يأتي.

و أدخل بعضهم في الزاد: الملبس و ما يكنّ به «2»، أي يستر و يقي نفسه من الحرّ و البرد من خباء و نحوه.

أقول: أمّا الملبس، فإن أراد به ما يحتاج إليه في السفر زائدا عمّا يحتاج إليه في وطنه ممّا يقيه من برد و نحوه، فلا شكّ في دخوله في الاستطاعة مع الحاجة، سواء سلّمنا شمول الزاد له أم لا، و يدل على اشتراطه نفي العسر و الحرج أيضا.

و إن أراد مطلق الملبس الضروريّ و لو في الحضر، فإن أراد أنّه يشترط أن يكون له بعد استثناء الملبس ما يكفي لزاده، فهو صحيح كما يأتي، و لكن لا يحسن إدخاله في الزاد.

و إن أراد مطلق الملبس الضروري، فتوجيهه كتوجيه المأكل الضروري، فإنّه قد يتمكّن في الحضر من ملبس باكتساب و نحوه و يمنعه السفر إلى الحجّ عن تحصيله فيبقى في أثناء الطريق عريانا، أو يكتفي في الحضر بالاستعراء و التكفّف من الناس و نحوهما، فيشترط وجوب الحجّ

______________________________

(1) الوسائل 11: 37 و 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 و 10.

(2) انظر المفاتيح 1: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

26

بعدم احتياجه في ضروريّ ملبسه إلى مثل ذلك.

و أمّا ما يكنّ به، فاشتراط التمكّن منه إنّما يتمّ مع الحاجة إليه لا مطلقا، كما إذا كانت من وطنه إلى مكّة خمسة منازل- مثلا- و كان الهواء بحيث لا يحتاج إلى كنّ، أو كان الشخص ممّن لا تضرّه الشمس و لا يشقّ عليه أيضا انتفاء الكنّ.

نعم، يشترط وجوده مع الحاجة للضرورة أو المشقّة بدونه، و لكن مع ذلك في إدخاله في الزاد تأمّل، و إن دخل فيما يستطاع به.

ثم ظاهر الكتاب و السنّة و إن لم يقتض اعتبار الزاد في العود أيضا، إلّا أنّ أكثر الأصحاب اعتبروه «1»، بل عن الشهيد الثاني: الإجماع عليه «2».

و التحقيق أن يقال: إنّه لا شكّ في عدم دخول زاد العود في استطاعة سبيل الحجّ، و لكن إن كان الشخص ممّن له أهل أو ملك في الوطن، أو يشقّ عليه مفارقته، فلا محيص من اعتباره، دفعا للضرر و الحرج المنفيّين.

و إلّا فلا- كما قيل- لعدم الدليل، و إن استضعفه في التذكرة «3»، لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

و فيه: أنّ الطلب إن كان بحدّ يشقّ معه الترك فكذلك، و إلّا فلا يوجب الاشتراط، مع أنّ من الأشخاص من تساوى عنده البلاد.

ثم المعتبر في وجدان الزاد: أن يكون مقتدرا على تحصيل المأكول و المشروب بقدر الحاجة، إمّا بالقدرة على حملهما، أو تحصيلهما في المنازل، من غير فرق في ذلك بين المأكول و المشروب و علف الدابّة.

______________________________

(1) كالعلّامة في التذكرة 1: 301، و الكاشاني في المفاتيح 1: 297.

(2) المسالك 1: 92.

(3) التذكرة 1: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 27

و عن المنتهى و التذكرة: التفرقة، فأوجب حمل المأكول دون الماء و العلف، فإذا فقدا في

المواضع المعتادة يسقط الحجّ و لو أمكن الحمل «1».

و كأنّه لعدم صدق الاستطاعة مع الفقد، بناء على الغالب. و هو ليس بجيّد.

و لو لم يجد الزاد، و لكن كان كسوبا يتمكّن من الاكتساب في الطريق لكلّ يوم بقدر ما يكفيه، و ظنّ إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقّة، وجب الحجّ، لصدق الاستطاعة.

و عن التذكرة: سقوطه إن كان السفر طويلا، لما في الجمع بين الكسب و السفر من المشقّة، و لإمكان انقطاعه من الكسب «2».

و هو منازعة لفظيّة، لأنّ المفروض إمكان الجمع و جريان العادة بعدم الانقطاع، و إلّا فالزاد أيضا قد يسرق.

و أمّا الراحلة، فعلى اشتراطها و توقّف الاستطاعة عليها الإجماع، كما عن الناصريات و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و السرائر «3».

و يدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع- ظاهر الكتاب- حيث إنّه لا استطاعة بدون الراحلة- و الأخبار المتكثّرة:

كصحيحة الخثعمي: عن قول اللَّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى آخره، ما يعني بذلك؟ قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ» الحديث «4».

______________________________

(1) المنتهى 2: 653، التذكرة 1: 301.

(2) التذكرة 1: 302.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الخلاف 2: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 652، التذكرة 1: 301، السرائر 1: 508.

(4) التهذيب 5: 3- 2، الإستبصار 2: 139- 454، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 28

و المرويين في توحيد الصدوق «1» و تفسير العيّاشي «2»: في تفسير الآية مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، ما يعني بذلك؟ قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلّى في سربه له زاد و

راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ».

و في خبر السكوني: «إنّما يعني بالاستطاعة: الزاد و الراحلة، ليس استطاعة البدن» «3».

و المرويّ عن العلل: «إنّ السبيل: الزاد و الراحلة مع الصحّة» «4».

و هل اشتراط الراحلة مختصّ بصورة الاحتياج إليها- لعدم القدرة على المشي- أو للمشقّة مطلقا، أو الشديدة منها و إن كان قادرا على المشي، أو لمنافاة المشي لشأنه و شرفه و نحو ذلك، أو يعمّ جميع الصور و إن ساوى عنده المشي و الركوب سهولة و صعوبة و شرفا و ضعة؟

ظاهر المنتهى: الأول، حيث اشترط الراحلة للمحتاج إليها «5»، و هو ظاهر الذخيرة و المدارك «6»، و صريح المفاتيح و شرحه «7»، و نسبه في الأخير إلى الشهيدين «8»، بل التذكرة «9»، بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيّدوها

______________________________

(1) التوحيد: 350- 14، الوسائل 11: 35 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 7، بتفاوت يسير.

(2) تفسير العياشي 1: 192- 111، الوسائل 11: 36 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 10، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 268- 5، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 5.

(4) نسبه إليه في الرياض 1: 337، و لكنّا لم نجده في العلل، و هو موجود في عيون أخبار الرضا 2: 120- 1، الوسائل 11: 35 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 8 ح 6.

(5) المنتهى 2: 652.

(6) الذخيرة: 559، المدارك 7: 36.

(7) المفاتيح 1: 297.

(8) الشهيد الأول في الدروس 1: 310، الشهيد الثاني في المسالك 1: 88.

(9) التذكرة 1: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 29

بالاحتياج أو الافتقار «1»، و استشكل في الكفاية «2».

و يدلّ عليه صدق الاستطاعة بدون الحاجة إليها بأحد الوجوه المتقدّمة، و

لذا صرّح جماعة بعدم اعتباره للمكّي و القريب إلى مكّة و المسافر من البحر «3»، و الأخبار العديدة عموما أو خصوصا.

فمن الأول: صحيحة الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللَّه فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» الحديث «4».

و المحاربي: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام ما يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديّا أو نصرانيّا» «5».

و من الثاني: صحيحة ابن عمّار: عن رجل عليه دين، أ عليه أن يحجّ؟ قال: «نعم، إن حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، و لقد كان أكثر من حجّ مع النبيّ مشاة» الحديث «6».

و الحلبي: في قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ الآية، ما السبيل؟

______________________________

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 752.

(2) الكفاية: 56.

(3) كالعلّامة في التذكرة 1: 301، و صاحب المدارك 7: 37، و السبزواري في الذخيرة: 557.

(4) التهذيب 5: 18- 54، 403- 1405، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 3.

(5) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333، التهذيب 5: 17- 49، الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) التهذيب 5: 11- 27، الإستبصار 2: 140- 458، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 30

قال: «أن يكون له ما يحجّ به» إلى أن قال: «فإن كان يطيق أن يمشي [بعضا] و يركب بعضا فليحجّ» «1».

و رواية أبي بصير: قول اللَّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ الآية، قال: «يخرج و يمشي

إن لم يكن عنده»، قلت: لا يقدر على المشي، قال:

«يمشي و يركب»، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: «يخدم القوم و يخرج معهم» [1]، و صحيحة محمّد الآتية «2».

و صرّح بعض المتأخّرين بالثاني «3»، بل نسب إلى الأكثر، بل نسب غيره إلى الشذوذ، و استشهد بالإجماعات المتقدّمة المحكيّة.

و بقول صاحب المدارك- بعد ذكر أنّ اللازم منه، أي ممّا سبق ذكره، عدم اعتبار الراحلة في حقّ البعيد مطلقا إذا تمكّن من المشي من غير مشقّة شديدة-: و لا نعلم به قائلا «4».

و قول صاحب الذخيرة، بعد نقل الأخبار المتقدّمة، حيث قال:

و المسألة لا تخلو من إشكال، لعدم تصريح بالخلاف بين الأصحاب في اعتبار الزاد و الراحلة في الاستطاعة «5». انتهى.

و استدلّ على التعميم بالأخبار المذكورة أولا، المتضمّنة لذكر الزاد

______________________________

[1] التهذيب 5: 10- 26، الإستبصار 2: 140- 457 و فيه: إن لم يكن عنده ما يركب ..، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 11 ح 2.

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5، ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(2) في ص: 33.

(3) انظر الرياض 1: 337.

(4) المدارك 7: 36.

(5) الذخيرة: 557

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 31

و الراحلة على الإطلاق، و رجّحها على تلك الأخبار بموافقة عمل الأصحاب، و الإجماعات المحكية، و الأصل، و الشهرة العظيمة، و ظاهر الآية من جهة عدم انصراف إطلاق الأمر فيها إلّا إلى المستطيع ببدنه، فاعتبار الاستطاعة بعده ليس إلّا لأمر آخر و ليس إلّا الزاد و الراحلة بإجماع الأمّة.

و بمخالفة قول مالك من العامّة، حيث نقل في المنتهى عنه عدم

اعتباره الزاد و الراحلة «1».

و بشذوذ تلك الأخبار الأخيرة.

أقول: أمّا الأخبار المذكورة فلا شكّ أنّ دلالتها بالإطلاق المنصرف إلى الغالب، و هو احتياج البعيد إلى الراحلة و لو لدفع مطلق المشقّة أو حفظ شرف النفس و نحوهما، و لو سلّم عدم الانصراف و البقاء على الإطلاق يعارض الأخبار الأخيرة، إمّا بالعموم و الخصوص من وجه، أو مطلقا.

و لا نسلّم رجحان الأولى بما ذكر، أمّا عمل الأصحاب فلانصراف إطلاق كلماتهم أيضا إلى الغالب، مع تصريح جمع كثير منهم بالحاجة «2»، و لذا لم يشترطوها للقريب و راكب السفينة.

و منه يظهر حال الإجماعات المحكيّة، مع أنّ كثيرا منها وارد في شأن غير المحتاج، و كذا حال الشهرة، مع أنّ الترجيح بهذه الأمور ممّا لم يثبت اعتباره.

و أمّا شذوذ الأخيرة، فإن أريد بالنسبة إلى الإطلاق و الوجوب على الماشي- و لو بالمشقّة- فلا ننكره و لا نقول به، بل يخالف ذلك ظاهر آيات الاستطاعة و نفي العسر.

______________________________

(1) الرياض 1: 337، و في المنتهى 2: 652.

(2) كالمحقق في المعتبر 2: 752، و العلّامة في المنتهى 2: 652، و السبزواري في الكفاية: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 32

و إن أريد بالنسبة إلى غير المحتاج بوجه فلا نسلّم الشذوذ أصلا.

و أمّا ظاهر الآية، فلا يوافق إطلاقها أصلا، لصدق الاستطاعة بدون الراحلة في غير المحتاج، و لا يلزم من اعتبار أمر آخر وراء صحّة البدن في الاستطاعة اعتبار الزاد و الراحلة معا مطلقا، بل يكفي اعتبارهما في حقّ المحتاج و اعتبار تخلية السرب.

و أمّا قول مالك فهو أنّه لا يعتبر الراحلة مطلقا و لو مع المشقّة.

و ممّا ذكر ظهر أنّ الحقّ هو: الأول، و عليه الفتوى و العمل.

و الكلام في

العود و إمكان التحصيل بالكسب في السفر هنا كما مرّ في الزاد.

و هل يعتبر في الراحلة أن تكون مناسبة لحاله بحسب العزّة و الشرف، فيعتبر المحمل أو نحوه عند علوّ منصبه؟

ظاهر التذكرة: اعتباره «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    32     المقام الأول: في الاستطاعة المالية. ..... ص : 25

عن الدروس: العدم «2».

و اختاره في الذخيرة إلّا مع العجز عن الركوب بدون المحمل أو التضرّر «3»، و هو كذلك.

لقوله عليه السّلام في صحيحة ابن عمّار: «فإن كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيا فلم يفعل فإنّه لا يسعه إلّا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر» «4».

و الحلبي: من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك أ هو ممّن

______________________________

(1) التذكرة 1: 301.

(2) الدروس 1: 312.

(3) الذخيرة: 559.

(4) التهذيب 5: 18- 52، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 33

يستطيع إليه سبيلا؟ قال: «نعم، ما شأنه يستحيي؟! يحجّ و لو على حمار أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ» «1».

و أبي بصير: «من عرض عليه الحجّ و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب [فأبى] فهو مستطيع» «2».

و محمد: فإن عرض عليه الحجّ فاستحيا؟ قال: «هو ممّن يستطيع و لم يستحي و لو على حمار أجدع أبتر» قال: «فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل» «3».

و بها يخصّص عموم انتفاء العسر لو سلّمناه هنا و لم نقل أنّه من الخيلاء و خداع النفس الخبيثة.

و يدخل في الاستطاعة المالية: ما يضطرّ إليه من الآلات و الأوعية التي يحتاج إليها المسافر، من القرب و الجواليق [1] و ثياب

المركوب و ما شابهها بالإجماع، لعدم صدق الاستطاعة بدونها مع الضرورة.

و يلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الأولى: لا بدّ في وجوب الحجّ من فاضل من الزاد و الراحلة

______________________________

[1] الجواليق بكسر الجيم و اللّام و بضم الجيم و فتح اللّام و كسرها، و جمعه جوالق:

وعاء- الصحاح 14: 1454، القاموس المحيط 3: 225.

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 259- 1256، الوسائل 11: 42 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 7، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(3) التهذيب 5: 3- 4، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 34

بقدر ما يمون به عياله الواجبي النفقة حتى يرجع، بالإجماع المحقّق و المحكي «1»، و النّص، و هو: رواية أبي الربيع: عن قول اللَّه عزّ و جلّ:

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ فقال: «ما يقول الناس؟» قال: فقيل: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: «قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا، فقال: هلك الناس إذن، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت به عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا، فقيل له فما السبيل؟ قال:

فقال: السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقي بعضا يقوت به عياله» «2».

و المرسلة المرويّة في المجمع عن أئمّتنا عليهم السّلام في تفسير الاستطاعة:

«إنّها وجود الزاد و الراحلة و نفقة من يلزم نفقته و الرجوع إلى كفاية، إمّا من مال أو ضياع أو حرفة مع الصحّة في النفس و تخلية السرب من الموانع و إمكان السير» «3».

و

نحوه المرويّ عن الخصال، و فيها: «إنّها الزاد و الراحلة مع صحّة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع إليه من حجّه» «4».

و المرويّ في المقنعة: «هلك الناس إذا كان من له زاد و راحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله و يستغني به عن الناس، فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفّه، لقد هلك إذن»

______________________________

(1) حكاه في الرياض 1: 339.

(2) الكافي 4: 267- 3، التهذيب 5: 2- 1، الإستبصار 2: 139- 453، الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) مجمع البيان 1: 478، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 5.

(4) الخصال: 606، الوسائل 11: 38 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 35

فقيل له عليه السّلام: فما السبيل عندك؟ فقال: «السعة في المال، و هو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه و يبقى بعض يقوت به نفسه و عياله» «1».

و ضعف بعض هذه الأخبار لو كان لكان منجبرا بعمل الطائفة طرّا و الإجماعات المحكيّة مستفيضة.

و يدلّ عليه أيضا بعض الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة الآتية، و بعض هذه النصوص و إن لم يقيّد العيال بواجبي النفقة و لا ما يمون به إلى وقت الرجوع، إلّا أنّ الأول مصرّح به في رواية المجمع، و مع ذلك هو مقتضى الاقتصار على القدر المتيقّن، و الثاني مفهوم من السياق، بل هو أيضا اقتصار على المتيقّن، لأنّ الظاهر منه اعتبار ما يستغنى به عن الناس مطلقا، و هو يشمل ما بعد الرجوع أيضا.

المسألة الثانية: الحقّ اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة أو عقار أو نحوها
اشاره

ممّا تكون

فيه الكفاية عادة بحيث لا يحوجه صرف المال في الحجّ إلى السؤال بعد العود، وفاقا للشيخين و الحلبي و القاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد «2»، و هو ظاهر الصدوق أيضا «3»، و في المسالك: أنّه مذهب أكثر المتقدّمين «4»، و في الروضة: أنّه المشهور بينهم «5»، و في المختلف و المسالك:

______________________________

(1) المقنعة: 384، الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) المفيد في المقنعة: 385، الطوسي في الخلاف 2: 245، الحلبي في الكافي في الفقه:

192، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 205، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، ابن حمزة في الوسيلة: 155، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 173.

(3) الفقيه 2: 259.

(4) المسالك 1: 92.

(5) الروضة 2: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 36

نقله السيّد عن الأكثر «1»، و عن الخلاف و الغنية إجماع الإماميّة عليه «2».

لما مرّ من روايات المجمع و الخصال و المقنعة، فإنّ قوله في الأخيرة: «ثم يرجع فيسأل الناس بكفّه» يدلّ على اشتراط الكفاية، و كذا قوله: «و يبقى البعض يقوت به نفسه و عياله» يعني: وقت رجوعه، و إلّا فكيف يقوت نفسه بذلك البعض الباقي مع أنّه خرج إلى الحجّ؟! و الإيراد: بأنّ أقصى ما يستفاد منه اعتبار بقاء شي ء بعد الحجّ و الرجوع، و هو غير دالّ على كونه بقدر الكفاية على الوجه المتنازع فيه، فيحتمل أن يكون المراد به قوت السنة له و لعياله، إذ ذلك كاف في عدم السؤال، إذ به يحصل الغناء الشرعي، كما في المدارك و الذخيرة «3».

مردود بأنّ بعد اعتبار ذلك يثبت المطلوب بالإجماع المركّب.

و يدلّ على المطلوب أيضا ما مرّ من

الإجمال في العمومات و المطلقات، الموجب للرجوع إلى الأصل في غير ما ثبت معه الوجوب، و ضعف سند ما ذكر مجبور بما مرّ من حكايات الشهرة و الإجماع.

و قد يستدلّ أيضا للمطلوب بظاهر الآية، حيث إنّ الاستطاعة لغة و عرفا ليست هي مجرّد القدرة و الطاقة، بل ما تكون فيه السهولة و ارتفاع المشقّة، كما ذكره السيّد في المسائل الناصريّة مستدلّا بالاستعمال في مواضع كثيرة «4».

و هو غير جيّد، لأنّه إنّما يتمّ على أصله من كون الأصل في الاستعمال الحقيقة، مضافا إلى أنّه يفيد لو كانت الاستطاعة في الآية مطلقة، و لكنّها

______________________________

(1) المختلف 2: 256، المسالك 1: 92.

(2) الخلاف 2: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

(3) المدارك 7: 79، الذخيرة: 559.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 37

باستطاعة السبيل مقيّدة، فغايته سهولة قطع الطريق لا مطلقا، فتأمّل.

خلافا للمحكي عن القديمين و جمل السيّد و الحلّي و في النافع و الشرائع «1» و أكثر المتأخّرين «2»، بل مطلقا كما عن المعتبر و التذكرة «3»، لظاهر الآية، و للأخبار المتقدّمة المصرّحة بحصول الاستطاعة بوجود ما يحجّ به، أو الزاد و الراحلة.

و يجاب عن الكلّ: بوجوب تخصيصه بما ذكرنا، لأخصيّة المطلقة الموافقة للشهرة القديمة و الملّة السهلة الحنيفة، و مخالفة عمل العامّة.

فرع: لا يخفى أنّ الرجوع إلى كفاية إنّما يشترط فيمن كانت استطاعته بماله

و كانت له كفاية، بحيث لو قلنا بعدم الاشتراط صرف الكفاية في الحجّ.

أمّا من ليس كذلك و لا يتفاوت حجّه في وجود الكفاية و عدمها- كمن أدرك أحد الموقفين كاملا أو حرّا أو من ذهب متسكّعا أو تأجّر إلى قريب مكّة و تحصل له الاستطاعة من غير احتياج إلى صرف مال، أو بذل له أحد نفقة الحجّ- فلا يعتبر فيه الرجوع إلى الكفاية

إجماعا، لأنّ من ذكرنا هو المراد من روايات اعتبار الكفاية- كما هو ظاهر من سياقها «4»- لا من يتكفّف، سواء حجّ أو لم يحجّ، مع أنّ انجبارها الموجب لحجّيتها

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 256، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 62، الحلي في السرائر 1: 508، النافع: 76، الشرائع 1: 225.

(2) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 168، و صاحب الرياض 1: 340.

(3) المعتبر 2: 756، التذكرة 1: 302.

(4) الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 38

مخصوص بما ذكر أيضا.

و كذا صحيحة ابن عمّار «1» و الغنوي «2»- الموجبتان للإجمال- واردتان فيمن يحجّ من مال نفسه.

و مع ذلك كلّه فروايات وجوب الحجّ على مدرك الموقفين و المبذول له نفقة الحجّ و نحوهما «3» تعارض الروايات المذكورة، و لا تخصّص أيضا بهاتين الروايتين حتى يحصل فيها الإجمال، فتأمّل.

المسألة الثالثة: لا يباع لنفقة الحجّ:

الخادم، و لا دار السكنى، و لا الثياب المحتاج إليها، و لا فرس الركوب، و لا كتب العلم، و لا أثاث البيت، و لا آلات الصنائع، كلّ ذلك مع الضرورة و الحاجة بقدرهما، و على أكثرها حكاية الإجماع مستفيضة «4».

و يدلّ عليه انتفاء الضيق و العسر و الحرج الحاصلة بالتكليف ببيع هذه الأمور، و يمكن أن يستدلّ له بصحيحة المحاربي المتقدّمة «5»، حيث إنّ مع الحاجة إليها يصدق حاجة تجحف به.

و يمكن الاستدلال أيضا بصحيحة ابن عمّار: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يترك إلّا بقدر نفقة الحجّ فورثته أحقّ بما ترك، إن شاءوا حجّوا عنه و إن شاءوا أكلوا»، و نحوها الغنوي «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 405- 1412، الإستبصار 2:

318- 1127، و في الوسائل 11:

46 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 270- 1315، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 14 ح 1.

(3) الوسائل 11: 39 و 52 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 و 17.

(4) كما في المعتبر 2: 753، و التذكرة 1: 302.

(5) في ص: 29.

(6) مرّت الإشارة إليهما أعلاه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 39

وجه التقريب: أنّهما دلّتا على عدم كفاية نفقة الحجّ في الاستطاعة و استقرار الحجّ في الذمّة، بل لا بد من الزائد عليها، و لعدم تعيّن الزائد يدخل الإجمال في العمومات و الإطلاقات، فلا يحكم بالوجوب إلّا في موضع اليقين، و هو بعد استثناء نفقة العيال و الأمور المذكورة طرّا.

و منه يظهر جواز مراعاة المناسبة لحاله بحسب عادة زمانه و مكانه في العزّ و الشرف، و يجب الاقتصار في هذه الأشياء على قدر الضرورة مع المناسبة.

و لو زادت أعيانها على قدر الحاجة وجب صرف الزائد في الحجّ.

و لو أمكن بيعها و شراء ما يليق بحاله بأقلّ من ثمنها، فقيل: الأقرب وجوب البيع و شراء الأدون «1»، و كذا لو أمكن تحصيل ما تحصل به الكفاية من هذه الأشياء بالإجارة و نحوها من غير مشقّة عاديّة، فالظاهر الاكتفاء به، و ما ذكره أحوط.

و من لم تكن له المستثنيات تستثنى له أثمانها إذا دعت الضرورة العاديّة إليها.

المسألة الرابعة: لو لم يكن له عين الزاد و الراحلة و أمكن شراؤهما

أو استئجار ما يصحّ استئجاره منهما، وجب إجماعا، لتوقّف الواجب عليه.

و لو لم يوجد إلّا بالزائد عن الثمن و الأجرة، فصرّح في الشرائع و المنتهى «2» و غيرهما «3» بوجوب الشراء و الإجارة، و نسبه في المدارك و الذخيرة إلى الأكثر «4».

______________________________

(1)

كما في الذخيرة: 560.

(2) الشرائع 1: 226، المنتهى 2: 654.

(3) كالحدائق 14: 87، و الكفاية: 56.

(4) المدارك 7: 42، الذخيرة: 560.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 40

و قال في التذكرة: و عن المبسوط عدم الوجوب «1»، و قال في التذكرة:

فإن كانت تجحف بماله لم يلزمه شراؤه و إن تمكّن على إشكال «2».

و في التحرير: و لو وجده بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر من أجرة المثل، فإن تضرّر به لم يجب الشراء إجماعا، و إن لم يتضرّر فالأقرب وجوب الشراء «3». انتهى.

و مراده من التضرّر إمّا إهلاك النفس و العيال، أو الوقوع في ذلّ المسكنة و السؤال، فلا يجب مع مثل ذلك و يجب بدونه، أو المراد ما يعدّ ضررا عرفا و لو كان ماليّا- أي لم تكن الزيادة شيئا لا يعدّ بالنسبة إليه ضررا- و هذا هو مراده من قوله في التذكرة: تجحف بماله.

أقول: دليل الأكثر: عمومات «4» وجوب الحجّ بالاستطاعة، أو بوجدان الزاد و الراحلة، و لا شكّ أنّ مثل ذلك الشخص واجد لهما عرفا.

و يدلّ عليه أيضا المرويّ في الدعائم المتقدّم في بحث التيمّم: فيمن يجد الماء بثمن غال، قال: «إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده» «5».

و دليل النافين للوجوب- الذي يمكن التعويل عليه-: أدلّة نفي الضرر و الضرار و العسر و الحرج، بجعلها معارضا للأولى و تقديم الثانية، أو الرجوع إلى الأصل.

و منه يظهر دليل المفصّل بين الإجحاف و التضرّر و عدمه.

و الحقّ على الظاهر مع المفصّل، لما ذكر، بل النافي للوجوب مطلقا،

______________________________

(1) التذكرة 1: 301، و هو في المبسوط 1: 300.

(2) التذكرة 1: 301.

(3) التحرير 1: 92.

(4) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8.

(5) دعائم الإسلام

1: 121، مستدرك الوسائل 2: 549 أبواب التيمم ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 41

لصدق الضرر على بذل الزائد على الثمن مطلقا، كما يظهر من استدلال بعضهم لخيار الغبن مطلقا بنفي الضرر. «1» إلّا أنّ في صدق الضرر على مثل ذلك نظرا، لما يقع بإزائه من تحصيل مقدّمات الحجّ بملاحظة العلّة المنصوصة في صحيحة صفوان الواردة في شراء ماء الوضوء بمائة درهم أو ألف درهم من قوله: «و ما يشتري بذلك مال كثير» «2»، فإنّه علّل وجوب الشراء بأنّه يشتري بإزائه مالا كثيرا، و هو هنا أيضا متحقّق.

و تؤيّده الأخبار الأخر المتضمّنة لشراء ماء الوضوء بمائة ألف أو ألف أو مائة دينار «3»، فالأقرب هو مذهب الأكثر.

و منه يظهر وجوب بيع المتاع أو الضياع بأقلّ من ثمن المثل و لو كثيرا إذا لم يمكن البيع بالثمن، للعلّة المنصوصة، و لأنّه يجب البيع لو كان ثمنه الزاد أو الراحلة و يتعدّى إلى ثمنهما بالإجماع المركّب، مع أنّ العلّة المنصوصة جارية هنا أيضا.

المسألة الخامسة: لو كان له دين و هو قادر على اقتضائه

وجب عليه إجماعا، لصدق الاستطاعة، و لو لم يقدر لم يجب.

و لو كان مؤجّلا هل تجب عليه الاستدانة للحجّ و أداؤه من ماله بعد الأجل، و كذا لو كان له مال لا يمكنه الحجّ و لم يمكن بيعه في الحال، فهل تجب الاستدانة؟

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 522.

(2) الكافي 3: 74- 17، الفقيه 1: 23- 71، التهذيب 1: 406- 1276، الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 1، و في الفقيه: و ما يسوؤني، و في الوسائل:

و ما يسرّني، بدل: و ما يشتري.

(3) انظر الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 42

صرّح في

المنتهى بالعدم «1»، و في الدروس و المدارك بالوجوب «2».

دليل الأول: الأصل، و عدم الاستطاعة من ماله.

و دليل الثاني: صدق التمكّن من الحجّ، فيكون مستطيعا.

و ردّ: بأنّ المراد الاستطاعة من ماله، و قبل الاقتراض ليس كذلك، فلا يجب عليه، و لو كان مطلق التمكّن استطاعة لوجبت الاستدانة لو لم يكن له مال أيضا، بل طلب البذل إذا علم أنّه يبذل له لو طلب، و هو خلاف الإجماع، و منّة القبول و ذلّ الطلب حاصلان في الاستدانة أيضا.

و فيه: منع التقييد بالاستطاعة من ماله أولا، و حصولها بالتمكّن من تحصيل المال ثانيا.

و منه يعلم ردّ دليل الأول و تماميّة دليل القول الثاني، فهو الأقرب، و خرجت الاستدانة من غير مال و السؤال بالأخبار و الإجماع، مع أنّه لو صحّ الأول لزم عدم إجزاء حجّ من فقد ماله في أثناء الطريق أو سرق أو نهب أو صرفه في مصرف «3» و احتاج إلى الاقتراض، و الظاهر أنّهم لا يقولون به.

المسألة السادسة: هل يجب الحجّ على المديون أم لا؟

تفصيل الكلام فيه: أنّ الدين إمّا معجّل أو مؤجّل، و الأول إمّا أن يكون مطالبا به أم لا، و الثاني إمّا لا يسع الأجل إتمام المناسك و العود أو يسعه، و على التقادير إمّا يكون له ما يقضي دينه زائدا على نفقة الحجّ أم لا، و على الثاني إمّا يظنّ له طريق للوفاء به بعد الرجوع أو لا.

قيل: لا إشكال في عدم الوجوب مع التعجيل و عدم وفاء المال بالحجّ

______________________________

(1) المنتهى 2: 653.

(2) الدروس 1: 311، المدارك 7: 44.

(3) في «ق» و «ح» زيادة: و لم يمكن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 43

و الدين معا، سواء كان مطالبا به أم لا، و سواء ظنّ له طريق

للوفاء بعد الرجوع أم لا، و إن تردّد بعضهم في بعض صوره «1».

بل قيل: إنّ الظاهر عدم الجواز مع المطالبة «2».

و كذا لا إشكال في الوجوب مع كون ماله بقدر ما يقضي به دينه زائدا على نفقة الحجّ مطلقا، و كذا قيل: الظاهر عدم الوجوب مع التأجيل و عدم سعة الأجل للحجّ و العود.

أقول: الظاهر دخول الإشكال و الخدش في أكثر الصور المذكورة، لأنّ المديون- الذي له مال يسع أحد الأمرين من الحجّ و الدين- داخل في الخطابين: خطاب الحجّ و خطاب أداء الدين، و إذ لا مرجّح في البين فيكون مخيّرا بين الأمرين.

فالوجه أن يقال: إنّ مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخيّر بين الحجّ و وفاء الدين، سواء علمت المطالبة أم لا.

نعم، لو علم رضى الدائن بالتأخير فلا يكون مأمورا بالوفاء، فيبقى خطاب الحجّ خاليا عن المعارض، فيكون واجبا.

و أمّا إذا كان مؤجّلا بأجل يسع الحجّ و العود- سواء ظنّ له طريق للوفاء بعد العود أم لا- فلم أعثر للقدماء على قول في المسألة، و كذا كثير من المتأخّرين.

نعم، تعرّض لها جماعة منهم، و هم بين مصرّح بعدم الوجوب إذا لم تفضل عن دينه نفقة الحجّ، من غير تعرّض للمعجّل أو المؤجّل، كما في

______________________________

(1) انظر المدارك 7: 42، الذخيرة: 560، و الكفاية: 56.

(2) قاله في مجمع الفائدة 6: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 44

الشرائع «1» و بعض كتب الفاضل «2».

و مصرّح بعدمه مع التعجيل و التأجيل، كالمنتهى و التحرير و الدروس «3».

و ظاهر المدارك و الكفاية و الذخيرة التردّد في بعض الصور «4».

و عن المحقّق الأردبيلي: الوجوب «5»، و الظاهر أنّه مذهب القدماء، حيث لم يتعرّضوا لاشتراط الخلوّ عن الدين.

و

هو الحقّ، لصدق الاستطاعة عرفا، و المستفيضة المصرّحة: بأنّ الاستطاعة هي أن يكون له مال يحجّ به، كصحاح ابن عمّار «6» و محمد «7» و الحلبي «8» و الخثعمي «9»، و الدالّة على وجوب الحجّ على من له ما يحجّ به من المال، كمرسلة الصدوق «10» و صحيحة ابن عمّار «11» و غيرهما «12».

______________________________

(1) في «ق»: اللوامع.

(2) الشرائع 1: 226، إرشاد الأذهان 1: 310.

(3) المنتهى 2: 653، التحرير 1: 91، الدروس 1: 311.

(4) المدارك 7: 42، الكفاية: 56، الذخيرة: 560.

(5) كما في مجمع الفائدة 6: 73.

(6) التهذيب 5: 18- 52، الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 1.

(7) التهذيب 5: 3- 4، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 1.

(8) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 3.

(9) الكافي 4: 267- 2، التهذيب 5: 3- 2، الإستبصار 2: 139- 454، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 4.

(10) الفقيه 2: 273- 1331، الوسائل 11: 27 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 8

(11) التهذيب 5: 18- 52، الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 1

(12) الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 45

و لا شكّ أنّ من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا له، فيصدق عليه أنّ عنده مال و له ما يحجّ به، للاتّفاق على أنّ ما يقرض ملك للمديون، و لذا جعلوا من إيجاب صيغة

القرض: ملّكتك، و صرّحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من أنحاء التصرّفات.

و الأخبار المتضمّنة لوجوب الحجّ على من عليه دين بقول مطلق:

كصحيحة الكناني: أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوّف الحجّ كلّ عام، و ليس يشغله عنه إلّا التجارة أو الدين؟ فقال: «لا عذر له متى يسوّف الحجّ إن مات و قد ترك الحجّ فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» «1».

و ابن عمّار: عن رجل عليه دين، أ عليه أن يحجّ؟ قال: «نعم، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» «2».

و موثّقة البصري: «الحجّ واجب على الرجل و إن كان عليه دين» «3».

و المصرّحة بوجوبه على من عليه دين و ليس له ما يقضيه به لو حجّ ممّا في يده، كصحيحة العطّار: يكون عليّ الدين فتقع في يدي الدراهم، فإن وزّعتها بينهم لم يقع شيئا، أ فأحجّ بها أو أوزّعها بين الغرماء؟ فقال:

«حجّ بها و ادع اللَّه أن يقضي عنك دينك» «4»، و رواها الكليني، و فيها: لم

______________________________

(1) الكافي 4: 269- 4، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 11- 27، الإستبصار 2: 140- 458، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 11 ح 1.

(3) التهذيب 5: 462- 1611، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 4.

(4) الفقيه 2: 268- 1304، الوسائل 11: 142 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 46

يبق شي ء «1»، بدل: لم يقع شيئا.

دليل القائل بعدم الوجوب: عدم صدق الاستطاعة.

و توجّه الضرر المنفي.

و الأخبار الدالّة على عدم الاستقراض للحجّ مع عدم مال

يفي بالقرض، كرواية الواسطي «2»، و موثّقة عبد الملك «3».

و لرواية أبي همام: الرجل يكون عليه الدين و يحضره الشي ء، أ يقضي دينه أو يحجّ؟ قال: «يقضي ببعض و يحجّ ببعض»، قلت: لا يكون إلّا بقدر نفقة الحجّ، قال: «يقضي سنة و يحجّ سنة» «4».

و الجواب عن الأول: بالمنع، لأنّه ماله يجوز له إتلافه، فكيف لا يستطيع به؟! و عن الثاني أولا: بمنع توجّه الضرر مع ظن طريق للوفاء.

و ثانيا: بمنع كون ما بإزائه الثواب و الدرجات الرفيعة ضررا، سيّما مع ما ورد في الأخبار المتكثّرة من أنّ الحجّ أقضى للدين، و أنّ من حجّ سيقضي اللَّه دينه «5».

و ثالثا: بأنّ هذا لو كان ضررا لكان ممّا أقدم عليه المتداينان، و الضرر

______________________________

(1) الكافي 4: 279- 5.

(2) الكافي 4: 279- 6، التهذيب 5: 442- 1536، الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 7.

(3) الكافي 4: 279- 3، الفقيه 2: 267- 1300، التهذيب 5: 442- 1535، الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 5.

(4) الكافي 4: 279- 4، الفقيه 2: 267- 1302، الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 6.

(5) الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 47

الناشئ من عمل المكلّف لا يمنع الأحكام التكليفيّة.

و رابعا: إنّ الضرر ممّا يجب الحكم به مع وجود الدليل الشرعي، كما في المقام.

و خامسا: أنّه إن أريد توجّه الضرر على المديون، ففيه: أنّه ليس أكثر ضررا ممّا لو لم يكن عليه دين و كان له ذلك المال، فإنّه إذا حجّ به يعدّ ماله و لا تسلّط لأحد عليه، و هذا

أيضا كذلك، إذ لو حصل له بعد العود ما يفي به دينه فيوفّيه و قد حجّ من ماله، و إلّا فلا تسلّط عليه، لوجوب النظرة.

و إن أريد توجّهه على من له الدين، ففيه: أنّه لو كان كذلك لزم منع المديون عن صرفه في حوائجه و بيعه و هبته و عتقه، مع أنّه لا خلاف في جواز ذلك، بل في جواز الحجّ أيضا، و إنّما النزاع في الوجوب.

و عن الثالث: أنّه غير المتنازع فيه، لأنّ السؤال فيها وقع عن أن يستقرض و يحجّ، و كلامنا فيما إذا استقرض، فإنّ الفرق بين قولك:

استقرضت فهل يجب عليّ الحجّ؟ و قولك: هل يجب عليّ الاستقراض للحجّ؟ كما بين قولك: استطعت فهل يجب عليّ الحجّ؟ و قولك: هل يجب علي أن أستطيع و أحجّ؟

مع أنّ هذه الأخبار معارضة بأخبار أخر أكثر و أوضح و أصرح، كصحيحتي ابن أبي عمير «1»، و يعقوب «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و رواية

______________________________

(1) التهذيب 5: 441- 1533، الإستبصار 2: 329- 1168، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 1.

(2) الكافي 4: 279- 1، الفقيه 2: 267- 1299، الوسائل 11: 142 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 8.

(3) الفقيه 2: 267- 1303، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 48

عقبة «1».

و عن الرابع أولا: أنّ الظاهر منه أنّ الدين معجّل.

و ثانيا: أنّه لا دلالة فيه على تأخير الحجّ من قضاء الدين.

و ثالثا: أنّه غير المتنازع فيه، لأنّ المستفاد من قوله: «يقضي سنة و يحجّ سنة» أنّ هذا الشي ء الحاضر ممّا يعتاد أن يحضر كلّ سنة، كغلّة ضياع، أو

ربح تجارة، و أمثالهما.

و على هذا، فإن كان الدين معجّلا يجب قضاؤه و لا يجب الحجّ و ليس من المتنازع فيه، و إن كان مؤجّلا- فلوجود ما يقضي به الدين عادة بعد حلول الأجل- يجب عليه الحجّ إجماعا، و لا نزاع فيه أيضا.

المسألة السابعة: لو بذل له الزاد و الراحلة،
اشاره

و مئونة عياله ذاهبا و عائدا صار مستطيعا مع استكمال باقي الشرائط، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن صريح الخلاف و الغنية «2» و ظاهر المنتهى و التذكرة «3»، لصدق الاستطاعة الموجبة للحجّ كتابا و سنّة، و القدرة و الإطاقة الموجبتين له في بعض ما تقدّم من الأخبار، و خصوص المستفيضة، كصحاح محمد «4» و ابن عمّار «5» و هشام «6»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 441- 1534، الإستبصار 2: 329- 1169، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 3.

(2) الخلاف 2: 251، الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(3) المنتهى 2: 652، التذكرة 1: 302.

(4) التهذيب 5: 3- 4، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 1.

(5) التهذيب 5: 18- 52، الإستبصار 2: 143- 468، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 3.

(6) الفقيه 2: 259- 1256، التوحيد: 350- 11، الوسائل 11: 42 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 7

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 49

و الحلبي «1»، المتقدمة جميعا.

و إطلاقها- كما ترى- يقتضي عدم الفرق بين تمليك المبذول و عدمه، و لا بين وجوب البذل بنذر و شبهه و عدمه، و لا بين وثوق الباذل و عدمه.

إلّا أنّ المحكي عن الحلّي: اشتراط الأول «2»، و عن التذكرة: الثاني «3»، و عن الدروس: أحدهما «4»، و في المدارك و

الذخيرة و المفاتيح «5» و غيرها «6»:

الثالث، و هو الأصحّ، لعدم صدق الاستطاعة بدونه عرفا و لا لغة، فيعارض ما ينفي الوجوب بدونها- كمفهوم «7» الآية و غيره- مع الإطلاق بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل، و لاستلزام الوجوب بدونه العسر و الحرج المنفيّين، مضافا إلى عدم معلوميّة انصراف الإطلاق إلى ما يشمل صورة عدم الوثوق أيضا، لأنّ المتبادر منه ما يكون معه الوثوق.

و لا يشترط في الوثوق العلم، بل تكفي مظنّة الوفاء، لانتفاء المقيّدات المذكورة معها، و لأنّه لا يزيد على ملكيّة مال الاستطاعة، و بقاؤه ليس بعلميّ، فقد يفقد و يسرق و ينهب.

فروع:
أ: المراد ببذل الزاد و الراحلة و المئونة:

عرضها عليه، بأن يقول: عليّ

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5.

(2) السرائر 1: 517.

(3) التذكرة 1: 303.

(4) الدروس 1: 310.

(5) المدارك 7: 47، الذخيرة: 560، المفاتيح 1: 298.

(6) كما في الحدائق 14: 101.

(7) في «ق»: لمفهوم ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 50

زادك و راحلتك و نفقة عيالك، أو أحضرها و قال: حجّ بذلك، أو: أبحتها لك لتحجّ بها، لصدق العرض و الاستطاعة و القدرة.

و لا و فرق في الوجوب بين عرض عين الزاد و الراحلة أو أثمانهما، وفاقا للأكثر، كما في المدارك و الذخيرة «1»، لصدق الموجبات المذكورة.

و عن الشهيد الثاني: عدم الوجوب بالثاني، معلّلا بأنّ ذلك موقوف على القبول، و هو شرط للواجب المشروط فلا يجب تحصيله «2».

و فيه:- مضافا إلى جريانه في بذل العين أيضا- أنّ المشار إليه بقوله:

ذلك، إن كان وجوب الحجّ أو إباحة التصرّف أو حصول الاستطاعة العرفيّة، فلا نسلّم التوقّف، فإنّه يجوز له التصرّف

و لو سكت قولا و فعلا.

و إن كان تحقّق الملكية و اللزوم، فلا نسلّم كونهما شرطين للواجب.

و أيضا قوله: فلا يجب تحصيله، إن أريد أنّه إجماعي، فهو في موضع النزاع ممنوع، و إن أريد أنّه مقتضى القاعدة، فهو يكون من باب الأصل اللّازم طرحه بعد إطلاق النصوص.

و منه يظهر وجوب الحجّ على من بذل له مال نذره مالكه لمن يحجّ، أو أوصى له على سبيل الإطلاق.

ب: لو وهب له مالا ليحجّ به،

يجب الحجّ على الأظهر، لما ذكر، وفاقا للشهيد الثاني «3»، و ظاهر المدارك و الذخيرة «4».

و عن الدروس: عدم وجوب القبول و لا الحجّ «5»، لما مرّ بجوابه، فإنّ

______________________________

(1) المدارك 7: 46، الذخيرة: 560.

(2) الروضة 2: 166.

(3) الروضة 2: 166.

(4) المدارك 7: 47، الذخيرة: 560.

(5) الدروس 1: 310

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 51

القبول شرط اللزوم و الملكيّة و تحقّق الهبة الشرعيّة، دون إباحة التصرّف و الاستطاعة العرفيّة.

و منه يظهر ردّ ما قيل من أنّ الهبة موقوفة على القبول، فهي اكتساب غير واجب، بخلاف البذل، فإنّه إباحة يكفي فيها الإيقاع «1»، فإنّ الهبة متضمّنة للإباحة المتحقّقة بدون القبول أيضا قطعا و إن كان تحقق جزئها الآخر- و هو التملّك- موقوفا على الاكتساب، مع أنّ عدم وجوب الاكتساب- الذي تحقّق قبله الاستطاعة العرفيّة- ممنوع، و أيّ دليل عليه؟! فإنّ المسلّم عدم وجوب تحصيل الاستطاعة. و أمّا مع تحقّقها عرفا فيجب الاكتساب المتوقّف عليه الحجّ، و لولاه لم يجب بيع المال لنفقة الحجّ، و لا شراء عين الزاد و الراحلة لمن يملك ثمنها، فإنّ بعد تحقّق الاستطاعة يصير الواجب مطلقا، و ما يتوقف عليه مقدمة للواجب المطلق، فيجب تحصيله.

ج: لو بذل له مالا، أو وهبه له و أطلق-

أي لم يقيّده بكونه للحجّ- فقيل: المشهور عدم وجوب القبول، لكونه اكتسابا «2». و جوابه قد مرّ، مع أنّه لا فرق في ذلك بين الإطلاق و التقييد.

فالحقّ: وجوب الحجّ معه، إلّا أن لم يكن مستجمعا لسائر الشرائط حين البذل و لم يبذل حال الاستجماع، كأن بذله قبل إمكان المسافرة.

د: لا يمنع الدين- و لو كان معجّلا- من وجوب الحجّ على تقدير البذل أو الهبة للحجّ،

و أمّا مع الإطلاق فيشترط في وجوب الحجّ عليه معيّنا توفية الدين أو رضى الدائن أو تأجيله، و الوجه ظاهر، و كذا سائر ما يستثنى من الاستطاعة.

______________________________

(1) قاله صاحب الرياض 1: 339.

(2) قاله صاحب الرياض 1: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 52

ه: لو بذل له تمام ما تتمّ به الاستطاعة

مع وجود القدرة على باقيه، يجب الحجّ.

و: لا يجب على المبذول له إعادة الحجّ بعد اليسار،

وفاقا للمشهور على ما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه «1»، بل في الأخيرين: أنّ القول الآخر شاذ، و عن بعض آخر: أنّ عليه فتوى علمائنا، الظاهر في دعوى الإجماع «2».

لنا: الأصل، و صدق الامتثال، و دلالة الأمر على الإجزاء.

و استدلّوا أيضا بصحيحة ابن عمّار: رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه، هل يجزئ ذلك عنه عن حجّة الإسلام، أو هي ناقصة؟

قال: «بل هي حجّة تامّة» «3».

و فيه: أنّ الإجزاء عن حجة الإسلام لا يدلّ على عدم وجوب الإعادة إلّا بضميمة عدم وجوبها إلّا مرّة واحدة، و هو إمّا بالإجماع القابل للمنع في محلّ النزاع، أو العمومات اللّازم تخصيصها بما يأتي من المخصّصات، و لذا أمر بالإعادة في الروايات الآتية مع التصريح بقضاء حجّة الإسلام، مع أنّ حجّة الإسلام قد يعبّر بها عن أول حجّة.

و أمّا تماميّة الحجّ فهي تجري في المندوب و الحجّ عن الغير أيضا، لأنّ معناها كماله.

خلافا للإستبصار، فيعيد مع اليسار «4»، لموثّقة البقباق: عن رجل

______________________________

(1) المدارك 7: 47 و فيه: و هو قول الأكثر، الذخيرة: 561، المفاتيح 1: 300.

(2) كما في الرياض 1: 339

(3) التهذيب 5: 7- 17، الإستبصار 2: 143- 468، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 2.

(4) الإستبصار 2: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 53

لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه، أ قضى حجّة الإسلام؟

قال: «نعم، و إن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»، قلت: فهل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال: «نعم، يقضي عنه حجّة الإسلام و تكون تامّة ليست

بناقصة، و إن أيسر فليحجّ» «1».

و رواية أبي بصير: «لو أنّ رجلا معسرا أحجّه رجل كانت له حجّة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ، و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ و إن كان قد حجّ» «2».

و الجواب عنهما: بعدم صلاحيّتهما لإثبات حكم مخالف للأصل، لشذوذهما، و مخالفتهما للشهرتين العظيمتين، بل للإجماع المحقّق، فإنّ مخالفة الإستبصار لا تضرّ في تحقّقه، سيّما مع رجوع الشيخ عنه في سائر كتبه «3».

مضافا إلى أنّ تشبيه الناصب- المجمع على عدم الوجوب عليه- أقوى قرينة على إرادة الاستحباب، فيجب الحمل عليه، و أمّا الحمل على من حجّ عن غيره فبعيد غايته.

ز: لا يشترط في المبذول له الرجوع إلى كفاية،

لأنّ الظاهر المتبادر من أخبار اشتراطه إنّما هو فيما إذا أنفق في الحجّ من كفايته، لا مثل ذلك، مع أنّ الشهرة الجابرة غير متحقّقة في المورد، و مع ذلك تعارضها إطلاقات

______________________________

(1) الكافي 4: 274- 2، التهذيب 5: 7- 18، الإستبصار 2: 143- 467، الوسائل 11: 41 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 6.

(2) الفقيه 2: 260- 1265، التهذيب 5: 9- 22، و أورد صدر الحديث في الإستبصار 2: 144- 470، و الوسائل 11: 57 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 5.

(3) كما في التهذيب 5: 7، و النهاية: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 54

وجوب الحجّ بالبذل، و هي أقوى و أكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الحجّ و الاستطاعة العرفيّة «1».

و أمّا نفقة العيال، فصريح الأصحاب اشتراط وجودها له، و لا يخفى أنّ إثباته من أدلّة استثنائها مشكل، لأنّ سبيلها سبيل أدلة استثناء الكفاية.

نعم، يمكن إثبات اشتراطها بإيجاب نفيه لتضيّع العيال الموجب للعسر و الحرج المنفيين، و على هذا فلو كان المبذول له

من لا يقدر على نفقة العيال و لا يتكفّلهم يتّجه القول بعدم اشتراط وجودها.

المسألة الثامنة: لو استأجره أحد للمعونة على السفر

أو لتعليم فيه أو نحوهما بما يكفي لنفقة الحجّ و العيال أو شرطهما له، فلا شكّ في الوجوب بعد القبول و تحقّق الإجارة، و يجزئ عن حجّة الإسلام.

و لا يرد: أنّ الوصول إلى تلك الأماكن قد وجب بالإجارة دون أفعال الحجّ، فلا يتداخل الواجبان.

لأنّ الوصول إليها مقدّمة الحجّ لا نفسه، و لا تجب عليه بالإجارة أفعاله، و مقدّمة الشي ء لا يجب إيقاعها على وجه كونه لذلك الشي ء، مع أنّ عدم التداخل ممنوع كما يأتي.

و هل تجب إجابة المستأجر و قبول الإجارة قبل القبول، أم لا؟

المصرّح به في كلام الأكثر: الثاني «2»، لأنّه مقدّمة الواجب المشروط، و تحصيلها غير واجب.

و الحقّ: الأول، إذا كان ما استؤجر له ممّا لا يشقّ عليه و يتمشّى منه، لصدق الاستطاعة، و لأنّه نوع كسب في الطريق، و قد مرّ وجوبه على مثله،

______________________________

(1) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 1.

(2) كما في الحدائق 14: 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 55

و ليس القبول مقدّمة للواجب المشروط، بل للمطلق، لأنّ مع الفرض تحصل الاستطاعة العرفيّة، فيصير الحجّ واجبا عليه و إن توقّف إيقاعه على القبول، كاشتراء عين الزاد و الراحلة.

و التحقيق: أنّ هذه ليست تحصيل الاستطاعة، لأنّ بعد تمكّنه ممّا استؤجر له يكون ذلك منفعة بدنيّة مملوكة له، حاصلة له، قابلا لإيقاع الحجّ به، فيكون مستطيعا، كمالك منفعة ضيعة تفي بمئونة الحجّ عليه، غايته أنّه يبادلها بالزاد و الراحلة.

لا يقال: فعلى هذا يجب تحصيل مئونة الحجّ على كلّ من قدر على الاكتساب و تحصيل الاستطاعة، فيكون الحجّ واجبا مطلقا.

لأنّا نقول: إن كان اقتداره بحيث

تصدق معه الاستطاعة العرفيّة فنسلّم الوجوب و لا يصدق وجوب تحصيل الاستطاعة، و لا ضير فيه، و إلّا فلا دليل على وجوب الاكتساب، لأنّ ما نقول بوجوبه هو ما اجتمع مع صدق الاستطاعة العرفيّة.

فإن قيل: الاستطاعة على ما فسّرت في الأخبار المستفيضة: أن يكون له زاد و راحلة، فلا تحصل إلّا بوجودهما، و لا يوجدان لمثل ذلك الشخص إلّا بعد الكسب.

قلنا: المراد بوجودهما ليس وجود عينهما، بل أعمّ منها و ممّا بإزائها، و المنفعة البدنيّة إنّما هي موجودة له، و هي بإزاء العين، فمن يصدق عليه أنّه واجد لما بإزاء الزاد و الراحلة- إمّا بالبذل أو الإباحة الصريحين، أو الضمنيّين كما في الهبة، أو بعوض يملكه كمنفعة بدنيّة أو ملكيّة- يجب عليه الحجّ.

و أمّا من لم يصدق عليه ذلك و سهل عليه التحصيل- كمن يتمكّن من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 56

أن يشتري متاعا بألف نسية إلى خمسة أيّام و يبيعه في بلد آخر قريب قبل الخمسة بألفين نقدا- ففيه إشكال، لأنّه لا يملك قبل الشراء ما بإزاء الزاد و الراحلة.

و التحقيق: أنّه يجب هنا أولا بيان مسألة أخرى و تفريع أمثال تلك المسائل عليها، و هي بيان معنى الاستطاعة الماليّة.

و تحقيقه: أنّه قد مرّ في المسألة الثانية: أنّه لا يشترط في صدق الاستطاعة وجود عين الزاد و الراحلة، بل يكفي وجود ثمنهما أو ما يصلح أن يكون إزاء لهما أو لثمنهما، و هو إجماعي، بل ضروري من الدين.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون ما يصلح الإزاء عينا موجودة أو منفعة مملوكة، فلو كانت له ضيعة لم يتمكّن من بيعها و يمكن إجارتها في مدّة بما يكفي لمئونة الحجّ و ما يتبعه،

يجب الحجّ، لصدق الاستطاعة.

و هل يشترط وجود ما يصلح أن يكون إزاء للمئونة عينا أو منفعة، أو يكفي الاقتدار و التمكّن على تحصيله من غير مشقّة، بل بسهولة حال اجتماع سائر الشرائط؟

ظاهر كثير من كلماتهم: الأول، حيث نفوا الوجوب إذا توقّف على الاكتساب مطلقا «1»، حتى بمثل قبول الهبة و قبول إجارة النفس.

و لعلّه للأخبار- المتقدمة كثير منها- المفسّرة للاستطاعة: بأن يكون له أو عنده زاد و راحلة «2»، أو أنّها وجود الزاد و الراحلة، كما في المرسلة المتقدّمة «3».

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 226، التذكرة 1: 302، الروضة 2: 166.

(2) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 8.

(3) مجمع البيان 1: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 57

و ظاهر بعض كلماتهم: الثاني، ككلام من أوجب الحجّ للمتمكّن من الزاد الراحلة بالكسب في الطريق، و من أوجب الاستدانة لمن له دين مؤجّل أو متاع لا يتمكّن الحال من بيعه، و من أوجب قبول الهبة، و من استدلّ لهذه الأمور بالاقتدار و التمكّن و الاستطاعة، و من قيّد الاستطاعة بالعرفيّة.

و لعلّه لوجوب حمل الاستطاعة على العرفيّة و تحقّقها مع التمكّن بالسهولة، و للأخبار الموجبة للحجّ بمجرّد القدرة على ما يحجّ به، أو بمجرّد عدم الحاجة المجحفة، أو مانع آخر، كصحيحتي الحلبي «1» و المحاربي «2» المتقدّمتين. و هو الأظهر، لما ذكر.

و لا تضرّ الأخبار المفسّرة للاستطاعة، إذ ليس المراد بوجود الزاد و الراحلة فيها معناه الحقيقي، و هو وجوب عينهما إجماعا، و مجازه كما يمكن أن يكون الأعمّ من وجود العين و الثمن يمكن أن يكون القدرة على تحصيلهما، التي هي حقيقة الاستطاعة، فلا نعلم إرادة معنى آخر غير الحقيقي للفظ الاستطاعة، فيجب الرجوع

إليه، مع أنّ صحيحتي الحلبي و المحاربي تعيّنان «3» هذا المعنى، فيجب الأخذ به.

ثم إنّه يتفرّع عليه كثير من مسائل المقام:

منها: ما مرّ من وجوب الحجّ على الكسوب إذا تمكّن من كسبه في الطريق.

و منها: وجوب الاستدانة لمن له دين مؤجّل أو متاع لا يتمكّن من

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5.

(2) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333، التهذيب 5: 17- 49، الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7 ح 1.

(3) في «ق»: يعنيان ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 58

بيعه في الحال.

و منها: وجوب قبول الهبة و إجارة النفس لمعونة السفر و نحوها.

و منها: من تقدّم ممّن يتمكّن من شراء المتاع بألف و بيعه بألفين إذا كان ذلك مع استجماع سائر الشرائط، كأن يكون وقت المسافرة و حضور الرفقة و نحوهما.

و منه يرتفع إشكال وجوب التكسّب للحجّ مطلقا، إذ قبل الأوان لا يجب، و معه لا تحصل المئونة من الكسب غالبا.

نعم، يجب تقييد التحصيل بما لا يخرجه الدليل، فلا تجب الاستدانة لمن ليس له مال و لا السؤال و لا الاستيهاب، للإجماع، و الأخبار، و العسر و الحرج.

المسألة التاسعة: لا يجب للولد بذل ماله لوالده للحجّ،

و لا يجوز للوالد صرف مال ولده فيه بدون مصلحته أو إذنه، وفاقا للأكثر «1»، للأصل.

و عن النهاية و المبسوط و الخلاف و القاضي «2»: الوجوب، و استشكل فيه في الذخيرة «3»، و ظاهر الخلاف إجماع الأصحاب «4»، لصحيحة سعيد بن يسار: الرجل يحجّ من مال ابنه و هو صغير؟ قال: «نعم، يحجّ منه حجّة الإسلام»، قلت: و ينفق منه؟ قال: «نعم»،

ثم قال: «إنّ مال الولد لوالده» الحديث «5».

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 226، التذكرة 1: 302، مجمع الفائدة 6: 76، المدارك 7: 53.

(2) النهاية: 204، المبسوط 1: 299، الخلاف 2: 250، القاضي في المهذّب 1: 267.

(3) الذخيرة: 561.

(4) الخلاف 2: 250.

(5) التهذيب 5: 15- 44، الوسائل 11: 91 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 59

و فيه: أنّه لا تدلّ الصحيحة على أزيد من جواز الحجّ من مال الابن الصغير الذي ولايته بيد الأب، و هو غير دالّ على عدم إعطاء العوض، فلعلّه معه حتى يكون قرضا.

و الحاصل: أنّ المستفاد منها جواز هذا النوع من التصرّف أيضا، و هو أعمّ من القرض و نحوه، فلا يعارض ما دلّ على عدم جواز صرفه في غير مصلحة الصغير، و أمّا جزؤه الأخير فمخالف للإجماع و الأخبار.

المسألة العاشرة: قال بعضهم: لا يجوز صرف المال في النكاح بعد تعلّق الخطاب بالحجّ

و توقّف الحجّ على المال و إن شقّ ترك النكاح، لأنّ الحجّ مع الاستطاعة واجب فلا يعارضه النكاح المندوب، و لو حصل له من ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمّل عادة أو خشي حدوث مرض بتركه قدّم النكاح «1».

بل قيل بتقديم النكاح لو خشي وقوع الزنا بتركه «2».

أقول: ما يدلّ على تقديم النكاح في صورة التضرّر بتركه يدلّ عليه في صورة المشقّة أيضا، إذ تحمّل المشقّة عسر، و هو منفيّ في الشريعة، إلّا أن يراد مشقّة جزئيّة لا عسر في تحمّلها، و في صدق المشقّة نظر.

ثم القول بتقديمه في صورة خشية الوقوع في الزنا ممّا لا دليل عليه، سيما إذا كانت الخشية باحتمال الوقوع أو الظنّ بتركه، بل و كذلك مع العلم، فإنّ هذه الخشية لو أوجبت تخصيص عمومات وجوب الحجّ «3» للاستطاعة

لجاز تخصيص عموم كلّ ما يدفع به ذلك من ترك الواجبات

______________________________

(1) الحدائق 14: 107.

(2) الذخيرة: 560، المنتهى 2: 653.

(3) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 60

و فعل المحرّمات، و لا يقولون به، بل يمكن على ذلك أن يقال بتعارض عمومات حرمة الزنا «1» بهذه العمومات.

و فساد ذلك ظاهر جدّا، بل نقول: إنّه يجب عليه الأمران: الحجّ و ترك الزنا، و الخشية إنّما هي لأجل غلبة نفسه، التي هو مأمور بدفعها.

ثم إنّ ما ذكروه من عدم جواز صرف المال في النكاح مبنيّ على ما نقول به من وجوب إبقاء مقدّمة الواجب كما يجب تحصيلها، و لذا نقول بعدم جواز إهراق الماء المحتاج إليه للطهارة، و الأكثر لم يذكروه و إن قالوا به هنا. و يلزمه عدم جواز وقفه و هبته و بيعه بثمن قليل تنتفي معه الاستطاعة، و أنّه لو فعله لبطل الوقف، بل الهبة و البيع أيضا على القول باستلزام النهي في المعاملات للفساد، كما هو التحقيق. و كذا تلزمه هذه الأمور في صورة اشتغال الذمّة بالدين المعجّل المتوقّف أداؤه على ذلك المال كما نقول به.

المقام الثاني: في الاستطاعة السربيّة.
اشاره

و هي تحصل بتخلية السرب- بفتح المهملة و إسكان الراء: الطريق- و اشتراطها مجمع عليه محقّقا و محكيّا «2»، و الآية تدلّ عليه، و كثير من الأخبار المتقدّمة ترشد إليه، و نفي العسر و الحرج يؤكّده، و انتفاء الضرر و الضرار يبيّنه.

و المراد منها: عدم الخوف على النفس أو البدن أو البضع أو المال، و عدم خوف المنع في الطريق، فمع خوف أحد هذه الأمور لا تحصل الاستطاعة و لا يتحقق فرض الحجّ.

______________________________

(1) الوسائل 20: 307 أبواب النكاح المحرّم

ب 1.

(2) كما في المعتبر 2: 754.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 61

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: تكفي في الوجوب سلامة بعض الطرق،

فلو كان له طريقان مخلّى أحدهما دون الآخر وجب سلوك الأول و إن كان أبعد إذا لم تقصر نفقته عنه و اتّسع الزمان له.

و الظاهر اشتراط كون الأبعد طريقا من بلده إلى مكّة عرفا، أي لم يبلغ من الانحراف و البعد حدّا يخرج عن كونه سبيلا إليه، و يصحّ أن يقال: إنّ بعض طرق البلد إليه مخلّى، فإن بعد بحيث لا ينصرف الطريق إليه ففي وجوب سلوكه إشكال، بل عدمه أظهر، لعدم صدق تخلية السرب عرفا، و عدم انصراف استطاعة السبيل إليه، فالمدني لو منع من المسير من طرق المدينة إلى مكّة و أمكنه المسير إلى الشام و منه إلى العراق و منه إلى خراسان و منه إلى الهند و منه إلى البحر و منه إلى مكّة لم يجب عليه الحجّ.

المسألة الثانية: لو كان في الطريق عدو لا يندفع إلّا بمال،

ففي سقوط الحجّ- كما عن الشيخ «1» و جماعة «2»- أو وجوبه- كالمحقّق و الفاضل في بعض كتبه و المدارك و الذخيرة «3»، و جمع آخر «4»- أو الأول مع الإجحاف و الثاني مع عدمه- كما عن التذكرة و الدروس «5»- أقوال، و ظاهر

______________________________

(1) المبسوط 1: 301.

(2) كما في الإيضاح 1: 271.

(3) المحقق في الشرائع 1: 228، الفاضل في المنتهى 2: 656، المدارك 7: 63، الذخيرة: 561.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 90، الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 78، صاحب الحدائق 14: 142.

(5) التذكرة 1: 306، الدروس 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 62

الإرشاد التردّد «1».

حجّة الأول: انتفاء تخلية السرب.

و حصول الإعانة على الظلم.

و القياس على من أخذ المال منه قهرا.

و ردّ الأول: بمنع اشتراط التخلية مطلقا، بل المشترط تخليته بحيث يتمكّن من المسير بدون مشقّة و شدّة.

و الثاني: بمنع كونه إعانة.

و

الثالث: بالفرق و منع الأصل.

و دليل الثاني: حصول الاستطاعة و القدرة، فتتناوله الآية و الأخبار.

و حجّة الثالث: حصول الضرر المنفيّ مع الإجحاف.

أقول: حمل الأولون تخلية السرب المأخوذة في الاستطاعة على كونه خاليا عمّا يخاف معه الضرر على النفس أو البدن أو البضع أو المال.

و حملها الرادّون على كونه بحيث يتمكّن من المسير منه بلا مشقّة شديدة، و إن كان التمكّن لتحمّل ضرر مالي.

و لا شكّ أنّه يرد على الطائفة الأخيرة: أنّ تقييد التمكّن بعد المشقّة إن كان لآيات نفي العسر و الحرج فيجب تقييده بعدم الضرر أيضا، لأخبار نفي الضرر و الضرار، بل لأدلّة نفي العسر أيضا، فإنّ تحمّل الضرر عسر غالبا.

و إن كان لفهم العرف و اللغة فلا شكّ أنّهم يفهمون منها التمكّن من المسير بلا ضرر يعتدّ به، و أمّا معه فلا.

فالصواب: تفسير تخلية السرب بكونه بحيث يتمكّن من المسير منه

______________________________

(1) الإرشاد 1: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 63

بلا مشقّة شديدة، و لا ضرر يعتدّ به زائدا عمّا هو لازم قطع المسافة من المشقّة و الضرر.

هذا، مع أنّ أدلّة نفي الضرر بنفسها أدلّة مستقلّة معارضة مع عمومات الاستطاعة و القدرة- لو لم يؤخذ في معناهما تخلية السرب- بالعموم من وجه، موجبة للرجوع إلى الأصل.

فإذن الأظهر هو القول الأول إن كان مرادهم من المال المعتدّ به الموجب لصدق الضرر عرفا، و القول الثالث إن كان مطلقا.

ثم إنّه لا فرق في الضرر الموجب لعدم تخلية السرب بين أن يؤخذ المال المتضرّر به قهرا و نهبا، أو صلحا و هدية- بأن يتصالح العدو و يرتفع عن الطريق بسبب أخذ المال- أو سلطانا و رئاسة، بأن يقرّر أخذ مال لمن يحجّ، أو يعبر عن تحت

ولايته أو بمصاحبته.

و سواء كان الأخذ لأجل العبور للحجّ، أو العبور مطلقا.

و سواء كان بلا مستند أو كان لأجل دفعه عدوّا آخر و محافظة الطرق عمّا فيها من الأعداء، متعدّيا عن قدر ما يلزم في الدفع، أو لا، إذا كان المأخوذ ضررا و إجحافا على المأخوذ منه.

و منه يظهر أنّه لو اندفع خوف العدو بصرف مال موجب للضرر في استصحاب عسكر لم يجب.

المسألة الثالثة: ليس المراد بتخلية السرب تخليته لكلّ أحد في كلّ حال،

بل المراد تخليته بالنسبة إلى الشخص بحسب أحواله، فلو كان في الطريق خوف عدو لشخص دون آخر يجب الحجّ على الآخر.

و لو لم يأمن الطريق للقافلة القليلة و أمن مع الكثرة و تحقّقت، يجب.

و لو ارتفع العدو بتحمّل شخص الضرر على نفسه، يجب على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 64

الباقين، إلى غير ذلك من الموانع.

المسألة الرابعة: لو حجّ من هذا شأنه و رضي بالضرر لم يكف عن حجّة الإسلام،

و يجب عليه الحجّ ثانيا إذا ارتفع المانع بلا تضرّر، إلّا إذا كان تحمّل الضرر قبل أحد المواقيت و لم يكن بعده عدوّ، لحصول الاستطاعة بعده، أو إذا كان هناك طريقان أحدهما مخلّى و سلك هو من غير المخلّى، لتحقّق الاستطاعة أيضا.

و يمكن الحيلة في الإجزاء أيضا، بإيجاب ما يأخذه العدو له على نفسه أولا بنذر أو يمين أو عهد، أو ببذله لغيره و شرطه إعطائه العدو و نحو ذلك، و كذا يجزئ لو بذله باذل.

المسألة الخامسة: كما يشترط خلوّ السرب عن العدو يشترط خلوّه عن سائر الموانع أيضا،

فلو كان في بعض منازل الطريق طاعون أو وباء و خاف على نفسه من العبور فيه لا يجب.

و كذا لو انحصر الطريق في البحر و خاف المرض من سلوكه، بل لو كان المانع مجرّد الخوف من الطاعون أو البحر بحدّ يعسر تحمّله، و كانت فيه مشقّة شديدة، أو احتمال حدوث مرض من الخوف، لم يجب أيضا.

المقام الثالث: في الاستطاعة البدنيّة.

و هي الصحّة من المرض العائق عن الحركة أو الركوب أو الإتيان بالأفعال، و من العضب المانع كذلك، و هو- بالمهملة ثم المعجمة-: الزمانة و الضعف، فغير الصحيح لا يجب عليه الحجّ، بالإجماع، و عدم صدق الاستطاعة، و انتفاء الحرج، و كثير من الأخبار المتقدّمة.

المقام الرابع: في الاستطاعة الزمانيّة.
اشاره

و هي التمكّن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق أو احتاج إلى سير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 65

عنيف لقطع المسافة و عجز عنه سقط عنه فرضه في عامه، و كذا لو قدر و لكن بمشقّة شديدة لا يتحمّل مثلها عادة، للإجماع، و فقد الاستطاعة، و لزوم الحرج و العسر، و كونه أمرا يعذره اللَّه فيه، كما صرّح به في بعض الأخبار «1».

و لنختم ذلك الفصل بمسائل:

المسألة الأولى: يشترط في وجوب الحجّ- بعد حصول الاستطاعات الأربع- أمر آخر أيضا،

و هو عدم ترتّب ضرر عليه أو على غيره بالخروج إلى الحجّ، فلو كان أحد بحيث لو خرج كان خروجه إلى الحجّ موجبا لتلف ماله المعتدّ به غير ما يصرف في الحجّ، أو كانت المرأة بحيث تخاف على رضيعها، و غير ذلك، لم يجب الحجّ.

و الفرق بين ذلك و بين الشراء بأزيد من ثمن المثل أو البيع بالأقلّ أنّ العلّة المنصوصة فيهما غير جارية هنا.

و كذا يسقط الوجوب لو منعه قاهر من المسافرة، أو خاف فيه على نفسه أو بضعه أو ماله أو ما يتعلّق به.

المسألة الثانية: لا يعتبر في الاستطاعات المذكورة حصولها من بلد المكلّف،

فلو حصلت له في موضع آخر مطلقا- حتى الميقات- و استطاع للحجّ و العود إلى بلده وجب عليه الحجّ و إن لم تكن له الاستطاعة من بلده، وفاقا للذخيرة و المدارك «2»، و بعض آخر من المتأخّرين «3»، بل الأكثر، كما يظهر من قولهم في الصبي و المجنون المدركين في الميقات.

______________________________

(1) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 34.

(2) الذخيرة: 559، المدارك 7: 41.

(3) كما في الحدائق 14: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 66

لعموم النصوص السالم عن المعارض، و صحيحة ابن عمّار: الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكّة، فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحجّ، فيحرم معهم إلى المشاهد، يجزيه ذلك من حجّة الإسلام؟ قال: «نعم» «1».

و عن الشهيد الثاني: أنّ من أقام في غير بلده إنّما يجب عليه الحجّ إذا كان مستطيعا من بلده، إلّا أن تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام أو مع انتقال الفرض، كالمجاور بمكّة بعد السنتين «2».

و لعلّه لانفهام ذلك من العمومات و الإطلاقات، و هو ممنوع جدّا.

و على هذا، فلو حجّ الفقير

متسكّعا إلى الميقات و لكن لم يحتج إلى التسكّع منه إلى الفراغ من المناسك يجب عليه و يجزئه عن حجّة الإسلام، و كذا الحال في سائر الاستطاعات، و كذا لو سافر للتجارة إلى الشام مثلا و حصل له فيه من الربح ما يكفيه للحجّ و العود.

المسألة الثالثة: لو حجّ غير المستطيع تسكّعا أو بمشقّة شديدة كان حجّه ندبا

و لم يجز عن حجّة الإسلام، و تجب عليه الإعادة لو استطاع، بلا خلاف كما قيل «3»، بل بظاهر الإجماع كما عن الخلاف و المنتهى «4» و غيرهما «5»، لتوقّف الإجزاء على الأمر و الخطاب المنفيّين في المقام، لفقد الشرط.

______________________________

(1) الكافي 4: 275- 6، الفقيه 2: 264- 1283، الوسائل 11: 58 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 22 ح 2.

(2) المسالك 1: 102.

(3) في الرياض 1: 338.

(4) الخلاف 2: 246، المنتهى 2: 652.

(5) كما في الدروس 1: 310، و كشف اللثام 1: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 67

و لا فرق في ذلك بين انتفاء الاستطاعة الماليّة و غيرها، كما صرّح به جماعة «1»، و حكي عن المشهور «2».

و عن الدروس: الفرق «3»، فلا يجزئ في الأول و يجزئ في غيره، كالمريض و الممنوع بالعدو و ضيق الوقت و المعضوب، لأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط، فإنّه لا يجب، و لو حصّله أجزأ.

و فيه: أنّ الحاصل بالتكلّف: الحجّ أو السير إليه، لا الصحّة و أمن الطريق مثلا، اللذان هما الشرط.

نعم، لو حصلت لغير المستطيع الاستطاعة قبل الميقات- كأن يحصل له من السؤال ما يكفي له منه إلى تمام المناسك، أو كان له من ماله هذا المقدار، أو سهل له المشي منه إلى مكّة من غير راحلة، أو تحمّل الحركة العنيفة في ضيق الوقت حتى أدرك الميقات في الوقت،

أو بلغ إلى موضع الأمن قبل الميقات، و غير ذلك- يجزئ عن حجّة الإسلام، و لأجل ذلك يشبه أن يكون خلاف الدروس مع المشهور لفظيا.

و منه يظهر أنّه لو اقترض ما يكفيه لنفقة الحجّ و العيال و حجّ يكون مجزئا عنه، إذ بعد الاقتراض يصير مستطيعا.

و هل يشترط في الوجوب و الإجزاء لمن حصلت له الاستطاعة قبل الميقات- بالسؤال أو وجود قليل من المال أو الاقتراض- نفقة العيال، أو الكفاية، أو نفقة العود، أم لا؟

الظاهر أنّه لو لم يتفاوت الحال للعيال و الكفاية و العود بصرف ما في

______________________________

(1) منهم صاحب الرياض 1: 338.

(2) انظر المفاتيح 1: 299.

(3) حكاه في المفاتيح 1: 299، و هو في الدروس 1: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 68

يده إلى الحجّ يجب الحجّ و يجزئ، و إن توقّف أحد الثلاثة عليه لا يجب.

المسألة الرابعة: لو حجّ المستطيع تسكّعا أو في نفقة غيره أجزأه عن الفرض،

بلا خلاف فيه بين العلماء، لأنّ الحجّ واجب عليه و قد امتثل بفعل المناسك المخصوصة، فيحصل الإجزاء، و صرف المال غير واجب لذاته و إنّما يجب إذا توقّف عليه الواجب.

المسألة الخامسة: لو حجّ عن المستطيع الحيّ غيره لم يجزه إجماعا،

لأنّ الواجب عليه إيقاعه مباشرة فلا تجزئ الاستنابة فيه، و كذا لو حجّ غير المستطيع عن غيره لم يجزه، بلا خلاف يعرف كما في المدارك و الذخيرة «1»، بل هو مذهب الأصحاب كما في الأول، و مقطوع به في كلامهم كما في الثاني، بل هو إجماعي، فلو استطاع بعده يجب عليه الحجّ.

للأصل، و لرواية آدم: «من يحجّ عن إنسان و لم يكن له مال يحجّ به أجزأت عنه حتى يرزقه اللَّه ما يحجّ» «2».

و رواية إبراهيم بن عقبة: عن رجل صرورة لم يحجّ قط، حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ، أ يجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام، أم لا؟ بيّن ذلك يا سيّدي إن شاء اللَّه، فكتب عليه السّلام: «لا يجزئ ذلك» «3».

و بإزائها أخبار أخر دالّة على الاجتزاء:

كصحيحة ابن عمّار: عن رجل حجّ عن غيره، يجزئه ذلك عن حجّة

______________________________

(1) المدارك 7: 49، الذخيرة: 561.

(2) التهذيب 5: 8- 20، الإستبصار 2: 144- 469، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 1.

(3) التهذيب 5: 411- 1430، الإستبصار 2: 320- 1134، الوسائل 11: 173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 69

الإسلام؟ قال: «نعم» «1».

و أخرى: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه» «2».

و جميل: رجل ليس له مال حجّ عن رجل أو أحجّه رجل، ثم أصاب مالا، هل عليه الحجّ؟ فقال: «يجزئ عنهما» «3».

و الجواب أولا: بعدم الحجّية، للشذوذ.

و ثانيا: بالمعارضة

مع ما مرّ، و الرجوع إلى الأصل.

و ثالثا: بعدم الصراحة و لا الظهور في خلاف ما مرّ، لاحتمال رجوع الضمير في: يجزئه، في الأولى، إلى الغير و كان ممّن تتعيّن الاستنابة عنه، و في: «عنهما» في الثالثة إلى المنوب عنه و المحجوج به.

مع أنّ الإجزاء في الجميع يمكن أن يكون عن الأمر الندبي أو الإيجابي الثابت بالاستئجار، و لم تثبت الحقيقة الشرعيّة في لفظ حجّة الإسلام. فما في الذخيرة- من أنّ المسألة محلّ إشكال «4»، و ما في بعض شروح المفاتيح أنّها من المتشابهات- غير جيّد.

المسألة السادسة: إذا استطاع أحد مالا و منعه كبر أو مرض أو عدوّ أو سلطان أو نحو ذلك،
اشاره

فإمّا يكون مأيوسا من الخلاص أو لا، و على التقديرين إمّا يكون الحجّ مستقرّا في ذمّته قبل العذر أو لا.

______________________________

(1) الكافي 4: 274- 3، التهذيب 5: 8- 19، الإستبصار 2: 144- 471، الوسائل 11: 56 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 4.

(2) التهذيب 5: 411- 1432، الإستبصار 2: 320- 1136، الوسائل 11: 55 أبواب النيابة في الحجّ ب 21 ح 2.

(3) الفقيه 2: 261- 1268، الوسائل 11: 57 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 6، بتفاوت يسير.

(4) الذخيرة: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 70

فمع اليأس و الاستقرار قالوا: تجب عليه الاستنابة في الحياة، بل في المسالك و الروضة و المفاتيح «1» و شرح الشرائع للشيخ علي و غيرها «2»:

الإجماع عليه.

و استدلّوا له- بعد الإجماعات المحكيّة- بصحيحة محمّد: «لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلا من ماله فليبعثه مكانه» «3».

و ابن سنان: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام، أمر شيخا كبيرا لم يحجّ قطّ و لم يطق الحجّ لكبره أن يجهّز رجلا يحجّ عنه» «4»، و

مثلها صحيحة ابن عمّار «5».

و لا ينافيهما التعليق على المشيّة في روايتي القدّاح و أبي حفص:

الأولى: «إنّ عليّا عليه السّلام قال لشيخ كبير لم يحجّ قطّ: إن شئت فجهّز رجلا ثم ابعثه أن يحجّ عنك» «6».

و الثانية: «إنّ رجلا أتى عليّا عليه السّلام و لم يحجّ قطّ، فقال: إنّي كنت كثير المال و فرّطت في الحجّ حتى كبر سنّي، قال: فتستطيع الحجّ؟ قال: لا، فقال له عليّ عليه السّلام: إن شئت فجهّز رجلا ثم ابعثه حتى يحجّ عنك» «7».

______________________________

(1) المسالك 1: 90، الروضة 2: 167، المفاتيح 1: 298.

(2) كالذخيرة: 562.

(3) الكافي 4: 273- 4، التهذيب 5: 14- 40، الوسائل 11: 64 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 5.

(4) الكافي 4: 273- 2، الفقيه 2: 260- 1263، التهذيب 5: 460- 1601، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 6.

(5) التهذيب 5: 14- 38، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 1.

(6) الكافي 4: 272- 1، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 8.

(7) التهذيب 5: 460- 1599، الوسائل 11: 64 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 71

لإجمال متعلّق المشيّة، فلعلّه براءة الذمّة أو الخلاص من العذاب، و أيضا هذه قضايا في وقائع و لم يعلم اتّحادها، فلعلّ الرجل في الأخيرتين لم يكن مستطيعا قبل الكبر، إمّا من جهة المال، أو من جهة مانع آخر من عدوّ أو غيره.

و صحيحة الحلبي: إن كان رجل موسر حال بينه و بين الحجّ مرض يعذره اللَّه فيه، قال: «عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال

له» «1»، و قريبة منها رواية عليّ بن أبي حمزة «2».

و بالنصوص المفيدة لوجوب الاستنابة مع الاستقرار بعد الموت «3»، فحين الحياة مع اليأس أولى، لجواز الاستنابة حيّا، اتّفاقا فتوى و نصّا.

و يمكن الخدش في جميع تلك الأدلّة:

أمّا الإجماعات المحكيّة، فبعدم الحجّية.

و أمّا الصحيحة الأولى، فبضعف الدلالة على الوجوب من جهات عديدة:

من تعلّق التجهيز على إرادة الحجّ، الدالّة بالمفهوم على عدم وجوبه مع عدمها، و الإجماع المركّب يجري من الطرفين.

نعم، لو حمل على الاستحباب أمكن الفرق بين الإرادة و عدمها، فيستحبّ- و لو مع عدم وجوب الحجّ- مع الإرادة و عروض المانع دون

______________________________

(1) الكافي 4: 273- 5، التهذيب 5: 403- 1405، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 273- 3، التهذيب 5: 14- 39، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 7.

(3) كما في الوسائل 11: 71 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 72

حال عدم الإرادة، من جهة أنّ من أراد خيرا ينبغي إتمامه كيف أمكن.

و من الأمر بالتجهيز من ماله الغير الواجب قطعا، لكفاية بعثه و لو تبرّعا.

و من شمول إطلاقه لمن يجب عليه الحجّ أولا، كمن حجّ قبل ذلك، أو استقرّ الوجوب في ذمّته قبل ذلك أم لا، و حصل له اليأس أم لا، بل ظهور عدم اليأس منهما، حيث إنّ كون المرض العارض أو السقم المخالط ممّا لا يرجى زوالها من الأفراد النادرة جدّا. و بعض هذه الأفراد ممّا لا تجب الاستنابة فيه إجماعا، و بعضها ممّا ادّعي فيه الإجماع على عدم الوجوب، و بعضها ممّا وقع الخلاف فيه، و الحكم بأولويّة

التخصيص عن التجوّز في الأمر مشكل.

و من كون الأمر- كما قيل- واردا مورد توهّم الحظر، إمّا من جهة عدم ثبوت الاستنابة للحيّ، أو من جهة قول بعض العامّة به، كما في الخلاف و المنتهى «1».

و أمّا الثانيتان، فبكثير ممّا ذكر أيضا، مضافا إلى معارضتهما بالتعليق على المشيّة في الروايتين الأخيرتين.

و جعل متعلّق المشيّة غير المأمور به خلاف المتبادر الظاهر.

و احتمال تعدّد الوقائع و عدم استطاعة مورد الأخيرتين بعيد جدّا، بل الظاهر- كما قيل «2»- الاتحاد.

مع أنّ ظاهر قوله في الأخير: «فرّطت» حصول الاستطاعة، و إلّا لم يكن تفريطا [1]، فترك الاستفصال فيه يفيد العموم الشامل لما نحن فيه قطعا

______________________________

[1] في «س» زيادة: هذا مع أنّ الأخيرة ليست في قضية واقعة بل متضمّنة للسؤال ب التي ترك ..

______________________________

(1) الخلاف 2: 249، المنتهى 2: 655.

(2) قاله في الرياض 1: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 73

لو لم نقل بالاختصاص، بل نقول به من جهة دلالتها على سبق الاستطاعة من جهة كثرة المال و التقصير، و على اليأس من جهة الكبر.

و منه تظهر معارضتهما مع الصحيحة الأولى أيضا.

و أمّا الرابعتان، فلبعض ما مرّ، مضافا إلى تعلّق الأمر فيهما بالصرورة، و لم يقل أحد بوجوب استنابته، و حمله- بالإضافة إليه على الاستحباب أو الإباحة أو الأعم منهما و من الوجوب- ينافي حمله بالإضافة إلى الاستنابة على الوجوب، إلّا على القول بجواز استعمال اللّفظ الواحد في حقيقته و مجازه في استعمال واحد، و هو خلاف التحقيق.

و أمّا السادسة، فبمنع الأولويّة، لعدم معلوميّة العلّة، سيّما مع القول بوجوب الإعادة لو اتّفق زوال العذر، لقيام الفارق حينئذ، و هو القطع بعدم وجوب الإعادة في الأصل و عدمه في الفرع، لاحتمال زوال

العذر.

و من جميع ذلك ظهر عدم وجود مخرج تامّ لنا عن أصل عدم وجوب الاستنابة.

و لذا حكي التردّد عن بعضهم في الوجوب في هذه الصورة، و هو الظاهر من الذخيرة، بل من الشرائع و النافع و الإرشاد «1»، لتردّدهم في مسألة استنابة المعذور، من غير تفصيل بين الاستقرار و عدمه، بل قيل بخلوّ كثير من كلمات الموجبين للاستنابة و النافين لها عن هذا التفصيل «2».

و لم يتعرّض جماعة للحكم بالوجوب في هذه الصورة، و منهم الحلّي، حيث اقتصر على ردّ وجوب الاستنابة بدون استقرار الاستطاعة،

______________________________

(1) الذخيرة: 562، الشرائع 1: 227، النافع: 76، الإرشاد 1: 311.

(2) انظر الرياض 1: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 74

و حكم بوجوبها إذا استقرّت و مات المستطيع «1».

و على هذا، فليس في المسألة مظنّة إجماع، بل و لا علم بشهرة، و حيث كانت كذلك و لم يكن دليل تامّ على الوجوب فالأقرب إذن ما يقتضيه الأصل، و هو عدم الوجوب و إن استحبّ.

و من ذلك تظهر أقربيّة عدم الوجوب في صورة عدم الاستقرار بطريق أولى، لوجود التصريح بالعدم فيها من الفحول، كما عن المفيد و الحلّي و الجامع و القواعد و المختلف و الإيضاح «2»، و اختاره بعض مشايخنا «3».

خلافا لآخرين، كالشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط و الخلاف- مدّعيا فيه الإجماع «4»- و القديمين و الحلبي و القاضي و التحرير «5»، و كثير من المتأخّرين «6»، بل الأكثر مطلقا كما قيل «7»، لجميع ما مرّ مع ردّه.

و الأولى من الأولى: عدم الوجوب في صورة عدم اليأس، لعدم مصرّح فيها بالوجوب سوى شاذّ يأتي، بل عن المنتهى: الإجماع على العدم «8»، و لعدم جريان جميع الأدلّة المذكورة فيها.

______________________________

(1)

السرائر 1: 641.

(2) المفيد في المقنعة: 442، الحلّي في السرائر 1: 641، الجامع للشرائع: 173، القواعد: 75، المختلف: 257، الإيضاح 1: 270.

(3) كما في الرياض 1: 340.

(4) النهاية: 203، التهذيب 5: 14، المبسوط 1: 299، الخلاف 2: 248.

(5) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 257، الحلبي في الكافي في الفقه:

218، القاضي في المهذّب 1: 267، التحرير 1: 92.

(6) كصاحبي المدارك 7: 55، و الحدائق 14: 129.

(7) انظر الرياض 1: 339.

(8) المنتهى 2: 655.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 75

خلافا للمحكيّ عن الدروس «1»، لإطلاق بعض ما مرّ بردّه.

و الأولى من الأولى: عدم الوجوب في صورة عدم الاستقرار و عدم اليأس، و الوجه ظاهر.

نعم، تستحبّ الاستنابة في جميع تلك الصور، لما مرّ.

فرعان:
أ: لو قلنا بوجوب الاستنابة في بعض الصور و استناب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    75     أ: لو قلنا بوجوب الاستنابة في بعض الصور و استناب ..... ص : 75

زال العذر يجب عليه الحجّ ثانيا، من غير خلاف صريح بينهم أجده، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «2»، و عن ظاهر التذكرة. أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا، لإطلاق الأمر بالحجّ للمستطيع، و ما فعله كان واجبا في ماله، و هذا يلزمه في نفسه «3».

و عن بعضهم: احتمال العدم، لأنّه أدّى حجّة الإسلام بأمر الشارع، و لا يجب الحجّ بأصل الشرع إلّا مرّة «4».

و فيه: أنّه لم يعلم أنّ ما فعله حجّة الإسلام، و نحن أيضا لا نوجبها إلّا مرّة، و لم يحجّ هو بعد، و إنّما حجّ غيره نيابة.

ب: إطلاق بعض ما تقدّم من الأخبار-

كصحيحتي محمّد و الحلبي «5»- عدم اختصاص ذلك بحجّة الإسلام، و جريانه في غيره من الواجبات أيضا، كالمنذور، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، كما يظهر منهم

______________________________

(1) الدروس 1: 312.

(2) المفاتيح 1: 299.

(3) التذكرة 1: 304.

(4) انظر المدارك 7: 58.

(5) المتقدمتين في ص: 70 و 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 76

في مسألة الاستنابة عن الحجّتين في عام واحد.

المسألة السابعة: من استقرّ الحجّ في ذمّته-
اشاره

بأن اجتمعت له شرائط الوجوب و مضت مدّة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحجّ كما عن الأكثر «1»، أو الأركان منها خاصّة كما احتمله جماعة «2»- فأهمل حتى مات، يجب قضاؤه عنه، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف و المنتهى و التذكرة «3» و غيرها «4».

لصحيحة ضريس: في رجل خرج حاجّا حجّة الإسلام فمات في الطريق، قال: «إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يموت و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك» «6».

و صحيحة العجلي: عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شي ء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ عنه و ما فضل فأعطهم» «7».

و صحيحة ابن عمّار: في رجل توفّي فأوصى أن يحجّ عنه، قال: «إن

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 563، و الحدائق 14: 152.

(2) انظر المسالك 1: 91، و الذخيرة: 563، و كشف اللثام 1: 293.

(3) الخلاف 2: 253، المنتهى 2: 871، التذكرة 1: 307.

(4) كالرياض 1: 341.

(5) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 1.

(6) التهذيب 5: 15-

41، الوسائل 11: 72 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح 4.

(7) الكافي 4: 306- 6، الفقيه 2: 272- 1328، التهذيب 5: 416- 1448، الوسائل 11: 183 أبواب النيابة في الحجّ ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 77

كان صرورة فمن جميع المال، إنّه بمنزلة الدين الواجب، و إن كان قد حجّ فمن ثلثه، و من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحقّ بما ترك، فإن شاءوا أكلوا، و إن شاءوا حجّوا عنه» «1»، جعل الحجّة من جميع المال معلّلا بأنّه بمنزلة الدين الواجب، و ليس ذلك لأجل الوصيّة، لأنّها لا تكون إلّا من الثلث.

و هنا أخبار كثيرة أخر أيضا متواترة معنى، كالصحاح الثمان لابن عمّار «2»، و محمّد «3»، و رفاعة «4»، و العجلي «5»، و الحلبي «6»، و ضريس «7»، و موثّقة رفاعة «8»، إلّا أنّ الأكثر- لتضمّنها الجملة الخبريّة، أو ما يحتملها، أو ما لا يجب قطعا كاستنابة الصرورة- عن إفادة الوجوب قاصرة، إلّا أنّ يجعل

______________________________

(1) الكافي 4: 305- 1، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 4.

(2) الأولى: التهذيب 5: 404- 1409، الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 1.

الثانية: الكافي 7: 18 الوصايا 13 ح 7، الفقيه 4: 158- 551، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 6.

(3) الفقيه 2: 270- 1320، التهذيب 5: 492- 1769، الوسائل 11: 72 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح 5.

(4) الكافي 4: 277- 15، الوسائل 11: 73 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح

6.

(5) الكافي 4: 276- 11، الفقيه 2: 269- 1314، التهذيب 5: 407- 1416، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 2.

(6) التهذيب 5: 403- 1405، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 3.

(7) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 1.

(8) الكافي 4: 277- 16، الوسائل 11: 73 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 78

الإجماع و الأخبار الأولى على إرادته قرينة.

فروع:
أ:

المصرّح به في موثّقة سماعة و العجلي و صحيحة ابن عمّار المذكورة: أنّه يجب القضاء من أصل مال الميّت، و يدلّ عليه أيضا قوله في آخر صحيحة الحلبي المشار إليها: «يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله»، و كذا يستفاد ذلك من صحيحة ابن عمّار و العجلي و ضريس.

و الظاهر أنّه إجماعي أيضا، و لا ينافيه آخر صحيحة ابن عمّار المذكورة فيمن لم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة، و بمضمونها رواية الغنوي «1»- إلّا أنّ فيها نفقة الحجّ مكان الحمولة- لأنّ مجرد نفقة الحمولة أو الحجّ لا يوجب الاستطاعة، للتوقّف على نفقة العيال، بل الرجوع إلى الكفاية.

ب: مقتضى إخراج مئونة الحجّ عن جميع المال تقدّمها على الميراث

و الوصايا كسائر الديون، و أنّه لو لم يترك مالا غيرها يصرف فيها، كما صرّح به في بعض الأخبار السابقة أيضا «2». و لو كان له دين معها يقسّم التركة على الدين و مئونة الحجّ بقدر الحصص، لأنّه مقتضى كونها بمنزلة الدين المصرّح به في الأخبار.

ج: هل يقضي الحجّ من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن

و إلّا فمن غيره من المواقيت مراعيا للأقرب فالأقرب، فإن تعذّر من أحد المواقيت فمن أقرب ما يمكن الحجّ منه إلى الميقات، كما هو مختار المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الغنية و الفاضلين في كتبهما و المسالك و الروضة و المدارك

______________________________

(1) الفقيه 2: 270- 1315، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 14 ح 1.

(2) راجع ص: 76- 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 79

و الذخيرة «1»، و أكثر المتأخّرين «2»، بل مطلقا، و في الغنية الإجماع عليه «3»؟

أو من البلد مطلقا، كما حكاه في الشرائع «4» قولا واحدا لا يعرف قائله، كما صرّح به جمع «5»، بل نفاه بعضهم «6»؟

أو الثاني مع السعة في التركة و الأول مع عدمها، كما حكي عن الشيخ في النهاية و الصدوق في المقنع و الحلّي و القاضي و الجامع و المحقّق الثاني و الدروس «7» و ظاهر اللمعة «8»؟

الحقّ هو: الأول، للأصل السالم عن المعارض، و كون «9» المأمور به قضاء الحجّ، الذي هو المناسك المخصوصة، و قطع المسافة ليس جزءا منه، بل و لا واجبا لذاته، و إنّما وجب لتوقّف الواجب عليه، فإذا انتفى التوقّف انتفى الوجوب.

على أنّه لو سلّمنا وجوبه لم يلزم من ذلك وجوب قضائه، لأنّ

______________________________

(1) المبسوط 1: 301، الخلاف 2: 255، الوسيلة: 157، الغنية (الجوامع الفقهية): 604، المحقق في المعتبر 2: 760، و العلّامة

في المنتهى 2: 871، المسالك 1: 92، الروضة 2: 173، المدارك 7: 84، الذخيرة: 563.

(2) انظر الإيضاح 1: 273، كشف اللثام 1: 293، كفاية الأحكام: 57.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 604، و الموجود فيه: و يستأجر للنيابة عنه من ميقات الإحرام بدليل إجماع الطائفة.

(4) الشرائع 1: 229.

(5) كما في المدارك 7: 87، و الذخيرة: 563، و الرياض 1: 342.

(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 92.

(7) النهاية: 203، المقنع: 164، الحلّي في السراء 1: 516، القاضي في المهذّب 1: 267، الجامع للشرائع: 174، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:

136، الدروس 1: 316.

(8) اللمعة (الروضة 2): 172.

(9) في «س» و «ق»: فيكون ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 80

القضاء إنّما هو بأمر جديد، و هو إنّما قام على وجوب قضاء الحجّ خاصّة.

و لم أعثر للقول الثاني على دليل.

و دليل الثالث: ما احتجّ به في السرائر من أنّه كانت تجب عليه نفقة الطريق من بلده، فلمّا مات سقط الحجّ من بدنه و بقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من مئونة الطريق من بلده «1». و الظاهر أنّ مرجعه إلى استصحاب وجوب صرف هذا القدر من ماله أيّام حياته بعد ثبوته، فإنّه كان يجب عليه ذلك مع فعله ببدنه، سقط الأخير فيستصحب الأول.

و من تواتر أخبارنا بذلك «2».

و ما ذكره في الروضة «3» و غيره «4» من الروايات الدالّة على ذلك التفصيل في صورة الوصيّة بمال معيّن أو مطلقا بالحجّ «5».

و الجواب عن الأول: أنّ الحكم الأول وجوب صرف هذا القدر من المال على هذا الشخص المستطيع في مئونة بدنه، و بعد موته تغيّر الموضوع من وجهين، فلا يجب على الغير صرفه في مئونة

بدن الغير.

مع أنّا نمنع وجوب صرف هذا القدر من المال في أيّام حياته مطلقا، بل كان الواجب عليه الحجّ، و يتبعه وجوب صرف هذا القدر مشروطا بالحاجة إليه في الحجّ، و الواجب المشروط لا يمكن استصحابه بعد انتفاء الشرط.

و عن الثاني: بما في المعتبر و المختلف «6» من أنّا لم نقف على خبر

______________________________

(1) السرائر 1: 516.

(2) السرائر 1: 516.

(3) الروضة 2: 172.

(4) كالحدائق 14: 181.

(5) كما في الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 25.

(6) المعتبر 2: 760، المختلف: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 81

شاذّ فكيف بدعوى التواتر؟! و يمكن أن يكون نظره إلى روايات الوصيّة.

و عن الثالث: بأنّ إجراء حكم الوصيّة- لو سلّم- في غيرها قياس باطل، فلعلّ للوصيّة مدخليّة في ذلك، سيّما مع قرب احتمال قيام القرائن الحاليّة يومئذ على إرادة الحجّ من البلد، كما هو الظاهر من إطلاق الوصيّة في زماننا هذا.

مضافا إلى خلوّ روايات الوصيّة عن الدالّ على الوجوب أيضا، بل في بعضها: أنّه أوصى ببقيّة المال للإمام، فحكمه عليه السّلام بصرف ماله لا يستلزم جريانه في مال الوارث.

د: لو لم يخلّف من استقرّ الحجّ في ذمّته شيئا لم يجب الحجّ على مال الغير.

و إن خلّف ما لا يفي بقضاء مجموع أفعال الحجّ و العمرة، فإن قصر عن أجرة أحدهما تامّا أيضا كان المال للوارث أو الدين، إذ لا يجب قضاء الحجّ و العمرة منه حينئذ، لعدم الإمكان، و الأمر به إنّما هو مع إمكانه، و لو أمكن قضاء بعض أفعال الحجّ أو العمرة لم يجب أيضا، لعدم ثبوت التعبّد بذلك على الخصوص، و وجوبه التبعيّ عند وجوب الكلّ لا يقتضي وجوبه عند عدمه، و من يقول: ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، يلزمه الإتيان بما أمكن و لو مجرّد

الطواف.

و إن قصر عن أجرة الأمرين من الحجّ و العمرة و وفى بأحدهما، فعن جمع من الأصحاب وجوبه، و تقديم العمرة، لتقدّمها، أو الحجّ، لأهمّيته في نظر الشرع، أو التخيير، لعدم الأولويّة «1».

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 229، المسالك 1: 92، كشف اللثام 1: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 82

و في المدارك: أنّه يحتمل قويّا سقوط الفرض مع القصور عنهما إن كان الفرض التمتّع، لدخول العمرة في الحجّ «1».

أقول: إن كان الحجّ اسما لهما معا تعيّن ما احتمله في المدارك، إذ بعد سقوط الكلّ ليس دليل على وجوب الجزء، و إلّا- كما هو مقتضى الأصل، حيث إنّه لم تعلم الحقيقة الشرعيّة فيهما و لم يرد مجرّد اللغويّة- فيقتصر على المتيقّن، فيتعيّن تقديم الحجّ، لأنّه المأمور بقضائه في الروايات، بل يستشكل حينئذ في وجوب قضاء العمرة مع الوفاء بهما أيضا.

إلّا أن يقال: بأنّ وجوبه حينئذ إجماعيّ كما هو كذلك، فالأقوى وجوب قضائهما مع الوفاء بهما، و الحجّ مع اختصاص الوفاء به، إلّا أن يعلم من القرائن إرادتهما معا من لفظ الحجّ، فيسقط مع عدم الوفاء بهما.

ه: لو كان له دين و كان المال بقدر لا يفي إلّا بأحد الأمرين من الحجّ و الدين،

فالظاهر التخيير، لأنّهما واجبان تعارضا و لا مرجّح لأحدهما، و احتمال التوزيع إنّما يكون إذا وفت حصّة الحجّ به، و أمّا مع عدمه فلا فائدة في التوزيع.

و جعله بمنزلة الدين الواجب في صحيحة ابن عمّار «2» إنّما هو في الوجوب.

و لو وفى بالحجّ و شي ء من الدين أيضا يكون التخيير في القدر المساوي لأجرة الحجّ، و يصرف الباقي في الدين.

و: قيّد الأكثر وجوب قضاء الحجّ عن الميّت باستقراره في ذمّته،

و اختلفوا فيما يتحقّق به الاستقرار:

______________________________

(1) المدارك 7: 84.

(2) المتقدمة في ص: 76- 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 83

فذهب الأكثر إلى أنّه مضيّ زمان يتمكّن فيه الإتيان بجميع أفعال الحجّ مستجمعا للشرائط «1».

و قيل: إنه مضيّ زمان يمكن فيه تأدّي الأركان خاصّة، و نسب إلى التذكرة «2».

و احتمل بعضهم الاكتفاء بمضيّ زمان يمكنه فيه الإحرام و دخول الحرم، و نسبه بعضهم إلى التذكرة «3».

و استحسن بعض المتأخّرين الأخير إن كان زوال الاستطاعة بالموت.

و التحقيق: أنّه إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعا، فالحقّ هو:

الأول، إذ لم تثبت استطاعة من تمكّن من إتيان الأركان خاصة أو دخول الحرم دون سائر الأفعال، و الإجزاء لو مات بعد دخول الحرم بدليل لا يدلّ على وجوبه في غير ذلك المورد.

و لكن الشأن في اشتراط ذلك، و لذا تأمّل فيه في الذخيرة «4»، و هو في موضعه.

بل الأقرب: عدم الاشتراط، و كفاية توجّه الخطاب ظاهرا أولا، كما هو ظاهر المدارك «5»، و صريح المفاتيح و شرحه «6»، و جعل الأخير القول بالاشتراط اجتهادا في مقابلة النصّ، و نسب فيه و في سابقه القول بعدم الاشتراط إلى الشيخين، و ينسب إلى المحقّق أيضا، حيث حكم بوجوب

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 308، و الروضة 2: 173، و الحدائق 14: 154.

(2) كما في

المسالك 1: 91، و المدارك 7: 68.

(3) نسبه إليه في الذخيرة: 563.

(4) الذخيرة: 563.

(5) المدارك 7: 68.

(6) المفاتيح 1: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 84

القضاء بالإهمال مع استكمال الشرائط «1».

لإطلاقات وجوب القضاء، بل عموم صحيحة ضريس المتقدّمة «2»، الحاصل بترك الاستفصال فيمن مات قبل دخول الحرم.

و كذا صحيحة العجلي: عن رجل خرج حاجّا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق، فقال: «إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ [عنه] حجّة الإسلام، و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجّة الإسلام» الحديث «3».

و كون القضاء تابعا للأداء ممنوع.

لا يقال: لو بني الأمر على الإطلاق لزم وجوب القضاء و لو لم يكن ماله بقدر يستطيع بنفسه أو لم يتمكّن من المسافرة، أي لم يتوجّه إليه الخطاب الظاهري.

لأنّا نجيب عنه: بخروج ذلك بالإجماع، و بمفهوم مثل صحيحة الحلبي: «فإن كان موسرا و حال بينه و بين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره اللَّه فيه، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» «4».

المسألة الثامنة: لو مات المستطيع في طريق الحجّ،

فإن كان قبل الإحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحجّ في ذمّته

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 229.

(2) في ص: 76.

(3) الكافي 4: 276- 11، التهذيب 5: 407- 1416، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 2، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: منه، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(4) الكافي 4: 273- 5، التهذيب 5: 403- 1405، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

85

سابقا على المشهور، و مطلقا على الأقرب المنصور كما مرّ.

و إن كان بعدهما برئت ذمّته و لم يجب القضاء عنه مطلقا بلا خلاف يعرف، و في المدارك: أنّه مذهب الأصحاب «1»، و في المفاتيح و شرحه و عن المسالك، و المنتهى و التنقيح «2» و غيرها «3»: الإجماع عليه.

لصحيحتي ضريس و العجلي المتقدّمتين في المسألة السابقة، و إطلاقهما- كإطلاق كلام الأصحاب- يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يقع التلبّس بإحرام الحجّ أو العمرة، و لا بين أن يموت في الحلّ أو الحرم محرما أو محلّا كما لو مات بين الإحرامين، و بهذا التعميم قطع المتأخّرون «4»، و هو كذلك.

و إن كان بعد الإحرام و قبل دخول الحرم لم تبرأ ذمته، و كان كما قبل الإحرام على الأظهر الأشهر، للأصل، و منطوق الصحيح الأول، و مفهوم صدر الثاني.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف و السرائر، فاكتفيا بالموت بعد الإحرام «5»، لمنطوق ذيل الصحيح الثاني.

و فيه: أنّه معارض بمفهوم الصدر مع منطوق الأول، و لو لا ترجيح الأخيرين لوجب التمسّك بالأصل الموافق للقول الأول أيضا، مع احتمال أن يكون معنى قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل الحرم، فقد جاء بمعناه.

______________________________

(1) المدارك 7: 64.

(2) المفاتيح 1: 300، المسالك 1: 95، المنتهى 1: 863، التنقيح 1: 426.

(3) كالرياض 1: 346.

(4) كالشهيد في الدروس: 86، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 91، و صاحب المدارك 7: 65.

(5) الخلاف 2: 390، السرائر 1: 628.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 86

و ربّما يعضده السياق أيضا، بل قيل يعضده ما في الخلاف من أنّ الحكم منصوص للأصحاب لا يختلفون فيه «1»، فلو لا أنّ المراد من الإحرام في كلامه ما ذكرنا لكان

بعيدا، فإنّ الخلاف مشهور لو أريد منه غيره.

و لا يخفى أنّ كلام الخلاف و السرائر وارد في النائب دون الحاجّ لنفسه، و نقل في السرائر من هذا القول في النائب عن المبسوط أيضا «2»، و استدلّ له بعموم الأخبار. و النائب هو الذي يستفاد منه هذا الحكم من بعض الأخبار كما يأتي، فلا يبعد أن يكون كلامهما في خصوص النائب دون الحاجّ لنفسه، و الإجماع المركّب بعد غير معلوم لي. و حينئذ فلا معاضدة في كلام الخلاف لما ذكر، إذ لا تعلم شهرة الخلاف في النائب قبل الشيخ.

المسألة التاسعة: الكافر يجب عليه الحجّ عندنا و لا يصحّ منه

إجماعا، و لو مات كذلك أثم بالإخلال و لا يجب قضاؤه عنه، و لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحجّ إن بقيت الاستطاعة إجماعا، و إلّا فعلى الأظهر- للاستصحاب، وفاقا للذخيرة و المدارك «3» و عن التذكرة «4»- عدم الوجوب.

و لو حجّ المسلم ثم ارتدّ ثم عاد لم تجب عليه إعادة الحجّ، للإتيان بالمأمور به المقتضي للإجزاء، و لرواية زرارة «5».

خلافا للمبسوط «6»، لقاعدة موهونة، مع عدم استلزام القاعدة لها على

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 390، الرياض 1: 346.

(2) السرائر 1: 628، و هو في المبسوط 1: 323.

(3) الذخيرة: 563، المدارك 7: 69.

(4) التذكرة 1: 308.

(5) التهذيب 5: 459- 1597، الوسائل 1: 125 أبواب مقدّمة العبادات ب 30 ح 1.

(6) المبسوط 1: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 87

فرض الصحّة.

المسألة العاشرة: المخالف لنا إذا حجّ و لم يخلّ بركن من أركانه

لم يجب عليه الإعادة لو استبصر على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، للصحاح المستفيضة «1».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و القاضي «2»، فتجب الإعادة، لروايتين محمولتين على الاستحباب جمعا «3»، و يشهد له ما في بعض تلك الصحاح من قوله: «و لو حجّ أحبّ إليّ».

و إن أخلّ بالركن تجب الإعادة بلا خلاف، لعدم إتيانه بالحجّ المسقط للإعادة في الأخبار.

و هل الركن الموجب إخلاله للإعادة هو الركن عندنا، كما عن المعتبر و المنتهى و التحرير و الدروس «4»؟ أو عنده، كما هو ظاهر المسالك و الروضة و المدارك «5» و جماعة ممّن تأخر عنهما «6»؟

النصوص مطلقة بالنسبة إلى الإخلال، إلّا أنّ ظواهرها:

الحجّ الصحيح عنده لا عندنا، فإذا حجّ فاسدا عنده لم يدخل في موردها، و إذا كان صحيحا عنده كان داخلا في مورد النصوص النافية

______________________________

(1) الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 23.

(2) حكاه

عن الإسكافي في المختلف: 258، القاضي في المهذّب 1: 268.

(3) الأولى في: التهذيب 5: 9- 23، الإستبصار 2: 145- 472، الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 23 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 275- 4، التهذيب 5: 10- 25، الإستبصار 2:

146- 475، الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 23 ح 2.

(4) المعتبر 2: 765، المنتهى 2: 860، التحرير 1: 125، الدروس 1: 315.

(5) المسالك 1: 91، الروضة 2: 177، المدارك 7: 74.

(6) كالحدائق 14: 162، و الذخيرة: 564، و الرياض 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 88

للإعادة قطعا.

فالقول الثاني أقوى، كما أنّ عليه مدار هؤلاء الفضلاء في الصلاة و نحوها، و الفرق غير واضح.

و ما ذكره بعض الأجلّة من أنّه إذا أخلّ بركن عندنا لم يأت حينئذ بالحجّ مع بقاء وقته، بخلاف الصلاة فإنّه خرج وقتها و القضاء بأمر جديد «1».

غير جيّد، لأنّ الصلاة الفاسدة يجب قضاؤها خارج الوقت، بالعمومات، مع أنّهم لا يقولون به إذا كانت صحيحة عنده، فالسقوط فيها ليس إلّا لنحو الصحاح المتقدّمة الجارية هنا بعينها.

ثم إنّه لا فرق بين من حكم بكفره من المخالفين- كالناصبي و غيره- لإطلاق الصحاح «2»، بل صريح بعضه، لتضمّنه له.

المسألة الحادية عشرة: لا تتوقّف استطاعة المرأة على المحرم،

بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «3»، بل بالإجماع كما عن المنتهى «4» و غيره «5»، للأصل، و العمومات، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار: عن المرأة تخرج بغير وليّ، قال: «لا بأس» «6».

و الأخرى نحوها، و فيها: «تحجّ» بدل: «تخرج» «7».

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 295.

(2) الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 23.

(3) الذخيرة: 564.

(4) المنتهى 2: 658.

(5) كالغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(6) الكافي 4: 282-

2 و فيه: تخرج مع غير ولي، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 4.

(7) التهذيب 5: 401- 1396، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 89

و كذا الثالثة، و فيها: تخرج إلى مكّة بغير وليّ، قال: «لا بأس تخرج مع قوم ثقات» «1».

و صحيحة سليمان: في المرأة تريد الحجّ ليس لها محرم، هل يصلح لها الحجّ؟ قال: «نعم إذا كانت مأمونة» «2».

و موثّقة البجلي: عن المرأة تحجّ بغير محرم، فقال «إذا كانت مأمونة و لم تقدر على محرم فلا بأس بذلك» «3».

و صحيحة صفوان: تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعمل، أعرفها بإسلامها ليس لها محرم، قال: «فاحملها، فإنّ المؤمن محرم للمؤمن» [1].

و قويّة أبي بصير: عن المرأة تحجّ بغير وليّها؟ قال: «نعم، إن كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم» «4».

و الظاهر أنّ المراد بقوله في بعض تلك الأخبار: «إذا كانت مأمونة» أي كانت غير خائفة على عرضها و آمنة عليه، لا أن تكون هي بنفسها، محلّ الاطمئنان غير متّهمة، لأنّ التكليف تكليفها فعليها حفظ نفسها، و لا يعلّق

______________________________

[1] التهذيب 5: 401- 1395، و في الفقيه 2: 268- 1310، و الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 1: قد عرفتني بعملي و تأتيني أعرفها بإسلامها و حبها إيّاكم، و ولايتها لكم، ليس لها محرم، قال: «إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة».

______________________________

(1) الكافي 4: 282- 5 و فيه: عن المرأة الحرّة تحجّ ..، الفقيه 2: 268- 1308، الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 3.

(2) الكافي 4: 282- 4

و فيه: ليس معها ..، الفقيه 2: 268- 1309، الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 2.

(3) التهذيب 5: 401- 1394، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 6.

(4) التهذيب 5: 400- 1393، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 90

تكليف مطلق بتكليف مطلق آخر.

و يحتمل أن يكون الحكم لأوليائها، أي إذا كانت مأمونة يجوز لهم تركها بغير محرم.

ثم بعض هذه الأخبار و إن كانت مطلقة إلّا أنّ مقتضى بعض آخر أنّه مقيّد بصورة الأمن على العرض و ظنّ سلامته، كما قيّده جماعة من الأصحاب «1»، و يدلّ عليه أيضا استلزام التكليف بالحجّ مع عدمهما العسر و الحرج المنفيّين عليها أو على أوليائها.

و أمّا ما يدلّ عليه مفهوم الموثّقة- بأنّ عدم اشتراط المحرم إنّما هو مع عدم القدرة و إلّا فيشترط- فمحمول على الاستحباب و الأولويّة، لعدم توقّفه على عدم القدرة إجماعا.

ثم لو لم يحصل ظنّ السلامة إلّا بالمحرم اعتبر وجوده، و يتوقّف وجوب الحجّ عليها على سفره معها.

و كذا لو كانت ممّن يشقّ عليها مخاطبة الأجانب و إركابهم إيّاها، مع عدم اقتدارها على الركوب بنفسها، على احتمال قويّ ذكره بعض الأصحاب «2».

و من ذلك يعلم عدم استطاعة أكثر النسوان الشابّة، سيّما من الأشراف و المخدّرات من البلاد البعيدة مع تلك القوافل، التي فيها أصناف الناس بدون محرم، أو قريب ثقة، أو مؤمن متديّن ثقة، يتحمّل مالها و عليها.

ثم في صورة التوقف على المحرم لا تجب عليه إجابته لها تبرعا و لا

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 169، صاحب المدارك 7: 90، صاحب الحدائق 14:

143.

(2) المدارك 7: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 91

بأجرة، و لو احتاج إلى الأجرة وجبت، لتوقّف الواجب عليها، و يكون حينئذ جزءا من استطاعتها.

المسألة الثانية عشرة: لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ الواجب

، بلا خلاف يوجد، للأصل، و العمومات، و المستفيضة:

كصحيحة زرارة و موثقته: عن امرأة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحجّ، قال: «تحجّ و إن لم يأذن لها» «1».

و في رواية البجلي: «تحجّ و إن رغم أنفه» «2».

و صحيحة محمّد: عن امرأة لم تحجّ و لها زوج و أبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها، فهل لها أن تحجّ؟ قال: «لا طاعة له عليها في حجة الإسلام» «3».

و قريبة منها صحيحة ابن وهب «4» و رواية ابن أبي حمزة «5»، و زاد فيهما: و قد نهاها أن تحجّ.

هذا في الحجّ الواجب.

و أمّا المندوب، فلا يجوز لها إلّا بإذن زوجها، بلا خلاف يعرف كما

______________________________

(1) الكافي 4: 282- 3، الفقيه 2: 268- 1305، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 4.

(2) الفقيه 2: 268- 1306، الوسائل 11: 157 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 5.

(3) التهذيب 5: 400- 1391، الإستبصار 2: 318- 1126، الوسائل 11: 155 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 1.

(4) التهذيب 5: 474- 1671، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 3.

(5) الكافي 4: 282- 1، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 92

في الذخيرة «1»، و لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم كما عن المنتهى «2»، بل الإجماع كما في المدارك «3»، بل لعلّه إجماع محقّق، فهو الدليل

عليه.

المؤيّد بموثّقة إسحاق: عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام فتقول لزوجها: أحجّني مرّة أخرى، أ له أن يمنعها؟ قال: «نعم» «4»، و جعلها مؤيّدة لعدم دلالتها إلّا على جواز منعه لا على التوقف على الإذن.

و كذا يؤيّده فحوى ما دلّ على عدم حجّ المعتدّة حجّ التطوّع أو الحجّ مطلقا «5»، المخرج عنه حجّة الإسلام و المأذون فيه إجماعا و نصّا، فيبقى الباقي.

المسألة الثالثة عشرة: حكم المعتدّة الرجعيّة حكم ذات البعل،

لما ذكر، و يجوز للبائنة و المتوفّى عنها زوجها، فيحجّان المندوبة مطلقا، و تدلّ عليه النصوص المستفيضة «6».

المسألة الرابعة عشرة: اختلفت الأخبار في أفضليّة الحجّ مطلقا،

راكبا أو ماشيا «7»، و الذي يستفاد من المجموع و يجمع به بينها بشهادة بعضها لبعض: أفضليّة المشي إذا لم يضعفه من العبادة و عن التقدّم إلى مكّة للعبادة، أو كان قد ساق معه ما إذا أعياه ركبه، أو كان لمشقّة العبادة دون توفير المال .. و أفضليّة الركوب فيما عداها.

______________________________

(1) الذخيرة: 564.

(2) المنتهى 2: 659.

(3) المدارك 7: 91.

(4) الفقيه 2: 268- 1307، التهذيب 5: 400- 1392، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ ب 59 ح 2.

(5) الوسائل 11: 158 أبواب وجوب الحج ب 61.

(6) الوسائل 11: 159 أبواب وجوب الحج ب 61.

(7) الوسائل 11: 81 أبواب وجوب الحج ب 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 93

المطلب الثاني في الحجّ الواجب بالعارض
اشاره

و له أنواع (ثلاثة: الواجب بالنذر و أخويه، و الواجب بالنيابة، و الواجب بالفساد، و لمّا كان الأخير يذكر في طيّ مسائل الحجّ و موارد فساده يكتفى هنا بذكر الأولين، فهاهنا فصلان:) «1».

الفصل الأول في الواجب بالنذر و أخويه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: لا شكّ في انعقاد نذر الحجّ و عهده و يمينه

، و انعقد عليه الإجماع، و دلّت عليه النصوص «2» بالعموم و الخصوص بشرائطها المذكورة في كتاب النذر، و منها: البلوغ، و العقل، و الحرّية، و إذن الزوج، و الوالدين على قول، كما يأتي.

المسألة الثانية: لو نذر الحجّ و لم يتمكّن من أدائه و مات،

فلا قضاء عنه، للأصل السالم عن المعارض.

و لو تمكّن منه و مات قبل أدائه، فذهب أكثر الأصحاب- كما في

______________________________

(1) بدل ما بين القوسين في «س»: تذكر في فصول.

(2) الوسائل 23: 307 أبواب النذر و العهد ب 8، و ص: 315 ب 15، و ص: 316 ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 94

المدارك «1»، و أكثر المتأخّرين كما في غيره «2»، و منهم: الحلّي و الشرائع و الإرشاد «3»- إلى وجوب قضائه عنه من أصل التركة، لأنّه دين كحجّة الإسلام.

و فيه منع ظاهر، فإنّ الحجّ ليس واجبا ماليّا، بل هو بدنيّ و إن توقّف على المال مع الحاجة إليه كما تتوقّف الصلاة عليه كذلك، و إنّما وجب قضاء حجّة الإسلام بالإجماع و النصوص، و إلحاق النذر به قياس باطل، و وجوب الأداء لا يستلزم وجوب القضاء، لأنّه بأمر جديد كما في حجّ الإسلام، و بدونه يكون منفيّا بالأصل.

و عن الإسكافي و الصدوق و النهاية و التهذيب و المبسوط و المعتبر و النافع و الجامع: وجوب قضائه من الثلث «4»، لصحيحتي ضريس «5» و ابن أبي يعفور «6» الواردتين فيمن نذر أن يحجّ رجلا كما في الأولى، أو ابنه كما في الثانية، و مات قبل الوفاء، المصرّحتين بالإخراج من الثلث.

و فيه: أنّ موردهما غير محلّ النزاع، بل ظاهر إحجاج الغير صرف المال فيه، فهو نذر ماليّ و دين محض، و هو غير الحجّ الذي كلامنا فيه.

و القول: بأنّ الاستدلال إنّما هو

بفحواهما، حيث إنّ الإحجاج الذي

______________________________

(1) المدارك 7: 96.

(2) انظر الحدائق 14: 236.

(3) الحلّي في السرائر 1: 120، الشرائع 1: 230، الإرشاد 1: 312.

(4) نقله عن الإسكافي في المختلف: 321، الصدوق في الفقيه 2: 263، النهاية:

284، التهذيب 5: 406، المبسوط 1: 306، المعتبر 2: 774، النافع 1: 78، الجامع: 176.

(5) الفقيه 2: 263- 1280، التهذيب 5: 406- 1413، الوسائل 11: 74 أبواب وجوب الحج ب 29 ح 1.

(6) التهذيب 5: 406- 1414، الوسائل 11: 75 أبواب وجوب الحجّ ب 29 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 95

ليس إلّا بذل المال قطعا إذا لم يجب إلّا من الثلث فحجّ نفسه أولى.

مردود بمنع الحكم في الأصل أولا، إذ- كما قيل «1»- لم يفت به فيه أحد، بل أخرجوه من الأصل، لما دلّ على وجوب الحقّ الماليّ من الأصل، و نزّلوا الصحيحتين تارة على وقوع النذر في مرض الموت، و أخرى على وقوعه التزاما بغير صيغة، و ثالثة على ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحجّ المنذور بنفسه فلم يتّفق بالموت. فلا يتعلّق بماله حجّ واجب بالنذر، و يكون الأمر بإخراج الحجّ المنذور واردا على الاستحباب للوارث و كونه من الثلث رعاية لجانبه.

و ثانيا: بمنع الأولويّة، لعدم معلوميّة العلّة.

و ممّا ذكر ظهر ضعف دليل القولين و عدم وجود على أصل القضاء، فكيف بالقضاء من الأصل؟! و لذا استشكل في أصله في المدارك و الذخيرة «2»، و بعض آخر «3»، و هو في موقعه جدّا، إلّا أنّ لمظنّة الإجماع يكون الأحوط القضاء، و لأصالة الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين يحتاط به بإخراجه من الثلث.

المسألة الثالثة: لو نذر الحجّ و هو معضوب [1]

، فإن كان مقيّدا بوقت معيّن و استمرّ المانع إلى ذلك الوقت بطل

النذر. و إن كان مطلقا توقّع المكنة، و مع اليأس يبطل.

و لا تجب الاستنابة في الصورتين إلّا أن لاحظ في نذره الاستنابة،

______________________________

[1] المعضوب: الزمن الذي لا حراك به- القاموس المحيط 1: 109.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 349.

(2) المدارك 7: 154، الذخيرة: 565.

(3) كصاحب الرياض 1: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 96

فتجب قطعا.

و لو حصل العضب بعد النذر و التمكّن من الفعل، فقد قطع جمع بوجوب الاستنابة «1»، و طالبهم في المدارك بالدليل «2»، و هي مطالبة حقّة، و إذ ليس فينفى بالأصل.

المسألة الرابعة: إذا نذر الحجّ

فإمّا أن ينوي حجّة الإسلام، أو غيرها، أو يطلق فلا ينوي شيئا منهما.

فعلى الأول: ينعقد نذره على الأصحّ، فتجب الكفّارة بالترك أو تأخيره عن الوقت المعيّن مع الاستطاعة فيه، و لا يجب عليه غيرها حينئذ اتّفاقا و لا تحصيل الاستطاعة، لأنّ المنذور ليس أمرا زائدا عن حجّ الإسلام، إلّا أن ينذر تحصيلها فيجب، و لو قيّد النذر بوقت معيّن و لم تحصل له الاستطاعة إلى انقضائه بطل النذر.

و على الثاني: لم يتداخلا قطعا و يجبان معا، اتّفاقا كما عن التحرير و المختلف و المسالك «3» و غيرها «4»، إن كان حال النذر مستطيعا و كانت حجّة النذر مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن سنة الاستطاعة، و يجب عليه حينئذ تقديم حجّة الإسلام، لفوريّتها و سعة مقابلها.

و إن كانت مقيّدة بسنة الاستطاعة بطل النذر إن قصدها مع بقاء الاستطاعة، و إن قصدها مع زوالها صحّ و وجب الوفاء عند زوالها.

و إن خلا عن القصدين فوجهان.

______________________________

(1) منهم العلّامة في التذكرة 1: 309، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 93.

(2) المدارك 7: 98.

(3) التحرير 1: 128، المختلف: 322، المسالك 1: 93.

(4) كالرياض 1: 343.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 97

و إن لم يكن حال النذر مستطيعا وجبت المنذورة خاصّة بشرط القدرة دون الاستطاعة الشرعيّة، فإنّها شرط في حجّة الإسلام خاصّة.

خلافا للمحكيّ عن الدروس فيشترط أيضا «1». و لا وجه له.

و إن حصلت الاستطاعة الشرعيّة قبل الإتيان بالمنذورة، فإن كانت مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن سنة الاستطاعة خصوصا أو عموما وجب تقديم حجّة الإسلام، لما مرّ، وفاقا لجماعة «2».

و خلافا للمحكيّ عن الدروس، فقدّم المنذورة «3»، و لا أعرف وجهه.

و إن كانت مقيّدة بسنة الاستطاعة، ففي تقديم المنذورة أو الفريضة وجهان، أجودهما: الأول، وفاقا للمختلف و المسالك و المدارك «4» و غيرها «5»، لعدم تحقّق الاستطاعة، لأنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ، و على هذا فيعتبر في وجوب حجّ الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية.

و على الثالث: ففي التداخل مطلقا، فتجزئ نيّة كلّ منهما عن الآخر، كما في الذخيرة «6»، و مال إليه في المدارك «7»، و عن الشيخ «8».

أو عدمه كذلك، كما عن الخلاف و السرائر و الناصريّات و الغنية

______________________________

(1) الدروس 1: 318.

(2) كصاحب المسالك 1: 93، و الحدائق 14: 222، و الرياض 1: 343.

(3) الدروس 1: 318.

(4) المختلف: 322، المسالك 1: 93، المدارك 7: 100.

(5) كالحدائق 14: 222، و الرياض 1: 343.

(6) الذخيرة: 566.

(7) المدارك 7: 101.

(8) التهذيب 5: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 98

و الفاضلين و الشهيدين «1»، و غيرهم «2»، بل الأكثر كما قيل «3»، بل الإجماع كما في الناصريّات.

أو تداخل حجّة الإسلام في قصد النذر دون العكس، كما عن النهاية و التهذيب و الإقتصاد «4»، و جمع آخر «5».

أقوال، الحقّ هو: الأول، لأصالة التداخل- كما بيّنا في موضعه- و صدق الامتثال، مضافا في

صورة قصد المنذور إلى صحيحتي محمّد «6» و رفاعة «7».

احتجّ الثاني بحكاية الإجماع.

و بأصالة عدم التداخل.

و بما في الخلاف من قوله- بعد نسبته ما ذكره في النهاية إلى بعض الروايات «8»-: و في بعض الأخبار أنّه لا يجزئ عنه «9». و هو و إن كان ضعيفا إلّا أنّه منجبر بما ذكر.

______________________________

(1) الخلاف 2: 256، السرائر 1: 518، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية):

209، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، و المحقق في الشرائع 1: 231، و العلّامة في المنتهى 2: 875، و الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية (الروضة البهية 2):

178، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 93.

(2) كالعلّامة في القواعد 1: 77، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 296، و صاحب الرياض 1: 343.

(3) كما في المدارك 7: 100، و الذخيرة: 566، و الرياض 1: 343.

(4) النهاية: 205، التهذيب 5: 406، الإقتصاد: 298.

(5) حكاه عن جماعة في المسالك 1: 93، الرياض 1: 343.

(6) التهذيب 5: 459- 1595، الوسائل 11: 70 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 1.

(7) التهذيب 5: 406- 1415، الوسائل 11: 70 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 3.

(8) النهاية: 205.

(9) الخلاف 2: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 99

و الأول: ليس بحجّة.

و الثاني: ممنوع، مع أنّ الأصل في أحد شقّي المسألة مدفوع بالصحيحين.

و الثالث: بعدم معلوميّة مرجع الضمير المجرور عندنا.

دليل الثالث في الجزء الأول: الصحيحان، و في الثاني: أصالة عدم التداخل.

و الأول مقبول، و الثاني- كما مرّ- ممنوع.

المسألة الخامسة: لو نذر الحجّ ماشيا،
اشاره

فإن كان عاجزا عنه حين النذر و مأيوسا عن حصول القوّة أو قيّده بوقت معيّن علم العجز «1» فيه، بطل النذر «2»، لانتفاء التكليف بما يعجز عنه، سواء في ذلك العجز مطلقا أو العجز في جميع

الحالات و إن تمكّن في بعضها.

و ما ورد في بعض النصوص من أنّه إذا عجز يركب فإنّما هو في العجز المتجدّد، و لا تلزم من صحّة النذر مع القوّة و تجدّد العجز صحّته مع العلم بالعجز أيضا، و لا يجب الحجّ مطلقا حينئذ، و إن اقتضاه ما ذكره بعضهم «3» من أنّ العجز إنّما حصل عن الصفة لا عن أصل الحجّ، و النذر إنّما يتعلّق بأمرين، و لا يلزم من سقوط أحدهما للعجز سقوط الآخر، لمنع كون النذر متعلّقا بأمرين، بل المنذور أمر واحد، و هو الحجّ على الصفة المخصوصة لا الحجّ مع الصفة، فلا يمكن الإتيان بالمنذور عند العجز.

و إن كان متمكّنا عنه انعقد و وجب على المعروف من مذهب

______________________________

(1) في «س» زيادة: عنه.

(2) في «س» زيادة: فيه.

(3) كالعلّامة في المختلف: 323، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 100

الأصحاب، و عن المعتبر: اتّفاق العلماء عليه «1»، و عمومات النذر و خصوص نصوص نذر الحجّ من الصحاح و غيرها «2» عليه دالّة.

و أمّا صحيحة الحذّاء «3»- الواردة في حكاية أخت عقبة بن عامر- فلا تنافي ذلك، لأنّ مقتضاها عدم انعقاد نذر الحجّ ماشيا مع الحفاء، و هو لا يخالف المدّعى، و جعله بعيدا عن السياق لا وجه له، إذ ليس فيها ما يوجب بعده سوى الأمر بالإركاب دون لبس النعل، و لعلّه لبطلان أصل النذر لأجل الحفاء، فلا يبقى المشي واجبا.

و كونه مخالفا لأدلّة انعقاد نذره حافيا عموما و خصوصا لا يوجب صرفها إلى إبطال نذره ماشيا، لأنّه أيضا مخالف لأدلّة انعقاد النذر ماشيا، مع أنّ وجود خصوص في ذلك ممنوع.

و ما ذكر من المرويّ عن نوادر ابن

عيسى: عن رجل نذر أن يمشي «4» حافيا إلى بيت اللَّه تعالى، قال: «فليمش» «5» لا يثبته، لأنّه أوجب المشي دون الحفاء. هذا، مع أنّه حكاية حال، فلعلّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله علم منها العجز، أو كشف ما يجب ستره من المرأة.

و القول: بأنّ إيراد ذلك في الرواية على سبيل الجواب يقتضي عدم اختصاص الحكم بتلك المرأة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 763.

(2) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج ب 34.

(3) التهذيب 5: 13- 37، الإستبصار 2: 150- 491، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 4.

(4) في «س»، «ق»: يجي ء.

(5) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 47- 81، الوسائل 11: 88 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 101

مردود بأنّه لعلّ كان مقتضى المقام الإجمال في الجواب، و مع احتمال ذلك لا يثبت التعميم في حكاية الحال الخالية عن الإطلاق و العموم.

و عن الفاضل في بعض كتبه «1» و ولده في الإيضاح «2»: توقّف انعقاد النذر على القول بكون المشي أفضل من الركوب، و إلّا فلا ينعقد، لاشتراط رجحان المنذور.

و فيه:- مع مخالفته للإطلاقات- أنّه لا يعتبر في المنذور كونه أرجح من جميع ما عداه، بل المعتبر رجحانه في نفسه، و لا ريب في ثبوته و إن كان مرجوحا بالإضافة إلى غيره.

فروع:
أ: اختلف الأصحاب في مبدأ المشي و منتهاه:

أمّا الأول، فقيل: إنّه بلد الناذر «3».

و قيل: وقت الشروع في أفعال الحج «4».

و الأصحّ فيه: الرجوع إلى قصد الناذر إن تعيّن، و إلّا فإلى عرفه حين النذر إن كان معلوما مضبوطا، و هو في أمثال بلادنا بلد الناذر أو النذر.

و مع اضطراب عرفه بالنسبة إليهما يكتفي بالأقرب منهما إلى الميقات، للأصل، و إلّا فإلى

مقتضى اللفظ لغة، و هو في لفظة أحجّ ماشيا [أول الأفعال] «5» الذي هو الإحرام.

______________________________

(1) كالقواعد 2: 142.

(2) الإيضاح 4: 66.

(3) كما في القواعد 2: 142، الدروس 1: 319، الحدائق 14: 225.

(4) كما في المدارك 7: 103.

(5) في «س»، «ق»: أوان الأفعال، و في «ح»: أول أفعال، و الأولى ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 102

و أمّا الثاني، فقيل: رمي الجمار «1».

و قيل: طواف النساء «2».

و روي في قرب الإسناد للحميري: أنّه إذا أفاض من عرفات «3».

و المعوّل فيه أيضا: قصد الناذر مع اليقين، و إلّا فعرفه مع معلوميّته، و إلّا فمقتضى اللغة، و هو فيما ذكر آخر أفعال الحجّ الواجبة، و هو رمي الجمار، كما استفاضت به الروايات أيضا، كصحيحتي جميل «4» و ابن همام «5»، و رواية ابن أبي حمزة «6». و الأولى القطع بطواف النساء، و أمّا رواية الحميري فشاذّة، أو على بعض المحامل محمولة.

ب: من نذر الحجّ ماشيا- بحيث يجب عليه المشي في الطريق أيضا

- لا تجوز له المسافرة من طريق البحر، لعدم صدق المشي على العابر بالسفن، و لو لم يكن طريق غيره يحتمل سقوط النذر.

و أمّا ما في رواية السكوني: «فليقم في المعبر قائما حتى يجوز» «7» فهي واردة في مثل: الفرات و الدجلة من الشطوط، و الأنهار العظيمة التي تحتاج إلى المعبر، دون البحر و السفينة، لأنّ المتبادر من المعبر: الأول.

و أمّا في أمثال تلك المعابر، فلو قطع النظر عن الرواية يجوز بالمعبر

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 103.

(2) كما في التحرير 2: 107، و الدروس 1: 319.

(3) قرب الإسناد: 161- 588، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحجّ ب 35 ح 6.

(4) التهذيب 5: 478- 1692، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 2.

(5) الكافي

4: 457- 7، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 3.

(6) الكافي 4: 456- 6، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 4.

(7) الكافي 7: 455- 6، الفقيه 3: 235- 1113، التهذيب 5: 478- 1693، الإستبصار 4: 50- 171، الوسائل 11: 92 أبواب وجوب الحج ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 103

مطلقا قائما أو جالسا، لأنّ هذا القدر لا يضرّ عرفا في صدق المشي إلى مكّة، و لكن لدلالة الرواية على وجوب القيام فيه يحكم به، و لا يضرّ ضعفها.

ج: لو ركب ناذر المشي بعض الطريق و حجّ لم يكن آتيا بالمنذور،

فيعيده ماشيا إن كان النذر مطلقا.

و القول- بأنّه يعيده ماشيا في موضع الركوب خاصّة- ضعيف جدّا.

و كذا القول بالأول إن كان الركوب بعد التلبّس بالحجّ، و الثاني إن كان قبله كما في المدارك «1».

و إن كان مقيّدا بسنة معيّنة فيكفّر لخلف النذر، و يقضي الحجّ إن قلنا بوجوب قضاء المنذور من العبادات إذا ترك، و يأتي بيانه في بابه.

و أمّا قضاء الحجّ لفساده الموجب للقضاء فإنّما يصحّ إذا ركب في أفعال الحجّ، لكون الأمر بالحجّ ماشيا نهيا عن ضدّه الموجب لفساده، و أمّا إذا ركب قبلها فلا وجه لفساد نفس الحجّ، إلّا إذا قصد به المنذور، فتأمّل.

د: لو عجز الناذر للحجّ ماشيا عن المشي كلّا أو بعضا مع المكنة أولا أو توقّعها، ففيه أقوال:
الأول: توقّع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس منها،

و السقوط مع التقييد بزمان معيّن و حصول العجز فيه أو اليأس مع الإطلاق، اختاره الحلّي و الفاضل في الإرشاد «2» و المحقّق الثاني في حاشية الشرائع، لوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان في الأول، و العجز المستتبع للسقوط في الثاني.

______________________________

(1) المدارك 7: 105.

(2) الحلّي في السرائر: 357، الإرشاد 1: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 104

و الثاني: الركوب و سياق البدنة مطلقا،

ذهب إليه الشيخ «1» و جماعة من الأصحاب «2»، لصحيحتي الحلبي «3» و المحاربي «4».

و الثالث: الركوب بلا وجوب السياق،

و هو المحكيّ عن المفيد و الإسكافي و المحقّق «5»، لصحيحة رفاعة: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه، قال: «فليمش»، قلت: فإنّه تعب، قال: «إذا تعب ركب» «6»، فإنّ السكوت عن سياق الهدي في مقام البيان يقتضي عدم وجوبه.

و رواية عنبسة: نذرت في ابن لي إن عافاه اللَّه أن أحجّ ماشيا، فمشيت حتى بلغت العقبة، فاشتكيت فركبت، ثم وجدت راحة فمشيت، فسألت أبا عبد اللَّه عليه السلام، فقال: «إنّي أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة»، فقلت: معي نفقة و لو شئت أن أذبح لفعلت و عليّ دين، فقال: «إنّي أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة»، فقلت: شي ء واجب أفعله؟ فقال: «لا، من جعل اللَّه شيئا واجبا فبلغ جهده فليس عليه شي ء» «7».

______________________________

(1) النهاية: 205.

(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 156، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 183.

(3) التهذيب 5: 13- 36، الإستبصار 2: 149- 489، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 34 ح 3.

(4) التهذيب 5: 403- 1403، الإستبصار 2: 149- 490، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 34 ح 2.

(5) المفيد في المقنعة: 441، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 659، المحقق في المعتبر 2: 331، و الشرائع 1: 231.

(6) التهذيب 5: 403- 1402، الإستبصار 2: 150- 492، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه 34 ح 1.

(7) التهذيب 8: 313- 1163، الإستبصار 4: 49- 170، الوسائل 23: 308 أبواب النذر و العهد ب 8 ح 5، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 105

و الرابع: توقّع المكنة مع الإطلاق و الركوب مع التعيين أو اليأس،

حكي عن المختلف «1»، و اختاره في التنقيح و الروضة و المسالك «2».

و قد يجعل قول الأخيرين غير الأولين،

باعتبار عدم تعرّض الأولين لليأس و تعرّض الأخيرين. و الظاهر: الاتّحاد، إذ لا يكون اليأس داخلا في توقّع المكنة قطعا، أمّا الأول فظاهر، و أمّا الثاني فلأنّ العجز عن الصفة لا يوجب سقوط الموصوف.

و الخامس: توقّع المكنة مع الإطلاق،

و الركوب و الإتمام إن حصل العجز بعد التلبّس بالإحرام مطلقا، و السقوط إن حصل قبله، حكي عن بعض المتأخّرين «3».

أقول: لو لا النصوص المذكورة لكان المصير إلى القول الأول متعيّنا، بضميمة ما مرّ سابقا من إبطال الاستدلال بعدم إيجاب العجز عن الصفة سقوط الموصوف، و لكن مع تلك النصوص «4»- الآمرة بالركوب عند العجز على الإطلاق سواء كان نذرا مطلقا أو معينا إمّا مع سياق الهدي أو بدونه الموافقة لعمل جمع من الأعيان- فلا محيص عن القول بمقتضاها.

مضافا بالنسبة إلى النذر المطلق [إلى] «5» أنّ الأمر بتوقّع المكنة بعد طريان العجز ربّما يؤدّي إلى العسر و الحرج المنفيّين، سيّما و أن يكون بعد التلبّس بالإحرام، سيّما مع الأمر بإكمال الحجّ و العمرة حينئذ.

و مخافة الخروج عن المجمع عليه في صورة الإطلاق، حيث إنّ

______________________________

(1) المختلف: 323 و 659.

(2) التنقيح 1: 424، الروضة 2: 182، المسالك 2: 207.

(3) كصاحب المدارك 7: 108، و فيه: مع وجوب الإكمال سياق البدنة.

(4) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 34.

(5) أضفناها لاقتضاء السياق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 106

المستفاد من كلام فخر المحققين «1» و غيره «2»: أنّ الخلاف إنّما هو في المعيّن، و أمّا المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقّع المكنة.

فليس في موقعها، إذ ظاهر جمع من الأصحاب- منهم: المحقّق في الشرائع و النافع «3»- تحقّق الخلاف في الصورتين، فالأخذ بمقتضى النصوص- و هو الركوب عند العجز مع أحد الأمرين

من السياق و عدمه- هو الأقوى، و الأصول المقتضية للقول الأول بها تندفع.

و قد يورد على النصوص بعدم صراحتها في مفروض المسألة- و هو نذر الحجّ ماشيا- بأن يكون أحدهما مشروطا بالآخر، لأنّ مورد صحيحتي الحلبي و رفاعة نذر المشي إلى بيت اللَّه، و هو لا يستلزم نذر الحجّ، فلعلّ إيجابه إنّما هو لإيجابه عليه مضيّقا سابقا بالاستطاعة و نحوها. و مورد الآخرين و إن كان المفروض، إلّا أنّه يحتمل أن يكون المراد نذر المشي خاصّة منضمّا إلى الحجّ الواجب مضيّقا سابقا، و حينئذ فيخرجان عن المورد أيضا إلّا من جهة الإطلاق أو العموم. و في رفع اليد عن الأصول و تخصيصها بمجرّدهما إشكال، بل يمكن العكس، بصرفهما إلى نذر المشي خاصّة في سنة الوجوب مضيّقا.

و فيه:- مضافا إلى ظهور إرادة نذر الحجّ ماشيا من نذر المشي إلى بيت اللَّه- أنّ إطلاق الخبرين الآخرين- اللذين أحدهما الصحيح «4»، و الآخر أيضا حجة على الصحيح «5»- أو عمومهما كاف في دفع الأصل.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 276.

(2) كصاحب الحدائق 14: 235.

(3) الشرائع 1: 231، النافع: 76.

(4) و هو صحيح الحذاء، المتقدم في ص: 100.

(5) المروي عن نوادر ابن عيسى، المتقدم في ص: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 107

سلّمنا أنّ الأصل- لكونه مؤسّسا أيضا من العموم أو الإطلاق- يعارض ذلك، و مقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم وجوب توقّع المكنة أيضا، و هو المطلوب.

و القول: بأنّ صرف النصوص إلى الأصول أولى، لكونها مقطوعا بها، بخلاف النصوص، فإنّها آحاد.

باطل، لأنّ الآحاد بعد حجّيتها تكون قطعيّة، مع أنّ مأخذ تلك الأصول أيضا لا يخرج عن الآحاد.

بقي الكلام في أنّه هل يجب سياق الهدي، كما هو القول الثاني و مقتضى

الصحيحين الأولين «1»؟

أو يستحبّ، كما هو القول الثالث و مقتضى الرواية «2» المعتضدة بظاهر الصحيحة «3»؟

و لو لا الرواية لكان المصير إلى الوجوب معيّنا، و لكن معها لا يبقى ظهور للصحيحين في الوجوب، لتصريحها بعدمه و الاستحباب، فتكون قرينة على إرادته منهما أيضا.

و القول بضعف الرواية مع وجودها في الأصول المعتبرة عندي ضعيف.

فإذن الأصحّ هو: القول الثالث، و عليه الفتوى.

______________________________

(1) المتقدمين في ص: 101- 104.

(2) المتقدمة في ص: 104.

(3) المتقدمة في ص: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 108

الفصل الثاني في الواجب بالنيابة و الإجارة
اشاره

و هي ثابتة في الحجّ في الجملة، بالإجماع، بل الضرورة، و الأخبار المتواترة «1» الواردة في أحكام النيابة و الإجارة.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يشترط في النائب أمور:
منها: العقل،

فلا تصحّ نيابة المجنون و الطفل الغير المميّز بالإجماع المحقّق و المحكي «2»، له، و لارتفاع تحقّق القصد منهما.

و منها: البلوغ،

فلا تصحّ نيابة غير البالغ و لو كان مميّزا على المشهور، كما صرّح به جماعة «3»، و جعله في المدارك المعروف من مذهب الأصحاب «4».

و استدلّ له بالأصل، لكون كفاية حجّ الغير عن آخر مخالفة له قطعا، فيقتصر فيها على موضع اليقين.

و بخروج عباداته عن الشرعيّة الموجبة للثواب و إنّما هي تمرينيّة، فلا تجزئ عمّن تجب عليه أو تندب، لأنّ التمرينيّة ليست بواجبة و لا مندوبة.

و بأنّه ليس بمكلّف فلا تصحّ عبادته، لأنّها موافقة المكلّف به، و الحجّ

______________________________

(1) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 1.

(2) حكاه في كشف اللثام 1: 296.

(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 296، و صاحب الذخيرة: 568.

(4) المدارك 7: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 109

بالنيابة أيضا عبادة.

و بأنّ علمه بعدم المؤاخذة بأفعاله موجب لعدم الركون إلى إخباره، و احتمال أن يفعل بعض المناسك لا على الوجه المأمور به.

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول، فللزوم الخروج عن الأصل بالدليل و لو كان إطلاقا أو عموما. و أكثر أخبار المقام و إن تضمّن لفظ: «الرجل» أو: «الصرورة الذي لا مال له» «1» المراد منه البالغ، إذ غيره لا يحتاج إلى القيد، أو الأمر بمثل:

«فليقض عنه وليّه» «2» المخصوص بالمكلّفين، أو مثل: «و يقضي عنه» «3» الغير المتعرّض «4» للقاضي و لو من جهة الإطلاق. و لكن من الأخبار ما يشمل غير المميّز بالإطلاق، كرواية عامر بن عمير الصحيح عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: بلغني أنّك قلت: «لو أنّ رجلا مات و لم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ

عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه» قال: «نعم» «5».

و صحيحة ابن عمّار: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 306- 3، التهذيب 5: 15- 42، الوسائل 11: 71 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 28 ح 1.

(2) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 26 ح 1.

(3) الكافي 4: 276- 11، الفقيه 2: 269- 1314، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 26 ح 2.

(4) في «ق» و «ج»: المنصوص ..

(5) الكافي 4: 277- 13، التهذيب 5: 404- 1407، الوسائل 11: 77 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 31 ح 2.

(6) التهذيب 5: 411- 1432، الإستبصار 2: 320- 1136، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 110

و رواية محمّد: «لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة» «1».

و أمّا الثّاني، فلمنع خروج عبادات الصبيّ عن الشرعيّة بإطلاقها، و إنّما هي خارجة عن الواجبة على نفسها.

سلّمنا التمرينيّة، لكنّه مخصوصة بأوامر اللَّه سبحانه لا ما يستأجر للغير، و لا نسلّم ما رتّبه على تمرينيّة عباداته من عدم إجزائه عمّن تجب عليه أو تندب، و لا يلزم من عدم وجوبها أو ندبها على نفسه عدم إجزائها عمّن تجب عليه أو تندب.

فإن قيل: إذا لم تكن واجبة و لا مندوبة فلا تكون مأمورا بها، فلا تكون صحيحة، لأنّ الصحّة موافقة الأمر.

قلنا: لا نسلّم أنّ الصحّة فيما يستأجر للغير موافقته للمأمور به للأجير، بل هي الموافقة للمأمور به لمن استؤجر له.

و من ذلك يعلم ما في الثالث أيضا.

و أمّا الرابع، فلعدم إيجاب العلم بعدم

المؤاخذة لعدم الركون بأفعاله، إذ قد يكون الشخص في نفسه ثقة لا يرضى بالخيانة.

سلّمنا، و لكن عدم المؤاخذة عنه إنّما هو في حال الصغر، و لكنّه يعلم بكونه مؤاخذا بعد البلوغ بغرامة ما يتلفه في حال الصغر عن حقّ الغير، و ذلك منه.

و من ذلك يعلم ضعف جميع تلك الأدلّة.

و لذا ذهب جمع من المتأخّرين إلى جواز نيابة المميّز، كالمحقّق

______________________________

(1) التهذيب 5: 411- 1429، الإستبصار 2: 320- 1133، الوسائل 11: 173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 111

الأردبيلي و المدارك و المفاتيح و شرحه «1»، و مال إليه في الذخيرة «2».

إلّا أنّ في الفقيه عن بشير النبّال: قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إنّ والدتي توفّيت و لم تحجّ، قال: «يحجّ عنها رجل أو امرأة»، قلت: أيّهم أحبّ إليك؟ قال: «رجل أحبّ إليّ» «3».

و في المستفيضة المتقدّمة- الواردة فيما لم يطق الحجّ ببدنه-:

«فليجهّز رجلا» «4»، و لا شكّ أنّ الرجل لا يصدق على غير البالغ.

و لكنّ الاستدلال بالأول يتمّ عند من يقول بإفادة الجملة الخبريّة للوجوب، و بالثاني عند من يوجب على من لم يطق تجهيز الغير، و قد عرفت أنّ الأظهر عدمه، فلا يتمّان عندنا.

نعم، يمكن الاستدلال على عدم الجواز برواية عمّار الواردة في استئجار الصلاة و الصوم المتقدّمة في كتاب الصلاة «5»، إمّا من جهة الإجماع المركّب و عدم الفصل بينهما و بين الحجّ، أو من جهة اشتمال أفعال الحجّ على الصلاة أيضا، المؤيّدين بقوله عليه السّلام: «الطواف بالبيت صلاة» «6».

و من ذلك يظهر أنّ الأظهر: عدم صحّة إجارة غير المكلّف.

و منها: الإسلام،

فلا تصحّ نيابة الكافر.

لا لما استدلّوا به من عدم تأتّي نيّة القربة منه،

لمنعه أولا، فإنّه يمكن تأتّيها من جهة زعمه اشتغال ذمّته بفعل الغير، و عدم اشتراط القربة في

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 6: 128، المدارك 7: 112، المفاتيح 1: 302.

(2) الذخيرة: 568.

(3) الفقيه 2: 270- 1319، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 8.

(4) الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24.

(5) راجع ج 7 ص 328.

(6) سنن الدارمي 2: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 112

عمل الأجير ثانيا.

بل للإجماع، و لكون الكافر نجسا لا يجوز له دخول مسجد الحرام المتوقّف بعض أعمال الحجّ عليه، و لروايتي مصادف:

إحداهما: أ تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: «نعم، إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجّت» «1»، و قريبة منها الأخرى «2».

و لا يضرّ في الاشتراط شرط كونها قد حجّت مع أنّه غير شرط، لأنّه قرينة على أنّ المراد المرأة المستطيعة.

و منها: الإيمان،

اشترطه بعضهم «3»، لعدم صحّة عبادة المخالف.

و فيه: أنّه لو سلّم فإنّما هو في عبادات نفسه، و أمّا ما ينوب فيه لغيره فلا دليل على عدم صحّته، التي هي الموافقة لتكليف المنوب عنه، و الأخبار الواردة في عدم صحّة عباداته ظاهرة في عبادات نفسه، و لذا ذهب جمع إلى الصحة «4»، بل هو ظاهر الأكثر.

و يمكن الاستدلال على عدم الصحّة برواية عمّار المشار إليها في نيابة المميّز، المتقدّمة في بحث الصلاة بالتقريب المتقدّم في المميز «5».

و على هذا، فالأظهر: عدم الصحّة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 413- 1436، الإستبصار 2: 322- 1142، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 7.

(2) الكافي 4: 306- 1، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 4.

(3) كصاحب المدارك 7: 108، و

الكاشاني في المفاتيح 1: 302، و صاحب الحدائق 14: 240.

(4) كالمحقق في المعتبر 2: 766، و العلّامة في المنتهى 2: 863، و التذكرة 1:

309، و الشهيد في الدروس 1: 319.

(5) في ص: راجع ج 7: 344.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 113

و منها: العدالة،

و قد اعتبرها المتأخّرون في الحجّ الواجب، كما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح «1»، أو في الحجّ مطلقا، كما في بعض شروح المفاتيح، و هو ظاهر المفيد في باب مختصر المسائل و الجوابات من كتاب الأركان، حيث قال: إذا لم يكن للإنسان مانع عن الحجّ و كان ظاهر العدالة فله أن يحجّ عن غيره.

و استند المتأخّرون إلى أنّ الإتيان بالحجّ الصحيح إنّما يعلم بإخباره «2»، و الفاسق لا تعويل على إخباره، لآية التثبّت «3». و اكتفى بعضهم بكونه ممّن يظنّ صدقه و يحصل الوثوق بإخباره، و استحسنه جماعة «4».

و لا يخفى أنّه يرد على مستندهم: أنّ المطلوب إن كان هو العلم فلا يحصل من خبر العادل أيضا، و إن كان الظنّ فهو قد يحصل بخبر الفاسق.

إلّا أن يقال: إنّ المطلوب كونه مقبول الخبر، و الفاسق ليس كذلك، للآية.

و يرد عليه حينئذ أولا: أنّ مقتضى الآية قبول خبر الفاسق مع التثبّت، فقد يعلم من حاله أنّه لا يكذب، أو أنّه يأتي بما استؤجر له، أو تدلّ قرائن على أحدهما، فلا تكون العدالة شرطا.

و ثانيا: أنّا نمنع أصل المطلوب- و هو كونه مقبول القول- فإنّ المأمور به هو الاستنابة مطلقا، كما في الأخبار، و أمّا أنّه يجب أن يستفسر عنه أنّه هل أتى بما استنيب له أم لا، و أنّه يجب أن يكون مقبول القول في ذلك،

______________________________

(1) المدارك 7: 109، الذخيرة: 867، المفاتيح

1: 302.

(2) منهم صاحب المدارك 7: 109، و الفيض في المفاتيح 1: 302.

(3) الحجرات: 6.

(4) كما في المدارك 7: 109، و الذخيرة: 567، و المفاتيح 1: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 114

فلا دليل عليه، و الأصل ينفيه، بل المصرّح به في المستفيضة: أنّ بالاستنابة تبرأ ذمّة المنوب عنه، أتى النائب بالأفعال أم لا، كان في حجّه نقص أم لا «1».

ففي مرسلة ابن أبي عمير- التي هي في حكم الصحاح-: في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحجّ عنه و مات و لم يخلّف شيئا، قال: «إن كان حجّ الأجير أخذت حجّته و دفعت إلى صاحب المال، و إن لم يكن حجّ كتب لصاحب المال ثواب الحجّ» «2».

و في مرسلة الفقيه: الرجل يأخذ الحجّة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا، فقال: «أجزأت عن الميّت، و إن كانت له عند اللَّه حجّة أثبتت لصاحبه» «3».

و في موثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: في الرجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئا يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة؟ قال: «هي للأول تامّة، و على هذا ما اجترح» «4».

و في أخرى كذلك أيضا: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحجّ من قابل، أ يجزئ عن الأول؟ قال: «نعم»، قلت: لأنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال: «نعم» «5».

______________________________

(1) كما في الوسائل 11: 185 و 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 و 23.

(2) الكافي 4: 311- 3، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23 ح 1.

(3) الفقيه 2: 261- 1269، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23 ح 2.

(4) الكافي 4: 544- 23، التهذيب 5:

461- 1606، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 2.

(5) الكافي 4: 306- 4، التهذيب 5: 417- 1450، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 115

و صحيحة الحسين: في رجل أعطاه رجل مالا يحجّ عنه فحجّ عن نفسه، فقال: «هي عن صاحب المال» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    115     و منها: العدالة، ..... ص : 113

مكاتبة أبي علي بن مطهّر: إنّي دفعت إلى ستّة أنفس مائة دينار و خمسين دينارا ليحجّوا بها، فرجعوا و لم يشخص بعضهم، و أتاني بعض و ذكر أنّه قد أنفق بعض الدنانير و بقيت بقيّة و أنّه يردّ عليّ ما بقي، و إنّي قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه، فكتب عليه السّلام: «لا تعرض لمن لم يأتك و لا تأخذ ممّن أتاك شيئا ممّا يأتيك به، و الأجر قد وقع على اللَّه» «2».

و هذه الأخبار ناطقة بأنّه يثبت الحجّ للمنوب عنه بعد الاستنابة مطلقا، فأيّ حاجة إلى كون الأجير مقبول القول أو لا حتى تشترط عدالته؟! و الأصل عدم اشتراطها، و لا كونه مظنون الصدق، و هو الأظهر.

نعم، لو كان المستنيب وصيّا أو وكيلا و دلّت القرائن على إرادة الموصي أو الموكّل لاستنابة العدل أو الثقة- كما هو الظاهر في الأكثر- تجب استنابته، كما مرّ في كتاب الصلاة.

و منها: أن يكون فقيها حال الحجّ-

أي عارفا بما يلزم عليه من أفعال الحجّ- اجتهادا أو تقليدا، لروايتي مصادف [المتقدّمتين] «3»، و لتوقّف الإتيان بها عليه.

و هل يشترط علم المستنيب بفقاهته، أو عدم علمه بعدمها، أو لا يشترط شي ء منهما؟

______________________________

(1) التهذيب 5: 461- 1605، الوسائل 11: 193 أبواب

النيابة في الحجّ ب 22 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 260- 1266، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 4.

(3) في النسخ: المتقدّمة، و الأنسب ما أثبتناه. و قد تقدمتا في ص 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 116

مقتضى الروايتين: الأول، فهو المعمول و إن لم نقل به في استئجار الصلاة، لأنّ الصلاة واجبة على كلّ أحد، و مقتضى معاملة العلماء- بل الحجج عليهم السّلام- مع الناس اكتفاؤهم في حقّهم في تكاليفهم بعدم العلم بالعدم، و بناؤهم معهم على كونهم عالمين بأحكامهم، و إن أمكن الخدش في الصلاة أيضا، فتأمّل.

و اللازم معرفته هو العلم بما يجب عليه الإتيان به من أعمال الحجّ، دون ما يمكن أن يحتاج إليه من مسائل الشكّ، و السهو، و قدر الكفّارات، و الأحكام المفروضة احتياجه إليها.

و كذا اللازم هو المعرفة حال كلّ فعل، فلو لم يعلم الجميع مفصّلا أولا و لكن كان معه أصل يرجع إليه عند كلّ عمل كان كافيا، و لو كان بتعليم مرشد عادل يحجّ معه.

و أمّا ما احتمله الشهيد في الدروس «1»- من كفاية العلم الإجمالي بذلك- فلا أفهم حقيقته، فإنّه إن أراد حال الإجازة أو قبل الأعمال فلا يشترط العلم مطلقا، لا التفصيلي و لا الإجمالي، و إن كان حال الفعل فلا معنى لكفاية الإجمالي.

و منها: كونه قادرا على السير و الإتيان بمناسك الحجّ

، و الوجه ظاهر.

و منها: موت المنوب عنه أو عجزه،

كما مرّ. نعم، يجوز التبرّع بحجّ التطوّع لغيرهما كما يأتي.

و منها: خلوّ ذمّته من حجّ واجب عليه في عام النيابة

بالأصالة أو بالاستئجار أو بالإفساد أو بغير ذلك، فلو وجب عليه حجّ في ذلك العام لم يجز

______________________________

(1) الدروس 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 117

له أن ينوب عن غيره بالإجماع، للنهي عن الضدّ الموجب للفساد، و للأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها:

كصحيحة سعد: عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت؟ قال: «نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإنّ كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله» الحديث «1»، و غيرها من الأخبار «2».

و من شغلت ذمّته بواجب موسّع أو مقيّد بالعام القابل- كما لو نذر أو استؤجر لأن يحجّ في القابل- جازت له النيابة قبل عام الوجوب، من غير خلاف يعرف.

و كذا من استقرّ في ذمّته الحجّ في عام و عجز عن أدائه فيه و لو مشيا- كالمستقرّ من حجّ الإسلام- تجوز له الاستنابة إذا تمكّن من الركوب حينئذ بمال الإجارة، بشرط ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة، لأنّ العجز يمنع عن الوجوب.

و خالف فيه بعضهم «3»، و لا وجه له.

و لو صار نائبا في عام و تجدّدت بعد النيابة له الاستطاعة في ذلك العام تصحّ النيابة و يحجّ للنيابة، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي، و يحجّ لنفسه في العام القابل بشرط بقاء الاستطاعة.

و كذا تجوز النيابة لو لم يكن مستطيعا و علم حصول الاستطاعة قبل المسافرة، لعدم الوجوب قبل الحصول، فتجوز له النيابة، و بعدها لا يحصل

______________________________

(1) الكافي 4: 305- 2، التهذيب 5: 410- 1427، الإستبصار 2: 319- 1131، الوسائل 11: 172 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 1.

(2) الوسائل 11: 172

أبواب النيابة في الحجّ ب 5.

(3) و هو الحلّي في السرائر 1: 626.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 118

تمام الاستطاعة للمانع الشرعي.

و يتفرّع عليه: أنّه لو أوصى أحد بولده نيابة الحجّ بنفسه لوالده أول عام وفاته، و لم يكن للولد مال بنفسه، و لكن يستطيع بالميراث بعد فوت أبيه، يجوز له قبول الوصيّة، و بعده لا يكون مستطيعا في العام الأول.

و لو كان له مال قبل فوت أبيه يجوز له قبول الوصيّة مقيّدا بحجّة لنفسه قبل فوت أبيه، فلو لم يحجّ قبله لا يجوز له الحجّ نيابة.

و لو ظنّ تمكّنه من الحجّ لنفسه قبل وفاة أبيه، فقبل الوصيّة، فلم يتمكّن أو مات أبوه في ذلك العام، بطلت الوصيّة و عاد المال إلى الورثة.

و منها: إذن المولى إن كان النائب عبدا،

فلا يصحّ بدون إذنه، و وجهه واضح، و معه يصحّ بإجماعنا، للإطلاقات.

المسألة الثانية: لا تصحّ النيابة عن الكافر،

للإجماع، و هو الحجّة فيه.

دون ما قيل من أنّه يستحقّ في الآخرة العقاب دون الثواب، و هو من لوازم صحّة الفعل «1».

و لا قوله سبحانه ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ «2».

و لا قوله وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى «3».

لمنع كون ثواب الآخرة من لوازم صحّة الفعل، لجواز ترتّب الأجر الدنيوي كما ورد في كثير من الأفعال، أو تخفيف عقاب الآخرة.

______________________________

(1) الحدائق 14: 239.

(2) التوبة: 113.

(3) النجم: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 119

و عدم استحقاق الكافر لهما ممنوع، كما ورد في بعض الموثقات:

عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته أو عمرته أو بعض أفعاله لبعض أهله- إلى أن قال- قال: و إن كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: «نعم، يخفّف عنه» «1».

و لمنع كون نيابة الحجّ استغفارا.

و لكون الاستنابة أيضا سعيا من المنوب عنه.

و لا تصحّ أيضا عن المسلم الناصب إلّا أن يكون أبا للنائب، لمكاتبة ابن مهزيار «2» و صحيحة ابن عبد ربّه «3».

و أمّا غير الناصب من المخالفين فتصحّ عنه على الأظهر، وفاقا لجماعة «4»، للأصل و الإطلاقات، إلّا إذا استناب لفعل لا يجوز عندنا.

و منعه جماعة «5» مطلقا، لعدم انتفاعه بشي ء من الأعمال، و استحقاقه العقاب الدائم، و كونه كافرا.

و يرد على الأول: أن المسلّم عدم انتفاعه الأخروي، فلعلّه يؤجر به في الدنيا.

و منه يظهر ما يرد على الثاني أيضا.

و على الثالث: بمنع كونه كافرا. سلّمنا، و لكنّ المستند في عدم

______________________________

(1) الكافي 4: 315- 4 و فيه: بعض طوافه، بدل: بعض أفعاله، الوسائل 11: 197 أبواب النيابة في الحج ب 25 ح 5.

(2) الكافي 4: 309-

2، الوسائل 11: 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 2.

(3) الكافي 4: 309- 1، الفقيه 2: 262- 1273، التهذيب 5: 414- 1441، الوسائل 11: 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 1.

(4) منهم القاضي في المهذب 1: 269، و الحلّي في السرائر 1: 632.

(5) كالشيخ في النهاية: 280، و العلّامة في القواعد 1: 77، و الكاشاني في المفاتيح 1: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 120

الصحّة عنه الإجماع المنتفي في ذلك الصنف.

المسألة الثالثة: قالوا: لا بدّ من نيّة النيابة و تعيين المنوب عنه،

و في الذخيرة: أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلامهم «1»، و نسبه بعض شرّاح المفاتيح إلى المشهور المنبئ عن الخلاف، و استدلّ له بقوله عليه السّلام: «إنّما الأعمال بالنيّات، و أنّ لكلّ امرئ ما نوى» «2».

و فيه: إنّما هو في الأعمال التي تتحمّل الاشتراك و يمكن وقوعه على وجوه عديدة، فلا بدّ فيه من قصد المميّز، و أمّا ما لا يمكن وقوعه إلّا على وجه واحد فلا يحتاج إلى مميّز، كما مرّ مستوفى في بحيث النيّة من الوضوء و الصلاة.

فعلى هذا يتّجه القول بعدم لزوم قصد النيابة، لوقوع الفعل للمنوب عنه قهرا و لو قصد غيره.

و تدلّ عليه صحيحة أبي حمزة و الحسين: في رجل أعطى رجلا مالا يحجّ عنه فحجّ عن نفسه، فقال: «هي عن صاحب المال» «3»، و نحوها مرفوعة محمّد «4».

نعم، إذا كان وقت النيابة موسّعا أو كان الحجّ للغير تبرّعا يجوز التخلّف، فوقوعه عن النيابة يتوقّف على قصدها، و على هذا وردت

______________________________

(1) الذخيرة: 567.

(2) التهذيب 4: 186- 519، الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 461- 1605، الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح

1.

(4) الكافي 4: 311- 2، الفقيه 2: 262- 1376، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 121

الروايات المفيدة لقصد الحجّ عن شخص «1».

و لو كان المنوب عنه متعدّدا- بأن ينوب عن اثنين في عامين بدون التعيين- يجب تعيين المنوب عنه أيضا، و لا يجب تسمية المنوب عنه باللفظ قولا واحدا. نعم، يستحبّ، كما يأتي.

المسألة الرابعة: تجوز نيابة كلّ من الرجل و المرأة عن الآخر،

بالإجماع مطلقا في الأول، و في غير الصرورة من الثاني، للمستفيضة من الأخبار الصحيحة و غيرها «2».

و الروايتان المنافيتان «3» بظاهرهما لذلك الحكم شاذّتان مطروحتان، مع أنّهما في الحقيقة غير منافيتين، لعمومهما بالنسبة إلى الصرورة الذي له مال و الذي لا مال له، و اختصاص المجوّزات بمن لا مال له، فيجب التخصيص، مع أنّ مدلول إحداهما: عدم إجزاء حجّة عن حجّتين، لا عدم إجزاء حجّ الصرورة.

و على الحقّ المشهور في الصرورة منه أيضا، للمستفيضة، بل- كما قيل- المتواترة. و بعض الأخبار «4»- المتضمّنة لعدم حجّ المرأة الصرورة عن الرجل- غير ناهض لإثبات الزائد عن الكراهة، بل في بعضها دلالة عليها دلالة واضحة.

المسألة الخامسة: لو مات النائب قبل إتمام المناسك،

فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عنه إجماعا، للأصل، و الإجماع، و به تخصّص الأخبار

______________________________

(1) الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحج ب 22.

(2) كما في الوسائل 11: 176 أبواب النيابة في الحجّ ب 8.

(3) انظر الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 122

الآتية المصرّحة بالإجزاء مع الموت في الطريق مطلقا.

و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ حجّة عمّن حجّ عنه و برئت ذمّته عن فرضه، و لا حاجة إلى الاستنابة له ثانيا، بلا خلاف يوجد، بل بلا خلاف على الظاهر المصرّح به في التنقيح و المفاتيح و شرحه و الحدائق «1»، بل الوفاق كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع كما في المسالك و المنتهى «3» و جماعة «4»، بل بالإجماع المحقّق.

لا للإجماع المنقول، أو ثبوته في المنوب عنه بالإجماع، أو صحيحتي ضريس «5» و العجلي «6» المتقدّمتين في مسألة

موت الحاجّ لنفسه، لعدم حجّية الأول، و كون الثانيين قياسا، و عدم ثبوت الإجماع المركّب.

بل للإجماع المحقّق، و موثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: عن الرجل يموت فيوصي بحجّة، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه، فيموت قبل أن يحجّ، ثم أعطى الدراهم غيره، قال: «إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزئ عن الأول» «7».

______________________________

(1) التنقيح 1: 426، المفاتيح 1: 300، الحدائق 14: 254.

(2) الذخيرة: 568.

(3) المسالك 1: 95، المنتهى 2: 863.

(4) انظر المدارك 7: 118.

(5) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 1.

(6) الكافي 4: 276- 11، الفقيه 2: 269- 1314، التهذيب 5: 407- 1416، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 2.

(7) الكافي 4: 306- 4، التهذيب 5: 417- 1450، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 123

و مرسلة الحسين بن عثمان الصحيحة أيضا: في رجل أعطى رجلا ما يحجّه، فحدث بالرجل حدث، فقال: «إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول و إلّا فلا» «1».

وجه الاستدلال: أنّها دلّت على الإجزاء في الطريق مطلقا، خرج عنها قبل الإحرام بالإجماع، و بقي الباقي.

و القول بأنّه تخصيص بعيد- كما في الذخيرة «2»- غفلة عن حال بلد السؤال الذي هو المدينة، فإنّ محلّ الإحرام فيها قريبة منها معدودة من حدودها.

بل يمكن أن يقال: إنّه ما لم يصل إلى مسجد الشجرة- الذي هو الميقات- لم يخرج من المنزل عرفا، فتأمّل.

و تضعيف تلك الروايات- بعد وجودها في الأصول المعتبرة و

صحّتها عمّن ذكر- لا وجه له.

و لا تعارضها موثّقة الساباطي: في رجل حجّ عن آخر و مات في الطريق، قال: «قد وقع أجره على اللَّه و لكن يوصي، فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» «3».

لعدم صراحتها في الوصيّة بالحجّ للمنوب عنه أولا، بل يحتمل أن يراد الوصيّة بما بقي من الأجرة ليستعاد، كما هو أحد القولين كما يأتي، و يكون قوله: «فإن قدر» إلى آخره، على الاستحباب، و لعدم صراحتها في

______________________________

(1) الكافي 4: 306- 5، التهذيب 5: 418- 1451، الوسائل 11: 186 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 3.

(2) الذخيرة: 568.

(3) التهذيب 5: 461- 1607، الوسائل 11: 186 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 124

الوجوب ثانيا، فلعلّه مستحبّ.

و إن مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم أجزأ أيضا على الأظهر، وفاقا للشيخ في المبسوط و الخلاف «1» و الحلّي في السرائر «2»، بل في الخلاف: إنّ أصحابنا لا يختلفون في ذلك، للأخبار المذكورة «3» بالتقريب المذكور بعينه.

المسألة السادسة: لو مات النائب،
اشاره

فإمّا يكون قبل العمل المبرئ للذمّة- و هو الإحرام أو مع دخول الحرم على اختلاف القولين- أو بعده، و على الثاني: إمّا يكون قبل الإتيان بجميع المناسك أو بعده، و على الثاني:

إمّا يكون قبل الشروع في العود أو بعده.

فعلى الأول:

فإن كان الاستئجار لأفعال الحجّ أو الحجّ «4» خاصّة- أي نصّ على الخصوصيّة- لا يستحقّ من الأجرة شيئا و استعيد الجميع لو أخذها قولا واحدا، و الوجه واضح.

و إن كان للحجّ مطلقا من غير تنصيص بالخصوصيّة فكذلك على الأظهر الأشهر، وفاقا للإصباح و المبسوط و السرائر- جاعلا إيّاه مقتضى أصول المذهب- و المختلف و التذكرة

و المسالك و الروضة و المدارك و الذخيرة «5»، و غيرهم من المتأخّرين «6»، لأنّ الحجّ اسم للأفعال

______________________________

(1) المبسوط 1: 323، الخلاف 2: 390.

(2) السرائر 1: 628.

(3) الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15.

(4) في س: و الحج.

(5) المبسوط 1: 323، السرائر 1: 629، المختلف: 313، التذكرة 1: 315، المسالك 1: 95، الروضة 2: 188، المدارك 7: 119، الذخيرة: 569.

(6) كصاحب الرياض 1: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 125

المخصوصة، و مفهومه لا يتناول غيره أصلا، و لم يأت الأجير بشي ء ممّا تعلّقت الإجارة به و إن أتى بمقدّماته، و وجه الأجرة إنّما يوزّع على أجزاء الفعل المستأجر عليه، و المقدّمات خارجة عن ذلك.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و الكافي و المقنعة و المهذّب و الغنية «1»، فقالوا: بأنّه يستحقّ مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه و من أفعال الحجّ. و في الشرائع و القواعد و الإرشاد «2» و غيرها: فبنسبته إلى ما ذكر مع العود أيضا.

و ضعفه ظاهر ممّا ذكر، سيّما بالنسبة إلى العود الذي لا مدخل له في الحقيقة و لا في المقدّمات.

قيل: و يمكن تنزيل إطلاقهم على ما إذا شهدت قرائن العرف و العادة بدخول قطع المسافة في الإجارة و إن لم يذكر في صيغتها، فيكون اللفظ متناولا لها بالالتزام، و لهذا يعطى الأجير من الأجرة الكثيرة ما لا يعطى من يحجّ من الميقات «3».

و فيه: أنّه إن أريد بدخول قطع المسافة في الإجارة كونه مرادا من لفظ الحجّ مجازا حتى يكون اللفظ مستعملا فيه و في الأفعال، فتصحّ النسبة حينئذ، و لكن يكون مذكورا في الصيغة، لأنّ المجاز مع القرينة كالحقيقة في كونه مذكورا، و

لا معنى لتناول اللفظ حينئذ بالالتزام أيضا، بل يكون مستعملا فيه، و مع ذلك تنزيل الإطلاق عليه بعيد جدّا. و جعل إعطاء

______________________________

(1) النهاية: 278، الكافي في الفقه: 220، المقنعة: 443، المهذّب 1: 268، الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(2) الشرائع 1: 232، القواعد 1: 77، الإرشاد 1: 313.

(3) قاله في الرياض 1: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 126

الأجرة الكثيرة قرينة عليه فاسد، لعدم دلالته على التجوّز في لفظ الحجّ أصلا.

نعم، لكون الحجّ المحتاج إلى المقدمات الصعبة و المئونة الكثيرة أشقّ يعطى الأجرة عليه أكثر.

و إن أريد به إرادة الإتيان به للتوصّل إلى المعنى الحقيقي للحجّ فهو كذلك، و لكن كلّما كان بين الأجير و الميقات مسافة يراد قطعها، و لا معنى للتخصيص بقوله: إذا شهدت، و لا تنزيل الإطلاق، و مع ذلك لا يكون داخلا فيما استؤجر له لا صريحا و لا التزاما، فإنّ كلّ من يستأجر بنّاء لبناء داره يريد خروجه من بيته و مجيئه إلى موضع العمل، و ليس ذلك ممّا استؤجر له قطعا لا عرفا و لا عادة. و على هذا، فإن كان مراده من تناول اللفظ لها بالالتزام استلزامه لإرادة المستأجر الإتيان به فمسلّم، و لكن لا يدخل بذلك فيما استؤجر له.

و إن أريد استلزام الإجارة للحجّ للإجارة لقطع المسافة فممنوع، و لذا لو آجر نفسه لأحد لأن يحجّ عنه في العام القابل بالإطلاق، ثم آجر نفسه لآخر لأن يقطع المسافة و يحجّ عنه في العام الحاضر، فقطعها له و مكث في مكّة إلى القابل و حجّ عن الأول، أجزأ عنه.

و بالجملة: إطلاق الإجارة للحجّ ينصرف إلى مجرّد الأفعال، إلّا أن تكون قرينة على وقوع الإجارة على قطع المسافة أيضا، فيكون

من القسم الآتي.

و إن كان الاستئجار على الحجّ و على الذهاب أو عليهما و على العود أيضا استحقّ منها بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.

و على الثاني:

فالمشهور أنّه يستحقّ الجميع و لا يستعاد منه شي ء،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 127

و عن الغنية: أنّه لا خلاف فيه عندنا «1»، و عن الخلاف: إجماع أصحابنا عليه، لأنّه قد فعل ما أبرأ ذمّة المنوب عنه، فكان كما لو أكمل الحجّ «2».

و ردّه في المدارك: بأنّه إنّما يتمّ إذا تعلّق الاستئجار بالحجّ المبرئ للذمّة، أمّا لو تعلّق بالمعهود أو الأفعال المخصوصة لا وجه لاستحقاقه لجميع الأجرة و إن كان ما أتى به مبرئا للذمّة، لعدم الإتيان بالفعل المستأجر عليه «3».

و استحسنه في الذخيرة «4»، و كذا بعض آخر إن لم يثبت نصّ أو إجماع على استحقاق الجميع، و إذ لم يثبت عندنا و المنقول منه ليس بحجّة فالأظهر أنّه كالأول أيضا. (إلّا أنّه مع الاستئجار للحجّ مخصوصا أو مطلقا يستحقّ من الأجرة بنسبة ما أتى به من أفعاله إلى جميعها) «5».

و على الثالث:

فمع إطلاق الحجّ أو التخصيص به أو ضمّ الذهاب أيضا يستحقّ الجميع و لا يستعاد منه شي ء، و لو ضمّ العود أيضا فبنسبة الذهاب و الأفعال إلى العود.

و على الرابع:

فكالثالث، إلّا أنّه يدخل في ما فعل ما أتى به من العود أيضا، و الدليل على كلّ ما ذكر- من النسبة و الاستعادة بحسبها فيما لم يفعل- الإجماع على ذلك، و أنّ الأجير إنّما يستحقّ بقدر ما فعل من الفعل المستأجر له.

فإن قيل: مقتضى عقد الإجارة تملّك الأجير لمال الإجارة بمجرّد

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(2) انظر الخلاف 2: 390.

(3) المدارك 7:

119.

(4) الذخيرة: 569.

(5) ما بين القوسين ليس في «ق» و «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 128

العقد، و صرّح به في موثّقة الساباطي، و فيها: «إذا ضمن الحجّة فالدراهم له يصنع بها ما أحبّ و عليه حجّة» «1»، فالاستعادة مخالفة للأصل، يجب الاقتصار فيها على موضع الإجماع في جميع ما ذكر، و منه ما إذا أحرم أو دخل الحرم، فيجب عدم استرداد شي ء، لأنّه موضع للإجماع.

قلنا: المستند هنا الإجماع الواقع على أنّ الأجير لا يستحقّ ما لم يفعله من المستأجر له، و هذا الإجماع مسلّم، و عليه بناء الاستدلال، و لا حاجة إليه في كلّ جزئيّ جزئي، و لذا لا يحسبون الذهاب في صورة الإطلاق.

فرعان:
أ: لو نسي كيفية الاستئجار من الإطلاق و التقييد،

فالظاهر العمل بأصالة عدم التقييد و جعل المستأجر له الحجّ مطلقا، و به يخرج عن أصل عدم التسلّط على استعادة الزائد عن القدر المتيقّن، لكون الأول مزيلا للثاني.

و على هذا، فلو ادّعى ورثة الأجير دخول الذهاب أيضا و أنكره المستأجر يكون عليهم الإثبات.

ب: كيفيّة الاستعادة بالنسبة:

أنّه يستعلم إجارة كلّ فعل فعل بخصوصه عن أهل العرف و ينسب إلى مجموع مال الإجارة، فيستعلم أجرة من ذهب إلى الشام- مثلا- أو إلى مدينة أو الميقات و أجرة من حجّ من الميقات و أجرة من عاد من مكّة إلى الوطن- مثلا- و ينسب كلّ إلى مجموع

______________________________

(1) الكافي 4: 313- 2، التهذيب 5: 415- 1444، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 129

مال الإجارة و يعمل فيه بحسابه.

و لا يلاحظ في أجرة الذهاب و العود أنّ المقصود و الأهمّ هو الحجّ حتى لا يقابلهما إلّا أقلّ قليل، بل الملحوظ نفس قطع المسافة، فيقال: من كان له شغل من العراق إلى المدينة أو من المدينة إلى العراق فبكم يستأجر؟ و هكذا.

المسألة السابعة: قال في المدارك: مقتضى القواعد أنّه يعتبر في صحّة الإجارة تعيين النوع

الذي يريده المستأجر و لو بالقرائن الحاليّة، لاختلافها في الكيفيّة و الأحكام «1».

و لا يخفى أنّه بظاهره ينافي ما ذكروه في مسألة جواز العدول إلى التمتّع من أنّه إذا علم أنّ قصد المستأجر التخيير، و قد ذكره هو أيضا بعد ذلك بقليل من تخصيص الحكم بجواز العدول من الإفراد إلى التمتّع بما إذا كان المستأجر مخيّرا بين الأنواع، فإنّ مقتضى ذلك جواز التخيير و صحّة الإجارة التخييريّة.

و التحقيق: أنّ الإجارة تقع تارة على منافع الشخص في الزمان المعيّن و إن كان مراد المستأجر استيفاء نفع خاصّ منه، و أخرى على العمل إمّا في زمان معيّن أو مطلقا.

فإن وقعت على الطريق الأول يتحمّل التخيير، فيستأجر الشخص في سنة معيّنة مطلقا لأن يحجّ بما يأمره أو بما يشاء الأجير، فالمنتقل إلى المستأجر منفعة الشخص، و له أن يخيّره في كيفيّة إيجاد المنفعة، و من هذا القبيل

إجارة الشخص لمعونة السفر أو الخدمة، مع أنّ أنواعهما غير محصورة.

______________________________

(1) المدارك 7: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 130

و إن وقعت على الطريق الثاني- بأن يستأجره للحجّ خاصّة، أي تنتقل إليه هذه المنفعة منه خاصّة- فلا شكّ في اشتراط التعيين، لاختلاف العمل و الكيفيّة و زمان كلّ منهما، فلا يتحمّل التخيير، للزوم تعيين المنتقل إليه من المنافع.

و تحصّل ممّا ذكر- أنّه إن وقعت الإجارة على الشخص- أي جميع منافعه و إن كان ذلك لأجل العمل الخاصّ- لا يجب تعيين النوع، و إن وقعت على العمل- أي على الشخص لأجل العمل، أي على منفعة مخصوصة منه- يجب التعيين، لعدم جواز نقل منفعة غير معيّنة.

و الأول: من قبيل إجارة الشخص لمعونة السفر أو للتجارة أو للمسافرة بأمره أو للخدمة، فإنّها تصحّ مع عدم تعيين نوع العمل.

و الثاني: من قبيل إجارته لسفر غير معيّن أو خدمة غير معيّنة، فإنّها لا تصحّ.

المسألة الثامنة: إذا وقعت الإجارة على العمل المعيّن لا يجوز العدول عنه إلى غيره،

بلا خلاف إذا كان الغير مرجوحا، لقاعدة الإجارة السالمة عن المعارض بالمرّة، و لو كان راجحا ففيه خلاف.

و الأقوى: عدم جواز العدول مع تعيين المرجوح على المستأجر و الاستئجار له أو احتمال تعلّق غرض له بفعل المرجوح، للقاعدة، و لرواية عليّ المتضمّنة للسرّاد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: عن رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ بها حجّة مفردة، قال: «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، لا يخالف صاحب الدراهم» «1».

______________________________

(1) التهذيب 5: 416- 1447، الإستبصار 2: 323- 1146، الوسائل 11: 182 أبواب النيابة في الحجّ ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 131

و لا تنافيهما صحيحة أبي بصير: في رجل أعطى رجلا حجّة مفردة، فيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟

قال: «نعم، إنّما خالف إلى الفضل و الخيرة» «1».

لأنّ المراد منها: الفضل للمنوب عنه لا مطلقا، و لا شكّ أنّه مخصوص بما إذا لم يستأجر لما تعيّن عليه من المرجوح، و إلّا لم يكن فضلا له، بل يكون حراما عليه.

و لأنّ سياق التعليل مفهم لكون الفضيلة موجبة لرضا المستأجر و لو احتمل تعلّق غرض له بفعل المرجوح لا يعلم رضاه.

و جوازه في غير الصورتين، للصحيحة المذكورة، التي هي- بمقتضى التعليل بالتقريب المذكور- أخصّ مطلقا من الرواية المتقدّمة، فتخصّص بها و بشهادة الحال برضا المستأجر و إذنه في العدول، و أنّ ما ذكر في العقد للرخصة إلى الأدنى، و لا شكّ أنّ مع علمه بالإذن في العدول يجوز له ذلك، لأنّه أمر منوط برضاه.

ثم إنّه إذا عدل إلى غيره، ففي صورة عدم الجواز يقع العمل للمنوب عنه لقصد النيابة، و لا يستحقّ الأجير شيئا من الأجرة، و الوجه واضح.

و في صورة الجواز، قالوا: يستحقّ تمام الأجرة، إذ يكون العدول حينئذ معلوما من قصده، فكان كالمنطوق به.

و عندي فيه نظر، إذ جواز العدول لا يستلزم استحقاق الأجرة، و ذلك لأنّ من الأمور ما يكفي فيه العلم برضا المالك و لو بشاهد الحال، كالتصرّف في ملكه.

و منها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يتوقّف على ثبوت التوقيف من

______________________________

(1) الكافي 4: 307- 1، الفقيه 2: 261- 1272، التهذيب 5: 415- 1446، الوسائل 11: 182 أبواب النيابة في الحجّ ب 12، ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 132

الشرع، كبيع ماله بعنوان اللزوم، فإنّ من اشترى متاعا بعشرة للتجارة و علم غاية رضاه ببيعه بخمسة عشر فباعه أحد بعشرين لم يرتكب محرّما، إلّا أنّه لا يلزم البيع،

لتوقّفه على بيع المالك أو وليّه أو وكيله المصرّح بتوكيله أو إجازته بعد الفضولي على قول.

و جواز العدول من الأول، و استحقاق الأجرة من الثاني، إذ لم يثبت من جواز الإتيان بعمل لشخص استحقاق الأجرة عليه، بل هو يتوقّف على ذكر العمل في متن العقد، و لا يكفي مجرّد الرضا.

نعم، لو دلّت قرينة على أنّ المراد من المرجوح الأعمّ منه و من الراجح مجازا يكون في حكم المذكور.

المسألة التاسعة: لو استأجره للحجّ من طريق معيّن،

ففي جواز العدول عنه مطلقا- كالشيخين و القاضي و الحلّي و الجامع و الإرشاد «1» و غيرهم- أو إلّا مع العلم بتعلّق غرض بذلك المعيّن- كما في الشرائع «2»، بل أكثر المتأخرين كما قيل، بل قيل: هو المشهور «3»- أو عدم جوازه إلّا مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق، كبعضهم «4». أقوال، أقواها: الأخير، للقاعدة المتقدّمة.

دليل الأول: صحيحة حريز: عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة؟ قال: «لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تمّ حجّه» «5».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 443، الطوسي في النهاية: 278، و التهذيب 5: 415، القاضي في المهذّب 1: 268، الحلّي في السرائر 1: 627، الجامع للشرائع: 226، الإرشاد 1: 313.

(2) الشرائع 1: 233.

(3) الحدائق 14: 270.

(4) كصاحب المدارك 7: 123.

(5) الكافي 4: 307- 2، الفقيه 2: 261- 1271، التهذيب 5: 415- 1445، الوسائل 11: 181 أبواب النيابة في الحجّ ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 133

و هو دليل الثاني أيضا بتقيد الصحيحة بالقيد المذكور، لظهورها في انتفائه.

و ردّ بإجمال دلالتها و قصورها عن إفادة الجواز مطلقا، إمّا لاحتمال تعلّق قوله: «من الكوفة» بقوله: «أعطى»، و كون السؤال لتجويز الإعطاء من الكوفة

موجبا لتوهّم وجوب الحجّ منه، كما في الذخيرة «1».

أو كونه صفة لقوله: «رجلا»، كما في المدارك «2».

أو وقوع الشرط خارج العقد و عدم الاعتبار بمثله عند الفقهاء، كما ذكره السيّد نعمة اللَّه الجزائري.

أو كون الدفع على وجه الرزق لا الإجارة، كما في المنتقى «3»، و هو ظاهر الرواية.

أو كون المراد حصول الإجزاء بذلك، و نفي البأس عنه للمستأجر بعد وقوع الفعل، لا جواز ذلك للأجير، كما في الذخيرة «4» أيضا.

و إن كان غير الأول و الأخيرين بعيدا.

ثم لو خالف الشرط و حجّ من الغير يصحّ حجّه و إن تعلّق الغرض بالطريق المعيّن، لأنّه بعض العمل المستأجر عليه و قد امتثل بفعله، و الأصل عدم ارتباطه بالطريق، إلّا أن يصرّح بالارتباط و الاشتراط فلم تبرأ ذمّة النائب عن الحجّ أيضا، و أمّا الأجرة فالظاهر توزيعها على الحجّ و الطريق المشترك مع الطريق المخالف فيه بالنسبة. و مع الارتباط لا يستحقّ شيئا منها.

______________________________

(1) الذخيرة: 569.

(2) المدارك 7: 123.

(3) منتقى الجمان 3: 84.

(4) الذخيرة: 569.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 134

المسألة العاشرة: لو استأجره لحجّ التمتّع و سافر الأجير

و ضاق وقته عن التمتّع، فهل يجوز له العدول إلى الإفراد للمنوب عنه و يجزئ عنه كما يجوز و يجزئ للحاجّ لنفسه، أم لا؟

لم أعثر على مصرّح من الفقهاء بحكمه.

و الذي يقوى عندي الثاني، للأصل و القاعدة المتقدّمة كما بيّنتهما، و ذكرت الجواب عن عمومات عدول المعذور إلى ما تيسّر له في باب إجارة الصلاة من كتاب الصلاة.

مع أنّ عمومات عدول المتمتّع إلى الإفراد مع العذر لا تفيد أزيد من جوازه أو لزومه عليه و عدم ترتّب إثم أو شي ء آخر عليه من هذه الحيثيّة، و هو مسلّم، و لا يدلّ ذلك على براءته عمّا لزم

عليه من جهة الإجارة و استحقاقه لمال الإجارة.

و منه يعلم أنّه لو أوصى أحد باستئجار واحد للتمتّع لا يجوز للوصيّ شرط العدول مع العذر، لعدم استفادة الإذن فيه من الوصيّة.

نعم، لو أذن له الموصي جاز و يجزئ أيضا عمّا يجب عليه من الحجّ.

ثم لو حصل للأجير العذر و عدل مع عدم الشرط المجوّز للعدول، فإن وسع عام إجارته يؤخّر الحجّ الاستئجاري إلى العام القابل، و إلّا فيكون كمن لم يتمكّن من الحجّ أصلا، فيعمل في الأجرة بالتوزيع على الطريق و الحجّ إن كانت بإزائهما، و لا يستحقّ منها شيئا إن كانت بإزاء الحجّ فقط.

المسألة الحادية عشرة: لا يجوز للأجير أن يؤجّر نفسه ثانيا

في السنة التي استؤجر لها قطعا، و وجهه واضح.

و يجوز في غيرها مطلقا و إن كانت الإجارة الثانية في العام المتأخّر، لعدم دليل على وجوب اتّصال مدّة الاستئجار بزمان العقد، و لا على فوريّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 135

الحجّ الاستئجاري و لو كان فوريّا على المستأجر «1».

و إن كانت الإجارة الأولى مطلقة و لم تكن قرينة على إرادة التعجيل تصحّ الثانية مطلقة و معيّنة في العام الأول و في غيره، للأصل، و عدم دليل على بطلان نوع منها، و عدم اقتضاء الإطلاق الخالي عن القرينة للتعجيل.

المسألة الثانية عشرة: لا تجوز استنابة غيره إلّا مع الإذن له صريحا

فيها ممّن يجوز له الإذن فيها، أو إيقاع العقد مقيّدا بالإطلاق، لا إيقاعه مطلقا، فإنّه يقتضي المباشرة بنفسه.

و المراد بتقييده بالإطلاق: أن يستأجره ليحجّ عنه مطلقا بنفسه أو بغيره، أو بما يدلّ عليه، كأن يستأجره لتحصيل الحجّ عن المنوب عنه.

و بإيقاعه مطلقا: أن يستأجره ليحجّ عنه، فإنّ هذا الإطلاق يقتضي مباشرته.

كلّ ذلك للأصول المقرّرة، و بها أفتى جماعة «2»، بل قيل: لا خلاف فيه.

و أما رواية عيثم: ما تقول في الرجل يعطى الحجّة فيدفعها إلى غيره؟

قال: «لا بأس» «3»، فلا دلالة فيها على الاستئجار بوجه، بل مدلولها: إعطاء ما يحجّ به لأجل الحجّ، فيحتمل التوكيل أيضا، بل هو الظاهر، فسئل: إنّه إذا أعطى رجل وجه حجّة لغيره هل يجب على الغير مباشرته بنفسه، أو يجوز له الدفع إلى الغير؟

المسألة الثالثة عشرة: لو صدّ الأجير قبل إكمال العمل المستأجر

______________________________

(1) في «ق»: المتأخر.

(2) كما في المبسوط 1: 326، و السرائر 1: 627، و الدروس 1: 325، و اللمعة (الروضة) 2: 191.

(3) الكافي 4: 309- 2، التهذيب 5: 417- 1449، الوسائل 11: 184 أبواب النيابة في الحجّ ب 14 ح 1، و فيها: عثمان بن عيسى، بدل: عيثم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 136

عليه حجّا كان أو مع الذهاب أو الإياب أيضا، استعيد منه بنسبة المتخلّف منه من العمل إن كانت الإجارة مقيّدة بسنة الصدّ، لانفساخها بفوات الزمان الذي تعلّقت به.

و لا يلزم المستأجر إجابته لو التمس عدم الاستعادة و ضمن الحجّ من قابل، للأصل، و عدم تناول العقد لغير تلك السنة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر السرائر و النهاية و المبسوط و القواعد و الحلبي «1»، فيلزم، و مستنده غير واضح، مع احتمال أن يكون مرادهم الجواز برضا المستأجر كما قيل «2»، و لا كلام فيه

حينئذ.

و لا فرق بين أن يقع الصدّ قبل الإحرام و دخول الحرم، أو بعدهما، أو بينهما، لعموم ما دلّ على استعادة ما بإزاء المتخلّف من العمل، و إلحاقه بالموت قياس مع الفارق، لعدم الإجزاء مع الصدّ بعد الإحرام و دخول الحرم عن نفسه، فكيف عن غيره؟! خلافا لبعضهم، فألحقه بالموت «3»، و لا وجه له.

و إن كانت الإجارة مطلقة وجب على الأجير الإتيان بالحجّ بعد الصدّ، لعدم انفساخها به.

و هل للمستأجر أو الأجير الفسخ؟

الظاهر: لا، للأصل. و قيل: نعم «4».

و على تقدير الفسخ، له أجرة ما فعل و استعيد بنسبة ما تخلّف.

______________________________

(1) السرائر 1: 629، النهاية: 278، المبسوط 1: 323، القواعد 1: 77، الحلبي في الكافي في الفقه: 220.

(2) قال به في الرياض 1: 348.

(3) كما في الخلاف 2: 390، و الشرائع 1: 233.

(4) انظر الدروس 1: 323 و 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 137

و متى انفسخت الإجارة استؤجر من موضع الصدّ مع الإمكان، إلّا أن يكون عن مكّة فمن الميقات، لوجوب إنشاء الحجّ منه.

المسألة الرابعة عشرة: لا يجوز أن ينوب عن اثنين في عام

، لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن اثنين إجماعا، هذا في الواجب.

و أمّا المندوب، فقد دلّت الأخبار الكثيرة «1» على جواز الاشتراك فيه، فتجوز الاستنابة فيه على هذا الوجه، بأن يستأجره اثنان أو أكثر بعقد واحد لأن يحجّ تطوّعا لهم، لا بأن يؤجّر نفسه لاثنين أو أكثر بعقود متعدّدة، فإنّ كلّ عقد يقتضي الاستقلال، فلا يجوز بعده.

المسألة الخامسة عشرة: لا تجوز النيابة في الطواف الواجب عن المتمكّن الحاضر،

و تجوز مع العذر، و سيجي ء تحقيقه في بحث الأفعال و الأعذار.

المسألة السادسة عشرة: لو حجّ أحد- عن ميّت وجب عليه الحجّ-

تبرّعا، برئت ذمّته و صحّ، سواء ترك الميّت مالا أو لا، و سواء كان المتبرّع وليّا أم لا، بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا «2»، و المستفيضة من الصحاح و غيرها الخالية عن المعارض بالمرّة «3».

و كذا يجوز التبرّع عن الميّت و الحيّ بالتطوّع، بالإجماعين «4» و الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر «5»، بل قيل: لعلّها متواترة «6».

______________________________

(1) الوسائل 11: 202 أبواب النيابة في الحجّ ب 28.

(2) كما في الحدائق 14: 287، و المفاتيح 1: 301، و الرياض 1: 348.

(3) الوسائل 11: 206 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 31.

(4) كما في المدارك 7: 132، و الحدائق 14: 289، و المفاتيح 1: 301.

(5) الوسائل 11: 196 أبواب النيابة في الحج ب 25.

(6) انظر الرياض 1: 348.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 138

و في التبرّع عن الحيّ بالواجب فيما إذا كان له العذر المسوّغ للاستنابة و كفايته عنه، وجهان، أجودهما: العدم، إذ الأخبار المتضمّنة لاستنابته صريحة في أمره بالتجهيز من ماله، فلعلّ هذا العمل واجب عليه مقام الحجّ بنفسه، و كفاية فعل الغير موقوفة على الدليل، و هو في المقام مفقود.

و أمّا مع عدم العذر المسوّغ فلا يجوز التبرّع عنه قطعا.

المسألة السابعة عشرة: ما يلزم الأجير من كفارات الجنايات في إحرامه فهو من ماله،

بلا خلاف يعرف كما قيل «1»، بل بالإجماع كما عن الغنية «2»، لأنّها عقوبة جناية صدرت عنه أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، لتوجّه الخطابات بها إلى الجاني، فيكون عليه.

المسألة الثامنة عشرة: لو أفسد الأجير حجّة يجب عليه إتمامه

و قضاؤه من قابل، و يجزئ عن المستأجر مطلقا، معيّنة كانت الإجارة أو مطلقة، وفاقا للدروس «3»، و لا يستعاد الأجرة منه شيئا، لموثّقتي ابن عمّار:

إحداهما: في الرجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئا، يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة؟ قال: «هي للأول تامّة، و على هذا ما اجترح» «4».

و الأخرى: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه من قابل أ يجزئ عن الأول؟ قال: «نعم»، قلت: لأنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال: «نعم» «5».

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 300.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(3) الدروس 1: 323.

(4) الكافي 4: 544- 23، التهذيب 5: 461- 1606، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 2.

(5) الكافي 4: 306- 4، التهذيب 5: 417- 1450، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 139

و منهم من قال بانفساخ الإجارة بالإفساد في المعيّنة و استعادة الأجرة «1»، و منهم من أوجب عليه في المطلقة حجّة ثالثة غير الفاسدة و قضاءها «2»، لوجوه كلّها اجتهادات في مقابل النصّ.

المسألة التاسعة عشرة: من وجب عليه حجّان مختلفان-

كحجّة الإسلام و النذر- و منعه مانع، جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «3»، و باتّفاق علمائنا كما عن التذكرة «4»، لثبوت جواز الاستنابة فيهما، و عدم دليل على لزوم اختلاف العام، و أصالة عدم وجوب الترتيب، و تحقّقه في المنوب عنه لم يكن لوجوب الترتيب، بل لعدم إمكان صدور الحجّتين منه في عام واحد.

المسألة العشرون: يستحبّ للنائب أن يذكر المنوب عنه باسمه

في المواطن و عند كلّ فعل من أفعال الحجّ، بلا خلاف كما في المفاتيح و عن المنتهى «5»، و على مذهب الأصحاب كما في المدارك «6»، و اتّفاقا كما في شرح المفاتيح، و هو الحجّة فيه، لأنّه مقام التسامح.

مضافا إلى صحيحة محمّد في المواطن و المواقف «7»، و رواية الحلبي

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 322، التذكرة 1: 315.

(2) انظر المبسوط 1: 322، التذكرة 1: 315.

(3) المدارك 7: 137.

(4) التذكرة 1: 311.

(5) المفاتيح 1: 303، المنتهى 2: 871.

(6) المدارك 7: 138.

(7) الكافي 4: 310- 2، التهذيب 5: 418- 1453، الإستبصار 2: 324- 1148، الوسائل 11: 187 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 140

فيما بعد ما يحرم «1»، و صحيحة ابن عمّار عند الإحرام «2».

و توهّم دلالة بعضها على الوجوب ضعيف، لخلوّها عن الدالّ عليه رأسا، مع أنّه لو كان لوجب الحمل على الاستحباب، للاتّفاق على عدم الوجوب، و دلالة الأخبار عليه، كمرسلة الفقيه «3»، و روايتي البزنطي «4» و مثنّى «5».

و أن يعيد فاضل الأجرة بعد الحجّ إن لم يقتر على نفسه، للشهرة الكافية في المقام، و لرواية مسمع: أعطيت رجلا دراهم يحجّ بها عنّي ففضل منها شي ء فلم يردّه عليّ، فقال: «هو له،

لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة» «6»، دلّ التعليل أنّه لو لا الضيق على النفس لكان الردّ أولى، إذ لولاه لم يحسن التعليل.

و مرسلة المقنعة: قال: و قد جاءت رواية: «أنّه إن فضل ممّا أخذه فإنّه يردّه إن كانت نفقته واسعة، و إن كان قتّر على نفسه لم يردّه» «7».

و يستفاد وجه القيد من الروايتين، مضافا إلى رواية محمّد بن عبد اللَّه القمّي: عن الرجل يعطى الحجّة يحجّ بها و يوسّع على نفسه ففضل منها،

______________________________

(1) الكافي 4: 310- 1، الفقيه 2: 278- 1365، التهذيب 5: 418- 1452، الإستبصار 2: 324- 1147، الوسائل 11: 187 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 2.

(2) الكافي 4: 311- 3، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 3.

(3) الفقيه 2: 145- 634، الوسائل 11: 189 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 6.

(4) الفقيه 2: 279- 1367، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 5.

(5) الفقيه 2: 279- 1368، التهذيب 5: 419- 1454، الإستبصار 2: 324- 1149، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 4.

(6) التهذيب 5: 414- 1442، الوسائل 11: 179 أبواب النيابة في الحجّ ب 10 ح 1.

(7) المقنعة: 442.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 141

أ يردّها عليه؟ قال: «لا، هو له» «1».

و لا ينافي استحباب الردّ موثّقة الساباطي: عن الرجل يأخذ الدراهم يحجّ بها، هل يجوز له أن ينفق منها في غير الحجّ؟ قال: «إذا ضمن الحجّ فالدراهم له فصنع بها ما أحبّ و عليه حجّة» «2»، إذ غايتها جواز عدم الردّ، و هو غير مناف للاستحباب.

و يستحبّ للمستأجر أن يتمّم للأجير لو

أعوز به الأجرة، لفتوى الأصحاب «3»، و لما فيه من المساعدة للمؤمن و الرفق به.

و يكره أن تنوب المرأة إذا كانت صرورة، لرواية صالح «4» و الشحّام «5»، القاصرتين عن إفادة الحرمة، لاحتمال الجملة الخبريّة، فالقول بالحرمة- كما قيل «6»- ضعيف، بل تكره نيابة المرأة مطلقا، لروايتي عبيد بن زرارة «7» و النبّال «8».

المسألة الإحدى و العشرون: من أوصى بحجّة تنصرف إلى الميقاتي،

للأصل، إلّا مع التصريح أو شهادة القرائن.

______________________________

(1) الكافي 4: 313- 1، التهذيب 5: 415- 1443، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحجّ ب 10 ح 2.

(2) الكافي 4: 313- 3، التهذيب 5: 415- 1444، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحجّ ب 10 ح 3.

(3) انظر المبسوط 1: 322، و المنتهى 2: 869، و الرياض 1: 349.

(4) التهذيب 5: 412- 1433، الإستبصار 2: 321- 1137، الوسائل 11: 174 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 4.

(5) التهذيب 5: 414- 1439، الإستبصار 2: 323- 1143، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 1.

(6) الرياض 1: 349.

(7) التهذيب 9: 229- 899، الوسائل 11: 179 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 2.

(8) الفقيه 2: 270- 1319، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 142

ثم لو لم يعيّن القدر يؤخذ أجرة المثل، لتوقّف الحجّ عليه و وجوب ما يتوقّف عليه الواجب.

و على هذا، فلو وجد من يأخذ بأقلّ من أجرة المثل وجب الاقتصار عليه إذا لم يرض الوارث بالزائد، لعدم التوقّف حينئذ.

و ما في كلام بعضهم- من الاستدلال للأول بأنّ أجرة المثل كالمنطوق به، و الحكم بوجوب الاقتصار على الأقلّ لو وجد من يأخذه «1»- لا يخلو عن تدافع.

و يلزم الفحص

عنه لو احتمل وجدانه، لما ذكر.

و كذا لو لم يوص من يجب الحجّ عنه، و أخذ الأجرة من صلب ماله.

ثم المأخوذ يكون من أصل المال إن كان حجّة الإسلام، و من الثلث إن كان غيرها، بلا خلاف يعرف، لصحيحتي معاوية بن عمّار «2» و غيرهما «3».

و لو عيّن القدر، فإن لم يكن زائدا عن أجرة المثل كان كما سبق، إلّا في الاقتصار على الأقلّ مع وجدان من يأخذه، فإنّه لا يجب حينئذ، بل يؤخذ الأقلّ من الأصل حينئذ و الزائد من الثلث.

و إن كان زائدا على أجرة المثل فتؤخذ الأجرة من الأصل و الزائد من الثلث مع كون الحجّ حجّة الإسلام، و الكلّ من الثلث إن كان غيرها،

______________________________

(1) الرياض 1: 349.

(2) الأولى في: التهذيب 5: 404- 1409، الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 305- 1، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 4.

(3) الفقيه 2: 270- 1316، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 143

و الأجرة المأخوذة من الأصل هي الأجرة الميقاتيّة، كما يأتي بيانه في كتاب الوصيّة.

المسألة الثانية و العشرون: إذا أوصى أحد أن يحجّ عنه ندبا،

فإن علم مراده من المرّة أو التكرار على وجه خاص يعمل به، و إن لم يعلم شي ء منهما أو علم التكرار و لم يعلم وجهه فمقتضى روايتي محمد بن الحسين التكرار إلى أن يستوفى الثلث:

أولاهما: عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهما، فقال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي ء» «1».

و الأخرى: قد أوصى: [حجّوا] عني، مبهما، و لم يسمّ شيئا، كيف ذلك؟ فقال: «يحجّ عنه ما دام له مال» «2».

و لكن متأخري

الأصحاب حملوهما على فهم قصد التكرار و قالوا: لو لم يفهم منه ذلك اكتفى بالمرّة، و إن فهم التكرار على وجه خاص اقتصر عليه، و إلّا فبالمرّتين، و إن فهم التكرار بقدر الثلث أو أزيد عمل بمضمون الخبرين «3».

و لا يخفى أنّ ذلك طرح لهما رأسا و عمل بمقتضى القواعد، و لا وجه له مع عدم ظهور رادّ لهما من المتقدّمين سوى شاذّ، و قد أفتى بمضمونهما في التهذيب «4»، إلّا عند من لا يعمل بغير الصحاح و نحوها، و أمّا نحن ففي

______________________________

(1) التهذيب 5: 408- 1420، الإستبصار 2: 319- 1129، الوسائل 11: 171 أبواب النيابة في الحجّ ب 4 ح 2.

(2) التهذيب 5: 408- 1419، الإستبصار 2: 319- 1130، الوسائل 11: 171 أبواب النيابة في الحجّ ب 4 ح 1، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(3) انظر التحرير: 128، الدروس 1: 326، و الرياض 1: 349.

(4) التهذيب 5: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 144

توسعة من ذلك، فالوجه العمل بمضمونهما و متابعة قصده إن كان مفهوما، و التكرار إلى تمام الثلث إن كان مبهما.

المسألة الثالثة و العشرون: إذا أوصى أن يحجّ عنه سنين متعددة،

و عيّن لكلّ سنة قدرا معيّنا تفصيلا أو إجمالا، فقصر ما لكلّ سنة عن حجّتها، جمع من نصيب سائر السنين ما يمكن به الاستئجار لحجّة فصاعدا و يستأجر به الحجّة، لمكاتبتي إبراهيم بن مهزيار و عليّ بن محمّد الحضيني، المنجبر ضعفهما- لو كان- بدعوى كون الحكم مقطوعا به في كلام الأصحاب كما في المدارك و شرح التهذيب للجزائري و شرح الروضة للهندي و الحدائق «1»، بل بدعوى عمل الأصحاب كافّة كما قيل «2»، و بالشهرة المحققة.

إحداهما: إنّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة صير

ربعها لك في كلّ سنة حجّة بعشرين دينارا، و أنّه منذ انقطع طريق البصرة تضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك أوصى عدّة من مواليك حجّتهم، فكتب عليه السّلام: «يجعل ثلاث حجج حجّتين إن شاء اللَّه» «3».

و الثانية: إنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة، فليس يكفي، فما تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السّلام: «يجعل حجّتين حجّة، إنّ اللَّه عالم بذلك» «4».

______________________________

(1) المدارك 7: 144، الحدائق 14: 297.

(2) الرياض 1: 349.

(3) الكافي 4: 310- 1، الفقيه 2: 272- 1326، التهذيب 9: 226- 890، الوسائل 11: 170 أبواب النيابة في الحجّ ب 3 ح 2.

(4) الكافي 4: 310- 2، الفقيه 2: 272- 1327، التهذيب 5: 408- 1418، الوسائل 11: 169 أبواب النيابة في الحجّ ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 145

و قد يستدلّ له أيضا بخروج المال عن الإرث، و وجوب أمرين:

الحجّ، و كونه بقدر مخصوص، فإذا تعذّر الثاني لم يسقط الأول، و مرجعه إلى قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، و هي عندي ضعيفة جدّا.

المسألة الرابعة و العشرون: يستحقّ الأجير مال الإجارة بالعقد،

لأنّه مقتضى صحّة المعاوضة، و لروايات مسمع و محمّد بن عبد اللَّه القمّي و موثّقة الساباطي، المتقدّمة جميعا في المسألة العشرين «1»، و على هذا فلو كانت عينا فزادت أو نمت بعد العقد فهما للأجير.

قال في المدارك: لكن لا يجب تسليمها إلّا بعد العمل كما في مطلق الإجارة، و على هذا فليس للوصيّ التسليم قبله، و لو سلّم كان ضامنا، إلّا مع الإذن من الموصي المستفاد من اللفظ أو اطّراد العادة «2».

أقول: عدم وجوب التسليم- بعد كونه ماله- يحتاج إلى الدليل، و لا يسلّم ذلك في مطلق الإجارة،

حتى في الحجّ الذي دلّت المستفيضة المتقدّمة عند ذكر اشتراط العدالة على براءة ذمّة المنوب عنه بعد الإجارة، و وردت أخبار أخر «3» فيمن أنفق مال إجارة الحجّ [أو مات] «4» و لم يترك شيئا، و لم يحكم في شي ء منهما بالضمان.

و المسألة محلّ إشكال، و الاحتياط للوصيّ و نحوه أن يشترط عدم التسليم أو إلّا بوثيقة في ضمن العقد.

المسألة الخامسة و العشرون: لو كانت عند شخص وديعة و مات
اشاره

______________________________

(1) راجع ص: 140- 141.

(2) المدارك 7: 141

(3) كما في الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 23.

(4) في النسخ: و أنفقه، و الصواب ما أثبتناه بالاستفادة من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 146

صاحبها و عليه حجّة الإسلام، كان له أن يقتطع قدر أجرة الحجّ منها فيستأجره به، و يردّ الفاضل- إن كان- للورثة، بلا خلاف فيه في الجملة.

لصحيحتي العجلي: عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لوارثه شي ء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ [عنه]، و ما فضل فأعطهم» «1».

و مقتضى إطلاقها- بل عمومها الحاصل بترك الاستفصال- وجوب ذلك، سواء أذن الورثة فيه أو لا، و سواء علم أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّ عنه أو ظنّ ذلك، أو لم يعلم ذلك و لم يظنّ، بل علم الأداء أو ظنّ.

و لكنّ الأكثر قيّدوه بما إذا علم أنّهم لا يؤدّونه- كما في النافع و الشرائع و الإرشاد «2» و غيرها «3»- أو بما إذا ظنّ ذلك- كالسرائر «4» و بعض آخر- فبدونها يجب استئذانهم، لأنّ مقدار أجرة الحجّ و إن كان خارجا عن الميراث إلّا أنّ الوارث مخيّر في جهات القضاء، و له الحجّ بنفسه و الاستقلال بالتركة و الاستئجار بدون أجرة المثل، فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق «5»،

و ربّما يستأنس له بقوله: و ليس للورثة شي ء.

أقول: لا شكّ أنّه إذا علم المستودع- أو ظنّ ظنّا مقبولا شرعا- أنّ الورثة قد أدّوه، ليس له ذلك، لبراءة ذمّة الميّت و عدم وجوب حجّ عنه،

______________________________

(1) الأولى في: الكافي 4: 306- 6، الفقيه 2: 272- 1328، التهذيب 5:

416- 1448، الوسائل 11: 183 أبواب النيابة في الحجّ ب 13 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: عنهم، و ما أثبتناه من المصادر.

الثانية في: التهذيب 5: 460- 1598.

(2) النافع: 78، الشرائع: 235.

(3) كما في الحدائق 14: 278.

(4) السرائر 1: 630.

(5) الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 147

و أمّا قبل أدائهم فلا شكّ أنّ مقدار الأجرة لم ينتقل إليهم، لأنّ الإرث بعد الدين الذي منه الحجّ، كما صرّح به في النصوص «1»، و نسبة الوارث و غيره في وجوب صرف ذلك في الحجّ وجوبا كفائيّا مشروطا بعدم العلم ببراءة ذمّة الميّت من طريق آخر بتبرّع أو مال غيره أو أقلّ من أجرة على السواء، فما دام عدم العلم بالبراءة و تحقّق الشرط يكون الاقتطاع واجبا كفائيا على المستودع، و ما لم يعلم أداءهم لا يجوز له تركه، بل يجب عليه عينا، كما هو شأن الواجبات الكفائيّة، و وجوب استئذان الوارث فيه يحتاج إلى دليل، و كونه مخيّرا في جهات القضاء لا يدلّ عليه، لأنّ المسلّم منه أنّ ما دام بقاء المال و عدم صرفه في الاستئجار يتخيّر هو في الجهات، و هو مسلّم، لكون وجوب الصرف- كما مرّ- مشروطا بعدم الأداء من جهة أخرى، فتخييره أيضا مشروط بالبقاء، و أمّا التخيير على الإطلاق فلا نسلّمه حتى في المقام

المتضمّن للنصّ المنافي بعمومه له.

و الحاصل: أنّ المسلّم أنّ الوارث مخيّر بشرط بقاء المال و عدم صرفه في الحجّ، و للمستودع الاستئجار بشرط عدم أداء الوارث أو غيره من هذه الجهة أو جهة أخرى، فيعمل بعموم الصحيح، و يحكم بوجوب استئجار المستودع مطلقا، إلّا ما خرج عنه بالإجماع، و هو ما إذا علم أداء الحجّ، و عليه الفتوى.

فروع:
أ: الاستئجار واجب على المستودع،

لظاهر الأمر المفيد له، و تعبير

______________________________

(1) الفقيه 2: 270- 1316، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 148

بعض الأصحاب بالجواز «1» إمّا بإرادة معناه الأعمّ المجامع للوجوب كما قيل «2»، أو باعتبار ما ذكرنا من كونه مشروطا بعدم العلم بأداء الوارث من جهة أخرى، فللمستودع إعلام الوارث و أدائهم من جهة أخرى، و له الأخذ من الوديعة، فيكون الأخذ جائزا و إن كان أحد فردي المخيّر.

ب: الوارث إمّا يعلم بالوديعة، أم لا.

فإن لم يعلم بها فللمستودع الاستئجار بدون إعلام الوارث، و له إعلامهم إن علم عدم امتناعهم عن الاستئجار أو الأداء من جهة أخرى، أو عدم تمكّنهم من الامتناع، و إلّا فلا يجوز الإعلام، لكونه سببا لتفويت الواجب، و سبب الحرام حرام.

و إن علم بها، فإن أمكن للمستودع إثبات وجوب الحجّ على الميّت- و لو باعتراف الوارث- و إثبات الاستئجار لو استأجر، وجب عليه الاستئجار أيضا.

و كذا إن لم يمكن له ذلك و لكن لم يكن للوارث تسلّط عليه، و إلّا فلا يجب عليه، لاستلزامه الضرر المنفيّ شرعا، فتعارض أدلّة انتفائه الصحيحة «3».

و كذا إن أمكن له ذلك و لكن علم عدم وقوف الوارث على حكم الشرع و تضرّره بذلك، و لذا اعتبر في التذكرة «4» و غيره «5» أمن المستودع من الضرر، و هو في موقعه.

______________________________

(1) كالطوسي في النهاية: 279، المحقّق في الشرائع 1: 235، المعتبر 2: 774.

(2) انظر المسالك 1: 99.

(3) المتقدمة في ص 146.

(4) التذكرة 1: 401.

(5) كالرياض 1: 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 149

ج: اعتبر بعضهم في ذلك استئذان الحاكم،

إمّا مع إمكانه- كبعضهم «1»- أو مطلقا- كآخر «2»- اقتصارا في ما خالف الأصل على المتّفق عليه.

و استبعده بعضهم «3»، لإطلاق النصّ «4». و ردّه آخر بتضمّنه لأمر الإمام، و هو منه إذن له.

أقول: يمكن أن يقال: إنّه لا شكّ في أنّ كونه إذنا منه موقوف على أمر زائد على صدور الأمر الشرعيّ المساوي فيه كلّ مكلّف، و هو ملاحظة جهة الإذنية له، و الأصل عدمه.

سلّمنا، و لكن كلّ من الأمرين محتمل، أي كونه من جهة حكم الشرع أو من جهة الإذنيّة، فاللازم حينئذ ملاحظة أنّ استئجار المستودع خلاف الأصل حتى يقتصر فيه على موضع اليقين،

أو هو الأصل حتى يتوقّف الخروج عنه على اليقين، مقتضى الأخبار «5»- المتواترة معنى، المصرّحة بوجوب قضاء الحجّ عن الميّت عن أصل ماله من غير خطاب إلى شخص معيّن- وجوبه على كلّ مكلّف كفاية، و هو يجعل وجوب الكفائي للمستودع أصلا ثابتا، فالتوقّف على الإذن يحتاج إلى دليل.

و على هذا، لو كان هذا الأمر من الإمام عليه السّلام إذنا أيضا لا بدّ في التوقّف عليه من ثبوت أنّ أمره لجهة حصول الإذن، و هو غير معلوم.

د: هل الحكم مختصّ بالوديعة

- كما حمل عليه جماعة «6»-

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 308.

(2) انظر المسالك 1: 99، و مجمع الفائدة 6: 152.

(3) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 203.

(4) أي نصّ صحيحة العجلي المتقدّمة في ص: 146.

(5) الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25.

(6) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 150

لاختصاص النصّ، أو يتعدّى إلى سائر الحقوق الماليّة من الغصب و الدين و غيرهما، كما اختاره آخرون «1»؟

التحقيق فيه: البناء على ما ذكرنا من كون استئجار المستودع مخالفا للأصل، و موافقا له، فعلى الأول يحكم بالاقتصار، و على الثاني بالتعدّي، و على ما ذكرنا فالحقّ هو: الثاني.

ه: قالوا: مقتضى النص حجّ الودعيّ بنفسه «2»،

و لكن الأصحاب جوّزوا له الاستئجار «3»، بل ربّما جعلوه أولى، خصوصا إذا كان ذلك أنسب.

و أسند بعضهم في ذلك إلى تنقيح المناط القطعي «4».

و هو جيّد، مع أنّ إرادة الحجّ بنفسه من اللفظ في هذا المقام محلّ تأمّل، و على ما ذكرنا من الأصل يصير جواز الاستئجار أظهر.

و: لو استأجر المستودع، ثم علم الوارث و أنكر أحد الأمرين

من وجوب الحجّ أو الاستئجار، كان على المستودع الإثبات، للأصل. و لا يدلّ النصّ على قبول قوله، لأنّ حكمه إنّما هو في حقّ شخص خاصّ، و لأنّه إنّما هو بعد فرض أنّ عليه الحجّ، و حكمه عليه السّلام أنّه إن كان كما قلت:

فحجّ عنه، كما هو المراد في جميع السؤالات و الجوابات الواردة في

______________________________

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 433، الشهيد الثاني في الروضة 2: 200، صاحب المدارك: 388.

(2) انظر جامع المقاصد: 161، و المدارك 7: 146، و الذخيرة: 571، و الرياض 1: 349.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 327، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 433، الفيض في المفاتيح 1: 302.

(4) انظر الرياض 1: 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 151

الأحاديث.

فلا يرد ما نقله في المنتقى «1» عن بعض المتأخّرين من كون مقتضى الحديث نفوذ إقرار المستودع في حقّ الوراث، و لا حاجة إلى ما أجاب به صاحب المنتقى في المقام.

ز: لو تعدّد من عنده الوديعة و علموا بالحقّ،

جاز لكلّ منهم الإخراج و الاستئجار، بل وجب كفاية، و يجوز لهم توازع الأجرة أيضا.

و لو لم يعلم بعضهم بالحقّ تعيّن على العالم.

و لو حجّوا جميعا مع علم بعضهم ببعض صحّ السابق خاصّة و ضمن اللاحق.

و لو انتفى العلم فلا ضمان مع الاجتهاد اللازم.

و الوجه في الكلّ واضح.

المسألة السادسة و العشرون: من أوصى أن يحجّ عنه شخص معيّن

فإمّا يعيّن الأجرة أو لا، و على التقديرين: إمّا يكون الحجّ واجبا، أو ندبا، فهذه أربع صور.

فإنّ عيّن الأجرة و كان واجبا تخرج الأجرة المعيّنة من الأصل إن كانت مقدار أجرة المثل من الميقات أو أقلّ، و إن زادت عنها أخرج الزائد من الثلث إن لم يجز الورثة.

ثم لو امتنع الموصى له من الحجّ بطلت الوصيّة، لتعلّقها بشخص معيّن، و يجب استئجار غيره بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه، لا للوصيّة، بل لوجوب قضاء الحجّ الواجب.

______________________________

(1) منتقى الجمان 3: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 152

و إن امتنع من أخذ المعيّن و طلب الأزيد لم تجب إجابته و إن لم يزد عن أجرة المثل، لأنّه يخرج حينئذ عن الوصيّة و يساوي الأجنبي، فيجوز استئجاره بالأزيد لو لم يوجد من يأخذ الأقلّ.

و إن كان ندبا تخرج الأجرة المعيّنة من الثلث، إلّا مع إجازة الورثة، فتنفذ من الأصل.

و لو امتنع الموصى له من الحجّ فالظاهر بطلان الوصيّة و سقوط الحجّ، لما مرّ من تعلّق الوصيّة بشخص معيّن. و عدم ترك الميسور بالمعسور مع احتمال ارتباط أحدهما بالآخر ممنوع، كما بيّنا في موضعه.

قيل: لو علم تعلّق غرض الموصي بالحجّ مطلقا وجب إخراجه، لأنّ الوصيّة على هذا التقدير تكون في قوّة شيئين، فلا يبطل أحدهما بفوات الآخر «1».

ولي فيه نظر، لأنّ الوصيّة أيضا- كالتوكيل و نحوه- من الأمور التي يتوقّف

ثبوتها على الإنشاء اللفظي، و لا يتحقّق بشاهد الحال بل و لا الفحوى، لأنّها أمور توقيفيّة لم يثبت التوقيف في غير المذكور، فلا يفيد في وجوب العمل بالوصيّة العلم بتعلّق غرض الموصي بشي ء، إلّا أن يعلم إرادة هذا الغرض من اللفظ مجازا بالقرينة دون معناه الحقيقي، و ما نحن فيه ليس كذلك.

و إن لم يعيّن الأجرة و كان واجبا فتجب إجابة الموصى له فيما يرضى بأن يحجّ به و إن كان زائدا عن الأجرة، إلّا أنّ الزائد يخرج من الثلث، و لو زاد عن الثلث أيضا و لم يرض بما يفي به و لم يجز الورثة بطلت الوصيّة،

______________________________

(1) المدارك 7: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 153

و يستأجر غيره بأقلّ ما يوجد.

و قيل: يجب استئجاره بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه «1».

و عن الدروس: احتمال وجوب إعطاء أجرة مثله إن اتّسع الثلث «2».

و على هذين القولين تبطل الوصيّة لو لم يرض الموصى له بالأقلّ أو الأجرة، و لا وجه له.

و لو امتنع الموصى له من الحجّ مطلقا تبطل الوصيّة، و يستأجر من يحجّ بالأقلّ، لأجل وجوب القضاء من الأصل.

و إن كان ندبا تجب إجابة الموصى له بما يرضى من الثلث مطلقا، و إن زاد عن الثلث و لم يجز الورثة أو امتنع الموصى له من الحجّ بطلت الوصيّة رأسا، و لا يجب استئجاره.

و الحجّ في جميع هذه الصور من الميقات، إلّا أن تدلّ قرينة على إرادة الموصي من البلد، فيستأجر منه، و يخرج غير أجرة المثل للميقاتي في الواجب منه من الثلث.

و لو قصر الثلث عن الاستئجار عن البلد و لم يجز الورثة فالحق بطلان الوصيّة و عدم وجوب الاستئجار بحسب الإمكان، لأنّ الموصى

به هو الحجّ البلدي، و هو غير ممكن.

نعم، يستأجر للميقاتي من الأصل مع وجوب الموصى به.

ثم المراد بالواجب المحكوم باستئجاره من الأصل- أو مع بطلان الوصيّة- هو حجّة الإسلام دون غيره، بل هو في حكم المندوب كما مرّ سابقا.

______________________________

(1) المدارك 7: 149.

(2) الدروس 1: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 154

المسألة السابعة و العشرون: لو عيّن الموصي الأجرة،
اشاره

و كانت بقدر لا يرغب فيها أجير أصلا، بطلت الوصيّة بالحجّ قطعا، لبطلان التكليف بغير الممكن.

و هل تبقى الوصيّة بالقدر المعيّن من المال بحالها مطلقا، فيكون كمجهول المالك، فيصرف في وجوه البرّ، كما اختاره في الشرائع و المنتهى «1»، بل جعله في المدارك المشهور بين الأصحاب «2»؟

أو يعود ميراثا مطلقا، كما اختاره في المدارك «3»؟

أو الأول إن طرأ القصور لعارض، و الثاني إن قصرت الأجرة ابتداء، كما حكي عن المحقّق الثاني «4»، و استوجهه ثاني الشهيدين أيضا «5»؟

أحسنها: أوسطها، لأنّ الأصل في مال الميّت الثابت بالعمومات و الإطلاقات «6»: الانتقال إلى الوارث، إلّا ما تعلّق به دين أو وصيّة، و الوصيّة قد بطلت هناك بعدم إمكان الإتيان بها، فلا وجه لعدم الانتقال.

احتج الأول: بأنّ هذا القدر من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصيّة النافذة، و لا يمكن صرفها في الطاعة التي عيّنها الموصي، فيصرف إلى غيرها من الطاعات، لدخوله في الوصيّة ضمنا.

و يرد عليه: منع تحقق الوصيّة النافذة، لأنّ النفوذ فرع الإمكان، و إذ ليس فليس، و إمكان الطاعة الأخرى لا يفيد، لعدم كونها موصى بها،

______________________________

(1) الشرائع 1: 235، المنتهى 2: 874.

(2) المدارك 7: 150.

(3) المدارك 7: 151.

(4) حكاه عنه في المدارك 7: 151 و انظر جامع المقاصد 3: 148.

(5) المسالك 1: 99.

(6) الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 155

و دخولها ضمنا إنّما يتمّ على قاعدة من لا يترك الميسور بالمعسور، و قد بيّنا بطلانها في موضعه.

و دليل الثالث: صحّة الوصيّة ابتداء، فخرج عن الوارث لنفوذ الوصيّة المعيّنة، فلا يعود إليه إلّا بدليل، و لم يثبت، غاية الأمر أنّه قد تعذّر صرفه في الوجه المعيّن، فيكون كمجهول المالك، فيصرف في وجوه البرّ.

و يرد عليه أولا: أنّ عدم دليل على عوده إلى الوارث لا يوجب صرفه في وجوه البرّ أيضا، لعدم الدليل عليه أيضا، و مجهول المالك الذي يصرف فيها إنّما هو غير ذلك، بل هو على النحو المعهود، و قياس ذلك عليه باطل.

و ثانيا: أنّ لنا أن نقول: إنّ الموصى به على هذا الوجه إنّما هو مثل المبيع بشرط الخيار، أو المبيع الذي يثبت فيه خيار الغبن للمشتري، أو المؤجر به الذي ثبت للمستأجر خيار الفسخ بعد فوت المؤجر، لحصول نقصان في منفعته أو عينه، فإنّ العين في الأولين و المنفعة في الأخير لم تنتقل بالموت إلى الوارث، و لكن كان للميّت في العين و المنفعة المذكورتين حقّ، هو كونه بحيث لو فسخ العقد ينتقل إليه، و هذا الحقّ قد انتقل إلى الوارث، لانتقال جميع حقوق مورّثه إليه و لازم ذلك انتقال العين أو المنفعة إليه بعد الفسخ، فكذا فيما نحن فيه، فنقول: إن الموصى به إنّما هو بحيث لو بطلت الوصيّة فيه ابتداء أو لعارض لصار كما كان ملكا للموصي، و هذا حقّ له ينتقل إلى الوارث، و يلزمه انتقال الموصى به إليه.

فإن قيل: من أين علم ثبوت هذا الحقّ للموصي حتى ينتقل إلى الوارث؟

قلنا: لأنّ الموصى به كان ملكا له فالأصل بقاؤه عليه، إلّا بقدر علم

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 156

خروجه منه، و لم يعلم إلّا هذا القدر، يعني: علم أنّه خرج عن ملكه ما دامت الوصيّة واجب العمل بها، و أمّا الزائد عنه فلا.

فإن قيل: بالوصيّة خرج عن ملكه، فيستصحب ذلك.

قلنا: بالوصيّة صار واجب الصرف في الوصيّة و لزمه الخروج عن ملكه، فإذا انتفى الملزوم لا يمكن استصحاب اللازم.

فروع:
أ: لو احتمل رغبة الأجير في بعض الأعوام الآتية،

فإن كان عام الوصيّة معيّنا و لم يرغب فيه أجير لم يلزم الانتظار و بطلت الوصيّة، و لو كان مطلقا وجب انتظاره ما لم يحصل اليأس، لاستصحاب وجوب العمل بالوصيّة.

ب: ما ذكرنا من العود إلى الوارث إنّما هو في الحجّ المندوب

و الزائد من الحجّة الميقاتيّة في الواجب، و أمّا أجرة الميقاتيّة فيه فلا تعود إليه إلّا إذا كان المال بقدر لا يفي بها أيضا، كما مرّ.

ج: لو كان القدر المعيّن بقدر لا يرغب فيه أجير أصلا،

و لكن كان له نماء بعد حصوله يمكن وفاؤهما بالحجّ- كدكّان له منفعة وافية مع الأصل بالحجّ بعد مدّة، أو أمكن استنماء المال بالتجارة و صرفه في الحجّ بعد مدّة- فهل يجب العمل بالوصيّة، أم لا؟

الظاهر: الثاني، لأنّ الوصيّة إنّما تعلّقت بالأصل دون النماء، و لعدم وفائه بالوصيّة تبطل الوصيّة و يعود ميراثا، فلا يكون عليه نماؤه إلّا للوارث.

نعم، لو أوصى بالأصل و النماء يجب العمل بها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 157

الباب الثاني في الحج المندوب

اعلم أنّه يستحبّ الحجّ لفاقد الشرائط الخالي عن الموانع، و منه العبد المأذون و الفقير و الصبيّ المميّز، للإجماع، و عمومات الترغيب فيه، و كذا يستحبّ لمن حجّ تكراره استحبابا مؤكّدا كما نطقت به الأخبار «1»، و صرّح به العلماء الأخيار «2»، و في بعض الأخبار: «أنّ من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبدا» «3».

و يكره للموسر ترك الحجّ خمس سنين متوالية، كما صرّح به في روايتي ذريح «4» و حمران «5».

قالوا: و يشترط في حجّ التطوّع: الإسلام «6»، و في الذخيرة: لا أعلم خلافا في ذلك «7»، و الظاهر أنّ المراد اشتراطه في الصحّة دون الاستحباب.

و يشترط فيه أيضا: أن لا يكون عليه حجّ واجب فورا، لمنافاته

______________________________

(1) الوسائل 11: 123 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 45.

(2) منهم العلّامة في التحرير 1: 89، الشهيد الأول في اللمعة و الشهيد الثاني في الروضة 2: 162، صاحب المدارك 7: 19.

(3) الفقيه 2: 139- 604، الوسائل 11: 127 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 45 ح 14.

(4) الكافي 4: 278- 1، التهذيب 5: 450- 1570، الوسائل 11: 138 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 49 ح 1.

(5) الكافي 4: 278- 2، الوسائل

11: 139 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 49 ح 2.

(6) كما في الإرشاد 1: 313، و كفاية الأحكام: 57.

(7) الذخيرة: 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 158

للواجب المضيّق، فيكون منهيّا عنه.

و قال في الذخيرة: إنّه لا يبعد أن يقال: النهي متعلّق بأمر خارج، فلا يلزمه فساد الحجّ «1».

و عن المبسوط: صحّته و وقوعه عن حجّة الإسلام «2».

و عن الخلاف: صحّته تطوّعا و بقاء حجّة الإسلام في ذمّته «3».

و يشترط فيه أيضا: إذن الزوج و المولى، كما مرّ.

و لا يشترط البلوغ، و قد مرّ أيضا.

______________________________

(1) الذخيرة: 571.

(2) المبسوط 1: 302.

(3) الخلاف 2: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 159

الباب الثالث في أقسام العمرة بحسب الحكم

اشاره

و هي أيضا كالحجّ تنقسم إلى واجب أصليّ، أو عارضيّ و مندوب، نذكر بعض أحكامها بحسب هذه القسمة في مسائل:

المسألة الأولى: تجب العمرة على الفور في العمر مرّة

بأصل الشرع على كلّ مكلّف، بالشرائط المعتبرة في الحجّ، بالكتاب «1»، و السنّة، و الإجماع المحقّق و المنقول مستفيضا «2».

ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، فإنّ اللَّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» «3».

و في صحيحة الفضل: في قول اللَّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال: «هما مفروضان» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار الغير العديدة «5».

المسألة الثانية: الحقّ المشهور: وجوب العمرة عند تحقّق استطاعتها

و عدم توقّفه على تحقّق الاستطاعة للحجّ، بل لو استطاع لها خاصّة وجبت، كما أنّه لو استطاع للحجّ خاصّة وجب دون العمرة، لإطلاق الأوامر، و عدم وجدان دليل يدلّ على ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب، كما صرّح به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    159     المسألة الثانية: الحق المشهور: وجوب العمرة عند تحقق استطاعتها ..... ص : 159

____________________________________________________________

(1) البقرة: 196.

(2) كما في المنتهى 2: 876، و التذكرة 1: 296.

(3) التهذيب 5: 433- 1502، الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1 ح 2.

(4) الكافي 4: 265- 2، التهذيب 5: 459- 1593، الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1 ح 1.

(5) الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 160

غير واحد أيضا «1».

و في المسألة قولان آخران:

أحدهما: أنّ كلّا منهما لا يجب إلّا عند الاستطاعة للآخر.

و ثانيهما: أنّ الحجّ يجب عند استطاعته دون العمرة، فإنّه لا يجب إلّا عند الاستطاعة للحجّ، و نقل ذلك عن الدروس «2».

هذا في العمرة المفردة.

و أمّا عمرة التمتّع، فلا ريب في توقّف وجوبها على الاستطاعة للحجّ، لدخولها فيه و ارتباطها به و كونها بمنزلة الجزء منه، و هو موضع وفاق و مدلول عليه بالأخبار «3».

المسألة الثالثة: العمرة المتمتّع بها تجزئ عن العمرة المفردة المفروضة،

إجماعا فتوى محقّقا و منقولا «4» و نصّا.

ففي حسنة الحلبي: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» «5».

و في صحيحة يعقوب بن شعيب: يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحجّ مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: «كذلك أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أصحابه» «6».

______________________________

(1) كالعلّامة في المنتهى 2: 876، و صاحبي المدارك 8: 459، و الرياض 1:

434.

(2) الدروس 1: 338.

(3) الوسائل 11: 212 أبواب

أقسام الحج ب 2.

(4) كما في المنتهى 2: 876.

(5) الكافي 4: 533- 1، التهذيب 5: 433- 1503، الإستبصار 2: 325- 1150، الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5 ح 1.

(6) التهذيب 5: 433- 1504، الإستبصار 2: 325- 1151، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 161

و في رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر: عن العمرة واجبة هي؟

قال: «نعم»، قلت: فمن تمتّع يجزئ عنه؟ قال: «نعم» «1».

و في رواية أبي بصير: «فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة» «2».

المسألة الرابعة: قد تجب العمرة بنذر أو عهد أو يمين،

و بالاستئجار، و بالإفساد- أي إذا أفسد عمرة يجب عليه فعلها ثانيا و إن كانت مندوبة، كالحجّ على ما قطع به الأصحاب- و بفوات الحجّ، فإنّه يجب التحلّل منه بعمرة مفردة، كما يأتي في مسائل فوات الحجّ.

و قالوا: تجب أيضا لمن دخل مكّة- بل الحرم- عدا من يستثنى، كما يأتي في آخر كتاب الحجّ في بحث خصائص الحرم.

و المراد بالوجوب في ذلك القسم: الوجوب الشرطي دون الشرعي، فإنّ الإثم و المؤاخذة مترتّب على الدخول بغير إحرام، و المطلوب هو عدم الدخول بدون الإحرام، دون الإحرام و الدخول، و لا إثم على تركها لو دخل بدونه، و هو له كالطهارة لصلاة النافلة، إلّا إذا وجب الدخول، فإنّه يجب الإحرام حينئذ أيضا، لوجوب مقدّمة الواجب شرعا.

و أيضا المراد بالوجوب: الوجوب التخييري دون المعيّن، لتخيّر الداخل بين إحرامه بالحجّ و بالعمرة.

المسألة الخامسة: ما عدا ما ذكر مندوب،

و لا خلاف في استحبابها تمتّعا كلّما يستحبّ حجّ التمتّع، و إفرادا لغير المتمتّع.

و وقع الخلاف في المدّة التي تستحبّ فيها العمرة المفردة بعد عمرة

______________________________

(1) الكافي 4: 533- 2، التهذيب 5: 434- 1506، الإستبصار 2: 325- 1153، الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5 ح 3.

(2) الفقيه 2: 274- 1339، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 162

أخرى، أي في الزمان الذي يصحّ فيه تتابع العمرتين المفردتين.

فمنهم من لم يقدّر بينهما حدّا، بل جوّز الاعتمار في كلّ يوم مرّة فصاعدا، حكي ذلك عن السيّد و الحلّي و الديلمي «1» و كثير من المتأخّرين «2»، و عن الناصريات: نسبته إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه «3»، لإطلاقات الأمر بالاعتمار «4»، فلا يتقيّد بوقت دون وقت.

و منهم من قال: إنّ أقلّ

ما يكون بينهما عشرة أيّام، و هو منقول عن الإسكافي و الشيخ في أحد قوليه و المهذّب و الجامع و الإصباح و التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد «5».

لرواية عليّ بن أبي حمزة، و فيها: قال: «و لكلّ شهر عمرة»، فقلت:

يكون أقلّ؟ فقال: «يكون لكلّ عشرة أيّام عمرة» «6».

و منهم من قال: إنّ أقلّه شهر، و هو القول الآخر للشيخ و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة و النافع و المختلف «7»، و إن احتمل كلام الأخيرين

______________________________

(1) السيّد في الناصريات: 208، الحلي في السرائر 1: 541، الديلمي في المراسم: 104.

(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 526، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 375.

(3) الناصريات: 208.

(4) الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1.

(5) نقله عن الإسكافي في المختلف: 319، الشيخ في المبسوط 1: 309. المهذّب 1: 211، الجامع للشرائع: 179، التحرير 1: 129، التذكرة 1: 401، المنتهى 2: 877، الإرشاد 1: 338.

(6) الكافي 4: 534- 3، الفقيه 2: 278- 1363، التهذيب 5: 434- 1508، الإستبصار 2: 326- 1158، الوسائل 14: 308 أبواب العمرة ب 6 ح 3.

(7) الشيخ في المبسوط 1: 304، ابن حمزة في الوسيلة: 157، الحلبي في الكافي في الفقه 1: 221، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 583، النافع: 99، المختلف: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 163

للتوقّف و للتردّد بين الشهر و السنة.

لصحيحتي الحلبي «1» و ابن عمّار «2»، و موثّقتي يونس «3» و إسحاق «4»، و رواية عليّ بن أبي حمزة، المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «لكلّ شهر عمرة» كما في بعضها، أو: «في كلّ شهر عمرة» كما في بعض آخر.

و عن العماني: أنّه لا يكون في السنة

إلّا عمرة واحدة، فأقلّ ما يكون بينهما السنة «5».

لصحيحتي الحلبي و زرارة: «لا يكون عمرتان في سنة» «6» كما في إحداهما، «و العمرة في كلّ سنة» «7» كما في الأخرى.

أقول: لا ينبغي الريب في ضعف القول الأخير و إن صحّت روايتاه، لشذوذهما، كما صرّح به غير واحد «8»، مضافا إلى ضعف دلالة الأخيرة على المنع عن الزائد، و احتمالهما التقيّة، لموافقتهما لبعض العامّة كما قيل «9»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 435- 1511، الإستبصار 2: 326- 1156، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 6.

(2) التهذيب 5: 435- 1509، الإستبصار 2: 326- 1154، الوسائل 14: 308 أبواب العمرة ب 6 ح 4.

(3) الكافي 4: 534- 1، التهذيب 5: 434- 1507 الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6 ح 2.

(4) الفقيه 2: 278- 1362، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 8.

(5) نقله عن العماني في المختلف: 319، التنقيح 1: 526، الحدائق 16: 319.

(6) التهذيب 5: 435- 1512، الإستبصار 2: 326- 1157، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 6.

(7) التهذيب 5: 435- 1511، الإستبصار 2: 326- 1156، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 7.

(8) انظر: الرياض 1: 435.

(9) انظر: الوافي 12: 477.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 164

و عمومهما بالنسبة إلى المتمتّع بها و المفرد، و اختصاص معارضتهما بالأخيرة قطعا.

و من بعض ما ذكر يظهر جواب أدلّة القول الثالث أيضا، فإنّها غير دالّة على المنع عن الزائد، بل غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كلّ شهر و أنّ لكلّ شهر عمرة، و هو لا يدلّ على النهي عن الزيادة- كما اعترف به من المتأخّرين جماعة «1»- بل يؤكّد عدم الدلالة رواية عليّ

بن أبي حمزة المتقدّمة، فلا معارض لذيل هذه الرواية المجوّزة لها في كلّ عشرة، و ضعف سندها غير ضائر بعد وجودها في الكتب المعتبرة، فلا وجه لردّها بالمرّة، و هو دليل القول الثاني، و لكن في دلالتها على ما هو مرادهم- من المنع من الزائد أيضا- ما مرّ من المنع، و سبيلها سبيل الأخبار السابقة، و اقتضاء سوق السؤال له ممنوع غايته.

فلم يبق إلّا دليل القول الأول، و هو في غاية الجودة و المتانة.

و الإيراد عليه: بأنّ الإطلاقات بالنسبة إلى تحديد المدّة بينهما مجملة غير واضحة الدلالة، و إنّما هي مسوقة لبيان الفضيلة.

مردود بكفاية الفضيلة، لحسنها في كلّ مرّة، و لا يحتاج إلى تحديد المدّة، مع أنّ المقام مقام الاستحباب المتحمّل للمسامحة، فتكفي فيه فتوى الأجلّة و ظاهر الإجماع المحكيّ «2»، و اللَّه العالم.

______________________________

(1) كصاحبي المدارك 8: 466، و الرياض 1: 435.

(2) حكاه في الرياض 1: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 165

المقصد الثاني في بيان المواقيت و أحكامها

اشاره

و هي جمع الميقات، و المراد منها: الأمكنة المعيّنة شرعا للإحرام.

بيانه: إنّ الإحرام- الذي هو أول أفعال الحجّ و العمرة- يجب إيقاعه في موضع معيّن، و قد قرّر الشارع لكلّ طائفة موضعا خاصّا يجب عليه إحرامه منه، و باعتبار تعدّد تلك الطوائف تكثّرت المواقيت، فمنهم من جعلها خمسة، و منهم من قال: إنّها ستّة، و منهم من حصرها في سبعة، و منهم في عشرة.

و ليست تلك الاختلافات باعتبار الاختلاف في جواز الإحرام من الجميع و عدمه، لأنّ الجميع ممّا جوّزوا بل أوجبوا إحرام أهله منه، بل لكلّ نكتة في تعيين العدد بحسب نظره، كما أنّ من ذكر الخمسة نظر إلى ذكرها بخصوصها في بعض الأحاديث «1»، أو إلى أنّها ممّا خصّها

رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله

______________________________

(1) الكافي 4: 319- 2، الفقيه 2: 198- 903، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 166

بذلك الحكم «1»، و بذلك عرف، و لا حكم له غير ذلك، و كما أنّ من لم يذكر الفخّ لأنّه ليس ميقاتا لحجّ واجب أو عمرة واجبة، و هكذا.

و بالجملة

مجموع المواقيت التي يتحقّق فيها الإحرام عشرة:

الأول: العقيق.

و هو ميقات العراقيين و النجديين و من والاهم، و هو في اللغة: كلّ واد عقّه السيل، أي شقّه فأنهره و وسّعه «2»، و سمّيت به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات، و هو: واد يندفق سيله في غوري تهامة، كما حكي عن تهذيب اللغة «3»، و له طرفان و وسط.

فأوّله: المسلح، بفتح الميم و كسرها، كما في السرائر «4»، ثم بالمهملتين، كما عن فخر المحقّقين و التنقيح «5»، أي الموضع العالي، أو مكان أخذ السلاح و لبس لامة الحرب، و يناسبه تسميته ببريد البعث أيضا كما يأتي.

أو بالخاء المعجمة، كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء «6»، أي موضع النزع، سمّي به لأنّه تنزع فيه الثياب للإحرام، و مقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا.

و أوسطه: غمرة- بالمعجمة، ثم الميم الساكنة، و قيل: المكسورة، ثم

______________________________

(1) انظر الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1.

(2) الصحاح 4: 1527.

(3) حكاه عنه في لسان العرب 10: 255، و هو في تهذيب اللغة 1: 59.

(4) السرائر 1: 528.

(5) حكاه عن فخر المحققين في كشف اللثام 1: 304، التنقيح 1: 446.

(6) المسالك 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 167

المهملة-: منهلة من مناهل طريق مكّة، و هي: فصل ما بين نجد و تهامة، كما

عن الأزهري «1» و القاموس «2»، سمّيت بها لزحمة الناس فيها.

و آخره: ذات عرق، بالمهملة المكسورة، ثم المهملة الساكنة، و هو:

الجبل الصغير، سمّيت بها لأنّه كان بها عرق من الماء، أي قليل، و قيل: إنّها كانت قرية فخربت «3».

ثم كون العقيق ميقاتا لمن ذكر ممّا لا خلاف فيه، بل نقل عليه الإجماع مستفيضا «4»، و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لا تجاوزها إلّا و أنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق- و لم يكن يومئذ عراق- بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل المغرب الجحفة، و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله» «5».

و صحيحة الحلبي: «الإحرام من مواقيت خمسة، وقّتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة يصلّى فيه و يفرض الحجّ، و وقّت لأهل الشام الجحفة، و وقّت لأهل نجد العقيق، و وقّت لأهل الطائف

______________________________

(1) نقله عنه في لسان العرب 5: 33، و هو في تهذيب اللغة 8: 129.

(2) القاموس 2: 108.

(3) المنتهى 2: 671.

(4) كما في التذكرة 1: 320، و كشف اللثام 1: 304، و الرياض 1: 358.

(5) الكافي 4: 318- 1، التهذيب 5: 54- 166 و 283- 964، العلل: 434- 2، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

168

قرن المنازل، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «1».

و قريبة منها الأخرى لعبيد اللَّه بن عليّ الحلبي، و فيها- بعد قوله:

و يفرض الحجّ-: «فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم» «2».

و الخزّاز: حدّثني عن العقيق أ وقت وقّته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أو شي ء صنعه الناس؟ فقال: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت» «3».

أقول: الإنجاد: الدخول في أرض نجد، أي وقّته لمن دخل أرض نجد.

و رفاعة: «وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله العقيق لأهل نجد، و قال: هو وقت لما أنجدت الأرض و أنتم منهم، و وقّت لأهل الشام الجحفة، و يقال لها:

المهيعة» «4».

أقول: «و أنتم منهم»، أي ممّن دخل أرض نجد.

______________________________

(1) الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

(2) الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4 و فيه:

يجازي، بدل: يحاذي.

(3) الكافي 4: 319- 3، التهذيب 5: 55- 168، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 2: 198- 904، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 169

و عليّ: عن إحرام أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر، من أين هو؟ قال:

«أمّا أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة، و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السند من البصرة» [يعني]: ميقات أهل البصرة «1».

و عمر بن يزيد: «وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم» «2».

قال في الوافي: البعث- بالموحّدة ثم المهملة ثم المثلّثة-: أول العقيق، و هو بمعنى الجيش، كأنّه بعث الجيش من هناك، و لم نجده في اللغة اسما لموضع، كذلك ضبطه من يعتمد عليه من أصحابنا، فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعلّه مصحّف «3».

و مرسلة الفقيه: «وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لأهل العراق العقيق، و أوله المسلخ، و وسطه غمرة، و آخره ذات عرق، و أوله أفضل» «4»، و نحوها الرضوي «5».

و أمّا ما في صحيحة عمر بن يزيد المذكورة- من أنّ الميقات لأهل

______________________________

(1) التهذيب 5: 55- 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أي، و ما أثبتناه من المصدر.

(2) التهذيب 5: 56- 170، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6 و فيه:

نحوا من بريد.

(3) الوافي 12: 483.

(4) الفقيه 2: 199- 907، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 9.

(5) فقه الرضا «ع»: 216، مستدرك الوسائل 8: 104 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 170

نجد قرن المنازل- فقد فسّره بعضهم بأهل

الموضع المرتفع، و أريد الطائف «1»، و قيل: لعلّ لنجد طريقين، لكلّ طريق ميقات «2».

و أمّا أنّ حدّ العقيق من المسلخ إلى ذات عرق فتدلّ عليه المرسلة و الرضويّ المتقدّمين.

و رواية أبي بصير: «حدّ العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق» «3».

و تدلّ على مبدئه أيضا رواية أخرى عن أبي بصير: «حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة» «4».

و الظاهر عدم خلاف في ذلك التحديد و كون ما ذكره عقيقا و أنّه ليس غيره بعقيق يحرم منه.

نعم، في صحيحة ابن عمّار: «أول العقيق بريد البعث، و هو دون المسلخ بستّة أميال ممّا يلي العراق، و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا، بريدان» «5».

و مقتضاها تقديم مبدأ العقيق على المسلخ بستّة أميال، و لكنّها شاذّة، بل فيها: أنّها خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب و الأخبار.

و يمكن الجمع بأنّ المراد في الصحيحة مطلق العقيق، و في باقي الأخبار الميقات من العقيق.

و قيل: إنّ هذه الستّة أميال و إن كانت من العقيق و لكنّها خارجة عن

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 6: 181.

(2) انظر الحدائق 14: 439.

(3) التهذيب 5: 56- 171، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 7.

(4) الكافي 4: 320- 5، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 5.

(5) الكافي 4: 321- 10، التهذيب 5: 57- 175، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 171

بطنه الذي هو الميقات، كما نصّ عليه في صحيحة ابن عمّار الأولى «1».

و كيف كان، فلا يجوز تقديم الإحرام على المسلخ، و كأنّه لا خلاف فيه، بل الظاهر أنّه إجماعي، و ادّعى بعضهم الاتّفاق عليه أيضا «2»، و تدلّ عليه

الأخبار الثلاثة المذكورة، و لا تضرّ معارضة الصحيحة، إذ غايتها حصول الإجمال المقتضي لاستصحاب الاشتغال إلى أن تعلم البراءة الغير المعلوم إلّا بالتأخير إلى المسلخ.

و لا تأخيره عن ذات عرق، و هو أيضا إجماعيّ نصّا و فتوى.

و هل يجوز التأخير إلى ذات عرق، كما هو المشهور، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3»، بل نسبه جماعة إلى الأصحاب و إلى المعروف بينهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه، بل عن الخلاف و الناصريّات و الغنية الإجماع عليه «4»؟

أو لا يجوز التأخير عن الغمرة إلّا لمرض أو تقيّة، كما عن الشيخ في النهاية و والد الصدوق، بل عن الصدوق في المقنع و الهداية، و تبعهما الشهيد في الدروس «5»، و مال إليه بعض متأخري المتأخّرين «6»؟

دليل المشهور: المرسلة، و الرضوي، و إحدى روايتي أبي بصير

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 167.

(2) كصاحب الرياض 1: 358.

(3) الرياض 1: 358.

(4) الخلاف 2: 283، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 574.

(5) النهاية: 210، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 262، المقنع: 69، الهداية: 55، الدروس 1: 340.

(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 172

المتقدّمة، المؤيّدة برواية مسمع: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق من مكّة فليحرم من منزله» «1»، المنجبرة بما مرّ ذكره.

و حجّة النافين: صحيحة عمر بن يزيد، و الرواية الأخرى لأبي بصير، و صحيحة ابن عمّار الأخيرة الراجحة على ما تقدّم بصحّة السند و موافقة أصل الاشتغال و مخالفة العامّة.

كما تدلّ عليه الصحيحة المرويّة في الإحتجاج عن صاحب الأمر عليه السّلام:

عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متّصلا بهم، يحجّ و يأخذ عن الجادّة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ؟ فكتب

إليه في الجواب: «يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره» «2».

و أجيب عنها «3»: بعدم تكافئها- و لو كانت صحيحة- للمرسلة و أخويها، لشهرة المرسلة و شذوذ الصحيحة.

مضافا إلى عدم دلالة الصحيحة الثانية على خروج ذات العرق بل شي ء بالكلّية، و تضمّنها ما لم يقل به أحد من أنّ أول العقيق ما دون المسلخ. و دلالة الأخريين على خروج الغمرة أيضا، لخروج الغاية عن المغيّا، بل دلالة الرواية على خروج المسلخ أيضا لمثل ذلك، و هما باطلان اتّفاقا.

و منه يظهر وجه مرجوحيّة لرواية أبي بصير الثانية، لموافقتها من هذه الجهة للعامّة، و وجه راجحيّة للمرسلة و أخويها، لمخالفتها العامّة من تلك الجهة، و من جهة التصريح: بأنّ العقيق من المواقيت المنصوصة عن

______________________________

(1) التهذيب 5: 59- 185، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 3.

(2) الإحتجاج: 484، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.

(3) كما في الرياض 1: 358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 173

رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و هو أيضا ممّا لا يقول به العامّة.

و على هذا، فتعيّن الجمع بحمل الصحيحتين و الرواية على أنّ المراد:

أنّ ذات عرق و إن كانت من العقيق، إلّا أنّها لمّا كانت ميقات العامّة و كان الفضل فيما تقدّم عليها فالتأخير إليها و ترك الفضل إنّما يكون لعلّة و عذر أو تقيّة، كما يشير إليه كلام الحلّي في السرائر «1»، بل يحتمله كلام المخالفين في المسألة أيضا، و لعلّه لذلك لم يجعلهم الفاضل و الشهيد مخالفين صريحا، بل نسباهما بالإشعار و الظهور «2».

أقول: كلّما ذكر و إن كان كذلك، إلّا أنّ الشذوذ المخرج عن الحجّية

غير ثابت بعد فتوى مثل الصدوقين و الشيخ و الشهيد، بل الكليني أيضا «3»، حيث اقتصر في التحديد على رواية أبي بصير الثانية و صحيحة ابن عمّار، فيبقى دليلا الطرفين متكافئين، فيجب الرجوع إلى أصل الاشتغال، و لذا لم يجترئ أكثر المتأخّرين المرجّحين لأدلّة المشهور على الفتوى به، و جعلوا الأخير أحوط، و هو كذلك لو لم يكن أظهر، مع أنّه الأظهر أيضا، لما مرّ، فتدبّر.

ثم إنّهم ذكروا أنّ المسلخ أفضل من الغمرة، و هي من ذات عرق على دخولها في العقيق، و هو كذلك، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام التسامح.

مضافا في الأول إلى المرسلة، و الرضوي، و موثّقة يونس: الإحرام من أيّ العقيق أفضل أن أحرم؟ فقال: «من أوله فهو أفضل» «4».

______________________________

(1) السرائر 1: 528.

(2) الفاضل في المنتهى 2: 666، الشهيد في الدروس 1: 340.

(3) الصدوق في المقنع: 69، نقله عن والد الصدوق في المختلف: 262، الشيخ في المبسوط 1: 312، الشهيد في الدروس 1: 340، الكليني في الكافي 4: 321.

(4) الكافي 4: 320- 7، الوسائل 11: 314 أبواب المواقيت ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 174

و موثّقة إسحاق: عن الإحرام من غمرة، قال: «ليس به بأس أن يحرم منها، و كان بريد العقيق أحبّ إليّ» «1».

أقول: أي البريد الذي في أوله.

و في الثاني إلى مرسلة الكافي: «إذا خرجت من المسلخ فأحرم عند أول بريد يستقبلك» «2».

و أول بريد بعد المسلخ هو بريد غمرة، كما يستفاد من الأخبار.

و قد يقال: إنّ أفضل مواضع العقيق: بركة الشريف، و هي: بركة مربّعة في يمين من يذهب من العراق إلى مكّة، في حواليها أشجار الشوك الكثيرة.

و لا دليل على تلك الأفضليّة، و احتمل

بعضهم أن يكون ذلك مبنيّا على أفضليّة أول كلّ من المسلخ و الغمرة و ذات العرق و كونها في أول المسلخ، و لكن لم يظهر لي ذلك بعد الفحص.

و الثاني: مسجد الشجرة.
اشاره

و هو ميقات أهل المدينة، كما صرّح به في المقنعة و الناصريّات و جمل العلم و العمل و النافع و الشرائع و الإرشاد و القواعد و الكافي و الإشارة و الغنية و السرائر و المعتبر و المنتهى و التحرير و المهذّب و المبسوط و الخلاف و النهاية، بل جميع كتب الشيخ، و الصدوق و القاضي و الديلمي و التذكرة «3»،

______________________________

(1) الكافي 4: 325- 9، التهذيب 5: 56- 172، الوسائل 11: 314 أبواب المواقيت ب 3 ح 3 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 321- 10، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 3.

(3) المقنعة: 394، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، جمل العلم و العمل رسائل الشريف المرتضى 3): 64، النافع: 80، الشرائع 1: 241، الإرشاد 1:

315، القواعد 1: 79، الكافي في الفقه: 202، إشارة السبق: 125، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، السرائر 1: 528، المعتبر 2: 802، المنتهى 2:

666، التحرير 1: 94، المهذّب 1: 213، المبسوط 1: 312، لم نعثر عليه في الخلاف، النهاية: 210، الإقتصاد: 300، الصدوق في المقنع: 68، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 213، الديلمي في المراسم: 107، التذكرة 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 175

بالنصوص المعتبرة المتواترة:

كصحيحة ابن عمّار، و فيها: «فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في أربع بقين من ذي القعدة، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي هو عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، ثم عزم على الحجّ مفردا، و

خرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصفّ الناس له سماطين، فلبّى بالحجّ مفردا» الحديث «1».

و ابن سنان الواردة في حجّ رسول صلّى اللَّه عليه و آله أيضا، و فيها: «فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرّد في إزار و رداء» الحديث «2».

و ابن وهب: سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام- و نحن بالمدينة- عن التهيّؤ للإحرام، فقال: «أطل بالمدينة و تجهّز بكلّ ما تريد و اغتسل، و إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة» «3».

و مرسلة الكافي: «يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أيّ طريق شاء» «4».

و رواية رباح، و فيها: «فلو كان كما يقولون لم يتمتّع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.

(3) التهذيب 5: 62- 196، الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7 ح 1، و رواها في الفقيه 2: 200- 915.

(4) الكافي 4: 321- 9، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 176

بثيابه إلى الشجرة» «1»، و نحوها رواية أبي بصير «2».

و مرسلة النضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم، ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء، أ له ذلك؟

فكتب: «نعم» [أو]: «لا بأس به» «3»، و قريبة منها مرسلة جميل «4»، و رواية عليّ بن عبد العزيز «5»، و صحيحتا ابن عمّار «6» و البجلي «7».

و صحيحة الحلبي: «إذا صلّيت في

مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّه» «8».

و صحيحة عمر بن يزيد: «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك إلى المسجد» الحديث «9».

و المرويّ في قرب الإسناد: «و لأهل المدينة و من يليها الشجرة» «10».

______________________________

(1) التهذيب 5: 59- 187، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 5.

(2) الفقيه 2: 199- 909، الوسائل 11: 232 أبواب المواقيت ب 11 ح 2.

(3) الكافي 4: 331- 9، الفقيه 2: 208- 950، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 12، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و، و ما أثبتناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 82- 273، الوسائل 12: 335 أبواب الإحرام ب 14 ح 5.

(5) الكافي 4: 330- 6، الفقيه 2: 208- 947، التهذيب 5: 83- 276، الوسائل 12: 335 أبواب الإحرام ب 14 ح 6.

(6) التهذيب 5: 82- 272، الإستبصار 2: 188- 631، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.

(7) الفقيه 2: 208- 948، التهذيب 5: 82- 275، الإستبصار 2: 188- 633، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.

(8) الكافي 4: 333- 11، الفقيه 2: 207- 943، الوسائل 12: 373 أبواب الإحرام ب 35 ح 3.

(9) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(10) قرب الإسناد: 244- 970، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 177

و في العلل: لأيّ علّة أحرم رسول اللَّه من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه؟ فقال:

«لأنّه لما أسري به إلى السماء» الحديث «1».

و لا تنافي تلك الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها المتقدّمة أكثرها الجاعلة لميقات أهل المدينة ذا الحليفة «2»، لأنّه مسجد الشجرة كما صرّح به في الإشارة «3»، و من تأخّر ذكره عنه من الكتب المتقدّمة «4».

و تدلّ عليه صحيحتا الحلبيّين السابقتين «5»، و المرويّ في قرب الإسناد: «و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هي الشجرة» «6».

و صحيحة ابن عمّار، و فيها: «و مسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا من السقائف عن صحن المسجد، ثم اليوم ليس شي ء من السقائف منه» «7».

و بذلك يجمع بين الأخبار، و كذلك بين فتاوى من أطلق المسجد- كالكتب المتقدّمة على الإشارة «8»- أو ذا الحليفة، كما عن الدروس و اللمعة و الوسيلة و المحقّق الثاني «9».

______________________________

(1) العلل: 433- 1، الوسائل 11: 311 أبواب المواقيت ب 1 ح 13.

(2) كما في الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1.

(3) الإشارة: 125.

(4) في ص: 174.

(5) الأولى في: الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(6) قرب الإسناد 164- 599، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 7.

(7) الكافي 4: 334- 14، الوسائل 11: 315 أبواب المواقيت ب 4 ح 1.

(8) انظر ص: 174.

(9) الدروس 1: 340، اللمعة (الروضة 2): 224، الوسيلة: 160، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 178

إلّا أنّ بعض هؤلاء صرّح بأفضليّة المسجد و أحوطيّته «1»، و ظاهرها عدم تعيّن المسجد، و صرّح الأخير بأنّ جواز الإحرام من الموضع كلّه ممّا

لا يكاد يدفع «2».

و يدفعه ما سبق ذكره من تصريح الصحيحين و غيرهما: بأنّ ذا الحليفة هو مسجد الشجرة، و الأمر في طائفة من الأخبار المتقدّمة بالإحرام منها، و أنّها التي وقّتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، المؤيّدة بعمل الأكثر، بل الإجماع المحكيّ عن الناصريّات و الغنية «3»، و بروايات غير ما ذكر أيضا، كصحيحة ابن سنان: «من أقام بالمدينة- و هو يريد الحجّ- شهرا أو نحوه، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها» «4»، و قريبة منها صحيحته الأخرى «5».

و كذا لا تنافي ما ذكرناه صحيحة عبيد اللَّه الحلبي المتقدّمة، حيث قال: «فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم» «6».

حيث إنّ ظاهرها جواز الإحرام من خارج المسجد، كما فهمه صاحب الذخيرة «7»، لأنّ هذا إنّما هو إذا أريد من الإحرام معناه الحقيقي،

______________________________

(1) كما في الدروس 1: 340.

(2) جامع المقاصد 3: 158.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 574.

(4) الفقيه 2: 200- 913، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.

(5) الكافي 4: 321- 9، التهذيب 5: 57- 178، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 7 ح 1.

(6) الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(7) الذخيرة: 576.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 179

و ليس كذلك قطعا، لمنافاته لصدرها.

بل المراد: التلبية، كما تدلّ عليه صحيحة ابن وهب: عن التهيّؤ للإحرام، فقال: «في مسجد الشجرة، فقد صلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و قد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى

البيداء جنب الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول: لبّيك اللَّهمّ لبّيك» «1» إلى آخره، حيث جعل الإحرام هو التلبية.

و صحيحة ابن سنان: هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: «نعم، إنّما لبّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على البيداء، لأنّ الناس لم يكونوا يعرفون التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيفيّة التلبية» «2».

و في صحيحته الأخرى: «إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء» «3».

و في صحيحة ابن حازم: «إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّي حتى تأتي البيداء» «4».

و دلّت عليه صحيحة ابن عمّار و مرسلة النضر و صحيحة [الحلبي] «5»

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 277، الإستبصار 2: 169- 599، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 3.

(2) الكافي 4: 334- 12، التهذيب 5: 84- 280، الإستبصار 2: 170- 562، الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 84- 279، الإستبصار 2: 170- 561، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 5.

(4) التهذيب 5: 84- 278، الإستبصار 2: 170- 560، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

(5) في النسخ: البجلي، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 180

المتقدّمة «1» أيضا.

هذا، ثم إنّه يجوز إحرام أهل المدينة أيضا من الجحفة- بالجيم المضمومة ثم المهملة الساكنة ثم الفاء المفتوحة فتاء- على سبع مراحل من المدينة و ثلاث من مكّة، كما عن بعض أهل اللغة، و عنه: أنّ بينها و بين البحر نحو ستّة أميال، و عن غيره: ميلان، قيل: و لا تناقض، لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة «2».

و قيل: كانت مدينة فخربت، سمّيت بها

لإجحاف السيل بها، أي ذهابه بها «3».

و سمّيت مهيعة، بفتح الميم و سكون الهاء و فتح الياء المثنّاة التحتانيّة، و معناها: المكان الواسع.

و في القاموس: كانت قرية جامعة على اثنين و ثمانين ميلا من مكّة تسمّى مهيعة، فنزل بها بنو عبيد و هم إخوة عاد، و كان أخرجهم العماليق من يثرب، فجاءهم سيل فاجتحفهم فسمّيت جحفة «4».

و عن المصباح المنير: منزل بين مكّة و المدينة قريب من رابغ بين بدر و خليص «5».

و جواز إحرامهم منها ممّا لا خلاف فيه، كما صرّح به جماعة «6»، بل

______________________________

(1) جميعا في ص: 176.

(2) انظر كشف اللثام 1: 305.

(3) انظر الذخيرة: 576، الحدائق 14: 435.

(4) القاموس المحيط 3: 125.

(5) المصباح المنير: 91.

(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 576، و صاحبي الحدائق 14: 444، و الرياض 1: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 181

نقل بعضهم عليه الإجماع «1»، و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار.

كصحيحة عليّ المتقدّمة، و فيها: «و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة» «2».

و ابن عمّار: عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة، قال: «لا بأس» «3».

و الحلبي: من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: «من الجحفة، و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «4».

و أبي بصير: خصال عابها عليك أهل مكّة، قال: «و ما هي؟» قلت:

قالوا: أحرم من الجحفة و رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أحرم من الشجرة، فقال:

«الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلا» «5».

و رواية الحضرمي، و فيها: «و قد رخّص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لمن كان منكم مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة» «6».

و هل جواز الإحرام منها مقيّد بحال الضرورة، أي المشقّة التي يعسر

تحمّلها، كما فعله الأصحاب من غير خلاف ظاهر إلّا من نادر، عملا بالأدلّة الدالة على توقيت الشجرة الظاهرة في عدم جواز العدول عنها بالمرّة، خرجت عنها حال الضرورة بالإجماع و المعتبرة، فبقي الباقي تحتها مندرجة؟

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 219.

(2) التهذيب 5: 55- 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5.

(3) الفقيه 2: 199- 908، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 1.

(4) التهذيب 5: 57- 177، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.

(5) التهذيب 5: 57- 176، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 4.

(6) الكافي 4: 324- 3، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 182

أو مطلق، كما عن الجعفي و الوسيلة «1»، لإطلاق الصحاح الثلاثة؟

الظاهر هو: الأول، لأنّ الصحاح و إن كانت مطلقة، إلّا أنّها من هذه الحيثيّة شاذّة، للحجّية غير صالحة، و مع ذلك يجب تقييدها بالرواية الأخيرة، لأنّها لمعنى الشرط متضمّنة، فتدلّ بالمفهوم على اختصاص الرخصة بالمريض و الضعيف، و مثلهما في المشقّة.

هذا، مع ما في الصحاح من قصور الدلالة على العموم، سيّما الأولى، إذ ليس المراد: أنّ أهل المدينة يحرمون من الموضعين، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ، فمجازه يمكن أن يكون التوقيت في الجملة و لو في حال الضرورة.

بل و كذا الثانية، لجواز أن يكون السؤال عن رجل من أهل المدينة- أي ساكنيها- مرّ على طريق الشام، و كأنّ السائل توهّم أنّ الشجرة ميقات أهل المدينة مطلقا و إن مرّ على طريق آخر.

بل و كذا الثالثة، إذ لا شك أنّ بعد التجاوز عن الشجرة يكون العود إليها و الإحرام منها مشقّة و ضرورة، سيّما مع

إيجابه التخلّف عن الرفقة.

ثم على ما ذكرنا من تقييد جواز التأخير بحال الضرورة، فهل يجوز سلوك طريق لا يؤدّيه إلى الشجرة اختيارا فيحرم من الجحفة، كما اختاره في الدروس و المدارك «2» و غيرهما «3»، للأصل و عموم جواز الإحرام من أيّ ميقات اتّفق المرور عليه و لو لغير أهله، و كون المراد بأهل كلّ ميقات من يمرّ عليه؟

______________________________

(1) حكاه عن الجعفي في الدروس 1: 493، الوسيلة: 160.

(2) الدروس 1: 341، المدارك 7: 220.

(3) كالرياض: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 183

و أيضا على ما ذكرنا، لو عصى من لا ضرورة له و ترك الإحرام من الشجرة، هل يصحّ له الإحرام حينئذ من الجحفة، كما عن الدروس و المدارك؟ أو لا، كما يظهر من بعض «1»؟

الوجه: التفصيل بالإمكان و عدم المشقّة فلا يصحّ، و إلّا فيصح.

فرع:

و إذا عرفت تعيّن الإحرام من مسجد الشجرة، فلو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما فيه مجتازين، لحرمة اللبث.

و إن تعذّر بدونه، فهل يحرمان من خارجه، كما صرّح به الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة «2»، لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكّة محرما؟

أم يؤخّرانه إلى الجحفة، لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟

الأحوط: الإحرام منهما و إن كان الأظهر الثاني، لما ذكر، و لعدم دليل على توقيت الخارج لمثلهما، و منع وجوب قطع المسافة محرما عليه.

و تمثيل الضرورة في الأخبار بالعلّة و المرض و الضعف لا يوجب التخصيص بعد اتّحاد العلّة قطعا و عدم القول بالفصل ظاهرا، فتدبّر.

الثالث: الجحفة.

و هو ميقات أهل الشام بلا خلاف يوجد، لصحاح الحلبيّين «3» و رفاعة «4»

______________________________

(1) انظر الحدائق 14: 446.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، المدارك 7: 219، الذخيرة: 576.

(3) الأولى في: الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(4) الفقيه 2: 198- 904، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 184

و عليّ «1» و عمر بن يزيد «2» المتقدّمة، و هي أيضا ميقات أهل مصر و المغرب، كما صرّح به في صحاح ابن عمّار «3» و الخزّاز «4» و عليّ السابقة.

الرابع:- و هو ميقات أهل اليمن- يلملم.

و يقال: ألملم و يرمرم، جبل على مرحلتين من مكّة، و كونه ميقاتا ممّا لا خلاف فيه أيضا، و وقع التصريح به في الصحاح المستفيضة المتقدّمة.

الخامس: قرن المنازل.
اشاره

بفتح القاف و سكون الراء، و هو ميقات أهل الطائف، و هو قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كلّه، قاله في القاموس، قال: و غلط الجوهري في تحريكه و في نسبة أويس القرني إليه، لأنّه منسوب إلى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد «5». بل قيل: اتّفق العلماء في تغليطه فيهما، و إنّما أويس من بني قرن بطن من مراد «6».

و لا يخفى أنّه لم يصرّح بالتحريك و لا بنسبة أويس إليه، و إنّما قال:

و القرن حيّ من اليمن و منه أويس القرني [1].

______________________________

[1] الصحاح 6: 2181، و فيه: و القرن: موضع، و هو ميقات أهل نجد، و منه أويس القرنيّ.

______________________________

(1) التهذيب 5: 55- 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5.

(2) التهذيب 5: 56- 170، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.

(3) الكافي 4: 318- 1، التهذيب 5: 54- 166، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.

(4) الكافي 4: 319- 3، التهذيب 5: 55- 168، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 1.

(5) القاموس المحيط 4: 260.

(6) الرياض 1: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 185

و بالجملة: لا كلام في كونه ميقاتا، و به صرّح كثير من الصحاح المتقدّمة.

فائدة:

قال في المنتهى: أبعد تلك المواقيت ذو الحليفة، و هو على عشر مراحل من مكّة على ميل من المدينة، و يليه في البعد الجحفة، و المواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة، بينها و بين مكّة ليلتان قاصدتان «1».

السادس: مكّة.

و هو ميقات حجّ المتمتّعين في حجّهم خاصّة، كما يأتي بيانه.

السابع: ميقات من كان منزله أقرب من المواقيت الخمسة إلى مكّة.

فإنّ ميقاته دويرة أهله- أي منزله- بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «2»، و في المدارك: أنّه مجمع عليه بين الأصحاب «3»، و عن المنتهى:

أنّه قول أهل العلم كافّة إلّا مجاهد «4».

و تدلّ عليه المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الميقات الأول «5».

و الأخرى: «من كان منزله دون الوقت إلى مكّة [فليحرم] من منزله» «6».

و في حديث آخر- كما نقله الشيخ-: «إذا كان منزله دون الميقات إلى

______________________________

(1) المنتهى 2: 667.

(2) الذخيرة: 576.

(3) المدارك 7: 222.

(4) المنتهى 2: 667.

(5) راجع ص: 167.

(6) التهذيب 5: 59- 183، الوسائل 11: 333 أبواب المواقيت ب 17 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: فليخرج، و ما أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 186

مكّة فليحرم من دويرة أهله» «1».

و حسنة مسمع: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله» «2».

و في صحيحة ابن مسكان: عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة، قال: «يحرم منه» «3».

و في رواية رباح- بعد السؤال عمّا روي عن علي عليه السّلام-: «أنّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك، و إنّما معنى دويرة أهله: من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة» «4».

و مرسلة الصدوق: عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟

قال: «من منزله» «5».

و الأخرى: «من كان منزله دون المواقيت ما بينها و بين مكّة فعليه أن يحرم من منزله» «6»، إلى غير ذلك.

و أمّا اعتبار القرب إلى عرفات- كما ذكره جماعة «7»- فلا دليل عليه.

ثم الحكم يعمّ أهل مكّة أيضا على المشهور بين الأصحاب، بل نفى بعضهم الخلاف فيه «8»،

و تدلّ عليه مرسلة الصدوق المتقدّمة، و ما روي عن

______________________________

(1) التهذيب 5: 59- 184، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 2.

(2) التهذيب 5: 59- 185، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 3.

(3) التهذيب 5: 59- 186، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.

(4) التهذيب 5: 59- 187، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 5.

(5) الفقيه 2: 199- 911، الوسائل 11: 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 6.

(6) الفقيه 2: 200- 912، الوسائل 11: 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 7.

(7) منهم المحقّق في المعتبر 2: 786، الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، الروضة 2: 225.

(8) كما في الرياض 1: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 187

النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه قال: «فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله» «1».

بل يمكن الاستدلال عليه بصحيحة ابن عمّار المشار إليها أيضا، إذ معناها: أنّ من كان منزله خلف هذه المواقيت من طرف مكّة، و لا شكّ أنّ أهل مكّة أيضا كذلك.

بل يمكن الاستدلال بجميع الأخبار المتقدّمة سوى المرسلة الأخيرة، بأن يفسّر نحو قوله: «من كان منزله دون الميقات إلى مكّة» بأنّ المراد: من كان منزله في جميع ذلك الموضع المبتدأ بدون الميقات المنتهي بمكّة.

و استشكل بعضهم فيهم من جهة أنّ الأقربيّة إلى مكّة تقتضي المغايرة، و من جهة الصحيحين الواردين في المجاور أنّه يحرم من الجعرانة «2»، سواء انتقل فرضه إلى أهله أم لا «3».

و لا يخفى أنّ الأقرب إنّما ورد في كلام الأصحاب دون أخبار الأطياب، و الصحيحان واردان في حكم المجاور، فلعلّ هذا مختص به، مع أنّه يأتي شذوذ تلك الأخبار أيضا.

الثامن: محاذاة الميقات.

و هو ميقات من

حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت، و منه طريق البحر. و كونها ميقاتا لمن ذكر مشهور بين الأصحاب، بل نسبه

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 838- 1181، سنن البيهقي 5: 29.

(2) الأول: صحيح البجلي، رواه في: الكافي 4: 300- 5، الوسائل 11: 267 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 5.

الثاني: صحيح سماعة بن مهران، رواه في: الفقيه 2: 274- 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2.

(3) انظر الرياض 1: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 188

بعضهم إلى الشهرة العظيمة «1».

لصحيحة ابن سنان: «من أقام بالمدينة- و هو يريد الحجّ- شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها» «2».

و صحيحته الأخرى، و فيها: «فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء» «3».

و يتعدّى إلى سائر المواقيت بالإجماع المركّب.

و لا تعارضها مرسلة الكافي: «يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أيّ طريق شاء» «4»، لعدم دلالتها على الوجوب أولا، و شذوذها ثانيا، و إيجابه الحرج في بعض الأحيان ثالثا.

و هل الميقات- الذي يحرم ذلك من محاذاته- هو الميقات الأقرب إلى الطريق، كما هو مذهب الأكثر، و إليه ذهب الفاضل في المنتهى و التذكرة «5»؟

أو إلى مكّة، كما عن القواعد «6» و غيره «7»؟

أو أيّ ميقات كان، كما عن الإسكافي و الحلّي «8»، و اختاره في

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 360.

(2) الفقيه 2: 200- 913، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.

(3) الكافي 4: 321- 9، التهذيب 5: 57- 178، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 7 ح 1.

(4) الكافي 4: 321- ذ ح

9، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.

(5) المنتهى 2: 671، التذكرة 1: 322.

(6) القواعد 1: 79.

(7) كالروضة 2: 227، المسالك 1: 104.

(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 263، الحلي في السرائر 1: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 189

الإرشاد «1»؟

و مقتضى الصحيحين: الأول، فهو المختار في العمل، و تكفي المحاذاة التقريبيّة، لعدم إمكان التحقيق غالبا، و لأنّها المتحقّقة في ستّة أميال.

قالوا: و يكفي الظنّ بالمحاذاة، لعدم حصول غير الظنّ إمّا مطلقا أو غالبا، فلا يكون متعلّق التكليف إلّا الظنّ.

و من لم يكن له سبيل إلى الظنّ أيضا يحرم من أول موضع يحتمل المحاذاة، و يجدّد النيّة إلى آخر موضع كذلك، و لا حرج فيه.

و منع تقديم الإحرام على الميقات إنّما هو لا فيما كان بنيّة الاحتياط.

و اختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها، و هو خلاف لا فائدة فيه، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب، و لو فرض إمكان فالمختار الإحرام من أدنى الحلّ، لأصالة البراءة عن الزائد.

و يمكن أن يقال بذلك فيمن لا سبيل له إلى الظنّ أيضا، لما ذكر، بضميمة أنّ المتبادر من الصحيحة غير ذلك الشخص.

التاسع: أدنى الحلّ.

و هو ميقات العمرة المفردة الواقعة بعد حجّ الإفراد و القران، فإنّ المفرد و القارن إذا أرادا الاعتمار بعد الحجّ لزمهما الخروج إلى أدنى الحلّ، فيحرمان منه ثم يعودان إلى مكّة للطواف و السعي، بلا خلاف فيه كما صرّح به في المنتهى «2».

______________________________

(1) الإرشاد 1: 315.

(2) المنتهى 2: 667.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 190

و تدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد: «من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبههما» «1»، و

غير ذلك من الأخبار «2».

و إطلاقها يشمل كلّ من أراد العمرة المفردة من مكّة أيضا و إن لم يكن مفردا أو قارنا، بل أراد التقرّب بالعمرة و التحلّل من الحجّ الفاسد، و هو كذلك.

العاشر:

فخّ، و هو ميقات الصبيان في غير حجّ التمتّع عند جماعة «3»، و جعله آخرون موضع التجريد و إن كان موضع إحرامهم كغيرهم «4»، و يأتي تحقيقه في المسألة الثانية من بحث أحكام الإحرام.

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: الحجّ و العمرة متساويان في المواقيت المذكورة،

فمن قدم إلى مكّة حاجّا أو معتمرا و مرّ بها يجب عليه الإحرام منها، سواء كانت العمرة عمرة تمتّع أو إفراد، و سواء كان الحجّ قرانا أو إفرادا، إلّا حجّ التمتّع فميقاته مكّة، و العمرة المفردة لمن أرادها من مكّة فميقاتها أدنى الحلّ كما مرّ.

المسألة الثانية: كلّ من حجّ أو اعتمر على طريق- كالعراقي يمرّ بمسجد الشجرة- فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق،

بغير خلاف فيه يوجد

______________________________

(1) الفقيه 2: 276- 1350، التهذيب 5: 95- 315، الإستبصار 2: 177- 588، الوسائل 11: 341 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 11: 341 أبواب المواقيت ب 22.

(3) كما في المعتبر 2: 804، الدروس 1: 342، الرياض 1: 360.

(4) حكاه في المعتبر 2: 804.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 191

كما صرّح به جماعة «1»، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه «2»، بل هو إجماع محقّق أيضا، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى انتفاء العسر و الحرج في الشريعة، و النبويّ: «هنّ لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ» «3».

و صحيحة صفوان، و فيها: «أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علّة، فلا يجاوز الميقات إلّا من علّة» «4»، و غير ذلك.

المسألة الثالثة: من أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه بالإجماع،

كما حكي عن جماعة منهم المنتهى «5»، و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة جدّا من الصحاح و غيرها.

منها: صحيحة الحلبي المتقدّمة «6» في الميقات الأول، و صحيحة ابن أذينة: «من أحرم دون الميقات فلا إحرام له» «7».

و في رواية زرارة: «و ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و إنّما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعا» «8».

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 667، السبزواري في الذخيرة 577، صاحب الرياض 1: 360.

(2) المدارك 7: 226، كشف اللثام 1: 307، الحدائق 14: 455.

(3) صحيح مسلم 2: 838- 1181.

(4) الكافي 4: 323- 2، الوسائل 11: 331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.

(5) المنتهى 2: 668.

(6) الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5:- الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت

ب 1 ح 3.

(7) الكافي 4: 322- 4، التهذيب 5: 52- 157، الإستبصار 2: 162- 529، الوسائل 11: 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 3.

(8) الكافي 4: 321- 2، التهذيب 5: 51- 155، الإستبصار 2: 161- 527، الوسائل 11: 323 أبواب المواقيت ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 192

و في رواية إبراهيم الكرخي: عن رجل أحرم بحجّة في غير أشهر الحجّ دون الميقات الذي وقّته رسول صلّى اللَّه عليه و آله، قال: «ليس إحرامه بشي ء، فإن أحبّ أن يرجع إلى أهله فليرجع، فإنّي لا أرى عليه شيئا» «1».

و المرويّ في العلل: «لا يجوز الإحرام دون الميقات» «2»، إلى غير ذلك.

و استثنيت من ذلك صورتان:

إحداهما: من نذر الإحرام من موضع معيّن قبل أحد هذه المواقيت فيصحّ، بشرط أن يقع في أشهر الحجّ لو كان للحجّ أو عمرة يتمتّع بها، و مطلقا للعمرة المفردة على الأقوى، وفاقا للشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيبين و المفيد و الديلمي و القاضي و ابن حمزة «3»، و أكثر المتأخّرين «4»، بل الأكثر مطلقا كما قيل «5».

لصحيحة الحلبي «6»، و موثّقة أبي بصير «7»، و رواية عليّ بن أبي

______________________________

(1) الكافي 4: 321- 1، التهذيب 5: 52- 159، الإستبصار 2: 162- 530، العلل: 455- 12 بتفاوت يسير، الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9 ح 2.

(2) لم نعثر عليه في العلل، لكنّه موجود في عيون أخبار الرضا «ع» 2: 122، الوسائل 11: 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 4.

(3) النهاية: 209، المبسوط 1: 311، الخلاف 2: 286، التهذيب 5: 53، الإستبصار 2: 164، نقله عن المفيد في المدارك 7: 229، الديلمي في المراسم:

108، القاضي في

المهذّب 2: 412، ابن حمزة في الوسيلة: 159.

(4) كما في الرياض 1: 360.

(5) انظر الرياض 1: 360.

(6) التهذيب 5: 53- 162، الإستبصار 2: 163- 534، الوسائل 11: 326 أبواب المواقيت ب 13 ح 1.

(7) التهذيب 5: 54- 164، الإستبصار 2: 163- 536، الوسائل 11: 327 أبواب المواقيت ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 193

حمزة «1»، المنجبرة ضعف بعضها أو الجميع على ما قيل «2» بما مرّ.

و خلافا للحلّي و المختلف، فمنعا عن الاستثناء، لأنّه نذر غير مشروع «3».

و فيه: أنّه شرّع بالنصوص المذكورة، و إبداء بعض الاحتمالات البعيدة فيها غير ضائر.

و لو احتاط بالجمع بين الإحرام عن الموضع المنذور و الميقات المقرّر كان أولى و أفضل، و حكم باستحباب الجمع بعضهم «4»، و منهم من أوجبه إذا كان النذر في الإحرام الواجب «5».

و ثانيتهما: أن يعتمر في شهر رجب إذا خاف خروجه قبل الوصول إلى أحد المواقيت، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات ليدرك فضل الشهر، بلا خلاف فيه يعرف، و اتّفاقهم عليه منقول في كلامهم، و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار «6»، و موثّقة إسحاق «7»، و الاحتياط فيه أيضا تجديد الإحرام من الميقات.

المسألة الرابعة: لا يجوز لمريد النسك تأخير الإحرام عن الميقات،

إجماعا فتوى و نصّا، لأنّ ذلك مقتضى التوقيت، مضافا إلى التصريح به في جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة صفوان المتقدّمة في المسألة

______________________________

(1) التهذيب 5: 53- 163، الإستبصار 2: 163- 535، الوسائل 11: 327 أبواب المواقيت ب 13 ح 2.

(2) انظر الرياض 1: 360.

(3) الحلي في السرائر 1: 526 و 527، المختلف: 263.

(4) كصاحب الرياض 1: 361.

(5) كما في المراسم: 108.

(6) الكافي 4: 323- 8، التهذيب 5: 53- 161، الإستبصار 2: 163- 533، الوسائل 11: 325 أبواب

المواقيت ب 12 ح 1.

(7) الكافي 4: 323- 9، التهذيب 5: 53- 160، الإستبصار 2: 162- 532، الوسائل 11: 326 أبواب المواقيت ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 194

الثانية «1»، و صحيحة ابن أذينة «2»، و المرويّ في العلل «3».

[و في رواية الفضيل] [1]: «و لكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم» «4».

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد: عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيّام- يعني الإحرام من الشجرة- فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها، فقال: «لا» و هو مغضب «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» «5».

أقول: أراد من المدينة: ميقات أهلها.

و في بعض الصحاح: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من الميقات الذي وقّته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لا تجاوزها إلّا و أنت محرم» «6»، و في آخر: «لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «7».

المسألة الخامسة: لو كان له عذر يمنع من الإحرام في الميقات،

فعن الشيخ «8» و جماعة «9» تجويز التأخير، و تدلّ عليه صحيحة صفوان المتقدّمة، و مرسلة المحاملي: «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ح»: و هي فيه جميل بن صالح الفضيل، و في «س»:

و في الفضيل، و في «ق»: و هي الفضيل، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) في ص: 191.

(2) المتقدّمة في ص: 191.

(3) المتقدّم في ص: 192.

(4) الكافي 4: 322- 3، الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 5: 57- 179، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 8 ح 1.

(6) الكافي 4: 318- ح 1، التهذيب 5: 54- 166، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2، بتفاوت يسير.

(7) التهذيب 5: 57-

177، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.

(8) في النهاية: 209.

(9) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 195

الحرم» «1».

و منعه الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه «2»، و حملوا قول الشيخ [على] «3» تجويز تأخير صورة الإحرام و إظهاره، من التعرّي و لبس الثوبين، و قالوا: إنّ المرض و التقيّة لا يمنعان النيّة و التلبية.

و أيّد ذلك بحديث: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «4»، و ببعض الحديث المتضمّن لحكم من مرّ على المسلخ مع العامّة بأنّه يحرم من الميقات من غير تلبّس الثياب و إظهار له، ثم يظهره من ميقاتهم «5».

أقول: أمّا حديث المسلخ فغير ما نحن فيه، لتصريح بالإحرام خفيّا، و لكنّه يلبس الثياب بعده، و هذا لا كلام فيه.

و لا يتمّ الاستدلال بحديث: «الميسور لا يسقط بالمعسور» كما بيّناه في موضعه، فلا معارض للصحيح و المرسل.

نعم، يمكن أن يقال بلفظيّة النزاع، لأنّ مرادنا: ما إذا لم يتمكّن من الإحرام أصلا، و مرادهما: ما إذا تمكّن منه باطنا و إن لم يتمكّن من استدامته أو إظهاره.

و بالجملة: لو لم يتمكّن أصلا- و إن كان فرضا نادرا- أخّر، و لو تمكّن باطنا يجب الإتيان به و يؤخّر الإظهار، و إن تمكّن من بعض واجباته دون بعض فالأولى الإتيان بما أمكن، بل الظاهر الوجوب، لعدم ثبوت الارتباط.

______________________________

(1) التهذيب 5: 58- 182، الوسائل 11: 333 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.

(2) الحلي في السرائر 1: 527، الفاضل في المختلف 263، و المنتهى 2: 671.

(3) أضفناها لاستقامة العبارة.

(4) غوالي اللئالي 4: 58- 205.

(5) انظر الإحتجاج: 484- 485، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 11، ص: 196

المسألة السادسة: لو لم يحرم من الميقات

- لمانع أو سهو أو جهل بالحكم أو الوقت- يجب الرجوع إليه و الإحرام منه مع الإمكان، بلا خلاف فيه بين العلماء كما عن المنتهى «1»، لتوقّف الواجب عليه، و المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة الحلبي: عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال:

«يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «2».

و الأخرى: في رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم، قال: «قال أبي: عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم» «3».

و صحيحة ابن عمّار: عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم، قال: «إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحجّ فتحرم» «4».

و أمّا ما في طائفة من الأخبار في الجاهل و الناسي، من الأمر بالخروج

______________________________

(1) المنتهى 2: 670.

(2) التهذيب 5: 58- 180، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.

(3) الكافي 4: 323- 1، التهذيب 5: 283- 965، الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 325- 10، التهذيب 5: 389- 1362، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 197

إلى خارج الحرم بقول مطلق، كصحيحة ابن سنان «1»، و رواية الكناني «2»، أو بالإحرام من

مكانه أو مكّة أو المسجد كذلك، كموثّقة زرارة «3»، و موثّقة سورة بن كليب «4».

فيجب حملها على صورة عدم التمكّن من الخروج إلى الميقات كما هو الغالب، فيحمل الإطلاق عليه حملا للمطلق على المقيّد، و اقتصارا في الإطلاق على المتيقّن.

نعم، في المرويّ عن قرب الإسناد «5» ما لا يمكن الحمل عليه، إلّا أنّه- لشذوذه مع عدم وضوح سنده- لا يكافئ ما مرّ.

المسألة السابعة: لو تعذّر رجوع الناسي أو الجاهل إلى الميقات

فليرجع إلى قرب الميقات بقدر الإمكان، وفاقا للشهيد «6» و بعض آخر «7»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «8»، و اختصاصها بالجاهل غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و ذكر في المدارك- بعد نقل الصحيحة-: أنّه يمكن حملها على الاستحباب، لعدم وجوب ذلك على الناسي و الجاهل مع الاشتراك في

______________________________

(1) الكافي 4: 324- 6، التهذيب 5: 58- 181، الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.

(2) الكافي 4: 325- 7، التهذيب 5: 284- 966، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.

(3) الكافي 4: 324- 5، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.

(4) الكافي 4: 326- 12، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.

(5) قرب الإسناد: 242- 956، الوسائل 11: 331 أبواب المواقيت ب 14 ح 9.

(6) في الدروس: 95.

(7) كالرياض 1: 361.

(8) في ص: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 198

العذر، و لموثّقة زرارة المشار إليها، الواردة في حكم مثل المرأة المذكورة، الحاكمة بأنّها تحرم من مكانها «1».

و فيه أولا: أنّ كلامه يدلّ على إجماعيّة عدم وجوب الرجوع على الجاهل و الناسي، و هي ممنوعة.

و ثانيا: أنّه قياس مستنبط.

و ثالثا: أنّ الموثقة أعمّ مطلقا من الصحيحة، فيجب التخصيص بها.

و إن لم يمكن القرب، فإن كان خارج الحرم فليحرم

من موضعه، بلا خلاف فيه يوجد كما قيل «2»، لصحيحتي الحلبي المتقدّمتين، اللّازم تقييد إطلاقهما- بالنسبة إلى داخل الحرم و غيره- بما يأتي.

و إن كان داخل الحرم، فإن أمكن الخروج إلى أدنى الحلّ خرج وجوبا و أحرم منه، لذيل صحيحتي الحلبي، و صحيحة ابن سنان: عن رجل مرّ على الوقت الذي أحرم منه الناس، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكّة، فخاف إن يرجع إلى الوقت أن يفوته الحجّ، فقال: «يخرج من الحرم و يحرم و يجزئه ذلك» «3»، و قريبة منها رواية الكناني في الجاهل.

و بتلك الأخبار تقيّد مطلقات الإحرام من مكانه أو من مكّة أو المسجد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    199     المسألة الثامنة: ذو المانع من الإحرام في الميقات في الحرم ..... ص : 199

لو تعذّر الخروج من الحرم أحرم في موضعه، لما مرّ من الأخبار، مضافا إلى رواية سورة بن كليب.

______________________________

(1) المدارك 7: 487.

(2) انظر الرياض 1: 361.

(3) الكافي 4: 324- 6، التهذيب 5: 58- 181، الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 199

المسألة الثامنة: ذو المانع من الإحرام في الميقات في الحرم

كالناسي و الجاهل في الأحكام المذكورة، لإطلاق صحيحة الحلبي الأولى «1».

و كذا من لا يريد النسك أولا ممّن لا يريد دخول مكّة، أو جاز له دخول مكّة بغير إحرام، كالمتكرّر مثلا إذا قصد النسك بعد مروره على الميقات، أو تجدّد له قصد دخول مكّة بعد المرور عليه.

بل و كذا تارك الإحرام عمدا عصيانا، فإنّه كمن ذكر في جميع الأحكام، أمّا في الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه فبالإجماع، و وجهه ظاهر، و أمّا في باقي الأحكام فوفاقا للمحكيّ عن المبسوط و المصباح و مختصره «2»،

و جماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، لإطلاق صحيحة الحلبي الأولى. و دعوى عدم انصرافه إلى العامد ممنوعة.

و خلافا للأكثر، فحكموا بفوات الحجّ عنه، لعدم ثبوت الإذن له من الشارع، و للإطلاقات المتقدّمة النافية للإحرام عمّن أحرم دون الميقات.

و يردّ بثبوت الإذن بما مرّ، و شمول الإطلاقات لما قبل الميقات أيضا، فتكون أعمّ مطلقا، فيجب تخصيصها بما مرّ قطعا.

المسألة التاسعة: حكم من كان منزله دون الميقات

في مجاوزة منزله إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة، لأنّ منزله ميقاته، فهو في حقّه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي، كذا ذكره في المدارك «4»، و لا بأس به.

______________________________

(1) التهذيب 5: 58- 180، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.

(2) المبسوط 1: 312، مصباح المتهجد: 8.

(3) كصاحب المدارك 7: 235، و السبزواري في الذخيرة: 575، صاحب الحدائق 14: 471.

(4) المدارك 7: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 200

المسألة العاشرة: لو نسي الإحرام أو جهله حتى قضى المناسك كلّها،

يجزئه و لا قضاء عليه، وفاقا للتهذيبين و النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و الإقتصاد و الوسيلة و المهذّب و الجامع و المعتبر و القواعد و التحرير و المنتهى و التنقيح و النكت و المسالك «1» و غيرها «2»، بل الأكثر كما قيل «3»، و عن المسالك: أنّه فتوى المعظم، و عن الدروس: أنّه فتوى الأصحاب عدا الحلّي «4».

لصحيحة علي: عن رجل كان متمتّعا خرج إلى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده، ما حاله؟ قال: «إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه» «5».

و الأخرى: عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره و هو بعرفات، ما حاله؟

قال: «يقول: اللَّهمّ على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» «6».

و مرسلة جميل: في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها [و طاف و سعى، قال: «تجزئه نيّته] إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجه

______________________________

(1) التهذيب 5: 60، نقله عن الإستبصار في الرياض 1: 362، النهاية: 211، المبسوط 1: 314، الرسائل العشر

(الجمل و العقود): 233، الإقتصاد: 305، الوسيلة: 159، المهذّب 1: 143، الجامع: 180، المعتبر 2: 810، القواعد 1: 79، التحرير 1: 97، المنتهى 2: 715، التنقيح 1: 451.

(2) كالرياض 1: 362.

(3) الرياض 1: 362.

(4) الدروس 1: 350.

(5) التهذيب 5: 476- 1678، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

(6) التهذيب 5: 175- 586، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 201

و إن لم يهلّ» [1].

و المشار إليه في قوله: «ذلك» كلّ المناسك على الظاهر، أو الحجّ بجميع أجزائه جملة كما ذكره في المدارك «1».

أو المراد من النيّة: العزم المتقدّم على الإحرام كما ذكره الشيخ «2»، و ليس المراد منه نيّة الإحرام، لأنّ نيّته من الجاهل به و الناسي له غير متعقّل.

و اختصاص الصحيحين بإحرام الحجّ غير ضائر، لأنّ الظاهر عدم الفاصل، و كذا اختصاصها بالجاهل، لأنّ الظاهر شمول معناه الحقيقي اللغوي للناسي أيضا كما صرّح به بعضهم «3»، و للتصريح بالناسي أيضا في المرسلة، و ضعفها- لو كان- بما ذكر و بصحّتها عن جميل منجبر.

خلافا للمحكيّ عن الحلّي، فأوجب القضاء «4»، لوجوه ضعيفة، أقواها: عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و هو حسن لو لا الروايتان، و أمّا معهما فلا.

و دعوى الإجمال في قوله: «إذا كان قد نوى ذلك» و به تخرج الروايتان عن الحجّية، لتخصيصها بالمجمل.

ففيها:- مع أنّ الصحيحة تكون مخصّصة بالمنفصل، و هو لا يخرج عن الحجّيّة على التحقيق- أنّه لا إجمال كما عرفت.

______________________________

[1] الكافي 4: 325- 8، التهذيب 5: 61- 192، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: أو طاف و سعى، قال:

يجزئه عنه، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) المدارك 7: 237.

(2) في المبسوط 1: 314.

(3) في كشف اللثام 1: 310.

(4) السرائر 1: 529 و 530.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 202

المسألة الحادية عشرة: المكّي إذا بعد عن مكّة

ثم حجّ على ميقات من المواقيت الخمسة الآفاقيّة أحرم منها وجوبا، بغير خلاف يعرف كما صرّح به غير واحد «1»، إذ لا يجوز لقاصد مكّة مجاوزة الميقات بغير إحرام، و قد صار هذا ميقاتا له باعتبار وروده عليه و إن كان ميقاته في الأصل غير ذلك، و تدلّ عليه النصوص الكثيرة «2» أيضا.

______________________________

(1) كصاحب المدارك 7: 205 السبزواري في الذخيرة: 555، صاحب الحدائق 14:

406.

(2) الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحجّ ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 203

المقصد الثالث في بيان أقسام الحجّ و العمرة

بحسب الكيفيّة، و كيفيّة كلّ منهما إجمالا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 205

فنقول: أمّا كيفيّة الحجّ فهي:

أن يحرم في موضعه و يتلبّس بما يلزم الإحرام و يتعلّق به، من لبس ثوبيه و التلبية أو ما يقوم مقامها، و الاجتناب عن محرّماته.

ثم يخرج بعده إلى عرفات و يقف بها في وقته.

ثم يفيض منها إلى المشعر و يمكث عنده إلى الوقت المقرّر.

ثم يأتي منى يوم العيد و يرمي الجمرة العقبة بسبع حصيات.

ثم يذبح هديه فيها إن كان معه بالسياق أو كان متمتّعا.

ثم يحلق رأسه أو يقصّر فيها.

ثم يمضي إلى مكّة فيطوف للحجّ، ثم يصلّي ركعتيه في محلّهما.

ثم يسعى بين الصفا و المروة.

ثم يعود إلى البيت فيطوف للنساء و يصلّي ركعتيه.

ثم يرجع إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق و رمي الجمرات الثلاث في كلّ يوم منها، و بها تمّ الحجّ.

و أمّا العمرة فهي:

أن يحرم و يتلبّس بما يلزمه و يتعلّق به.

ثم يأتي البيت و يطوف به، ثمّ يصلّي ركعتيه في محلّهما.

ثم يسعى بين الصفا و المروة.

ثم يقصّر أو يحلق في بعض أفراد العمرة.

و كذا يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه في بعضها كما يأتي،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 11، ص: 206

و بذلك تتمّ العمرة.

كلّ ذلك فيهما بالإجماع، بل الضرورة في أكثرها.

و تدلّ عليه متفرّقات الأخبار الواردة في أبواب الحجّ، و أخبار حجّ الأنبياء و حجّ نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله، كروايتي أبي إبراهيم «1» و عبد الرحمن بن كثير الهاشمي «2» الواردتين في حجّ أبينا آدم عليه السّلام، و صحيحتي ابني عمّار «3» و سنان «4» الواردتين في حجّ نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله و عمرته.

ثم الحجّ على ثلاثة أقسام: تمتّع، و قران، و إفراد، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا في كلام جماعة «5»، و المستفيضة من النصوص.

منها: صحيحة ابن عمّار على الأصحّ: «الحجّ ثلاثة أصناف: حجّ مفرد، و قران، و تمتع بالعمرة إلى الحجّ، و بها أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلّا بها» «6».

و رواية الصيقل: «الحجّ عندنا على ثلاثة أوجه: حاجّ متمتّع، و حاجّ مقرن سائق الهدي، و حاجّ مفرد للحجّ» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 190- 1، الوسائل 11: 226 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 20.

(2) الكافي 4: 191- 2، الوسائل 11: 227 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 21.

(3) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4.

(4) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 15.

(5) منهم العلّامة في التذكرة 1: 317، صاحب المدارك 7: 155، الفيض في المفاتيح 1: 304، صاحب الحدائق 14: 311.

(6) الكافي 4: 291- 1، التهذيب 5: 24- 72، الإستبصار 2: 153- 504، الوسائل 11: 211 أبواب أقسام الحجّ ب 1 ح 1.

(7) الكافي 4:

291- 2، الفقيه 2: 203- 926، التهذيب 5: 24- 73، الإستبصار 2: 153- 505، الوسائل 11: 211 أبواب أقسام الحجّ ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 207

أمّا حجّ التمتّع: فهو ما تقدّمت العمرة عليه و ارتبطت به، فيعتمر أولا ثم يحلّ منها، ثم يحجّ.

فصورته: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها.

ثم يمضي إلى مكّة و يطوف سبعا بالبيت، ثم يصلّي ركعتيه.

ثم يسعى بين الصفا و المروة.

ثم يقصّر. و حينئذ قد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه.

ثم ينشئ إحراما آخر للحجّ من مكّة.

ثم يأتي عرفات فيقف بها.

ثم يفيض إلى المشعر و يقف به إلى وقته.

ثم إلى منى فيحلق و يهدي و يرمي العقبة.

ثم يأتي بمكّة فيطوف و يصلّي ركعتيه.

ثم يسعى.

ثم يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه.

ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث.

و تسمّى هذه العمرة بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، و هذا الحجّ حجّ التمتّع، لأنّ معنى التمتّع: الانتفاع و التلذّذ، و هذا الحاجّ يتحلّل بين عمرته و حجّه، فيجوز له الانتفاع و التلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجّه، حتى إنّهما كالشي ء الواحد شرعا، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنّه حصل في الحجّ.

و صورة حجّ الإفراد:

أن يحرم بالحجّ من حيث يصحّ له.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 208

ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها.

ثم يأتي بمناسك حجّه كما مرّ في التمتّع.

و عليه في بعض أفراده أن يأتي بعمرة مفردة عن الحجّ بعده، و بعد الإحلال منه في أيّ وقت شاء يأتي بها من أدنى الحلّ.

و سمّي إفرادا لانفصاله عن العمرة و عدم ارتباطه بها.

و صورة القران كالإفراد، إلّا أنّه يضيف إلى إحرامه

سياق الهدي، و لذلك سمّي بالقران.

و العمرة على قسمين: المتمتّع بها كما مرّ، و المفردة، و صورتها: أن يحرم من ميقاتها، ثم يطوف، ثم يصلّي، ثم يسعى، ثم يحلق أو يقصّر، ثم يطوف طواف النساء، ثم يصلّي ركعتيه.

و يدلّ على ذلك كلّه الإجماع القطعي، بل الضرورة، و الأخبار الواردة في الموارد المتكثّرة.

فمن الأخبار المبيّنة للتمتّع: صحيحة زرارة، و فيها: قلت: و كيف يتمتّع؟ قال: «يأتي الوقت فيلبّي بالحجّ، و إذا أتى مكّة طاف و سعى و أحلّ من كلّ شي ء و هو محتبس، و ليس له أن يخرج من مكّة حتى يحجّ» «1».

و منها: الأخبار «2» الواردة في إحرام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مع الناس بالحجّ، ثم أمرهم بعد الفراغ عن السعي بجعله عمرة و الإحلال، ثم الإحرام بالحجّ و الإتيان بمناسكه، و قوله لهم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل الناس».

______________________________

(1) التهذيب 5: 31- 93، الوسائل 11: 254 أبواب أقسام الحجّ ب 5 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 209

و التصريح بأنّ ذلك حجّ التمتّع، كما في صحيحة الخزّاز: أيّ أنواع الحجّ أفضل؟ فقال: «التمتّع، و كيف يكون شي ء أفضل منه و رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل الناس؟!» «1».

و منها صحيحة ابن عمّار: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة، فعليه إذا قدم مكّة طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم و سعي بين الصفا و المروة، ثم يقصّر و قد أحلّ، هذا

للعمرة، و عليه للحجّ طوافان و سعي بين الصفا و المروة، و يصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم» «2».

و رواية أبي بصير: «المتمتّع عليه ثلاثة أطواف بالبيت، و طوافان بين الصفا و المروة، و قطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكّة، و يحرم بالحجّ يوم التروية، و يقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس» «3».

و صحيحة ابن حازم: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت، و يصلّي لكلّ طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة» «4».

و صحيحة زرارة: قلت: و ما المتعة؟ فقال: «يهلّ بالحجّ في أشهر

______________________________

(1) الكافي 4: 291- 3، الفقيه 2: 204- 935، التهذيب 5: 29- 89، الإستبصار 2: 154- 507، الوسائل 11: 250 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 16، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 295- 1، التهذيب 5: 35- 104، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 8.

(3) الكافي 4: 295- 2، التهذيب 5: 35- 105، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 11.

(4) الكافي 4: 295- 3، التهذيب 5: 36- 106، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 210

الحجّ، فإذا طاف بالبيت و صلّى الركعتين و سعى بين الصفا و المروة قصّر و أحلّ، فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ و نسك المناسك و عليه الهدي» الحديث «1».

و صحيحة أخرى لابن عمّار في القارن: «لا يكون قران إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف بعد الحجّ، و هو طواف النساء، و أمّا المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاثة أطواف

بالبيت، و سعيان بين الصفا و المروة» إلى أن قال:

«فعلى المتمتّع إذا قدم مكّة طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، ثم يقصّر و قد أحلّ، هذا للعمرة، و عليه للحج طوافان، و سعي بين الصفا و المروة، و يصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم، و أمّا المفرد للحجّ فعليه طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف الزيارة، و هو طواف النساء» «2».

و صحيحة الحلبي: «إنّما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة، و طواف بالبيت بعد الحجّ» الحديث «3».

و أخرى لابن حازم: «لا يكون القارن قارنا إلّا بسياق الهدي، و عليه طوافان بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 36- 107، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحجّ ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 5: 41- 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 1 و 2.

(3) التهذيب 5: 42- 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 6.

(4) الكافي 4: 295- 1، التهذيب 5: 42- 123، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 10، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 211

و صحيحة الفضيل: «القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت، و سعي واحد بين الصفا و المروة» «1».

و أخرى لابن عمّار: «المفرد للحجّ عليه طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف الزيارة و هو

طواف النساء، و ليس عليه هدي و لا أضحية» «2».

و رواية أبي بصير: «العمرة المبتولة: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة ثم يحلّ، فإن شاء أن يرتحل من ساعته ارتحل» «3». و المراد بالعمرة المبتولة: المفردة.

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد المختلفة.

و قد اختلف بعض روايات الباب في بعض أحكام القارن و المفرد، و كذا وقع الخلاف في بعض مواردهما كما يأتي بيانه، و تحقيق الحال فيه في بيان أحكام هذه الأقسام و عند ذكر الأفعال، و اللَّه هو الموفّق للصواب في جميع الأحوال.

______________________________

(1) التهذيب 5: 43- 125، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 3.

(2) الكافي 4: 298- 1، التهذيب 5: 44- 131، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 13.

(3) الكافي 4: 537- 5، الوسائل 13: 443 أبواب الطواف ب 82 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 213

المقصد الرابع

اشاره

في تفصيل أحكام كلّ من هذه الأقسام و شرائطه و أفعاله و فيه بابان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 215

الباب الأول في شرائط حجّ التمتّع و أحكامه و تفصيل أفعاله

اشاره

و فيه مبحثان:

المبحث الأول في شرائط حجّ التمتّع- من حيث هو تمتّع- و أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يشترط في وجوب حجّ التمتّع البعد عن مكّة،
اشاره

فإنّ حجّ التمتّع فرض من لم يكن من حاضري مكّة و كان نائيا عنها، بإجماعنا المحقّق، و المحكيّ في الإنتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و المعتبر «1»، و غيرها «2»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى قوله سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إلى قوله ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «3».

و الظاهر عود الإشارة إلى جميع ما تقدّم، و عن بعض فضلاء العربية أنّ معناه: ذلك التمتّع «4»، و استجوده، بعضهم لما نصّ عليه أهل العربية من

______________________________

(1) الإنتصار: 93، الخلاف 2: 272، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2:

659، التذكرة 1: 314، المعتبر 2: 783.

(2) كالمدارك 7: 158، و مفاتيح الشرائع 1: 305.

(3) البقرة: 196.

(4) حكاه في المعتبر 2: 785.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 216

أنّ «ذلك» للبعيد «1»، مع أنّه قد صرّح بذلك المعنى في المستفيضة من الأخبار:

كرواية الأعرج: «ليس لأهل سرف و لا لأهل مرّ و لا لأهل مكّة متعة، يقول اللَّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» [1].

و صحيحة عليّ: لأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال: «لا يصلح أن يتمتّعوا، لقول اللَّه عزّ و جل ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» «2».

و صحيحة زرارة: قول اللَّه عزّ و جلّ في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: «يعني أهل مكّة ليس لهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن يدخل في هذه الآية، و كلّ من كان وراء ذلك فعليه المتعة» «3».

و إلى الأخبار

المستفيضة الآمرة بالتمتّع مطلقا:

فمنها: صحيحة صفوان الواردة في حجّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و فيها: «إنّ هذا جبرئيل يأمرني أن آمر من لم يسق منكم هديا أن يحلّ، و لو استقبلت

______________________________

[1] الكافي 4: 299- 1، التهذيب 5: 492- 1765، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 6. و سرف: و هو موضع على ستّة أميال من مكة، و قيل: سبعة و تسعة و اثني عشر- معجم البلدان 3: 212. و مرّ:- و يقال مرّ ظهران- موضع على مرحلة من مكة- معجم البلدان 5: 104.

______________________________

(1) المدارك 7: 159.

(2) التهذيب 5: 32- 97، الإستبصار 2: 157- 515، قرب الإسناد: 244- 967، الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 2.

(3) التهذيب 5: 33- 98، الإستبصار 2: 157- 516، الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 217

من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، و لكنّي سقت الهدي و لا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه» إلى أن قيل له: «فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثم شبك أصابعه و قال: دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة» الحديث «1».

و بمضمونها صحيحة الحلبي، و فيها: «و أحرم الناس كلّهم بالحجّ لا ينوون عمرة و لا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مكّة طاف بالبيت و طاف الناس» إلى أن قال: «فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلّوا و يجعلوها عمرة، و هو

شي ء أمر اللَّه عزّ و جلّ به، فأحلّ الناس» إلى أن قيل له: «أ رأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لكلّ عام؟

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: لا، بل للأبد» «2».

و منها: صحيحة الحلبي: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، لأنّ اللَّه تعالى يقول فَمَنْ تَمَتَّعَ» الآية «فليس لأحد إلّا أن يتمتّع، لأنّ اللَّه أنزل ذلك في كتابه و جرت به السنّة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «3».

و أخرى: عن الحجّ، فقال: «تمتّع» الحديث «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 248- 6، العلل: 412- 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

(3) التهذيب 5: 25- 75، الإستبصار 2: 150- 493، الوسائل 11: 240 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 5: 26- 76، الإستبصار 2: 150- 494، الوسائل 11: 240 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 218

و منها: صحيحة ابن عمّار: «من حجّ فليتمتّع، إنّا لا نعدل بكتاب اللَّه و سنّة نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله» «1».

و أخرى: «لا نعلم للّه حجّا غير المتعة، إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا: ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك» «2».

و منها: رواية محمّد بن الفضل الهاشمي: إنّا نريد الحجّ و بعضنا صرورة، فقال: «عليكم بالتمتّع، فإنّا لا نتّقي في التمتّع بالعمرة إلى الحجّ سلطانا، و اجتناب المسكر، و المسح على الخفّين» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار المتجاوزة حدّ الإحصاء.

وجه الدلالة: أنّها دلّت على وجوب التمتّع مطلقا، خرج منه غير النائي بالإجماع

و ما مرّ من الأخبار و ما يأتي، فبقي النائي، مع أنّ مورد أكثر تلك الأخبار و المخاطب بها الناءون عن مكّة.

فرع:

حدّ البعد الموجب للتمتّع ثمانية و أربعون ميلا من كلّ جانب، وفاقا للمحكيّ عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره و الصدوقين و الشيخ في التهذيب و النهاية و النافع و المعتبر و المختلف و التذكرة و المنتهى و التحرير و المسالك و الدروس و اللمعة و الروضة و المدارك و الذخيرة «4»، و غيرهم من

______________________________

(1) الكافي 4: 291- 6، التهذيب 5: 27- 82، الإستبصار 2: 152- 500، الوسائل 11: 243 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 14.

(2) الكافي 4: 291- 4، التهذيب 5: 27- 81، الإستبصار 2: 152- 499، الوسائل 11: 243 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 13.

(3) الكافي 4: 293- 14، الفقيه 2: 205- 936، التهذيب 5: 26- 77، الإستبصار 2: 151- 495، الوسائل 11: 241 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 5، بتفاوت.

(4) تفسير القمي 1: 69، الصدوق في الفقيه 2: 203، و حكاه عن والده في المختلف: 260، التهذيب 5: 32، النهاية: 206، النافع: 78، المعتبر 2:

784، المختلف: 260، التذكرة 1: 318، المنتهى 2: 661، التحرير 1: 93، المسالك 1: 101، الدروس 1: 330، اللمعة و الروضة 2: 204، المدارك 7:

160، الذخيرة: 550.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 219

المتأخّرين «1»، بل عند أكثر الأصحاب كما في الأخيرين، و في شرح المفاتيح: أنّه المشهور، و في المعتبر: أنّ القول الآخر شاذّ نادر «2».

للمعتبرة من الأخبار، كصحيحة زرارة المتقدّمة «3»، و روايته، و فيها:

«ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة و لا عمرة» قال: قلت: فما حدّ ذلك؟ قال:

«ثمانية و أربعون

ميلا من جميع نواحي مكّة دون عسفان و ذات عرق» «4».

و تدلّ عليه أيضا رواية الأعرج السابقة «5»، و مثلها صحيحة الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير «6»، و رواية أبي بصير: قلت: لأهل مكّة متعة؟ قال: «لا، و لا لأهل البستان، و لا لأهل ذات عرق، و لا لأهل عسفان» «7».

وجه الدلالة: أنّها تدلّ على انتفاء المتعة عن أهالي تلك المنازل التي بينها و بين مكّة أزيد من اثني عشر ميلا، فيبطل بها ذلك القول، فيتعيّن به

______________________________

(1) كابن فهد في المهذب 2: 145.

(2) المعتبر 2: 785.

(3) التهذيب 5: 33- 98، الإستبصار 2: 157- 516، الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 3.

(4) التهذيب 5: 492- 1766، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 7.

(5) الكافي 4: 299- 1، التهذيب 5: 492- 1765، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 6.

(6) التهذيب 5: 32- 96، الإستبصار 2: 157- 514، الوسائل 11: 258 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 1.

(7) الكافي 4: 299- 2، الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 220

القول المختار، للإجماع المركّب.

بل تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: في حاضري المسجد الحرام، قال: «ما دون المواقيت إلى مكّة فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة» «1».

و كذا صحيحة حمّاد بن عثمان: في حاضري المسجد الحرام، قال:

«ما دون الأوقات إلى مكّة» «2» بالتقريب المذكور.

و لا يضرّ كون بعض المواقيت على مسافة أكثر من ثمانية و أربعين، لأنّ التعارض يكون حينئذ مع أخبار ثمانية و أربعين بالعموم و الخصوص المطلقين، اللّازم تقديم الدالّ على الخاص، كما هو القاعدة

المجمع عليها.

خلافا للسرائر و الشرائع و الإرشاد و المحكيّ عن الإقتصاد و المبسوط و التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن و روض الجنان و الجمل و العقود و الغنية و الكافي و الوسيلة و الجامع و الإصباح و الإشارة و القواعد «3»، فاثني عشر ميلا.

و لعلّه لظهور الآية في أنّ غير حاضري المسجد فرضه التمتّع، بل قد أشرنا إلى تواتر الأخبار بفرضيّة التمتّع مطلقا، خرج ما دون اثني عشر ميلا

______________________________

(1) التهذيب 5: 33- 99، الإستبصار 2: 158- 517، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 4.

(2) التهذيب 5: 476- 1683، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 5.

(3) السرائر 1: 519، الشرائع 1: 237، الإرشاد 1: 309، الإقتصاد: 298، المبسوط 1: 306، التبيان 2: 161، مجمع البيان 1: 291. فقه القرآن 1:

266، و نسبه إلى روض الجنان في كشف اللثام 1: 277، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 224، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، الكافي في الفقه:

191، الوسيلة: 157، الجامع: 177، إصباح الشيعة للكيدري البيهقي: 149، الإشارة: 124، القواعد 1: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 221

بالإجماع، فيبقى الباقي، و هذا حسن على طريقة الحلّي و من يحذو حذوه في عدم العمل بأخبار الآحاد، حيث إنّ الدالّ على الزائد على اثني عشر ليس غير الآحاد، سيّما مع زعم احتمال إرادة توزيع الثمانية و الأربعين ميلا الواردة في رواياتها على أربع جوانب.

و أمّا من يقول بحجّية تلك الأخبار- كما هو الثابت من الأئمّة الأطهار- فلا وجه لذلك أصلا، و احتمال إرادة التوزيع فاسد جدّا، سيّما مع التنصيص بما دون عسفان و ذات عرق.

و قد يستدلّ لهم أيضا بنصّ الآية على أنّ التمتّع

فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام، و مقابل الحاضر المسافر، و حدّه أربعة فراسخ.

و ضعفه ظاهر، لمنع كون ذلك حدّ المسافر، و منع كون المسافر مقابل الحاضر، و إنّما هو اصطلاح طارئ بعد نزول الآية، هذا، مع وجود النصوص الكثيرة الصريحة في خلاف ذلك.

و أمّا صحيحة حريز «1»- المصرّحة بأنّ من كان منزله من كلّ من الأربع جوانب ثمانية عشر ميلا فلا متعة له- فلا تنافي ما ذكرنا بمنطوقها أصلا، إذ منطوقها عدم المتعة على من كان منزله ثمانية عشر.

نعم، ينافيه عموم مفهومها اللّازم تخصيصه بما مرّ، لكونه أخصّ مطلقا من المفهوم.

المسألة الثانية:
اشاره

و إذا عرفت أنّ فرض من كان على الحدّ المذكور حجّ التمتّع تعلم أنّه ليس له العدول إلى غيره اختيارا، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الذخيرة «2»، و عن المعتبر و جملة من كتب الفاضل

______________________________

(1) الكافي 4: 300- 3، الوسائل 11: 261 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 10.

(2) الذخيرة: 550

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 222

إجماعنا «1».

و يدلّ عليه أنّ فرضه التمتّع- فلو عدل إلى غيره لم يكن آتيا بالمأمور به، فلا يجزئه- و تصريح بعض الأخبار المتقدّمة بأنّه ليس لأحد إلّا أن يتمتّع.

و أمّا في حال الضرورة، فيجوز له العدول بلا خلاف، و من الضرورة:

ضيق الوقت عن إدراك أفعال الحجّ لو أتمّ العمرة، فمن أحرم للعمرة المتمتّعة و ضاق وقته عن الإتيان بمناسكها و الإحرام بالحجّ و الإتيان بمناسكه عدل عن نيّة التمتّع إلى الإفراد و إن كان ممّن وجب عليه التمتّع، ثم مضى كما هو إلى الموقف و أتمّ الحجّ بأفعاله، و عليه عمرة مفردة بعد الحجّ، بلا خلاف يعرف فيه كما صرّح به جماعة «2»،

بل صرّح بالاتّفاق عليه أيضا «3».

و يدلّ عليه القدر المشترك من الأخبار الآتية، إلّا أنّه قد اختلفوا في حدّ ذلك الضيق إلى أقوال:

الأول:

أنّه إذا زالت الشمس من يوم التروية و لم يكن أحلّ من عمرته فقد فاتته المتعة و تكون حجّته مفردة، حكي عن والد الصدوق و نقله في السرائر عن المفيد أيضا «4».

و تدلّ عليه صحيحة ابن بزيع: عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال: «كان جعفر عليه السّلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى عليه السّلام يقول: صلاة الصبح من يوم

______________________________

(1) المعتبر 2: 783، الفاضل في القواعد 1: 73، المنتهى 2: 659.

(2) السبزواري في الذخيرة: 551، الفيض في المفاتيح 1: 308، صاحب الحدائق 14: 327.

(3) كما في المعتبر 2: 789.

(4) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 294، السرائر 1: 582.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 223

التروية» فقلت: جعلت فداك، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحجّ، فقال: «زوال الشمس» فذكرت له رواية عجلان أبي صالح، فقال: «لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة»، فقلت:

فهي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحجّ؟ فقال: «لا، هي على إحرامها»، فقلت: فعليها هدي؟ فقال: «لا، إلّا أن تحبّ أن تتطوّع»، ثم قال: «أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة» «1».

أقول: رواية عجلان هذه: متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: «تسعى بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها، فإن طهرت طافت بالبيت، و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحجّ و خرجت إلى منى فقضت المناسك كلّها، فإذا فعلت ذلك

فقد حلّ لها كلّ شي ء ما عدا فراش زوجها» الحديث «2».

و المراد من قوله في الصحيحة: فقال: «لا»- بعد ذكر الراوي رواية عجلان- يعني: ليس مطلق يوم التروية و إنّما هو زوال شمسه.

و رواية عجلان المذكورة، و صحيحة البجلي و العلاء و ابن رئاب و ابن صالح: «المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت و سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا

______________________________

(1) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 14.

(2) الكافي 4: 445- 3، التهذيب 5: 392- 1369، الإستبصار 2: 312- 1110، الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 224

للحجّ، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها» «1».

و لا يضرّ عدم توثيق العلاء و ابن صالح مع وثاقة البجلي و ابن رئاب، فعدّ الخبر غير صحيح- كما في الذخيرة «2»- غير صحيح.

و صحيحة جميل: عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة، ثم تقيم حتى تطهر و تخرج إلى التنعيم، فتحرم فتجعلها عمرة» «3».

الثاني:

أنّه إذا غابت الشمس من يوم التروية و لم يحلّ من عمرته فاتته المتعة، نقل عن الصدوق في المقنع و المفيد في المقنعة «4».

و تشهد له

صحيحة العيص: عن المتمتّع يقدم مكّة يوم التروية صلاة العصر، تفوته المتعة؟ قال: «لا، له ما بينه و بين غروب الشمس» قال:

«و قد صنع ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «5».

و صحيحة عليّ بن يقطين: عن الرجل و المرأة يتمتّعان بالعمرة إلى الحجّ ثم يدخلان مكّة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: «يجعلانها حجّة مفردة، و حدّ المتعة إلى يوم التروية» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 445- 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1 و فيه:

طوافا، بدل: أسبوعا.

(2) الذخيرة: 553.

(3) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363، الوسائل 11: 296 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2.

(4) المقنع: 85، المقنعة: 431.

(5) التهذيب 5: 172- 574، الإستبصار 2: 248- 869، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 10.

(6) التهذيب 5: 173- 582، الإستبصار 2: 249- 877، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 225

و رواية إسحاق بن عبد اللَّه: عن المتمتّع يدخل مكّة يوم التروية، فقال: «للمتمتّع ما بينه و بين الليل» «1».

و قريبة منها رواية عمر بن يزيد «2»، و رواية أخرى منه: «إذا قدمت مكّة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة، امض كما أنت بحجّك» «3».

و أخرى من إسحاق: «المتمتّع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة، يجعلها حجّة مفردة، إنّما المتعة إلى يوم التروية» «4»، و قريبة منها رواية موسى بن عبد اللَّه «5».

و تدلّ عليه أيضا رواية زكريّا بن عمران: عن المتمتّع إذا دخل يوم عرفة، قال: «لا متعة له، يجعلها حجّة مفردة» «6»، حيث إنّه لا قائل بما بين غروب التروية و زوال عرفة.

______________________________

(1)

التهذيب 5: 172- 575، الإستبصار 2: 248- 870، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 11.

(2) التهذيب 5: 172- 576، الإستبصار 2: 248- 871، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 12.

(3) التهذيب 5: 173- 583، الإستبصار 2: 249- 878، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 12.

(4) التهذيب 5: 173- 580، الإستبصار 2: 249- 875، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 9.

(5) التهذيب 5: 173- 581، الإستبصار 2: 249- 876، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 10.

(6) التهذيب 5: 173- 579، الإستبصار 2: 249- 874، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 8، و فيها: عمرة مفردة، بدل: حجّة مفردة، و في التهذيب و الوسائل: عن زكريا بن آدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 226

الثالث:

أنّه إذا زالت الشمس من يوم عرفة و لم يتحلّل من المتعة فقد فاتت العمرة، اختاره الشيخ في المبسوط و النهاية و حكي عن الإسكافي و القاضي في المهذّب و ابن حمزة في الوسيلة و اختاره في المدارك و الذخيرة و الكفاية «1».

و تدلّ عليه صحيحة جميل: «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» «2».

و مرفوعة سهل: في متمتّع دخل يوم عرفة، قال: «متعته تامّة إلى أن تقطع التلبية» «3» يعني: يقطع الناس تلبيتهم، و هو زوال الشمس من يوم عرفة.

الرابع:

أنّه إذا خاف فوت اختياريّ عرفة من غير تحديد له بزمان حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول و لو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة، حكي عن الغنية و المختلف و الدروس «4»، و اختاره أيضا بعض شيوخنا المعاصرين «5».

بل هو ظاهر التهذيب و الإستبصار «6»، حيث علّل التحديد بزوال

______________________________

(1) المبسوط 1: 364، النهاية: 247، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 294، المهذّب 1: 243، الوسيلة: 176، المدارك 7: 176، الذخيرة: 553، الكفاية:

55.

(2) التهذيب 5: 171- 569، الإستبصار 2: 247- 864، الوسائل 11: 295 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 15.

(3) الكافي 4: 444- 5، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 7.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المختلف: 394، انظر الدروس 1: 335 و 336.

(5) كما في الرياض 1: 351.

(6) التهذيب 5: 170، الإستبصار 2: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 227

شمس يوم عرفة بأنّه لو لم يتحلّل قبله لم يغلب على ظنّه أنّه يدرك الناس في عرفات، حيث ظهر منه أنّ الأصل فيه إدراك الناس بعرفات، و

أنّ التحديد بالزوال أيضا لأجله.

و احتجّ «1» له بالأصل، و صدق الامتثال، لرواية الميثمي: «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية [1] ما لم يخف فوات الموقفين» «2».

و صحيحة الحلبي: عن رجل أهلّ بالحجّ و العمرة جميعا ثم قدم مكّة و الناس بعرفات فخشي هو إن طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف، فقال: «يدع العمرة، فإذا تمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» «3».

و صحيحة زرارة: عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه و بين مكّة ثلاثة أميال و هو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال: «يقطع التلبية تلبية المتعة، و يهلّ بالحجّ بالتلبية إذا صلّى الفجر، و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك، و يقيم بمكّة حتى يعتمر عمرة الحجّ و لا شي ء عليه» «4».

و رواية محمد بن سرو [2]، و فيها- بعد السؤال عمّن لم يواف ليلة

______________________________

[1] في المصادر زيادة: متى ما تيسّر له.

[1] قال في المنتقى 3: 340: الذي تحققته من عدّة قرائن أنّ راوي هذا الحديث محمّد بن جزك.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 351.

(2) الكافي 4: 444- 4، التهذيب- 5: 171- 568، الإستبصار 2: 247- 863، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 5.

(3) التهذيب 5: 174- 584، الإستبصار 2: 250- 879، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 6.

(4) التهذيب 5: 174- 585، الإستبصار 2: 250- 880، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 7، و فيها: عمرة المحرم، بدل: عمرة الحجّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 228

التروية-: «ساعة يدخل مكّة إن شاء اللَّه، يطوف و يصلّي ركعتين، و يسعى و

يقصّر، و يخرج بحجّته و يمضي إلى الموقف، و يفيض مع الإمام» «1».

و الأخبار المعتبرة المتضمّنة لإدراك المتعة ما أدرك الناس بمنى، كمرسلة ابن بكير «2»، و صحيحتي الحلبي «3» و مرازم «4»، و غيرها «5»، بناء على أنّ ظاهرها إدراكهم بمنى قبل مضي عرفات.

و ما دل على إدراكها بإدراك الناس مطلقا، كرواية أبي بصير: المرأة تجي ء متمتّعة فطمثت قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: «إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق بالناس فلتفعل» «6».

و الخامس:

أنّه إذا خاف فوت اضطراري عرفة، و هو مذهب الحلّي في السرائر «7»، و حكي عن محتمل الحلبي «8».

و لعلّه لصدق إدراك الموقفين معه، و للأخبار المستفيضة من الصحاح

______________________________

(1) التهذيب 5: 171- 570، و في الإستبصار 2: 247- 865، و الوسائل 11: 295 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 16: و يحرم بحجّته .. و في الوسائل: محمد بن مسرور، بدل: محمد بن سرو.

(2) الكافي 4: 443- 3، التهذيب 5: 170- 566، الإستبصار 2: 246- 861، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 6.

(3) التهذيب 5: 170- 565، الإستبصار 2: 246- 860، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 8.

(4) التهذيب 5: 171- 567، الإستبصار 2: 246- 862، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 14.

(5) الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.

(6) الكافي 4: 447- 8، الفقيه 2: 242- 1158، التهذيب 5: 475- 1675، الإستبصار 2: 311- 1108، الوسائل 11: 292 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 3.

(7) السرائر 1: 582.

(8) الكافي في الفقه: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 229

و

غيرها المتضمّنة ل: أنّ من يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات و يدركها ليلة النحر فقد تمّ حجّه.

كصحيحة ابن عمّار: رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: «إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها، و ليقم بجمع فقد تمّ حجّه» «1»، و غيرها من الصحاح المتكثّرة «2».

أقول: لا شكّ في أنّ الأصل بقاء الاشتغال بالتمتّع إلى أن يعلم عدمه المتحقّق هنا بعدم إمكان دركه الحاصل بالإتيان بجميع واجبات عمرته و حجّه، و لازمه أصالة وجوبه ما لم يعلم عدم إمكان درك الوقوف الواجب بعرفات، إذ مع دركه يدرك جميع أفعال العمرة و الحجّ الواجبة.

و لا شكّ أيضا أنّ- بعد درك جميع أفعالهما الواجبة- الأصل: براءة الذمّة، لصدق الامتثال، و للإتيان بالمأمور به المستلزم للإجزاء.

و لا شكّ أيضا أنّ الأصل: بقاء الاشتغال و عدم البراءة لو لم يؤت بجميع أفعالهما الواجبة، ركنا كان ما لم يؤت به أو غير ركن، لأنّ عدم الركنية لا يخرجه عن الوجوب و إن لم يكن تركه مبطلا في بعض الصور أو مطلقا بعوض أو بدونه بدليل.

ثم لازم ذلك وجوب الإتيان بالتمتّع بعد ذلك في عام آخر، إلّا أن يدلّ دليل على قيام غيره من إفراد أو غيره مقامه.

و المتحصّل من جميع ذلك أصلان:

______________________________

(1) الكافي 4: 476- 2، و في الفقيه 2: 284- 1394، و الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) كما في الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 230

أحدهما: براءة الذمّة مع الإتيان بجميع أفعالهما الواجبة، إلّا

بدليل يعارضه في مورد «1».

و ثانيهما: عدم البراءة مع عدم درك بعض واجباته، إلّا بالإتيان بفعل آخر يقوم مقامه بدليل شرعي.

و لازم الأول: صحّة التمتّع ما دام يدرك الوقوف الواجب بعرفات، كما هو القول الرابع.

و لازم الثاني: عدم إدراك التمتّع بعدم إدراكه كذلك، إلّا أن يخرج عن أحد الأصلين بدليل.

و القولان الأولان مخالفان للأصل الأول، و الخامس للثاني، و الثالث كالأولين إن لم نقل بوجوب الوقوف من أول الزوال، و كالرابع إن قلنا به، فاللازم حينئذ هو ملاحظة تمامية أدلّة تلك الأقوال و عدمها، فنقول:

أمّا دليل القول الأول فكان حسنا لو لا معارضته مع الأكثر منه عددا، و أوضح دلالة، و الأشهر فتوى، و لكنّه معارض مع جميع أدلّة الأقوال المتأخّرة عنه المتقدّمة ذكرها، مضافا إلى غيرها من المستفيضة:

كرواية محمّد بن ميمون: قدم أبو الحسن عليه السّلام متمتّعا ليلة عرفة، فطاف، و أحلّ، و أتى بعض جواريه، ثم أهلّ بالحجّ و خرج «2».

و صحيحة محمّد: إلى متى يكون للحاجّ عمرة؟ قال: «إلى السحر من ليلة عرفة» «3».

______________________________

(1) في «ح»: مورده.

(2) الكافي 4: 443- 2، الفقيه 2: 242- 1157، التهذيب 5: 172- 572، الإستبصار 2: 247- 867، الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 2.

(3) التهذيب 5: 172- 573، الإستبصار 2: 248- 868، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 231

و مرسلة التهذيب: «أهلّ بالمتعة بالحجّ- يريد يوم التروية- إلى زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء ما بين ذلك كلّه واسع» «1»، فلو لا ترجيح الأخيرة بما ذكر يجب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.

هذا، مع ما في ذلك القول من الشذوذ

المسقط لأدلّته عن الحجّية، و مع ذلك أخباره مختصّة بالحائض، و التعدّي إلى غيرها كما- هو المطلوب- يحتاج إلى الدليل، و الإجماع المركّب غير ثابت، كيف؟! و صرّح صاحب الذخيرة بالفصل «2».

و محتملة لإرادة حجّ التطوع و إرادة الأفضل فيه، كما يشعر به قوله عليه السّلام في صحيحة ابن بزيع: «أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة» إلى آخره «3».

و إذن فسقوط ذلك القول جدّا واضح.

و كذا القول الثاني، لنحو ما مرّ من الشذوذ و المعارضات الموجبة للرجوع إلى الأصل.

و كذا القول الخامس، لمخالفته للأصل الثاني، مع قصور أدلّته عن النهوض لإثبات المطلوب.

أمّا الأول: فلظهور إدراك الموقف في الاختياري منه جدّا و تبادره منه، سيّما مع تصريح طائفة من أخبار درك الموقف بدرك الناس فيه «4»، و هو إنّما يكون في الاختياري، و مع ذلك تعارضه أخبار إدراك الناس بمنى «5»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 172- 578، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 13.

(2) الذخيرة: 552.

(3) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.

(4) انظر الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

(5) كما في الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 232

اللّازم حمله على إدراكهم قبل عرفات بالإجماع.

و أمّا الثاني: فلأنّ غاية ما تدلّ عليه تلك الأخبار: أنّ من أدرك الاضطراري فقد تمّ حجّه، و لا كلام فيه، بل هو كذلك، و إنّما الكلام في تمامية التمتّع المركّب من العمرة المتقدّمة و الحجّ، و أين هو من ذلك؟! فلم يبق إلّا القول الثالث و الرابع.

فإن قلنا: إنّ الموقف هو جميع ما بين الزوال إلى الغروب، فيتّحد

القولان و لا يكون اختلاف بينهما، و يتميّز القول الحقّ.

و إن قلنا: بأنّه المسمّى، فيتعارض أدلّة القولين، و ظاهر أنّ ما يعارض دليل القول الثالث من أدلّة الرابع منحصر برواية الميثمي «1»، و أمّا البواقي فبين غير مناف له و بين معاضد له، كأخبار إدراك الناس بمنى.

و لا شك أنّ رواية الميثمي- مع مرجوحية سندها بالنسبة إلى دليل الثالث، و عدم ظهور عامل بها أو غير نادر من القدماء- أعمّ مطلقا من أخبار القول الثالث، فتعيّن تخصيصها بها، مع أنّ المصرّح به في رواية الميثمي أنّه ما لم يخف فوات الموقفين.

و لا شك إن لم يتحلّل من العمرة قبل الزوال يخاف الفوت البتّة، كما صرّح به الشيخ في التهذيبين «2».

فإذن القول الحقّ هو: القول الثالث و عليه الفتوى.

المسألة الثالثة: إذا حاضت المرأة المتمتّعة أو نفست قبل الطواف،
اشاره

و منعها العذر من الطواف و بقية أفعال عمرتها لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر، ففيه أقوال:

______________________________

(1) المتقدّمة في ص. 227.

(2) التهذيب 5: 170، الإستبصار 2: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 233

الأول: أنّها تعدل إلى الإفراد،

و هو الأشهر كما في المدارك و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح «1» و شرحه، بل في الأخيرين كاد أن يكون إجماعا، و هو ظاهر المدارك أيضا، بل عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه «2».

لصحيحتي ابن بزيع «3» و جميل «4» المتقدّمتين، و موثقة إسحاق بن عمّار: عن المرأة تجي ء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، قال: «تصير حجّة مفردة»، قلت: عليها شي ء؟ قال: «دم تهريقه، و هي أضحيتها» «5».

و مرسلة إسحاق بيّاع اللؤلؤ الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منه: «المرأة المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامّة» «6»، دلّت بالمفهوم على أنّه قبل أربعة أشواط لا تكون متعتها تامّة.

و مرسلة إبراهيم بن إسحاق، و هي كمرسلة إسحاق، و زاد: «و إن هي

______________________________

(1) المدارك 7: 178، الذخيرة: 553، الكفاية: 55، المفاتيح 1: 308.

(2) الخلاف 2: 261، 262، المعتبر 2: 789، المنتهى 2: 663، التذكرة 1:

320.

(3) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 14.

(4) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363، الوسائل 11: 296 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 2.

(5) الفقيه 2: 240- 1147، التهذيب 5: 390- 1365، الإستبصار 2:

310- 1106، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 13.

(6) الكافي 4: 449- 4، و في التهذيب 5: 393- 1370، و الإستبصار 2:

313- 1111،

و الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2: ثم حاضت، بدل: ثم رأت الدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 234

لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر» «1».

و الثاني: ما حكي عن عليّ بن بابويه و الحلبي و ابن زهرة و الإسكافي «2»، و هو أنّها لا تعدل،

بل مع الضيق تؤخّر طواف العمرة فتسعى، ثم تحرم بالحجّ، ثم تقضي مناسكها للحجّ و تقضي طواف العمرة مع طواف الحجّ، و عن الغنية الإجماع عليه «3».

للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة البجلي و العلاء و ابن رئاب «4» و رواية عجلان «5» المتقدّمتين.

و رواية أخرى لعجلان: «إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة و طواف الحجّ و طواف النساء، ثم أحلّت من كلّ شي ء» «6».

و ثالثة: متمتّعة دخلت مكّة فحاضت، فقال: «تسعى بين الصفا و المروة، ثم تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد» «7».

و مرسلة يونس: عن امرأة متمتّعة طمثت قبل أن تطوف فخرجت مع

______________________________

(1) الفقيه 2: 241- 1155، الوسائل 13: 455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.

(2) حكاه عن علي بن بابويه في الدروس 1: 406، الحلبي في الكافي في الفقه: 218، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578، حكاه عن الإسكافي في الدروس 1: 406.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) الكافي 4: 445- 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1.

(5) الكافي 4: 446- 2، التهذيب 5: 391- 1368، الإستبصار 2: 312- 1109، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 2.

(6) الكافي 4: 447- 6، التهذيب 5: 394- 1374، الإستبصار 2: 314- 1115، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 3.

(7) الفقيه

2: 239- 1143، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 235

الناس إلى منى، فقال: «أ و ليس هي على عمرتها و حجّتها؟! فلتطف طوافا للعمرة و طوافا للحجّ» «1».

و صحيحة الحلبي: «ليس على النساء حلق و عليهنّ التقصير، ثم يهللن بالحجّ يوم التروية، و كانت عمرة و حجّة، فإن اعتللن كنّ على حجّتهنّ و لم يضررن بحجّتهن» «2».

و صحيحة الكاهلي: عن النساء على إحرامهن؟ فقال: «يصلحن ما أردن أن يصلحن» إلى أن قال: «فإذا قضين طوافهنّ و سعيهنّ قصّرن و جازت متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحجّ، فكانت عمرة و حجّة، و إن اعتللن كنّ على حجّهنّ و لم يفردن حجّهن» «3».

و الثالث: التخيير بين الأمرين،

حكي عن الإسكافي «4»، و احتمله بعض متأخّري المتأخّرين «5»، للجمع بين الأخبار.

و الرابع: ما استحسنه في الوافي و المفاتيح

«6»، و هو: أنّها إن أحرمت بالمتعة قبل الحيض تمتّعت، كما في القول الثاني، و إن حاضت قبل الإحرام أفردت، كما في القول الأول، و به جمع بين أخبار الطرفين.

و استدلّ له برواية أبي بصير في المرأة المتمتّعة «إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها، و إن هي أحرمت و هي حائض لم تسع

______________________________

(1) الكافي 4: 447- 7، الوسائل 13: 451 أبواب الطواف ب 84 ح 8.

(2) التهذيب 5: 390- 1364، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 3.

(3) الفقيه 2: 241- 1152، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 12.

(4) حكاه عنه في المختلف: 316.

(5) كصاحب المدارك 7: 180، السبزواري في الذخيرة: 553.

(6) الوافي 13: 986، المفاتيح 1: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 236

و لم تطف حتى تطهر» [1].

أقول: لا يخفى أنّ أدلّة القول الثاني برمّتها خالية عن التصريح في الوجوب، لأنّها بين جملة خبرية أو محتملة لها، و أمّا قوله في مرسلة يونس: «فلتطف» فإنّما هو بعد كونها على عمرتها، و لكن لا دلالة فيها على وجوب الكون على العمرة.

فإذن فالقول الثاني- المتضمّن لتعيّن الكون على العمرة- خال عن الدليل بالمرّة، ساقط عن درجة العبرة، مع أنّه على فرض الدلالة كلّها أعمّ مطلقا من مرسلة إسحاق و إبراهيم «1»، إمّا لعمومها بالنسبة إلى ما قبل الطواف و ما بعده أو بالنسبة إلى ما قبل أربعة أشواط الطواف و ما قبلها، فيجب تخصيصها بهما و القول بأنّه إن كان

ما قبل أربعة أشواط يجعلها حجّة، و إن كان ما بعدها يتمّها عمرة، كما هو الأصحّ الأشهر، كما يأتي.

و منه يظهر سقوط الثالث أيضا.

و أمّا الرابع: فمع عدم قائل به من المتقدّمين و المتأخّرين الموجب لشذوذه الباعث على طرح ما يدلّ عليه، لا تصلح روايته للجمع الذي ذكره، لصريح المرسلتين المتضمّنتين للعدول إلى الإفراد في كون الحيض بعد الإحرام. بل و كذا صحيحة ابن بزيع، لعطف الحيض بالفاء الدالّة على الترتيب و كون الحيض بعد دخول مكّة، و هو لا يكون إلّا بعد الإحرام. بل و كذا صحيحة البجلي و ابن رئاب المتقدّمة.

هذا، مع عموم تلك الرواية في حكمها بعدم العدول بالنسبة إلى ما

______________________________

[1] الكافي 4: 447- 5، و في التهذيب 5: 394- 1375، و الإستبصار 2: 315- 1116، و الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5: و قد تمّت متعتها، بدل: و قد قضت متعتها.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 237

قبل أربعة أشواط و ما بعدها، و لذا حملها الشيخ على ما بعدها، بل استشهد بها عليه فقال- بعد حمل الأخبار السابقة على ذلك-: و يدلّ عليه ما رواه- ثم ساق الرواية- و قال بعدها: فبيّن عليه السّلام في هذا الخبر صحّة ما ذكرنا، لأنّه قال: «إن هي أحرمت و هي طاهر» جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من الطواف أو بعد مضيّها في النصف منه، فحينئذ جاز لها تقديم السعي و قضاء ما بقي عليها من الطواف، فإذا أحرمت و هي حائض لم يكن لها سبيل إلى شي ء من الطواف، فامتنع لأجل ذلك السعي «1». انتهى.

و منه يظهر أنّ الحقّ هو القول الأول.

و حكي في المسألة

قول خامس، و هو: أنّها تستنيب من يطوف عنها، و لا نعرف قائله و لا مستنده، فهو ضعيف غايته.

المسألة الرابعة: المناط للحائض و النفساء

أيضا ما مرّ في حقّ من ضاق وقته من عدم إدراكه زوال الشمس من يوم عرفة، كما سبق دليله.

و قد اختار صاحب الذخيرة فيهما زوال الشمس من يوم التروية «2»، بعد اختياره في من ضاق وقته ما اخترناه.

و الظاهر أنّه خرق الإجماع المركّب، و نسبة هذا القول فيهما إلى عليّ بن بابويه و المفيد لا تفيد، لأنّهما قالا بذلك فيه أيضا.

هذا، مع أنّ ما استدلّ به لذلك التفصيل- من أنّه مقتضى صحيحتي ابن بزيع «3» و جميل «4»- عليل، لأنّهما لا تدلّان على أزيد من كونهما

______________________________

(1) التهذيب 5: 394- 395.

(2) الذخيرة: 551.

(3) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أقسام الحجّ ب 21 ح 14.

(4) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363، الوسائل 11: 296 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 238

حائضين يوم التروية، و أنّهما إذا كانتا كذلك تعدلان، و الحيض يوم التروية لا يستلزم دركهما الطواف طاهرتين قبل زوال يوم عرفة.

بل صحيحة جميل صريحة في بقاء حيضها إلى ما بعد عرفات أيضا، حيث قال: «ثم تقيم حتى تطهر».

بل ظاهر صحيحة ابن بزيع أيضا ذلك، حيث إنّها صرّحت بأنّ تحيّضها بعد دخول مكّة، و بأنّ عامّة الموالي يدخلون يوم التروية، فالظاهر أنّ تحيّضها لم يتقدّم على التروية، فلا تتطهّر لزوال الشمس من يوم عرفة.

هذا، مع أنّ تعارضها مع بعض ما مرّ و كون الأصل مع زوال يوم عرفة أيضا يكفي في الحكم به.

المسألة الخامسة: لو حصل عذرهما في أثناء الطواف،

ففي صحّة متعتهما مطلقا، أو العدم كذلك، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط، و الثاني إذا لم يكن، أقوال.

أصحّها: ثالثها، وفاقا للصدوقين و الشيخين و القاضي و ابن

حمزة و الفاضلين «1»، و غيرهم «2»، بل هو الأشهر كما صرّح به في المدارك و الذخيرة «3» و غيرهما «4»، لمرسلتي إسحاق و إبراهيم المتقدمتين «5»، و قريبة

______________________________

(1) الصدوق في المقنع 1: 84، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 316، المفيد في المقنعة: 440، الطوسي في النهاية: 275، القاضي في المهذب 1:

231، ابن حمزة في الوسيلة: 173، المحقق في الشرائع 1: 268، العلّامة في التحرير 1: 99.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 405.

(3) المدارك 7: 181، الذخيرة: 643.

(4) كالحدائق 14: 347، رياض المسائل 1: 411.

(5) في ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 239

منهما رواية الأعرج «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق، فالأول «2»، لصحيحة محمّد: عنه امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دما، قال: «تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت بقيّته و اعتدّت بما مضى» «3».

و تضعّف بأنّها أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، باعتبار شمولها لطواف النافلة و الفريضة المتمتّعة و غيرها، و اختصاص الأخبار بالمتمتّعة، فيجب تخصيصها بها.

و تضعيف الأخبار- بعد الانجبار و صحّتها ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه- ضعيف.

بل لنا أن نقول أيضا: إنّ إتمام بقيّة هذا الطواف بعد الطهر أعمّ من جعله من التمتّع أو الحجّ أو كونه أمرا تعبديّا، فلا يعارض ما مرّ أصلا.

و للحلّي، فالثاني «4»، و تبعه بعض المتأخّرين «5» على ما قيل، للأصل و صحيحة ابن بزيع المتقدّمة، و تضعيفه كسابقه، فإنّ ما مرّ يدفع الأصل و يخصّص الصحيحة، لأخصّيته منها.

المسألة السادسة: لو حصل الحيض بعد الطواف و صلاة الركعتين صحّت المتعة قطعا،

و وجب عليها السعي و التقصير، لعدم توقّفهما على

______________________________

(1) التهذيب 5: 393- 1371، الإستبصار 2: 213- 1112، الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 316،

و هو في الفقيه 2: 241- 1153.

(3) الفقيه 2: 241- 1153، التهذيب 5: 397- 1380، الإستبصار 2:

317- 1121، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) السرائر 1: 623.

(5) انظر المدارك 7: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 240

الطهارة، و للأخبار المستفيضة «1» من الصحاح و غيرها، و إطلاقها بل عمومها يشمل ما إذا كان قبل الركعتين أيضا كما هو الأصحّ الأشهر، و دلّت عليه خصوصا رواية الكناني «2» المنجبرة، المؤيدة بصحيحة محمد العامّة للمتمتّعة و غيرها أيضا، فالاستشكال فيه- كما في المدارك «3»- غير جيّد.

و أمّا بعض الأخبار الناهية عن سعي الحائض «4» فشاذّة، و مع الأكثر منها الأوضح دلالة معارضة، و مع ذلك عن الدالّ على الحرمة خالية، و اللَّه العالم.

المسألة السابعة: اعلم أنّ ما ذكر من تعيّن التمتّع للنائي إنّما هو في حجّة الإسلام دون التطوّع و المنذور،

و صرّح الشيخ في التهذيبين و المحقق في المعتبر و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيد في الدروس «5» و غيرهم «6»:

بأنّ من أراد التطوّع بالحجّ كان مخيّرا بين الأفراد الثلاثة.

بل ظاهر الذخيرة عدم الخلاف فيه، حيث قال: إنّ موضع الخلاف حجّة الإسلام دون التطوّع و المنذور «7». انتهى.

نعم، التمتّع أفضل.

و تدلّ على الحكمين مكاتبة علي بن ميسر: عن رجل اعتمر في شهر

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 458 أبواب الطواف ب 88.

(2) الكافي 4: 448- 1، التهذيب 5: 397- 1381، الوسائل 13: 458 أبواب الطواف ب 88 ح 2.

(3) المدارك 7: 184.

(4) انظر الوسائل 13: 457 أبواب الطواف ب 87.

(5) التهذيب 5: 31، الإستبصار 2: 155، المعتبر 2: 338، الفاضل في التحرير 1: 93، الدروس 1: 330.

(6) المسالك 1: 101.

(7) الذخيرة: 553.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 241

رمضان ثم حضر له الموسم، أ يحجّ مفردا للحجّ

أو يتمتّع، أيهما أفضل؟

فكتب إليه: «التمتّع أفضل» «1».

و رواية عبد الملك: عن التمتّع، فقال: «تمتّع»، قال: فقضى أنّه أفرد الحجّ ذلك العام أو بعده، فقلت: أصلحك اللَّه، سألتك فأمرتني بالتمتّع و أراك قد أفردت الحجّ العام، فقال: «أما و اللَّه الفضل لفي الذي أمرتك به، و لكنّي ضعيف فشقّ عليّ طوافان بين الصفا و المروة، فلذلك أفردت الحجّ العام» «2».

و صحيحة ابن سنان: إنّي قرنت العام و سقت الهدي، قال: «و لم فعلت ذلك؟ التمتّع و اللَّه أفضل، لا تعودن» «3».

و صحيحة ابن عمّار: إنّي اعتمرت في رجب و أنا أريد الحجّ، أسوق الهدي أو أفرد الحجّ أو أتمتّع؟ فقال: «في كلّ فضل و كلّ حسن»، فقلت:

أيّ ذلك أفضل؟ فقال: «تمتّع، هو و اللَّه أفضل» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة.

المسألة الثامنة: يجب في التمتّع- من حيث هو تمتّع زائدا على ما يشترط في غيره- أمور:
اشاره

______________________________

(1) الكافي 4: 292- 8، الفقيه 2: 204- 932، الوسائل 11: 247 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 4، و فيه: علي بن جعفر.

(2) الكافي 4: 292- 12، التهذيب 5: 28- 84، الإستبصار 2: 153- 502، الوسائل 11: 249 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 10.

(3) التهذيب 5: 29- 90، الإستبصار 2: 154- 508، الوسائل 11: 251 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 17.

(4) الكافي 4: 293- 15، التهذيب 5: 31- 94، الإستبصار 2: 156- 512، الوسائل 11: 251 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 18، في التهذيب و الوسائل بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 242

الأول: النيّة،

و الظاهر أنّه ليس مرادهم منها هنا الخلوص و القربة، أو نيّة كلّ من الحجّ و العمرة أو كلّ من أفعالهما المتفرّقة، أو نيّة الإحرام خاصّة، أو نيّة المجموع جملة، كما فسّره بكلّ طائفة، لعدم ظهور خصوصية ذكر شي ء منها في هذا المقام، مع أنّ بعضها ممّا يذكر مفصّلا في مواضعها، و بعضها ممّا لا دليل له على الوجوب و الشرطية.

بل المراد: نيّة خصوص التمتّع، لتتميّز عن القسمين الآخرين، أو عن العمرة المفردة، كما أوجبها في المختلف «1» و غيره «2».

و تدلّ عليها الأخبار المستفيضة:

كصحيحة أحمد: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال: «لبّ بالحجّ و انو المتعة، فإذا دخلت مكّة طفت بالبيت» الحديث «3».

و صحيحة أبان: بأيّ شي ء أهلّ؟ فقال: «لا تسمّ حجّا و لا عمرة، و أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتّعا و إلّا كنت حاجّا» «4».

و صحيحة البزنطي: عن رجل متمتّع كيف يصنع؟ قال: «ينوي المتعة و يحرم بالحجّ» «5».

و موثقة إسحاق بن عمّار: إنّ أصحابنا يختلفون في وجهين من

______________________________

(1) المختلف: 264.

(2)

كما في كشف اللثام 1: 313.

(3) التهذيب 5: 86- 285، الإستبصار 2: 172- 567، الوسائل 12: 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.

(4) التهذيب 5: 86- 286، الإستبصار 2: 172- 568، الوسائل 12: 349 أبواب الإحرام ب 21 ح 4.

(5) التهذيب 5: 80- 264، و في الإستبصار 2: 168- 544، و الوسائل 12: 351 أبواب الإحرام ب 22 ح 1: ينوي العمرة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 243

الحجّ، يقول بعضهم: أحرم بالحجّ مفردا، و بعضهم يقول: أحرم و انو المتعة بالعمرة إلى الحجّ، أيّ هذين أحبّ إليك؟ قال: «انو المتعة» «1».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار «2» المتضمّنة لمثل قولك: اللَّهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أو الاكتفاء بإضمار ذلك.

و لا ينافي ذلك جواز تجديد النيّة إلى وقت التحلّل إن فات أولا، كما لا يضرّ في اشتراط الصوم بالنيّة جواز تجديدها إلى الزوال إن فات أول الوقت.

و كذا لا تنافيه قضية إهلال عليّ عليه السّلام بما أهلّ به النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، لأنّها قضية في واقعة لا عموم لها، فيمكن أن يكون عالما بكيفية إهلاله أو لم يكن عالما بحكم الواقعة، حيث إنّه كان نزل في غيبته.

الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجّه في أشهر الحجّ،

بخلاف القسمين الآخرين، فإنّ عمرتهما لا يشترط أن تكون فيها و إن اشترط كون أصل الحجّ فيهما فيها أيضا.

ثم ما ذكرنا من اشتراط كون المجموع في أشهر الحجّ ممّا وقع عليه الإجماع، و نقله عليه في كلماتهم متكرّر، قال في السرائر: الإجماع حاصل منعقد على أنّه لا ينعقد إحرام حجّ و لا عمرة متمتع بها إلى الحجّ إلّا في أشهر الحجّ «3»، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى صحيحة زرارة الثانية «4» المتقدّمة في

بيان كيفية أقسام

______________________________

(1) الكافي 4: 333- 5، التهذيب 5: 80- 265، الإستبصار 2: 168- 555، الوسائل 12: 348 أبواب الإحرام ب 21 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) قرب الإسناد: 123- 433، الوسائل 12: 355 أبواب الإحرام ب 23 ح 3.

(3) السرائر 1: 526.

(4) الكافي 4: 289- 1، التهذيب 5: 51- 155، الإستبصار 2: 161- 527، الوسائل 11: 272 أبواب أقسام الحجّ ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 244

الحجّ، و لا يضرّ وقوعه بالجملة الخبرية، لأنّها جواب عن سؤال الماهية.

و موثّقة سماعة: «من حجّ معتمرا في شوّال و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن أقام هو إلى الحجّ فهو متمتّع، لأنّ أشهر الحجّ: شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، من اعتمر فيهنّ و أقام إلى الحجّ فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحجّ فهي عمرة، و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع، و إنّما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتّعا بعمرة إلى الحج» الحديث «1».

و صحيحة عمر بن يزيد: «لا تكون متعة إلّا في أشهر الحجّ» «2».

و على هذا، فلو أحرم بالعمرة المتمتّع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتّع بها.

ثم أشهر الحجّ هي: شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، كما عليه الإسكافي و الصدوق و الشيخ في النهاية «3»، بل الأكثر كما قيل، و عليه كافة المتأخرين «4»، و به استفاضت الروايات «5».

و قال السيّد و العماني و الديلمي: هي

الأولان مع عشرة من ذي الحجّة «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 274- 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحجّ ب 10 ح 2.

(2) التهذيب 5: 435- 1513، الوسائل 14: 312 أبواب العمرة ب 7 ح 5، بتفاوت يسير.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 260، الصدوق في الفقيه 2: 278، النهاية: 207.

(4) انظر الرياض 1: 350.

(5) الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحجّ ب 11.

(6) السيّد في الإنتصار: 91، حكاه عن العماني في المختلف: 260، الديلمي في المراسم: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 245

و قال الشيخ في الجمل و الإقتصاد و القاضي في المهذّب: مع تسعة منه «1».

و عن الحلبي: مع ثمان منه «2».

و عن الخلاف و المبسوط: مع تسعة منه و ليلة يوم النحر إلى طلوع فجره «3».

و عن الحلّي: إلى طلوع شمسه «4».

و لا فائدة في هذا النزاع، بل في الحقيقة هو لفظي، للاتّفاق على خروج وقت بعض الأفعال بمضي العشرة، و بقاء وقت البعض إلى ما بعدها أيضا.

و كذا لا تنافي بين الأخبار المستفيضة المصرّحة بأنّها الثلاثة كملا «5» و النادر المتضمّن للأولين و العشر «6»، إذ ليس المراد في الأولى أنّه يصحّ وقوع جميع الأفعال في كلّ وقت من الثلاثة، و لا أنّه يجب إيقاعها في المجموع من حيث المجموع. و لا المراد في الثاني: أنّ الأولين مع العشر هي الأشهر.

بل معنى الأولى: أنّ أفعالها يجب أن تكون في تلك الثلاثة، و يصحّ إطلاق شهر عمل على ما يكون العمل في جزء منه، كما يقال يوم صلاة الجمعة: يوم الجمعة. و معنى الثاني: أنّه بانقضاء العشر و عدم التلبّس

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 226، الإقتصاد: 300، المهذّب 1: 213.

(2) الحلبي في الكافي

في الفقه: 201.

(3) الخلاف 2: 258، المبسوط 1: 308.

(4) السرائر 1: 524.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    246     الثالث: أن يأتي بالحج و عمرته في سنة واحدة، ..... ص : 246

(5) الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحجّ ب 11.

(6) الكافي 4: 290- 3، الوسائل 11: 273 أبواب أقسام الحجّ ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 246

ينقضي الوقت.

الثالث: أن يأتي بالحجّ و عمرته في سنة واحدة،

بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «1»، و مطلقا كما في المدارك و المفاتيح «2» و شرحه، بل بالاتفاق كما عن التذكرة «3».

و احتجّوا له بالأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، و الناصّة على ارتباط عمرة التمتّع بحجّه، و المصرّحة بأنّه لا يجوز للمتمتّع الخروج من مكّة حتى يقضي تمتّعه «4».

و بأنّ المتبادر من أخبار التمتّع إيقاع نسكيه في عام واحد، سيّما أخبار عدم جواز خروجه من مكّة حتى يقضي حجّه، سيّما مع ملاحظة ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.

و بأنّ العبادات توقيفيّة تتوقّف صحّتها على دلالة، و هي في المقام مفقودة.

و لا يخفى ما في جميع تلك الأدلّة من قصور الدلالة و عدم التمامية، لعدم دلالة غير الأخيرين منها على اعتبار كونهما في سنة أصلا، و لذا جعلها بعض مشايخنا معاضدة لا حجّة مستقلّة «5».

و عدم نهوض الأخيرين، أمّا التبادر فلمنعه، و أمّا التوقيفيّة فلحصول التوقيف بإطلاق الأدلّة.

و لذا احتمل الشهيد الإجزاء لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام

______________________________

(1) الذخيرة: 572.

(2) المدارك 7: 168، المفاتيح 1: 339.

(3) التذكرة 1: 379.

(4) انظر الوسائل 11: 246 أبواب أقسام الحجّ ب 4.

(5) كما في الرياض 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 247

الأفعال إلى القابل «1»،

و تبعه بعض مشايخنا المعاصرين، فقال بعد ما قال:

فما ذكره الشهيد من الإجزاء محتمل- إلى أن قال-: و كيف كان فلا ريب في أنّ الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط «2».

أقول: الأدلّة المذكورة و إن كانت قاصرة عن إثبات المطلوب إلّا أنّه تدلّ عليه الأخبار المتكثّرة المصرّحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس يوم التروية أو عرفة أو غروبها أو ليلة عرفة، و الآمرة بجعلها حينئذ حجّة مفردة، المتقدّمة أكثرها في المسألة الثانية.

و لو لم يعتبر في المتعة اتّحاد سنة النسكين لم يصحّ ذلك النفي و الحكم بالذهاب و الأمر بالعدول على الإطلاق، بل مطلقا.

و التقييد بمن أراد الحجّ في سنة العمرة أو من لم يتمكّن من البقاء إلى عام آخر تقييد بلا دليل، مع أنّ في جواز التقييد بالإرادة من أصله نظر.

و يظهر من ذلك صحّة القول المشهور و تماميته، و عدم تأتّي الاحتمال المذكور، و وجوب كون الحجّ مع عمرته في عام واحد.

الرابع: أن يحرم بحجّه من بطن مكّة، فهو الميقات له،
اشاره

بلا خلاف كما قيل «3»، بل بإجماع العلماء، كما في المدارك و المفاتيح «4» و شرحه و غيرها «5»، للأخبار المستفيضة، منها: رواية إبراهيم بن ميمون، و فيها:

«فإنّك متمتّع في أشهر الحجّ، و أحرم يوم التروية من المسجد الحرام» «6».

______________________________

(1) الدروس 1: 339.

(2) انظر رياض المسائل 1: 351.

(3) انظر الذخيرة: 572.

(4) المدارك 7: 169، المفاتيح 1: 339.

(5) كالرياض 1: 351.

(6) التهذيب 5: 446- 1554، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 248

و صحيحة ابن عمّار: «إذا كان يوم التروية فاغتسل و البس ثوبك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو

في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحجّ ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء [1] دون الردم [2] فلبّ، فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح [3] فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» «1».

و موثقة أبي بصير: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين تحرم، خذ من شاربك و من أظفارك و أطل عانتك إن كان لك شعر و انتف إبطيك و اغتسل و البس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم» إلى أن قال: «ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت، تقول: لبّيك بحجّة تمامها و بلاغها عليك، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس و إلّا فمتى تيسّر لك من يوم التروية» «2».

______________________________

[1] في الكافي و الوسائل: الرفضاء، و في التهذيب: الرقطاء، و لم نعثر عليهما في معجم البلدان و غيره. قال في المعجم 3: 76: لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة نزل بالروحاء فأقام بها و أراح فسمّاها الروحاء.

[2] الردم: و هي ردم بني جمح بمكّة، و سمّي كذلك بما ردم منهم يوم التقوا بني محارب و اقتتلوا قتالا شديدا- معجم البلدان 3: 40.

[3] الأبطح: يضاف إلى مكّة و إلى منى، لأنّ المسافة بينه و بينهما واحدة، و ربّما كان إلى منى أقرب، و نقل بعضهم أنّه إنّما سمّي أبطح لأنّ آدم عليه السّلام بطّح فيه- معجم البلدان 1: 74.

______________________________

(1) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح

1، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 249

و رواية عمر بن يزيد: «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صلّ ركعتين خلف المقام، ثم أهلّ بالحجّ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام، و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك، و صلّ الظهر إن قدرت بمنى، و اعلم أنّه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار» «1».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف، قال: «يهلّ بالحجّ من مكّة، و ما أحبّ له أن يخرج منها إلّا محرما، و لا يجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة» «2».

و الأخرى، و فيها: «فإذا أقاموا [شهرا] فإنّ لهم أن يتمتّعوا»، قلت:

من أين؟ قال: «يخرجون من الحرم»، قلت: من أين يهلّون بالحجّ؟

فقال: «من مكّة نحوا ممّا يقول الناس» [1].

و صحيحة حمّاد، و فيها: فإن مكث [الشهر]؟ قال: «يتمتّع»، قلت:

من أين؟ قال: «يخرج من الحرم»، قلت: من أين يهلّ بالحجّ؟ قال: «من مكّة نحوا ممّا يقول الناس» [2].

و هذه الأخبار و إن كانت قاصرة عن إفادة الوجوب و التعيين الذي هو المطلوب، إمّا لكونها متضمّنة للجملة الخبرية، أو لما لا يجب قطعا من

______________________________

[1] التهذيب 5: 35- 103، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 3، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أشهرا، و ما أثبتناه من المصدر.

[2] الكافي 4: 300- 4، الوسائل 11: 268 أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 7، بتفاوت يسير، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أشهرا، و ما أثبتناه من

المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 169- 561، الإستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2، و أورد ذيله في ص 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 2.

(2) الكافي 4: 443- 3، التهذيب 5: 164- 547، الوسائل 11: 303 أبواب أقسام الحجّ ب 22 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 250

الإحرام من المسجد، أو في يوم التروية، و أيضا كانت غير الأخيرة منها مخصوصة بالمسجد الحرام أو موضع خاصّ منه و المطلوب أعمّ منه.

إلّا أنّ الأوّل يتمّ بضميمة أصل الاشتغال، حيث إنّه لا إطلاق يدلّ على جواز الإحرام من أيّ موضع كان، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن، مع أنّ الإجماع قرينة على إرادة الوجوب من الجملة الخبرية أيضا.

و الثاني بإطلاق الأخيرة الخالي عن المعارض، لأنّ المقيّد غير دالّ على الوجوب، لما عرفت.

و بصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي: من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال:

«إن شئت من رحلك، و إن شئت من الكعبة، و إن شئت من الطريق» «1»، و في بعض الطرق: «من المسجد» بدل قوله: «من الكعبة».

و موثّقة يونس: من أيّ المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: «من أيّ المسجد شئت» «2»، أي: أيّ موضع من المسجد.

ثم المراد ببطن مكّة: ما دخل على شي ء من بنائها، لصدق الاسم الذي أطلقته صحيحة الحلبي، فيجوز الإحرام من كلّ ما كان داخلا عليه.

و لكنّ الأفضل أن يحرم من المسجد اتّفاقا، كما في المدارك و الحدائق «3» و غيرهما «4»، و هو الحجّة فيه، لكونه مقام التسامح، مضافا إلى كونه أشرف الأماكن.

______________________________

(1) الكافي 4: 455- 4، التهذيب 5: 166- 555، الوسائل 11: 339 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 455- 5، التهذيب 5: 166- 556،

الوسائل 11: 340 أبواب المواقيت ب 21 ح 3.

(3) المدارك 7: 169، الحدائق 14: 359.

(4) كرياض المسائل 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 251

و استحباب الإحرام عقيب الصلاة و هي في المسجد أفضل، و الأمر به في الأخبار المتقدّمة الذي ليس بأقلّ من الاستحباب، و أفضله مقام إبراهيم أو الحجر مخيّرا بينهما، وفاقا للهداية و المقنع و الفقيه و المدارك «1»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «2».

و لا ينافيها الأمر بالمقام في رواية عمر بن يزيد، لأنّه لا يفيد هنا أزيد من الرجحان الإضافي أو أحد فردي المستحب، لأنّهما أيضا من المجازات المحتملة بعد عدم إرادة الحقيقة بالإجماع.

و في النافع و عن الكافي و الغنية و الجامع و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس و موضع من القواعد: التخيير بين المقام و تحت الميزاب «3».

و في الشرائع و عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و المهذّب و السرائر و المختلف: الاقتصار على المقام «4».

و في الإرشاد: على تحت الميزاب «5».

فرع: لو أحرم بحجّ التمتّع من غير مكّة عمدا اختيارا لم يجزه

و يستأنفه منها، لتوقّف الواجب عليه، و لا يكفي دخولها محرما، و لا بدّ من الاستئناف منها على المعروف من مذهب الأصحاب، لما مرّ. و لو نسي الإحرام منها يعيد إليها وجوبا، للإحرام مع المكنة.

______________________________

(1) الهداية: 60، المقنع: 85، الفقيه 2: 207، المدارك 7: 169.

(2) في ص: 248.

(3) النافع: 79، الكافي في الفقه: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 579، الجامع:

179، التحرير 1: 94، المنتهى 2: 714، التذكرة 1: 320، الدروس 1: 341، القواعد 1: 85.

(4) الشرائع 1: 237، النهاية: 248، المبسوط 1: 364، المصباح: 627، المهذّب 1: 244، السرائر 1: 583، المختلف: 297.

(5) الإرشاد 1: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

252

و لو تعذّر العود إليها- لخوف أو ضيق وقت أو غيرهما- أحرم من موضعه و لو كان بعرفات، لصحيحة عليّ: عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره و هو بعرفات ما حاله؟ قال: «يقول اللَّهمّ على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» «1».

و كذا لو تركه جهلا، لكونه عذرا، و لفحوى ما دلّ على الإحرام من موضعه لو جهل الإحرام من المواقيت الأخر، كما في موثّقة زرارة، و فيها- بعد السؤال عن امرأة تركت الإحرام جهلا حتى قدمت مكّة- «إنّها تحرم من مكانها، قد علم اللَّه بنيّتها» «2».

بل يثبت المطلوب بالعلّة المذكورة في هذه الموثّقة أيضا.

و يستفاد من صحيحة عليّ: أنّه لو نسي الإحرام بالحجّ حتى يرجع إلى بلده صحّ حجّه، و هو المحكي عن الشيخ في طائفة من كتبه و عن ابن حمزة «3»، و هو الأقوى، لما ذكر.

خلافا للحلّي «4»، لأنّه ترك نيّة الإحرام، و ردّ الصحيحة بأنّه أخبار آحاد، و هو يتمّ على أصله من عدم حجّية الآحاد، مع أنّ ترك الإحرام لا يستلزم ترك النيّة، مع أنّه يمكن أن تكون نيّة العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ في قوّة نيّة إحرام الحجّ.

و لو أحرم من غير مكّة جهلا أو نسيانا ثم علم أو تذكّر و لم يمكن

______________________________

(1) التهذيب 5: 175- 586، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.

(2) الكافي 4: 324- 5، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.

(3) الشيخ في النهاية: 211، ابن حمزة في الوسيلة: 177.

(4) السرائر 1: 529، 530.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 253

العود،

فهل يجتزئ بما فعل، أو يستأنف متى ما علم أو تذكّر؟

فيها قولان، الاستئناف الأحوط، بل لعلّه الأظهر، تحصيلا للبراءة اليقينية، فإنّه مبرئ قطعا، إمّا للإجماع عليه- كما قيل «1»- أو لجمعه بين الاحتمالين، بخلاف الإحرام السابق، فإنّه لا دليل على حصول البراءة به.

المسألة التاسعة: مرجوحية خروج المتمتّع بعد قضاء مناسك العمرة

و قبل الحجّ عن مكّة في الجملة إجماعي فتوى و نصّا، و في المستفيضة تصريح بها «2».

و إنّما الخلاف في أنّها هل هي على التحريم، كما عن المشهور؟ أو الكراهة، كما عن الحلّي، و الفاضلين في بعض كتبهما «3»؟

و على التقديرين: فمنتهى المرجوحيّة هل هو إتمام الحجّ أو الإحرام به مطلقا، أو الأول بدون الحاجة و الضرورة و الثاني معها؟

و الظاهر من الجمع بين أخبار المسألة هو التحريم و انتفاؤه بالإحرام بالحجّ مطلقا، و إن كان الأحوط عدم الخروج بالإحرام إلّا مع الحاجة و الضرورة.

ثم لو خرج بدون الإحرام، فإن رجع في الشهر الذي خرج لم يحتج إلى إحرام آخر و رجع بغير إحرام، و إن رجع بعده أحرم بالعمرة ثانيا و دخل مكّة محرما و أتى بمناسك العمرة، ثم يحرم بالحجّ و تكون عمرته المتمتّع بها الأخيرة، و تقع الأولى مبتولة.

و هل يحتاج إلى طواف النساء حينئذ للأولى أم لا؟ الأرجح هو:

______________________________

(1) انظر المدارك 7: 171، الذخيرة: 572.

(2) الوسائل 11: 301 أبواب أقسام الحج ب 22.

(3) الحلي في السرائر 1: 581، المحقق في النافع: 99، العلّامة في التحرير 1: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 254

الثاني.

المسألة العاشرة: لا تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة،

بمعنى: أنّه لا يجب على المكلّف الجمع بينهما بإجماع العلماء كافّة، كما في المنتهى «1»، للإجماع، و المتكثّرة من الروايات، كصحيحة يعقوب «2» و حسنة الحلبي «3» و غيرهما «4».

المسألة الحادية عشرة: يختصّ حجّ التمتّع بوجوب تقديم طوافه و سعيه على الوقوفين،

كما يأتي بيانه في بحث أفعال الحجّ و بيان مناسك مكّة بعد الرجوع من منى.

______________________________

(1) المنتهى 2: 674.

(2) التهذيب 5: 433- 1504، الإستبصار 2: 325- 1151، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 4.

(3) علل الشرائع: 412- 1، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 7.

(4) الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 255

المبحث الثاني في تفصيل أفعال حجّ التمتّع
اشاره

و قد عرفت أنّه الذي تقدّمت العمرة عليه، و يقال لعمرتها: العمرة المتمتّع بها، فأفعاله متضمّنة لجميع أفعال عمرته و حجّه، و مجموع أفعاله الواجبة ثمانية عشر فعلا:

خمسة للعمرة: الإحرام، و الطواف، و ركعتاه، و السعي، و التقصير.

و ثلاثة عشر للحجّ: الإحرام، و الوقوف بعرفات، و الوقوف بالمشعر، و ثلاثة أفعال بمنى: رمي جمرة العقبة، و الهدي، و الحلق أو التقصير، و خمسة أفعال بمكّة بعدها: طواف الزيارة، و ركعتاه، و السعي، و طواف النساء، و ركعتاه، و فعلان بعد العود إلى منى: البيتوتة، و رمي الجمار الثلاث.

و أمّا المستحبّات، فتذكر في مطاوي ذكر الأفعال الواجبة.

ففي هذا المقصد مطلبان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 256

المطلب الأول في بيان الأفعال الخمسة لعمرة حجّ التمتّع
اشاره

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول في الفعل الأول، و هو الإحرام
اشاره

و الكلام فيه إمّا في مقدماته أو أفعاله، أو أحكامه، أو تروكه.

فهاهنا أربعة أبحاث تذكر بعد مقدمة لا بدّ من تقديمها، نبيّن فيها معنى الإحرام و حقيقته و ما به يتحقّق، فإنّ كلام القوم في هذا المراد غير منقّح جدّا.

و لنذكر أولا معنى الإحرام في الصلاة و ما يتحقّق به، لتسهيل المقصود بالقياس عليه، و لذا قيل: الإحرام في هذا المقام كالإحرام في الصلاة.

فنقول: معنى الإحرام في الصلاة: الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي من التكلّم و الانحراف عن القبلة و غير ذلك، أو هو الدخول في الصلاة و صيرورته مصلّيا، و يلزمه الأول أيضا، كما أنّ الأول أيضا يستلزم الثاني.

و لتحقّق هذا الدخول بالتكبيرة نسب الإحرام إليها، و سمّيت تكبيرة الإحرام، و لكن ليست هي فقط سببا للإحرام، بل التكبيرة المقارنة لنيّة الصلاة و لو حكميّة، فالتكبيرة جزء أخير العلّة، و لذا نسبت إليها السببيّة.

إذا عرفت ذلك فنقول: معنى الإحرام بالعمرة أو الحجّ- على قياس ما ذكر- هو: الدخول في العمرة أو الحجّ و صيرورة الشخص معتمرا أو حاجّا،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 257

أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلّل.

و ذلك إمّا هو: إيقاع التلبية المقارنة لنيّة العمرة أو الحجّ و لو حكمية، أو: غيره من النيّة الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع المعيّن، أو هي: مع لبس الثوبين، أي: اللبس المقارن لهما، و أمّا مجموع التلبية و النيّة و اللبس فهو راجع إلى الأول، لأنّ المعلول ينسب إلى جزء أخير العلّة.

و الأول: هو الذي صرّح به الشيخ في التهذيب و الإستبصار، حيث قال: إنّ من اغتسل للإحرام و

صلّى و قال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما، و إنّما يكون عاقدا للحجّ و العمرة، فإنّما يدخل في أن يكون محرما إذا لبّى «1».

و استدلّ له بالأخبار المستفيضة المجوّزة لكلّ فعل يشاء قبل التلبّي «2»، و هو الذي يطابق كلام الأكثر المصرّحين بعدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية، بل عليه الإجماع عن الإنتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و التذكرة و المنتهى «3» و غيرها «4»، و هو الذي تستأنسه الصحاح المستفيضة الآتية، المجوّزة لكلّ فعل يحرم على المحرم قبل التلبّي، الموافقة لعمل الأصحاب، و هو الذي يستفاد من أخبار مستفيضة.

كصحيحة ابن وهب: عن التهيّؤ للإحرام، فقال: «في مسجد الشجرة، فقد صلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و قد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول:

______________________________

(1) التهذيب 5: 83، و ورد مؤدّاه في الإستبصار 2: 189.

(2) الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14.

(3) الإنتصار: 102، الخلاف 2: 289، 290، جواهر الفقه: 41، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، التذكرة 1: 327، المنتهى 2: 679.

(4) كالمفاتيح 1: 313، الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 258

لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ» «1».

و عبيد اللَّه بن عليّ الحلبي، و فيها: «وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة يصلّي فيه و يفرض الحجّ، فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم» «2»، حيث صرّحت بأنّ ما يعمل في المسجد هو عزم الحجّ، و

أنّ الإحرام هو ما يعمل في البيداء، و هو التلبية.

و البزنطي: عن رجل متمتّع كيف يصنع؟ قال: «ينوي المتعة و يحرم بالحجّ» «3».

فإنّ المراد بالإحرام هنا: التلبية، كما تصرّح به صحيحة أحمد: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال: «لبّ بالحجّ و انو المتعة» «4».

و لكن لا يلائم ذلك أخبارا مستفيضة أخرى مصرّحة بمغايرة الإحرام و التلبّي و أنّه قبله، كصحيحة ابن عمّار: «صلّ المكتوبة ثم أحرم بالحجّ أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلبّ» «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 277، الإستبصار 2: 169- 559، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 3، و أورد ذيله في ص 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 1.

(2) الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(3) التهذيب 5: 80- 264، الإستبصار 2: 168- 554، الوسائل 12: 351 أبواب الإحرام ب 22 ح 1.

(4) التهذيب 5: 86- 285، الإستبصار 2: 172- 567، الوسائل 12: 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.

(5) الكافي 4: 334- 14، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 259

و أخرى، و فيها: «صلّيت ركعتين و أحرمت في دبرهما، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللَّه» إلى أن قال: «و يجزئك أن تقول هذا مرّة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا أو راكبا فلبّ» «1».

و في ثالثة: «إذا كان يوم التروية فاغتسل و البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّ ركعتين» إلى أن قال:

«ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحجّ، ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء دون الردم فلبّ، فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية» الحديث «2».

و في صحيحة هشام: «إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت و قلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، و إن شئت لبّ من موضعك، و الفضل أن تمشي قليلا ثم تلبّي» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار «4».

و كذا لا يلائمه ما صرّحوا به جميعا- طباقا للأخبار «5»- من وجوب الإحرام من الميقات و عدم جواز تأخير الإحرام عنه، مع تصريح الأخبار المستفيضة بجواز تأخير التلبية عنه «6» و اختلاف الأصحاب فيه كما يأتي.

______________________________

(1) الكافي 4: 331- 2، الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

(3) الفقيه 2: 208- 944، الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 1.

(4) انظر الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35.

(5) الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9.

(6) كما في الوسائل 12: 369، 372 أبواب الإحرام ب 34، 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 260

و كذا لا يناسبه قول كثير منهم: لو عقد الإحرام و لم يلبّ لم تلزمه كفّارة بما فعله «1».

و كذا عدّهم التلبية أحد واجبات الإحرام «2»، و قولهم: إنّها تجب فيه «3».

و كذا حكمهم بوجوب النيّة للإحرام «4»، إذ لا نيّة على حدة للتلبية، و لذا لا يذكرون لتكبيرة الإحرام نيّة سوى نيّة الصلاة.

و كذا جعلهم الإحرام- وفاقا للأخبار- فعلا على حدة من أفعال

الحجّ، و التلبية فعلا آخر على حدة أو من أجزاء الإحرام، كما لا يجعلون إحرام الصلاة فعلا و التكبيرة فعلا آخر.

و الثاني هو ظاهر الأكثر المستفاد من جميع ما مرّ من منافيات كون التلبية وحدها هو الإحرام، و لكن لا يلائمه شي ء ممّا ذكرنا من ملائمات كونه هو التلبية.

و قد يرجّح الأول و يجمع بينه و بين منافياته بأنّ ما يجوز تأخيره من التلبية هو الإجهار بها و رفع الصوت بها.

و قد يرجّح الثاني و يجمع بينه و بين منافياته بحمل عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية- في الفتاوى و إطلاق الإحرام عليها في الأخبار- على أنّه ما لم يلبّ له ارتكاب المحرّمات على المحرم، و لا كفارة عليه و إن لم يجز له فسخ النيّة.

أقول: أمّا الجمع الأول: فهو ممّا لا تقبله أكثر أخبار جواز تأخير

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 246، و الذخيرة: 578، و الرياض 1: 367.

(2) كما في الشرائع 1: 245، المدارك 7: 263، كشف اللثام 1: 312.

(3) كما في القواعد 1: 80، و الذخيرة: 577.

(4) كما في الذخيرة: 577، المفاتيح 1: 313، الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 261

التلبية إلّا بتكلّف بعيد كما يأتي.

و أمّا الثاني: فلا مانع عنه، بل هو الصحيح، و لكن بأن يقال: إنّه قد عرفت أنّ الإحرام بالصلاة هو الدخول في أول جزء منه، أو الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي، و إنّ المعنيين فيها يتحقّقان بالتكبيرة، و ليس لها جزء مقدّم على التكبيرة لا يجوز معه ارتكاب المحرّمات.

و لكن العمرة و الحجّ يفترقان عن الصلاة في ذلك و في أمر آخر، هو:

أنّ الواجب في نيّة الصلاة على التحقيق نيّة فعلية واحدة

متحققة لمن يريد الصلاة قطعا، و وقتها موسّع من بدو الشروع في مقدّماتها إلى الشروع في التكبيرة، و ليس لها وقت معيّن آخر في ذلك الأثناء يجب الإتيان بها على التحقيق، و بعد تحقّقها الابتدائي تكفي الحكمية إلى آخر الصلاة.

بخلاف العمرة و الحجّ، فإنّهما و إن يستلزمان عقلا نيّة فعلية في بدو الشروع إلى مقدماتهما- من غسل الإحرام و صلاته، بل من الخروج من البيت و المسافرة- و لكن تجب نيّة فعلية أخرى عند الميقات، و هي المأمور بها بقوله في الأخبار: «و انو المتعة» و: «يفرض الحجّ» و نحو ذلك «1».

فيمتازان عن الصلاة و نحوها بلزوم هذه النيّة الفعليّة في ذلك الموضع، كما يمتازان عنها و عن سائر الواجبات باستحباب التلفّظ بالمنويّ فيهما، كما يأتي.

و هذه النيّة أول الأفعال الواجبة للحجّ و العمرة، و ثانيها: لبس الثوبين، و ثالثها: التلبية، و لكن الفعلين الأولين لا يحرّمان شيئا من المحظورات على المحرم، و إنّما هي تحرم بالثالث، فيتحقّق الإحرام بأحد المعنيين: بالنيّة و لبس الثوبين- و هذا الذي يجب الإتيان به في الميقات و لا يجوز التجاوز

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 262

عنه بدونه- و بالآخر: بالتلبية، و قبلها لا تحرم المحرّمات.

فهذا هو التحقيق التامّ في المقام، و لكن لا يترتّب عليه كثير فائدة في العمل، إذ الكلّ قائلون بوجوب النيّة و اللبس في الميقات و عدم جواز التجاوز عنه بدونهما، و أنّه لا تحرم المحرّمات إلّا بالتلبية، و أنّه لا يضرّ جواز تأخيرها عن الميقات على القول به في ذلك، لأنّه يكون المراد بالإحرام- الذي لا يجوز تأخيره على ذلك القول- هو الأولان، و إنّما فائدته تشريح المقام و

فهم الأخبار و الجمع بين كلمات العلماء الأخيار.

إذا عرفت تلك المقدمة فاعلم: أنّهم ذكروا أنّ للإحرام أفعالا واجبة و مستحبّة و تروكا، و ظهر لك من التحقيق الذي ذكرناه أنّه ليس المراد أنّ الإحرام بنفسه من حيث هو هو فعل آخر من أفعال الحجّ و العمرة و هذه الأفعال أجزاؤه، بل المراد: أنّ هذه الأفعال من أفعالهما ممّا تحقّق به الإحرام و سبب لتحقّق الإحرام بالمعنيين، كالتكبيرة التي هي فعل من الصلاة يتحقق بها الإحرام.

و معنى مستحبّات الإحرام: أنّها أفعال مستحبّة للدخول في الحجّ أو العمرة و الشروع في أحدهما، أو مستحبّ لكلّ فعل من أفعاله بخصوصه، و الأوّل: هو مقدمات الإحرام التي تذكر قبل ذكر أفعاله. و الثاني: يذكر في ذيل كلّ فعل.

و معنى واجباته: أنّها ممّا لا بدّ منها في الدخول فيهما.

و معنى تعدّد الأفعال: أنّ بالمجموع يتحقّق الإحرام بالمعنيين، فبالأول يتحقّق الإحرام بالمعنى الأول ثم يجب الثاني، و بالثالث المسبوق بالأولين- بل المقارن لهما، و لو كانت النيّة حكمية- يتحقّق المعنى الثاني، فبالثلاثة يتحقّق معنيا الإحرام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 263

البحث الأول في مقدّماته و التهيّؤ له
اشاره

و هي كلّها مستحبّة، و هي المراد بمستحبّات الإحرام في الأكثر، و هي أمور:

منها: توفير شعر الرأس للحجّ مطلقا

في أول ذي القعدة و للعمرة في شهر.

لصحيحة ابن عمّار: «فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، و من أراد العمرة وفّر شعره شهرا» «1».

و ابن سنان: «لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحجّ في ذي القعدة، و لا في الشهر الذي تريد الخروج إلى العمرة» «2»، و نحوها رواية أبي حمزة «3».

و رواية الأعرج: «لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج من رأسه و لا لحيته» «4».

و صحيحة ابن أبي العلاء: عن الرجل يريد الحجّ، أ يأخذ من رأسه في

______________________________

(1) الكافي 4: 317- 1، الفقيه 2: 197- 899، التهذيب 5: 46- 139، الإستبصار 2: 160- 520، الوسائل 12: 316 أبواب الإحرام ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 5: 46- 138، الوسائل 12: 315 أبواب الإحرام ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 318- 3، الوسائل 12: 317 أبواب الإحرام ب 2 ح 7.

(4) الكافي 4: 318- 4، التهذيب 5: 47- 144، الإستبصار 2: 160- 521، الوسائل 12: 317 أبواب الإحرام ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 264

شوّال كلّه ما لم ير الهلال؟ قال: «لا بأس به ما لم ير الهلال» «1».

و ابن سنان: «اعف شعرك للحجّ إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا» «2».

و موثّقة محمّد: «خذ من شعرك إذا أزمعت على الحجّ شوّال كلّه إلى غرّة ذي القعدة» «3»، حيث دلّت بالمفهوم على عدم جواز الأخذ- الذي هو المراد من الأمر قطعا- بعد غرّة ذي القعدة.

و هذه الروايات- كما ترى- شاملة لمطلق الحجّ، كما صرّح به جماعة

من محقّقي المتأخّرين «4»، فالتخصيص بالمتمتّع- كما في عبارات جماعة «5»- لا وجه له، و الإسناد في التخصيص إلى بعض الروايات الآتية- المثبتة للدم على المتمتّع الحالق لرأسه- ضعيف جدّا، لظهوره في حال الإحرام [أولا، و لوقوع] «6» التمتّع- الذي هو أحد أفراد المسألة- في السؤال ثانيا.

و كذا أكثرها عامّة لشعر الرأس و اللحية، بل بعضها مصرّح بالأمرين، فالتخصيص بالرأس- كما في كلام جمع منهم «7»- لا وجه له، و كأنّه

______________________________

(1) الكافي 4: 317- 2، التهذيب 5: 47- 140، الإستبصار 2: 160- 523، الوسائل 12: 319 أبواب الإحرام ب 4 ح 1.

(2) الكافي 4: 318- 5، الوسائل 12: 316 أبواب الإحرام ب 2 ح 5.

(3) التهذيب 5: 47- 141، الإستبصار 2: 160- 524، الوسائل 12: 316 أبواب الإحرام ب 2 ح 2.

(4) منهم الشهيد في الدروس 1: 343، و اللمعة (الروضة 2): 228، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 246.

(5) منهم الطوسي في النهاية: 206، المبسوط 1: 309، المحقّق في الشرائع 1: 244.

(6) في النسخ: و لا لوقوع، و الظاهر ما أثبتناه.

(7) كالمحقق في المختصر النافع: 81، و العلّامة في الإرشاد 1: 316، و السبزواري في الكفاية: 59، و صاحب الحدائق 15: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 265

للروايات المشار إليها المثبتة للدم على الحالق، المذكور ضعف دلالتها.

أو لصحيحة الكناني: عن الرجل يريد الحجّ، أ يأخذ من شعره في أشهر الحج؟ فقال: «لا، و لا من لحيته، و لكن يأخذ من شاربه و من أظفاره، و ليطل إن شاء» «1».

و فيها:- مع أخصّيتها عن المدّعى، و عدم صراحتها في ما بعد دخول ذي القعدة- عدم منافاتها للكراهة و استحباب الترك.

ثم مقتضى الثلاثة الأخيرة من

الروايات المتقدّمة «2» وجوب التوفير، كما حكي عن المقنعة و الإستبصار و الفقيه «3»، استنادا إليها و إلى صحيحة جميل: عن متمتّع حلق رأسه بمكّة- إلى أن قال-: «و إن تعمّد بعد الثلاثين التي توفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه» «4».

و يجاب عن الأول:- مضافا إلى المخالفة لشهرة القدماء- بالمعارضة لما يدلّ على خلافه، كصحيحة الكناني المتقدّمة، و موثّقة سماعة: عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحجّ، فقال: «لا بأس به و السواك و النورة» «5».

و رواية محمد بن خالد الخزّاز: «أمّا أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكّة للإحرام» «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 48- 148، الإستبصار 2: 161- 526، الوسائل 12: 320 أبواب الإحرام ب 4 ح 4.

(2) في النسخ زيادة: و إن كان.

(3) المقنعة: 391، الإستبصار 2: 161، الفقيه 2: 197.

(4) الكافي 4: 441- 7، الفقيه 2: 238- 1137، التهذيب 5: 158- 526، الإستبصار 2: 242- 843، الوسائل 12: 321 أبواب الإحرام ب 5 ح 1.

(5) الفقيه 2: 198- 902، التهذيب 5: 47- 145، الإستبصار 2: 160- 522، الوسائل 12: 319 أبواب الإحرام ب 4 ح 3.

(6) التهذيب 5: 48- 147، الإستبصار 2: 161- 525، الوسائل 12: 320 أبواب الإحرام ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 266

و رواية إسماعيل بن جابر: أوفّر شعري إذا أردت هذا السفر؟ قال:

«أعفه شهرا» «1».

و المروي صحيحا عن كتاب عليّ: الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم؟ قال: «لا بأس» «2»، و ضعفه- إن كان- بالعمل منجبر.

و إمكان الجمع بين هذه و بين الأولى- بتخصيص هذه بغير ذي القعدة- معارض بإمكان تخصيص

الأولى بالمحرم، فيرجع إلى الأصل.

و قيل: يتأكّد الاستحباب إذا أهلّ ذو الحجّة «3»، و لا بأس به، لفتوى الفقيه، و قيل: لصحيحة جميل السابقة «4»، و لا دلالة لها.

و منها: قصّ الأظفار، و أخذ الشارب، و إزالة شعر الإبط و العانة

خصوصا بالاطلاء بالنورة، لفتوى الطائفة، و النصوص المستفيضة، كالصحاح الأربع لابن عمّار و حريز «5».

و استحباب الاطلاء لا يختصّ بما إذا مضى خمسة عشر يوما من

______________________________

(1) التهذيب 5: 47- 142، الوسائل 12: 318 أبواب الإحرام ب 3 ح 2.

(2) مسائل علي بن جعفر: 176- 319، الوسائل 12: 320 أبواب الإحرام ب 4 ح 6.

(3) كما في الرياض 1: 364.

(4) كما في كشف اللثام 1: 310.

(5) الأولى في: الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.

الثانية في: التهذيب 5: 61- 193، الوسائل 12: 322 أبواب الإحرام ب 6 ح 3.

الثالثة في: الكافي 4: 326- 2، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح 5.

الرابعة في: التهذيب 5: 61- 194، الوسائل 12: 322 أبواب الإحرام ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 267

الطلية الأولى، بل يستحبّ مطلقا عند جماعة من المتأخّرين «1»، تبعا للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و المنتهى «2»، لخبر ابن أبي يعفور: «أطليا»، فقلنا: [فعلنا] منذ ثلاثة أيام، فقال: «أعيدا، فإنّ الاطلاء طهور» «3».

و ظاهر بعضهم اختصاص الاستحباب للإحرام بما إذا لم تمض المدّة المذكورة «4»، لرواية أبي بصير: إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية للأخيرة، و كم بينهما؟ قال: «إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فأطل» «5».

و لا يخفى أنّ الخبر الأول لا يختصّ بكون الثاني و لا الأول الطلي للإحرام، و الثاني مخصوص بكون الأول للإحرام، و مقتضى

العمل بالأخبار «6» أن يقال باستحباب الطلي للإحرام مطلقا، سواء مضى خمسة عشر يوما أو لم يمض، لعموماته. إلّا أن يطلي للإحرام قبله و لم تمض المدة المذكورة، للخبر الأخير. أو لم يثبت له بعد شعر، لموثّقة أبي بصير في إحرام الحجّ، و فيها: «و أطل عانتك إن كان لك شعر» «7»، فعليه الفتوى.

و منهم من زاد في المستحبّات تنظيف الجسد من الأوساخ و إزالة

______________________________

(1) كما في القواعد 1: 79، المنتهى 2: 672، اللمعة (الروضة 2): 228، المسالك 1: 106.

(2) النهاية: 211، المبسوط 1: 314، المنتهى 2: 672.

(3) الكافي 4: 327- 6، التهذيب 5: 62- 199، الوسائل 2: 69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(4) كما في الشرائع 1: 244، قواعد الأحكام 1: 79.

(5) الكافي 4: 326- 3، الفقيه 2: 201- 917، التهذيب 5: 62- 198، الوسائل 12: 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 4.

(6) الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7.

(7) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 268

الشعر منه مطلقا «1»، و لا بأس به بعد فتوى الفقيه و إشعار تعليل الإطلاق في بعض الأخبار بأنّه طهور.

و منها: الغسل للإحرام إجماعا،
اشاره

له، و للمتواترة من النصوص، كالصحاح الثلاث لابن عمّار «2»، و صحيحتي ابن وهب «3» و هشام «4»، المتضمّنة جميعا للفظ: «اغتسل»، و: «اغتسلوا»، و موثّقة سماعة: «غسل المحرم واجب» «5»، و مرسلة يونس: «الغسل في سبعة عشر موطنا، منها:

الفرض ثلاثة»، و عدّ من الثلاثة غسل الإحرام «6».

و صحيحتي ابن عمّار «7» و النضر «8»، و روايتي محمّد «9»

و عليّ بن أبي

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 244، و المختصر النافع: 82، و الرياض 1: 364.

(2) الأولى في: الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.

الثانية في: الكافي 3: 40- 1، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب ح 1.

الثالثة في: الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 11:

213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4.

(3) الفقيه 2: 200- 915، التهذيب 5: 62- 196، الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7 ح 1.

(4) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

(5) الكافي 3: 40- 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(6) التهذيب 1: 105- 271، الإستبصار 1: 98- 316، الوسائل 2: 174 أبواب الجنابة ب 1 ح 4.

(7) التهذيب 5: 71- 232، الوسائل 12: 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 1.

(8) الكافي 4: 328- 3، التهذيب 5: 65- 206، الإستبصار 2: 164- 537، الوسائل 12: 329 أبواب الإحرام ب 10 ح 1.

(9) الكافي 4: 329- 8، التهذيب 5: 65- 210، الوسائل 12: 331 أبواب الإحرام ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 269

حمزة «1» الآمرة بإعادة الغسل لمن لبس قميصا بعده، و غير ذلك من الأخبار «2».

و مقتضى تلك الأخبار جميعا وجوبه، كما عن العماني «3» و ظاهر الإسكافي «4»، إلّا أنّ شذوذ قولهما- بل مخالفته لظاهر الإجماع المحكوم به بالحدس، مضافا إلى عدّه في بعض الأخبار «5» في طي الأغسال المسنونة و إلى جواز الإحرام للحائض و النفساء

مع عدم كون غسلهما غسلا حقيقيّا- أوجب صرف تلك الأخبار عن ظواهرها و حملها على الاستحباب.

فروع:
أ: لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه

أعاد الغسل، لصحيحتي عمر بن يزيد «6» و ابن عمّار «7»، و روايات عليّ بن أبي حمزة و محمّد، بل مقتضى الأولى الإعادة مع التطيّب أيضا، كما عن التهذيب و الدروس «8» و غيرهما «9»، و هو كذلك، لذلك.

و في صحيحة النضر: عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن

______________________________

(1) الكافي 4: 328- 4، التهذيب 5: 65- 209، الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 11 ح 1.

(2) الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 11.

(3) حكاه عنه في المختلف: 264.

(4) حكاه عنه في المختلف: 264.

(5) الوسائل 12: 399 أبواب الإحرام ب 48.

(6) التهذيب 5: 71- 231، الوسائل 12: 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 2.

(7) الكافي 4: 348- 3، الوسائل 12: 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 3.

(8) التهذيب 5: 70، الدروس 1: 343.

(9) كما في كشف اللثام: 311، و الحدائق 15: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 270

يحرم، قال: «عليه إعادة الغسل» «1»، و نحوها رواية عليّ بن أبي حمزة «2».

ب: مقتضى الأخيرتين استحباب الإعادة مع النوم أيضا،

كما هو المحكيّ عن الأكثر «3»، و المؤيّد بما دلّ عليه لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف «4»، و لا ينافيه نفي لزوم الغسل عنه في صحيحة العيص «5»، لأنّه لا ينافي الاستحباب، فيحمل على نفي الوجوب- كما فعله الشيخ «6»- أو على نفي تأكّد الاستحباب، كما ذكره جماعة «7».

و هل يشارك النوم باقي الأحداث أيضا، كما اختاره في الدروس و المسالك «8»، لفحوى ما مرّ؟

أولا، كما عليه بعض من عنهما تأخّر، كما في المدارك و الذخيرة «9»؟

الأقرب هو: الثاني، للأصل، و منع الفحوى. بل لو قلنا بكون الأحداث نواقض لهذا الغسل أيضا لم تفد الإعادة، لأنّ الثابت من النصوص هو الغسل للإحرام،

لا الإحرام مع الغسل.

ج: مقتضى صحيحة ابن عمّار-

المتضمّنة لقوله: «إذا انتهيت إلى

______________________________

(1) تقدمت في ص 268.

(2) الكافي 4: 328- 5، التهذيب 5: 65- 207، الإستبصار 2: 164- 538، الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 10 ح 2.

(3) حكاه في الرياض 1: 364.

(4) الوسائل 12: 328 أبواب الإحرام ب 10.

(5) الفقيه 2: 202- 925، التهذيب 5: 65- 208، الإستبصار 2: 164- 539، الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 10 ح 3.

(6) في الإستبصار 2: 164.

(7) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 254، صاحب المدارك 7: 252، صاحب رياض المسائل 1: 365.

(8) الدروس 1: 343، المسالك: 106.

(9) المدارك 7: 253، الذخيرة: 556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 271

العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام» الحديث «1»- أنّ مكان الغسل هو الميقات، كما صرّح به جمع من الأصحاب «2» أيضا، بل قد يقال: إنّه المتبادر من النصّ و الفتوى مطلقا.

و لكن يجوز تقديمه عليه مع خوف عوز الماء في الميقات، وفاقا للشيخ و أتباعه، كما عن التنقيح «3»، بل لعامّة المتأخّرين أيضا كما قيل «4»، بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «5»، بل بالإجماع كما في المدارك «6».

لصحيحة ابن وهب: «أطل بالمدينة و تجهّز بكلّ ما تريد و اغتسل، و إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة» «7».

و الحلبي: عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه، أ يجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال: «نعم» «8».

و هشام: «اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخاف أن يعزّ عليكم الماء بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها» الحديث «9».

______________________________

(1) الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح

4.

(2) منهم الحلّي في السرائر 1: 530، الشهيد الثاني في الروضة 2: 229، السبزواري في الذخيرة: 573.

(3) التنقيح 1: 454.

(4) انظر رياض المسائل 1: 364.

(5) الذخيرة: 586.

(6) المدارك 7: 251.

(7) الفقيه 2: 200- 915، التهذيب 5: 62- 196، الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7 ح 1.

(8) التهذيب 5: 63- 201، الوسائل 12: 327 أبواب الإحرام ب 8 ح 5.

(9) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، التهذيب 5: 63- 202، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 272

و مقتضى الأولين جواز التقديم مطلقا و إن لم يخف عوز الماء- كما قوّاه جماعة من متأخّري أصحابنا «1»- و هو الأقرب، و ظهور عدم قائل به من التنقيح «2» لا يضرّ، لعدم ثبوت الإجماع بمجرّده.

و هل تستحبّ الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟

فيه قولان، الأقرب هو: الثاني، للأصل و استدل للأول بذيل صحيحة هشام: «لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» «3».

و ردّ بأنّ نفي البأس غير الاستحباب، إلّا أن يتمّم بأنّه إذا لم يكن به بأس كان راجحا لكونه عبادة.

أقول: لا يتعيّن تقدير البأس، بل الظاهر منه نفي أصل الغسل، أي ليس عليكم الغسل، فهو لدليل الثاني أقرب و أشبه.

د: يجزئ غسل النهار ليومه و الليل لليلته

ما لم ينم بلا خلاف، للمستفيضة من النصوص «4»، بل المستفاد من بعضها كفاية غسل الليل لليوم و اليوم لليل، و أفتى به جماعة أيضا «5»، و لا بأس به، و إن كان الأفضل في الأخير الإعادة، لبعض الأخبار «6».

ه: لو أحرم بغير غسل أو صلاة، أعاد الإحرام بعد تداركهما

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 364.

(2) التنقيح 1: 454.

(3) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، التهذيب 5: 63- 202، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

(4) الوسائل 12: 328 أبواب الإحرام ب 9.

(5) كما في المقنع: 70، و الحدائق 15: 15، و الرياض 1: 364.

(6) الكافي 4: 328- 2، الوسائل 12: 328 أبواب الإحرام ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 273

استحبابا على الأظهر الأشهر، لصحيحة الحسن بن سعيد: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عامدا، ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي أن يصنع؟ فكتب: «يعيده» «1».

خلافا لمن حكي عنه الوجوب «2»، لما مرّ.

و فيه: أنّه غير ناهض «3» لإثباته، للجملة الخبريّة، و يؤيّده ظهور السؤال في الاستحباب، فكذا الجواب ليتمّ المطابقة.

و للحلّي، فأنكر الاستحباب أيضا «4»، و لعلّه للأصل، بناء على أصله في الآحاد.

و هل يبطل الإحرام الأول فيكون المعتبر منه هو الثاني؟ أم لا، فيكون المعتبر هو الأول؟

الظاهر هو: الثاني، لعدم دليل على بطلان الأول أو إبطاله، و لاستصحابه، و لمطلقات وجوب الكفّارة لمن ارتكب ما فيه الكفّارة بعد الإحرام.

و قيل بالأول «5»، لتبادره من الإعادة عرفا، و تصريح الأصوليين بأنّها عبارة عن الإتيان بالشي ء ثانيا بعد الإتيان به أولا لوقوعه على نوع خلل.

و فيه: منع انفهام ذلك عرفا، و الخلل الواقع في تصريح الأصوليين أعمّ من المبطل، و لو سلّم فلا

نسلّم كونه كذلك في عرف الشارع و اللغة،

______________________________

(1) الكافي 4: 327- 5، التهذيب 5: 78- 260، الوسائل 12: 347 أبواب الإحرام ب 20 ح 1.

(2) حكاه العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف: 264.

(3) في نسخة في «ح»: ناصّ.

(4) السرائر 1: 532.

(5) كما في الرياض 1: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 274

بل وردت الإعادة في كثير من المواقع التي لم يبطل فيها الأصل.

ثمّ إنّه تظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلّل بين الإحرامين، و احتساب الشهر بين العمرتين، و العدول إلى عمرة التمتّع لو وقع الثاني في أشهر الحجّ.

و منها: أن يكون إحرامه عقيب الصلاة،

و لا خلاف في رجحانه، بل هو إجماع مقطوع به، و تدلّ عليه معه المستفيضة من الصحاح و غيرها «1».

و المشهور أنّه على الاستحباب، و الأصل معهم.

و عن الإسكافي «2»: الوجوب، و ظاهر أكثر الأخبار معه، إلّا أنّ شذوذه- بل مخالفته للإجماع المحقّق بالحدس، لعدم قدح مخالفة النادر فيه- أوجب صرفه عن ظاهره.

بل هنا أمر آخر، و هو: أنّ جميع الأخبار المتضمّنة لما ظاهره الوجوب واردة على أمر لا يقول أحد بوجوبه بخصوصه من فريضة مخصوصة أو نافلة كذلك، بل لا يخلو شي ء من الخصوصيات من معارض من النصوص، فبعضها أمر بما بعد المكتوبة، و آخر بما بعد ستّ ركعات، و ثالث بالأربع، و رابع باثنتين، مع أنّه صرّح في آخر رواية عمر بن يزيد بأنّه: «واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار» «3».

فلا يمكن إثبات وجوب شي ء، بل يرجع فيه إلى الأصل.

قالوا: و الأفضل أن يكون بعد الصلاة المكتوبة، أي الخمس

______________________________

(1) الوسائل 12: 344 أبواب الإحرام ب 18.

(2) حكاه عنه في المختلف: 264.

(3) التهذيب 5: 169- 561،

الإستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 275

اليوميّة «1»، و منها صلاة الظهر.

و احتجّ للأول بصحيحة ابن عمّار: «لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و إن كانت نافلة صلّيت ركعتين و أحرمت في دبرهما» الحديث «2».

و الأخرى: «صلّ المكتوبة، ثم أحرم بالحجّ أو المتعة، و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء» «3».

و ثالثة: «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصلّ ركعتين ثم أحرم في دبرها» «4».

و رواية الكناني: لو أنّ رجلا أحرم في دبر صلاة غير مكتوبة أ كان يجزئه ذلك؟ قال: «نعم» «5».

و موثّقة ابن فضّال: في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة، قال: «لا، ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلّي فيها» «6».

و رواية إدريس: عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر، كيف يصنع؟ قال: «يقيم إلى المغرب»، قلت: فإن أبى جمّاله أن يقيم عليه؟

______________________________

(1) انظر المقنعة: 396، و النهاية: 212، و الرياض 1: 365.

(2) الكافي 4: 331- 2، الفقيه 2: 206- 939، التهذيب 5: 77- 253، الإستبصار 2: 166- 548، الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

(3) الكافي 4: 334- 14، الوسائل 12: 344 أبواب الإحرام ب 18 ح 1.

(4) التهذيب 5: 78- 258، الإستبصار 2: 166- 546، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 5.

(5) الكافي 4: 333- 10، التهذيب 5: 77- 254، الإستبصار 2: 166- 547، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 2.

(6) الفقيه 2: 208- 945، الوسائل 12: 347 أبواب الإحرام ب 19

ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 276

قال: «ليس له أن يخالف السنّة»، قلت: له أن يتطوّع بعد العصر؟ قال: «لا بأس به، و لكن أكرهه للشهرة، و تأخير ذلك أحبّ إليّ»، قلت: كم أصلّي إذا تطوّعت؟ قال: «أربع ركعات» «1».

و للثاني: بالتأسّي بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، حيث إنّه أحرم بعد صلاة الظهر، كما في صحيحة الحلبي «2» و غيرها «3».

و بصحيحة أخرى للحلبي: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس» «4».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه فاغتسل» إلى أن قال: «ثم صلّ ركعتين في مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحجّ» الحديث «5».

أقول: يرد على أدلّة الأول بعدم دلالة الأخيرة، لجواز أن تكون أولوية التأخير إلى وقت الفريضة، لما ذكره فيها من كون التطوّع حينئذ موجبا للشهرة و محلّا للتقيّة.

و منه يظهر عدم دلالة ما قبلها أيضا، مضافا إلى احتمال أن يكون

______________________________

(1) التهذيب 5: 78- 259، الوسائل 12: 346 أبواب الإحرام ب 19 ح 3.

(2) التهذيب 5: 78- 255، الإستبصار 2: 167- 549، الوسائل 12: 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 3.

(3) الكافي 4: 332- 4، الفقيه 2: 207- 940، الوسائل 12: 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 5.

(4) الكافي 4: 331- 1، التهذيب 5: 78- 256، الوسائل 12: 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 1.

(5) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 277

المراد بوقت

الصلاة فيها أعمّ من وقت الفريضة و التطوّع، أي الوقت الذي لا يكره فيه التطوّع عند الناس.

و كذا اللتين ما قبلهما، فإنّه لا دلالة لهما على أفضليّة وقت الفريضة و ما بعدها، و إن كان سؤال السائل في أوليهما يشعر بذلك، و لكنّه ليس بحجّة.

فلم تبق إلّا الأوليين، و ثانيهما لا تفيد العموم، لأنّها مخصوصة بغير إحرام المتمتّع للحجّ في مكّة، لقوله: «حتى تصعد البيداء»، بل و كذا أوليهما كما يظهر من ذيلها.

مع أنّهما معارضتان بما يأتي من الأخبار الدالّة على أفضليّة إحرام المتمتّع للحجّ يوم التروية، و على أفضليّة إيقاع صلاة الظهر مطلقا أو للإمام في منى، فالتعميم ليس بجيّد.

و منه يظهر ما في أدلّة الثاني من التعميم، مع كون إحرام الرسول بعد صلاة الظهر في غير مكّة، كما يظهر من الصحيحة «1».

مضافا إلى ما في التمسّك بالتأسّي من المعارضة بصحيحة الحلبي المتضمّنة لإحرام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و فيها: فسألته متى ترى أن نحرم؟

فقال: «سواء عليكم، إنّما أحرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلاة الظهر، لأنّ الماء كان قليلا، كأن يكون في رءوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك في الغد و لا يكاد يقدرون على الماء، و إنّما أحدثت هذه المياه حديثا» «2».

فإنّها تدلّ على التسوية بالنسبة إلينا، و الحمل على التسوية في

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 276.

(2) الكافي 4: 332- 4، الفقيه 2: 207- 940، الوسائل 12: 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 278

الإجزاء دون الفضيلة خلاف الظاهر، مع أنّه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أيضا مساويا في الإجزاء.

و إلى ما في التمسّك بالصحيحة الأخرى «1» من

أنّها إنّما تدلّ على الأفضليّة عند الزوال لا بعد صلاة الظهر، إلّا أن ينضمّ معه ما مرّ من الأفضليّة بعد الفريضة أيضا.

و حينئذ و إن ثبتت الأفضليّة بعد صلاة الظهر منها- و أوجب ذلك حمل التسوية في الأولى على ما قيل من الإجزاء، أو على محمل آخر- و لكن يعارض عمومها ما أشير إليه من أخبار أفضليّة صلاة الظهر للمتمتّع بمنى «2».

و على هذا، فالظاهر ما ذكروه، و لكن في غير إحرام الحجّ للمتمتّع.

ثم لو لم يكن وقت فريضة و أراد الإحرام، يستحبّ أن يصلّي صلاة الإحرام، و هي ستّ ركعات.

لرواية أبي بصير: «تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها» «3».

و موثّقته، و فيها: «ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم» الحديث «4».

و الأقلّ منها أربع، لرواية إدريس المتقدّمة «5». و الأقلّ منها ركعتان،

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 276.

(2) كما في الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.

(3) التهذيب 5: 78- 257، الإستبصار 2: 166- 545، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 4.

(4) التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 11: 340 أبواب المواقيت ب 21 ح 4.

(5) في ص: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 279

للصحاح الثلاث المتقدّمة لابن عمّار «1».

بل و ظاهر الأخبار «2» استحباب صلاة الإحرام مطلقا، سواء كانت الستّ أو الأقلّ و لو أحرم بعد الفريضة أيضا، كما نسب إلى ظاهر أكثر الأصحاب «3».

و هل يقدّم صلاة الإحرام مع عدم ضيق وقت الفريضة، أو يعكس؟

المشهور:- كما قيل «4»- الأول، و هو الأظهر، لصحيحة ابن عمّار الأخيرة «5»، المصرّحة بتقديم الركعتين في المقام أو الحجر، و الرضوي- المنجبر بالشهرة المحكية، بل المحقّقة-: «فإن

كان وقت فريضة فصلّ هذه الركعات قبل الفريضة ثم صلّ الفريضة» «6».

و عن الجمل و العقود و المهذّب و الإشارة و الوسيلة و الغنية:

العكس «7».

لعموم: «لا نافلة في وقت فريضة» «8».

و لأن يقع الإحرام دبر صلاته، فإنّ المتبادر منه التعقيب بلا فاصلة.

و يضعّف الأول: بما مرّ في موضعه من جواز النافلة في وقت

______________________________

(1) انظر ص: 275.

(2) الوسائل 12: 344، 346 أبواب الإحرام ب 18 و 19.

(3) انظر الرياض 1: 365.

(4) انظر كشف اللثام 1: 311.

(5) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

(6) فقه الرضا «عليه السّلام»: 216، مستدرك الوسائل 9: 170 أبواب الإحرام ب 13 ح 2.

(7) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 227، المهذّب 1: 215، الإشارة: 107، الوسيلة: 161، الغنية (الجوامع الفقهية): 565.

(8) الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 280

الفريضة، خصوصا مع خصوصيّة دليل تقديم صلاة الإحرام، و تصريح بعض الأخبار من أنّها من الصلوات التي تصلّى في كلّ وقت «1».

و الثاني: بالمعارضة بما دلّ على أفضليّة إيقاعه دبر الفريضة مع أصحيّته و أكثريته، فيحمل الدبر في القسمين على المعنى الأعم.

و يستحبّ أن يقرأ في أولى ركعات الإحرام بالحمد و التوحيد، و في الثانية بالحمد و الجحد، للتصريح به في بعض الصحاح «2»، و هو و إن لم يفد ذلك الترتيب إلّا بحسب الترتيب الذكري الذي هو في الإفادة قاصر، إلّا أنّه يستفاد الترتيب من المرسلة المرويّة في الكافي و التهذيب، المذكورة بعد الصحيح المذكور بقوله: و في رواية أخرى أنّه «يبدأ في هذا كلّه ب: قل هو اللَّه أحد، و في الركعة الثانية ب: قل يا

أيّها الكافرون، إلّا في الركعتين قبل الفجر» الحديث «3».

______________________________

(1) انظر الوسائل 12: 346 أبواب الإحرام ب 19.

(2) كما في الوسائل 12: 346 أبواب الإحرام ب 19.

(3) الكافي 3: 316- 22، التهذيب 2: 74- 273، 284، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة في الصلاة ب 15 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 281

البحث الثاني في واجباته
اشاره

و هي أيضا أمور:

الأول: النيّة.
اشاره

قالوا: و يجب فيها قصد الفعل و القربة، بلا خلاف و لا إشكال، و ظهر وجهه في كتاب الطهارة و الصلاة، و كذا قصد المميّز إن أمكن وقوع الفعل على وجوه، كالأصالة، و النيابة، و الندب، و الوجوب، إذا لم يكن مميّز خارجي، كما إذا كانت عليه نيابة موسّعة أو واجب موسّع، إذ مع الضيق لا يمكن وقوع الفعل إلّا على تلك الجهة، فيكون هو المميّز.

و منه يظهر عدم لزوم قصد حجّة الإسلام، إذ مع وجوبها لا يمكن وقوع غيرها.

و كذا يجب قصد الجنس من الحجّ و العمرة، و النوع من التمتّع أو القران أو الإفراد.

لا لتوقّف التميّز عليه، لحصوله بما ينضمّ إليه من باقي النسك، و عدم وجوب التميّز الابتدائي، كما مرّ في موضعه.

بل قد يقال: بعدم اعتبار التميّز هنا أيضا، لأنّ النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته، و لا يشترط تعيين الغاية، لعدم اختلاف حقيقة الفعل و لا آثاره و لا لوازمه باختلاف الغايات.

و لكنّه غير جيّد، لمنع كون الإحرام خارجا عن النسكين مأمورا به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 282

بأمر أصلي على حدة، فيكونا غايتين له، بل هو جزء من كلّ منهما مأمورا به بتبعية الأمر بهما، مضافا إلى منع عدم اختلاف الآثار و اللوازم باختلاف الغايات، فيمكن أن يكون لإحرام الحجّ أجر و لإحرام العمرة أجر آخر.

بل للصحاح و غيرها من المستفيضة المتقدّمة «1» في بيان خصائص التمتّع، المصرّحة بوجوب قصد المتعة المسرية إلى سائر الأنواع بعدم القول بالفصل، المعتضدة بأخبار دعاء حال الإحرام «2»، المتضمّنة لتعيينه.

و لو نوى نوعا و نطق بغيره عمدا أو سهوا فالمعتبر المنوي، لأنّ النيّة أمر قلبي و

لا اعتبار بالنطق، و صرّح به في بعض الصحاح «3» أيضا.

و لو أخلّ بالنيّة عمدا أو سهوا لم يصحّ إحرامه، بلا خلاف فيه بين علمائنا كما في المدارك «4»، لفوات الكلّ أو المشروط بفوات الجزء أو الشرط.

هذا بيان المقام على ما هو الموافق لكلام القوم.

و أقول: إنّ مرادهم بالنيّة المذكورة في هذا المقام إن كان نيّة نفس الإحرام، فإنّا نراهم يقولون: إنّ الإحرام هنا بمنزلة الإحرام في الصلاة، و إنّ التلبية هنا قائمة مقام التكبيرة، و نراهم لا يوجبون نيّة إحرام للصلاة زائدة على نيّة الصلاة، مع أنّه ورد في الأخبار «5» الإحرام بالصلاة متكرّرا كوروده في العمرة و الحجّ، فما وجه الفرق بينهما؟!

______________________________

(1) انظر الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2.

(2) كما في الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16.

(3) التهذيب 5: 76- 261، الإستبصار 2: 167- 551، الوسائل 12: 342 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.

(4) المدارك 7: 259.

(5) الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 283

و إن كان نيّة أحد النسكين فهو لا يلائم ما ذكروه من نيّة الإحرام زائدة على نيّة التمتّع، و لا قولهم: إنّ النسكين غايتان للإحرام و لا يشترط تعيين الغاية في نيّة الفعل.

ثم أقول: إن كان مرادهم هو الأول، فلا دليل على وجوبه و اشتراطه أصلا، و الأخبار كلّها واردة في نيّة العمرة أو الحجّ أو المتعة، و الأصل ينفيه.

فإن قيل: الإحرام فعل من أفعال أحد النسكين مأمور به، فيكون عبادة محتاجة إلى النيّة.

قلنا: لا نسلّم أنّ الإحرام فعل غير التلبّس بأحد النسكين و الشروع فيه مطلقا، أو بما تحرم معه محظورات الحجّ و العمرة من أجزائهما، فهو لفظ معناه

أحد الأمرين، لا أنّه أمر آخر و جزء مأمور به بنفسه من حيث هو، و لذا تكفي نيّة الصلاة عن نية إحرامها و تكبيرتها، مع أنّه أيضا ممّا ورد به الأمر في الأخبار.

فمعنى الإحرام: الشروع أو الدخول في أحد النسكين إمّا مطلقا أو مقيّدا بما ذكر، فنيّته تكفي عن نيّته.

و معنى غسل الإحرام و ثوب الإحرام و نحو ذلك: غسل الدخول في الحجّ، و مثلا: الثوب الذي يجب لبسه في التلبّس بالحجّ.

و معنى عدم جواز تجاوز الميقات إلّا محرما: أي إلّا متلبّسا بالحجّ مثلا.

و إن كان مرادهم هو الثاني، فهو كذلك، و هو الذي تدلّ عليه الأخبار «1»، كقوله: «يهلّ بالحجّ»، أو: «يفرض الحجّ»، أو: «ينوي المتعة» و غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 284

و أصرح من الجميع صحيحة ابن عمّار الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و فيها:

«فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي هو عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، ثم عزم على الحجّ مفردا، و خرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصفّ له سماطان، فلبّى بالحجّ» الحديث «1».

و في صحيحة الحلبي الواردة فيه: «و أحرم الناس كلّهم بالحجّ لا ينوون عمرة» الحديث «2».

و لكن لا يحسن حينئذ جعل أحد النسكين غاية الإحرام، إلّا أنّ ذلك شي ء قاله بعض متأخّري المتأخّرين «3».

و يمكن أن يكون مراد الباقين أيضا من نيّة الإحرام هو: النيّة الحاصل بها الإحرام و الدخول في النسك.

ثم إنّه على أن لا يكون المراد منه غير نيّة الحجّ أو العمرة لا يشترط في تلك النيّة غير تصوّر أفعال أحدهما مجملا

أو مفصّلا، و لو اعتبر نيّة الإحرام يعتبر تصوّر معناه و أفعاله، بل تصوّر محظوراته و لو بالإجمال، على أن يكون المراد بالإحرام: تحريم هذه الأشياء، أو فعل يحرم معه هذه الأشياء.

و أمّا لو كان المراد نيّة الحجّ أو العمرة فلا يشترط ذلك و إن لزم تحريم هذه الأمور بالدخول في أحدهما، كما لا يشترط تصوير منافيات الصلاة حال نيّتها، و إن حرمت بالدخول في الصلاة.

و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ جعلنا الإحرام فعلا ثم النيّة و اللبس و التلبية من

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 22- 3، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4: بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 248- 6، الفقيه 2: 153- 665، العلل: 412- 1، الوسائل 11:

222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

(3) قاله في الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 285

أفعاله و المحظورات من تروكه إنّما هو جري على الطريقة المجرية عليها، و إلّا كان المناسب أن تجعل النيّة من أحد أفعال العمرة- مثلا- و اللبس واحدا و التلبية واحدا و الطواف واحدا، إلى آخر الأفعال، و تجعل المحظورات محظورات المعتمر، و هكذا في الحجّ.

و يستحبّ في النيّة أمران:
الأول: أن يتلفّظ بما يعزم عليه و ينويه

، للأخبار المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار، و فيها: «و إذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللَّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و قل: اللَّهمّ إنّي أسألك» إلى أن قال:

«اللَّهمّ إنّي أريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك، فإن عرض لي شي ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، اللَّهمّ إن لم يكن حجّة فعمرة، أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي

و مخّي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب، أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة»، قال: «و يجزئك أن تقول هذا مرّة واحدة حتى تحرم، ثم قم فامش هنيهة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ» «1».

و صحيحة حمّاد: قلت له: إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، كيف أقول؟ قال: «تقول: اللَّهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك صلّى اللَّه عليه و آله، و إن شئت أضمرت التي تريد» «2»، و نحوها رواية أبي الصباح «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 331- 2، الفقيه 2: 206- 939، التهذيب 5: 77- 253، الإستبصار 2: 166- 548، الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 332- 3، الفقيه 2: 207- 941، التهذيب 5: 79- 261، الإستبصار 2: 167- 551، الوسائل 12: 342 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.

(3) التهذيب 5: 79- 262، الإستبصار 2: 167- 552، الوسائل 12: 343 أبواب الإحرام ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 286

و صحيحة ابن سنان: «إذا أردت الإحرام و التمتّع فقل: اللَّهمّ إنّي أريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فيسّر ذلك لي و تقبّله منّي و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب، فإن شئت فلبّ حين تنهض، و إن شئت فأخّره حتى تركب» الحديث «1».

و لا يخفى أنّ استحباب ذلك مخصوص بالحجّ و العمرة، فإنّ غيرهما من العبادات لا يستحبّ التلفّظ بالمنويّ فيه، قال بعض شرّاح المفاتيح:

يمتاز الحجّ من بين سائر العبادات باستحباب التلفّظ بما ينوي و يعزم عليه.

ثم إنّ ذلك غير

ما يستحبّ زيادته في التلبية من قولك: لبّيك بحجّة و عمرة، و نحوه، و ليس هو التلفّظ بما يحرم، بل هو دعاء مستحبّ.

و قد فسّر بعض شرّاح النافع «2» قول المصنّف- و التلفّظ بما يعزم عليه- بما يذكر في التلبية، و استدلّ برواياته، و ليس بجيّد، و لذا عدّهما في المدارك و المفاتيح «3» أمرين، و ذكر الأول في الأخبار المذكورة قبل التلبّي.

الثاني: أن يشترط عند إحرامه أن يحلّه من إحرامه حيث منعه مانع

من الإتمام و أن يتمّه عمرة إن لم يتيسّر له حجّة، و لا خلاف في استحبابه كما صرّح به غير واحد «4»، بل صرّح جماعة بالإجماع أيضا «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(2) انظر الرياض 1: 371.

(3) المدارك 7: 298، 299، المفاتيح 1: 314.

(4) كما في الذخيرة: 584، و الرياض 1: 371.

(5) منهم السيّد المرتضى في الإنتصار: 105، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 465، الفيض في المفاتيح 1: 312، صاحب الحدائق 15: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 287

و تدلّ عليه الصحاح المستفيضة كما مرّت طائفة منها، و يتأدّى بكلّ لفظ أفاد المراد عملا بالإطلاق، كما صرّح به في المنتهى «1» و غيره «2»، و إن كان باللفظ المنقول في إحدى الصحاح المتقدّمة أولى، و لا يتأدّى المستحبّ بنيّة الاشتراط من دون التلفّظ به، بل لا اعتداد بها، للأصل.

و قد وقع الخلاف في فائدة هذا الاشتراط بعد الاتّفاق على أنّه حلّ إذا حبس، اشترط أو لم يشترط، كما نطقت به بعض النصوص، (فبعض قال بأنّها) «3»: التحلّل عند الحبس من دون هدي، و تعجيل التحليل قبل بلوغ الهدي محلّه، و بأنّها: سقوط الحجّ من قابل، و بأنّها: استحقاق الثواب

و التعبّد، و اللَّه سبحانه أعلم.

الثاني: لبس الثوبين.
اشاره

و هما واجبان بلا خلاف يعلم، كما في المنتهى و الذخيرة و الكفاية «4»، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك «5»، بل إجماعي، كما عن التحرير «6» و في المفاتيح «7» و شرحه، بل إجماع محقّق، و تدلّ عليه معه الأخبار المستفيضة:

كصحيحة [ابن] عمّار: «إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى

______________________________

(1) المنتهى 2: 680.

(2) كالحدائق 15: 101، الرياض 1: 371.

(3) بدل ما بين القوسين في «ح»: فتبين فائدة ..

(4) المنتهى 2: 681، الذخيرة: 580، الكفاية: 58.

(5) المدارك 7: 274.

(6) التحرير 1: 96.

(7) المفاتيح 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 288

الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام إن شاء اللَّه فانتف إبطيك، و قلّم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك، و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت، ثم استك، و اغتسل، و البس ثوبيك، و ليكن فراغك من ذلك إن شاء اللَّه عند زوال الشمس، و إن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرّك، غير أنّي أحبّ أن يكون عند زوال الشمس» «1».

و الأخرى الواردة في إحرام الحجّ: «إذا كان يوم التروية فاغتسل، و البس ثوبيك» «2»، و قد مرّت بتمامها في مقدّمة الإحرام.

و الثالثة الواردة فيه أيضا، و فيها: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية» إلى أن قال: «و اغتسل، و البس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام، فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم» الحديث «3».

و صحيحة هشام، و فيها: «فاغسلوا بالمدينة، و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها» الخبر «4».

و في صحيحة ابن وهب: «إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة، فتفيض عليك من الماء، و تلبس ثوبيك إن

شاء اللَّه» «5»، إلى غير ذلك.

و لا يضرّ ورود بعض الأوامر في تلو الأوامر المستحبّة، و لا وقوع

______________________________

(1) الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 6.

(2) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

(3) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 2.

(4) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، التهذيب 5: 63- 202، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

(5) التهذيب 5: 64- 203، الوسائل 12: 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 289

بعض آخر بالجملة الخبرية، لأنّ خروج جزء من الخبر عن حقيقته بدلالة خارجية لا يوجب خروج الآخر، و لأنّ الإجماع و سائر الأوامر قرائن على إرادة الوجوب من الخبرية.

و الظاهر- كما ذكره في الذخيرة «1»- أنّ محلّ لبسهما قبل عقد الإحرام، أي نيّة الحجّ أو العمرة، لا لئلّا يكون بعده لابسا للمخيط، لعدم التلازم بينهما، بل لصحيحتي ابن عمّار الأخيرتين، المؤيّدتين بالأولى منها أيضا و بغيرها من الأخبار «2» أيضا.

و هل لبسهما من شرائط صحّة الإحرام، بمعنى: أنّه ما لم يلبسهما لم يكن داخلا في الحجّ أو العمرة و إن نوى أحدهما، كما أنّ من ينوي الصلاة ليس داخلا فيها ما لم يشرع في فعل آخر، أو لم تكن التلبية الغير المسبوقة به محرّمة لما يحرم بالإحرام؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    289     الثاني: لبس الثوبين. ..... ص : 287

لا، بل يدخل في النسك بمجرد النيّة، و يحرم عليه بالتلبية ما يحرم و

إن لم يسبق به إلّا أن يكون واجبا مأثوما تاركه؟

حكي الأول عن ظاهر الإسكافي «3»، و ليس كذلك، فإنّ كلامه لا يفيد سوى اشتراط التجرّد، و هو أعمّ من اشتراط اللبس.

و الثاني مصرّح به في كلام جماعة، كالمقداد و الشهيد الثاني و سبطه و الذخيرة «4»، و جماعة ممّن تأخّر عنهم «5»، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب «6»،

______________________________

(1) الذخيرة: 580.

(2) الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52.

(3) حكاه عنه في المختلف: 264، و الرياض 1: 368.

(4) المقداد في التنقيح 1: 460، الشهيد الثاني في المسالك 1: 105، و سبطه في المدارك 7: 274، الذخيرة: 580.

(5) كصاحبي الحدائق 15: 78، و الرياض 1: 368.

(6) كما في الدروس 1: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 290

و هو الأقوى، لأنّ المراد بالإحرام إمّا هو الشروع في الحجّ أو العمرة و الدخول فيه، فقد تحقّق بعزمه و نيّته، أو صيرورته بحيث تحرم عليه المحظورات المعهودة، فلا يتحقّق إلّا بالتلبية.

و الأصل- الموافق لإطلاقات التحريم بالتلبية- عدم اشتراطها بمسبوقية اللبس، و إن كان الإحرام بنفسه أيضا فعلا مأمورا به من حيث هو هو، كما هو ظاهر كلماتهم، فالأصل عدم كون اللبس جزءا منه حتى تنتفي صحّته بانتفائه.

و قد يستدلّ أيضا بمثل صحيحة ابن عمّار: في رجل أحرم و عليه قميصه، فقال: «ينزعه و لا يشقّه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه [و أخرجه] ممّا يلي رجليه» «1».

حيث إنّ الإخراج من قبل الرجل للتحرّز عن ستر الرأس، فإذا لم يجب لو أحرم مع القميص يعلم أنّه لم ينعقد إحرامه المحرّم لستر الرأس.

و فيه نظر، لجواز أن لا يكون الحكم لما ذكر، بل كان تعبّدا.

فروع:
أ: المراد بالثوبين: الرداء و الإزار،

بلا إشكال فيه كما قيل

«2».

و تدلّ عليه صحيحة ابن سنان، و هي طويلة، و فيها: «فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرّد في إزار و رداء،

______________________________

(1) الكافي 4: 348- 1، التهذيب 5: 72- 238، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أخرج، و ما أثبتناه من المصادر.

(2) انظر الرياض 1: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 291

أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه إن لم يكن له رداء» «1».

و في صحيحة محمّد و غيرها: «يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء» «2».

و في صحيحة ابن عمّار: «و لا سراويل إلّا أن لا يكون إزار» «3».

و في بعض الروايات العامّية عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: «و لبس إزار و رداء و نعلين» «4».

ب: قالوا: المعتبر من الرداء ما يوضع على المنكبين،

و من الإزار ما يستر العورة و ما بين السرّة إلى الركبتين، و لعلّ الوجه اعتبار صدق الاسم عرفا المتوقّف على ذلك، بل الظاهر في الأول ستر شي ء ممّا بين الكتفين أيضا.

و في التوقيع الرفيع المرويّ في الإحتجاج عن مولانا صاحب الزمان:

«جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا إبرة تخرجه عن حدّ المئزر، و غرزه غرزا و لم يعقد و لم يشدّ بعضه ببعض، و إذا غطّى السرّة و الركبتين كليهما فإنّ السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة و الركبتين، و الأحبّ إلينا و الأكمل لكلّ أحد شدّه على سبيل المألوفة المعروفة جميعا إن شاء اللَّه» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 15.

(2) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12:

487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.

(3) الكافي 4: 340- 9، الفقيه 2: 218- 998، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35 ح 1.

(4) كما في مسند أحمد 2: 34.

(5) الإحتجاج 2: 485، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 292

ج: كيفيّة لبسهما هي الكيفيّة المعروفة

، فيغطّي بالرداء المنكبين و ما يحويه ممّا بينهما، و هو المراد بالارتداء الوارد في كلام جماعة، و بالإزار ما بين السرّة و الركبتين.

و عن الشيخ و الحلّي و القواعد و المسالك «1» و بعض آخر «2»: التخيير في الرداء بين الارتداء و التوشّح، و هو تغطية أحد المنكبين.

و عن بعض أهل اللغة: التوشّح بالثوب: هو إدخاله تحت اليد اليمنى و إلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعل المحرم «3»، و نحوه في المغرب «4».

و عن الوسيلة «5»: التوشّح من غير ذكر للارتداء. و لا شكّ في ضعف ذلك، لعدم دليل على تعيينه.

و أمّا الجواز، فاستدلّ له بالإطلاق. و في دلالته عليه نظر، لأنّه ليس هناك إطلاق يشمله، و المتبادر من لبس الرداء الارتداء به، كما أنّ المتبادر من لبس العمامة و المنطقة التعمّم و التمنطق.

و هل يجوز عقد الرداء، أم لا؟

فعن الفاضل و الدروس «6» و غيرهما «7»: عدم الجواز، و استدلّ له بموثّقة الأعرج: عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: «لا» «8».

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 314، الحلي في السرائر 1: 530، القواعد 1: 80، المسالك 1: 107.

(2) كالرياض 1: 368.

(3) المصباح المنير: 661.

(4) المغرب 2: 250.

(5) الوسيلة: 160.

(6) الفاضل في التذكرة 1: 332، الدروس 1: 344.

(7) انظر الرياض 1: 375.

(8) الفقيه 2: 221- 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك

الإحرام ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 293

و في دلالتها على التحريم ثم في الرداء نظر، لجواز أن يكون السؤال عن الإباحة دون الجواز بالمعنى الأعم.

و يمكن الاستدلال له بأنّ الظاهر من الأمر بالارتداء المستفاد من لبس الرداء هو: الإلقاء، دون العقد و الشدّ، فإنّه غير الارتداء، فتأمّل.

و أمّا الإزار، فصرّح جماعة بجواز عقده «1»، قال في المنتهى: يجوز للمحرم أن يعقد إزاره عليه، لأنّه يحتاج إليه لستر العورة «2».

أقول: و يدلّ عليه أيضا الأصل، و كونه طريق لبس الإزار، و رواية القدّاح:

«إنّ عليّا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلّي و إن كان محرما» «3».

إلّا أنّ في موثّقة الأعرج المتقدّمة النهي عن عقده في عنقه، و كذا في المرويّ في قرب الإسناد: «المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده» «4».

و لكن المنهيّ فيهما العقد على العنق، و لا بأس به، لكونه غير الطريق المألوف في الاتّزار.

نعم، في التوقيع المتقدّم النهي عن عقده مطلقا، فإذن الأحوط- بل الأظهر- تركه.

د: الظاهر- كما صرّح به جماعة،

منهم: المدارك و الذخيرة «5»

______________________________

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 344، صاحب المدارك 7: 330، السبزواري في الذخيرة: 580.

(2) المنتهى 2: 783.

(3) الكافي 4: 347- 3، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الحج ب 53 ح 2.

(4) قرب الإسناد: 241- 953، الوسائل 12: 503 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 5، البحار 10: 254.

(5) المدارك 7: 274، الذخيرة: 580.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 294

و غيرهما «1»- عدم وجوب استدامة اللبس، لصدق الامتثال، و عدم دليل على وجوب الاستمرار.

و تدلّ عليه أيضا مثل رواية الشحّام: عن امرأة

حاضت و هي تريد الإحرام فطمثت، فقال: «تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم، فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الآخر حتى تطهر» «2».

ه: صرّح جماعة- منهم:

المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و الإقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و النافع و القواعد و المنتهى و الإرشاد و التحرير و اللمعة و الروضة و المسالك «3» و غيرها «4»- بأنّه يشترط في ثوبي الإحرام كونهما ممّا يصحّ الصلاة فيه، و في الكفاية: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب «5»، و في المفاتيح: أنّه لا خلاف فيه «6»، و في شرحه: أنّه اتّفقت عليه كلمات الأصحاب.

و استدلّ له بمفهوم صحيحة حريز: «كلّ ثوب يصلّى فيه فلا بأس بأن يحرم فيه» «7».

______________________________

(1) كالرياض 1: 368.

(2) الكافي 4: 445- 4، التهذيب 5: 388- 1357، الوسائل 12: 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 3. و الكرسف: القطن.

(3) المبسوط 1: 319، النهاية: 217، مصباح المتهجّد: 618، الإقتصاد: 301، الكافي في الفقه: 207، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، المراسم: 108، النافع:

83، القواعد 1: 80، المنتهى 2: 681، الإرشاد 1: 315، التحرير 1: 96، اللمعة (الروضة 2): 231، المسالك 1: 107.

(4) كالرياض 1: 368.

(5) كفاية الأحكام: 58.

(6) المفاتيح 1: 317.

(7) الكافي 4: 339- 3، الفقيه 2: 215- 976، التهذيب 5: 66- 212، الوسائل 12: 359 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 295

و اعترض عليها في جانب الإثبات بالجلود التي تصحّ الصلاة فيها، إذ لا يصدق عليها الثوب.

و في جانب النفي بعدم صراحتها في الحرمة، لأعمّية البأس منها و من الكراهة.

و يرد على الأول: منع عدم صدق الثوب على مطلق الجلود حتى مثل الفرو.

و على

الثاني: منع أعمّية البأس، كما حقّقناه في موضعه.

نعم، يرد عليها: أنّ دلالتها إنّما هي بمفهوم الوصف، و هو غير حجّة على التحقيق، فلا دليل يوجب الخروج عن الأصل، إلّا أن يثبت الإجماع، و هو أيضا مشكل، إذ المحكيّ عن كثير من الأصحاب عدم التعرّض لذلك، إمّا بالكلّية- كالشيخ في الجمل و الحلّي و يحيى بن سعيد- أو لجميع الأفراد، كالسيّد في الجمل و ابن حمزة و المفيد.

نعم، لا شكّ في حرمة لبس المغصوب و الميّتة مطلقا و الحرير للرجل لو قلنا بحرمة لبسه ذلك أيضا.

و يمكن القول بحرمة النجس أيضا، لمفهوم الشرط في صحيحة ابن عمّار: عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها، قال: «لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة» «1».

و لرواية الحلبي الواردة في ثوبي الإحرام: و سألته يغسلها إن أصابها شي ء؟ قال: «نعم، فإذا احتلم فيها فليغسلها» «2».

المؤيدة بصحيحة أخرى لابن عمّار: عن المحرم يصيب ثوبه جنابة،

______________________________

(1) الكافي 4: 340- 9، الوسائل 12: 363 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.

(2) التهذيب 5: 70- 230، الوسائل 12: 477 أبواب تروك الإحرام ب 38 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 296

قال: «لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تام» «1».

و أمّا سائر ما يشترط في ثوب الصلاة- من عدم كونه ممّا لا يؤكل لحمه و لا حاكيا- فلا يعرف له مستند ظاهرا، و الأصل يجوّزه، و الأحوط تركه.

و منهم من منع عن كلّ جلد حتى المأكول، لقوله في صحيحة حريز:

«كلّ ثوب»، و الثوب لا يصدق على الجلد.

و فساده ظاهر، إذ دلالتها ليست إلّا بمفهوم اللقب الذي هو من أضعف المفاهيم و لو سلّم عدم صدق الثوب على الجلد، فالأولى الاستناد فيه

إلى قوله في الأخبار المتقدّمة: «و البس ثوبيك» «2».

و: في جواز لبس الحرير المحض للمرأة قولان:
الأول: المنع،

و هو للصدوق و الشيخ في المقنعة و جمل السيّد و الدروس «3»، و نسبه في النافع إلى أشهر الروايتين «4»، للمستفيضة:

كصحيحة عيص: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين» «5».

و رواية ابن عيينة: ما يحلّ للمرأة أن تلبس و هي محرمة؟ قال:

«الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير»، قلت: تلبس الخز؟ قال:

«نعم»، قلت: فإنّ سداه إبريسم و هو الحرير، قال: «ما لم يكن حريرا

______________________________

(1) الفقيه 2: 219- 1006، الوسائل 12: 476 أبواب تروك الإحرام ب 37 ح 1.

(2) الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52.

(3) المقنع: 72، المقنعة: 396، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

66، الدروس 1: 344.

(4) النافع: 83.

(5) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الإستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9، القفّاز- بالضم و التشديد- شي ء يعمل لليدين و يحشى بقطن و يكون له إزار تزرّ على الساعد- مجمع البحرين 4: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 297

خالصا فلا بأس» «1».

و ما رواه الكليني عن إسماعيل بن الفضل بسند معتبر: عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: «لا، و لها أن تلبسها في غير إحرامها» «2».

و القول- بعدم ظهور: «لا يصلح» في الحرمة- ضعيف، كما بيّناه في العوائد.

و مرسلة ابن بكير: «النساء تلبس الحرير و الديباج إلّا في الإحرام» «3»، و معنى تلبس: أنّه يجوز لها لبسه، فالمنفيّ في المستثنى هو الجواز.

و موثّقة سماعة: عن المحرمة تلبس الحرير، قال: «لا يصلح لها أن تلبس حريرا محضا لا خيط فيه» «4».

و

الصحيح المرويّ عن جامع البزنطي: عن المتمتّع كم يجزئه؟ قال:

«شاة»، و عن المرأة تلبس الحرير؟ قال: «لا» «5».

و الثاني: الجواز،

و هو للمفيد في كتاب أحكام النساء و الحلّي «6»، و أكثر المتأخّرين «7»، للأصل، و الأخبار، كصحيحة حريز المتقدّمة «8».

______________________________

(1) الكافي 4: 345- 6، التهذيب 5: 75- 247، الإستبصار 2: 309- 1101، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

(2) الكافي 4: 346- 8، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 10.

(3) الكافي 6: 454- 8، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 3.

(4) الفقيه 2: 220- 1017، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 7.

(5) مستطرفات السرائر: 36، 37، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 8.

(6) أحكام النساء (مصنفات الشيخ المفيد 9): 35، السرائر 1: 531.

(7) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 232، و المسالك 1: 107، السبزواري في الذخيرة: 581، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 315.

(8) في ص: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 298

و صحيحة يعقوب: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخزّ و الديباج؟ قال: «نعم، لا بأس به» «1».

و رواية النضر: عن المرأة المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال:

«تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس» الحديث [1].

و يجيبون هؤلاء عن الأخبار الأولى بالحمل على الكراهة جمعا، بشهادة صحيحة عبيد اللَّه الحلبي: «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب و الحرير، و ليس يكره إلّا الحرير المحض» «2».

و في آخر موثّقة سماعة المتقدّمة: «إنّما يكره الحرير البهم» [2].

و رواية الأحمسي: عن العمامة السابري فيها علم حرير، تحرم فيها المرأة؟ قال: «نعم، إنّما كره ذلك إذا كان سداه و

لحمته جميعا حريرا» [3].

و في موثّقة أخرى لسماعة، قال: «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة» «3».

أقول: و يردّ على الاستشهاد بأعمّية الكراهة في العرف القديم من

______________________________

[1] الكافي 4: 344- 2، التهذيب 5: 74- 244، الوسائل 12: 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2، الورس: نبات أصفر يزرع باليمن، و يصبغ به- المصباح المنير 2:

655.

[2] تقدّمت مصادرها في ص 294. و البهم- بالضم و بضمتين-: الخالص الذي لم يشبه غيره- القاموس المحيط 4: 83.

[3] الكافي 4: 345- 5، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 33 ح 11.

و السابري: ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور، موضع بفارس- مجمع البحرين 3: 322.

______________________________

(1) التهذيب 5: 74- 246، الإستبصار 2: 309- 1100، الوسائل 12: 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 1.

(2) الفقيه 2: 220- 1020، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 4.

(3) الكافي 6: 455- 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 299

الحرمة أيضا، بل أكثر استعمالاتها فيه فيها، و كذا لفظ «لا ينبغي».

و أمّا الحمل لأجل الجمع فيتوقّف على تماميّة دلالة أدلّة الجواز، و هي ممنوعة، لأنّ الأصل لا أثر له في مقابل ما مرّ، و الخطاب في الصحيحة الأولى «1» إلى الرجل حتما أو احتمالا متساويا، و هو غير ما نحن فيه، مع أنّه على فرض الإطلاق تكون عامّة بالنسبة إلى ما تقدّم مطلقة، فيجب تخصيصها به.

و هو الجواب عن الثانية أيضا، فإنّها مطلقة بالنسبة إلى حال الإحرام و غيره، و جعلها ظاهرة الورود في حال الإحرام لا وجه له، إذ لا سبيل إلى ذلك الظهور أصلا.

و كذا الجواب عن الثالثة، لعمومها

بالنسبة إلى الثياب.

فظهر أنّ الأقوى هو القول الأول، و به المعوّل.

ز: يجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين

، بلا خلاف فيه كما في المفاتيح «2» و شرحه، للأصل الخالي عن المعارض، و لصحيحة ابن عمّار الأولى المتقدّمة في الفرع الخامس.

و صحيحة الحلبي: عن المحرم يتردّى بالثوبين؟ قال: «نعم، و الثلاثة إن شاء يتّقي بهما الحرّ و البرد» «3»، و قريبة منها روايته «4».

ح: يجوز له إبدال الثوبين،

للأصل، و صحيحة ابن عمّار: «لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه، و لكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم

______________________________

(1) الكافي 4: 340- 9، الوسائل 12: 363 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.

(2) المفاتيح 1: 317.

(3) الكافي 4: 341- 10، الوسائل 12: 362 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.

(4) التهذيب 5: 70- 230، الوسائل 12: 362 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 300

فيهما، و كره أن يبيعهما» «1».

و صحيحة الحلبي: «و لا بأس بأن يحوّل المحرم ثيابه» «2».

و في روايته: عن المحرم يحوّل ثيابه؟ قال: «نعم» «3».

و مقتضى الصحيحة الأولى: استحباب الطواف فيهما، كما هو ظاهر الأصحاب أيضا.

ط: إذا لم يكن معه ثوبا الإحرام و كان معه قباء

، جاز له لبسه، بلا خلاف فيه كما كلام جماعة «4»، و في المدارك: أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب «5»، و عن المنتهى و التذكرة: أنّه موضع وفاق «6»، و في المفاتيح و شرحه: أنّه إجماعي «7».

و تدلّ عليه المعتبرة المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «إذا اضطرّ المحرم إلى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء» «8».

و عمر بن يزيد: «يلبس المحرم الخفّين إذا لم يجد نعلين، و إن لم يكن له رداء أطرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه» «9».

______________________________

(1) الكافي 4: 341- 11، الفقيه 2: 218- 1000، التهذيب 5: 71- 233، الوسائل 12: 363 أبواب الإحرام ب 31 ح 1.

(2) الكافي 4: 343- 20، الوسائل 12: 364 أبواب الإحرام ب 31 ح 3.

(3) التهذيب 5: 70- 230، الوسائل 12: 364 أبواب الإحرام ب 31 ح 4.

(4) كما في الرياض 1: 369.

(5) المدارك 7: 277.

(6) المنتهى 2: 683، التذكرة

1: 326.

(7) المفاتيح 1: 318.

(8) التهذيب 5: 70- 228، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 1.

(9) التهذيب 5: 70- 229، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 301

و ابن عمّار: «لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلّا أن تنكسه» «1».

و محمّد: في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل؟ قال: «نعم، و لكن يشقّ ظهر القدم، و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء، و يقلب ظهره لبطنه» «2».

و رواية الحنّاط: «من اضطرّ إلى ثوب و هو محرم و ليس معه إلّا قباء فلينكسه فليجعل أعلاه أسفله و ليلبسه» «3»، و نحوها صحيحة البزنطي المرويّة في مستطرفات السرائر «4».

و عليّ بن أبي حمزة: «إذا اضطرّ المحرم إلى أن يلبس قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يد القباء» «5»، و قريبة منها رواية أبي بصير «6».

و المستفاد من هذه الروايات: أنّ الواجب في لبس القباء أن يكون مقلوبا كما في الأولى و الأخيرتين، و منكوسا كما في البواقي غير صحيحة محمّد.

و ظاهر الأول: جعل ظاهره باطنه، كما صرّح به في صحيحة محمّد، و يستأنس له النهي عن إدخال اليد في القباء، إذ لو كان المراد به النكس لم

______________________________

(1) الكافي 4: 340- 9، الفقيه 2: 218- 998، الوسائل 12: 474 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 1.

(2) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12: 487، 501 أبواب تروك الإحرام ب 44 و 51 ح 7 و 5.

(3) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3.

(4) مستطرفات السرائر:

33- 34، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 8.

(5) الفقيه 2: 216- 989، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 6.

(6) الكافي 4: 346- 1، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 302

يحتج إلى ذلك، لعدم إمكانه حينئذ، و إن جوّز المحقّق الثاني في شرح الشرائع إرادة جعل الأعلى منه أسفل، بل فسّره به في السرائر «1» مبالغا فيه، و تبعه جمع آخر «2».

و ظاهر الثاني: جعل الأعلى أسفل، و إن جوّز في الوافي «3» إرادة جعل الظاهر منه الباطن.

و موافق قاعدة الاستدلال الجمع بين الأمرين، كما صرّح به جماعة «4» و إن جعلوه أحوط أو أكمل، و يحتمل كلام الشرائع «5» إرادة وجوبهما، لإطلاق أخبار كلّ منهما بالآخر، فيجب التقييد به، فالاكتفاء بالأوّل- كبعضهم «6»- أو الثاني- كالآخر «7»- أو التخيير بينهما- كثالث «8»- ليس بجيّد.

ثم إنّه لا شكّ في جواز لبسه إذا فقد ثوبي الإحرام و اضطرّ إلى اللبس أيضا لبرد و نحوه.

و هل يجوز اللبس مع تحقّق أحد الشرطين دون الآخر، أم لا؟

الظاهر: نعم، لتجويز اللبس مع واحد من الشرطين في بعض الروايات «9» الموجب لتخصيص ما يمنعه به.

______________________________

(1) السرائر 1: 543.

(2) انظر القواعد 1: 80، و الدروس 1: 344، و كشف اللثام 1: 315.

(3) الوافي 12: 568.

(4) كما في المسالك 1: 107، و المدارك 7: 279، و الذخيرة: 582، و الرياض 1: 369.

(5) الشرائع 1: 246.

(6) المبسوط 1: 320، النهاية: 218.

(7) السرائر 1: 543، الشرائع 1: 246.

(8) كما في المنتهى 2: 683، المسالك 1: 107، الحدائق 15: 94.

(9) انظر الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 303

و هل الشرط الأول فقد الثوبين معا، كما هو ظاهر كثير «1»، بل نسب إلى مشهور القدماء؟

أو أحدهما، كما عن الشهيد الثاني «2»؟

أو الرداء خاصة، كما عن الشهيدين «3»؟

و في المدارك: الظاهر الأخير «4»، لصحيحتي عمر بن يزيد و محمّد «5»، و بهما يخصّص ما ظاهر إطلاقه أو عمومه غير ذلك.

و هل لبس القباء حينئذ على الرخصة، أو الوجوب؟

ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدّمة: الثاني.

و ليعلم أنّه ليس للبسه حينئذ فداء- كما صرّح به جماعة «6»- للأصل، إلّا إذا أدخل اليدين في الكمّين، فهو كما إذا لبس مخيطا.

و يستفاد من صحيحة عمر بن يزيد جواز طرح القميص أيضا، و لا بأس به، بل كلّ ثوب آخر إذا كان إليه مضطرّا- و لو للإحرام- إذا كان ما يجوز لبسه له.

فائدة: يكره الإحرام في الثوب الوسخ

، لصحيحة محمّد: الرجل يحرم في الثوب الوسخ؟ فقال: «لا، و لا أقول إنّه حرام و لكن أحبّ أن يطهّره، و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 246، و القواعد 1: 80، و المختلف 1: 268، و الرياض 1: 269.

(2) المسالك 1: 107.

(3) اللمعة (الروضة 2): 233.

(4) المدارك 7: 279.

(5) المتقدّمتين في ص: 300 و 301.

(6) التحرير 1: 96، الروضة 2: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 304

و إن توسّخ، إلّا أن يصيبه جنابة أو شي ء فيغسله» «1».

و تثبت منها كراهة غسله قبل الإحلال أيضا و إن توسّخ في أثناء الإحرام، إلّا أن يكون ذلك بشي ء نجس فيطهّره.

و في الثياب السود، لرواية الحسين بن المختار «2»، القاصرة عن إفادة الحرمة، للجملة الخبريّة، فالقول بها- كما عن النهاية و الخلاف

و المبسوط و الغنية و الوسيلة [1]- ضعيف.

و لا يكره المصبوغ، للأصل، و لرواية أبي بصير «3».

و يستحبّ أن يكون قطنا بلا خلاف ظاهر، له، و للتأسّي بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، فإنّه أحرم به.

و أن يكون أبيض، لفتوى الأصحاب «4»، و بظاهر الأخبار: يلبس الأبيض.

و كونه خير الثياب و أحسنها و أطهرها و أطيبها.

الثالث: التلبيات الأربع.
اشاره

و وجوبها- بعد نيّة الإحرام للمعتمر و الحاجّ- إجماعي، محقّقا

______________________________

[1] النهاية: 217، الخلاف 2: 298، المبسوط 1: 319، قال في الغنية (الجوامع الفقهية) ص 555: و تكره الصلاة في الثوب المصبوغ و أشدّ كراهة الأسود. و في ص 574: و لا يجوز أن يكونا ممّا لا يجوز الصلاة فيه و يكره أن يكونا ممّا تكره الصلاة فيه. الوسيلة: 163.

______________________________

(1) الكافي 4: 341- 14، الفقيه 2: 215- 980، التهذيب 5: 71- 234، الوسائل 12: 476 أبواب تروك الإحرام ب 38 ح 1.

(2) الكافي 4: 341- 13، الفقيه 2: 215- 983، التهذيب 5: 66- 214، الوسائل 12: 358 أبواب الإحرام ب 26 ح 1.

(3) الفقيه 2: 215- 982، التهذيب 5: 67- 219، الوسائل 12: 482 أبواب تروك الإحرام ب 42 ح 2.

(4) كما في المنتهى 2: 682.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 305

و محكيّا مستفيضا «1»، مدلول عليه بالمستفيضة، بل المتواترة من الأخبار «2»، المتقدّمة كثير منها في المقدّمة التي ذكرناها في أول البحث، و الآتية طائفة أخرى منها فيما يأتي.

و كذا عدم انعقاد الإحرام إلّا بها بالمعنى الثاني، بمعنى: عدم حرمة المحظورات قبلها، فلو نوى و لبس الثوبين و لم يلبّ و فعل شيئا منها لم يرتكب محرّما و لم يلزمه كفّارة بما فعله إجماعا، و نقل الإجماع عليه

أيضا مستفيض «3»، و الأخبار المستفيضة به ناصّة:

كصحيحة حريز: في الرجل إذا تهيّأ للإحرام «فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّ» «4».

و البجلي: في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

و الأخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام، ثم خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه قبل أن يلبّي «6».

و ابن عمّار: «لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبّي، ثم يخرج و يصيب من الصيد و غيره فليس

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 366.

(2) الوسائل 12: 374 أبواب الإحرام ب 36.

(3) كما في الرياض 1: 367.

(4) الكافي 4: 330- 7، التهذيب 5: 316- 1090، الإستبصار 2: 190- 637، الوسائل 12: 336 أبواب الإحرام ب 14 ح 8.

(5) التهذيب 5: 82- 274، الإستبصار 2: 188- 632، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 2.

(6) الفقيه 2: 208- 948، التهذيب 5: 82- 275، الإستبصار 2: 188- 633، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 306

عليه شي ء» «1».

و البختري: في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

و مرسلة جميل: في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة، و عقد الإحرام و أهلّ بالحجّ، ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله، قال: «ليس عليه شي ء ما لم يلبّ» «3».

و النضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم، ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك

بمواقعة النساء، أ له ذلك؟

فكتب: «نعم، و لا بأس به» «4».

إلى غير ذلك، كروايات زياد بن مروان «5» و عليّ بن عبد العزيز «6».

و أمّا صحيحة أحمد بن محمّد: في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للإحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام، قال: «عليه دم» «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 82- 272، الإستبصار 2: 188- 631، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.

(2) الفقيه 2: 208- 946، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 13.

(3) الكافي 4: 330- 8، التهذيب 5: 316- 1088، الإستبصار 2: 189- 635، الوسائل 12: 336 أبواب الحجّ ب 14 ح 9.

(4) الكافي 4: 331- 9، الفقيه 2: 208- 950، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 12.

(5) الكافي 4: 331- 10، التهذيب 5: 316- 1089، الإستبصار 2: 189- 636، الوسائل 12: 336 أبواب الإحرام ب 14 ح 10.

(6) الكافي 4: 330- 6، الفقيه 2: 208- 947، التهذيب 5: 83- 276، الوسائل 12: 335 أبواب الإحرام ب 14 ح 6، 7.

(7) التهذيب 5: 317- 1091، الإستبصار 2: 190- 638، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 307

فمع كونها مقطوعة، بالشذوذ مطروحة، أو على الاستحباب أو إرادة الجهر بالتلبية من الإهلال محمولة.

و هل يلزمه تجديد النيّة بعد ذلك؟

مقتضى الأصل و ظاهر أكثر الروايات المتقدّمة: العدم، كما هو ظاهر الأكثر أيضا.

و صرّح في الإنتصار باستئنافها «1»، و استدلّ له بمرسلة النضر و رواية زياد المتقدّمتين، المشتملتين على لفظ النقض.

و فيه: أنّه في كلام الراوي، و مثل ذلك التقرير من الإمام لم يثبت حجّيته، مع أنّ النقض ليس صريحا في وجوب استئناف النيّة

و بطلانها.

و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى:

ما ذكرنا- من وجوب التلبيات معيّنة و عدم حصول الإحرام بالمعنى الثاني إلّا بها- إنّما هو لمن لم يسق الهدي- أي المفرد و المتمتّع- و أمّا القارن فهو مخيّر بينها و بين الإشعار أو التقليد، فإن شاء لبّى و عقد إحرامه بها، و إن شاء أشعر أو قلّد و عقد به، على الأقوى الأشهر، بل عن ظاهر الخلاف و الغنية و المنتهى و المختلف «2»: الإجماع عليه، للمستفيضة من الروايات «3».

منها: صحيحة ابن عمّار: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية،

______________________________

(1) الإنتصار: 96.

(2) الخلاف 2: 290، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، المنتهى 2: 676، المختلف: 265.

(3) الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحجّ ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 308

و الإشعار، و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» «1».

و الأخرى: «يقلّدها نعلا خلقا قد صلّيت فيها، و الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية» «2».

و ثالثة: في قول اللَّه سبحانه فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ «و الفرض:

التلبية و الإشعار و التقليد، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ» «3».

و عمر بن يزيد: «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير» «4».

و حريز، و فيها: «و لا يشعرها أبدا حتى يتهيّأ للإحرام، فإنّه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام، و هو بمنزلة التلبية» «5»، و نحوها رواية جميل «6»، إلى غير ذلك.

خلافا للمحكيّ عن السيّد و الحلّي «7»، فاقتصرا على التلبية، للاقتصار في ما يخالف الأصل على المتيقّن المجمع عليه.

و هو صحيح على القول بعدم حجّية الآحاد كما هو أصلهما، مع أنّها في المقام محفوفة بعمل الأصحاب، بل قيل: مخالفة السيّد أيضا غير معلومة، كما أشار إليه في المختلف

«8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 43- 129، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 20.

(2) الفقيه 2: 209- 956، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 11.

(3) الكافي 4: 289- 2، الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحجّ ب 11 ح 2.

(4) التهذيب 5: 44- 130، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 21.

(5) التهذيب 5: 43- 128، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 19.

(6) الكافي 4: 297- 5، الوسائل 11: 276 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 7.

(7) السيّد في الإنتصار: 102، الحلّي في السرائر 1: 532.

(8) قال به في الرياض 1: 367، و هو في المختلف: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 309

و عن الشيخ في الجمل و المبسوط و القاضي و ابن حمزة: اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية «1»، و كأنّهم جمعوا بين هذه الأخبار و عمومات التلبية.

و فيه: أنّه ليس بأولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن، بل هو أولى، سيّما مع ندرة العاجز عنها، سيّما في الأعراب جدّا، و مع عدم شاهد لذلك الجمع أصلا و وجوده للأول، و هو: اختصاص السوق بالقارن.

ثم المشهور: أنّ القارن لو عقد إحرامه بإحدى هذه الثلاثة كان الإتيان بالآخر مستحبّا له، و فسّره الشهيد الثاني «2»: بأنّه إن بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبّا، و إن بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبّة.

و قال في الدروس: إنّه لو جمع بين التلبية و أحدهما كان الثاني مستحبّا «3»، قيل- بعد نقله عنه-: و يستفاد منه أنّه فسّر ما هو المشهور باستحباب الجمع بين الثلاثة لا بين التلبية و أحدهما كما فهمه الثاني طاب ثراه.

و فيه نظر ظاهر، إذ

الظاهر أنّ مراد الشهيد الثاني: ثاني التلبية و أحدهما، لا ثاني الإشعار و التقليد.

و كيف كان، فيمكن أن يستدلّ لاستحباب الجمع في الجملة برواية يونس، قال: «ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه» «4».

______________________________

(1) الجمل و العقود (الوسائل العشر): 226، المبسوط 1: 307، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 208، ابن حمزة في الوسيلة: 158.

(2) المسالك 1: 106.

(3) الدروس 1: 349.

(4) الكافي 4: 296- 1، الفقيه 2: 210- 958، الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 2، 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 310

و رواية الفضيل بن يسار، و فيها: «و لكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها و يقلّدها» «1».

المسألة الثانية:

لا تشترط مقارنة نيّة الإحرام- أي نيّة دخول الحجّ أو العمرة- للتلبية، على الأظهر الأشهر، للأصل، و للمستفيضة المتقدّمة في مقدمة الإحرام «2» و في بيان عدم حرمة المحظورات إلّا بالتلبية.

و تزيد عليها صحيحة ابن سنان: و فيها- بعد ذكر الإحرام و دعائه-:

«و إن شئت فلبّ حين تنهض، و إن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك و استقبل القبلة فافعل» «3».

و الأخرى: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء» «4».

و ابن عمّار و الحلبي و البجلي و البختري جميعا: «إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل [و] أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّ، و إن أهللت من المسجد الحرام للحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام، و أفضل ذلك أن تمضي حتى

تأتي الرقطاء و تلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح» [1].

______________________________

[1] الكافي 4: 333- 11، الفقيه 2: 207- 943، الوسائل 12: 373، 396 أبواب الإحرام ب 35 و 46 ح 3 و 1. الرّقطاء: موضع دون الرّدم، و يسمّى مدعا،

______________________________

(1) الفقيه 2: 209- 954، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 13.

(2) الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16.

(3) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 5: 84- 279، الإستبصار 2: 170- 561، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 311

و ابن حازم: «إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء» «1».

و ابن عمّار: «إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيهة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ» الحديث «2».

و موثّقة إسحاق: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبّي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: «أيّ ذلك شاء صنع» «3».

و قويّة زرارة: متى ألبّي بالحجّ؟ قال: «إذا خرجت إلى منى» «4».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة جدّا «5»، بل المستفاد من كثير منها أفضليّة التأخير إلى المواضع المخصوصة.

و حمل تلك الأخبار على رفع الصوت بالتلبية دون مطلقها- بل يقارن بالمطلقة- ممّا لا يقبله كثير منها، مع أنّه لا شاهد لذلك الجمع، بل لا داعي إليه سوى ما قيل من عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية، و عدم جواز المرور عن الميقات إلّا محرما «6».

و جوابه: ما عرفت من أنّ المراد بالإحرام- الذي لا يجوز المرور عن

______________________________

و مدعى الأقوام: مجتمع قبائلهم- مجمع البحرين 4:

249. و الأبطح: مسيل وادي مكة، و هو مسيل واسع فيه الحصى، أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى، و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلّى عند أهل مكّة- مجمع البحرين 2:

343.

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 278، الإستبصار 2: 170- 560، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

(2) التهذيب 5: 91- 300، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 2.

(3) الكافي 4: 334- 13، الوسائل 12: 373 أبواب الإحرام ب 35 ح 4.

(4) الكافي 4: 455- 6، التهذيب 5: 167- 558، الإستبصار 2: 252- 884، الوسائل 12: 398 أبواب الإحرام ب 46 ح 5.

(5) كما في الوسائل 12: 396 أبواب الإحرام ب 46.

(6) الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 312

الميقات إلّا معه- هو: فرض الحجّ أو العمرة و نيّته و الصيرورة حاجّا أو معتمرا بها، كما مرّ ذلك مفصّلا.

المسألة الثالثة:

لا خلاف بين العلماء- كما صرّح به جماعة- أنّ التلبيات الواجبة أربع «1»، و اختلفوا في كيفيتها:

فبين مقتصر بقول: لبّيك اللَّهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، و هو المحكيّ عن المقنعة- على ما نقله بعض الأجلّة «2»- و في الشرائع و النافع و المختلف و المسالك و المدارك و الذخيرة و الكفاية «3»، و غير واحد من المتأخّرين «4»، و يميل إليه في المنتهى بل في التحرير على نقله «5»، و هو ظاهر ثقة الإسلام «6».

و بين مضيف إلى ذلك: إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، و هو المحكيّ عن المقنعة على نقل «7»، و الصدوقين في الرسالة و المقنع و الهداية «8»، و القديمين «9»، و السيّد في الجمل و الشيخ في النهاية و المبسوط و الإقتصاد و

الديلمي و الحلبي و الحلّي و القاضي و ابني زهرة و حمزة و الإرشاد و القواعد «10»،

______________________________

(1) انظر المختلف: 266، الذخيرة: 578، كشف اللثام 1: 312.

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 313.

(3) الشرائع 1: 246، النافع: 82، المختلف: 265، المسالك 1: 107، المدارك 7: 268، الذخيرة: 578، كفاية الأحكام: 58.

(4) كما في الدروس 1: 347، مجمع الفائدة 6: 195.

(5) أي على نقل بعض الأجلّة، و قد نقله في كشف اللثام 1: 314.

(6) الكافي 4: 336.

(7) انظر المقنعة: 397.

(8) المقنع: 69، الهداية: 55.

(9) حكاه عنهما في المختلف: 265، و المدارك 7: 268.

(10) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 67، النهاية: 215، المبسوط 1: 316، الإقتصاد: 301، الديلمي في المراسم: 108، الحلبي في الكافي في الفقه: 193، الحلي في السرائر 1: 536، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 224، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 574، ابن حمزة في الوسيلة: 161، الإرشاد 1: 315، القواعد 1: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 313

بل أكثر المتأخّرين كما قيل «1».

و إن اختلفت كلمات هؤلاء في محلّ هذه الإضافة، فبين من جعلها بعد ما مرّ، و بين من جعلها بعد لبّيك الثالثة، و منهم من أضاف مع الإضافة:

لا شريك لك، أيضا، و قد يضاف معها أيضا: لبّيك بحجّة و عمرة، أو:

بحجّة مفردة تمامها عليك لبّيك، أيضا.

و الحقّ هو: الأول، لصحيحة ابن عمّار: «التلبية: لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك، ذا المعارج لبيك» إلى أن قال: «و اعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام، و هي الفريضة و هي

التوحيد» الحديث «2».

و ذيلها- بضميمة قطع التفصيل للشركة- يدلّ على عدم وجوب ما بعد التلبية الرابعة. و تجويز رجوع الإشارة إلى ما قبل الخامسة بعيد غايته، مع أنّه على فرض الاحتمال ينفى الزائد بالأصل.

و دليل النافين: ورود الإضافة في المعتبرة من المستفيضة من الصحاح و غيرها «3».

و يجاب عنه بعدم كفاية الورود بعد عدم صراحة شي ء منها في الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، أو الأمر بما ليس بواجب قطعا، أو

______________________________

(1) المدارك 7: 268.

(2) الكافي 4: 335- 3، التهذيب 5: 91- 300 و 284- 967، الوسائل 12: 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.

(3) الوسائل 12: 382 أبواب الإحرام ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 314

حكاية تلبية الرسول صلّى اللَّه عليه و آله.

و أمّا الرضوي و الخصالي: «تقول: لبّيك لبّيك، لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك لا شريك لك، هذه الأربعة مفروضات» «1».

فمع ضعفهما الغير الثابت انجبارهما، و معارضتهما مع صحيحة عمر بن يزيد «2» الخالية عن الإضافة و إن اشتملت على إضافة أخرى غير واجبة قطعا، غير صريحين في وجوب الزائد، لاحتمال رجوع الإشارة إلى التلبيات الأربع خاصّة، كما هو الظاهر.

و أمّا تضعيف القول الأول- بندوره بين القدماء- فضعيف، لعدم ثبوت الندرة المضعفة.

نعم، لو ضمّ الإضافة- سيّما على جميع الأقوال و لو بالتكرير- كان أحوط.

ثم ما زاد على ما وجب من الفقرات الواردة في صحيحة ابن عمّار و غيرها مستحبّ ليس بواجب إجماعا، بل هو مستحبّ كذلك، و قد مرّ ما يمكن أن يكون مستندا لكلّ من الحكمين.

المسألة الرابعة:

الأخرس يحرّك لسانه و يشير بإصبعه إلى التلبية، لرواية السكوني- المنجبر ضعفها لو كان بعمل الأصحاب-: «تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن

في الصلاة: تحريك لسانه و إشارته بإصبعه، و ليكن مع عقد قلبه بها» «3»، أي بصورتها القولية، لأنّها بدونه لا تكون إشارة إليها.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 216، الخصال 2: 606 بتفاوت فيها، المستدرك 9: 176، 180 أبواب الإحرام ب 23 و 27 ح 2، 5.

(2) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(3) الكافي 3: 315- 17، الكافي 4: 335- 2، التهذيب 5: 93- 305، الوسائل 12: 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 315

و قيل: يستناب له مع ما ذكر فلبّي عنه «1».

و استند له بخبر زرارة: إنّ رجلا قدم حاجّا لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له أبو عبد اللَّه عليه السّلام، فأمر أن يلبّي عنه «2».

و لأنّ أفعال الحجّ تقبل النيابة، فلا تحصل البراءة إلّا بإتيانه بنفسه ما يمكنه، و نيابته ما لا يمكنه.

و ردّ الأول: بأنّها قضية في واقعة، فيحتمل الورود في غير المسألة، بل هو الظاهر ممّا لا يحسن، فإنّه الظاهر في الأعجمي و نحوه ممّن يمكن له التكلّم و لكن لا يحسن العربية، و الأخرس غير قادر لا غير محسن، و لو منع الظهور فلا أقل من الاحتمال.

و الثاني: بأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ.

و أمّا الأعجميّ الذي لا يحسن التلبية و لا يمكنه التعلّم، فقيل: يكتفي بترجمتها «3»، و قيل: يلبّى عنه «4»، و الأحوط الجمع بين الأمرين، و اللَّه العالم.

المسألة الخامسة:

قد مرّ سابقا عدم وجوب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام.

ثم إنّه قد اختلفت كلمات المجوّزين للتأخير مطلقا في الأفضل:

ففي المبسوط جعل الأفضل للمحرم عن طريق المدينة التأخير إلى البيداء إن كان راكبا «5»، و هو المحكيّ عن ابن

حمزة «6».

______________________________

(1) انظر المختلف: 266.

(2) الكافي 4: 504- 13، التهذيب 5: 244- 828، الوسائل 12: 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 2.

(3) المدارك 7: 266.

(4) الجامع للشرائع: 180.

(5) المبسوط 1: 316.

(6) الوسيلة: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 316

و عن القاضي: أفضليّته له مطلقا، راكبا كان أو ماشيا «1».

و جعل في المبسوط و التحرير و المنتهى و المسالك الأفضل للمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات «2».

و في التهذيب جعل الأفضل للمحرم عن مكّة التلبية عن موضعه إن كان ماشيا، و عن الرقطاء أو شعب الدبّ إن كان راكبا [1].

و عن هداية الصدوق: أفضليّة التأخير إلى الرقطاء له مطلقا «3».

و عن جماعة- منهم: السرائر و النهاية و الجامع و الوسيلة و المنتهى و التذكرة- أفضليّة تلبية المحرم عن مكّة من موضعه إن كان ماشيا، و إذا نهض به بعيره إن كان راكبا «4».

و سبب الاختلاف اختلاف الأخبار، و هي بين مرجّح في المحرم عن طريق المدينة للتأخير إلى البيداء بقول مطلق، كصحيحة ابن وهب «5» و عبيد اللَّه الحلبي «6» المتقدّمتين في المقدّمة، و صحاح ابن عمّار و الحلبي و البجلي و البختري «7»،

______________________________

[1] التهذيب 5: 168. و في معجم البلدان 3: 347 شعب أبي دبّ: بمكة، يقال فيه مدفن آمنة بنت وهب أمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله.

______________________________

(1) شرح جمل العلم و العمل: 225.

(2) المبسوط 1: 316، التحرير 1: 96، المنتهى 2: 679، المسالك 1: 108.

(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 353، و انظر المقنع: 86، و الهداية: 60، و الفقيه 2: 207.

(4) السرائر 1: 584، النهاية: 214، الجامع للشرائع: 183، الوسيلة: 161، المنتهى 2: 679، التذكرة 1: 327.

(5) التهذيب

5: 64- 203، الوسائل 12: 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 3.

(6) الفقيه 2: 220- 1020، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 4.

(7) الكافي 4: 333- 11، الفقيه 2: 207- 943، الوسائل 12: 373، 396 أبواب الإحرام ب 35 و 46 ح 3 و 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 317

و ابن حازم «1»، و ابن سنان «2»، المتقدّمة في المسألة الثانية.

و مرجّح له للماشي و الراكب بخصوصهما، كصحيحتي عمر بن يزيد:

«إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد» الحديث «3».

و الأخرى: «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء» «4».

و مرجّح في مطلق المحرم للتأخير إلى المشي هنيهة حتى تستوي به الأرض، كصحيحة ابن عمّار الثانية «5» المتقدّمة في المقدّمة، و الأخرى السابقة في المسألة الثانية «6».

و مرجّح في المحرم عن طريق العراق التأخير إلى أن يمشي قليلا، كصحيحة هشام المتقدّمة في المقدّمة «7».

و مرجّح في المحرم عن مكّة للتأخير إلى الروحاء، أو الفضاء كما في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المقدّمة «8»- على نسخ الكافي- أو الرقطاء

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 278، الإستبصار 2: 170- 560، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

(2) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(3) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(4) التهذيب 5: 85- 281، الإستبصار 2: 170- 563، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.

(5) التهذيب 5: 91- 300، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 2.

(6) المتقدّمة

في ص: 311.

(7) راجع ص 259.

(8) راجع ص: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 318

كما فيها- على نسخ الفقيه و التهذيب- و كما في صحيحة البختري و الحلبي و البجلي و ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الثانية «1».

و مرجّح فيه له للتلبية عند المقام للماشي و إذا نهض به بعيره للراكب، كصحيحة عمر بن يزيد: «ثم صلّ ركعتين عند المقام ثم أهلّ بالحجّ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام، و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك» الحديث «2».

و مرجّح له للتلبية في المسجد الحرام، كما في موثّقة أبي بصير، و فيها:

«ثم تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت» «3».

و الأمر بالتأخير في بعض تلك الأخبار محمول على الاستحباب أو الجواز بلا خلاف يوجد، لتصريح جملة من الأخبار بجواز التلبية عن موضعه، كما في صحيحة هشام المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان «4»، و موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و غيرها «6».

ثم المستفاد من جميع تلك الأخبار و مقتضى الجمع بينها: جواز التلبّي عن موضع الإحرام مطلقا، و أفضليّة التأخير للمحرم عن مسجد الشجرة إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا، لإطلاقات رجحان التأخير إليها،

______________________________

(1) راجع ص 310.

(2) التهذيب 5: 169- 561، الإستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.

(3) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 3.

(4) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(5) الكافي 4: 334- 13، الوسائل 12: 373 أبواب الإحرام ب 35 ح 4.

(6) الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 11، ص: 319

الفارغة عن مكادحة «1» ما يدلّ على أفضليّة التعجيل للماشي، لاشتغالها بمعارضة ما يدلّ على أفضليّة التأخير له أيضا.

و للمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات.

و للمحرم عن مكة إلى الرقطاء، أو إلى أن ينهض البعير إن كان راكبا، و في المسجد إن كان ماشيا. و اللَّه هو العالم.

المسألة السادسة:

يستحبّ الجهر بالتلبية على المشهور بين الأصحاب، للمستفيضة من الأخبار:

كمرسلة الفقيه: «إنّ التلبية شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية» «2».

و مرفوعة حريز: «لمّا أحرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أتاه جبرئيل، فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ» «3».

فالعجّ: رفع الصوت بالتلبية، و الثجّ: نحر البدن.

و صحيحة ابن عمّار: «التلبية لبيك اللَّهمّ» إلى أن قال: «تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بك بعيرك، و إذا علوت شرفا، أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا، أو استيقظت من منامك، و بالأسحار، و أكثر ما استطعت منها و اجهر بها» الحديث «4»، و قريبة منها الأخرى «5».

و يتأكّد الاستحباب في مواضع مخصوصة ذكرها في صحيحة عمر بن يزيد: «و اجهر بها كلّما ركبت، و كلّما نزلت، و كلّما هبطت واديا، أو علوت

______________________________

(1) في «ق»: مكاوحة ..

(2) الفقيه 2: 211- 966، الوسائل 12: 379 أبواب الإحرام ب 37 ح 3.

(3) الكافي 4: 336- 5، الفقيه 2: 210- 960، التهذيب 5: 92- 302، معاني الأخبار: 223- 1، الوسائل 9: 378 أبواب الإحرام ب 37 ح 1.

(4) التهذيب 5: 91- 300، الوسائل 12: 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.

(5) الكافي 4: 335- 3، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ذيل الحديث 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 320

أكمة،

أو لقيت راكبا، و بالأسحار» «1».

و خلاف المشهور قول الشيخ في التهذيب «2»، فقال: يجب بقدر الإمكان، و هو ظاهر ثقة الإسلام، حيث قال: و لا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلّا و قد أظهر التلبية «3».

و الظاهر أنّه لظاهر الأوامر في النصوص المتقدّمة، و هي عن إفادة الوجوب- لندرته و شذوذه، حتى أنّ الشيخ أيضا رجع عنه في خلافه قائلا:

لم أجد من ذكر كونه فرضا «4»، بل كما قيل: ثبوته مطلقا بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم «5»- قاصرة.

مع أنّ في أصل دلالتها عليه أيضا نظرا، لورود الأوامر الواردة فيها كلّا على ما لا يجب قطعا من الزيادات المستحبّة في التلبية أو التكرار المستحبّ أو نحر البدن.

ثم مقتضى الإطلاقات استحباب الإجهار بها مطلقا، إلّا أنّ المستفاد من الأخبار الأخر اختصاصه لمن حجّ على طريق المدينة إن كان راكبا بما إذا علت البيداء، لصحيحة عمر بن يزيد الأولى «6»، المتقدّمة في المسألة السابقة، المحمولة على الاستحباب، لتصريح غيرها بجواز الإجهار في المسجد مطلقا، كصحيحة ابن سنان: هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ

______________________________

(1) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(2) التهذيب 5: 92.

(3) الكافي 4: 334.

(4) الخلاف 2: 291.

(5) انظر الذخيرة: 578.

(6) انظر ص: 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 321

أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ قال: «نعم» الحديث «1».

و لمن أحرم عن مكّة بما إذا أشرف على الأبطح، لصحيحة ابن عمّار الثالثة المتقدّمة «2» في المقدّمة، من غير فرق في ذلك بين الراكب و الماشي، لعدم فارق إلّا في نفس التلبية، كما مرّ.

و ليعلم أنّ استحباب الجهر بها مخصوص بالرجال بلا خلاف، للمستفيضة:

منها: مرسلة فضالة: «إنّ اللَّه تعالى

وضع عن النساء أربعا: الجهر بالتلبية» الحديث «3».

و منها: رواية أبي بصير «4»، و هي أيضا كسابقتها.

المسألة السابعة:

قدر الواجب هو التلبّي بما مرّ مرّة واحدة، كما صرّح به في السرائر «5»، و يستحبّ تكرارها و إكثار القول بها إجماعا، له، و لقوله: «و أكثر ما استطعت منها» في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة «6»، سيّما في المواضع العشرة المنصوصة في صحيحتي ابن عمّار و عمر المتقدّمتين في المسألة المذكورة «7» و في رواية ابن فضّال: «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيمانا

______________________________

(1) الكافي 4: 334- 12، التهذيب 5: 84- 280، الإستبصار 2: 170- 562، الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 2.

(2) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1، و قد تقدمت في ص 259.

(3) التهذيب 5: 93- 303، الوسائل 12: 379 أبواب الإحرام ب 38 ح 1.

(4) الكافي 4: 405- 8، الوسائل 12: 380 أبواب الإحرام ب 38 ح 4.

(5) السرائر 1: 536.

(6) في ص: 319.

(7) في ص: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 322

و احتسابا أشهد اللَّه له ألف ألف ملك ببراءة من النار و براءة من النفاق» «1».

المسألة الثامنة:

استحباب التكرار للمعتمر إلى أن يشاهد بيوت مكّة إجماعا محقّقا و محكيّا «2»، للمستفيضة من الأخبار:

كموثّقة ابن عمّار: «إذا دخلت مكّة و أنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية، و حدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين، فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التهليل و التمجيد و الثناء على اللَّه عزّ و جلّ ما استطعت، و إن كنت قارنا بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند زوال الشمس، و إن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» «3».

و سدير: «و إذا رأيت أبيات

مكّة فاقطع التلبية» «4».

و صحيحة الحلبي: «المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية» «5».

و البزنطي: عن المتمتّع متى يقطع التلبية؟ قال: «إذا نظرت إلى أعراش مكّة، عقبة ذي طوى»، قلت: بيوت مكة؟ قال: «نعم» «6».

أقول: أعراش مكّة: بيوتها، جمع عرش بالضمّ، و قد يفتح أيضا، و ربّما

______________________________

(1) الكافي 4: 337- 8، المحاسن: 64- 116، الوسائل 12: 386 أبواب الإحرام ب 41 ح 1.

(2) كما في المختلف 1: 266، و المنتهى 2: 678، و الكفاية: 59، و الذخيرة:

583، و الرياض 1: 370.

(3) الكافي 4: 399- 1، التهذيب 5: 94- 309، الإستبصار 2: 176- 583، الوسائل 12: 388 أبواب الإحرام ب 43 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 399- 2، التهذيب 5: 94- 308، الإستبصار 2: 176- 582، الوسائل 12: 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 5.

(5) الكافي 4: 399- 2، التهذيب 5: 94- 307، الإستبصار 2: 176- 581، الوسائل 12: 389 أبواب الإحرام ب 43 ح 2.

(6) الكافي 4: 399- 4، التهذيب 5: 94- 310، الإستبصار 2: 176- 584، الوسائل 12: 389 أبواب الإحرام ب 43 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 323

يخصّ بيوتها القديمة.

و ابن مسكان: عن تلبية المتعة متى يقطعها؟ قال: «إذا رأيت بيوت مكّة، و يقطع التلبية للحجّ عند زوال الشمس يوم عرفة» «1».

و روايته: «المتمتّع عليه ثلاثة أطواف بالبيت، و طوافان بين الصفا و المروة، و قطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكّة، و يحرم بالحجّ يوم التروية، و يقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس» «2».

و أمّا موثّقة زرارة: أين يمسك المتمتّع عن التلبية؟ قال: «إذا دخل البيوت، بيوت مكّة لا بيوت الأبطح» «3».

و رواية الشحّام:

عن تلبية المتعة متى يقطع؟ قال: «حين يدخل الحرم» «4».

مطروحتان بالشذوذ، أو الأولى محمولة على الإشراف و الثانية على الجواز.

و الظاهر من الأخبار المذكورة أنّ حدّ القطع: النظر إلى ما كان من بيوت مكّة عرفا، و لو اختلفت زيادة و نقصانا باختلاف الدهور و الأعصار، و تحديد بيوتها السابقة في الموثّقة بعقبة المدنيّين لا يدلّ على تحديد القطع أيضا بالبيوت السابقة، إذ غايتها بيان البيوت القديمة. و كذا قوله

______________________________

(1) التهذيب 5: 182- 609، الوسائل 12: 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 6 و فيه صدر الحديث.

(2) الكافي 4: 295- 2، التهذيب 5: 35- 105، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 11.

(3) التهذيب 5: 468- 1638، الوسائل 12: 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 7.

(4) التهذيب 5: 95- 312، الإستبصار 2: 177- 585، الوسائل 12: 391 أبواب الإحرام ب 43 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 324

في الصحيحة: «عقبة ذي طوى»، لجواز أن يكون ذكرها بعد الأعراش لانتهاء البيوت في ذلك الزمان في تلك العقبة.

و على هذا، فلا حاجة إلى بيان حدود بيوت مكّة كما ارتكبه جمع من الفقهاء، إلّا أن يثبت الإجماع على وجوب التحديد بالقديم، و حينئذ فيشكل الأمر و يحتاط بالقطع فيما يقطع أنّه لم يكن من مكّة سابقا، و لكنّه غير ثابت.

و للحاجّ مطلقا متمتّعا كان أو قارنا أو مفردا إلى زوال الشمس من يوم عرفة، بلا خلاف يوجد، للمستفيضة من النصوص:

منها: موثّقة ابن عمّار «1»، و صحيحة ابن مسكان، و روايته، المتقدّمة «2»، و موثّقة أخرى لابن عمّار: «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس» «3».

و صحيحة ابن يزيد: «إذا زاغت الشمس يوم

عرفة فاقطع التلبية» «4»، إلى غير ذلك.

و للمعتمر مفردا إلى أن يدخل الحرم مطلقا عند الشيخ في الجمل و الإقتصاد «5»، بل المصباح، و مختصره على ما قيل «6».

لموثّقة ابن عمّار المتقدّمة «7».

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 322.

(2) في ص: 323.

(3) التهذيب 5: 181- 608، الوسائل 12: 392 أبواب الإحرام ب 44 ح 5.

(4) التهذيب 5: 182- 610، الوسائل 13: 530 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 4.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 227، الإقتصاد: 301.

(6) مصباح المتهجد: 620، حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1: 317.

(7) الكافي 4: 399- 1، التهذيب 5: 94- 309، الإستبصار 2: 176- 583، الوسائل 12: 388 أبواب الإحرام ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 325

و صحيحة عمر بن يزيد: «من دخل مكّة معتمرا فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» «1».

و بمضمونهما رواية مرازم «2» و زرارة «3»، و مرسلة الفقيه «4».

و إلى أن يشاهد الكعبة كذلك عند الحلبي على ما حكي عنه «5»، لصحيحة أخرى لعمر بن يزيد: «و من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة» «6».

و إلى الأول لمن أحرم من أحد المواقيت أو دويرة أهله، أي كان خارجا من الحرم.

و إلى الثاني لمن خرج من مكّة للعمرة فاعتمر و رجع على المشهور عند الطائفة، كما صرّح به بعض الأجلّة «7»، للجمع بين الصنفين المتقدّمين.

و إلى أيّهما شاء مخيّرا مطلقا عند الصدوق و الشرائع و النافع و التنقيح «8»، للجمع أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    326     المسألة الثامنة: ..... ص : 322

الأول أحسن، بل أقرب، لأنّه

مقتضى القاعدة المطردة من تخصيص

______________________________

(1) التهذيب 5: 95- 313، الإستبصار 2: 177- 586، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 2، و فيها: مفردا للعمرة، بدل: معتمرا.

(2) الكافي 4: 537- 1، الفقيه 2: 277- 1355، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 6.

(3) الكافي 4: 537- 2، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 5.

(4) الفقيه 2: 277- 1352، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 10.

(5) الكافي في الفقه: 193.

(6) الفقيه 2: 276- 1350، التهذيب 5: 95- 315، الإستبصار 2: 177- 588، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 8.

(7) انظر كشف اللثام 1: 317.

(8) حكاه عن الصدوق في المختلف: 266، الشرائع 1: 248، النافع: 83، التنقيح 1: 463.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 326

العامّ المطلق بالخاصّ.

و هاهنا أخبار أخر أيضا دالّة على القطع بالنظر إلى المسجد الحرام، كصحيحة ابن عمّار «1» و مرسلة الفقيه «2»، أو عند بيوت ذي طوى، كرواية أبي خالد «3»، أو إذا رأى بيوت ذي طوى، كموثّقة يونس بن يعقوب «4»، أو حيال عقبة المدنيّين، كرواية الفضيل «5»، و لكن لم يظهر بها عامل، فرفع اليد عنها للشذوذ لازم.

ثم القطع في الموارد المذكورة على الوجوب، وفاقا في الأول لظاهر الأكثر، بل عن الخلاف الإجماع عليه «6»، و في الثاني لوالد الصدوق و الشيخ و الوسيلة و المفاتيح «7» و شرحه، و استحسنه في المدارك «8»، بل محتمل الأكثر كما قيل «9»، و في الثالث لظاهر الأكثر و صريح بعضهم «10»، كلّ ذلك لظاهر الأوامر الخالية عن المعارض.

______________________________

(1) الكافي 4: 537- 3، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 4.

(2) الفقيه 2: 277-

1351، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 9.

(3) التهذيب 5: 94- 311، الوسائل 12: 391 أبواب الإحرام ب 43 ح 8.

(4) الفقيه 2: 277- 1354، التهذيب 5: 95- 314، الإستبصار 2: 177- 587، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 3.

(5) الفقيه 2: 277- 1353، التهذيب 5: 96- 316، الإستبصار 2: 177- 589، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 11.

(6) الخلاف 2: 293.

(7) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 266، الشيخ في المبسوط 1: 317، الوسيلة: 161، المفاتيح 1: 316.

(8) المدارك 7: 295.

(9) في كشف اللثام 1: 316.

(10) كالمفيد في المقنعة: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 327

البحث الثالث في بعض الأحكام المتعلّقة بالإحرام
اشاره

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: لا إحرام مع إحرام عمدا،

أي لا ينعقد إحرام عمدا ما لم يتحلّل عن الإحرام الأول، لأصالة عدم المشروعيّة، و اختصاص إطلاقات كلّ إحرام بغير المحرم، فإنّها كلّها واردة في إحرام المحلّ، و لم يشرّع إحرام مع آخر، فهو كالإحرام لصلاة قبل الخروج عن الأخرى، و مع ذلك هو موضع وفاق كما حكي عن ظاهر المنتهى «1»، و في الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب «2».

و مقتضى ذلك: أنّه لو أحرم أحد قبل التحلّل عن الآخر بطل الثاني و يمضي على الأول مطلقا عمدا كان ذلك أو نسيانا، فهو الأصل في المسألة.

و على هذا، فلو أحرم المتمتّع بالحجّ قبل تمام العمرة يلزمه أن يكون إحرامه بالحجّ باطلا و يمضي على عمرته، فإذا تمّت يحرم للحجّ ثانيا إن كان وقته باقيا، و تصير عمرته حجّة مفردة إن لم يكن باقيا و كان إحرامه للحجّ عمدا، إذ مع النسيان له إنشاء إحرامه متى يذكر، كما مرّ في آخر بحث المواقيت، فإنّ ذلك بعينه هو من ترك الإحرام نسيانا.

و لكنهم قالوا في متمتّع أحرم بالحجّ قبل التقصير للعمرة بصحّة عمرته

______________________________

(1) المنتهى 2: 685.

(2) الذخيرة: 582.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 328

و صحّة إحرامه للحجّ إن كان ذلك نسيانا منه «1»، و ادّعي عدم الخلاف فيه في التنقيح و الذخيرة و الكفاية «2»، بل عن المختلف دعوى الإجماع عليه «3»، و هو كذلك أيضا، لصحاح ابن سنان و ابن عمّار و البجلي:

الأولى: في رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحجّ، قال:

«يستغفر اللَّه و لا شي ء عليه» «4».

و الثانية: عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل في الحجّ، قال: «يستغفر اللَّه و لا شي ء

عليه و تمت عمرته» «5».

و الثالثة: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ و نسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات، قال: «لا بأس به، يبني على العمرة و طوافها، و طواف الحجّ على أثره» «6».

و لكن مخالفة هذا الحكم للأصل السابق إنّما هو إذا قلنا بكون التقصير أيضا جزءا من أفعال العمرة و منسكا من نسكه، كما هو الظاهر من جماعة «7»، بل في المنتهى الإجماع عليه «8».

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 246، و الحدائق 15: 117، و الرياض 1: 371.

(2) التنقيح 1: 463، الذخيرة: 582، الكفاية: 59.

(3) المختلف: 267.

(4) الكافي 4: 440- 1، الفقيه 2: 237- 1129، التهذيب 5: 90- 297، الإستبصار 2: 175- 577، الوسائل 12: 410 أبواب الإحرام ب 54 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 440- 2، التهذيب 5: 159- 528، الإستبصار 2: 175- 579، الوسائل 12: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.

(6) الكافي 4: 440- 3، التهذيب 5: 90- 298، الإستبصار 2: 175- 578، الوسائل 12: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 2.

(7) كصاحب المدارك 7: 283 و 8: 88، السبزواري في الذخيرة: 648، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 350.

(8) المنتهى 2: 709.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 329

و أمّا لو لم نقل بكونه جزءا منها، بل نجعله محلّلا- كما نقله في المدارك و الذخيرة عن بعضهم «1»، و تشعر به صحيحة الحلبي: لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصّر، قال: «عليك بدنة» الحديث «2»، بل تشعر به المستفيضة الواردة في بيان أصناف الحجّ، المتضمّنة لمثل قوله:

«على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف و سعيان» إلى

أن قال: «ثم يقصّر» «3»- فلا يكون مخالفا للأصل أصلا.

بل يمكن القول بعدم المخالفة مع الجزئيّة أيضا، إذ لم يصرّح في الأخبار و لم ينصّ أحد من الأصحاب بصحّة هذا الإحرام للحجّ، غاية الأمر عدم التعرّض للإحرام له ثانيا، و يمكن أن يكون ذلك لكفاية نيّته المستدامة حكما، كما تستأنس له مرسلة جميل: رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال: «تجزئه نيّته إذا كان قد نوى ذلك، فقد تمّ حجّه و إن لم يهلّ» «4».

نعم، يجب على ذلك الشخص- لأجل تقديم الإحرام على التقصير- دم يهريقه، وفاقا للشيخ في كتبه «5» «6»، و القاضي و ابني زهرة و حمزة «7»،

______________________________

(1) المدارك 7: 282، الذخيرة: 582.

(2) الكافي 4: 441- 6، الفقيه 2: 238- 1138 و فيه: عن حمّاد بن عثمان، التهذيب 5: 162- 543، الإستبصار 2: 244- 852، المقنع: 83، الوسائل 13:

117 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5 ح 2 بتفاوت يسير.

(3) كما في الوسائل 11: 212، 220 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2 و 8.

(4) الكافي 4: 325- 8، التهذيب 5: 61- 192، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

(5) الإستبصار 2: 242، النهاية: 263، التهذيب 5: 158.

(6) في «ح» زيادة: و علي بن بابويه. نقله عنه في المختلف: 467.

(7) القاضي في المهذّب 1: 225، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، ابن حمزة في الوسيلة: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 330

و بعض آخر «1»، لموثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: الرجل يتمتّع فنسي أن يقصّر حتى يهلّ بالحجّ، قال:

«عليه دم يهريقه» «2».

و لا ينافيها

ما تقدّم، لكونه عامّا مطلقا فيجب تخصيصه، و هو أولى من الجمع بينهما بحمل الموثّقة على الاستحباب [1]، لتقدّم هذا التخصيص على التجوّز.

و لو كان تقديم الإحرام منه على التقصير عمدا فحكم الحلّي صريحا «3» و جماعة «4» بعده ميلا ببطلان الإحرام الثاني و بقائه على عمرته كما هو مقتضى الأصل، للأصل و ضعف سند المعارض إن قلنا بكون التقصير جزءا، و إلّا فيكون البقاء على العمرة موافقا للأصل، و بطلان الإحرام مخالفا له خاليا عن الدليل.

و لكن خالف جماعة فيه الأصل، و قالوا ببطلان عمرته و صيرورة حجّه بذلك مفردا، فيكمله ثم يعتمر بعد عمرة مفردة، و لعلّه الأشهر كما عن الدروس و المسالك «5».

و استدلّوا له بموثّقة أبي بصير الصحيحة عمّن أجمعت العصابة عليه:

«المتمتّع إذا طاف و سعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر و ليس

______________________________

[1] في «ح» زيادة: كما عن الفقيه و الديلمي و الحلّي و القواعد.

______________________________

(1) كالعلّامة في الإرشاد 1: 328، و صاحب الرياض 1: 371.

(2) الفقيه 2: 237- 1128، التهذيب 5: 158- 527، الإستبصار 2: 242- 844، الوسائل 13: 513 أبواب التقصير ب 6 ح 2.

(3) السرائر 1: 581.

(4) كالمحقّق في المختصر النافع: 83، و الشهيد في الدروس 1: 333.

(5) الدروس 1: 333، المسالك 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 331

له متعة» «1».

و رواية العلاء: عن رجل متمتّع طاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر، قال: «بطلت متعته، و هي حجّة مبتولة» «2».

و حملهما على متمتّع عدل إليه عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي قبل التقصير- كما عن الشهيد «3»، و وردت به رواية «4»- خلاف الظاهر جدّا، مخالف للإطلاق الخالي عن المقيّد، و ورود

رواية بذلك في العادل لا توجب تقييد ذلك الإطلاق، لعدم التلازم و الداعي، بل قد يقال بكون صدق المتمتّع على ذلك العادل مجازا.

و فيه نظر ظاهر، لحصول مبدأ الاشتقاق فيه حالا و ماضيا بعد العدول.

و لا يضرّ إطلاق الموثّقة و الرواية بالنسبة إلى العمد و النسيان، لخروج الثاني عنهما بالصحاح المتقدّمة «5»، التي هي أخصّ مطلقا.

و لا ضعف سند الأخيرة- إن كان- لاعتبار الأولى سندا، و مع ذلك انجبرتا بالشهرة المحكيّة، فالحكم بمضمونهما متعيّن و إن كان للأصل المتقدّم مخالف، و لكنّ الخروج عنه مع الدليل لازم.

و الجاهل كالعامد، للإطلاق الخالي عن المقيّد في غير الناسي.

و هل يجزئ ذلك عن فرضه لو كان الحجّ عليه واجبا، أم لا؟

______________________________

(1) التهذيب 5: 159- 529، الإستبصار 2: 243- 846، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 5 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 90- 296، الإستبصار 2: 175- 580، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.

(3) الدروس 1: 333.

(4) الفقيه 2: 204- 931، التهذيب 5: 90- 295، الوسائل 11: 290 أبواب أقسام الحج ب 19 ح 1.

(5) في ص: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 332

فيه وجهان، أقربهما: الثاني، وفاقا للروضة و المسالك «1»، و احتمله في المدارك «2»، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه عمدا.

و قيل بالأول «3»، لخلوّ النصوص عن الأمر بالإعادة مع ورودها في محلّ الحاجة.

و فيه: منع كونها في محلّ الحاجة، مع أنّ الأمر بفرضه كاف عن الأمر الآخر.

المسألة الثانية: إحرام الصبيّ و حجّه كغيره،

إلّا في أمور ثلاثة:

أحدها: في ميقاته في غير حجّ التمتّع، و أمّا فيه فكغيره من مكّة.

و ثانيها: في المباشرة.

و ثالثها: في الكفّارة و الهدي.

أمّا الأول: فقيل: هو فخّ، و هو بئر معروف على

نحو فرسخ من مكّة، كما ذكره جماعة «4»، و عن القاموس: أنّه موضع بمكّة «5»، و عن النهاية الأثيرية: أنّه موضع عندها «6»، و يمكن إرجاع الجميع إلى واحد.

و بكونه ميقاتا له أفتى في المعتبر و المنتهى و التحرير و الدروس و المسالك «7»، و جعل الأخير الإحرام عن الميقات أولى، و تبعه في الجواز

______________________________

(1) الروضة 2: 221، المسالك 1: 107.

(2) المدارك 7: 283.

(3) الرياض 1: 372.

(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، صاحب المدارك 7: 227، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 306.

(5) القاموس 1: 275.

(6) النهاية الأثيرية 3: 418.

(7) المعتبر 2: 804، المنتهى 2: 667، التحرير 1: 94، الدروس 1: 342، المسالك 1: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 333

جماعة من المتأخّرين «1»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر «2»، بل يشير كلام المفاتيح بعدم الخلاف فيه «3».

و استدلّ له على جواز التأخير إليه بصحيحة عليّ: من أين يجرّد الصبيان؟ فقال: «كان أبي يجرّدهم من فخّ» «4»، و نحوها صحيحة أيّوب بن الحرّ «5».

و على جوازه من الميقات بصحيحة ابن عمّار «6» المتقدّمة في أول الكتاب عند بيان اشتراط البلوغ.

و يرد عليه قصور الدلالة على الإحرام، فإنّه غير التجريد.

و قيل: هو الميقات و إن جاز تأخير نزع المخيط و الثياب عنه إلى فخّ، و هو المنقول عن الحلّي و المحقّق الثاني «7»، و جعله في التنقيح مراد المصنّف «8».

و تردّد بينهما بعض الأجلّة «9»، لعموم نصوص المواقيت، و عدم جواز التجاوز عن الميقات إلّا محرما، و عدم دلالة الصحيحتين المذكورتين

______________________________

(1) كصاحب المدارك 7: 227.

(2) كما في الحدائق 14: 457.

(3) المفاتيح 1: 310.

(4) الكافي 4: 303- 2، الفقيه 2: 265- 1292، التهذيب 5:

409- 1422، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.

(5) التهذيب 5: 409- 1421، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.

(6) الكافي 4: 304- 4، الفقيه 2: 266- 1294، التهذيب 5: 409- 1423، الوسائل 11- 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.

(7) الحلي في السرائر 1: 537، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 160.

(8) التنقيح 1: 448.

(9) انظر كشف اللثام 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 334

على جواز تأخير الإحرام.

و ردّ بمنع العموم بحيث يتناول غير المكلّف أيضا، و ظهور التجريد في الإحرام.

و فيه: أنّه إن أريد بالعموم الممنوع عموم عدم جواز التجاوز عن الميقات فلا بأس بمنعه، و لكن لا حاجة إليه، بل عدم توقيف غير الميقات كاف في عدم صحّة إحرام الصبي عن غيره، لكونه حكما وضعيّا.

و إن أريد عموم توقيت المواقيت فهو فاسد قطعا، لاشتمال نصوصها على أهل فلان و فلان، الصادق على البالغ و غيره، و عدم كونه تكليفا مخصوصا بالبالغين.

و منه تظهر قوّة القول الثاني و أنّ الفخّ محلّ التجريد، مع أنّه أحوط أيضا، بناء على ما عرفت من عدم ظهور خلاف في جواز إحرامه عن الميقات، بل أولويّته.

و أمّا الثاني: فإنّه إن كان غير مميّز يفعل به الولي ما يلزم المحرم من حضور المواقف و المطاف و المسعى و يلبّي عنه و يجتنبه ما يجتنبه المحرم، و إن كان مميّزا يأمره الولي بالإتيان بهذه الأمور، فإن عجز عن شي ء منه يتولّاه الولي عنه، بلا خلاف يوجد في شي ء من ذلك، لصحاح ابن عمّار و زرارة «1» و البجلي «2»، المتقدّمة كلّا في أول الكتاب.

و أمّا الثالث: فإنّه على الولي في ماله

إن فعل ما يوجب الكفّارة عمدا

______________________________

(1) الكافي 4: 303- 1، الفقيه 2: 265- 1291، التهذيب 5: 409- 1424، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.

(2) الكافي 4: 300- 5، التهذيب 5: 410- 1425، الوسائل 11: 286 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 335

و سهوا كالصيد، لصحيحة زرارة المتقدّمة بضميمة الإجماع المركّب، لا ما يوجبها عمدا خاصّة، فإنّه لا كفّارة فيه، للأصل، و الاقتصار فيما يخالفه على موضع الوفاق و النصّ.

و كذا يلزم الولي أمره بالصيام بدلا عن الهدي، أو هدي الولي في ماله في حجّ التمتّع و الصيام عنه مع عجزه عن الهدي و عجز الصبي عن الصوم.

و تدلّ على الأول و الثاني صحيحة زرارة المتقدّمة، و موثّقة إسحاق، و فيها: «و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» «1».

و رواية سماعة: عن رجل أمر غلمانه أن يتمتّعوا، قال: «عليه أن يضحّي عنهم» إلى أن قال: «و لو أنّه أمرهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم» «2».

و على الثالث صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و صحيحة البصري: «يصوم عن الصبي وليّه إذا لم يجد هديا و كان متمتّعا» «3».

و رواية عبد الرحمن بن أعين: تمتّعا فأحرمنا و معنا صبيان فأحرموا و لبّوا كما لبّينا، و لم نقدر على الغنم، قال: «فليصم عن كلّ صبيّ وليّه» «4».

المسألة الثالثة: إحرام المرأة و الرجل على السواء إجماعا،

و لقوله في صحيحة ابن عمّار الواردة في إحرام الحائض: «و تصنع كما يصنع المحرم» «5».

و يستثنى من المساواة أمور ذكرت في مواضعها: من تغطية الرأس،

______________________________

(1) الكافي 4: 304- 6، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 2.

(2) الكافي 4: 305- 9، الفقيه 2: 266- 1295، الوسائل 14: 86 أبواب

الذبح ب 2 ح 8.

(3) التهذيب 5: 410- 1426، الوسائل 14: 87 أبواب الذبح ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 5: 237- 801، الوسائل 14: 87 أبواب الذبح ب 3 ح 4.

(5) التهذيب 5: 388- 1358، الوسائل 12: 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 336

و لبس المخيط، و التظليل، و غيرها، و لبس الحرير كما مرّ، و في استحباب رفع الصوت بالتلبية.

و الحيض لا يمنعها من الإحرام بلا خلاف، للإجماع، و الأصل، و عدم دليل يدلّ على اشتراط الطهارة في الإحرام، و الصحاح و غيرها المستفيضة المصرّحة بذلك، كصحيحتي ابن عمّار «1»، و صحيحتي عيص بن القاسم «2»، و الصحاح الثلاث: للبجلي «3» و الحلبي «4» و منصور بن حازم «5»، و موثّقة يونس بن يعقوب «6»، و رواية زيد الشحّام «7»، و غير ذلك «8».

و المصرّح به في أكثر تلك الأخبار أنّها تغتسل غسل الإحرام، و معه

______________________________

(1) الأولى في: الكافي 4: 304- 4، الفقيه 2: 266- 1294، التهذيب 5:

409- 1423، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 239- 1142، الوسائل 12: 401 أبواب الإحرام ب 49 ح 1.

(2) الأولى في: التهذيب 5: 389- 1360، الوسائل 12: 401 أبواب الإحرام ب 48 ح 5.

الثانية في: الكافي 4: 444- 2، التهذيب 5: 389- 1361، الوسائل 12:

402 أبواب الإحرام ب 49 ح 2.

(3) الكافي 4: 300- 5، الوسائل 11: 300 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 15.

(4) التهذيب 5: 390- 1364، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 3.

(5) الكافي 4: 445- 3، التهذيب 5: 388- 1356، الوسائل 12: 399 أبواب الإحرام ب

48 ح 1.

(6) الكافي 4: 444- 1، التهذيب 5: 388- 1355، الوسائل 12: 399 أبواب الإحرام ب 48 ح 2.

(7) الكافي 4: 445- 4، التهذيب 5: 388- 1357، الوسائل 12: 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 3.

(8) انظر الوسائل 12: 399، 401 أبواب الإحرام ب 48 و 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 337

لا وجه لما حكي عن الشهيد الثاني في مناسك الحجّ أنّها تترك الغسل «1»، و لكنّها تترك الصلاة، لحرمتها عليها، و تصريح كثير من تلك الأخبار.

و وردت فيها أيضا: أنّها تستقر «2» و تحتشي بالكرسف و تتمنطق بمنطقة، و في بعضها: أنّها تلبس ثوبا دون ثيابها لإحرامها، و في بعضها: أنّها إذا كانت في الليل تخلع ثياب إحرامها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر، و لو جهلت بجواز الإحرام لها فتركته فحكمها حكم الجاهل بالإحرام، و قد مرّ.

______________________________

(1) حكاه عنه في المدارك 7: 386.

(2) تستثفر: تأخذ خرقة طويلة عريضة تشدّ أحد طرفيها من قدّام و تخرجها من بين فخذيها و تشدّ طرفها الآخر من وراء بعد أن تحتشي بشي ء من القطن ليمتنع به من سيلان الدم- مجمع البحرين 3: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 338

البحث الرابع في تروك الإحرام
اشاره

أي ما يحرم على المحرم ارتكابه أو يكره، فهاهنا مقامان:

المقام الأول في المحرّمات
اشاره

و هي على ثلاثة أقسام، لأنّه إمّا يشترك فيه الرجل و المرأة، أو يختصّ بالرجل، أو المرأة.

القسم الأول: ما يشترك فيه الرجل و المرأة، و هي أحد عشر أمرا:
الأول: صيد البرّ،
اشارة

بالإجماعين «1» و الكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب، فقد قال اللَّه تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً «2».

و قال عزّ و جلّ لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «3».

و أمّا السنّة، فمتكثّرة متواترة:

كصحيحة الحلبي: «لا تستحلّنّ شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلّنّ عليه محلّا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر إليه فيستحلّ من أجلك، فإنّ فيه فداء لمن تعمّده» «4».

______________________________

(1) انظر الحدائق 15: 135.

(2) المائدة: 96.

(3) المائدة: 95.

(4) الكافي 4: 381- 1، الوسائل 12: 415 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 339

و عمر بن يزيد: «و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه، و لا تأكل ممّا صاده غيرك، و لا تشر إليه فيصيده» «1».

و ابن عمّار: «إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة» إلى أن قال: «و الحيّة إذا أرادتك فاقتلها، فإن لم تردك فلا تردها، و الكلب العقور و السبع إذا أراداك فاقتلهما، فإن لم ير يداك فلا تردهما، و الأسود «2» الغدر فاقتله على كلّ حال، و ارم الغراب رميا و الحدأة [1] على ظهر بعيرك» «3»، إلى غير ذلك ممّا يأتي في أثناء المسائل.

و المحرّم اصطياده قتلا و حيازة و ذبحا- و لو صاده غيره و لو كان محلّا و أكل كذلك- و دلالة بلفظ أو كتابة أو إشارة، و تسبيبا و لو بإعارة سلاح أو نصب شرك أو إغلاق باب حتى يموت أو يصاد، و نحوها، بإجماع المسلمين في

الأولين، و إجماعنا المحقّق و المحكيّ «4» في البواقي، و هو الحجّة في الجميع، مضافا إلى دلالة الأخبار في أكثرها، كالصحيحتين الأوليين.

و صحيحة ابن حازم: «المحرم لا يدلّ على الصيد، فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء» «5».

______________________________

[1] الحدأة: طائر يصيد الجرذان، و يقال إنّها كانت تصيد لسليمان بن داود و كانت أصيد الطير، فانقطع عنه الصيد لدعوة سليمان- العين 3: 278.

______________________________

(1) التهذيب 5: 300- 1021، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 5.

(2) الأسود: العظيم من الحيّات و فيه سواد- الصحاح 2: 491.

(3) الكافي 4: 363- 2، التهذيب 5: 365- 1273، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2 و 3 و 4، بتفاوت يسير.

(4) الرياض 1: 373.

(5) الكافي 4: 381- 2، التهذيب 5: 315- 1086، الإستبصار 2: 187- 629، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 340

و ابن عمّار: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام، و إن كان أصابه محلّ، و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد، فإنّ عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد» «1».

و موثّقة ابن عمّار: «لا تأكل شيئا من الصيد و إن صاده حلال» «2».

و صحيحته: «اعلم أنّ ما وطأت من الدباء أو وطأته بعيرك فعليك فداؤه» «3».

أقول: الدباء: أصغر الجراد و النمل «4».

و الأخرى: «ما وطأته أو وطأه بعيرك و أنت محرم فعليك فداؤه» «5».

و رواية أبي ولّاد: خرجنا ستّة نفر من أصحابنا إلى مكّة، فأوقدنا نارا في بعض المنازل عظيما، أردنا أن نطرح عليه لحما نكبّبه، و قد كنّا محرمين، فمرّ بها طائر صاف، قال: حمامة أو شبهها، فاحترقت

جناحاه، فسقط في النار فمات، فاغتممنا لذلك، فدخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام بمكّة، فأخبرته و سألته، قال: «عليكم فداء واحد، دم شاة تشتركون فيه جميعا، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد، فلو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ رجل منكم دم شاة» قال أبو ولّاد: و كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 381- 3، التهذيب 5: 315- 1085، الوسائل 13: 68 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 1.

(2) التهذيب 5: 370- 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 5.

(3) الكافي 4: 393- 5، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 2.

(4) في «ق»: .. و القمل.

(5) الكافي 4: 382- 10، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 1.

(6) الكافي 4: 392- 5، التهذيب 5: 352- 1226، الوسائل 13: 48 أبواب كفارات الصيد ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 341

و لا يخفى أنّ تحريم الإشارة و الدلالة إنّما هو لمن لم ير الصيد، و أمّا لمن يراه و لا يفيده ذلك شيئا، و كذا لمن لا يتمكّن من صيده، فالوجه العدم، وفاقا لجمع كما قيل «1»، للأصل، و اختصاص النصوص بما تسبّب للصيد، مع أنّ الدلالة عرفا تختصّ بما لا يعلمه المدلول بنفسه.

و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى: كما يحرم الصيد يحرم فرخه، و بيضه،

بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «2»، بل عن التذكرة «3» و في شرح المفاتيح الإجماع عليه، و تدلّ عليه الروايات المتكثّرة المتضمّنة لثبوت الكفّارة فيه، كما سيأتي ذكرها.

المسألة الثانية: إذا صاد المحرم صيدا و قتله كان حراما عليه

و على من مثله في كونه محرما، إجماعا، و للروايات الآتية الخالية عن المعارض في حقّه.

و كذا يحرم على كلّ أحد و إن كان محلّا عند جماعة، منهم: الشيخ في أكثر كتبه و السرائر و المهذّب و الجامع و الوسيلة و الجواهر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد «4» و غيرها «5»، و ادّعى جماعة الشهرة عليه «6»،

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 373.

(2) الذخيرة: 588.

(3) التذكرة 1: 328

(4) الشيخ في النهاية: 220، السرائر 1: 546، المهذب 1: 230، الجامع: 183، الوسيلة: 165، جواهر الفقه: 46، الشرائع 1: 249، النافع: 84، القواعد 1:

81، الإرشاد 1: 317.

(5) كالتذكرة 1: 329.

(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 600 و صاحب الحدائق 15: 143 و صاحب الرياض 1: 373.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 342

و عن الجواهر و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «1».

و لرواية وهب: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و المحرم، و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أم حرام» «2»، و إسحاق «3»، و هي بمضمون الأولى.

و ابن أبي عمير: المحرم يصيب الصيد فيفديه يطعمه أو يطرحه؟

قال: «إذن كان عليه فداء آخر»، قلت: فما يصنع به؟ قال: «يدفنه» «4».

المعتضدة جميعا بالشهرة المحقّقة، و الإجماعات المحكيّة، و أخبار تعارض الصيد و الميّتة للمحرم المضطرّ «5»، سيّما ما رجّح منها الميّتة على الصيد.

خلافا للمحكيّ عن المقنع و الفقيه و الإسكافي و المفيد و السيّد و الكليني «6»، فقالوا بحلّية مذبوح المحرم

في غير الحرم للمحلّ، للأصل، و الصحاح المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدّق بالصيد على مسكين» «7».

و الأخرى: عن محرم أصاب صيدا و أهدى إليّ منه، قال: «لا، لأنّه

______________________________

(1) جواهر الفقه: 46، التذكرة 1: 329، المنتهى 2: 800.

(2) التهذيب 5: 377- 1315، الإستبصار 2: 214- 733، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 5: 377- 1316، الإستبصار 2: 214- 734، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 5.

(4) الفقيه 2: 235- 1120، التهذيب 5: 378- 1320، الإستبصار 2: 215- 740، المقنع: 79، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 3.

(5) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.

(6) المقنع: 79، الفقيه 2: 235، المفيد في المقنعة: 438، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 72، الكليني في الكافي 4: 382.

(7) التهذيب 5: 372- 1297، الوسائل 13: 93 أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 343

صيد في الحرم» «1»، فإنّ مقتضى مفهوم التعليل: جواز أكل المحلّ لو صاده المحرم في غير الحرم.

و ابن عمّار: و إذا أصاب الرجل الصيد في الحرم و هو محرم فإنّه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد، و إذا أصابه في الحلّ فإنّ الحلال يأكله و عليه هو الفداء «2».

و الأخرى: عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟

فقال: «لا بأس، إنّما الفداء على المحرم» «3».

و ابن حازم: رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال، قال:

«فليأكل منه الحلال، فليس عليه شي ء، إنّما الفداء على المحرم» «4».

و الأخرى: رجل أصاب صيدا و هو

محرم، آكل منه و أنا حلال؟ قال:

«أنا كنت فاعلا»، قلت له: فرجل أصاب مالا حراما، فقال: «ليس هذا مثل هذا يرحمك اللَّه، إنّ ذلك عليه» «5».

و حريز: عن رجل أصاب صيدا و هو محرم، أ يأكل منه الحلال؟ فقال:

«لا بأس، إنّما الفداء على المحرم» «6».

المؤيّدة بالأصل، و الأكثرية، و الأشهرية رواية، و الأصحّية سندا،

______________________________

(1) التهذيب 5: 375- 1308، الوسائل 12: 422 أبواب تروك الإحرام ب 4 ح 1.

(2) الكافي 4: 382- 6، التهذيب 5: 378- 1318، الوسائل 12: 420 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 375- 1307، الإستبصار 2: 215- 738، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 5.

(4) الكافي 4: 382- 7، الوسائل 12: 420 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 1.

(5) التهذيب 5: 375- 1305، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 3.

(6) التهذيب 5: 375- 1306، الإستبصار 2: 215- 737، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 344

و أخبار ترجيح الصيد على الميّتة للمضطرّ عند التعارض «1»، و لو لا حلّيته في الجملة لم يكن كذلك.

و حمل تلك الأخبار على ما إذا كان به رمق خلاف الظاهر جدّا، بل لا يحتمله بعضها البتّة كالأولى و الثالثة، و كذلك جعل الباء في الأولى سببية و الصيد مصدرا.

و للمحكيّ عن الشيخين أيضا مفصّلا بين مقتول المحرم و مذبوحه، فحكما بالحلّية للمحلّ في الأول و الحرمة له في الثاني «2»، و إليه مال في المدارك «3» و بعض من تأخّر عنه «4»، استنادا في الأول إلى الأخبار الأخيرة، و في الثاني إلى الأولى.

و هو الأقرب،

لأعمّية الأخبار الأخيرة عن الأولى مطلقا بالنسبة إلى الذبح و غيره، فيجب تخصيصها بها، عملا بقاعدة تخصيص العامّ المطلق بالخاصّ المطلق.

المسألة الثالثة: الصيد المحرّم يشمل كلّ حيوان ممتنع بالأصالة،

سواء كان ممّا يؤكل أو لا، وفاقا للشرائع و التذكرة «5»، بل جملة من كتب الفاضل «6» و جمع من المتأخّرين «7»، و عن الراوندي: أنّه مذهبنا «8»، معربا

______________________________

(1) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.

(2) حكاه عنهما في المدارك 7: 308، و انظر المقنعة: 438، و التهذيب 5: 375- 378، و الإستبصار 2: 215.

(3) المدارك 7: 308.

(4) كصاحب الحدائق 15: 145.

(5) الشرائع 1: 283، التذكرة 1: 328.

(6) كالمنتهى 2: 800.

(7) كما في المسالك 1: 132.

(8) فقه القرآن 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 345

عن دعوى الإجماع.

لشمول الصيد المنهيّ عنه كتابا و سنّة له لغة و عرفا، فيشمله إطلاقهما.

مضافا إلى عموم صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1» المتضمّنة للفظ:

«الدواب كلّها»، و النهي فيها و في الآتية عن قتل ما لم يرده من الحيوانات المحرّمة المذكورة فيها، و ما دلّ على حرمة قتل الوحش و الطير مطلقا في الحرم، و النهي عن قتل غير الإبل و البقر و الغنم و الدجاج في الحرم، و حرمة ذبح كلّ ما أدخل الحرم حيّا، و وجوب تخلية سبيل الصقر في الحرم كما يأتي في باب مسائل الحرم.

بضميمة الإجماع على اتّحاد حكم الحرم و الإحرام في تحريم الصيد، بل دلالة صحيحة [1] حريز «2» عليه كما يأتي في الباب المذكور.

و التقييد بالأصالة لإخراج ما توحّش من الإنسي و إدخال ما استأنس من الوحشي، إذ بذلك لا يخرج الحيوان عن مسمّاه الأصلي، و لا يختلف بذلك إطلاق الصيد و عدمه، بل لا خلاف في جواز قتل الإنسي المتوحّش

و عدم جواز قتل الوحشيّ المستأنس.

مضافا إلى إطلاق صحيحة حريز: «المحرم يذبح البقر و الغنم و الإبل، و كلّ ما لم يصفّ من الطير، و ما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم، و هو محرم في الحلّ و الحرم» «3».

______________________________

[1] في «س» و «ق»: صحيحتي.

______________________________

(1) الكافي 4: 363- 2، التهذيب 5: 365- 1273، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2، 3، 4.

(2) الكافي 4: 363- 1، التهذيب 5: 365- 1272، الإستبصار 2: 208- 711، الوسائل 12: 544 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 1.

(3) الكافي 4: 365- 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 346

و رواية ابن سنان: المحرم ينحر بعيره و يذبح شاته؟ قال: «نعم» «1».

و ما يأتي من جواز ذبح الإبل و البقر و الغنم و الدجاجة في الحرم كما يأتي.

نعم، تستثنى منه الأفعى و العقرب و الفأرة، وفاقا للمحقّق «2» و جماعة «3»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و صحيحة الحسين بن أبي العلاء: «يقتل المحرم الأسود الغدر و الأفعى و العقرب و الفأرة» إلى أن قال: «اقتل كلّ شي ء منهنّ يريدك» «4».

و رواية محمّد بن الفضيل: عن المحرم و ما يقتل من الدواب؟ فقال:

«يقتل الأسود و الأفعى و الفأرة و العقرب و كلّ حيّة، و إن أرادك السبع فاقتله، و إن لم يردك فلا تقتله، و الكلب العقور إن أرادك فاقتله، و لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة» «5».

و صحيحة الحلبي: «يقتل في الحرم و الإحرام الأفعى و الأسود الغدر، و كلّ حيّة سوء، و العقرب و الفأرة و هي الفويسقة، و يرجم الغراب و الحدأة

رجما» «6».

بل كلّما خيف منه فيجوز قتله إذا أراده إجماعا كما قيل «7»، لذيل صحيحة ابن عمّار، و ابن أبي العلاء، و رواية الفضيل المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 4: 365- 2، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 4.

(2) الشرائع 1: 284.

(3) منهم الصدوق في المقنع: 77، و صاحبي المدارك 8: 316، و الحدائق 15:

158.

(4) التهذيب 5: 366- 1274، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 5.

(5) الفقيه 2: 232- 1109، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 10.

(6) الكافي 4: 363- 3، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 6.

(7) الحدائق 15: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 347

و لصحيحة حريز: «كلّما خاف المحرم على نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله، و إن لم يردك فلا ترده» «1».

و في رواية العرزمي: «يقتل المحرم كلّما خشيه على نفسه» «2».

و في صحيحة أخرى لابن عمّار: «كلّ شي ء أرادك فاقتله» «3».

و هل يجوز قتل الحيّة مطلقا، لبعض ما مرّ من الروايات المطلقة، كما هو الأشهر، بل عن الغنية و المبسوط: الإجماع عليه «4»؟

أو يختصّ بصورة الخوف، كما عن السرائر «5»؟

الظاهر: الثاني، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، التي هي أخصّ مطلقا ممّا مرّ.

و في رواية غياث بن إبراهيم: «يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود و الذئب، و ما خاف أن يعدو عليه»، و قال: «الكلب العقور هو الذئب» «6».

و الظاهر أنّ تجويز قتل الزنبور و ما بعده أيضا لأجل الخوف لا مطلقا، و إن احتمل الإطلاق في الزنبور لهذه الرواية التي هي أخصّ ممّا دلّ على المنع، و لذا تردّد في الشرائع «7»، بل و جوّز قتله في المبسوط

«8».

______________________________

(1) الكافي 4: 363- 1، الوسائل 12: 544 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 1.

(2) الكافي 4: 364- 10، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 7.

(3) الكافي 4: 364- 5، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 9.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المبسوط 1: 338.

(5) السرائر 1: 567.

(6) الكافي 4: 363- 4، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 8.

(7) الشرائع 1: 284.

(8) المبسوط 1: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 348

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار: «لا بأس بقتل النحل و البقّ في الحرم» «1»، بضميمة الصحيحتين الآتيتين في بحث أحكام الحرم، المصرّحتين: بأنّه يجوز للمحرم ذبح كلّ ما يجوز ذبحه للمحلّ في الحرم.

و منه يثبت استثناء النملة أيضا، للتصريح به في صحيحة أخرى له «2»، حيث فيها موضع النحل: و النمل.

و أمّا غيره فلا، أمّا النسر فلظاهر الإجماع المركّب.

و أمّا الأسود فلما مرّ و إن احتمل الإطلاق فيه أيضا، لأنّ الأسود نوع خاصّ من الحيّات، و الدليل الخاصّ بالإرادة في الحيّة إنّما هو في مطلق الحيّة.

و أمّا الذئب- المفسّر بالكلب العقور- فلمفهوم رواية ابن الفضيل المتقدّمة «3».

ثم إنّه قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرّم أكله، بل في المفاتيح حكي عن الأكثر «4»، فقيّدوا الصيد المحرّم بالمحلّل من الممتنع، فجوّزوا صيد كلّ ما لا يؤكل، إمّا مطلقا، كطائفة «5»، أو باستثناء الأسد و الثعلب و الأرنب و الضب و اليربوع و القنفذ و الزنبور و العظاية، فحرّموا صيدها أيضا، كجماعة «6»،

______________________________

(1) الفقيه 2: 172- 761، التهذيب 5: 366- 1276، الوسائل 12: 550 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 1، و في الجميع: النمل، بدل:

النحل.

(2) الفقيه 2: 172- 761، التهذيب 5: 366- 1277، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 2.

(3) الفقيه 2: 232- 1109، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 10.

(4) المفاتيح 1: 319.

(5) منهم الطوسي في المبسوط 1: 338، المحقّق في النافع: 101.

(6) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 349

استنادا إلى عدم وجوب كفّارة في غير المأكول سوى الثمانية.

و ردّ «1»: بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفّارة و عدم التحريم، لأنّها ليست من لوازم الحرمة، كما يشهد عليه سقوط الكفّارة عمّن عاد في الصيد متعمّدا.

و أجيب «2»: بأنّه يمكن استنباط التلازم بين الحرمة و لزوم الكفّارة من سياق قوله سبحانه وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «3»، و من صحيحتي الحلبي «4» و ابن حازم «5» المتقدّمتين، فإنّ مفادهما ثبوت الفداء في كلّ ما تعلّق به النهي، فلا بدّ من أحد التخصيصين: إمّا تخصيص الصيد بالمحلّل، أو الفداء ببعض ما يحرم صيده، فلا يعلم عموم حرمة الصيد.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ غاية ذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء، و لكن لا يفيد ذلك فيما نهي فيه عن قتل الدواب و السباع و نحوها.

و الحاصل: أنّ هاهنا أمرين، أحدهما: النهي عن الصيد، و الآخر:

عن قتل الدواب، و ما ثبت فيه التلازم هو الأول دون الثاني، و المثبت للتعميم حقيقة هو الثاني.

و قد تلخّص ممّا ذكر أنّ الأصل: حرمة قتل الدواب كلّها حال الإحرام، و خرج منها الإبل و البقر و الغنم و الدجاج، و كل ما خيف منه مع

______________________________

(1) كما في المدارك 8: 313.

(2) كما في الرياض 1: 445.

(3) المائدة:

95.

(4) الكافي 4: 381- 1، الوسائل 12: 415 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1.

(5) الكافي 4: 381- 2، التهذيب 5: 315- 1086، الإستبصار 2: 187- 629، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 350

الإرادة، و الزنبور و النمل و الأفعى و العقرب و الفأرة و هوام الجسد و الغراب يرمى، و السائر باق تحت الأصل من الوحوش و الطيور و الحشرات.

المسألة الرابعة: ما مرّ من تحريم الصيد إنّما هو في الصيد البرّي،

و أمّا البحري فلا يحرم، بالإجماعين «1»، و الكتاب «2»، و السنّة المستفيضة «3».

و المراد بالبحر يعمّ النهر أيضا كما قيل «4»، بل لا خلاف كما عن التبيان، قال: لأنّ العرب تسمّي النهر بحرا «5»، و منه قوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ «6».

و الأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا، لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف.

المسألة الخامسة: التفرقة بين صيد البرّ و البحر إنّما هي بالتعيّش،

فما يعيش في البرّ فمن البرّي و إن كان أصله من البحر، و ما يعيش في البحر فمن البحر، لصدق الاسم، و صحيحة محمد: مرّ أبو جعفر عليه السّلام على ناس و هم يأكلون جرادا، فقال: «سبحان اللَّه و أنتم محرمون»، فقالوا: و إنّما هو من البحر، فقال: «فارمسوه في الماء إذن» «7».

و صحيحة ابن عمّار: «كلّ شي ء يكون أصله في البحر و يكون في البرّ

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 446.

(2) المائدة: 96.

(3) الوسائل 12: 425 أبواب تروك الإحرام ب 6.

(4) انظر الرياض 1: 446.

(5) التبيان 4: 28.

(6) الروم: 41.

(7) الكافي 4: 393- 6، الفقيه 2: 235- 1119، التهذيب 5: 363- 1263، الوسائل 12: 428 أبواب تروك الإحرام ب 7 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 351

[و البحر] فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء» «1».

و أمّا ما يعيش في البرّ و البحر معا فالفصل المميّز فيه إنّما هو اعتبار البيض و الفرخ، فما يبيض و يفرخ في الماء فهو بحريّ و إن كان يعيش في البرّ، و ما يبيض و يفرخ في البر فهو برّي و إن كان يعيش في الماء، باتّفاق الأصحاب.

و قد صرّح بذلك في صحيحة حريز، و فيها: «و فصل ما بينهما كلّ طير يكون

في الآجام و يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّ يكون في البرّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «2».

و في حكم البيض و الإفراخ التوالد.

المسألة السادسة: الجراد في معنى الصيد البرّي،

اتّفاقا محقّقا و محكيّا «3»، له، و للمستفيضة، كصحيحة محمّد المتقدّمة، و ابن عمّار:

«ليس للمحرم أن يأكل جرادا و لا يقتله» «4»، و غير ذلك «5».

المسألة السابعة: يجوز رمي الغراب بأقسامه و الحدأة

في الحرم و غيره، مع الإحرام أو لا معه، و عن ظهر البعير و غيره، للروايات السابقة «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 393- 2، التهذيب 5: 468- 1636، الوسائل 12: 426 أبواب تروك الإحرام ب 6 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(2) الكافي 4: 392- 1، الفقيه 2: 236- 1126، التهذيب 5: 365- 1270، الوسائل 12: 426 أبواب تروك الإحرام ب 6 ح 3، بتفاوت.

(3) كما في التذكرة 1: 330، الذخيرة: 589.

(4) التهذيب 5: 363- 1264، الوسائل 12: 429 أبواب تروك الإحرام ب 7 ح 4.

(5) الوسائل 12: 428 أبواب تروك الإحرام ب 7.

(6) في ص: 346، و انظر الوسائل 12: 544 أبواب تروك الإحرام ب 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 352

و تخصيص الحكم في صحيحة ابن عمّار «1» بالرمي عن ظهر البعير لا يفيد الاختصاص بعد إطلاق سائر الروايات، إذ لا منافاة بينهما، فوجب الجمع.

و لا يجوز قتلهما، لما مرّ، إلّا أن يفضي الرمي إليه.

المسألة الثامنة: قيل بجواز قتل البرغوث و البقّة

«2»، للأصل، و رواية زرارة: عن المحرم يقتل البقّة و البرغوث إذا أراداه؟ قال: «نعم» «3».

و عن جماعة- منهم: الشيخ في التهذيب و الفاضل في جملة من كتبه- تحريم قتلهما «4»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و قوّاه في المدارك «5».

و لو قلنا بالجواز إذا أراداه- كما هو مورد الرواية- و المنع بدونه كان حسنا، إلّا أنّ هاهنا أخبارا أخر تدلّ على الجواز، و يأتي تحقيقه في بحث هوام الجسد إن شاء اللَّه.

المسألة التاسعة: يجوز للمحرم أكل الصيد مع اضطراره إليه،

حيث يحلّ أكل الميّتة بقدر ما يمسك الرمق إذا لم يوجد غيره إجماعا، فيأكل و يفدي بما يأتي، أمّا جواز الأكل فللاضطرار المجوّز له كتابا و سنّة و إجماعا، و أمّا الفداء فلإطلاقاته.

و تدلّ عليهما أيضا صحيحة زرارة و بكير: في رجل اضطرّ إلى صيد و ميتة و هو محرم، قال: «يأكل الصيد و يفدي» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 363- 2، التهذيب 5: 365- 1273، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2، 3، 4.

(2) الحدائق 15: 195.

(3) الكافي 4: 364- 6، الوسائل 12: 542 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 3.

(4) التهذيب 5: 366، الفاضل في المنتهى 2: 800، التذكرة 1: 340.

(5) المدارك 8: 318.

(6) الكافي 4: 383- 3، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 353

و الحلبي: عن المحرم يضطرّ فيجد الميّتة و الصيد أيّهما يأكل؟ قال:

«يأكل من الصيد، ليس هو بالخيار، أ ما يحبّ أن يأكل من ماله؟!» قلت:

بلى، قال: «إنّما عليه الفداء، فليأكل و ليفده» «1».

و يستفاد منهما و ممّا في معناهما من المعتبرة- كموثّقة يونس «2» و رواية منصور «3» و مرسلة الفقيه «4»- وجوب

تقديم أكل الصيد على الميّتة إذا وجدت معه، كما قاله المفيد و السيّد و الديلمي «5»، و جماعة «6»، و نسبه في النافع و التنقيح إلى أشهر الروايتين «7»، و عن الإنتصار: الإجماع عليه «8».

و قال الحلّي: بل يأكل الميّتة «9»، لصحيحة عبد الغفّار الجازي: عن المحرم إذا اضطرّ إلى ميتة فوجدها و وجد صيدا، فقال: «يأكل الميّتة و يترك الصيد» «10».

و بمعناها رواية إسحاق، و فيها: «فليأكل الميّتة التي أحلّ اللَّه له» «11».

______________________________

(1) الكافي 4: 383- 1، التهذيب 5: 368- 1283، الإستبصار 2: 209- 714، الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 383- 2، التهذيب 5: 368- 1285، الإستبصار 2: 210- 716، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 2.

(3) علل الشرائع: 445- 3، الوسائل 13: 86 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 7.

(4) الفقيه 2: 235- 1121، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد و توابعها ب 43 ح 4.

(5) المفيد في المقنعة: 438، السيد في الإنتصار: 100، الديلمي في المراسم: 121.

(6) كصاحب المدارك 8: 400، السبزواري في الذخيرة: 615.

(7) النافع: 105، التنقيح 1: 552.

(8) الإنتصار: 100.

(9) السرائر 1: 568.

(10) التهذيب 5: 369- 1286، الإستبصار 2: 210- 717، الوسائل 13: 87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 12.

(11) التهذيب 5: 368- 1284، الإستبصار 2: 209- 715، الوسائل 13: 87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 354

و جمع الصدوق بينهما بالتخيير مع رجحان الصيد «1»، استنادا إلى ما صرّح بكون الصيد أحبّ «2».

و تردّه صحيحة الحلبي المتقدّمة، فيتعيّن العمل بإحدى الروايتين، و الأولى أرجح، لموافقتها لاستصحاب حلّية الصيد و حرمة

الميّتة، و مخالفتها لما عليه أكثر العامّة، سيّما رؤساؤهم و أصحاب أبي حنيفة «3».

و جمع آخر بوجوه أخر خالية عن الشاهد.

و لو لم يتمكّن من الفداء حينئذ، يقضيه إذا رجع من ماله، كما صرّح به في موثّقة يونس.

و لو لم يتمكّن منه حين الرجوع أيضا يرجع إلى بدله من الصوم و نحوه إن كان له بدل، لصدق الفداء عليه، كما يأتي في بحث الكفّارات.

و لو لم يكن له بدل أو كان و عجز عنه أيضا يأكل الميّتة، وفاقا للمبسوط و التهذيب و المهذّب و الشرائع و القواعد «4» و غيرها «5»، لاختصاص أخبار تقديم الصيد بما إذا تمكّن من الفداء، للأمر به، فتبقى أخبار تقديم الميّتة في هذا المورد خالية عن المعارض، فيجب العمل بها البتّة.

و في المسألة أقوال أخر و فروع أخر لا ينبغي لمن له أمر آخر أهمّ الاشتغال بذكرها، فإنّ المسألة مجرّد فرض يندر الاحتياج إليها جدّا، و نحوها أكثر مسائل الصيد، و لذا ارتكبنا فيه نحوا من الاقتصار.

______________________________

(1) الفقيه 2: 235.

(2) الفقيه 2: 235- 1121، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 4.

(3) المغني و الشرح الكبير 3: 296، انظر الأم للشافعي 2: 253.

(4) المبسوط 1: 349، التهذيب 5: 368، المهذّب 1: 230، الشرائع 1: 293، القواعد 1: 96.

(5) كالرياض 1: 462.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 355

الثاني من المحرّمات على الرجال و النساء: النساء و الرجال جماعا،
اشاره

و لمسا بشهوة، و تقبيلا كذلك لا بدونها، و عقدا لنفسه و لغيره، بلا خلاف في شي ء منها كما قيل «1»، بل بالإجماع المحكيّ في التحرير في الأول «2»، و في ظاهر المدارك و شرح الهندي للقواعد فيه و في الأخير «3»، و في الخلاف و الغنية و المنتهى و

التذكرة- كما حكي- في الأخير «4»، [و في] «5» المفاتيح و شرحه في الجميع «6».

و يدلّ على الأول: نفي الرفث في الكتاب الكريم في الحجّ- و فسّره في صحيحتي ابن عمّار «7» و عليّ بن جعفر «8» بالجماع- و النصوص المستفيضة «9» القريبة من المتواترة من الصحاح و غيرها الآتية جملة منها في بحث الكفّارات.

و على الثاني: صحيحة محمّد: عن رجل محرم حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال: «إن كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، فإن حملها أو مسّها

______________________________

(1) الحدائق 15: 339.

(2) التحرير 1: 112.

(3) المدارك 7: 310، كشف اللثام 1: 322.

(4) الخلاف 2: 317، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المنتهى 2: 808، التذكرة 1: 342.

(5) ليست في النسخ، أضفناها لاستقامة العبارة.

(6) المفاتيح 1: 327.

(7) الكافي 4: 337- 3، التهذيب 5: 296- 1003، الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.

(8) قرب الإسناد: 234- 915، الوسائل 13: 115 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 16.

(9) الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 356

بغير شهوة أمنى أو أمذى فليس عليه شي ء» «1».

و رواية الأعرج: عن رجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها إليه و هو محرم، قال: «لا بأس إلّا أن يتعمّد» «2».

و الحلبي: المحرم يضع يده على امرأته، قال: «لا بأس» قلت: فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: «ليس عليه شي ء، إلّا أن يكون طلب ذلك» «3».

و على الثالث: رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال: «عليه بدنة و إن

لم ينزل» «4».

و رواية الحسين بن حمّاد: عن المحرم يقبّل أمّه؟ قال: «لا بأس، هذا قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة» «5»، و المراد بالكراهة هنا: الحرمة، لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

و رواية العلاء: عن رجل و امرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته و لم يقصّر فقبّلها، قال: «يهريق دما، و إن كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كلّ واحد منهما أن يهريق دما» «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 214- 972، التهذيب 5: 326- 1119، المقنع: 76، الوسائل 13:

137 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 6.

(2) الفقيه 2: 231- 1101، الوسائل 12: 436 أبواب تروك الإحرام ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 5: 326- 1118، الوسائل 13: 137 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 5.

(4) الكافي 4: 376- 3، التهذيب 5: 327- 1123، الوسائل 13: 139 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.

(5) الكافي 4: 377- 9، التهذيب 5: 328- 1127، الوسائل 13: 139 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 5.

(6) التهذيب 5: 473- 1666، الوسائل 13: 140 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 18 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 357

و على الثاني و الثالث: صحيحة الحلبي: عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته، قال: «نعم، يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها»، قلت: أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال: «نعم»، قلت: المحرم يضع يده بشهوة، قال: «يهريق دم شاة»، قلت: فإن قبّل؟ قال: «هذا أشدّ، ينحر بدنة» «1».

و رواية مسمع: «إنّ حال المحرم ضيّقة، فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربّه، و من مسّ امرأته بيده و هو

محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و من مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه» «2».

و دلالة تلك الروايات على الحرمة لأجل إيجاب الكفّارة، للإجماع ظاهرا على استلزام وجوب الكفّارة لعدم الجواز في هذا المقام، مضافا إلى إثبات البأس- الذي هو العذاب- في الضمّ مع العمد في رواية الأعرج المتقدّمة.

و حمل البأس على الكراهة- لإطلاق الضمّ الشامل لما كان بشهوة و لغيره- مردود بأولويّة التخصيص عن المجاز، مع أنّ الظاهر عدم الكراهة في الضمّ بدون الشهوة أيضا.

و أكثر هذه الروايات و إن كانت مختصّة بالرجل إلّا أنّه يتعدّى الحكم إلى

______________________________

(1) الكافي 4: 375- 2، الوسائل 13: 136، 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 و 18 ح 2 و 1.

(2) الكافي 4: 376- 4، التهذيب 5: 326- 1121 بتفاوت يسير، الإستبصار 2:

191- 641، الوسائل 12: 434 أبواب تروك الإحرام ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 358

المرأة بالإجماع المركّب، مضافا إلى التصريح بحكم المرأة في رواية العلاء أيضا في التقبيل الموجب للتعدّي إلى غيره بالإجماع المركّب أيضا.

و إطلاق نادر من تلك الروايات في المسّ الشامل لما كان بشهوة و لغيره مقيّد بتقييد البواقي و التصريح بجواز الثاني، و كذا إطلاق طائفة منها في التقبيل، بل تصريح صحيحة الحلبي بتقييد رواية الحسين بن حمّاد.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الثابت في الصحيحة الكفّارة، و المنفيّ في الرواية الحرمة.

إلّا أن يقال بشمول المسّ- المجوّز منه ما كان بغير شهوة- للتقبيل أيضا، و لكنّه خلاف الظاهر.

إلّا أنّ الظاهر عدم الفصل بين الكفّارة، و عدم الجواز هنا، فتتعارض الرواية مع الصحيحة، فتحمل الأخيرة على

الاستحباب، كما في الذخيرة «1».

و أمّا الإطلاق في المسّ و التقبيل- كما حكي عن جمل العلم و العمل و السرائر و الكافي «2» و يحتمله كلام جماعة «3» أيضا- فغير موجّه.

و تدلّ على الأخير مرسلة الحسن بن عليّ: «المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح، فإن نكح فنكاحه باطل» «4»، و قريبة منها مرسلة ابن فضّال.

و صحيحة ابن عمّار: «المحرم لا يتزوّج و لا يزوّج، فإن فعل فنكاحه

______________________________

(1) الذخيرة: 590.

(2) جمل العلم و العمل: 212، السرائر 1: 542، الكافي في الفقه: 202.

(3) منهم المفيد في المقنعة: 434، الصدوق في المقنع: 76، الفيض في المفاتيح 1: 327.

(4) الكافي 4: 372- 1 و في التهذيب 5: 330- 1136 بتفاوت يسير، الوسائل 12: 438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 359

باطل» «1».

و صحيحة ابن سنان: «ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوّج، فإن تزوّج أو زوّج محلّا فتزويجه باطل» «2». إلى غير ذلك «3».

و ظاهر الأخير نفي الجواز، كما يشهد به إبطال النكاح أيضا، و لأجله يحمل الأولان على الحرمة أيضا.

مسائل:

المسألة الأولى: صرّح جماعة- بل الأكثر- بتحريم النظر بشهوة أيضا

«4»، بل قيل: إنّه لعلّه لا خلاف فيه «5»، و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «6».

و قد يستدلّ عليه برواية مسمع المتقدّمة، و صحيحة ابن عمّار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم، قال: «لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و إن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي ء عليه، و إن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم»، و قال:

في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل، قال: «عليه

بدنة» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 372- 4، التهذيب 5: 330- 1135، الوسائل 12: 438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 9.

(2) الفقيه 2: 230- 1096، التهذيب 5: 328- 1128، الإستبصار 2:

193- 647، الوسائل 12: 436 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 1، 2.

(3) الوسائل 12: 436 أبواب تروك الإحرام ب 14.

(4) كما في الحدائق 15: 344، و الرياض 1: 470.

(5) انظر الحدائق 15: 344.

(6) المفاتيح 1: 327.

(7) الكافي 4: 375- 1 و في التهذيب 5: 325- 1117 و الإستبصار 2: 191- 642:

صدر الحديث فقط، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 360

و الأخرى: في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى، قال: «عليه دم»، قال:

«لأنّه نظر إلى غير ما يحلّ له، و إن لم يكن أنزل فليتق اللَّه و لا يعد و ليس عليه شي ء» «1».

و صحيحة زرارة: عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال:

عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة» «2».

و موثّقة أبي بصير: عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى، فقال: «إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان بين ذلك فبقرة، و إن كان فقيرا فشاة، أما إنّي لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء و لكن من أجل أنّه نظر إلى ما لا يحلّ له» «3».

و قريبة منها روايته «4»، و فيها: «أو إلى فرجها» بعد قوله: «ساق امرأة».

و لا يخفى أنّ الأوليين مخصوصتان بصورة النظر مع الإمناء، فلعلّ الكفّارة لأجله، أو لأجله مع النظر لا للنظر خاصّة، بل هو الظاهر من الأولى.

و الثالثة مخصوصة بالنظر إلى غير المحرم، فلعلّها لأجله، بل تعليلها

______________________________

(1) الكافي 4: 377- 8، الوسائل 13: 135 أبواب

كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 325- 1116، الوسائل 13: 133 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 1.

(3) الكافي 4: 377- 7، و في الفقيه 2: 213- 971 بتفاوت يسير، التهذيب 5:

325- 1115، المقنع: 76، العلل: 458- 1، المحاسن: 319- 15، الوسائل 13: 133 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ب 2.

(4) كما في الوسائل 13: 134 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 361

صريح في ذلك، أو لأجله و للإنزال كما يصرّح به ذيلها.

و منه يعلم عدم دلالة الرابعة أيضا.

و أمّا الأخيرة و إن كانت مطلقة من جهة المرأة الشاملة لامرأته أيضا، و لا يقيّدها قوله: «ما لا يحلّ له» بالأجنبيّة، لجواز عدم الحليّة لأجل الإحرام، و كانت صريحة في أنّ الكفّارة ليست لأجل الإنزال بل لأجل النظر فتتمّ دلالتها.

إلّا أنّها تعارض ذيل صحيحة ابن عمّار الأخيرة، المصرّحة بعدم شي ء مع عدم الإنزال لو حملت على أنّها للإنزال فقط، فيجب حمل الأخيرة على أنّ الكفّارة للأمرين معا، فلا تبقى لها دلالة على المطلوب.

و مع ذلك تعارضها موثّقة إسحاق: في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء» «1».

و إطلاق رواية محمّد الحلبي: المحرم ينظر إلى امرأته و هي محرمة، قال: «لا بأس» «2».

فيبقى ما عليه الأكثر خاليا عن الدليل، مع مخالفته للأصل، و لذا صرّح الصدوق في الفقيه بأنّه لا شي ء عليه «3»، و قوّاه بعض مشايخنا «4» إن لم يكن خلافه إجماعا، و لعلّه نظر إلى الإجماع المنقول، و حيث لا حجّية فيه و لم يتحقّق الإجماع فعدم الحرمة أقوى، و أمر الاحتياط واضح.

المسألة الثانية: قالوا: تحرم الشهادة على العقد

سواء كان لمحرم أو

______________________________

(1) التهذيب 5: 327- 1122،

الإستبصار 2: 192- 643، الوسائل 13: 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 7.

(2) الفقيه 2: 231- 1102، الوسائل 12: 435 أبواب تروك الإحرام ب 13 ح 1.

(3) الفقيه 2: 213.

(4) كما في رياض المسائل 1: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 362

محلّ، بلا خلاف فيه يظهر كما قيل «1»، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك «2»، بل بالإجماع كما عن الخلاف «3»، فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فلا دليل عليه تامّا، إذ غاية ما يستدلّ به له مرسلتا الحسن بن عليّ و ابن فضّال المتقدّمتين.

و مرسلة أخرى لابن أبي شجرة: في المحرم يشهد نكاح محلّين، قال: «لا يشهد»، ثم قال: «يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محلّ» «4» إلّا أنّها قاصرة عن إثبات الحرمة، لمكان الجملة الخبريّة.

و تتميم الدلالة في الأخيرة- بكون السؤال فيها عن الجواز، المستلزم نفيه في الجواب للحرمة، إذ لا شك أنّه لا يسأل عن وجوبها أو رجحانها- مردود بجواز كون السؤال عن الإباحة، بمعنى تساوي الطرفين.

نعم، يمكن تتميم دلالتها لو جعل قوله: «يجوز» إلى آخره، استفهاما إنكاريا، و كان ذكر هذه الجملة تمثيلا تأكيدا للسابق- كما قيل «5»- و لكنّه غير متعيّن الحمل عليه.

و على هذا فالمناط هو الإجماع، و على هذا فيقتصر فيه على المتّفق عليه، و هو حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتّفق حضوره لا لأجلها لم يكن محرّما.

______________________________

(1) انظر الحدائق 15: 347.

(2) المدارك 7: 311.

(3) الخلاف 2: 317.

(4) الفقيه 2: 230- 1095 و ليس فيه: عن ابن أبي شجرة، التهذيب 5:

315- 1087، الإستبصار 2: 188- 630، الوسائل 12: 417 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 8.

(5) انظر التهذيب 5: 315.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 363

نعم، لو تمّت دلالة الروايات لشملت الأخيرة أيضا، لأنّ الشهادة هي الحضور مطلقا.

و الحقّ: عدم تحريم إقامة الشهادة على العقد للمحرم مطلقا، كما هو ظاهر النافع «1»، و استشكل فيه في القواعد «2»، للأصل، و عدم الدليل، و عموم أدلّة النهي عن الكتمان.

و عن المبسوط و السرائر و في الشرائع «3» و غيره «4»- بل في المشهور كما قيل «5»-: الحرمة، لعموم الشهادة المنهيّة في المراسيل المتقدّمة.

و فيه- مضافا إلى ما مرّ-: أنّ تعدّيها بالنكاح مطلقا ظاهر في إرادة معنى الحضور عنها.

المسألة الثالثة: يحرم الاستمناء باليد أو التخيّل أو الملاعبة،

بلا ريب كما في المدارك «6»، بل بلا خلاف كما في المفاتيح و شرحه «7»، و غيرهما «8».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    364     المسألة الثالثة: يحرم الاستمناء باليد أو التخيل أو الملاعبة، ..... ص : 363

حيحة البجلي: عن الرجل يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟ قال: «عليهما جميعا الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» «9».

______________________________

(1) النافع: 84.

(2) القواعد 1: 81.

(3) المبسوط 1: 317، السرائر 1: 553، الشرائع 1: 249.

(4) كالحدائق 15: 347.

(5) انظر الذخيرة: 590.

(6) المدارك 7: 314.

(7) المفاتيح 1: 327.

(8) كالرياض 1: 374.

(9) التهذيب 5: 327- 1124، الوسائل 13: 131 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 364

و نحوها الأخرى، إلّا أنّ فيها: عن المحرم يعبث بأهله حتى يمني من غير جماع .. «1».

و موثقة إسحاق بن عمّار: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال:

«أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم، بدنة و الحجّ من قابل» «2».

و أمّا رواية أبي

بصير: عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى أنزل، قال: «ليس عليه شي ء» «3».

و مرسلة البزنطي: في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء» «4».

و موثّقة سماعة: في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخليقة فيمني، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

فمحمولة على عدم قصد الإمناء، لكونها أعمّ منه و من قصده، و ظهور الروايات الأولى في الثاني، فتكون أخصّ مطلقا يحمل عليها الأعمّ.

و كذا تحمل على عدم القصد موثّقة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الأولى «6»، المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «أما إنّي لم أجعل عليه ذلك من أجل

______________________________

(1) الكافي 4: 376- 5، التهذيب 5: 324- 1114، الوسائل 13: 131 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 14 ح 1.

(2) الكافي 376- 6، التهذيب 5: 324- 1113، الإستبصار 2: 192- 646، الوسائل 13: 132 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 15 ح 1.

(3) الكافي 4: 377- 10، التهذيب 5: 327- 1125 و فيه: حتى أمنى، الوسائل 13: 142 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 3.

(4) الكافي 4: 377- 11، الوسائل 13: 141 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 2.

(5) الكافي 4: 377- 12، الوسائل 13: 141 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) في ص: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 365

الماء».

المسألة الرابعة: يجوز للمحرم أن يطلّق زوجته،

للأصل و رواية حمّاد بن عثمان: عن المحرم يطلّق؟ قال: «نعم» «1».

و أبي بصير: «المحرم يطلّق و لا يتزوّج» «2».

و يجوز له مراجعة المطلّقة الرجعية بلا خلاف، لأنّها ليست بالتزويج المنهيّ عنه.

و كذا شراء الإماء بلا خلاف أيضا، للأصل و صحيحة سعد بن سعد:

عن المحرم يشتري الجواري و يبيع؟ قال: «نعم» «3».

و إطلاق النصّ و كلام الأصحاب

يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء بين أن يقصد به الخدمة أو التسرّي، و هو كذلك و إن حرمت المباشرة، للأصل و الإطلاق، و قيل: لو قصد المباشرة حرم «4»، و هو ضعيف.

المسألة الخامسة: لو عقد المحرم لنفسه أو لغيره يكون نكاحه باطلا،

و يجب التفريق، بالإجماع بين الأصحاب كما عن المنتهى «5»، و قد مرّ ما يدلّ عليه من الأخبار «6».

و صحيح محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك

______________________________

(1) الكافي 4: 373- 7، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 17 ح 2.

(2) الكافي 4: 372- 6، الفقيه 2: 231- 1100، التهذيب 5: 383- 1336، الوسائل 12: 441 أبواب تروك الإحرام ب 17 ح 1.

(3) الكافي 4: 373- 8، الفقيه 2: 308- 1529، التهذيب 5: 331- 1139، الوسائل 12: 441 أبواب تروك الإحرام ب 16 ح 1.

(4) انظر المسالك 1: 109.

(5) المنتهى 2: 809.

(6) الوسائل 12: 439 أبواب تروك الإحرام ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 366

بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ، فقضى أن يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحلّ، فإذا حلّ خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوّجوه، و إن شاءوا لم يزوّجوه» «1».

و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه: «إنّ رجلا من الأنصار تزوّج و هو محرم فأبطل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله نكاحه» «2».

و رواية الكناني: عن محرم تزوّج، قال: «نكاحه باطل» «3».

و هل يجوز له تزويج هذه المعقودة بعد حصول الحلّ، أم لا؟

مقتضى صحيحة ابن قيس: الأول، و لكن مدلول روايتي أديم بن الحرّ و إبراهيم: الثاني، و الحرمة المؤبّدة.

الأولى: «المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا، و الذي يتزوّج و

لها زوج يفرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا» «4»، و بمضمونها الثانية «5».

و صريح المنتهى و التذكرة كون الحرمة المؤبّدة إجماعيّة في غير الجاهل «6»، و هو ظاهر المدارك أيضا في مسألة اختلاف الزوجين في وقوع

______________________________

(1) التهذيب 5: 330- 1134، الوسائل 12: 440 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 3.

(2) الكافي 4: 372- 2، التهذيب 5: 328- 1130، الإستبصار 2: 193- 649، الوسائل 12: 437، أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 4.

(3) التهذيب 5: 328- 1129، الإستبصار 2: 193- 648، الوسائل 12: 437 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 5: 329- 1132، الوسائل 12: 440 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 2، بتفاوت.

(5) الكافي 4: 372- 3، التهذيب 5: 329- 1133، الوسائل 12: 439 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 1.

(6) المنتهى 2: 809، التذكرة 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 367

العقد محلا أو محرما «1»، و لذا حمل الشيخ الصحيحة على الجاهل «2»، و لكنّه حمل بلا شاهد.

و لكن يمكن أن يقال باحتمال رجوع الضمير في قوله: «و لم يجعل نكاحه شيئا» إلى المحرم المطلق، و قوله: «إذا حلّ» من كلام الإمام عليه السّلام، و المقصود: أنّ المحرم إذا حلّ جاز له خطبة النساء، أي من عدا من عقد عليها حال الإحرام.

و على هذا، لا يكون دليل على استثناء الجاهل أيضا، إلّا أن يقال: إنّ دلالة الروايتين إنّما هي بالجملة بالخبريّة المحتملة للكراهة، فيقتصر في الحرمة على موضع الإجماع، و هو العالم، و لأجل ذلك لما قلنا فيه أيضا بالتأبيد لو لا مخالفة الإجماع.

الثالث: الطيب.
اشاره

فإنّه يحرم على المحرم و المحرمة في الجملة، إجماعا محقّقا و محكيّا «3»، إلّا أنّهم اختلفوا

في الطيب المحرّم عليهما:

فذهب الأكثر كما قيل «4»- و منهم: المفيد و الصدوق في المقنع و السيّد و الحلبي و الحلي «5»، و ظاهر الإسكافي و العماني و الشيخ في المبسوط

______________________________

(1) المدارك 7: 315.

(2) التهذيب 5: 329.

(3) كما في الرياض 1: 374.

(4) انظر الرياض 1: 374.

(5) المفيد في المقنعة: 432، الصدوق في المقنع: 72، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 66، الحلبي في الكافي: 202، الحلي في السرائر 1: 542.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 368

و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه «1»، و جملة من المتأخّرين «2»، بل أكثرهم- إلى التعميم بالنسبة إلى كلّ طيب، عدا ما يأتي استثناؤه.

و عن الصدوق في المقنع أيضا و التهذيب و الخلاف و النهاية و الجمل و العقود و القاضي و الوسيلة و الغنية و المهذّب و الإصباح و الإشارة و الجامع و الذخيرة و الكفاية و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه: التخصيص بما أقلّه أربعة «3»، و هي: المسك و العنبر و الزعفران و الورس [1]، كما عن التهذيب و المقنع و الجامع و في الذخيرة و الكفاية.

و أكثره ستّة- بزيادة الكافور و العود- كما عن الخلاف و النهاية و الوسيلة «4».

و وسطه خمسة بإسقاط الورس عن الستّة، كما في البواقي «5».

و ظاهر الفاضل في الإرشاد «6» و طائفة من متأخّري المتأخّرين «7» التردّد

______________________________

[1] الورس: نبت أصفر يزرع باليمن و يصبغ به، و قيل صنف من الكركم، و قيل:

يشبهه- المصباح المنير: 655.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي و المعاني في المختلف: 268، المبسوط 1: 319، المحقق في الشرائع 1: 249، الفاضل في المنتهى 2: 790، التذكرة 1: 333، المختلف: 268.

(2) كالشهيد الثاني في

المسالك 1: 109، و صاحب الحدائق 15: 409.

(3) المقنع: 72، التهذيب 5: 299، الخلاف 2: 302، النهاية: 219، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 228، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 215، الوسيلة: 162، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المهذب 1: 220، إصباح الشيعة: 153، الإشارة: 127، الجامع للشرائع: 183، الذخيرة: 590، الكفاية:

59.

(4) الخلاف 2: 302، النهاية: 219، الوسيلة: 162.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الذخيرة: 591.

(6) الإرشاد 1: 317.

(7) منهم صاحب المدارك 7: 322، صاحب الحدائق 15: 420، صاحب الرياض 1: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 369

في التعميم أو التخصيص.

حجّة الأكثر: صحيحة ابن عمّار المرويّة في الكافي: «لا تمسّ شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك، و اتّق الطيب في طعامك، و أمسك على أنفك من الريح الطيّبة، و لا تمسك عليه من الريح المنتنة، فإنّه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريح طيّبة» «1».

و مرسلة الفقيه: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا تجهّز إلى مكّة قال لأهله: إيّاكم أن تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب و لا الزعفران نأكله أو نطعمه» «2».

و مرسلة حريز: «لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان، و لا يتلذّذ به و لا بريح طيّبة، فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع قدر سعته» «3».

و مثلها صحيحته «4»، إلّا أنّه ليس فيها: «و لا بريح طيّبة» و بدّل: «قدر سعته» بقوله: «بقدر شبعه»، يعني: من الطعام.

و صحيحة زرارة: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللَّه عزّ و جلّ و يتوب إليه» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 353- 1، الوسائل 12: 443 أبواب

تروك الإحرام ب 18 ح 5.

(2) الفقيه 2: 223- 1043، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 18.

(3) الكافي 4: 353- 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 6 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 297- 1007، الإستبصار 2: 178- 591، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 11.

(5) الكافي 4: 354- 3، الفقيه 2: 223- 1046، الوسائل 13: 150 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 1، و ليس في الكافي: و يتوب إليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 370

و صحيحة الحلبي: «المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيّبة، و لا يمسك على أنفه من الريح الكريهة» «1».

و نحوها صحيحة هشام، و زاد فيها: «لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطّارين، و لا يمسك على أنفه» «2».

و رواية الحسن بن زياد: الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي و أنا محرم- إلى أن قال-: «تصدّق بشي ء كفّارة للأشنان الذي غسلت به يدك» «3».

و الأخرى: وضّأني الغلام و لم أعلم بدستشان «4» فيه طيب، فغلست يدي و أنا محرم، فقال: «يتصدّق بشي ء لذلك» «5».

و رواية سدير: «لا ينبغي للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران، و لا يطعم شيئا من الطيب» «6».

و رواية إسحاق بن عمّار: عن المحرم يمسّ الطيب و هو نائم لا يعلم، قال: «يغسله و ليس عليه شي ء»، و عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيّب و المحرم لا يعلم، ما عليه؟ قال: «يغسله أيضا و ليحذر» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 354- 4، و في الفقيه 2: 224- 1055 و الوسائل 12: 452 أبواب تروك الإحرام ب 24 ح 1: عن الحلبي و محمّد بن

مسلم، و في الجميع بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 354- 5، الفقيه 2: 225- 1056، التهذيب 5: 300- 1018، الإستبصار 2: 180- 599، الوسائل 12: 448 أبواب تروك الإحرام ب 20 ح 1.

(3) الكافي 4: 354- 7، الوسائل 12: 456 أبواب تروك الإحرام ب 27 ح 2.

و الأشنان: معرّب، و يقال له بالعربية: الحرض- المصباح المنير: 16.

(4) يريد به غسول اليد، و ليست الكلمة عربيّة- مجمع البحرين 2: 200 (دست).

(5) الفقيه 2: 223- 1047، الوسائل 13: 151 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 4.

(6) الكافي 4: 355- 10، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 2.

(7) الكافي 4: 355- 15، الوسائل 13: 152 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 4 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 371

و موثّقة الساباطي: عن المحرم يأكل الأترج [1]؟ قال: «نعم»، قلت:

له رائحة طيّبة، قال: «الأترج طعام ليس هو من الطيب» «1»، فإنّها تدلّ بالتعليل على أنّه لو كان طيبا لحكم بالاجتناب عنه.

و مثلها في وجه الدلالة صحيحة ابن سنان: عن الحناء، فقال: «إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب و ما به بأس» «2».

و صحيحة حمّاد بن عثمان: إنّي جعلت ثوبي الإحرام مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها، قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «3».

و دليل القول الآخر: صحيحة ابن عمّار المرويّة في التهذيب، و هي كما مرّ عن الكافي، إلّا أنّ في آخرها: «فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليعد غسله، و ليتصدّق بقدر ما صنع، و إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء:

المسك، و العنبر، و الورس، و الزعفران، غير أنّه كره للمحرم الأدهان الطيّبة الريح» «4».

و نحوها صحيحته

الأخرى المرويّة فيه أيضا بزيادة في آخرها «5».

و مرسلة الفقيه: «يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم: المسك،

______________________________

[1] الأترجّة: و هي فاكهة معروفة، طعمها طيب و رائحتها طيبة- مجمع البحرين 2: 280.

______________________________

(1) الكافي 4: 356- 17، التهذيب 5: 306- 1043، الإستبصار 2: 183- 607، الوسائل 12: 455 أبواب تروك الإحرام ب 26 ح 2.

(2) الكافي 4: 356- 18، الفقيه 2: 224- 1052، التهذيب 5: 300- 1019، الإستبصار 2: 181- 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

(3) الكافي 4: 356- 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 4.

(4) التهذيب 5: 297 و 299- 1006 و 1013، الوسائل 12: 444، 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 9، 14.

(5) التهذيب 5: 304- 1039، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 372

و العنبر، و الزعفران، و الورس، و كان يكره من الأدهان الطيّبة: الريح» «1».

و رواية عبد الغفّار: «الطيب: المسك، و العنبر، و الزعفران، و الورس، و خلوق الكعبة لا بأس به» «2».

و نحوها صحيحة ابن أبي يعفور «3»، إلّا أنّه بدّل الورس بالعود، و ليس فيها: «خلوق الكعبة» إلى آخره.

أقول: أمّا أدلّة القول الأول و إن كان أكثرها قاصرة الدلالة، إمّا باعتبار التضمّن للجملة الخبريّة، أو لما يحتملها، أو للفظ: «لا ينبغي» كصدر صحيحة ابن عمّار و ذيلها و مرسلة حريز و صحيحتي الحلبي و هشام و رواية سدير، أو لغير ذلك كمرسلة الفقيه، فإنّ نهيه عليه السّلام عن جعل الطيب في زاده لا يدلّ على حرمته شرعا، لجواز أن يكون ذلك لأجل أنّه أراد الاجتناب عن المكروه، فله أن يأمر في

ماله و ينهى كيف يشاء، و الرواية الأخيرة لحسن بن زياد، فإنّ عدم علمه بالطيب يمنع عن احتمال الحرمة و وجوب التصدّق، و موثقة الساباطي و صحيحة ابن سنان، فإنّ التعليل يمكن أن يكون لنفي الكراهة.

و لكن تبقى طائفة قليلة منها دالّة على المطلوب.

و أمّا أدلّة القول الثاني فهي أيضا كذلك، لعدم دلالة مرسلة الفقيه على عدم كراهة غير الأربعة إلّا بمفهوم العدد الذي ليس بحجّة، و عدم دلالة الأخيرتين على حصر الطيب المحرّم على المحرم في ما ذكر، و ذكر بعض

______________________________

(1) الفقيه 2: 223- 1044، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 19.

(2) التهذيب 5: 299- 1015، و في الإستبصار 2: 180- 598، و الوسائل 12:

446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 16 لا توجد: و خلوق الكعبة لا بأس به.

(3) التهذيب 5: 299- 1014، الإستبصار 2: 179- 597، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 373

الأصحاب «1» الخبرين في ذلك الباب لا حجّية فيه، و تأييد ذلك بما في آخر الأولى من قوله: «و خلوق الكعبة لا بأس به» باطل، إذ- كما قيل «2»- ليس هو من تتمّة الحديث، بل هو من كلام الشيخ.

و القول بأنّ حصر الطيب في الأشياء المذكورة يكفي في المطلوب، إذ يستلزم ذلك أنّ الطيب المحرّم بعمومه يكون هذه الأشياء، إذ غيرها لا يكون طيبا.

غير جيّد، لأنّ الحصر حينئذ يكون مجازيّا، ضرورة عدم الانحصار، فيمكن أن يكون المجاز هو أحسن أنواع الطيب أو الطيب الكامل و نحوهما، فتبقى الصحيحتان الأوليان.

و لكن الإنصاف أنّهما لكونهما أخصّين مطلقا ممّا بقي من أدلّة القول الأول- بل من جميعها لو دلّ- يكفيان

لتخصيصها، و لا يضرّ اشتمالهما في الكفّارة على ما هو خلاف المجمع عليه بقوله: «و ليتصدّق بقدر ما صنع»، لأنّ خروج جزء من الحديث عن الحجّية لا يوجب خروج الباقي عنها، و لا يلزم ارتكاب مجاز فيها بجعل الحصر إضافيّا، لحرمة العود و الكافور أيضا.

أمّا الأول فلصحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة.

و أمّا الثاني فلفحوى ما دلّ على منع الميّت المحرم عنه «3»، فالحيّ أولى، لمنع لزوم جعل الحصر إضافيّا، لما عرفت من عدم دلالة صحيحة ابن أبي يعفور على حرمة العود للمحرم إلّا بالعموم اللازم تخصيصه بما ذكر، و منع الأولويّة المذكورة في الحيّ، بل منع العلم بالمساواة أيضا.

______________________________

(1) انظر الحدائق 15: 418.

(2) انظر الحدائق 15: 419.

(3) الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميّت ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 374

فإذن الترجيح لقول الشيخ في التهذيب و من تبعه «1»، و القول- بأنّه شاذّ- فاسد.

ثم إنّه لا فرق في حرمة الطيب للمحرم بين ابتدائه بعد الإحرام و استدامته، بأن يتطيّب قبله بما يبقى إلى ما بعده، بلا خلاف يعرف، و دلّت عليه رواية حمّاد بن عثمان: إنّي جعلت ثوبي الإحرام مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها، قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «2».

فروع:
أ: الطيب المحرّم على المحرم

- على القول بالتعميم- أو المكروه- على القول الآخر- هو: ما يسمّى طيبا عرفا، و الظاهر- كما قيل- إنّه الجسم ذو الريح الطيّبة يؤخذ للشمّ غالبا غير الرياحين «3».

و الحاصل: أن يكون معظم الغرض منه التطيّب أو يظهر منه هذا الغرض، لا مطلق ما له رائحة طيّبة، كما تنطق به موثّقة الساباطي «4» و صحيحة ابن سنان «5» المتقدّمتين.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن تشمّ

الإذخر «6»

______________________________

(1) راجع ص: 368.

(2) الكافي 4: 356- 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 4.

(3) انظر المسالك 1: 109.

(4) الكافي 4: 356- 17، التهذيب 5: 306- 1043، الإستبصار 2: 183- 607، الوسائل 12: 455 أبواب تروك الإحرام ب 26 ح 2.

(5) الكافي 4: 356- 18، الفقيه 2: 224- 1052، التهذيب 5: 300- 1019، الإستبصار 2: 181- 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

(6) الإذخر: بكسر الهمزة و الخاء، نبات معروف ذكيّ الريح- المصباح المنير: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 375

و القيصوم [1] و الخزامى [2] و الشيخ [3] و أشباهه و أنت محرم» «1».

و القيصوم ما يقال له بالفارسية: بومادران، و الخزامى بالمعجمتين- كحبارى- خيريّ البرّ، و الشيح- بكسر المعجمة و سكون المثنّاة التحتانيّة ثم المهملة- ما يقال له بالفارسية: درمنه تركي.

ب: يستثنى من الطيب المحرّم:

خلوق الكعبة، بلا خلاف يعرف، بل عن بعضهم الإجماع عليه «2»، لرواية عبد الغفّار المتقدّمة «3»، و صحيحة يعقوب بن شعيب «4»، و صحيحتي ابن سنان «5» و حمّاد «6»، و مرسلة ابن أبي عمير «7»، و موثّقة سماعة «8».

و اشتمال الأربعة الأخيرة على قوله: «هو طهور» و إن دلّ على أنّ نفي البأس إنّما هو من جهة دفع توهّم النجاسة، إلّا أنّه يدلّ أيضا على أنّه

______________________________

[1] القيصوم: نبات السهل، طيب الرائحة من رياحين البرّ، و ورقه هدب، و له نورة صفراء- لسان العرب 12: 486.

[2] الخزامى: من نبات البادية .. و قال الأزهري: بقلة طيبة الرائحة، لها نور كنور البنفسج- المصباح المنير: 168.

[3] الشّيح: نبات سهليّ .. له رائحة طيبة و طعم مرّ- لسان العرب 2: 502.

______________________________

(1) الكافي 4: 355- 14، الفقيه

2: 225- 1057، التهذيب 5: 305- 1041، الوسائل 12: 453 أبواب تروك الإحرام ب 25 ح 1.

(2) كما في الحدائق 15: 420.

(3) في ص: 372.

(4) التهذيب 5: 69- 226، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 2.

(5) التهذيب 5: 69- 225، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 1.

(6) الفقيه 2: 217- 993، التهذيب 5: 299- 1016، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 3.

(7) الكافي 4: 342- 15، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 5.

(8) الفقيه 2: 217- 994، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 376

لا مانع غيره فيه أيضا.

و الخلوق- كما قيل «1»-: طيب خاصّ، فيكون المجوّز هو فقط، فلو طيّب ثوب الكعبة بغيره ممّا يحرم على المحرم حرم، كذا قيل «2»، و لا بأس به إن ثبت أنّ الخلوق هو أخلاط خاصّة، و إلّا فيكون مجملا، و لا حجّية في العام المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال.

ج: و يستثنى أيضا ما يستشمّ من العطر في سوق العطّارين

بين الصفا و المروة، و تدلّ عليه صحيحة هشام المتقدّمة «3».

د: المحرّم من الطيب المحرّم: شمّه و أكله و اطلاؤه في البدن و الثوب،

و تدلّ على الأول صحاح ابن عمّار «4»، و على الثاني هي أيضا و صحيحة زرارة «5»، و على الثالثة روايتا الحسن بن زياد «6»، و على الرابعة- مضافا إلى ما يأتي في الفرع الثامن- صحيحة حمّاد «7»، المتقدّمة جميعا.

و الظاهر عدم الخلاف في شي ء منها أيضا، بل عن التذكرة: إجماع العلماء عليه «8»، و قيل «9»: تحرم جميع أنحاء الاستعمالات الأخر أيضا، فإن ثبت فيه إجماع أو حرم لأجل استلزامه الاستشمام، و إلّا فلا دليل عليه.

ه: قالوا: إذا اضطرّ المحرم إلى مسّ الطيب- لدواء و نحوه

- أو إلى

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 109.

(2) انظر الذخيرة: 592.

(3) في ص: 370.

(4) في ص: 371.

(5) المتقدمة في ص: 369.

(6) المتقدمتان في ص: 370.

(7) المتقدمة في ص: 371.

(8) التذكرة 1: 333.

(9) انظر مجمع الفائدة 6: 285، و كشف اللثام 1: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 377

أكله، قبض على أنفه وجوبا، و نسب إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع «1»، و يدلّ عليه قوله في صحاح ابن عمّار: «فأمسك على أنفك»، المعتضد بأخبار كثيرة أخرى، كصحيحة الحلبي و هشام «2» و مرسلة حريز المتقدّمة «3».

و صحيحة محمّد بن إسماعيل: رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر إليه و هو محرم، فأمسك على أنفه بثوبه من ريحه «4».

و: قال في التذكرة:

لو استهلك الطيب في غيره فلم تبق له ريح و لا طعم و لا لون، فالأقرب أنّه لا فدية فيه «5». انتهى.

و في الذخيرة: أنّ الاعتبار يقتضي إناطة حكم الجواز باستهلاك الرائحة لا مطلق الوصف، و النهي عن التلذّذ بالرائحة الطيبة مشعر به، و الأحوط: الاجتناب عن الجميع مطلقا «6». انتهى.

أقول: في صحيحة عمران الحلبي: عن المحرم يكون به الجرح فتداوى بدواء فيه زعفران، قال: «إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا، و إن كانت الأدوية الغالب عليه فلا بأس» «7».

و لا يخفى أنّ الغلبة و إن كانت أعمّ من الغلبة في كلّ وصف إلّا أنّ

______________________________

(1) التذكرة 1: 334.

(2) المتقدمتين في ص: 370.

(3) في ص: 369.

(4) الكافي 4: 354- 6، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) التذكرة 1: 334.

(6) الذخيرة: 592.

(7) الكافي 4: 359- 8، الفقيه 2: 222- 1037، الوسائل 12: 527 أبواب تروك الإحرام ب 69 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 378

الظاهر أنّ بعد المغلوبيّة في الريح يصير مغلوبا في سائر الأوصاف أيضا، فلو أنيط بالغلبة و الاستهلاك في الرائحة- كما في الذخيرة- كان حسنا، مع أنّ بعد المغلوبيّة في الريح لا يصدق الريح الطيب، مضافا إلى لزوم التخصيص- لو كان مطلقا- بصحيحة عمران المذكورة.

ز: قال في الذخيرة:

لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم مسّ الطيب، و لعلّ المستند قول أبي عبد اللَّه عليه السّلام «1»، و نقل صحيحة ابن عمّار «2» المتقدّمة.

أقول: إن ثبت الإجماع، و إلّا في دلالة الصحيحة على الحرمة نظر.

ح: قال في المدارك:

يحرم على المحرم لبس الثوب المطيّب، سواء صبغ بالطيب أو غمس فيه «3»، و زاد في الذخيرة و قال: ثوب مسّه طيب «4».

و الظاهر أنّ مراده ما يطيّب به. و عن التذكرة: إجماع علماء الأمصار على تحريم ثوب مسّه طيب «5». و لا ريب في تحريمه.

و تدلّ عليه صحيحة حمّاد السالفة «6»، و مفهوم رواية الحسين بن أبي العلاء: عن ثوب المحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل، فقال: «لا بأس به إذا ذهب ريحه» «7».

______________________________

(1) الذخيرة: 592.

(2) راجع ص: 369.

(3) المدارك 7: 325.

(4) الذخيرة: 592.

(5) التذكرة 1: 334.

(6) الكافي 4: 356- 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 4.

(7) الكافي 4: 342- 18، الفقيه 2: 216- 988، التهذيب 5: 68- 220، الوسائل 12: 484 أبواب تروك الإحرام ب 43 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 379

و إسماعيل بن الفضل: عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب، فقال: «إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه» «1».

ط: إذا أصاب ثوب المحرم طيب،

قيل: يأمر الحلال بغسله أو يغسله بآلة «2»، و عن الشيخ: جواز إزالته بنفسه باليد «3»، و هو كذلك، لمرسلة ابن أبي عمير: في محرم أصابه طيب، فقال: «لا بأس بأن يمسحه بيده و يغسله» «4».

و الأخرى: في المحرم يصيب ثوبه الطيب، فقال: «لا بأس بأن يغسله بيد نفسه» «5».

ي: قال ابن بابويه:

إذا اضطرّ المحرم إلى سعوط فيه مسك لا بأس بأن يتسعّط «6»، و هو كذلك، لصحيحتي إسماعيل «7».

يا: يجوز للمحرم شراء الطيب و النظر إليه بلا خلاف يعرف،

و عن بعضهم: الإجماع عليه «8»، و يدلّ عليه الأصل، و صحيحة محمّد بن

______________________________

(1) الكافي 4: 343- 19، الفقيه 2: 317- 991، التهذيب 5: 68- 223، الوسائل 12: 485 أبواب تروك الإحرام ب 43 ح 5.

(2) انظر الدروس: 1: 374.

(3) المبسوط 1: 319.

(4) التهذيب 5: 299- 1017، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الإحرام ب 22 ح 2، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 354- 8، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الإحرام ب 22 ح 3.

(6) المقنع: 73.

(7) الأولى في: التهذيب 5: 298- 1012، الإستبصار 2: 179- 595، الوسائل 12: 447 أبواب تروك الإحرام ب 19 ح 1.

الثانية في: الفقيه 2: 224- 1054، التهذيب 5: 298- 1011، الإستبصار 2:

179- 594، وسائل 12: 447 أبواب تروك الإحرام ب 19 ح 2.

(8) التذكرة 1: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 380

إسماعيل «1» المتقدّمة.

يب: قالوا: لا يجوز للمحرم افتراش المطيّب

و لا الجلوس و لا النوم عليه.

فإن أريد لأجل استلزامه الاستشمام المحرّم أو المسّ المحرّم على القول به- كما يدلّ عليه قولهم: و لو فرش فوقه ثوب كثيف يمنع الرائحة و الملامسة جاز الجلوس عليه و النوم- فهو حسن.

و إن أريد حرمته بنفسه ففيه نظر، للأصل و عدم الدليل.

نعم، ورد في روايتي معلّى «2» و أبي بصير «3»: أنّه يكره أن ينام المحرم على فراش أصفر و مرفقة صفراء.

و في صحيحة منصور: «إذا كنت متمتّعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت» «4».

و فسّر بعض المتأخّرين الأصفر بما صبغ بالزعفران أو الورس أو شبههما ممّا له رائحة طيّبة «5»، و التفسير غير ثابت، و الروايات «6» على الحرمة غير دالّة.

الرابع: الفسوق.

و هو محرّم على المحرم و المحرمة من حيث هو- و إن كان حراما

______________________________

(1) الكافي 4: 354- 6، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 1.

(2) الكافي 4: 355- 11، الوسائل 12: 457 أبواب تروك الإحرام ب 28 ح 1.

(3) الفقيه 2: 218- 1002، التهذيب 5: 68- 221، الوسائل 12: 457 أبواب تروك الإحرام ب 28 ح 2.

(4) التهذيب 5: 298- 1009، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 12.

(5) انظر الحدائق 15: 430.

(6) الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 381

بنفسه مطلقا أيضا- بالكتاب، و السنّة، و الإجماع المحكيّ «1» و المحقّق.

قال اللَّه سبحانه فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِ «2».

و الحجّ يتحقّق بالتلبّس بإحرامه، بل بإحرام عمرة التمتّع، لدخولها في الحجّ.

و في صحيحة ابن عمّار: «فإنّ من تمام الحجّ و العمرة أن يحفظ

المرء لسانه إلّا من خير كما قال اللَّه عزّ و جلّ، فإنّ اللَّه تعالى يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ الآية، و الرفث: الجماع، و الفسوق: الكذب و السباب، و الجدال:

قول الرجل: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه، و اعلم أنّ الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه و يتصدّق به»، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، و عليه دم يهريقه و يتصدّق به، و قال «اتّق المفاخرة»، إلى أن قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري، و: بلى لعمري، قال: «ليس هذا من الجدال، إنّما الجدال: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه» «3».

و في صحيحة سليمان بن خالد: «في الجدال شاة، و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحجّ» «4».

و في صحيحة عليّ: عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما على من فعله؟ فقال: «الرفث: جماع النساء، و الفسوق: الكذب و المفاخرة،

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 376.

(2) البقرة: 197.

(3) الكافي 4: 337- 3، و في التهذيب 5: 296- 1003 أورد صدر الحديث فقط، الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.

(4) الكافي 4: 339- 6، التهذيب 5: 297- 1004، الوسائل 12: 145 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 382

و الجدال: قول الرجل: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه» «1»، إلى غير ذلك «2».

و المراد بالفسوق هو: الكذب مطلقا خاصّة عند الأكثر، بل عن التبيان و مجمع البيان و روض الجنان: أنّه رواية الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع «3».

و مقيّدا بالكذب على اللَّه تعالى و رسوله أو

أحد الأئمّة عليه و عليهم السّلام، في المحكيّ عن الغنية و المهذّب و المصباح «4» و الإشارة «5».

و بالكذب على اللَّه خاصّة، في المنقول عن الجمل و العقود «6».

و الكذب المطلق مع السباب، عند السيّد و الإسكافي و الشهيدين «7»، و جمع آخر من المتأخّرين «8».

و مع المفاخرة عند بعض آخر، كما يظهر من الذخيرة «9».

و مع البذاء، على قول محكيّ «10».

و قيل: هو المفاخرة «11»، و قيل: هو كلّ لفظ قبيح «12».

______________________________

(1) التهذيب 5: 297- 1005، الوسائل 12: 465 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 4.

(2) الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32.

(3) التبيان 2: 164، مجمع البيان 1: 294، حكاه عن روض الجنان لأبي الفتوح الرازي في كشف اللثام 1: 327.

(4) لم نعثر عليه في المصباح و نسبه في كشف اللثام 1: 327 إلى الإصباح، و لعله وقع هنا تصحيف من كتّاب النسخ. و هو في إصباح الشيعة: 153.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المهذب 1: 221، الإشارة: 128.

(6) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 228.

(7) السيّد في جمل العلم و العمل: 106، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 270، الشهيد في الدروس 1: 387، الشهيد الثاني في الروضة 2: 241.

(8) كصاحب المدارك 7: 341، و صاحب الحدائق 15: 460.

(9) الذخيرة: 593.

(10) حكاه في كشف اللثام 1: 327.

(11) كما في المختلف: 270، البحار 96، 169.

(12) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 383

و عن التبيان و الراوندي: حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها «1».

حجّة الأول: تفسيره بالكذب في الصحيحين المتقدّمين بلا معارض له، فيجب الأخذ به، و زيادة السباب في إحداهما يعارضها زيادة المفاخرة في الأخرى،

حيث إنّ الظاهر من التفسير هو تمام المعنى و الحصر، مع أنّ عطف الفسوق على السباب في صحيحة سليمان يفيد التغاير بينهما.

كما أنّ ذكر المفاخرة في صحيحة ابن عمّار يفيده بينهما أيضا، مضافا إلى الاقتصار بالتفسير بالكذب خاصّة في المرويّ في معاني الأخبار «2» و تفسير العيّاشي «3».

أقول: يمكن ردّ المعارضة بأنّ غايتها بالعموم و الخصوص المطلقين، الواجب فيها حمل العام على الخاصّ، إذ غاية ما يستفاد من التفسير بتمام المعنى و الحصر هو نفي الغير مطلقا، و المعارض أثبت فردا من الغير، فيكون أخصّ مطلقا، و يكفي في التغاير المفهوم من العطف الخصوصيّة و العموميّة، فيكون من باب عطف العامّ على الخاصّ.

نعم، الظاهر المتبادر من الأمر بالاتّقاء عن المفاخرة في الصحيحة الأولى- بعد تفسير الفسوق بالكذب و السباب- المغايرة، و مع ذلك فالصحيحة المفسّرة له بها للشهرة العظيمة مخالفة، بل لم يظهر به قائل بخصوصه، فلأجل ذلك يتّجه رفع اليد عن المفاخرة، ثم بذلك تظهر حجّة من ضمّ السباب أو المفاخرة أيضا.

______________________________

(1) التبيان 2: 164، الراوندي في فقه القرآن 1: 283.

(2) معاني الأخبار: 294- 1، الوسائل 12: 467 أبواب ترك الإحرام ب 32 ح 8.

(3) تفسير العياشي 1: 95- 256، الوسائل 12: 467 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 384

و أمّا باقي الأقوال فبين تخصيص بلا مخصّص، أو تعميم بلا معمّم، سوى ما قيل للثاني من دعوى الإجماع في الغنية «1»، و هي أيضا ليس بحجّة.

و من جميع ما ذكر تظهر قوّة قول السيّد، فهو الجيّد، و اللَّه المؤيّد.

هذا، مع أنّه لا ثمرة معتدّ بها بعد ظهور حرمة الجميع بنفسها، و عدم وجوب كفّارة فيها سوى الاستغفار،

و عدم إفساده الإحرام كما يأتي.

الخامس: الجدال.

و حرمته من حيث الإحرام ثابتة، و إنّما الخلاف في المراد منه، و لا بدّ أولا من ذكر الأخبار المفسّرة له حتى تظهر جليّة الحال.

فمنها: الصحيحتان المتقدّمتان «2».

و منها: صحيحة أبي بصير «إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات جادل صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم» «3»، و قريبة منها صحيحته الأخرى «4».

و الثالثة: عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه: و اللَّه لا تعمله، فيقول: و اللَّه لأعملنّه، فيحالفه مرارا، يلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال: «لا، إنّما أراد بهذا إكرام أخيه، إنّما ذلك ما كان للّه فيه

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

(2) و هما صحيحة ابن عمار و صحيحة علي المتقدمتان في ص: 381.

(3) الكافي 4: 338- 4، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 4 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 335- 1154، الإستبصار 2: 197- 665، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 385

معصية» «1».

و الظاهر من الحديث أنّ المراد بالعمل: ما كان فيه إكرام صاحبه، و بما كانت فيه معصية: ما لم يكن فيه غرض ديني، فإنّ ذلك دخول في نهيه سبحانه بقوله وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ «2»، و ورد في الأخبار: «أنّ من حلف باللَّه كاذبا كفر و من حلف باللَّه صادقا أثم» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «إنّ الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء و هو محرم فقد جادل، و عليه حدّ الجدال دم يهريقه و يتصدّق به» «4».

و الأخرى: عن الرجل يقول: لا لعمري، و هو محرم،

قال: «ليس بالجدال، إنّما الجدال قول الرجل: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه» الحديث «5».

و محمّد: عن الجدال في الحجّ، فقال: «من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدم»، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق؟ قال: «عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة» «6».

و موثّقة يونس: عن المحرم يقول: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه، و هو صادق، عليه شي ء؟ قال: «لا» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 338- 5، الفقيه 2: 214- 973، العلل: 457- 1، مستطرفات السرائر: 32- 30، الوسائل 12: 466 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 7.

(2) البقرة: 224.

(3) انظر الوسائل 23: 197 أبواب الأيمان ب 1.

(4) التهذيب 5: 335- 1152، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 5.

(5) الكافي 4: 337- 3، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 3.

(6) التهذيب 5: 335- 1153، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 6.

(7) التهذيب 5: 335- 1156، الإستبصار 2: 197- 666، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 386

أقول: لا يخفى أن المستفاد من تلك الأخبار بكلّيتها: أنّ الجدال هنا هو اليمين، فلا محيص عن القول به و رفض قول من جعل الجدال مطلق الخصومة على ما هو مقتضى اللغة و إن لم ينقل به قائل.

و لا يشترط مسبوقيّتها بالخصومة، كما حكي عن السيّد الإجماع عليه «1»، لإطلاق الأخبار. و استفادة ذلك من الصحيحة الثالثة لأبي بصير- كما قيل «2»- ضعيفة، إذ مدلولها اشتراط عدم كون اليمين في الإكرام، لا اشتراط كونها في الخصومة.

نعم، يشترط عدم كونها في الإكرام و طاعة اللَّه، كما

هو المحكيّ عن الإسكافي و الفاضل و الجعفي «3»، لتلك الصحيحة، و بها تقيّد الأخبار المطلقة. و لا فرق بين كونها في المعصية أو غيرها، للإطلاق.

و لا يضرّ آخر تلك الصحيحة، إذ لم يقيّد فيه بما كان في المعصية، بل بما كانت فيه المعصية، و كلّ ما لم يكن في الطاعة كانت فيه المعصية بالتقريب المتقدّم.

و منه يظهر خروج ما توقّف عليه استنقاذ الحقّ أو دفع الدعوى الباطلة عن الجدال، كما حكي عن الشهيدين «4» و غيرهما من المتأخّرين «5»، لخروجه عن المعصية بأدلّة نفي الضرر.

و كذا يشترط كونها حلفا باللَّه، للأخبار المتقدّمة الحاصرة لها بقول: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه، المؤيّدة بالمصرّحة بعدم كون «لعمري» جدالا.

______________________________

(1) الإنتصار: 95.

(2) انظر الرياض 1: 376.

(3) حكاه عنهم في الدروس: 1- 387، و هو في المختلف: 271.

(4) الشهيد في الدروس 1: 387، الشهيد الثاني في الروضة 2: 362.

(5) كصاحبي المدارك 7: 342، الحدائق 15: 469.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 387

و الظاهر عدم الاختصاص بلفظ «اللَّه»، بل التعدّي إلى كلّ ما يؤدّي هذا المعنى، كالرحمن و الخالق و نحوهما، و بالفارسية و غيرها من اللغات، إذ الأصل في الألفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللفظ، فالمراد باللَّه معناه، و هو: الذات المخصوصة.

و كذا يشترط التكرار ثلاثا في الصادقة، و أمّا الكاذبة فتكفي الواحدة، للأخبار المتقدّمة الدالّة بالمفهوم أو التفصيل القاطع للشركة على انتفاء الجدال بالأقلّ من الثلاث في الصادقة، و بها تقيّد المطلقة، و عليها تحمل الموثّقة الأخيرة بحملها على المرّة.

و حمل الأخبار المتضمّنة للثلاث على بيان ما يوجب الكفّارة خاصّة خلاف الظاهر من الأكثر، سيّما الصحيحة الأولى لابن عمّار، حيث رتّبت تحقّق الجدال على الثلاثة،

و فرّعت وجوب الدم على الجدال بلفظة «الفاء». و جعل المتضمّنة للثلاثة مطلقة لا وجه له.

و هل يشترط قول: لا و اللَّه و بلى و اللَّه معا، أو يكفي أحدهما مكرّرا في الصادقة و غير مكرّر في الكاذبة؟

الظاهر: الثاني، وفاقا للأكثر، لأنّ النفي و الإثبات لا يجتمعان غالبا، فالمراد بيان الموارد.

السادس: قتل هوام الجسد و الثوب من القملة و البرغوث و نحوهما،
اشاره

و إلقاؤها عنهما.

أمّا الأول فحرمته على المحرم و المحرمة هي المشهورة بين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 388

الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، المتضمّنة لقوله: «اتّق قتل الدواب كلّها» «2»، الشاملة للمسألة.

و رواية أبي الجارود: عن رجل قتل قملة و هو محرم، قال: «بئس ما صنع»، قال: فما فداؤها؟ قال: «لا فداء لها» «3».

المعتضدتين بصحيحة زرارة: عن المحرم هل يحكّ رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة» «4».

و بحسنة الحسين بن أبي العلاء: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده» «5».

و بسائر ما دلّ على المنع من نزع القملة و إبانتها و إلقائها «6»، فإنّ القتل متضمّن لبعض ذلك، بل يمكن التعدّي منها إلى القتل بالأولويّة.

و لكن بإزاء الروايتين روايات أخرى مخالفة لهما ظاهرا:

كصحيحة ابن عمّار: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: «لا شي ء

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 7: 343، صاحب الحدائق 15: 505، صاحب الرياض 1: 377.

(2) التهذيب 5: 297- 1006، الإستبصار 2: 178- 590، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 9.

(3) الكافي 4: 362- 1، الفقيه 2: 230- 1090، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 1.

(4) الكافي 4: 366- 7،

الفقيه 2: 230- 1092، المقنع: 75، الوسائل 12:

534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 4، بتفاوت يسير.

(5) التهذيب 5: 336- 1160، الإستبصار 2: 196- 661، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 3.

(6) الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 389

في القملة، و لا ينبغي أن يتعمّد قتلها» «1»، حيث إنّ لفظة: «ينبغي»، و عموم الشي ء المنفيّ و شموله للعقاب، ظاهران في عدم التحريم.

و الأخرى، و فيها: «و لا بأس بقتل القملة في الحرم و غيره» «2».

و رواية زرارة: «لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقّة في الحرم» «3».

و الأخرى: عن المحرم يقتل البقّة و البرغوث إذا أراده؟ قال:

«نعم» «4»، و في بعض النسخ: إذا رآه، و نحوها المرويّ في مستطرفات السرائر صحيحا «5»، إلّا أنّ فيه: إذا آذاه، مكان: إذا أراده.

و لا يخفى أن الأخيرة لا تعارض رواية أبي الجارود، لاختلاف الموضوع، و أخصّ مطلقا من الصحيحة الأولى، لاختصاصها بالبقّة و البرغوث، و منهما بصورة إرادة الأذى للمحرم، و مقتضى الجمع: إخراج هذه الصورة من الحرمة، فهي خارجة قطعا.

ثم الروايات الثلاث الأخرى أعمّ من وجه من الصحيحة، لعموميّة الأولى من الثلاثة من جهة الشي ء، و الباقيتين من حيث إنّهما يشملان المحرم و غيره، و عموميّة الصحيحة بالنسبة إلى الدواب، و مقتضى القاعدة:

الرجوع في مورد التعارض- و هو مثل هوام الجسد للمحرم- إلى الأصل، و هو جواز القتل، سيّما مع كونه- كما قيل «6»- مخالفا للعامّة.

فلو لا رواية أبي الجارود المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل لقلنا بذلك

______________________________

(1) الكافي 4: 362- 2، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 2.

(2) الفقيه 2: 172-

761، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 3.

(3) الكافي 4: 364- 11، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 4.

(4) الكافي 4: 364- 6، الوسائل 12: 542 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 3.

(5) مستطرفات السرائر: 32- 33، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 7.

(6) الحدائق 15: 508.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 390

في جميع الهوام، كما هو ظاهر جماعة من القدماء «1»، حيث لم يذكروا إلّا الإزالة عن نفسه و الإلقاء دون قتله، إلّا أنّ هذه الرواية أخصّ مطلقا من الثلاثة.

و لا تعارضها الأخيرة، لعدم تعرّضها للقملة، فإذن الحقّ حرمة قتل القملة للمحرم مطلقا دون غيرها من هوام الجسد، وفاقا لكلّ من خصّ الذكر بالقمل، و نسب ذلك إلى الأكثر «2»، و قوّاه بعض مشايخنا «3».

خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة، فجوّز قتل قمل البدن خاصّة دون الثوب «4»، و عن بعض المحدّثين، فجوّز قتل القمّل مطلقا على كراهة «5»، و هما- كما قيل «6»- شاذّان و عن الدليل التامّ خاليان، و إن كان في الشذوذ نظر، لما مرّ من عدم تعرّض جماعة من القدماء للقتل.

و أمّا الثاني- أي الإلقاء- فذكر حرمته جماعة «7»، و قيل باتّفاق الأصحاب ظاهرا على حرمته في القملة «8»، و عن الغنية: نفي الخلاف عنه «9».

______________________________

(1) منهم الطوسي في مصباح المتهجد: 620، الإقتصاد: 302، الجمل و العقود:

228، المبسوط 1: 339، القاضي في المهذب 1: 221.

(2) كما في كشف اللثام 1: 329، و الرياض 1: 377.

(3) و هو صاحب الرياض 1: 377.

(4) الوسيلة: 163.

(5) حكاه في الرياض 1: 377.

(6) انظر المفاتيح 1: 340، الرياض 1: 377.

(7) منهم الشيخ في النهاية: 319، و

المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 184، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 328.

(8) انظر الرياض 1: 377.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 391

و استدلّ له بحسنة ابن أبي العلاء المتقدّمة، و قريبة منها الأخرى «1»، إلّا أنّ فيها: «فإن فعل» مكان قوله: «و إن قتل»، و: «كفّا واحدا» مكان قوله: «قبضة بيده».

و صحيحة حمّاد بن عيسى: عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها، قال: «يطعم مكانها طعاما» «2»، و نحوها صحيحة محمّد «3».

و صحيحة ابن عمّار: المحرم يحكّ رأسه فتسقط القملة و الثنتان، فقال: «لا شي ء عليه، و لا يعيدها» «4».

و الأخرى: «المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده، فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه» «5».

و رواية أبي بصير: عن المحرم ينزع الحملة من البعير؟ قال: «لا، هي بمنزلة القملة من جسدك» «6».

و صحيحة حريز: «إنّ القراد ليس من البعير، و الحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك، فلا تلقها و ألق القراد» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 362- 3، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 3.

(2) التهذيب 5: 336- 1158، الإستبصار 2: 196- 659، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 5: 336- 1159، الإستبصار 2: 196- 660، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 2.

(4) الفقيه 2: 229- 1086، التهذيب 5: 337- 1165، الإستبصار 2:

197- 663، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 5، بتفاوت.

(5) الفقيه 2: 230- 1091، التهذيب 5: 336- 1161، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 5.

(6) الفقيه 2: 232- 1108،

الوسائل 12: 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 3.

(7) الكافي 4: 364- 8، الفقيه 2: 232- 1107، الوسائل 12: 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 392

و لا يخفى أنّ تلك الروايات بأسرها خالية عن ذكر غير القملة خصوصا أو عموما، و صحيحة ابن عمّار الثانية ناصّة على جواز إلقاء غير القملة من الدواب، و لم يذكره أيضا كثير من قدماء الأصحاب، فالقول بالجواز فيه خال عن الارتياب، كما اختاره صريحا بعض المتأخّرين «1».

و أمّا الاستدلال لمنع إلقاء مثل البرغوث و البقّة بصحيحة ابن سنان:

أ رأيت إن وجدت عليّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال: «نعم، و صغارا لهما، إنّهما رقيا في غير مرقاهما» «2»، كما صدر عن بعضهم «3».

غير جيد جدّا، لأنّ غايتها أنّ الارتقاء في غير المرقى يرجّح الاطراح، و لا دلالة على أنّ الارتقاء في المرقى يمنع عنه.

و أمّا القملة و إن وردت في الأخبار المذكورة إلّا أنّ صحيحتي حمّاد و محمّد لا تشتملان على منع إنشائي أو إخباري، و إنّما تتضمّنان الكفّارة، و هي غير حرمة الفعل، مع أنّ وجوبها أيضا محلّ كلام.

و كذلك صحيحة ابن عمّار الأولى، لرجوع ضمير: «لا يعيدها» إلى القملة، أي: لا يعيدها إلى موضعها، فهي بنفي الشي ء الشامل للعقاب أيضا على خلاف المطلوب- أي الجواز- دالّة.

و البواقي- غير الأخيرة- عن إثبات التحريم قاصرة، لمكان الجملة الخبريّة.

و الأخيرة و إن كانت ظاهرة في التحريم إلّا أنّها لرواية مرّة معارضة:

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 110.

(2) الكافي 4: 362- 4، الفقيه 2: 229- 1085، التهذيب 5: 337- 1162، المقنع: 75، الوسائل 12: 541 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 1.

(3) انظر الرياض 1:

377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 393

عن المحرم يلقي القملة؟ فقال: «ألقوها، أبعدها اللَّه غير محمودة و لا مفقودة» «1».

و كذلك لعموم صحيحة ابن عمّار الأولى المتقدّمة، و بهما أيضا يعارض سائر الأخبار المذكورة لو جعلناها على الحرمة دالّة.

فإذن الجواز في الجميع أقوى مع الكراهة في القملة، بل في البواقي أيضا، لفتوى جماعة، كما اختاره بعض مشايخنا و نقله عن بعض المحدّثين أيضا «2».

فرعان:
أ: يجوز نقل القملة و غيرها من مكان من الجسد إلى آخر

و لو قلنا في الإلقاء بالحرمة، بلا خلاف فيه بين الطائفة كما ذكره بعض الأجلّة «3»، لصحيحة ابن عمّار الثانية، و مقتضى إطلاقها عدم اشتراط كون المنقول إليه مساويا أو أحرز، فالقول به- كما اختاره المحقّق الشيخ عليّ «4»- تقييد بلا مقيّد، إلّا أن يكون مراده عدم كونه معرضا للسقوط قطعا أو غالبا، و حينئذ فلا بأس به، لأنّه في معنى الإلقاء.

ب: يجوز إلقاء القراد و الحلم-

و هو صغير القراد أو عظيمه- عن نفسه بلا خلاف، للأصل، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة.

و كذا يجوز إلقاء الأول من البعير بلا خلاف، لصحيحة حريز المتقدّمة

______________________________

(1) التهذيب 5: 337- 1164، الإستبصار 2: 197- 662، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 6.

(2) انظر الرياض 1: 377.

(3) انظر الرياض 1: 377.

(4) انظر جامع المقاصد 3: 184 و 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 394

و غيرها «1».

و لا يجوز إلقاء الحلمة عنها، وفاقا لجماعة «2»، للصحيحة المذكورة و غيرها من الروايات «3».

السابع: التدهين بعد الإحرام مطلقا،

و بالدهن المطيّب بعده و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام، و يجوز بغير المطيّب قبل الإحرام و لو بقي أثره إلى ما بعده، و كذا بعده مع الضرورة.

أمّا الأول: فحرمته هي الأقوى الأشهر، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في صدر مسألة حرمة الطيب «4».

و صحيحة الحلبي: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك أو عنبر، من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و أدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ» «5»، و قريبة منها مضمرة عليّ بن أبي حمزة «6».

خلافا للمفيد و العماني و الديلمي و الحلبي «7»، فجوّزوه على كراهة،

______________________________

(1) في ص: 391.

(2) منهم الطوسي في التهذيب 5: 338، صاحب الرياض 1: 377.

(3) الوسائل 12: 542 أبواب تروك الإحرام ب 80.

(4) في ص: 369 و هي في الكافي 4: 353- 1، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 5.

(5) الكافي 4: 329- 2، الفقيه 2: 202- 921 و فيه: عن علي بن أبي حمزة، التهذيب 5: 303- 1032، الإستبصار 2: 181- 603،

الوسائل 12: 458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 1.

(6) الكافي 4: 329- 1، الفقيه 2: 202- 921، التهذيب 5: 302- 1031، الإستبصار 2: 181- 602، الوسائل 12: 458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 1.

(7) المفيد في المقنعة: 432، حكاه عن العماني في المختلف: 269، الديلمي في المراسم: 106، الحلبي في الكافي في الفقه: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 395

جمعا بين الأخبار المانعة و الناصّة على الجواز بعد الغسل قبل الإحرام، كصحاح محمّد «1» و ابن أبي العلاء «2» و هشام بن سالم «3» و غيرها «4»، حيث إنّ الظاهر بقاؤه عليه إلى ما بعد الإحرام، و تساوي الابتداء و الاستدامة، و الأمران ممنوعان.

و قد يستدلّ أيضا بالأخبار المرخّصة له حال الضرورة «5»، و هو غير جيّد، لخروجه عن المسألة، لأنّ المفروض غير حال الضرورة.

و أمّا الثاني: فحرّمه الأكثر أيضا، لما دلّ على المنع عن الطيب و لو استدامة، كما مرّ في مسألة الطيب، لصحيحة الحلبي و رواية علي بن أبي حمزة و غيرهما من الصحاح و غيرها الواردة في ذلك المضمار «6».

خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة «7» و جماعة «8»، فكرّهوه، للأصل، و إطلاق جملة من الصحاح بجواز الادهان قبل الإحرام، و صحيحة محمّد:

«لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام أو بعده» و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى.

و أجيب: بأنّ الأصل يدفع بما مرّ، و المطلق يقيّد به، و الكراهة تستعمل بمعنى الحرمة أيضا أو أعمّ منها «9».

______________________________

(1) الكافي 4: 329- 4، الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 3.

(2) الكافي 4: 330- 5، الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 4.

(3) الفقيه 2:

201- 918، التهذيب 5: 303- 1034، الإستبصار 2: 182- 605، الوسائل 12: 461 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 6.

(4) الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 و ص 458 ب 29.

(5) الوسائل 12: 462 أبواب تروك الإحرام ب 31.

(6) انظر الذخيرة: 594، الحدائق 15: 503.

(7) الوسيلة: 164.

(8) كالطوسي في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 229.

(9) انظر المختلف: 269، الرياض 1: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 396

أقول: أمّا الأخبار المذكورة فكلّها واردة بالجملة الخبريّة أو ما يحتملها، و دلالة مثلها على الحرمة ممنوعة.

و أمّا ما دلّ على حرمة استدامة الطيب فهو يعارض أخبار جواز الادهان قبل الإحرام بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و أمّا الصحيحة فلا تتضمّن إلّا الكراهة التي هي أعمّ من الحرمة، فقول ابن حمزة لا يخلو من قوّة، و الاجتناب أحوط.

و أمّا الثالث: فجوازه ممّا لا خلاف فيه كما قيل «1»، و عن التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «2»، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة «3»، و ليس في شي ء منها اشتراط عدم بقاء عينه بعد الإحرام مع مخالفته الأصل.

و قيل باشتراطه «4»، و لا وجه له، و صحيحة محمّد المتقدّمة لا تفيد أزيد من المرجوحيّة.

و أمّا الرابع: فهو أيضا موضع وفاق، و في المدارك «5» و غيره «6»:

الإجماع عليه، و الأخبار به مستفيضة من الصحاح و غيرها «7».

الثامن: إزالة الشعر.

قليله و كثيره عن الرأس و اللحية و سائر البدن، بحلق أو نتف أو

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 377.

(2) التذكرة 1: 335، المنتهى 2: 787.

(3) الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30.

(4) انظر القواعد 1: 82.

(5) المدارك 7: 350.

(6) كالرياض 1: 378.

(7) الوسائل 12: 462 أبواب تروك الإحرام ب 31.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 397

غيرهما بالاختيار، إجماعا محقّقا و محكيّا «1» مستفيضا، له، و لقوله سبحانه:

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ «2».

و صحيحة حريز: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» «3».

و رواية عمر بن يزيد: «لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، و يحكّ الجسد ما لم يدمه» «4».

دلّتا بمفهوم الغاية- الذي هو أقوى المفاهيم- بثبوت البأس- الذي هو الحرمة- إذا أوجب الحلق أو قطع الشعر، المؤيّد جميعا بالأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى، الآمرة بالفداء أو المانعة بالجملة الخبريّة «5».

و تجوز الإزالة للضرورة، للإجماع، و الأصل، و قوله سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً الآية «6»، و صحيحة حريز «7» الواردة في سبب نزول الآية.

و لا يجوز للمحرم حلق رأس المحرم إجماعا، و في حلق رأس المحلّ قولان، الأصل يجوّزه، و صحيحة معاوية بن وهب [1] تمنعه «8» و لكن

______________________________

[1] ليست في «س»، و في المصادر: معاوية بن عمّار أو معاوية.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 378.

(2) البقرة: 196.

(3) الفقيه 2: 222- 1033 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 306- 1046، الإستبصار 2: 183- 610، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.

(4) التهذيب 5: 313- 1077، الوسائل 12: 534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 2.

(5) الوسائل 12: 531 أبواب تروك الإحرام ب 71.

(6) البقرة: 196.

(7) الكافي 4: 358- 2، التهذيب 5: 333- 1147، الإستبصار 2: 195- 656، المقنع: 75، الوسائل 13: 165 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ح 1.

(8) الكافي 4: 361- 7، التهذيب 5: 340- 1179، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 398

بالجملة الخبريّة، فالأجود الكراهة.

التاسع: قصّ الأظفار كلا أو بعضا.

أي قطعها بأيّ نحو كان، للإجماع المؤيّد بالأخبار المستفيضة «1» المانعة عنه بالجمل الخبريّة أو المثبتة للفداء.

و تجوز إزالتها مع الاضطرار، بأن ينكسر و يتضرّر ببقائه، بلا خلاف فيه، كما عن المنتهى و التذكرة «2»، لصريح صحيحة ابن عمّار، و فيها: «فإن كانت تؤذيه فليقصها» «3».

العاشر: قطع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم.
اشاره

فإنّه يحرم على المحرم و المحرمة، إجماعا محقّقا و محكيّا «4» مستفيضا، له، و للنصوص المتكثّرة المحرّمة للقطع، أو المانعة عنه بالجمل الخبريّة أو مفهوم الوصف أو إثبات الفداء.

فمن الأولى صحيحة حريز: «كلّ شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت أو غرسته» «5».

و صحيحة ابن عمّار: عن شجرة أصلها في الحرم و فرعه في الحلّ،

______________________________

(1) الوسائل 12: 538 أبواب تروك الإحرام ب 77.

(2) المنتهى 2: 795، التذكرة 1: 339.

(3) التهذيب 5: 314- 1083، المقنع: 75، الوسائل 12: 538 أبواب تروك الإحرام ب 77 ح 1.

(4) انظر الرياض 1: 379.

(5) الكافي 4: 230- 2، الفقيه 2: 166- 718، التهذيب 5: 380- 1325، الوسائل 12: 553 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 399

فقال: «حرّم فرعها لمكان أصلها»، قال: قلت: فإن أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم؟ قال: «حرّم أصلها لمكان فرعها» «1».

و موثّقة زرارة: «حرّم اللَّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه أو يعضد شجره إلّا الإذخر» «2».

و الاختلاء و العضد: القطع، و الخلا: النبات اليابس، كما قاله الجوهري «3»، أو الرطب كما ذكره في القاموس و ابن الأثير «4».

و حمّاد بن عثمان: في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم، قال: «إن بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت

في منزله [و هو له فليقلعها]» [1].

و الأخرى: عن الرجل يقطع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم، قال: «إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتّخذ المضرب فليس له أن يقلعها، و إن كانت طريّة عليها فله أن يقلعها» «5».

و من الثانية مرسلة عبد الكريم: «لا ينزع من شجر مكّة إلّا النخيل و شجر الفواكه» «6»، و بمضمونها مع زيادة موثّقة سليمان بن خالد «7».

______________________________

[1] الكافي 4: 231- 6، التهذيب 5: 380- 1327، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 3، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: و هي له فله أن يقلعها، و في «س»: فهي له أن يقلعها، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 4: 231- 4، الفقيه 2: 165- 717، التهذيب 5: 379- 1321، الوسائل 12: 459 أبواب تروك الإحرام ب 90 ح 1.

(2) التهذيب 5: 381- 1332، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 4.

(3) الصحاح 2: 509، و ج 6: 2331 و فيه: الخلا: الرطب من الحشيش.

(4) القاموس المحيط 4: 327، النهاية الأثيرية 2: 75.

(5) التهذيب 5: 380- 1326، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 2، بتفاوت.

(6) الكافي 4: 230- 1، الوسائل 12: 556 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 9.

(7) الفقيه 2: 166- 720، التهذيب 5: 379- 1324، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    400     العاشر: قطع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم. ..... ص : 398

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 400

و صحيحة محمّد: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم، فقال:

«نعم»، قلت:

فمن الحرم؟ قال: «لا» «1».

و رواية جميل بن درّاج: «رآني علي بن الحسين عليه السّلام و أنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بني، هذا لا يقلع» «2».

و رواية إسحاق بن يزيد: الرجل يدخل مكّة فيقطع من شجرها، قال:

«اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك» «3».

و صحيحة محمّد بن حمران: عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟ قال: «أمّا شي ء يأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه» «4».

و صحيحة حريز: « [يخلّى] عن البعير يأكل في الحرم ما شاء» «5».

و رواية زرارة: «رخّص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في قطع عودي المحالة- و هي: البكرة التي يستقى بها- من شجر الحرم و الإذخر» «6».

و مرسلة موسى: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع فإن أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين» «7».

______________________________

(1) الفقيه 2: 166- 721، الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 85 ح 2.

(2) التهذيب 5: 379- 1322، الوسائل 12: 553 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 2.

(3) الكافي 4: 231- 3، الفقيه 2: 166- 722، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 6.

(4) الفقيه 2: 166- 719، التهذيب 5: 380- 1328، الوسائل 12: 559 أبواب تروك الإحرام ب 89 ح 2.

(5) الكافي 4: 231- 5، الفقيه 2: 166- 719، التهذيب 5: 381- 1329، الوسائل 12: 558 أبواب تروك الإحرام ب 89 ح 1، و ما بين المعقوفين ليست في النسخ، أضفناها من المصادر.

(6) التهذيب 5: 381- 1330، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 5.

(7) التهذيب 5: 381- 1331، الوسائل 13:

174 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 18 ح 3

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 401

و صحيحة حريز، و فيها: «إنّ اللَّه حرّم مكّة يوم خلق السماوات و الأرض، فهي حرام بحرام اللَّه إلى يوم القيامة، لا ينفّر صيدها و لا يقطع شجرها و لا يختلى خلاها» إلى أن قال: «إلّا الإذخر» «1»، و بمضمونها مرسلة الفقيه «2»، إلى غير ذلك.

و لا يخفى أنّ حرمة هذا القطع لا تخصّ بالمحرم، بل هي من خصائص الحرم، فعدّه من تروك الإحرام غير جيّد، و لذا جعله في الدروس مسألة برأسها «3»، و اقتفينا نحن أثر الأكثر.

ثم إنّهم استثنوا من ذلك أمورا:
الأول: ما نبت في ملك الإنسان

، لموثّقتي حمّاد و رواية إسحاق، و هي أخصّ من المدّعى، لاختصاصها بالدار و المنزل و المضرب و بالشجر، و دعوى الإجماع ممنوعة، و لذا استشكل فيها في الذخيرة «4»، و منعها بعض مشايخنا السادة «5»، فالأحوط الاقتصار على موردها.

بل استشكل بعضهم في أصل الاستثناء «6»، لضعف الروايات، و هو عندي غير جيّد.

الثاني: ما غرسه الإنسان و أنبته بنفسه،

سواء كان في ملكه أو غيره، و هو كذلك، وفاقا للمحكيّ عن المبسوط و النهاية و السرائر و النزهة

______________________________

(1) الكافي 4: 225- 3، الوسائل 12: 557 أبواب تروك الإحرام ب 88 ح 1.

(2) الفقيه 2: 159- 689، الوسائل 12: 558 أبواب تروك الإحرام ب 88 ح 4.

(3) الدروس 1: 388.

(4) الذخيرة: 596.

(5) كما في الرياض 1: 380.

(6) انظر الرياض 1: 380.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 402

و المنتهى و التذكرة «1»، و نفى عنه الريب في المدارك «2»، لصحيحة حريز الأولى «3».

خلافا للمنقول عن القاضي و ابن زهرة و الكيدري «4»، فقيّدوه بملكه، و لا وجه له، و يشعر بعض كلمات صاحب المدارك بجواز قطع ما أنبته الآدمي مطلقا «5»، سواء كان نفس القالع أو غيره، و لا دليل عليه.

الثالث: شجر الفواكه و النخيل،

سواء أنبته اللَّه تعالى أو الآدمي، و على استثنائه دعوى الإجماع عن الخلاف «6» و الاتّفاق عن المنتهى «7»، و نسبه في المدارك و الذخيرة إلى قطع الأصحاب به «8»، و تدلّ على استثنائها المرسلة و الموثّقة المتقدّمتين «9»، فلا محيص عنه.

الرابع: الإذخر،

و صرّح جماعة بعدم معرفة الخلاف في استثنائه «10»، و عن المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه «11»، و تدلّ عليه طائفة من الأخبار «12»

______________________________

(1) المبسوط 1: 354، النهاية: 234، السرائر 1: 554، نزهة الناظر: 61، المنتهى 2: 797، التذكرة 1: 340.

(2) المدارك 7: 370.

(3) تقدمت في ص: 398.

(4) القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 215، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الكيدري في إصباح الشيعة: 153.

(5) المدارك 7: 371.

(6) الخلاف 2: 407.

(7) المنتهى 2: 797.

(8) المدارك 7: 370، الذخيرة: 596.

(9) و هي مرسلة عبد الكريم، و موثقة سليمان بن خالد، المتقدمتين في ص: 399.

(10) كما في الذخيرة: 596، المفاتيح 1: 392، الرياض 1: 380.

(11) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 341.

(12) الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 403

المتقدّمة.

الخامس: عود المحالة

بفتح الميم، و المحالة: البكرة العظيمة يستقى بها، و تدلّ على استثنائها رواية زرارة.

السادس: اليابس من الشجر و الحشيش،

استثناه في المنتهى و التذكرة و التحرير و اللمعتين و الدروس «1»، للأصل، و لأنّ الخلا الممنوع من قطعه هو الرطب من النبات، و لأنّ اليابس لا حرمة له.

و الكلّ ضعيف، لأنّ الأصل مدفوع بالإطلاقات و العمومات «2»، و الخلا وارد في بعض الروايات «3»، و تخصيصه بالذكر فيه لا ينفي الحكم عن غيره، مع أنّ الخلا مفسّر عند بعض اللغويين- كما مرّ- باليابس، و عليه فيفيد ضدّ المطلوب، و ضعف التعليل ظاهر، فعدم الاستثناء أقوى.

فروع:
أ: قيل: التحريم يتناول القطع و الانتفاع مطلقا،

فلو انكسر غصن أو سقط ورق لم يجز الانتفاع به، سواء كان ذلك بفعل الآدمي أو غيره «4»، و في المنتهى و التذكرة: الإجماع على جواز الانتفاع في الساقط بفعل غير الآدمي، و استقرب الجواز في الساقط بفعل الآدمي «5».

و الحقّ: الاختصاص بالقطع، لأنّه المتبادر من التحريم المطلق في

______________________________

(1) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 340، التحرير 1: 115، الروضة 2: 245، الدروس 1: 389.

(2) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

(3) كموثقة زرارة المتقدمة في ص: 399.

(4) انظر الرياض 1: 379.

(5) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 404

هذا المقام، و لو منع لكان مجملا، فيجب الاقتصار فيه على المقطوع به، و هو القطع المصرّح به في سائر الأخبار «1».

ب: يجوز للمحرم أن يترك إبله و دابّته في الحرم ليرعى

في الحشيش و إن حرم قطعه، للأصل، و صحيحة حريز السالفة «2»، بل جوّز في المدارك نزعه للإبل «3»، لصحيحة جميل و محمّد بن حمران «4»، و هو كذلك.

ج: قال في المدارك: يجوز للمحرم أن يأخذ الكمأة «5» من الحرم،

لأنّه ليس بحشيش «6».

و فيه: منع عدم صدق الحشيش، سلّمنا و لكن يصدق عليه النبات و الشي ء النابت المعنون في بعض الأخبار «7».

نعم، لو أخذها بعد انكسارها أو قلعها للدابّة لم يكن به بأس.

د: الحشيش و النبت و الشجر الممنوع عن قطعها يعمّ الشوك و شبهه من الأشجار المؤذية،

فيحرم قطعها كما هو ظاهر الخلاف «8» و صريح التذكرة «9»، و عن الشافعي «10» و طائفة «11» من العامّة عدم التحريم. و من اللَّه التأييد.

______________________________

(1) كما في الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

(2) في ص 400.

(3) المدارك 7: 372.

(4) المتقدمة في ص: 400.

(5) الكمأة: شي ء أبيض مثل الشحم، ينبت من الأرض، يقال له شحم الأرض، واحدها كم و الجمع أكمؤ- مجمع البحرين 1: 363.

(6) المدارك 7: 371.

(7) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

(8) الخلاف 2: 407.

(9) التذكرة 1: 340.

(10) حكاه عنه في الخلاف 2: 407، 408.

(11) حكاه عنهم في الخلاف 2: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 405

الحادي عشر: لبس السلاح.

و تحريمه هو المشهور بين الأصحاب، و هو الأقوى، لمفهوم رواية زرارة: «لا بأس أن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو» «1»، أثبت البأس مع عدم الخوف، و البأس: العذاب.

و تؤيّده المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة بالجملة الخبريّة و المثبتة للكفّارة «2».

خلافا للشرائع و النافع و الإرشاد «3»، فكرّهوه، و يظهر من الأولين وجود قائل غيرهما به أيضا، للأصل، و تضعيف المفهوم، و جوابهما ظاهر.

______________________________

(1) الكافي 4: 347- 4، الوسائل 12: 504 أبواب تروك الإحرام ب 54 ح 4.

(2) الوسائل 12: 504 أبواب تروك الإحرام ب 54.

(3) الشرائع 1: 251، النافع: 85، الإرشاد 1: 318.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.