مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء ١٠

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

كتاب الخمس

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و هو في الاصطلاح: حقّ ماليّ ثبت لبني هاشم بالأصل.

و الأخير لإخراج المنذور لهم و الموقوف عليهم.

و زيادة

قيد العوض عن الزكاة- كما في بعض العبارات- أو في مال مخصوص أو الغنائم- كما في آخرين- لبيان الواقع، و إلّا فهو غير محتاج إليه، بل قد يكون الأخير مخلّا.

و هو ثابت بالكتاب، و السنّة، و الإجماع.

و الكلام فيه يقع في مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 7

المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس

اشارة

و فيه مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 9

المسألة الأولى:

اعلم أنّ الأصل وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الإنسان و يكتسبه و يغنمه، للآية الشريفة، و الأخبار.

أمّا الآية فقوله سبحانه وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية «1».

فإنّ الغنيمة في أصل اللغة: الفائدة المكتسبة، صرّح به في مجمع البحرين «2» و غيره «3» من أهل اللغة، و ليس هناك ما يخالفه و يوجب العدول عنه، بل المتحقّق ما يثبته و يوافقه من العرف و كلام الفقهاء و الأخبار.

فنصّ في البيان على شمول الغنيمة للأقسام السبعة المشهورة «4»، بل في الخلاف دعوى إجماعنا على أنّ ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات و المكاسب و الصنائع يدخل في الغنيمة «5».

و في رواية حكيم: عن قول اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ إلى أن قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ لتزكّيهم» [1].

______________________________

[1] الكافي 1: 544- 10، التهذيب 4: 121- 344، الاستبصار 2: 54- 179، الوسائل 9:

546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8، إلّا أنّ فيها: ليزكوا، بدل: لتزكّيهم.

______________________________

(1) الأنفال: 41.

(2) مجمع البحرين 6: 129.

(3) كما في معجم مقاييس اللغة 4: 397.

(4) البيان: 341.

(5) الخلاف 2: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 10

و في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها» الحديث «1».

و في الرضويّ: «و قال جلّ و علا وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، فتطوّل بذلك علينا امتنانا منه و رحمة» إلى أن قال: «و كلّ

ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و مال الفي ء الذي لم يختلف فيه و ما ادّعي فيه الرخصة، و هو ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأنّ الجميع غنيمة و فائدة» «2».

و أمّا ما في بعض الأخبار- بعد بيان خمس الغنيمة- من أنّه يقسّم الأربعة أخماس الباقية بعد خمس الغنيمة بين من قاتل عليه «3»، حيث إنّ الظاهر منه تلازم الغنيمة و المقاتلة.

فلا ينافي ما ذكر، إذ لا دلالة فيها على أنّ المراد بالغنائم في الآية ذلك، غايته الاستعمال، و هو أعمّ من الحقيقة، مع أنّه لا يتعيّن التجوّز فيها أيضا، لاحتمال التخصيص، أي أربعة أخماس بعض الغنائم.

و ممّا ذكر يظهر لك ما في المدارك و الذخيرة من النظر في دلالة الآية، حيث إنّ المتبادر من الغنيمة: ما يؤخذ من دار الحرب، و يدلّ عليه سوق الآية «4»، فإنّ التبادر حال نزول الآية- بل في الآن أيضا- ممنوع.

______________________________

(1) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

(2) فقه الرضا «ع»: 293.

(3) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 483 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

(4) المدارك 5: 381، الذخيرة: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 11

نعم، لاتّفاق أكثر العامّة على تخصيص الخمس بغنائم دار الحرب اشتهر ذلك بينهم، و بنى عليه مفسّروهم، فتوهّم التبادر.

و ورود الآية في الحرب لا يدلّ على التخصيص.

و أمّا الأخبار فكثيرة، منها: الأخبار الثلاثة المتقدّمة.

و موثّقة سماعة: عن الخمس فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو

كثير» «1».

و رواية ابن سنان: «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة و لمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصّة، يضعونه حيث شاءوا، و حرّم عليهم الصدقة، حتى الخيّاط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلّا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة» «2».

و مرسلة حمّاد الطويلة، و فيها: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن، و الملاحة» الحديث «3»، إلى غير ذلك من المستفيضة «4».

و لا معارض لها يوجب الوهن فيها سوى بعض ما ظاهره حصر الخمس في أمور خاصّة، و لكن منها الغنائم الشاملة لجميع الفوائد.

و ضعف بعض سندا- لو كان مضرّا- يندفع بالانجبار بالشهرة و الإجماع المنقول، بل المحقّق.

______________________________

(1) الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.

(2) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(3) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.

(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 12

و تدلّ على المطلوب أيضا الأدلّة [و] «1» الأخبار الواردة في كلّ قسم قسم من الفوائد أيضا، كما يأتي.

ثمَّ الثابت من الآية و الأخبار هو ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، و هي ما حصلت بنوع سعي و اكتساب لا غير المكتسبة، لأنّ الوارد فيها:

الغنيمة، التي هي الفوائد المكتسبة- كما صرّح به بعض أهل اللغة «2»- أو الاكتساب- و ظاهر أنّه مختصّ بما ذكرنا- أو الاستفادة المختصّة بالمكتسبة،

أو الإفادة المفسّرة بالاستفادة أيضا.

مضافا إلى صحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «3».

نفي بمنطوقها الخمس عن كلّ شي ء، سوى الغنائم التي هي الفوائد المكتسبة، و لا أقلّ من احتمال الاختصاص بها من جهة تصريح بعض اللغويين و جمع من الفقهاء، فلا يعلم خروج غير المكتسبة من المستثنى منه، فتكون باقية فيه، لحجّية العام المخصّص بالمجمل إذا كان متّصلا في غير موضع الإجمال.

ثمَّ هذا المنطوق و إن تعارض مع ما دلّ على ثبوت الخمس في كلّ الفوائد، إلّا أنّه بالعموم من وجه، لشمول المنطوق لغير الفوائد و معارضته للفوائد المكتسبة، فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل. فاللازم عليك أن يكون ذلك أصلا لك في المسألة، و تحكم بوجوب الخمس في جميع

______________________________

(1) أثبتناه لاستقامة العبارة.

(2) كما في مجمع البحرين 6: 129.

(3) الفقيه 2: 21- 74، التهذيب 4: 124- 359، الاستبصار 2: 56- 184، الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 13

الفوائد المكتسبة للإنسان، إلّا أن يخرج شي ء منها بدليل.

المسألة الثانية:

اشارة

اعلم أنّه و إن ثبت بما ذكرنا وجوب الخمس في كلّ ما يستفيده الإنسان و يحصل في يده بضرب من الاكتساب، إلّا أنّ الفقهاء قسّموها إلى خمسة أقسام، لذكر كلّ قسم في الأخبار على حدة، و لامتياز بعض تلك الأقسام عن بعض ببعض الشرائط، كما يأتي إن شاء اللّه سبحانه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 14

القسم الأول في غنائم دار الحرب
اشارة

أي ما يؤخذ غنيمة من أهل الحرب، سواء كان في دارهم أو غيرها، و وجوب الخمس فيها في الجملة إجماعيّ بين المسلمين، و نقل الإجماع عليه مستفيض.

و يدلّ عليه معه ما مرّ من الأصل المتقدّم، لكونها من الفوائد المكتسبة.

و الآية الشريفة، لكون غنائم دار الحرب ممّا غنم نصّا و إجماعا و إن اختلفوا في غيرها.

و خصوص السنّة المستفيضة، كمرسلة أحمد: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز، و المعادن، و الغوص، و المغنم الذي يقاتل عليه» و لم يحفظ الخامس «1».

و صحيحة ربعي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمَّ يقسّم ما بقي خمسة أقسام و يأخذ خمسه» الحديث «2».

و صحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «3».

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11.

(2) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 4: 124- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 15

و رواية أبي بصير: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة

أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه» «1».

و هل يختصّ وجوب الخمس فيها فيما إذا أخذ مع الحرب، أو يعمّ ما أخذ بدون الحرب، كالسرقة و الاختلاس أيضا؟

فقيل بالأول، و حكم في الثاني بأنّه لآخذه بلا خمس، لأنّه لا يسمّى غنيمة «2».

و قيل بالثاني «3»، لفحوى صحيحة حفص «4» و رواية المعلّى «5» الواردتين في مال الناصب، أنّه خذه حيث وجدته و ابعث إلينا الخمس.

و يرد عليه منع الفحوى، لعدم قطعيّة العلّة.

و لكن يرد على الأول أيضا: منع عدم التسمية، فإنّ الغنيمة تصدق على كلّ ما أفاده الناس، كما يأتي، فثبت الخمس فيه بالأصل المتقدّم في المسألة الاولى.

ثمَّ ما أخذ بالحرب هل يختصّ وجوب الخمس فيه بما كان الحرب بإذن الإمام، الذي هو محلّ الوفاق، أو يعمّ الحرب بغير إذنه أيضا؟

فقيل بالأول، و حكم في الثاني بأنّ المأخوذ للإمام جميعا «6»، لمرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا

______________________________

(1) الكافي 1: 545- 14، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.

(2) كما في الكافي في الفقه: 170.

(3) كما في المراسم: 139.

(4) التهذيب 4: 122- 350، مستطرفات السرائر: 100- 29، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 6.

(5) التهذيب 6: 387- 1153، مستطرفات السرائر: 101- 30، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 7.

(6) انظر الدروس 1: 259، و المسالك 1: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 16

غزا قوم بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».

و قيل بالثاني، لصحيحة الحلبي السالفة.

و فصّل بعض المتأخّرين، فقال: إذا كان الحرب للدعاء إلى

الإسلام و التكليف بالشهادتين فالغنيمة للإمام و لا خمس، و إن كان بالقهر و الغلبة لا للجهاد فيجب فيه الخمس.

و القول الفصل و طريق الجمع أن يقال: إنّ الغنيمة للإمام، للمرسلة، و لكنه أحلّه للشيعة بعد الخمس، للصحيحة، إذ لا يثبت منها الأزيد من ذلك حتى تعارض به المرسلة.

و يأتي زيادة كلام في ذلك في ذكر الأنفال.

فرعان:

أ: صريح جماعة: عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول و غيره «2»، و يظهر من بعض المتأخّرين التخصيص بالأول، لكون الأراضي مال الإمام.

أقول: إن كانت مال الإمام فهو أحلّها لشيعته أيضا كما يأتي، فيخمّسها لكونها من الفوائد، و يأتي تحقيقها في موضعه.

ب: مثل مال أهل الحرب: مال الناصب و الخارجي و سائر من يحلّ ماله ممّن انتحل الإسلام، فيجب إخراج خمسه، لصحيحة حفص و رواية المعلّى المتقدّمتين.

______________________________

(1) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(2) منهم المحقق في الشرائع 1: 179، و الأردبيلي في زبدة البيان: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 17

القسم الثاني في المعادن

و وجوب الخمس فيها إجماعي، و الأصل المتقدّم يثبته، و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

فمنها: ما يوجبه في المعادن من غير تفصيل، كالمرسلتين المتقدّمتين «1»، و صحيحة زرارة «2».

و منها: ما يثبته فيها و في الرصاص و الصفر و الحديد و الذهب و الفضّة، كصحيحة الحلبي «3».

و منها: ما يثبته في الخمسة، كصحيحة محمّد «4».

و منها: ما يثبته في المعدن و الملاحة و الكبريت و النفط و أشباهه، كصحيحته الأخرى «5».

و منها: ما يثبته في الياقوت و الزبرجد و معادن الذهب و الفضّة، كرواية محمّد بن علي «6».

______________________________

(1) يعني مرسلتي حمّاد و أحمد المتقدمتين في ص 9 و 12.

(2) التهذيب 4: 122- 347، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3.

(3) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.

(4) الكافي 1: 544- 8، التهذيب 4: 121- 345، الوسائل 9: 491

أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 1.

(5) الفقيه 2: 21- 76، التهذيب 4: 122- 349، المقنع: 53، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.

(6) الكافي 1: 547- 21، الفقيه 2: 21- 72، التهذيب 4: 124- 356، الوسائل 9:

493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 18

و لا ينافي ما ذكر صحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم» «1»، لأنّ المعادن أيضا غنيمة.

مع أنّه لو سلّم الاختصاص يكون التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، فيجب تخصيص الصحيحة بما مرّ.

و لو سلّم التباين فالترجيح لما مرّ بوجوه كثيرة، منها: مخالفة العامّة، فلا إشكال في المسألة.

و إنّما الإشكال في تحقيق المعدن، فقد اختلفت فيه كلمات أهل اللغة و الفقهاء:

فمنهم من خصّصه بمنبت الجوهر من ذهب و نحوه، كالقاموس «2» و الأزهري.

و منهم من يظهر منه الاختصاص بموضع الذهب و الفضّة، كالمغرب «3».

و منهم من عمّمه لكلّ ما يخرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، كالنهاية الأثيريّة و التذكرة و المنتهى، مدّعيا فيهما إجماع علمائنا عليه «4».

و منهم من جعله أعمّ من ذلك أيضا- فلم يذكر قيد: من غيرها، و قال: إنّه ما يستخرج من الأرض و كانت أصله، ثمَّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها، سواء خرج عن اسم الأرض أم لا- كالشهيد «5». و على ذلك، يدخل فيه الجصّ، و النورة، و المغرة- و هي الطين الأحمر «6»- و طين

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 12.

(2) القاموس 4: 248.

(3) المغرب 2: 32.

(4) النهاية الأثيرية 3: 192، التذكرة 1: 251، المنتهى 1: 544.

(5) الروضة 2: 66.

(6) الصحاح 2: 818، القاموس 2:

140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 19

الغسل، و حجر الرحى، بل كلّ حجر.

و على هذا، فيحصل نوع من الإجمال في معناه.

و ترجيح الأولين- بجعل الملاحة في بعض الصحاح مثل المعدن- مردود بجعلها على نسختي الفقيه و التهذيب نفسه.

كما أنّ ترجيح الرابع بحكاية الإجماع مردود بعدم حجّيتها، فالحقّ إجماله، و لازمه الأخذ بالمقطوع به، و العمل فيها عداه بمقتضى الأصل، للشك في إطلاق الاسم.

و يمكن دفع الأصل في جميع ما يشكّ فيه بعمومات الغنيمة و الفائدة «1» كما مرّ، فيجب في الجميع الخمس، إلّا أنّه يكون وجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من جهة المعدنيّة.

و تظهر الثمرة في اعتبار مئونة السنة إن قلنا باعتبارها في كلّ فائدة، و يأتي تحقيقه، و في اعتبار النصاب إن قلنا به في المعدن دون كلّ فائدة، و لكن كان ذلك لو لا إجمال لفظ المعادن، و أمّا معه فتكون العمومات مخصّصة بالمجمل، فلا يكون حجّة في موضع الإجمال، و يعمل فيه بالأصل.

و منه تظهر قوّة اعتبار النصاب في جميع مواضع الشكّ أيضا، لأصالة عدم وجوب الخمس فيما دونه.

______________________________

(1) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 20

القسم الثالث في الكنوز
اشارة

و اللّازم أولا بيان ما يملكه الواجد منها و ما لا يملكه، ثمَّ بيان وجوب الخمس فيه، فهاهنا بحثان:

البحث الأول
اشارة

الكنز إمّا يوجد في دار الحرب أو دار الإسلام، و على التقديرين إمّا يكون عليه أثر الإسلام أو لا، و على التقادير إمّا يوجد في أرض مباحة أو مملوكة، و على الثاني إمّا تكون مملوكة للواجد أو لغيره، فهذه اثنى عشر.

فإن وجده في دار الحرب فهو لواجده في صورة الستّ بلا خلاف يعرف، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما صرّح به جماعة «1».

و تدلّ عليه أصالة الإباحة في الأشياء، إلّا ما علم سبق ملكيّة مسلم له، و هو هنا غير معلوم، و أثر الإسلام غير مفيد «2» له، لجواز صدوره من كافر، و تتمّ الأولويّة و الملكيّة بضميمة الإجماع المركّب هنا.

و صحيحتا محمّد، إحداهما: عن الورق يوجد في دار، فقال: «إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت» «3»، و قريبة منها الأخرى «4».

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 5: 370، و السبزواري في الكفاية: 43.

(2) في «س»: مقيد ..

(3) التهذيب 6: 390- 1365، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 2.

(4) الكافي 5: 138- 5، التهذيب 6: 390- 1169، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 21

و رواية أبي بصير: «من وجد شيئا فهو له، فليتمتّع به حتى يأتي طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه» «1».

و الفرق بين المعمورة و غيرها في الأوليين لا يفيد هنا، للإجماع على عدم تملّك الحربي.

نعم، لو كان في دار الحرب بيت مسلم و وجد فيه، يجب الحكم بكونه له بمقتضاهما، و هو كذلك،

و شمول الفتاوى لمثل ذلك غير معلوم.

و قد يستدلّ على ملكيّة الواجد بإطلاقات وجوب الخمس في الكنز، حيث إنّه لا معنى لإيجاب الخمس على أحد في غير ملكه.

و فيه: أنّه لم يصرّح فيهما بوجوب الخمس على الواجد، فإنّه يدلّ على ثبوت الخمس في الكنز، مع أنّه يمكن أن يجب عليه، لأنّه أول متصرّف.

و إن وجده في دار الإسلام، فإن كان في غير ملك له أهل معلوم، فهو أيضا- كسابقه- لواجده مطلقا على الأقوى، وفاقا للخلاف و السرائر و لقطة الشرائع و المدارك «2»، و نقله فيه عن جماعة، للأصل المذكور في غير ما علم بالقرائن سبق يد المسلم عليه، و الروايات المذكورة.

و خلافا للمبسوط «3»، و أكثر المتأخّرين «4»، فجعلوه لقطة، لأنّه مال ضائع عليه أثر ملك و وجد في دار الإسلام، فيصدق عليه حدّ اللقطة، و لأنّه مال مسلم، فلا يحلّ لغيره إلّا بإذن شرعيّ.

______________________________

(1) الكافي 5: 139- 10، التهذيب 6: 392- 1175، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 4 ح 2.

(2) الخلاف 2: 122، السرائر 1: 487، الشرائع 3: 293، المدارك 5: 370.

(3) المبسوط 1: 236.

(4) كالمحقق في الشرائع 1: 180، و العلّامة في المختلف: 203، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 22

أمّا الثاني، فظاهر.

و أمّا الأول، فلأثر الإسلام، و لرواية محمّد بن قيس: «في رجل وجد ورقا في خربة: أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها و إلّا تمتّع بها» «1».

و يردّ الأول: بمنع كونه ضائعا، بل هو مذخور، و لو سلّم فيمنع كون مطلق الضائع لقطة، و إنّما هي ما وجد فوق الأرض.

و الثاني: بمنع كونه مال مسلم، و أثر الإسلام أعمّ منه، و ظهوره

فيه- لو سلّم- لا يدفع الأصل، و لو سلّم فالإطلاقات إذن شرعيّ.

و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب، بل غايته الرجحان، و هو مسلّم.

و إن وجده في أرض مملوكة لها أهل معروف، فإن كانت للواجد، فإن كانت مملوكة له بالإحياء أو التوارث مع الانحصار، فهو له، و الوجه معلوم.

و إن كانت منتقلة إليه من غيره، فالمصرّح به في كلماتهم: أنّه يجب تعريف الناقل، فإن عرفه دفع إليه، و إلّا فهو للواجد «2».

و لعلّه لصحيحة عبد اللّه بن جعفر: عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالشي ء لك، رزقك اللّه إيّاه» «3».

بضميمة عدم القول بالفرق بين الأرض و الحيوان، فإن ثبت فهو، و إلّا

______________________________

(1) التهذيب 6: 398- 1199، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 5.

(2) انظر الشرائع 1: 179.

(3) الكافي 5: 139- 9، التهذيب 6: 392- 1174، الوسائل 25: 452 كتاب اللقطة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 23

فمقتضى الإطلاقات كونه للواجد من غير تعريف، كما مال إليه في المدارك و الذخيرة «1»، و هو قوي.

و كيف كان، فلا يجب تعريف ما فوق الناقل لو لم يعرفه الناقل على الأظهر، وفاقا لصريح بعضهم «2»، و ظاهر الأكثر، كما صرّح به بعض من تأخّر، لعدم المقتضي و إن قلنا بكون البائع في الصحيحة جنسا، لعدم ثبوت الإجماع المركّب هنا قطعا.

و إن كانت لغيره، فالأكثر أنّه كالموجود في الأرض المبتاعة، فيعرّف صاحب الأرض، فإن لم يعرفها فهو للواجد، و هو كذلك، لفحوى ما دلّ على التعريف في المبتاعة.

و لموثّقة ابن

عمّار: رجل نزل في بعض بيوت مكّة، فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: «فاسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «3».

و بهذه يقيّد إطلاق الصحيحين المتقدّمين «4»، الدالّين على أنّه لأهل المنزل مطلقا.

و كما يقيّد بالمجموع إطلاق: «من وجد شيئا فهو له».

و لا ينافيه قوله في الموثّقة: «و إلّا فتصدّق بها» «5»، لعدم دلالته على

______________________________

(1) المدارك 5: 373، الذخيرة: 475.

(2) كيحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 149.

(3) التهذيب 6: 391- 1171، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 3.

(4) في ص: 20.

(5) الكافي 5: 308- 21، الفقيه 3: 190- 856، التهذيب 6: 396- 1191، الاستبصار 3: 124- 440، الوسائل 25: 463 كتاب اللقطة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 24

الأزيد من الرجحان.

فروع:

أ: ما مرّ من حكم الموجود في الأراضي المملوكة هل يختصّ بالدار المعمورة لاختصاص أخباره بها، و يكون الموجود في غيرها من الضياع و أراضي الزرع و الدور الخربة و العقار و نحوها للواجد، لإطلاق: «من وجد شيئا فهو له»؟

أو يعمّ الجميع، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى؟

فيه إشكال، لما ذكر، و الأظهر: الأول، و الأحوط: الثاني.

ب: لا يختصّ الحكم المذكور بالذهب و الفضّة، بل يعمّ كلّ مال، للإطلاق المذكور.

ج: وجوب التعريف فيما يجب يختصّ بما إذا لم يعلم عدم معرفة المالك أو البائع و احتمل ملكيّته، و لو علم و لو بالقرائن سقط قولا واحدا، و لو ادّعى حينئذ لم يسمع، و الوجه واضح، و قوله: «فإن لم يعرفها» فيما مرّ يدلّ عليه.

د: قال جماعة: بأنّه لو اعترف

به و طلبه المالك فيما وجد في المملوك للغير أو البائع في المملوك للواجد، يسلّم إليه بلا بيّنة و لا يمين و لا وصف «1». و في الدروس: إنّ الظاهر أنّه كذلك «2».

و استدلّ له تارة: باعتبار اليد الحاليّة في الأول و السابقة في الثاني على

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 68، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 300، و السبزواري في الكفاية: 43.

(2) الدروس 1: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 25

الأرض.

و اخرى: بأنّه مقتضى القاعدة الثابتة من أنّ من ادّعى شيئا و لا منازع له دفع إليه «1».

و في الأول: منع صدق اليد على المال في المفروض، و عدم دليل على كفاية اليد على الأرض.

و في الثاني: منع ثبوت القاعدة بإطلاقها، و لو سلّم فيعارض دليلها الإطلاقات المتقدّمة، مع أنّه لو تمَّ ذلك لزم دفع كلّ ما وجد في كلّ مكان إلى كلّ مدّع بلا بيّنة و لا وصف، بل لو لم يعلم الوصف، و لا أظنّ أن يقبلوه.

نعم، يمكن أن يستدلّ له بقوله في رواية أبي بصير المتقدّمة «2» و في بعض روايات أخر أيضا «3»: «فإذا جاء طالبه» فإنّه أعمّ من العارف بالوصف و غيره، إلّا أنّ قوله: «فإن لم يعرفها» و: «لم يعرفوها» و نحوهما في الروايات المتقدّمة يخصّص الطالب بمن لم يكن غير عارف.

و الظاهر أنّ المراد بالعارف ليس من يدّعيه فقط، بل المتبادر منه من يعرفه ببعض أوصافه، فيجب التخصيص بذلك.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة البزنطي الواردة في الطير الذي يؤخذ:

«فإن جاءك طالب لا تتّهمه، ردّه إليه» «4» فإنّ من لا بيّنة له و لا يعرف الوصف يكون متّهما غالبا.

و تؤيده رواية الجعفي «5» الواردة

في الكيس الذي وجده، حيث سئل

______________________________

(1) كما في الحدائق 12: 338.

(2) في ص: 21.

(3) الوسائل 25: 441 كتاب اللقطة ب 2 ح 1 و 2 و 3 و 10 و 13 ..

(4) التهذيب 6: 394- 1186، الوسائل 25: 461 أبواب اللقطة ب 15 ح 1.

(5) الكافي 5: 138- 6، التهذيب 6: 390- 1170، الوسائل 25: 449 كتاب اللقطة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 26

[الطالب عن العلامة] «1».

ثمَّ لو اطّلع الطالب على جميع الأوصاف من الخارج ثمَّ ادّعاه فيشكل الأمر، لعدم إمكان معرفة أنّه ممّن يعرف أو لا يعرف.

و الظاهر أنّه لا يدفع إليه إن لم يكن متّهما، يعني احتمل أن يكون كاذبا أو ظنّ ذلك، و يدفع إليه إن لم يكن متّهما و لو لأجل وثاقته.

ثمَّ الظاهر اختصاص هذا الحكم- أي وجوب الردّ بادّعاء غير المتّهم، أو العارف الذي لا تفيد معرفته أزيد من الظنّ- بالموجود في المملوك.

و أمّا الموجود في المباح، فلا يجب الدفع إلّا بعد العلم بالصدق، لأصالة الإباحة، الّتي هي المرجع بعد تعارض صحيحتي محمّد- المخصوصة بالموجود في الخربة- مع رواية أبي بصير المخصوصة بما إذا كان له طالب «2».

ه-: لو وجد في دار مستأجرة، فإن وجده المالك يستعرف المستأجر، لموثّقة ابن عمّار «3»، لأنّه أهل المنزل عرفا، فإن لم يعرفه فهو له.

و إن وجده المستأجر يعرّف المالك، لفحوى ما دلّ على التعريف في المبتاعة.

و لو وجده غيرهما يعرّف المستأجر، لما مرّ، بل المالك أيضا، لأنّه أيضا أهل للمنزل، فيردّه إلى من يعرف منهما، و لو لم يعرف أحدهما فيكون له.

هذا حكم المسألة من حيث إنّ المال كنز.

و أمّا لو ادّعى كلّ من المالك و المستأجر الملكيّة

السابقة، فهي دعوى

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفتين في «س»: عن الطالب للعلامة، في «ق» و «ج»: عن الطالب لعلامة، و الأنسب ما أثبتناه.

(2) راجع ص: 20.

(3) المتقدمة في ص: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 27

كسائر الدعاوي، و لا مدخليّة للوجدان حينئذ.

فقيل: يقدّم قول المالك «1»، ليده السابقة.

و قيل: قول المستأجر «2»، ليده الحالية، و موافقة الظاهر، لأنّ الظاهر عدم إجارة الملك مع الدفين، و لأصالة تأخّر الدفن.

و تضعّف اليد: بعدم معلوميّة ثبوت حكم اليد للمال المدفون تحت أرض شخص لذلك الشخص ما لم يثبت تصرّف آخر له فيه، و على الظاهر منعه كليّا، إذ قد يكون المال مدفونا في أعماق الأرض و مدّة الإجارة قليلة، سيّما إذا أجّره المالك لسفر.

و أصل التأخّر: بأنّه قد تكون الدعوى بعد زمان الإجارة و تصرّف المالك، أو يدّعى المالك الدفن في زمان الإجارة مع تردّده في الدار كثيرا.

و مقام تحقيق المسألة كتاب القضاء.

البحث الثاني

يجب في الكنز الخمس بلا خلاف يعرف، بل ادّعى عليه جماعة الإجماع «3».

و يدلّ عليه الأصل المتقدّم، و خصوص المستفيضة، كصحيحتي الحلبي: عن الكنز كم فيه؟ قال: «الخمس» «4».

و صحيحة البزنطي: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:

______________________________

(1) المبسوط 1: 237.

(2) الخلاف 2: 123.

(3) كالشيخ في الخلاف 2: 121، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و العلّامة في التذكرة 1: 252.

(4) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 28

«ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» «1».

و وصيّة النبيّ المرويّة في الفقيه و الخصال: «إنّ عبد المطّلب سنّ في

الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه تعالى في الإسلام» إلى أن قال: «و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدّق به، فأنزل اللّه سبحانه (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ) الاية» «2».

فرع: ظاهر إطلاق جماعة و صريح المحكيّ عن الاقتصاد و الوسيلة و التحرير و المنتهى و التذكرة و البيان و الدروس «3»: عدم الفرق في وجوب الخمس بين أنواع الكنز من ذهب و فضّة و جوهر و صفر و نحاس و غيرها، لعموم الأخبار «4».

و ظاهر الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل و الحلّي في السرائر و ابن سعيد في الجامع «5»: الاختصاص بكنوز الذهب و الفضّة، و نسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأكثر.

و هو الأظهر، لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدّمة.

و حمل: «مثله» فيها على الأعمّ من العين و القيمة تجوّز لا دليل عليه.

و به يخصّص عموم الأخبار، مع أنّه قد يتأمّل في إطلاق الكنز على غير الذهب و الفضّة أيضا.

______________________________

(1) الفقيه 2: 21- 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.

(2) الفقيه 4: 264- 723، الخصال: 312- 90، الوسائل 9: 496 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 3.

(3) الاقتصاد: 283، الوسيلة: 136، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252، البيان: 344، الدروس 1: 260.

(4) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.

(5) النهاية: 198، المبسوط 1: 236، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207، السرائر 1: 486، الجامع: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 29

القسم الرابع ما يخرج من البحر

و وجوب الخمس فيه إجماعيّ، و عليه دعواه في الانتصار و الغنية و المنتهى «1»، و غيرها «2».

و يدلّ عليه- مع الأصل المتقدّم- خصوص المستفيضة، ففي صحيحة

الحلبي: عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس» «3»، و مرسلتي حمّاد و أحمد المتقدّمتين في الغنائم «4»، و رواية محمّد بن عليّ الآتية «5» في نصاب المعادن «6».

و صحيحة ابن أبي عمير المروية في الخصال: «فيما يخرج من المعادن «7»، و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز: الخمس» «8».

و الظاهر جريان الحكم في كلّ ما يخرج من البحر بالغوص و لو كان حيوانا، كما حكاه في البيان عن بعض من عاصره «9»، لإطلاق المرسلتين

______________________________

(1) الانتصار: 86، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 547.

(2) كالمعتبر 1: 292.

(3) الكافي 1: 548- 28، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.

(4) راجع ص: 11 و 14.

(5) في ص: 58.

(6) في «ق» زيادة: في بعض الكتب.

(7) في «ح» زيادة: في بعض الكتب.

(8) الخصال: 290- 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6، و فيهما: عن عمّار بن مروان.

(9) البيان: 345 و 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 30

و رواية الخصال.

و في المدارك و عن المعتبر: عدم تعلّق الحكم بالحيوان إلّا من باب الأرباح و الفوائد، لاختصاص الرواية المعتبرة «1» بغوص اللؤلؤ «2». و هو ممنوع.

و تظهر الفائدة في اعتبار مئونة السنة، فلا يعتبر على ما ذكرناه.

نعم، الظاهر عدم اعتبار النصاب في مثل الحيوان، لاختصاص روايته بغوص اللؤلؤ.

و «3» لو أخذ منه شي ء من غير غوص فلا شكّ في وجوب الخمس فيه.

و هل هو من جهة الإخراج من البحر، كما استقر به الشهيدان «4»؟

لإطلاق روايتي محمّد بن عليّ و الخصال، و تضعيفهما ضعيف، مع أنّ الأولى صحّت

عمّن أجمعوا على صحّة ما صحّ عنه و عمّن لا يروي إلّا عن ثقة، و الثانية صحيحة.

أو من جهة الأرباح، كما في الشرائع «5»؟

الظاهر: الثاني، لمعارضة الإطلاق مع الحصر المستفاد من المرسلتين بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

كما لا يجب من هذه الجهة فيما يوجد مطروحا في الساحل، للأصل.

و توهّم دخوله فيما يخرج مدفوع باحتمال كونه بصفة المجهول، فتأمّل.

______________________________

(1) و هي صحيحة الحلبي المتقدمة في ص 27.

(2) المدارك 5: 376، المعتبر 2: 622.

(3) في النسخ: أو، و الأنسب ما أثبتناه.

(4) الشهيد الأول في البيان: 345، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، حيث ألحق ما يخرج من داخل الماء بآلة مع عدم دخول المخرج بالغوص.

(5) الشرائع 1: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 31

القسم الخامس
اشارة

أرباح التجارات، و الزراعات، و الغرس، و الضرع، و الصناعات، و جميع أنواع الاكتسابات من الصيد، و الاحتطاب، و الاحتشاش، و الاستقاء، و غير ذلك.

و وجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب، و عن الخلاف و الانتصار و التبيان و مجمع البيان و الغنية و المنتهى و التذكرة و الشهيد: الإجماع عليه «1». بل الظاهر إجماعيّته في الجملة، لعدم وجود مخالف صريح، إلّا ما حكي عن القديمين أنّهما قالا بالعفو عن هذا النوع «2»، و في استفادته من كلامهما خفاء، بل ظاهره التوقّف.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في وجوبه فيه، للأصل المتقدّم في المسألة الاولى، و خصوص الروايات الواردة في بعض أنواع هذا القسم:

كرواية ابن الصلت: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس»

«3».

و رواية النيشابوري: عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ

______________________________

(1) الخلاف 2: 116، الانتصار: 86، التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 544، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253، و الشهيد في البيان: 348.

(2) حكاه عنهما في البيان: 348، و هما العماني و الإسكافي.

(3) التهذيب 4: 139- 394، الوسائل 9: 504 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 9. و الأجمة: الشجر الملتفّ- مجمع البحرين 6: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 32

ما يزكّى، و أخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا، و بقي في يده ستّون كرّا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع عليه السّلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته» «1».

و رواية عليّ بن مهزيار: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك ذلك، فقال بعضهم: أيّ شي ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال:

«يجب عليهم الخمس»، فقلت: من أيّ شي ء؟ فقال: «في أمتعتهم و ضياعهم»، قلت: فالتاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «ذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم» «2».

و في الرضوي: «إنّ الخمس على الخيّاط من إبرته، و الصانع من صناعته «3»، فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس» «4».

إلى غير ذلك من المستفيضة «5»، بل المتواترة كما عن التذكرة «6».

و دلالة بعضها على اختصاص بعض أنواع الخمس بالإمام- و هو حكم غير معروف، فتوهن به الرواية- مدفوع بمنع الدلالة أولا، و منع مخالفة الإجماع ثانيا كما يأتي.

و لا يضرّ اقتصار بعض كلمات القوم في ذلك القسم ببعض أنواعه

______________________________

(1) التهذيب 4: 16- 39، الوسائل 9: 500 أبواب ما

يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.

(2) التهذيب 4: 123- 353، الاستبصار 2: 55- 182، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) في «ق»: و الصائغ من صياغته.

(4) فقه الرضا «ع»: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.

(5) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

(6) التذكرة: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 33

- كمجرّد الأرباح أو مع الغلّات أو مع الصنائع- لأنّه إمّا من باب التمثيل، أو عدم الالتفات إلى التعميم.

تتميم: مورد الخمس في ذلك القسم: الأرباح و المنافع

، و بعبارة أخرى: الفوائد المكتسبة غير الأربعة المتقدّمة، و المراد بها جميع مداخل الشخص و منافعه الحاصلة من الأملاك و الأراضي و الأشجار و البساتين و المستقلّات، و من المواشي، و من الشغل و العمل، و من التجارة و الزراعة و الغرس و الصناعة و الاستئجار و الصيد.

و بالجملة: كلّ فائدة و منفعة حاصلة من الاكتساب عرفا، و منها: نماء الشجر المغروس للنماء، و نتاج الحيوان المستفاد بالقصد، و نمو الحيوانات و الأشجار كذلك، بخلاف ما لم يستفده المالك، كحيوان غائب حصل له ولد، أو أمة حصل لها حمل و لم يعلم به المولى.

و زيادة القيمة السوقيّة قبل البيع ليست فائدة مكتسبة، كما ذكره في المنتهى و التحرير «1»، لعدم حصول زيادة له بعد، و الزيادة إنّما هي فرضية، أي لو باع السلعة تحصل له الفائدة، و لاستصحاب عدم وجوب الخمس فيه.

نعم، لو باعه بنقد أو جنس وجب الخمس في القدر الزائد و لو كان الجنس المأخوذ بإزاء القيمة أيضا ممّا زادت قيمته، لصدق حصول الفائدة.

و منهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا، كما حكي في

الذخيرة «2».

و ليس بشي ء.

و منه يعلم عدم كفاية ظهور الربح في أمتعة التجارة، بل يحتاج إلى

______________________________

(1) المنتهى 1: 548، التحرير 1: 74.

(2) الذخيرة: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 34

الانقباض و البيع.

المسألة الثالثة:

اشارة

اعلم أنّه كما يجب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة، قالوا: يجب في موضعين آخرين أيضا:

الأول: الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم.

و وجوب الخمس فيها مذهب الشيخ «1» و أتباعه «2»، و هو المشهور بين المتأخّرين «3»، و عن الغنية و المنتهى: الإجماع عليه «4».

و هو كذلك، لصحيحة الحذّاء: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا فعليه الخمس» «5».

خلافا لظاهر كثير من القدماء، حيث لم يذكروا هذا النوع، و مال إليه الشهيد الثاني في بعض فوائده.

لتضعيف الرواية. و هو ضعيف.

أو لمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة، أو في الغنائم خاصّة.

و يضعّف بأنّ التعارض بالعموم و الخصوص المطلق، فيقدّم الخاصّ، فلا إشكال في المسألة، و إن كان إشكال ففي مصرف هذا الخمس.

و الأظهر- موافقا لظاهر الأصحاب- أنّه كسائر الأخماس، لمرسلتي

______________________________

(1) المبسوط 1: 237.

(2) كابن البراج في المهذّب 1: 177، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

569، و ابن حمزة في الوسيلة: 137.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 259، و صاحب المدارك 5: 386، و صاحب الحدائق 12: 359.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 549.

(5) الفقيه 2: 22- 81، التهذيب 4: 123- 355، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 35

أحمد «1» و حمّاد «2» الآتيتين في بيان مصرف السائر، و للإجماع المركّب.

خلافا لجماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، فجوّزوا أن يكون المراد تضعيف العشر على الذمّي إذا كانت الأراضي عشريّة كما هو مذهب مالك.

و هو بعيد، مع أنّه لم يقل به أحد من أصحابنا الإماميّة، و لا يوافقه عموم الأرض في الرواية «4»، و يأتي بيانه.

و لا فرق في الأرض بين أرض السكنى و الزراعة و البستان و

العقار، وفاقا لظاهر عبارات جماعة «5»، و تصريح بعضهم منه الروضة «6»، لإطلاق الرواية.

و عن المعتبر و المنتهى: التخصيص بأرض الزراعة «7»، و استجوده بعض المتأخّرين «8»، استنادا إلى أنّها المتبادر. و فيه منع ظاهر.

و مورد الخبر- كما عرفت- الشراء، كما وقع التعبير به في كثير من كلمات الأصحاب، و ظاهر جملة من عباراتهم ترتّب الحكم على مجرّد الانتقال كيف ما كان، صرّح به في البيان و الروضة «9»، و الوقوف على مورد

______________________________

(1) التهذيب 4: 139- 393، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.

(2) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.

(3) منهم صاحب المدارك 5: 386، و صاحب الذخيرة 1: 484، و الكاشاني في المفاتيح 1: 226.

(4) أي في صحيحة الحذّاء المتقدّمة في ص: 34.

(5) كما في البيان: 346، و المسالك 1: 67، و الرياض 1: 295، و غنائم الأيام:

371.

(6) الروضة 2: 72.

(7) المعتبر 2: 624، المنتهى 1: 549.

(8) كصاحب المدارك 5: 386.

(9) البيان: 346، الروضة 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 36

النصّ في الحكم المخالف للأصل يقوّي الأول، فلا خمس فيما انتقل بهبة أو صلح أو نحوهما.

و لو كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما، للأصل.

ثمَّ المأخوذ هو خمس رقبة الأرض، لأنّه حقيقة خمس الشي ء.

و بعد أخذه يتخيّر الحاكم بين بيعه مع المصلحة و تقسيم ثمنه بين أرباب الخمس، و بين إعطاء الرقبة لأربابه، فإن باعه من المسلم فهو، و إن باعه من الذمّي يأخذ خمس المبيع، و إن باع هذا الخمس أيضا يأخذ خمسه و هكذا.

و إن أعطى الرقبة، فربّ الخمس يتخيّر

بين البيع- فإن باعه من الذمّي يؤخذ الخمس أيضا- و بين التصرّف فيه بالإجارة و نحوها، فإن أجّره و كانت الأرض مشغولة ببناء أو شجر يأخذ أجرة الأرض المشغولة أبدا بحيث لم يقدر ربّها على الإزالة، و يحتمل أخذ أجرة الأرض بياضا و إن كانت مشغولة.

و أمّا أخذ قيمة خمس الأرض من غير نفع «1» كما يتداول في هذه الأزمان فلم يذكره أحد من العلماء، و لا دليل عليه، كما لا دليل على ما ذكره جماعة من التخيير بين أخذ الأرض أو ارتفاعها و أجرتها في كلّ سنة.

و لو نقل الذمّي الأرض إلى غيره قبل أخذ الخمس لم يسقط الخمس، بل لا يصحّ النقل في قدره، و يكون للمشتري الخيار إن كان النقل بالبيع، و كذا لا يسقط لو فسخ الذمّي البيع، و لو كان ذلك بخيار لأحدهما يشكل الحكم. و يحتمل انتقال الخمس أيضا متزلزلا.

______________________________

(1) في «س»: بيع ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 37

و لو أخذ المبيع من الذمّي بشفعة فالظاهر تقسيط الثمن أخماسا.

الثاني: المال المختلط.
اشارة

و هو على أربعة أقسام، لأنّه إمّا لا يعرف قدر الحرام- بالنسبة إلى الجميع لا تفصيلا و لا إجمالا- و لا صاحبه، أو يعرفان معا، أو يعرف الأول خاصّة، أو الثاني كذلك.

فإن كان الأول فيجب إخراج خمسه و يطهر الباقي على الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «1»، بل عن الغنية الإجماع عليه «2»، للمستفيضة، منها: صحيحة ابن أبي عمير المرويّة في الخصال، المتقدّمة في الغوص «3».

و رواية الحسن بن زياد: إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: «أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد رضي من المال بالخمس، و

اجتنب ما كان صاحبه يعلم» «4».

و مرسلة الفقيه: أصبت مالا أغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال: «ائتني بخمسه» فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» «5».

و رواية السكوني: «إنّي اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما، و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ،

______________________________

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 624، و العلّامة في المنتهى 1: 548، و الكاشاني في المفاتيح 1: 226.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(3) الخصال: 291- 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.

(4) التهذيب 4: 124- 358، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 1.

(5) الفقيه 2: 22- 83، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 38

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك» «1».

و موثّقة الساباطي: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء و لا يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «2».

قيل: و قصور سند بعضها- إن كان- فبما مرّ منجبر «3».

و قال جمهور من أوجبه: إنّ مصرف هذا الخمس أيضا مصرف سائر الأخماس المتقدّمة، و نسبه في البيان إلى ظاهر الأصحاب «4»، لما مرّ من الإجماع المركّب، و للمرسلتين الآتيتين «5».

مضافا إلى انضمام الصحيحة المرويّة في الخصال «6»، حيث إنّ خمس سائر ما ذكر فيها يصرف إلى الذرّية الطيّبة قطعا.

و إلى التعليل بأنّ اللّه تعالى رضي من

الأموال، إلى آخره، إذ لا خمس رضي اللّه به إلّا ما يكون مصرفه الذرّية.

______________________________

(1) الكافي 5: 125- 5، التهذيب 6: 368- 1065، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.

(2) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) كما في الرياض 1: 295.

(4) البيان: 348.

(5) الاولى في: التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

الثانية في: التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.

(6) الخصال: 290- 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 39

و إلى الأمر بإتيان الخمس إليه عليه السّلام في المرسلة، و بالبعث إلى أهل البيت في الموثقة «1».

و لا ينافيه لفظ التصدّق في الرواية «2»، لجواز استعماله في إخراج الخمس أيضا، بل قيل بشيوعه «3»، مع أنّ منافاته إنّما هو لو قلنا بحرمة كلّ تصدّق واجب على الذرّية، و هي ليست كذلك، بل تختصّ بالزكاة.

خلافا في الأول للمحكيّ عن جماعة من القدماء- كالقديمين و المفيد و الديلمي- فلم يوجبوا ذلك الخمس «4»، و هو ظاهر المدارك و الذخيرة «5»، و بعض الأجلّة «6»، للأصل، و ضعف الروايات.

و في الثاني لجمع من متأخّري المتأخّرين، فقالوا: إنّ مصرف ذلك الخمس الفقراء «7».

أقول: أمّا الخمس بالمعنى المعهود فالظاهر عدم ثبوته، لأنّ الأصل ينفيه، و الروايات المذكورة غير ناهضة لإثباته.

أمّا رواية الخصال، فلأنّ الرواية على النحو المذكور إنّما هو ما نقله عنه بعض المتأخّرين «8».

و قال بعض مشايخنا المحقّقين: و ذكر الصدوق في الخصال- في باب ما يجب

فيه الخمس- رواية كالصحيحة إلى ابن أبي عمير، عن غير واحد،

______________________________

(1) و هما مرسلة الفقيه و موثقة الساباطي المتقدمتين في ص: 37 و 38.

(2) و هي رواية السكوني المتقدمة في ص: 37.

(3) كما في الرياض 1: 295.

(4) حكاه عنهم في المختلف: 203.

(5) المدارك 5: 388، و الذخيرة: 484.

(6) كالكاشاني في المفاتيح 1: 227.

(7) كصاحب المدارك 5: 388، و صاحب الذخيرة: 484.

(8) كما في الحدائق 12: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 40

عن الصادق عليه السّلام، قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامس «1».

و قال مصنّف هذا الكتاب: الخامس الذي نسيه: مال يرثه الرجل، و هو يعلم أنّ فيه من الحلال و الحرام، و لا يعرف أصحاب الحرام فيؤدّيه إليهم، و لا يعرف الحرام بجنسه، فيخرج منه الخمس «2». انتهى.

و أنا تفحّصت الخصال فوجدت الرواية فيه في باب ما فيه الخمس من بعض نسخه هكذا: «الخمس في المعادن و البحر و الكنوز»، و لم أجد الرواية بالطريقين المذكورين فيه مع التفحّص عن أكثر أبوابه، و في بعض آخر كما نقله بعض مشايخنا، و لعلّ نسخ الكتاب مختلفة، و مع ذلك لا تبقى فيه حجّة، مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب.

و أمّا الموثقة «3»، فلعدم دلالتها على أنّ الخمس للمال المختلط بالحرام، فإنّ الشي ء فيه مطلق شامل للحلال محضا و الحرام كذلك، و المشتبه، و الحرام و الحلال المختلطين، فالحمل على الأخير لا وجه له، بل الظاهر أنّه من باب خمس المكاسب.

و أمّا النهي عن عمل السلطان، فهو لأجل عمله لا لحرمة ما يأخذ، فمراده عليه السّلام: أنّه لا تدخل في عمل السلطان، و

إن اضطررت إليه و دخلت و اكتسبت مالا فأدّ خمسنا.

مع أنّ أكثر ما يستفاد من عملهم الغنائم التي يجب أداء خمسها إلى الإمام، أو من مكاسبهم التي لا يؤدّون خمسها، فيمكن أن يكون ذلك وجه

______________________________

(1) الخصال 1: 291- 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.

(2) انظر غنائم الأيام: 373.

(3) المتقدمة في ص: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 41

الأمر بأداء الخمس.

و نحوها المرسلة «1» أيضا، إذ ليس فيها ما يشعر بالاختلاط إلّا الإغماض.

و يحتمل أن يكون المراد بالإغماض: الإغماض عن أداء خمسة، أو الإغماض عن حلّيته و حرمته، فيكون مشتبها، و على التقديرين يكون خمسه من باب المكاسب، و لا أقلّ من الاحتمال المخلّ بالاستدلال.

بل و كذا رواية السكوني «2»، حيث إنّ الموجود في النسخ المصحّحة التي رأيت من بعض كتب الحديث: «في مطالبه حلال و حرام».

و على هذا، فيمكن أن يكون متعلّق الإغماض محذوفا، و يكون: «في مطالبه» متعلّقا بقوله: «حلال و حرام»، أي اكتسبت مالا و أغمضت، و في مظانّ طلبه حلال و حرام، و لم أدر الحلال من الحرام في المطالب، فاشتبه لأجله ما اكتسبته، فأمر عليه السّلام بأداء خمس المكتسب.

بل يجري هذا الاحتمال على ما في أكثر نسخ كتب الفقه و بعض نسخ الحديث المصحّحة أيضا من نصب الحلال و الحرام، فيمكن كونهما حالين من المطالب.

بل يمكن إرادة ذلك المعنى من رواية الحسن «3» أيضا، بأن يكون المراد من قوله: لا أعرف حلاله من حرامه، أي حلّيته من حرمته.

و لكن الحقّ أنّ ذلك الاحتمال فيهما خلاف الظاهر، إلّا أنّه يرد عليهما احتمال أن يكون المال الحرام المختلط بالحلال الغير المتميّز عينه

______________________________

(1) المتقدمة في ص:

37.

(2) المتقدمة في ص: 37.

(3) المتقدمة في ص: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 42

و لا المعروف صاحبه حلالا، كما نقل المحقّق الأردبيلي في كتاب الصيد و الذباحة من شرحه قولا به.

و تدلّ عليه المستفيضة من الروايات، كموثّقة سماعة: «إن كان خلط الحلال بالحرام فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس» «1».

و صحيحة ابن سنان: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» «2».

و في صحيحة الحذّاء: «لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» «3».

و صحيحة أبي بصير: عن شراء السرقة و الخيانة، فقال: «لا، إلّا أن يكون قد اختلط معه غيره، فأمّا السرقة بعينها فلا» «4».

و رواية جرّاح: «لا يصلح شراء السرقة و الخيانة إذا عرفت» «5».

و في صحيحة الحلبي: «لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا و قد عرف أنّ في ذلك المال ربا و لكن اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا طيّبا فليأكله، و إن عرف منه شيئا معزولا أنّه ربا فليأخذ رأس ماله و ليردّ الربا» «6».

و في صحيحة أخرى له: إنّي ورثت مالا، و قد علمت أنّ صاحبه الذي

______________________________

(1) الكافي 5: 126- 9، الوسائل 17: 88 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 2.

(2) الكافي 5: 313- 39، الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، مستطرفات السرائر: 84- 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.

(3) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

(4) الكافي 5: 228- 1، التهذيب 6: 374- 1088، الوسائل 17: 335 أبواب ما يكتسب به ب 1 ح

4.

(5) الكافي 5: 228- 4، التهذيب 4: 374- 1089، الوسائل 17: 336 أبواب ما يكتسب به ب 1 ح 7.

(6) الكافي 5: 145- 4، الفقيه 3: 175- 787، التهذيب 7: 16- 69، الوسائل 18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 43

ورثت منه قد كان يربي، و قد أعرف أنّ فيه ربا و استيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه- إلى أن قال- فقال أبو جعفر عليه السّلام: «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك» «1»، و نحوها في رواية أبي الربيع الشامي «2»، إلى غير ذلك.

و على هذا، فيمكن أن يكون الخمس المأمور به في الروايتين «3»:

خمس المكاسب، و يكون المال حلالا و إن كان قدره أيضا معلوما تفصيلا أو إجمالا ما لم تعرف عينه.

و لا استبعاد فيه، فإنّ من له تحليله للفقراء أو بعد التخميس، له تحليله لصاحب المال الحلال أيضا.

إلّا أنّ بإزاء تلك الروايات روايات أخر دالّة على الاجتناب عن الجميع، كصحيحة ضريس: «أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل» «4»، و خصوصيّة المورد بالسمن و الجبن لا يخصّص عموم الجواب.

و رواية إسحاق بن عمّار: «يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحدا» «5».

و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك بأنّ فيه الميتة» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 145- 5، الفقيه 3: 175- 789، التهذيب 7: 16- 70، الوسائل 18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 3.

(2) الكافي 5: 146- 9، الوسائل

18: 130 أبواب الربا ب 5 ح 4.

(3) و هما روايتا الحسن بن زياد و السكوني، المتقدمتان في ص: 37.

(4) التهذيب 9: 79- 336، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 1.

(5) الكافي 5: 228- 3، التهذيب 6: 375- 1093، الوسائل 17: 221 أبواب ما يكتسب به ب 53 ح 2.

(6) الكافي 6: 339- 2، الوسائل 25: 118 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 44

وجه دلالة الجميع واضح، و مع التعارض يرجع إلى استصحاب حرمة مال الغير المعلوم وجوده في المختلط قطعا، و عمومات حرمة مال الغير.

نعم، يرد عليهما أنّ الروايتين «1» تعارضان مع ما مرّ من الأخبار الدالّة على أنّه لا خمس إلّا في خمسة «2»، و أنّه ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة، و لو لا ترجيح الأخيرة بالأكثريّة و الأصحّية ليتساويان، فيرجع إلى أصل البراءة.

و لكن هذا إذا كان الكلام في الخمس المعهود، و أمّا مطلق الخمس فلا تعارض بين ما ذكر و بين الروايتين، لأنّ الخمس المنفي في ما ذكر هو الخمس المعهود كما لا يخفى، إذ لا معنى لنفي مطلق الخمس، و مدلول الروايتين وجوب إخراج خمس المال المختلط، و لا ينافي ذلك عدم وجوب الخمس المعهود.

و لا يتوهّم أنّ الخمس في الجميع لا بدّ أن يكون بمعنى واحد، إذ الخمس الذي ينصرف إلى المعهود هو الخمس المطلق، كما في الروايات الحاصرة.

و أمّا المنسوب إلى المال- كالخمس من ذلك، أو خمس مالك، كما في الروايتين- فلا ينصرف إليه.

مضافا إلى أنّ الخمس في الروايات الحاصرة من كلام الصادق أو الكاظم عليهما السّلام، و حصول الحقيقة الشرعيّة للخمس في زمانهما هو الأظهر، و

في الروايتين من كلام الأمير عليه السّلام، و لم تعلم فيه الحقيقة الشرعيّة له، فيجب حمله على المعنى اللغوي.

______________________________

(1) و هما روايتا الحسن بن زياد و السكوني المتقدمتان في ص: 37.

(2) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 45

فالحقّ: وجوب إخراج الخمس من ذلك المال، و لعدم تعيّن المخرج إليه يخرج إلى الفقراء من الشيعة، و الأحوط صرفه إلى الفقراء من السادة.

هذا، ثمَّ إنّ المثبتين للخمس في ذلك المال بأحد المعنيين قسّموا المال إلى أربعة أقسام: مجهول القدر و المالك، و معلومهما، و مجهول القدر معلوم المالك، و بالعكس. و قالوا باختصاص وجوب الخمس و كفايته بالقسم الأول.

أقول: و هو كذلك. و بيانه: أنّه لا شكّ أنّ مورد ذلك الخمس في المال المختلط يجب أن يكون مورد الروايتين، و هو ما لا يعرف الحلال منه و الحرام، و هو المراد بمجهول القدر.

و ذلك المعنى يتحقق عرفا في المثليّات بالجهل بالمقدار المعتبر فيه من الوزن أو الكيل أو العدّ.

و في القيميّات بالجهل بالنسبة إلى المجموع إن كان الاختلاط بالإشاعة- كالمال المشترك بين شخص و بين من غصب منه إذا لم يعلم قدر حصّة الشريك- و بالجهل بالعين إن لم يكن بالإشاعة، لصدق عدم معرفة الحلال من الحرام عرفا به.

و الظاهر أنّه لا تفيد «1» المعرفة الإجماليّة- كما لو علم أنّه لا يزيد عن المقدار الفلاني مع احتمال النقص، أو لا ينقص مع احتمال الزيادة، أو يزيد عنه أو ينقص مع عدم العلم بالقدر الزائد أو الناقص- إلّا إذا كان القدر المجهول زيادته أو نقصه قدرا لا يعبأ به بالنسبة إلى المال، لصدق عدم معرفة الحلال من الحرام

عرفا، و عدم كفاية المعرفة الإجماليّة في صدق المعرفة المطلقة.

______________________________

(1) في «س»: لا يقصد ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 46

مع أنّه لو اعتبر عدم المعرفة الإجماليّة أيضا لم يتحقّق مورد لذلك الخمس أصلا، إذ يعلم في كلّ مورد اجتمع فيه الحلال و الحرام القدر الذي لا أقلّ من كلّ منهما، و كذا القدر الذي لا يزيد عنه.

فإن قيل: فيلزم وجوب الخمس في صورة العلم بأنّه لا يزيد عن العشر مثلا و إن احتمل النقص، أو العلم بأنّه لا ينقص عن الربع مع احتمال الزيادة، فيلزم إيجاب الزائد عن الحرام في الأول، و إبقاء الحرام في الثاني.

قلنا: لا ضير في اللازم، لجواز أن يكون إيجاب الزائد في الأول لتحليل العين المخلوطة، فإنّ بإخراج العشر المعلوم لا يحصل العلم إلّا بإخراج قدر الحرام دون أعيانه الداخلة في المال، مع أنّه أيضا يعطي لغير مالكه، فيمكن أن يكون الزائد لجبر هذين الأمرين.

و كذا يمكن أن يكون إخراج الخمس موجبا لتطهير المال و حلّيته، و إن كان فيه شي ء حرام مجهول العين و المالك، فلا يضرّ بقاء الزائد.

فإن قيل: صرّحوا باشتراط عدم المعرفة الإجماليّة أيضا في وجوب الخمس.

قلنا: لم يصرّح به إلّا بعض نادر من المتأخّرين «1»، و لا حجّية في مثل ذلك التصريح.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    47     الثاني: المال المختلط. ..... ص : 37

من ذلك ثبتت صحّة تخصيصهم الخمس بالقسم الأول.

و أمّا غيره، فإن كان من القسم الثاني فحكمه واضح.

و إن كان من الثالث، يجب ردّ ما علمت منه الحرمة- أي القدر المتيقّن انتفاؤه عنه- إلى مالكه.

لرواية عليّ بن أبي حمزة، و فيها: إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم

______________________________

(1) كالشهيد في

المسالك 1: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 47

- يعني بني أميّة- فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه- إلى أن قال-: قال عليه السّلام له: «فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت له» الحديث «1».

و لا يضرّ عدم صراحة قوله: «رددت» و: «تصدّقت» في الوجوب، بعد صريح الأمر بالخروج عمّا اكتسب من ديوانهم، فإنّ وجوبه يستلزم وجوب الردّ و التصدّق أيضا.

و لا وجه لحمل الخروج على الاستحباب، بعد جواز حرمة كلّ ما اكتسب من الديوان، فإنّ الظاهر أنّ المكتسب من الديوان أموال الناس.

و لإطلاق: «رددت عليه ماله» للمختلط بمال حلاله و للمجهول قدره يدلّ على حكم المطلوب.

و الأحوط: ردّ القدر الذي تحصل به البراءة.

و أمّا القول بوجوب الصلح هنا أو إعطاء الخمس للمالك لا دليل «2» عليه، إلّا استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينيّة في الأول، و أخبار «3» إخراج الخمس في الثاني.

و يضعّف الأول: بمنع تيقّن الشغل إلّا بالأقلّ.

و الثاني: بأنّ المأمور به هو التصدّق بالخمس، و مورد الأخبار: عدم ظهور المالك.

فإن قيل: بعد اختلاط القدر المتيقّن بغيره فلا يفيد إعطاء هذا القدر

______________________________

(1) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1.

(2) في «ح» زيادة: تاما.

(3) الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 48

في رفع الاشتغال، إذ ليس له تقسيم المال المشترك، فلا مفرّ إلّا إرضاء المالك بالصلح.

قلنا. اللازم أن يقول له: هذا القدر مخلوط بمالي، فإن رضي بأخذ المثل و إلّا يرجع إلى الحاكم في التقسيم.

نعم، لا يتمّ هذا القول

في القيميّات الغير المشاعة، إذ لا قدر متيقّنا فيه. و الظاهر فيها الرجوع إلى القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشتبه.

و لو علم الصاحب إجمالا- أي في جملة قوم- فإن [لم ] «1» يمكن الإحاطة بهم عادة فهو مجهول المالك. و إن كانوا محصورين، ففي وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة بصلح أو غيره، و لو بدفع أمثال المال إلى الجميع، أو كونه مجهول المالك، أو الرجوع إلى القرعة، أقوال، أجودها: الأوسط، سيّما مع تكثّر الأشخاص، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

و إن كان من الرابع تصدّق به.

لا لبعض الأخبار الدالّة على التصدّق بالمال المتميّز المجهول مالكه، كصحيحة يونس: كنّا مرافقين لقوم بمكّة و ارتحلنا عنهم و حملنا ببعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم و قد بقي المتاع عندنا، فما نصنع به؟ قال: فقال: «تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة»، قال يونس: فقلت لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال: «بعه و أعط ثمنه أصحابك»، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية؟ قال: «نعم» «2»، لاختصاصها بالمال المتميّز.

______________________________

(1) أثبتناها لاقتضاء الكلام.

(2) التهذيب 6: 395- 1189، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 49

و لا لرواية نصر بن حبيب: و قد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم، و أنا صاحب فندق، و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب: «اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتى تخرج» «1»، لأنّها واردة في حكم من لا يعرف له ورثة، و ماله مال الإمام، لأنّه وارث من لا وارث له،

و من لا يعرف وارثه فالأصل عدم وارث له.

مع أنه مصرّح به في رواية محمّد بن القاسم: في رجل صار في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثا، كيف يصنع بالمال؟ قال: «ما أعرفك لمن هو؟!» يعني نفسه «2».

و لا تنافيه رواية النصر، لأنّ للإمام الأمر بتصدّق ماله، و لذا لا تنافيه الأخبار الواردة بأنّ من لم يكن له وارث يعطى ماله همشهريجه [1].

بل لرواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة «3»، الشاملة بإطلاقها لما نحن فيه.

و منه يظهر ضعف ما في الحدائق- بعد نقل القول بتصدّق ذلك القسم-: أنّ الظاهر أنّ مستنده الأخبار «4» الدالّة على الأمر بالتصدّق بالمال

______________________________

[1] 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4. و همشهريجه كلمة فارسية معرّبة تعني: أهل بلده.

______________________________

(1) الكافي 7: 153- 3، و في التهذيب 9: 389- 1389، و الاستبصار 4:

197- 740 عن فيض بن حبيب، مع تفاوت يسير في المتن، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 13.

(2) التهذيب 9: 390- 1393، الاستبصار 4: 198- 741، الوسائل 26: 251 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 13.

(3) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1.

(4) الوسائل 26: 296 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6، و ج 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 50

المجهول المالك.

و لقائل أن يقول: إنّ موردها إنّما هو المال المتميّز في حدّ ذاته للمالك المفقود الخبر، و إلحاق المال المشترك به- مع كونه ممّا لا دليل عليه- قياس مع الفارق، لأنّ الاشتراك في

هذا المال سار في كلّ درهم درهم و جزء جزء منه. فعزل هذا القدر المعلوم- مع كون الشركة شائعة- لا يوجب استحقاق المال المجهول له حتى يتصدّق به، فهذا العزل لا ثمرة له، بل الاشتراك باق.

إلى أن قال: و بما ذكرنا يظهر أنّ الأظهر: دخول هذه الصورة تحت الأخبار المتقدّمة، أي إخراج الخمس «1». انتهى.

فإنّ رواية ابن أبي حمزة شاملة بل ظاهرة في المال المختلط، مع أنّ بعد العلم بالقدر يخرج من تحت أخبار الخمس، فلا وجه لإدخاله فيها.

و هل التصدّق به و بالمال المتميّز المجهول مالكه- كما هو مورد صحيحة يونس و الداخل في عموم رواية ابن أبي حمزة- لأنّه مال الفقراء؟

أو لكونه مال الإمام، و هو أمر بالتصدّق؟

الظاهر: الثاني، لرواية داود بن أبي يزيد: إنّي قد أصبت مالا و إنّي قد خفت فيه على نفسي، و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه، قال:

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لو أصبته كنت تدفعه إليه؟» فقال: إي و اللّه، فقال عليه السّلام: «و اللّه ماله صاحب غيري» قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، قال: «فاذهب فاقسمه في إخوانك، و لك الأمن ممّا خفت فيه» قال: فقسّمه بين إخوانه «2».

______________________________

(1) الحدائق 12: 364- 365.

(2) الكافي 5: 138- 7، الفقيه 3: 189- 854، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 51

و إطلاق المال و عدم الاستفصال ينافي اختصاصه بكونه من الأموال المختصّة للإمام المفقودة منه. و لا ينافي الأخبار المتضمّنة للتصدّق مطلقا لذلك أيضا، لأنّ له صرف ماله في أيّ مصرف أراد.

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآتية في بحث الأنفال من ذلك المبحث، المصرّحة:

بأنّ الأراضي التي جلي أهلها أو باد من الأنفال «1».

فإن قيل: فعلى هذا فلا يثبت من الأخبار المتقدّمة وجوب التصدّق به، لأنّ أمر الإمام أحدا بالتصدّق بما عنده من مال الإمام لا يدلّ على ثبوته في حقّ الغير أيضا،. بل و لو لا رواية داود أيضا لا يثبت، لأنّ الأمر بالتصدّق يحتمل أن يكون إذنا منه فلا يفيد جواز التصدّق لغير المأمور.

قلنا: نعم، و لكن أمره عليه السّلام بالتصدّق به حال ظهوره عليه السّلام و وجود مصارف كثيرة له للمال يثبته في حال الغيبة و عدم احتياجه و فاقة مواليه بالطريق الأولى .. بل لنا إثبات جواز التصدّق- بل وجوبه- بالإذن الحاصل من شاهد الحال أيضا، سيّما مع تأيده بتلك الأخبار، و كون حفظه و إبقائه للإمام- كما جعله أحد الوجهين في نهاية الإحكام [1]، و حكي عن الحلّي «2»- معرضا لفساد المال، و عدم وصوله إلى أهله.

و هل يتوقّف التصدّق على إذن النائب العام أو مباشرته في زمن الغيبة، أم لا؟

الظاهر: نعم، إذ الأصل عدم جواز تصرّف كلّ أحد، و لا يثبت من فحوى أخبار التصدّق و شاهد الحال أزيد من ذلك، و لا يحصل العلم

______________________________

[1] الموجود في نهاية الإحكام 2: 525: و لو عرف القدر دون المالك تصدق به أو احتفظه و دفعه إلى مالكه.

______________________________

(1) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.

(2) السرائر 1: 488.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 52

بالبراءة و جواز التصرّف بدونه.

و سيجي ء زيادة بيان لذلك في مسألة تقسيم حصّة الإمام من الخمس.

فرعان:

أ: حيثما خمّس أو تصدّق به ثمَّ ظهر المالك، فإن رضي بما فعل و إلّا ففي الضمان و عدمه وجهان، بل قولان،

أحوطهما: الأول، و أوفقهما بالأصل: الثاني، للإذن من الشارع، فلا يستعقب «1» الضمان.

ب: لو كان الحلال الخليط ممّا يجب فيه الخمس خمّسه بعد إخراج الخمس بحسبه.

المسألة الرابعة:

لا يجب الخمس في الميراث، و الصداق، و الصدقة، و الهبة، و نحوها، على الحقّ المشهور، بل في السرائر: أنّه شي ء لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح «2»، لما عرفت من اختصاص ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، و صدقها على هذه الأمور غير معلوم.

و تدلّ عليه أيضا في الجملة رواية ابن مهزيار: رجل دفع إليه مال يحجّ به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «3».

و إثبات الخمس في بعض الروايات في الجائزة أو الميراث «4» غير مفيد، لضعف البعض سندا، و الكلّ بمخالفة الشهرة القديمة و الجديدة

______________________________

(1) في «س»: فلا يستصحب ..

(2) السرائر 1: 490.

(3) الكافي 1: 547- 22، الوسائل 9: 507 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 11 ح 1.

(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 53

و الشذوذ.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي «1»، و استحسنه في اللمعة «2»، و يميل إليه كلام بعض متأخّري المتأخّرين «3»، لعموم الفوائد. و جوابه قد ظهر.

و كذا لا يجب في الهبة الغير المعوّضة، أو المعوّضة بشي ء يسير بالنسبة إلى الموهوب، أو بالمصالحة كذلك، لعدم صدق الاكتساب عرفا و إن عدّه الفقهاء من المكاسب.

بخلاف ما لو طلب الهبة أو المصالحة، و كان العوض أو مال المصالحة ما يعتنى بشأنه.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 170.

(2) اللمعة (الروضة 2): 74.

(3) كصاحب الحدائق 12: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 55

المقصد الثاني في شرائط وجوب الخمس فيما يجب فيه

اشارة

و هي أمور تذكر في مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 57

المسألة الاولى:

اشاره

لا يشترط بلوغ النصاب في وجوبه في غير الغنائم و الكنز و الغوص و المعادن إجماعا، للأصل السالم عن المعارض بالمرّة، و العمومات «1»، و الإطلاقات.

و كذا في غنائم دار الحرب، فلا فرق في وجوب الخمس فيها بين قليلها و كثيرها على الحقّ المشهور، لما مرّ.

و عن المفيد: اعتبار بلوغ قيمتها عشرين دينارا «2». و العمومات تدفعه.

و يشترط في الكنز و الغوص بلا خلاف فيهما يعرف، بل في الأول عند علمائنا، كما عن التذكرة و المنتهى «3»، و بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية «4»، و في الثاني بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «5».

و في المعادن على الأقوى، وفاقا للمبسوط و النهاية و الوسيلة و المعتبر و المختلف و التحرير و القواعد و الإرشاد و التبصرة و البيان و الروضة «6»، و مال

______________________________

(1) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.

(2) نقله عنه في المختلف: 203.

(3) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.

(4) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(5) كما في المدارك 5: 375، و الذخيرة: 479، و غنائم الأيام: 366.

(6) المبسوط 1: 237، النهاية: 197، الوسيلة: 138، المعتبر 2: 293، المختلف: 203، التحرير 1: 73، القواعد 1: 62، الإرشاد 1: 292، التبصرة:

50، البيان: 342، الروضة 2: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 58

إليه في المنتهى و التلخيص و النافع و الدروس «1»، و هو مختار عامّة المتأخّرين «2»، لظاهر الإجماع في الأولين.

مضافا في الأول إلى صحيحة البزنطي: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» «3».

و في الثاني إلى رواية محمد

بن علي: عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة، ما فيه؟ قال: «إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس» «4».

و لهذه الرواية في الثالث مضافا إلى صحيحة البزنطي: عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «5».

خلافا في الثالث للخلاف و الاقتصاد و الجمل و السرائر «6» و ظاهر الإسكافي و العماني و المفيد و السيّدين و القاضي و الديلمي، فلم يعتبروا فيه نصابا «7»،

______________________________

(1) المنتهى 1: 549، النافع: 63، الدروس 1: 260.

(2) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 217، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 295، و السبزواري في الذخيرة: 478.

(3) الفقيه 2: 21- 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.

(4) الكافي 1: 547، الحجّة ب 20 ح 21، و في الفقيه 2: 21- 72، و التهذيب 4:

124- 356، و الوسائل 9: 493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5 بتفاوت يسير، المقنعة: 283.

(5) التهذيب 4: 138- 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.

(6) الخلاف 2: 119، الاقتصاد: 283، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207، السرائر 1: 489.

(7) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 203، المفيد في المقنعة: 276، حكاه عن السيد المرتضى في المختلف: 203، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، القاضي في المهذّب 1: 178- 179، الديلمي في المراسم: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 59

و نسبه في الروضة إلى ظاهر الأكثر «1»، و في الخلاف و السرائر الإجماع عليه «2»،

استنادا إلى ذلك الإجماع، و العمومات «3».

و الأول ممنوع، و الثاني بوجود المخصّص مدفوع.

ثمَّ النصاب في الأول: عشرون دينارا عند علمائنا، كما عن التذكرة و المنتهى «4»، بل بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية «5»، لصحيحة البزنطي المذكورة أولا.

و تكفي مائتا درهم على الأصحّ، إذ فيها تجب الزكاة أيضا.

و كذا في الثالث، وفاقا لغير الحلبي من المعتبرين للنصاب «6»، لصحيحة البزنطي الثانية. و لا تنافيها رواية محمّد بن علي، لعدم صراحتها في الوجوب.

و الصحيحة و إن كانت كذلك أيضا إلّا أنّ نفيها للوجوب قطعي، مع أنّه على فرض التنافي يكون العمل على الصحيحة، لضعف الرواية بالشذوذ، و مخالفة الشهرتين العظيمتين.

خلافا للحلبي، فجعله دينارا، للرواية. و جوابها قد ظهر.

و في الثاني: دينار على الأشهر الأقوى، بل عليه الإجماع في السرائر

______________________________

(1) الروضة 2: 71.

(2) الخلاف 2: 119، السرائر 1: 489.

(3) الوسائل 9: 491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.

(4) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.

(5) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(6) كما في النافع: 63، و المفاتيح 1: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 60

و التنقيح و المنتهى «1»، لرواية محمّد بن عليّ المنجبر هنا ضعفها، مضافة إلى نفي الأقلّ بالإجماع و الأكثر بالعمومات «2».

خلافا للرسالة العزّية، فجعله عشرين دينارا «3».

و هو- مع عدم وضوح مستنده- شاذّ مخالف لما دلّ على وجوب الخمس فيه مطلقا.

فرع: لا يعتبر في نصاب المعدن و الغوص الإخراج دفعة

، بل لو أخرج في دفعات متعدّدة ضمّ بعضه إلى بعض، و اعتبر النصاب من المجموع و إن تخلّل طول الزمان أو الأعراض، وفاقا لصريح جماعة، كالروضة و المدارك و الذخيرة «4»، و ظاهر الأكثر «5»، لإطلاق النصّ.

و خلافا للمنتهى و التحرير «6» في صورة الإعراض، و لعلّه لعدم

انفهام ما يتخلّل بين دفعاته الإعراض من النصّ، و تبادر ما يخرج دفعة واحدة عرفيّة، و هي ما لا يتخلّل بينها الإعراض. و فيه نظر.

و في اعتبار اتّحاد النوع وجهان احتملهما في البيان «7».

و استجود في الروضة الاعتبار «8»، و كأنّه للأصل و الشكّ في دخول الأنواع المختلفة في الأفراد المتبادرة من الإطلاق.

______________________________

(1) السرائر 1: 488، التنقيح 1: 338، المنتهى 1: 550.

(2) الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7.

(3) نقله عنه في المختلف: 203.

(4) الروضة 2: 71، المدارك 5: 376، الذخيرة: 478.

(5) كما في البيان: 345، و مجمع الفائدة 4: 296.

(6) المنتهى 1: 549، التحرير 1: 74.

(7) البيان: 343.

(8) الروضة 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 61

و اختار في المنتهى و التذكرة و التحرير و المدارك: العدم «1»، لما مرّ من إطلاق النصّ. و هو الأظهر، لذلك، و عدم اعتبار الشكّ في التبادر، بل المعتبر العلم بعدم التبادر، و هو ممنوع.

و لو اشترك جماعة في الاستخراج، قالوا: يعتبر بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب «2».

و يظهر من بعض الأجلّة و صاحب الحدائق «3» الميل إلى العدم، بل يكفي بلوغ نصيب المجموع. و هو قوي، للإطلاق، خرج منه غير صورة الاشتراك بالإجماع و الضرورة، فيبقى الباقي.

المسألة الثانية:

يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة: وضع مئونة التحصيل التي يحتاج إليها في التوصّل إلى هذه الأمور، من حفظ الغنيمة و نقلها، و اجرة حفر المعدن و إخراجه و إصلاحه و آلاته، و آلات الغوص أو أرشها، و اجرة الغوص و غير ذلك، و مئونة التجارة من الكراية، و اجرة الدلّال و المنزل، و مئونة السفر و العشور و نحوها، و كذا مئونة

الزراعة و الصناعة «4» ممّا يحتاج إليها حتى آلات الصناعة «5»، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، و للأخبار المستفيضة:

كصحيحة البزنطي: الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟

فكتب: «بعد المؤنة» «6».

______________________________

(1) المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، التحرير 1: 73، المدارك 5: 367.

(2) كما في الكفاية: 42.

(3) الحدائق 12: 344.

(4) في «ق»: الصياغة.

(5) في «ق»: الصياغة.

(6) الكافي 1: 545- 13، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 62

و توقيع الهمداني: «الخمس بعد المؤنة» «1».

و رواية الأشعري: عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب و على الصنّاع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة» «2»، إلى غير ذلك ممّا يأتي.

و المؤنة و إن كانت مجملة محتملة لمؤنة المعاش، إلّا أنّ عدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل المنفصل في موضع الإجمال يثبت وضع مئونة التحصيل و التوصّل.

و لا يوجب التصريح بمؤنة الرجل في بعض الأخبار «3» ابتداء أو بعد السؤال عمّا اختلف فيه- كما يأتي- تقييد تلك الأخبار أيضا، لأنّه لا يدلّ على أنّها المراد خاصّة بالمؤنة في مطلقاتها، و لا على أنّه ليس بعد مئونة العمل، بل يدلّ على كونه بعد هذه المؤنة.

و أمّا مئونة المعاش فهي غير موضوعة عن غير القسم الخامس إجماعا.

و لا يحتسب رأس مال التجارة و لا ثمن الضيعة من تلك المؤنة، لصدق الفائدة على النماء من دون وضعهما، و لعدم صدق المؤنة عليهما، بل الظاهر أنّ المؤنة في ذلك المقام ما يحتاج إليه العمل ممّا لا يبقى عينه أو عوضه، فالمؤنة في آلات الحفر و الغوص و الحرث و الثور و آلات الصناعة

«4» ممّا تبقى أعيانها ما طرأها لأجل العمل من نقص القيمة لا من الجميع، إلّا أن يكون شي ء منها داخلا في مئونة الرجل أيضا- كما هو المحتمل في

______________________________

(1) الفقيه 2: 22- 80، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 2.

(2) التهذيب 4: 123- 352، الاستبصار 2: 55- 181، الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 1.

(3) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

(4) في «س» و «ق»: الصياغة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 63

آلات الصناعة «1»- فيوضع عن القسم الخامس.

ثمَّ الحقّ: أنّ اعتبار النصاب فيما يعتبر فيه قبل هذه المؤنة، وفاقا للمدارك «2»، فيجب فيه الخمس إذا بلغ النصاب، غايته وضع المؤنة، لإطلاق قوله: «ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» و قوله: «حتى يبلغ عشرين دينارا» أو: «إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس»، و تخصيص ما يقابل المؤنة بمخصّص لا ينافيه.

خلافا لصريح البيان و الدروس «3»، و المحكيّ عن ظاهر الأكثر «4»، فبعدها يعتبر. و ما ذكرناه يردّه.

المسألة الثالثة:

اشاره

يشترط في وجوب الخمس في القسم الخامس- و بعبارة أخرى: في غير الغنائم و المعادن و الكنز و الغوص من الفوائد المكتسبة من حيث هي- كونه فاضلا عن مئونة السنة، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن صريح السرائر و المعتبر و ظاهر المنتهى و التذكرة و الذخيرة و المدارك «5»، و في الحدائق نفى الخلاف عنه ظاهرا «6».

لما ذكر، و للأصل، و المستفيضة، كصحيحة البزنطي و توقيع الهمداني المتقدّمين في الغنائم «7»، و روايات النيشابوري «8» و الأشعري «9» و ابن

______________________________

(1) في «ق»: الصياغة.

(2) المدارك 5: 392.

(3) البيان: 344، الدروس 1: 260.

(4) انظر الروضة

2: 71.

(5) السرائر 1: 489، المعتبر 2: 627، المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، الذخيرة: 483، المدارك 5: 385.

(6) الحدائق 12: 347.

(7) راجع ص: 61 و 62.

(8) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.

(9) المتقدّمة في ص: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 64

مهزيار «1» السابقة.

و رواية الهمداني، و فيها: و اختلفوا من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة، مئونة الضيعة و خراجها، لا مئونة الرجل و عياله، فكتب عليه السّلام: «بعد مئونته و مئونة عياله و خراج السلطان» «2».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عمّا يجب في الضياع، فكتب: «الخمس بعد المؤنة» فقال: فناظرت أصحابنا، فقالوا: المؤنة بعد ما يأخذ السلطان و بعد مئونة الرجل، فكتبت إليه: إنّك كتبت «3» إليّ: أنّ الخمس بعد المؤنة، و إنّ أصحابنا اختلفوا في المؤنة، فكتب: «الخمس بعد ما يأخذ السلطان و بعد مئونة الرجل و عياله» «4».

و المؤنة في بعض تلك الأخبار و إن لم تكن معيّنة، إلّا أنّ في بعض آخر صرّح ب: «مئونة الرجل و عياله» أو: «مئونته» أو: «مئونتهم» و ضعفه- إن كان- بالعمل يجبر.

مضافا إلى ما مرّ من أنّ إجمال المؤنة كاف في إخراج جميع المؤن ممّا ليس على عدم إخراجه دليل، لعدم بقاء عمومات الخمس و إطلاقاتها على الحجّية حينئذ، لتخصيصها بالمجمل المنفصل.

لا يقال: التخصيص في رواية النيشابوري [بالمتّصل ] «5» حيث يدلّ

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 52.

(2) الكافي 1: 547- 24، التهذيب 4: 123- 354، الاستبصار 2: 55- 183، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب

8 ح 4.

(3) في المصدر: قلت.

(4) تفسير العياشي 2: 63- 61، مستدرك الوسائل 7: 285 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.

(5) في النسخ: بالمنفصل، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 65

مرجع الضمير المجرور في قوله: «منه» بما يفضل عن مئونته، و المخصّص بالمتّصل المجمل عندك حجّة في غير ما علم خروجه و إن خصّص بمثله من المنفصل.

لأنّا نقول: هذا إنّما يصحّ لو كان: «ممّا يفضل» بدلا عن الضمير، و لكنّه يمكن أن يكون متعلّقا بالخمس، أي لي خمس ما يفضل عن مئونته من ستّين كرّا، فلا تخصيص في المرجع أصلا.

و منه يظهر وجه تقييد المؤنة بمؤنة السنة، كما صرّح به كثير من الأصحاب، و عن السرائر و المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه «1»، لعدم إخراج مئونة الزائد عن السنة إجماعا، فيبقى الباقي تحت الإجمال المذكور، مع أنّ المؤنة مطلقة مضافة، فتفيد العموم، خرج منها الزائد عن السنة فيبقى الباقي.

و أيضا المتبادر من المؤنة- كما صرّح به جماعة «2»- مئونة السنة، سيّما من مئونة أرباب الضياع «3» و التجار، لعدم انضباط نسبة أرباحهم إلى مئونة كلّ يوم.

فروع:
أ: المؤنة التي يشترط الفضل عنها هي مئونة الرجل نفسه

و عياله الواجبي النفقة إجماعا، و غيرهم ممّن أدخله في عياله عرفا على ما عمّمه جماعة «4»، لعموم العيال في الأخبار، و الإجمال المتقدّم ذكره. و الضيف

______________________________

(1) السرائر 1: 489، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253.

(2) منهم صاحب الحدائق 12: 353، و صاحب الرياض 1: 296.

(3) في «س»: الصنائع.

(4) كصاحب الذخيرة: 483.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 66

أيضا مطلقا- كما عن الجامع و الدروس و في الروضة «1»- أو في الجملة، كما عن الشاميّات لابن فهد و المقداديّات للفاضل. و الأولى

درج مئونة الضيف في مئونة الرجل.

ب: المفهوم لغة و عرفا من مئونة الشخص:

ما دعته إليه من المخارج الماليّة ضرورة أو حاجة بحسب اللائق بحاله عادة.

و بعبارة أخرى: ما يلزمه صرفه لزوما عقليّا أو عاديّا أو شرعيّا من أنواع المصارف، و بحسب الاقتصاد اللائق بحاله من كيفيّاتها.

و بثالثة: ما يضطرّ إليه عقلا أو يلزمه شرعا أو لا يليق له تركه عادة و عرفا من الأنواع، و بحسب اللائق بحاله عادة في الكيفيّات.

و برابعة «2»: المال المحتاج إليه في رفع الحوائج و الضرورات.

هذا معناها الاسمي، و أمّا المصدري فهو: صرف المال المذكور.

و إنّما قلنا: إنّ المؤنة ذلك، للتبادر و عدم صحّة السلب فيما ذكر، و عدم التبادر و صحّة السلب في غيره، كما يظهر لك فيما نذكره.

و من هذا يظهر وجه ما صرّح جماعة «3»- بل الأكثر على ما صرّح به بعض الأجلّة- من تقييد المؤنة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق بحاله عادة دون الإسراف، فإنّه ليس من المؤنة، لصحّة السلب.

و يؤيّده ما في موثّقة سماعة الواردة فيمن يحلّ له أخذ الزكاة: «فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 148، الدروس 1: 258، الروضة 2: 76.

(2) في «ق» و «ح»: يرادفه.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 198، و الديلمي في المراسم: 139، و الحلي في السرائر 1: 489، و السبزواري في الكفاية: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 67

إسراف فقد حلّت له الزكاة» «1».

(يمكن الاستدلال بها) «2» بضميمة ما صرّح به بعض الأصحاب «3»- بل انعقد عليه الإجماع- من أنّ المعتبر في حلّ الزكاة قصر المؤنة، بل يظهر منها أيضا صدق المؤنة على ما ذكرنا، لصدق الحاجة في كلّ ما ذكر.

و

يظهر منه أيضا أنّ ما كان لغوا- كسفر لا حاجة إليه، أو دار زائدة أو تزويج الزائدة على امرأة مع عدم الحاجة- و ما كان معصية- كمؤنة الملاهي، و تصوير البيت بذات روح، و سفر المعصية، و معونة الظالم، و نحوها- ليس من المؤنة، لما ذكر من صحّة السلب.

و كذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة و الهديّة اللائقان بحاله، و قال: إنّه لا دليل على احتسابه.

و كذا ترديده في مئونة الحجّ المندوب و سائر سفر الطاعة المندوبة.

و هما في موقعهما، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة، و هو كذلك، فلا يحتسب إلّا مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما.

و صحّة تقييد ابن فهد في الشاميّات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة، بل في كفاية الاعتياد أيضا نظر، إلّا أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة، فلا يحسب مطلق الضيافة و لا الصدقة و لا الصلة و لا الهديّة و لا الأسفار المندوبة، و لا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة و لو بقدر اقتصادها.

______________________________

(1) الكافي 3: 560- 4، الفقيه 2: 17- 57، التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9:

235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.

(2) ما بين القوسين ليس في «س».

(3) كصاحب الذخيرة: 453.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 68

و طرف الإفراط في ذلك: ما ذكره المحقّق الخوانساري في رسالته من احتساب مئونة المستحبّات من غير اعتبار الاقتصاد فيها.

و يظهر أيضا احتساب مئونة الأمور الواجبة شرعا- كالحجّ الواجب و النذر و الكفّارة و ما يضطرّ إليه من مأخوذ الظالم قهرا أو مصانعة- لصدق المؤنة على الكلّ، و صرّح بالأخير في رواية العيّاشي المتقدّمة «1».

ثمَّ المراد باللائق بحاله عادة: أنّه لم يعدّ زائدا له عرفا

و لا يلام به، لا ما يعدّ خلافه ناقصا و يلام بتركه، لوضوح صدق المؤنة و عدم صحّة السلب مع عدم عدّه زائدا.

و هذا هو سرّ تقييدنا نوع المؤنة بالاضطرار أو اللزوم، و كيفيّتها باللياقة، فإنّ من أنواع المخارج ما لا يعدّ زائدا و لكن يصحّ سلب المؤنة عنها، كبناء المسجد و سفر الطاعة و ضيافة الإخوان و الهديّة و البذل.

و لكن ما يلزم نوعه لا يشترط في كيفيّته اللزوم أيضا، بل يكفي عدم عدّها زائدة، فإنّه لا يشترط في صدق المؤنة على الكسوة مثلا الاقتصار على كيفيّة يذمّ على ما دونها، بل يصدق مع كونها بحيث لا تعدّ زائدة عرفا.

و قد يختلف حال الكيفيّة في صورة الانضمام مع النوع و التجدّد بعده، كشراء الدار المجصّصة أولا و التجصيص بعد الشراء، و اللّازم متابعة العرف.

ج: و اعلم أنّه يشترط في الحاجة أو اللزوم لزومه في ذلك العام

، فلا يكفي تحقّق الحاجة أو اللزوم في عام آخر، فمن كانت له دار مستأجرة في

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 63- 61، مستدرك الوسائل 7: 258 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 69

عام ربح و اشترى دارا لأعوام أخر لا تحتسب له قيمة الدار من ربح ذلك العام كما لا يحتسب له ثمن طعام العام الآتي، لأنّ المعتبر مئونة هذه السنة، و لا يحتاج إلى دار فيها.

نعم، لو احتاج إلى شي ء مرة و كانت نسبته إلى جميع الأحوال متساوية يحسب له من كلّ عام صرفه، كمؤنة التزويج له و لولده.

د: من مئونة الرجل: ما يصرف في الأكل و الشرب و الكسوة

، و ما به تجمّله اللازم له عرفا، و ما يحتاج إليه من أثاث البيت و قيمة المسكن أو أجرته، و كذا الخادم و مئونة عمارة الدار و ثمن الدابّة أو أجرته، و الحقوق اللازمة عليه من النذر و الكفارات و الدين و الصداق و مئونة الحجّ الواجب و التزويج لنفسه أو ولده، و نحو ذلك.

و منهم من قيّد الدين بصورة الحاجة إليه.

و منهم من قيّد المتأخّر عن الاكتساب الواقع في عامه بالحاجة، دون المتقدّم، فأطلقه و لو كان لا لغرض صحيح.

و الكلّ لأجل اختلاف الفهم في الصدق في مصداق المؤنة، و العرف يعاضد الأخير جدّا، و مثله المنذور أيضا.

ه: هل يعتبر في صدق المؤنة على ما ذكرنا تحقّق الإنفاق و الصرف أيضا،

حتى أنّه لو قتّر على نفسه مع الحاجة لم يحسب له، أو لا يعتبر فيحسب؟

صرّح في الدروس و البيان و الروضة و المدارك بالثاني «1»، بل الظاهر أنّه مذهب الأكثر.

و هو الأظهر، إذ لو وضع القدر المتعارف أولا بقصد الإنفاق لم يكن

______________________________

(1) الدروس 1: 258، البيان: 348، الروضة 2: 76، المدارك 5: 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 70

فيه خمس، فتعلّقه به بعد ترك الإنفاق يحتاج إلى دليل.

و أيضا الظاهر صدق المؤنة على ما ذكرنا بدون قيد الإنفاق، و لا أقلّ من احتماله الموجب للإجمال، الموجب لعدم وجوب الخمس فيه كما مرّ.

و لذا يحلّ للفقير أخذ قدر الاقتصاد و لو كان من قصده التقتير، و يجوز إعطاؤه بهذا القدر و لو علم تقتيره.

و أمّا عدم جواز إعطاء ما قتّر بعد تقتيره فلأجل انتفاء حاجته حينئذ، و توقّف حلّية الزكاة على الحاجة في الحال أو المستقبل.

بخلاف الوضع للخمس، فإنّه لم يتوقّف إلّا على صدق المؤنة المتوقّف على الحاجة في الجملة.

و منه يظهر وجه ما ذكره

بعضهم- منهم المحقّق الخوانساري «1»- من وضع مئونة الحجّ إذا وجب في عام و قصر فيه، و كذا إن وجب قبله و قصر و تلف ماله السابق على ذلك العام و لم يكن ما يحجّ به غير ربح العام.

و لو كان له ربح سابق يحسب منه لا من ربح ذلك العام، و كذا الدين اللازم أداؤه، بل و كذا كلّ مئونة واجبة قصر فيها، كأداء المنذور و الكفّارات و نحوها.

و: لو قلّت المؤنة في أثناء حول لذهاب بعض عياله أو ضيافته في مدّة أو نحوها

، لم يحسب له، لظهور الكاشف في أنّ مئونة هذه السنة ما صرفه خاصّة.

ز: لو بقيت عين من أعيان مئونته حتى تمَّ الحول

- كأن يشتري دابّة أو عبدا أو دارا أو أثاث الدار أو لباسا أو نحوها- فهل يجب الخمس فيها بعد تمام الحول، أو لا؟

______________________________

(1) احتمله في الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 71

الظاهر: لا، كما صرّح به بعض فضلاء معاصرينا أيضا، إذ لم يكن الخمس فيها واجبا، فيستصحب.

فإن قيل: صدق الفائدة المكتسبة عليها، و وجوب الخمس فيما زاد عن مئونة السنة منها، يزيل الاستصحاب.

قلنا أولا: إنّا لا نسلّم عدم كونها عن مئونة السنة، فإنّها مئونة السنة عرفا، و لا يشترط في صدق المؤنة تلف العين.

و ثانيا: إنّ المصرّح به في الأخبار «1» وضع المؤنة، و التقييد بالسنة الواحدة إنّما كانت للإجماع أو التبادر، و كلاهما في المقام غير معلوم.

نعم، لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها، فتأمّل.

هذا فيما لا يكون التموّن به بتلف عينه بل بمنفعته.

و أمّا ما كانت عينه تالفة بالتموّن- كالحنطة و الشعير و الشحم و نحوها- فلو زاد عن السنة من غير تقتير يجب خمسه، لظهور أنّ المؤنة كانت أقلّ ممّا وضعه أولا.

ح: ليس من المؤنة ثمن الضياع و العقار و المواشي

، للانتفاع بمنافعها و لو لمؤنة السنة. و لا رأس مال تجارته، لعدم التبادر، و صحّة السلب، و لعدم الاضطرار و لا اللزوم. و الحاجة إلى رقباتها في ذلك العام للمؤنة فيه، إذ ظاهر أنّ ثمنها يكون فاضلا عن مئونة ذلك العام، فالاحتياج إليها لو كان لكان لأعوام أخر.

نعم، لو فرض شراؤها من مئونة ذلك العام- بأن يضيّق على نفسه فيه أو أنفق من مال لا خمس فيه- يحسب له على الأول، و يبنى على ما يأتي

______________________________

(1) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 72

في مسألة اجتماع مالين له يجب في أحدهما الخمس دون الآخر [على الثاني ] «1».

ط: لو كان له مال آخر لا يجب فيه خمس

، فإن كان مما يتّجر به من الأموال، أو يشتغل منه من الصناع، أو نحو ذلك، ممّا يحتاج إليه في الاستفادة أو الصناعة، و بالجملة ما ليس من شأنه أن يصرف في المؤن عادة، فلا توضع منه المؤنة و توضع من الربح إجماعا، له، و لأنّه المتبادر الظاهر من الأخبار «2».

و إن كان من غير ذلك ممّا من شأنه المؤنة منه عادة، ففي أخذ المؤنة منه خاصّة، أو من الكسب كذلك، أو منهما بالنسبة، أوجه.

صرّح جماعة من المتأخّرين بأنّ الأحوط: الأول، و الأعدل: الثالث، و الأظهر: الثاني «3». بل في كلام المحقّق الشيخ عليّ و الشهيد الثاني في شرح الإرشاد: أنّه الظاهر من الأخبار.

و عن بعضهم: التفرقة بالقصد و اعتباره، فإن قصد إخراج المؤنة من الربح أخذت منه، و إن قصد من الآخر فكذلك، و إن لم يقصد أو قصد ثمَّ نسي فمنهما بالنسبة.

و ذكر بعضهم تفصيلا آخر «4».

و الظاهر- كما ذكروه- هو الثاني، إمّا لظهور ذلك من الأخبار، أو لإجمالها، حيث إنّ قولهم: بعد المؤنة أو ما يفضل عن المؤنة، يحتمل

______________________________

(1) أثبتناه لاقتضاء الكلام له.

(2) المتقدمة في ص 61- 64.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، و الروضة 2: 77، و السبزواري في الكفاية: 43.

(4) كما في غنائم الأيام: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 73

معنيين، أحدهما: بعد قدر المؤنة من ذلك المال و الفاضل منها منه، أو مطلقا «1»، فيحصل الإجمال في عمومات الخمس، فلا خمس في قدر المؤنة من ذلك المال. و أمر الاحتياط كما ذكروه.

ي: لو حصل ربح و خسران معا و تلف بعض ماله أيضا

، فإن كانا في عامين لا يجبر الخسران أو التلف بالربح، لعدم دخوله في المؤنة و انتفاء دليل آخر عليه.

و إن كانا في عام،

فإمّا يكونان في تجارة واحدة، أو في تجارتين في مال واحد، أو في مالين.

فإن كان الأول- كأن يشتري أمتعة بمائة، ثمَّ باع نصفها بستّين و نصفها بأربعين- يجبر الخسران بالربح، سواء كان بيع الجميع دفعة واحدة- و هذا يكون إذا اختلف جنس الأمتعة- أو دفعات، لعدم صدق حصول الفائدة و الربح عرفا.

و إن كان الثاني- كأن يشتري أمتعة بمائة و باعها بمائة و خمسين، ثمَّ اشترى من هذه المائة و الخمسين متاعا ثمَّ باعه بمائة- فالظاهر توزيع الخسران على الربح و رأس المال إن تقدّم الربح على الخسران، إذ لم يكن دفع الخمس عليه واجبا، و كانت له أنحاء التصرّفات في الربح، فتلف بعضه، و لعدم تعيّن ما وقع عليه الخسران يوزّع على الجميع.

و لو اتّجر ثانيا ببعض ذلك المال دون جميعه- كأن يشتري من مائة منه متاعا و وقع الخسران- فإن عيّن الباقي بالقصد أنّه من الربح أو رأس المال فله حكمه، و إن لم يعيّنه أو قصد الإشاعة، فيوزّع الخسران أيضا بما

______________________________

(1) يعني: و ثانيهما بعد قدر المؤنة من المال مطلقا، سواء كان ذلك المال و غيره، و الفاضل من المؤنة منه كذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 74

يقتضيه العمل.

و إن تقدّم الخسران لم يجبر بالربح المتأخّر.

و إن كان الثالث- كأن يشتري أمتعة بمائة و اخرى بمائة أيضا، و باع الأولى بمائة و خمسين و الثانية بخمسين- فلا يجبر الخسران أصلا.

و ليعلم أنّ وحدة التجارة إنّما تتحقّق باشتراء الجميع دفعة و لو تعدّد البيع، أو البيع دفعة و لو تعدّد الشراء.

المسألة الرابعة:

هل يشترط في وجوب الخمس في الأموال: البلوغ و العقل و الحريّة، أم لا؟

صرّح في الشرائع و الإرشاد و القواعد بعدم

اشتراطها في خمس المعادن و الكنز و الغوص «1».

و في التحرير بعدمه في الأول «2».

و في الدروس بعدمه في الأولين «3».

و في المنتهى و التذكرة بعدمه في الثاني، مدّعيا في المنتهى أنّه قول أهل العلم كافّة «4».

و في الأول بعدم اشتراط الحرّية على القول بملك العبد.

و في البيان و المسالك بعدمه في الثاني «5».

و قال بعض المعاصرين: و يظهر منهم أنّ تعلّق الخمس بما أخرجه الصبيّ إجماعي.

______________________________

(1) الشرائع 1: 181، الإرشاد 1: 293، القواعد 1: 61.

(2) التحرير 1: 73.

(3) الدروس 1: 260.

(4) المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252.

(5) البيان: 344، المسالك 1: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 75

قيل: يلوح من ذلك عدم اشتراطها في غير الثلاثة «1».

أقول: يمكن أن يكون التصريح في الثلاثة لأجل بيان عدم اشتراط تملّك المعدن و الخارج من الغوص و الكنز بالحريّة و البلوغ، حيث إنّه محل الخفاء، بل بعض هؤلاء عنون التملّك، و على هذا كاد أن يكون الأمر بالعكس، فلاح منه عدم الاشتراط في غير الثلاثة ممّا يملك قطعا. بل ظاهر تصريح الجميع- باشتراط الكمال بالحريّة و البلوغ و العقل في الزكاة، و إطلاقهم جميعا ثبوت الخمس من غير ذكر الشرط- عدم الاشتراط. و على هذا فربّما كان ذلك إجماعا.

و في المدارك: عدم اشتراط الحرّية في تعلّق الخمس بغير الثلاثة، و كون اشتراط التكليف متّجها.

و استدلّ في المدارك لعدم الاشتراط في الثلاثة بعموم الأخبار المتضمّنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع، نحو صحيحة الحلبي: عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس» «2» «3».

و لا يخفى أنّه لو تمَّ ذلك لجرى بعينه في المكاسب أيضا، لعموم موثّقة سماعة المتقدّمة: عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو

كثير» «4».

و الصحيح: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «5».

______________________________

(1) كما في مجمع الفائدة 4: 323.

(2) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.

(3) المدارك 5: 389.

(4) أصول الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.

(5) الفقيه 2: 21- 74، التهذيب 4: 124- 359، الاستبصار 2: 56- 184، الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.

الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 76

و قوله عليه السّلام: «الخمس من خمسة» «1».

و أمّا أحاديث رفع القلم عن الصبي، فإن أوجبت نفي الخمس لأوجبته في الجميع، و لكن لا تنافيه، إذ المأمور بالإخراج الولي.

نعم، في صحيحة زرارة و محمّد: «ليس على مال اليتيم في العين و المال الصامت شي ء، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «2».

و في صحيحة ابن سنان: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان ألف ألف، و لو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شي ء» «3».

و ذكر الأصحاب الصحيحين في باب الزكاة لا يوجب تخصيص الشي ء بها، و لعلّه لجزأيهما الأخيرين.

و اختصاص الاولى ببعض الأول لا يضرّ، للإجماع المركّب، و تعارضهما مع العمومات المذكورة بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح فيرجع إلى الأصل، و لا يرجّح الكتاب الثبوت، لكونه خطاب المشافهة، فلعلّ المشافهين كانوا مكلّفين أحرارا، بل هو كذلك، لقوله عزّ شأنه وَ اعْلَمُوا «4».

فالظاهر عدم ثبوت الخمس في مال اليتيم و العبد مطلقا، إلّا أن يثبت الإجماع كلّيا أو في بعض الأنواع، كما هو

المظنون، سيّما في الثلاثة.

ثمَّ عدم الثبوت في المال المختلط أظهر، لثبوته بالخطاب التكليفي

______________________________

(1) راجع الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

(2) الكافي 3: 541- 5، التهذيب 4: 29- 72، الاستبصار 2: 31- 90، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.

(3) الكافي 3: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

(4) الأنفال: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 77

المختص بالكمّل، و كذلك الأرض التي اشتراها الذمي.

ثمَّ على عدم الثبوت، فهل يثبت في أمواله الحاصلة حال الصغر الباقية إلى حال البلوغ؟

الظاهر: لا، للاستصحاب. و الأحوط له أنّه يخمّس أمواله الباقية.

المسألة الخامسة:

اشارة

لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في غير الأرباح، إجماعا محقّقا، و محكيّا «1»، بل عن المنتهى: أنّه قول أهل العلم كافّة «2»، له، و للعمومات كتابا و سنّة، و أصالة عدم تقييدها بما بعد السنة.

و هل وجوبه فيه بعد حصوله فوريّ مضيّق أم لا؟

صريح السرائر و الروضة: الأول «3»، بل في الأول انعقاد الإجماع عليه.

و ظاهر بعض الأجلّة: العدم، للأصل، و عدم الدليل.

و يمكن الاستدلال للتضيّق بأنّ الخمس لتعلّقه بالعين يكون مال أربابه، و لا يجوز التصرّف في مال الغير و لا حبسه و لا تأخير إيصاله إليهم إلّا بعد العلم برضاهم، و لا سبيل إلى العلم بذلك أصلا، بل الغالب العلم بعدم الرضا.

و في اعتباره في الأرباح و عدمه قولان، فظاهر كلام الحلّي: الأوّل، بل ادّعى الإجماع عليه و أوّل ما ظاهره غيره من العبارات «4». و التأمّل في دلالة عبارته عليه ليس في موقعه، كما لا يخفى على الناظر فيه.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 390، و الرياض 1: 296.

(2)

المنتهى 1: 547.

(3) السرائر 1: 489، الروضة 2: 78.

(4) السرائر 1: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 78

و المشهور بين الأصحاب: الثاني «1»، إلّا أنّ الوجوب موسّع عندهم إلى طول السنة.

دليل الأول: الإجماع، و أنّ وجوب الخمس بعد مئونة السنة، و هي غير معلومة بل و لا مظنونة، لأنّ حدوث الحوادث المحتاجة إلى المؤنة- كخراب عمارة و حصول أمراض أو غرامة أو ورود أضياف أو موت أو نحوها- ممكن، و الأصل براءة الذمّة و عدم الوجوب.

و دليل الثاني على الوجوب: العمومات «2» و الإطلاقات، و على التوسعة: الإجماع، و احتياط المؤنة.

أقول: التحقيق أنّ ثبوت حقّ أرباب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة أمر واقعي غير محتاج إلى علم ربّ المال به حينئذ، و لا دليل على تقييد العمومات به، بل تكفي معلوميّته عند اللّه سبحانه، لأنّ تعلّق حقّهم به أمر وضعي غير محتاج إلى علم المكلّف.

نعم، وجوب إخراجه عليه يتوقّف على علمه بالقدر الفاضل، و هو أمر لا سبيل إليه إلّا بعد مضي السنة. و على هذا، فلو أخرجه قبل الحول، و ظهر بعده أنّه كان مطابقا للواقع، يكون مشروعا و مجزئا عنه، و لو أخّره إلى الحول كان جائزا له و لم يكن عاصيا.

فإن أراد الأول بعدم الوجوب قبل الحول: عدم مشروعيّته و إجزائه لو أخرجه قبله و ظهر كونه فاضلا- كما صرّح به بعضهم «3»- فهو غير صحيح، لحصول الكشف بتعلّق حقّ الغير به و وصوله إلى أهله، فلا وجه لعدم

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 550، و السبزواري في الكفاية: 44.

(2) المتقدمة في ص 75 و 76.

(3) انظر المدارك 5: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 79

الإجزاء، و قصد القربة

اللازمة بعد تجويز تعلّق الحقّ ممكن، سيّما مع ظن الفضلة.

و إن أراد عدم تعلّق وجوب الإخراج على المكلّف، فهو كذلك.

و إن أراد الثاني بالوجوب الموسّع: أنّه تعلّق به التكليف و إن جاز له التأخير- كصلاة الظهر في أول الوقت- فهو باطل قطعا، لأنّ شرط وجوب الخمس (الزيادة) «1» عن المؤنة، و هي غير معلومة، و انتفاء العلم بالشرط يوجب انتفاء العلم بالمشروط، و المفروض أنّ الخمس في الفاضل عن مئونة السنة، و هو لا يعلمها، فكيف يحكم بوجوب إخراجه؟! و إن أرادوا: أنّه و إن لم يجب عليه الإخراج حينئذ و لكن لو أخرجه و انكشف بعده تعلق الخمس به كان مجزئا، فهو صحيح.

و ممّا ذكرنا يظهر أيضا ضعف ما استدلّ به في المختلف لتعلّق الوجوب أولا: من أنّه لولاه لجاز للمكتسب إتلافه قبل الحول و لا يجب عليه شي ء، و ليس كذلك قطعا «2».

و وجه الضعف: أنّ بعد تمام الحول و ظهور الحال يعلم أنّ ما أتلفه كان مال أرباب الخمس و إن لم يجب عليه إخراجه حينئذ، فتجب عليه الغرامة، كمن أتلف مال غيره باعتقاد أنّه ماله ثمَّ ظهر حاله.

فروع:
أ: في ابتداء الحول من الشروع في التكسّب

، أو ظهور الربح، أو حصوله، وجوه، بل أقوال.

______________________________

(1) في «ح» و «س»: العلم بالزيادة.

(2) المختلف: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 80

أظهرها: الأخير، لإطلاقات وضع المؤنة، و لم يعلم خروج الأكثر من السنة التي مبدؤها حصول الربح منه.

و تظهر الفائدة في مئونة الزمان المتخلّل بين النهايات دون المبادئ، إذ مئونة ما تخلّل بين المبادئ إن كان من مال آخر فلا يوضع من الربح قطعا، و إن كان من الدين فيوضع كذلك.

ب: لو حصلت أرباح متعدّدة في أثناء الحول تدريجا

، فقيل: يعتبر لكلّ خارج حول بانفراده، و توضع المؤنة في المدّة المشتركة بين الربحين عليهما، و يختصّ الثاني بمؤنة بقيّة حوله و هكذا «1».

و قال بعض الأصحاب: إنّ الربح المتجدّد في أثناء الحول المبتدئ من الربح الأول يضمّ بعضه إلى بعض و تستثنى المؤنة من المجموع، و يخمّس الباقي بعد تمام الحول الأول، فيكون حول الجميع واحدا. و إليه ذهب في الدروس «2» و المحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع، و استحسنه في المدارك و الذخيرة «3»، و جعله بعض الأجلّة أولى.

و هو كذلك، بل هو الأقوى، لإيجاب الأول العسر و الحرج المنفيّين، بل هو خلاف سيرة الناس و إجماع العلماء طرّا، لإيجابه ضبط حول كلّ ربح و عدم خلطه مع غيره، و هو ممّا لم يفعله أحد، سيّما أرباب الصناعات و كثير من التجارات، مع أنّ المتبادر المتعارف الشائع من وضع المؤنة: هو المعنى الأول. هذا، مع أنّه الموافق للاحتياط أيضا.

ج: لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الربح و قبل التموّن به كلّا أو بعضا

، يخمّس ما بقي منه، لظهور أنّه لا مئونة له غير ما تموّن.

______________________________

(1) المسالك 1: 68، و الروضة 2: 78.

(2) الدروس 1: 259.

(3) المدارك 5: 391، الذخيرة: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 81

المقصد الثالث في قسمة الخمس و مصرفها

اشاره

و فيه مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 83

المسألة الأولى: الخمس يقسّم أسداسا:

للّه، و لرسوله، و لذي القربى، و اليتامى، و المساكين، و أبناء السبيل، على الحقّ المعروف بين أصحابنا، بل عليه الإجماع عن صريح السيّدين و الخلاف «1»، و ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي «2»، بل هو إجماع حقيقة، لعدم ظهور قائل منّا بخلافه، سوى شاذّ غير معروف لا تقدح مخالفته في الإجماع، فهو الدليل عليه، مضافا إلى ظاهر الآية الكريمة «3»، و صريح الأخبار المستفيضة:

كمرفوعة أحمد، و فيها: «فأما الخمس فيقسّم على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم للرسول، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، فالذي للّه فلرسوله، فرسول اللّه أحقّ به فهو له، و الذي للرسول هو لذوي القربى و الحجّة في زمانه، فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس» «4».

و مرسلة حمّاد: «و يقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم لرسول اللّه، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين،

______________________________

(1) المرتضى في الانتصار: 82، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، الخلاف 4: 209.

(2) التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 543، فقه القرآن 1: 243.

(3) الأنفال: 41.

(4) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 84

و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثه، فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من اللّه، فله

نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم» إلى أن قال: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس، تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «1».

و مرسلة ابن بكير في قوله تعالى وَ اعْلَمُوا إلى آخره، قال:

«خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، و اليتامى يتامى آل الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم» «2».

و المروي في رسالة المحكم و المتشابه للسيّد عن تفسير النعماني:

«و يجزّأ هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم اللّه و سهم الرسول و سهم ذوي القربى، ثمَّ يقسّم الثلاثة الباقية بين يتامى آل محمّد و مساكينهم و أبناء سبيلهم» «3»، و غير ذلك.

خلافا للمحكيّ في المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهى و الجامع عن بعض أصحابنا «4»، فيقسّم خمسة أقسام بإسقاط سهم اللّه، فواحد للرسول

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

(2) التهذيب 4: 125- 361، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 2.

(3) رسالة المحكم و المتشابه: 46.

(4) المعتبر 2: 628، الشرائع 1: 184، التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 550، الجامع للشرائع: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 85

و الأربعة للأربعة.

و في شرحي الشرائع لابن فهد: أنّه لا يعرف به قائلا «1»، و هو مذهب الشافعي و أبي حنيفة، و استدلّ له بالآية بتأويلها بما يوافقه، و بصحيحة ربعي

«2».

و الأول: مدفوع بتقديم الظاهر على التأويل، سيّما مع تفسيرها بالظاهر في الأخبار «3».

و الثاني: بأنّه حكاية فعله صلّى اللّه عليه و آله، فلعلّه اقتصر من سهميه على سهم و جزء من سهم تفضّلا منه على أقربائه.

و لا ينافيه قوله فيها: «و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله»، لجواز أن يكونوا يتأسون به، فإنّه أيضا خبر، و لا دليل على تأويله بالإنشاء، مع أنّه على التأويل أيضا لا يفيد التعيّن، فلعلّه لهم أرجح و لو للتأسّي، و مع المعارضة فالترجيح لما مرّ بالأكثريّة و الأشهريّة و موافقة الكتاب و مخالفة العامّة.

المسألة الثانية: سهم اللّه لرسوله

، و سهما الرسول للإمام من بعده إجماعا، و تدلّ عليه المراسيل الثلاث «4»، و رواية رسالة المحكم و المتشابه «5»، و صحيحة البزنطي، و فيها: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال:

«لرسول اللّه، و ما كان لرسول اللّه فهو للإمام» «6».

______________________________

(1) المهذب البارع 1: 561، المقتصر: 107.

(2) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

(3) راجع ص: 83.

(4) المتقدمة في ص 83 و 84.

(5) المتقدمة في ص 84.

(6) الكافي 1: 544- 7، التهذيب 4: 126- 363، الوسائل 9: 512 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 86

و لا يعارضه قوله في رواية الجعفي: «فأمّا خمس الرسول فلأقاربه» «1»، لأنّه يجب إرادة أشرف الأقارب تجوّزا بالقرينة المذكورة.

و سهم ذي القربى أيضا له على الحقّ المشهور، بل المجمع عليه، كما عن السرائر و ظاهر الخلاف «2»، و في الحدائق: أنّه اتّفقت عليه كلمة أصحابنا «3».

و يدلّ عليه- بعد الإجماع المحقّق- ظاهر الآية، حيث إنّ الظاهر

مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، و لو كان المراد مطلق القرابة لا يبقى التغاير الكلّي، و لأنّه لو كان المراد المطلق لكان الظاهر: و لذوي القربى، مع أنّه لا دليل على أنّ المراد بالقربى: القرب في النسب خاصّة، فيمكن أن يكون القرب فيه و في الرتبة معا، فيجب الأخذ بالمتيقّن، و للأخبار المتقدّمة الأربعة، و ضعفها سندا لو قلنا به لانجبر بما ذكر.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «4»، و يميل إليه كلام المدارك، فقال:

هو لجميع قرابة الرسول «5».

و استشكل في المسألة بعض الأجلّة، لظاهر الآية، و لقوله في صحيحة ربعي: «ثمَّ يقسّم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل» «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 22- 79، التهذيب 4: 125- 360، الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 1.

(2) السرائر 1: 493، الخلاف 4: 209.

(3) الحدائق 12: 377.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 204.

(5) المدارك 5: 399.

(6) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 87

و في رواية الجعفي: «و أمّا خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه».

و يضعّف الأول: بما مرّ من عدم الظهور لو لا ظهور خلافه، مع أنّه مع الظهور يجب الصرف عنه بالأخبار المتقدّمة المعتضدة بما ذكر، المخالفة «1» للعامّة.

و الثاني: بأنّ فعله عليه السّلام يمكن أن يكون برضا الإمام، أو يكون المراد بذوي القربى: الأمير و الحسنين.

و الثالث: بأنّه لا يخالف ما ذكرنا، لاحتمال أن يكون المراد بالأقرباء:

الأئمّة، و جمعه باعتبار التعدّد و لو في الأزمان و هو و إن كان مجازا إلّا أنّه على العموم لا بدّ من التخصيص

بما ذكرنا.

المسألة الثالثة:

لا فرق فيما ذكر من قسمة الخمس أسداسا بين الأقسام الخمسة، فيقسّم خمس الأرباح و المكاسب أيضا ستّة أقسام، فمصرفها مصرف سائر الأخماس، وفاقا لظاهر جمهور القدماء «2» و معظم المتأخّرين «3».

لظاهر الآية، و قوله في مرسلة حمّاد الطويلة: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ، الذين ذكرهم اللّه تعالى، فقال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم، الذكر منهم و الأنثى «4».

______________________________

(1) في «ح»: لمخالفته.

(2) كما في المقنعة: 277.

(3) كالمحقّق في الشرائع 1: 181، و العلّامة في المنتهى 1: 550، و القواعد 1: 62.

(4) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 88

و في مرسلة أحمد: «و أمّا الخمس فيقسّم على ستة أسهم» إلى أن قال: «فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد، الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس» «1».

و احتمل جملة منهم اختصاصه بالإمام «2»، لدعوى دلالة جملة من الروايات عليه، لدلالة بعضها على تحليلهم هذا النوع للشيعة «3»، و لو لا اختصاصهم به لما ساغ لهم ذلك، لعدم جواز التصرف في مال الغير.

و لإضافته في بعض آخر إلى الإمام، بمثل قول الإمام: «لي الخمس» أو: «لنا خمسة» أو: «حقّنا»، و قول الراوي: حقّك، أو: لك، و أمثال ذلك.

و لتصريح جملة من الأخبار بأنّه لهم خاصّة، كرواية ابن سنان المتقدّمة «4».

و يرد على الأول- بعد المعارضة-: (النقض) «5» بجملة من الأخبار المحلّلة للخمس بقول مطلق، بحيث يشمل هذا النوع و غيره، بل غير الخمس من

أموال الفقراء، بل كثير منها صريح في غيره، كرواية عبد العزيز ابن نافع المصرّحة بتحليله ما سباه بنو أميّة لرجل استأذنه «6».

و رواية إبراهيم بن هاشم: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام إذ دخل

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.

(2) كما في الكفاية: 44.

(3) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.

(4) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(5) في النسخ: و النقض، و الظاهر ما أثبتناه.

(6) الكافي 1: 545- 15، الوسائل 9: 551 أبواب الأنفال ب 4 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 89

صالح بن محمّد بن سهل- و كان يتولى له الوقف بقم- فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي أنفقتها، فقال له: «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أحدهم يثبت على أموال آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها، ثمَّ يجي ء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل؟! و اللّه ليسألنّهم يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد: رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام تلك السنة مالا فردّه أبو عبد اللّه عليه السّلام عليه، فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال: إنّي قلت له حين حملت إليه المال: إنّي كنت وليت البحر من الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها

و هي حقّك الذي جعل اللّه لك في أموالنا- إلى أن قال- فقال:

«يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك و أحللناك منه» الحديث «2».

مع أنّهم لا يقولون بالاختصاص بالإمام في غير هذا النوع، فما هو جوابهم عن ذلك فهو جوابنا فيما نحن فيه، مع عدم جواز تصرّفهم في مال الغير مطلقا، كيف لا؟! و هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فما ظنّك بأموالهم؟! و في رواية الكابلي: «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كلّ ما في

______________________________

(1) الكافي 1: 548- 27، التهذيب 4: 140- 19، الاستبصار 2: 60- 197، الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3 ح 1.

(2) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال ب 4 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 90

بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلنّ في قلبك شي ء، و إنّما يعمل بأمر اللّه» «1».

و في صحيحة زرارة: «الإمام يجري و ينفّل و يعطي ما شاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا، و إن شاء قسّم ذلك بينهم» «2».

و في رواية أبي بصير: «أما علمت أنّ الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، و يدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من اللّه» «3».

و على الثاني: عدم الدلالة، لأنّ ما كان منها بلفظ الجمع- كخمسنا، و حقّنا، و لنا، و أمثال ذلك- فلإجمال ما به الاجتماع «4» يحتمل إرادة ذرّية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منه، ألا ترى إلى صحيحة محمّد في قول اللّه تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، قال: «هم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم، فالخمس للّه و للرسول و لنا» «5».

و في رواية الحلبي: الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: «يؤدّي خمسنا و يطيب له» «6».

و في رواية أبي بصير: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 148- 412، الوسائل 9: 520 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 3.

(2) الكافي 1: 544- 9، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال ب 1 ح 2.

(3) الكافي 1: 408- 4.

(4) في «ح» و «س»: إجماع.

(5) الكافي 1: 539- 2، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 5.

(6) التهذيب 4: 124- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

(7) الكافي 1: 545- 14، المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 91

و ما كان بالإضافة فلإجمال ما لأجله الإضافة- حيث إنّه يكفي فيها أدنى ملابسة- يحتمل إرادة ما يجب أن يصل إليهم، حيث إنّ لهم التصرّف فيه.

و لأنّه- كما مرّ في صحيحة عمر بن يزيد- إطلاق: حقّك، على خمس الغوص، و الحكم بالملكيّة في بعض الإضافات عرفا، إنّما هو بواسطة أصل عدم اختصاص لغيره، فلا يفيد في موضع كان دليل على شركة الغير، و لا تعارض.

و منه يظهر الإيراد على ما يتضمّن لفظة اللام مثل قوله: لي و للإمام، فإنّ ظهور مثل ذلك في التمليك دون نوع من الاختصاص، مع أنّه لا يثبت من اللام سوى الاختصاص باعتبار الأصل. و لذا لا يعارض

قول القائل:

أوصى بذلك لزيد، مع قوله: أوصى أن يعطي زيد ذلك عمرا، و نحو ذلك.

و لذا ورد في مرسلة الورّاق: «و إذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».

هذا، مع أنّ لفظ: حقّك، في رواية عليّ بن مهزيار ورد في كلام السائل، و لا حجّية في التقرير على الاعتقاد، و لذا عدل الإمام إلى قوله:

«يجب عليهم الخمس» «2».

و أمّا في رواية النيشابوري «3» فيمكن كون اللام صلة لقوله: يجب

______________________________

(1) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(2) التهذيب 4: 123- 353، الاستبصار 2: 55- 182، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.

(3) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 92

لك، لا للاختصاص و التمليك.

و ممّا ذكر يظهر ما يرد على الثالث أيضا، مع أنّ رواية ابن سنان «1» لاشتمالها على قوله: «غنم» تخالف الآية الكريمة و سائر ما دلّ على التشريك في الغنيمة- سواء حملت الغنيمة على المعنى الخاصّ أو العامّ- فلا تكون حجّة، مع أنّه على الحمل على المعنى الخاصّ يكون مخالفا لمختارهم أيضا.

و أمّا حمل الغنيمة في الرواية على المعنى العامّ دون الآية فلا وجه له.

مضافا إلى عدم إمكان إبقائها على ظاهرها، لدلالتها على الاختصاص بسيّدة النساء و الحجّة من ذرّيتها، و هو ممّا لا يقول به أحد، لاشتراك الرسول و الأمير إجماعا، مع أنّ مفادها ليس الاختصاص بالحجّة، بل بفاطمة و من يلي أمرها من ذرّيتها، فلا يثبت منها حكم بعد وفاة فاطمة و من يلي أمرها، فتأمّل.

و أيضا لا بدّ إمّا من التخصيص، أو التجوّز في لفظة: «غنم»، أو التجوّز في لفظة اللام، أو تجوّز آخر، و لا ترجيح.

المسألة الرابعة:

يعتبر في الطوائف الثلاث الأخر أن يكونوا من السادات على الحقّ المشهور، بل عن الانتصار الإجماع عليه «2»، للروايات الأربع «3»، و رواية ابن سنان المتقدّمة في الأرباح «4»، و رايتي الجعفي «5»

______________________________

(1) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(2) الانتصار: 87.

(3) المتقدّمة في ص: 83 و 84.

(4) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8، و قد تقدمت في ص 11.

(5) المتقدّمة في ص: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 93

و سليم بن قيس «1»، و حسنة إبراهيم بن هاشم المتضمّنة لقضيّة صالح بن محمّد بن سهل «2».

و تؤيّده الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: خمسنا، و حقّك، و لي منه الخمس، و خمسنا أهل البيت، و لنا الخمس «3».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فلم يعتبره، بل جوّز صرفه إلى غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه «4».

و هو- مع شذوذه- غير واضح المستند، عدا إطلاق بعض الظواهر، اللازم تقييده بالنصوص المستفيضة المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع في الحقيقة.

و أمّا الاستدلال بإطلاق صحيحة ربعي «5» فغفلة واضحة، إذ الفعل لا عموم له.

المسألة الخامسة: السادة هم: الهاشميّون

المنتسبون إلى هاشم جدّ النبيّ، أي أولاد عبد المطّلب من بني عبد اللّه و أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب، و استحقاقهم الخمس إجماعي.

و يدلّ عليه قوله في مرسلة حمّاد المتقدّمة بعضها: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الذين ذكرهم اللّه تعالى فقال:

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم، الذكر منهم و

الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد، و لا فيهم

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 362، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 4.

(2) راجع ص: 88.

(3) انظر الوسائل 9: 535 أبواب الأنفال ب 2.

(4) حكاه عنه في المختلف: 205.

(5) المتقدّمة في ص: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 94

و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء، و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي ء، لأنّ اللّه يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ » الحديث «1».

و يؤيّده أيضا تصريح الأخبار بأنّ الخمس عوض الزكاة «2»، و استفاضتها في حرمتها على بني هاشم.

و هذه الأدلة قرائن على إرادة بني هاشم من آل محمّد و أهل بيته الذين وقع في بعض الأخبار التصريح بأنّ هذا الخمس لهم «3».

و لا يستحقّه غيرهم على الحقّ المشهور، لمرسلة حمّاد «4»، و عدم صدق آل محمّد و أهل بيته على غيرهم.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و الإسكافي «5»، فجوّزاه للمطّلبي، أولاد المطّلب عمّ عبد المطّلب.

لموثّقة زرارة: «لو كان العدل لما احتاج هاشمي و لا مطلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» «6».

و هي بمخالفة الشهرة العظيمة الموجبة لشذوذها مردودة، مع أنّ بمعارضتها مع ما ذكر تخرج عن الحجّية، فيجب الاقتصار على ما ثبت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    95     المسألة الخامسة: السادة هم: الهاشميون ..... ص : 93

____________________________________________________________

(1) تقدمت مصادرها في ص 84، 87.

(2) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

(3) الوسائل 9: 509 أبواب

قسمة الخمس ب 1.

(4) المتقدمة مصادرها في ص: 84، 87.

(5) حكاه عنهما في المعتبر 2: 631، و المختلف 205.

(6) التهذيب 4: 59- 159، الاستبصار 2: 36- 111، الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 95

الإجماع في التعدّي إليه من أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مع أنّ إرادة المنسوب إلى عبد المطّلب ممكن، فإنّ المركّب ينسب إلى جزئه الأخير.

المسألة السادسة:

المعتبر في الانتساب إلى هاشم أن يكون بالأب، فلا يعطى من انتسب إليه بالأمّ خاصّة، على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة أصحابنا سوى نادر يأتي ذكره، لمرسلة حمّاد المتقدّمة «1» المعمول عليها عند الأصحاب، المنجبر ضعفها- لو كان- به.

و خلافا للسيّد، فيكتفي بالانتساب بالأمّ أيضا «2»، و نسب إلى ابن حمزة «3»، و كلامه في الوسيلة- كما حكي- صريح في الأول «4»، و مال إليه بعض الأجلّة «5»، و اختاره صاحب الحدائق و بالغ فيه «6».

احتجّ السيّد بصدق الولد على المنتسب بالبنت و الأب على الجدّ منها حقيقة. و قد بالغ صاحب الحدائق في إثبات ذلك بالآيات و الأخبار و الاعتبارات.

و زيد في الدليل أيضا بأنّ جملة من الأخبار الواردة في الخمس إنّما تضمّنت التعبير بآل محمّد و أهل بيته أو آل الرسول أو ذرّيته أو عترته أو قرابته أو نحو ذلك من الألفاظ، و لا يمكن النزاع في شمولها لأولاد البنات «7».

______________________________

(1) في ص: 93.

(2) رسائل الشريف المرتضى 3: 257- 265.

(3) نسبه إليه في المدارك: 307، و المفاتيح 1: 228.

(4) الوسيلة: 137.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 187.

(6) الحدائق 12: 396.

(7) الحدائق 12: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 96

و ردّ

الأول: بعدم اقتضاء صدق الولد على ولد البنت لاستحقاق المنتسبين بالأمّ للخمس مطلقا، إذ ليس في باب المستحقين للخمس أنّهم أولاد هاشم أو أولاد رسول اللّه، سوى المرسلة «1» المتضمّنة للفظ: بنو عبد المطّلب، المصرّحة بإرادة المنتسبين بالأب خاصة.

قال بعض الأجلّة- بعد بيان النزاع في الإطلاق الحقيقي للفظ الولد و الابن و النسبة-: و الحقّ أنّه لا طائل تحت هذا النزاع هنا، فإنّا لم نظفر من أخبار الخمس بخبر فيه لفظ بني هاشم أو الهاشمي. انتهى.

أقول: استدلال السيّد و من يحذو حذوه ليس منحصرا بإطلاق لفظ الولد، بل محطّ استدلاله على لفظ الولد و الابن كما تنادي به استدلالاتهم للإطلاق الحقيقي بمثل قوله سبحانه وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «2» و قوله أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ «3» و بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ابناي هذان إمامان» «4»، و نحوها «5».

و لفظ الابن و إن قلّ وروده في باب المستحقّين للخمس، و لكنّه ورد- في باب من تحرم عليه الصدقة- في الأخبار المستفيضة «6» جدّا حرمتها على بني هاشم و بني عبد المطّلب، و استفاضت بذلك الروايات.

بل ورد في بعض الروايات الصحيحة تعليق الحرمة على الولد أيضا، كما في صحيحة ابن سنان: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من

______________________________

(1) أي مرسلة حماد المتقدّمة في ص: 84، 87.

(2) النساء: 23.

(3) النور: 31.

(4) كشف الغمّة 1: 533، البحار 43: 278.

(5) النساء: 28، النور: 32.

(6) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 97

بني هاشم» «1».

و في رواية المعلّى: «لا تحلّ الصدقة لأحد من ولد العبّاس، و لا لأحد من ولد عليّ عليه السّلام، و لا لنظرائهم من ولد

عبد المطّلب» «2».

و لا شكّ أنّ حرمة الصدقة تستلزم حلّية الخمس استلزاما ثابتا بالإجماع المركّب و تتبّع الأخبار.

و قد يردّ ذلك الدليل أيضا بأنّ مع تسليم الصدق الحقيقي على ولد البنت يتعارض بمثله من الاندراج تحت إطلاق مثل: القريشي، الذي يحرم عليه الخمس إجماعا، و ترجيح الإطلاق الأول على هذا ليس بأولى من عكسه.

و فيه: أنّ هذا يصحّ إنّما لو كان هناك إطلاق لفظي في حرمة الخمس على ولد فلان، و لم يظفر بمثله إلى الآن. و أمّا الإجماع فلا يفيد، لوجوب الاقتصار فيه على المجمع عليه.

فالصواب أن يردّ الدليل الأول- بعد تسليم الصدق الحقيقي- بأنّ المطلق بالدليل يقيّد، و العامّ يخصّص، و المرسلة المذكورة «3» المعتضدة بالشهرة العظيمة المنجبرة بها مقيّد و مخصّص، فلا بدّ من التقييد و التخصيص.

و بذلك يجاب عن الثاني أيضا.

و القدح فيه- بأنّ المرسلة مخالفة للكتاب و موافقة للعامّة، من حيث إنّ الكتاب العزيز مصرّح بصدق الابن على أولاد البنت، و العامّة متّفقون

______________________________

(1) التهذيب 4: 59- 158، الاستبصار 2: 35- 109، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 9: 158- 651.

(3) أي مرسلة حمّاد المتقدمة في ص 84، 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 98

على خلافه، فيجب طرحها- مردود بأنّ ذلك إنّما هو في صورة وجود المعارض المساوي، و هو هنا مفقود، بل المعارض هنا أعمّ مطلقا، فيجب تخصيصه.

و القول- بأنّ التخصيص بالأخصّ المطلق فرع التكافؤ، و هو هنا منتف، لتواتر الأخبار على صدق الولد و الابن على أولاد البنت، و دلالة الكتاب عليه- غفلة، إذ لا كلام لنا هنا في الصدق المذكور، و إنّما الكلام في استحقاق الخمس، و مطلقاته ليست بأقوى من هذه

المرسلة المعاضدة بالشهرتين بحيث لا تصلح لتخصيصها.

و من هذا يظهر عدم مخالفة المرسلة للكتاب و لا موافقتها للعامّة أيضا.

فإن قيل: التعليل بقوله: «لأنّ اللّه تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ «1»» ينافي صدق الابن الحقيقي، و هو مخالف للكتاب و موافق للعامّة.

قلنا: إن أريد أنّ العلّة مخالفة و موافقة فهي كلام اللّه سبحانه.

و إن أريد التعليل بها كذلك، فهو إنّما يتمّ لو كان التعليل لعدم صدق الولد أو الابن، و لكنه لعدم استحقاق الخمس.

غاية الأمر أنّ جهة التعليل تكون لنا مخفيّة.

سلّمنا، و لكن طرح جزء من الخبر لا يوجب طرح باقيه، و لو كان الأول علّة للثاني لو لم يحتج في إثبات الأول إلى علّيّة، فإنّ اللازم حينئذ التقيّة في التعليل، و هي لا تثبت منها التقيّة في المعلول أيضا، فإنّه لو قال الشارع: الخمر نجس لأنّه كالبول في الميعان، و طرحنا العلّة- لكونها قياسا

______________________________

(1) الأحزاب: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 99

باطلا- لا يطرح أصل الحكم، بل نقول: إنّ في التعليل تقيّة، أو تقريبا لأذهان العامّة، أو احتجاجا عليهم بطريقتهم.

نعم، لو ثبت الملازمة بين عدم استحقاق الخمس و عدم صدق الولد أو الابن لكان لبعض هذه الوجوه وجه، و لكنّها غير ثابتة، ألا ترى أنّ الشيخين العالمين- الشيخ سليمان بن عبد اللّه، و الشيخ عبد اللّه بن صالح البحرينيّين- رجّحا مذهب السيّد في مسألة صدق الولد و الابن، و منع الأول المنتسب بالأمّ من الخمس، و توقّف الثاني فيه «1»؟! و منه يظهر ما في كلام شيخنا صاحب الحدائق «2»، حيث نسب موافقة السيّد في مسألة الخمس إلى جماعة من المتأخّرين و القدماء بمحض موافقتهم له في مسألة صدق الولد و الابن.

المسألة السابعة:

اشاره

هل يجوز أن

يخصّ بنصف الخمس الذي للطوائف الثلاث طائفة أو طائفتان منها، أم يجب البسط على الأصناف؟

المحكيّ عن الفاضلين «3» و من تأخّر عنهما «4»: الأول، بل هو المشهور بين المتأخّرين، كما صرّح به جماعة «5».

لصحيحة البزنطي الواردة في الخمس: أ فرأيت إن كان صنف أكثر من صنف، و صنف أقلّ من صنف، كيف يصنع به؟ فقال: «ذلك إلى الإمام، أرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف صنع؟ إنّما كان يعطي على ما يرى هو، كذلك الإمام» «6».

______________________________

(1) نقله عنهما في الحدائق 12: 416.

(2) الحدائق 12: 390.

(3) المحقق في المعتبر 2: 631، العلّامة في التحرير 1: 74.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 68.

(5) كصاحب المدارك 5: 405، و السبزواري في الذخيرة: 488.

(6) التهذيب 4: 126- 363، الوسائل 9: 519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 100

و تضعف بعدم صراحتها في جواز التخصيص بطائفة، بل و لا ظهورها.

نعم، تدلّ على عدم وجوب استيعاب أشخاص كلّ صنف.

و عن المبسوط و الحلبي و التنقيح: الثاني «1»، و مال إليه جمع من متأخّري المتأخرين، منهم: الذخيرة و الحدائق «2» و بعض شرّاح المفاتيح.

و هو الأقوى، لظاهر الآية الشريفة «3»- فإنّ اللام للملك أو الاختصاص، و العطف يقتضي التشريك في الحكم، و حملها على بيان المصرف خلاف الظاهر، و ارتكابه في الزكاة لوجود الصارف، و هو هنا مفقود- و ظاهر المرسلتين المتقدّمتين «4»، و رواية رسالة المحكم و المتشابه «5»، و يدلّ عليه أيضا استصحاب شغل الذمّة.

و تردّد في النافع و الشرائع في المسألة «6»، و جعل الأحوط: الأول.

و لا يجب بسط حصّة كلّ صنف على جميع أفراده مطلقا بلا خلاف

فيه، و لا على الحاضر منهم على الأشهر الأظهر.

خلافا فيه للمحكيّ عن الحلّي و الدروس «7»، لاستلزام الأول العسر و الحرج المنفيّين، سيّما في هذه الأزمنة، مع كونه مخالفا لعمل الطائفة بل الإجماع بالضرورة، فتحمل لأجله اللام في الآية على الجنس، و مقتضاه

______________________________

(1) المبسوط 1: 262، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، التنقيح 1: 341.

(2) الذخيرة: 488، الحدائق 12: 381.

(3) الأنفال: 41.

(4) في ص: 83 و 84.

(5) المتقدّمة في ص: 84.

(6) النافع: 63 الشرائع 1: 182.

(7) الحلي في السرائر 1: 497، الدروس 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 101

كفاية واحد من كلّ طائفة، و عدم دليل على الثاني.

لا يقال: الآية عامّة، و التخصيص يرتكب بقدر المخصّص، علم خروج غير الحاضرين بما مرّ، فيبقى الباقي.

قلنا: جعله من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، إذ ليس في كلّ بلد من الهاشميّين إلّا أقلّ قليل، فلا بدّ من حمل اللام على الجنس. على أنّ حمل الآية على الاستغراق غير ممكن، لأنّ استغراق اليتامى مثلا يتامى آل محمّد إلى يوم القيامة و إرادتهم غير ممكنة، و إرادة يتامى كلّ عصر تجوّز، و يتامى عصر الخطاب غير مفيد، فتأمّل.

فرعان:
أ: هل تجب التسوية في قسمة الأصناف، فيعطى كلّ صنف قسما مساويا للآخر، أم لا؟

مقتضى استصحاب الشغل و جعل السهام الثلاثة الاولى في الآية نصفا: الأول.

و مقتضى أصل إطلاق الآية و ظاهر الصحيحة «1»: الثاني. و هو الأظهر، لذلك، كما صرّح به جماعة، منهم الشهيد في البيان «2»، و إن كان الأول أحوط.

ب: على ما اخترناه من وجوب التقسيط على الأصناف، فهل يجب التقسيط في كلّ فائدة

بخصوصها من معدن و غوص و ربح، و من الأرباح في كلّ ربح ربح من كلّ شخص؟

أو الواجب تقسيط خمس كلّ شخص مطلقا؟

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 99.

(2) البيان: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 102

أو خمسه من كلّ سنة؟

احتمالات، الأوجه: وجوب التقسيط في خمس كلّ معدن و غوص و كنز و غنيمة بخصوصه، و في كلّ ربح إذا أعطى خمسه قبل الحول، و لو خمّسه بعد المؤنة، فيقسّط خمس أرباح جميع الحول بعد المؤنة.

المسألة الثامنة:

الحقّ اعتبار الفقر في مستحقّ الخمس من يتامى السادات، وفاقا لظاهر الانتصار و النافع و الإرشاد «1»، بل للمشهور على ما صرّح به جماعة «2».

لتصريح الأخبار «3» بأنّ اللّه سبحانه عوّضهم الخمس من الزكاة، و المفهوم من هذا الكلام: اتّحاد أهل الخمس و الزكاة في جميع الأوصاف سوى ما صار سببا للتعويض و هو السيادة، و يتبادر منه كون أهل الخمس بحيث لو لا المنع من الزكاة لأجل السيادة و التعويض لجاز لهم أخذ المعوّض.

و لقوله عليه السّلام في آخر مرسلة حمّاد: «و جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس» الحديث «4»، و صرّحت بأنّ النصف مقرّر للفقراء فيعتبر الفقر فيه.

و قد يستدلّ بوجوه أخر لا اعتناء للفقيه بأمثالها.

خلافا للشيخ و الحلّي و الجامع «5»، فلم يعتبروا الفقر فيهم، لعموم الآية.

______________________________

(1) الانتصار: 87، النافع: 63، الإرشاد 1: 293.

(2) كما في الروضة 2: 82.

(3) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

(4) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 262، الحلي في السرائر 1: 496، الجامع للشرائع: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 103

و يجاب بوجوب تخصيصه بما مرّ.

و لأنّه لو اعتبر الفقر فيهم لم يكن اليتامى قسما برأسه.

و يضعف باحتمال أن يكون ذلك لمزيد التأكيد كما في آية الزكاة «1».

و ظاهر المحكيّ عن المنتهى و التلخيص و التذكرة و التحرير و المختلف و المعتبر و الشرائع و الدروس «2»، التوقّف في المسألة.

و أمّا ابن السبيل فلا يعتبر فقره في بلده إجماعا. و الحقّ المشهور:

اعتباره في بلد التسليم، للمرسلة، و بها يقيّد إطلاق الآية.

و من جميع ذلك يظهر اختصاص ذلك النصف بالفقراء من السادات و عدم استحقاق غيرهم بالمرّة.

المسألة التاسعة:

الحقّ اشتراط الإيمان فيه، وفاقا للأكثر، كما صرّح به بعض من تأخّر «3»، و عن الغنية و المختلف: الإجماع عليه «4».

للتعويض المذكور، و لما في مرسلة حمّاد «5» و غيرها «6» من أنّ اختصاص الخمس بقرابة الرسول لكرامتهم و تنزيههم و رفعهم عن موضع الذلّ، و المخالف ليس أهلا لذلك. إلّا أن يقال بجواز اجتماع جهتي استحقاق الإذلال و الكرامة، كما روي من الترغيب إلى إكرام شريف كلّ قوم «7».

______________________________

(1) التوبة: 61.

(2) المنتهى 1: 552، التذكرة 1: 254، التحرير 1: 74، المختلف: 206، المعتبر 2: 295، الشرائع 1: 182، الدروس 1: 262.

(3) كما في الحدائق 12: 389، و الرياض 1: 297.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المختلف: 205.

(5) المتقدّمة في ص: 83.

(6) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

(7) الوسائل 12: 100 أبواب أحكام العشرة ب 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 104

و لقوله عليه السّلام في رواية يعقوب بن شعيب- بعد السؤال عمّن لم يتمكّن من دفع الزكاة إلى أهل الولاية-: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت:

فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر» «1».

و في رواية

الأوسي- بعد الأمر بطرح الصدقة التي لا يجد لها محلّا من أهل الولاية في البحر-: «فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» «2».

و في رواية عمر بن يزيد: عن الصدقة على النّصاب و على الزيديّة، فقال: «لا تصدّق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت» «3».

و في رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال:

«هي لأصحابك»، قال: قلت: فإن فضل منهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال:

قلت: فإن فضل عنهم؟ قال «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟

قال: «فأعد عليهم»، قلت: فيعطى السؤال منها شيئا؟ قال: فقال: «لا و اللّه إلّا التراب، إلّا أن ترحمه فإن رحمته فأعطه كسرة» ثمَّ أومأ بيده فوضع إبهامه على أصابعه «4».

و الظاهر أنّ المراد السؤال من المخالفين بقرينة المقام، و كراهة ردّ غيرهم من السؤال كما قال سبحانه وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ «5».

و أمّا قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير- بعد سؤال رجل: أعطي قرابتي من زكاة مالي و هم لا يعرفون-: «لا تعط الزكاة إلّا مسلما، و أعطهم من غير

______________________________

(1) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.

(2) التهذيب 4: 52- 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.

(3) التهذيب 4: 53- 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.

(4) التهذيب 4: 53- 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.

(5) الضحى: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 105

ذلك» «1».

و موثّقته: عن الرجل يكون له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ قال: «لا، و لا كرامة، لا يجعل الزكاة

وقاية لماله، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد» «2».

فلا ينافي ما ذكرنا، لأنّ المسئول عنه لم يكن من السادات، و إلّا لم يسألوا عن إعطاء الزكاة، فلا يشمل غير الزكاة- المجوّز إعطائه لهم- الخمس، مع أنّ الخمس في زمانه كان يحمل إلى الإمام عليه السّلام و لا يعطيه ربّ المال، و أنّ قرابة السائل في الأولى كانوا معيّنين، و لا يعلم أنّهم من السادة أو الرعيّة، فلا يعلم شمول الخمس.

المسألة العاشرة:

لا تعتبر العدالة فيه بلا خلاف يوجد كما قيل «3»، و قيل: و هو ممّا لا يعرف فيه مخالفا بعينه «4»، لإطلاق الأدلّة السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

و ربّما يظهر من الشرائع «5» وجود مخالف، و في المدارك: أنّه مجهول «6».

و قيل: لعلّه السيّد، فإنّه و إن لم يصرّح باعتبارها ها هنا، و لكنّه استدلّ على اعتبارها في الزكاة بما يجري هنا، و هو الظواهر الناهية عن معونة الفسّاق و العصاة «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 55- 146، الوسائل 9: 247 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 1.

(2) التهذيب 4: 55- 148، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.

(3) الرياض 1: 297.

(4) المدارك 5: 411.

(5) الشرائع 1: 183.

(6) المدارك 5: 411.

(7) انظر الرياض 1: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 106

و قال بعض الأجلّة: بعض العبارات يشعر بالخلاف، و كلام ابن فهد في المهذب يصرّح به. انتهى.

المسألة الحادية عشرة:

يحلّ نقل الخمس من بلده مع عدم وجود المستحقّ فيه، بلا ريب فيه كما في المدارك «1»، و قولا واحدا كما في غيره «2»، للأصل، و لأنّه توصّل إلى إيصال الحقّ إلى مستحقّه فيكون جائزا، بل قد يكون واجبا.

و أمّا مع وجوده فيه، فذهب جماعة- منهم: النافع و الشرائع و الإرشاد و المنتهى و التحرير و الدروس- إلى عدم جواز النقل «3»، لأنّ المستحقّ مطالبه من حيث الحاجة، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحقّ عن حقّه مع المطالبة.

و فيه: منع كونه حقّا لهؤلاء المخصوصين.

نعم، لهم نوع استحقاق أدنى من الاستحقاق بخصوصه، و إيجاب مثله لحرمة النقل مع مطالبته ممنوع.

و لذا ذهب الحلّي و الشهيد الثاني إلى جواز النقل «4»، و اختاره في المدارك و الذخيرة «5»، و

هو الأقوى.

المسألة الثانية عشرة:

قد ذكر أكثر الأصحاب بأنّ مع وجود الإمام يحمل الخمس إليه جميعا، و هو يقسّم سهام الطوائف الثلاث بينهم،

______________________________

(1) المدارك 5: 410.

(2) الرياض 1: 297.

(3) النافع: 63، الشرائع 1: 183، الإرشاد 1: 293، المنتهى 1: 552، التحرير 1: 74، الدروس 1: 262.

(4) الحلي في السرائر 1: 496، الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.

(5) المدارك 5: 410، الذخيرة: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 107

فيعطيهم على قدر كفايتهم مقتصدا، فإن فضل عن كفايتهم شي ء عن نصيبهم كان له، و لو أعوز كان عليه الإتمام من نصيبه «1».

و خالف في ذلك الحلّي و منع الحكمين- أي كون الزائد له و الناقص عليه- أشدّ منع «2».

و أطال الفريقان في النقض و الإبرام و الجدال و البسط من الكلام و القيل و القال.

و أنا لا أرى في التعرّض للمسألة جدوى و فائدة، و ذلك لأنّ مقصودهم إن كان بيان حكم الإمام و ما له و عليه حال وجوده فهو تعرّض بارد و اتّجار كأسد، لأنّه المرجع في الأحكام و العارف بالحلال و الحرام.

و إن كان غرضهم معرفة ما كان عليه، حتى يبنى تقسيم الخمس في زمان الغيبة عليه، كما ذكره المحقّق الثاني في شرح القواعد، حيث قال بعد اختيار المشهور: و يتفرّع عليه جواز صرف حصّته في حال الغيبة إليهم و عدم جواز إعطاء الزائد على مئونة السنة «3». انتهى. فتستخرج منه أحكام ثلاثة: كون الفاضل مال الإمام الغائب، و إتمام الناقص من حصّته، و الاكتفاء في إعطاء الخمس بقدر مئونة السنة مقتصدة.

ففيه: أنّه لا يمكن وجود الفاضل و العلم به في هذه الأزمان، لعدم محصوريّة فقراء السادة، مع أنّهم لو عرفوا جميعا لما يفضل عنهم

شي ء.

فلا يتفرّع الحكم الأول تفريعا مفيدا لنا.

و أمّا الثاني، فإنّما كان يفيد لو علمنا أنّه عليه السّلام كان يتمّ الناقص من

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 299.

(2) السرائر 1: 492.

(3) جامع المقاصد 3: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 108

نصيبه من الخمس، و ليس دليل على ذلك أصلا، إذ ليس في المرسلتين «1»- اللتين هما مستند الأكثر- إلّا أنّه كان على الوالي إتمامه من عنده، و لم يكن ما عنده منحصرا بالخمس و الزكاة، بل كانت له أموال أخر، و عنده ما يصرف في مصالح العباد، و محاويج الناس، و منافع موقوفات آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و النذور، و غير ذلك.

مع أنّه قد صرّح بمثل ذلك في مرسلة حمّاد في تقسيم الزكاة أيضا، قال: «بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي» إلى أن قال:

«ثمانية أسهم تقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يموّنهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا» «2».

هذا، مضافا إلى أنّ جمعا من الأصحاب أيضا لم يبنوا الحكم على ذلك، حيث توقّفوا في هذه المسألة، و مع ذلك ذهبوا إلى جواز صرف حصّته في زمان الغيبة إليهم على وجه الغنيمة.

و أمّا الثالث، فلأنّه لا تدلّ المرسلتان- اللتان هما الأصل في المسألة- على لزوم الاكتفاء بمؤنة السنة، بل تصرّحان بأنّه كان عليه السّلام يعطي هذا القدر، و لا دلالة في ذلك على التعيين أصلا، كما

إذا ورد أنّه أعطى فقيرا من الزكاة كذا و كذا، و قد نصّ في المرسلة أيضا على أنّه كان يفعل في الزكاة كذلك مع أنّه لا يتعيّن فيه ذلك.

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 83 و 84.

(2) الكافي 1: 453- 4، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقّين للزكاة ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 109

و بالجملة: لا فائدة لنا في التعرّض لهذه المسألة أصلا، فصرف الوقت فيما يهمّ لنا أولى و أحرى.

المسألة الثالثة عشرة:

اشارة

اختلفوا في حكم الخمس في زمن الغيبة، و الكلام فيه إمّا في نصف الأصناف الثلاثة، أو في نصف الإمام، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في نصف الأصناف. و فيه خمسة أقوال:
الأول: وجوب صرفه فيهم و قسمته عليهم

، و هو الحقّ المشهور بين المتقدّمين و المتأخّرين، و صرّح به السيّد في المسائل الحائريّة، و نسب إلى جمهور أصحابنا، بل قيل: لا خلاف فيه أجده إلّا من نادر من القدماء «1».

الثاني: سقوطه و كونه مباحا للشيعة

، حكي عن الديلمي و صاحب الذخيرة «2»، و نقله في الحدائق عن شيخه الشيخ عبد اللّه بن صالح البحريني و جملة من معاصريه «3»، و يظهر من الشيخ في النهاية تجويزه مع مرجوحيّته «4».

إلّا أنّ ظاهر بعضهم نفي القول بإباحة هذا النصف، و نسب ابن فهد في شرح النافع أنّ مذهب الديلمي إباحة نصف الإمام خاصّة «5».

و الذي نقل من كلامه إلينا غير صريح في ذلك أيضا، بل يحتمل إرادة

______________________________

(1) الرياض 1: 299.

(2) الديلمي في المراسم: 140 و استفاد العلّامة في المختلف: 207 تعميم الإسقاط من كلامه، الذخيرة: 492.

(3) الحدائق 12: 439.

(4) النهاية: 201.

(5) المهذّب البارع 1: 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 110

نصيبه من الأنفال، و لذا قال في كشف الرموز: إنّه لا يعرف القائل بهذا القول إلّا من حكاية المصنّفين «1».

و على هذا، فيكون عدم إباحته محل الوفاق.

الثالث: وجوب دفنه إلى وقت ظهور الإمام عليه السّلام

، نقله في النهاية و المقنعة عن بعضهم «2».

الرابع: وجوب حفظه و الوصيّة به

، و هو مختار الشيخ في التهذيب «3».

الخامس: التخيير [بين ] [1] قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصيّة به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السّلام.

و هو مختار المفيد في المقنعة، حيث اختار أولا عزل جميع السهام و حفظه، ثمَّ قال: و لو قسّم شطر الأصناف بينهم كان صوابا «4». و كذا الشيخ في المبسوط، إلّا أنّه زاد الدفن أيضا «5».

لنا: إطلاق الآية الكريمة «6»، و الأخبار الكثيرة «7» المتقدّمة بعضها بل أكثرها، الموجبة للخمس بقول مطلق، أو المثبتة نصفه للأصناف من غير تقييد بوقت أو حال، أو الدالّة على وجوبه على كلّ أحد من غير تخصيص، و على وجوبه في كلّ عام و في كلّ ما أفاده الناس.

المعتضدة بالمستفيضة «8» المصرّحة بتعويض الذرّية الخمس عن

______________________________

[1] أثبتناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) كشف الرموز 1: 272.

(2) النهاية: 201، المقنعة: 286.

(3) التهذيب 4: 147.

(4) المقنعة: 286.

(5) المبسوط 1: 264.

(6) الأنفال: 41.

(7) الوسائل 9: 483 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1.

(8) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 111

الزكاة تنزيها و صيانة لهم عن أوساخ أيدي الناس.

المؤيّدة بالشهرة العظيمة، التي كادت أن تكون إجماعا، الخالية عن المعارض جدّا، إذ ليس إلّا بعض أدلّة المخالفين في المسألة، و هي للمعارضة غير صالحة.

دليل المسقطين له المبيحين إيّاه للشيعة أمور ثلاثة:

الأول: ما أشار إليه المفيد «1» من أنّ تقسيم الخمس بين أربابه منصب للإمام- و هو الذي كان يقسّمه- و هو غائب، و لا دليل على جواز نيابة المالك أو غيره عنه في ذلك.

و فيه: أنّ أدلّة استحقاق هؤلاء لنصف الخمس مطلقة من غير تعيين لمن يصرفه إليهم، و أمر الإمام أحدا بأخذه أو إتيانه إليه لا يدلّ على أنّه يجب إتيانه إليه.

سلّمنا وجوب دفعه إليه ليصرفه فيهم، و لكن لا يلزم

من سقوط ذلك- لتعذّر الوصول إلى من له حقّ الصرف- سقوط أصل الحقّ الثابت بالكتاب و السنّة، المقتضيين لاستمراره إلى الأبد، فإنّ مقتضى أدلّة وجوب الإيصال إلى الإمام- لو تمّت- وجوبه مع الإمكان، و يخرج عن أصل عدم وجوبه المقتضي لجواز صرف كلّ أحد في الأصناف في حال الإمكان، و أمّا مع عدمه فيبقى الأصل بلا معارض.

الثاني: الأخبار الكثيرة المتضمّنة لتحليل الخمس و إباحته مطلقا للشيعة، و هي كثيرة جدّا:

كصحيحة النصري: إنّ لنا أموالا من غلّات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمنا أنّ لك فيها حقّا، قال: «فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب

______________________________

(1) المقنعة: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 112

ولادتهم، و كلّ من والى آبائي فهو في حلّ عمّا في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب» «1».

و روايته، و فيها: «إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال» إلى أن قال: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت» إلى أن قال: «اللّهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا» «2».

و رواية يونس بن يعقوب: تقع في أيدينا الأرباح و الأموال و التجارات، نعرف أنّ حقّك فيها ثابت، و إنّا عن ذلك مقصّرون، فقال: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» «3».

و صحيحة الفضلاء: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» «4».

و صحيحه ابن مهزيار، و فيها: «من أعوزه شي ء من حقّي فهو في حلّ» «5».

و صحيحة الكناسي: «أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟»

______________________________

(1) التهذيب 4: 143- 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص

بالإمام ب 4 ح 9.

(2) التهذيب 4: 145- 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 14.

(3) الفقيه 2: 23- 87، التهذيب 4: 138- 389، الاستبصار 2: 59- 194، الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 6.

(4) التهذيب 4: 137- 386، الاستبصار 2: 58- 191، المقنعة: 282، العلل:

377- 2، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1.

(5) الفقيه 2: 23- 88، التهذيب 4: 143- 400، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 113

فقلت: لا أدري، فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم و لميلادهم» «1».

و حسنة الفضيل، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام: أحلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا، ليطيبوا»، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم، ليطيبوا» «2».

و رواية الرقّي: «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد علمت أنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر، فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، و لا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و

قد تبعك رسول اللّه في فعلك، أحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا أحلّها أنا و لا أنت لغيرهم» «4».

و رواية معاذ: «موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم

______________________________

(1) الكافي 1: 546- 16، التهذيب 4: 136- 383، الاستبصار 2: 57- 188، المقنعة: 280، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 3.

(2) التهذيب 4: 143- 401، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 10.

(3) الفقيه 2: 24- 90، التهذيب 4: 138- 388، الاستبصار 2: 59- 193، الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 7.

(4) الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 114

بالمعروف» «1».

و رواية أبي حمزة: «نحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» «2».

و رواية ابن سنان، و فيها- بعد ذكر أنّ على من اكتسب الخمس لفاطمة و للحجج-: «إلّا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة» «3».

و رواية سالم: قال رجل: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال» «4».

و صحيحة محمّد: «إنّ أشدّ ما فيه يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا،

لتطيب ولادتهم، و لتزكو أولادهم» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 61- 4، التهذيب 4: 143- 402، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 11.

(2) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.

(3) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(4) التهذيب 4: 137- 384، الاستبصار 2: 58- 189، المقنعة: 281، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.

(5) التهذيب 4: 136- 382، الاستبصار 2: 57- 187، الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 5، و رواها في الكافي 1: 546- 20، المقنعة:

280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 115

و صحيحة زرارة المرويّة في العلل: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام حلّلهم من الخمس- يعني الشيعة- ليطيب مولدهم» «1».

و رواية حكيم، و فيها بعد ذكر آية الخمس: «إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من حلّ في ذلك، ليزكوا» «2».

و التوقيع الرفيع المرويّ في إكمال الدين و الاحتجاج، و فيه: «و أمّا المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران، و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم» «3».

إلى غير ذلك من الأخبار، التي بعضها مخصوص بحلّية الفي ء، و بعضها يدلّ على تحليل خمس بعض أشخاص معيّنين، و بعضها على تحليل شي ء معيّن.

و جوابه أولا: بالمعارضة بالأخبار المتكثّرة، كالروايات الثلاث- المتقدّمة في أوائل خمس الأرباح «4»- لابن مهزيار و ابن الصلت و النيشابوري عن أبي محمّد و أبي الحسن الثالث.

و كرواية محمّد بن يزيد

الطبري: قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض مواليّ أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم» إلى أن قال: «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه،

______________________________

(1) العلل: 377- 1، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 15.

(2) التهذيب 4: 121- 344، الاستبصار 2: 54- 179، الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8، و رواها في الكافي 1: 544- 10.

(3) كمال الدين 2: 483- 4، الاحتجاج 2: 471، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام 4 ح 16.

(4) في ص: 31- 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 116

إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالاتنا و على موالينا و ما نبذل و نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا» إلى أن قال: «و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب» «1».

و الأخرى: قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: «ما أمحل هذا؟! تمحضونا بالمودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقّا جعله اللّه لنا و جعلنا له، و هو الخمس، لا نجعل أحدا منكم في حلّ» «2».

و رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيها: «و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» «3».

و اخرى: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له» «4».

و صحيحة ابن مهزيار الطويلة، عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام، و فيها:

«و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم

في كلّ عام، قال اللّه تعالى:

(وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية «5»»، إلى أن قال: «فمن كان عنده شي ء من

______________________________

(1) الكافي 1: 547- 25، التهذيب 4: 139- 395، الاستبصار 2: 59- 195، المقنعة: 283، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2، و في الكافي و الوسائل: محمد بن زيد الطبري.

(2) الكافي 1: 548- 26، التهذيب 4: 140- 396، الاستبصار 2: 60- 196، الوسائل 9: 539 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 1: 545- 14، المقنعة: 280، الوسائل: 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.

(4) التهذيب 4: 136- 381، الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 6.

(5) الأنفال: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 117

ذلك فليوصل إلى وكيلي، من كان نائيا بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين» «1».

و الرضوي، و فيه: «فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدّى حقّ اللّه عليه» إلى أن قال: «فاتّقوا اللّه و أخرجوا حقّ اللّه ممّا في أيديكم يبارك لكم في باقيه» «2».

و المرويّ في كتاب الخرائج و الجرائح: «يا حسين، لم ترزأ على الناحية؟ و لم تمنع أصحابي من خمس مالك؟» ثمَّ قال «إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه» قال: فقلت: السمع و الطاعة، ثمَّ ذكر في آخره: أنّ العمري أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان «3».

إلى غير ذلك من الأخبار المتضمّنة لما فيه الخمس «4»، و أنّه يجب بعد المؤنة، و كيفيّة تقسيم الإمام

له.

و قد يذكر في المعارضة توقيعان آخران [1] لا دلالة لهما على المطلوب أصلا، كما لا يخفى على المتأمّل، فإنّ مدلولهما قريب من صدر التوقيع المذكور.

______________________________

[1] الظاهر أنّه ناظر إلى كلام الرياض 1: 301، و التوقيعان المذكوران مرويان في الوسائل 9: 504 أبواب الأنفال ب 3 ح 6 و 7.

______________________________

(1) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.

(3) الخرائج و الجرائح 3: 1118- 33، الوسائل 9: 541 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 9.

(4) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 118

وجه التعارض: أنّ من المعلوم أنّ استدلالهم بروايات التحليل «1» باعتبار حملهم إيّاها على التحليل الاستمراري، و إلّا فتحليل أيّام حقّه في زمان لا يفيد لزمان الغيبة، و لا شكّ أنّ الاستمراري ينافي الأمر بالأخذ، و المطالبة، و المنع من ترك دفعه، و التصريح بعدم جعله حلالا على أحد، و النهي عن اشترائه، و التصريح بالوجوب في كلّ عام، و الأمر بالإيصال إلى الوكيل، و بالإخراج.

و غير نادر من أخبار التحليل مرويّ عن الأمير و الصادقين عليهم السّلام «2»، و غير نادر من أخبار الوجوب مرويّ عن مولانا الرضا و أبي جعفر الثاني و أبي الحسن الثالث و أبي محمّد العسكري عليهم السّلام «3».

و التوقيع المحلّل يعارض رواية الجرائح.

و حمل التوقيع المحلّل على زمان الغيبة الكبرى تأويل بلا شاهد، و حمل بلا حامل.

و ليست المطالبة في التوقيع الآخر «4» من باب التخصيص

اللفظي حتى يقال: خرج ما خرج فيبقى الباقي، و إنّما هو فعل ذو وجوه.

و لا شكّ أنّ الإيجاب المتأخّر مناف للتحليل المتقدّم، فيحصل التعارض، و تترجّح أخبار الوجوب بمعاضدة الشهرة القديمة و الجديدة، و موافقة الآية الكريمة «5»، و مخالفة الطائفة العامّة، و بالأحدثيّة، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة، مع أنّ مع التكافؤ أيضا يجب الرجوع إلى

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 111- 115.

(2) راجع ص: 111- 151.

(3) راجع ص: 31 و 32.

(4) انظر الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.

(5) الأنفال: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 119

الكتاب و مطلقات الخمس و استصحاب وجوبه و أصالة عدم التحليل.

و هذا مع مطابقة أخبار الوجوب للاعتبار، فإنّ المصرّح به في الأخبار «1»: أنّ اللّه سبحانه حرّم الزكاة على فقراء الذرّية الطاهرة، تعظيما و إكراما لهم، و عوّضهم عن ذلك بالخمس، و لو أبيح مطلق الخمس و سقط عن مطلق الشيعة- و المخالف لا يقول بخمس الأرباح الذي هو معظمه، و لا يخمّس المال المختلط، بل الغوص عند أكثرهم، و مع ذلك لا يعطونه سادات الشيعة، و لو أعطوا لا يعطونه الشيعة الساكنين بلاد التشيّع- فأيّ عوض حصل للذرّية مع كثرتهم؟! و بما ذا وقع التلافي لهم؟! و بأيّ شي ء يدفع احتياج فقرائهم و مساكينهم؟! و ثانيا: بأنّ أكثر أخبار التحليل غير شامل لحقّ الأصناف، بل صريح أو ظاهر في حقّهم خاصّة، لتضمّنها لفظ: «حقّنا» أو: «مظلمتنا» أو:

«خمسنا أهل البيت» و نحو ذلك، كالروايات التسع الاولى، بل بعضها يختصّ بحقّ بعض الأئمّة، و هو ما تضمّن لفظ «حقّي» و «حقك» و «نصيبي» و «نصيبك» كالروايات الأربع: الثالثة و الخامسة و السابعة و الثامنة، فلا يدلّ على سقوط

حقّ جميع الأئمّة.

و أمّا الثمان البواقي، فالأربعة الأولى منها لا دلالة لها على مطلوبهم.

أمّا أولاها- و هي رواية معاذ- فلعدم دلالتها على أمر الخمس، و لو سلّم فإنّما يكون بالعموم المطلق بالنسبة إلى أخبار وجوب الخمس، فيجب التخصيص.

مضافا إلى احتمال شمول الإنفاق لإخراج الخمس أيضا، مع أنّها مقيّدة بالمعروف، فلعلّه بعد إخراج الخمس، بل هو كذلك عند من يوجب

______________________________

(1) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 120

إخراجه.

و أمّا ما بعدها، فلاحتمال إرجاع الضمير إلى الفي ء، بل هو الراجح، لأقربيّته و إفراد الضمير.

مضافا إلى أنّ مفهوم الاستثناء فيه عدم تحريم الخمس و الفي ء للشيعة، و هو يصدق بحلّيّة بعض ذلك و لو لبعض الشيعة، فتأمّل.

و أمّا ما بعدها، فلجواز كون لفظة «من» في قوله: «من شيعتنا» تبعيضيّة، بل هو الأظهر، فلا يعلم أنّه من هو، فيمكن أن يكون بعض أصحاب بعض الأئمّة.

و أمّا ما بعدها، فلعدم دلالتها على تحليل الخمس أصلا، إذ يمكن أن يكون المسئول عن إباحتها ما يحتمل أن يكون فيه خمسهم أو أن يكون فيه الفي ء و غنائم دار الحرب.

فلم تبق إلّا الأربعة الأخيرة، و الثلاثة الأولى منها أيضا لا تدلّ على أزيد من تحليل الخمس كلّا أو بعضا للشيعة الموجودين في زمان التحليل أو مع ما سبقه، لأنّ «أحللنا» و «طيّبنا» و «حلّلهم» و «جعلهم في حلّ»- بالإضافة إلى من يأتي- مجاز قطعا، فلا يرتكب إلّا بدليل.

و منه يظهر جواب آخر لأكثر ما يسبق الأربعة من أخبار التحليل، بل لجميعها.

فلم يبق إلّا التوقيع، و ظاهر أنّه بانفراده- سيّما مع ما مرّ من وجوه المرجوحيّة- لا يقاوم أخبار الوجوب البتّة.

مضافا إلى أنّه لو أريد منه العموم

بالنسبة إلى جميع سهام الخمس يخرج جدّا عن الحجّية بالمخالفة للشهرتين و الدخول في حيّز الشذوذ.

و منه يظهر جواب آخر لجميع أخبار الإباحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 121

هذا كلّه، مع أنّه علّل فيه التحليل بطيب الولادة، و هو في غير المناكح- التي جمهور الأصحاب فيها على الحلّية- لا يصلح للعلّية، فتصلح العلّة قرينة لإرادة هذا النوع خاصّة.

و منه يظهر جواب آخر لجميع ما يتضمّن تلك العلّية، و هو أكثر أخبار الحلّية.

هذا كلّه، مضافا إلى قصور دلالة كلّ واحد واحد من الروايات التسع الاولى بخصوصها على إباحة مطلق الخمس أو نصف الإمام في هذه الأزمان من وجوه أخر أيضا.

أمّا الأول- و هو صحيحة النصري «1»- فلظهور قوله: «ممّا في أيديهم» في الفعلية، بل حقيقة منحصرة فيها، و كذا جملة: «فهو في حلّ ممّا في أيديهم» و كذا: «كلّ من والى آبائي»، فلا يشمل من سيأتي، بل «الشاهد و الغائب» حقيقتان في الموجود، و لا يطلق الغائب على المعدوم.

و أمّا الثاني، فلأنّ المشار إليه في قوله: «ذلك» هو الحرام الذي ظلم فيه أهل البيت، و مدلوله أنّ ما ظلموا فيه من الخمس و صفو المال و الأنفال التي بيد المخالفين إذا أخذه الشيعة بشراء أو عطيّة فهو لهم حلال، لا أنّ الخمس الذي بيد الشيعة و لم يظلموا فيه بعد فهو أيضا لهم حلال، و جعل الإشارة للخمس مطلقا لا دليل عليه، بل لا وجه.

و أمّا الثالث، فلأنّ السؤال وقع فيه عمّا في أيدي السائل، و الجواب مقصور في عدم التكليف في ذلك اليوم بخصوصه، فلا دلالة له لغيره أصلا، و لا عموم فيه و لا إطلاق أبدا.

و أمّا الرابع، ففيه أوّلا: أنّه لا يشمل

الحقّ للخمس إلّا بالعموم،

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 122

و أخبار وجوب الخمس خاصّ مطلق بالنسبة إليه، فيجب التخصيص، و ذلك يجري في الثلاثة الأولى أيضا.

و ثانيا: أنّ عدم أداء الحقّ يتحقّق مع حبس بعض منه أيضا، و إذا لم تؤدّ جميع الحقوق يصدق عدم أداء الحقّ، و لا يعلم الحقّ المحبوس المحلّل المشار إليه بقوله: «من ذلك»، فلا يفيد.

و ثالثا: أنّ «آباءهم» مطلق شامل للمخالف و غيره، و ظاهر أنّ المحلّل لآبائهم المخالفين ليس إلّا المناكح حتى تطيب ولادة الشيعة لا مطلقا، و ليس تخصيص الآباء بالشيعة منهم أولى من تخصيص الحقّ- لو كان عامّا- بالمناكح.

و أمّا الخامس، فلما ذكر أولا في الرابع، مضافا إلى اختصاصه بالإعواز- و هو غير محلّ النزاع- و بحقّ الصادق عليه السّلام خاصّة.

و أمّا السادس، فلأنّ مرجع الضمير في قوله: «فإنّه محلّل» كما يمكن أن يكون خمسا يمكن أن يكون الموضع الذي دخل منه الزنا- أي المناكح- كما يعاضده قوله: «لميلادهم». مع أنّ فيمن جعل في حلّ إجمالا، لتقييد الشيعة بالأطيبين، فلا تعلم الحلّية لغيرهم، و جعل الوصف توضيحيّا مساويا خلاف الظاهر.

و أمّا السابع، فلاختصاصه بالفي ء- و هو غير الخمس- و أمّهات الشيعة، و هنّ من المناكح.

و أمّا الثامن، فلعموم فضل المظلمة بالنسبة إلى الخمس أولا.

و اختصاص قوله: «يعيشون» بالفعليّة، و عدم صدقه على من يأتي، فتختصّ الإشارة بما تحقّق، ثانيا.

و كون الإشارة لفضل المظلمة، فتختصّ بالمأخوذ عن المخالف كما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 123

مرّ في الثاني، ثالثا.

و أمّا التاسع، فلصراحته في أنّ المحلّل هو ما يشتري من المخالف الجابر، و هو غير محلّ النزاع.

و من جميع ذلك يظهر عدم انتهاض تلك

الأخبار لإثبات حلّية نصف الإمام في زمان الغيبة أيضا، بل و لا دلالة بالنسبة إلى جميع النصف و من جميع الأئمّة في زمن الحضور أيضا.

الثالث من أدلّة القول بالسقوط في زمن الغيبة: ما يستفاد من الذخيرة «1»، و هو الأصل، فإنّ الأصل عدم وجوب شي ء على أحد حتى يدلّ عليه دليل، و لا دليل على ثبوت الخمس في زمن الغيبة، فإنّه منحصر بالآية و الأخبار، و لا دلالة لشي ء منها.

أمّا الآية، فلاختصاصها بغنائم دار الحرب المختصّة بحال الحضور دون الغيبة، مع أنّها خطاب شفاهيّ متوجّه إلى الحاضرين خاصّة، و التعدية إلى غيرهم بالإجماع إنّما يتمّ مع التوافق في الشرائط جميعا، و هو ممنوع في محلّ البحث، فلا ينهض حجّة في زمان الغيبة.

و لو سلّم فلا بدّ من صرفها إلى خلاف ظاهرها، إمّا بالحمل على بيان المصرف، أو بالتخصيص، جمعا بينها و بين الأخبار الدالّة على الإباحة.

و أمّا الأخبار، فلأنّها- مع ضعف أسانيدها- غير دالّة على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مطلقا، بل دلّت على أنّ الإمام يقسّمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون شي ء من الخمس ملكا لهم أو مختصّا بهم.

______________________________

(1) الذخيرة: 491 و 492.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 124

سلّمنا، لكنّها تدلّ على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا، فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة.

سلّمنا، لكن لا بدّ من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها، جمعا بين الأدلّة.

و الجواب: أنّ تخصيص الآية بغنائم دار الحرب مخالف للعرف و اللغة و الأخبار المستفيضة، بل- كما قيل «1»- لإجماع الإماميّة، و بالمشافهين حقيقة غير ضائر، لما أثبتنا في الأصول من شمول الخطابات للمعدومين أيضا- و لو مجازا-

بالأخبار، من غير افتقار إلى الإجماع حتى يناقش فيه بانتفائه في محلّ النزاع مع أنّ الإجماع ثابت على الشركة في جميع الأحكام، إلّا ما ثبت اشتراطه بشرط أو تقييده بقيد غير متحقّق للغائب.

و ما نحن فيه كذلك، لعدم دليل على اشتراط الحضور، و لا حاجة لنا إلى تحقّق الإجماع في كلّ مسألة.

مضافا إلى أنّ دعوى اشتراط الحضور فاسدة، و للإجماع- بل الضرورة- مخالفة، لأنّ المبيح في زمن الغيبة- مع ندرته- يقول به من جهة التحليل لا من عدم عموم الدليل.

و أيضا استشهاد الأئمّة و استدلالهم بالآية في كثير من الأخبار كاشف عن شمولها لزمانهم المتأخّر عن زمان نزولها أيضا، بل أخبار التحليل و الإباحة كاشفة عن الشمول، و إلّا فلا معنى للتحليل.

و أمّا صرف الآية عن ظاهرها جمعا، فهو موقوف على وجود المعارض الأقوى، و هو منتف، لما عرفت من عدم وضوح دلالة أخبار

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 125

التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.

مع أنّ القاعدة الشرعيّة الثابتة بالأحاديث الكثيرة: عرض الأخبار على القرآن و ردّ ما يخالفه، لا صرف الآية عن ظاهرها مع اختلاف روايات الواقعة، سيّما مع أنّ الآية أرجح بوجوه عديدة مرّ ذكرها.

هذا كلّه، مع أنّ الجمع غير منحصر في ذلك، لإمكانه بوجوه:

منها: ما عليه جمهور أصحابنا «1» من تخصيص التحليل بالمناكح و المساكن، كما يأتي ذكره.

و منها: تخصيص التحليل بحقوقهم لبعض شيعتهم أو جميعهم في زمانهم، أي في زمان المحلّل خاصّة.

و منها: تخصيصه بما يصل إليهم من ظالمي حقوق أهل البيت من الغنائم و الأخماس.

و منها: تخصيصه بما يختلط مع الأخماس أو يشتبه وجودها فيه. إلى غير ذلك.

و لا وجه لترجيح الأول لو لم

نقل بكون هذه الوجوه كلّا أو بعضا أرجح.

مضافا إلى أنّ حمل الآية على بيان المصرف خلاف الظاهر جدّا، كما صرّح هو به حيث قال- بعد نقل حملها عليه من المحقّق-: و فيه نظر، لأنّ حمل الآية على أنّ المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر، بل الظاهر من الآية الملك أو الاختصاص، و العدول عنه محتاج إلى دليل، و لو كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كلّه في أحد الأصناف الستّة.

انتهى.

______________________________

(1) انظر ص: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 126

و أمّا ما ذكره في الأخبار- من ضعف الإسناد- فهو غير صالح للاستناد، لوجودها في كتب عليها المدار و الاعتماد، و مع ذلك ففيها الصحيح و الموثّق و موافق للشهرة العظيمة، و هي لضعف الأخبار عند الأصحاب جابرة.

مضافا إلى استناده إلى تلك الأخبار في كثير من أحكام الخمس.

و أمّا إنكار دلالتها على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية و الاختصاص فهو مكابرة محضة، كيف؟! و في بعضها: «و النصف له، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين لا يحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه تعالى مكان ذلك الخمس» «1».

و لا ريب أنّ اللامين هنا بمعنى واحد، فكما أنّها في نصف الإمام للتملّك أو الاختصاص «2» فكذا في نصف الأصناف، سيّما مع ذكر التعويض لهم عن الصدقة.

و في آخر: «يثب أحدهم على أموال آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يتاماهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذها» الحديث «3».

و في ثالث: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات

الناس» إلى أن قال: «و جعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس» «4».

و أمّا احتمال اختصاص الحكم بزمان الحضور ففساده أوضح من أن يذكر، فإنّه لا جهة لهذا التوهّم و لا منشأ لذلك الاحتمال في الأخبار.

و أمّا تخصيصها و صرفها عن ظاهرها جمعا، ففيه ما مرّ في تخصيص

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 521 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.

(2) في «ح»: للتمليك و الاختصاص، و الأولى: الملكية أو الاختصاص.

(3) التهذيب 4: 127- 364، الوسائل 9: 538 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.

(4) التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 127

الآية.

و دليل الموجبين للدفن: دليل وجوب دفن حصّة الإمام- كما يأتي «1» مع ردّه- بضميمة ما مرّ «2» من أنّ صرف هذا النصف منصب الإمام و موكول إليه، و قد عرفت ضعفه.

و كذا حجّة الموجبين للوصيّة.

و حجّة القول الآخر: الجمع بين أدلّة ملكيّة النصف للأصناف و دليل وجوب الدفع إلى الإمام ليصرفه فيهم.

و يردّ باختصاص وجوب الدفع- لو سلّم- بحال الحضور.

و ممّا ذكر ظهر أنّ وجوب قسمة نصف الأصناف بينهم- كما اختاره من أصحابنا الجمهور «3»- في غاية الظهور.

المقام الثاني: في نصف الإمام عليه السّلام. و فيه تسعة أقوال:
الأول: سقوطه و تحليله

، ذهب إليه من ذهب إليه في نصف الأصناف «4»، و اختاره أيضا صاحب المدارك و المحدّث الكاشاني في المفاتيح و الوافي و صاحب الحدائق «5»، و نسبه في كشف الرموز إلى قوم من المتقدّمين و قال: إنّه متروك و لا فتوى عليه «6».

______________________________

(1) في ص: 129.

(2) في ص: 111.

(3) راجع ص: 110.

(4) كما في المراسم: 140، و الذخيرة: 492.

(5) المدارك 5: 424، المفاتيح 1: 229،

الوافي 10: 344، الحدائق 12: 443.

(6) كشف الرموز 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 128

الثاني: عزله و إيداعه و الوصيّة به من ثقة إلى وقت ظهوره،

اختاره المفيد في المقنعة و القاضي و الحلبي و الحلّي «1»، و استحسنه في المنتهى «2»، و هو مذهب السيّد في المسائل الحائريّة.

الثالث: دفنه

، نقل عمّن نقل عنه الدفن في النصف الأول.

الرابع: قسمته بين المحاويج من الذريّة

، حكاه في المختلف عن جماعة من علمائنا «3»، و هو اختيار المفيد في الرسالة العزّية و المحقّق في الشرائع و الشيخ عليّ في حاشيته و ابن فهد في المهذّب «4»، و نسبه في الروضة إلى المشهور بين المتأخّرين «5»، و ذهب إليه الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني، و الشيخ الحرّ في الوسائل إلّا أنّه قال: مع عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة «6».

الخامس: التخيير بين التحليل و الدفن و الإيداع

، يظهر من الشيخ في النهاية «7».

السادس: التخيير بين الأخيرين

، اختاره في المبسوط «8».

السابع: التخيير بين الأخيرين و القسمة بين الأصناف

، حكي عن الدروس «9».

______________________________

(1) المقنعة: 286، القاضي في المهذب 1: 181، الحلبي في الكافي في الفقه:

173، الحلي في السرائر 1: 499.

(2) المنتهى 1: 555.

(3) المختلف: 210.

(4) الشرائع 1: 184، المهذب البارع 1: 571.

(5) الروضة 2: 80.

(6) الوسائل 9: 543.

(7) النهاية: 201.

(8) المبسوط 1: 264.

(9) الدروس 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 129

الثامن: التخيير بين الأخير و القسمة

، اختاره في المختلف «1»، و هو الظاهر من النافع «2»، و نسب إلى البيان «3»، و إليه ذهب المحقّق الخوانساري في رسالته بزيادة رجحان القسمة.

التاسع: قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرّية

، نقله في المقنعة عن بعضهم، و جعله قريبا من الصواب «4»، و إليه ذهب ابن حمزة في الوسيلة «5».

دليل الأول: ما مرّ «6» من أخبار التحليل بحملها على حقّه عليه السّلام.

و جوابه قد ظهر.

و دليل الثاني: أنّه مال الإمام- لأخبار وجوبه مطلقا أو مستمرّا، و استصحاب بقائه- فلا يجوز التصرّف فيه، و لا يمكن إيصاله إلى ذي الحقّ، فيجب حفظه إلى زمان إمكان الإيصال.

و فيه: أنّه إنّما يتمّ لو لم يعلم عدم رضاه بذلك و رضاه بغيره، و قد يدّعى العلم بذلك كما يأتي «7».

و دليل الثالث: دليل الثاني، بضميمة أنّ الدفن أحفظ الوجوه، مع ما روي من أنّ الأرض تخرج كنوزها للقائم «8».

______________________________

(1) المختلف: 210.

(2) النافع: 64.

(3) البيان: 351.

(4) المقنعة: 286.

(5) الوسيلة: 137.

(6) راجع ص: 111 و ما بعدها.

(7) في ص: 131.

(8) انظر البحار 52: 280- 6 نقلا عن الاحتجاج، و ص: 322- 31 نقلا عن كمال الدين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 130

و فيه- مع ما مرّ-: منع كون الدفن أحفظ، بل هو أيضا في معرض الظهور و التلف، و الرواية لا دلالة لها على المورد أصلا.

و حجّة الرابع: أنّ الإمام كان يفعل ذلك، أي يتمّ للسادات ما يحتاجون إليه من نصيبه وجوبا لا تفضّلا، فهو حقّ لهم إذا لم تف أنصبائهم.

بمؤنهم، فثبت ذلك لهم في الغيبة، لأنّ الحقّ الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقّه.

و زاد في المهذّب: كونه أحوط، لاشتماله على إخراج الواجب و تفريغ الذمّة، و اشتماله على نفع المحاويج من

الذرّية، و كونه صلة لهم، و كونه أسلم عاقبة من الوصيّة و الدفن «1».

و ضعف الجميع ظاهر:

أمّا الأول، فلمنع وجوب الإتمام عليه من حصّته كما مرّ، و غاية ما ثبت أنّه كان يتمّ من عنده- كما في تقسيم الزكاة أيضا- فيمكن أن يكون من الأوقاف و النذور أو غيرها.

سلّمنا أنّه كان عليه الإتمام من حصّته، و لكن لم يعلم أنّ هذا الوجوب من باب حقّ الذرّية، فلعلّه كان أمرا واجبا عليه نفسه، و مثل هذا ليس ممّا يجب الإتيان به من غيره أيضا.

و أمّا البواقي، فظاهر، لعدم وجوب الاحتياط، مع أنّ الاحتياط إخراج الواجب من الحقّ إلى ذي الحقّ، و أمّا إلى غيره فلا احتياط فيه أصلا، بل خلاف الاحتياط.

و لعدم استلزام رجحان نفع المحاويج و صلة الذرّية رجحانه بالتصرّف في مال الغير.

______________________________

(1) المهذب البارع 1: 572.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 131

و أسلميّة عاقبته من الدفن و الوصيّة يفيد لو ثبت الإذن فيه، و إلّا فذلك إتلاف معلوم معجّل.

نعم، يمكن أن يستدلّ لذلك بأنّ الإذن في ذلك التصرّف معلوم بشاهد الحال، فإنّه لا حاجة للمالك إليه و لا ضرر فيه بوجه، و أهل الاضطرار من أهل التقوى من الذرّية في غاية الكثرة، و الدفن و الوصيّة حبس بلا منفعة و معرض للتلف و الهلكة، بل يعلم التلف بالوصيّة غالبا في مثل ذلك الزمان، فيعلم رضا المالك بصلة الذرّية و رفع حاجتهم و مسكنتهم بذلك قطعا، و ليس القطع به بأدون من الظنّ الحاصل من الألفاظ الدالّة على الإذن الواجب اتّباعه البتّة.

و هذا دليل تامّ حسن، إلّا أنّه لكونه تابعا للعلم الحاصل بشهادة الحال لا يكون مخصوصا بصلة الذرّية، فإنّه قد يكون هنا محتاج

معيل من خيار الشيعة من غير السادة، سيّما إذا كان ممّن كان لوجوده مصلحة عامّة، و كان عياله في غاية الضيق و الشدّة، و لم يكن فقير الذرّية بهذه المثابة، بل كان من رعاع الناس، و له قوت نصف السنة مثلا، فالحكم بالقطع برضا الإمام دفع حصّته إلى الثاني دون الأول مكابرة صرفة.

و كذا إذا كان في إعطاء صاحب المال الخمس عليه حيف و شدّة.

فهذا الدليل يصلح للمطلوب في الجملة، بل التحقيق: أنّه لا مدخليّة فيه للسيادة من حيث هي.

حجّة الخامس: الجمع بين أدلّة التحليل و الحفظ، و تحقّق الحفظ بكلّ من الدفن و الوصيّة.

و بعد ضعف الدليلين يظهر ضعف الجمع أيضا.

و دليل السادس: وجوب الحفظ و تحقّقه بكلّ منهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 132

و هو حسن لو قلنا بوجوبه.

و حجّة السابع و الثامن: وجوب حفظ مال الغير، و دلالة شاهد الحال على جواز التقسيم أيضا.

و هو كان حسنا لو لم يعلم بشاهد الحال عدم رضاه بالحفظ، حيث إنّه في معرض التلف، و أقرباؤه و مواليه محتاجون.

و دليل التاسع: أخبار التحليل للشيعة مطلقا، و الأخبار الواردة في حصول تركهم حقّهم من الخمس لبعض مواليهم.

و مرسلة حمّاد الناطقة بأنّه: «إذا قسّم الزكاة فيهم كان على الإمام الإتمام لهم إذا أعوزت» «1».

و رواية محمّد بن يزيد: «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» «2».

و مرسلة الفقيه: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا» «3».

و مرسلة يوسف، و فيها: «أنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ» [1]، و إذا كان كذلك فيجب البتّة بتصدّق حقّه.

أقول: أكثر هذه الوجوه و إن كانت مدخولة، إلّا أنّه يدلّ على الحكم

______________________________

[1] الكافي 4: 61- 3، التهذيب 4: 331-

1036، الوسائل 9: 471 أبواب الصدقة ب 48 ح 2، إلّا أنه في الكافي عن يونس، و في التهذيب عن الحسين بن عاصم بن يونس، و ما في المستند هو الموافق للوافي و بعض نسخ الكافي على ما جاء في هامشه.

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.

(2) الكافي 4: 59- 7، التهذيب 4: 111- 324، الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50 ح 1.

(3) الفقيه 2: 43- 3، الوسائل 9: 476 أبواب الصدقة ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 133

ما مرّ من الإذن المعلوم بشاهد الحال، فإنّا نعلم قطعا- بحيث لا يداخله شوب شكّ- أنّ الإمام الغائب- الذي هو صاحب الحقّ في حال غيبته، و عدم احتياجه، و عدم تمكّن ذي الخمس من إيصاله حقّه إليه، و كونه في معرض الضياع و التلف، بل كان هو المظنون، و كان مواليه و أولياؤه المتّقون في غاية المسكنة و الشدّة و الاحتياج و الفاقة- راض بسدّ خلّتهم و رفع حاجتهم من ماله و حقّه.

كيف؟! و هم الذين يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة، فما الحال إذا لم تكن لهم حاجة و خصاصة؟! و كيف لا يرضى؟! و هو خليفة اللّه في أرضه و المؤمنون عياله، كما صرّح به في مرسلة حمّاد، و فيها: «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له».

و هو منبع الجود و الكرد، سيّما مع ما ورد منهم و تواتر من الترغيب إلى التصدّق و إطعام المؤمن و كسوته و السعي في حاجته و تفريج كربته «1»، و الأمر بالاهتمام بأمور المسلمين،

حتى قالوا: «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» «2».

و قالوا في حقّ المسلم على المسلم: «إنّ له سبع حقوق واجبات، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته، و لم يكن للّه فيه من نصيب» إلى أن قال: «أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك» إلى أن قال: «و الحقّ الثالث: أن تغنيه بنفسك و مالك» إلى أن قال: «و الحقّ الخامس: أن لا تشبع و يجوع» الحديث «3».

______________________________

(1) الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50.

(2) الكافي 2: 164- 4، الوسائل 16: 336 أبواب فعل المعروف ب 18 ح 1.

(3) الكافي 2: 169- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 134

و جعلوا من حقوق المسلم: مواساته بالمال.

و مع ذلك يدلّ عليه إطلاق رواية محمّد بن يزيد و مرسلة الفقيه المتقدّمتين «1»، فإنّ إعطاء الخمس صلة.

و لا يتوهّم أنّ بمثل ذلك يمكن إثبات التحليل لذي الخمس أيضا و إن لم يكن فقيرا، لأنّ أداء الخمس فريضة من فرائض اللّه، واجب من جانب اللّه، و إعطاؤه امتثال لأمر اللّه، و فيه إظهار لولايتهم و تعظيم لشأنهم و سدّ لحاجة مواليهم، و منه تطهيرهم و تمحيص ذنوبهم.

و مع ذلك، ترى ما وصل إلينا من الأخبار المؤكّدة في أدائه و التشدّد عليه، و أنّ اللّه يسأل عنه يوم القيامة سؤالا حثيثا، و تراهم قد يقولون في الخمس: «لا نجعل لأحد منكم في حلّ»، و أمثال ذلك «2».

و مع هذا، لا يشهد الحال برضاه عليه السّلام لصاحب المال أن لا يؤدّي خمسة، فيجب عليه أداؤه، لأوامر الخمس و إطلاقاته و استصحاب وجوبه، و معه لم يبق إلّا الحفظ بالدفن أو الوصيّة أو التقسيم بين الفقراء.

و

الأولان ممّا لا دليل عليهما، فإنّ الدفن و الإيداع نوعا تصرّف في مال الغير لا يجوز إلّا مع إذنه، و لا إذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه بهما من كونهما معرّضين للتلف، و من حاجة مواليه و رعيّته.

فلم يبق إلّا الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعيّن و يكون هو الواجب في نصفه.

و لمّا كان المناط الإذن المعلوم بشاهد الحال و الروايتين «3» و نسبتهما

______________________________

(1) في ص: 132.

(2) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.

(3) المتقدّمتين في ص: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 135

إلى السادات و غيرهم من فقراء الشيعة على السواء، فيكون الحقّ هو المذهب الأخير، و الأحوط اختيار السادة من بين الفقراء.

و لكن قد يعكس الاحتياط، كما إذا كان هناك شيعة وليّ ورع معيل في ضيق و شدّة و لم يكن السادة بهذا المثابة.

و على المعطي ملاحظة الأحوال.

فرع: لا تشترط مباشرة النائب العام- و هو الفقيه العدل- و لا إذنه في تقسيم نصف الأصناف على الحقّ، للأصل.

خلافا لبعضهم «1»، فاشتراطه، و نسبه بعض الأجلّة إلى المشهور.

و لعلّ وجهه: أنّ مع حضور الإمام يجب دفع تمام الخمس إليه، و كان التقسيم منصبه، فيجب الدفع إلى نائبه في زمن الغيبة بحكم النيابة.

و فيه: منع ثبوت وجوب الدفع إليه مع الحضور، و لو سلّم فلا نسلّم ثبوته بالنسبة إلى النائب.

و هل تشترط مباشرته في تقسيم نصف الإمام، كما هو صريح جماعة، منهم: الفاضلان و الشهيدان، بل أكثر المتأخّرين «2»، و صرّح جماعة بضمان غيره من المباشرين «3»، و عن الشهيد الثاني: اتّفاق القائلين بوجوب التقسيم على ذلك «4»، و الظاهر أنّه كذلك؟

أم لا، فيجوز تولّي غيره، كما عن ظاهر إطلاق

العزّية؟

و الحقّ: هو الأول، إذ قد عرفت أنّ المناط في الحكم بالتقسيم هو

______________________________

(1) انظر زاد المعاد: 586.

(2) المحقق في المعتبر 2: 641، العلامة في التحرير 1: 75، و القواعد 1: 63، الشهيد الأول في الدروس 1: 262، الشهيد الثاني في الروضة 2: 79.

(3) كما في الروضة 2: 79، و الذخيرة: 492.

(4) كما في المسالك 1: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 136

الإذن المعلوم بشاهد الحال، و ثبوته عند من يجوّز التقسيم إجماعيّ و لغيره غير معلوم، سيّما مع اشتهار عدم جواز تولّي الغير، بل الإجماع على عدم جواز تولية التصرّف في المال الغائب، الذي هذا أيضا منه، خصوصا مع وجود النائب العام، الذي هو أعرف بأحكام التقسيم و أبصر بمواقعة.

و وقع التصريح في رواية إسماعيل بن جابر: «إنّ العلماء أمناء» «1».

و في مرسلة الفقيه: «أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنّتي» «2».

و في روايات كثيرة: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء» «3».

و في مقبولة ابن حنظلة: «إنّه الحاكم من جانبهم» «4».

و في التوقيع الرفيع: «إنّه حجّة من جانبهم» «5».

و لا شكّ أنّ مع وجود أمين الشخص و خليفته و حجّته و الحاكم من جانبه و وارثه الأعلم بمصالح أمواله و الأبصر بمواقع صرفه الأبعد عن الأغراض الأعدل في التقسيم و لو ظنّا، لا يعلم الإذن في تصرّف الغير و مباشرته، فلا يكون جائزا.

نعم، لو تعذّر الوصول إليه جاز تولّي المالك، كما استظهره بعض المتأخّرين و زاد: أو تعسّر «6».

______________________________

(1) الكافي 1: 33- 5.

(2) الفقيه 4: 302- 915، الوسائل 27: 91 أبواب صفات القاضي

ب 8 ح 50.

(3) كما في الكافي 1: 32- 2.

(4) الكافي 1: 67- 10، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    137     التاسع: قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ..... ص : 129

(5) كمال الدين: 484- 4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.

(6) كما في مجمع الفائدة 4: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 137

و لا بأس به إذا تعسّر الاستئذان منه أيضا و لو بالكتابة و الرسالة و كان هناك أرباب فقر و حاجة، و الأحوط حينئذ مباشرة المالك باطلاع عدول المؤمنين.

و هل تجب مباشرة الفقيه بنفسه للتقسيم، كما هو ظاهر الأكثر «1»؟

أم يجوز له الإذن لغيره و تولّي الغير بإذنه، كما عن الدروس «2» و بعض مشايخ والدي قدّس سرّه؟

و الأول أحوط، و الثاني أظهر إذا كان الغير أمينا عدلا عارفا بمواقع التقسيم و أحكامه، سيّما إذا كان مجبورا بنظر النائب نفسه و اطلاعه.

المسألة الرابعة عشرة:

ظاهر الأكثر أنّه لا يعطى فقير من الخمس أزيد من كفاية مئونة السنة على وجه الاقتصاد و لو دفعة واحدة، و نظرهم إلى ما روي في المرسلة: أنّ الإمام كان يفعل كذلك وجوبا «3»، فكذا غيره، سيّما في نصف الإمام إذا صرف على وجه التتمّة، إذ لم يثبت فيه إلّا جواز إتمام المؤنة.

و الحقّ: أنّ حكم نصف الأصناف حكم الزكاة، و يجوز إعطاء الزائد عن المؤنة دفعة واحدة- أي قبل خروجه عن الفقر- لإطلاق الأدلّة.

و أمّا نصف الإمام، فلا يجوز إعطاء الزائد من مئونة السنة على وجه الاقتصاد قطعا، لأنّه القدر المعلوم إذنه فيه،

بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك مع وجود المحتاج غيره، بل يشكل إعطاء قدر مئونة السنة كاملة لواحد مع وجود محتاج بالفعل. و اللازم فيه مراعاة المواساة في الجملة و ملاحظة الحاجة.

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 184، و المنتهى 1: 555، و الروضة 2: 79.

(2) الدروس 1: 262.

(3) تقدّمت مصادرها في ص: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 138

المسألة الخامسة عشرة:

مقتضى الآية و الأخبار تعلّق الخمس بالعين، فيجب أداؤه منها، و لا يجوز العدول إلى القيمة، إلّا إذا أعطى العين إلى أهلها ثمَّ اشتراها منه.

نعم، الظاهر جواز تولّي النائب العام للمبادلة، سيّما في نصف الإمام، فإنّه يجوز له قطعا.

و لربّ المال القسمة، بالإجماع، و ظواهر الأخبار «1» المتضمّنة لإفراز ربّ المال خمسه و عرضه على الإمام و تقريره عليه.

______________________________

(1) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 139

تتميم في الأنفال

اشاره

جمع نفل- بسكون الفاء و فتحها- و هو: الغنيمة أو العطيّة و الزيادة، و منه سمّيت النافلة، لزيادتها على الفريضة.

و المراد هنا: المال الزائد للنّبيّ و الإمام بعده على قبيلتهما من بني هاشم، فالمطلوب ما يختصّ بالنبيّ عليه السّلام ثمَّ الإمام.

و ها هنا مسألتان:

المسألة الأولى: الأنفال- أي الأموال المختصّة بالنبيّ ثمَّ بعده بالإمام- أشياء:
الأول: كلّ أرض أخذت من الكفّار من غير قتال-

سواء جلا أهلها و تركوها للمسلمين، أو سلّموها طوعا و بقوا فيها و مكّنوا المسلمين منها- بلا خلاف فيها يوجد، للإجماع، و المستفيضة من الأخبار:

كحسنة البختري: «الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صولحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة و بطون الأودية، فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للإمام من بعده» «1» و قريبة منها حسنة محمّد «2» و موثّقته «3».

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 3، الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 4: 133- 370، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 10.

(3) التهذيب 4: 133- 372، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 140

و مرسلة حمّاد، و فيها: «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة

له» الحديث «1».

و موثّقة زرارة، و فيها- بعد السؤال عن الأنفال-: «و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجل و لا ركاب، فهي نفل للّه و للرسول» «2».

و رواية الحلبي: عن الأنفال؟ فقال: «ما كان من الأرضين باد أهلها» «3».

و موثّقة سماعة: عن الأنفال؟ فقال: «كلّ أرض خربة أو شي ء كان يكون للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيها سهم» قال: «و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب» «4».

و موثّقة إسحاق بن عمّار المرويّة في تفسير القمّي: عن الأنفال؟

فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي للّه و للرسول، و ما كان

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 4: 132- 368، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 9، و في المصدر: .. و لا رجال.

(3) التهذيب 4: 133- 371، الوسائل 9: 527 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 11.

(4) التهذيب 4: 133- 373، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 141

للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «1».

و المرويّ في تفسير العيّاشي عن داود بن فرقد: و ما الأنفال؟ قال:

«بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،

و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك» «2».

و فيه أيضا عن أبي بصير: و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام، و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

الثاني: ما يختصّ به ملوك أهل الحرب من القطائع و الصوافي

الغير المعلوم كونها مغصوبة من مسلم أو مسالم غير منقرض.

و ضابطه: كلّ ما اصطفاه ملك الكفّار لنفسه و اختصّ به من الأراضي المعبّر عنها بالقطائع، أو من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالصوافي، للأخبار المستفيضة «4»، المتقدّمة كثير منها.

و المذكور في الأخبار: الملوك، فلا يشمل الحكّام و الولاة و الأمراء.

الثالث: رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام،

و هي الأراضي المملوءة من القصب و سائر الأشجار الملتفّة المجتمعة، و المراد

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 254، الوسائل 9: 531 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 20.

(2) تفسير العياشي 2: 49- 21، الوسائل 9: 534 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 32.

(3) تفسير العياشي 2: 48- 11، الوسائل 9: 533 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 28.

(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 142

منها: ما يقال بالفارسيّة: بيشه.

فإنّ كل ذلك من الأنفال مع ما فيها من الأشجار و الأحجار و النبات و السمك و الكنز و الماء و نحوها.

و المرجع في معرفة هذه الأمور: العرف، أي ما يقال في العرف:

جبلا و واديا و أجمة.

و تدلّ على الثلاثة مرسلة حمّاد، و رواية داود المتقدّمتين، و على الثاني خاصّة الحسنان و الموثّقة الاولى، و على الثالث رواية أبي بصير السابقة «1»، و على الأولين مرفوعة أحمد: «و بطون الأودية و رؤوس الجبال و الموات كلّها هي له» إلى أن قال: «و ما كان في القرى من ميراث من لا وارث له فهو له خاصّة» «2». و ضعف بعض تلك الأخبار مرتفع للشهرة بالانجبار.

و مقتضى إطلاقاتها اختصاص كلّ هذه الأمور بالإمام مطلقا، كما صرّح به الشيخان «3»، و هو

ظاهر الأكثر «4»، لما ذكر من الإطلاقات.

و قيّدها الحلّي بما لم يكن في أرض مسلم «5»، أي كان في الأراضي المختصّة بالإمام من الموات و المحياة المملوكة، و مال إلى ذلك بعض من تأخّر عنه «6»، لضعف تلك المطلقات.

و ردّ بما مرّ من الانجبار، مع ما يستلزم التقييد من التداخل.

______________________________

(1) تقدمت جميعا في ص: 139- 141.

(2) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 17.

(3) المفيد في المقنعة: 278، الطوسي في المبسوط 1: 263.

(4) كما في القواعد 1: 62، و البيان: 352.

(5) السرائر 1: 497.

(6) كما في الروضة 2: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 143

أقول: ظنّي أنّ المنازعين في المقام غفلوا عن حقيقة الحال، و تحقيق المقال: أنّه لم يثبت في الشريعة أنّ كلّ ما يتصرّف فيه مسلم و يدّعي ملكيّته فيحكم له به، بل لا بدّ فيه من احتمال كون يده عليه بأحد الوجوه الموجبة للملكيّة شرعا، فلو لم يحتمله عقلا أو شرعا أو عادة لا يحكم له بذلك أصلا.

ألا ترى أنّه لو كانت هناك جبال فيها وحوش و كان يتصيّد فيها أحد من مدّة طويلة، لا تسمع دعواه- لو منع غيره من الاصطياد- مدّعيا أنّ هذه الجبال مع ما فيها من الوحوش ملكي أتصيّد فيها من القديم.

و لو كان بحر لأشخاص فيه سفن يتردّدون فيه و يغوصون، لا يسمع ادّعاؤهم الملكيّة.

لعدم ثبوت اعتبار مثل ذلك اليد، و عدم احتمال تحقّق التصرّف المملّك- أي الموجب للملكيّة شرعا- فيهما.

و على هذا، فنقول: إنّه ما ثبت إيجابه للتملّك في الأرضين و نحوها هو إحياء ببناء أو غرس أو زرع أو حفر أو نحو ذلك، و لا

تحتمل هذه الوجوه في رؤوس الجبال من حيث هي.

نعم، يمكن تصرّف مسلّم في موضع منها ببناء أو غرس شجر أو حفر، و هو غير ما نحن فيه.

فالوجوه الثابت إيجابها للتملّك شرعا ممّا لا يمكن تحقّقها في الجبال و رؤوسها من حيث هي، فدعوى أحد: أنّ هذه الجبال برؤوسها ملك لي و يدي عليها لأنّي أنقل حجارها و أحصد نباتها و نحو ذلك، ممّا لا يسمع، إذ لا يمكن تحقّق الأسباب الموجبة للتملّك فيها.

نعم، يمكن ذلك في بعض أجزائها، و هو غير تملّك رؤوس الجبال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 144

من حيث هي هي.

و لذا لو ادّعى أحد ملكيّة أرض ميتة لم يكن فيها بناء و لا قناة و لا زرع أبدا، و يقرّ المدّعي بذلك، و لكن يقول: إنّها في يدي، لأنّي أحتطب فيها و أحتشش و أرعى فيها دوابي .. لا يسمع منه، إذ محض هذه التصرّفات لا يوجب التملّك، و لذا جعل من مطاعن الثاني ما فعل من حماية الحمى.

و كذا الوادي، فإنّ أسباب تملّك المياه السائلة إنّما تتحقّق بحفر قنوات أو حيازة عين أو عيون و نحوها، و ما كان منتهيا إلى مثل ذلك لا يطلق عليه الوادي عرفا، بل حقيقة المياه العظيمة التي لا تنتهي إلى عين أو عيون أو قناة أو نهر يحتمل أن يكون مستحدثا من شخص أو أشخاص بقصد التملّك، و ما يحتمل فيه ذلك لا يسمّى واديا إلّا مجازا.

و كذا الآجام، و المراد بها- كما مر- ما يقال بالفارسيّة: بيشه. و الوجوه المملّكة للأشجار من الغرس أو الابتياع أو النمو في الملك إنّما هو أمر لا يتحقّق عرفا في الآجام.

فالوجوه الموجبة للملكيّة غير محتملة في هذه

الثلاثة.

و لو فرض وجود نادر- كواد صغير منته إلى عيون محصورة في موضع معين، أو أجمة صغيرة محتملة لأن تكون مغروسة، أو ملكها في الأصل لواحد معيّن- فهو إمّا لا يطلق عليه الوادي و الأجمة إلّا مجازا، أو فرد نادر جدّا لا تنصرف إليه الإطلاقات.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكلام ليس في جزء من الجبال يتصرّف فيه أحد بقصد التملّك ببناء أو حفر أو غرس أو غيرها من الوجوه الثابتة مملّكيتها شرعا، بل في الجبال من حيث هي هي.

و لا في نهر شقّ من واد أو نهر عظيم متصرّف فيه لأحد ينتهي إلى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 145

مبادئ كونها مستحدثة من شخص أو أشخاص بقصد التملّك، فإنّه ليس واديا عرفا، و إن أطلق عليه الوادي مجازا.

و لا في محلّ محصور فيه أشجار و قصبات ملتفّة محتملة لكونها مغروسة أو أصل ملكها مملوكة لأشخاص، فإنّه ليس أجمة عرفا و إن أطلقت عليه مجازا، لما عرفت من عدم كونهما واديا أو أجمة حقيقة.

و لو سلّمناه فمثلهما من الأفراد الغير المتبادرة من الوادي و الأجمة.

و أمّا ما عدا ذلك فلا يملكه أحد، إذ لم يثبت من الشريعة وجه مملّك لجميعه، فيكون ملكا للإمام بمقتضى الإطلاقات، و لا تعارضها يد المسلم و لا دعواه، لعدم احتمال تحقّق وجه مملّك فيه عرفا، فافهم.

الرابع: المال المجهول مالكه

، كما مرّ في مسألة الحلال المختلط بالحرام.

الخامس: الأراضي الميتة
اشارة

، سواء لم يعلم سبق إحياء و ملك عليها- ككثير من المفاوز و البوادي- أو علم إحياؤها في زمان و طريان الموتان عليها. و كونها من الأنفال ممّا لا خلاف فيه في القسم الأول، و الثاني إذا لم يكن له مالك معروف، بل في التنقيح و المسالك و المفاتيح و شرحه و غيرها الإجماع عليه «1».

و تدلّ عليه مرسلتا حمّاد و أحمد، و روايتا داود و أبي بصير المتقدّمة المتضمّنة للفظ الميتة و الموات «2»، و استدلّوا له أيضا بحسنتي البختري و محمّد و موثّقات محمّد و سماعة و إسحاق المتضمّنة للفظ الخربة «3».

و لا يخفى أنّ المتبادر منها هو القسم الأخير من الميتة- و هو

______________________________

(1) التنقيح 4: 98، المسالك 2: 287، المفاتيح 3: 20.

(2) المتقدّمة جميعا في ص 140- 142.

(3) المتقدّمة في ص: 139، 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 146

المسبوق بالإحياء و العمارة- فهي تصلح أدلّة لبعض أفراد المطلوب، بل يحتمل شمولها ما لم يبلغ حدّ الموات من هذا القسم أيضا، كما هو الظاهر من جمعها مع الميتة في المرسلة.

ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر تلك الأخبار و إن كان كون القسم الثاني من الأراضي الميتة و الخربة من الأنفال مطلقا- سواء لم يكن لها مالك معروف أو كان، و سواء ملكها المالك المعروف بالإحياء أو بغيره من وجوه الانتقالات، كما نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب و نسبه إلى ظاهر الإرشاد أيضا «1»- إلّا أنّ أكثر الأصحاب خصّوه بالأولين، و جعلوا الثالث ملكا لمالكه المعروف «2»، و منهم من خصّه بالأول خاصّة، و جعل الأخيرين لمالكه.

و منه يعلم أنّ كون ما لا مالك له معروفا

من الأراضي الميتة و الخربة من الأنفال ممّا لا خلاف فيه، و استفاضت عليه الروايات أيضا.

و أمّا ما له مالك معروف منها ففيه أقوال ثلاثة:

الأول: أنّها من الأنفال مطلقا كما مرّ.

الثاني: أنّها ليست منها كذلك، اختاره الشيخ و المحقّق «3».

الثالث: التفصيل بين ما ملكه مالكه بالإحياء فمن الأنفال، و بغيره كالشراء و الإرث و نحوهما فمالكه، نقل عن الفاضل في بعض فتاويه، و عن التذكرة «4»، و قوّاه في المسالك «5»، و استقربه في الكفاية «6»، و إن

______________________________

(1) الذخيرة: 489.

(2) منهم العلّامة في المنتهى 1: 553، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.

(3) المبسوط 1: 235، الشرائع 1: 323.

(4) التذكرة 1: 428.

(5) المسالك 1: 156.

(6) الكفاية: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 147

استشكل أخيرا فيما ملكه المالك بالبيع و الشراء أيضا.

دليل الأول وجوه:

الأول: المطلقات المذكورة المصرّحة بأنّ كلّ أرض ميّتة أو خربة بإطلاقها للإمام.

و لا يعارضها تقييد الميّتة في بعضها بقوله: «لا ربّ لها»، أو الخربة بقوله: «باد أهلها» أو «جلا»، إذ لا منافاة بين منطوقه و بين الإطلاق، و أمّا مفهومه فمفهوم وصف لا حجّية له، على أنّ القائلين بذلك القول يقولون:

إذا ماتت الأرض لا يكون لها ربّ البتّة. فالوصف به توضيحي. و التوصيف بالجلاء أعمّ من المعروفيّة بعده أيضا. و يمكن إرادة المربّي و العامر من الربّ، بل هو مقتضى المعنى اللغوي، و على هذا فيرجع إلى ما يأتي من كونها غير متروكة.

الثاني: الأخبار المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام.

كصحيحة الكابلي، و فيها: «و الأرض كلّها لنا» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: «يا أبا سيّار، إنّ الأرض كلّها لنا» «2»، خرج منها ما ثبت خروجه، فيبقى الباقي.

الثالث: المستفيضة المصرّحة بأنّ من

أحيا أرضا ميّتة فهي له، ففي صحيحة محمّد: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحقّ بها و هي لهم» «3».

______________________________

(1) الكافي 1: 407- 1، و ج 5: 279- 5، التهذيب 7: 152- 674، الاستبصار 3:

108- 383، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.

(2) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 12.

(3) الكافي 5: 279- 1، التهذيب 7: 152- 671، الاستبصار 3: 107- 380، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 148

و في صحيحة زرارة أو حسنته: «من أحيا مواتا فهي له» «1».

و في صحيحة الفضلاء السبعة أو حسنتهم: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2»، إلى غير ذلك، كصحيحة السرّاد «3»، و رواية السكوني «4»، و صحيحة عمر بن يزيد «5».

وجه الاستدلال: أنّها تدلّ على أنّ بالإحياء تملك الموات و إن كان لها مالك معروف، و لا يكون ذلك إلّا بكونها من الأنفال، للإجماع المركّب.

و المعارضة بكون الأول أيضا مصداقا لذلك يأتي جوابه.

الرابع: خصوص صحيحة ابن وهب: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمَّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها» «6»، و دلالتها- بضميمة الإجماع المركّب المشار إليه- واضحة جدّا. و جعل اللام للاختصاص دون الملكيّة خلاف الظاهر.

و أورد عليها: بأنّ دلالتها متشابهة، إذ لو جعلنا أول الرواية مبنيّا على أنّ تلك الأرض كانت معمورة قبل الإحياء- كما هو ظاهر لفظ

الخربة

______________________________

(1) الكافي 5: 279- 3، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 6.

(2) التهذيب 7: 152- 673، الاستبصار 3: 108- 382، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.

(3) الفقيه 3: 152- 668، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 8.

(4) الكافي 5: 280- 6، الفقيه 3: 151- 665، التهذيب 7: 151- 670، الوسائل 25: 413 أبواب إحياء الموات ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 4: 145- 404، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 13.

(6) الكافي 5: 279- 2، التهذيب 7: 152- 672، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 149

و البائرة، و إضافة الأنهار إلى الأرض- فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث على أنّ الأرض كانت غير معروفة المالك وقت الإحياء الثاني، ثمَّ ظهر مالكها بعد الإحياء، فالرواية خارجة عن محلّ النزاع.

و إن جعلنا أولها مبنيّا على كونها مواتا غير مسبوقة بإحياء، فلا بدّ أن يحمل آخرها على بيان حكم ما سبق إليها إحياء قبل ذلك، فلا بدّ أن يكون المراد منها أنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها أولا.

و إن جعل الأول و الآخر مبنيّا على مسبوقيّة الإحياء الثاني بإحياء آخر، فيبقى العطف و التعقيب بلا فائدة، و يصير الكلام في غاية الحزازة، بل المناسب حينئذ أن يقال: و إن كان له صاحب قبله و جاء يطلبها، بكلمة إن الوصليّة. انتهى.

و لا يخفى ما فيه من الركاكة و السخافة، أمّا أولا: فلأنّ أولها مبنيّ على الإحياء المسبوق. قوله: فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث، إلى آخره. قلنا:

و لم ذلك و أيّ

لا بدّية فيه؟! بل يبقى على ظاهره.

و توهّم كونه خلاف الإجماع ممنوع، إذ بمجرّد نقل الإجماع في التذكرة «1» لا يثبت الإجماع الموجب لتأويل الرواية، و لذا قال صاحب الكفاية بعدم ثبوت الإجماع المذكور «2»، مع أنّ الإجماع المنقول أيضا مخصوص بصورة التملّك بغير الإحياء، فحمل آخر الرواية عليه ممكن.

و ثانيا: أنّ ما ذكره- بقوله: فيبقى العطف و التعقيب، إلى آخره- فاسد جدّا، لأنّ بالجزء الأول يثبت أنّ على المحيي الثاني الصدقة، و لازمة أحقّيّته، و لم يثبت حكم ما إذا جاء طالب و يدّعيه و أنّ أحقّيّته هل هي

______________________________

(1) التذكرة 1: 427.

(2) الكفاية: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 150

بالملكيّة، فعطف عليه قوله: «فإن جاء» لبيان هذه الغاية.

و بالجملة: دلالة الصحيحة على المطلوب في غاية الوضوح. و استدلّ أيضا بوجوه خطابيّة لا حجيّة فيها.

حجّة الثاني أيضا وجوه:

الأول: استصحاب الملك الأول و لا مزيل له.

و فيه: أنّ جميع ما مرّ له مزيل.

الثاني: عمومات: من أحيا أرضا ميّتة فهي له.

و ردّ بأنّ الإحياء الثاني أيضا إحياء، بل هي أدلّ عليه، لكونه عارضا و طارئا على الإحياء الأول، و السبب المملّك الطارئ أقوى.

و اعترض عليه بأنّ المتبادر من الروايات هو الإحياء الأول، و بيّن ذلك بما لا يرجع إلى محصّل عند المحقّق.

و يردّه منع التبادر جدّا، بل المتبادر أنّها له ما دامت محياة. و لو قطع النظر عنه فتكون نسبته إلى الإحياءين على السواء، ألا ترى أنّه إذا ورد:

«من اشترى شيئا فهو له» لا يتبادر منه الشراء الأول الغير المسبوق بشراء آخر من البائع.

و لا يتوهّم أنّه يحصل التعارض حينئذ بين الإحياءين لأجل تلك العمومات، لأنّ ذلك توهّم فاسد جدّا، لأنّ الثابت من قوله: «من أحيا

مواتا فهي له» ليس إلّا سببيّة الإحياء للتملّك و حصول التملّك بعده، و أمّا استمراره و بقاؤه حتى بعد الموتان أيضا فلا يثبت من الخبر أصلا، بل هو أمر ثابت بالاستصحاب فقط، و قد مرّ جوابه.

و لذا يحكم بكون ما اشتراه ملكا للمشتري الثاني و لو كان بائعه ملكه بالاشتراء أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 151

و لذا لا يحكم بكون الموضع الملاقي للنجاسة- مثلا- نجسا بعد غسله مرّة بما دلّ على تنجّسه، بل بالاستصحاب، و هذا ظاهر جدّا.

الثالث: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحيا أرضا ميّتة فهي له، و ليس لعرق ظالم حقّ» «1».

و فسّر: بأنّ المراد: أن يأتي الرجل الأرض الميّتة لغيره فيغرس فيها.

و فيه: أنّ التفسير محكيّ عن هشام بن عروة و السيّد في المجازات النبويّة «2»، و مجرّد قولهما ليس بحجّة في التفاسير، مع أنّ أصل الرواية غير ثابت، و الجابر لها- في صورة تملّك الأول بالإحياء- مفقود.

الرابع: صحيحة سليمان بن خالد: عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها، ما ذا عليه؟ قال: «عليه الصدقة» قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: «فليردّ عليه حقّه» «3»، و قريبة منها مرويّة عن الحلبي عنه عليه السّلام في البحار «4».

و فيه أولا: أنّ المأمور به ردّ الحقّ، و فيه إجمال، لاحتمال كونه الأرض و الطسق «5» و الأعيان التي منه فيها، و غير ذلك ممّا لم يعلمه، كقيمة التفاوت بينها و بين الموات المطلق، كما إذا كان بعض أنهارها أو آبارها باقيا- و لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر- و غير ذلك. و لا يلزم تخصيص بمجمل، إذ لا تخصّص تلك العمومات

إلّا بعد تيقّن أنّ المراد منه نفس الرقبة.

______________________________

(1) غوالي اللئالي 3: 480- 2، سنن البيهقي 6: 142.

(2) المجازات النبوية: 255.

(3) التهذيب 7: 148- 658، الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 2.

(4) بحار الأنوار 101: 255- 11.

(5) الطسق: الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرّب- الصحاح 4: 1517.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 152

و القول بأنّ إطلاق الأعمّ يقتضي إرادة جميع الأفراد.

سخيف جدّا، لأنّه فرع ثبوت كون الأرض حينئذ أيضا حقّا للأول، مع أنّ أصل الاقتضاء ممنوع.

و بأنّ مقتضى لفظ الصاحب أنّه مالك بالفعل، لأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ.

أسخف، لأنّه وقع في كلام الراوي، و لا حجّية فيه، و ليس فيه تقرير حجّة، إذ غايته تجوّز من الراوي.

و بأنّ ذلك يستلزم حمل الرواية على غير صورة انتقال الملك إلى المالك الأول بالبيع و نحوه، مع أنّه غالب أفراد المحياة، و حملها على المعنيين يوجب استعمال اللفظ في المعنيين المتباينين في إطلاق واحد.

أسخف بكثير، لمنع الاستلزام أولا، بل يبقى على ظاهره من الإطلاق، و منع لزوم استعمال اللفظ في المعنيين ثانيا، و إنّما هو استعمال للمشترك المعنوي في القدر المشترك.

و فيه ثانيا: أنّه لو سلّم عدم الإجمال، فهي أعمّ مطلقا من صحيحة ابن وهب «1»، لاختصاصها بما تركها مالكها الأول و أخربها، و هذه أعمّ منه و ممّا إذا لم يتركها و كان في صدد إحيائها، بل مشتغلا بتهيئة أسبابه.

سلّمنا، فتكون معارضة لهذه الصحيحة، فتتساقطان، و يرجع إلى المطلقات و العمومات المتقدّمة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ هذه الصحيحة ظاهرة في أنّ المحيي الثاني كان يعرف صاحبها حال الإحياء، و الصحيحة الاولى و غيرها أعمّ من ذلك، فلتخصّ بها. و هو كان حسنا

لو لا الإجمال المذكور.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 153

و دليل الثالث: الإجماع المنقول في التذكرة على عدم تملّك الثاني إذا ملك الأول بغير الإحياء «1»، و صرّح بعدم الخلاف فيه بعض آخر أيضا «2».

و الجمع بين الأخبار المتقدّمة بحمل صحيحة سليمان على ما إذا ملكها الأول بغير الإحياء، و ما تقدّم عليها على ما إذا ملكها بالإحياء بشهادة صحيحة الكابلي، و فيها: «و من أحيا من المسلمين أرضا فليعمرها، و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل، حتى يظهر القائم من أهل بيتي عليهم السّلام بالسيف» الحديث.

و ردّها بأنّ الظاهر منها حكم زمان الحضور- كما يدلّ عليه إعطاء الخراج- و بأنّها لا تدلّ إلّا على الأحقيّة و الأولويّة، و هي أعمّ من الملكيّة.

مردود بأنّ قوله: «حتى يظهر القائم» صريح في إرادة العموم لزمان الغيبة أيضا، و تخصيص أداء الخراج بزمان الحضور بالدليل لا يستلزم تخصيص الباقي أيضا، و الأحقيّة و إن كانت أعمّ من الملك لكن المطلوب ثبت منه كما لا يخفى.

و لا يخفى أنّ تلك الصحيحة و إن اختصّت بما إذا كان المالك الأول ملكها بالإحياء، إلّا أنّها لا تدلّ على نفي الحكم الثابت بأدلّة القول الأول في غير موردها.

نعم، لو كان دليل الثاني دالّا على مطلوبه لصلحت هذه الصحيحة للجمع، لكونها أخصّ منها، و لكن قد عرفت عدم تماميّتها.

______________________________

(1) التذكرة 1: 427.

(2) كالسرائر 1: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 154

و

الإجماع المنقول ليس بحجّة، و قد صرّح في الكفاية بعدم ثبوته أيضا «1». إلّا أنّ معه- مضافا إلى عدم العثور على مصرّح بخصوصه بالملكيّة مع تملّك المالك الأول بغير الإحياء- الفتوى بها خلاف الاحتياط.

و منه يظهر أنّ أقوى الأقوال- بحسب الدليل- هو الأول، و الاحتياط في متابعة الثالث فيما لم يعارضه احتياط آخر.

و كيف كان، يجب تقييدهما بقيد آخر أيضا، و هو كون الملك ممّا تركها المالك الأول المعروف، لمفهومي الشرط في صحيحتي ابن وهب و الكابلي المؤيّدتين برواية يونس: «فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير سبب أو علّة أخرجت من يده» «2».

و لتقييد الميّتة و الأرض في بعض ما تقدّم من الأخبار بكونها لا ربّ لها، أي كانت متروكة لا مربّي لها و لا عامر، بل يدلّ على الترك و التعطيل الإجماع، فإنّ الظاهر أنّ عدم جواز التصرّف في أرض لها مالك معروف لم يتركها و يريد إحياءها و عمارتها محلّ إجماع العلماء، بل الضرورة، بل و كذلك لو لم يعلم أنّها تركها أم هو بصدد إحيائها.

و على هذا، فكلّ أرض ميّتة لم يعلم سبق إحياء عليها فهي ملك لمحييها مطلقا، و كذا ما علم و لم يعرف مالكها الأول، أو عرف و ملكها بالإحياء خاصّة على الأحوط، و مطلقا على الأظهر بشرط أن ترك إحياء الأرض و عطّلها.

فروع:
أ: قالوا: المرجع في معرفة الموات إلى العرف

«3»، و عرّفوها فيه: بأنّه

______________________________

(1) الكفاية: 239.

(2) الكافي 5: 297- 1، الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17 ح 1.

(3) المسالك 2: 287، و المدارك 5: 414، و الكفاية: 44 و 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 155

ما لا ينتفع منه لعطلته، و حصول موانع الانتفاع منه بحيث يتعذّر الانتفاع منه بدون

عمل فيه.

و قد يشكل في بعض الأراضي في صدق الموات عليه عرفا و عدمه، إلّا أنّه لعدم انحصار العنوان في الموات- بل علّق الحكم بعينه للأرض الخربة- يسهل الأمر، لأنّ معنى الخربة عرفا أظهر و أجلى، و هي: كلّ أرض معطّلة غير ممكن الانتفاع منها بالفعل لخرابها و بوارها، و توقّفه على عمارتها و إصلاحها.

ب: ليس المراد بترك المالك للأرض إعراضه عنها

و إخراجها عن ملكه، لأنّه ليس معنى عرفيّا للترك و لا لغويّا، بل المراد منه تعطيل إصلاحها و ترك عمارتها و إبقاؤها على خرابها و عدم الاهتمام و الالتفات إلى مرمّتها و عدم عزمه على إحيائها، سواء كان لعدم حاجته إليها أو عدم تمكّنه من إحيائها.

و أمّا لو كان مهتمّا بإحيائها عازما عليه مريدا له، فلا تكون متروكة و إن توقّف الاشتغال به على جمع آلات متوقّعة الحصول، أو انتظار وقت صالح له، أو حصول مال متوقّع له.

و لو كانت لأحد أرض خربة و لم يعلمها- كأن تكون موروثة و هو غير عالم بها- فلا يصدق الترك، بل اللازم إعلامه ثمَّ اعتبار الترك و عدمه.

و الظاهر أنّه يشترط في صدق الترك عرفا أمران آخران:

أحدهما: أن لا يعزم على بيعها أو صلحها و لو ببعض رقبتها لإحياء الجميع، إمّا لعدم قصده بذلك، أو عدم توقّع من يشتريها أو يقبلها توقّعا مظنون الحصول.

و ثانيهما: أن يمضي على ذلك زمان يعتدّ به، بحيث يصدق معه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 156

الترك عرفا من سنين متعدّدة و لا أقلّ من ثلاث سنين، و لا يبعد أن يكون نظره عليه السّلام إلى ذلك في رواية يونس المتقدّمة.

ج: القائلون- ببقاء الملك على ملكيّة المالك الأول في الأخيرين أو أحدهما

- بين قائل بجواز الإحياء و أحقّية المحيي الثاني في التصرّف، و عليه طسقها للأول، و قائل بعدم الأحقّية أيضا فلا يجوز له الإحياء.

و الظاهر عدم دليل يعتدّ به على الأول، فإن جاز للثاني الإحياء و ثبتت أحقّيته فلا طسق عليه، و إلّا فلا يجوز أصل التصرّف.

د: المناط في التملّك بالإحياء و غيره-

على الفرق بينهما- تملّك من وقع الموتان في حال تملّكه، فلو تملّك أحد أرضا بالإحياء و ماتت حال تملّكه لا تنتقل إلى ورثته، إذ بالموتان خرجت من ملكه و صارت من الأنفال، فليس للورثة دعوى أنّها منتقلة إليهم بالإرث.

ه: لو لم يعلم أنّ تملّكه هل بالإحياء أو بغيره

، و لم يمكن تحقيق الحال، فحكمه حكم المتملّك بالإحياء، للعمومات و الإطلاقات المتقدّمة، خرج منها ما تحقّق فيه الإجماع لو ثبت- و هو ما علم تملّكه بغير الإحياء- فيبقى الباقي، مضافا إلى أصالة تأخّر الحادث في كثير من الصور.

و: لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان

أو الخراب تصير به من الأنفال مطلقا، أي من غير تفرقة بين الوقف العامّ أو الخاصّ، و لا بين معلوم الجهة و مجهولها، و لا بين ما تملّكه الواقف بالإحياء أو بغيره، للعمومات و الإطلاقات الخالية عن المعارض، إذ ليس إلّا صحيحة سليمان المتضمّنة للفظ صاحبها، و المتبادر منها الشخص المعيّن و جهة الملكيّة لا غير ذلك.

أو الإجماع، و تحقّقه في المقام غير معلوم، بل مفقود.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 157

أو استصحاب الوقفيّة، و هو بما مرّ مزال.

أو عمومات الوقف، و شمولها فرع تسليم الوقفيّة، و هي عين النزاع.

نعم، يشترط في دخولها في الأنفال و عدمه اعتبار الترك و عدمه، للإجماع، فإنّ الظاهر أنّه ما لم يتركها الموقوفة عليه أو المتولّي و لم يعطّلها و كان بصدد إحيائها كان عدم جواز تصرّف الغير إجماعيّا، بل هي إجماعيّة مقطوع بها.

و يدلّ عليه أيضا الإجماع المركّب، فإنّ الظاهر عدم تفرقة أحد بين الموقوف و المملوك فيما يدخل به في الأنفال.

بل يمكن الاستدلال عليه بمفهوم صحيحة ابن وهب «1» أيضا، فإنّ اللام في قوله: «لرجل» يمكن أنّ يكون للاختصاص الثابت للموقوف عليه الخاصّ أو المتولّي العامّ، إلّا أنّ مجرّد احتمال ذلك مع احتمال الملكيّة غير كاف في الاستدلال.

نعم، يمكن الاستدلال بإطلاق قوله: «فمن أحيا» في صحيحة الكابلي «2»، فإنّه شامل لمن أحياها و وقفها أيضا، فهو دليل على اعتبار الترك و عدمه هنا مع الإجماعين القطعيّين.

و

المناط في التارك في الوقف الخاص: متولّيه الخاصّ إن كان، أو الموقوف عليه، و في العامّ المتولّي الخاصّ إن كان، و إلّا فالحاكم مع وجوده في تلك النواحي، أو عدول المسلمين مع عدمه.

و لا تكفي مشاهدة كون الأرض بائرة لا عامل لها و عدم اهتمام

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 148.

(2) الكافي 1: 407- 1 و ج 5: 279- 5، التهذيب 7: 152- 674، الاستبصار 3:

108، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 158

المتولّي الخاصّ أو العامّ في إحيائها، لجواز عدم علم المتولّي بالكيفيّة، و كذا الموقوف عليه، بل اللازم الفحص و إعلام المتولّي العامّ أو الخاصّ أو الموقوف عليه، فإن قصدوا الإحياء و نهضوا له و لو بعد حين يتوقّع فيه تهيّؤه عرفا فهو، و إلّا فيحييها من أراد و يصير هو أحقّ بها و ملكا له.

ز: لو ترك المالك بالإحياء أو بغيره أيضا على الأظهر أرضا مدّة و عطّلها

، و لم يهتمّ بإحيائها أو لم يكن في نظره، ثمَّ أراد الإحياء، فهل يجوز لغيره السبق عليه قبل شروعه في العمل؟ و لو سبق عليه فهل له ردعه و منعه؟ و كذا لو عطّلها و تركها مالكها و مات المالك، و أراد الوارث إحياءها و سبق عليهم محيي آخر، فهل لهم منعه و أخذهم الأرض منه، أم لا؟

الظاهر: الثاني، لدخولها بالترك في الأنفال، فلا تعود إلى الملكيّة بلا موجب، و لاستصحاب جواز إحياء كلّ أحد لها قبل إرادة الإحياء.

ح: لو ماتت أرض الصغير

، أو انتقل إليه ملك خراب يريد مالكه عمارته فمات و انتقل إلى صغيره، فهل يعتبر الترك و التعطيل و عدمهما من وليّه المعيّن أو الحسبي، أو لا، بل ينتظر إلى كبر الصغير و اعتبارهما بالنسبة إليه؟

الأحوط: الثاني، و اللّه العالم.

ط: قد عرفت إناطة الحكم في بعض الأقسام على الاحتياط أو الفتوى على عدم معروفيّة المالك.

و ظاهر أنّ المراد منه ليس عدم معروفيّته عند أحد من الناس، إذ حصول العلم بمثل ذلك غير ممكن. و لا عدم معروفيّته عند المحيي أو شخص معيّن مطلقا، إذ ليست أرض إلّا و مالكها غير معروف عند بعض الناس.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 159

بل المراد: كون مالكها غير معروف عند المحيي، و يكون بحيث لا تحصل معرفته بعد التفحّص عنه في مظانّه، و هي بلد الأرض و حواليه، فلا تدخل في الأنفال بدون ذلك التفحّص، و معه تكون من الأنفال، إذ لا يثبت من الإجماع و لا صحيحة سليمان- اللذين هما الباعث لاعتبار معروفيّة المالك- أزيد من ذلك.

ي: لو فحص و أحيا ثمَّ بان له مالك آخر

، لم يكن له حقّ، إذ لم يثبت من أدلّة اعتبار عدم معروفيّة المالك و خروج معروف المالك عن العمومات ما يشمل ذلك أيضا.

يا: قد تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ الأراضي الخربة تملك بالإحياء

إن لم يكن لها مالك معروف بعد الفحص المذكور مطلقا، و إن كان لها مالك معروف يملك أيضا به بعد تعطيل المالك إيّاها و تركها خربة كذلك، و إن كان الأحوط في صورة العلم بتملّكه بغير الإحياء تحصيل الإذن منه.

يب: لو كانت هناك أرض خربة لها مالك معروف

و لم يعلم أنّه عطّلها أو لا، و أراد أحد إحياءها، يستأذن المالك، فإن أذن فهو، و إلّا فيأمره بإحيائها، فإن أحياها أو نهض بصدده فلا يجوز لغيره إحياؤها و إن علّقه على أمر متوقّع له منتظر، و لم يعلم من الخارج أنّ غرضه التعطيل.

و إن لم ينهض أو علّقه على أمر غير متوقّع في حقّه، أو علم أنّه ليس بصدده و غرضه التعطيل، يحييها من يريد.

و الأولى- كما قيل «1»- الاستئذان من الحاكم.

السادس من الأنفال: كلّ أرض باد أهلها أو لا ربّ لها

- من غير تقييد بالخربة أو الميتة- كما ورد في بعض الروايات المتقدّمة، و إنّما لم يذكروها

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 497.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 160

على حدة لأنّ معمورها داخل في مجهول المالك، و خرابها في الخربة.

السابع: ما يصطفيه الإمام من غنيمة أهل الحرب

، بمعنى: أنّ له أن يصطفي منها قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك، بالإجماع، كما في المنتهى و غيره «1»، و عليه استفاضت الروايات «2».

الثامن: الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام

، و كونها من الأنفال على الحقّ الموافق للشيخين و السيّد و الحلّي و المحقّق في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيدين «3»، بل للشهرة العظيمة المحقّقة، و المحكيّة في كتب الجماعة «4»، و في الروضة: أنّه لا قائل بخلافها، و عن الخلاف و السرائر: دعوى الإجماع عليه صريحا، و في التنقيح ظاهرا «5».

لمرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «6» و ضعفها- لو كان- منجبر بما ذكر.

و استدلّ له في الحدائق «7» بحسنة ابن وهب: السريّة يبعثها الإمام

______________________________

(1) المنتهى 1: 553، و كالرياض 1: 297.

(2) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.

(3) المفيد في المقنعة: 275، و الشيخ في المبسوط 1: 263، و الخلاف 4: 190، و نسبه إلى الثلاثة- و منهم السيّد- في المعتبر 2: 635، و الحلي في السرائر 1:

497، و المحقق في الشرائع 1: 183، و العلّامة في التحرير 1: 75، و الشهيد الأول في اللمعة، و الثاني في الروضة 2: 85.

(4) كالرياض 1: 298.

(5) الخلاف 4: 190، نقله عنه في المعتبر 2: 635، و عبّر عنه ببعض المتأخّرين كعادته، و لم نجده في السرائر، التنقيح 1: 343.

(6) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(7) الحدائق 12: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 161

فيصيبون غنائم كيف

تقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم، اخرج منها الخمس للّه تعالى و للرسول، و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعل حيث أحبّ» «1».

و لا يخفى أنّها تدلّ فيما إذا كانت الغنيمة بغير قتال، و هي غير محلّ الكلام، و يأتي حكمه في كتاب الجهاد إن شاء اللّه، مع ما في الرواية من الوهن من جهة قوله: «ثلاثة أخماس».

و استجود في المدارك كونها كالغنيمة المأخوذة بإذن الإمام «2»، و قوّاه في المنتهى «3»، و تردّد في النافع «4».

لإطلاق الآية الكريمة «5».

و صحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، فيكون معهم، فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسها و يطيب له» «6».

و قوله في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة في تعداد ما يجب فيه الخمس: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله» «7».

و الآية لإطلاقها تقيّد- للمرسلة- بما إذا كان الغزو بإذن الإمام، كما هو

______________________________

(1) الكافي 5: 43- 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 3.

(2) المدارك 5: 418.

(3) المنتهى 1: 554.

(4) المختصر النافع: 64.

(5) الأنفال: 41.

(6) التهذيب 4: 134- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

(7) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 162

المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها، و لأجل ذلك يحصل الضعف في إطلاقها أيضا.

و كذلك الصحيحان، لإطلاقهما بالنسبة إلى حصول الغنيمة بالغزو و غيره، مع أنّ الأولى محتملة لكونها من باب التحليل، حيث إنّ الرجل من الشيعة.

ثمَّ إنّه

لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الإمام حاضرا أو غائبا، كما صرّح به في الروضة «1»، لإطلاق المرسلة. و لا فيما إذا كان الغزو للدعاء إلى الإسلام أو الملك و السلطنة في دار الحرب أو دار الإسلام، لما ذكر.

نعم، لو كان فيما إذا كان يخاف من الكفّار على بيضة الإسلام تكون الغنيمة كما إذا كان الغزو بإذنه، للإذن العام حينئذ.

و تمام الكلام فيه يأتي في كتاب الجهاد.

التاسع: ميراث من لا وارث له،

و يأتي تحقيقه في بحث الميراث.

العاشر: المعادن

، و هي من الأنفال على الأظهر، وفاقا لجماعة من أعيان القدماء، كالكليني و القمّي و الشيخين و القاضي و الديلمي و الفاضل في خمس التحرير، و اختاره صاحب الحدائق «2»، و هو مذهب ابن أبي عمير «3».

للمرويّين في تفسيري القمّي و العيّاشي المتقدّمين «4».

و رواية جابر المرويّة في الكافي: «خلق اللّه تعالى آدم، و أقطعه الدنيا

______________________________

(1) الروضة 2: 85.

(2) الكافي 1: 538، تفسير القمي 1: 254، المقنعة: 278، التهذيب 4: 132، و القاضي في المهذب 1: 186، و الديلمي في المراسم: 140، التحرير 1: 74، الحدائق 12: 479.

(3) الكافي 1: 409- 8، مستدرك الوسائل 7: 304 أبواب الأنفال ب 5 ح 2.

(4) في ص 140، 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 163

قطيعة، فما كان لآدم فلرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما كان لرسول اللّه فهو للأئمّة عليهم السّلام من آل محمّد» «1».

و رواية محمّد بن ريّان: «إنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «2».

و مرسلة أحمد بن محمّد بن عبد اللّه: «الدنيا و ما فيها للّه و لرسوله و لنا» الحديث «3»، دلّت على أنّ الدنيا و ما فيها- و منه المعادن- للإمام، خرج منها ما خرج فيبقى الباقي.

و بعد دلالة تلك الأخبار الكثيرة- التي أكثرها مذكورة في الكافي و عمل قدماء الطائفة عليها- لا يضرّ ضعف سندها، و لا ضعف دلالة الاولى من جهة اختلاف النسخ بتبديل لفظة: «منها» في بعضها «فيها» فلا تدلّ إلّا على المعادن التي في أرضه- كما هو مذهب جمهور المتأخّرين «4»- بل و كذلك على نسخة: «منها»، لاحتمال رجوع

الضمير إلى الأرض لا الأنفال، سيّما مع قرب المرجع، و إيجاب الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو مع أنّ الأصل فيها العطف، سيّما مع كونه مغنيا عن قوله: «منها».

و لا ينافي كون المعادن من الأنفال ما دلّ على وجوب الخمس فيها- حيث إنّه لا معنى لوجوبه في ماله على الغير- لجواز أن يكون الحكم في المعادن: أنّ من أخرجه بإذنه يكون خمسه له و الباقي له، كما صرّح به الكليني و الديلمي «5».

______________________________

(1) الكافي 1: 409- 7.

(2) الكافي 1: 409- 6.

(3) الكافي 1: 408- 2.

(4) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 85، و السبزواري في الكفاية: 44، و صاحب الرياض 1: 298.

(5) الكافي 1: 538، المراسم: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 164

و معنى كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مالكا للمجموع: أنّ له التصرّف في المجموع بالإذن و المنع، فمعنى أخبار وجوب الخمس: أنّ من أخرجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس، و هو إنّما يكون مع إذنه عليه السّلام.

الحادي عشر: البحار

، و هي على الأظهر من الأنفال، وفاقا لصريح الكليني «1»، و ظاهر ابن أبي عمير، و المحكي عن المفيد بل الديلمي «2»، للعمومات المتقدّمة «3».

و حسنة البختري: «إنّ جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه: الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا» «4».

و تؤيده- بل تدلّ عليه أيضا- صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: إنّي كنت وليت البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم- إلى أن قال:- فقال عليه السّلام: «أو ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّه

منها إلّا الخمس يا أبا سيّار؟! إنّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا» فقلت له: و أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال: «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك، و أحللناك منه، فضمّ إليك مالك، و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، يحلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا» الحديث «5».

______________________________

(1) الكافي 1: 538.

(2) المقنعة: 278، المراسم: 140.

(3) راجع ص: 139- 141.

(4) الكافي 1: 409- 8، الفقيه 2: 24- 91، الوسائل 9: 530 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 18.

(5) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 165

وجه الدلالة: أنّ المال الحاصل للسائل، و سؤاله كان عن الغوص، و منه يفهم أن مراده عليه السّلام من الأرض و ما أخرج منها ما يشمل أرض البحار أيضا.

المسألة الثانية: ليس علينا بيان حكم الأنفال في حال حضور الإمام

، فإنّه المرجع في جميع الأحكام، و أمّا في زمان الغيبة فالمشهور بين أصحابنا- كما في الروضة «1»- إباحتها للشيعة، و منهم من ذكر إباحة بعضها كالمناكح و المساكن و المتاجر «2»، و عن الحلبي و الإسكافي: عدم إباحة شي ء منها «3».

أقول: قد مرّ حكم الرابع منها، و هو المال المجهول مالكه.

و أمّا الثالث و الخامس، فيأتي حكمهما مشروحا في بحث إحياء الموات، و قد ذكرنا ها هنا بعض ما يتعلّق بهما أيضا.

و أمّا السادس، فهو- كما عرفت- غير خارج من الثلاثة المذكورة.

و يأتي حكم التاسع أيضا في كتاب المواريث.

بقيت ستّة أخرى، و الأصل فيها: إباحتها للشيعة و تحليلها بعد أداء ما فيه الخمس.

لقوله عليه السّلام في رواية يونس

بن ظبيان أو المعلّى: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «4».

و في رواية النصري المتقدّمة: «اللهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا» «5».

______________________________

(1) الروضة 2: 85.

(2) كالشيخ في المبسوط 1: 263.

(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 174، و نقله عن الإسكافي في المختلف: 207.

(4) الكافي 1: 409- 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 17.

(5) التهذيب 4: 145- 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 166

و في صحيحة الفضلاء: «ألا و إنّ من شيعتنا و آبائهم في ذلك من حلّ» «1».

و في رواية ابن حمزة: «ما خلا شيعتنا» «2»، و رواية سالم «3».

الخالية جميعا عن معارضة ما يعارض هذه الأخبار في أمر الخمس، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

قد تمَّ كتاب الخمس من مستند الشيعة في أحكام الشريعة في محق يوم السبت، الثامن و العشرين من جمادى الثاني سنة 1237.

______________________________

(1) التهذيب 4: 137- 386، الاستبصار 2: 58- 191، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1.

(2) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.

(3) التهذيب 4: 137- 384، الاستبصار 2: 58- 189، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 167

كتاب الصوم و يلحقه الاعتكاف، و فيه أربعة مقاصد:

اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 169

المقصد الأول في بيان ماهيّته و ما يتحقّق به

اشاره

و هو في اللغة: الإمساك بقول مطلق، كما صرّح به جماعة «1»، أو إمساك الإنسان «2»، أو كلّ حيوان عن الطعام كما قيل «3».

و شرعا: الإمساك بالنّية و القصد عن تناول أشياء مخصوصة، عمدا، في وقت مخصوص، من شخص خاصّ، أي من يصحّ الصوم عنه.

فلا بدّ لنا في كشف ماهيّته الشرعيّة من شرح أمور خمسة في فصول خمسة:

______________________________

(1) حكاه في المصباح المنير: 352، لسان العرب 12: 351.

(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 311.

(3) كما في الصحاح 5: 1970 و مجمل اللغة 3: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 171

الفصل الأول في النيّة

اشاره

و لا خلاف في اعتبارها، و لا ريب في وجوبها و بطلان الصوم بتركها عمدا أو سهوا، إذ لا عمل إلّا بنيّة، و لا فائدة بعد ذلك في الكلام في كونها شرطا أو شطرا ركنا.

و هنا هنا مسائل:

المسألة الأولى:
اشاره

يعتبر في النيّة القصد إلى الفعل مع القربة، و اعتبارهما فيها قطعي إجماعي، كما مرّ في بحث الوضوء، و لا يعتبر غيرهما ممّا اعتبره بعضهم، كنيّة الوجه و الأداء و القضاء و غير ذلك.

نعم، يعتبر قصد المعيّن و المميّز، حيث يمكن إيقاع الفعل على وجوه متعدّدة شرعا و لم تتداخل الوجوه، كالنذر المطلق، و النافلة و الإجارة، و القضاء، إذا اجتمعت كلّا أو بعضا، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التنقيح و صريح التحرير «1»، و قد مرّ وجهه مستوفى.

و أمّا لو لم يمكن الإيقاع كذلك شرعا، أو كان و لكن أمكن تداخل الوجوه، لم يعتبر ذلك أيضا.

و تفصيل الكلام في ذلك المقام: أنّ المكلّف إمّا يكون بحيث يمكن له إيقاع الصوم على وجوه عديدة شرعا- بأن تكون عليه صيام متعدّدة، وجوبا أو ندبا، أو وجوبا و ندبا، و يكون الوقت صالحا لجمعيها، و لا تتداخل تلك الوجوه، أي لا يكفي الواحد للجميع- أو ليس كذلك.

و الأول: ما ذكرنا من اعتبار قصد المعيّن و المميّز فيه- أي في نوعه

______________________________

(1) المعتبر 2: 643، المنتهى 2: 557، التنقيح 1: 349، التحرير 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 172

لا في أصنافه أو أفراده، إذا لم تختلف آثارها- فلو نذر صوم يوم ثمَّ نذر صوم يوم آخر لا يلزم تعيين النذر الأول أو الثاني إذا لم يختلف النذران من حيث الأثر، و كذا قضاء اليوم

الأول أو الثاني، أو نحو ذلك.

و الثاني: على قسمين، لأنّه إمّا لا يمكن له إيقاع الصوم على وجوه متعدّدة، أو يمكن و لكن يمكن تداخل تلك الوجوه.

و القسم الأول على نوعين، لأنّ عدم الإمكان إمّا لأجل عدم صلاحيّة الوقت لغير صوم واحد، أو لأجل عدم اشتغال الذمّة وجوبا أو ندبا بغير واحد.

و النوع الأول على ثلاثة أصناف: صوم شهر رمضان، و النذر المعيّن، و غيرهما كالإجارة المعيّنة أو القضاء المضيّق.

و الجميع خمسة مواضع، لا بدّ من البحث عن كلّ منها على حدة:
الموضع الأول: صوم شهر رمضان.

المشهور عدم اشتراط تعيين السبب- و هو كونه صوم رمضان- و كفاية قصد الصوم مع القربة، بل عن الغنية و التنقيح و ظاهر المختلف و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «1»، للأصل، و عدم دليل على اشتراط التعيين في مثل المقام، فإنّه لم يثبت إلّا وجوب صوم هذا الشهر و قد تحقّق.

و يلوح إلى ذلك قوله عليه السّلام في رواية الزهري: «لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه» «2».

و إن زدنا عليه نقول: بشرط أن لا يكون الصوم صوما آخر، و هو

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التنقيح 1: 348، المختلف: 211، التذكرة 1: 255، المنتهى 2: 557.

(2) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 173

أيضا متحقّق، لاستحالة وقوع صوم آخر فيه، و لأنّ اعتباره إنّما كان لدفع اشتراك الفعل حتى يطابق أحد الأمرين معيّنا و تتحقّق الصحّة، و لا اشتراك هنا، فيكون الوقت كالمميّز الخارجي الموجب لانطباق الفعل على واحد معيّن.

و في الذخيرة حكاية الخلاف عن نادر، فاعتبر تعيين السبب، لتوقّف الامتثال على الإتيان بالفعل المأمور به من جهة أنّه مأمور به

للسبب الذي أمر به «1».

و فيه: منع التوقّف على الجزء الأخير.

هذا، و التحقيق أن يقال: إنّ على ما هو التحقيق في أمر النيّة من أنّها هي مجرّد الداعي المخطور بالبال، و كون شهر رمضان معروفا، و وجوب صومه ضروريّا، لا يمكن فرض المسألة إلّا بتعمّد الخلاف على اللّه تعالى، و عدم قصد صوم رمضان، أو بالذهول و الغفلة عن الشهر، أو عن وجوب صومه.

و الأول لا يمكن القول بصحّته، لانتفاء قصد التقرّب معه قطعا.

و الثاني على قسمين، لأنّه إمّا يكون مع الالتفات و الشعور إلى صوم غير رمضان و ينوي ذلك الغير، أو يكون مع الذهول عنه أيضا.

و الأول غير مفروض المسألة، بل هو المسألة الآتية المتضمّنة لحكم من نوى صوم غير رمضان فيه.

فبقي الثاني، و لا شكّ أنّه فرض غير متحقّق الوقوع أو نادر جدّا، و مع ذلك فهو على قسمين، لأنّ الغفلة و الذهول إمّا يكون عن وجوب مطلق الصوم أيضا، أو يكون عن مجرّد الشهر أو وجوب صومه بخصوصه.

______________________________

(1) الذخيرة: 495.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 174

فعلى الأول أيضا لا معنى لصحة الصوم، لأنّ الصحة موافقة المأمور به، و لا أمر حينئذ بصوم رمضان، لامتناع تكليف الغافل، و لا بصوم، لذهوله عنه، بل قصد التقرّب حينئذ أيضا غير متصوّر غالبا، و لكن لا تترتّب عليه فائدة بعد انتفاء التكليف.

نعم، تظهر الفائدة حينئذ في القضاء، و تحقيقه أيضا مشكل، من حيث إنّ القضاء بأمر جديد، و شمول أوامر القضاء لمثل ذلك الشخص الآتي بالصوم غير معلوم، و من حيث إنّ صومه لعدم موافقته لأمر لا يتّصف بالصحّة فيكون كغير الصائم، فتشمله أدلّة القضاء.

و على الثاني يكون صومه صحيحا، و لا يضرّ عدم

قصد التعيين، لما ذكر أولا، و شعوره لأصل وجوب الصوم يكفي للتكليف و الصحّة و لو كان ذاهلا عن خصوصيّة الشهر.

هذا كلّه إذا لم يكن عدم تعيين السبب للجهل برؤية الهلال، و أمّا معه فهو مسألة أخرى يأتي بيانها.

و الموضع الثاني: النذر المعيّن.

و الأقوى فيه أيضا عدم اشتراط قصد السبب، وفاقا لجمل السيّد و الحلّي و المنتهى و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التبصرة و الروضة و المدارك «1»، لما مرّ بعينه من عدم الاشتراك، و الأصل، فإنّ بالنذر في يوم لم يثبت إلّا وجوب صوم هذا اليوم، و أمّا وجوب صومه بقصد أنّه منذور فلا.

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الحلي في السرائر 1:

370، المنتهى 2: 557، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 255، الإرشاد 1: 299، التبصرة: 52، الروضة 2: 108، المدارك 6: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 175

و خلافا لجمل الشيخ و خلافه و مبسوطه و الشرائع و النافع و المختلف و الدروس و اللمعة و البيان «1»، لأنّ الأصل وجوب تعيين المنويّ و إن لم يكن على المكلّف غيره إذا احتمل الزمان لغيره و لو بالنسبة إلى غيره من المكلّفين، إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه المقصودة، خولف في شهر رمضان بالإجماع، فيبقى الباقي، و لصلاحيّة الزمان بحسب الأصل له و لغيره فلا يجدي التعيّن بالعرض [1].

و ردّ الأول: بمنع الأصل، مع أنّ الوجه في ترك العمل به في شهر رمضان ليس الإجماع فقط، بل عدم إمكان وقوع غيره فيه شرعا، حيث إنّه موجب لانطباق الفعل على الأمر به، و هو ثابت فيما نحن فيه أيضا.

فإن قيل: على التحقيق في أمر النيّة لا ينفكّ قصد السبب إلّا مع

السهو أو الذهول عن النذر أو اليوم، و مع أحدهما لا بدّ من قصد سبب آخر ليتحقّق قصد القربة، و حينئذ فيبطل الصوم، لأنّه لا يمكن انطباقه على المنذور، لقصد غيره، و لا على الغير، لعدم صلاحيّة الزمان.

قلنا:- مضافا إلى أنّ عدم صلاحيّة الزمان لغيره مختصّ بما لا يتداخل معه- إنّ الانطباق بالقصد إنّما هو إذا لم يكن مرجّح آخر للانطباق بغير المقصود و إلّا فينطبق عليه.

بيان ذلك: أنّه إذا تعلّق أمران بصومين غير متداخلين- مثلا- و أتى المكلّف بصوم من غير تعيين بالقصد و لا: بمميّز خارجي، نقول: إنّه

______________________________

[1] قال في المسالك 1: 69: إنّ الزمان بأصل الشرع غير معيّن بالنذر و إنّما يتعيّن بالعارض، و ما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بدّ من نيّة التعيين.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 211، الخلاف 2: 164، المبسوط 1:

277، الشرائع 1: 187، المختصر النافع 1: 65، المختلف: 211، الدروس 1:

267، اللمعة (الروضة 2): 108، البيان: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 176

لا يوافق الأمرين، لعدم التداخل، و لا واحدا غير معيّن، لعدم معقوليّة البراءة عن واحد غير معيّن من الأمرين المختلفين آثارا و توابع، و لا واحدا معيّنا، لبطلان الترجيح بلا مرجّح فيبطل العمل.

و أمّا مع وجود مرجّح كعدم صلاحيّة الوقت إلّا لواحد فينطبق عليه قطعا فيكون صحيحا، على أنّ المأمور به ليس إلّا الصوم الواقع في يوم النذر، و قد تحقّق، فيحصل الانطباق قطعا، و قصد الزائد الغير الممكن التحقّق غير مؤثّر.

نعم، لو كان المأمور به الصوم المنذور- بحيث يكون القيد جزءا له أو قيدا- لجاء الإشكال، و هو ممنوع.

فإن قيل: الانطباق عليه إنّما يكون لو لم يعارضه قصد الآخر.

قلنا: القصد إنّما يفيد

في الانطباق مع الإمكان، و أمّا بدونه فلا يفيد، بل يتحقّق قصد الزائد لغوا، غير مؤثّر في صحّة و لا بطلان.

فإنّ قيل: لا شكّ أنّ الامتثال موقوف على القصد، فإذا لم يقصد المكلّف إطاعة ذلك الأمر- بل قصد إطاعة أمر آخر غير ممكن التحقّق في ذلك اليوم- لم يتحقّق امتثال، أمّا الأمر الأول فلعدم قصد امتثاله، و أمّا الثاني فلاستحالة وقوعه إذا لم يتداخل مع الصوم المنذور.

قلنا: الامتثال يتوقّف على قصد امتثال مطلق الأمر الحاصل بقصد القربة، و لا يتوقّف على قصد امتثال كلّ أمر بخصوصه، فإنّه إذا أمر المولى عبده بإعطاء درهم لزيد و درهم لعمرو، و هو أعطى زيدا درهما بقصد إطاعة المولى و لكن يظنّ أنّه عمرو، يمتثل أمر الإعطاء لزيد قطعا، و لا يكلّف إعطاء الدرهم لزيد ثانيا قطعا.

ثمَّ التفصيل و التحقيق في هذا الموضع أيضا يعلم ممّا سبق في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 177

الموضع الأول.

الموضع الثالث: غير المذكورين، ممّا يتعيّن وقته و لا يصلح الزمان لغيره

، كالإجارة المعيّنة، و القضاء المضيّق.

و الحقّ فيه: اشتراط تعيين السبب، كما عن الشيخ و ابن حمزة و الفاضلين و فخر المحقّقين «1»، بل لم أجد فيه خلافا، فيبطل الصوم لو لم يعيّن السبب و قصد الصوم ذاهلا عن كونه بالنيابة أو للقضاء- مثلا- و عن نيّة غير هذا الصوم أيضا، و أمّا معها فهي مسألة أخرى تأتي.

و إنّما قلنا: إنّه يبطل الصوم، لعدم كون هذا الصوم المعيّن مشروعا و مقصودا، فلا وجه لانطباق الفعل بالأمر بالغير، و لأصالة عدم تحقّق هذا المعيّن و استصحاب الاشتغال به.

و الفرق بين ذلك و بين المذكورين: أنّ الثابت شرعا فيهما ليس إلّا وجوب الإتيان بالصوم و كونه في اليوم المعيّن- أي ظرفيّته له- و قد تحقّق

الأمران، و الأصل عدم الاشتغال بغيره.

بخلاف ذلك، فإنّ المستأجر لم يرد من الأجير صوم الأيام المعيّنة مطلقا، و لم يستأجره للصوم مطلقا- و لو كان كذلك لقلنا بعدم اشتراط تعيين السبب- بل استأجره للصوم عن شخص معيّن، فالثابت شرعا أمور ثلاثة:

الصوم، و النيابة عن الغير، و كونه في أيّام معيّنة، و لا يحصل الثاني إلّا بالقصد، فيكون شرطا.

و كذا القضاء المضيّق، فإنّه لا دليل شرعا على وجوب الصوم

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 278، و الخلاف 2: 164، ابن حمزة في الوسيلة:

139، المحقّق في الشرائع 1: 187، العلّامة في التحرير 1: 76، فخر المحققين في الإيضاح 1: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 178

بالإطلاق في أيّام تضيّق القضاء حتى تبرأ الذمّة بالإتيان به و يجري الأصل في الزائد، بل الثابت شرعا هو وجوب الصوم قضاء فيها، و وقع أمر الشارع بالقضاء بمثل قوله: «اقض» أو: «تقضي» أو: «صم قضاء» و لا تعلم صيرورته قضاء إلّا بقصده.

فإن قيل: كما أنّ اليوم المعيّن في شهر رمضان و النذر المعيّن ظرف للصوم، كذلك القضاء و النيابة وصف له، فما الفرق في لزوم تعيين ذلك في النيّة دونه؟

قلنا: الفرق أنّ المطلوب حصول ذلك الظرف و الوصف، و الأول حاصل في الخارج من غير احتياج إلى النيّة، بخلاف الثاني، فإنّه لا تحقّق له إلّا بالقصد، و على هذا فلك أن تجعل مناط ما يجب تعيينه بالقصد و ما لا يجب: قيد المأمور به، الذي لا وجود له إلّا بالقصد، و ماله وجود بنفسه، فما كان من الأول يجب قصده، و ما كان من الثاني لا يجب.

و ممّا ذكرنا علم المناط و الضابط فيما يعتبر فيه قصد التعيين و ما لا

يعتبر فيه.

الموضع الرابع: ما لم يتعلّق بذمّة المكلّف غير صوم واحد واجب أو ندب.

و لا تعتبر فيه أيضا نية التعيين و قصد السبب، إلّا إذا كان السبب قيدا للمأمور به أو جزءا له و لم يتعيّن إلّا بالقصد، كما مرّ في الموضع السابق.

الموضع الخامس: ما تعدّدت وجوه الصوم و لكن أمكن تداخلها.

و لا يعتبر فيه التعيين، بل يكفي قصد الصوم مطلقا عن الجميع، لما أثبتناه من أصالة تداخل الأسباب، بل يكفي قصد واحد معيّن عن الجميع أيضا، لما أثبتناه في موضعه من التداخل القهري فيما يمكن فيه التداخل،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 179

و أصالة عدم اشتراط التعيين، إلّا فيما كان أحد المتداخلين أو كلاهما ممّا كان قصد السبب جزءا للمأمور به فيه، فيجب قصده.

و على هذا، فلو نذر صوم أيّام البيض من كلّ شهر، و صوم يوم قدوم مسافرة، و اتّفق قدومه في أحد أيّام البيض، يكفي صوم واحد للأمرين، لأصالة التداخل.

و لا يشترط قصد التعيين، للأصل، فإنّ الثابت ليس إلّا وجوب الصوم في هذا اليوم و قد تحقّق، غاية الأمر أنّه يكون لوجوبه سببان، و ذلك لا يقتضي التعدّد و لا قصد السبب.

و كذا لو نذر صوم يوم قدوم مسافرة، و قدم أحد أيّام البيض، فيكفي صوم لواجبه و مستحبّه، و هكذا في اجتماع المندوبين.

فرعان:
أ: عن الشهيد في البيان: إلحاق الندب المعيّن- كأيام البيض- بشهر رمضان

في عدم افتقاره إلى التعيين «1»، للتعيين هناك بأصل الشرع.

بل عنه في بعض تحقيقاته: إلحاق مطلق المندوب به، لتعيينه شرعا في جميع الأيام إلّا ما استثني «2»، و استحسنه جماعة كما قيل «3»، و تنظّر فيه أخرى.

أقول: التعيين بأصل الشرع إنّما يفيد في التعيين لو امتنع وقوع غيره فيه، و ذلك مختصّ بالواجب، و أمّا المندوب فليس كذلك، فإنّ أيّام البيض

______________________________

(1) البيان: 357.

(2) حكاه عنه في المدارك 5: 20.

(3) انظر الرياض 1: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 180

لم تتعيّن للصوم المندوب فيها. و كذلك مطلق الأيّام لمطلق المندوب، لجواز وقوع غيرهما فيهما، بل وقوعه كثيرا، فالانصراف إليهما موقوف على صارف.

و التحقيق: أنّ التعيّن الندبي غير مفيد

في ذلك، بل ليس تعيّنا ندبيّا أيضا، لأنّ التعيّن الندبي أن يكون غيره فيه مرجوحا، و ليس كذلك، بل اللازم فيه أيضا الإناطة بما مرّ، من عدم الاشتراك و التداخل و جزئيّة السبب، فإن لم يكن على المكلّف غير الصوم المندوب في كلّ يوم إلّا ما استثني تكفي فيه نيّة مطلق الصوم.

و كذا إذا اجتمعت أصوام متداخلة مندوبة أو مندوبة و واجبة، تكفي نيّة المطلق إذا لم يكن تعيين السبب جزء المأمور به، و يجب التعيين في غير ذلك، فلو كان عليه قضاء و كفّارة و نيابة و مستحبّ، و نوى مطلق الصوم متردّدا بين هذه الأمور، بطل.

نعم، لو كان ذاهلا عن الأمور المذكورة و نوى الصوم، فالظاهر صحّته للمستحبّ، لأنّ قصده القربة لا يكون إلّا مع الالتفات إليه، و لو فرض إمكان تحقّق الذهول عن الجميع و قصد القربة فيبطل، و لكنه فرض غير متحقّق.

و كذا لو كان على أحد صوم عن غيره مندوبا- كأن يطلب منه أحد ليصوم عن والده مثلا و قبل ذلك رجحانا لقضاء مطلوب أخيه المؤمن، أو أراد قضاء صيام محتمل الفوات أو مظنونه و قلنا باستحبابه- لا ينصرف إلى أحدهما إلّا بقصد السبب. و تكفي نيّة مطلق الصوم في أيّام البيض عن صومها و لو كان عليه الصوم المستحبّ في كلّ يوم، للتداخل، و هكذا.

ثمَّ إنّه قد تحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا كان المأمور به متعدّدا غير متداخلة و لا متميّزة بمميّز خارجي، و كانت مختلفة الآثار، أو كان له قيد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 181

مطلوب لا يحصل إلّا بالقصد، يعتبر التعيين بالقصد.

و ما كان غير ذلك لا يعتبر فيه ذلك، سواء في ذلك الصوم

و غيره من العبادات، من الطهارات و الصلوات و غيرهما.

ب: لمّا كان الأصل- على الأقوى- تداخل الأسباب

، فالأصل في أنواع الصيام التداخل إلّا ما ثبت فيه العدم، و ممّا ثبت فيه عدم التداخل:

صوم شهر رمضان، و النيابة عن الغير، و القضاء، و النذر معيّنا، و مطلقا، و الكفّارة، فإنّها لا يتداخل بعضها مع البعض إجماعا.

و يتداخل النذر المطلق و المعيّن «1» مع صوم أيّام البيض، و هو مع صوم دعاء الاستفتاح «2»، و هو مع القضاء «3»، و نحو ذلك.

المسألة الثانية: لو نوى في شهر رمضان صوما غيره
اشاره

مع وجوب الصوم عليه، فإن كان مع الجهل بالشهر فالظاهر عدم الخلاف في الصحّة و الإجزاء عن رمضان، كما يأتي في صوم يوم الشكّ.

و إن كان مع العلم بالشهر فلا يقع الصوم عن المنويّ إجماعا، لعدم وقوع صوم غيره فيه كما يأتي.

و هل يقع عن رمضان أو يبطل؟ فيه قولان:

الأول: للخلاف و المبسوط و جمل السيّد و الغنية و الوسيلة و المعتبر و الشرائع «4».

______________________________

(1) في «ق» زيادة: إذا لم يقصد في النذر التغاير أو لم تدل عليه قرينة، و كذا يتداخلان مع كل صوم آخر كذلك.

(2) كذا، و لعله تصحيف عن: الاستسقاء.

(3) في «ق» زيادة: إذا قصد القضاء و لا عكس.

(4) الخلاف 2: 164، المبسوط 1: 276، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 571، الوسيلة: 140، المعتبر 2: 645، الشرائع 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 182

و الثاني: للحلّي و الشهيد و المفاتيح «1»، و استجوده في المختلف أولا «2» و في المدارك مطلقا «3»، و نسب إلى ظاهر عليّ بن بابويه «4».

و ظاهر الفاضل في جملة من كتبه و صاحب الكفاية التردّد «5».

حجّة الأول: أنّ النيّة المشروط حاصلة، و هي نيّة القربة، إذ التعيين غير لازم، و ما زاد لغو لا

عبرة به، فكان الصوم حاصلا بشرطه، و يجزئ عنه.

و ردّ: بأنّ نيّة القربة بلا تعيين إنّما تكفي لو لم ينو ما ينافي هذا الصوم «6».

و فيه: منع تأثير نيّة المنافي، مع عدم إمكان وقوعه.

نعم، يرد عليه: أنّ حصول القربة مطلقا ممنوع، لأنّ نيّة الغير مع العلم بالشهر إمّا تكون مع السهو عن وجوب صوم الشهر أو الجهل به، كأن يريد السفر بعد الزوال، أو دخل الوطن قبله و ظنّ عدم صحّة صومه للشهر، أو مع العلم به و تعمّد الخلاف مع اللّه سبحانه. و ظاهر أنّ قصد القربة غير متصوّر في الأخير.

و حجّة الثاني: التنافي بين نيّة صوم رمضان و نيّة غيره.

و بأنّه منهي عن نيّة غيره، و النهي مفسد.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 371، الشهيد في البيان: 358، المفاتيح 1: 246.

(2) المختلف: 214.

(3) المدارك 5: 32.

(4) حكاه عنه في المختلف: 214.

(5) الفاضل في التحرير 1: 76، و المنتهى 2: 558، الكفاية: 49.

(6) كما في المختلف: 214، المسالك 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 183

و بوجوب مطابقة النيّة للمنوي.

و بأنّ لكلّ امرئ ما نوى، و الأعمال بالنيّات، و لم ينو رمضان، فليس له.

و يرد على الأول: أنّ التنافي مسلّم، و لكن لم لا يجوز أن تكفي في صحّة صيام رمضان نيّة الإمساك مع التقرّب، و لا تعتبر فيها نيّة خصوصيّة كونه صوم رمضان؟! بل الأمر كذلك كما مرّ.

و على الثاني: أوّلا: بأن النهي مخصوص بصورة تعمّد الخلاف لا غيره.

و ثانيا: بأنّ النهي متعلّق ببعض أجزاء النيّة الخارجة عن حقيقة العبادة و نيّة القربة معا، فلا يفسد شي ء منهما.

و على الثالث: بمنع وجوب المطابقة الكليّة، و الجزئيّة حاصلة.

و على الرابع: بأنّ لازمه كون الصوم

المتقرّب به له، و لوقوعه في شهر رمضان يكفي عنه، و أمّا الزائد فلعدم إمكانه لا يكون له.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الحقّ في المسألة: التفصيل بالبطلان مع تعمّد الخلاف، و الصحّة في غيره.

أمّا الأول، فلانتفاء القربة المعتبرة قطعا.

و أمّا الثاني، فلوقوع الصوم في شهر رمضان.

أمّا وقوع الصوم، فلأنّه إمساك مخصوص بنيّة التقرّب، و قد حصل.

و أمّا كونه في شهر رمضان، فظاهر، و الأصل عدم اشتراط غيره حتى انتفاء نيّة الغير أيضا، و أيضا الزائد المنوي لا يتحقّق، لعدم صلاحيّة الوقت.

و أمّا عدم وقوع الصوم المتقرّب به، فلا وجه له، و بعد وقوعه و كونه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 184

و إلى هذا التفصيل يلوح كلام ابن شهرآشوب في متشابه القرآن «1».

فإن قيل:- على ما هو التحقيق في باب النيّة- لا يتحقّق فرض المسألة إلّا مع الخلاف مع اللّه سبحانه، أو الغفلة عن الشهر أو وجوب صومه بالمرّة، و على التقديرين لا تتصوّر الصحّة.

أمّا على الأول، فظاهر.

و أمّا على الثاني، فلأنّ الصحّة ليست إلّا موافقة المأمور به، و هي هنا غير ممكنة، لأنّ صوم غير رمضان غير ممكن الوقوع حتى يوافقه الفعل، و أمّا رمضان فغير مأمور به، لامتناع تكليف الغافل.

قلنا: يمكن أن يدفع الإشكال بوجوه:

أحدها: أنّ ما لا يمكن وقوعه في شهر رمضان: الصوم المقيّد بكونه غير صوم رمضان لا الصوم المطلق، و الذي أوجب الذهول رفع التكليف عنه أيضا: هو الصوم المقيّد بكونه صوم رمضان لا المطلق، فيقع مطلقة الحاصل في ضمن نيّة الغير بعد عدم تحقّق الغير صحيحا، و لوقوعه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.

فإن قيل: المطلق لا يتحقّق إلّا في ضمن أحد المقيّدين.

قلنا:

ليس كذلك، لأنّ للصوم أفراد: المقيّد بهذا القيد و بذاك و الصوم المطلق، ألا ترى أنّه يمكن قصد الصوم قربة إلى اللّه، من غير التفات إلى أنّه من رمضان أو من غيره، و يكون صحيحا، لموافقته لمطلقات الأمر بالصوم.

نعم، مطلق الصوم- الذي هو الجنس- لا يكون إلّا مع أحد الثلاثة.

فإن قيل: تحقّق الصوم المطلق بحسب الوعاء الخارجي غير ممكن،

______________________________

(1) متشابه القرآن 2: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 185

لأنّه إمّا في رمضان أو في غيره، و بحسب القصد موقوف على قصد الإطلاق، أو عدم قصد الغير، و هما منتفيان هنا.

قلنا: نمنع التوقّف، بل يتحقّق بإلغاء قصد الغير و عدم إمكان تحقّقه أيضا، فيقع الصوم صحيحا و قيده ملغيّا.

و ثانيها: أن يقال: إنّ المراد براءة ذمّة المكلّف، و هي حاصلة، أمّا عن صوم رمضان فللغفلة الموجبة لانتفاء التكليف، و أمّا عن قضائه فلأنّه بأمر جديد، و شمول أوامره لمثل ذلك الشخص غير معلوم.

و ثالثها: أنّا لا نسلّم عدم وقوع صوم غير رمضان فيه مطلقا، و إنّما هو مع العلم بالشهر و بوجوب صومه، أمّا مع الغفلة عنهما فلا، كما يأتي، فيكون المنوي صحيحا و كان مجزئا عن صوم رمضان، للعلّة المذكورة في رواية الزهري «1»، و لأنّ المطلوب من الإجزاء عدم العصيان و سقوط القضاء، و هما متحقّقان، إذ لا إثم مع الغفلة، و القضاء بأمر جديد.

فرع: لو نوى غير المنذور في النذر المعيّن

، فإن كان مع الشعور باليوم و النذر فيه، و كان قصد الغير مخالفة للّه أو لجهل بالمسألة غير موجب للعذر، فيبطل صومه، لانتفاء القربة.

و إن كان مع الذهول أو الجهل المعذّر، فالحقّ: صحّة الصوم الذي قصده، لعدم المانع، إذ ليس إلّا النذر، و هو- مع الغفلة المذكورة

المانعة عن التكليف به- لا يصلح للمانعيّة، إذ يكون كيوم لا نذر فيه.

و دعوى الإجماع في الدروس- على عدم تأدّي المنوي «2»- غير

______________________________

(1) التهذيب 4: 164- 463، الاستبصار 2: 80- 243، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 8.

(2) الدروس 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 186

مسموعة، و لذا احتمل في المدارك التأدّي، بل احتمله في رمضان أيضا «1».

و هل يجب قضاء المنذور؟

الحقّ: لا، أمّا إن كان المنوي ما يتداخل مع المنذور- كالصوم المطلق أو الشكر أو أيّام البيض- فظاهر، و أمّا إن كان غيره- كالقضاء و النيابة- فلأنّ القضاء فرع أمر جديد، و ثبوت أمر بالقضاء- مع تحقّق الصوم الصحيح في هذا اليوم- غير معلوم، و يومئ اليه خبر الزهري المتقدّم.

و لو نوى غير الواجب في الواجب المعيّن غير النذر- كالإجارة المعيّنة و القضاء المضيّق- فيبطل مع الالتفات و العصيان، و يصحّ المنوي مع الغفلة عن الواجب، لما مرّ، و لا يصحّ عن الواجب، لاشتراط قصده المنفي هنا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    186     المسألة الثالثة: لو صام يوم الشك بنية آخر شعبان ..... ص : 186

المسألة الثالثة: لو صام يوم الشكّ بنيّة آخر شعبان
اشاره

أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنّه منه، بلا خلاف مطلقا في الرسّيّات «2»، و يقال: بل بين المسلمين، كما عن ظاهر المعتبر و المختلف «3»، و بالإجماع كما في المسالك و المدارك «4» و غيرهما «5»، بل هو إجماع محقّق، و هو الدليل عليه.

مضافا- مع ما مرّ- إلى النصوص المستفيضة الدائرة بين ما يصرّح بالإجزاء مع الصوم من شعبان، كموثّقة سماعة و فيها: «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان و لا يصومه من شهر رمضان، لأنّه قد نهي أن ينفرد

الإنسان بالصيام في يوم الشكّ، و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان

______________________________

(1) المدارك 6: 36.

(2) الرسّيات (رسائل السيد المرتضى 2): 352.

(3) المعتبر 2: 649، المختلف: 215.

(4) المسالك 1: 70، المدارك 6: 35.

(5) كالتنقيح الرائع 1: 354، المفاتيح 1: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 187

من شهر رمضان أجزأ عنه، بتفضّل اللّه تعالى، و بما قد وسّع على عباده» «1».

و رواية الزهري الطويلة الواردة في وجوه الصيام، و فيها: «و صوم يوم الشكّ أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه أن ينفرد [1] الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس» فقلت له: جعلت فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: «ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأه عنه، و إن كان من شعبان لم يضرّه» فقلت: و كيف يجزئ صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال:

«لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوّعا و هو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمَّ علم بعد ذلك لأجزأ عنه، لأنّ الغرض إنّما وقع على اليوم بعينه».

و بين ما هو مطلق يدلّ على المطلوب بالإطلاق، كصحيحة الأعرج، «2» و روايتي النبّال «3»، و محمّد بن حكيم «4»، و حسنة ابن وهب:

______________________________

[1] معنى الانفراد بصيامه: إمّا أن يصوم يوم الشكّ خاصة دون ما قبله من أيام شعبان، و السر في النهي حينئذ أنّه إن انفرد بصيامه على أنّه من رمضان خالف الشرع، و إن صامه بنية شعبان أو الترديد و ميزه من بين أيام شعبان بصيامه يظهر منه أنّه إنّما فعل ذلك لزعمه أن صيامه لا بدّ

منه، فكأنّه صامه من رمضان و إن أخطر بباله أنه من شعبان، و ذلك يشبه إدخال يوم من رمضان، و هكذا ذكره في الوافي (ج 11: 107)، أو المعنى: انفرد بصيامه بنية رمضان من بين الناس و كون الناس يعدونه من شعبان، هكذا ذكره في الحدائق (ج 13: 36) حاشية منه رحمه اللّه من «ق».

______________________________

(1) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.

(2) الكافي 4: 82- 4، التهذيب 4: 182- 506، الاستبصار 2: 78- 238، الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 2.

(3) الكافي 4: 82- 5، الفقيه 2: 79- 350، التهذيب 4: 181- 504، الاستبصار 2: 78- 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 3.

(4) الكافي 4: 83- 8، التهذيب 4: 181- 502، الاستبصار 2: 77- 234، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 188

الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال:

«هو شي ء وفّق له» «1»، و قريبة منها موثّقة أخرى لسماعة على نسخة الكافي «2».

و الاستدلال بالأخيرتين إنّما هو مبنيّ على جعل قوله: من شهر رمضان، متعلّقا بقوله: يشكّ، للأخبار الدالّة على عدم جواز صومه من شهر رمضان.

و أمّا صحيحة محمّد: في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، فقال عليه السّلام: «عليه قضاؤه و إن كان كذلك» «3».

و صحيحة هشام بن سالم: في يوم الشك: «من صامه قضاه و ان كان كذلك» «4».

فلا تنافيان ما مرّ، لأنّ الأولى مخصوصة بالصوم بنيّة

رمضان، و الثانية و إن كانت مطلقة إلّا أنّه يجب تخصيصها بذلك، لخصوصات الإجزاء مع قصد أنّه من شعبان.

فإن قيل: اختصاص الأولى إنّما هو إذا كان قوله: من رمضان، متعلقا ب: يصوم، و هو غير معلوم، لاحتمال التعلّق بقوله: يشكّ، بل هو أولى، لقربه.

قلنا:- مع أنّه مع الإجمال و الاحتمال المذكور لا تعلم المنافاة- أنّه

______________________________

(1) الكافي 4: 82- 3، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 5.

(2) الكافي 4: 81- 2، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 6.

(3) التهذيب 4: 182- 507، الاستبصار 2: 78- 239، الوسائل 10: 25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 1.

(4) التهذيب 4: 162- 457، الوسائل 10: 27 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 189

على الثاني تصير كالرواية الثانية مطلقة لازمة التخصيص، كما خصّصها بعض الرواة، حيث إنّه ذكر بعد الرواية المذكورة: يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوما من شهر رمضان، لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان، و من خالفها فإنّ عليه القضاء «1».

فإن قيل: ما معنى الفرد الخفي هنا، مع أنّه لو لم يكن من رمضان لا قضاء أبدا؟! قلنا: لا يلزم أن يكون الفرد الآخر القضاء لو لم يكن من رمضان، بل المراد: خفاء هذا الحكم لو كان من رمضان بالنسبة إلى الحكم بعدم القضاء، حيث إنّه يوم صوم وقع فيه الصوم بنيّته، فكان الأظهر عدم القضاء، فقال عليه السّلام: «عليه قضاؤه و إن كان يوم رمضان»، و كان الأظهر مع وقوع الصوم فيه للّه بنيّته

عدم القضاء.

و من هذا يظهر وجه الشرطيّة لو كان التشبيه للنيّة و كان معنى قوله:

«و إن كان كذلك»: و إن كانت النيّة أنّه من رمضان.

و على الصوم بنيّة رمضان تحمل الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ بقول مطلق، لما ذكر، أو على التقيّة، حيث إنّ تحريمه مذهب العامّة كما يأتي.

فروع:
أ: ألحق الشهيدان بشهر رمضان كلّ واجب معيّن فعل بنيّة الندب

مع عدم العلم «2»، و نفى عنه البأس جملة ممّن تأخّر عنهما، كالمدارك

______________________________

(1) التهذيب 4: 162 بعد حديث 547.

(2) الشهيد في الدروس 1: 268، الشهيد الثاني في الروضة 2: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 190

و المفاتيح و الذخيرة «1».

و توقف فيه صاحب الحدائق، استنادا إلى أنّ إلحاقه بالمذكور نوع قياس «2».

و هو غير جيّد، إذ الإلحاق ليس للقياس، بل للعلّة المنصوصة في رواية الزهري، و لأنّ مع الجهل لا تكليف بالمعيّن، و القضاء بأمر جديد غير معلوم في مثل المورد الذي وقع فيه الصوم الصحيح.

و لكن هذا الكلام إنّما يتمّ في النذر المعيّن، أمّا مثل الإجارة المعيّنة و القضاء المضيّق فلا، إذ لا حاجة فيهما إلى أمر جديد، بل الأصل بقاء المؤجر له و القضاء في الذمّة.

نعم، مقتضى التعليل المنصوص الكفاية فيهما أيضا، و لكن مع ذلك الأحوط عدم الاكتفاء في المؤجر له و القضاء بذلك، بل هو الأظهر أيضا، لإمكان الخدش في دلالة الرواية، لأنّ المراد منها أن الفرض- الذي هو الصوم- قد وقع على اليوم و لا واجب غيره، و الفرض فيهما ليس هو الصوم بغير قيد، بل الصوم عن المندوب عنه و للقضاء، و لم يقع ذلك في اليوم بعينه.

و مثل الصوم بنيّة شعبان: الصوم بنيّة ندب آخر أو الندب مطلقا، كما صرّح به في الدروس و الروضة «3» و

غيرهما «4»، لعدم القول بالفصل، و لصحّة صومه، و عدم تكليفه بصوم رمضان، و عدم وجوب القضاء لما ذكرنا مرارا.

ب: لو صام يوم الشكّ بنيّة رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان

______________________________

(1) المدارك 6: 36، المفاتيح 1: 246، الذخيرة: 516.

(2) الحدائق 13: 44.

(3) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.

(4) كمجمع الفائدة 5: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 191

على الأقوى، وفاقا للصدوقين و السيّد «1» و الشيخ في غير الخلاف «2» و الحلبي و الديلمي و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «3»، بل للأشهر كما صرّح به جماعة «4»، و عزاه في المبسوط إلى الأصحاب «5»، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

للنهي المفسد للعبادة و لو من جهة شرطها، كما في المستفيضة المتقدّمة بعضها، و منها رواية أخرى للزهري: «يوم الشكّ أمرنا بصيامه و نهينا عنه، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان، و نهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال» «6».

و رواية سهل بن سعد، و فيها: «و ليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية» «7».

و رواية الأعشى: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صوم ستّة أيّام:

العيدين، و أيّام التشريق، و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» «8».

و رواية عبد الكريم: «لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 79، حكاه عن والده في المختلف: 214، السيّد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، و الانتصار: 62.

(2) كالنهاية: 151.

(3) الحلبي في الكافي: 181، الديلمي في المراسم: 96، القاضي في جواهر الفقه: 33، الحلي في السرائر 1: 384، ابن حمزة في الوسيلة: 140.

(4) كما في كفاية الأحكام: 49، و الحدائق 13: 34، و الرياض 1: 303.

(5) المبسوط 1:

277.

(6) التهذيب 4: 164- 463، الاستبصار 2: 80- 243، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 4، بلفظ آخر.

(7) الفقيه 2: 80- 355، الوسائل 10: 28 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 9.

(8) التهذيب 4: 183- 509، الاستبصار 2: 79- 241، الوسائل 10: 25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 192

و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «1».

و هو و إن كان في أكثرها مطلقا إلّا أنّه يجب تقييده بما إذا كان بنيّة رمضان، أو لم يكن بنيّة شعبان، بشهادة موثّقة سماعة «2»، و رواية الزهري المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع على جواز ما لم يكن بنيّة رمضان، و التعبير في الموثّقة و إن كان بالجملة الخبريّة إلّا أنّ ما بعد الجملة صريح في أنّها للنهي.

و بما ذكر يجمع بين مطلقات النهي و مطلقات الجواز، بحمل الاولى على ما كان بنيّة رمضان، و الثانية على غيره.

و لا يرد: أنّ النّهي المطلق مذهب العامّة، فمع التعارض مع أخبار الجواز المطلق يجب حمل أخباره على التقيّة.

لأنّه إنّما هو إذا لم يكن شاهد من كلام أهل العصمة و فتاوى عظماء الفرقة على جمع آخر، مع أنّ الموثّقة و رواية الزهري أخصّان مطلقا من كلّ من المطلقين، فيجب تقييدهما بهما، كما هي القاعدة المجمع عليها، و هي على الحمل على التقيّة مقدّمة.

و لا أنّ الروايتين ضعيفتان.

لأنّ ضعف السند- بعد اعتبار أصل الرواية- غير مضرّ، مع أنّ إحداهما موثّقة، و هي في نفسها كالصحيح حجّة، و كليهما معتضدتان مجبورتان بالشهرة العظيمة المحقّقة و المحكيّة.

______________________________

(1) الكافي 4: 141- 1 باختلاف في السند، الفقيه 2: 79- 351،

التهذيب 4:

183- 510، الاستبصار 2: 79- 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 3.

(2) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 193

و تدلّ على المطلوب أيضا صحيحتا محمّد و هشام المتقدّمتان «1»، الدالّتان على وجوب القضاء مطلقا، الواجب تخصيصهما بما إذا كان بنيّة رمضان أو لم يكن بنيّة شعبان.

لا لأجل رجوع الجار في أولاهما إلى قوله: يصوم.

و لا لتصريح ذيل الثانية بذلك.

و لا لأنّهما إن ابقيتا على إطلاقهما حتى يشمل ما وقع بنيّة شعبان أيضا لكانتا متروك العمل بهما إجماعا، و حمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكليّة.

حتى يردّ الأول: باحتمال رجوعه إلى قوله: يشكّ.

و الثاني: باحتمال كون تفسير الذيل لبعض الرواة دون الإمام عليه السّلام، و لا حجّيّة فيه.

و الثالث: بعدم دليل على أنّ أولويّة حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة، مع أنّ الحمل على التقيّة أيضا معنى يصلح للاعتماد.

بل لما ذكرناه غير مرّة، من تعارضهما مع الموثّقة و الروايتين، و كون الثانية أخصّ مطلقا منهما فيجب تخصيصهما بها، كما أنّه بها يجمع أيضا بين الصحيحتين و بين ما ظاهره نفي القضاء بقول مطلق، كصحيحة الأعرج و ما تعقبها من الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها.

و قد حكي الخلاف في المسألة عن القديمين، فحكما بالإجزاء هنا أيضا «2»، و هو ظاهر الشيخ في الخلاف «3»، للمطلقات المذكورة.

______________________________

(1) في ص: 188.

(2) حكاه عنهما في المختلف: 214.

(3) الخلاف 2: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص:

194

بل خصوص حسنة ابن وهب، حيث إنّ فيها: الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان فيكون كذلك، فقال: «هو شي ء وفّق له» «1».

و موثّقة سماعة الأخيرة، حيث إنّ فيها: فصامه من شهر رمضان، قال: «هو يوم وفّق له و لا قضاء عليه» «2».

و للإجماع المحكيّ في الخلاف.

و لأنّه في نفس الأمر من رمضان، و عدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته، فيكون قد نوى الواقع، فوجب أن يجزئه.

و تردّ المطلقات: بوجوب التخصيص بما ذكر.

و الحسنة: باحتمال تعلّق قوله: من رمضان، بالفعل الثاني، بل في النسخ الصحيحة هكذا: يشكّ فيه أنّه من شهر رمضان، فيكون صريحا في ذلك، فيكون كالمطلقات.

و الموثّقة- مع معارضتها بمثلها المتقدّم و غيره، و مرجوحيّتها بالإضمار-:

باختلاف نسخ التهذيب و الكافي، فإنّها في الثاني هكذا: فصامه فكان من شهر رمضان، فتكون أيضا كالمطلقات، و أمّا نسخ التهذيب و إن كانت كما ذكر، و لكن الشيخ رواها عن الكليني. و على هذا، فلا يبقى اعتماد عليها، مع أنّها على نسخ التهذيب أيضا ليست نصّا على أنّه صامه بنيّة رمضان، لاحتمال كون الظرف حالا من المفعول، أي صامه حال كونه من رمضان.

و دعوى الإجماع: بعدم حجّيتها، سيما مع ظهور مخالفة الأكثر «3»، و اختلاف نسخ الخلاف، حيث إنّ بعضها- على ما حكي- غير مشتمل

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 188.

(2) تقدم مصدرها في ص: 188.

(3) راجع أرقام 1 و 2 و 3 من الصفحة: 191، و المختلف: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 195

لتلك الدعوى و إن كان ما عندنا مشتملا عليها، إلّا أنّ الظاهر منه اختصاص دعواه بصورة حصول الظنّ بأنّه من رمضان، من قول عدل و نحوه لا مطلقا، بل يلوح من كلامه التوقّف

في صورة عدم الظنّ كما نسبه إليه في التحرير صريحا «1»، و في المختلف احتمالا «2».

و الأخير: بإناطة التكاليف بالعلم دون نفس الأمر، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

ثمَّ إنّه لا فرق في عدم الإجزاء بين ما إذا لم تكن هناك أمارة موجبة للظنّ بالهلال، أو كانت أمارة غير ثابتة الحجّيّة، كعدل واحد أو حساب النجوم و نحوهما، للإطلاقات، و عدم حجّيّة هذا الظنّ.

ج: لو نوى يوم الشكّ واجبا آخر غير رمضان

- كالقضاء أو النذر أو الكفّارة أو الإجارة- فهو جائز كما صرّح به جماعة، منهم: الفاضل «3» و الشهيدان في الدروس و الروضة «4»، للأصل، و كونه زمانا ليس من رمضان شرعا، فيصلح لإيقاع صيام غيره فيه، و الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ غير باقية على ظاهرها كما مرّ.

نعم، في رواية عبد الكريم: إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال: «لا تصم في السفر، و لا العيدين، و لا أيام التشريق، و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «5»، و مقتضاها حرمة صوم النذر، و لا وجه لردّها،

______________________________

(1) التحرير 1: 76.

(2) المختلف: 214.

(3) في التحرير 1: 76.

(4) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.

(5) الكافي 4: 141- 4 باختلاف يسير، الفقيه 2: 79- 351، التهذيب 4: 183- 510، الاستبصار 2: 79- 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 196

فعليه الفتوى، و التعدّي إلى غيره من الواجبات يحتاج إلى ثبوت الإجماع المركّب، و هو غير معلوم.

ثمَّ لو ظهر أنّه من رمضان أجزأ عنه، لا لما ذكره في الدروس من كونه أولى بالإجزاء من نيّة الندب «1»، لمنع الأولويّة.

بل للعلّة المذكورة في رواية الزهري «2»، و لما مرّ من

عدم التكليف بصوم رمضان شرعا، و عدم ثبوت القضاء في مثل المورد.

و هل يجزئ عمّا نواه؟

مقتضى القاعدة: نعم. و قيل: لا، لأنّ في شهر رمضان لا يقع غير صومه «3». و هو حسن إن ثبتت الكلّيّة حتى في مقام لم يثبت الشهر حين الصوم، و الاحتياط في الإتيان بالمنوي ثانيا.

د: لو تردّد في نيّة يوم الشكّ

- بأن نوى أنّه إن كان من شهر رمضان كان صائما منه واجبا، و إن كان من شعبان كان صائما منه ندبا، و هو إنّما يتصوّر من الجاهل بالحكم أو الذاهل عنه، و أمّا العالم الشاعر فلا محالة ينوي كونه من شعبان و إن علم أنّه إن كان من رمضان يجزئه عنه- فالحقّ: صحّته و إجزاؤه عن رمضان، وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و العماني و المختلف و الروضة «4»، و حكي عن ظاهر الدروس و البيان «5»، و إليه ذهب المحقّق الأردبيلي «6»،

______________________________

(1) الدروس 1: 268.

(2) المتقدّمة ص: 187.

(3) الروضة 2: 109.

(4) الخلاف 2: 179، المبسوط 1: 277، ابن حمزة في الوسيلة: 140، حكاه عن العماني و اختاره في المختلف: 215، الروضة 2: 140.

(5) الدروس 1: 268، البيان: 359.

(6) مجمع الفائدة 5: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 197

و المحدّث الكاشاني في الوافي «1»، و إن كان تردّد في المفاتيح «2».

أمّا الصحّة، فلوقوع الإمساك المخصوص مع نيّة القربة، لعدم منافاة الترديد لها، و عدم اشتراط نيّة الوجه، و أصالة عدم تأثير الترديد الزائد في البطلان، كما لا تؤثّر نيّة الوجه المخالف على الأقوى.

و القول: بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم رمضان بنيّة القربة الصحّة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به، بل على الوجه المنهي عنه.

مردود بأنّ البطلان- مع الإيقاع

على خلاف الوجه- يحتاج إلى دليل، فإنّ نيّة خلاف الوجه كيف تؤثّر في البطلان على ما هو الحقّ من عدم كون قصد الوجه مأمورا به؟! و أمّا كونه منهيّا عنه، فممنوع جدّا، إذ المسلّم من المنهيّ عنه و الثابت من الأخبار هو كونه من رمضان على طريق الجزم، و أمّا على الترديد فلا دليل على المنع منه أصلا.

و القول: بأنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من رمضان لا فيما لم يعلم.

مردود بأنّ لزوم نيّة التعيين فيما لم يعلم موقوف على الدليل عليه، و ليس.

و تدلّ على المطلوب أيضا رواية النبّال: عن يوم الشكّ، فقال:

«صمه، فإن يك من شعبان كان تطوّعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له» «3».

______________________________

(1) الوافي 11: 107.

(2) المفاتيح 1: 246.

(3) الكافي 4: 82- 5، الفقيه 2: 79- 350، التهذيب 4: 181- 504، الاستبصار 2: 78- 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 198

وجه الدلالة: أنّ مع ذلك القول من الإمام لا يمكن الصوم إلّا بنيّة أنّه إن كان من شعبان كان تطوّعا، و إن كان من رمضان وفّق للواجب، فإنّ القصد غير اختياري.

و ما رواه المفيد في المقنعة، عن أبي الصلت، عن الرضا عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صام يوم الشكّ فرارا بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيّام الآخرة» «1»، فإنّ صومه فرارا بدينه مشعر بترديده و تجويزه الوجوب.

و يدلّ عليه أيضا ما ورد من إطلاق الرخصة في مطلق الصيام و في صيام يوم الشكّ، خرج منه صيامه بنيّة رمضان بأخبار و

بقي الباقي، و منه ما كان بنيّة الترديد.

و القول- بأنّه لم يرد إذن صريحا في نيّة الترديد أيضا- مردود بكفاية الإطلاق فيه.

و أمّا الإجزاء عن رمضان، فلما مرّ من العلّة المنصوصة، و عدم التكليف بصوم رمضان، و عدم دليل على القضاء. و قد يستدلّ بوجوه أخر غير تامّة لا فائدة في ذكرها.

خلافا لنهاية الشيخ «2»- بل باقي كتبه كما قيل «3»- و السرائر و المعتبر و الشرائع و النافع و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التلخيص و المدارك «4»، بل

______________________________

(1) المقنعة: 298، الوسائل 10: 300 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 6.

(2) النهاية: 151.

(3) في الذخيرة: 516.

(4) السرائر 1: 384، المعتبر 2: 652، الشرائع 1: 187، النافع: 65، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 257، الإرشاد 1: 300، المدارك 6: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 199

نسب إلى أكثر المتأخّرين «1».

لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ، فبفعله على خلاف ذلك لا يتحقّق الامتثال.

و لأنّ صومه على غير الندب تشريع محرّم، فيكون باطلا.

و لاشتراط الجزم في النيّة حيث يمكن، و هو هنا كذلك. و لعلّ إلى هذا الدليل أشار الصدوق في الفقيه بقوله: لأنّه لا يقبل شي ء من الفرائض إلّا باليقين «2».

و يرد على الأول: منع شرعيّة وقوعه على وجه الندب خاصّة، بل يقع على الترديد أيضا، و الحصر الذي ادّعاه كأنّه إشارة الى ما في موثّقة سماعة من قوله: «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان، و لا يصومه من رمضان» و قوله فيها: «و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان» «3».

و إلى ما في رواية الزهري من قوله: «أمرنا أن يصومه

الإنسان أنّه من شعبان».

و لا يخفى أنّ الأولين لا يدلّان إلّا على رجحان الصوم من شعبان دون الحصر، و إفادة «إنّما» للحصر في مثل المورد ممنوعة، كما بيّنا في الأصول، مع أنّه على فرض الإفادة لا يفيد إلّا حصر الأفضل في ذلك، لأنّ من الجملة الخبريّة لا يمكن إثبات الأزيد، يعني: إنّما ينحصر الراجح من الأفراد في صوم يوم الشكّ في ذلك.

______________________________

(1) كما في المدارك 6: 37، و الرياض 1: 304.

(2) الفقيه 2: 79.

(3) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 200

و الثالث لا وجه للحصر فيه أصلا، و أمّا لفظ الأمر فيه فهو بمعنى المندوب إليه قطعا، ضرورة عدم وجوب الصوم من شعبان.

هذا إذا أريد من وقوعه على وجه الندب أنّه ينوي فيه الندب و ينحصر الصحيح منه فيه، و إن أريد أنّه ليس إلّا مندوبا فهو مسلّم، و لكن وجوب تعيين ذلك في القصد و تأثير الزائد في البطلان ممنوع.

و على الثاني: أنّ التشريع لو كان فإنّما هو في أمر خارج ليس شرط الفعل و لا شطره، و هو الزائد على قصد القربة، و أمّا نفس الفعل فليس تشريعا، مع أنّ في كون الزائد بعد استفادته من الروايتين المذكورتين «1» تشريعا أيضا نظر.

و على الثالث: أنّ التردّد ليس في النيّة المطلوبة، لأنّها هي القصد إلى الفعل مع القربة، و التردّد فيه إنّما يكون بالتردّد في الفعل و الترك و التقرّب و عدمه، و ظاهر أنّه ليس كذلك، و إنّما هو في الوجه، و هو ممّا لا دليل على اعتباره هنا،

و على تقدير اعتباره غاية أو صفة أمر آخر خارج عن النيّة و المنوي، فلا يقدح التردّد فيه.

و الحاصل: أنّ اشتراط الجزم في مثل ذلك لا دليل عليه.

و أمّا قول الصدوق و كونه إشارة إلى ذلك ممنوع، و لذا لم يسند إليه هذا القول، و إن كان ظاهر كلامه مفهما له، فإنّه قال- بعد حكمه بإجزاء صوم يوم الشكّ إن صامه من شعبان-: و من صامه و هو شاكّ فيه فعليه قضاؤه و إن كان من شهر رمضان، لأنّه لا يقبل شي ء من الفرائض إلّا باليقين.

______________________________

(1) في ص: 197، 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 201

قيل: المراد أنّه من صامه بنيّة رمضان- مع أنّه يشكّ فيه- فعليه القضاء، لأنّه فعل أمرا لا يقين له فيه، بخلاف من صامه بنيّة التردّد، لأنّه فيه على يقين من أمره، لعلمه بكونه كذلك واقعا، و إنّما هو شاكّ في اليوم «1».

فتأمّل.

ه: لو صامه بنيّة الندب أو واجب آخر غير رمضان

، ثمَّ ظهر قبل الغروب أنّه من رمضان، يعدل إلى أنّه من رمضان، بمعنى: أنّه يجب عليه إتمام الصيام و يعتقد أنّه من رمضان، و لم يتصوّر فساد الصوم أو كونه من شعبان بعد عدم ثبوت الهلال قبل النهار.

فما قيل- من أنّ هذه المسألة ممّا لا وجه لذكرها، إذ بعد العلم بالشهر في أثناء النهار للمكلّف تحصل هذه النيّة «2»- ليس بجيّد.

نعم، يحصل ذلك بعد العلم المذكور و العلم بهذه المسألة.

ثمَّ لو لم يعلم المسألة، فهل يكون آثما مع تقصيره في الأخذ، بمعنى: أنّ قصد هذا الوجه واجب أم لا؟

الظاهر: لا، لعدم دليل على وجوب تعيين الوجه، و لذا قلنا بحصّة الصوم من رمضان لو نوى الغير فيه أيضا مع العلم بالشهر كما مرّ.

و لو صامه بنيّة

رمضان ثمَّ ظهر كونه منه في أثناء النهار يكون صومه فاسدا، لأنّ ما بعضه فاسد يفسد كلّه.

و: لو أصبح في يوم الشكّ بنيّة الإفطار ثمَّ ظهر كونه من رمضان

جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس، و أجزأ إذا لم يكن أفسد صومه، لما يأتي في مسألة تجديد النيّة إلى الزوال و بقاء وقتها إليه.

______________________________

(1) الوافي 11: 108.

(2) الحدائق 13: 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 202

و لو كان بعد الزوال لم يكن له صوم، و قضاه، و أمسك بقيّة اليوم من المفطرات وجوبا، أمّا عدم كون الصوم له، فلفوات وقت نيّته كما يأتي.

و أمّا القضاء، فلفوات الصوم. و أمّا وجوب الإمساك، فلما يأتي أيضا من تحريم تناول المفطرات في الشهر بغير شي ء من الأعذار المنصوصة. و كذا وجوب الإمساك عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد أنّ تناول المفطر.

ز: قال في الحدائق ما خلاصته:

المراد بيوم الشكّ في هذه الأخبار ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان، بل إنّما هو إذا حصل الشكّ في كونه من شعبان أو رمضان من جهة اختلاف في هلال شعبان أو رمضان أو مانع من الرؤية، و بالجملة ما أوجب الشكّ، و هذا هو الذي ورد أنّه إن ظهر من رمضان فيوم وفّق له.

و أمّا لو كان هلال شعبان معلوما يقينا و لم يدّع أحد الرؤية ليلة الثلاثين منه و لم يكن مانع من الرؤية، فاليوم من شعبان قطعا و ليس بيوم شكّ «1». انتهى.

أقول: الأمر و إن كان كذلك، لتعليق الحكم في الأخبار طرّا على يوم الشكّ، و هو لا يكون إلّا مع شبهة، و ورد في روايتي هارون بن خارجة «2» و الربيع بن ولّاد «3» الأمر بالصوم في يوم الثلاثين مع الغيم و النهي عنه مع الصحو، و مع ذلك صرّح به في رواية معمّر، و فيها: قلت: جاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الذي يشكّ فيه أنّه

قال: «يوم وفّق له» قال عليه السّلام: «أ ليس

______________________________

(1) الحدائق 13: 41.

(2) الكافي 4: 77- 9، التهذيب 4: 159- 447، الاستبصار 2: 77- 233، الوسائل 10: 299 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 4.

(3) التهذيب 4: 165- 469، الوسائل 10: 298 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 203

تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفّق له؟ فأمّا و ليس علّة و لا شبهة فلا» «1».

و لكن لا تترتّب على ذلك التحقيق فائدة، لأنّها إمّا في مرجوحيّة الصوم مع عدم المانع و عدمها معه، أو في الإجزاء عن رمضان لو صامه و بان أنّه من رمضان و عدمه، و لا يقول هو و لا أحد من الأصحاب فيما أعرف- إلّا ما حكي عن المفيد- بمرجوحيّة صومه «2»، و لا بعدم الإجزاء إن أمكن مع الصحو اتّفاق ثبوت الهلال في بلد آخر، و مع ذلك تدلّ على الإجزاء العلّة المنصوصة و الدليل العقلي المتقدّمان. و إن لم يمكن ذلك فعدم الفائدة أظهر.

المسألة الرابعة: الأصل في النيّة أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل
اشاره

بحيث لا تتأخّر عنه و لا تتقدّم، إذ لو تأخّرت عنه لكان يقع جزء منه بلا نيّة و لا قصد قربة، فلا يكون عبادة، و ما لا يكون جزؤه عبادة لا يكون كلّه كذلك.

و لا تقاس النيّة بالمميّزات الخارجيّة المعيّنة للفعل المشترك، التي اكتفينا بحصولها في أثناء الفعل، كما ذكرنا في بحث الوضوء و الصلاة، لأنّ المطلوب منها مجرّد رفع الاشتراك الحاصل بذلك عرفا، فإنّ عروض مميّزات صلاة الآيات بعد قراءة الحمد يرفع اشتراك العمل. بخلاف النيّة، فإنّ المقصود الأعظم

منها- الذي هو التقرّب- لا يفيد لما تقدّم عليها،

______________________________

(1) التهذيب 4: 166- 473، الوسائل 10: 24 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 12.

(2) حكاه عنه في البيان: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 204

و لا يجعله متقرّبا به إلى اللّه، فلا يجوز تأخيرها عنه.

و كذا التقديم الغير المستمرّ إلى الجزء الأول فعلا أو حكما، و أمّا المستمرّة حكما فهي كالمقارنة، كما بيّناها في بحث الوضوء.

فالحاصل: أنّه تجب مقارنة النيّة الفعليّة أو الحكميّة لأول جزء من العمل، و لا يجوز التأخير مطلقا، و لا التقديم بدون الاستمرار الحكمي، و لا يجب التقديم مطلقا، للأصل، فهذا هو الأصل في النيّة.

و قد تخلّف الأصل في الصيام في مواضع يأتي ذكرها في المسائل الآتية بالدليل، فقد يوجب التقديم و قد يجوّز التأخير، و ليس المعنى في صورة التأخير أنّ معه يكون مجموع اليوم متقرّبا فيه إلى اللّه، بل المعنى: أنّ مجموع اليوم- الذي بعضه يشتمل على نيّة القربة- قائم مقام الذي يشتمل جميعه عليها بالدليل الشرعي.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل المذكور- مضافا إلى النبويّين المشهورين، أحدهما: «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» «1» و الآخر: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» «2»- أن يكون وقت نيّة الصيام الليل حتما، حيث إنّ مقتضاه وجوب العلم بمقارنتها لطلوع الفجر الذي هو أول اليوم، و هو لمّا لا يحصل عادة إلّا بإيقاعها قبل الطلوع، لأنّ الطلوع لا يعلم إلّا بعد وقوعه، فلا يحصل العلم بمقارنة النيّة له إلّا بتقديمها عليه، فيكون التقديم واجبا.

قيل: الأمر و إن كان كذلك لكن نفرض المسألة على تقدير وقوع

______________________________

(1) سنن الدار قطني 2: 171- 1.

(2) سنن أبي داود 2: 329-

2454، و سنن النسائي 4: 196، و مسند أحمد 6:

287 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 205

المقارنة الحقيقيّة بدون التقديم، فإنّ غاية ما لزم عدم تمكّن المكلّف من إيقاع المقارنة بالاختيار، و هو لا ينفي الاتّفاق، فنفرض المسألة على تقديره، فلا يكون التقديم واجبا.

و أيضا نمنع اشتراط المقارنة المذكورة في النيّة مطلقا، بل النيّة للفعل المستغرق للزمان تكون بعد تحقّقه لا قبله، كما صرّح به بعضهم في نيّة الوقوف بعرفة و جعلها مقارنة لما بعد الزوال.

و أيضا تشترط المقارنة لو لم تؤثّر النيّة المتأخّرة في الجزء المتقدّم، و هي مؤثّرة في الصوم، فإنّ من نسي النيّة فجدّدها في النهار صحّ صومه «1».

و نجيب عن الأول: بأنّ إمكان الوقوع و الاتّفاق غير مفيد، لوجوب أداء التكليف، مع أنّ المكلّف به هو تحصيل العلم، و هو غير ممكن عادة، و بناء التكاليف على الأحوال العاديّة المتعارفة، و لذا يحكمون بوجوب غسل جزء من الرأس في غسل الوجه للوضوء من باب المقدّمة مع إمكان اتّفاق البدأة بأعلى الوجه الحقيقي.

و عن الثاني: بأنّ انتفاء المقارنة المذكورة موجب لخلوّ أول الجزء من النيّة، فلا يكون من العبادة المطلوبة.

و أمّا ما كان كذلك فابتداء وقته حقيقة ما بعد الآن المشتمل على النيّة، و الزمان فيه هو الزمان العرفي لا الحقيقي، فوقت الوقوف من أول الزوال عرفا لا حقيقة، و ذلك لا يمكن في الصوم، للإجماع على أنّ وقته تمام اليوم حقيقة.

و عن الثالث: بأنّ تأثير النيّة في الجزء المتقدّم على خلاف الأصل كما عرفت، فلا بدّ من الاقتصار فيه على ما ثبت فيه من الناسي و ذوي الأعذار

______________________________

(1) انظر الروضة 2: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 206

كما

يأتي، و مرادنا هنا بيان الأصل في وقت النيّة.

و قد ظهر بذلك الجمع بين قول من ظاهره أو صريحه تحتّم إيقاعها ليلا- كالعماني و المفيد و النافع و المفاتيح «1»- و قول من قال بجواز التأخير إلى طلوع الفجر بحيث يتقارنان- كآخرين «2»- بحمل قول الأولين على الوجوب التبعي، و قول الآخرين على الأصلي.

و صرّح بذلك في المنتهى، قال- بعد تجويز المقارنة للطلوع، و الاستدلال للمخالف بالنبويّين-: و الجواب: أنّه لمّا تعذّر إيقاع العزم مع الطلوع- لعدم ضبطه- لم يكلّف الرسول به، و بعده لا يجوز، فوجبت القبليّة، لذلك، لا أنّها في الأصل واجبة قبل الفجر «3». و نحوه في التذكرة «4».

فائدة:

قد بيّنا أنّ النيّة المشروطة مقارنتها للعمل أعمّ من الفعليّة، التي هي عبارة عن حضور العزم على الفعل متقرّبا في البال ملتفتا إليه.

و من الحكميّة، التي هي عبارة عن حضور العزم المذكور في وقت و عدم قصد الترك و لا التردّد و لا نسيان العزم بعده، إلى أن يشتغل بالعمل، بحيث يكون العزم مودعا في خزينة الخيال و إن لم يكن ملتفتا إليه أصلا، و ذلك غير النسيان. ألا ترى أنّه لا يقال لكلّ أحد: أنّه نسي اسمه و اسم أبيه و ولده، مع أنّه غير ملتفت إليها في أكثر الأحوال.

نعم، يكون بحيث لو التفت إلى العمل لوجد العزم عليه باقيا في

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 211، المفيد في المقنعة: 302، النافع: 65، المفاتيح 1: 243.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 106، السبزواري في الذخيرة: 513، صاحب الرياض 1: 301.

(3) المنتهى 2: 558.

(4) التذكرة 1: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 207

نفسه.

و قد ذكرنا فيما سبق: أنّه لا دليل على

اشتراط مقارنة الأزيد من ذلك أصلا، و أنّ اعتبار الفعليّة في وقت من الأوقات لتوقّف حصول الحكميّة عليها، و أنّه لا يشترط في الحكميّة- التي هي الفعليّة المستمرة- عدم الإتيان بما ينافي العمل حين فعله و يبطله، فإنّ قاصد الصلاة عند الأذان و الإقامة يكتفي بالنيّة الحكميّة و لو تكلّم في أثناء الأذان و الإقامة أو انحرف عن القبلة.

نعم، يشترط فيها عدم العزم على الترك، و لا التردّد بعد العزم الفعلي الأولي.

و إذا عرفت ذلك تعلم أنّ المراد بتحتّم إيقاعها ليلا: أنّه يجب تحقّق إحدى النيّتين من الفعليّة و الحكميّة في الجزء الأخير من الليل، و لو لم تتحقّق إحداهما فيه يبطل الصوم، و أمّا الفعليّة بخصوصها فلا يشترط تحقّقها حينئذ.

نعم، لتوقّف حصول الحكميّة عليها يشترط تقدّمها على الطلوع، سواء كان في الجزء الأخير من الليل، أو الجزء الأول، أو النهار السابق، أو الأيّام السابقة، أو قبل رؤية الهلال، فإنّ بعد تحقّقها في وقت من الأوقات و البقاء على حكمها إلى وقت العمل تتحقّق النيّة المعتبرة.

و البقاء على حكمها [1] يتحقّق بعدم العزم على الترك و لا التردّد، و بقاء العزم في الخزينة الخياليّة بحيث لو التفت إليها لوجد العزم و إن لم يكن بالفعل ملتفتا.

و تعلم أيضا سقوط كثير من الفروع التي ذكرها جمع من الأصحاب،

______________________________

[1] في «ح» زيادة: إلى وقت العمل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 208

و أنّها مبنيّة على اشتراط مقارنة الفعليّة أو عدم تحقيق الحكميّة:

منها: ما تردّد فيه بعضهم من أنّه هل يشترط بعد النيّة الفعليّة الاستمرار على حكم الصوم بعدم الإتيان بمفطراته إلى الطلوع، أم لا «1»؟

فإنّه لا وجه لهذا الاشتراط أصلا، و لا تؤثّر هذه الأفعال في غير

زمان الصوم في إبطال النيّة الحكميّة، بل و لا الفعليّة لو اعتبرناها، فإنّ حقيقتها حضور العزم على الإمساك غدا لا على الإمساك الآن.

و منها: أنّه هل تجب في كلّ ليلة من شهر رمضان نيّة يومها، أو تكفي فيه نيّة واحدة من أول الشهر؟

فإنّ المراد إن كان الفعليّة، فلا دليل على اشتراطها في كلّ ليلة أصلا، فإنّ النيّة الحكميّة لكلّ يوم تتحقّق بحصول الفعليّة للجميع في وقت واحد من غير طروّ المزيل لها، و كون كلّ يوم عبادة مستقلّة لا يقتضي تعدّد الفعليّة في ليلته، و لذا تكفي الفعليّة الواحدة لصلاة الظهر و العصر في الابتداء، مع أنّ قصد كلّ يوم في أول الأمر في حكم الفعليّة المتعدّدة.

و إن كان المراد: الحكميّة، فلا ريب في اشتراط تحقّقها لكلّ يوم في ليلته، و لا يقبل الخلاف فيه.

و منها: أنّه هل يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال، أم لا؟ فإنّ تقديم الفعليّة جائز مع بقاء الحكميّة، و تقديم الحكميّة بحيث تنتفي بعد الهلال غير جائز قطعا.

إلى غير ذلك من الفروع، و كثير منها مبتن على إرادة الفعليّة من النيّة المعتبرة في كلّ عبادة قطعا و الغفلة عن الحكميّة، فرأوا اعتبار الاولى قطعا، و رأوا اعتبار المقارنة أيضا، فتوهّموا أنّها هي التي تعتبر مقارنتها.

______________________________

(1) انظر الحدائق 13: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 209

ثمَّ لمّا استشعر بعضهم بأنّ كثيرا من أصحاب الأئمّة و علماء الأمّة في بعض الموارد الشرعيّة- كصوم الشهر- لا يلتفت إلى فعليّة النيّة، مضافا إلى عدم الالتفات إليها في أفعالنا الحاصلة بالقصد و الاختيار، فرأى ذلك ثابتا بل مجمعا عليه، فشرع في إبداء الوجوه الضعيفة و التعليلات العليلة للكفاية، و من لم يستشعر بذلك

ردّ تلك الوجوه، و من تحقّق ما ذكرناه في أمر النيّة يسهل عليه الخروج من هذه الخلافات.

المسألة الخامسة: لا يجوز تأخير النيّة عن الطلوع المستلزم تبعا

وجوب تقديمها عليه في صوم شهر رمضان و نحوه من الواجبات المعيّنة، عمدا مع العلم بالشهر أو المعيّن، و لو أخّر عمدا يفوت عنه الصوم، و نسبه في المدارك- في مسألة من نوى الإفطار ثمَّ جدّد في يوم من شهر رمضان- إلى المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و في الحدائق: أنّ ظاهر كلام جملة منهم الاتّفاق عليه «2».

للأصل المذكور، و النبويّين المتقدّمين «3».

خلافا لظاهر الإسكافي على ما قيل «4»، و السيّد «5» و النافع «6»، فيجوز التأخير عنه إلى الزوال، و صرّح في الشرائع بانعقاد الصوم لو دخل النهار بنيّة الإفطار ثمَّ جدّد النيّة قبل الزوال «7».

و يمكن أن يستدلّ لهم بإطلاق صحيحة الحلبي أو عمومها الحاصل من ترك الاستفصال: قلت: فإنّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟

______________________________

(1) المدارك 6: 39.

(2) الحدائق 13: 47.

(3) في ص: 204.

(4) في المختلف: 211.

(5) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53.

(6) النافع: 65.

(7) الشرائع 1: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 210

قال: «نعم» «1»، و كون السؤال في صدرها عن غير الواجب المعيّن لا يوجب تخصيص الذيل العام به أيضا.

و ابن سنان: «من أصبح و هو يريد الصيام ثمَّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه و بين نصف النهار ثمَّ يقضي ذلك اليوم، فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» «2».

و ابن سالم: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: «إن هو نوى

الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» «3».

إلّا أنّ الثانية مخصوصة بغير الواجب المعيّن، لأنّ قوله: «من أصبح و هو يريد الصيام» مخصوص به بقرينة تجويز الإفطار، و الضمير المجرور في قوله: «ثمَّ بدا له أن يصوم» راجع إلى ذلك الشخص أيضا.

بل هنا وجهان آخران موجبان لظهور الأخيرتين معا في غير الواجب المعيّن، لأنّه المتبادر من قوله: «فإن بدا له» و قوله: حدث له رأي، و لقوله:

«يحسب له» فإنّ الحساب من وقت النيّة يفيد أنّه ليس ما قبله صوما، و إنّما هو بعض صوم، أي له ثواب ذلك و إن لم يكن صوما شرعيّا.

و الحمل- على مجرّد نفي الثواب فيما تقدّمه و إن كان صوما صحيحا- باطل، إذ لا يخلو الصوم الصحيح من الثواب.

إلّا أن يقال: إنّ المعنى: أنّ ثواب مجموع صوم اليوم كثواب بعض

______________________________

(1) الكافي 4: 121- 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 4: 187- 524، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 7.

(3) التهذيب 4: 188- 528، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 211

اليوم من الذي نوى المجموع.

فلم تبق إلّا الاولى، و هي و إن كانت عامّة ظاهرا إلّا أنّ عمومها موهون جدّا باختصاص صدرها، و ظهور: أراد أن يصوم، فيمن تجوز له إرادة عدم الصوم، و مع ذلك معارض بعموم النبويّين المنجبرين ضعفهما في المقام بالشهرة العظيمة، بل قيل بالإجماع، بحمل كلام من ذكر على غير العامد بالتباين، فيرجع إلى الأصل المذكور.

المسألة السادسة: يمتدّ وقتها في صوم شهر رمضان و النذر المعيّن للناسي و الجاهل بالشهر و التعيين

بل مطلق المعذور إلى

الزوال، فله النيّة ما لم يدخل الزوال، و إذا دخل فات الصوم، وفاقا للأكثر، بل عليه الإجماع عن صريح الغنية «1»، و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة «2».

بل هو إجماعي، لعدم ظهور مخالف، إلّا ما حكي عن العماني في البقاء إلى الزوال، و الإسكافي في الفوات بعده «3».

و مخالفتهما في الإجماع غير قادحة، مع أنّها- كما قيل أيضا- غير معلومة «4»، بل عدمها في الثاني من كلامه معلوم.

فهو الحجّة المخرجة عن الأصل المتقدّم في الأول «5»، المحتاج إلى المخرج.

مضافا إلى إطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «6»، الخالي عن معارضة

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(2) المعتبر 2: 646، المنتهى 2: 558، التذكرة 1: 256.

(3) حكاه عنهما في المختلف: 212.

(4) الرياض 1: 302.

(5) أي امتداد الوقت إلى الزوال.

(6) في ص: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 212

النبويّين في المورد، لضعفهما الخالي عن الجابر فيه.

و إلى الاعتضاد بمؤيّدات عديدة، من فحوى ما سيأتي من أدلّة ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن، ففيه أولى، و حديث: «رفع عن أمّتي» «1»، و ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّ ليلة الشك أصبح الناس، فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك «2»، و فحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المسافر إذا زال عذره قبل الزوال «3».

بل يمكن جعل الأخير دليلا بضمّ عدم القول بالفصل، بل سابقة أيضا، لذلك، مع جبر ضعفه بالعمل.

و أمّا الأوليان فجعلهما دليلين- كما وقع لبعضهم «4»- غير سديد.

و أمّا الثاني [1]، فلا حاجة فيه إلى المخرج، لموافقته الأصل، و عدم شي ء يصلح للمعارضة، مع أنّه أيضا- كما مرّ- إجماعي.

المسألة السابعة: يمتدّ وقتها في قضاء رمضان و النذر المطلق أيضا إلى الزوال،

من غير فرق

في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار، فيجوز تجديدها إليه و إن تعمّد الإخلال بالنيّة ليلا فبدا له في الصوم قبل الزوال، و لا يجوز بعده.

أمّا الأول، فهو ممّا قطع به الأصحاب، بل من عباراتهم ما هي مشعرة بدعوى الإجماع عليه، و تدلّ [عليه ] [2] الصحاح الثلاث المتقدّمة، و صحيحة

______________________________

[1] أي: إذا دخل الزوال فات الصوم.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

(2) سنن أبي داود 2: 302، سنن النسائي 4: 131.

(3) الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6.

(4) انظر الرياض 1: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 213

البجلي: في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: «نعم، ليصمه، و يعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا» «1».

و الأخرى: عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما، و كان عليه يوم من شهر رمضان، إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ فقال: «نعم، له أن يصوم، و يعتدّ به من شهر رمضان» «2».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر»، سئل: و إن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: «لا» «3».

و رواية صالح: رجل جعل اللّه عليه صيام شهر، فيصبح و هو ينوي الصوم ثمَّ

يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال: «هذا كلّه جائز» «4».

و رواية عيسى: «و من أصبح و لم ينو الصوم من الليل فهو بالخيار إلى أن تزول الشمس، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 122- 4، التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 2.

(2) التهذيب 4: 187- 526، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 4: 280- 847، الاستبصار 2: 121- 394، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 10.

(4) التهذيب 4: 187- 523، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 4.

(5) التهذيب 4: 189- 533، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 214

و إطلاقها يدلّ على ما أشرنا إليه من استواء حالتي الاختيار و الاضطرار في ذلك الحكم، كما هو ظاهر عبارات الأصحاب، و صرّح به في السرائر و الروضة «1» و غيرهما «2».

و كثير منها و إن اختصّ بالقضاء و بعضها بالنذر المطلق، و لكن جملة منها يعمّهما و غيرهما من الواجبات، كالإجارة و الكفّارة و غيرهما.

و كذلك بعضها و إن لم يشتمل على الامتداد إلى الزوال و لكن تصريح جملة منها به كاف في إثباته، مضافا إلى الإجماع المركّب.

لا يقال: قوله في صحيحة ابن سنان: «فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» «3» يدلّ على فساد الصوم، إذ الصوم لا يتبعّض في اليوم، فيكون الحساب من بعض اليوم كناية عن الفساد.

قلنا:- مع أنّ أصل الدلالة ممنوع- إنّه

لو سلّم فهي أعمّ ممّا كان قبل الزوال أو بعده، فيجب تخصيصه بالأخير، لصحيحة ابن سالم، التي هي أخصّ مطلقا منها «4».

و أمّا الثاني، فهو الأظهر الأشهر، بل ظاهر الانتصار إجماعنا عليه «5»، لصحيحة ابن سالم، و موثّقة الساباطي، و رواية عيسى.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6» و الذخيرة «7»، و قوّاه بعض مشايخنا

______________________________

(1) السرائر 1: 373، الروضة 2: 107.

(2) انظر الرياض 1: 302.

(3) تقدّمت في ص: 210.

(4) راجع ص: 210.

(5) الانتصار: 60.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 212.

(7) الذخيرة: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 215

المعاصرين «1»، لإطلاق بعض الأخبار المذكورة، و ظاهر صحيحة البجلي الثانية.

و صريح مرسلة البزنطي: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان، و يصبح فلا يأكل إلى العصر، أ يجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟

قال: «نعم» «2».

و يجاب عنها: بالضعف، لمخالفتها الشهرة القديمة و الجديدة، و لذا حكم في المنتهى للمرسلة بالشذوذ [1].

مضافا إلى وجوب تقييد المطلقات، و حمل لفظ: العامّة، في الصحيحة، على البعض- و لو مجازا- لذلك أيضا، بل يحتمل كونها مطلقة أيضا، حيث من الفجر إلى الزوال أكثر من الزوال إلى الغروب، و معارضة المرسلة بما ذكر، و وجوب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.

المسألة الثامنة: يمتدّ وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جزء يمكن الإمساك فيه بعد النيّة

، فيجوز تجديدها ما بقي من النهار شي ء بعد أن ينوي، وفاقا للصدوق في الفقيه و المقنع و السيّد و الشيخ و الإسكافي و الحلّي و ابني زهرة و حمزة «3» و المنتهى و الدروس «4»، و استحسنه في التحرير و الروضة «5»،

______________________________

[1] المنتهى 2: 559. قال: فإنّه مع إرساله لا تعرض فيه بالنيّة.

______________________________

(1) الرياض 1: 302.

(2) التهذيب 4: 188- 529، الاستبصار 2: 118- 385، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و

نيته ب 2 ح 9.

(3) الفقيه 2: 97، المقنع: 63، السيّد في الانتصار: 60، الشيخ في المبسوط 1:

278، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 213، الحلي في السرائر 1: 373، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 570، ابن حمزة في الوسيلة: 140.

(4) المنتهى 2: 559: الدروس 1: 266.

(5) التحرير 1: 76، الروضة 2: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 216

و مال إليه في المعتبر و المختلف و البيان «1»، و قوّاه غير واحد من مشايخنا «2»، و نسب إلى أكثر القدماء «3»، بل مطلقا كما عن المنتهى «4».

بل عن الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه «5»، و هو الحجّة فيه، لقاعدة التسامح في أدلّة السنن.

مع موثّقة أبي بصير: عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة، قال:

«هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمَّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» «6».

و صحيحة محمّد بن قيس: «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثمَّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار، إن شاء صامه و إن شاء أفطر» «7».

خلافا للمحكيّ عن العماني و ظاهر الخلاف «8» و لصريح النافع «9»، فجعلوه مثل الواجب الغير المعيّن، و نسبه جماعة إلى المشهور «10»، لإطلاق صحيحة هشام و رواية عيسى المتقدّمتين «11».

______________________________

(1) المعتبر 2: 647، المختلف: 212، البيان: 361.

(2) منهم صاحبي الحدائق 13: 26، و الرياض 1: 303.

(3) كما في الرياض 1: 302.

(4) المنتهى 2: 559.

(5) الانتصار: 60، الغنية (الجوامع الفقهية): 570، السرائر: 373.

(6) الكافي 4: 122- 2، التهذيب 4: 186- 521، الوسائل 10: 14 أبواب وجوب

الصوم و نيته ب 3 ح 1.

(7) التهذيب 4: 187- 525، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 5.

(8) حكاه عنهما في المختلف: 212، و هو في الخلاف 2: 167.

(9) النافع: 60.

(10) كما في المسالك 1: 69، و الحدائق 13: 24.

(11) في ص: 210، 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 217

بل قيل: و موثّقة الساباطي «1». و هو غير صحيح، لأنّ السؤال فيها عن مريد القضاء، و ترجع الضمائر كلّها إليه.

و الجواب- بعد تضعيف الأولى-: بأنّها لا تدلّ إلّا على الحساب من وقت النيّة، و هو غير صريح في فساد الصوم.

و الثانية: بأنّها غير مرويّة عن إمام، فلعلّ الحكم عن عيسى نفسه.

على أنّ على فرض الدلالة تكونان مطلقتين بالنسبة إلى الفرض و التطوع، و موثّقة أبي بصير خاصّة يجب حمل العامّ عليها.

المسألة التاسعة: لا شكّ أنّ جواز تجديد النيّة في النهار- بعد تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا

في جميع ما ذكر- إنّما هو إذا لم يتناول من المفطرات الآتية شيئا، و أمّا معه فلا يجوز إجماعا.

و تدلّ عليه صحيحتا البجلي و محمّد بن قيس، و النبويّ المذكور في المسألة السادسة «2»، و ذيل رواية عيسى: «فإن زالت الشمس و لم يأكل فليتمّ الصوم إلى الليل» «3».

و هل تعتبر المبادرة إلى نيّة الصوم- بعد التذكّر أو إرادته- فورا، أو لا تشترط، بل تجوز النيّة و لو تردّد بعد التذكّر أو الإرادة أو نوى عدم الصوم؟

ظاهر الأصحاب- بل صريح الروضة «4» و غيره- عدم الاعتبار في غير الواجب.

و تدلّ عليه الإطلاقات المتقدمة مطلقا، و صحيحة هشام في الجملة، و هي: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء، و إلّا

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 302.

(2) راجع ص: 213، 216، 212.

(3) التهذيب 4: 189- 533،

الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 12.

(4) الروضة 2: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 218

صمت، فإن كان عندهم شي ء أتوه به و إلّا صام» «1».

بل صريح الروضة كونه كذلك في الواجب الغير المعيّن أيضا.

و فيه نظر، لاختصاص الصحيحة بالمستحبّ، و عدم حجّية المطلقات في غير الصوم النافلة كما يأتي وجهه.

و أمّا الواجب المعيّن، فصرّح بعضهم بفوريّة المبادرة و فوات الصوم بتأخير النيّة عن وقت التذكّر «2»، بل لا يبعد كونه وفاقيّا، و هو الموافق للأصل المذكور، و يدلّ عليه ما يأتي في المسألة الآتية من بطلان الصوم و فواته بنيّة الإفطار أو التردّد في جزء من اليوم، خرجت النوافل بالإطلاقات المذكورة و صحيحة هشام فيبقى الباقي.

فإن قيل: المطلقات تشمل الواجب الغير المعيّن أيضا، بل صحيحة الحلبي «3» تشمل المعيّن أيضا.

قلنا: نعم، و لكن قوله في صحيحة البجلي: «إذا لم يكن أحدث شيئا» «4» يوجب تقييدها في الواجب الغير المعيّن صريحا و في المعيّن فحوى و إجماعا مركّبا، فإنّ نيّة الإفطار أو التردّد أيضا إحداث شي ء.

فإن قيل: ليس المراد بالشي ء الإطلاق حتى يقتصر في تقييده على القدر الثابت، لإيجابه خروج الأكثر، بل المراد شي ء خاصّ.

قلنا: فيكون مجملا، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.

______________________________

(1) التهذيب 4: 188- 531، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 7.

(2) انظر الروضة 2: 107، و المدارك 6: 21.

(3) الكافي 4: 121- 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 1.

(4) الكافي 4: 122- 4، التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 10، ص: 219

فإن قيل: المراد الشي ء المفسد للصوم.

قلنا: سيأتي أنّ ذلك أيضا مفسد له في موضع لا دليل على صحّته معه.

المسألة العاشرة: لو نوى الإفطار في النهار، فإمّا يكون قبل عقد نيّة الصوم، أو بعده.

و الأول مضى حكمه بأقسامه [1].

و الثاني ممّا لا شكّ في كونه حراما، لكونه عزما على الحرام، و اتّباعا للهوى.

و إنّما وقع الخلاف في إفساده للصوم و عدمه، فعن الحلبي و المختلف و الإرشاد و شرحه لفخر المحقّقين و الإيضاح و المسالك و حاشية القواعد للشهيد الثاني «1» و في الدروس و البيان و الحدائق: فساده به «2»، و هو مختار السيّد في مسائله القديمة، كما صرّح به في بعض رسائله «3».

و عن المبسوط و الخلاف و السيّد «4» و في الشرائع و جملة من كتب الفاضل: عدمه «5»، و نسب إلى المشهور بين الأصحاب «6».

و الحقّ: هو الأول، لأنّ كلّ ما دلّ على اشتراط قصد القربة في الصوم و بطلانه بدونه يدلّ عليه في كلّ جزء جزء منه أيضا، و لا شكّ أنّ آن نيّة القطع

______________________________

(1) و أقسامه: أنّه إمّا يكون سهوا أو عمدا و الثاني إمّا يكون في الواجب العيني أو غيره، و أيضا إمّا يكون قبل التذكر في المعين أو بعده. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الحلبي في الكافي: 182، المختلف: 215، الإرشاد 1: 300، الإيضاح 1:

223، المسالك 1: 70.

(2) الدروس 1: 267، البيان: 362، الحدائق 13: 51.

(3) جوابات المسائل الرسية الاولى (رسائل الشريف المرتضى 2): 356.

(4) المبسوط 1: 278، الخلاف 2: 222، حكاه عن السيد في الحدائق 13: 49.

(5) الشرائع 1: 188، و من كتب العلّامة: المنتهى 2: 561، و القواعد 1: 63، إلّا أنّ فيه: صحّ صومه على إشكال.

(6) كما في المدارك: 316 و الحدائق 13: 49.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 10، ص: 220

يكون خاليا عن قصد القربة في الإمساك، فيكون باطلا، و ببطلانه يبطل الصوم، إذ اليوم لا يتبعّض في الصوم.

و بعبارة أخرى: لا شكّ أنّ الصوم: الإمساك في تمام اليوم بقصد القربة، و ما لا قربة في بعضه لا قربة في تمامه، و لا معنى لتحقّق القربة مع قصد القطع.

احتجّ الآخرون بالاستصحاب.

و بأنّ النواقض محصورة، و ليست هذه النيّة منها «1».

و بأنّ الصوم إنّما يفسد بما ينافي الصوم، و لا منافاة بينه و بين عزيمة الأكل مثلا، غايته منافاته لنيّة الصوم، و هي غير مضرّة بعد عدم منافاتها لحكم النيّة، و نيّة الإفطار إنّما تنافي نيّة الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد، لأنّها لا تضادّ بينها و بين استمرار حكم النيّة، كيف؟! و لا ينافيه النوم و الغروب إجماعا.

و بأنّ النيّة لا يجب تجديدها في كلّ أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقّق المنافاة.

و بأنّ مرجع الخلاف في المسألة إلى أنّ استمرار النيّة في زمان الصوم هل هو شرط أم لا؟ و الحقّ: عدم اشتراطه، للأصل الخالي عن المعارض، و كون دليل الاستمرار مثل: «إنّما الأعمال بالنيّات» «2» و العمل هنا لم يقع إلّا بنيّة، و ليس في الخبر أزيد من أنّه يجب وقوعه عن قصد و نيّة، و هو كذلك، و أمّا أنّه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.

و بصحيحة محمّد: «ما يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال:

الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «3».

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 223 و المدارك 6: 40.

(2) التهذيب 4: 186- 519، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 12.

(3) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 276،

الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 221

و الجواب عن الأول: أنّ الاستصحاب مدفوع بما مرّ، مع أنّ جريانه هنا محلّ نظر.

و عن الثاني: بمنع الحصر في ما لا يدخل فيه ذلك.

و عن الثالث: بمنع عدم منافاة نيّة الإفطار لحكم النيّة، فإنّ حكمها هو كون المنويّ مخزونا في خزينة الخيال بحيث لو التفت و تذكّر كان باقيا على قصده و اعتبار ذلك كان لصدق الامتثال معه عرفا، و لا شكّ في منافاة نيّة الإفطار لذلك، و عدم كونه ممتثلا في ذلك الآن.

و منه يظهر فساد القياس على النوم و الغروب، لأنّهما لا ينافيان بقاء المنويّ في خزينة الخيال، كما مرّ مفصّلا فيما سبق.

و عن الرابع: بأنّ عدم وجوب تجديد النيّة إنّما هو لاستمرار حكمها، و ذلك لا يوجب عدم منافاة نية الإفطار للنيّة أو حكمها.

و عن الخامس: بأنّ المراد باستمرار النيّة إن كان استمرار النيّة الفعليّة، فعدم اشتراطه مسلّم، و لكن رجوع الخلاف إليه ممنوع.

و إن كان استمرار الحكميّة، فرجوع الخلاف إليه مسلّم، و لكن عدم اشتراطه ممنوع.

و الأصل- بما ذكرناه دليلا على اشتراط الحكميّة في موضعه- مدفوع.

و المراد من الفعل الواقع مع النيّة إن كان الإمساك في البعض السابق، فهو مسلّم، و لكن لا يفيد.

و أمّا إن كان في البعض اللاحق أو تمام اليوم، فوقوعه بغير نيّة بديهي.

و عن السادس: بأنّه عامّ يجب تخصيصه بما مرّ، كما يخصّص بغيره أيضا.

المسألة الحادية عشرة:

قال بعض المتأخّرين في شرحه على الدروس: هل يجب على المكلّف أن يعرف جميع مفطرات الصوم و يقصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 222

تركها إجمالا أو تفصيلا حتى يصحّ منه الصوم، أو

تكفيه معرفة البعض و اتّفاق عدم الإتيان بالثاني؟

إلى أن قال: و الظاهر أنّ المعتبر هو قصد العبادة المخصوصة المتلقّاة من الشارع بجملة شرائطها الشرعيّة، بعد معرفة معظم التروك المعتبرة فيها، مع عدم الإتيان بباقي المفسدات و لو على سبيل الاتّفاق «1». انتهى.

أقول: ظاهره- كما هو الظاهر أيضا- أنّه لا خلاف في عدم انعقاد صوم من لم يعرف شيئا من المفطرات، و ما يجب الإمساك عنه أصلا، و لم يقصد تركها و تركها اتّفاقا، لعدم ورود نيّة القربة على شي ء منها، و ورودها على معنى لفظ الصوم- الذي لا يعرفه- غير مفيد.

و إنّما الخلاف في أنّه هل تجب معرفة الجميع و قصد تركه تفصيلا أو إجماعا، أو تكفي معرفة البعض؟ و استظهر هو كفاية معرفة المعظم.

و التحقيق: أنّ ما يجب الإمساك عنه في الصوم إن كان ممّا لا يبطل بالإتيان به الصوم- كالارتماس- فلا تجب معرفته و لا قصده عند النيّة بل يكفي اتّفاق تركه، لعدم معلوميّة كونه جزء حقيقة الصوم.

و أمّا غيره- ممّا يبطل الصوم بالإتيان به- فلا فرق فيه بين المعظم و غيره، بل تجب معرفة الجميع و قصد تركه عند النيّة إجمالا أو تفصيلا، لأنّ الصوم الذي يجب قصده و التقرّب به عبارة عن هذه التروك، فلو لم ينو بواحد منها القربة لم يتحقّق قصد القربة في الصوم.

و لا يفيد كون الألفاظ أسامي للأعمّ، لأنّ ذلك لا يخرج باقي الأجزاء عن كونها مأمورا بها.

______________________________

(1) مشارق الشموس: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 223

الفصل الثاني في بيان الأشياء المخصوصة التي بانتفائها يتحقّق الصوم أو لا يجوز ارتكابها

اشاره

و هي على أقسام خمسة:

القسم الأول ما يحرم ارتكابه، و يوجب القضاء و الكفّارة معا
اشاره

، إذا وقع في صوم شهر رمضان و غيره ممّا في إفطاره قضاء و كفّارة،

و هي أمور سبعة:

الأمر الأول و الثاني: الأكل و الشرب للمعتاد و غيره.
اشاره

أمّا حرمتهما فبالكتاب «1»، و السنّة المتواترة «2»، و الإجماع فيهما «3».

أمّا في الأول فظاهرة، و أمّا في الثاني فلعمومات الكتاب و السنّة في النهي عن الأكل و الشرب.

و الانصراف إلى المعتاد- لو سلّم- فإنّما هو في المطلق دون العامّ، مع أنّ انصراف المطلق إليه أيضا إنّما هو إذا كان الاعتياد و عدمه بحيث يكونان قرينتين على إرادة المعتاد، و هو في المورد غير معلوم.

بل هنا كلام آخر، و هو أنّه على فرض الانصراف فإنّما هو يفيد لو كان متعلّق الحكم المأكول و المشروب.

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) كما في الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1.

(3) كما في الشرائع 1: 189، المدارك 6: 43، الذخيرة: 496.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 224

أمّا الأكل و الشرب، فمقتضى الانصراف إلى المعتاد خروج غير المعتاد من الأكل مثلا، و هو ما كان من غير الفم، بل من نحو الأنف أو العين أو ثقبة في الصدر، لا من المأكول، فتأمّل.

فيكون الكتاب و السنّة شاملا لغير المعتاد أيضا.

و أمّا الإجماع، فلعدم قدح مخالفة الإسكافي و السيّد في شاذّ من كتبه «1» في الإجماع، و لذا صرّح بالإجماع في غير المعتاد أيضا جماعة، منهم:

الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و المنتهى «2» و غيرها «3»، مع أنّ مخالفة السيّد أيضا غير معلومة، لأنّه إنّما حكم في بعض كتبه بعدم البطلان بابتلاع الحصاة و نحوها، فيمكن أن تكون مخالفته في الازدراد دون غير المعتاد، و لذا ترى الفاضل في المنتهى جعل البطلان بغير المعتاد مذهب جميع علمائنا، و لم ينسب

الخلاف فيه إلّا إلى بعض العامّة، و نسب الخلاف في الازدراد إلى السيّد.

و ممّا يؤيّد البطلان بتناول غير المعتاد- المستلزم هنا للحرمة، لحرمة إبطال الصوم الموجب لحرمة سببه- بل يدلّ عليه: أنّ المراد بالمعتاد إن كان معتاد غالب الناس لزم عدم فساد صوم طائفة اعتادوا أكل بعض الأشياء الغير المعتادة للأكثر، كالحيّة، و الفأرة، و بعض النباتات، بل لحم البغل و الحمار، و فساد ذلك ظاهر، بل لا أظنّ أن يقول به المخالف.

و إن كان معتاد كلّ مكلّف بنفسه فيصير الفساد أظهر، فلا يبطل الصوم بأكل الخبز لقوم، بل يلزم اختلاف المبطل باختلاف العادات و البلاد، بل

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 216، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، السرائر 1: 377، المنتهى 2: 563.

(3) كما في مشارق الشموس: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 225

مقتضى قاعدة الانصراف إلى المعتاد اعتبار معتاد زمان الشارع و بلده، و حينئذ تتّسع دائرة الأكل و الشرب في الصوم.

بل إخراج المني أيضا لو أجريت القاعدة فيه أيضا.

استدلّ للمخالف «1» بما مرّ، من انصراف المطلق إلى المعتاد.

و بنحو صحيحة محمّد: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «2».

و الأخرى: في الصائم يكتحل، فقال: «لا بأس به، إنّه ليس بطعام و لا شراب» «3».

و بعموم العلّة على عدم ضرر غير الطعام و الشراب، و غير المعتاد ليس منهما.

و رواية ابن أبي يعفور: عن الكحل للصائم؟ فقال: «لا بأس به، إنّه ليس بطعام يؤكل» «4».

و رواية مسعدة: عن الذباب يدخل في حلق الصائم؟ قال: «ليس عليه

قضاء، إنّه ليس بطعام» «5».

و الجواب عن الأول: ما سبق.

______________________________

(1) انظر الحدائق 13: 57.

(2) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 244 بتفاوت يسير، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(3) الكافي 4: 111- 1، التهذيب 4: 258- 765، الاستبصار 2: 89- 278، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(4) التهذيب 4: 258- 766، الاستبصار 2: 89- 279، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.

(5) الكافي 4: 115- 2، التهذيب 4: 323- 994، الوسائل 10: 109 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 226

و عن البواقي: بعدم الحجية بعمومها، لمخالفتها الشهرة العظيمة، بل الإجماع كما مرّ.

و عن الثاني: بأنّ غير المعتاد من المطعوم و المشروب أيضا طعام و شراب.

و هو الجواب عن الثالث و الرابع.

و عن الخامس: بأنّ الضمير المنصوب يمكن أن يكون راجعا إلى الدخول في الحلق، و الطعام مصدرا، كما ذكره في القاموس «1»، و غيره «2»، فيكون المعنى: أنّ دخول الذباب بغير الاختيار ليس أكلا، لأنّه ما كان بالقصد و الاختيار.

و أمّا وجوب القضاء و الكفّارة بهما، ففي المعتاد لإجماع العلماء محكيّا مستفيضا «3» و محقّقا.

و فيه و في غيره لحصول الفطر به عرفا، فيدخل في عموم ما دلّ على إيجابه لهما، كمرسلة الفقيه: «و من أفطر في شهر رمضان متعمّدا فعليه كفّارة واحدة، و قضاء يوم مكانه، و أنّى له مثله» «4».

و رواية الهروي، و فيها: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن

كان ناسيا فلا شي ء عليه» «5».

و رواية المشرقي: عن الرجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب عليه السلام: «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 145.

(2) كمجمع البحرين 6: 106.

(3) كما في المدارك 6: 75، الحدائق 13: 56، الرياض 1: 308.

(4) الفقيه 2: 73- 316، الوسائل 10: 251 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 4، و فيه صدر الحديث.

(5) الفقيه 3: 238- 1128، العيون 1: 244- 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 227

فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوما بدل يوم» «1»، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية، المتضمّنة لتفاصيل الكفارات «2».

فروع:
أ: اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق

و بطلان الصوم به- مطلقا، كما في كلام جماعة، منهم: الشرائع و النافع و التلخيص و التبصرة «3»، أو الغليظ منه، كما في كلام جمع آخر «4»، بل الأكثر كما قيل «5»- و جوازه.

فعن الشيخين و الحلّي و الحلبي و في الشرائع و النافع «6» و طائفة من أفاضل المتأخّرين «7»: الأول، و نسب إلى المشهور «8»، بل عن الانتصار و السرائر و الغنية و التذكرة و التنقيح و نهج الحقّ: الإجماع عليه «9».

و عن ظاهر الصدوق و السيّد و الديلمي و الشيخ في المصباح:

الثاني «10»، حيث لم يذكروا البطلان به، و إليه ذهب جمع من متأخّري

______________________________

(1) التهذيب 4: 207- 600، الاستبصار 2: 96- 311، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.

(2) الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 و 10.

(3) الشرائع 1: 189، النافع 1: 65، التبصرة: 53.

(4) منهم الشيخ في المبسوط

1: 271، و العلّامة في التذكرة 1: 257.

(5) انظر المدارك 6: 52، كفاية الأحكام: 46.

(6) المفيد في المقنعة: 356، الطوسي في المبسوط 1: 271، الحلي في السرائر 1: 377، الحلبي في الكافي: 179، الشرائع 1: 189، النافع: 65.

(7) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 89، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 71.

(8) كما في المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.

(9) السرائر 1: 377، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التذكرة 1: 257، التنقيح 1: 357، نهج الحقّ: 461.

(10) الصدوق في المقنع: 60، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، و الديلمي في المراسم: 98، الشيخ في المصباح: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 228

المتأخّرين، منهم: المفاتيح و الحدائق «1».

و ظاهر المعتبر و المدارك: التردّد «2».

حجّة الأولين: رواية المروزي: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمّدا، أو شمّ رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» «3».

و الأخبار الناهية عن الاحتقان، و جلوس المرأة في الماء، و الاكتحال، و السعوط، و الاستياك بالرطب، و نظائرها «4».

حجّة الآخرين: الأصل، و موثّقة عمر بن سعيد: عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال: «لا بأس» «5».

و ما دلّ على حصر المبطل في أمور ليس ذلك منها.

و يجيبون عن دليل الأولين:

أمّا عن الرواية: فبالقطع الخالي عن الجابر- و هو كون السائل موثوقا به- أولا.

و بضعف السند ثانيا، و لا يفيد الانجبار بالشهرة و نحوها، لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.

(2) المعتبر 2: 670، المدارك 6: 52.

(3) التهذيب 4: 214- 621، الاستبصار 2: 94-

305، الوسائل 10: 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.

(4) انظر الوسائل 10: أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 و 7 و 25 و 28.

(5) التهذيب 4: 324- 1003، الوسائل 10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 229

و بالمعارضة مع الموثّقة- الموجبة للرجوع إلى الأصل- ثالثا.

و بالاشتمال على ما لا قائل به رابعا.

و أمّا عن الاخبار الأخيرة: فبعدم ثبوت مدلولاتها بأنفسها، لمعارضتها مع أقوى منها- كما يأتي- فكيف يقاس عليها غيرها؟! أقول: أمّا جوابهم عن الأخبار الأخيرة فتامّ.

و أمّا عن الرواية، فيمكن ردّ الأول بعدم انحصار الجابر للقطع في موثوقيّة السائل، بل ذكر صاحب الأصل لها في طي الروايات قرينة على أنّ المسئول عنه هو الإمام، و إنّما حصل القطع لتقطيع الروايات من أصل السائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    229     أ: اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق ..... ص : 227

منه يظهر حصول الجبر- لضعف السند لو كان ضائرا- بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فردّ به الثاني أيضا.

و الثالث: بأنّ التعارض بالعموم المطلق، لاختصاص الرواية بالمتعمد و أعمّية الموثّقة.

و الرابع: بأنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروج الباقي، أو بأن ما لا قائل به هو إطلاق بعض الرواية، فيجب تقييده، و يصير كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي، كذا قيل «1».

و فيه: أنّ المراد بالمطلق إن كان جميع أجزاء الرواية، و بالتقييد إخراج بعضه، فهذا ليس من باب الإطلاق و التقييد، بل طرح بعض الرواية.

و إن كان إطلاق بعض الأجزاء، فمنها ما لا قائل بمقيّدة أيضا، كشمّ الرائحة الغليظة، بل الاستنشاق و المضمضة، لأنّه لا قائل

بإفطار فرد منهما.

و أمّا دخول الماء في الحلق فهو ليس من أفرادهما، بل هو أمر خارجي.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 230

فلا يتمّ هذا الردّ، بل و كذا سابقة، لأنّ خروج جزء من الخبر عن الحجّية لا يضرّ الباقي إذا تعيّن خروجه و علم المراد من الباقي، و هنا ليس كذلك، إذ كما يجوز طرح الجزء أو تصرّف فيه بتجوّز أو تقييد يجوز أن يتصرّف في الحكم بقوله: فعليه صوم، و قوله: فإنّ ذلك مفطر، بالصرف عن الظاهر، فلا يتعيّن المراد من الرواية، فتخرج عن الحجّية بالمرّة.

و منه تظهر تماميّة الجواب الأخير، بل و كذا سابقة، لأنّ التعارض بالعموم المطلق إنّما كان لو كان قوله في الرواية: «متعمّدا» بعد قوله:

«غبار» و ليس كذلك، فالتعارض بالمساواة و الرجوع إلى الأصل.

فالحقّ: هو القول الأخير.

نعم، لو كان الغبار بحيث تحسّ منه أجزاء ترابيّة- مشاهدة حسّا، معلومة عيانا، موسومة بالتراب عرفا، ابتداء أو بعد الاجتماع في أصول الأسنان، و ابتلعها- يحكم بفساد الصوم و وجوب القضاء و الكفّارة، لصدق أكل التراب، لا لدخول الغبار.

ب: لا يفسد الصوم بدخول الدخان في الحلق

، للأصل، و صدر الموثّقة المتقدّمة «1»: عن الصائم يدخّن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه؟ قال: «جائز لا بأس به».

و الأحوط: الاجتناب عن شرب التتن، لاستمرار طريقة الناس عليه، و إطلاق الشرب عند العرب عليه.

ج: لا يفسد الصوم بمصّ الخاتم

، و مضغ الطعام للصبي، و زقّ الطائر، و ذوق المرق، و نحو ذلك ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، للأصل،

______________________________

(1) في ص: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 231

و الإجماع، و المعتبرة المستفيضة- التي منها الصحاح «1»- و الحصر المصرّح به في الصحيح المتقدّم «2».

و لا تنافيه صحيحة الأعرج: عن الصائم يذوق الشي ء و لا يبلعه، فقال: «لا» «3»، فلا تفيد أزيد من الكراهة، مع أنّه يحتمل أن يكون معنى قوله: «لا» أي لا يبلعه كما قيل «4».

و عن الشيخ حملها على من لا تكون له ضرورة إلى ذلك، و حمل أخبار الرخصة على حال الضرورة «5». و لا شاهد له. مع أنّه على فرض المعارضة يكون الترجيح للأخبار المرخّصة، لوجوه عديدة.

و لو سبق في هذه الحالة شي ء إلى حلقه بلا اختيار، لم يفسد به صومه، كما صرّح به جمع من الأصحاب «6»، للأصل، و عدم التعمّد.

و تومئ إليه صحيحة الحنّاط: إنّي اقبّل بنتا لي صغيرة و أنا صائم، فيدخل في جوفي من ريقها، فقال: «لا بأس، ليس عليك شي ء» «7».

و فرّق في المنتهى بين ما كان المضغ و نحوه لغرض صحيح و ما لم يكن كذلك، فأوجب القضاء في الثاني «8». و لا دليل عليه.

______________________________

(1) كما في الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 و 38.

(2) في ص: 225.

(3) الكافي 4: 115- 4، التهذيب 4: 312- 943، الاستبصار 2: 95- 309، الوسائل

10: 106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.

(4) انظر الرياض 1: 307.

(5) كما في المبسوط 1: 272.

(6) انظر النافع: 66، و المختلف: 219، و الرياض 1: 307.

(7) التهذيب 4: 319- 976، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 34 ح 1.

(8) المنتهى 2: 568.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 232

د: الحقّ جواز مضغ العلك مع الكراهة

، و إن تغيّر الريق بطعمه، ما لم تنفصل منه أجزاء محسوسة، وفاقا للأكثر كما عن المنتهى «1»، للأصل، و الحصر، و رواية أبي بصير: عن الصائم يمضغ العلك، قال: «نعم، إن شاء» «2».

و رواية محمّد: «إيّاك أن تمضغ علكا، فإنّي مضغت العلك يوما و أنّا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا» «3»، فإنّ في مضغ الإمام تصريحا بالجواز، و في صدره دليل على الكراهة، إمّا مطلقا أو في الصوم خاصّة.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: الصائم يمضغ العلك؟ قال: «لا» «4».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و النهاية «5»، لصحيحة الحلبي.

و فيه: منع الدلالة على الحرمة، مع أنّه على فرضها يتعيّن الحمل على الكراهة، لما مرّ.

و لأنّ وجود الطعم في الريق دليل على تخلّل شي ء من أجزاء ذي الطعم فيه، لامتناع انتقال العرض.

و فيه: أنّ سبب وجود الطعم لا ينحصر بتخلّل الأجزاء أو انتقال العرض، لجواز حصول التكيّف بسبب المجاورة، مع أنّه لو سلّم التخلّل فالمبطل إنّما هو الأجزاء المحسوسة لا أمثال ذلك.

______________________________

(1) المنتهى 2: 568.

(2) التهذيب 4: 324- 1002، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 3.

(3) الكافي 4: 114- 2، الوسائل 10: 104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.

(4) الكافي 4: 114- 1، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم

ب 36 ح 2.

(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 222، النهاية: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 233

هذا، مع أنّه ليس إلّا اجتهادا في مقابلة النصّ.

ه-: يفسد الصوم بابتلاع بقايا الغذاء المتخلّلة بين أسنانه في النهار عمدا

، سواء أخرجها من فمه أو لا، كما صرّح به في الخلاف و المبسوط و الشرائع «1» و غيرها «2»، و يوجب القضاء و الكفّارة، لصدق الأكل و تناول المفطر عمدا.

و مناقشة صاحب الحدائق فيه لعدم صدق الأكل «3»، و صحيحة ابن سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء أ يفطر ذلك؟ قال: «لا»، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: «لا يفطره ذلك» [1].

و الأول مدفوع بمنع عدم الصدق.

و الثاني بالفرق بين الخارج بالقلس و الداخل من الخارج في صدق الأكل و عدمه، سيّما مع أنّ الصيرورة على اللسان لا تستلزم الدخول في فضاء الفم، إذ لعلّ المراد طرف اللسان المجاور للحلق، مع أنّه لو صدق الأكل لو سلم الحكم في القلس فلا يجوز قياس غيره عليه.

هذا كلّه، مع أنّ الصحيحة ليست صريحة في عدم الإفطار، إذ يحتمل المعنى: لا يزدرده حينئذ فإنّه يفطره ذلك، فيكون قوله: «لا» جوابا للسؤال، و: «يفطره» حكما على حدة.

و لو دخل شي ء منها في الحلق سهوا لم يفسد قطعا، سواء ترك

______________________________

[1] التهذيب 4: 265- 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 9. و القلس: ما خرج من الحلق مل ء الفم أو دونه و ليس بقي ء، فإن عاد فهو القي ء- الصحاح 3: 965.

______________________________

(1) الخلاف 2: 176، المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 193.

(2) كالقواعد 1: 64.

(3) الحدائق 13: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 234

الخلال عمدا أو سهوا أو لم يتركه. و التفرقة بين

تركه و عدمه ضعيفة.

و لو وجد طعم الغذاء الباقي في الأسنان في الريق و ابتلعه لا يفسد صومه، كما يظهر وجهه ممّا ذكرناه في مضغ العلك.

و: لا يفسد الصوم بابتلاع الريق الذي في الفم

، بلا إشكال و لا خلاف فيه كما قيل «1»، للأصل، و عدم صدق الأكل و الشرب عرفا، و استمرار عمل الناس طرّا عليه.

و لو أخرجه من فمه ثمَّ أرجعه و ابتلعه فيفسد الصوم، بل ظاهر بعضهم أنّه إجماعي «2».

لا لأجل حرمة ابتلاعه بعد خروجه عن الفم، لمنعه.

بل لصدق الأكل حينئذ عرفا، فيقال: أكل الريق، فإنّ الظاهر صدق الأكل بابتلاع كلّ ما يدخل الفم من الخارج و لو خرج من الداخل، دون ما لم يدخل من الخارج أصلا.

و ظاهر صاحب الحدائق عدم البطلان به، و عدم التفرقة بين ما كان في الفم و ما خرج منه، حاكيا عن المحقق الأردبيلي الميل إليه أيضا «3». و هو غير جيّد، لما ذكرنا.

ز: في جواز ابتلاع النخامة-

و هي ما يخرج من الصدر أو يسترسل من الدماغ، كما يدلّ عليه بعض كلمات أهل اللغة «4»، دون الأول فقط، كما يعطيه كلام بعض الفقهاء «5»- و بطلان الصوم به، و عدمه قبل الانفصال من

______________________________

(1) الحدائق 13: 79.

(2) النظر غنائم الأيام: 396.

(3) الحدائق 13: 80.

(4) انظر القاموس المحيط 4: 181.

(5) انظر الشرائع 1: 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 235

الفم، أقوال ثلاثة:

الأول: عدم البطلان مطلقا، ذهب إليه في المعتبر و المنتهى و التذكرة و المدارك «1» و بعض آخر «2»، للأصل، و رواية غياث: «لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته» «3»، و عدم تسميته أكلا و لا شربا، و مساواته للريق في عدم وصوله من الخارج، و عدم انفكاك الصائم عنه إلّا نادرا، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة المتضمّنة لحكم القلس.

و الثاني: عدمه في الصدريّة و البطلان في الدماغيّة، إلّا أن يتعدّى إلى الحلق بعد الاسترسال و قبل الوصول إلى الفم، و هو

ظاهر الشرائع و الإرشاد «4»، و لعلّه لصدق الأكل عليه، و عدم صدق النخامة المجوّز ابتلاعها في الرواية، لزعم اختصاصها بما يخرج من الصدر.

و الثالث: البطلان بابتلاعها بعد وصولها إلى الفم، حكى عن الشهيدين «5». و هو الأحوط، و إن كان الأول أظهر، لما مرّ من الأصل، و إطلاق الخبر، و عدم معلوميّة صدق الأكل ما لم ينفصل عن الفم.

ح: الحقّ جواز المضمضة للصائم مع كراهة

، وفاقا للأكثر «6»، أمّا الجواز فللأصل، و لرواية حمّاد: الصائم يتمضمض و يستنشق؟ قال: «نعم، لكن لا يبالغ» «7».

______________________________

(1) المعتبر 2: 653، المنتهى 2: 563، التذكرة 1: 256، المدارك 6: 105.

(2) كالحدائق 13: 86.

(3) الكافي 4: 115- 1، التهذيب 4: 323- 995، الوسائل 10: 108 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39 ح 1.

(4) الشرائع 1: 193، الإرشاد 1: 298.

(5) الشهيد في الدروس 1: 278، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73.

(6) منهم المحقق في الشرائع 1: 193، و صاحب الحدائق 13: 91.

(7) الكافي 4: 107- 3، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 236

و رواية يونس: «و الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» «1»، و هي دليل الكراهة أيضا.

خلافا للمحكي عن الاستبصار و المنتهى، فقالا بالتحريم في غير الوضوء «2»، و لعلّه لرواية المروزي المتقدّمة، المتضمّنة لوجوب الكفّارة بأمور منها: المضمضة «3».

و هي مردودة بما مرّ من عدم وجوبها ببعض ما فيها إجماعا، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز، و بعد فتح بابه تتّسع دائرته فلا تفيد.

ثمَّ لو تمضمض و دخل الماء في حلقه فيأتي حكمه «4».

الثالث: الجماع

في قبل المرأة، أنزل أم لم ينزل.

و هو حرام علي الصائم إجماعا، كتابا و نصّا و فتوى، و موجب للقضاء و الكفّارة، بالإجماع، و السنّة المتواترة:

كصحيحة البجلي: عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» «5».

و رواية المفضّل: في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 107- 4،

التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار، 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

(2) الاستبصار 2: 94، المنتهى 2: 579.

(3) راجع ص: 228.

(4) في ص: 272.

(5) الكافي 4: 102- 4، التهذيب 4: 206- 597، الاستبصار 2: 81- 247، الوسائل 10: 29 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.

(6) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 237

و موثّقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا، فقال: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستّين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم» «1»، و رواية الهروي المتقدّمة «2»، إلى غير ذلك.

و تدل عليه عمومات القضاء و الكفّارة بالإفطار، فإنّ ذلك أيضا، إفطار كما صرّح به في الأخبار، كالخصالي: «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة عليهم السلام» «3»، و قريب منه في الرضوي «4».

و كذا في دبرها على المشهور، بل على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «5»، و على الظاهر من المذهب كما في المبسوط «6»، و على مقتضى المذهب كما في الخلاف «7»، و بلا خلاف فيه كما فيه أيضا، و بالإجماع كما عنه أيضا و عن الوسيلة «8».

للشهرة، و الإجماع المحكى.

و إطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة «9»، خرج منه ما عدا الوطء في القبل و الدبر فيبقى الباقي، و متى ثبت التحريم كان مفسدا

______________________________

(1) التهذيب 4: 208- 604، الاستبصار 2 97- 315، الوسائل 10: 49

أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13.

(2) في ص: 226.

(3) الخصال: 286- 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.

(4) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 321 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(5) المدارك 6: 45.

(6) المبسوط 1: 270.

(7) الخلاف 2: 191.

(8) الوسيلة: 142.

(9) البقرة: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 238

بالإجماع المركّب.

و لإطلاق البطلان بالجماع في طائفة من الأخبار.

و لإيجابه الجنابة المفسدة للصوم.

و يرد على الأولين: عدم الحجّية.

و على الثالث: بأنّ جعل الآية من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، و هو غير جائز، فيجب حملها على المجاز، و هو إمّا الوطء في القبل، أو مطلق الجماع، الغير المعلوم صدقه على وطء الدبر، أو غير المنصرف إليه، لعدم كونه من الأفراد الشائعة.

و منه يظهر ردّ الرابع أيضا.

و على الخامس: بمنع الملزوم أولا، و الملازمة ثانيا.

خلافا للمحكي عن المبسوط، حيث جعل البطلان أحوط «1»، و إن كان في كونه صريحا في الخلاف نظر، لاحتمال إرادة الوجوب من الاحتياط في كلمات القدماء.

نعم، هو الظاهر من المختلف «2»، لأن الاحتياط في كلامه ليس محمولا على الوجوب.

نعم، يحتمل إرادة المبسوط الاستحباب أيضا، فكلامه محتمل للخلاف و ليس صريحا في وفاق المشهور، ككلام من أطلق الجماع بل الوطء أيضا- كالمقنعة و النهاية و الناصريات و الديلمي «3»- أو مقيّدا بالفرج، كالجملين «4»

______________________________

(1) المبسوط 1: 270.

(2) المختلف: 216.

(3) المقنعة: 344، النهاية: 153، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الديلمي في المراسم: 98.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 212.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 239

و الاقتصاد و المصباح و مختصره «1».

و من

ذلك يظهر تطرّق القدح في الإجماع المحقّق في المسألة، و معه فيجب الرجوع إلى سائر الأدلّة، و الأصل مع عدم البطلان، و تدلّ عليه مرسلة علىّ بن الحكم: «إذا أتي الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها، و ليس عليها غسل» «2».

و مرفوعة أحمد بن محمّد: في رجل أتى المرأة في دبرها و هي صائمة، قال: «لا ينقض صومها، و ليس عليها غسل» «3».

و لا فرق بين المفعول بها و الفاعل بالإجماع المركّب.

و أمّا دبر الغلام بدون الإنزال، فالمشهور فيه أيضا- كما قيل- الإفساد «4»، بل عن الخلاف: الإجماع عليه «5»، لذلك الإجماع المنقول، و إيجابه الجنابة، و فحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة، و إطلاق الأخبار بوجوب القضاء أو الكفّارة على المجامع. و في الكلّ نظر ظاهر.

خلافا لمحتمل كلّ من ذكره.

و تردّد فيه في المعتبر و الشرائع و النافع «6»، و هو في موقعه، بل الظاهر عدم الفساد، للأصل، و لصحيحة محمّد الحاصرة للمفطرات فيما ليس ذلك منها «7».

______________________________

(1) الاقتصاد: 287، مصباح المتهجد: 484.

(2) التهذيب 7: 460- 1843، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

(3) التهذيب 4: 319- 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

(4) انظر الذخيرة: 496، و الرياض 1: 304.

(5) الخلاف 2: 190.

(6) المعتبر 2: 669، الشرائع 1: 189، النافع: 66.

(7) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 244، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 240

و منه يظهر قوّة عدم الفساد بوطء البهيمة مطلقا من دون إنزال، وفاقا لمحتمل بعض من ذكر، و صريح الحلّي و

الشرائع و التذكرة و المنتهى و التحرير و التلخيص «1».

و أمر الاحتياط واضح، و هو مطلوب جدّا خصوصا في المقام.

الرابع: الاستمناء.

و هو طلب خروج المنى مع خروجه بغير الجماع، فلا يضرّ الطلب بدون الخروج، و لا الخروج بدون الطلب أو التسبّب إجماعا، كما أنّه يبطل الصوم بخروجه مع الطلب كذلك.

و على حرمته و فساد الصوم به الإجماع عن الانتصار و الغنية و المعتبر و المنتهى «2» و غيرها «3».

و كذا ادّعى جماعة الإجماع على إيجابه القضاء و الكفّارة «4»، و هو أيضا- كسابقه- إجماع قطعا، فهو الدليل على الأحكام الثلاثة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، كصحيحة البجلي المتقدّمة «5».

و مرسلة حفص بن سوقة: في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان» «6».

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 380، الشرائع 1: 189، التذكرة 1: 259، المنتهى 2:

564، التحرير 1: 77.

(2) الانتصار: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المعتبر 2: 654، المنتهى 2: 564.

(3) كالتذكرة 1: 572.

(4) كما في الخلاف 2: 190، و انظر المدارك 6: 77.

(5) في ص: 236.

(6) الكافي 4: 103- 7، التهذيب 4: 321- 983، الوسائل 10: 39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 241

و موثّقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستّين مسكينا» «1».

و رواية أبي بصير: عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق، فقال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا أو يعتق رقبة» «2».

و الرضوي: «و لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة» «3».

و

تؤيده- بل تدلّ [عليه ] [1]- صحيحة محمّد و زرارة: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف عليه فليتنزّه عن ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه مني» «4».

و صحيحة الحلبي: عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان، قال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأس» «6»، إلى غير ذلك.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.

(2) التهذيب 4: 320- 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.

(3) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 324 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 3.

(4) التهذيب 4: 271- 821، الاستبصار 2: 82- 251، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 13.

(5) الكافي 4: 104- 1، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.

(6) الفقيه 2: 71- 300، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 242

و بوجوب الكفّارة في تلك الأخبار ثبت الفساد و القضاء بالإجماع المركّب.

و اختصاص الأكثر باستمناء خاصّ غير ضائر، لعدم القول بالفصل. و في حكم الطلب عمدا التسبّب بمسّ المرأة بالملاعبة أو الملامسة أو التقبيل لمن يعتاد الإنزال مع أحدها، أو يكرّر ذلك حتى ينزل مع اعتياده بالتكرّر، لصدق الإنزال عمدا، فيكون بطلان صومه و وجوب القضاء و الكفّارة مجمعا عليه «1».

و يدلّ على الحكم

إطلاق طائفة من الأخبار المتقدّمة.

و كذا إن لم يكن معتادا به، و لكن كرّره قاصدا للإنزال حتى يتّفق، لما ذكر، و كذا في القضاء و الكفّارة، بل لو لم يكن معتادا و لم يقصده أيضا و اتّفق معه الإنزال، وفاقا للمشهور كما عن المختلف و المهذّب «2»، بل المجمع عليه كما عن المعتبر بل الخلاف «3»، للإطلاقات المذكورة.

خلافا لبعض المتأخّرين، فلم يوجب مع عدم التعمّد شيئا، لضعف غير الصحيحة الأولى سندا، و ضعفها دلالة، لاحتمال كون لفظة «حتى» تعليليّة «4».

و للمرسل المروي في المقنع: «لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي ء» «5».

و يجاب بانجبار الضعف- لو كان- بما مرّ من الشهرة المحكيّة

______________________________

(1) في «ح» زيادة: كما عن الكتب الثلاثة و غيرها.

(2) المختلف: 224، المهذب البارع 2: 43.

(3) المعتبر 2: 654، الخلاف 2: 190.

(4) انظر المدارك 6: 62.

(5) المقنع: 60، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 243

و الإجماع المنقول، مع أنّ منها الموثّق الذي هو في نفسه حجّة.

و بضعف المرسل أولا، و مرجوحيّته بالنسبة إلى معارضاته ثانيا، لأنّ القول بمضمونه مذهب فقهاء العامة، كما عن الانتصار «1».

نعم، الثابت حينئذ هو القضاء و الكفّارة، و أمّا حرمة العمل فلا، إذ لا وجه له مع عدم الاعتياد و لا القصد.

و في حصول الإمناء بالنظر أقوال:

عدم الإفساد مطلقا، حكي عن الشيخ في الخلاف و الحلّي «2».

و الإفساد إن كان إلى من لا يحلّ بشهوة، و عدمه إن كان إلى من يحلّ، نسب إلى المفيد و المبسوط و الديلمي و ابن حمزة و التحرير «3».

و الإفساد إن قصد به الإنزال، أو كرّر

النظر حتى ينزل من غير قصده، و عدمه بدونهما، استقربه في المختلف «4».

و الإفساد إن اعتاد الإنزال عقيب النظر، و عدمه بدونه، اختاره بعضهم «5».

و الإفساد إن كان من عادته ذلك و قصده، و عدمه بدونه، اختاره في المدارك «6».

و الظاهر اتّحاد القولين الأخيرين.

______________________________

(1) الانتصار: 64.

(2) الخلاف 2: 198، الحلي في السرائر 1: 389.

(3) المفيد في المقنعة: 359، المبسوط 1: 272، الديلمي في المراسم: 98، ابن حمزة في الوسيلة: 143، و فيه من غير تفصيل، التحرير 1: 77.

(4) المختلف: 220.

(5) كصاحب الحدائق 13: 133.

(6) المدارك 6: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 244

و كيف كان، فالحق: أنّه يفسد بتعمّد النظر مع الاعتياد الإنزال معه، أو مع قصده، لصدق تعمّد الإنزال معه، و هو موجب للفساد، لظاهر الإجماع، و إشعار بعض الأخبار المذكورة «1» به. و لا يفسد بدونه، للأصل.

احتجّ لسائر الأقوال بأدلّة بيّنة الوهن.

و مثل النظر: التخيّل و استماع الصوت في الحرمة و القضاء و الكفّارة.

الخامس: البقاء على الجنابة عمدا حتى يطلع الفجر الثاني.
اشاره

على الأظهر الأشهر في الحرمة و القضاء و الكفّارة، بل بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و السرائر و الغنية و الوسيلة و التذكرة و المنتهى «2»، بل بالإجماع المحقّق، لعدم قدح مخالفة الشاذّ الآتي ذكره فيه، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى صحيحة البزنطي: عن الرجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة، ثمَّ ينام حتى يصبح متعمّدا، قال: «يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه» «3».

و رواية المروزي: «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، و لم يغتسل حتى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه» «4».

______________________________

(1) راجع ص: 240، 241.

(2) الانتصار: 63، الخلاف 2: 174، السرائر 1: 377،

الغنية (الجوامع الفقهية):

571، الوسيلة: 142، التذكرة 1: 260، المنتهى 2: 573.

(3) التهذيب 4: 211- 614، الاستبصار 2: 86- 268، الوسائل 10: 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 4.

(4) التهذيب 4: 212- 617، الاستبصار 2: 87- 273، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 245

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد، و فيها: «فمن أجنب في شهر رمضان، فنام حتى يصبح، فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و يتمّ صيامه، و لن يدركه أبدا» «1».

و فحوى الصحاح الموجبة للقضاء في النومة الثانية أو الثالثة «2»، أو الموجبة له مع نسيان الغسل «3».

و تؤيّده المستفيضة المثبتة للقضاء أو الكفّارة بالجملة الخبريّة.

خلافا في الثلاثة للمحكيّ عن المقنع للصدوق «4» و المحقّق الأردبيلي «5» و السيّد الداماد في رسالته الرضاعيّة.

إلّا أنّ كلام الأول غير صريح في المخالفة، لنقله فيه رواية بذلك، و هو ليس صريحا في الإفتاء بمضمونها، و إن كان الغالب فيه- على ما قيل- فقواه بمتون الأخبار «6».

و كذا الثاني، فإنّ ظاهره في شرح الإرشاد الاستشكال في المسألة، و إن كان [في ] [1] ظاهر كلامه نوع ميل إليه.

للأصل، و الآيتين، و المستفيضة من الأخبار «7».

و الأول: مدفوع بما مرّ.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 212- 618، الاستبصار 2: 87- 274، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4.

(2) انظر الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15.

(3) الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17.

(4) المقنع: 60.

(5) في زبدة البيان: 174.

(6) انظر الحدائق 13: 113، و الذخيرة: 497.

(7)

مجمع الفائدة و البرهان 5: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 246

و الثاني: بأنّ غاية الآيتين العموم المطلق بالنسبة إلى ما مرّ، فيجب تخصيصهما، مضافا إلى ضعف دلالتهما، إذ لا كلام في جوار المجامعة ما لم يحصل العلم بعدم وسعة الزمان للاغتسال قبل الفجر، و حصول مثل ذلك العلم في غاية الندرة، فانصراف المطلق إلى مثله مشكل جدّا، مع أنّ رجوع قيد حَتَّى يَتَبَيَّنَ في إحدى الآيتين إلى غير الجملة الأخيرة غير معلوم، بل مقتضي الأصل العدم.

و الثالث: بعدم حجّية الأخبار المذكورة، لمخالفتها الإجماع، و لا أقلّ من الشهرة العظيمة القديمة و الجديدة المخرجة للرواية عن الحجّية، سيّما مع موافقتها للعامّة في مقام المعارضة لروايات أخر لها مخالفة.

مضافا إلى كون كثير من هذه الأخبار أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، إمّا من جهة شمولها للعمد و النسيان، أو النومة الأولى الشاملة للنوم بقصد الاستيقاظ و الاغتسال، كصحيحتي العيص، و صحيحة القمّاط، و رواية سليمان بن أبي زينبة، و رواية إسماعيل بن عيسى:

الاولى: عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل و أخّر الغسل حتى يطلع الفجر، قال: «يتمّ صومه لا قضاء عليه» «1».

و الثانية: عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام قبل أن يغتسل، قال: «لا بأس» «2».

و الثالثة: عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح،

______________________________

(1) التهذيب 4: 210- 608، الاستبصار 2: 85- 264، الوسائل 10: 58 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 4.

(2) الفقيه 2: 75- 325، الوسائل 10: 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 247

قال: «لا شي ء عليه» «1».

و الرابعة: عن رجل

أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخّر الغسل حتى طلع الفجر، فكتب بخطّه- إلى أن قال-: «و لا شي ء عليه» «2».

و الخامسة: سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح، أي شي ء عليه؟ قال: «لا يضرّه و لا يفطر و لا يبالي» الحديث «3».

و إن أمكن أن تعارض الموافقة للعامّة بالموافقة لإطلاق الكتاب، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة.

و بمنع الأعمّية المطلقة للأخبار الأخيرة، لأنّ الأخبار الأولة أيضا ليست في العمد صريحة و لا ظاهرة حتى تكون أخصّ مطلقا، بل الظاهر في الأكثر التعارض بالتساوي، فالمناط في الردّ هو الشذوذ المخرج عن الحجّية، مع أنّ إحدى صحيحتي العيص لا تدلّ إلّا على جواز النوم، و بعضها ممّا يلوح منه آثار التقيّة من جهة نسبة الحكاية إلى عائشة.

و في الثالث خاصّة للمحكيّ عن المعاني و السيّد في أحد قوليه «4»، و بعض متأخّري المتأخّرين «5»، و مال إليه في التحرير «6»، للأصل، و صحيحة

______________________________

(1) الفقيه 2: 74- 322، الوسائل 10: 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 4: 210- 609، الاستبصار 2: 85- 265، قرب الإسناد: 340، الوسائل 10: 58 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 5.

(3) التهذيب 4: 210- 610، الاستبصار 2: 85- 266، الوسائل 10: 59 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 220، السيد في الانتصار: 63.

(5) كالكاشاني في المفاتيح 1: 247.

(6) التحرير 1: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 248

الحلبي: في رجل احتلم في أول الليل أو أصاب من أهله ثمَّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتى يصبح، قال: «يتمّ صومه

ذلك، ثمَّ يقضيه إذا أفطر شهر رمضان و يستغفر ربّه» «1»، حيث إنّ إتباع القضاء بالاستغفار ظاهر في عدم لزوم كفّارة غيره.

و الأصل مدفوع بما مرّ، و ضعفه غير ضائر، لأنّ ما مرّ له جابر بما مرّ.

و الصحيحة غير دالّة على انتفاء الكفّارة، لأنّ الاستغفار ثابت معها أيضا.

و قد يستدلّ أيضا بالأخبار المجوّزة له، و فساده ظاهر، لاستلزامها نفي القضاء أيضا.

فروع:
أ: ما مرّ إنّما هو حكم صيام شهر رمضان

، حيث إنّه مورد الأخبار و محلّ الإجماع، و مثله في الفساد: قضاؤه على الحقّ المشهور، لصحيحة ابن سنان: كتب أبي إلى أبي عبد اللّه عليه السلام- و هو يقضي شهر رمضان-: إنّي أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم أغتسل حتى طلع الفجر، فأجابه:

«لا تصم اليوم و صم غدا» «2»، و النهي يدلّ على الفساد، و قرينة منها صحيحته الأخرى «3».

و موثقة سماعة الواردة في النومة الاولى، و فيها: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان؟ قال: «فليأكل يومه ذلك و ليقض، فإنّه لا يشبه

______________________________

(1) الكافي 4: 105- 1، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 105- 4، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 2.

(3) الفقيه 2: 75- 324، التهذيب 4: 277- 837، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 249

رمضان شي ء من الشهور» «1»، و المراد من آخر الحديث: أنّ حرمة رمضان أوجبت ذلك الحكم في قضائه أيضا. أو المراد: أنّ القضاء ليس كصوم رمضان في وجوب الصوم و القضاء معا.

و بخصوص هذه الأخبار يقيّد إطلاق رواية ابن بكير: عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب، ثمَّ

أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى من النهار ما مضى، قال: «يصوم إن شاء، و هو بالخيار إلى نصف النهار» «2».

و لا ينافي الحكم قوله: «إذا أفطر شهر رمضان» في صحيحة الحلبي المتقدّمة، لأنّ المنافاة إنّما هي إذا كان المعنى: أنّ هذا الحكم إنّما هو إذا أفطر شهر رمضان فينتفي عن غيره بمفهوم الشرط، و لكن المعنى: أنّه يقضي إذا فرغ من صيام الشهر.

بل لا منافاة على الأول أيضا، لأنّ الحكم هو مجموع تمام الصوم و القضاء، و لا شكّ أنّه مخصوص بصيام شهر رمضان.

و كذا لا ينافيه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها بصيام شهر رمضان، لأنّ الاختصاص فيها إنّما هو من جهة السؤال عنه.

و أمّا غير الصومين من الواجبات المعيّنة و غير المعيّنة و الندب فليس كذلك، فلا يفسد بالبقاء على الجنابة و لو عمدا على الأقوى، وفاقا للدروس «3»، و جملة من المتأخّرين «4»، و عن المعتبر: الميل إليه أيضا «5»،

______________________________

(1) التهذيب 4: 211- 611، الاستبصار 2: 86- 267، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3.

(2) التهذيب 4: 322- 989، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 3.

(3) الدروس 1: 271.

(4) كما في التذكرة 1: 260: و الحدائق 13: 122، و الرياض 1: 305.

(5) المعتبر 2: 657.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 250

بل هو ظاهر من قيّد الحكم برمضان، كالشيخ في الخلاف و ابن زهرة «1»، و تردّد في المنتهى «2».

لنا: الأصل الخالي عن المعارض مطلقا، لاختصاص أخبار الفساد بالصومين.

مضافا في التطوّع إلى رواية ابن بكير المتقدّمة، و إلى رواية الخثعمي:

عن التطوّع، و عن صوم هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول

الليل، فأعلم أنّي قد أجنبت، فأنام متعمّدا حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟: قال:

«صم» «3».

و موثّقة ابن بكير: عن الرجل يجنب ثمَّ ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوّعا؟ قال: «أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار؟!» «4».

ب: لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان و لا في غيره بلا خلاف

، للأصل، و المستفيضة من الأخبار «5».

و يجوز له النوم بعده، للأصل، و صحيحة العيص.

و أمّا ما في بعض الروايات: عن احتلام الصائم، قال: «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل» «6»، فمحمول على الكراهة بقرينة الصحيحة، مع أنّه لا يفيد أزيد منها.

______________________________

(1) الخلاف 2: 174، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(2) المنتهى 2: 566.

(3) الفقيه 2: 49- 212، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 1.

(4) الكافي 4: 105- 3، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2.

(5) الوسائل 10: 103 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35.

(6) التهذيب 4: 212- 618، الاستبصار 2: 87- 274، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4، و فيه و في التهذيب: فلا ينم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 251

ج: يجوز الجماع في ليلة الصيام حتى يبقى لطلوع الفجر مقداره و الغسل

، و مع تبيّن ضيق الوقت لا يجوز، و لو فعل فسد صومه، و لو فعل ذلك ظانّا سعة الوقت قالوا: فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شي ء و إن كان لا معها فعليه القضاء، و يأتي تحقيقه.

السادس: الكذب على اللّه سبحانه، أو على رسوله، أو على أحد من الأئمّة عليهم السلام.
اشاره

و هو محرّم مفسد للصوم، و موجب للقضاء على الحقّ الموافق للشيخين «1» و القاضي و الحلبي و والد الصدوق و الانتصار و الغنية و المنتهى «2»، و جملة من مشايخنا «3»، بل للمشهور كما صرّح به في الخلاف و الدروس «4» و يظهر من المبسوط «5»، بل للإجماع كما عن الانتصار و الغنية «6».

للمستفيضة، كرواية أبي بصير: «الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم» قال: قلت له: هلكنا، قال: «ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة» «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 344، الطوسي في النهاية: 153.

(2) القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 185، الحلبي في الكافي: 179، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 218، الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية):

571، المنتهى 2: 573.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 309.

(4) الخلاف 2: 221 و نسبه فيه إلى الأكثر، الدروس 1: 274.

(5) المبسوط 1: 270.

(6) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(7) الكافي 4: 89- 10، التهذيب 4: 203- 585، الوسائل 10: 33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 252

و الأخرى: «إنّ الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة يفطر الصائم» «1».

و الثالثة: «من كذب على اللّه و على رسوله و هو صائم نقض صومه و وضوءه إذا تعمّد» «2» و موثّقة سماعة: عن رجل كذب في رمضان، قال: «قد أفطر و عليه

قضاؤه»، فقلت: و ما كذبته؟ قال: «يكذب على اللّه و على رسوله» «3».

و الأخرى: عن رجل كذب في شهر رمضان، قال: «قد أفطر و عليه قضاؤه و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد» «4».

و المروي في الخصال: «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمة» «5».

و الرضوي: «و اتّق في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل، و الشرب و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة» «6»، و بمفاده آخر أيضا «7».

______________________________

(1) الفقيه 2: 67- 277، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.

(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 24- 14، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 7.

(3) التهذيب 4: 189- 536، الوسائل 10: 33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 4: 203- 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ح 2 ح 3.

(5) الخصال 1: 286- 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.

(6) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 321، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(7) فقه الرضا «ع»: 203، المستدرك 7: 322 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 253

و ضعف سند بعضها عندنا غير ضائر، و لو سلّم فما مرّ من دعوى الإجماع و الشهرة له جابر.

و للكفّارة، وفاقا لأكثر من ذكر أيضا، للأخبار المذكورة المثبتة للإفطار به، الموجب للكفّارة بما مرّ من العمومات المتقدّمة في الأمر

الأول.

و دعوى تبادر الأكل و الشرب من الإفطار ممنوعة، و المعنى اللغوي له صادق على كلّ ما يفسد الصوم.

خلافا في الجميع للمحكي عن جمل السيّد و الحلّي و العماني و المحقّق «1» و الفاضل في أكثر كتبه «2»، و أكثر المتأخّرين «3»، للأصل، و الصحيحة الحاصرة للمفطرات في أشياء ليس ذلك منها «4»، و ضعف تلك الأخبار سندا، و تضمّن جملة منها على ما لا يقول به أحد من نقض الوضوء به أيضا، و بعض منها على ما هو خلاف المشهور من الإفطار بالارتماس أيضا.

و الأصل مندفع بما مرّ، و الصحيحة مخصّصة به، و الضعف في الجميع ممنوع، و لو كان فمجبور، و التضمّن لما لا يقول به أحد- أو لا يفتي به جماعة- غير مخرج لتتمّة الخبر عن الحجّية، مع أنّ الحجّة غير منحصرة فيما يتضمّن ذلك، بل فيما لا يتضمّنه غناء عنه.

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الحلّي في السرائر 1:

376، حكاه عن العماني في المختلف: 218، المحقق في المعتبر 2: 671.

(2) كما في التذكرة 1: 258، القواعد 1: 64، المختلف: 218.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 70، و السيوري في التنقيح 1: 363، و صاحب المدارك 6: 46.

(4) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 202- 584، الاستبصار 2: 80- 244، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 254

و تجويز حمل قوله: «و هو صائم» في الموثقة الثانية على صحّة صومه- فالمراد من الإفطار فيها نقص كمال الصوم- حمل بعيد، بل المعنى: يتمّ صومه.

نعم، لو كان الاحتجاج بقوله: «يقضي صومه و وضوءه» فقط لما تمَّ الدلالة، لأنّ حمل:

«يقضي» على مجاز متعيّن، لمكان قوله: «و وضوءه»، و حذف فعل آخر للوضوء ليس بأولى ممّا ذكر.

و منه يظهر عدم تماميّة الاستدلال بالرواية الثالثة أيضا، بل يظهر تطرّق الخدش في الخصالي و الرضوي أيضا على القول بعدم كون الارتماس مبطلا، و لكن مع ذلك كلّه لا يضرّ في المطلوب، لكفاية البواقي فيه.

و في الثالث خاصّة للنافع و محتمل القواعد «1»، و لعله للأصل، و خلو النصوص منها، سيّما ما يتضمّن منها لإيجابه القضاء، لورودها في مقام الحاجة.

و الأصل يدفعه ما ذكر، و خلوّ النصوص عن ذكرها بالخصوص- مع تضمّنها لما يستلزمها- غير ضائر، و كون ما يتضمّن القضاء في مقام الحاجة ممنوع.

فروع:
أ: لا يختصّ الفساد بذلك بصيام شهر رمضان

، لإطلاق أكثر الروايات.

ب: لا اختصاص للكذب عليهم بحكاية قول عنهم عليهم السلام

كما قد يتوهّم، بل يشملها و حكاية الفعل و التقرير أيضا، لصدق الكذب عليهم.

______________________________

(1) النافع 1: 66، القواعد 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 255

ج: لا خفاء في أنّ حكاية فعل أو قول يعلم عدم مطابقته للواقع كذب على اللّه و إن كان مطابقا في الواقع

، لأنّ المناط في موارد التكاليف علم المكلّف.

و كذا ما لا يظنّ مطابقته و لا عليه أمارة، إمّا لقيام عدم الصدور بالأصل و الاستصحاب مقام عدم الصدور الواقعي، أو لثبوت إرادة مثل ذلك أيضا من الكذب على اللّه و لو تجوّزا بالإجماع.

د: لو ورّى في النسبة- كأن يقول: قال عليّ كذا

، و أراد شخصا مسمّى بعليّ، أو كتب نفسه حديثا مجعولا في صحيفة و قال: رأيت منسوبا إلى الإمام كذا- فالظاهر كونه كذبا على الإمام، لأنّ المقصود إفهام الإمام و كتاب الغير، و كذا يفهمه السامع، و القرينة قائمة، فهو المستعمل فيه حقيقة، فيكون كذبا.

ه: لو ذكر حديثا كذبا ثمَّ ظهر صدقه قبل القضاء،

فهل يسقط، أم لا؟

الظاهر: لا، لبطلان صومه أولا، و استقرار القضاء في ذمّته.

و: إن ظنّ قوله به بأمارة يعتبر مثلها في العرف أو مطلقا

، فالظاهر عدم كونه كذبا عليه، سيّما إذا كان الظنّ ممّا ثبتت حجّيته في مثل ذلك القول.

و الأحوط: عدم النسبة مطلقة، بل نسبته إلى تلك الأمارة أو الظنّ أو نحوهما ممّا لا يستفاد منه القطع بالصدور.

ز: الكذب عليهم أعمّ من أن يكون في أمر الدين أو الدنيا،

كما عن المنتهى التصريح به «1»، لإطلاق الأخبار.

ح: قيل: الظاهر دخول الحكم و الفتوى من غير من بلغ درجة

______________________________

(1) المنتهى 2: 565.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 256

الاجتهاد في هذا الكذب، إن لم يكن ذلك عنه بطريق النقل من مجتهد، أو إسناده إلى الوقوع في خبر «1».

و هو كذلك، لأنّه إمّا يكون كذبا صريحا، أو التزاما، لدلالته على أنّه حكم اللّه سبحانه، و ليس كذلك.

و قيل: تفسير القرآن و الحديث بما ليس ظاهرا و لا مدلولا عليه بقرينة أو رواية من الكذب على اللّه.

و فيه تأمّل، إلّا أن ينسبه إلى اللّه بقوله: قال اللّه سبحانه: كذا و كذا.

ط: ما ينسب إليهم من الأقوال في أشعار المراثي و نحوها

ممّا نقطع بعدم صدوره عنهم، فإن كان ممّا يعلم أنّه من مبالغات الشعر و إغراقاته المتعارفة فيها المستحسنة فيها فالظاهر أنّه لا بأس به، و إن لم يكن كذلك فيبطل به الصوم، و الأحوط الاجتناب عن الجميع.

السابع: القي ء اختيارا.

فإنّه حرام و مفسد على الحقّ المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل بالإجماع كما عن الخلاف و الغنية و المنتهى «3»، للمستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، فإن ذرعه القي ء من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» «4»، و قريبة منها الأخرى «5».

______________________________

(1) مشارق الشموس: 413.

(2) انظر مشارق الشموس: 410، و الحدائق 13: 147.

(3) الخلاف 2: 178، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المنتهى 2: 567.

(4) الكافي 4: 108- 1، التهذيب 4: 264- 790، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 3. و ذرعه القي ء، أي سبقه و غلبه- الصحاح 3:

1210.

(5) الكافي 4: 108- 2، التهذيب 4: 264- 791، الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 257

و موثّقة مسعدة: «من تقيّأ متعمّدا و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة، فإن شاء اللّه عذّبه، و إن شاء غفر له، و من تقيّأ و هو صائم فعليه القضاء» «1».

و بمعناها موثّقة سماعة «2»، و مرسلة ابن بكير «3»، و المرويّ في كتاب عليّ بن جعفر «4».

و موجب للكفّارة على الأظهر، لكونه مفطرا كما في الأخبار «5»، و الإفطار يوجب الكفّارة كما مرّ.

خلافا في الأولين للسيّد و الحلّي «6»، للأصل، و الصحيح الحاصر.

و صحيحة ابن ميمون: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة» «7».

و رواية ابن سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج

منه الشي ء من الطعام، أ يفطره ذلك؟ قال: «لا»، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه قال: «لا يفطره ذلك» «8».

______________________________

(1) التهذيب 4: 264- 792، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.

(2) الفقيه 2: 69- 291، التهذيب 4: 322- 991، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.

(3) التهذيب 4: 264- 793، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 7.

(4) مسائل علي بن جعفر: 117- 55، الوسائل 10: 89 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 10.

(5) الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29.

(6) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، و الحلّي في السرائر 1: 387.

(7) التهذيب 4: 260- 775، الاستبصار 2: 90- 288، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 11.

(8) التهذيب 4: 265- 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 258

و الأول: مندفع بما مرّ.

و الثاني: مخصّص به.

و الثالث: مقيّد به، لإطلاقه بالنسبة إلى العمد و غيره، و هو أولى من حمل أخبارنا على الاستحباب، لتقدّم التخصيص على التجوّز، مضافا إلى منافاة قوله: «فإن شاء عذّبه اللّه».

و كذا الرابع، على أنّ القلس لا يتعيّن أن يكون بمعنى القي ء، لاحتمال الجشأ، كما نصّ عليه في رواية سماعة: عن القلس- و هي الجشأة- يرتفع الطعام من جوف الرجل من غير أن يتقيّأ- إلى قال-: «و لا يفطر صيامه» «1»، بل في الخلاص و المهذّب تفسيره بها خاصّة.

و لو تقيّأ لا عن اختيار لم يبطل إجماعا، كما

صرّح به غير واحد «2»، للأصل، و النصوص المتقدّمة، و غيرها، كصحيحة معاوية: في الذي يذرعه القي ء و هو صائم، قال: «يتمّ صومه و لا يقضي» «3».

خلافا للإسكافي، إذا كان القي ء عن محرّم، فيكفّر أيضا «4».

و هو- مع ندرته و مخالفته للإطلاقات- غير معلوم المستند.

و في الثالث للأكثر «5»، للأصل، و تبادر الأكل و الشرب من الإفطار، و جوابه قد مرّ.

______________________________

(1) الكافي 4: 108- 6، التهذيب 4: 264- 794، الوسائل 10: 90 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 30 ح 3.

(2) كما في الحدائق 13: 149، و الرياض 1: 314.

(3) الكافي 4: 108- 3، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 4.

(4) حكاه عنه في المختلف: 222.

(5) كما في الخلاف 1: 382، المهذّب 1: 192، الحدائق 13: 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 259

القسم الثاني ما يجب اجتنابه و يوجب القضاء خاصّة و هو أمور ثلاثة:
الأول: نيّة الإفطار

، فإنّها حرام في الواجب من الصوم، و مفسدة له كما مرّ، و موجبة للقضاء، لوجوبه على كلّ من فسد صومه- غير ما استثنى كالمغمى عليه- إجماعا.

و لا تجب عليه كفّارة، للأصل، و عدم صدق الإفطار.

الثاني: ترك غسل الحيض أو النفاس و البقاء على تلك الحالة

إذا انقطع دمها قبل الفجر إلى الفجر، وفاقا للمشهور، لموثّقة أبي بصير: «إن طهرت بليل من حيضتها و توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم» «1»، و الرواية مختصّة بصوم رمضان فلا يبعد التخصيص به.

الثالث: ترك المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال على الحقّ المشهور

، بل قيل: الظاهر أنّه لا خلاف فيه «2».

لصحيحة ابن مهزيار: امرأة طهرت من حيضها أو من نفاسها في أول يوم من شهر رمضان، ثمَّ استحاضت فصلّت و صامت من غير أن تعمل

______________________________

(1) التهذيب 1: 393- 1213، الوسائل 10: 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.

(2) كما في الحدائق 13: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 260

تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يصحّ صومها و صلاتها، أم لا؟ فكتب عليه السّلام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر فاطمة و المؤمنات من نسائه بذلك» «1».

و لا ضرّ تضمّنها لما لا يقول به الأصحاب، و لا كونها مكاتبة، و لا عدم صحّة الرواية، و لا الحكم بالقضاء بالجملة الخبريّة، التي هي في [الوجوب ] «2» غير صريحة، لعدم خروج الرواية- باشتمالها على ما لا يقول به أحد- عن الحجّيّة، و حجيّة المكاتبة و الموثّقة، سيّما مع كونها بالشهرة مجبورة، و إرادة [الوجوب ] «3» من الجملة بقرينة قوله في الذيل: «يأمر فاطمة» إلى آخره، مع أنّ لفظة «يأمر» كافية في ذلك.

و المحرّم للصائم المبطل للصوم: هو ترك واحد من الأغسال التي عليها في يوم الصوم أو قبله ليلا أو نهارا، و لا يبطل صوم يوم بترك غسل المغرب الذي يتأخّر عن ذلك اليوم.

و الحكم مختصّ بالاستحاضة الكثيرة- لأنّها المرادة من الموثّقة، فيبقى الباقي تحت الأصل-

و بصوم رمضان، للأصل.

______________________________

(1) الكافي 4: 36- 6، الفقيه 2: 94- 419، التهذيب 4: 310- 937، الوسائل 10: 66 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.

(2) في النسخ: الحرمة، و الصحيح ما أثبتناه.

(3) في النسخ: الحرمة، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 261

القسم الثالث ما يحرم، و يجب اجتنابه، و لا يوجب قضاء و لا كفّارة
اشاره

و هي أمور ثلاثة:

الأول: الارتماس في الماء.
اشاره

فإنّه غير جائز في الصوم على الحقّ الموافق للأكثر «1»، بل لغير شاذّ، و عن الانتصار و الغنية و ظاهر الخلاف: الإجماع عليه «2».

لا للصحاح الأربع للحلبي «3» و حريز «4» و محمّد «5»، و الروايات الثلاثة لابني عمّار «6» و سدير «7» و الحنّاط و الصيقل «8»، لقصور الكلّ عن إفادة

______________________________

(1) كما في الحدائق 13: 133، و الرياض 1: 306.

(2) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، الخلاف 2: 221.

(3) الكافي 4: 106- 1، التهذيب 4: 203- 587، الاستبصار 2: 84- 258، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 7.

(4) الكافي 4: 106- 2، التهذيب 4: 203- 588، الاستبصار 2: 84- 259، الوسائل 10: 38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 8.

(5) الكافي 4: 106- 3، التهذيب 4: 204- 591، الاستبصار 2: 84- 260، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2، و لم نعثر على الصحيحة الرابعة.

(6) التهذيب 4: 324- 1000، الاستبصار 2: 84- 263، الوسائل 10: 43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.

(7) الكافي 4: 106- 5، الفقيه 2: 71- 307، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.

(8) الكافي 4: 106- 6، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 262

الحرمة، لمكان الجملة الخبريّة.

و لا للخصاليّ المتقدّم في الكذب «1»، لتضمّنه الإفطار به، فيعارض قوله في رواية ابن عمّار «ليس عليه قضاء».

و لا للصحيح الحاصر «2»، حيث إنّ نقص الثواب و الكمال ليس ضررا عرفا، لمنع عدم كونه ضررا إذا كان

النقص عمّا تقتضيه طبيعة العمل الذي يأتي به.

بل للرضويّ المتقدّم «3» من جهة الأمر بالاتّقاء و إن تضمّن الإفطار أيضا، و لكنّه غير ضائر.

و الآخر: «أدنى ما يتمّ به فرض الصوم العزيمة، و ترك الكذب على اللّه و على رسوله، ثمَّ ترك الأكل، و الشرب، و النكاح، و الارتماس في الماء، فإذا تمّت هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤدّيا لفرض الصوم، مقبولا منه» «4»، و ضعفهما- بعد الانجبار- غير ضائر.

خلافا للمحكيّ عن التهذيب و العماني و الحلّي و أحد قولي السيّد، فقالوا بكراهته «5».

للأصل، لعدم إفادة الأخبار المعتبرة زائدا عنها، و ضعف ما يفيد الزائد للسند أو المعارض.

______________________________

(1) راجع ص: 252.

(2) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 202- 584، الاستبصار 2: 84- 261، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(3) في ص: 252.

(4) فقه الرضا «ع»: 203، مستدرك الوسائل 7: 322 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 4: 209- ذيل حديث 605، حكاه عن العماني في المختلف: 218، الحلي في السرائر 1: 377، السيّد في الانتصار: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 263

و رواية ابن سنان: «يكره للصائم أن يرتمس في الماء» «1».

و جواب الأول ظاهر ممّا مرّ.

و يردّ الثاني بأعمّية الكراهية من الحرمة لغة، و في عرف الشارع.

و ليس مبطلا و لا يجب به قضاء و لا كفّارة، وفاقا للاستبصار و المعتبر و المنتهى و المختلف و التحرير و التذكرة و الإرشاد «2»، للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة.

و خلافا لجماعة «3»، بل نسب إلى المشهور «4»، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه «5»، فأوجبوا عليه القضاء و الكفّارة، له، و لعدّه في

الخصال و الرضويّ من المفطرات الموجبة لهما بالعمومات.

و يدفع الأول بعدم الحجّية.

و الثاني بلزوم الحمل على نوع من التجوّز، بقرينة نفي القضاء عنه في رواية ابن عمّار.

و لصريح الحلبي، و احتمال القواعد و ظاهر النافع، فأوجبوا القضاء خاصّة «6»، و لعلّه لعدم ثبوت الزائد على القضاء من المفطريّة. و جوابه ظاهر.

______________________________

(1) التهذيب 4: 209- 606، الاستبصار 2: 84- 262، الوسائل 10: 38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 9.

(2) الاستبصار 2: 85، المعتبر 2: 657، المنتهى 2: 565، المختلف: 218، التحرير 1: 78، التذكرة 1: 258، الإرشاد 1: 297.

(3) انظر النهاية: 154: الحدائق 13: 136.

(4) كما في الدروس 1: 274.

(5) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(6) الحلبي في الكافي في الفقه: 183، القواعد 1: 64، النافع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 264

فروع:
أ: المحرّم هو غمس الرأس في الماء و إن خرج البدن

، لأنّه معنى الارتماس، و الرقبة خارجة عنه و إن أدخلوها فيه في باب الغسل، لعلّة غير جارية هنا، فلا يشترط حصول المحرّم بإدخال الرقبة أيضا.

نعم، يشترط غمس جميع الرأس، لعدم صدق الارتماس برمس البعض، فلا حرمة في رمس النصف الأعلى أو الأسفل أو أكثر منه، و لو اشتمل على جميع المنافذ، و خرجت منابت الشعر، هكذا قيل «1».

و فيه: أنّ الرمس هو الغمس لا غمس الرأس، فالارتماس الوارد في الأخبار هو غمس الشخص في الماء.

نعم، لا يتحقّق هو عرفا إلّا بغمس الرأس، لا أنّه يتحقّق بغمس الرأس خاصّة.

نعم، ورد- في بعض الأخبار الغير الناهضة للحرمة- النهي عن رمس الرأس.

ب: يشترط في الحرمة رمس الجميع دفعة

- أي مجتمعا في وقت- فلو رمس بعضه في زمان و بعضه في زمان آخر بعد إخراج الأول لم يكن محرّما، لعدم كونه ارتماسا، و هذا مراد من قال: تشترط الدفعة الواحدة «2»، دون أن يكون ما يقابل التدريج، و لو أراد ذلك لم يكن دليل على اعتباره أصلا.

ج: مقتضى الأصل اختصاص الحكم بالرمس في الماء

، لاختصاص النصّ به، فلا حرمة في الرمس في غيره من المائعات و لو كان من قبيل ماء الورد.

______________________________

(1) انظر المدارك 6: 50.

(2) انظر الحدائق 13: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 265

د: هل الحكم مختصّ بما إذا أدخل رأسه في الماء،

أو يشمل ما إذا صبّ الماء على رأسه بحيث يستر جميعه في زمان؟

الظاهر: الأول، لعدم معلوميّة صدق الارتماس على الثاني.

و ظاهر بعض الأجلّة: الشمول، بل هو صريحه، حيث قال: و في حكمه صبّ ما يغمر الرأس عليه دفعة.

ه: أكثر الأخبار الواردة في المقام- بل جميعها- و إن كانت مطلقة شاملة للصوم الفرض و الندب

، إلّا أنّها لعدم نهوضها لإثبات الحرمة- سوى الرضويّ المتوقّفة حجّيته على الانجبار الغير المعلوم في النافلة- يكون الحكم مقصورا على الفريضة، كما في الكفاية «1».

مضافا إلى قوله: «أدنى ما يتمّ به فرض الصوم» و قوله: «و اتّق» «2» الدالّ على الوجوب الواقعي المنتفي في النافلة، إلّا أن يمنع عدم إمكان الوجوب الواقعي في النافلة، لم لا يجوز أن يحرم شي ء في صيام النافلة مع كونه صائما- كقول: «آمين» في الصلاة النافلة- و لا يلزم من جواز قطع النافلة جواز كلّ أمر فيه أيضا.

و منه يظهر إمكان تماميّة دلالة قوله في الصحيح الحاصر: «لا يضرّ» «3» أيضا.

إلّا أنّ الأول ضعيف غير مجبور.

و الثاني مجرّد إمكان غير مفيد، لجواز كون الضرر نقصان الثواب عمّا تقتضيه طبيعة كلفة الصائم، فإنّه ضرر عرفا، و أيّ ضرر بعد تحمّل مشقّة

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 47.

(2) المتقدم في ص: 252.

(3) المتقدم في ص: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 266

الصوم؟!

و: لو ارتمس في غسل مشروع واجب أو مندوب مع الصوم الواجب، عمدا

، يكون غسله فاسدا، للنهي عن جزئه و لو لأجل أمر آخر وراء الغسل، كما بيّنا في محلّه.

و منع كونه جزءا له- و إنما جزؤه إيصال الماء إلى الرأس، و لا شكّ أنّ كلّ جزء فرض فرمسه في الماء مباح، و إنّما الحرام جمع الكلّ فيه، و هو ليس جزء الغسل في شي ء، كما قاله بعض الأجلّة «1»- فغير جيّد، لأنّه إنّما يتمّ في الغسل الترتيبي دون الارتماسي.

و لو نسي الصوم أو حرمة الرمس له صحّ الغسل، لعدم تعلّق النهي بالناسي، و كذا الجاهل الساذج دون المقصّر.

الثاني: الاحتقان بالمائع.

فإنّه محرّم، وفاقا للسيّد- حتى في الجمل- و الشيخين و والد الصدوق و الحلّي و القاضي و الحلبي و الفاضلين و الشهيدين «2»، بل الأكثر كما صرّح به جماعة «3»، بل بالإجماع كما عن الناصريّات و الخلاف و الغنية «4».

لصحيحة البزنطي: عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر

______________________________

(1) نقله عن بعض الأفاضل في غنائم الأيام: 401.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، المفيد في المقنعة:

344، الطوسي في المبسوط 1: 272، حكاه عن والد الصدوق في المختلف:

221، الحلي في السرائر 1: 378، القاضي في شرح الجمل: 185، الحلبي في الكافي: 183، المحقق في الشرائع 1: 192، العلّامة في المنتهى 2: 567، الشهيد في الدروس 1: 275، الشهيد الثاني في المسالك 1: 71.

(3) كما في الحدائق 13: 145، و الرياض 1: 306.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 213، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 267

رمضان، فقال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» «1».

و الرضوي: «لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا و لا أن يسعط و لا أن يحتقن» «2».

و

في دلالة الأخير نظر، لجمعه بين ما لا يحرم و الاحتقان بلفظ واحد، و لكن الأول كاف في المطلوب.

و لا بأس بالجامد، وفاقا للأكثر «3»، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه «4»، و في الكشف نفي الخلاف عنه «5».

لموثّقة ابن فضّال: ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟

فكتب: «لا بأس بالجامد» «6»، و بها تخصّص الصحيحة، مع أنّ المتبادر منها- أو القدر المتيقّن- هو المائع.

و لا يوجب شي ء منهما قضاء و لا كفّارة، وفاقا لجمل السيّد- حاكيا عن قوم- و المعتبر و النهاية و الاستبصار و السرائر و المنتهى و النافع و المسالك و المدارك و الروضة «7»، و جمع ممّن تأخّر «8»، للأصل.

______________________________

(1) الكافي 4: 110- 3، التهذيب 4: 204- 589، الاستبصار 2: 83- 256، الوسائل 10: 42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

(2) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 320 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.

(3) كما في الشرائع 1: 192، و الحدائق 13: 145.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(5) كشف الرموز 1: 281.

(6) التهذيب 4: 204- 590، الاستبصار 2: 83- 257، الوسائل 10: 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2. و التلطّف: هو إدخال الشي ء في الفرج مطلقا- مجمع البحرين 5: 121.

(7) المعتبر 2: 679، النهاية: 156، الاستبصار 2: 84، السرائر 1: 378، المنتهى 2: 567، النافع: 67، المسالك 1: 71، المدارك 6: 64، الروضة 2: 92.

(8) كما في الذخيرة: 500، و الرياض 1: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 268

خلافا في الأول للمحكيّ عن الإسكافي، فقال باستحباب الامتناع عن الحقنة «1»، و نسب إلى جمل السيّد أيضا «2»، و لكن

نسب بعض آخر إليه الحرمة «3»، و كلامه فيه يحتمل الأمرين، للأصل، و صحيحة عليّ: عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال: «لا بأس» «4».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    268     الثاني: الاحتقان بالمائع. ..... ص : 266

الأصل مزال بما مرّ. و الصحيح ليس بحجّة، لمخالفته لعمل القدماء، بل الإجماع، مع أنّ المتبادر من استدخال الدواء- كما قيل- الجامد «5».

و في الثاني للمحكي عن الصدوقين في الرسالة و المقنع «6» و المفيد و النّاصريّات «7»- نافيا عنه الخلاف- و الحلبي و المعتبر، حيث أطلقوا عدم جواز الحقنة و لم يفصّلوا «8» مع احتمال تخصيصهم الحقنة بما يكون بالمائع- كما هو المتبادر- فينتفي الخلاف.

و كيف كان، فلا دليل لهم سوى إطلاق الاحتقان، اللازم تقييده بالموثّقة المتقدّمة.

و في الثالث للناصريّات، نافيا فيه الخلاف عنه «9»، و جمل الشيخ و الاقتصاد و المبسوط «10» و الخلاف مدّعيا فيه الإجماع عليه

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 221.

(2) كما في الحدائق 13: 144.

(3) كما في المختلف: 221.

(4) الكافي 4: 110- 5، التهذيب 4: 325- 1005، قرب الإسناد: 230- 898، الوسائل 10: 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1.

(5) الرياض 1: 306.

(6) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 221، المقنع: 60.

(7) المفيد في المقنعة: 344، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(8) الحلبي في الكافي: 183، المعتبر 2: 659.

(9) النّاصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(10) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 213، الاقتصاد: 288، المبسوط 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 269

كالغنية «1»، و القاضي و الحلبي «2»، و موضع من القواعد و الشرائع و التحرير و الإرشاد و المختلف و الدروس، فأوجبوا

فيه القضاء خاصّة «3»، بل في النّاصريّات عن قوم إيجاب القضاء و الكفّارة أيضا.

للإجماع المنقول.

و شباهته الاغتذاء.

و نفي جوازه للصائم في الصحيح، فيكون لأجل الصوم، لأنّ تعليق الشي ء بالوصف يشعر بالعلّية، فتكون بين الصوم و الاحتقان- الذي هو نقيض المعلول- منافاة، و ثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر، و ذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان، فيوجب القضاء.

و يضعف الأول: بعدم الحجّية.

و الثاني: بأنّه قياس مع الفارق.

و الثالث: بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه، و اللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه، و هو ممنوع.

الثالث: مسّ النساء و قبلتهنّ و ملاعبتهنّ مع خوف سبق المني و عدم الوثوق بعدمه
اشاره

، كما يأتي بيانه في بحث المكروهات.

فروع:
أ: الحرمة إنّما هي إذا لم يكن الاحتقان ضروريا و إلّا فيباح

، لأنّ

______________________________

(1) الخلاف 2: 213، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(2) القاضي في شرح الجمل: 185، الحلبي في الكافي: 183.

(3) القواعد 1: 64، الشرائع 1: 192، التحرير 1: 80، الإرشاد 1: 296، المختلف: 221، الدروس 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 270

الضرورات تبيح المحظورات، و العلّة المذكورة في الصحيحة الأولى محمولة على ما لا يبلغ حدّ الضرورة.

ب: يجوز تقطير الدواء في الاذن على الحقّ المشهور

، للأصل، و المستفيضة من الأخبار بلا معارض. نعم، يكره، للرضوي.

ج: يجوز صبّه في الإحليل

، و كذا السعوط به، للأصل.

و يكره السعوط، للرضويّ المتقدّم، و يأتي تفصيله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 271

القسم الرابع ما لا يحرم و يوجب القضاء و الكفّارة معا

و هو أمر واحد، و هو:

تسبيب الإنزال بلمس المرأة أو تقبيلها بدون قصد الإنزال معه و لا اعتياده.

أمّا الجواز حينئذ فبالإجماع، و لأنّه لو لم يقصد الإنزال و لم يعتده لا وجه للحرمة أصلا، و مجرّد احتمال الإنزال غير كاف، بل قد ينزل مع عدم احتماله أيضا، و لو حرم ذلك حرم لمس المرأة للصائم مطلقا، و هو خلاف الضرورة.

و أمّا إيجابه القضاء و الكفّارة فقد مرّ بيانه في الأمر الرابع من القسم الأول مفصّلا «1».

______________________________

(1) راجع ص: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 272

القسم الخامس ما لا يحرم و يوجب القضاء خاصّة
اشاره

و هي أمور:

الأول: دخول الماء في الحلق لا عن عمد

في غير مضمضة وضوء الفريضة.

و بيان المقام: أنّه لو أدخل الماء في فمه فدخل حلقه، فإن أدخل الحلق عمدا فلا خلاف و لا إشكال في حرمته و إفساده.

و إن سبقه لا عن تعمّد، فإن كان الإدخال في الفم للمضمضة لصلاة الفريضة لم يبطل به الصوم إجماعا محقّقا و محكيّا في كثير من العبارات بخصوصه، أو في ضمن مطلق الصلاة، أو الطهارة، كما تأتي إليه الإشارة، و نفى عنه الخلاف و الإشكال في الحدائق «1».

له، و للأصل السالم عن المعارض، و المعتبرة من الأخبار، المصرّحة بعدم القضاء في سبق الماء إلى الحلق في المضمضة مطلقا، كموثّقة الساباطي: عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم، قال:

«ليس عليه شي ء إذا لم يتعمّد ذلك» «2».

أو في مضمضة الوضوء، كموثّقة سماعة: عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه، قال: «عليه القضاء، و إن كان في

______________________________

(1) الحدائق 13: 87.

(2) التهذيب 4: 323- 996، الوسائل 10: 72 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 273

وضوء فلا بأس» «1».

أو في المضمضة في وقت الفريضة، كرواية يونس: في الصائم:

«و إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي ء عليه، و إن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة» «2».

أو في المضمضة لوضوء الفريضة خاصّة، كصحيحة الحلبي: في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، قال: «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء، و إن كان وضوؤه لصلاة النافلة فعليه القضاء» «3».

و لا تعارضها رواية المروزي المتقدّمة، المتضمّنة للإفطار بمطلق المضمضة «4»، لأنّ إطلاقها خلاف الإجماع، فيجب الرجوع إلى تخصيص أو تجوّز، و بابهما

واسع لا ينحصر فيما ينافي المسألة.

و إن كان في غير مضمضة وضوء الفريضة، فالحقّ: بطلان الصوم به مطلقا و إن كان لوضوء نافلة أو تداو أو تطهير الفم أو غسله من الطعام، وفاقا للحدائق «5»، و ظاهر الدروس «6»، بل طائفة من الأصحاب كما حكاه في التهذيب «7»، لإطلاق رواية يونس بالقضاء في غير وقت الفريضة، و لا ينافيه

______________________________

(1) الفقيه 2: 69- 290، التهذيب 4: 322- 991، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.

(2) الكافي 4: 107- 4، التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

(3) الكافي 4: 107- 1 مع اختلاف في السند، التهذيب 4: 324- 999، الوسائل 10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 1.

(4) راجع ص: 228.

(5) الحدائق 13: 90.

(6) الدروس 1: 274.

(7) التهذيب 4: 205 بعد حديث 593.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 274

إطلاقها في نفيه في وقت الفريضة، لأنّ التعليق على الوصف دالّ على علّيته.

و يؤيّد الإطلاق فحوى إثبات القضاء لوضوء النافلة في صحيحة الحلبي، و تدلّ عليه- في بعض أفراد المطلوب- موثّقة سماعة و صحيحة الحلبي. و بما ذكر يقيد إطلاق موثّقة الساباطي، لكونه أعمّ مطلقا ممّا ذكر.

و لا يوجب كفّارة أصلا، للأصل السالم عن المعارض، سوى رواية المروزي المثبتة لها في التمضمض مطلقا، و لا قائل به، سيّما مع معارضتها لما هو أكثر منها و أقوى و أخصّ، فيجب تقييدها بما إذا بلع الماء عمدا.

خلافا لمن نفى القضاء في تمضمض الوضوء للصلاة مطلقا، كالتهذيب و الخلاف و المنتهى «1»، بل في الأخيرين الإجماع عليه.

أو في التوضّؤ كذلك،

كصريح جمع «2».

أو في الطهارة كذلك، كما عن الانتصار و السرائر و الغنية «3»، بل عن الثلاثة الإجماع عليه.

للأصل، و المنقول من الإجماع، و موثّقة سماعة منطوقا في مطلق الوضوء، و فحوى في الطهارة.

و يردّ أولها بما مرّ من الدافع. و ثانيها: بعدم الحجّية. و ثالثها: بكونه أعمّ مطلقا من صحيحة الحلبي، بل رواية يونس، فيجب تخصيصها بهما.

و لمن نفاه فيما إذا كانت المضمضة للتداوي أو إزالة النجاسة أو غسل الفم من الطعام، كبعضهم.

______________________________

(1) التهذيب 4: 214- ذ. ح 620، الخلاف 2: 215، المنتهى 2: 579.

(2) انظر الرياض 1: 314.

(3) الانتصار: 64، السرائر 1: 375، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 275

لكونه مأذونا في الفعل من اللّه عزّ و جلّ، غير متعمّد بالابتلاع.

و ضعفه ظاهر، لأنّ الجواز لا يستلزم عدم كونه مفطرا بعد دلالة النصوص عليه.

و لعدم انصراف الإطلاقات إليه.

و فيه منع واضح، بل في انصرافها إلى العبث و نحوه خفاء ظاهر.

و لمن أثبت الكفّارة فيما إذا كانت المضمضة لغير الصلاة، كما في التهذيب «1»، و لا دليل تامّا له.

و لا يلحق الاستنشاق بالمضمضة على الأقوى، فلو سبق فيه الماء إلى الحلق لم يفطر أصلا، للأصل، و اختصاص الموجب بالمضمضة.

خلافا لطائفة «2»، لاتّحادهما في المعنى.

و فيه: أنّه راجع جدّا إلى القياس الفاسد عندنا، لعدم معلوميّة المعنى الموجب قطعا، و إن كان الأحوط الإعادة معه في غير استنشاق وضوء الفريضة.

الثاني: معاودة النوم جنبا ليلا مستمرّا نومه إلى الفجر
اشاره

، فإنّها موجبة للقضاء و إن لم تكن محرّمة، و لا كفّارة فيها و إن تصاعدت أيضا، و هي المراد من النومة الثانية فصاعدا، و أمّا الاولى فلا بأس بها، و لا إبطال للصوم فيها.

كلّ ذلك مع احتمال الانتباه قبله و عدم

العزم على ترك الاغتسال، و أمّا مع عدم الاحتمال أو العزم على تركه فهو بقاء على الجنابة عمدا، فهو حرام يجب به القضاء و الكفّارة سواء فيه الأولى أو غيرها، فهذه أحكام خمسة:

______________________________

(1) التهذيب 4: 214.

(2) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 571، مجمع الفائدة و البرهان 5: 119، الرياض 1: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 276

الأول: عدم حرمة النومة الثانية، للأصل، و عدم دليل على حرمتها، و عدم العلم بكونها سببا لبطلان الصوم، إذ لعلّه ينتبه و يغتسل.

و مال بعضهم إلى الحرمة «1»، للفظ العقوبة في الصحيحة «2».

و فيه نظر، لأنّ بمثل تلك العقوبة لا تثبت الحرمة.

الثاني: إيجابها للقضاء، و هو المشهور بين الأصحاب، و استفاض عليه نقل الإجماع «3»، و تدلّ عليه صحيحتا معاوية بن عمّار، و ابن أبي يعفور، و الرضوي، المؤيّدة بفتوى الأصحاب و حكايات الإجماع.

الاولى: الرجل يجنب أول الليل ثمَّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان، قال: «ليس عليه شي ء»، قلت: فإنّه استيقظ ثمَّ نام حتى أصبح، قال: «فليقض ذلك اليوم عقوبة» «4».

و الثانية: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام حتى يصبح، قال: «يتمّ صومه و يقضي يوما، و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتمّ يومه و جاز له» «5».

و الثالثة: «إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّدا و في نيّتك أن تقوم و تغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي ء، إلّا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثمَّ نمت و توانيت و كسلت

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 71.

(2) كما في التهذيب 4: 212- 615، الاستبصار 2: 87- 271، الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15

ح 1.

(3) كما في المنتهى 2: 566.

(4) التهذيب 4: 212- 615، الاستبصار 2: 87- 271، الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.

(5) التهذيب 4: 211- 612، الاستبصار 2: 86- 269، الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 277

فعليك صوم ذلك اليوم و إعادة يوم آخر مكانه، و إن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم و الكفّارة» «1».

و بتقييد تلك الأخبار تقيّد إطلاقات القضاء بالنوم مطلقا، كصحيحة البزنطي و روايتي المروزي و ابن عبد الحميد المتقدّمة «2»، و صحيحة محمّد:

عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمَّ ينام قبل أن يغتسل، قال:

«يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم» «3»، مع أنّ الأخيرة غير دالّة على الوجوب.

و الثالث: عدم إيجابها الكفّارة، و هو في النومة الثانية مذهب الأصحاب كما قيل «4»، و فيما فوقها محكيّ عن المعتبر و المنتهى «5»، و جمع من متأخّري المتأخّرين «6».

و دليله: الأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة، إذ ليس إلّا روايتي المروزي و ابن عبد الحميد المتقدّمتين، و هما و إن كانتا شاملتين للمورد أيضا- و لم يضرّ خروج النومة الأولى عنهما لدليل، و لم يوجب ذلك تخصيصهما بالمتعمّد خاصّة، بل مقتضى القاعدة إبقاؤهما فيما عدا الاولى على حالهما- إلّا أنهما معارضتان مع الأخبار النافية للشي ء، و المصرّحة بعدم الإفطار بذلك بقول مطلق، كالروايات المذكورة في حكم البقاء على الجنابة «7»،

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 و 10 ح 1 و 1.

(2) جميعا في ص: 244، 245.

(3) الكافي 4: 105- 2، التهذيب 4: 211-

613، الاستبصار 2: 86- 270، الوسائل 10: 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 3.

(4) انظر المدارك 6: 60.

(5) المعتبر 2: 675، المنتهى 2: 577.

(6) منهم صاحب الذخيرة: 499، و صاحب الحدائق 13: 127.

(7) راجع ص: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 278

خرجت عنها صورة التعمّد كما مرّ هناك، فتبقى حجّة في الباقي و تعارض الروايتين، و هما و إن ترجّحتا بالمخالفة للعامّة، إلّا أنّها مترجّحة بالأكثريّة، و الأصحيّة، و الموافقة للأصل، و بعضها بالأحدثية التي هي من المرجّحات المنصوصة.

و الرابع: عدم إيجاب النومة الأولى لقضاء و لا كفّارة، و هو موافق فتوى الأصحاب «1»، و تدلّ عليه الصحيحتان، و الرضوي، و بها تتقيّد الإطلاقات.

و الخامس: اختصاص ما ذكر باحتمال الانتباه و العزم على الاغتسال، و إن عزم على الترك فيجب القضاء و الكفّارة معا، و كان كتعمّد البقاء على الجنابة اتّفاقا كما قيل «2»، لإطلاق ما دلّ على بطلان الصوم بالنوم إلى الفجر مطلقا، أو متعمّدا كصحيحة البزنطي، و ذيل الرضوي.

و لا تضرّ المعارضة مع إطلاق ما دلّ على صحّته في النومة الأولى أو مطلق النوم، لترجيح الأول بمخالفة العامّة، مع التأيّد بمفهوم الحال في صدر الرضوي المنجبر، الذي هو أخصّ مطلقا منهما.

و إن لم يعزم على شي ء من الطرفين فهو كالعزم على الترك عند المحكيّ عن جماعة «3»، للإطلاقات المذكورة.

و ذهب بعض مشايخنا إلى أنّه كالعزم على الاغتسال، لمعارضتها مع ما نفى القضاء في النومة الأولى بقول مطلق، و رجحانه بالأكثريّة، و الرجوع إلى الأصول مع التكافؤ «4»، و هو كذلك.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 306.

(2) انظر الرياض 1: 306.

(3) انظر المعتبر 2: 672.

(4) الرياض 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 279

و لا يضرّ مفهوم صدر الرضوي، إذ لعلّ المراد من المفهوم تعمّد الترك، كما ربّما يفصح عنه قوله في الذيل: «و إن تعمّدت النوم»، و المتبادر منه العزم على البقاء على الجنابة، مع أنّ ضعفه يمنع من العمل به في غير ما انجبر منه، و المقام منه.

و أمّا ما في المنتهى- من أنّ من نام غير ناو للغسل فسد صومه، و عليه قضاؤه، ذهب إليه علماؤنا أجمع [1]- فظاهر استدلاله إرادة العزم على الترك، حيث استدلّ بأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم، و عدم إمكان الانتباه أو عدم اعتباره في حكم العزم على الترك، و الوجه ظاهر.

ثمَّ إنّه نسب الخلاف في الحكم الثاني إلى موضع من المعتبر «1»، و لكنّه قال في موضع آخر منه بمقالة الأصحاب «2»، كما في الشرائع و النافع «3»، و هو صريح في رجوعه عنه، و لعلّه لذلك لم ينقل الأكثر منه الخلاف، و لعلّ دليله مطلقات الفساد بالنوم، و جوابه ظاهر ممّا مرّ.

فرعان:
أ: لا خفاء في انسحاب الحكم الأخير في صوم غير رمضان مطلقا

______________________________

[1] قال في موضع من المنتهى (2: 566): إذا أجنب ليلا ثمَّ نام ناويا للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه. و قال في موضع آخر منه (ص 573): و لو أجنب ثمَّ نام غير ناو للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء و الكفارة، لأنّ مع النوم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم و يصير كالمتعمد للبقاء على الجنابة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 655.

(2) المعتبر 2: 674.

(3) الشرائع 1: 190، النافع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 280

حتى في قضائه، و إن كان مقتضى إطلاق صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين في الفرع الأول من الأمر الخامس «1» بطلان القضاء، إلّا أنّ الظاهر من

صحّته في الأصل صحته في القضاء بالإجماع المركّب، و أمر الاحتياط واضح.

و أمّا الحكم الأول فهو مخصوص بشهر رمضان- لاختصاص الأخبار به- و قضائه، لإطلاق الصحيحتين.

و أمّا غيرهما- من الصيام الواجبة و المستحبّة- فليس كذلك، بل يصحّ الصوم مع النومة الثانية جنبا إلى الصبح، للأصل.

ب: ظاهر الروايات المتقدّمة احتساب نومة الاحتلام من النومتين

، لأنّها نوم، فيصدق على ما بعدها ما في الأخبار «2» من قوله: ثمَّ نام، أو: ينام حتى أصبح، أو: يصبح. و أمّا قوله في الصحيحة الأولى: يجنب أول الليل ثمَّ ينام «3»، فلا يفيد أنّ ذلك النوم بعد التيقّظ من نومة الاحتلام، بل يدلّ على أنّه بعد الجنابة، و لا شكّ أنّه يصدق على تتمّة النومة الأولى الواقعة بعد الاحتلام.

نعم، لو صادف الاحتلام التيقّظ- حتى لم يتأخّر شي ء من هذه النومة عن الجنابة- لم يحسب ذلك من النومة الاولى، و لا تدلّ صحيحة العيص الثانية المتقدّمة في الأمر الخامس من القسم الأول «4» إلّا على نفي البأس عن النومة المتعقّبة لنوم الاحتلام، لا على نفي القضاء.

الثالث: فعل المفطر و الفجر طالع باستصحاب بقاء الليل
اشاره

، فإنّ من

______________________________

(1) راجع ص: 248.

(2) راجع ص: 276.

(3) راجع ص: 276.

(4) راجع ص: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 281

فعل ذلك لم يرتكب محرّما، و لا كفّارة عليه، و يجب عليه القضاء و إتمام اليوم إذا كان فعله من غير مراعاة الفجر، و إن كان معها فلا قضاء عليه، بلا خلاف في أكثر تلك الأحكام، بل على بعضها الإجماع في طائفة من عبارات الأصحاب «1».

و يدلّ على الأول: قوله سبحانه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) «2».

و رواية إسحاق: آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشكّ، قال: «كل حتى لا تشكّ» الحديث «3».

و موثّقة سماعة: عن رجلين قاما فنظرا الى الفجر، فقال أحدهما: هو ذا، و قال الآخر: ما أرى شيئا، قال: «فليأكل الذي لم يستبن له الفجر» الحديث «4». مضافا إلى الأصل.

خلافا فيه للخلاف، فلم يجوّز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر «5»، قيل: لأدلّة وجوب القضاء، و الأمر بالإمساك في النهار، الذي هو اسم للنهار الواقعي، فيجب

و لو من باب المقدّمة «6».

و يردّ بمنع دلالة لزوم القضاء على منع الفعل، لعدم التلازم بينهما، و منع الأمر بالإمساك في النهار الواقعي، بل فيما تبيّن عند المكلّف أنّه النهار كما مرّ.

______________________________

(1) كما في الانتصار: 65، الخلاف 2: 175.

(2) البقرة: 187.

(3) التهذيب 4: 318- 969، الوسائل 10: 120 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 49 ح 1.

(4) الكافي 4: 97- 7، الفقيه 2: 82- 365، الوسائل 10: 119 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 48 ح 1.

(5) الخلاف 2: 175.

(6) انظر الرياض 1: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 282

و منه يظهر الجواز مع ظنّ دخول الفجر أيضا ما لم يكن ظنّا معتبرا شرعا، كأذان الثقة.

نعم، يجب القضاء في جميع الصور ما لم يراع، كما يأتي.

و يدلّ على الثاني: الأصل السالم عن المعارض.

و على الثالث: المستفيضة، كحسنة معاوية، بل صحيحته: آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول: لم يطلع، فآكل، ثمَّ أنظره فأجده قد طلع حين نظرت، قال: «تتمّ يومك ثمَّ تقضيه، أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه» «1». و لا يضرّ عدم دلالة قوله «يقضيه» على الوجوب مع دلالة مفهوم آخر الحديث عليه.

و صحيحة الحلبي: عن رجل تسحّر ثمَّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن، قال: «يتمّ صومه ذلك ثمَّ ليقضه، فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» الحديث «2».

و موثقة سماعة: عن رجل أكل و شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان، فقال: «إن كان قام فنظر و لم ير الفجر فأكل ثمَّ عاد فنظر فرأى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قد قام

فأكل و شرب ثمَّ نظر إلى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قد قام فأكل و شرب ثمَّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع فليتمّ صومه و ليقض يوما آخر» «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 97- 3، الفقيه 2: 83- 368 بتفاوت، التهذيب 4: 269- 813، الوسائل 10: 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 46 ح 1.

(2) الكافي 4: 96- 1، التهذيب 4: 269- 812، الاستبصار 2: 116- 379، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1.

(3) الكافي 4: 96- 2، الفقيه 2: 82- 366، التهذيب 4: 269- 811، الاستبصار 2: 116- 378، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 283

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر و هو لا يعلم- في شهر رمضان- قال: «يصوم يومه ذلك و يقضي يوما آخر، و إن كان قضاء لرمضان في شوّال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك و يقضي» «1».

إلى غير ذلك، كصحيحة إبراهيم بن مهزيار «2»، و رواية العيص و الرضوي الآتيين «3».

و المذكور في تلك الروايات و إن كان الأكل و الشرب و الجماع، إلّا أنّه يتعدّى إلى غيرها من المفطرات بالإجماع المركّب، و إطلاقها يشمل ما لو كان الاستصحاب مع ظنّ بقاء الليل أو الشكّ.

و على الرابع- أي عدم وجوب القضاء مع مراعاة الفجر-: صريح الحسنة و الموثّقة المتقدّمتين، و بهما يقيّد إطلاق بعض آخر، مع أنّ الظاهر منه أيضا عدم المراعاة.

فروع:
أ: المراد بالمراعاة المسقطة للقضاء:

هو تفحّصه و نظره بنفسه، فلو أخلد إلى إخبار الغير أو القرائن- كآلات الساعة و

نحوها- لم يسقط القضاء، سواء كان المخبر واحدا أو كثيرا، لإطلاق النصوص.

و استوجه الثانيان و صاحبا المدارك و الذخيرة سقوط القضاء إن كان

______________________________

(1) الكافي 4: 97- 6، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 3.

(2) التهذيب 4: 318- 970، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 2.

(3) في ص: 285، 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 284

المخبر عدلين، لكونهما حجّة شرعيّة «1».

و زاد بعض متأخّري المتأخّرين فقال بالاكتفاء بالعدل الواحد «2»، للأصل، لاختصاص بعض الأخبار بإخبار الجارية، و بعض آخر بصورة عدم إخبار الغير، و دلالة الاستقراء على الاعتماد على القول الواحد.

و يردّ بمنع كون العدلين حجّة شرعيّة بالإطلاق، لعدم ما دلّ عليها كذلك، بل عدم فائدته لو كان أيضا، لأنّ كونهما حجّة شرعيّة لا ينافي وجوب القضاء معهما.

و أما القول بأنّه يخصّص بإخبار القضاء لو كان، فغير جيّد، لأنّ التعارض يكون حينئذ بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و ممّا ذكر يظهر فساد إطلاق الاعتماد على العدل أيضا، و الاعتماد عليه أو عليهما في بعض الموارد لا يوجب التعدّي و لا يثبت استقراء.

و أمّا دعوى اختصاص الأخبار بصورة عدم إخبار الغير فممنوعة جدّا، بل يشمله و غيره مفهوما و منطوقا.

ب: المشهور في كلام الأصحاب

«3»- بل قيل: بلا خلاف أجده «4»- تقييد وجوب القضاء مع عدم المراعاة بصورة إمكانها، فلو لم يتمكّن منها- لحبس أو عمى- لم يجب عليه القضاء مع تركها و مصادفة المفطر للفجر.

و قيل: إنّ الأحوط القضاء حينئذ «5».

______________________________

(1) الشهيد الثاني في المسالك 1: 72، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 65، المدارك 6: 93، الذخيرة: 501.

(2) انظر الحدائق 13: 96.

(3) كما في الحدائق 13: 92.

(4)

كما في الرياض 1: 311.

(5) كما في الحدائق 13: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 285

و هو كذلك، بل هو الأقوى، إلّا أن يكون إجماع على خلافه، لإطلاق الأخبار الدافع للأصل.

و دعوى اختصاص النصوص بصورة القدرة عليها- كما قيل «1»- ممنوعة، و استنادها إلى التبادر و غيره لا وجه له، إذ التبادر غير مفهوم، و المراد من غيره غير معلوم.

ج: لو علم عدم ترتّب أثر على المراعاة

- لغيم و نحوه- و مع ذلك قام و نظر و أفطر، يسقط القضاء قطعا، للإطلاقات.

و هل يسقط حينئذ مع ترك النظر أيضا، أم لا؟

نعم، لأنّ من المعلوم أنّ المقصود من النظر ظهور عدم تبيّن الفجر، و المفروض أنّه حاصل، و أيضا علّق عدم الإعادة في الموثّقة على عدم رؤية الفجر بعد النظر «2»، و هو يعلم أنّه كذلك، فلا أثر للنظر.

و الفرق بين تلك الصورة و صورة عدم القدرة على النظر: أنّ ثمرة النظر حاصلة هنا، و هي عدم ظهور الفجر، دون صورة عدم القدرة، إذ لو كان أمكن له النظر فلعلّ الفجر قد تبيّن.

د: لو أخبر بالطلوع، فظنّ كذبه و أكل من غير مراعاة

، ثمَّ ظهر صدقه، فالحكم كما ذكر بعينه، لما مرّ كذلك.

و تدلّ على خصوص المسألة صحيحة العيص: عن رجل خرج في رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم، فكفّ بعضهم، و ظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل، قال: «يتمّ صومه و يقضي» «3».

______________________________

(1) في الرياض 1: 311.

(2) راجع ص: 282.

(3) الكافي 4: 97- 4، الفقيه 2: 83- 367 بتفاوت يسير، التهذيب 4:

270- 814، الوسائل 10: 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 286

و الرضوي: «و لو أنّ قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج، ثمَّ قال:

قد طلع الفجر، و ظنّ أحدهم أنّه يمزح، فأكل و شرب، كان عليه قضاء ذلك اليوم» «1».

و استقرب الفاضل في المنتهى و التحرير و الشهيدان «2» و غيرهم «3» وجوب الكفّارة بإخبار العدلين، و نفى بعض مشايخنا البعد عنه بإخبار العدل أيضا «4».

و هو كذلك، بناء على ما ذكرنا في كتاب الصلاة من جواز التعويل- بل وجوبه- على إخبار العدل في دخول الوقت.

و لا

تنافيه الروايتان، لأنّ عدم ذكر الكفّارة فيهما لا يدلّ على العدم، مع أنّ المذكور فيهما ظنّ السخر و المزاح دون الخبر الواقعي، و إثبات الكفّارة في مثله مشكل، لأنّه ليس خبرا بدخول الوقت عنده، بل يزعم عدم إرادة المعنى الحقيقي من اللفظ.

ه: صرّح جماعة- منهم الفاضل «5» و غيره «6»- باختصاص الحكم المذكور بصوم شهر رمضان

، فلو تناول المفطر في غيره فسد صومه و أفطر يومه، واجبا كان معيّنا أو غير معيّن أو غير واجب، كان التناول قبل المراعاة أم بعده.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 208، مستدرك الوسائل 7: 347 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.

(2) المنتهى 2: 578، التحرير 1: 80، الشهيد في الدروس 1: 273، الشهيد الثاني في المسالك 1: 72.

(3) الرياض 1: 311.

(4) انظر الحدائق 13: 97.

(5) في المنتهى 2: 577.

(6) كما في الرياض 1: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 287

و هذا الحكم في غير الواجب المعيّن واضح، و الظاهر عدم خلاف فيه أيضا، لاختصاص جميع روايات الحكم المذكور بصوم شهر رمضان، أو ما يجب قضاؤه، و ليس شي ء من الواجب المطلق و المندوب كذلك، و عدم معلوميّة صدق الصوم عليه، بل هو ليس بصوم لغوي و لا عرفي البتّة. و أمّا الشرعي فصدقه غير معلوم، و صحّة الصوم شرعا في بعض ما ليس بالصومين- كالناسي و نحوه- لا توجب الاطّراد.

هذا، مضافا إلى التصريح به في صحيحة الحلبي «1»، و رواية ابن أبي حمزة «2»، و موثّقة إسحاق: يكون عليّ اليوم و اليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحا، أفطر ذلك اليوم و أقضي مكان ذلك اليوم يوما آخر أو أتمّ على صوم ذلك اليوم و أقضي يوما آخر؟ فقال: «لا، بل تفطر ذلك اليوم، لأنّك أكلت مصبحا، و تقضي يوما آخر»

«3».

و جميع ذلك يشمل المراعي و غيره و لا مقيّد له، و ما يفرق بين المراعي و غيره مخصوص بغير ما ذكر.

و أمّا الواجب المعيّن- غير شهر رمضان- ففيه وجهان:

أحدهما: أنّه كالواجب المطلق، لاختصاص أكثر روايات المسألة- كموثّقة سماعة، و صحيحة ابن مهزيار، و صحيحة الحلبي، و رواية ابن أبي حمزة «4»، و صحيحة العيص «5»- بشهر رمضان، و إطلاق الصحيحة بلزوم الإفطار في التناول عند الفجر في غير رمضان.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 282.

(2) المتقدمة في ص: 283.

(3) الكافي 4: 97- 5، الوسائل 10: 117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 2.

(4) المتقدّمة جميعا في ص: 282، 283.

(5) المتقدمة في ص: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 288

و الثاني: أنّه كرمضان، لإطلاق الحسنة «1»، بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال، و رواية ابن أبي حمزة، على عطف قوله: «أو غيره» على قضاء رمضان، و لعدم معلوميّة الفساد شرعا و إن فسد عرفا و لغة، فيجب عليه الإمساك مع المراعاة، تحصيلا لامتثال الأمر القطعي الغير المعلوم فساده.

و لا يجب القضاء، لكونه بفرض جديد، و هو في المقام مفقود.

و لا يرد مثله في الواجب المطلق، بل الأمر فيه بالعكس، لأنّ أمره لعدم توقيته بوقت باق، فلا بدّ من الخروج عن العهدة، و لا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته و فساده.

و الحقّ: هو الثاني.

لا لما مرّ من الإطلاق، لتعارض إطلاق الصحيحة مع إطلاق الحسنة بالعموم من وجه.

و القول بظهور صدر الصحيحة في عدم المراعاة، لأنّ وجوب القضاء في رمضان إنّما يترتّب على عدم المراعاة، فالكلام في عجزها جار على هذا الوجه أيضا، و مثله الكلام في رواية ابن أبي حمزة و ظهور الموثّقة

أيضا في عدم المراعاة كما قاله في الحدائق «2».

فاسد جدّا، لأنّ تخصيص جزء من الحديث بمخصّص خارجي لا يوجب تخصيص حكمه الآخر أصلا، و ظهور الموثّقة لا وجه له، فيحصل التعارض و يتحقّق التساقط.

بل لما أشير إليه أخيرا من عدم معلوميّة فساد صوم اليوم،

______________________________

(1) و هي حسنة معاوية المتقدمة في ص: 282.

(2) الحدائق 13: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 289

و استصحاب وجوب امتثال الأمر، الدالّ على وجوب هذا اليوم المعيّن، و عدم دليل على القضاء مع عدم معلوميّة الفساد.

و لا يتوهّم دلالة إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات بعد الفجر لمثل ذلك أيضا، فيفسد و يجب معه القضاء بأدلّته، إذ لم نعثر على مثل ذلك الإطلاق. نعم، ورد ذلك في صيام شهر رمضان.

و أمّا أمثال قوله: «لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال» «1» و قوله:

«الكذبة تفطر الصائم» «2» فلا دلالة لها، لإجمال وقت عدم الاجتناب و النقض، فلعلّه بعد تبيّن الفجر على الصائم، أو وقت كونه صائما، أو وجوب الصوم عليه فيه، و كلّ ذلك قبل ظهور الفجر عليه ممنوع.

نعم، لو قال: الكذبة بعد الفجر تنقض، أو: إذا لم يجتنب بعد الفجر أربع خصال يضرّ، لكان مفيدا، و أين مثل ذلك؟!

الرابع: الإفطار بظنّ دخول الليل عند جماعة «3»

، و لكنّ الأقوى عدم وجوب القضاء فيه.

و تفصيل الكلام: أنّ الصائم المفطر من جهة دخول الليل إمّا يكون عالما بدخول الليل، أو شاكّا فيه، أو ظانّا إيّاه.

فعلى الأول: لا إثم عليه، لتعبّده بعلمه. و لا قضاء و لا كفّارة و إن تبيّن خطأه، للأصل الخالي عن المعارض، حتى إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات، لعدم ظهورها في مثل ذلك الشخص.

مضافا إلى فحوى ما يأتي من أدلّة انتفاء القضاء بالإفطار مع ظنّ

______________________________

(1) راجع

ص: 225.

(2) راجع ص: 251.

(3) انظر المنتهى 2: 578، و الرياض 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 290

الليل، بل ظاهر صحيحة زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا» «1»، فإنّ المراد [إذا] «2» غاب بحسب علمك، و إلّا لم يكن معنى للرؤية بعده.

و على الثاني: يكون آثما، لعدم جواز نقض اليقين بالشكّ، و عليه القضاء مع ظهور الخطأ، أو استمرار الشكّ، كما عن الخلاف و الغنية و النهاية و الوسيلة و المنتهى و التذكرة «3»، بل عن الأولين الإجماع عليه، لإطلاقات وجوب القضاء بتناول المفطرات في نهار رمضان متعمّدا، و المفروض منه، لأنّه نهار شرعا.

بل الظاهر وجوب الكفّارة أيضا، لما ذكر بعينه.

خلافا للمنتهى، حيث قوّى انتفاءها بعد ما تردّد أولا «4»، للأصل، و لعدم الهتك و الإثم.

و الأول مدفوع بما مرّ. و الثاني بمنع عدمهما أولا، و منع الملازمة ثانيا.

و أمّا ما في كلام كثير من الأصحاب- من نفي القضاء و الكفّارة بإفطار للظلمة الموهمة- فالمراد منها: الموجبة للظنّ، كما فسّره في الروضة «5» و غيره «6». و السرّ في تخصيصها بالذكر- مع ذكر الإفطار بظنّ الغروب

______________________________

(1) الفقيه 2: 75- 327، التهذيب 4: 271- 818، الاستبصار 2: 115- 376، الوسائل 10: 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.

(2) في النسخ: و قد، و الصحيح ما أثبتناه.

(3) الخلاف 2: 175، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، النهاية: 155، الوسيلة:

143، المنتهى 2: 579، التذكرة 1: 263.

(4) المنتهى 2: 579.

(5) الروضة 2: 93.

(6) كالحدائق 13: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 291

مطلقا- ورودها

في الأخبار، حيث ورد فيها: «الإفطار لغيم و نحوه» «1».

و لو ظهر الصواب مع الإفطار في الشكّ يصحّ صومه و لا شي ء عليه، كما نصّ عليه في التذكرة «2»، للأصل، و ظهور عدم صدق الإفطار في النهار الواقعي، فيكون نقضا لليقين باليقين الطارئ، و عدم ظهور إطلاقات القضاء و الكفّارة في مثل ذلك.

و الفرق- بين ذلك و بين ما لو صلّى في الوقت مع الشكّ في دخوله، و إلى القبلة من غير اجتهاد ممكن مع الشكّ فيها- ظاهر، لأنّ ابتداء العبادة فيهما وقع في حال الشكّ فمنع الانعقاد، و انعقدت هنا على الصحّة، و الشكّ في أنّه هل طرأ المفسد ثمَّ تبيّن عدمه.

و على الثالث: فمع تبيّن الصواب لا شي ء عليه، لما مرّ، و لفحوى ما يأتي من أدلّة نفي القضاء مع تبيّن الخطأ.

و مع تبيّن الخطأ ففيه وجوه، بل أقوال:

وجوب القضاء مطلقا، نسبه في الدروس إلى الأشهر «3»، و كذا عن التذكرة «4»، و يظهر من الحدائق أنّه مختار السيّد و المفيد و الحلبي و المنتهى و المعتبر، حيث نسب إليهم القول بالوجوب مع خطأ الظنّ إذا لم يكن طريق له إلى العلم «5».

لأصالة بقاء النهار مع مطلقات وجوب القضاء، و موثّقة سماعة: في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51.

(2) التذكرة 1: 263.

(3) الدروس 1: 273.

(4) التذكرة 1: 263.

(5) الحدائق 13: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 292

أنّه الليل فأفطر بعضهم، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس طلعت، فقال:

«على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّه عزّ و جل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فمن أكل

قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمدا» «1».

و عدمه كذلك، و هو في المحكيّ عن الدروس و التذكرة القول الآخر «2»، للأصل، و المستفيضة، كصحيحتي زرارة، إحداهما مرّت «3»، و الأخرى: رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمَّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال: «ليس عليه قضاء» «4».

و روايتي الكناني و الشحّام، الاولى: عن رجل صام ثمَّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم، فأفطر، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: «قد تمَّ صومه و لا يقضيه» «5»، و الثانية قريبة منها أيضا «6».

و التفصيل بالقضاء مع عدم المراعاة الممكنة، و عدمه مع المراعاة أو عدم الإمكان، اختاره في اللمعة «7»، و حكي عن المبسوط و الاقتصاد و الجمل و الفقيه و السرائر و الوسيلة و المعتبر و المنتهى و التحرير و القواعد

______________________________

(1) الكافي 4: 100- 1، التهذيب 4: 270- 815، الاستبصار 2: 115- 377، الوسائل 10: 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1، و الآية: البقرة: 187.

(2) الدروس 1: 273، التذكرة 263.

(3) في ص: 290.

(4) التهذيب 4: 318- 968، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 2.

(5) الفقيه 2: 75- 326، التهذيب 4: 270- 816، الاستبصار 2: 115- 374، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3.

(6) الفقيه 2: 75- 328، التهذيب 4: 271- 817، الاستبصار 2: 115- 375، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 4.

(7) اللمعة (الروضة 2): 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 293

و التبصرة و الإرشاد و الجامع «1».

أمّا وجوب القضاء مع عدم المراعاة الممكنة، فللتفريط في

ترك الاستصحاب، و فحوى ما دلّ على وجوبه حينئذ، و إطلاق الموثّقة، و عموم ما دلّ في طرف الفجر على وجوبه بفعل أحد أسبابه في النهار و لو شرعا.

و أمّا الثاني، فلأنّ المرء متعبّد بظنّه حيث لا سبيل له إلى العلم، و الأصل، لعدم دليل على وجوب القضاء حينئذ، لاختصاص كثير ممّا دلّ عليه من التفريط و الفحوى و نحوهما بصورة القدرة على المراعاة، و لإطلاق الصحيحين و الخبرين، بل خصوص الأخيرين، لعدم إمكان المراعاة مع تراكم السحاب، و عدم ترتّب أثر عليها.

و بالقضاء مع الظنّ الحاصل من غير جهة الظلمة الموجبة لظنّ الليل- مطلقا، كجماعة. أو مع عدم المراعاة، كآخرين «2». أو إلّا إذا كان حاصلا من إخبار العدلين، كالمحقّق الثاني «3»- و عدمه مع الظنّ الحاصل من جهتها.

و لا يبعد اتّحاد ذلك مع التفصيل، حيث إنّ مع الظلمة الكذائيّة لا سبيل إلى المراعاة و تحصيل العلم غالبا، و سبب تخصيصها بالذكر عليه وقوعها و ورودها في بعض الأخبار و إن لم يكن كذلك، فيكون التفصيل بذلك لما ذكر من تعرّض الأخبار له، فذكروا الظلمة و جعلوها قسمين:

______________________________

(1) المبسوط 1: 271، الاقتصاد: 288، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 213، الفقيه 2: 75- 327، السرائر 1: 374، الوسيلة: 143، المعتبر 2: 677، المنتهى 2: 578، التحرير 1: 80، القواعد 1: 64، التبصرة: 53، الإرشاد 1:

296، الجامع للشرائع: 157.

(2) كما في الروضة 2: 93.

(3) في جامع المقاصد 3: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 294

الموهمة لليل- أي الموجبة للوهم بمعنى الشكّ- و الموجبة للظنّ، و جعلوا القضاء في الأول واجبا دون الثاني، و من نفى القضاء في الموهمة مطلقا فمراده الموجبة للظنّ، فإنّ مثل الاستعمالين

شائع في التراكيب جدّا.

و بالجملة: دليل القضاء في الأول ما مرّ دليلا للقول الأول، مع ادّعاء نفي الخلاف فيه مع عدم المراعاة الممكنة.

و دليل عدمه في الثاني: بعض الأخبار المتقدّمة «1».

أقول: أمّا القول الأول، فيرد على دليله الأول: أنّه إنّما يتمّ لو لا النصوص المذكورة المقيّدة للمطلقات.

و على الثاني: عدم وضوح دلالته، إذ ليس فيه إلّا الأمر بصيام ذلك اليوم، و يمكن المراد إتمامه دفعا لتوهّم أنّ ذلك الإفطار مبيح له بعد ظهور الخطأ أيضا.

و لا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة، بل يؤكّده، لدلالتها على وجوب الإمساك إلى الليل مطلقا، أكل في الأثناء أم لا.

و كذا قوله عليه السّلام: «فمن أكل» إلى آخره، فإنّه يمكن أن يكون ابتداء لحكم آخر، بل قوله في تعليله: «لأنّه أكل متعمّدا» يؤكّد إرادة ما ذكرناه، و إلّا فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلا متعمّدا كما لا يخفى.

و لو سلّمنا الدلالة فيعارض النصوص المتعقّبة لها، فمع أنّها أخصّ من الموثق «2»- لاختصاصها بالظنّ و شمول قوله: رأوا، في الموثق كما قيل «3» للشكّ أيضا- مرجوح بالنسبة إليها، باعتبار الموافقة للعامّة كما في المنتهى «4».

______________________________

(1) في ص: 290.

(2) و هو موثقة سماعة، المتقدّمة في ص: 291.

(3) انظر المختلف: 224.

(4) المنتهى 2: 578.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 295

و أمّا القول الثاني، فمع عدم صراحة صحيحته الاولى- لاحتمال إرادة بطلان الصوم من مضيّه، و كونها بعمومها الشامل لصور الوهم و الشكّ و الظنّ شاذّة، لعدم قائل بسقوط القضاء في الأوليين، و اختصاص الروايتين بصورة وجود الغيم، فلم تبق إلّا الصحيحة الثانية، المعارضة للموثّق المتقدّم، المرجوحة عنه بأحدثيّة الموثّق و إن رجّحت بالمخالفة المحكيّة للعامّة- يرد عليها: أنّها بإطلاقها- الشامل لجميع أسباب الظنّ مع

إمكان تحصيل العلم أو المراعاة و عدمها- مخالفة للشهرة العظيمة، بل للإجماع، فلا تكون حجّة.

و أمّا القول الثالث، فيرد على دليله الأول على جزئه الأول: أنّ مقتضى التفريط الإثم دون القضاء.

و على دليله الثاني عليه: منع الأولويّة، لوجود الفارق، حيث إنّ ترك الاستصحاب و العمل بظنّ الفجر في الأصل بدون المراعاة كان يوجب طروّ المفسد في كثير من الصيام، بخلافه في طرف الغروب، لانّه أندر وقوعا بالنسبة إلى الأول كثيرا، و المنع عن حصول اليقين في الأول مطلوب، و طرفه عديدة، فيسهل تناول المفطرات في مبادئ الفجر لأكثر الناس، بخلاف الثاني.

و على دليله الثالث عليه: ما مرّ من قصور دلالة الموثّقة.

و على دليله الرابع عليه: أنّ العموم لا يفيد مع وجود المخصّص كالصحيحين و الخبرين، حيث إنّ مقتضاها انتفاء القضاء مع الظنّ الحاصل بسبب الغيم و لو فرض إمكان المراعاة معه.

نعم- بناء على ما قلنا من اتّحاد القولين و عدم إمكان المراعاة مع الغيم أيضا- تتمّ دلالة العمومات على ذلك الجزء، لعدم مخصّص له مع إمكان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 296

المراعاة، سوى إحدى الصحيحتين المردود إطلاقها بالشذوذ و مخالفة الشهرة.

و على دليله الأول على جزئه الثاني: منع تعبّد المرء بظنّه مع سدّ باب العلم أولا، و منع سدّه ثانيا، لحصوله بالصبر، و عدم دليل على وجوب الصبر كما قيل، و استلزامه الحرج مردود بأنّ وجوب تحصيل العلم هو الدليل.

و على دليله الثاني: أنّ بعض أدلّة وجوب القضاء و إن لم يجر في المورد إلّا أن دليله التامّ- و هو العمومات- جارية فيه.

و على دليله الثالث: أنّ غير إحدى الصحيحتين أخصّ من المطلوب. نعم، تتمّ دلالة الصحيحة و لا شذوذ فيها مع هذا القيد.

و

أمّا القول الرابع، فيظهر ما في دليله على الجزء الأول ممّا مرّ.

نعم، لا اعتراض على جزئه الأخير.

ثمَّ ظهر من جميع ما ذكر حقّ المحاكمة بين هذه الأقوال، و أنّ القول الفصل هو وجوب القضاء مع ترك المراعاة الممكنة و عدم السحاب الموجب لظنّ الليل، و عدمه مع المراعاة أو عدم إمكانها أو وجود السحاب المذكور.

أمّا الأول، فللعمومات الخالية عن المعارض، سوى الصحيحة المردودة في المورد بالشذوذ، و مخالفة الشهرة، و المعارضة للموثّقة- بل الصحيحة- بسند آخر «1» في خصوص الظنّ الحاصل بالسحاب، المتعدّي إلى غيره بالإجماع المركّب، المساوية لها في وجوه المرجّحات، الموجب للرجوع إلى العمومات، و إن أمكن ردّ ذلك بأنّ معارضة الموثقة مع

______________________________

(1) المتقدمين في ص 290، 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 297

الخبرين المساويين لها في الأحدثيّة الراجحين عليها بمخالفة العامّة أوجبت طرحها، و معه لا يفيد الإجماع المركّب.

و أمّا الثاني، فللصحيحة المذكورة «1»، الخالية عن الشذوذ في المورد، الموجبة لتخصيص العمومات، و للصحيحة الأخرى «2»، مع الخبرين «3» في الظنّ الحاصل بالسحاب. هذا كلّه، مع الموافقة للأصل، و الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

و منها تفصيل آخر لا دليل عليه أصلا، و هو إيجاب القضاء مع الظنّ الضعيف و نفيه مع القوي، حكي عن الشيخ الحرّ في وسائله «4».

و هو أحد احتمالات كلام الحلّي، حيث قال ما ملخّصه: و من ظنّ أنّ الشمس قد غابت و لم يغلب على ظنّه ذلك، ثمَّ تبيّن الشمس، فالواجب عليه القضاء، و ان كان مع ظنّه غلبة قويّة فلا شي ء عليه، فإن أفطر لا عن أمارة و لا ظنّ فيجب عليه القضاء و الكفّارة «5». انتهى.

و على هذا الاحتمال حمل كلامه في المسالك.

و الاحتمال الآخر: أن يكون

مراده من الظنّ: الشكّ، و استعماله بمعناه في اللغة و العرف معروف، و يكون مراده بغلبة ظنّه: الرجحان، الذي هو الظنّ بالمعنى المعروف.

و الاحتمال الثالث: أن يكون الظنّ بمعنى: الخاطر، و هو أيضا معروف لغة، و هو المراد حين يقال: غلب على ظنّه.

______________________________

(1) و هي صحيحة زرارة، المتقدمة في ص: 290.

(2) و هي صحيحة زرارة الأخرى، المتقدمة في ص: 292.

(3) و هما روايتا الكناني و الشحام، المتقدمتان في ص: 292.

(4) حكاه عنه في الحدائق 13: 104، و هو في الوسائل 10: 122.

(5) السرائر 1: 377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 298

و من ذلك يظهر ضعف ما في المختلف من تشنيعه على الحلّي في كلامه ذلك، و جعله مضطربا غايته «1».

تتميم: يستحبّ للصائم الإمساك عن أمور:
منها: مضغ العلك

كما مرّ.

و منها: إيصال الغبار إلى الحلق

، للخروج عن شبهة الخلاف، و لما مرّ من بعض ما استدلّوا به على تحريمه المحمول على الكراهة.

و منها: السعوط مطلقا

، تعدّى إلى الحلق أم لا، وفاقا للجمل و الخلاف و النهاية و السيّد و النافع و ظاهر المدارك «2» و غيرها «3»، بل محتمل المقنع و الإسكافي- لنفيهما البأس عنه، الذي هو العذاب «4»- بل للمشهور كما في المدارك و الذخيرة «5»، لروايتي ليث و غياث:

الاولى: عن الصائم يحتجم و يصبّ في اذنه الدهن؟ قال: «لا بأس، إلّا السعوط، فإنّه يكره» «6».

و الثانية: «أنّه كره السعوط للصائم» «7».

و الرضوي: «لا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا و لا يسعط» «8».

______________________________

(1) المختلف: 224.

(2) المدارك 6: 128.

(3) كالشرائع 1: 195.

(4) المقنع: 60، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 221.

(5) المدارك 6: 128، الذخيرة: 505.

(6) الكافي 4: 110- 4، التهذيب 4: 204- 592، الوسائل 10: 43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 1.

(7) التهذيب 4: 214- 623، الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 2.

(8) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 10: 333 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 299

خلافا لمحتمل المقنع و الإسكافي، فجوّزاه بلا كراهة «1»، للأصل المندفع بما مرّ.

و للفقيه و الحلّي و المفيد و الديلمي و القاضي و ابن زهرة و الحلبي، فحرّموه بلا قضاء و كفّارة كالأولين «2»، أو معهما كالثالث و الرابع «3»، بل قوم من أصحابنا كما حكاه السيّد «4»، أو مع الأول خاصّة كالباقين «5».

لأنّه إيصال شي ء مفطر إلى الدماغ، الذي هو من الجوف.

و لاستثناء السعوط في رواية ليث عن عدم البأس، الذي هو العذاب.

و إثبات

الكراهة في الروايتين، و هي في عرف القدماء تصدق على الحرمة.

و نفي الجواز في الرضوي.

و الأول مردود: بمنع كون مطلق إيصال الشي ء إلى مطلق الجوف مفطرا، و إنّما الإيصال بالأكل و الشرب إلى الحلق أو المعدة.

و الثاني: بأنّ الكراهة و إن كانت صادقة على الحرمة لغة و عرفا قديما، إلّا أنّ استعمالها في خصوصها مجاز، و هو ليس بأولى من إرادة المجاز من البأس.

و منه يظهر ردّ الثالث أيضا.

و الرابع: بالضعف الخالي عن الجابر، مضافا إلى احتمال عطف قوله:

______________________________

(1) المقنع: 60، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 221.

(2) الفقيه 2: 69، و انظر السرائر 1: 378.

(3) المفيد في المقنعة: 344، و الديلمي في المراسم: 98.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 54.

(5) القاضي في المهذب 1: 192، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، و الحلبي في الكافي في الفقه: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 300

«و لا يسعط» على قوله: «لا يجوز».

و للمبسوط و الشرائع «1»، بل جملة من الأصحاب كما قيل، ففرّقوا بين غير المتعدّي إلى الحلق فالأول، للأصل، و التعدّي فالثاني، للإيصال إلى الحلق.

و جوابه ظاهر، إذ لا دليل على البطلان بمطلق الإيصال إلى الحلق، بل ينفي الحرمة مطلقا حصر: «ما يضرّ الصائم» «2» في خصال ليس منه، و فحوى ما دلّ على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق، و عموم التعليل في جملة من النصوص على جواز الاكتحال بأنّه ليس بطعام و لا شراب.

و منها: النساء تقبيلا و لمسا و ملاعبة

، إجماعا في الجملة.

و هل هي مكروهة مطلقا، أو للشابّ دون الشيخ، أو لذوي الشهوة و من يحرّك ذلك شهوته دون غيره؟

فيه أقوال، أشهرها: الأخير، بل عليه الإجماع في المنتهى و التذكرة «3».

دليل

الأول: رواية الأصبغ: اقبّل و أنا صائم، فقال له: «عف صومك، فإنّ بدو القتال اللطام» «4».

و أبي بصير: «و المباشرة ليس بها بأس و لا قضاء يومه، و لا ينبغي له أن يتعرّض لرمضان» «5» أي لا تحرم المباشرة و لكنّها مكروهة، لحرمة رمضان.

______________________________

(1) المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 195.

(2) الفقيه 2: 67- 276، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(3) المنتهى 2: 581، التذكرة 1: 265.

(4) التهذيب 4: 272- 822، الاستبصار 2: 82- 252، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 15.

(5) التهذيب 4: 272- 824، الاستبصار 2: 83- 254، الوسائل 10: 128 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 55 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 301

و المرويّ في قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح له أن يقبّل أو يلمس و هو يقضي شهر رمضان؟ قال: «لا» «1»، و مثله المرويّ في كتاب عليّ بن جعفر «2».

و دليل الثاني: صحيحة الحلبي: عن الرجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشابّ مخافة أن يسبقه المني» «3».

و مرسلة الفقيه: روى عبد اللّه بن سنان عنه رخصة للشيخ في المباشرة «4».

و صحيحة منصور: ما تقول في الصائم يقبّل الجارية و المرأة؟ فقال:

«أمّا الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس، و أمّا الشاب الشبق فلا، فإنّه لا يؤمن» الحديث «5».

حجّة الثالث: قوله: «و أمّا الشاب الشبق» في الأخيرة، و العلّتان المنصوصتان في الصحيحين من جهة تحقّق المخافة و عدم الأمن في ذي الشهوة.

و صحيحة زرارة و محمّد: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف

عليه، فليتنزّه عن ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه» «6»، حيث إنّ ذي الشهوة لا يكون واثقا، و غيره واثق البتّة.

و المرويّ في كتاب عليّ: عن المرأة هل يحلّ لها أن تعتنق الرجل في

______________________________

(1) قرب الإسناد: 232- 909، الوسائل 10: 99 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 11.

(2) مسائل علي بن جعفر: 150- 195، الوسائل 10: 101 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 20.

(3) الكافي 4: 104- 1، الوسائل 10: 97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.

(4) الفقيه 2: 71- 306، الوسائل 10: 99 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 8.

(5) الكافي 4: 104- 3، الوسائل 10: 97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 3.

(6) التهذيب 4: 271- 821، الاستبصار 2: 82- 251، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 302

شهر رمضان و هي صائمة، فتقبّل بعض جسده من غير شهوة؟ قال: «لا بأس» «1».

و عن الرجل هل يصلح له و هو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها و فخذها و عجزها؟ قال: «إن لم يفعله ذلك بشهوة فلا بأس، و أمّا الشهوة فلا يصلح» «2».

و رواية رفاعة: عن رجل لامس جاريته في شهر رمضان فأمذى؟

قال: «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا و يصوم يوما مكان يوم، و إن كان من حلال فليستغفر اللّه، و لا يعود، و يصوم يوما مكان يوم» «3»، فإنّ ترتّب الإمذاء عليه ليس إلّا لحركة الشهوة.

أقول: لا يخفى أنّ شيئا من روايات القولين الأخيرين لا يصلح لإثبات الكراهة في

فرد، و لا لنفيها عنه.

أمّا الأولى، فلأعمّية لفظ الكراهة عن الحرمة، و إنّما ثبتت الكراهة المصطلحة بها فيما ثبتت بضميمة الأصل، و هو هنا غير جار، لما يأتي من حرمة المباشرة لمن يخاف على نفسه.

و أمّا الثانية، فظاهرة، لأعميّة الرخصة من الكراهة و الإباحة.

و أمّا الثالثة، فلمثل ما مرّ في الأولى، فإنّ قوله: «فلا» يحتمل الحرمة أيضا، و نفي البأس عن مثلهما يستلزم نفي الحرمة، لأنّ البأس هو العذاب و الشدّة.

و أمّا الرابعة، فلأنّ مقتضى الأمر فيها إثبات الحرمة في غير الواثق،

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 110- 21، الوسائل 10: 101 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 18.

(2) مسائل علي بن جعفر: 116- 48، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 19.

(3) الفقيه 2: 71- 299، التهذيب 4: 272- 825، الاستبصار 2: 83- 255، الوسائل 10: 129 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 55 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 303

و مقتضى الاستثناء انتفاؤها في الواثق.

و أمّا الخامسة، فلأنّ نفي البأس عمّن لم يفعل بشهوة ينفي الحرمة، و إثبات عدم الصلاح لمن فعل بشهوة يثبتها، لأنّ ضدّ الصلاح الفساد.

و أمّا السادسة، فظاهرة.

و على هذا، فيظهر عدم دليل للقولين الأخيرين، و وجوب رفع اليد عنهما، فيبقى الأول، و لكن يجب تقييده بما لم تثبت فيه الحرمة، و لكنّها ثابتة فيما خاف من الإنزال و لم يكن واثقا بنفسه، فإنّه يحرم حينئذ على الأظهر، كما هو أحد القولين على ما ذكره في المنتهى «1»، للأمر بالتنزّه في صحيحة محمّد و زرارة، و مرسلة الفقيه: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟

قال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأس» «2»،

دلّت بالمفهوم على البأس- الذي هو العذاب- مع الخوف و لا ينافيه قوله: «يكره» في صحيحة الحلبي، لأنّه أعمّ من الحرمة، و على ذلك يحمل الأمر بالاستغفار في رواية رفاعة، حيث إنّ الإمذاء لا ينفكّ عن عدم الوثوق.

و منها: جلوس المرأة في الماء

على الأظهر الأشهر، للشهرة، و موثّقة حنّان: عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: «لا بأس، و لكن لا يغمس فيه، و المرأة لا تستنقع في الماء، لأنّها تحمل الماء بفرجها» «3».

خلافا للمحكيّ عن الديلمي و الحلّي و ابن زهرة و القاضي «4»، و ظاهر

______________________________

(1) المنتهى 2: 581.

(2) الفقيه 2: 71- 300، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 6.

(3) الكافي 4: 106- 5، الفقيه 2: 71- 307 بتفاوت يسير، التهذيب 4:

263- 789، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.

(4) الديلمي في المراسم: 98، لم نعثر عليه في السرائر و هو موجود في الكافي للحلبي:

183، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، القاضي في المهذب 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 304

الفقيه «1»، و محتمل المقنعة «2»، فحرّموه، إمّا مع القضاء كالأولين، أو مع الكفّارة كالمتعقّبين لهما، أو بدونهما كالباقين، للموثّقة في الحرمة، و لعدم اتّجاه التعليل المذكور فيها لو لا الإفساد الموجب للقضاء أوله و للكفّارة فيهما، بل تصريحه بأنّه يوصل الجوف و هو مفسد، مضافا في الثلاثة إلى الإجماع المدّعى في الغنية.

و يضعّف الكلّ بضعف دلالة الموثّقة- لمكان الجملة الخبريّة- على الحرمة، و كفاية الكراهة في توجيه التعليل، حيث إنّه موجب لرفع العطش المطلوب في الصوم، و منع كلّ إيصال إلى الجوف و لو مع عدم صدق الأكل و الشرب مفسدا، و عدم حجّيّة الإجماع

المنقول.

و لا يكره ذلك من الرجل و لا من الخنثى و المجبوب، للأصل الخالي عن المعارض، بل المقارن للمؤيّد كما مرّ.

و منها: السواك بالرطب

، وفاقا للمحكيّ عن الشيخ و العماني و ابن زهرة و المدارك «3»، بل جماعة من متأخّري المتأخّرين كما قيل «4»، للمعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن الصائم يستاك بالماء؟ قال: «لا بأس به»، و قال: «لا يستاك بسواك رطب» «5».

و ابن سنان: «كره للصائم أن يستاك بسواك رطب» «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 71- 307.

(2) المقنعة: 356.

(3) الشيخ في النهاية: 156، حكاه عن العماني في المختلف: 223، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المدارك 6: 74.

(4) الرياض 1: 308.

(5) الكافي 4: 112- 2، التهذيب 4: 323- 992، الوسائل 10: 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 10.

(6) الكافي 4: 112- 3، التهذيب 4: 263- 787، الاستبصار 2: 92- 294، الوسائل 10: 85 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 305

و موثّقة الساباطي: في الصائم ينزع ضرسه؟ قال: «لا، و لا يدمي فاه، و لا يستاك بعود رطب» «1».

و محمّد: «يستاك الصائم أيّ النهار شاء، و لا يستاك بعود رطب» «2».

و رواية أبي بصير: «لا يستاك الصائم بعود رطب» «3».

خلافا للمشهور، فلا يكره، بل يستحبّ، و عن المنتهى: أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا العماني «4»، للأصل، و الحصر، و عمومات السواك «5»، و خصوص المستفيضة المجوّزة للسواك بقول مطلق للصائم بقوله: «يستاك»، كصحيحة ابن سنان «6»، و موثّقة محمّد «7»، و روايتي أبي بصير «8» و أبي الجارود «9». أو النافية للبأس عن السواك بالعود الرطب، كصحيحة الحلبي «10»،

______________________________

(1) الكافي 4: 112- 4، الفقيه 2: 70- 294 و

فيه بنقص، الوسائل 10: 85 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 12.

(2) التهذيب 4: 262- 785، الاستبصار 2: 91- 292، الوسائل 10: 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 8.

(3) التهذيب 4: 262- 786، الاستبصار 2: 92- 293، الوسائل 10: 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 7.

(4) المنتهى 2: 568.

(5) الوسائل 2: أبواب السواك ب 1 و 2 و 3.

(6) التهذيب 4: 261- 780، الوسائل 10: 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 1.

(7) التهذيب 4: 262- 784، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 6.

(8) التهذيب 4: 262- 781، الوسائل 10: 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 2.

(9) التهذيب 4: 262- 783، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 5.

(10) التهذيب 4: 262- 782، الاستبصار 2: 91- 291، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 306

و خصوص رواية الرازي: عن السواك في شهر رمضان؟ قال: «جائز»- إلى أن قال-: فقال: ما تقول في السواك الرطب يدخل رطوبته في الحلق؟

فقال: «الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب» «1».

و نحوها المرويّ في قرب الإسناد عن عليّ عليه السّلام، و في آخره: «فقال علي عليه السّلام: فإن قال قائل: لا بدّ من المضمضة لسنّة الوضوء، قيل له: فإنّه لا بدّ من السواك للسنّة التي جاء بها جبرئيل» «2».

و بما مرّ يدفع الأصل، و يقيّد الحصر، و يخصّص العموم، كما أنّ به تخصّص أيضا بغير الرطب مطلقات مجوّزات السواك للصائم، مع أنّها غير دالّة إلّا على الجواز الغير

المنافي للكراهة، كما أنّ نفي البأس- الذي هو العذاب- في صحيحة الحلبي الأخيرة لا ينافيها أيضا.

و ممّا ذكر يعلم عدم منافاة إثبات الجواز في الروايتين الأخيرتين لها أيضا، بل و كذا قوله فيهما: «الماء للمضمضة أرطب»، لأنّ القائل استدرك دخول الرطوبة في الحلق، فتوهّم منه نفي الجواز الثابت أولا، فردّ عليه السّلام عليه بما ردّ، و قال: إنّ دخول الرطوبة لا ينفي الجواز، لوجوده في المضمضة.

نعم، في قوله في الذيل: «فإن قال قائل» إلى آخره، دلالة على انتفاء الكراهة، بل ثبوت الاستحباب، إلّا أنّه لا يثبته إلّا في مطلق السواك، فإنّه الذي سنّه جبرئيل، و لذا أطلق الإمام عليه السّلام أيضا، فيجب التخصيص،

______________________________

(1) التهذيب 4: 263- 788 بتفاوت يسير، الاستبصار 2: 92- 295، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 4.

(2) قرب الإسناد: 89- 297، الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 307

فتأمّل، مع أنّه على الدلالة أيضا لا يقاوم ما مرّ، لأكثريّته و أصحيته و أصرحيّته. و نقل الكراهة عن أحمد «1» لا يجعله موافقا للعامّة فتدبّر.

و منها: الاكتحال

، فيكره مطلقا و إن اشتدّت فيما فيه مسك أو طعم يجده في الحلق، و لا يحرم.

أمّا عدم الحرمة، فبالإجماع، و الأصل، و الحصر، و الأخبار النافية للبأس عن مطلق الاكتحال، كصحيحتي محمّد «2» و عبد الحميد «3»، و مرسلة سليم «4»، و روايات عبد اللّه بن ميمون «5» و ابن أبي يعفور «6» و غياث بن إبراهيم «7».

و أمّا الكراهة مطلقا، فللأخبار الناهية عن مطلقه، كصحيحتي الأشعري «8» و الحلبي «9»، و رواية الحسن بن عليّ «10»، و هي واردة بالجملة

______________________________

(1)

انظر المغني لابن قدامة 3: 45.

(2) الكافي 4: 111- 1، التهذيب 4: 258- 765، الاستبصار 2: 89- 278، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(3) التهذيب 4: 259- 767، الاستبصار 2: 89- 280، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 7.

(4) الكافي 4: 111- ذ. ح 1، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(5) التهذيب 4: 260- 775، الاستبصار 2: 90- 288، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 4.

(6) التهذيب 4: 258- 766، الاستبصار 2: 89- 279، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.

(7) التهذيب 4: 214- 622، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 10.

(8) الكافي 4: 111- 2، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 3.

(9) التهذيب 4: 259- 769، الاستبصار 2: 89- 282، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 9.

(10) التهذيب 4: 259- 768، الاستبصار 2: 89- 281، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 308

الخبريّة فلا تفيد أزيد من الكراهة.

و أمّا شدّتها مع أحد الوصفين، فلصحيحة محمّد: عن المرأة تكتحل و هي صائمة؟ فقال: «إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس» «1».

و موثّقته: عن الكحل للصائم؟ فقال: «إذا كان كحلا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فلا بأس» «2».

و المرويّ في قرب الإسناد «إنّ عليّا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد

طعمه» «3».

و الرضويّ: «لا بأس بالكحل إذا لم يكن [ممسّكا]» «4».

و مفهوم تلك الأخبار و إن اقتضى الحرمة مع أحد الوصفين، إلّا أنّ الإجماع على عدم الحرمة أوجب الحمل على نوع من الكراهة، و لثبوت أصلها لمطلقه يفهم العرف من التخصيص بالذكر شدّة فيه.

مضافا إلى رواية ابن أبي غندر: أكتحل بكحل فيه مسك و أنا صائم؟

فقال: «لا بأس به» «5».

و المشهور اختصاص الكراهة بما فيه أحد الوصفين، كجماعة «6»، أو

______________________________

(1) التهذيب 4: 259- 771، الاستبصار 2: 90- 284، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 5.

(2) الكافي 4: 111- 3، التهذيب 4: 259- 770، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 89- 295، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 12.

(4) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 334 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2. بدل ما بين المعقوفتين في النسخ: مسكا، و ما أثبتناه من المصدر.

(5) التهذيب 4: 260- 772، الاستبصار 2: 90- 285، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 11.

(6) انظر الكفاية: 47، و الرياض 1: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 309

الأول خاصّة، كالمحقّق و الشهيد «1»، أو مع ما فيه صبر، كما في الروضة «2»، أو مع ما فيه رائحة حادّة، كبعضهم «3»، للجمع بين الصنفين المطلقين من الأخبار بالصنف المفصّل، و هو كان حسنا لو تنافيا الصنفان، و كان نفي البأس نفيا للكراهة أيضا، و ليس كذلك.

و منها: إخراج الدم مع خوف الضعف

، للصحاح المستفيضة، كصحاح الأعرج «4»، و الحلبي «5»، و ابن سنان «6»، و الحسين بن أبي العلاء «7»،

و غيرها «8»، و هي و ان كانت مختصّة بالاحتجام ظاهرة في الحرمة مع خوف الضعف، إلّا أنّه يستفاد العموم من السياق- و قيل: من تنقيح المناط «9»، و فيه تأمّل- و يصرف عن الظاهر، للإجماع على عدم الحرمة، و رواية عبد اللّه بن ميمون: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام و الحجامة، و قد احتجم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو صائم» «10».

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 664، الشهيد في الدروس 1: 279.

(2) الروضة 2: 132.

(3) كما في التهذيب 4: 259.

(4) التهذيب 4: 260- 774، الاستبصار 2: 90- 287، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 10.

(5) الكافي 4: 109- 1، الفقيه 2: 68- 287، التهذيب 4: 261- 777، الاستبصار 2: 91- 290، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 1.

(6) التهذيب 4: 260- 776، الاستبصار 2: 91- 289، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 12.

(7) الكافي 4: 109- 3، التهذيب 4: 260- 773، الاستبصار 2: 90- 286، الوسائل 10: 78 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    310     و منها: إخراج الدم مع خوف الضعف ..... ص : 309

(8) كما في الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26.

(9) انظر الحدائق 13: 158.

(10) التهذيب 4: 260- 775، الاستبصار 2: 90- 288، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 310

و أمّا النبويّ: «أفطر الحاجم و المحجوم» «1» فمع أنّه عامّي، روي أنّه كان لمكان اغتيابهما

مسلما و تسابّا و كذبا في سبّهما على نبي اللّه «2».

و احتمل الصدوق في معاني الأخبار أن يكون المعنى: المحتجم عرّض نفسه للاحتياج إلى الإفطار، و الحاجم عرّض المحتجم إليه، و قال أيضا: سمعت بعض المشايخ بنيشابور يذكر في معناه: أنّهما دخلا بذلك في فطرتي و سنّتي «3».

و منها: دخول الحمّام إذا خيف منه الضعف

، لصحيحة محمّد «4».

و منها: شمّ الريحان عموما

- و هو كلّ نبت طيّب الريح، كما ذكره أهل اللغة «5»- للإجماع المنقول في المنتهى و التذكرة «6»، و الأخبار المستفيضة، كروايتي الحسن بن راشد «7»، و رواية الصيقل «8»، و مراسيل الكافي «9» و الفقيه «10»، معلّلا في بعضها: بأنّه لذّة و يكره للصائم أن يتلذّذ،

______________________________

(1) كما في سنن أبي داود 2: 14، و مسند أحمد: 364.

(2) انظر معاني الأخبار: 319- 1، الوسائل 10: 79 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 9.

(3) معاني الأخبار: 319.

(4) الكافي 4: 109- 3، الفقيه 2: 70- 296، التهذيب 4: 261- 779، الوسائل 10: 81 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 27 ح 1.

(5) كما في القاموس 1: 232، و المصباح المنير: 243، و لسان العرب 2: 458.

(6) المنتهى 2: 583، التذكرة 1: 266.

(7) التهذيب 4: 267- 805 و 807، الاستبصار 2: 93- 299 و 301، الوسائل 10: 93 و 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 7 و 12.

(8) التهذيب 4: 267- 806، الاستبصار 2: 93- 300، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 13.

(9) الكافي 4: 113- ذ. ح 4، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 2.

(10) الفقيه 2: 71- 302، الوسائل 10: 95 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 311

و في بعضها: أنّ الريحان بدعة للصائم، و هو و إن كان مشعرا بالحرمة، إلّا أنّ الإجماع و الأخبار النافية للبأس عنه- كصحيحتي محمد «1»، و البجلي «2»، و روايتي سعد «3»، و أبي بصير «4»- أوجبت الحمل على الكراهة.

و

قيل: تتأكّد الكراهة في النرجس «5»، لرواية ابن رئاب: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ينهى عن النرجس، فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ قال: «لأنّه ريحان الأعاجم» «6».

و لا يخفى أنّها لا تدلّ على الأشدّية، بل و لا على الاختصاص بالصائم، بل غايتها كراهة شمّ النرجس مطلقا، فهي الأظهر.

و التعليل- للشدّة بفتوى الأكثر مع التسامح في أدلّة الكراهة- غير جيّد، لأنّ الشدّة غير نفس الكراهة، و لم تثبت فيها المسامحة، إلّا أن تثبت الشدّة بثبوت الكراهة من جهتين: إحداهما: من جهة كراهة شمّ مطلق الريحان للصائم. و ثانيتهما: من جهة كراهة شمّ النرجس مطلقا، فتجتمع الجهتان في شمّ الصائم للنرجس، فتشتدّ الكراهة.

______________________________

(1) الكافي 4: 113- 4، التهذيب 4: 266- 800، الاستبصار 2: 92- 296، الوسائل 10: 91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.

(2) التهذيب 4: 266- 802، الاستبصار 2: 93- 297، الوسائل 10: 93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 8.

(3) التهذيب 4: 266- 803، الاستبصار 2: 93- 298، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 10.

(4) التهذيب 4: 265- 798، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 9.

(5) كما في الشرائع 1: 195، و المختصر النافع: 66، و الذخيرة: 505، و الحدائق 13: 159، و الرياض 1: 308 و غنائم الأيام: 427.

(6) الفقيه 2: 71- 301 و فيه: النرجس للصائم ..، العلل: 383- 1، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 312

و هل يشمل الريحان مثل: التفّاح و السفرجل و الأترج، لصدق النبت؟

فيه نظر، بل الظاهر العدم، لأن المتبادر من

النبت مثل الحشائش و الأوراق، فلا يشمل الفواكه و أصول النباتات و أغصانها الطيّبة.

و كذا يكره التطيّب بالمسك، لرواية غياث «1». و لا يكره غيره من أصناف الطيب و الغالية، للأصل، و المستفيضة، كمرسلة الفقيه «2»، و رواية الحسن بن راشد «3»، و غيرها «4»، و في بعضها: «إنّ الطيب تحفة الصائم».

و منهم من ألحق بالمسك ما يجري مجراه ممّا يوجد طعمه في الحلق «5»، و منهم من ألحق به الزعفران «6»، و لا وجه له إلّا فتوى الفقيه، و تعارضها عمومات الطيب، فعدم الكراهة فيهما أشبه.

و منها: الاحتقان بالجامد،

لنقل الإجماع عن الغنية و الكشف «7»، و قد مرّ.

و منها: لبس الثوب المبلول

، لروايات الصيقل «8»، و ابن سنان «9»،

______________________________

(1) الكافي 4: 112- 1، التهذيب 4: 266- 801، الوسائل 10: 93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 6.

(2) الفقيه 2: 71- 302، الوسائل 10: 95 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 14.

(3) الكافي 4: 113- 3، الفقيه 2: 70- 295، التهذيب 4: 265- 799، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 3.

(4) كما في الوسائل 10: 91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32.

(5) كالشيخ في النهاية: 156، و ابن حمزة في الوسيلة: 144، 683، و ابن إدريس في السرائر 1: 388.

(6) كالمفيد في المقنعة: 356، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، كشف الرموز 1: 281.

(8) المتقدم ذكر مصادرها في ص: 310.

(9) الكافي 4: 106- 4، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 313

و ابن راشد «1»، و لخلّوها عن الدالّ على الحرمة استدلّ بها للكراهة.

لا لصحيحة محمّد: «الصائم يستنقع في الماء، و يصبّ على رأسه، و يتبرّد بالثوب، و ينضح بالمروحة و ينضح البوريا تحته» «2»، لجواز أن يراد بالتبرّد بالثوب: جعله مروحة لا بلّه على الجسد، أو يراد به: التبرّد به بعد عصره، كما صرّح به في رواية ابن سنان المشار إليها، حيث قال: «لا تلزق ثوبك إلى جسدك و هو رطب و أنت صائم حتى تعصره».

و منها: إنشاد الشعر

على ما ذكره بعض الأصحاب «3»، و لكن لم يذكره الأكثر كما صرّح به في الحدائق «4».

و وجه الكراهة: صحيحة حمّاد: «تكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم

الجمعة و أن يروى بالليل، و لا ينشد في شهر رمضان بليل و نهار» فقال له إسماعيل: يا أبتاه، و إن كان فينا؟ قال: «و إن كان فينا» «5».

و الأخرى: «تكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم الجمعة و أن يروى بالليل» قال: قلت: و إن كان شعر حقّ؟ قال: «و إن كان شعر حقّ» «6».

______________________________

(1) المتقدم ذكر مصادرها في ص: 310.

(2) الكافي 4: 106- 3، التهذيب 4: 204- 591، الاستبصار 2: 84- 260، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2.

(3) كما في المفاتيح 1: 250.

(4) الحدائق 13: 162.

(5) الكافي 4: 88- 6، الفقيه 2: 68- 282، التهذيب 4: 195- 556، الوسائل 10: 169 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 2.

(6) التهذيب 4: 195- 558، الوسائل 10: 169 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 314

و خصّ في الحدائق كلّ ما ورد من كراهة إنشاد الشعر في مكان أو زمان شريف بالأشعار الدنيويّة و غير الحقّة ممّا كان متضمّنا لحكمة أو موعظة أو مدح أهل البيت أو رثائهم، بل نسبه إلى أصحابنا و قال:

إنّ أصحابنا قد خصّوا الكراهة بالنسبة إلى إنشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة و البقاع المنيفة بما كان من الإشعار الدنيويّة الخارجة عمّا ذكرناه.

قال: و ممّن صرّح بذلك الشهيد في الذكرى و الشهيد الثاني في جملة من شروحه و المحقّق الشيخ عليّ و السيّد السند في المدارك «1». انتهى.

و استدلّ لذلك بصحيحه عليّ بن يقطين النافية للبأس عن الشعر الذي لا بأس به في الطواف، المستلزم لكونه في الحرم

«2».

و بالأخبار الغير العديدة، الواردة في مدح الشعر في أهل البيت و في مراثيهم «3».

و بالمرويّ في إكمال الدين: عن أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكّة وفد بكر بن وائل حين أقبلوا إليه و هو بفناء الكعبة بإنشاد شعر قيس بن ساعدة و ترحّمه عليه [1].

و بالمرويّ في كتاب الآداب الدينيّة لأمين الإسلام الشيخ أبي عليّ الطبرسي بإسناده عن خلف بن حمّاد: قال: قلت للرضا عليه السّلام: إنّ أصحابنا يروون عن آبائك أنّ الشعر ليلة الجمعة و يوم الجمعة و في شهر رمضان و في

______________________________

[1] إكمال الدين: 166- 22، و فيه: قسّ بن ساعدة، بدل: قيس بن ساعدة.

______________________________

(1) الحدائق 13: 162.

(2) التهذيب 5: 127- 418، الاستبصار 2: 227- 784، الوسائل 13: 402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.

(3) كما في الوسائل 14: 597 أبواب المزار و ما يناسبه ب 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 315

الليل مكروه، و قد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السّلام و هذا شهر رمضان، فقال: «ارث أبا الحسن عليه السّلام في ليالي الجمع و في شهر رمضان و في الليل و في سائر الأيّام، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يكافئك على ذلك» «1».

و في دلالة غير الأخيرة على مطلوبه نظر، إذ نفي البأس أعمّ من نفي الكراهة، و العمومات لا تجدي في مقابل الأخبار الخاصّة، و أمر النبيّ لعلّه كان قبل ورود الحكم بالكراهة.

نعم، تتمّ دلالة الأخيرة، و لا يضرّ اختصاصها بالرثى، لعدم القول بالتفرقة.

ثمَّ يعارض بذلك ما مرّ، فإمّا يرجّح ذلك، لاحتمال حمل ما مرّ على التقيّة كما في الحدائق «2»، أو يرجع إلى العمومات المذكورة «3»، و لا يضرّ ضعف الأخيرة، لأنّ

المقام مقام المسامحة.

فالحقّ: عدم الكراهة في الأشعار الحقّة- و المتضمّنة للحكمة و الموعظة، و نحوها- في الأوقات المذكورة.

بل ها هنا كلام آخر متقن ذكره في الوافي، قال: و الشعر غلب على المنظوم من القول، و أصله: الكلام التخييلي، الذي هو أحد الصناعات الخمس نظما كان أو نثرا، و لعلّ المنظوم المشتمل على الحكمة و الموعظة، أو المناجاة مع اللّه سبحانه، ممّا لم يكن فيه تخييل شعري، مستثنى من هذا الحكم، أو غير داخل فيه.

و قال في بيان قوله: «و إن كان شعر حقّ»: و ذلك لأنّ كون موضوعه

______________________________

(1) الوسائل 14: 499 أبواب المزار و ما يناسبه ب 105 ح 8.

(2) الحدائق 13: 164.

(3) في ص: 313- 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 316

حقّا- كحكمة أو موعظة- لا يخرجه عن التخييل الشعري، فأمّا إذا لم يكن كلاما شعريّا بل كان موزونا فقط فلا بأس «1». انتهى.

و ما ذكره جيد، فإنّ الحقيقة الشرعيّة للشعر في المنظوم من الكلام غير ثابت، بل لم يكن كذلك أولا البتّة، و لذا سمّوا الكفّار القرآن شعرا و رسول اللّه شاعرا، فالمنظوم الخالي عن الخيالات الشعريّة ليس شعرا مكروها، و الشعر منها أيضا إذا كان حقّا يكون بما مرّ مستثنى أيضا.

و منها: التنازع و التحاسد

، و السبّ و المراء، و أذى الخادم، و الجدال، و المسارعة إلى الحلف و الأيمان، و القول الفاحش، كلّ ذلك للأخبار «2».

و المقصود كراهيّة هذه الأمور من حيث الصيام، و إلّا فأكثرها حرام في نفسه.

______________________________

(1) الوافي 11: 220.

(2) الوسائل 10: 161، 167 أبواب آداب الصائم ب 11 و 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 317

الفصل الثالث

اشاره

في بيان أنّ وجوب الإمساك عمّا ذكر من الأمور- و إيجابها لارتكاب المحرّم أو الفساد أو مع القضاء أو مع الكفّارة أيضا- إنّما هو إذا كان عمدا.

فنقول: إنّ كلّما ذكرنا أنّه محرّم في الصوم و مبطل له و موجب للقضاء و الكفّارة، فهو كذلك إذا كان ذاكرا للصوم، عامدا في الإفطار، مختارا فيه، عالما بالحكم، و أمّا إذا لم يكن كذلك فليس كذلك إجماعا في بعض الصور، و مع الخلاف في بعض آخر.

و تفصيل المقال: أنّ من لم يكن كذلك فإمّا ناس للصوم، أو غير عامد في فعل المفطر، أو مكره، أو جاهل، فهذه أربع أصناف يذكر حكمها في أربع مقامات.

المقام الأول: في الناسي للصوم

، و لا يفسد صومه بفعل شي ء من المفطرات، بلا خلاف بين علمائنا كما في المنتهى «1» و غيره «2»، بل بالإجماع كما صرّح به بعضهم «3»، بل بالإجماع المحقّق، فهو الحجّة، مضافا إلى الأخبار المستفيضة، كصحيحتي الحلبي «4» و محمّد بن قيس «5»، و موثّقتي سماعة «6»

______________________________

(1) المنتهى 2: 577.

(2) كالذخيرة: 507، و الحدائق 13: 66، و الرياض 1: 307.

(3) كما في المفاتيح 1: 252، و مشارق الشموس: 396، و غنائم الأيام: 410.

(4) الكافي 4: 101- 1، الفقيه 2: 74- 318، التهذيب 4: 277- 838، الوسائل 10: 50 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 4: 268- 809، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 9.

(6) الكافي 4: 101- 2، الوسائل 10: 51 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 318

و عمّار «1»، و روايتي الزهري «2» و داود بن سرحان «3».

و أخصّيتها من المدّعى- باختصاصها بالأكل و

الشرب و الجماع- غير قادح، لعدم قائل بالفرق بينها و بين سائر المفطرات، مع ظهور التعميم من رواية الهروي: «متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات» إلى أن قال: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه» «4».

و إطلاق بعض تلك الروايات يثبت الحكم في جميع أنواع الصيام الواجب المعيّن، و غير المعيّن، و المندوب، و تزيد في المندوب رواية أبي بصير: عن رجل صام يوما نافلة فأكل و شرب ناسيا؟ قال: «يتمّ صومه ذلك و ليس عليه شي ء» «5».

و عن التذكرة: تقييد عدم البطلان بتعيّن الزمان «6»، و عن المدنيّات الاولى: عدم صحّة الصيام إذا كان ندبا أو واجبا غير معيّن، استنادا إلى الرواية عن الصادق عليه السّلام. و كذا في قضاء رمضان بعد الزوال، لأنّ الصوم

______________________________

(1) الفقيه 2: 74- 319، التهذيب 4: 208- 602، الاستبصار 2: 81- 248، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 11.

(2) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 7.

(3) الكافي 4: 101- 3، التهذيب 4: 268- 810، الوسائل 10: 51 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 6.

(4) الفقيه 3: 238- 1128، التهذيب 4: 209- 605، الاستبصار 2: 97- 316، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

(5) التهذيب 4: 277- 840، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 10.

(6) التذكرة 1: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 319

عبارة عن الإمساك، و لم يتحقّق.

قال الشهيد في حواشي القواعد في بيان الرواية: و لعلّها ما رواه العلاء في كتابه عن محمّد: قال سألته فيمن شرب بعد طلوع الفجر و هو لا يعلم، قال: «يتمّ صومه في شهر رمضان و قضائه، و إن كان متطوّعا فليفطر» انتهى.

و الرواية غير ثابتة، و مع ذلك عمّا ادّعاه أخصّ، و مع ذلك غير دالّة على الناسي، و التعليل المذكور اجتهاد في مقابلة النصّ، مع [عدم ] «1» كون الصوم الشرعي إمساكا مطلقا، و إنّما هو الإمساك مع العمد.

المقام الثاني: في غير القاصد للفعل

، كالذباب يطير إلى الحلق، و الغبار يدخل فيه بلا قصد و اختيار، و لا ريب في عدم إفساده للصوم و لا خلاف، و الأصل يدلّ عليه، لأنّه ليس أكلا و لا شربا و لا إفطارا، لأنّ كلّ ذلك لا بدّ أن يكون من فعل المكلّف، و في بعض الأخبار تصريح به «2».

المقام الثالث: في المكره
اشاره

، و الإكراه إمّا بنحو الإيجار «3» في الحلق و الوضع فيه بغير مباشرة بنفسه، فلا إشكال و لا خلاف- كما قيل «4»- في عدم حصول الإفطار به، و ما مرّ سابقا يدلّ عليه أيضا.

أو يكون بالتوعّد بما يوجب الضرر من القادر المظنون فعله مع ترك الإفطار، فباشر بنفسه مع القصد، فلا خلاف أيضا في جواز الإفطار حينئذ و عدم ترتّب إثم عليه، بل بطلانه لو صام، للنهي عن التهلكة «5»، و نفي الضرر، و رفع ما استكرهوا عليه، و الأمر بالتقيّة، و إفطار الإمام تقيّة عن

______________________________

(1) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) كما في الوسائل 10: 108 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39.

(3) الرجل إذا شرب الماء كارها فهو التوجّر و التكاره- لسان العرب 5: 279.

(4) انظر الحدائق 13: 68.

(5) البقرة: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 320

السفّاح كما في مرسلتي رفاعة «1» و داود بن الحصين «2» و روايتي خلّاد «3» و عيسى «4»، و في الاولى: «إنّ إفطاري يوما و قضاءه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه».

و هل يكون معه الصوم صحيحا أيضا، أم يبطل و يوجب القضاء أو مع الكفّارة أيضا؟

فاختار الشيخ في الخلاف و الشرائع و المعتبر و النافع و المنتهى و التحرير و المختلف و الإرشاد و الدروس و الروضة

«5» بل الأكثر- كما قيل «6»-:

الأول، لجميع ما ذكر، مضافا إلى الأصل و الاستصحاب- الخاليين عن معارضة عموم ما دلّ على وجوب القضاء، لاختصاصه بحكم التبادر بغير المكره- و ما دلّ من الأخبار على وجوب الكفّارة على المكره زوجته دونها «7».

و ذهب في المبسوط و التذكرة و المسالك و الحدائق إلى الثاني «8»، لأنّه فعل المفطر اختيارا فيدخل تحت إطلاقات فساد الصوم به، و وجوب

______________________________

(1) الكافي 4: 82- 7، الوسائل 10: 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5.

(2) الكافي 4: 83- 9، الوسائل 10: 131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4.

(3) التهذيب 4: 317- 965، الوسائل 10: 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 6.

(4) الفقيه 9: 79- 352، الوسائل 10: 131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 1.

(5) الخلاف 2: 195، الشرائع 1: 190، المعتبر 2: 662، النافع: 66، المنتهى 2: 577، التحرير 1: 80، المختلف: 223، الإرشاد 1: 298، الدروس 1:

273، الروضة 2: 90.

(6) انظر المدارك 6: 69، و الذخيرة 508.

(7) انظر الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12.

(8) المبسوط 1: 273، التذكرة 1: 212، المسالك 1: 71، الحدائق 13: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 321

القضاء، و عموماته، بتصريح الإمام عليه السّلام بأنّه أفطر في المرسلتين، و قوله في أولا هما: «و قضاءه أيسر عليّ»، و لأنّ الصوم ليس إلّا عبارة عن الإمساك عن المفطرات، و هو هنا غير متحقّق لا لغة و لا عرفا و لا شرعا.

أمّا الأولان، فظاهران. و أمّا الثالث، فلأنّ الحقيقة الشرعيّة ليست إلّا المعنى المتبادر عند المتشرعة، و ليس هو إلّا الإمساك و

عدم إيقاع المفطر باختيار المكلّف، و هو هنا منتف، و لذا يصحّ سلب اسم الصوم و الإمساك عنه، فيقال: ما صام، و ما أمسك و لو اضطرارا.

أقول: و يرد على أول أدلّة القول الأول: بأنّ غاية ما يدلّ عليه نفي الإثم، و هو لا يلازم انتفاء الإفطار و وجوب القضاء، كما في المريض و الحائض و المسافر.

و على الثاني: منع خلوّ الأصل و الاستصحاب عن المعارض، لإطلاق كثير من أخبار الإفطار و القضاء، كقوله: «الكذب على اللّه و على رسوله و الأئمّة يفطر الصائم» «1».

و في موثّقة سماعة: عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال: «قد أفطر و عليه قضاؤه» «2».

و قوله: «من تقيّأ و هو صائم فعليه القضاء» «3».

و قوله: «من أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمّدا» «4»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الفقيه 2: 67- 277، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 4: 203- 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 3.

(3) التهذيب 4: 264- 792، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.

(4) الكافي 4: 100- 2، التهذيب 4: 270- 815، الاستبصار 2: 115- 377، الوسائل 10: 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 322

و تبادر غير المكره منها ممنوع، كيف؟! و لو كان لكان لأجل عدم عصيانه، و بعد ملاحظة حال المريض و المسافر و الحائض و تناول المفطر مع عدم مراعاة الفجر كيف يتبادر ذلك؟! و على الثالث: أنّ عدم لزوم الكفّارة على الزوجة المكرهة لا يدلّ على عدم إفطارها و عدم وجوب

القضاء عليها، بل لا يبعد دلالة ما في بعض الأخبار من أنّ على الزوج كفّارتين على بطلان صوم الزوجة «1»، إلّا إذا كانت مكرهة بالمعنى الأول لا بالتوعّد و التخويف مجرّدا.

و من ذلك يظهر ضعف القول الأول.

و أمّا الثاني و إن أمكن الخدش في بعض أدلّته- كقضاء الإمام، لجواز أفضليّته- و لكن البواقي لا خدشة فيها، سيّما بضميمة ما قيل من عدم الفصل بين الإفطار و وجوب القضاء «2»، فإذن هو الأقوى، بل لم يبعد القول بثبوت الكفّارة لو لا الإجماع المؤيّد بعدم ذكر الإمام الكفّارة مع ذكر القضاء، و عدم تبادر المكره من أخبار الكفّارة جدّا.

فرعان:
أ: الإكراه المسوّغ للإفطار النافي للكفّارة:

ما ظنّ معه الضرر الغير المتحمّل عرفا بنفسه أو ما يجري مجراه، لنفي العسر و الحرج و الضرر، و حسنة زرارة: «التقيّة في كلّ ضرورة» «3»، و حسنة الفضلاء: «التقيّة في كلّ

______________________________

(1) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

(2) انظر الرياض 1: 307.

(3) الكافي 2: 219- 13، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 323

شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه» «1».

و ربّما يظهر من الدروس اعتبار خوف التلف على النفس «2»، و لعلّه لاعتماده على أخبار إفطار الإمام عليه السّلام، و تصريحه في بعضها بأنّ في تركه ضرب عنقي. و لا يخفى أنّه لا دلالة فيها على التخصيص.

ب: قال في المسالك:

و حيث ساغ الإفطار للإكراه يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة، فلو زاد عليه كفّر «3».

و اعترضه في المدارك بأنّه لا يتمّ على ما اختاره من كون التناول مكرها مفسدا للصوم، لاختصاص الكفّارة بما يحصل به الفطر، و ما زاد عليه لم يستند إليه فطر و إن كان محرّما «4».

و ردّه في الحدائق بأنّ إيجاب الكفّارة لتكفير الذنب، فهي تتحقّق في موضع الإثم، و هو هنا متحقّق. و قوله: إنّ الكفّارة تختصّ بما يحصل به الفطر، ليس في محلّه، لفساد الصوم و وجوب القضاء بكثير ممّا لا كفّارة معه «5».

أقول: تحقّق الكفّارة في كلّ ما فيه الإثم- مطلقا، أو مع وقوعه في الصوم و إيجابه لإفطاره- ممنوع، و لا يقول هو به أيضا، بل إنّما هي في مواضع خاصّة موجبة للإفطار، و لم يعلم أنّ المورد منها،

و الأصل ينفيها، و غرض المدارك ليس أنّ كلّ ما يحصل به الفطر فيه الكفّارة، بل أنّ الكفّارة المعهودة ليست إلّا في موضع الفطر.

______________________________

(1) الكافي 2: 220- 18، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 2.

(2) انظر الدروس 1: 273.

(3) المسالك 1: 71.

(4) المدارك 6: 71.

(5) الحدائق 13: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 324

المقام الرابع: في الجاهل بالحكم
اشاره

، و ذهب الحلّي إلى أنّه لا شي ء عليه من القضاء و الكفّارة «1»، و اختاره في الحدائق «2»، و هو ظاهر الجامع «3»، و محتمل موضع من المنتهى و الاستبصار و التهذيب «4»، بل حكي جزما عن موضع من الأخير.

و المشهور- كما قاله جماعة-: فساد صومه و وجوب القضاء عليه، إمّا مع الكفّارة- كما جزم به في موضع من المنتهى و التذكرة «5»، و يحتمله كلام المختلف «6»، و نسبه في الكفاية إلى الأكثر «7»- أو بدونها، كالمعتبر و الدروس و حواشي القواعد للشهيد و الروضة و المدارك و محتمل المختلف «8»، و احتمله في موضع من المنتهى و التذكرة «9»، و نسبه في المدارك إلى أكثر المتأخّرين «10».

حجّة الأولين: الأصل الخالي عن المعارض، لانحصاره بعمومات القضاء و الكفّارة المخصوصين بغير الجاهل، إمّا بحكم التبادر، أو لأجل تقييد الأكثر بمتعمّد الإفطار الغير الصادق هنا و إن كان متعمدا للفعل، لأنّ تعمّد الإفطار لا يكون إلّا مع العلم بكونه مفطرا، و به تقيّد المطلقات أيضا،

______________________________

(1) السرائر 1: 386.

(2) الحدائق 13: 66.

(3) الجامع للشرائع: 157.

(4) المنتهى 2: 569، الاستبصار 2: 81، التهذيب 4: 208- ذ. ح 602.

(5) المنتهى 2: 577، التذكرة 1: 259.

(6) المختلف: 223.

(7) كفاية الأحكام: 48.

(8) المعتبر 2: 662، الدروس 1: 272، الروضة 2: 90،

المدارك 6: 66، المختلف: 223.

(9) المنتهى 2: 569، التذكرة 1: 262.

(10) المدارك 6: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 325

و لوجوب حملها على المقيّد.

مع أنّه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل، لموثّقة زرارة و أبي بصير: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، أو أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له، قال: «ليس عليه شي ء» «1» المعتضدة بروايات معذوريّة الجاهل، كصحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس قميصا حال الإحرام، و فيها: «و أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» «2».

و في صحيحة ابن الحجّاج المتضمّنة لحكم تزويج المرأة في عدّتها، و فيها: قلت: فبأيّ الجهالتين أعذر، بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه، أم جهالته أنّها في العدّة؟ فقال: «إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأنّ اللّه حرّم عليه، و ذلك أنّه لا يقدر على الاحتياط معها»، فقلت: فهو في الأخرى معذور؟ فقال: «نعم» «3».

احتجّ الثاني: أمّا على الفساد فبإطلاق المفسدات، و أمّا على القضاء و الكفّارة فبعموماتهما «4» و إطلاقاتهما.

و أجابوا عن أدلّة الأولين باندفاع الأصل بما ذكر، مع منع التبادر المذكور، لعدم تصوّر ما يوجبه سوى شيوع غير الجاهل، و هو بالنسبة

______________________________

(1) التهذيب 4: 208- 603، الاستبصار 2: 82- 249، الوسائل 13: 109 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 5: 72- 239، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.

(3) الكافي 5: 427- 3، التهذيب 7: 306- 1274 بتفاوت يسير، الاستبصار 3:

186- 676، الوسائل 20: 450 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها ب 17 ح 4.

(4) الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10،

ص: 326

إلى جميع المفطرات ممنوع، و لو سلّم فلم يبلغ حدّا يوجب الانصراف إليه.

و منع التقييد بمتعمّد الإفطار في القضاء، بل صرّح بمتعمّد الفعل أيضا، كما مرّ بعضه في المقام السابق «1». و أمّا في الكفّارة فإن تقيّد به في كثير من الأخبار «2»، إلّا أن التقييد فيها مخصوص أمّا بالسؤال- كالأكثر- أو بالجواب أيضا، مع تقييد السؤال- الذي هو سبب تقييد الجواب، الموجب لعدم حجّية مفهوم الشرط أو الوصف- بنفسه، و مثل ذلك لا يوجب تقييد المطلقات، كرواية محمّد بن نعمان: عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان، فقال: «كفّارته جريبان» [1].

و موثّقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستّين مسكينا» الحديث «3».

و رواية الهروي: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة، و قضاء ذلك اليوم» «4».

و أمّا معارضة الموثّقة معها فهي و إن كانت أخصّ- من حيث اختصاصها بالجاهل- إلّا أنّها لا تصلح للتخصيص، لأنّه فرع التكافؤ

______________________________

[1] الفقيه 2: 73- 312، التهذيب 4: 322- 987، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 6.

و الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة- القاموس المحيط 1: 47.

______________________________

(1) راجع ص: 321.

(2) انظر الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.

(3) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 12.

(4) الفقيه 3: 238- 1128، التهذيب 4: 209- 605، الاستبصار 2: 97- 316، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 327

المفقود في المقام، لأكثريّة العمومات عددا، و أصحّيّتها سندا، و أشهريّتها عملا.

و دليل الثالث: أمّا على إثبات الفساد و

القضاء فما مرّ، و أمّا على نفي الكفّارة فبما ذكر من تقييد أخبارها بتعمّد الإفطار المنتفي في المقام، حيث إنّ قصد الإفطار لا يكون إلّا مع اعتقاد الإفساد.

و حمل الإفطار على تناول المفطر خلاف الأصل. سلّمنا، و لكنّه غير متعيّن، و احتمال إرادة الإفساد كاف.

أقول: حقّ المحاكمة بين هذه الفرق الثلاث أنّه لا يصحّ الاستناد إلى قيد تعمّد الإفطار، لوجود المطلقات بالنسبة إليه في كلّ من القضاء الكفّارة، و عدم صلاحيّة المقيّدات لتقييدها، لورود القيد كما في السؤال أو في الجواب أيضا، لذكره في السؤال الموجب لعدم اعتبار مفهوم له، سيّما في أخبار القضاء، و بعد رفع اليد عن ذلك يحصل التعارض بين تلك المطلقات و الموثّقة.

و ما سبق- من أنّ التعارض فرع التكافؤ، و هو هنا غير حاصل- غير مسموع، لأنّ كثرة العدد و صحّة السند و الشهرة العمليّة- ما لم تخرج بتعارضها عن الحجّيّة بالشذوذ- و إن كانت مقوّية، إلّا أنّها لا تصلح على التحقيق للترجيح، بعد كون أصل الخبر الآخر حجّة، بل معاضدة بعمومات أخر و بالأصل [1]، فضلا عن أن يكون المعارض خاصّا مطلقا، فإنّه حينئذ يكون قرينة للتخصيص و يكفي فيها مجرّد الحجّية، و لا اعتناء في القرائن إلى وجوه التراجيح.

______________________________

[1] في «س» زيادة: و ان لم نعتبرها فيه أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 328

و على هذا، فنقول: إنّ تعارض الموثّقة مع مطلقات الكفّارة بالعموم المطلق، لأنّ أخبار الكفّارة و إن كانت مخصوصة على الظاهر بالكفّارة- فيتوهّم وجه خصوصيّة لها، حيث إنّ الموثّقة تنفي الشي ء مطلقا- إلّا أنّ ثبوت الكفّارة يستلزم ثبوت القضاء أيضا بالإجماع المركّب، بل الإثم للتقصير، فتساوي الموثّقة من تلك الجهة، حيث إنّ الشي ء المنفيّ

لا يخرج عن هذه الثلاثة بالإجماع و شاهد الحال، و تبقى الموثّقة أخصّ من جهة الجاهل، فيلزم تقديم الموثّقة و نفي الكفّارة، و به يطرح القول الثاني.

و أمّا مع مطلقات القضاء و إن كان تعارضها بالعموم من وجه- لأنّ المطلقات تثبت القضاء و الموثّقة تنفي الشي ء مطلقا- إلّا أنّ الأصل مع الموثّقة، و هو المرجّح عند فقد الترجيح و التخيير كما في المقام، و هو مع عدم القضاء أيضا، و به يبطل القول الثالث أيضا، فيبقى الأول، و عليه الفتوى، و هو المعوّل.

و لكن الظاهر اختصاص ذلك بالجاهل الساذج، و المراد منه: من لا يشكّ في عدم الإفساد به، و لا يخطر بباله احتمال الضرر، لأنّه الظاهر من قوله: و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له «1». و لا أقلّ من احتمال ذلك المعنى، و هذا المعنى هو الذي لا يقدر معه على الاحتياط كما في صحيحة ابن الحجّاج «2»، فتبقى المطلقات في غيره خالية عن المعارض.

فالحقّ في المسألة: انتفاء الإثم و القضاء و الكفّارة مع الجهل الساذج،

______________________________

(1) تقدّم في ص: 325.

(2) المتقدّمة في ص: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 329

و وجود الثلاثة مع غيره من أنواع الجهل.

فروع:
أ: من أفراد المفطر جهلا: من تناول شيئا من المفطرات نسيانا

، ثمَّ ظنّ فساد الصوم به، فتعمّد فعل المفطر، و حكمه ما مرّ بعينه.

و عن الخلاف و المبسوط و المعتبر و التذكرة: أنّ حكمه حكم العمد «1».

و عن بعض القدماء «2» و الدروس و حاشية القواعد للشهيد: أنّ عليه القضاء خاصّة «3».

ب: من تناول شيئا منها سهوا مع تذكّر الصوم

- أي من غير إرادة التناول و الالتفات، كأن يشتغل بأمر و صدر منه لمس امرأته من غير إرادة و لا التفات إليه فأمنى- فالظاهر أنّ حكمه حكم النسيان.

ج: الجاهل بحرمة الارتماس لا يبطل غسله

إن كان من أول قسمي الجاهل، لعدم النهي. و يبطل إن كان من ثانيهما، لوجوده.

د: لو كان جاهلا بإفساد شي ء للصوم عالما بتحريمه فيه يبطل معه الصوم

، و عليه القضاء و الكفّارة، لعموماتهما الفارغة عن مكافئة الموثّقة، إذ فيها: أنّه لا يرى إلّا أنّه حلال «4».

و منه تظهر قوّة الفساد و القضاء و الكفّارة مع العلم بالتحريم مطلقا

______________________________

(1) الخلاف 2: 190، المبسوط 1: 273، المعتبر 2: 663، التذكرة 1: 259.

(2) نقله في المبسوط 1: 273 عن بعض أصحابنا.

(3) الدروس 1: 272.

(4) تقدمت في ص: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 330

و إن لم يعلم تحريمه من حيث الصيام، كما في الكذب على اللّه سبحانه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 331

الفصل الرابع في وقت الإمساك عن الأمور المذكورة

اشاره

و مبدؤه: طلوع الفجر الثاني، بالكتاب و السنّة و الإجماع، بل الضرورة .. إلّا في الجماع، فمن زمان يبقى إلى طلوع الفجر زمان لم يعلم عدم اتّساعه للوقاع و الاغتسال، بل و لم يظنّ أيضا، على القول الأصحّ من بطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة، و يأتي على القول الآخر جوازه إلى الفجر.

و منتهاه: دخول الليل، بالثلاثة أيضا، و إن اختلفوا فيما به يتحقّق دخوله من استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقيّة، و قد تقدّم تحقيقه في بحث مواقيت الصلاة مفصّلا، و أنّه الاستتار على الحقّ المختار «1».

و قد مرّ الكلام في الإفطار بظنّ الليل و الأكل باستصحابه في الفصل الثاني «2».

مسألة: يستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار

، إلّا أن يكون هناك من ينتظر إفطاره أو لا يقوى على الصلاة قبله، للمعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال: «إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم، و إن كان غير ذلك فليصلّ و ليفطر» «3».

و موثّقة زرارة و الفضيل: «في رمضان تصلي ثمَّ تفطر إلّا أن تكون مع

______________________________

(1) راجع ج 4 ص: 25.

(2) راجع ص: 268- 289.

(3) الكافي 4: 101- 3، الفقيه 2: 81- 360، التهذيب 4: 185- 517، الوسائل 10: 149 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 332

قوم ينتظرون الإفطار، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم و أفطر ثمَّ صلّ، و إلّا فابدأ بالصلاة» «1».

و مرسلة ابن بكير: «يستحبّ للصائم- إن قوي على ذلك- أن يصلّي قبل أن يفطر» «2».

و قد يشترط في استحباب تقديم الصلاة عدم منازعة نفسه، لأنّ معها ينتفي الحضور المطلوب في الصلاة، و تدلّ عليه مرسلة المقنعة أيضا «3».

و المراد بالصلاة المأمور بتقديمها:

صلاة المغرب وحدها لا مع العشاء أيضا، لأنّ وقتها هو الذي يصادم وقت الإفطار دون العشاء، سيّما مع ما كانوا عليه من التفريق بين الصلاتين.

______________________________

(1) التهذيب 4: 198- 570، الوسائل 10: 150 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 2.

(2) التهذيب 4: 199- 575، الوسائل 10: 150 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 3.

(3) المقنعة: 318، الوسائل 8: 151 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 333

الفصل الخامس فيمن يصحّ منه الصوم

اشاره

أي بيان شرائط التكليف به وجوبا أو ندبا، فإنّه مع انتفاء التكليف لا أمر فلا صحّة، لأنّها موافقة المأمور به، و هي أمور:

الأول: البلوغ.
اشاره

فلا يصحّ الصوم شرعا من الصبي الغير المميّز، و لا يقع منه إجماعا، و كذا من المميّز عند جماعة، كالمختلف و الإيضاح و البيان و الروضة «1»، و هو ظاهر الفقيه و المحقّق الثاني «2»، و قوّاه في المنتهى «3».

للأصل، فإنّ الصحّة الشرعيّة هي موافقة أمر الشارع، و الأصل عدم تعلّق أمر بالصبي.

و عموم رفع القلم الشامل للندب أيضا «4»، و تخصيصه بالوجوب و المحرّم- كما قيل «5»- غير واضح الوجه.

و لأنّ الأمر تكليف، و هو بالبلوغ مشروط.

و لظاهر الأخبار، كرواية الزهري الطويلة، و فيها: «الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، و عشرة أوجه منها

______________________________

(1) المختلف: 216، الإيضاح 1: 243، و في البيان: 362 ما هو موافق لما عليه في الدروس و اللمعة من المخالفة، الروضة 2: 102.

(2) الفقيه 2: 48- 208، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 82.

(3) المنتهى 2: 562.

(4) الوسائل 1: 42 أبواب مقدمة العبادات ب 4.

(5) انظر المدارك 6: 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 334

صيامهنّ حرام، و أربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر، و صوم الإذن، و صوم التأديب» ثمَّ ذكر عليه السّلام الأقسام و عدّ من أقسام ما فيها بالخيار كثيرا من أقسام المندوب، إلى أن قال: «و أمّا صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا، و ليس ذلك بفرض، و كذلك من أفطر لعلّة من أول النهار ثمَّ قوي بقيّة يومه أمر بالإمساك عن الطعام يومه تأديبا، و ليس

بفرض، و كذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثمَّ قدم أهله، و كذلك الحائض إذا طهرت» «1»، و قريب منها الخصالي «2» و الرضوي «3»، فإنّ الظاهر من جعل صومه قسيم المندوب و مثل صوم الحائض و المسافر عدم كونه شرعيّا، و يؤكّده ما في المستفيضة من أخذه بالصوم بعض اليوم «4».

خلافا للشيخ و المحقّق «5» و الفاضل في جملة من كتبه «6» و اللمعة و الدروس «7».

لأنّ الولي مأمور شرعا بأمره، و الأمر بالأمر أمر، و إذا تحقّق الأمر تحقّقت الصحّة.

و لإطلاق الأوامر و شمولها له.

______________________________

(1) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

(2) الخصال 2: 534- 2، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

(3) فقه الرضا «ع»: 200، مستدرك الوسائل 7: 487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

(4) الوسائل 10: 233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 266، المحقق في الشرائع 1: 197.

(6) كالتذكرة 1: 266، و التحرير: 81.

(7) اللمعة (الروضة 2): 102، الدروس 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 335

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المجوّزة لعتقه و وصيّته و إمامته «1».

و لأنّ شرعيّة صومه ممّا لا شكّ فيها، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر وليّ الصبي به، و عن أئمّتنا: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام ما أطاقوا» «2»، و مع ذلك فيه تمرين على الطاعة، فشرعيّته ثابتة من الشارع، فيكون صحيحا، و إذ لا وجوب عليه فينوي الندب.

أقول: أمّا الأولون، فإن كان مرادهم عدم صحّة الصوم منه مطلقا- سواء كان من شهر

رمضان أو غيره من الواجبة و المستحبّة و كون كلّ صوم منه محض التمرين و التأديب- فكلامهم غير صحيح، إذ المقتضي لصحّة صومه في الجملة و شرعيّته موجود، و المانع مفقود.

أمّا الأول، فلعموم بعض الأخبار في الصوم المستحبّ، كما في مرسلة سهل في سبعة و عشرين من رجب: «فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا» «3»، و مثلها من الأخبار كثيرة جدّا «4».

و القول: بأنّ الأوامر الاستحبابيّة منساقة لبيان أصل الاستحباب، فأمّا من يستحبّ له فالمتضمّن للمستحبّات بالنسبة إليه مجمل، و بأنّ المتبادر منها من عدا الصبيان.

ففاسد جدّا، لأنّ شيئا منهما لا يجري في مثل ما ذكرنا، و إن أمكن

______________________________

(1) انظر الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14، و الوسائل 19: 360 كتاب الوصايا ب 44.

(2) الكافي 4: 124- 1، التهذيب 4: 282- 853، الاستبصار 2: 123- 400، الوسائل 10: 234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3.

(3) الكافي 4: 149- 2، التهذيب 4: 304- 919، الوسائل 10: 448 أبواب الصوم المندوب ب 15 ح 5.

(4) الوسائل 10: 447 أبواب الصوم المندوب ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 336

في بعض آخر.

و أمّا الثاني، فللأصل، و عدم تصوّر مانع غير الأدلّة التي ذكروها.

و الكلّ مردود:

أمّا الأصل، فبالعموم المذكور.

و أمّا حديث رفع القلم، فبمنع العموم فيه، إذ ليس المراد بالقلم و لا برفعه حقيقته، و مجازه متعدّد، فلعلّه قلم التكليف، أو قلم المؤاخذة، أو قلم كتابة السيّئات، كما ورد في حديث يوم الغدير: «إنّه يوم يأمر اللّه سبحانه الكتبة أن يرفعوا القلم عن محبّي أهل البيت إلى ثلاثة أيّام، و لا يكتبوا خطأ و لا معصية» «1».

و أمّا كون

الأمر تكليفا، فهو ممنوع بإطلاقه، و إنّما هو في الإيجابي، و لو سلّم فاشتراط مطلق التكليف بالبلوغ ممنوع.

و أمّا الأخبار، فلأنّ الظاهر منها هو صيام شهر رمضان، و هو الذي يحتاج إلى التأديب.

و أمّا الآخرون، فإن كان مرادهم: أنّ كلّ صوم منه شرعيّ مندوب في حقّه، فهو ممّا لا دليل عليه.

و كون الأمر بالأمر أمرا ممنوع.

و إطلاق الأوامر مخصوص ببعض المستحبّات و إن تعدّى إلى الباقي بالإجماع المركّب، و أمّا الإيجابيّات فمخصوصة بالمكلّفين، إذ لا وجوب على الصبي.

و تعميم الأوامر الوجوبية، و رفع المنع في الصبي فيبقى الندب، استعمال اللفظ في الحقيقة و المجاز، و هو غير جائز.

______________________________

(1) إقبال الأعمال: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 337

و المراد بشرعيّة صومه إن كان: رضاء الشارع به، فهو غير الأمر، بل هو كرضائه بذهاب الحمار من الطريق الفلاني إذا قال لصاحبه: اذهب به من هذا الطريق. و إن كان: أمره به، فهو غير متحقّق في جميع أفراد الصيام.

و بما ذكر ظهر أنّ الحقّ: شرعيّة صومه المستحبّ مطلقا، و تمرينيّة الواجب- لا شرعيّته- و صحّته.

و إن أريد بالشرعيّة: مطلق رضاء الشارع أو أنّه أمر الولي بتمرينه عليه، فلا مشاحّة، كما أنّه لا مضايقة في أن يوصف بالصحّة بمعنى الموافقة للأمر الصادر عن أمر الشارع، أو لأمر من له الإلزام.

فرعان:
أ: قالوا: يتفرّع على الخلاف ما لو بلغ في أثناء النهار

قبل الزوال بغير المبطل، فعلى الصحّة يجب الإتمام، و على عدمها فلا.

أقول: فيه نظر، إذ على فرض الندبيّة و الصحّة فما الدليل على الوجوب في البالغ في الأثناء؟! و لم يثبت علينا الوجوب إلّا في المستجمع للشرائط في تمام النهار.

و الحمل- على من قدم أهله قبل الزوال، و نحوه- قياس باطل، و الأصل يقتضي عدم وجوب الإتمام و

لا القضاء على القولين، مع أنّ من القائلين بالصحّة أيضا من يقول بوجوب الإتمام تأديبا لا صوما.

ثمَّ إنّ للشيخ في كتاب الصوم من الخلاف و المحقّق في المعتبر قولا بوجوب الصوم على الصبي إذا بيّت النيّة و بلغ قبل الزوال «1»، لإمكان الصوم في حقّه. و هو ممنوع.

______________________________

(1) الخلاف 2: 203، و المعتبر 2: 711.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 338

ب: المصرّح به في كلام كثير من الأصحاب

«1» و المنصوص عليه في صحيحة الحلبي «2» و مرسلة الفقيه «3» و الرضوي: أنّ مبدأ تمرين الصبي إذا بلغ تسع سنين «4»، فيؤمر بما يطيقه من اليوم أو بعض اليوم، فلا استحباب للوليّ قبله و لا بعده بما يعسر عليه و يغلب معه الجوع أو العطش.

و أمّا موثّقة سماعة «5» و صحيحة محمّد «6»-: عن الصبي متى يصوم؟

قال: «إذا قوي على الصيام» كما في الأولى، أو: «إذا أطاقه» كما في الثانية- فمحمولتان على ما ذكر، حملا للمطلق على المقيّد، أو على جواز صومه بإرادته، بمعنى: عدم منع الوليّ له، لا على أمر الولي- كما ورد في بعض الأخبار فيما قبل أربع عشرة سنة: «فإن هو صام قبل ذلك فدعه» «7»- أو على الصوم المستحبّ، أو على صيام تمام اليوم.

و عن المبسوط و الشرائع و النافع و القواعد و المختلف و الدروس و اللمعة و الروضة [1] و غيرها «8»: أنّ المبدأ سبع سنين، لصدر صحيحة

______________________________

[1] قال في المبسوط 1: 266 .. و حدّ ذلك بتسع سنين فصاعدا، و قال في المختلف:

233 نقلا عن المبسوط القول بسبع سنين، الشرائع 1: 198، النافع: 68، القواعد 1: 68، المختلف: 234، الدروس 1: 268، اللمعة و الروضة 2: 105.

______________________________

(1) منهم الصدوق في الفقيه 2: 76، و

المقنع: 61، و حكاه عن والده في المختلف: 234، و الشيخ في النهاية: 149، و صاحب المدارك 6: 160.

(2) الكافي 4: 124- 1، التهذيب 4: 282- 853، الاستبصار 2: 123- 400، الوسائل 10: 234 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

(3) الفقيه 2: 76- 329، الوسائل 10: 236 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 11.

(4) فقه الرضا «ع»: 211، مستدرك الوسائل 7: 393 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

(5) الكافي 4: 125- 3، الوسائل 10: 234 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.

(6) التهذيب 4: 326- 1014، الوسائل 10: 236 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 9.

(7) الوسائل 10: 233 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29.

(8) كالرياض 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 339

الحلبي: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا»، و ظاهره اختصاص ذلك بأولادهم، كما يستفاد من قوله في ذيلها: «فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين».

بل أطلق جماعة تمرينه قبل السبع «1»، و جعلوه بعده مشدّدا، جمعا بين صدر الصحيحة و بين ما تحدّده بالطاقة. و يظهر ما فيه ممّا ذكرنا.

ثمَّ إنّ الأخبار مخصوصة بالصبي، و لا تعرّض فيها للصبيّة، بل في الرضوي صرّح بالغلام، و لذا توقّف فيها بعض مشايخنا الأخباريّين، بل قال: و من الجائز اختصاص هذا الحكم بالصبي خاصّة «2». انتهى.

إلّا أنّ كثيرا من الأصحاب قد عمّموا الحكم فيهما «3»، و حيث إنّ المقام مقام الاستحباب على الولي فلا بأس بإثباته، للتسامح، إلّا أنّه لا مبدأ معيّنا فيها، بل يقال: يستحبّ تمرينها، فتأمّل.

ثمَّ الممرّن للصيام ينوي القربة أيضا تمرينا لا شرعا، و لو نوى الوجوب أيضا

لذلك جاز.

الثاني: العقل.
اشارة

فلا يصحّ الصوم من المجنون بلا خلاف ظاهر، قالوا: لقبح تكليف غير العاقل «4».

قالوا: و لا يمرّن المجنون و لا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي، بلا خلاف، لأنّه غير مميّز، بخلاف الصبي، فإنّه مميّز، فكانت للتكليف في

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 76، و الرياض 1: 318.

(2) الحدائق 13: 180.

(3) كما في المسالك 1: 76، و المدارك 6: 162، و الرياض 1: 318.

(4) كما في المنتهى 2: 585.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 340

حقّه فائدة، بخلاف المجنون «1».

قيل: و يشكل ذلك في بعض المجانين، لوجود التمييز فيهم «2»، بل ربّما كان أكثر من تمييز الصبي المميّز، فإن كان جنونهم دوريّا أو كانت الإفاقة منهم مرجوحة كان ينبغي تمرينهم على ما تمرّن عليه الصبيان.

إلّا أن يقال: إن وجوب التمرين أو استحبابه حكم شرعيّ لا يثبت إلّا بدليل، و لا دليل هنا كما يوجد في الصبي، فالمناط عدم الدليل لا عدم التمييز.

و يظهر منه القدح في الاستناد في نفي تكليف المجنون بقبح تكليف غير العاقل، فإنّ من المجانين من يعقل تكليفه، فإنّا رأينا منهم من يضرب الناس و يشتمهم و يضحك و يبكي بلا سبب و يتلف ماله، و كانت له دقّة في صلاته و صيامه، و كان يتعقّل التكليف و الثواب و العقاب، و يحفظ آداب عبادته و أحكامها و مسائلها.

بل في دلالة حديث: «و عن المجنون حتى يفيق» «3» على رفع تكليف مثل ذلك أيضا تأمّل، إذ ظاهره رفع القلم فيما جنّ فيه، كما في المكره و الناسي لا مطلقا، فلو ثبت فيه الإجماع و إلّا فنفي التكليف عن مثله مشكل، فإنّ الجنون فنون، و من فنونه ما لا يعقل بعض الأمور و

يعقل بعضها.

فروع:
أ: حكي عن الفاضل «4» و غيره «5»:

أنّ الجنون إذا عرض في أثناء

______________________________

(1) انظر المنتهى 2: 585.

(2) انظر الروضة 2: 102.

(3) الخصال: 93- 40، الوسائل 10: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.

(4) في المختلف: 228، و المنتهى 2: 585.

(5) كصاحب الحدائق 13: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 341

النهار لحظة أبطل صومه. و عن الشيخ: أنّه حكم بالصحّة مع سبق النيّة «1».

قال في المدارك: و لا يخلو من قرب «2». و يأتي تحقيقه في المغمى عليه.

ب: لا يصحّ صوم المغمى عليه على الحقّ المشهور

، كما صرّح به جماعة «3»، لرواية ابن سنان: «كلّما غلب اللّه عليه فليس على صاحبه شي ء» «4»، فلا صوم عليه، و لأنّ الصحّة فرع الأمر، الذي هو فرع العقل ضرورة و إجماعا و نصّا.

و النقض بالنائم مردود بالفرق، فإنّ له العقل دون المغمى عليه، و لو سلّم فكون حكم شي ء خلاف الأصل بالدليل لا يوجب التعدّي إلى غيره، لا بمعنى أنّ النائم مكلّف حال النوم على خلاف الأصل، بل بمعنى صحّة صوم من بعض يومه في النوم و كفاية سائر الأجزاء مع سبق النيّة، بل كفاية مطلق سبق النيّة و لو نام في تمام الأجزاء.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين ما إذا سبقت منه النيّة أو لا، طرأه الإغماء في جميع النهار أو بعضه، في أوله أو أثنائه أو آخره، لما ذكر بعينه.

خلافا للمحكيّ عن المقنعة و المبسوط و الخلاف و السيّد و الديلمي و القاضي، فحكموا بصحّة صومه مع سبق النيّة «5»، و لا دليل يعتدّ به لهم سوى القياس على النائم، و فساده ظاهر، أو جعل سبق النيّة موجبا لبقاء

______________________________

(1) المبسوط 1: 285.

(2) المدارك 6: 138.

(3) انظر الذخيرة: 525، و الحدائق 13: 167.

(4) التهذيب 4: 245- 726، الوسائل 10:

226 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 3.

(5) المقنعة: 352، المبسوط 1: 285، الخلاف 2: 198، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 57، و الديلمي في المراسم: 98، القاضي في المهذب 1: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 342

النيّة الحكميّة مع الإغماء، و يضعف بأنّ النيّة الحكميّة إنّما تفيد مع وجود التكليف.

و قيل: الحقّ أنّ الصوم إن كان عبارة عن مجرّد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النيّة وجب حكمنا بصحّة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النيّة.

و إن اعتبر مع ذلك وقوع جميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب- بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك- تعيّن القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء، و يلزم منه فساد الكلّ، إذ الصوم لا يتبعّض، إلّا أنّ ذلك منفي بالأصل، و منقوض بالنائم «1».

و فيه: إنّا نختار الأول، و لا تلزم منه صحّة صوم المغمى عليه.

أمّا أولا: فلعدم تحقّق الإمساك منه حال الإغماء، لأنّه فرع الشعور، و مطلق عدم تحقّق الأمور المخصوصة ليس إمساكا و لا صوما.

و أمّا ثانيا: فلعدم تحقّق النيّة حال الإمساك، لا الفعليّة منها و لا الحكميّة.

و أمّا ثالثا: فلأنّ الصوم هو إمساك المكلّف عمّا ذكر، و المغمى عليه ليس مكلّفا.

ج: السكران كالمغمى عليه حتى في عدم الوجوب

و إن كان السكر بفعله، لما مرّ من قبح تكليف غير العاقل.

د: لا خلاف في صحّة صوم النائم إذا سبقت منه النيّة

و إن استمرّ نومه جميع النهار، و عليه الإجماع مستفيضا، و تدلّ عليه- بعد الإجماع، و تحقّق الإمساك مع النيّة- المتواترة من الأخبار، المتضمّنة لنحو: «إنّ اللّه يطعم

______________________________

(1) المدارك 6: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 343

الصائم و يسقيه في منامه» «1» و: «إنّ نوم الصائم عبادة» «2»: و: «إنّ الصائم في عبادة و إن كان نائما في فراشه» «3».

و المراد بصومه: كونه بحيث ينعقد قلبه و جوارحه عليه قبل النوم و بعده، بحيث لو سئل عنه في الحالين يجيب بأنّي صائم، و هذه نيّته الحكميّة كالساهي.

و المراد بصحّته: كونه مأمورا بذلك العقد المتقدّم و المتأخّر، لا أنّه مكلّف به حال النوم، و لم يثبت اشتراط النيّة أزيد من ذلك، فإنّ هذه نيّته الحكميّة.

و لا ينتقض بالمغمى عليه، لا لأنّه لا عقل له حال الإغماء، فلا تكليف حينئذ، فلا أمر فلا صوم، لعدم تبعّضه، بخلاف النوم، فإنّ عقله باق و إن كانت حواسّه الظاهريّة مغطّاة، إذ لم يثبت لنا فرق بين عقل النائم و المغمى عليه، بحيث يصلح أحدهما للتكليف معه دون الآخر.

بل للنصوص و الإجماع، فإنّ مقتضى الأصل و قاعدة عدم تكليف غير الشاعر حين عدم الشعور و عدم تبعّض الصوم: بطلان صومهما معا.

إلّا أنّ الدليل أخرج النائم، بمعنى: أنّ الدليل جعل صومه عقد القلب و الجوارح في طرفي النوم من النهار، فهو صوم النائم، و جعل صوما من جانب الشارع، فمن كان كذلك فهو صائم و لا قضاء عليه إجماعا.

______________________________

(1) الكافي 4: 65- 14، ثواب الأعمال: 51، الوسائل 10: 136 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 1.

(2) الكافي 4: 64-

12، ثواب الأعمال: 51، المقنعة: 304، الوسائل 10: 136 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 64- 9، التهذيب 4: 190- 538، المقنعة: 304، ثواب الأعمال:

51، الوسائل 10: 127 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 344

بخلاف المغمى عليه و نحوه، لفقد الدليل المخرج عن الأصل.

الثالث: الإسلام.

بالإجماع، فلا يصحّ من الكافر بأنواعه، لعدم تأتّي قصد القربة و امتثال الأمر به منه، لإنكاره له، مع أنّه شرط في الصحّة إجماعا.

نعم، يجب عليه عندنا، بناء على أنّه مكلّف بالفروع، كما حقّقناه في محلّه.

و ممّا يدلّ على عدم الصحّة منه المروي في العلل: «إنّما يتقبّل اللّه من العبادات العمل بالفرائض التي افترضها اللّه على حدودها مع معرفة من دعا إليه» قال: «و إن صلّى و زكّى و حجّ و اعتمر و فعل ذلك كلّه بغير معرفة من افترض اللّه عليه طاعته، فلم يفعل شيئا من ذلك، لم يصلّ و لم يصم و لم يزكّ و لم يحجّ و لم يعتمر و لم يغتسل من الجنابة و لم يتطهّر و لم يحرّم للّه حراما و لم يحلّ له حلالا، و ليس له صلاة و إن ركع و إن سجد، و لا له زكاة و لا حجّ، و إنّما ذلك كلّه بمعرفة رجل أمر اللّه تعالى على خلقه بطاعته و أمر بالأخذ عنه، فمن عرفه و أخذ عنه أطاع اللّه» «1».

و لا فرق في ذلك بين الكفر في تمام اليوم أو بعضه، فلا يصحّ ممّن أسلم في أثناء النهار في ذلك النهار، كما صرّح به في صحيحة العيص: عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام، هل عليهم أن

يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: «ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» «2».

______________________________

(1) العلل: 250- 7 بتفاوت يسير، الوسائل 1: 124 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 18.

(2) الكافي 4: 125- 3، الفقيه 2: 80- 357، التهذيب 4: 245- 728، الاستبصار 2: 107- 349، الوسائل 10: 327 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 345

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و المعتبر، فأوجبا صوم يوم أسلم قبل زواله «1»، لإطلاق الأمر بالصوم و بقاء وقت النيّة. و الصحيحة المذكورة تردّه.

و لا يجب على الكافر قضاء ما فاته حال الكفر أيضا، للمعتبرة من الأخبار، كالصحيحة المتقدّمة، و صحيحة الحلبي «2»، و رواية مسعدة «3»، و مرسلة الفقيه «4». و أمّا موثّقة الحلبي الآمرة بالقضاء «5» فمحمولة على الاستحباب.

الرابع: الخلوّ عن الحيض و النفاس.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «6»، و استفاضت عليه الروايات، بل تواترت أيضا «7»، فلا يصحّ الصوم منهما و لو رأت الدم في أول جزء من النهار أو آخره، كما نطقت به الأخبار و اتّفقت عليه كلمات الأصحاب. و رواية أبي بصير «8»- الظاهرة في الاعتداد بالصوم لو رأت الدم بعد الزوال- متروكة، و إلى الوهم منسوبة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 286، المعتبر 2: 711.

(2) الكافي 4: 125- 1، التهذيب 4: 245- 727، الاستبصار 2: 107- 348، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 2.

(3) الكافي 4: 125- 2، التهذيب 4: 246- 729، الاستبصار 2: 107- 350، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 4.

(4) الفقيه 2: 80- 356، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر

رمضان ب 22 ح 3.

(5) التهذيب 4: 246- 730، الاستبصار 2: 107- 351، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5.

(6) انظر المعتبر 2: 683، و المنتهى 2: 585، و الرياض 1: 321.

(7) الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 41 و 394 أبواب النفاس ب 6.

(8) التهذيب 1: 393- 1216، الاستبصار 1: 146- 500، الوسائل 10: 232 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 346

الخامس: الخلوّ عن السفر.
اشاره

فلا يصحّ صوم واجب مطلقا- منذورا كان أو غيره- و لا مندوب في السفر، إلّا ما استثني منهما، فهاهنا ثلاثة مقامات:

المقام الأول: عدم صحّة صوم واجب غير ما استثني.

و لا ريب فيه، بل هو إجماعيّ مدلول عليه بالأخبار المتواترة.

و هي بين ما يدلّ على الحكم في مطلق الصوم، كصحيحتي صفوان و الحلبي:

الأولى: عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم، فقال: «ليس من البرّ الصيام في السفر» «1»، فإنّ الجواب عامّ و إن كان المورد خاصّا.

و الثانية: رجل صام في السفر، فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه» «2».

و موثّقة زرارة: «لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره» «3».

و رواية محمّد بن حكيم: «لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه» «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 217- 632، الوسائل 10: 177 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 1 ح 10.

(2) الكافي 4: 128- 1، الفقيه 2: 93- 417، التهذيب 4: 220- 643، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 3.

(3) التهذيب 4: 235- 691، الاستبصار 2: 102- 333، الوسائل 10: 201 أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 4.

(4) الكافي 4: 128- 7، الفقيه 2: 91- 405، التهذيب 4: 217- 629، الوسائل 10: 177 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 347

و مرسلة الفقيه: «ليس من البرّ الصيام في السفر» «1».

و موثّقة سماعة: عن الصيام في السفر، فقال: «لا صيام في السفر، قد صام أناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله فسمّاهم العصاة، فلا صيام في السفر إلّا الثلاثة الأيّام التي قال اللّه تعالى في الحجّ» «2».

و موثّقة عمّار: عن الرجل يقول: للّه عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل، فعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر، أ يصوم و هو مسافر؟

قال: «إذا سافر فليفطر، فإنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية» «3» إلى غير ذلك.

و بين ما يدلّ عليه في صيام شهر رمضان، و هي كثيرة جدّا.

و ما يدلّ عليه في قضائه، كصحيحة عليّ: عن رجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: «لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام» «4».

و ما يدلّ عليه في النذر، كخبر كرّام: إنّي جعلت على نفسي [أن أصوم ] حتى يقوم القائم، فقال: «صم، و لا تصم في السفر» الحديث «5».

______________________________

(1) الفقيه 2: 92- 411 بتفاوت يسير، الوسائل 10: 177 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 11.

(2) التهذيب 4: 230- 677، الوسائل 10: 200 أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 1.

(3) التهذيب 4: 328- 1022، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 8.

(4) الكافي 4: 133- 2، مسائل علي بن جعفر: 262- 633، قرب الإسناد:

231- 903، الوسائل 10: 193 أبواب من يصح منه الصوم ب 8 ح 1.

(5) الكافي 4: 141- 1، التهذيب 4: 233- 683، الاستبصار 2: 100- 325، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 9، و ما بين المعقوفتين أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 348

و رواية مسعدة:

في الرجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر، ثمَّ يسافر فتمرّ به الشهور، أنّه «لا يصوم في السفر و لا يقضيها إذا شهد» «1».

و موثّقة زرارة: إنّ أمّي جعلت على نفسها للّه عليها نذرا- إلى أن قال-: «لا تصوم في السفر، و قد وضع اللّه عنها حقّه في السفر» «2».

و رواية ابن جندب: عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك» «3».

و رواية الصيقل: رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاؤه، أو كيف يصنع؟ فكتب عليه السّلام: «قد وضع اللّه الصيام في هذه الأيام كلّها» «4».

و ما يدلّ عليه في صوم الظهار، كموثّقتي محمّد «5» و زرارة «6»، إلى غير ذلك من الأخبار.

______________________________

(1) الكافي 4: 142- 7، التهذيب 4: 329- 1028، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 10.

(2) الكافي 4: 143- 10، و في التهذيب 4: 234- 687، و الاستبصار 2: 101- 329، بتفاوت يسير، الوسائل 10: 196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 3.

(3) الكافي 7: 457- 16، التهذيب 4: 333- 1048، الوسائل 10: 197 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.

(4) التهذيب 4: 234- 686، الاستبصار 2: 101- 328، الوسائل 10: 196 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 10 ح 2.

(5) التهذيب 4: 232- 681، الوسائل 10: 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 9 ح 1.

(6)

راجع الحدائق 13: 186، الهامش: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 349

خلافا للمحكيّ عن المفيد فيما عدا صوم شهر رمضان «1»، لوجه ضعيف غايته. و قيل: لم يجوّز غير الثلاثة الأيّام لدم المتعة، فمذهبه مطابق للمشهور.

المقام الثاني: في عدم صحّة الصوم المندوب.

و هو مذهب الصدوقين «2» و الحلي و القاضي «3»، و جماعة من المتأخّرين «4»، بل هو المشهور عند القدماء كما صرّح به المفيد، بل يظهر منه أنّ عليه عمل فقهاء العصابة «5»، و قال الحلّي: إنّه مذهب جملة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصّلين «6».

و نسبه في المدارك إلى المفيد «7»، و هو الذي صرّح به في أول كلامه، حيث قال: لا يجوز ذلك إلّا ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو مشهد من مشاهد الأئمّة «8». و لكن المستفاد من آخره الجواز، كما أنّ كلام الديلمي بالعكس «9».

للإطلاقات المتقدّمة، و صريح موثّقة عمّار السابقة «10»، و صحيحة البزنطي: عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن بسفر، قال: «فريضة؟» فقلت:

لا، و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال: «تقول اليوم و غدا؟» قلت:

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 685، و المختلف: 229.

(2) الصدوق في المقنع: 63، حكاه عن والده في المختلف: 230.

(3) الحلي في السرائر 1: 393، القاضي في المهذب 1: 194.

(4) كصاحبي الذخيرة: 524، و الحدائق 13: 200.

(5) انظر المقنعة: 350.

(6) السرائر 1: 393.

(7) المدارك 6: 150.

(8) المقنعة: 350.

(9) المراسم: 98.

(10) في ص: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 350

نعم، فقال «لا تصم» «1».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: «لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم في السفر تطوّعا و لا فريضة» «2».

خلافا لجماعة- كالتهذيبين «3» و النهاية و الوسيلة

و الشرائع و الشهيد «4»، و جمع آخر «5»، بل نسب إلى الأكثر «6»- فجوّزوه مع الكراهة كبعضهم «7»، أو بدونها كآخر «8»، لمرسلتي إسماعيل بن سهل و الحسن بن بسّام:

الاولى: خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيّام بقين من شعبان و كان يصوم، ثمَّ دخل شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان؟! فقال: «نعم، شعبان إليّ إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه على الإفطار» «9».

و قريبة منها الثانية، و فيها: فقال: «إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما أمرنا» «10».

______________________________

(1) التهذيب 4: 235- 690، الاستبصار 2: 102- 332، الوسائل 10: 202 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 2.

(2) تفسير العياشي 1: 81- 190.

(3) التهذيب 4: 235، الاستبصار 2: 103.

(4) النهاية: 162، الوسيلة: 149، الشرائع 1: 197، الشهيد في الدروس 1: 270.

(5) كما في جامع المقاصد 3: 83، و الرياض 1: 317.

(6) انظر الرياض 1: 317.

(7) منهم العلّامة في المختلف: 230.

(8) كما في الوسيلة: 149.

(9) الكافي 4: 130- 1، التهذيب 4: 236- 692، الاستبصار 2: 102- 334، الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 4.

(10) الكافي 4: 131- 5، التهذيب 4: 236- 693، الاستبصار 2: 103- 335، الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 351

و صحيحة الجعفري: «كان أبي عليه السّلام يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف» الحديث «1».

و لصحيحة البزنطي المتقدّمة، من جهة سؤاله في مقام الجواب

عن كون صومه أيّهما، و لو لا الفرق لاتّجه الجواب ب «لا تصم» «2» مطلقا من غير استفسار مفهم منه الفرق بين الفريضة و التطوّع، و ليس إلّا كون النهي في التطوّع للكراهة، إذ لا فارق بينهما غيره إجماعا.

و الجواب، أمّا عن المرسلتين: فبأنّهما معارضتان مع خصوص صحيحة البزنطي و موثّقة الساباطي «3»، و الأخيرتان راجحتان بوجوه عديدة من المرجّحات المنصوصة و غيرها.

من المخالفة لمذهب العامّة، فإنّ ترك الصوم في السفر و المنع منه من شعار الخاصّة.

و الموافقة لسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كما عرفت في الروايات المتقدّمة «4»، حتى ورد في رواية أبان أنّه «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: خيار أمّتي الذين إذا سافروا أفطروا» «5».

و الأحدثيّة، حيث إنّ الصحيحة مرويّة عن أبي الحسن عليه السّلام.

و الأصحّيّة سندا.

______________________________

(1) التهذيب 4: 298- 901، الاستبصار 2: 133- 433، الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.

(2) راجع ص: 350.

(3) المتقدمة في ص: 347.

(4) في ص: 350.

(5) الكافي 4: 127- 4، الفقيه 2: 91- 408، الوسائل 10: 175 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 352

و الاعتضاد بشهرة القدماء المحكيّة، بل المحقّقة.

و الموافقة للأصل.

و لو قطع النظر عن الترجيح يجب الرجوع إلى عمومات المنع و إطلاقاته، مع أنّه لو لا ما ذكرنا لزم طرح الصحيحة و الموثّقة، و هو ممّا لا وجه له.

و أمّا حملهما على الكراهة فبعيد غايته، إذ المراد منها إن كان أقلّيّة الثواب و المرجوحيّة الإضافيّة فهي ممّا لا تصلح تجوّزا لقوله: «لا يحلّ» و: «معصية» كما في الموثّقة، بل لا وجه للأمر بالإفطار كما فيها،

و النهي عن الصوم كما في الصحيحة.

و إن كان الكراهة المصطلحة المطلوب تركه فلا يلائم إطلاق التطوع عليه، كما في إحدى المرسلتين، و يبعد ارتكاب الإمام له سيّما مع ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له.

و أمّا عن صحيحة الجعفري: فباحتمال كون الصيام لأجل عدم بلوغ المسافة المعتبرة في تحتّم الإفطار كما هو كذلك، أو استثناء صوم يوم عرفة.

و أمّا عن الأخير: فبأنّه يمكن أن يكون الاستفسار لأمر آخر غير ما ذكر، مثل أن يكون غرضه أنّه لو كان فريضة يأمره بالمقام و الصيام إن أمكن، سيّما إن كانت الفريضة ممّا يتضيّق وقتها كواجب معيّن، أو كان غرضه أنّه إن أجاب بالفرض يستفسر عن أنّه هل هو النذر المقيّد أم غيره.

المقام الثالث: فيما استثني من الصيام الواجب و المندوب في السفر.
اشاره

أمّا المستثنى من الواجب: فبعض الصيام المتعلّقة بمناسك الحجّ، و يأتي في كتابه.

و صوم النذر مع التقييد بالسفر إمّا فقط أو مع الحضر، و استثناؤه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 353

و صحّة صومه هو الحقّ المشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى نفى الخلاف عنه «1»، و في الحدائق: أنّ الحكم اتّفاقي عندهم «2».

لصحيحة ابن مهزيار: نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب عليه السّلام و قرأته: «لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك» «3».

و ردّها في المعتبر بالضعف، و لذلك لم يفت بمضمونها، و اكتفى بجعله قولا مشهورا «4».

و كأنّه أراد الإضمار.

أو اشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك، و إلّا فهي صحيحة السند، غاية الأمر جهالة الكاتب، و هي غير مضرّة بعد

إخبار الثقة بقراءة المكتوب.

و الأول: مردود بعدم ضرر الإضمار بعد ظهور أنّه من الإمام، سيّما في هذه الرواية المشتملة على قوله: يا سيّدي.

و الثاني: بمنع الاشتمال عليه، إذ ليس معناه إلّا أنّ مع النيّة ينتفي الحكم المذكور بقوله: «و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض» و يكفي في صدق ذلك انتفاؤه في السفر خاصّة.

و أمّا احتمال أن يكون المراد بقوله: «إلّا أن تكون نويت ذلك»: أن يكون نوى الصوم ثمَّ سافر، ففي غاية البعد، مع أنّه على فرض الاحتمال

______________________________

(1) المنتهى 2: 586.

(2) الحدائق 13: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    354     المقام الثالث: فيما استثني من الصيام الواجب و المندوب في السفر. ..... ص : 352

(3) الكافي 7: 456- 10، التهذيب 4: 235- 689، الاستبصار 2: 102- 331، الوسائل 10: 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 1.

(4) المعتبر 2: 684.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 354

يحصل في المخصّص الإجمال، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس حجّة في موضعه، فعمومات المنع من الصوم أو المنذور منه في السفر لا تكون حجّة في المورد، و تبقى عمومات الوفاء بالنذر فارغة عن المعارض فيه.

و اختصاص عدم حجّيّة المخصّص بالمجمل- عند التحقيق بما إذا كان مخصّصا بالمنفصل- غير ضائر، إذ ليس متّصل سوى هذه المكاتبة المعارضة- بعد طرح جزئها المجمل- مع رواية إبراهيم بن عبد الحميد:

عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى، قال: «يصومه أبدا في السفر و الحضر» «1» بالتساوي، فلا تبقى إلّا العمومات المخصّصة بالمجمل.

و عن السيّد: استثناء النذر المعيّن مطلقا و إن لم يقيّده بالسفر «2»، و حكي عن المفيد و الديلمي أيضا «3»، لرواية إبراهيم المتقدّمة.

و

يردّ بالمعارضة مع أخبار أخر أكثر و أصحّ، و منها الأخصّ مطلقا، و هي صحيحة ابن مهزيار، فيجب تخصيصها، و لولاه أيضا لسقطت بالمعارضة، فيرجع إلى عمومات المنع عن الصوم في السفر مطلقا.

و أمّا المستثنى من الصيام المندوب: فصوم ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة المشرّفة، على التفصيل الذي تتضمّنه صحيحة معاوية بن عمّار، و لعلّها تأتي في كتاب الحجّ إن شاء اللّه.

______________________________

(1) الكافي 4: 143- 9، التهذيب 4: 235- 688، الاستبصار 2: 101- 330، الوسائل 10: 198 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 7.

(2) حكاه عنه في المختلف: 229.

(3) حكاه عن المفيد في المختلف: 229، الديلمي في المراسم: 97، قال:

و لا يصوم المسافر تطوّعا و لا فرضا، إلّا صيام ثلاثة أيام لدم المتعة، و صوم النذر إذا علقه بوقت حضر في السفر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 355

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: السفر الذي يجب فيه الإفطار هو الذي يجب فيه التقصير

، كما مرّ مفصّلا في بحث الصلاة، فمن ليس كذلك فحكمه حكم الحاضر، مثل: كثير السفر، و العاصي به، و ناوي العشرة، و غير ذلك، فيجب عليه الصيام إجماعا فتوى و نصّا.

ففي صحيحة ابن وهب: «هما- يعني التقصير و الإفطار- واحد، إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت» «1».

و رواية سماعة: «من سافر و قصّر الصلاة أفطر» «2».

و الأخرى: «ليس يفترق التقصير و الإفطار، فمن قصّر فليفطر» «3».

و تدلّ عليه أيضا رواية أبان: «خيار أمّتي الذين إذا سافروا قصّروا و أفطروا» «4».

و رواية عمّار بن مروان: «من سافر قصّر و أفطر» الحديث «5».

بل تدلّ عليه جميع مطلقات إفطار المسافر «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(2) التهذيب 3: 207- 492،

الاستبصار 1: 222- 786، الوسائل 8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 4.

(3) التهذيب 4: 328- 1021، الوسائل 10: 184، 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 و 5 ح 2 و 9.

(4) الكافي 4: 127- 4، الفقيه 2: 91- 408، الوسائل 10: 175 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 6.

(5) الكافي 4: 129- 3، الفقيه 2: 92- 409، التهذيب 4: 219- 640، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.

(6) الوسائل 10: 173 أبواب من يصح منه الصوم ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 356

و يستثنى منه: سفر الصيد للتجارة على الأظهر، فيتمّ الصلاة و يفطر الصوم، كما مرّ بيانه في كتاب الصلاة، و اللّه العالم.

المسألة الثانية: من صام مع فرض الإفطار في السفر عالما عامدا بطل صومه

و وجب عليه قضاؤه، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له، و للنهي المفسد للعبادة، و الأخبار:

كصحيحة ابن عمّار: «إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه، و عليه الإعادة» «2».

و الحلبي: رجل صام في السفر، فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه» «3».

و مرسلتي أبي بصير و المقنع الآتيتين، و مفاهيم الشرط في صحاح العيص و المرادي و البصري الآتية جميعا، و غير ذلك من الأخبار الواردة في موارد الحرمة «4».

و لو كان جاهلا بالحكم أجزأه و لا قضاء عليه، بالإجماعين أيضا «5»، و الأخبار:

منها: صحيحة الحلبي السابقة، و صحيحة العيص: «من صام في

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 201، و التذكرة 1: 273، و المنتهى 2: 597، و الرياض 1: 329.

(2) التهذيب 4: 221- 645، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح

منه الصوم ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 128- 1، الفقيه 2: 93- 417، التهذيب 4: 220- 643، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 و 3.

(4) الوسائل 10: 173 و 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 و 2.

(5) كما في المدارك 6: 285، و الحدائق 13: 397 و قال فيه: اتفاقا، و الرياض 1:

329.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 357

السفر بجهالة لم يقضه» «1».

و المرادي، و فيها: «و إن صامه بجهالة لم يقضه» «2».

و البصري: عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم» «3».

و هل الحكم مختصّ بما إذا جهل أصل الحكم، كما اخترناه في الصلاة؟

أو يشمل الجهل ببعض خصوصيّاته أيضا، كما إذا ظنّ أنّ سفرا يعصى فيه يوجب الإتمام و لو لم يكن أصل السفر معصية؟

اختار بعض الأجلّة: الثاني، و نسبه إلى إطلاق الأصحاب. و هو الأظهر، لإطلاق الجهالة في صحيحتي العيص و المرادي.

لا يقال: مقتضى صحيحتي الحلبي و البصري: القضاء و عدم الإجزاء، إذ العالم بأصل الحكم يصدق عليه أنّه بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك، أي الصوم في السفر.

لأنّا نقول: هذا يتمّ إذا جعل المشار إليه الصوم في السفر، و يحتمل أن يكون فعله، أي نهى عن صومه الذي صامه.

و هل يلحق الناسي بالجاهل؟ فيه قولان:

أحدهما: نعم، لاشتراكهما في العذر، و فوات الوقت، و عدم التقصير، و رفع الحكم عنه.

______________________________

(1) الكافي 4: 128- 2، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 5.

(2)

الكافي 4: 128- 3، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 4: 221- 646، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 358

و ثانيهما: لا، و هو الأصحّ، لإطلاق النصوص، سيّما صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1». و دعوى تبادر العامد ممنوعة.

و لو علم الجاهل و الناسي في أثناء النهار أفطرا و قضيا، لزوال العذر الموجب- لكون الجزء المتأخّر إن فعله معصية، و المعصية لا تجزئ عن الصوم الواجب- و لخروجه عن النصوص المثبتة، لأنّها فيمن صام، و الصوم هو الإمساك تمام اليوم.

المسألة الثالثة: اختلف الأصحاب في الوقت الذي إذا خرج فيه المسافر يجب عليه الإفطار على أقوال:
الأول: اعتبار الزوال

، فإن خرج قبله أفطر و أن خرج بعده صام، اختاره الإسكافي و المفيد و الكليني و الفقيه و المقنع و المختلف و المنتهى «2»، بل أكثر كتب الفاضل «3»، و فخر المحقّقين و اللمعة و الروضة «4»، و غيرهم من المتأخّرين «5»، و هو المحكيّ عن الحلبي، إلّا أنّه أوجب القضاء مطلقا «6».

و استدلّوا لذلك بالأخبار المستفيضة، كصحيحة الحلبي: عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم، فقال: «إن خرج قبل الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» «7».

______________________________

(1) في ص: 356.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 230، المفيد في المقنعة: 354، الكليني في الكافي 4: 131، الفقيه 2: 90، المقنع: 62، المختلف: 231، المنتهى 2: 599.

(3) كما في التحرير 1: 83، و التذكرة 1: 273، و القواعد: 68.

(4) فخر المحققين في الإيضاح 1: 244، اللمعة و الروضة 2: 127.

(5) كصاحبي المدارك 6: 287، و الذخيرة: 537.

(6) الكافي في الفقه: 182.

(7) الكافي 4: 131- 1، الفقيه 2: 92-

412، التهذيب 4: 228- 671، الاستبصار 2: 99- 321، الوسائل 10: 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 359

و محمّد: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف النهار، فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان» «1».

و عبيد: في الرجل يسافر من شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: «إن خرج قبل الزوال فليفطر، و إن خرج بعد الزوال فليصم» الحديث «2».

و موثّقته: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام، و إذا خرج قبل الزوال أفطر» «3».

و هذه الأخبار- مع ما هي عليه من الاستفاضة و اعتبار أسانيدها- مؤيّدة في الحكم الأول بعموم الكتاب «4» و السنّة بوجوب الفطر على كلّ مسافر، و خصوص المعتبرة و الإجماعات المحكيّة القائلة «5» على الكلّية: بأنّه إذا قصّرت أفطرت، و في الثاني بالإجماع المحكيّ عليه في الخلاف مطلقا «6».

و الثاني: اعتبار تبييت النيّة و قصد السفر في الليل

، فإن بيّتها يجب الإفطار متى ما خرج، و إلّا فالصوم كذلك، ذهب إليه الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجمل و القاضي و ابن حمزة و المعتبر و الشرائع و النافع و التلخيص «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 131- 4، الفقيه 2: 92- 413، التهذيب 4: 229- 672، الاستبصار 2: 99- 322، الوسائل 10: 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 1.

(2) الكافي 4: 131- 3، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 3.

(3) الكافي 4: 131- 2، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 4.

(4) البقرة: 183.

(5) في النسخ: القابلة.

(6) الخلاف 2: 204.

(7) النهاية: 161، المبسوط 1: 284، الاقتصاد: 295، الجمل و

العقود (الرسائل العشر): 221، القاضي في المهذّب 1: 194، ابن حمزة في الوسيلة: 149، المعتبر 2: 715، الشرائع 1: 210، النافع: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 360

و احتجّوا له بموثّقة ابن يقطين: في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: «إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدّث نفسه من الليل ثمَّ بدا له السفر من يومه أتمّ صومه» «1».

و مرسلة صفوان- المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه- عن أبي بصير:

«إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل، فأتمّ الصوم و اعتد به من شهر رمضان» «2».

و الأخرى: «إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم» «3».

و صحيحه صفوان عن الرضا عليه السّلام: «و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا أو جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك» «4».

و موثّقة رفاعة: عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح، قال: «يتمّ صومه يومه ذلك» الحديث «5».

و الثالث: عدم اعتبار شي ء منهما

، بل وجوب الإفطار في أيّ جزء

______________________________

(1) التهذيب 4: 228- 669، الاستبصار 2: 98- 319، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.

(2) التهذيب 4: 228- 670، الاستبصار 2: 98- 320، الوسائل 10: 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 12.

(3) التهذيب 4: 229- 673، الاستبصار 2: 99- 323، الوسائل 10: 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 13.

(4) التهذيب 4:

225- 662، الاستبصار 1: 227- 806، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 11.

(5) التهذيب 4: 228- 668، الاستبصار 2: 98- 317، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 361

خرج من النهار، اختاره والد الصدوق في الرسالة و العماني و السيّد و الحلّي و ابن زهرة و ظاهر الإرشاد «1».

للعمومات، و خصوص رواية عبد الأعلى: في الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال: «يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» «2».

و مرسلة المقنع: «من خرج بعد الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم» «3».

و الرضويّ: «فإن خرجت في سفر و عليك بقيّة يوم فأفطر» «4».

و الرابع: اعتبار التبييت و الخروج قبل الزوال معا،

و هو محتمل المبسوط بل ظاهره، فإنّه قال فيه: و من سافر عن بلده في شهر رمضان و كان خروجه قبل الزوال، فإن كان بيّت نيّة السفر أفطر، و عليه القضاء، و إن كان بعد الزوال لم يفطر، و متى لم يبيّت النيّة للسفر و إنّما تجدّدت أتمّ ذلك اليوم و لا قضاء عليه «5».

فإنّ قوله: لم يفطر، ظاهر في صحّة الصوم، و لكنّه يحتمل إرادة وجوب الإمساك و إن كان عليه القضاء، كما صرّح به في النهاية، و قال فيه:

و متى بيّت نيّة السفر من الليل و لم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيّة النهار، و عليه القضاء «6».

______________________________

(1) حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف: 230، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 55، الحلّي في السرائر 1: 392، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الإرشاد 1: 304.

(2) التهذيب 4: 229- 674،

الاستبصار 2: 99- 324، الوسائل 10: 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 14.

(3) المقنع: 62، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 15.

(4) فقه الرضا «ع»: 208.

(5) المبسوط 1: 284.

(6) النهاية: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 362

و حجّته- بعد رفع اليد عن أخبار القول الثالث، للقطع و الضعف، أو تخصيصها بالأخبار المقيّدة بما قبل الزوال أو التبييت، للأخصّية المطلقة-:

الجمع بين أخبار القولين الأولين، حيث إنّ التعارض بينهما بالعموم و الخصوص من وجه، فيقيّد عموم كلّ منهما بخصوص الآخر، فإنّ الظاهر يحمل على النصّ.

و مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، بخلاف الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين- كما اتّفق لبعض المتأخّرين «1»- فإنّه يحتاج إلى الشاهد.

و الخامس: التخيير بين الصوم و الإفطار

إن خرج بعد الزوال، و تحتّم الإفطار إن خرج قبله، و هو المحكيّ عن التهذيبين «2» و المختلف «3».

لصحيحة رفاعة: عن الرجل يريد السفر في رمضان، قال: «إذا أصبح في بلده ثمَّ خرج فإن شاء صام و إن شاء أفطر» «4»، بتقييدها بما بعد الزوال للمقيّدات.

و السادس: التخيير في تمام اليوم

، نفى عنه البعد في المدارك «5»، لإطلاق هذه الصحيحة.

أقول- و باللّه التوفيق-: إنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الصحيحة الأخيرة تخالف الشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، بل لم يعمل بإطلاقها أحد من القدماء و المتأخّرين، و ليس إلّا نفي بعد من شاذّ عن العمل به، و مثل ذلك

______________________________

(1) الوسائل 10: 185.

(2) التهذيب 4: 229، الاستبصار 2: 99.

(3) المختلف: 232.

(4) التهذيب 4: 327- 1019، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 7.

(5) المدارك 6: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 363

لا يصلح للحجّية، فكيف إذا عارضة الروايات الكثيرة؟! و مع ذلك هو موافق لمذهب العامّة «1»، فرفع اليد عن إطلاقه لازم.

و كذلك الأخبار الآمرة بالصوم مطلقا ما لم يسافر قبل الفجر، كرواية الجعفري، و فيها: «إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلّا أن يدلج دلجة» «2».

و سماعة: «إذا طلع الفجر و لم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، و إن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر و لا صيام عليه» «3».

و موثّقته: «من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر و هو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم» «4» فإنّ إطلاق هذه الأخبار خلاف الإجماع، معارض مع الأخبار الخاصّة.

فإذن القول الأخير ساقط عن الاعتبار، و كذلك ما قبله، لعدم دليل عليه، و الصحيحة لا تختصّ بما بعد الزوال، و الحكم بخروج

ما قبله بالدليل، فيبقى الباقي ليس بأولى من العكس، لأنّ أدلّة وجوب الإفطار لو خرج قبل الزوال مطلقا ليس بأقوى من دليل وجوب الصوم لو خرج بعده كذلك، فلا يظهر وجه لهذا الجمع.

بل و كذلك ما قبلهما أيضا، لأنّه- بعد رفع اليد عن أخبار القول

______________________________

(1) انظر المغني 3: 90، و بداية المجتهد 1: 296.

(2) التهذيب 4: 227- 667، الاستبصار 2: 98- 317، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 6. و أدلج القوم: إذا ساروا من أول الليل. فإن ساروا من آخر الليل فقد ادّلجوا، بتشديد الدال- الصحاح 1: 315.

(3) التهذيب 4: 327- 1020، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 8.

(4) التهذيب 4: 328- 1021، الوسائل 10: 187 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 364

الثالث- مبنيّ على تقييد كلّ من أخبار الأول و الثاني بالآخر، فيقال: إنّ المراد بأخبار الإفطار قبل الزوال: أنّه مع التبييت، و بأخبار الإفطار مع التبييت: أنّه إن كان قبل الزوال، و يبقى الجزء الآخر من الأخبار الاولى- و هي الصوم بعد الزوال مطلقا- بلا معارض، فيعمل به.

و على هذا، فيبقى حكم السفر قبل الزوال بدون التبييت خارجا عن الفريقين، مسكوتا عنه فيهما، و حينئذ فالحكم بوجوب الصوم فيه- لعمومات الصوم، دون الإفطار، لعمومات وجوب الإفطار في السفر- لا وجه له.

و الحاصل: أنّ إيجاب الصوم على غير المبيّت إذا خرج قبل الزوال إن كان من جهة خروجه عنهما فيطالب بدليله على هذا الحكم فيه، و إن كان من جهة ترجيح أخبار التبييت بالنسبة إليه فيطالب بوجه الترجيح، و كلاهما مفقودان.

بل و كذلك ما

قبل الثلاثة أيضا، لضعف أدلّته جدّا.

أمّا الرضوي «1»، فلضعفه بنفسه، و خلوّه عن الجابر، و معارضته بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه، و هو قوله: «و إن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم و ليس عليك القضاء، لأنّه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافر» «2».

و أمّا مرسلة المقنع «3»، فللضعف الخالي عن الجابر أيضا، سيّما مع عدم عمل صاحب المقنع بها أيضا، و هو من مخرجات الخبر عن الحجّيّة.

______________________________

(1) المتقدم في ص: 361.

(2) فقه الرضا «ع»: 208.

(3) المتقدمة في ص: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 365

و أمّا رواية عبد الأعلى «1»، فلعدم استنادها إلى إمام، و عدم دلالتها على الوجوب- الذي هو المطلوب- و معارضة إطلاقها مع ما هو أكثر منها عددا و أصحّ سندا و أوضح دلالة و أشهر عملا و أخصّ مدلولا.

فبقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين، و لا خفاء في حكم محلّ اجتماعهما، و هو الخروج قبل الزوال مع التبييت، أو بعده مع عدمه، فيفطر في الأول، و يصوم في الثاني قطعا، و يبقى حكم القبل مع عدم التبييت و البعد مع التبييت محلا للتعارض.

و هو في الأول مع أخبار القول الأول، لمخالفته لمعظم العامّة، فإنّه نقل في المنتهى: إنّ الشافعي و أبا حنيفة و الأوزاعي و أبا ثور و الزهري و النخعي و مكحول- و نسب إلى مالك أيضا- قالوا: بأنّه إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر ثمَّ خرج بعده مسافرا لم يفطر يومه «2». و مع ذلك هو موافق لعمومات وجوب الإفطار في السفر كتابا و سنّة، فلا مناص على القول به في الأول، و الحكم بوجوب الإفطار مع الخروج قبل الزوال مطلقا.

و أمّا

في الثاني، فيشكل الحكم جدّا، إذ لا يعلم مذهب العامّة هنا مع التبييت حتى يرجّح مخالفه، و عمومات السفر و إن كانت مع الإفطار، إلّا أنّه ممّا لم يعلم قول أحد به مع القول بالصوم مع عدم التبييت و الإفطار ما قبل الزوال مطلقا، فالظاهر أنّ القول به خلاف الإجماع المركّب، و بذلك الإجماع يمكن ترجيح إتمام الصوم مع الخروج ما بعد الزوال مطلقا بعد ترجيح أخبار ما قبل الزوال بمخالفة العامّة.

إلّا أنّ الاحتياط هنا ممّا لا ينبغي أن يترك البتّة، بأن مع التبييت يخرج

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 361.

(2) المنتهى 2: 599.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 366

قبل الزوال و لو إلى حدّ الترخّص خاصّة، أو أخّر الخروج إلى الغروب، و لو اضطرّ إلى الخروج بعد الزوال أتمّ الصوم و قضاه.

المسألة الرابعة: إذا جاء المسافر إلى بلده أو بلد الإقامة

، فما لم يدخل فيه فله الإفطار ما دام خارجا و إن علم الدخول قبل الزوال، و إن لم يفطر في الخارج: فإن دخل قبل الزوال يجب عليه الصوم و يجزئه، و إن دخل بعده يجب عليه القضاء و لا صوم له و إن استحبّ الإمساك له، كما إذا أفطر قبل الدخول أيضا.

فهذه أحكام أربعة، لا خلاف على الظاهر في شي ء منها بين الأصحاب.

و تدلّ على الأول: صحيحة محمّد: عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان، فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار، قال: «إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «1».

و الأخرى: «إذا وصل أرضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و إن دخل بعد الفجر فلا صيام عليه و إن شاء صام»

«2».

و صحيحة رفاعة: عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر فيرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار، فقال: «إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 132- 6، التهذيب 4: 256- 757، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 3.

(2) الكافي 4: 131- 4، الفقيه 2: 92- 413، التهذيب 4: 229- 672، الاستبصار 2: 99- 322، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 1.

(3) الكافي 4: 132- 5، الفقيه 2: 93- 414، التهذيب 4: 255- 756، الاستبصار 2: 98- 318، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 367

و معنى تلك الأخبار: أنّ الذي يدخل بعد الفجر لا صيام عليه واجبا و له الخيار، و هو كذلك، فإنّ له الإفطار بأن يفطر قبل الدخول، و له الصيام بأن يدخل بدون الإفطار.

و لا ينافي ذلك سقوط خياره بعد الدخول، كما يقال: إنّه لا يجب عليك القضاء في هذا اليوم المعيّن و أنت فيه بالخيار.

و لا ينافيه الوجوب إذا نوى القضاء و لم يفطر إلى ما بعد الزوال.

و لو قلنا بدلالتها على العموم أيضا يجب تخصيص الخيار بما قبل الدخول قبل الزوال- بأن يفطر و يدخل، أو يؤخّر التأخير إلى ما بعد زوال الشمس- بالأخبار الآتية.

و على الثاني: موثّقة أبي بصير: عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان، فقال: «إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتدّ به» «1».

و خبر أحمد بن محمّد: عن رجل قدم من سفره في

شهر رمضان، و لم يطعم شيئا قبل الزوال، قال: «يصومه» «2».

و رواية يونس: في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل «فعليه أن يتمّ صومه و لا قضاء عليه»، يعني: إذا كانت جنابته عن احتلام «3».

______________________________

(1) التهذيب 4: 255- 754، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 6.

(2) الكافي 4: 132- 7، التهذيب 4: 255- 755، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 4.

(3) الكافي 4: 132- 9، الفقيه 2: 93- 415، التهذيب 4: 254- 752، الاستبصار 2: 113- 369، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 368

و تدلّ عليه و على الثالث و بعض أفراد الرابع: موثّقة سماعة: «إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهرا، و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء» «1».

و تدل على الثالث أيضا موثّقة محمّد: عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته [حين ] طهرت من الحيض، أ يواقعها؟ قال: «لا بأس به» «2».

و على البعض الآخر من الرابع: موثّقة سماعة: عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل، قال: «لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا» «3».

و رواية يونس: المسافر يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله، قال: «يكفّ عن الأكل بقيّة يومه، و عليه القضاء» «4».

و روايتا الزهري و الرضوي: «و أمّا صوم التأديب» إلى أن قالا:

«و كذلك المسافر إن أكل أول النهار ثمَّ قدم أهله أمر بالإمساك بقيّة يومه تأديبا، و ليس بفرض»

«5».

المسألة الخامسة: المراد بقدوم المسافر و خروجه

المبنيّ عليهما

______________________________

(1) التهذيب 4: 327- 1020، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 7.

(2) التهذيب 4: 242- 710، الاستبصار 2: 106- 347، الوسائل 10: 193 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 4. و ما بين المعقوفتين من المصادر.

(3) الكافي 4: 132- 8، التهذيب 4: 253- 751، الاستبصار 2: 113- 368، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 1.

(4) الكافي 4: 132- 9، التهذيب 4: 254- 752، الاستبصار 2: 113- 369، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.

(5) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، فقه الرضا «ع»: 202، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 3، مستدرك الوسائل 7: 487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 369

الحكمان المذكوران: ما مرّ في بحث الصلاة، من التجاوز عن حدّ الترخّص خارجا و داخلا، لما مرّ من التلازم بين القصر و الإفطار «1».

المسألة السادسة: الحقّ المشهور: جواز المسافرة في شهر رمضان

و الإفطار مطلقا، ما لم يكن عاصيا بسفره، ففي صحيحة محمّد: عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم، و قد مضى منه أيّام، قال:

«لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم» «2»، و تدلّ عليه الأخبار الآتية أيضا.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فقال: إذا دخل الشهر على حاضر لم يحلّ له السفر مختارا «3»، لبعض الأخبار الآتية القاصر عن إفادة الحرمة، سيّما مع معارضته مع النافي لها.

و المحكيّ عن الإسكافي و العماني، حيث قالا بعدم جواز الإفطار في سفره للتلذّذ و التنزّه و إن أوجبا القضاء أيضا «4»، و

لعلّه لبعض الأخبار الآتية النافية للسفر في شهر رمضان. و هو- مع عدم دلالته على الحرمة- غير ناهض لتمام مطلوبهما.

ثمَّ إنّه بعد جواز السفر و الإفطار قد اختلفت الأخبار في أنّ الأفضل هل هو الإقامة و ترك السفر، أم لا؟

فإنّ منها ما يدل على أفضليّة بعض الإسفار، كصحيحة محمّد: في الرجل يشيّع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة، قال: «إذا كان في شهر رمضان فليفطر»، قلت: أيّهما أفضل أن يصوم أو يشيّعه؟ قال: «يشيّعه» «5»،

______________________________

(1) راجع ص: 358.

(2) الفقيه 2: 90- 400، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 2.

(3) الكافي في الفقه: 182.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 232.

(5) الكافي 4: 129- 5، الوسائل 8: 482 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 370

و بمضمونها موثّقة زرارة «1»، و مرسلة المقنع «2».

و حسنة حمّاد: رجل من أصحابي جاء خبره من [الأعوص ] و ذلك في شهر رمضان أتلقّاه و أفطر؟ قال: «نعم» قلت: أتلقّاه و أفطر أو أقيم و أصوم؟ قال: «تلقّاه و أفطر» [1].

و منها ما يدلّ على أفضليّة الإقامة- إلّا في بعض الإسفار- كصحيحة الحلبي: عن رجل يدخل في شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا، ثمَّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت، فسألته غير مرّة، فقال: «يقيم أفضل، إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها أو يتخوّف على ماله» «3».

و رواية أبي بصير: يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه، فتحضرني نيّة في زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، فأزوره و أفطر ذاهبا و جائيا، أو أقيم حتى أفطر فأزوره بعد ما

أفطر بيوم أو يومين؟ فقال: «أقم حتى تفطر»، قلت: جعلت فداك، هو أفضل؟ قال: «نعم» «4»، و قريبة منها مكاتبة محمّد بن الفضل البغدادي «5».

______________________________

[1] الكافي 4: 129- 6، الفقيه 2: 90- 402، الوسائل 8: 482 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 10 ح 2، بدل ما بين المعقوفتين في النسخ: الأعوض، و ما أثبتناه من المصادر. و هو واد في ديار بأهله لبني حصن منهم. و الأعوض: شعب لهذيل بتهامة- معجم البلدان 1: 223.

______________________________

(1) الكافي 4: 129- 7، التهذيب 3: 218- 540، الوسائل 8: 483 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 4.

(2) المقنع: 62، الوسائل 8: 182 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 5.

(3) الكافي 4: 126- 2، الفقيه 2: 89- 399، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 1.

(4) التهذيب 4: 316- 961، الوسائل 10: 183 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 7.

(5) التهذيب 6: 110- 198، الوسائل 14: 573 أبواب المزار و ما يناسبه ب 91 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 371

و رواية الحسين بن المختار: «لا تخرج في رمضان إلّا للحجّ، أو للعمرة، أو مال تخاف عليه الفوت، أو لزرع يحين حصاده» «1».

و رواية أبي بصير: عن الخروج في شهر رمضان، قال: «لا، إلّا فيما أخبرك به: خروج إلى مكّة، أو غزوة في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تريد وداعه» «2».

و قريبة منهما مرسلة ابن أسباط، و زاد في آخرها: «فإذا مضت ليلة ثلاثة و عشرين فليخرج حيث شاء» «3».

و الذي يظهر لي من ضمّ بعض هذه الأخبار مع بعض- بعد انتفاء الحرمة في سفر غير العاصي

بسفره مطلقا-: أنّ السفر في شهر رمضان إمّا يكون لحاجة تفوت بتأخيرها إلى خروج الشهر، أو لا يكون كذلك.

و الأول: إمّا تكون الحاجة من الأمور الراجحة شرعا- كحجّ، أو عمرة، أو غزوة، حيث إنّ الغالب فوات هذه الأمور بالتخلّف عن الرفقة، أو مشايعة أخ، أو وداعه، أو ملاقاته لوروده من سفر، أو نحو ذلك- أو تكون من الأمور المباحة.

فإن كان من الأول، فالأفضل السفر، لأخبار المشايعة و التلقّي المتقدّمة، بضميمة عدم الفصل.

______________________________

(1) التهذيب 4: 327- 1017، الوسائل 10: 183 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 8.

(2) الكافي 4: 126- 1، و في الفقيه 2: 89- 398، التهذيب 4: 327- 1018 بتفاوت، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 4: 216- 626، الوسائل 10: 182 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 372

و إن كان من الثالث، فالأفضل الإقامة و إن كان السفر للأمور الراجحة شرعا- كزيارة الحسين عليه السّلام و نحوها- للمستثنى منه في الأخبار السابقة، و ترجيح الإقامة على الزيارة.

و إن كان من الثاني، فيتساوى الطرفان، للتصريح في الأخبار السالفة بأفضلية الإقامة إلّا للحاجة أو حصاد الزرع، فليست الإقامة حينئذ أفضل، و لا دليل على أفضليّة السفر حينئذ، فيتساوى الأمران.

و أفضليّة الإقامة في مواردها إنّما هي قبل يوم الثلاثة و العشرين خاصّة، لمرسلة ابن أسباط.

المسألة السابعة: يجوز الجماع في نهار شهر رمضان للمسافر الذي يفطر

، بل لكلّ من يسوغ له الإفطار على الأظهر الأشهر، للمستفيضة من الأخبار، كصحيحتي عمر بن يزيد «1» و عليّ بن الحكم «2»، و موثّقة داود بن الحصين «3»، و روايات الهاشمي «4»، و سهل «5»، و محمّد «6»، و أبي العبّاس «7».

______________________________

(1)

الكافي 4: 133- 1، التهذيب 4: 241- 708، الاستبصار 2: 106- 345، الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 1.

(2) الاستبصار 2: 106- 346، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 9.

(3) التهذيب 4: 328- 1024، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 7.

(4) الكافي 4: 134- 3، التهذيب 4: 242- 709، الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 3.

(5) الكافي 4: 133- 2، التهذيب 4: 241- 707، الاستبصار 2: 105- 344، الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 2.

(6) التهذيب 4: 242- 710، الاستبصار 2: 106- 347، الوسائل 10: 208 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 10.

(7) الكافي 4: 134- 4، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 373

خلافا للشيخ، فذهب إلى التحريم «1»، لصحيحة ابن سنان «2»، و روايته «3»، و رواية محمّد «4»، المصرّحة بالتحريم، الواجب حملها على الكراهة بقرينة ما مرّ، على أنّه لو قطع النظر عن ذلك لوجب طرحها، للشذوذ المخرج لها عن الحجّيّة، و على فرض التعارض يجب الرجوع إلى أصالة عدم التحريم.

السادس: الخلوّ من المرض.
اشاره

بالكتاب «5»، و الإجماع، و النصوص المتواترة «6».

و ليس الشرط الخلوّ عن المرض مطلقا، بل مرض يضرّ معه الصوم، بالإجماع، و مفهوم صحيحة حريز: «كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» «7».

و ربما يستدلّ له أيضا بصحيحة محمّد: ما حدّ المريض إذا نقه في الصيام؟ قال: «ذاك إليه، هو أعلم بنفسه، إذا قوي فليصم» «8».

و قريبة منها موثّقة سماعة، و زاد فيها: «فهو

مؤتمن عليه، مفوّض

______________________________

(1) النهاية: 162.

(2) الكافي 4: 134- 5، الفقيه 2: 93- 416، التهذيب 4: 240- 705، الاستبصار 2: 105- 342، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 5.

(3) الكافي 4: 134- 6، التهذيب 4: 241- 706، الاستبصار 2: 105- 343، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 6.

(4) التهذيب 4: 240- 704، الاستبصار 2: 105- 341، العلل: 386- 1، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 8.

(5) البقرة: 184.

(6) الوسائل 10: 217 أبواب من يصح منه الصوم ب 18.

(7) الفقيه 2: 84- 374، الوسائل 10: 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.

(8) الكافي 4: 119- 8، الوسائل 10: 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 374

إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوّة فليصمه كان المرض ما كان» «1».

و صحيحة ابن أذينة: ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه- إلى أن قال-:

« (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)» و قال: «ذاك إليه، هو أعلم بنفسه» «2»، و مثلها موثّقة زرارة، بتبديل: «بنفسه» بقوله: «بما يطيقه» «3».

و فيه نظر، لأنّ المستفاد من الأولين الإناطة بالقوّة و الضعف دون الضرر، و هو محتمل الآخرين.

و حكي عن قوم لا اعتداد بهم: إباحة الفطر بكلّ مرض، لإطلاق الآية «4». و ما ذكرنا يقيّده.

ثمَّ الضرر المبيح لإفطار المريض يشمل زيادة المرض بسبب الصوم، أو بطء برئه، أو حدوث مرض آخر، أو حصول مشقّة لا يتحمّل عادة مثلها، بل يشقّ تحمّلها، كلّ ذلك لصدق الضرر، و إيجابه العسر و الحرج المنفيّين.

فروع:
أ: مقتضى صحيحة حريز المتقدّمة وجوب الإفطار بإيجاب الصوم

______________________________

(1) الكافي 4: 118- 3، التهذيب

4: 256- 759، الاستبصار 2: 114- 372، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4.

(2) الكافي 4: 118- 2، التهذيب 4: 256- 758، الاستبصار 2: 114- 371، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.

(3) الفقيه 2: 83- 369، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.

(4) نقله القرطبي عن ابن سيرين في أحكام القرآن 2: 276، و حكاه عن بعض السلف في المغني 3: 88، و الشرح الكبير 3: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 375

لخوف حدوث مرض أيضا و إن لم يكن مريضا، و تدلّ عليه أيضا أدلّة نفي الضرر و الضرار «1»، و العسر و الحرج «2»، و صحيحة حريز: «الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» «3»، فإنّها تشمل خوف حدوث الرمد أيضا، و لا قول بالفرق.

و ظاهر المنتهى التردّد، لعدم دخوله تحت الآية «4». و جوابه ظاهر.

و يظهر ممّا ذكر أيضا وجوب الإفطار إذا خاف مطلق الضرر و إن لم يسمّى مرضا عرفا، كالرمد و نحوه.

ب: لا شكّ في وجوب الإفطار مع العلم بالضرر بأحد الوجوه

، بل و كذا مع الظنّ، بالإجماع، سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف و لو غير عدل و لا مسلم، لصدق الخوف معه، بل يصدق مع احتماله أيضا لغة و عرفا، فتتّجه كفايته أيضا، كما رجّحه بعض المتأخّرين «5»، بل يحتمله إطلاق كلام الأكثر بذكر الخوف.

و اقتصر في القواعد و اللمعة و الدروس على ذكر الظنّ «6». و نصّ في الروضة على عدم كفاية الاحتمال «7». و لو أخّر الإفطار حتى قوي الاحتمال كان أحوط.

ج: لا فرق بين أن يكون المؤدّي إلى الضرر هو الإمساك

أو تأخير

______________________________

(1) الوسائل 25: 428 و 429 كتاب إحياء الموات ب 12 ح 3 و 4 و 5.

(2) الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.

(3) الكافي 4: 118- 4، الفقيه 2: 84- 373، الوسائل 10: 218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

(4) المنتهى 2: 596.

(5) انظر المدارك 6: 158، و الحدائق 13: 171، و الرياض 1: 329.

(6) القواعد 1: 68، و اللمعة (الروضة 2): 105، الدروس 1: 271.

(7) الروضة 2: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 376

العشاء أو التسحّر، عملا بالعموم، و لرواية الحضرمي: ما حدّ المرض الذي يترك منه الصوم؟ قال: «إذا لم يستطع أن يتسحّر» «1».

و رواية سليمان بن عمر: «و اشتكت أمّ سلمة عينها في شهر رمضان، فأمرها رسول اللّه أن تفطر، و قال: عشاء الليل لعينك رديّ» «2».

د: و حيث يخاف الضرر لا يصحّ الصوم

، فلو تكلّفه قضى وجوبا إجماعا محقّقا و محكيّا «3»، لوجوب الإفطار، كما صرّح به في صحيحة حريز، الموجب للنهي عن ضدّه المفسد للعبادة، و لانتفاء شرعيّة ما معه الضرر و العسر، فلا يكون مأمورا به، فلا يكون صحيحا.

و أمّا رواية عقبة: عن رجل صام رمضان و هو مريض، قال: «يتمّ صومه و لا يعيد» «4»، فمحمولة على غير المتضرّر، لوجوب التقييد. أو مطروحة، لمخالفة الكتاب و السنّة.

ه: لو صحّ من مرضه قبل الزوال و لم يتناول شيئا
اشاره

، قالوا: يجب عليه الصوم، بلا خلاف ظاهر فيه كما في المفاتيح «5»، و بالإجماع كما في المدارك «6»، و حكاه في الذخيرة عن بعض الأصحاب «7».

لتمكّنه من أداء الواجب على وجه تؤثّر النيّة في ابتدائه فوجب.

______________________________

(1) الكافي 4: 118- 6، 10: 221 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 8.

(2) الكافي 4: 119- 7، الفقيه 2: 84- 372، الوسائل 10: 218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 2.

(3) الرياض 1: 329.

(4) التهذيب 4: 257- 762، الوسائل 10: 224 أبواب من يصح منه الصوم ب 22 ح 2.

(5) المفاتيح 1: 240.

(6) المدارك 6: 195.

(7) الذخيرة: 526.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 377

و لفحوى ما دلّ على ثبوت ذلك في المسافر، فإنّ المريض أعذر منه.

و للإجماع المنقول.

و يضعف الأول: بمنع كونه واجبا أولا، و منع تأثير النيّة في الابتداء ثانيا، فإنّه أمر مخالف للأصل، لا يتعدّى منه إلى غير موضع الثبوت.

و الثاني: بمنع الأولويّة بل المساواة، لعدم معلوميّة العلّة، و عدم تأثير أعذريّة المريض في هذه الجهة، مع أنّه يمكن للمسافر العلم في بدو اليوم بالدخول في البلد قبل الزوال و عدمه، فتتأتّى منه النيّة ابتداء الصوم، بخلاف المريض، فإنّه لا يعلم غالبا.

و الثالث:

بعدم الحجّيّة، فلو ثبت الإجماع في المسألة، و إلّا كما هو الظاهر- حيث إنّ ابني زهرة و حمزة أطلقا القول باستحباب إمساك المريض بقيّة اليوم إذا برئ، من غير تفصيل بين قبل الزوال و بعده «1»- فالحكم بالوجوب مشكل، و أمر الاحتياط واضح.

و إن صحّ بعد الزوال فالمشهور استحباب الإمساك لو لم يتناول شيئا «2».

و عن المفيد: الوجوب و إن وجب القضاء أيضا «3»، لأنّه وقت يجب فيه الإمساك.

و فيه: منع وجوبه على المريض إلى هذا الزمان، و إنّما هو مع وجوب الصوم.

______________________________

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، ابن حمزة في الوسيلة: 147.

(2) انظر الحدائق 13: 172.

(3) المقنعة: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 378

نعم، لا بأس بالقول باستحبابه، للشهرة، بل ظاهر الإجماع، و رواية الزهري: «و كذلك من أفطر لعلّة من أول النهار ثمَّ قوي [بعد ذلك ] أمر بالإمساك عن الطعام بقيّة يومه تأديبا، و ليس بفرض» «1».

و: لو صام المريض- الذي لا يشرع له الصيام- جاهلا، قالوا بوجوب القضاء عليه، لأنّه آت بخلاف ما هو فرضه.

و قال في الحدائق: إنّ الأظهر صحّة صومه «2»، لأخبار معذوريّة الجاهل مطلقا «3».

و الحقّ: التفصيل بين الجاهل الساذج الغير المقصّر و غيره، و الصحّة في الأول، و الفساد و القضاء في الثاني.

و يلحق بهذا المقام مسائل ثلاث

المسألة الأولى: الشيخ و الشيخة إذا عجزا عن الصيام
اشاره

أصلا، أو إلّا مع مشقّة شديدة، جاز لهما الإفطار، إجماعا محقّقا، و محكيّا «4»، له، و للكتاب، و السنّة المستفيضة.

فمن الأول: آيات نفي العسر «5»، و الحرج «6»، و نفي التكليف فوق الوسع «7»،

______________________________

(1) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1،

و ما بين المعقوفتين أضفناه من المصادر.

(2) الحدائق 13: 398.

(3) انظر الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2.

(4) كما في المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 280، الرياض 1: 330، غنائم الأيام:

510.

(5) البقرة: 184.

(6) الحج: 78.

(7) البقرة: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 379

و قوله سبحانه (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) «1».

ففي صحيحة محمّد: في قول اللّه تعالى (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)، قال: «الشيخ الكبير، و الذي يأخذه العطاش» «2».

و في موثّقة ابن بكير: في قول اللّه تعالى (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، قال: «الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكلّ يوم مدّ» «3».

و في المرويّ في تفسير العيّاشي: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ، قال: «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع، و المريض» «4».

و فيه أيضا في قوله سبحانه (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، قال: «المرأة تخاف على ولدها، و الشيخ الكبير» «5».

و من الثاني: روايات نفي الضرر و العسر فوق الوسع، و صحيحة محمّد: «و الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام، و لا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» «6».

______________________________

(1) البقرة: 184.

(2) الكافي 4: 116- 1، التهذيب 4: 237- 695، المقنع: 61، الوسائل 10:

210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3.

(3) الكافي 4: 116- 5، الفقيه 2: 84- 377، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 6.

(4) تفسير العياشي 1: 78- 177، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم

ب 15 ح 7.

(5) تفسير العياشي 1: 79- 180، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 8.

(6) الكافي 4: 116- 4، الفقيه 2: 84- 375، التهذيب 4: 238- 697، الاستبصار 2: 104- 338، الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 380

و مثلها الأخرى، إلّا أنّه قال: «بمدّين من طعام» «1».

و صحيحة ابن سنان: عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان، قال: «يتصدّق عن كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين» «2».

و رواية الهاشمي: عن الشيخ الكبير و العجوزة الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان، قال: «تصدّق كلّ يوم بمدّ من حنطة» «3».

و الرضوي: «فإذا لم يتهيّأ للشيخ أو الشابّ المعلول أو المرأة الحامل أن تصوم من العطش أو الجوع، أو تخاف المرأة أن تضرّ بولدها، فعليهم جميعا الإفطار، و تصدّق كلّ واحد من كلّ يوم بمدّ من طعام، و ليس عليه القضاء» «4».

و رواية الكرخي: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء- إلى أن قال-: قلت: فالصيام؟ قال: «إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ، و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه» «5».

و رواية مفضّل: إنّ لنا فتيات و شبّانا لا يقدرون على صيام من شدّة ما يصيبهم من العطش، قال: «فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم و ما

______________________________

(1) التهذيب 4: 238- 698، الاستبصار 2: 104- 339، الوسائل 10: 210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.

(2) الكافي 4: 116- 3، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح

منه الصوم ب 15 ح 5.

(3) الكافي 4: 116- 2، الفقيه 2: 85- 379، التهذيب 4: 238- 696، الاستبصار 2: 103- 337، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 4.

(4) فقه الرضا «ع»: 211، مستدرك الوسائل 7: 387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.

(5) الفقيه 1: 238- 1052، التهذيب 3: 307- 951، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 381

يحذرون» «1».

هذا، ثمَّ إنّه لا خلاف في تعلّق الفدية وجوبا على الثاني- أي من يقدر على الصيام مع المشقّة- بل عليه الإجماع في كلمات جماعة «2»، للآية، بضميمة الأخبار المفسّرة لها.

و لا يعارضها ما في تفسير عليّ- من الرواية المفسّرة للآية بالمريض الذي أخّر القضاء إلى مضيّ رمضان آخر «3»- لضعفه الخالي عن الجابر. و أمّا سائر الأخبار المتضمّنة للفدية «4» فهي على الوجوب غير دالّة.

و أمّا غير القادر، ففي وجوب الفدية عليه و عدمه خلاف، فعن الصدوقين و القديمين «5» و الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و القاضي «6» و الجامع و الشرائع و النافع و الإرشاد و القواعد و المنتهى و التلخيص و التبصرة و الدروس و اللمعة و المهذّب لابن فهد «7» و غيرها «8»: الأول، لإطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة.

و عن المفيد و السيّد و الديلمي و الحلّي و الحلبي و ابن زهرة و المختلف

______________________________

(1) الكافي 4: 117- 7، التهذيب 4: 240- 703، الوسائل 10: 214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 2.

(2) كما في المختلف: 245، و الذخيرة: 535، و الرياض 1: 330.

(3) تفسير القمي 1: 66.

(4) الوسائل 10: 209

أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

(5) حكاه عن العماني و الإسكافي و والد الصدوق في المختلف: 244، الصدوق في المقنع: 61.

(6) النهاية: 159، المبسوط 1: 285، الاقتصاد: 294، القاضي في المهذب 1: 196.

(7) الجامع: 164، الشرائع 1: 211، النافع: 72، الإرشاد 1: 304، القواعد 1:

67، المنتهى 2: 618، التبصرة: 57، الدروس 1: 291، اللمعة (الروضة 2):

127، المهذب البارع 2: 86.

(8) كالمدارك 6: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 382

و الروضة و المسالك و المحقّق الثاني: الثاني «1»، و عن المنتهى و التذكرة: أنّه مذهب الأكثر «2»، و عن الانتصار: الإجماع عليه، و عن الغنية: نفي الخلاف فيه.

للأصل.

و تبادر صورة المشقّة خاصّة من الروايات المتقدّمة، سيّما من رواية الهاشمي و المتقدّمتين عليها، لأنّه الظاهر من الضعف و نفي الحرج.

و لرواية الكرخي السابقة، المنجبر ضعفها- لو كان- بما مرّ.

مع أنّ الآية أيضا مخصوصة- بضميمة [المفسّرات ] «3»- بذي المشقّة، لإيجابها الفدية على الذين يطيقونه، و فسّرتهم الأخبار بالشيخ الكبير و ذي العطاش، فيصير المعنى: و على الشيخ الكبير الذي يطيقه.

و قوله في صحيحة محمّد: «فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» «4».

و يمكن دفع الأصل بالإطلاقات.

و التبادر: بالمنع، فإنّ الضعف و الحرج يشملان عدم القدرة أيضا، مع أنّ إحدى روايتي العيّاشي مخصوصة بغير المستطيع.

و الرواية: بعدم اختصاصها بغير القادر، بل نسبتها إليه و إلى القادر على السواء.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 351، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 56، الديلمي في المراسم: 97، الحلي في السرائر 1: 400، الحلبي في الكافي: 182، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المختلف: 244، الروضة 2: 128، المسالك 1: 81، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 80.

(2)

المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 218.

(3) في النسخ: المعتبرات، و الظاهر ما أثبتناه.

(4) المتقدمة في ص: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 383

و اختصاص الآية بأنّ معناها: الشيخ الكبير الذي كان يطيقه أولا لا حال الكبر، كما صرّح به في الموثّقة، بل يظهر منها أنّ المراد: الذي أصابه الكبر أو العطاش و لا يطيقه.

و صحيحة محمّد: بأنّ دلالتها إنّما تتمّ إذا كان المعنى: فإن لم يقدرا على الصوم، و الظاهر أنّ المراد: فإن لم يقدرا على الفدية.

ثمَّ أقول: إنّ التحقيق: أنّه لا دلالة لغير الأخبار المفسّرة للآية على وجوب الفدية، لورودها بالجمل الخبريّة. و ضعف روايتي العيّاشي من المفسّرات أيضا مانع عن إثبات الوجوب بهما. و صحيحة محمّد أيضا منها مجملة، لاحتمال أن يكون المراد: الشيخ الذي يطيقه و الذي كان يطيقه.

فلم تبق إلّا الموثّقة، و هي إن لم تكن ظاهرة في غير القادر فتعمّه و القادر- و تعارضها رواية الكرخي الظاهرة في عدم الوجوب، الشاملة لهما أيضا، فلا يكون دليل تامّ على الوجوب من الأخبار، بل من الآية أيضا، لعروض الإجمال لها من جهة الأخبار المفسّرة- إلّا أنّها تشمل القادر، و [تدل ] «1» على وجوب الفدية عليه على التقديرين، و بها ثبت الوجوب عليه قطعا، مضافة إلى الإجماع، و يبقى غير القادر تحت الأصل الخالي عن المعارض.

فالحقّ: هو القول الثاني.

فروع:
أ: تستحبّ الفدية لغير القادر أيضا

، حذرا عن شبهة الخلاف، و اتّباعا لبعض الإطلاقات المتقدّمة.

بل يستحبّ أن يصوم عنه بعض ذوي قرابته بالتفصيل المأثور، فإن

______________________________

(1) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 384

لم تكن له قرابة يتصدّق، كما في رواية أبي بصير: الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم، فقال: «يصوم عنه بعض ولده»،

قلت: فإن لم يكن له ولد؟ قال:

«فأدنى قرابته»، قلت: فإن لم تكن له قرابة؟ قال: «يتصدّق بمدّ في كلّ يوم، فإن لم يكن عنده شي ء فليس عليه» «1».

ب: الفدية الواجبة و المستحبّة: مدّ

، بلا خلاف يعرف، لأكثر الأخبار المتقدّمة.

و ما ورد في بعضها من المدّين فحملوه على الاستحباب «2»، و هو كذلك، بل لا يثبت ممّا تضمّنه أكثر من الاستحباب.

و حمل في التهذيب ما تضمن المدّين على تفاوت مراتب القدرة «3».

و لا شاهد له.

ج: هل يجب عليهما القضاء بعد الاقتدار لو حصل؟

المشهور: نعم «4»، للإطلاقات.

و عن والد الصدوق: لا «5»، و يظهر من بعض آخر القول به من غيره أيضا، حيث قال: و قيل: لا، و حكي عن والد الصدوق أيضا «6». انتهى.

و اختاره غير واحد من مشايخنا «7»، و هو ظاهر النافع و المدارك «8».

______________________________

(1) التهذيب 4: 239- 699، الاستبصار 2: 104- 340، الوسائل 10: 213 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 11.

(2) كما في الاستبصار 2: 104، و المعتبر 2: 717، و المنتهى 2: 618.

(3) التهذيب 4: 239.

(4) كما في الرياض 1: 330.

(5) نقله عنه في المختلف: 245.

(6) الرياض 1: 330.

(7) كصاحب الحدائق 13: 424، و الرياض 1: 330.

(8) النافع: 72، المدارك 6: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 385

و هو الأقوى، لصحيحة محمّد و الرضوي المتقدّمين «1»، و رواية داود بن فرقد: فيمن ترك الصيام، فقال: «إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه، و إن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ» «2».

و لو قيل: بأنّها مبنيّة على الغالب من عدم الاقتدار، لأنهما لا يزالان في نقصان.

قلنا: فكذلك إطلاقات القضاء بالنسبة إلى المورد.

المسألة الثانية: ذو العطاش
اشاره

- و هو من به داء لا يروى و لا يتمكّن به من ترك شرب الماء طول النهار أصلا، أو إلّا مع مشقّة شديدة- يفطر إجماعا محققا، و محكيّا في المنتهى و التذكرة و التحرير «3»، و غيرها «4»، و للكتاب «5»، و السنّة المستفيضة عموما «6»- لكونه مرضا- و خصوصا، ككثير من الأخبار المتقدّمة.

و يجب عليه القضاء إن برئ من مرضه قبل رمضان الآتي، بلا خلاف كما عن ظاهر المختلف «7»، و صريح الحلّي «8»، لأنّه مريض يشمله عموم ما دلّ على وجوبه عليه.

و

مال بعض متأخّري المتأخّرين إلى السقوط «9»، لإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة النافية للقضاء، الذي هو أخصّ مطلقا من العمومات.

______________________________

(1) في ص: 364.

(2) التهذيب 4: 239- 700، الوسائل 10: 432 أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1.

(3) المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 281، التحرير 1: 85.

(4) كالمعتبر 2: 718.

(5) البقرة: 183.

(6) كما في الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

(7) المختلف: 245.

(8) السرائر 1: 400.

(9) كصاحب الحدائق 13: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 386

و يجاب عنه: بمنع كون التعارض بالعموم و الخصوص مطلقا، لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى حصول المرض، و أمّا بالنسبة إلى الانقطاع و الاستمرار عامّ، كما أنّ العمومات بالنسبة إلى الانقطاع خاصّ، و بالإضافة إلى المرض عامّ، فيمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر، و لكن ترجّح العمومات بموافقة الكتاب، و القطعيّة، و الاشتهار، بل عدم ظهور الخلاف.

و هل يجب عليه تصدّق المدّ، أم لا؟

الظاهر: الوجوب مطلقا، وفاقا للشيخ «1»، و جماعة «2»، لموثّقة ابن بكير «3»، و رواية داود بن فرقد، مضافا في صورة الاستمرار إلى ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى رمضان آخر.

و منهم من فصّل بين الاستمرار فأوجبه، و عدمه فنفاه، للأصل، و تنزيل بعض أخباره على صورة الاستمرار بالنسبة إلى القضاء.

و ضعفه ظاهر جدّا، لأنّ تنزيل البعض لا يوجب تنزيل غيره أيضا.

و هنا تفصيل آخر لا فائدة مهمّة في ذكره.

فرع: لو غلبه العطش لا لمرض

، فإن كان بحيث ينفي القدرة على الصيام- أو يوجب خوف الهلاك- يفطر و يقضي، لرواية يونس المتقدّمة «4»، و موثّقة الساباطي: في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه، قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه، و لا

يشرب حتى

______________________________

(1) في المبسوط 1: 285، و النهاية: 159.

(2) كما في المعتبر 2: 718.

(3) المتقدمة في ص: 379.

(4) في ص: 380، إلّا أنّها عن يونس عن المفضل بن عمر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 387

يروى» «1».

و لو انتفى الوصفان لا يجوز الإفطار و لو تضمّن المشقّة الشديدة، لأنّ بناء الصوم على تحمّل الجوع و العطش، و صرّحت بفضلهما الأخبار «2»، فهي خاصّة بالنسبة إلى عمومات العسر و الحرج.

المسألة الثالثة: الحامل المقرّب
اشاره

- و هي التي قرب زمان وضعها- و المرضعة القليلة اللبن، يجوز لهما الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما بالإجماع، للضرورة المبيحة لكلّ محظور إجماعا بل ضرورة، و لخصوص الرضوي المتقدّم.

و صحيحة محمّد: «الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أنّ تتصدق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد» «3».

و المرويّ في مستطرفات السرائر: امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان، فيشتدّ عليها الصوم و هي ترضع حتى غشي عليها، و لا تقدر على الصيام، أ ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع و تصوم، فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من ترضع ولدها فكيف تصنع؟

فكتب: «إن كانت ممّن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت

______________________________

(1) الكافي 4: 117- 6، الفقيه 2: 84- 376، التهذيب 4: 240- 702، الوسائل 10: 214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.

(2) انظر البحار 93: 246.

(3) الكافي 4: 117- 1، الفقيه 2: 84- 378، التهذيب 4: 239- 701، الوسائل 10: 215 أبواب من يصح منه

الصوم ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 388

صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها» «1».

و يجب عليهما التصدق لكلّ يوم بمدّ، وفاقا لجماعة «2»، بل الأكثر، للرضوي، و الصحيحة.

خلافا لجمع، ففصلوا بين الخوف على الولد و النفس، فأوجبوه على الأول دون الثاني «3». و لا وجه له، و عدم ذكره في رواية السرائر لا يدلّ على العدم.

و يجب عليهما القضاء أيضا على الأقوى الأشهر، بل عليه الإجماع عن الخلاف «4»، و نفى جماعة الخلاف عمّن عدا الديلمي أو والد الصدوق «5»، للصحيح، و المرويّ في السرائر.

و دليل المخالف: الرضوي، و عدم ذكره في الصحيح: إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها و أدركها الحبل و لم تقو على الصوم، قال: «فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين» «6».

و الأول: ضعيف غير منجبر. و الثاني: غير دالّ.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 67- 11، الوسائل 10: 216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 3. و الظئر: قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها- المصباح المنير:

388.

(2) كما في الخلاف 2: 196، و المعتبر 2: 719، و تبصرة المتعلمين: 57.

(3) انظر المنتهى 2: 619، و إيضاح الفوائد 1: 535، و المسالك 1: 82.

(4) الخلاف: 2: 196.

(5) انظر المنتهى 2: 619، و التنقيح الرائع 1: 396.

(6) الكافي 4: 137- 11، الفقيه 2: 95- 424، الوسائل 10: 216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 389

فرع: مقتضى إطلاق الأخبار و فتوى الأكثر بل صريح جماعة «1»:

عدم الفرق في المرضع بين الامّ و غيرها، و لا بين المتبرّعة و المستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها، أمّا لو قام-

بحيث لا يتضمّن الضرر على الظئر- فالأظهر عدم جواز الإفطار، لانتفاء الضرورة، و لرواية السرائر المتقدّمة، فإنّ فيها: «إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و أتمّت صيامها متى ما أمكنها».

المسألة الرابعة: من يسوغ له الإفطار يكره له التملّي من الطعام و الشراب

، سواء كان مريضا أو مسافرا أو حائضا أو شيخا، لفتوى الأكثر بذلك «2»، و هي كافية في مقام التسامح.

و تدلّ عليه في المسافر صحيحة ابن سنان: «إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلّا القوت، و ما أشرب كلّ الريّ» «3».

و كذا يكره الجماع أيضا كما مر في طيّ أحكام المسافر «4».

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 82، و المدارك 6: 300، و الحدائق 13: 431، و الكفاية: 54.

(2) الإرشاد 1: 304، و المفاتيح 1: 259، و الذخيرة: 536، و الكفاية: 54.

(3) الفقيه 2: 93- 416، التهذيب 4: 240- 705، الاستبصار 2: 105- 342، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 5، و هي في الكافي 4:

134- 5.

(4) راجع ص: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 391

المقصد الثاني في أقسام الصوم

اشاره

و هو واجب، و مندوب، و مكروه، و حرام.

فهاهنا مطالب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 393

المطلب الأوّل في الواجب

اشاره

و هو بحكم الاستقراء سبعة: صوم شهر رمضان، و قضاء الصوم الواجب المعيّن، و صوم الإجارة، و صوم النذر و ما في معناه، و صوم دم المتعة، و صوم الكفّارة، و صوم الاعتكاف.

و تظهر أحكام صوم الإجارة ممّا ذكر من أحكام استئجار الصلاة، فلا حكم له هنا مخصوص يذكر، و تأتي الأربعة الباقية في كتب النذر و الحجّ و الكفّارات و الاعتكاف، فيبقى ها هنا فصلان:

الفصل الأوّل في صوم شهر رمضان
اشاره

و هو واجب، بالكتاب «1»، و السنّة «2»، و إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين على جامع الشرائط المتقدّمة إذا دخل شهر رمضان.

و يعلم بأمور أربعة:
الأول: رؤية الهلال

، فمن رآه وجب عليه صومه ما لم يشكّ، سواء انفرد برؤيته أو شاركه غيره، عدلا كان أو غير عدل، شهد عند الحاكم أو لم يشهد، قبلت شهادته أو ردّت، بإجماعنا المحقّق، و المصرّح به في كلام

______________________________

(1) البقرة: 183 و 184.

(2) الوسائل 10: 239 أبواب أحكام شهر رمضان ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 394

جماعة «1»، و بالكتاب «2»، و أخبارنا المستفيضة «3».

الثاني: مضيّ ثلاثين يوما من شعبان

، بإجماع المسلمين، بل قيل:

إنّه من ضروريات الدين «4»، و في بعض الأخبار تصريح به «5».

الثالث: الشياع المفيد للعلم

، و لا خلاف في اعتباره في رؤية الهلال، كما عن المعتبر و التذكرة و المنتهى «6» و غيرها «7»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

بل ربّما يظهر الحكم فيه من جملة من الأخبار، كرواية سماعة: «إذا اجتمع أهل المصر على صيامه فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان» «8».

و رواية الأزدي: أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس، فقال: «إذا كان كذلك فصم بصيامهم و أفطر بفطرهم» «9».

و رواية أبي الجارود: «صم حين يصوم الناس، و أفطر حين يفطر الناس» «10».

و الأخرى: «الفطر يوم فطر الناس، و الأضحى يوم أضحى الناس» «11».

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 268، و الذخيرة: 530.

(2) البقرة: 185.

(3) الوسائل 10: 253 و 260 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 و 4.

(4) قال به صاحب المدارك 6: 165.

(5) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(6) المعتبر 2: 686، التذكرة 1: 271، المنتهى 2: 590.

(7) كالذخيرة: 530.

(8) الفقيه 2: 77- 339، الوسائل 10: 294 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 6.

(9) التهذيب 4: 163- 461، الوسائل 10: 293 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 3.

(10) التهذيب 4: 164- 462، الوسائل 10: 293 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 4.

(11) التهذيب 4: 317- 966، الوسائل 10: 133 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 395

و ظاهرهما: أنّه يصام متى شاعت الرؤية بين الناس و اشتهرت بحيث صاموا و أفطروا، من غير نظر إلى أن يكون فيهم عدل أم لا، و إن

احتمل أن يكون المراد: الأمر بمراعاة التقيّة في الصوم و الإفطار.

و هل يثبت الهلال بالشياع المفيد للظنّ أيضا، أم لا؟

حكي عن الفاضل: الأول، معلّلا بأنّ الظنّ الحاصل بشهادة الشاهدين حاصل مع الشياع «1»، و حكي عن الشهيد الثاني أيضا «2».

و حكي عنه أيضا في موضع من المسالك: اعتبار زيادة الظنّ الحاصل منه على ما يحصل منه بقول العدلين، لتحقّق الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة «3».

و ردّ: بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلا بإفادتهما الظنّ ليتعدّى إلى ما يحصل به ذلك و تتحقّق به الأولويّة المذكورة، و ليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل، و إنّما هو مستنبط فلا عبرة به، مع أنّ اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظنّ الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل بشهادة العدلين أو كان أقوى، و هو باطل إجماعا.

و الحقّ: الثاني، و عدم كفاية الظنّ، كما عن المحقّق في كتاب شهادات الشرائع و الفاضل في المنتهى و صاحب المدارك «4»، و جماعة من متأخّري المتأخّرين «5»، للأصل، و عدم دليل على حجّية هذا الظنّ، و استفاضة الأخبار بأنّه ليس الهلال بالرأي و لا الظنّ، و إنّ اليقين لا يدخل

______________________________

(1) التذكرة 1: 271.

(2) حكاه عنه في المدارك: 335 و هو في المسالك 1: 76.

(3) المسالك 2: 410.

(4) الشرائع 4: 133، المنتهى 2: 590، المدارك 6: 166.

(5) كصاحبي الحدائق 13: 245، و الرياض 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 396

فيه الشكّ، صم للرؤية و أفطر للرؤية «1».

و حيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد.

و لا فرق بين خبر المسلم و الكافر و الصغير و الكبير و الأنثى و الذكر، كما هو الحكم في

الخبر المتواتر.

الرابع: شهادة العدلين،
اشاره

يثبت بها الهلال مطلقا، صحوا كان أو غيما، كانا من خارج البلد أو داخله، عند المفيد و الإسكافي و السيّد و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين «2»، و غيرهما من المتأخّرين «3»، بل عليه الأكثر كما صرّح به جماعة «4».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    396     الرابع: شهادة العدلين، ..... ص : 396

خبار المستفيضة، كصحيحة الحلبي: «لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» «5».

و مرسلة الفقيه: «لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا تجوز إلّا شهادة رجلين عدلين» «6»، و نحوها صحيحة حمّاد «7».

______________________________

(1) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(2) المفيد في المقنعة: 297، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 234، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الحلي في السرائر 1:

380، المحقق في المعتبر 2: 686، العلّامة في التذكرة 1: 270، الشهيد في اللمعة و الشهيد الثاني في الروضة 2: 109.

(3) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 249، و صاحب المدارك 6: 167.

(4) انظر المعتبر 2: 686، و المدارك 6: 167، و الذخيرة: 531، و مشارق الشموس: 464، و غنائم الأيام: 447.

(5) الفقيه 2: 77- 338، التهذيب 4: 180- 499، الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.

(6) الفقيه 2: 77- 340 الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 7.

(7) الكافي 4: 77- 4، الوسائل 10: 287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 397

و صحيحة شعيب: «لا أجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا رجلين» «1».

و صحيحة منصور: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن

شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» «2».

و صحيحة الشحّام، و فيها: «إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» «3».

و رواية صبّار [1]: عن الرجل يصوم تسعة و عشرين يوما يفطر للرؤية و يصوم للرؤية أ يقضي يوما؟ فقال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا، إلّا أن يجي ء شاهدان عدلان فيشهدان أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما» «4»، إلى غير ذلك.

و عن الصدوق و الشيخ و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة:

الاقتصار في الثبوت بالعدلين إذا كانت في السماء علّة «5» كبعض ما ذكر، و كانا من خارج البلد كبعض آخر، إذا كانا منه كبعضهم أيضا.

و قيل بالثبوت بهما مع سدّ باب إمكان العلم «6». و قيل: مع انتفاء

______________________________

[1] في النسخ: صياد، و هو تصحيف.

______________________________

(1) التهذيب 4: 316- 962، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 9.

(2) التهذيب 4: 157- 436، الاستبصار 2: 63- 205، الوسائل 10: 287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4، و هو في المقنعة: 297.

(3) التهذيب 4: 155- 430، الاستبصار 2: 62- 200، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 4.

(4) التهذيب 4: 165- 468، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 21. و فيه عن صابر، بدل صبّار، و في هامش المخطوط منه: في نسخة: صبّار.

(5) الصدوق في المقنع: 58، الشيخ في المبسوط 1: 267، الحلبي في الكافي:

181، القاضي في المهذّب 1: 189، ابن حمزة في الوسيلة: 141، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(6) كما في الحدائق 13: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10،

ص: 398

ما يوجب التهمة «1». و يمكن إرجاعهما إلى القول السابق عليهما.

و دليل هذه الأقوال: صحيحة الخزّاز، و فيها: «لا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» «2».

و رواية حبيب الخزاعي: «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة، فأخبرا أنّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية» «3».

أقول: لا يخفى أنّه لا منافاة بين غير الأخيرتين من روايات القول الأول و بين روايتي القول الثاني، إذ غاية ما تفيده الأخبار المذكورة: قبول العدلين في الجملة، و لا تصريح فيها بالقبول في حال الصحو.

بخلاف الروايتين، فإنّ فيهما تصريحا بالعدم فيه، و مقتضى قاعدة الجمع المتّفق عليها تقييدها بهما، بل هو القاعدة لو كانت الروايات دالّة على القبول مطلقا أيضا، حملا للمطلق على المقيّد و العامّ على الخاصّ.

و منه يظهر لزوم تقييد الأخيرتين من روايات القول الأول أيضا.

و القول: بأنّه لا تصريح في الروايتين بعدم القبول مع الصحو مطلقا، بل مع تعارض الشهادات و إنكار من عدا العدلين لما شهدا به، و هو عين التهمة، و عدم القبول حينئذ مجمع عليه بالضرورة، إذ من شرائط العمل

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 319.

(2) التهذيب 4: 160- 451، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 10، و بدل: لا يجزئ، في النسخ: لا يجوز، و ما أثبتناه من المصدر.

(3) التهذيب 4: 159- 448، الاستبصار 2: 74- 227، الوسائل 10: 290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 399

بالبيّنة ارتفاع التهمة «1».

مردود بأنّه لا تعرّض في رواية الحبيب لاستهلال الغير و تعارض الشهادات أصلا، و كذا في مورد الاستدلال من صحيحة الخزّاز.

نعم، يتضمّن صدرها: أنّه ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: رأيته، و يقول الآخرون: لم نره، و ذلك ليس من باب تعارض الشهادات و إنكار ما شهد به العدلان أصلا.

نعم، مجرّد اختصاص الرؤية بالعدلين من بين أهل مصر و عدم وجود مانع موجب للتهمة أبدا.

و على هذا، فمقتضى ما ذكره من الإجماع على عدم قبول العدلين مع التهمة: عدم قبولهما في موضع النزاع- الذي هو الصحو مطلقا- و هو عين القول الثاني.

و لا يظهر محلّ اختلاف بينهما، إلّا إذا كان ثلاثة أو أربعة في برّ و شهد عدلان منهم بالرؤية، أو لم يتفحّص في المصر أحد، كما إذا كانت ليلة الثلاثين و لم يجوّز أهل المصر رؤية الهلال، فلم يستهلّوا، و رآه اثنان، أو لم يعلم حال غير العدلين أنّه هل يشهد أم لا، كما إذا شهد العدلان عند من في بيته و لم يخرج منه بعد، فإنّه ليس العدلان حينئذ محلّ التهمة، و مقتضى القول الأول و دليله: قبولها، دون الثاني.

إلّا أن يقال: إنّ ظاهر الروايتين أنّ موردهما المصر، و فيما إذا علم أنّه استهلّ أهل المصر و لم يشهد غير العدلين، كما يستفاد من صدر الصحيحة، بل من اشتراط وجود العلّة في السماء.

و ظهر من ذلك أنّ القول الفصل أن يقال: إنّ مقتضى العمومات قبول

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 400

العدلين مطلقا، خرج منه ما إذا كان صحوا و تفحّص أهل مصر- أي مجتمع الناس الكثيرين- و

لم يره غير العدلين منهم، إمّا لأجل التهمة، أو لإمكان تحصيل العلم، أو لعلّة أخرى، أو كان في السماء علّة عامّة و شهد شاهدان من البلد مع تفحّص الباقين، بالروايتين، و بقي الباقي.

و ترشد إلى عدم القبول في محلّ النزاع- و هو الصحو أو العلّة و كون الشاهدين من البلد و كونهما محلّ التهمة- المستفيضة من الروايات، المصرّحة بأنّ الرؤية الموجبة للصوم و الفطر ليست أن تقوم جماعة فتنظر و يراه واحد و لم يره الباقي، كصحيحة محمّد «1»، و روايتي حمّاد «2» و أبي العبّاس «3»، و غيرها «4».

و أمّا ما أجيب به عن الروايتين من أنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم، فهو مخالف لما عليه عمل المسلمين كافّة، فيكون ساقطا، مع أنّه لا يفيد اليقين، بل قوّة الظنّ، و هي تحصل بشهادة العدلين «5».

فمردود بأنّ من المحتمل أن يكون وروده فيهما مورد التمثيل لما يحصل به اليقين، و أنّ اعتباره من جهته لا لخصوصيّة فيه، و كذا في كلام من ذكره، فلا مخالفة، و لو لم يقبل ذلك فيكون في كلام من ذكر محمولا

______________________________

(1) الكافي 4: 77- 6، الفقيه 2: 76- 334، التهذيب 4: 156- 433، الاستبصار 2: 63- 203، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(2) التهذيب 4: 156- 433، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(3) الفقيه 2: 77- 336، التهذيب 4: 156- 431، الاستبصار 2: 63- 201، الوسائل 10: 290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12.

(4) انظر الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.

(5) انظر المعتبر 2: 688.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص:

401

على الحقيقة، و هم أساطين أهل الإسلام، فكيف يقال: إنّه مخالف لعمل المسلمين؟! و أمّا تسويته في الظنّ مع العدلين و إيجابها تسويتهما في القبول فهو من باب القياس المردود عندنا. فتأمّل.

و نقل في الشرائع قولا بعدم قبول العدلين في الهلال مطلقا «1».

و هو ضعيف مردود بجميع الروايات المتقدّمة.

فروع:
أ: قد صرّح جملة من الأصحاب- منهم:

الفاضل «2» و غيره «3»- بأنّه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين حكم الحاكم، بل لو رآه عدلان و لم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما و عرف عدالتهما الصوم أو الفطر.

و هو كذلك، لقوله في صحيحة منصور المتقدّمة: «فإن شهد عندك شاهدان» «4»، و في صحيحة الحلبي السالفة: «إلّا أن يشهد لك بيّنة عدول» [1].

ب: يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة

، وفاقا لشيخنا الشهيد الثاني و المدارك و الحدائق «5»، لعمومات قبول الشهادة على الشهادة، كمرسلة

______________________________

[1] لم تتقدم كذا صحيحة للحلبي، نعم هذا النصّ موجود في صحيحة الشحام المتقدمة في ص 397.

______________________________

(1) الشرائع 1: 199.

(2) في التذكرة 1: 271.

(3) كصاحب الحدائق 13: 258.

(4) راجع ص: 397.

(5) الشهيد الثاني في المسالك 1: 76، المدارك 6: 170 الحدائق 3: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 402

الفقيه: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل، و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» «1»، و غيرها «2».

و هذه العمومات هي مراد الشهيد الثاني، دون عمومات قبول شهادة العدلين، كما توهّمه في الذخيرة و ردّه: بأنّ المتبادر من النصوص شهادة الأصل «3».

خلافا للتذكرة، مسندا إيّاه إلى علمائنا «4»، للأصل، و اختصاص ورود القبول بالأموال.

و الأول مدفوع بما مرّ. و الثاني ممنوع.

ج: تقبل شهادة العدلين على الاستفاضة المفيدة للعلم

، كما صرّح به جملة من الأصحاب «5»، لصحيحة هشام فيمن صام تسعة و عشرين: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا للثلاثين على رؤية قضى يوما» «6».

د: لو اختلف الشاهدان فيما تسمع شهادتهما في صفة الهلال بالاستقامة و الانحراف

، ففي المدارك: أنّه تبطل شهادتهما «7»، و لا بأس به.

و كذلك لو اختلفا في جهة الحدبة أو موضع الهلال، لاختلاف المشهود به.

و قال: و لا كذلك لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتّحاد الليلة. و هو كذلك.

______________________________

(1) الفقيه 3: 41- 135، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.

(2) الوسائل 27: 402 أبواب الشهادات ب 44.

(3) الذخيرة: 531.

(4) التذكرة 1: 270.

(5) كما في المدارك 6: 170، و الحدائق 13: 262.

(6) التهذيب 4: 158- 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 13.

(7) المدارك 6: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 403

ه: لو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين مثلا و الآخر برؤية رمضان الأربعاء

، لم يقبل على الأظهر، لتغاير ما شهد به كلّ واحد مع الآخر، فلا يثبت شي ء منهما، و لوجوب الاقتصار في إثبات أمر مخالف للأصل على موضع اليقين، و لا يعلم من الأخبار قبول مثل ذلك.

و في المدارك احتمل القبول، لاتّفاقهما في المعنى «1». و هو غير مفيد.

و: لا يكفي قول الشاهد: اليوم الصوم أو الفطر

، بل يجب على السامع الاستفصال، لاختلاف الأقوال، و إمكان الاستناد إلى أمر غير مقبول، و للأصل المذكور.

و في المدارك: نعم، لو علمت الموافقة أجزأ الإطلاق «2».

و فيه: أنّ الموافقة في القول لا تنفي الاشتباه في المستند. و بالجملة مقتضى الأصل: عدم القبول.

و لا يثبت الهلال بغير ما ذكر.

و ها هنا أمور أخر اعتمد إلى كلّ منها بعضهم:
منها: العدل الواحد

، فإنّه لا يقبل في ثبوت الهلال مطلقا على الحقّ المشهور، بل عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه «3»، للأصل، و الاستصحاب، و المستفيضة المصرّحة بأنّه لا يقبل في الهلال غير العدلين «4».

خلافا للديلمي، فقبله في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم خاصّة دون غيره من أجل و مدّة «5»، للاحتياط.

______________________________

(1) المدارك 6: 170.

(2) المدارك 6: 170.

(3) الخلاف 2: 172، الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(4) انظر الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.

(5) المراسم: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 404

و صحيحة محمّد بن قيس: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين» الحديث «1».

و فحوى رواية داود بن الحصين: «و لا بأس بالصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة» «2».

و رواية يونس بن يعقوب: قال له غلام: إنّي رأيت الهلال، قال:

«اذهب فأعلمهم» «3»، و بعض الروايات العامّية «4»، و الوجوه الاستحسانيّة.

و يردّ الأول: بأنّه على تقدير تسليمه ليس دليلا شرعيّا، مع أنّه إنّما يتمّ على القول بجواز صوم يوم الشكّ بنيّة رمضان، و أمّا على القول الأقرب فلا يمكن الاحتياط بصومه بنيّته، و نيّة شعبان ليس فيها عمل بشهادة الواحد، بل عدول عنها.

و الثاني أولا: بأنّه مخالف للمطلوب، لوروده بالقبول في أول شوّال.

و ثانيا: بأنّ لفظ العدل كما يطلق على الواحد يطلق على الزائد، لأنّه مصدر يصدق على القليل و الكثير،

تقول: رجل عدل، و رجلان عدل، و رجال عدل.

و ثالثا: باختلاف النسخ، فبعضها كما ذكر، و آخر مكان «أو شهد عدل»: «و اشهدوا عليه عدولا»، و في ثالث مكانه: «أو يشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين»، و على هذا فلا تكون حجّة.

______________________________

(1) الفقيه 2: 77- 337، التهذيب 4: 158- 440، الاستبصار 2: 64- 207، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.

(2) التهذيب 4: 269- 726، الاستبصار 3: 30- 98، الوسائل 10: 291 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15.

(3) التهذيب 4: 161- 453، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 15.

(4) انظر سنن النسائي 4: 131، و سنن أبي داود 2: 302، و سنن الترمذي 2: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 405

و رابعا: بعدم الحجّية، لمخالفة الشهرة العظيمة، الموجبة لدخوله في حيّز الشذوذ.

و خامسا: بعدم معارضته للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

و الثالث: بالأخيرين، مضافا إلى معارضته مع ما نصّ على عدم قبول شهادة النساء، و هو كثير، و عليه الإجماع عن الانتصار و الغنية «1». و إلى أنّ الديلمي لا يقبل الامرأة الواحدة، فالأصل عنده مردود، فكيف يبقى الفرع؟! و الرابع: بأنّه لا دلالة فيه على الإجزاء بشهادته، بل أمره بالشهادة، لجواز أن يكون رآه غيره أيضا.

و منها: الجدول

، و المراد منه: التقويم المتعارف، الموضوع لضبط بعض الأحوال المتعلّقة ببعض الكواكب في السنة، كما هو الظاهر.

أو جدول أهل الحساب المتضمّن لثبت شهر تامّا و شهر ناقصا سوى الكبيسة، كما صرّح به في الروضة «2».

أو جدول كان وضعه عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، و نسبه إلى الصادق عليه السّلام، كما صرّح به

في الغنية «3»:.

و العدد، سواء كان بمعنى عدّ شعبان ناقصا و رمضان تامّا أبدا، أو عدّ شهر تامّا و آخر ناقصا مطلقا في جميع السنة مبتدأ من المحرّم، أو عدّ خمسة أيّام من هلال رمضان الماضي و جعل الخامس أول الحاضر، أو عدّ تسعة و خمسين من هلال رجب، أو عدّ كلّ شهر ثلاثين.

و التطوّق بظهور النور في جرمه مستديرا.

______________________________

(1) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(2) الروضة 2: 110.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 406

و غيبوبة الهلال بعد الشفق.

و رؤية ظلّ الرأس في ظلّ القمر.

فإنّه لا عبرة بشي ء منها في ثبوت أول الشهر على الحقّ المشهور بين قدماء أصحابنا «1»، و متأخريهم «2»، بل على نفي بعضها الإجماع، أو عدم الخلاف في بعض عبارات الأصحاب «3»، بل على عدم اعتبار كثير منها الإجماع المعلوم، فهو فيه الحجّة.

مضافا في الجميع إلى الأصل، و الاستصحاب، و مفهوم الشرط في المستفيضة، المصرّحة باشتراط الصوم و الفطر بالرؤية، كما في صحيحتي الحلبي «4» و محمّد «5»، و رواية عبد السلام «6»، و قوله في صحيحة البصري:

«لا تصم إلّا أن تراه» «7»، و التحذير في المستفيضة عن متابعة الشكّ و الظنّ في أمر الهلال، و شي ء من المذكورات لا يتجاوز عن الظنّ.

و في خصوص الأول إلى صحيحة محمّد بن عيسى: ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان، فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علّة، فيفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقية و الأندلس، فهل يجوز- يا مولاي- ما قال الحسّاب في هذا

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 267.

(2) انظر القواعد 1: 69، و اللمعة

(الروضة 2): 110، و المدارك 6: 175.

(3) كما في التنقيح الرائع 1: 376، و الذخيرة: 534، و الحدائق 13: 291.

(4) الكافي 4: 76- 1، الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 1.

(5) الفقيه 6: 76- 334، التهذيب 4: 156- 433، الاستبصار 2: 63- 203، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(6) التهذيب 4: 164- 465، الوسائل 10: 257 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 20.

(7) التهذيب 4: 157- 439، الاستبصار 2: 64- 206، الوسائل 10: 254 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 407

الباب، حتى يختلف الفرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع عليه السّلام: «لا تصومنّ بالشكّ، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» «1»، بناء على أن يكون المراد: لا يحصل من قول الحسّاب سوى الشكّ، فلا تصومنّ به.

و يمكن أن يكون المعنى: أنّه لا يحصل من الرؤية في مصر و أخويه سوى الشكّ بالنسبة إلى بلدكم، فلا تصومنّ لأجله، و لا يدلّ على المطلوب حينئذ.

و قد يردّ ذلك أيضا بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما انزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله» «2».

و فيه: أنّ علم النجوم هو العلم بآثار حلول الكواكب في البروج و الدرجات و آثار مقارناتها و سائر أنظارها و نحوه. و التنجيم هو الحكم بمقتضى تلك الآثار. و بناء الجدول على حساب سير القمر و الشمس، و هو غير التنجيم، و يقال لأهله: الحسّاب، كما مرّ في الصحيحة المتقدّمة، و ليس هو إلّا مثل حساب حركة الشمس و الإخبار عن

أوائل الشهور الروميّة و الفرسيّة، و ذلك ليس من التنجيم أصلا.

و في الثاني- بمعانيه الثلاثة الاولى- إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها- بل المتواترة معنى- الدالّة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يزيد و ينقص، و قد يكون تسعة و عشرين يوما، كأخبار الحلبي «3»، و الشحّام «4»،

______________________________

(1) التهذيب 4: 159- 446، الوسائل 10: 297 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 1.

(2) المعتبر 2: 688، الوسائل 10: 297 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2.

(3) التهذيب 4: 161- 455، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 17.

(4) التهذيب 4: 155- 430، الاستبصار 2: 62- 200، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 408

و ابن سنان «1»، و أبي أحمد «2»، و الغنوي «3»، و عبد الأعلى «4»، و صبّار «5»، و هشام بن الحكم «6»، و الواسطي «7»، و جابر «8»، و إسحاق بن حريز «9»، و محمّد «10»، و قطر بن عبد الملك «11»، و الرضوي «12»، و الأحمر «13»،

______________________________

(1) التهذيب 4: 163- 459، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 19.

(2) التهذيب 4: 163- 460، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 20.

(3) التهذيب 4: 160- 449، الوسائل 10: 256 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 15.

(4) التهذيب 4: 164- 466، الوسائل 10: 258 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 24.

(5) التهذيب 4: 165- 468، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 21.

(6) التهذيب 4: 158- 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح

13.

(7) التهذيب 4: 161- 454، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 16.

(8) التهذيب 4: 162- 456، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 18.

(9) التهذيب 4: 162- 458، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 2، و فيه: عن إسحاق بن جرير.

(10) التهذيب 4: 155- 429، الاستبصار 2: 62- 199، الوسائل 10: 261 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 1.

(11) التهذيب 4: 166- 471، الوسائل 10: 268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 23.

(12) فقه الرضا «ع»: 203، مستدرك الوسائل 7: 406 أبواب أحكام شهر رمضان ب 4 ح 2.

(13) التهذيب 4: 165- 470، الوسائل 10: 268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 409

و رفاعة «1»، و عبيد بن زرارة «2»، و حمّاد «3»، و يونس بن يعقوب «4»، و أبي بصير «5»، و محمّد بن الفضيل «6».

و بجميع معانيه إلى المخالفة للرؤية كثيرا، فإنّه قد تحقّقت الرؤية منافية لجميعها في كثير من الأوقات، إلّا أن يكون بناء المخالف على عدم الاعتبار بالرؤية أصلا، كما هو المصرّح به في عبارات بعض القدماء، الرادّ له، كالناصرية و الخلاف و التهذيب و الغنية «7».

و لكن صرّح في الحدائق: بأنّ الصدوق- مع تصلّبه و مبالغته في العدد- صرّح بوجوب الصيام للرؤية، و الإفطار للرؤية و عقد لذلك بابا «8».

و هو كذلك.

و في الثالث: إلى رواية أبي عليّ بن راشد: كتب إليّ أبو الحسن العسكري عليه السّلام كتابا، و أرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، و ذلك في

______________________________

(1) الاستبصار 2: 63- 202، الوسائل 10: 263 أبواب أحكام شهر

رمضان ب 5 ح 6.

(2) التهذيب 4: 157- 435، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 10.

(3) التهذيب 4: 160- 452، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 3.

(4) التهذيب 4: 160- 450، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 14.

(5) المقنعة: 269، الوسائل 10: 259 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 27.

(6) التهذيب 4: 166- 474، الوسائل 10: 263 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 7.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 169، التهذيب 4: 154، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(8) الحدائق 13: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 410

سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شكّ و صام أهل بغداد يوم الخميس، و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إليّ: «زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا»، قال: ثمَّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبته به إليه، فقال لي: «أ و لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس، و لا تصم إلّا للرؤية؟!» «1».

و التقريب: أنّه و إن كان ما كتبه إلى الإمام عليه السّلام غير مصرّح به، إلّا أنّ ظاهر السياق يدلّ على أنّه كتب إليه بما ذكره من وقوع الشك في بغداد يوم الأربعاء، إلى آخر ما في الخبر.

ثمَّ مع قطع النظر عن معلوميّة ما كتب إليه و أنّ المنقول عنه ما هو، فإنّ أخباره في صدر الخبر بكونه عليه السّلام كتب إليه كتابا أرّخه بالتاريخ المشعر بكون أربعاء من شهر شعبان- و كذا

جوابه بقوله «صمت بصيامنا» و كان صيامه يوم الخميس، كما يدلّ عليه قوله: «أ و لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس» مع إخبار الراوي بأنّ الهلال ليلة الخميس لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل- ظاهر الدلالة على أنّ مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن يكون لليلتين.

خلافا في الأول للمحكيّ في الخلاف عن شاذّ منّا «2»، و في المنتهى عن بعض الجمهور، لإيجابه الظن «3»، و قوله عزّ شأنه (وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) «4»، و الرجوع إلى النجوم في القبلة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 167- 475، الوسائل 10: 281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1.

(2) الخلاف 2: 169.

(3) المنتهى 2: 588.

(4) النحل: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 411

و ضعف الكلّ ظاهر.

و قيل: مع أنّ أهل الجدول لا يثبتون فيه أول الشهر بمعنى جواز الرؤية، بل بمعنى تأخّر القمر عن محاذاة الشمس، مع اعترافهم بأنّه قد لا يمكن الرؤية «1».

و هو خطأ ناشئ عن عدم الاطّلاع عن طريقة الجداول، فإنّ فيها لا يثبت تأخّر القمر عن المحاذاة المذكورة، بل خروجه عن تحت الشعاع و كيفيّة بعده عنها و عرضه، ثمَّ بواسطتها يثبتون إمكان الرؤية، بل وقوعها.

و في الثاني للمحكيّ عن المفيد في بعض كتبه «2» و الصدوق في الفقيه «3»، و حكاه في المعتبر عن قوم من الحشويّة «4».

لقوله سبحانه (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «5»، و قوله (وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) «6».

و الروايات الكثيرة الدالّة على تماميّة شهر رمضان أبدا خاصّة، أو عليها و على تماميّة شهر و نقصان شهر، كروايتي حذيفة بن منصور «7»، و الروايات الثلاث لمعاذ بن كثير «8»، و روايتي شعيب «9»، و رواية ابن

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 319.

(2) حكاه عن لمح

البرهان للمفيد في إقبال الأعمال: 5.

(3) الفقيه 2: 111.

(4) المعتبر 2: 688.

(5) البقرة: 184.

(6) البقرة: 185.

(7) التهذيب 4: 168- 479 و 481، الاستبصار 2: 65- 213 و 215، الوسائل 10: 269 و 270 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 26 و 29.

(8) التهذيب 4: 167- 477 و 478 و 480، الاستبصار 2: 65- 211 و 212، 214، الوسائل 10: 268 و 269 و 270 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 24 و 25 و 28.

(9) التهذيب 4: 171- 483 و 484، الاستبصار 2: 67- 216، 217، الوسائل 10: 271 و 272 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 32 و 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 412

عمّار «1»، و مراسيل محمّد بن إسماعيل «2» و أبي بصير «3» و ياسر الخادم «4».

و ضعف دلالة الأولين ظاهر.

و أمّا الروايات، و هي و إن كانت مخالفة للعامّة- كما صرّح به في الفقيه «5»، و هي من المرجّحات- إلّا أنّها مخالفة للظواهر و العمومات القرآنية- كما في الوافي «6»- و هي من الموهنات، و مع ذلك فهي شاذّة- كما صرّح به في الخلاف و الغنية «7»، و يستفاد من الناصريّات و المعتبر «8»- و مخالفة للشهرة القديمة و الجديدة، بل الإجماع المحقّق، فهي خارجة عن حيّز الحجية مطروحة بالكلية.

هذا، مع أنّه على ما صرّح به في الحدائق لا يظهر لهذا الخلاف كثير ثمرة، لأنّه نقل عن الصدوق- الذي هو أهل ذلك القول، إذ لم يثبت من غيره- أنّه أوجب الصوم للرؤية و الفطر لها، و مع تغيّم ليلة الثلاثين من شعبان قال باستحباب صومه من شعبان و إجزائه عن رمضان لو ظهر أنّه منه «9».

______________________________

(1)

التهذيب 4: 176- 487، الاستبصار 2: 72- 220، الوسائل 10: 271 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 31.

(2) الكافي 4: 78- 2، التهذيب 4: 172- 485، الاستبصار 2: 62- 218، الوسائل 10: 272 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 34.

(3) الفقيه 2: 111- 473، الخصال: 531- 7، الوسائل 5: 273 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 35.

(4) الفقيه 2: 111- 474، الخصال: 530- 5، الوسائل 10: 273 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 36.

(5) الفقيه 2: 111.

(6) الوافي 11: 146.

(7) الخلاف 2: 169، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، المعتبر 2: 688.

(9) الحدائق 13: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 413

ثمَّ إن كان خلافهما مختصّا بشهري شعبان و رمضان- أي يقولان بالنقصان و التمام الأبديّين فيهما خاصّتين- يكونان مخالفين في العدد بالمعنى الأول خاصّة، و إن كانا يقولان بالعدد بالمعنى الثاني- كما هو الظاهر، و يدلّ عليه كثير من أخبارهما المتقدّمة- فيكونان مخالفين في العدد بجميع معانيه، إذ المعنى الثاني منه يستلزم جميع معانيه و إن لم يكن بالعكس كما لا يخفى، و يكون لهما موافق من الأصحاب في الجملة أيضا.

فإنّه ذهب في المراسم و الإرشاد و القواعد بالبناء على العدد إذا غمّت الشهور أجمع من غير تفسير «1». و لكن الظاهر أنّ مرادهما عدّ الخمسة الآتية.

و في تمهيد القواعد بالبناء على عدّ شهر تامّا و شهر ناقصا، أو عدّ خمسة من هلال رمضان السنة الماضية حينئذ «2».

و في المبسوط و المختلف و التحرير و المنتهى و التذكرة بالبناء على عدّ الخمسة حينئذ «3».

و الإسكافي بنى على عدّ الخمسة في غير السنة الكبيسة و الستّة فيها حينئذ كما

قيل «4». أو مطلقا، كما عن التنقيح «5» و غيره «6».

و العماني بنى على عدّ تسعة و خمسين من رجب «7».

______________________________

(1) المراسم: 96، الإرشاد 1: 303، القواعد 1: 69.

(2) تمهيد القواعد (الذكرى): 44.

(3) المبسوط 1: 268، المختلف: 236، التحرير 1: 82، المنتهى 2: 592، التذكرة 1: 271.

(4) في المختلف: 236.

(5) التنقيح 1: 377.

(6) كالمعتبر 2: 688، و الجامع للشرائع: 154.

(7) حكاه عنه في المختلف: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 414

و يستدل لعدّ الخمسة مطلقا بالمستفيضة، كرواية الزعفراني: إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة فأيّ يوم نصوم؟ قال: «أفطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية و صم يوم الخامس» «1»، و قريبة منها روايته الأخرى «2».

و رواية الخدري: «صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول» «3»، و قريبة منها مرسلة الفقيه «4»، و المرويّ في الإقبال عن عاصم بن حميد «5»، و كذا الرضوي «6».

و لعدّها في غير السنة الكبيسة برواية السيّاري: عمّا روي من الحساب في الصوم عن آبائك في عدّ خمسة أيّام بين أول السنة الماضية و السنة الثانية التي تأتي؟ فكتب: «صحيح، و لكن عدّ في كلّ أربع سنين خمسا، و في السنة الخامسة ستّا فيما بين الاولى و الحادث، و فيما سوى ذلك فإنّما هو خمسة خمسة»، قال السيّاري: و هذه من جهة الكبيسة، الحديث «7».

مضافا إلى موافقته للعادة، كما صرّح به جماعة «8»، قال القزويني في

______________________________

(1) الكافي 4: 80- 1، التهذيب 4: 179- 496، الاستبصار 2: 76- 230، المقنع: 59، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 81- 4، التهذيب 4: 179- 497، الاستبصار 2:

76- 231، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3.

(3) الكافي 4: 81- 2، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 1.

(4) الفقيه 2: 78- 345، الوسائل 10: 284 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 4.

(5) الإقبال: 15، الوسائل 10: 285 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 8.

(6) فقه الرضا «ع»: 209، مستدرك الوسائل 7: 416 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.

(7) الكافي 4: 81- 3، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 2.

(8) انظر التذكرة 1: 271، و الإيضاح 1: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 415

عجائب المخلوقات: و قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا.

و لعدّ تسعة و خمسين بمرفوعة إلى أبي خالد: «إذا صحّ هلال رجب فعدّ تسعة و خمسين يوما و صم يوم الستّين» «1».

و تضعّف الروايات بأجمعها بمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار المشترطة للصوم و الفطر بالرؤية «2»، و الدالّة على أنّه مع الغيم يعدّ الشهر السابق ثلاثين، كموثقتي البصري «3» و ابن عمّار: سألته عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: «لا تصم إلّا أن تراه» الحديث «4».

و رواية محمّد بن قيس، و فيها: «و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا» «5».

و موثّقة إسحاق، و فيها: «فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين» «6».

مضافا إلى أنّ في شي ء منها ليس التقييد بتغيّم الشهور كلّه، و التقييد للجمع فرع الشاهد.

و أمّا موافقة العادة، ففيها: أنّها إن كانت مفيدة للمظنّة فما وجه حجّيتها؟! و إن كانت مفيدة للقطع فما وجه التخصيص بصورة التغيّم؟! بل يجب العمل بها مع الصحو

أيضا و هم لا يقولون به.

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 285 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 7.

(2) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(3) المتقدمة في ص: 406.

(4) التهذيب 4: 178- 493، الاستبصار 2: 73- 224، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 3.

(5) الفقيه 2: 77- 337، التهذيب 4: 158- 440، الاستبصار 2: 64- 207، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.

(6) التهذيب 4: 158- 441، الاستبصار 2: 64- 208، الوسائل 10: 255 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 416

مضافا إلى أنّ المسلّم من العادة لو كانت إنّما هي عدم تماميّة جميع شهور السنة، و أمّا كون شهر تامّا و شهر ناقصا- حتى يقع أول المستقبل مضيّ الخمس من الماضي- فلم تثبت فيه عادة أصلا، بل يمكن أن يكون الرابع أو الثالث.

فإن قيل: العادة المقطوعة بها و إن لم تكن حاصلة بالنسبة إلى عدد الخمسة، إلّا أنّا نعلم قطعا عاديّا أنّ جميع شهور السنة لا تكون تامّة، فمع تغيّم الشهور كلّها يعلم قطعا أنّ عدّ الكل ثلاثين مخالف للواقع، فكيف يعدّ كذلك؟! قلنا: هذا إنّما يرد لو كان العمل بالثلاثين للأصل و الاستصحاب، فإنّهما لا يجريان مع القطع المذكور، و أمّا لو كان لأجل الروايات فلا يرد ذلك، لأنّ مدلولها أنّ الشهر حينئذ ثلاثين، سواء كان الهلال قبله في الواقع أو لا، فيكون اعتبار الهلال مع إمكان رؤيته، و بدونه يكون الاعتبار بالثلاثين، و إن أمر بالقضاء لو ظهر الخطأ قبله فإنّه إنّما هو للأمر الجديد.

و خلافا في الثالث للمحكيّ عن ظاهر الفقيه «1».

و في الرابع

له «2» و للمحكيّ عن المقنع «3»، و مال إليه في الذخيرة و نسبه إلى ظاهر بعض المتأخّرين، فجعلوه فيهما لليلتين «4».

و في الخامس للمقنع و رسالة والد الصدوق، فجعلاه لثلاث ليال «5».

كلّ ذلك لدليل الاعتبار و الأخبار، كصحيحة مرازم: «إذا تطوّق الهلال

______________________________

(1) الفقيه 2: 80.

(2) الفقيه 2: 78.

(3) المقنع: 58.

(4) الذخيرة: 533.

(5) المقنع: 58، نقله عن والد الصدوق في المختلف: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 417

فهو الليلتين، و إذا رأيت ظلّ نفسك فيه فهو لثلاث ليال» «1».

و رواية الصلت: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» «2»، و نحوها رواية إسماعيل بن الحرّ «3».

و الرضوي: «و قد روي: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، و إذا رأيت ظلّ رأسك فهو لثلاث ليال» «4».

و أجيب عنها- مضافا إلى مخالفتها للشهرة العظيمة الموجبة للشذوذ المخرج عن الحجّيّة-: بأنّها لا تعارض ما مرّ من تعلّق الفطر و الصوم على الرؤية و بدونها على عدّ الثلاثين فيهما، إذ لا [منافاة] «5» بين كون الهلال في الواقع و ترتّب الصوم و الفطر على غيره.

و غاية ما يدلّ عليه الاعتبار و هذه الأخبار: أنّ هذه الأحوال تدلّ على أنّ الليلة السابقة كانت ذات هلال و أول الشهر، و ذلك لا ينافي ما دلّ على عدم وجوب الصوم أو الفطر، إذ يمكن أن يكونان مترتّبين على رؤية الهلال الصائم و المفطر بنفسه أو شهوده، لا تحقّق الهلال.

مع أنّه على فرض المعارضة لا يقاوم ما مرّ، فيرجع إلى الأصل.

و يضعف الأول: بأنّ الأخبار و إن كانت كذلك، و لكن الاعتبار ممّا

______________________________

(1) الكافي 4: 78- 11،

الفقيه 2: 78- 342، التهذيب 4: 178- 495، الاستبصار 2: 75- 229، الوسائل 10: 281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2، و في الجميع: ظل رأسك.

(2) الكافي 4: 77- 7، الوسائل 10: 282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.

(3) الفقيه 2: 78- 343، التهذيب 4: 178- 494، الاستبصار 2: 75- 228، الوسائل 10: 282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.

(4) فقه الرضا «ع»: 209، مستدرك الوسائل 7: 415 أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1.

(5) في النسخ: لا ملازمة، و لعل الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 418

لا يقبل الإنكار، و ترانا و يحصل لنا القطع بتقدّم أول الشهر مع واحد من تلك الحالات، سيّما التطوّق و رؤية الظلّ.

و الثاني: بأنّه لو سلّم ما ذكر لم يفد في عدّ الثلاثين، لأنّه إذا كان حينئذ الليلة الثانية أو الثالثة يجب البناء عليه في عدّ الثلاثين من أول الشهر، و يتمّ الكلام بعدم القول بالفصل.

و الثالث: بمنع عدم التقاوم، سيّما مع التعارض بالعموم المطلق، الموجب لتقديم الخاصّ.

و الإنصاف: أنّا لو رفعنا اليد عن الأخبار- للشذوذ- فلا يمكن ترك المعلوم بالاعتبار، سيّما بالنسبة إلى الأمرين.

إلّا أن يقال: إنّه إذا قطع النظر عن الأخبار لا يحصل من الاعتبار إلّا وجود الهلال في الليلة السابقة، أمّا كونها أول الشهر شرعا و كون تلك الليلة ثانيتها أو ثالثتها فلا دليل عليه، بل تردّه الأخبار المعارضة لتلك الأخبار، و لا يشهد الاعتبار بالأمور الشرعيّة.

فإذن الأظهر عدم اعتبار تلك الأمور في تعيين مبدأ الشهر الشرعي.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى:

هل يجب قبول حكم الحاكم في ثبوت الهلال، أم لا؟

و هو إمّا يكون بحكمه بعد ثبوته عنده بشاهدين

أو الشياع، أو بعد رؤيته بنفسه.

فعلى الأول، ففي الحدائق: أنّ ظاهر الأصحاب وجوب القبول، و نقل عن بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين: العدم، و مال هو إليه أيضا «1».

دليل الأول: الأخبار الدالّة بعمومها أو إطلاقها على وجوب الرجوع

______________________________

(1) الحدائق 13: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 419

إلى حكم الفقيه «1».

و قوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا ردّه» «2».

و التوقيع الرفيع: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه أحاديثنا» «3».

و خصوص صحيحة محمّد بن قيس: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار» «4».

و يرد على الأول: أنّ كلّها واردة فيما يتعلّق بالدعاوي و القضاء بين الخصوم و الفتوى في الأحكام الشرعيّة، و وجوب القبول فيها ممّا لا نزاع فيه.

و كذا المقبولة، مع أنّ صدق قوله: «حكمنا» على مثل ثبوت الهلال و رؤيته محل الكلام.

و أمّا التوقيع، فالمتبادر منه الرجوع إلى رواه الأحاديث لأجل رواية الحديث، مع أنّ الثابت منه وجوب الرجوع إليهم و هو مسلّم، و الكلام فيما يحكم به الفقيه حينئذ، فإنّه لا شكّ في أنّه إذا ثبت عند الفقيه الهلال و أفتى بوجوب قبول قوله فيه أيضا- لكون فتواه كذلك- يجب القبول، و إنّما الكلام في ما يفتي به. و لا يدلّ الرجوع إليهم أنّهم إذا قالوا: ثبت عندنا الهلال، يجب الصوم أو الفطر، بل هذا أيضا واقعة حادثة، فيجب الرجوع

______________________________

(1) الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11.

(2) الكافي 7: 412- 5، التهذيب 6: 218- 514، الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.

(3) الاحتجاج 2: 470، كمال الدين: 484-

4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.

(4) الكافي 4: 169- 1، الفقيه 2: 109- 267، الوسائل 10: 275 أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 420

فيها بأن يسأل عنه: إذا ثبت عندك فما حكمنا؟

و أمّا الصحيحة، فهي واردة في حقّ الإمام، و هو الظاهر في إمام الأصل، و أصالة ثبوت كلّ حكم ثبت له لنائبه العامّ أيضا غير معلومة بدليل «1».

و دليل الثاني- و هو الأقوى-: الأصل، و الأخبار المعلّقة للصوم و الفطر على الرؤية أو مضي الثلاثين، و الناهية عن اتّباع الشكّ و الظنّ في أمر الهلال، و قول الحاكم لا يفيد أزيد من الظنّ.

و على الثاني، فعن الدروس و الذخيرة «2» و غيرهما «3» أيضا الأول، لبعض ما مرّ. و الأقوى فيه أيضا الثاني، لما ذكر.

المسألة الثانية:

إذا رؤي الهلال في أحد البلدين المتقاربين ثبت حكمه لأهل البلد الآخر أيضا إجماعا، و لقوله عليه السلام في موثّقة البصري: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» «4».

و في صحيحة هشام: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية قضي يوما» «5».

و إن كان البلدان متباعدين، فقال جماعة: لم يثبت حكم بلد الآخر «6».

______________________________

(1) ليست في «س».

(2) الدروس 1: 286، الذخيرة: 531.

(3) كما في الكفاية: 52.

(4) التهذيب 4: 157- 439، الاستبصار 2: 64- 206، الوسائل 10: 254 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 9، و قد عبّر الماتن عن هذه الموثقة بالصحيحة في ص 479 فلاحظ.

(5) التهذيب 4: 158- 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 13.

(6) كما في المعتبر 2: 689، و الإرشاد 1: 303،

و المسالك 1: 76، و المفاتيح 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 421

و حكى في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بأنّ حكم البلاد كلّها واحد «1»، و إلى هذا القول ذهب في المنتهى في أول كلامه «2».

أقول: تحقيق المقام في ذلك المرام: أنّه ممّا لا ريب فيه أنّه يمكن أن يرى الهلال في بعض البلاد و لا يرى في بعض آخر مع الفحص، و اختلاف البلدين في الرؤية إمّا يكون للاختلاف في الأوضاع الهوائيّة أو الأرضيّة- كالغيم و الصحو و صفاء الهواء و كدرته و غلظة الأبخرة و رقّتها و تسطيح الأرض و تضريسها و نحو ذلك- أو للاختلاف في الأوضاع السماويّة، و ذلك إمّا يكون لأجل الاختلاف في عرض البلد أو طوله.

أمّا اختلاف الرؤية لأجل الاختلاف في العرض فيمكن من وجهين: أحدهما: أنّ كلّ بلد يكون عرضه أكثر فتكون دائرة مدار حركة النيّرين فيه في الأغلب أبعد من الاستواء، و يكون اضطجاعها إلى الأفق أكثر، و لأجله يكون الهلال عند الغروب إلى الأفق أقرب، و لذلك يكون قربه إلى الأغبرة المجتمعة في حوال الأفق أكثر، فتكون رؤيته أصعب، و لكن ذلك لا يختلف إلّا باختلاف كثير في العرض.

و ثانيهما: من الوجه الذي سيظهر ممّا يذكر.

و أمّا الاختلاف لأجل الاختلاف في الطول فهو لأجل أنّ كلّ بلد طوله أكثر و عن جزائر الخالدات- التي هي مبدأ الطول على الأشهر- أبعد يغرب النيّران فيه قبل غروبهما في البلد الذي طوله أقلّ.

و على هذا، فلو كان زمان التفاوت بين المغربين معتدّا به يتحرّك فيه القمر بحركته الخاصّة قدرا معتدا به و يبعد عن الشمس، فيمكن أن يكون

______________________________

(1) التذكرة 1: 269.

(2) المنتهى 2: 592.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 10، ص: 422

القمر وقت غروب الشمس في البلد الأكثر طولا بحيث لا يمكن رؤيته، لعدم خروجه عن الشعاع، و يبعد عن الشمس فيما بين المغربين بحيث يمكن رؤيته في البلد الأقل طولا.

مثلا: إذا كان طول البلد مائة و عشرين درجة و طول بلد آخر خمس و أربعين درجة، فيكون التفاوت بين الطولين خمس و سبعين درجة، و إذا غربت الشمس في الأول لا بدّ أن يسير الخمس و السبعين درجة بالحركة المعدليّة حتى تغرب في البلد الثاني، و يقطع الخمس و السبعين درجة في خمس ساعات، و في هذه الخمس يقطع القمر بحركته درجتين، و قد يقطع درجتين و نصف، بل قد يقطع ثلاث درجات تقريبا.

و على هذا، فربّما يكون القمر وقت المغرب في البلد الأول تحت الشعاع، و يخرج عنه في البلد الثاني، أو يكون في الأول قريبا من الشمس فلا يرى لأجله، و في الثاني يرى لبعده عنها، و لمثل ذلك يمكن أن يصير الاختلاف في العرض أيضا سببا لاختلاف الرؤية في البلدين، لأنّه أيضا قد يوجب الاختلاف في وقت الغروب و إن لم يختلفا في الطول، فإنّه لو كان العرض الشمالي لبلد أربعين درجة يكون نهاره الأطول خمس عشرة ساعة تقريبا، و يكون في ذلك اليوم- الذي يكون الشمس في أول السرطان- النهار الأقصر للبلد الذي عرضه الجنوبي كذلك، و يكون يومه تسع ساعات تقريبا، و يكون التفاوت بين اليومين ستّ ساعات، ثلاث منها لتفاوت المغرب، و يقطع القمر في هذه الثلاث درجة و نصفا تقريبا، و قد يقطع درجتين، و تختلف رؤيته بهذا القدر من البعد عن الشمس.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد دلّت الأخبار على أنّه إذا ثبتت

الرؤية في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 423

بلد يثبت حكمها للبلد الآخر أيضا بقول مطلق «1»، و مقتضاها اتّحاد حكم البلدين في الرؤية، و ذلك- فيما إذا كان السبب في عدم الرؤية في البلد الآخر الموانع الخارجيّة الهوائيّة أو الأرضيّة بحيث علم أنّه لو لا المانع لرؤي في ذلك البلد أيضا- إجماعي، و ذلك يكون في البلدين المتقاربين، إذ نقطع بعدم حصول الاختلاف الموجب لاختلاف الرؤية بسبب الأوضاع السماويّة في البلاد المتقاربة. و كذا إذا كان الاختلاف في الرؤية لأجل الاختلاف في العرض بالوجه الأول، لأنّه أيضا راجع إلى وجود المانع الخارجي.

و إن كان السبب في عدم الرؤية الاختلاف في الطول أو العرض بالوجه الثاني ففيه الخلاف، إذ لا يعلم من الرؤية في أحد البلدين وجود الهلال في الآخر أيضا- أي خروجه عن الشعاع وقت المغرب- فلا تكفي الرؤية في أحدهما عن الرؤية في الآخر.

و قد يتعارض الاختلاف العرضي مع الطولي، كما إذا كان نهار بلد أقصر من الآخر، و لكن كان طول الأول أقلّ بحيث يتّحد وقتا مغربهما أو يتقاربان [1]، و يكون ظهور تفاوت النهارين في الشرق، بل قد يتأخّر المغرب في الأقصر نهارا.

و ممّا ذكر يعلم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو في البلدين اللذين يختلفان في الطول تفاوتا فاحشا، أي بقدر يسير القمر في زمن التفاوت بحركته الخاصّة درجة أو نصف درجة، و نصف الدرجة يحصل في خمس عشرة درجة تقريبا من الاختلاف الطولي.

______________________________

[1] في «س»: يتقارنان، و في «ح»: يتفاوتان.

______________________________

(1) الوسائل 10: 292 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 424

أو يختلفان في العرض تفاوتا فاحشا، بحيث يكون تفاوت مغربيهما بقدر يسير القمر فيه بحركته

الخاصّة الدرجة أو نصفها، و هو أيضا يكون إذا اختلف نهار البلدين بقدر ثلاث ساعات أو ساعتين لا أقلّ، ليكون تفاوتهما المغربي نصف ذلك، حتى يسير القمر سيرا معتدّا به فيه.

و قد يتعارض الاختلافان الطولي و العرضي، و الخبير بعلم هيئة الأفلاك يقدر على استنباط جميع الشقوق، و استنباط أنّ الرؤية في أي من البلدين- المختلفين طولا أو عرضا بالقدر المذكور- توجب ثبوتها في الآخر، و لا عكس.

فالخلاف يكون في الرؤية في بغداد لبلدة قشمير، لتقارب عرضهما، و أقلّيّة طول بغداد بخمس و عشرين درجة تقريبا.

و في الرؤية بمصر لبغداد، إذ مع التفاوت العرضي قليلا يكون طول مصر أقلّ بسبع عشرة درجة. و كذا الطوس، لزيادة طوله بثلاثين درجة تقريبا.

و في الرؤية في صنعاء يمن لبغداد و مدائن، إذ مع تقارب الطول يختلفان عرضا بتسع عشرة درجة تقريبا.

و في أصفهان لبلدة لهاور، لاختلافهما في الطول باثنين و ثلاثين درجة تقريبا. بل في بغداد لطوس، لتفاوت طوليهما اثنتي عشرة درجة تقريبا.

ثمَّ الحقّ- الذي لا محيص عنه عند الخبير-: كفاية الرؤية في أحد البلدين للبلد الآخر مطلقا، سواء كان البلدان متقاربين أو متباعدين كثيرا، لأنّ اختلاف حكمهما موقوف على العلم بأمرين لا يحصل العلم بهما البتّة:

أحدهما: أن يعلم أنّ مبنى الصوم و الفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه، و لا يكفي وجوده في بلد آخر و إن حكم الشارع بالقضاء بعد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 425

ثبوت الرؤية في بلد آخر لدلالته على وجوده في هذا البلد أيضا، و هذا ممّا لا سبيل إليه، لم لا يجوز أن يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان أيضا مطلقا؟! و ثانيهما: أن يعلم أنّ البلدين مختلفان في الرؤية

البتّة، أي يكون الهلال في أحدهما دون الآخر، و ذلك أيضا غير معلوم، إذ لا يحصل من الاختلاف الطولي أو العرضي إلّا جواز الرؤية و وجود الهلال في أحدهما دون الآخر، و أمّا كونه كذلك البتّة فلا، إذ لعلّه خرج القمر عن تحت الشعاع قبل مغربيهما و إن كان في أحدهما أبعد من الشعاع من الآخر.

و العلم بحال القمر- و أنّه في ذلك الشهر بحيث لا يخرج عن تحت الشعاع في هذا البلد عند مغربه و يخرج في البلد الآخر- غير ممكن الحصول و إن أمكن الظنّ به، لابتنائه على العلم بقدر طول البلدين و عرضهما، و قدر بعد القمر عن الشمس في كلّ من المغربين، و وقت خروجه عن تحت الشعاع فيهما، و القدر الموجب «1» من البعد عن الشعاع.

و لا سبيل إلى معرفة شي ء من ذلك إلّا بقول هيوي واحد أو متعدّد راجع إلى قول راصد أو راصدين يمكن خطأ الجميع غالبا.

و بدون حصول العلم بهذين الأمرين لا وجه لرفع اليد عن إطلاق الأخبار أو عمومها.

فإن قيل: المطلقات إنّما تنصرف إلى الأفراد الشائعة، و ثبوت هلال أحد البلدين المتباعدين كثيرا في الآخر نادر جدّا.

قلنا: لا أعرف وجها لندرته، و إنّما هي تكون لو انحصر الأمر في الثبوت في الشهر الواحد، و لكنّه يفيد بعد الشهرين و أكثر أيضا. و ثبوت

______________________________

(1) في «ح» زيادة: للرؤية ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 426

الرؤية بمصر في ببغداد أو بغداد لطوس أو للشام في أصفهان و نحو ذلك بعد شهرين أو أكثر ليس بنادر، لتردّد القوافل العظيمة فيها كثيرا.

المسألة الثالثة:

إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية على الأقرب، وفاقا للناصريّات، مدّعيا عليه إجماع الفرقة المحقّة

و نفي الخلاف فيه بين الصحابة، بل ظاهره إجماعهم عليه «1»، و هو المحكيّ عن المقنع و الفقيه «2»، و إليه ذهب جملة من متأخّري المتأخّرين، كصاحب الذخيرة و المحدّث الكاشاني «3»، و غيرهما «4»، و هو مختار المختلف «5»، و لكن في الصوم خاصّة.

للنصوص المستفيضة، كحسنة حمّاد بإبراهيم: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» «6».

و موثّقة عبيد و ابن بكير: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان» «7».

و رواية العبيدي- على نسخ التهذيب-: ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال و ربّما رأيناه بعد الزوال، فترى أن

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206

(2) المقنع: 59، الفقيه 2: 79.

(3) الذخيرة: 533، الكاشاني في المفاتيح 1: 257، و انظر الوافي 11: 148.

(4) نسبه في الحدائق 13: 284 إلى ظاهر الشيخ حسن في المنتقى 2: 482، و نقله عن خاله في مشارق الشموس: 466.

(5) المختلف: 235.

(6) الكافي 4: 78- 10، التهذيب 4: 176- 488، الاستبصار 2: 73- 225، الوسائل 10: 280 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 6.

(7) التهذيب 4: 176- 489، الاستبصار 2: 74- 226، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 427

نفطر قبل الزوال إذا رأيناه، و كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ إلى الليل، فإنّه إن كان تامّا رؤي قبل الزوال» «1».

و المرويّ في الناصريات عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية» «2».

و موثّقة إسحاق في هلال رمضان: «و

إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «3».

و مفهوم الشرط في صحيحة محمّد بن قيس في هلال شوّال: «و إن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» «4».

خلافا للمحكيّ مستفيضا عن الأكثر، بل عن الغنية: الإجماع عليه «5»، و عن الخلاف: إجماع الصحابة عليه «6»، للأصل، و الاستصحاب.

و لإطلاق ما دلّ على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية، حيث إنّ المتبادر من الرؤية: الرؤية الليلة دون النهارية، مع أنّه على فرض الإطلاق و تسليمه لا يصدق ذلك أول النهار قبل الرؤية، فالصوم فيه أو الإفطار يكون لا للرؤية.

و رواية المدائني: «من رأى هلال شوّال بنهار في رمضان فليتمّ صومه» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 177- 490، الاستبصار 2: 73- 221، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(3) التهذيب 4: 178- 493، الاستبصار 2: 73- 224، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 3.

(4) الفقيه 2: 77- 337، التهذيب 4: 158- 440، الاستبصار 2: 64- 207، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(6) الخلاف 2: 172.

(7) التهذيب 4: 178- 492، الاستبصار 2: 73- 223، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 428

و منطوق صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة.

و رواية العبيدي- على نسخة الاستبصار- فإنّها فيها كذلك: و ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان «1».

و أجابوا «2» عن الأخبار المتقدّمة تارة بالشذوذ.

و اخرى بالمخالفة لظواهر القرآن و الأخبار المتواترة، و معارضة المرويّ في الناصريّات للمرويّ في الخلاف «3»، فإنّ فيه روى خلافه

بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام، و معارضة الإجماع المنقول للأول لمثله للثاني، مع مرجوحيّة الأول بظهور المخالف جدّا.

أقول: أمّا الشذوذ فغير مسلّم بعد ذهاب مثل الصدوق و السيّد و دعواه الإجماع الكاشف عن فتوى جماعة- لا أقلّ- به، و تفصيل المختلف، و تردّد جماعة كثيرة، كالمحقّق في المعتبر و النافع و الأردبيلي و المدارك «4»، و ذهاب جمع من المتأخّرين إلى خلافه «5»، غاية الأمر مخالفة الشهرة في الجملة، و هي غير الشذوذ المخرج عن الحجّية.

و بالجملة: دعوى الشذوذ- مع ادّعاء الإجماع من مثل السيّد، و لو كان له معارض- من الغرائب.

و أمّا المخالفة لظواهر القرآن- إلى آخره- فلا وجه لها، قال في الوافي: و ليت شعري ما موضع دلالة خلاف مقتضي الخبرين في القرآن

______________________________

(1) الاستبصار 2: 73- 221، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.

(2) كالشيخ في التهذيب 4: 177، و الاستبصار 2: 74، و القمّي في غنائم الأيام:

451، و الخوانساري في مشارق الشموس: 468.

(3) الخلاف 2: 172.

(4) المعتبر 2: 689، النافع: 69، الأردبيلي في مجمع الفائدة 5: 302، المدارك 6: 181.

(5) راجع ص: 426 رقم: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 429

و الأخبار المتواترة؟! و ليس في القرآن و الأخبار إلّا أنّ الاعتبار في تحقّق دخول الشهر إنّما هو بالرؤية أو مضيّ ثلاثين، و أمّا أنّ الرؤية المعتبرة فيه متى تتحقّق و كيف تتحقّق فإنما يتبيّن بمثل هذه الأخبار ليس إلّا «1». انتهى هذا، مع ما في أدلّة ذلك القول من الوهن.

أمّا الأصل و الاستصحاب، فلاندفاعهما بما مرّ.

و أمّا الإطلاقات، فلمنع تبادر الرؤية الليليّة بحيث يوجب الحمل عليها، بل يعمّ الرؤيتين، و لذلك استدلّ به جماعة للقول

الأول، و القائلون به لا يقولون أنّ أول النهار ينوي الصوم أو الفطر.

و أمّا رواية المدائني، فلكونها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، فيجب التخصيص بما بعد الزوال.

و هو الجواب عن المنطوق، مع أنّه صرّح بعضهم: بأنّ إيراد لفظة «من» في قوله: «من وسط النهار» و ذكر الآخر قرينتان على ذلك الاختصاص «2».

و أمّا رواية العبيدي، فلا حجّية فيها بعد اختلاف النسخ و لو سلّم رجحان ما لهذه النسخة، لأنّه ليس بحيث يعيّنها البتة.

هذا كلّه، مع أنّه على فرض تساوي أدلّة الطرفين يجب ترجيح الأول، لمخالفته العامّة، كما صرّح به جماعة «3»، و هي من المرجّحات المنصوصة.

و دعوى مخالفة الثاني أيضا لنادر منهم- حيث إنّ في الناصريّات حكى الأول عن عمر و ابن عمر و أنس- مردودة بأن في الخلاف حكى الثاني عنهما بعينه، فلا تعلم مخالفة و لا موافقة، و يبقى الأول مخالفا لما

______________________________

(1) الوافي 11: 150.

(2) انظر الوافي 11: 122.

(3) منهم العلّامة في المنتهى 2: 592، و صاحب الحدائق 13: 290، و الخوانساري في مشارق الشموس: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 430

عليه جمهور العامّة، فيجب الأخذ به كما ورد عن الأئمّة «1».

و أمّا التفصيل المختار في المختلف فلم أعثر على دليل له، سوى الاحتياط في الصوم، الذي هو ليس بحجّة.

المسألة الرابعة:

من كان بحيث لا يعلم الأهلّة، تحرّى لصيام شهر يغلب على ظنّه أنّه هو شهر رمضان، فيجب عليه صومه، فإن استمر الاشتباه و لم تظهر له الشهور قط أجزأه، و كذا إن صادفه أو كان بعده، و لو كان قبله استأنف الصوم من رمضان أداء و قضاء، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عليه الإجماع عن المنتهى و التذكرة «2».

و تدلّ

على تلك الأحكام صحيحة عبد الرحمن و رواية المقنعة، الأولى: رجل أسرته الروم، و لم يصم شهر رمضان، و لم يدر أيّ شهر هو، قال: «يصوم شهرا يتوخّاه و يحسب، فإن كان الشهر الذي صام قبل شهر رمضان لم يجزه، و إن كان بعد رمضان أجزأه» «3»، و قريبة منها الثانية «4».

و لو لم يظنّ شهرا، قيل: يتخيّر في كلّ سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين الشهرين «5». و لا دليل عليه، و يحتمل السقوط أيضا و إن كان الأول أحوط.

و قيل: يلحق بما ظنّه أو اختاره حكم الشهر في وجوب الكفّارة بإفساد يوم منه، و وجوب إكمال ثلاثين لو لم ير الهلال، و العيد بعده «6».

و في بعضها نظر، و الأصل ينفيه.

______________________________

(1) الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9.

(2) المنتهى 2: 593، التذكرة 1: 272.

(3) الكافي 4: 180- 1، الفقيه 2: 78- 346، التهذيب 4: 310- 935، الوسائل 10: 276 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 1.

(4) المقنعة: 379، الوسائل 10: 277 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.

(5) كما في المسالك 1: 77، و الروضة البهية 2: 114، و الرياض 1: 321.

(6) كما في الروضة البهية 2: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 431

الفصل الثاني في صوم القضاء و فيه مقدمة و مسائل:
المقدّمة: لا قضاء إلّا في الصوم المؤقّت

، و هو صوم شهر رمضان و النذر المعيّن.

أمّا عدم القضاء في غير المؤقّت فظاهر، إذ لا قضاء إلّا فيما فات وقته.

و أمّا وجوبه في النذر فسيأتي في كتاب النذر، و تجي ء الإشارة إليه في آخر الفصل أيضا.

و أمّا في شهر رمضان فتفصيله: من ترك صوم شهر رمضان فإمّا يتركه مع عدم قابليّته للأمر و النهي، أو مع القابليّة، و الثاني إمّا يتركه مع وجوبه عليه-

أي بلا عذر- أو مع العذر الموجب للإفطار.

أمّا الأول: فهو الصغير، و المجنون، و الغافل عن الوقت لنسيان أو اشتباه في الهلال، و المغمى عليه.

و لا قضاء على الأولين إجماعا، بل ضرورة، و هو الدليل عليه.

دون نحو حديث رفع القلم، لأنّه يفيد لحال الصغارة و الجنون، فلا ينافي ثبوت القضاء بعد ارتفاعهما.

و لا ما قيل من تبعيّة القضاء للأداء في جانب النفي و إن لم يتبعه في جانب الإثبات، فلا يشمله عموم ما دلّ على وجوب القضاء أو إطلاقه، فإنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 432

لا قضاء حيث لا أداء «1».

لمنع التبعيّة، لوجوب قضاء الصلاة و الصوم على النائم، و فاقد الطهور على قول، و قضاء الصوم على الناسي [للصوم ] [1]، أو الغافل، أو من لم يثبت عليه الهلال ثمَّ ثبت، و نحو ذلك. و الاستدراك الذي يفهم من القضاء عرفا لا ينحصر في الوجوب، لإمكان استدراك الثواب أيضا.

و يجب القضاء في الثالث إجماعا أيضا، له، و للإطلاقات، و لخصوص مثل رواية صبّار، و فيها- بعد السؤال عمّن يصوم تسعة و عشرين يوما هل يقضي يوما؟ فقال:- «لا، إلّا أن يجي ء شاهدان عدلان فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما» «2»، و الأحاديث بما يفيد ذلك متعدّدة جدّا «3».

و أمّا الرابع، فقد وقع فيه الخلاف، و الحقّ المشهور: عدم وجوب القضاء عليه، للأصل، و صحيحة ابن مهزيار «4»، و مكاتبة أيّوب الصحيحة:

عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب: «لا يقضي الصلاة و لا يقضي الصوم» «5»، و غير ذلك من الأخبار المتقدّمة بعضها في بحث الصلاة «6».

______________________________

[1] في النسخ: للنوم، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) انظر الرياض 1:

321.

(2) التهذيب 4: 165- 468، و في الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 21: عن صابر، بدل: صبّار.

(3) انظر الوسائل 10: 261 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5.

(4) التهذيب 4: 243- 714، الوسائل 10: 226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 2.

(5) الفقيه 1: 237- 1041، التهذيب 4: 243- 711، الاستبصار 1: 458- 1775، الوسائل 10: 226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 1.

(6) انظر الوسائل 8: 258 و 264 أبواب قضاء الصلوات ب 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 433

خلافا للمحكيّ عن الشيخين و السيّد و القاضي، فقالوا بالقضاء مع عدم تبييت النيّة «1».

لأخبار قضاء الصلاة مع عدم القول بالفرق.

و لكونه مريضا، و القضاء واجب عليه كتابا و سنّة.

و ما دلّ بعمومه على أنّ المغمي عليه يقضي ما فاته، كصحاح محمّد و حفص و منصور، المتقدّمة في البحث المذكور.

و يردّ الأول: بالمعارضة بالمثل، بل الراجح بوجوه شتّى كما مرّت.

و الثاني: بمنع الصغرى أولا، و كلّية الكبرى على فرض التسليم.

و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب أولا، و لزوم التخصيص بصلاة أدرك وقتها أو صوم لم ينوه في النهار أيضا بأن يغمى في جزء من يوم لم يقصد صومه على فرض الدلالة، لأخصية ما قدّمناه.

و أمّا الثاني: فالأصل فيه وجوب القضاء، للإطلاقات الغير العديدة، نحو قوله: عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال: «قد أفطر و عليه قضاؤه» «2».

و قوله: عن رجل عبث بالماء يتمضمض من عطش فدخل حلقه، قال: «عليه قضاؤه» «3».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 352، و الطوسي في المبسوط 1: 285، و النهاية: 165، و السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف

المرتضى 3): 57، و القاضي في المهذّب 1: 196.

(2) التهذيب 4: 203- 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 3.

(3) الفقيه 2: 69- 290، التهذيب 4: 322- 991، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 434

و قوله: «من أتى أهله في رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة» إلى أن قال: «و قضاء ذلك اليوم» «1»، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة من الموارد الجزئيّة.

و يستثنى من الأصل: الكافر الأصلي، بالإجماع القطعي، و المستفيضة من الأخبار، المتقدّم بعضها في بحث من يصحّ منه الصوم.

و المرتدّ مطلقا- ملّيّا كان أو فطريّا- يقضى ما فاته، بلا خلاف فيه كما في الذخيرة «2» و غيره «3»، للعمومات، و الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة، سوى إطلاق ما يظنّ بأنّ الكافر لا يقضي ما فاته، و هو ظاهر في الأصلي، بل هو المتبادر منه، بل في شمول الكافر لغة- أو في العرف المتقدّم- له نظر.

و أمّا المخالفون من المسلمين هم لا يستثنون، بل يجب عليهم قضاء ما تركوه من الصيام، أو أخلّوا بشرائطه على مذهبهم، و في الحدائق: الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين أصحابنا «4»، للإطلاقات المشار إليها، و اختصاص ما دلّ على سقوط القضاء عنهم بما أتوا به.

و أمّا ما أتوا به فلا يجب عليهم قضاؤه بلا خلاف أيضا، و تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة إليها الإشارة في كتاب الصلاة، منها: صحيحة الفضلاء: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة و العثمانية و القدريّة، ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو

______________________________

(1)

التهذيب 4: 208- 604، الاستبصار 2: 97- 315، الوسائل 10: 54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.

(2) الذخيرة: 526.

(3) كالرياض 1: 322.

(4) الحدائق 13: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 435

حجّ؟ أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة» الحديث «1».

و أمّا الثالث- و أفراده: الحائض، و النفساء، و المريض، و المسافر- فوجوب القضاء على الجميع إجماعي، بل ضروري، مدلول عليه- بل منصوص به- في الأخبار الغير العديدة الواردة في جزئيّات موارد أحكام كلّ منها بحيث لا يحتاج إلى الذكر، و سيأتي بعضها إن شاء اللّه سبحانه.

المسألة الاولى:

من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مرّ عليه الشهر كلّه أو أيّام منه، ففي قضاء صوم أيام أصبح فيها جنبا أقوال:

الأول: وجوبه مطلقا، إليه ذهب الإسكافي و الشيخ في النهاية و المبسوط و الصدوق على الظاهر و الجامع و المعتبر «2»، و أكثر المتأخّرين «3»، بل- كما قيل- عامّتهم «4»، و نسبه الشهيد و غيره إلى الأكثر «5».

للمعتبرة من النصوص، كصحيحة الحلبي: عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان، قال: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 1، التهذيب 4: 54- 143، العلل: 373- 1، الوسائل 9:

216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 233، النهاية: 165، المبسوط 1: 288، الصدوق في الفقيه 2: 75، الجامع للشرائع: 156، المعتبر 2: 705.

(3) كما في المنتهى 2: 606، و المختلف: 233، و اللمعة (الروضة 2): 116، و مجمع الفائدة 5: 127.

(4) كما في الرياض 1: 325.

(5) الشهيد في غاية المراد 1: 312- 313،

و صاحب المدارك 6: 235، و الخوانساري في مشارق الشموس: 388.

(6) التهذيب 4: 311- 938، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 436

و رواية إبراهيم بن ميمون القريبة منها «1»، و رواية أخرى له: عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمَّ ينسى أن يغتسل حتى يمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان، قال: «عليه قضاء الصلاة و الصوم» «2».

و قد يستدلّ بوجوه أخر ضعيفة أيضا، لابتنائها على اشتراط الطهارة في الصوم مطلقا «3»، و الخصم لا يسلّمه.

و الثاني- و هو الأصحّ-: وجوبه إن لم يغتسل أصلا فيقضي جميع أيّام الجنابة، و عدم وجوبه بعد غسل و لو كان غسل الجمعة.

للخبر المروي في الفقيه: «من أجنب في أول رمضان ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان إنّ عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته و صومه إلى ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك» «4».

و عدم معلوميّة مستنده عندنا غير ضائر، و به يقيّد إطلاق الأخبار المتقدّمة إن حمل الغسل فيها على غسل الجنابة، و إلّا- كما هو الأولى- فلا تعارض له أصلا، بل على المختار- من التداخل القهري في الأغسال مطلقا- لا حاجة إلى هذا الخبر أيضا، لتحقّق غسل الجنابة، بل لا يكون هذا قولا مغايرا للأول.

و الثالث: عدم وجوبه، اختاره الحلّي- قائلا بأنّه لم يقل أحد من محقّقي أصحابنا بوجوب القضاء «5»- و المحقّق في الشرائع و النافع «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 332- 1043، الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1.

(2) الكافي 4: 106- 5، الفقيه 2: 74- 320، الوسائل

10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1.

(3) انظر المختلف: 233.

(4) الفقيه 2: 74- 321، الوسائل 10: 238 أبواب أحكام شهر رمضان ب 30 ح 2.

(5) السرائر 1: 407.

(6) الشرائع 1: 204، النافع: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 437

للأصل. و عموم: «رفع عن أمّتي» «1»، حيث إنّ القضاء أيضا مؤاخذة.

و الأخبار المتقدّمة من الصحاح و غيرها المتضمّنة ل: أنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه، فإنّها أعمّ من أن يكون ناسيا قبل النوم أو عامدا، مع أنّ نفي القضاء مع العمد يوجب نفيه مع النسيان بالطريق الأولى، و ظاهر أنّ النوم لا يوجب انتفاء القضاء، بل بانتفائه عن الناسي النائم ينتفي عن سائر أفراد المطلوب بالإجماع المركّب.

و الجواب عن الأوّل: باندفاعه بما مرّ.

و عن الثاني: بتخصيصه به، مع منع كون القضاء مؤاخذة.

و عن الثالث: باختصاص الأخبار المتقدّمة بغير الناسي، و إجراء حكمه في الناسي قياس باطل مع الفارق، لوجود العزم على الغسل في غير الناسي دونه، بل صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة، فنقول بوجوب القضاء على الناسي و إن نام بالنومة الاولى إلى الفجر.

و تقييد أخبار القضاء- بما إذا عرض النسيان في الليلة الاولى و انتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا، أو بما إذا أصبح في النومة الثانية- لا شاهد عليه.

و يمكن الجمع أيضا بحمل أخبار القضاء على مضيّ أيّام و أخبار النفي عن النائم في اليوم الواحد و التفرقة بين اليوم الواحد و الأيّام، بل هذا ليس جمعا حقيقة، بل منطوق الروايات ذلك، إلّا أنّ الظاهر عدم قائل بذلك التفصيل.

______________________________

(1) كما في الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة

ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 438

فرع: في تعدّي الحكم إلى غسل الحيض و النفاس بعد انقطاع الدم، و إلى سائر أفراد الصيام الواجبة التي لها قضاء- كالنذر المعيّن- أو بدل، كمطلق القضاء و الكفّارة، وجهان.

و الأصل يقتضي العدم في الموضعين، لأصالة عدم اشتراط صحّة مطلق الصوم بهذه الأغسال مطلقا و إن سلّمنا الاشتراط مع التعمّد، و أمر الاحتياط واضح.

المسألة الثانية:
اشاره

من فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات قبل البرء أو الطهر، لم يجب القضاء عنه إجماعا نصّا و فتوى. و في المنتهى: إنّه قول العلماء كافّة «1»، للأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها.

كصحيحة محمّد: عن رجل أدركه شهر رمضان و هو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ، قال: «ليس عليه شي ء، و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي» «2».

و الأخرى: عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيّام حيضها فإذا أفطرت ماتت، قال: «ليس عليها شي ء» «3».

و منصور: عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتى يموت، قال:

«لا يقضى عنه»، و الحائض تموت في شهر رمضان، قال: «لا يقضى عنها» «4».

و أبي مريم: «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثمَّ لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء، و إن صحّ ثمَّ مات و كان له مال تصدّق عنه

______________________________

(1) المنتهى 2: 603.

(2) الكافي 4: 123- 2، التهذيب 4: 248- 738، الاستبصار 2: 110- 359، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 2.

(3) التهذيب 4: 393- 1214، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 14.

(4) التهذيب 4: 247- 734، الاستبصار 2: 108- 353، الوسائل 10: 332

أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 439

مكان كلّ يوم بمدّ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه» «1».

و أبي حمزة: عن امرأة مرضت أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم» «2».

و موثّقة سماعة: عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر على الصيام، فمات في شهر رمضان أو في شوّال، قال: «لا صيام عليه و لا قضاء عنه»، قلت: فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان و لم تقدر على الصوم، فماتت في شهر رمضان أو في شوّال؟ فقال: «لا يقضى عنها» «3»، إلى غير ذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    439     أ: هل يستحب القضاء عنهما؟ ..... ص : 439

فروع:
أ: هل يستحبّ القضاء عنهما؟

نصّ الشيخ و الحلّي و ابن حمزة و الفاضلان على استحبابه «4»، و أسنده في المنتهى إلى أصحابنا «5».

و ظاهر جماعة من متأخّري المتأخّرين العدم «6»، استنادا إلى نفي

______________________________

(1) الكافي 4: 123- 3، الفقيه 2: 98- 439، التهذيب 4: 248- 735، الاستبصار 2: 109- 356، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 137- 9، الفقيه 2: 94- 423، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4.

(3) التهذيب 4: 247- 733، الاستبصار 2: 108- 352، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 10.

(4) الشيخ في المبسوط 1: 286، الحلي في السرائر 1: 395، ابن حمزة في الوسيلة: 150 المحقق في المعتبر 2: 700، العلّامة في التذكرة 1: 276.

(5) المنتهى 2: 603.

(6) كما

في الذخيرة: 526، و الحدائق 13: 301، و الرياض 1: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 440

القضاء عنه في الأخبار المتقدّمة.

و فيه: أنّ المنفيّ يمكن أن يكون وجوب القضاء لا مشروعيّته.

نعم، ظاهر قوله في الموثقة: «و لا قضاء عنه» نفي حقيقته الموجب في الأكثر لنفي المشروعية. و حمله على نفي الواجب تجوّز لا دليل عليه.

و أظهر منها دلالة صحيحة أبي بصير: عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شهر شوّال، و أوصتني أن أقضي عنها، قال: «هل برئت من مرضها؟» قلت: لا، ماتت فيه، قال: «لا تقض عنها، فإنّ اللّه لم يجعله عليها»، قلت: فإنا أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: «كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها؟! فإن شئت تصوم لنفسك فصم» «1».

فإذن الأظهر: عدم استحبابه أيضا، و المسامحة في أدلّة السنن إنّما تكون إذا لم يكن دليل على النفي.

ب: انتفاء القضاء هل يختصّ بالمريض و ذات الدم

و أمّا المسافر فيجب القضاء عنه و لو مات في هذا السفر؟ كما صرّح به في صحيحة أبي حمزة، و رواية منصور: في الرجل يسافر برمضان فيموت، قال: «يقضى عنه» «2»، و قريبة منها رواية أخرى «3»، و حكي عن التهذيب و الفقيه و المقنع و الجامع «4»، و اختاره في المدارك «5».

أو يعمّ؟ كما هو مقتضى عموم التعليل المذكور في صحيحة أبي بصير،

______________________________

(1) الكافي 4: 137- 8، التهذيب 4: 248- 737، الاستبصار 2: 109- 358، العلل: 382- 4، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

(2) التهذيب 4: 249- 740، الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15.

(3) التهذيب 4: 249- 741، الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب

23 ح 16.

(4) التهذيب 4: 249، الفقيه 2: 98، المقنع: 63، الجامع للشرائع: 163.

(5) المدارك 6: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 441

و مرسلة ابن بكير، و فيها: «فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثمَّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه، ثمَّ مرض فمات، فعلى وليّه أن يقضي عنه، لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه» «1»، و حكي عن الخلاف و النهاية و النافع و التحرير و المنتهى و المختلف و ظاهر السرائر و التبصرة «2»، و ادّعيت عليه الشهرة بل الإجماع «3»، و نسب ما يدلّ على خلافه من الروايات إلى الشذوذ «4».

و يدلّ عليه أيضا الأصل السالم عن المعارض بالمرّة، لاختصاص عمومات «5» القضاء عن الميّت بما إذا وجب عليه، و قصور ما استدلّ به للقول الأول عن إفادة الوجوب رأسا، و عموم غير صحيحة أبي حمزة بالنسبة إلى المتمكّن من القضاء و غيره، فيخصّ بالأول للخبر المعلّل، غاية الأمر تعارضهما و الرجوع إلى الأصل.

أقول: هذا كان حسنا لو قلنا باستحباب القضاء، و بعد نفيه فلا يفيد الجواب بنفي الدلالة على الوجوب، و تبقى الصحيحة دالّة عليه، و هي أخصّ مطلقا من عموم العلّة، فيجب التخصيص بها لو لا شذوذها المدّعى، و لكنّه غير ثابت عندي، فالأظهر هو القول الأول.

ج: هل انتفاء القضاء مخصوص بما إذا مات في المرض الذي أفطر فيه و الدم كذلك؟

______________________________

(1) التهذيب 4: 249- 739، الاستبصار 2: 110- 360، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 13.

(2) الخلاف 2: 207، النهاية: 157، النافع: 70، التحرير 1: 84، المنتهى 2:

605، المختلف: 243، السرائر 1: 395، التبصرة: 57.

(3) كما في الخلاف 2: 208، و الحدائق 13: 331.

(4) انظر الرياض 1: 323.

(5) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 442

أو يعمّ كلّ صورة لم يتمكّن من القضاء؟ كما صرّح به في الروضة «1»، فلو طمثت أول رمضان و طهرت، ثمَّ طمثت أول شوّال و ماتت في هذا الطمث، لم يقض عنها أيضا، و كذا لو مرض أول رمضان و برئ ثمَّ مات في أول شوّال.

مقتضى العموم الحاصل من ترك الاستفصال في صحيحة محمّد الثانية و صحيحة أبي حمزة و العلّة المنصوصة في صحيحة أبي بصير:

الثاني.

و مقتضى عموم قوله: «و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت» في الصحيحة الاولى و قوله: «و إن صحّ ثمَّ مات» في صحيحة أبي مريم: الأول.

و الظاهر ترجيح التعميم، لأخصية العلّة المنصوصة عن العموم المذكور في الصحيحين الثانيين، فيخصّصان بها، مضافا إلى أنّه على فرض التساوي أيضا يرجع إلى الأصل، و هو مع التعميم.

المسألة الثالثة:
اشاره

لو استمرّ المرض الذي أفطر معه في رمضان إلى رمضان آخر، سقط قضاء ما في الأول، و تجب الصدقة لكلّ يوم على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «2»، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحاح زرارة و محمّد و ابن سنان:

الاولى: في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان، يخرج عنه و هو مريض، و لا يصحّ حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: «يتصدّق عن الأول و يصوم الثاني، فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان

______________________________

(1) الروضة 2: 123.

(2) انظر الشرائع 1: 203 و الكفاية: 51، و الرياض 1: 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 443

آخر صامها جميعا و تصدّق عن الأول» «1»، دلّت بالتفصيلين النافيين للاشتراك على نفي الصوم للأول.

و الثانية: عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر، فقال:

«إن كان

قد برئ ثمَّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه، و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين، و عليه قضاؤه، و إن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه، و تصدّق عن الأول عن كلّ يوم مدّا على مسكين، و ليس عليه قضاء» «2».

و الثالثة: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر ثمَّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت» «3».

و رواية أبي بصير: «إذا مرض الرجل في رمضان إلى رمضان، ثمَّ صحّ، فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فيه طعام، و هو مدّ لكلّ مسكين» إلى أن قال: «و إن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعا، لكلّ يوم مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان» «4».

و المرويّين في قرب الإسناد، أحدهما: عن رجل مرض في شهر

______________________________

(1) الكافي 4: 119- 2، الفقيه 2: 95- 429، التهذيب 4: 250- 744، الاستبصار 2: 111- 362، الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.

(2) الكافي 4: 119- 1، التهذيب 4: 250- 743، الاستبصار 2: 110- 361، الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.

(3) التهذيب 4: 252- 848، الاستبصار 2: 112- 367، الوسائل 10: 336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4.

(4) التهذيب 4: 251- 746، الاستبصار 2: 111- 364، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 444

رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه، كيف يصنع؟

قال: «يصوم الذي يبرأ فيه، و يتصدق عن الأول كلّ يوم بمدّ من طعام»، و بمضمونه الآخر أيضا «1».

و في تفسير العيّاشي: عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان و لم يصح بينهما و لم يطلق الصوم، قال: «تصدّق مكان كلّ يوم أفطر على مسكين بمدّ من طعام» إلى أن قال: «فإن استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل، و إلّا فليتربّص، إلى رمضان قابل فليقضه، فإن لم يصح حتى رمضان من قابل فليتصدّق كما تصدّق مكان كلّ يوم أفطر مدّا، فإن صحّ فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء رمضان الآخر فإن عليه الصوم و الصدقة جميعا» «2».

و الرضوي: «و إذا مرض الرجل و فات صوم شهر رمضان كلّه، و لم يصمه إلى أنّ يدخل عليه شهر رمضان من قابل، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه، و يتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدّ من طعام، إلّا أن يكون قد صحّ فيما بين الرمضانين، فإذا كان كذلك و لم يصم فعليه أن يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام، و يصوم الثاني، فإذا صام الثاني قضى الأول بعده، فإن فاته شهران رمضانان حتى دخل عليه الشهر الثالث و هو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله، و يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام، و يقضى الثاني» «3».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 232- 910 و 911، الوسائل 10: 338 و 339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9 و 10.

(2) تفسير العياشي 1: 79- 178، الوسائل 10: 339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 211، مستدرك الوسائل 7: 450 أبواب أحكام شهر رمضان ب 17 ح

1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 445

و المروي في العلل «1» و العيون «2»: «إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق عن مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر، وجب عليه الفداء للأول و سقط القضاء، فإذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء» الحديث.

و بالتصريح بوجوب الصدقة في الأخيرة يجبر ضعف دلالة بعض الأخبار المتقدّمة على الوجوب لمكان الجملة الخبريّة، مضافا إلى ورود الأمر في الصحيحة الثالثة، و قوله: «عليه» في رواية أبي بصير.

خلافا للمحكي عن العماني و الصدوق و الخلاف و الحلّي و ابن زهرة و الحلبي و المنتهى و التحرير «3»، فأوجبوا القضاء دون الكفّارة.

أمّا الثاني فللأصل.

و أمّا الأول فلإطلاق قوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ 2: 184 «4».

و الأخبار الموجبة للقضاء على المريض بقول مطلق «5».

و رواية الكناني: عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة، ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل، فقال: «إن كان صحّ فيما بين ذلك، ثمَّ لم يقضه حتى أدركه شهر رمضان قابل، فإنّ عليه أن يصوم و أن يطعم لكلّ يوم مسكينا، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلّا الصيام إن صحّ، فإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكلّ يوم

______________________________

(1) العلل: 271، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

(2) العيون 2: 116، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 239، الصدوق في المقنع: 64، الخلاف 1:

395، الحلي في السرائر 1: 395 و 396، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571،

الحلبي في الكافي: 184، المنتهى 2: 603، التحرير 1: 83.

(4) البقرة: 184.

(5) الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 446

مدّا» «1».

و موثّقة سماعة: عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك و لم يصمه، فقال: «يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدرك، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإنّي كنت مريضا فمرّ علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثمَّ أدركت رمضانا فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام، ثمَّ عافاني اللّه و صمتهن» «2».

و يجاب عن الأصل: باندفاعه بما مرّ، كتقييد المطلقات و تخصيص العمومات «3» به.

و عن الرواية: بعدم الدلالة، لأنّ ظاهر قوله: «فإن كان مريضا» إلى آخره، و إن كان ذلك، إلّا أنّ ظاهر قوله «فإن تتابع المرض عليه» إلى آخره، خلافه، و لذا حمل الأول على ما إذا صحّ فيما بين ذلك و أراد القضاء ثمَّ مرض، و الثاني على استمرار المرض، و على هذا يكون مثبتا لخلاف مطلوبهم. و لو لم يقبل ذلك فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال.

و عن الموثّقة: بعدم الدلالة أيضا، لأنّ صدرها لا يفيد استمرار المرض، و ذيلها و إن أفاده و لكنّه لا يدلّ على وجوب القضاء، بل على أنّ الإمام فعل كذا، فلعلّه لاستحبابه كما يأتي.

و أمّا الجواب عنهما بعد تسليم الدلالة: برجحان معارضهما بالأكثريّة،

______________________________

(1) الكافي 4: 120- 3، التهذيب 4: 251- 745، الاستبصار 2: 111- 363، الوسائل 10: 336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 4: 252- 847، الاستبصار 2: 112- 366، الوسائل 10: 336 أبواب أحكام

شهر رمضان ب 25 ح 5.

(3) الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 447

و الاشتمال على العلّة، و مخالفة العامّة، أو بشذوذهما المخرج لهما عن الحجّية، أو بضعف سنديهما مع إضمار الموثّقة، كالجواب عن الإطلاقين بمنع شمولهما لزمان مؤخّر عن السنة، لكونها المتبادر منه، مع أنّ الإطلاق الثاني وارد لبيان حكم آخر غير الوقت، فيمكن المناقشة في شموله من هذه الوجوه أيضا.

فغير سديد، لأنّ المرجّحين الأولين للترجيح غير صالحين عند أهل التحقيق. و الثالث معارض بموافقة المخالف لإطلاق الكتاب، الذي هو كالمخالفة للعامّة في المنصوصيّة. و الشذوذ ممنوع جدّا، و كيف يتحقّق الشذوذ مع الموافقة لمن ذكر من القدماء الفحول؟! و ضعف السند و الإضمار غير ضائر عندنا كما ذكرنا مرارا. و منع التبادر الذي ذكر. و عدم ورود الإطلاق الثاني إلّا لبيان وجوب القضاء على من أفطر، و لا شكّ أنّه مطلق بالنسبة إلى من صحّ أو مرضه استمرّ.

ثمَّ بما ذكرنا- من عدم ثبوت الوجوب من فعل الإمام- يظهر ضعف التمسّك بالموثّقة و نحوها للقول بالاحتياط- بالجمع بين القضاء و الكفّارة- كما عن الإسكافي «1».

و منه يظهر ضعف أصل القول أيضا إن كان مراد القائل وجوب الاحتياط، و إن كان استحبابه فهو صحيح، للخروج عن شبهة الخلاف، و متابعة للإمام، كما هو مدلول الموثّقة، و صحيحة ابن سنان: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر، ثمَّ أدركه رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأما أنا فإنّي صمت و تصدّقت» «2».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 240.

(2) راجع ص: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 448

فروع:
أ: ما مرّ إنّما هو إذا فات الصوم بالمرض،

و كان المانع بين الرمضانين أيضا المرض

بأن استمرّ المرض.

و هل الحكم كذلك لو فات بالمرض و لم يتمكّن من القضاء لعذر آخر- أي أستمرّ العذر الآخر- أو عكس، أو فات بعذر آخر و استمرّ هذا العذر، أم لا؟

حكى في الدروس عن العماني و الخلاف: الأول «1»، و اختاره صاحب الحدائق من مشايخنا «2».

و عن المعتبر و المنتهى التوقّف «3».

و من المتأخّرين من حكم بالأول في الصورة الثانية خاصّة، و لم يتعرّض للباقيتين «4».

و منهم من استشكل فيها، أو تردّد، مع عدم التعرّض للأخيرتين أو الأخيرة «5».

و الأظهر هو الأول في جميع الصور، لرواية العيون و العلل و صحيحة ابن سنان، و هما و إن لم يشملا الصورة الاولى و لكن الظاهر لحوقها بالإجماع المركّب.

و هل السفر المسقط استمراره للقضاء ما كان واجبا أو ضروريّا، أو

______________________________

(1) الدروس 1: 288.

(2) الحدائق 13: 308.

(3) المعتبر 2: 700، المنتهى 2: 603.

(4) انظر المسالك 1: 78.

(5) انظر الذخيرة: 527، و المفاتيح 1: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 449

أعمّ منهما و من غيرهما؟

ظاهر الروايتين: الثاني، و هو الأظهر.

و صرّح بعض متأخّري المتأخّرين في شرحه على الدروس بالأول «1»، و هو الأحوط.

ب: لو ارتفع العذر بين الرمضانين بقدر يتمكّن من قضاء بعض ما فاته دون البعض،

و قضى ما يمكن منه أو لم يقض، فهل يسقط قضاء ما لم يتمكّن من قضائه أم لا؟

مقتضى الأصل: لا، لاختصاص الأخبار بالاستمرار. و يحتمل السقوط، لكونه مسبّبا عن عدم التمكّن و هو هنا حاصل.

و الأول أوجه.

ج: الأظهر الأشهر أنّ الصدقة الواجبة لكلّ يوم مدّ من طعام،

للأخبار المتقدّمة.

و عن نهاية الشيخ و اقتصاده و القاضي و ابن حمزة: أنّها مدّان «2».

و في الجمل و المبسوط: أنّها مدّان و أقلّه مدّ «3»، و هو محتمل لقول النهاية، و للترتيب في الفضل. و كيف كان ليس له مستند واضح.

و قال في الحدائق «4»: و لعلّ مستنده قوله عليه السلام في موثقة سماعة:

«فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّين من طعام» الحديث. انتهى.

و لا يخفى ما فيه، أمّا أولا: فلأنّ فعله عليه السلام لا يدلّ على الوجوب

______________________________

(1) مشارق الشموس: 476.

(2) النهاية: 158، الاقتصاد: 294، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 191، ابن حمزة في الوسيلة 1: 150.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 220، المبسوط 1: 286.

(4) الحدائق 13: 307، و الموثقة قد تقدمت في ص: 446.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 450

كقضائه.

و أمّا ثانيا: فإنّه يمكن أن يكون المدّان للتأخير في رمضانين، حيث إنّه تتابع المرض ثلاث رمضانات، واحد منها شهر الإفطار و الباقيان أيّام التأخير، فلا يجب المدّان لمضيّ رمضان واحد.

و أمّا ثالثا: فلأنّ الموجود في النسخ الصحيحة من الموثّقة إنّما هو «بمدّ».

و قيل: لعلّ دليله صحيحة محمّد: «الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام» «1»، حيث إنّه لا فرق بين العطاش و غيره من الأمراض «2».

و فيه: منع عدم التفرقة أولا. و منع حكم الأصل

ثانيا، لتعارض الأخبار فيه كما يأتي.

د: صرّح في الدروس و الروضة بأنّ محلّ هذه الفدية مستحقّ الزكاة «3».

أقول: إن أريد بذلك عدم الصرف في غير المستحقّ من مصارف الزكاة- كالرباط و القنطرة و نحوها- فهو كذلك، للتصريح في الأخبار المتقدّمة بأنّها للمسكين.

و إن أريد صرفها إلى مستحقّها مطلقا- حتى يشمل العاملين و المؤلّفة وَ فِي الرِّقابِ - فهو غير سديد، لما عرفت من تخصيص الأخبار بالمسكين.

مضافا إلى أنّه إن أراد من مستحقّ الزكاة غير الهاشميّين- إذا كانت الصدقة من غيرهم- فلا دليل عليه أيضا، إلا على القول بحرمة مطلق

______________________________

(1) الكافي 4: 116- 4، الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.

(2) قاله في المختلف: 246.

(3) الدروس 1: 287، الروضة 2: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 451

الصدقة الواجبة على بني هاشم، و قد ذكرنا اختصاص الحرمة بالزكاة الواجبة.

ه-: لو استمرّ المرض إلى الرمضان الثالث فلا خلاف في عدم قضاء الأول، لما مرّ.

و لا إشكال في عدم تعدّد الصدقة كلّ يوم منه، للأصل، و عن الخلاف: الإجماع عليه «1».

و هل يقضي الثاني، أو يتصدّق عنه؟

المحكي عن الإسكافي و الشيخ و غيرهما: الثاني «2»، لعموم ما مرّ من الأخبار، و خصوص المروي في تفسير العيّاشي المتقدّم «3».

و عن ظاهر الصدوق في المقنع و الفقيه و والده في الرسالة: إنّ الثاني يقضى بعد الثالث و إن استمرّ المرض «4».

و لا يخفى أنّ عبارة الكتب الثلاثة غير صريحة في ذلك، فإنّ فيها:

فإن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل، و يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام و يقضي الثاني. و هذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الأول إلى الثالث يحتمل برؤه بين الثاني و الثالث.

المسألة الرابعة:
اشاره

لو ارتفع العذر بين الرمضانين، و تمكّن من القضاء و لم يقض حتى دخل الثاني، وجب قضاء الأول، إجماعا مطلقا، فتوى و نصّا، كما مرّ كثير من نصوصه.

______________________________

(1) الخلاف 2: 209.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 240، الشيخ في المبسوط 1: 286، و الشهيد في الدروس 1: 288.

(3) في ص: 444.

(4) المقنع: 64، الفقيه 2: 96، حكاه عن والده في المختلف: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 452

و وجوب الكفّارة و عدمه مبنيّ على التهاون في القضاء و عدمه، فإن كان في عزمه القضاء قبل الثاني و أخّره اعتمادا على سعة الوقت، فلمّا ضاق عرض له مانع منه، فلا كفّارة عليه، و لو ترك القضاء تهاونا مطلقا أو عند ضيق الوقت وجبت الكفّارة على الحقّ المشهور فيهما كما قيل «1»، لرواية أبي بصير المتقدّمة «2»، بل صحيحة محمّد «3» و رواية العيّاشي، حيث إنّ

التواني بمعنى التكاسل المستلزم للتهاون، و رواية الكناني السالفة على الحمل الذي مرّ «4».

و المرويّ في العلل و العيون، و فيه: «فإذا أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء للتضييع، و الصوم لاستطاعته» «5».

و رواية الوشّاء، و فيها: «و إن كان قد برئ فيما بينهما و لم يقض ما فاته و في نيّته القضاء يصوم الحاضر و يقضي الأول، و إن تركه متهاونا به لزمه القضاء و الكفّارة عن الأول» [1].

خلافا للمحكيّ عن الحلّي، فلم يوجب الكفّارة مطلقا، بل قال: لم يذكرها سوى الشيخين و من قلّد كتبهما، أو تعلّق بأخبار الآحاد «6».

______________________________

[1] الظاهر أنّها ليست من رواية الوشّاء، و إنّما هي من كلام شيخ الطائفة، فراجع التهذيب 4: 249- 742، و لذا لم يروها في الكافي 4: 124- 6، و هو مصدر رواية التهذيب، و كذا في الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1.

______________________________

(1) في الحدائق 13: 310.

(2) في ص: 443.

(3) المتقدّمة في ص: 443.

(4) راجع ص: 445.

(5) علل الشرائع: 272- 9، العيون 2: 116- 2، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

(6) السرائر 1: 397.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 453

للأصل، و مرسلة سعد: عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمَّ يصحّ بعد ذلك، فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ما عليه في ذلك؟ قال: «أحبّ له تعجيل الصيام، فإن كان أخّره فليس عليه شي ء» «1».

و الأصل مدفوع، و المرسلة مخصوصة بما ذكر، مضافا إلى صحيحة زرارة و الرضوي المتقدّمتين و غيرهما «2».

و للمحكيّ عن الصدوقين و العماني و المعتبر و الشهيدين و المدارك و الذخيرة و الحدائق

«3»، و قيل: هو محتمل كلام المفيد و ابن زهرة و الجامع، فأوجبوا الكفّارة مطلقا.

لإطلاق صحيحة زرارة المتقدّمة و محمّد، بحمل التواني على الترك، سيّما مع مقابلته مع استمرار المرض، و ظهورها في الحصر بين القسمين، و لا يكون ذلك إلا مع تعميم التواني مطلقا.

و رواية أبي بصير «4» بحمل قوله: «عليه أن يقضي الصيام» أي ما بين الرمضانين، و حمل التهاون على ترك ذلك و تأخيره.

و رواية العيّاشي «5» بالتقريب المذكور، و الرضوي «6»، و إطلاق صدر

______________________________

(1) التهذيب 4: 252- 749، الاستبصار 2: 111- 365، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.

(2) انظر ص: 442 و 444.

(3) حكاه عن والد الصدوق في الدروس 1: 287، الصدوق في الفقيه 2: 96، حكاه عن العماني في المختلف: 239، المعتبر 2: 698، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 2): 121، الشهيد الثاني في المسالك 1: 78، المدارك 6: 218، الذخيرة: 527، الحدائق 13: 310.

(4) المتقدّمة في ص: 443.

(5) المتقدمة في ص: 444.

(6) المتقدّمة في ص: 444.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 454

رواية الكناني «1».

و الجواب عن الصحيحة الأولى بوجوب حمل المطلق على المقيّد، مضافا إلى قصور دلالتها على الوجوب.

و هو الجواب عن الثانية، مضافا إلى أن معنى التواني: التكاسل، الغير الحاصل عرفا مع العزم على القضاء في السعة و طرو المانع، و منع دلالتها على الحصر، و لعلّ ترك القسم الآخر لندرته، و لو سلّم عدم دلالة التواني على التكاسل فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال لهذا القول.

و هو الجواب عن الثالثة، مضافا إلى ضعف الرواية الخالي عن الجابر في المقام.

و هو الجواب عن الرابعة، مضافا إلى ما مرّ من وجوب حمل المطلق

على المقيّد.

الذي هو الجواب عن الخامسة، مضافا إلى عدم الريب في كونه مجملا، و للمعنى الذي ذكرنا محتملا.

و بالجملة: لا شكّ في فهم العرف من التهاون و التواني- بل اللغة- معنى زائدا على مطلق الترك، فلا وجه للإطلاق، سيّما مع البيان في رواية الوشّاء، و ضعفها بسهل- مع وجودها في الكتاب المعتبر، و انجباره لو كان بدعوى الشهرة المستفيضة- سهل، مع أنّ سهلا كثير الرواية عنهم، و قالوا: اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا «2». فالمسألة واضحة بحمد اللّه.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 445.

(2) الكافي 1: 50- 13، الوسائل 27: 137 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 3، و في المصادر: الناس، بدل: الرجال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 455

فروع:
أ: الكفّارة هنا كما مرّ

في المستمرّ قدرا و محلّا و حكما.

ب: المراد بالتهاون: عدم العزم على الفعل

، سواء عزم على العدم أم لا، كما هو المفهوم عرفا، و المدلول عليه في رواية الوشّاء، و مقتضى الأصل: الاقتصار في تخصيص مطلقات الكفّارة بالمتيقّن، الذي هو العزم على الفعل.

ج: قال في الحدائق- بعد بيان أنّ المستفاد من الأخبار أنّ وقت القضاء ما بين الرمضانين-:

و على هذا فلو تمكّن من القضاء و أخلّ به، ثمَّ عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعيّن، فإن كان سفرا مباحا أو مستحبّا، فلا إشكال في وجوب تقديم القضاء عليه و عدم مشروعيّة السفر، و إن كان واجبا- كالحج الواجب و نحوه- فإشكال ينشأ من تعارض الواجبين و لا سيّما حجّة الإسلام، و ترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل، و إن كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه، كما صرّحوا به في جملة من المواضع «1». انتهى.

أقول: ما ذكره من التوقيت يظهر من المعتبر أيضا، حيث استدلّ على نفي القضاء مع استمرار العذر باستيعابه وقتي الأداء و القضاء «2».

و منعه بعض الأجلّة، قال- بعد ذكره-: و فيه منع كون ما بين الرمضانين وقتا و إن وجبت المبادرة. انتهى.

أقول: ما ذكره من منع التوقيت في محلّه، إذ لا دليل عليه أصلا،

______________________________

(1) الحدائق 13: 306

(2) المعتبر 2: 699.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 456

و وجوب الكفّارة بترك القضاء في هذا الوقت لا يدلّ على أنّه وقته كما يأتي.

و أمّا ما ذكره من وجوب المبادرة فظاهره- في موضع آخر- شهرته أيضا، بل إجماعيّته، حيث صرّح بكون عدم وجوب تعجيل القضاء في البين متروكا، و لكن إثباته في غاية الإشكال، إذ لا موجب له سوى الكفّارة، و إيجابها له ممنوع، لم لا يجوز أن يكون جبرا لما فاته من الصوم في أيّام رمضان، التي هي من الشرف بمكان،

و عدم جبره بالتعجيل؟! و أمّا قوله في رواية أبي بصير السابقة: «فإنّما عليه أن يقضي الصيام» «1» إنّما كان يفيد لو قلنا أنّ المعنى: عليه أن يقضيه بين الرمضانين كما قيل «2»، و هو غير معلوم، فتبقى أصالة عدم الوجوب فارغة من الدافع، بل مرسلة سعد المتقدّمة «3» ظاهرة في نفيه، فهو الأظهر إلّا أن يثبت الإجماع عليه.

المسألة الخامسة: لو مات شخص و عليه قضاء صيام يجب على وليّه قضاؤه على الأصحّ
اشاره

، وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّد و الإسكافي و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «4»، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «5»، بل على المعروف في مذهب الأصحاب كما في الكفاية «6»، بل بلا خلاف

______________________________

(1) راجع ص: 443.

(2) في الحدائق 13: 314.

(3) في ص: 453.

(4) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 241، الصدوق في المقنع: 63، المفيد في المقنعة: 353، الطوسي في المبسوط 1: 286، و حكاه عن السيّد و الإسكافي في المختلف: 241، القاضي في المهذب 1: 196، الحلي في السرائر 1: 409، ابن حمزة في الوسيلة: 150.

(5) انظر الحدائق 13: 319.

(6) الكفاية: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 457

ظاهرا إلّا من العماني كما قيل «1»، بل بالإجماع كما عن الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة «2».

لمرسلة ابن بكير، و فيها: «فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثمَّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه، ثمَّ مرض فمات فعلى وليّه أن يقضي عنه، لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه» «3».

و الرضوي: «و إذا مات الرجل و عليه من صوم شهر رمضان فعلى وليّه أن يقضي عنه، و كذا إذا فاته في السفر» «4»، و ضعفهما- لو كان- بما ذكر ينجبر.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة البختري و مرسلة حمّاد:

الاولى: في الرجل

يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»، قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: «لا، إلّا الرجال» «5».

و الثانية: عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان، من يقضي عنه؟ قال: «أولى الناس به» قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال:

«لا، الّا الرجال» «6».

و هما و غيرهما من بعض الأخبار «7»- التي وردت في المقام- و إن كانت غير صريحة في الوجوب، إلّا أنّها تصير صريحة بقرينة الخبرين

______________________________

(1) في الرياض 1: 322.

(2) الخلاف 2: 209، السرائر 1: 409، المنتهى 2: 604، التذكرة 1: 276.

(3) التهذيب 4: 249- 739، الاستبصار 2: 110- 360، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 13.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 211، المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.

(5) الكافي 4: 123- 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(6) الكافي 4: 124- 4، التهذيب 4: 246- 731، الاستبصار 2: 108- 353، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 6.

(7) انظر الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 458

المتقدّمين، حيث صرّحا بما يفيد الوجوب.

و تدل عليه أخبار أخر مطلقة بالنسبة إلى الولي «1»، و لكن يجب حملها عليه حملا للمطلق على المقيّد.

خلافا للمحكيّ عن العماني، فأوجب عليه الصدقة عنه «2»، مدّعيا تواتر الأخبار و شذوذ القول بالقضاء، لرواية أبي مريم المرويّة في التهذيبين: «و إن صحّ ثمَّ مرض ثمَّ مات، و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه» «3».

و تضعف باختلاف

النسخ، فإنّها مرويّة في الفقيه و الكافي- اللذين هما أتقن من الأولين- بطريق موثّق هكذا: «و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه» «4»، و مثل ذلك [لا تعارض ] [1] به الأخبار المتكثّرة المشتهرة.

سلّمنا، و لكن إثبات رجحان الصدقة لا ينافي وجوب غيرها أيضا.

سلّمنا التعارض، و الترجيح للأول بمخالفته لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة «5»، و معاضدته بالشهرة القويّة و الإجماعات المحكيّة. «6»

و للمحكيّ عن الانتصار، فأوجب الصدقة إن خلّف مالا و إلّا فعلى

______________________________

[1] في النسخ: لا يعرض، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3 و 7 و 8 و 13.

(2) حكاه عنه في المختلف: 241.

(3) التهذيب 4: 248- 735، الاستبصار 1: 109- 356، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.

(4) الفقيه 2: 98- 439، الكافي 4: 123- 3، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.

(5) منهم السبزواري في الذخيرة: 528، و صاحبي الحدائق 13: 321، و الرياض 1: 323.

(6) راجع رقم 5 من ص 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 459

وليّه القضاء «1»، للموثقة المذكورة على النسختين الأخيرتين.

و هو كان حسنا من جهة أخصّية الموثّقة عمّا مرّ لو لا اختلاف النسخ، مع أنّها لا تنافي ما مرّ إلّا مع الدلالة على نفي الصوم مع وجود المال، و لا دلالة لها على ذلك إلّا أن يكون التفصيل قاطعا للشركة، و هو يتحقّق بانتفاء الصدقة في صورة فقدان المال و إن وجب الصوم في الصورتين.

و قد يردّ أيضا بعدم حجّية الرواية، لشذوذ هذا القول، كما صرّح به الحلّي، قال: و لم يذهب إلى ما

قاله السيّد غيره «2».

و فيه: أنّه معارض بما قاله في المعتبر ردّا عليه، قال: و ليس ما قاله صوابا مع وجود الرواية الصريحة و فتوى الفضلاء من الأصحاب، و دعوى علم الهدى إجماع الإماميّة على ما ذكره، فلا أقلّ من أن يكون قولا ظاهرا بينهم «3».

و للمحكيّ عن المبسوط و الاقتصاد و الجمل، فخيّر بين الصدقة و القضاء «4».

للجمع بين رواية أبي مريم و ما مرّ.

و لصحيحة ابن بزيع: رجل مات و عليه صوم، يصام عنه أو يتصدّق؟

قال: «يتصدّق عنه فإنّه أفضل» «5».

و يضعف الأول: بأنّ الجمع فرع التعارض ثمَّ التكافؤ، و قد عرفت انتفاءهما.

______________________________

(1) الانتصار: 71.

(2) السرائر 1: 409.

(3) المعتبر 2: 702، الانتصار: 71.

(4) المبسوط 1: 286، الاقتصاد: 294، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 220.

(5) الفقيه 3: 236- 1119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 460

و الثاني- بعد الإغماض عن شذوذه، بل مخالفته الإجماع، لعدم القول بأفضليّة التصدّق-: أنّه أعمّ مطلقا ممّا مرّ من جهة الصوم، فيخصّص بغير صوم شهر رمضان أو الواجب، فيحمل على صيام السنة، كما ورد في صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

فروع:
أ: هل الصوم الواجب على ولي الميّت هو صوم شهر رمضان، أم يعمّ كلّ واجب؟

صرّح المفيد و الشيخ في المبسوط بالثاني «1»، و نقله في المنتهى عن الشيخ، و نسبه إلى ظاهر النصوص مشعرا بالميل إليه «2»، و في التذكرة اقتصر على النسبة مؤذنا بالتوقّف «3».

و ظاهر العماني و ابني بابويه: الأول «4»، حيث خصّوه بالذكر.

و الأجود التخصيص، للأصل، و اختصاص جميع أخبار المسألة- سوى صحيحة البختري المتقدّمة و رواية الوشّاء الآتية- بصوم رمضان.

و القول- بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما في الحدائق «5»- من غرائب الأقوال، إذ لا عموم في لفظ الجواب في شي ء منها.

و أمّا الصحيحة و إن

كانت مطلقة، إلّا أنّه لا دلالة فيها على الوجوب، و إرادة مطلق الرجحان عنها ممكنة، و لا قرينة موجبة لحملها على الوجوب.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 353، المبسوط 1: 286.

(2) المنتهى 2: 604.

(3) التذكرة 1: 276.

(4) حكاه عن العماني و ابن بابويه في المختلف: 241 و 242، الصدوق في المقنع: 63.

(5) الحدائق 13: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 461

و أمّا الرواية، فمع إجمالها- لعدم تعيين من يجب عليه، فلعلّه الميت، يعني: تعلّق بذمّته الأمران- تنفي وجوب القضاء كلّية، و الإيجاب الجزئي غير المقصود.

و حجّة التعميم: الصحيحة.

و العلّة المنصوصة في رواية أبي بصير المتقدّمة بقوله عليه السلام: «لا يقضى عنها، فإنّ اللّه لم يجعله عليها» «1».

و في مرسلة ابن بكير السابقة في صدر المسألة.

و جواب الأول قد ظهر.

و يردّ الثاني: بأنّ مقتضى التعليل أنّ عدم الجعل علّة عدم القضاء، لا أنّ مطلق الجعل علّة القضاء.

و الثالث: بأنّ العلّة هي عدم القضاء و وجوبه عليه، دون الوجوب خاصّة، و تحقّق تمام العلّة في جميع الموارد غير معلوم، لأنّ في العلّة تركين- الأداء و القضاء- فيمكن أن يكون ذلك دخيلا في الوجوب.

ب: هل الواجب عليه الصوم المتروك لعذر، أو يعمّه و المتروك عمدا عصيانا أيضا؟

حكي عن المحقّق في مسائله البغداديّة و عن السيّد عميد الدين:

الأول «2»، و نفى عنه البأس في الذكرى «3»، و مال إليه في المدارك و الذخيرة «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 137- 8، التهذيب 4: 248- 737، الاستبصار 2: 109- 358، العلل: 382- 4، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

(2) حكاه عنهما في الذكرى: 138.

(3) الذكرى: 138.

(4) المدارك 6: 222، الذخيرة: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 462

و ظاهر فتوى الأكثر: الثاني «1»، و هو الأقوى، لإطلاق جملة من الأخبار، و

منها: الرضويّ المتقدّم، و مرسلة الفقيه: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» «2»، و هو مقتضى عموم العلّة الثانية المتقدّمة.

دليل الأول: حمل الروايات على الغالب من الترك.

و فيه: منع الغلبة بحيث يوجب الانصراف.

و أيّده في الحدائق باختصاص بعض الأخبار ببعض الأسباب، فيجب حمل المطلق عليه، لأنّ مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد «3».

و فساده ظاهر، لأنّ مثل المورد ليس محلّ جريان القاعدة.

ج: الولي هنا هو أولى الناس بالميراث من الذكور،

وفاقا للمدارك حاكيا له عن الإسكافي و الصدوقين و جماعة «4»، لصحيحة البختري و مرسلة حمّاد المتقدّمتين.

و لازمه كون الولاية على ترتيب الطبقات في الإرث، فمع الأب و الابن لا ولي غيرهما، و مع فقدهما تنتقل الولاية إلى الطبقة الثانية و هكذا، إلّا النساء، فلا تنتقل إليهن أبدا.

و في المسألة أقوال آخر، ذهب إلى كلّ جماعة:

فمنهم من أدخل النساء أيضا «5»، و لا وجه له- بعد ما عرفت- سوى

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 203، و المنتهى 2: 604.

(2) الفقيه 2: 98- 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.

(3) الحدائق 13: 328.

(4) المدارك 6: 225.

(5) كما في المقنعة: 353، و الفقيه 2: 98، و حكاه عن القاضي في الحدائق 13:

323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 463

الرضوي: «و إذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه، و إن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليّه من النساء» «1».

و هو- لضعفه و عدم الجابر له- لا يصلح لإثبات حكم، سيّما مع المعارضة مع ما مرّ و عدا إطلاقات إثبات القضاء على الولي، اللازم تقييدها بما مرّ.

مضافا إلى عدم معلوميّة حجّية مثله، بعد احتمال وروده لإثبات القضاء في

الجملة على الولي من غير نظر إلى الشخصيّة.

و ربّما يستأنس له ملاحظة سياق بعض الأخبار من حيث إطلاق الحكم في صدره بالقضاء، ثمَّ التفصيل في الذيل بعد السؤال بمن عدا النساء.

و منهم من خصّ بأولاده «2».

لكونهم أولى الناس بالأب و بميراثه، و لذا يحجبون من عداهم، فهم المراد من أولى الناس بالميراث، حتى من الأب أيضا.

و لكونه أوفر حظّا و أكثر نصيبا فيكون أولى.

و للأصل.

و عدم قائل به بعد نفي الوجوب عن النساء كما يظهر من تتبّع الفتاوى، و تشير إليه بعض العبارات.

و إجمال إطلاقات الولي، فينبغي الاقتصار على المجمع عليه.

و يرد على الأول: أنّ الأولاد أولى حين الاجتماع، فيكون هو الولي

______________________________

(1) فقه الرضا «ع» 211، المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.

(2) كما في المبسوط 1: 286، و الشرائع 1: 203، و المختلف: 242، و حكاه عن القاضي في الحدائق 13: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 464

حينئذ، أمّا مع عدمه فأولى الناس غيره. و الحاصل: أنّه إنّما يفيد لو كان الأولاد أولى الناس بالميراث مطلقا، و لكنّه ليس كذلك، بل هو أولى مع وجوده، و أمّا مع فقده فالأولى غيره.

و على الثاني: أنّ المراد بالأولى بالميراث المقدّم في الإرث، لا الأكثر فيه، فإنّه ليس أولى بالإرث.

و على الثالث: أنّ الأصل مندفع بما مرّ.

و على الرابع: أنّ دعوى الإجماع المركّب في مثل تلك المسألة من المجازفات جدّا، كيف؟! و الأقوال مشتّتة، و العبارات مختلفة، و الحكايات متفاوتة.

و على الخامس: أنّ إطلاق الولي و إن كان مجملا، إلّا أنّ تفسيره بأولى الناس بالميراث ينفي الإجمال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

د: لو كان الوارث من الذكور متعدّدا يجب على أكبرهم سنا.

للرضويّ المتقدّم، المنجبر بالشهرة المحكيّة و المحقّقة المؤيّدة.

و مكاتبة الصفار:

رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيّام أحد الوليّين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء اللّه» «1».

مضافا إلى ما قيل في أكبر الأبناء من أولويّته بالإرث، لاختصاصه بالحبوة «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 124- 5، الفقيه 2: 98- 441، التهذيب 4: 247- 732، الاستبصار 2: 108- 355، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.

(2) كما في المختلف: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 465

و فيه نظر من وجهين.

و المعارضة بمرسلة الفقيه- الآمرة بقضاء من شاء من أهله «1»، و موثّقة أبي بصير القائلة بأنّه يقضيه أفضل أهل بيته «2»- مردودة بأنّها بالعموم و الخصوص المطلقين، فيقدّم الرضويّ الأخصّ.

ه: تعلّق الوجوب بالأكبر مع وحدته

، و أمّا مع اجتماع المتساويين في السنّ فلا، لتبادر المتّحد من الرضوي، مع صراحة المكاتبة، سيّما مع ندرة المتعدّد جدّا.

و لو حمل على التساوي العرفي في السن، فحينئذ يرجع إلى الوجوب الكفائي، فيجب الكلّ، أو كلّ بعض على المتعدّد كفاية، كما هو مقتضى العمل بقوله: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» «3».

و: يجوز لغير الولي قضاء الصوم عن الميّت تبرّعا

، و قد مرّ ما يدلّ عليه في بحث الصلاة. و لا ينافيه وجوبه على الولي، كما لا ينافي جواز التبرّع بأداء دين زيد عن وجوب أدائه عليه.

ز: الحقّ عدم السقوط عن الولي بتبرّع الغير و لا باستئجاره

أو وصيّة الميّت بالاستئجار، للأصل.

فإن قيل: بفعل الغير تبرأ ذمّة الميّت و لا صوم عليه، فلا معنى لقضاء الولي عنه.

قلت: ما أرى مانعا من قضاء متعدّد عن واحد، و لا ضير في أن يشتغل ذمّة

______________________________

(1) الفقيه 2: 98- 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.

(2) التهذيب 4: 325- 1007، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11.

(3) تقدم في ص: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 466

أحد بشي ء و يجوز لمائة أداؤه عنه و لو بالتعاقب، فإنّ أمثال هذه الأمور ليست ممّا يقاس على المحسوسات، و قد مرّ بيان ذلك مستوفى في كتاب الصلاة.

ح: الواجب قضاؤه على الولي ما تمكّن الميّت في حياته عن القضاء،

و إلّا فلا قضاء على الولي و بيان ذلك قد مرّ «1».

ط: لا خلاف- على ما قيل «2»- في جواز القضاء عن المرأة و مشروعيّته،

و إطلاق كثير من الأخبار و خصوص بعضه يدلّ عليه.

و هل هو واجب على وليّها كالرجل أيضا، أم لا؟

فيه قولان، ذهب إلى كلّ جماعة «3»، و الحقّ هو: الثاني، لأنّ ما يشمل المرأة من أخبار القضاء «4» خصوصا أو عموما لا ذكر فيه للولي، و لا دلالة فيه على الوجوب، و ما يشمل عليهما مخصوص بالرجل، فيبقى الأصل- الذي هو المعوّل- بلا معارض.

استدلّ الأولون باشتراكها مع الرجل في الأحكام غالبا، و دلالة الأخبار على القضاء عنها.

و ضعف الأول ظاهر، و الثاني ممنوع إن أريد الوجوب، و غير مفيد إن أريد غيره.

ي: يقضي عن العبد أولى الناس به وجوبا

، و هو مولاه، لصدق الولي، و أولى الناس به بل بميراثه لو كان له ميراث.

يا: حكم جماعة بأنّه مع فقدان الولي أو وجوده و عدم وجوب القضاء عليه كالإناث يجب التصدّق عن كلّ يوم بمدّ

______________________________

(1) راجع ص: 441.

(2) في الرياض 1: 324.

(3) فإلى الأوّل: الشيخ في النهاية: 158، و الشهيد في الدروس 1: 289، و إلى الثاني: الحلي في السرائر 1: 399، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 78.

(4) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 467

كجماعة «1»، أو مدّين كبعضهم «2»، من أصل التركة.

و أنكره بعضهم «3»، و هو الأقوى، للأصل و فقد المستند للقول الأول، سوى ما قيل من رواية أبي مريم «4»، و هي غير دالّة، مع أنّ مدلولها وجود الولي، فهي غير مورد المسألة.

يب: لو كان الولي حين الموت صغيرا يجب عليه القضاء بعد البلوغ،

لصدق الولي و اجتماع الشرائط. و لا يضرّ عدم الاجتماع حين الموت، لأنّا لا نقول إنّه زمان تكليف الولي، بل هو زمان بلوغه.

فإن قيل: ما يوجب تكليفه حينئذ مع عدم كونه مكلّفا سابقا؟

قلنا: ما أوجب تكليف سائر الأولياء المكلّفين حين الموت، فإنّ غاية ما يرتكب في الأخبار أن يقيّد الولي فيها بالبالغ، و يكون المعنى: فعلى وليّه البالغ القضاء، و هذا أيضا ولي بالغ.

نعم، لو كان المعنى: فعلى وليّه البالغ حين الموت، لما تمَّ الاستدلال، و لكنّه ليس كذلك.

المسألة السادسة:
اشاره

قاضي شهر رمضان مخيّر في الإفطار إلى الزوال، و لا يجوز له الإفطار بعده، و عليه الكفّارة لو أفطر.

و أمّا الأول: فهو الأظهر الأشهر- كما صرّح به جماعة ممّن تأخّر «5»-

______________________________

(1) منهم المحقق في المعتبر 2: 702، و الشهيد في الدروس 1: 289، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 125.

(2) انظر المبسوط 1: 286.

(3) كما في السرائر 1: 408، و الإيضاح 1: 238، و الحدائق 13: 328.

(4) المتقدّمة في ص: 458.

(5) كصاحب الرياض 1: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 468

بل عن الفاضل في المدنيّات الاولى: الإجماع عليه.

و تدلّ عليه- بعد الأصل- المستفيضة من الأخبار، كرواية العجلي:

في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: «إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شي ء عليه إلّا يوما مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيام كفّارة لما صنع» «1».

و مرسلة الفقيه: «إن أفطر قبل الزوال فلا شي ء عليه، و إن أفطر بعد الزوال فعليه الكفّارة مثل ما على من أفطر يوما

من شهر رمضان» «2».

و صحيحة جميل: في الذي يقضي في شهر رمضان: «أنّه بالخيار إلى زوال الشمس، و إن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» «3».

و موثّقة أبي بصير: المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار، فقال: «لا ينبغي أن يكرهها بعد الزوال» «4».

و رواية سماعة: في قوله عليه السلام: «الصائم بالخيار إلى زوال الشمس»، قال: «إنّ ذلك الفريضة، و أمّا النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 122- 5، الفقيه 2: 96- 430، المقنع: 63، الوسائل 10: 15 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 1.

(2) الفقيه 2: 96- 431، الوسائل 10: 349 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 5.

(3) التهذيب 4: 280- 849، الاستبصار 2: 122- 396، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 4.

(4) الكافي 4: 122- 6، الفقيه 2: 96- 432، التهذيب 4: 278- 842، الاستبصار 2: 120- 390، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 2.

(5) الكافي 4: 122- 3، الفقيه 2: 96- 433، التهذيب 4: 187- 527، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 469

و صحيحة ابن سنان: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» «1».

و رواية إسحاق: «الذي يقضي شهر رمضان بالخيار في الإفطار ما بينه و بين ما تزول الشمس، و في التطوّع ما بينه و بين أن تغيب الشمس» «2».

خلافا للمحكيّ عن ظاهر العماني و الحلبي و

ابن زهرة، فحرّموه «3»، و عن الأخير: الإجماع عليه.

للنهي عن إبطال العمل.

و إطلاق موثّقة زرارة- بل عمومها-: عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: «عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان، لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» «4»، و قريبة منها مرسلة حفص «5».

و خصوص صحيحة البجلي: عن رجل يقضي رمضان، إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: «إذا كان نوى ذلك من الليل و كان ذلك من قضاء شهر رمضان فلا يفطر و يتمّ صومه» «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 278- 841، الاستبصار 2: 120- 389، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 9.

(2) التهذيب 4: 280- 848، الاستبصار 2: 122- 395، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 10.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 247، الحلبي في الكافي في الفقه: 184، ابن زهرة في الغيبة (الجوامع الفقهية): 572.

(4) التهذيب 4: 279- 846، الاستبصار 2: 121- 393، الوسائل 10: 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 4: 321- 983 الوسائل 10: 130 أبواب أحكام شهر رمضان ب 56 ح 1.

(6) التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 470

و يضعّف الأول بمنع النهي، كما بيّنا في عوائد الأيام «1». سلّمنا، و لكنّه عامّ يلزم تخصيصه بما مرّ.

و هو الجواب عن الثاني و الثالث.

و عن الرابع: بقصور دلالته على الحرمة.

و أمّا الثاني: فعلى الأصحّ الأشهر أيضا، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية: الإجماع عليه «2»، لصريح صحيحة ابن سنان

المتقدّمة، و مفهوم الغاية في أكثر الأخبار السابقة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر التهذيبين، فلم يحرّماه و إن أوجبا الكفّارة «3»، لعدم ثبوت الحرمة من الأخبار، و ضعفه ظاهر ممّا مرّ.

و أمّا الثالث: فعلى الأقوى أيضا، و عليه دعوى الإجماع في الكتب الثلاثة المتقدّمة، و يدلّ عليه عموم مرسلة حفص و موثّقة زرارة، و خصوص رواية العجلي و مرسلة الفقيه، المتقدّمة جميعا.

خلافا فيه للمحكيّ عن العماني، فلا كفّارة «4»، و إليه يميل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، حيث استجود حمل أخبار الكفارات على الاستحباب «5».

لموثّقة عمّار: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان- إلى أن قال:- فإن نوى الصوم ثمَّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: «قد أساء، و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» «6».

______________________________

(1) عوائد الأيام: 151.

(2) الانتصار: 69، الخلاف 2: 221، الغنية (الجوامع الفقهية): 572.

(3) التهذيب 4: 278، الاستبصار 2: 122.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 247.

(5) المسالك 2: 86.

(6) التهذيب 4: 280- 847، الاستبصار 2: 121- 394، الوسائل 10: 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 471

و يجاب عنها بالمعارضة مع ما سبق، و مرجوحيّتها، لموافقة غير قتادة من العامّة، كما في المنتهى و غيره «1».

فروع:
أ: الكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ،

و لو عجز صام ثلاثة أيّام على الأظهر الأشهر كما صرّح به جماعة «2»، و إليه ذهب الشيخان و السيّد و الإسكافي و الفاضلان «3».

لرواية العجلي المتقدّمة، و صحيحة هشام، و فيها: «و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك» «4».

و الرضوي: «و قد روي: أنّ على من أفطر بعد الزوال

إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ من طعام، فإن لم يقدر عليه صام يوما، و صام ثلاثة أيّام كفّارة» «5».

و لا يضرّ اختصاصها بما بعد صلاة العصر، لأنّ المراد منه: بعد الزوال، أو لاتحاد حكم ما بينه و بين الزوال بالإجماع. كما لا يضرّ تجويز

______________________________

(1) المنتهى 2: 605، و انظر التذكرة 1: 261، و الرياض 1: 325.

(2) انظر المفاتيح 1: 263، و الرياض 1: 325.

(3) المفيد في المقنعة: 360، الطوسي في المبسوط 1: 287، السيّد في الانتصار:

69، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 247، المحقق في المعتبر 2: 704، العلّامة في المنتهى 2: 605.

(4) التهذيب 4: 279- 845، الاستبصار 2: 120- 392، الوسائل 10: 347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 213، مستدرك الوسائل 7: 454 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 472

الإفطار فيها بما قبل صلاة العصر، لأنّ المراد منه: قبل الزوال، أو لكونه أعمّ منه، فيخصّص به، لما مرّ.

و عن الصدوق في الرسالة و المقنع: أنّ عليه كفّارة الإفطار في رمضان «1»، و حكاه في موضع من المختلف عن القاضي «2»، و هو مختار ابن حمزة مع الاستخفاف «3»، و احتمله في التهذيبين أيضا مع ذلك «4»، للمرسلتين، و الموثّقة السابقة «5»، و الرضوي: «فإن أفطرت بعد الزوال فعليك كفّارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان».

و عن الحلبيّين: التخيير بين الخصالين، مدّعيا أحدهما الإجماع عليه «6»، و هو مذهب ابن حمزة في صورة عدم الاستخفاف.

و عن الديلمي و الكراجكي: أنّها كفّارة يمين «7»، و نقله في موضع آخر من المختلف عن القاضي «8»، و هو أحد قولي الحلّي «9».

و

يمكن إرادتهم المشهور، كما أنّ المفيد قال في باب الكفّارات:

كان عليه كفّارة يمين إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام متتابعات «10».

______________________________

(1) حكاه عن الرسالة في المختلف: 246، المقنع: 63.

(2) المختلف: 247.

(3) الوسيلة: 147.

(4) التهذيب 4: 279، الاستبصار 2: 121.

(5) راجع ص: 468، 469.

(6) الحلبي في الكافي: 184، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572.

(7) الديلمي في المراسم: 187.

(8) المختلف: 247.

(9) السرائر 3: 76.

(10): المقنعة: 570.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 473

و في الكفّارات المختلف: المشهور عند علمائنا أنّ كفّارة من أفطر يوما ليقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا: كفّارة يمين، ذهب إليه الشيخان و سلّار و أبو الصلاح و ابن إدريس، و استدلّ له بأدلّة المشهور «1».

و عن كفّارات النهاية: كان عليه كفّارة يمين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام «2».

أقول: و لم أعثر على غير الأولين على دليل، و أمّا الأولان فيدلّ على كلّ منهما ما ذكر له، و لم أر ترجيحا لأحدهما. و الشذوذ- الذي ادّعاه الشيخ للثاني «3»- عندي غير معلوم. و حمله على الاستحباب «4» حمل بلا دليل، و على التشبيه في وجوب الكفّارة دون قدرها في الرضوي قريب، و في الوجوب في المرسلة الاولى ممكن، و لكن شي ء منهما لا يجري في الباقيين. و نسبة الأصل إلى القولين على السواء و إن تمسّك به في المختلف للمشهور «5». و لذا تصير المسألة محلّ إشكال، و لأجله توقّف فيها في الحدائق «6»، و هو في موقعه جدّا.

ب: الأيّام الثلاثة- على القول بها- متتابعات عند الشيخين و الفاضلين و ابني حمزة و إدريس و غيرهم،

قاطعين به «7»، فإن ثبت عليه إجماع، و إلّا

______________________________

(1) المختلف: 664.

(2) النهاية: 572.

(3) التهذيب 4: 279.

(4) كما في المعتبر 2: 705.

(5) المختلف: 247.

(6) الحدائق 13: 216.

(7) المفيد في المقنعة:

570، الطوسي في الاقتصاد: 291، ابن حمزة في الوسيلة:

145، ابن إدريس في السرائر 1: 406 و 3: 76، و انظر الدروس 1: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 474

فالأصل ينفيه، و حسنة ابن سنان «1» و رواية الجعفري «2» تشعران بعدمه، بل تدلّان، حيث حصر التتابع في صيام ليس ذلك منها.

ج: صرّح في الدروس و الروضة بوجوب الإمساك بقيّة اليوم لو أفطر بعد الزوال «3».

لقوله في صحيحة هشام المتقدّمة: «صام ذلك اليوم».

و في خبر زرارة: «لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» «4».

و لاستصحاب وجوب الإمساك.

و يردّ الأول- بعد الإغماض عن عدم دلالته على الوجوب-: بأنّ الظاهر صوم بدل ذلك اليوم، كما يومئ إليه صدر الخبر. و لأنّ هذا الإمساك ليس صوما حقيقة.

و الثاني: بعدم دلالته على المساواة في جميع الأحكام.

و الثالث: بتعارضه مع استصحاب عدم الوجوب الأولي كما بيّناه في موضعه، مضافا إلى أنّ الواجب أولا هو الصوم، و حقيقة هذا الإمساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا، فلا يتحقّق للاستصحاب معنى، و لذا ذهب ابن فهد إلى عدم الوجوب «5»، و تبعه بعض أجلّة المتأخّرين «6»، و هو الأظهر.

______________________________

(1) الكافي 4: 120- 3، التهذيب 4: 274- 829، الاستبصار 2: 117- 381، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 4.

(2) الكافي 4: 120- 1، الفقيه 2: 95- 428، التهذيب 4: 274- 830، الاستبصار 2: 117- 382، الوسائل 10: 342 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 8.

(3) الدروس 1: 290، الروضة 2: 119.

(4) التهذيب 4: 279- 846، الاستبصار 2: 121- 393، الوسائل 10: 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

(5) نقله عنه في غنائم الأيام: 480.

(6) كما في غنائم الأيام: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 475

د: قالوا: اختيار الإفطار قبل الزوال إنّما هو مع سعة وقت القضاء،

و أمّا لو تضيّق بدخول شهر رمضان المقبل أو علم الوفاة أو ظنّه فلا اختيار «1».

و هو حسن مع القول بحرمة التأخير إلى المقبل.

ه: الظاهر اختصاص الحكم بالقضاء الواجب،

فلو قضى أحد احتياطا ندبا لم يحرم عليه الإفطار بعد الزوال، لعدم كونه قضاء حقيقة- و إنّما هو صوم مندوب- و لعدم انصراف إطلاق القضاء إليه.

و: هل يختصّ الحكم بالقاضي لنفسه، أو يعمّ القاضي لغيره

ولاية أو تبرّعا أو إجارة أيضا؟

مقتضى إطلاق كثير من الأخبار: الثاني، و تبادر الأول عنها ممنوع، و لو سلّم ففي الجميع ليس كذلك، و شيوعه المقتضي للانصراف إليه غير متحقّق.

المسألة السابعة:

لا تجب الموالاة في القضاء من حيث هي، بالإجماع كما في الناصريّات و الخلاف و المختلف «2»، و يدلّ عليه الأصل، و كثير من الأخبار.

كرواية الجعفري: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان، أ يقضيها متفرّقة؟ قال: «لا بأس بتفريق قضاء شهر رمضان» الحديث «3».

و موثّقة سماعة: عمّن يقضي شهر رمضان منقطعا؟ قال: «إذا حفظ أيّامه فلا بأس» «4».

______________________________

(1) انظر الروضة 2: 118، و الرياض 1: 324.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، الخلاف 2: 210، المختلف: 246.

(3) الكافي 4: 120- 1، الفقيه 2: 95- 428، التهذيب 4: 274- 830، الاستبصار 2: 117- 382، الوسائل 10: 342 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 8.

(4) الكافي 4: 120- 2، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 476

و رواية البصري: عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجّة و قطعه، قال:

«اقضه في ذي الحجّة و اقطعه إن شئت» «1»، و غير ذلك من الأخبار الآتية.

و قيد الحيثيّة لوجود القول بوجوبها من حيث كونها ملزومة للفوريّة.

و الأظهر الأشهر: استحبابها، للشهرة، و كونها مسارعة إلى الخير، و الأخبار المعتبرة:

كصحيحة الحلبي: «إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أيّاما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، و ليحص الأيّام، فإن فرّق فحسن، و إن تابع فحسن» «2».

و صحيحة ابن سنان: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل، و

إن قضاه متفرّقا فحسن» «3».

و رواية غياث: «في قضاء شهر رمضان إن كان لا يقدر على سرده فرّقه» «4».

و المرويّ في الخصال: «و الفائت من شهر رمضان إن قضاه متفرقا جاز، و إن قضاه متتابعا كان أفضل» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 121- 5، الفقيه 2: 95- 426، التهذيب 4: 275- 832، الاستبصار 2: 119- 836، الوسائل 10: 344 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 2.

(2) الكافي 4: 120- 4، الفقيه 2: 95- 427، التهذيب 4: 274- 828، الاستبصار 2: 117- 380، الوسائل 10: 341 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 5، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 120- 3، التهذيب 4: 274- 829، الاستبصار 2: 117- 381، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 4.

(4) التهذيب 4: 275- 833، الاستبصار 2: 119- 387، الوسائل 10: 344 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 3.

(5) الخصال: 606- 9، الوسائل 10: 343 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 477

و حكى في السرائر عن بعض الأصحاب استحباب التفريق «1»، و إليه يميل كلام المفيد، و لكن بهذا الوجه: إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم، و كذلك إذا كان عليه خمسة أيّام و ما زاد، فإن كان عليه عشرة أيّام أو أكثر من ذلك تابع بين ثمانية الأيّام إن شاء ثمَّ فرّق الباقي «2».

و في الوسيلة: فإن صام ثمانية أيّام أو ستّة متواليات و فرّق الآخر كان أفضل «3».

و تدلّ على التفريق في الجملة موثّقة عمّار: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان، كيف يقضيها؟ فقال: «إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و إن كان عليه

خمسة فليفطر بينها يومين، و إن كان عليه شهر فليفطر بينها أيّاما، و ليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيّام، يعني متوالية، و إن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينها يوما» «4».

و المرويّ في قرب الإسناد: عمّن كان عليه يومان من شهر رمضان، كيف يقضيهما؟ قال: «يفصل بينهما بيوم، فإن كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية» «5».

و لا يخفى أنّ هاتين الروايتين لا تصلحان لمعارضة ما مرّ، لأكثريّته و أصحّيته، و موافقته للشهرتين، و لظاهر الكتاب، و اضطراب الأول منهما،

______________________________

(1) السرائر 1: 405.

(2) انظر المقنعة: 359.

(3) الوسيلة: 146.

(4) التهذيب 4: 275- 831، الاستبصار 2: 118- 383، الوسائل 10: 341 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 6.

(5) قرب الاسناد: 231- 906، الوسائل 10: 343 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 478

و اختلاف النسخ فيها، فإنّ في بعضها: «ستّة أيّام» بدل: «ثمانية».

المسألة الثامنة:

المعروف من مذهب الأصحاب: عدم فوريّة قضاء رمضان، و تدلّ عليه جميع الأخبار المتقدّمة، و صحيحة البختري: «كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان عليهنّ صيام أخّرن ذلك إلى شعبان، كراهة أن يمنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإذا كان شعبان صمن و صام» «1» إلى غير ذلك.

المسألة التاسعة:

صرّح جملة من الأصحاب: بأنّه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم، بأن ينوي الأول فالأول «2»، و هو كذلك، للأصل.

قيل: نعم، يستحبّ ذلك «3».

و لا أرى له وجها، إلّا أن يثبت بفتوى الفقيه.

المسألة العاشرة:

لو نذر صوما يوما معيّنا، فاتّفق ذلك اليوم في رمضان، صام عن رمضان، و لم يجب عليه قضاء إجماعا.

و لو اتّفق أحد العيدين أو أيّام التشريق بمنى لم يصحّ صومه إجماعا نصّا و فتوى.

و هل يجب عليه القضاء، أم لا؟

الحقّ: الثاني مع استحبابه، وفاقا لموضع من المبسوط و القاضي و الحلبي و الشرائع و المختلف و فخر المحقّقين و الكفاية «4»، بل هو المشهور كما في الكفاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    479     المسألة العاشرة: ..... ص : 478

ّا عدم الوجوب: فللأصل السالم عن المعارض، المؤيّد بعدم انعقاد

______________________________

(1) الكافي 4: 90- 4، الوسائل 10: 345 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 4.

(2) كما في الذخيرة: 530، و مشارق الشموس: 428.

(3) كما في المسالك 1: 77، و الحدائق 13: 318.

(4) المبسوط 1: 282، القاضي في جواهر الفقه: 35، الحلبي في الكافي: 185، الشرائع 1: 196، المختلف: 658، فخر المحققين في الإيضاح 1: 242، كفاية الأحكام: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 479

النذر لو نوى شمول هذه الأيّام أيضا، و عدم وجوب الأداء لو نوى خروجها، فكيف بالقضاء؟! و أمّا الاستحباب: فلقوله عليه السلام في رواية الصيقل «1» و صحيحة ابن مهزيار بعد السؤال عن ذلك: «و يصوم يوما بدل يوم» «2».

خلافا للنهاية و موضع من المبسوط و ابن حمزة، فأوجبوه «3»، و لظاهر الدروس و المدارك، فتردّدا فيه «4»، للرواية و الصحيحة، و هما بمعزل عن إفادة الوجوب،

لمكان الجملة الخبريّة.

و كذا الحكم في عدم صحّة الصوم و وجوب الإفطار لو اتّفق في ذلك اليوم سفر أو مرض أو حيض.

و أمّا القضاء، فصرّح في المسالك بوجوبه قطعا «5»، و ظاهر المختلف أيضا أنّه لا نزاع في وجوب القضاء حينئذ «6»، و في شرح النافع لصاحب المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «7»، و في الكفاية: و قد قطع الأصحاب بأنّه يجب القضاء «8».

و احتجّوا لذلك بصحيحة ابن مهزيار المتقدّمة، و رواية ابن جندب، و فيها- بعد السؤال عن رجل جعل على نفسه صوم يوم فحضرته نيّة

______________________________

(1) التهذيب 4: 234- 686، الاستبصار 2: 101- 328، الوسائل 10: 378 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 3.

(2) الكافي 7: 456- 12، الوسائل 10: 378 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 1.

(3) النهاية: 163، المبسوط 1: 281، ابن حمزة في الوسيلة: 144.

(4) الدروس 1: 272، المدارك 6: 137.

(5) المسالك 2: 209.

(6) المختلف: 249.

(7) نهاية المرام 2: 358.

(8) الكفاية: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 480

الزيارة إلى أن أجاب-: «فإذا رجع قضى ذلك» «1».

و الروايتان قاصرتان عن إفادة الوجوب، مع أنّ الثانية ليست صريحة في اليوم المعيّن، فلعلّه كان غير معيّن، و المراد بالقضاء: الفعل، كما هو مقتضى الحقيقة اللغويّة، و معارضة مع رواية مسعدة: في رجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر، ثمَّ يسافر فتمرّ به الشهور: «أنّه لا يصوم في السفر و لا يقضيها إذا شهد» «2».

و لأجل ذلك يظهر من الكفاية التردّد، بل هو الظاهر من شرح النافع لصاحب المدارك أيضا، و هو في محلّه جدّا، بل الأظهر عدم الوجوب إلّا أن يثبت الإجماع عليه، و الاحتياط عدم

ترك القضاء هنا.

______________________________

(1) الكافي 7: 457- 16، التهذيب 4: 333- 1048، الوسائل 10: 197 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.

(2) الكافي 4: 142- 7، التهذيب 4: 329- 1028، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 481

المطلب الثاني في الصوم المندوب و هو أيضا أقسام كثيرة:

منها: ما لا يختصّ بسبب مخصوص و لا بوقت معيّن

كصيام أيّام السنة عدا ما استثني، فإنّ استحبابه ممّا لا خلاف فيه، كما صرّح به غير واحد «1»، و صوم كلّ يوم شاء عدا المستثنيات.

ففي مرسلة الفقيه: «من صام للّه يوما في شدّة الحرّ، فأصابه ظمأ و كل اللّه به ألف ملك يمسحون وجهه و يبشّرونه، حتى إذا أفطر قال اللّه تعالى:

ما أطيب ريحك و روحك، ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له» «2».

و في رواية الكناني: «نوم الصائم عبادة، و صمته تسبيح، و عمله متقبّل، و دعاؤه مستجاب» «3».

و في الحديث القدسي: «الصوم لي، و أنا اجازي به» «4».

و في رواية عمرو بن جميع: «الصوم جنّة من النار» «5»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) كما في الحدائق 13: 347.

(2) الفقيه 2: 45- 205، الوسائل 10: 409 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1.

(3) ثواب الأعمال: 51- 3، الوسائل 10: 403 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 24، بإسناده عن الحسين بن أحمد عن أبيه.

(4) الفقيه 2: 44- 198، التهذيب 4: 152- 420، الوسائل 10: 400 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 15 و 16.

(5) التهذيب 4: 191- 544، الوسائل 10: 400 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 482

و لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيميّة إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة لكفي به فضلا و منقبة

و شرفا.

و منها: ما يختصّ بسبب مخصوص

، و أفراده غير محصورة، مذكورة في كتب الأدعية و الآداب.

و منها: ما يختص بوقت معيّن، و ذلك في مواضع:
منها- و هو أوكدها-: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر:
اشاره

أول خميس منه، و أول أربعاء من العشر الثاني، و آخر خميس من العشر الأخير، فإنّه قد كثر الحثّ عليه في السنّة المقدّسة، و ورد أنّه يعادل صوم الدهر.

ففي صحيحة حمّاد: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض على صوم ثلاثة أيّام في الشهر، و قال: يعدلنّ صوم الدهر، و يذهبن بوحر الصدر»، قال حمّاد: فقلت: أي الأيّام هي؟ قال: «أول خميس في الشهر، و أول أربعاء بعد العشر منه، و آخر خميس فيه» الحديث «1».

و في صحيحة معاوية بن عمّار: «كان في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السلام: يا علي أوصيك في نفسك بخصال احفظها عنّي، ثمَّ قال: اللهم أعنه»- إلى أنّ قال: «و السادسة: الأخذ بسنّتي في صلاتي و صومي» إلى أن قال: «و أمّا الصيام فثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوله، و الأربعاء في وسطه، و الخميس في آخره» «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 89- 1، الفقيه 2: 49- 210، التهذيب 4: 302- 913، الاستبصار 2: 136- 444، المقنعة: 369، المحاسن: 301- 8، الوسائل 10: 415 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 1، و الوحر: الوسوسة، و قيل: وحر الصدر- بالتحريك-:

غشه، و قيل: الحقد و الغيظ، و قيل: العداوة، و قيل: أشدّ الغضب- مجمع البحرين 3: 510.

(2) الكافي 8: 79- 33، الوسائل 15: 181 أبواب جهاد النفس ب 4 ح 2، و رواها في الفقيه 4: 139- 483.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 483

و في موثّقة زرارة: أنّه جميع ما جرت به السنّة «1»، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة «2».

و

ما ذكر في تعيين الأيّام الثلاثة هو المشهور رواية و فتوى.

و عن الشيخ: التخيير بين أربعاء بين خميسين، و خميس بين أربعاءين «3».

و عن الإسكافي: شهر بالأول و شهر بالثاني «4».

و عن العماني: تخصيص الأربعاء بالأخير من العشر الأوسط «5».

و عن الحلبي: فأطلق في خميس العشر الأول، و أربعاء الثاني و خميس الثالث «6».

و العمل على المشهور، لموافقته لسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة من بعده، كما نطقت به الروايات.

فروع
أ: من ترك هذا الصوم يستحبّ له قضاؤه.

كما صرّح به غير واحد «7»، و دلّت عليه الأخبار، ففي رواية عبد اللّه بن سنان: «لا يقضي شي ء

______________________________

(1) الكافي 4: 93- 9، الفقيه 2: 51- 220، ثواب الأعمال: 81- 8، الوسائل 10: 18 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6.

(2) انظر الوسائل 10: 415 أبواب الصوم المندوب ب 7.

(3) التهذيب 4: 303.

(4) حكاه عنه في المختلف: 238.

(5) حكاه عنه في المختلف: 238.

(6) الكافي في الفقه: 189.

(7) انظر الشرائع 1: 207، و المسالك 1: 80، و الكفاية: 49، و الحدائق 13:

351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 484

من صوم التطوّع إلّا الثلاثة الأيّام التي كان يصومها من كل شهر» «1»، و غير ذلك.

و في ثبوت القضاء فيما ترك للسفر أو المرض و سقوطه روايتان «2»، مقتضى تعارضهما الرجوع إلى عمومات قضائه «3»، فيستحبّ القضاء و عليه الفتوى.

ب: صرّح جملة من الأصحاب بجواز تأخير هذا الصوم من الصيف إلى الشتاء،

إمّا مطلقا أو مع المشقّة «4»، و دلت عليه النصوص المستفيضة المقيّدة بالمشقّة و المطلقة «5»، و الظاهر أنّ المراد تأخيره بقضاء ما فات من الصيف في الشتاء، فإنّه الظاهر من التأخير، لا ترك الصيف و الاقتصار على الشتاء.

ج: إن عجز عن هذا الصوم أو اشتدّ عليه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم

، للنصوص المستفيضة «6».

و منها: صوم أيّام البيض من كلّ شهر بالإجماع

، كما عن الغنية و المختلف و المنتهى و التذكرة «7»، له، و للأخبار العديدة «8».

______________________________

(1) الكافي: 4: 142- 8، التهذيب 4: 233- 685، الاستبصار 2: 100- 327، الوسائل 10: 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 130- 3 و 4، الوسائل 10: 223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 3 و 4.

(3) كما في الوسائل 10: 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21.

(4) كما في الشرائع 1: 207، و المنتهى 2: 609، و المدارك 6: 261 و الكفاية: 49، و الذخيرة: 518، و الحدائق 13: 353، و الرياض 1: 325، و غنائم الأيام: 492.

(5) انظر الوسائل 10: 430 أبواب الصوم المندوب ب 9.

(6) الوسائل 10: 433 أبواب الصوم المندوب ب 11.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المختلف: 238، المنتهى 2: 609، التذكرة 1: 278.

(8) الوسائل 10: 436 أبواب الصوم المندوب ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 485

و تلك الأيّام: الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر، كما في رواية الصدوق «1»، و هو المشهور.

و عن العماني: أنّها الثلاثة المتقدّمة «2». و لا وجه له.

و منها: صوم يوم الغدير،

و هو عيد اللّه الأكبر، و هو الثامن عشر من ذي الحجّة.

و منها: صوم يوم مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،

و هو السابع عشر من ربيع الأول، على الأشهر رواية و فتوى.

خلافا للكليني، فجعله الثاني عشر «3»، و حكي الميل إليه عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد «4».

و منها: صوم يوم مبعثه

، و هو اليوم السابع و العشرون من شهر رجب.

و منها: صوم يوم دحو الأرض،

و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة، و هو يوم دحيت الأرض، أي بسطت من تحت الكعبة.

و منها: صوم يوم الخامس عشر من رجب.
و منها: صوم أول ذي الحجّة.
و منها: صوم يوم التروية.
و منها: صوم يوم المباهلة،

و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة.

و في المسالك: قيل: إنّه الخامس و العشرون «5». و قائله غير معروف.

______________________________

(1) علل في الشرائع: 379- 1، الوسائل 10: 436 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 238.

(3) الكافي 1: 439.

(4) نسبه إليه سبطه صاحب المدارك 6: 264.

(5) المسالك 1: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 486

كلّ ذلك لفتوى الأصحاب و روايات الأطياب.

و منها: صوم يوم عرفة،

فقال جماعة باستحبابه بخصوصه «1»، للمستفيضة، كموثّقة محمّد: عن صوم يوم عرفة، قال: «من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة فصمه، و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» «2».

و رواية الجعفري: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف» «3».

و رواية البصري: «صوم يوم عرفة يعدل السنة» و قال: «لم يصمه الحسن و صامه الحسين عليهما السلام» «4».

و مرسلة الفقيه: «صوم يوم التروية كفّارة سنة، و يوم عرفة كفّارة سنتين» «5».

و رواية يعقوب بن شعيب: عن صوم يوم عرفة، قال: «إن شئت صمت و إن شئت لم تصم، و ذكر أنّ رجلا أتى الحسن و الحسين عليهما السلام، فوجد أحدهما صائما و الآخر مفطرا، فسألهما فقالا: إن صمت فحسن، و إن لم تصم فجائز» «6».

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 238، و النافع: 71، و التذكرة 1: 278، و المسالك 1: 80، و الرياض 1: 326.

(2) التهذيب 4: 299- 904، الاستبصار 2: 134- 436، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 4.

(3) التهذيب 4: 298- 901، الاستبصار 2: 133- 433، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 3.

(4) التهذيب

4: 298- 900، الاستبصار 2: 133- 432، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 5.

(5) الفقيه 2: 52- 231، الوسائل 10: 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.

(6) الفقيه 2: 52- 233، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 487

و المروي في ثواب الأعمال: «إنّ صوم تاسع ذي الحجّة كفّارة تسعين سنة» «1».

و بإزاء تلك الأخبار أخبار أخر مانعة أو دالّة على عدم الرجحان، كصحيحة محمّد: عن صوم يوم عرفة، فقال: «ما أصومه اليوم، و هو يوم دعاء و مسألة» «2».

و موثّقة محمّد بن قيس: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان» «3».

و رواية سدير: عن صوم يوم عرفة، فقلت: جعلت فداك، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة، قال: «كان أبي عليه السلام لا يصومه»، قلت: و لم ذلك؟ قال: «إنّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة، و أتخوف أن يضعفني من الدعاء، و أكره أن أصومه، و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى، فليس بيوم صوم» «4».

و رواية زرارة: «لا تصم يوم عاشوراء، و لا يوم عرفة بمكّة و لا في المدينة و لا في وطنك و لا في بعض الأمصار» «5».

______________________________

(1) الفقيه 2: 52- 232، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 10، و لم نجده في ثواب الأعمال.

(2) الكافي 4: 145- 1، الوسائل 10: 464 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 1.

(3) التهذيب 4: 298- 902، الاستبصار 2: 133- 434، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 7.

(4) الفقيه 2: 53- 235، التهذيب

4: 299- 903، الاستبصار 2: 133- 435، علل الشرائع: 385- 1، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 146- 3، التهذيب 4: 300- 909، الاستبصار 2: 134- 440، الوسائل 10: 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 488

و لأجل تلك الأخبار ذهب غير واحد من متأخّري المتأخّرين إلى عدم استحبابه بخصوصه و مساواته لسائر الأيّام «1». و هو كذلك، إذ ليس في الأخبار المرغّبة ما يدلّ على خصوصيّة له أصلا زائدة عن استحباب أصل الصوم، سوى ما دلّ على أنّه يعدل صوم سنة، و أنّه كفّارة سنتين أو تسعين.

و هو معارض بالنهي في رواية زرارة، و ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له و كذا الإمام، كما في صحيحة محمّد و رواية سدير، و قوله: «ليس بيوم صوم» و التخيير في رواية يعقوب بن شعيب، و ظهور رواية سدير في أنّه ليس يعدل سنة، و أنّ ذلك قول العامّة.

و بذلك تترجّح الروايات الدالّة على عدم الاستحباب، فيرجع إلى ما كان من الاستحباب الأصلي الثابت في سائر الأيّام، و به يجمع بين الطائفتين من الأخبار، فالمرغبة تحمل على الاستحباب الأصلي لأصل الصوم، و مقابلتها على نفي الخصوصيّة و رجحان الترك لو أوجب توهّمها، كما صرّح، به في رواية سالم: «دخل رجل يوم عرفة إلى الحسن عليه السلام و هو يتغدّى، و الحسين عليه السلام صائم، ثمَّ جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام، فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة و هو يتغدّى، و علي بن الحسين عليه السلام صائم، فقال له الرجل: إنّي دخلت على الحسن عليه

السلام و هو يتغدّى و أنت صائم، ثمَّ دخلت عليك و أنت مفطر و علي بن الحسين عليه السلام صائم؟! فقال: إنّ الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلّا يتّخذ صومه سنّة و يتأسى به الناس، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام، فأردت أن لا يتخذ صومي سنّة فيتأسى الناس به» «2».

______________________________

(1) كما في مشارق الشموس: 452، و الحدائق 13: 366.

(2) الفقيه 2: 53- 234، علل الشرائع: 386- 1، الوسائل 10: 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 489

فإنّ هذه الرواية صريحة في نفي الخصوصيّة، و أصدق شاهد على الجمع المذكور.

و منه يظهر أنّ الحق: عدم ثبوت خصوصيّة لصوم يوم عرفة، بل هو كسائر الأيّام، و يستحبّ صومه نحو استحبابها، إلّا مع خوف الضعف عن الدعاء أو التباس أول الشهر فينزل عن سائر الأيّام أيضا و يكره صومه، للتصريح بذلك في بعض الروايات المتقدّمة.

و منها: صوم يوم عاشوراء،

فإنّه قال باستحبابه جمع من الأصحاب على وجه الحزن و المصيبة «1»، بل قيل: لا خلاف فيه أجده «2». و عن ظاهر الغنية: الإجماع عليه «3».

أمّا أصل الاستحباب فللمستفيضة من الأخبار، كرواية أبي همام:

«صام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم عاشوراء» «4».

و رواية مسعدة: «صوموا العاشوراء التاسع و العاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة» «5».

و رواية القدّاح: «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة» «6».

و رواية النواء: «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي، فأمر نوح من

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 282، و النافع: 71، و القواعد 1: 68.

(2) كما في الرياض 1: 326.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

(4) التهذيب 4: 299- 906، الاستبصار 2: 134- 438، الوسائل 10: 457 أبواب الصوم المندوب ب 20

ح 1.

(5) التهذيب 4: 299- 905، الاستبصار 2: 134- 437، الوسائل 10: 457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 2.

(6) التهذيب 4: 300- 907، الاستبصار 2: 134- 439، الوسائل 10: 457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 490

معه من الجنّ و الإنس أن يصوموا ذلك اليوم» و قال أبو جعفر عليه السلام:

«أ تدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم و حواء عليهما السلام» الحديث «1».

و أمّا التقييد بكونه حزنا فللجمع بين ما مرّ و بين الأخبار النافية له جدّا، كرواية زرارة السابقة «2»، و رواية نجيّة: عن صوم يوم عاشوراء؟

فقال: «صوم متروك بنزول شهر رمضان، و المتروك بدعة» قال: فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام من بعد أبيه عن ذلك، فأجابني بمثل جواب أبيه، ثمَّ قال: «أما أنّه صوم ما نزل به كتاب و لا جرت به سنّة، إلّا سنّة آل زياد لعنهم اللّه بقتل الحسين بن علي عليهما السلام» «3».

و رواية جعفر بن عيسى: عن صوم يوم عاشوراء و ما يقول الناس فيه؟ فقال: «عن صوم ابن مرجانة لعنه اللّه تسألني؟! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام، هو يوم يتشاءم به آل محمّد صلوات اللّه عليهم و يتشاءم به أهل الإسلام، و اليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام، و لا يتبرّك به، و يوم الاثنين يوم نحس» إلى أن قال: «فمن صامهما أو تبرّك بهما لقي اللّه تعالى ممسوخ القلب، و كان يحشره مع الذين سنّوا صومهما و تبرّكوا بهما» «4».

و رواية النرسي: عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «من صامه كان حظّه

______________________________

(1) التهذيب 4: 300-

908، الوسائل 10: 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 5.

(2) في ص: 487.

(3) الكافي 4: 146- 4، التهذيب 4: 301- 910، الاستبصار 2: 134- 441، الوسائل 10: 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 5.

(4) الكافي 4: 146- 5، التهذيب 4: 301- 911، الاستبصار 2: 135- 442، الوسائل 10: 460 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 491

من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة و آل زياد» قلت: و ما كان حظّهم من ذلك اليوم؟ فقال: «النار، أعاذنا اللّه من النار، و من عمل يقرّب من النار» «1».

و رواية عبد الملك: عن صوم تاسوعاء و عاشوراء من شهر المحرم؟

فقال: «تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام» إلى أن قال: «و أمّا يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام» إلى أن قال: «فصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلّا و ربّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم، و ما هو إلّا يوم حزن و مصيبة» إلى أن قال: «فمن صامه، أو تبرّك به حشره اللّه تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه» الحديث «2».

و صحيحة زرارة و محمّد: عن صوم يوم عاشوراء، فقال: «كان صومه قبل شهر رمضان، فلما أنزل اللّه شهر رمضان ترك» «3».

و المروي في المصباح: سألته عنه، فقال: «صمه من غير تبييت و أفطره من غير تسميت، و لا تجعله يوم صوم كملا، و ليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء» الحديث «4».

و في مجالس الصدوق: قلت: فصوم عاشوراء، قال: «ذلك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام، فإن كنت شامتا فصم» ثمَّ قال: آل أبي زياد نذروا نذرا

______________________________

(1) الكافي 4: 147- 6، التهذيب

4: 301- 912، الاستبصار 2: 135- 443، الوسائل 10: 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 4.

(2) الكافي 4: 147- 7، الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 2.

(3) الفقيه 2: 51- 224، الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 1.

(4) مصباح المتجهد: 724، الوسائل 10: 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 7.

و فيهما: بعد صلاة العصر.

و تسميت العاطس: أن تقول له: يرحمك اللّه- الصحاح 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 492

إن قتل الحسين عليه السلام أن يتّخذوا ذلك اليوم عيدا لهم، فيصومون شكرا و يفرحون، فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم، فلذلك يصومونه» إلى أن قال: «إن الصوم لا يكون للمصيبة، و لا يكون إلّا شكرا للسلامة. و إنّ الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء، فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم، و إن كنت ممّن سرّه سلامة بني أميّة فصم شكرا للّه» «1».

و لا يخفي أنّه لا دلالة في شي ء من أخبار الطرفين على التقييد المذكور، و لا شاهد على ذلك الجمع من وجه، بل في الرواية الأخيرة: إنّ الصوم لا يكون للحزن و المصيبة. فجعله وجها للجمع خروج عن الطريقة، بل لا وجه له، بل مقتضي الطريقة طرح الأخبار الأولى بالكلية، لمرجوحيّتها بموافقة أخبث طوائف العامّة موافقة قطعيّة، و الأخبار بها مصرّحة «2» و لذلك جعل في الوافي الأولى تركه «3».

و قال بعض مشايخنا فيه بالحرمة «4»، و هو في غاية الجودة، بمعنى حرمته لأجل الخصوصيّة و إن لم يحرم من جهة مطلق الصوم.

و لا يضرّ ضعف إسناد بعض تلك الأخبار بعد وجودها في الكتب المعتبرة، مع أنّ فيها الصحيحة.

و لا يرد ما

قيل من أنّها مخالفة للشهرة، بل لم يقل به أحد من الطائفة، و مع ذلك مع أخبار استحباب مطلق الصوم معارضة «5» لأنّ جميع

______________________________

(1) لم نجدها في أمالي الصدوق، و هي موجودة في أمالي الشيخ: 677، الوسائل 10: 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 7.

(2) كما في الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21.

(3) الوافي 11: 76.

(4) كما في الحدائق 13: 375 و 376.

(5) انظر الرياض 1: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 493

ذلك إنّما يرد لو قلنا بالتحريم بالمرّة لا بقصد الخصوصية و لأجل أنّه السنّة، و أمّا معه فلا نسلّم المخالفة للشهرة، و لا تعارضها أخبار مطلق الصوم.

فالحقّ: حرمة صومه من هذه الجهة، فإنّه بدعة عند آل محمّد متروكة، و لو صامه من حيث رجحان مطلق الصوم لم يكن بدعة و إن ثبتت له المرجوحيّة الإضافيّة.

و الأولى العمل برواية المصباح المتقدّمة.

و أمّا ما في رواية النواء- من ذكر بعض فضائل يوم عاشوراء- فيعارضه ما في رواية أخرى في مجالس الصدوق في تكذيب تلك الرواية «1».

و منها: صوم يوم الجمعة من كلّ شهر،

للمروي في العيون، قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا اعطى ثواب صيام عشرة أيّام غيرها لا تشاكل أيّام الدنيا» «2».

و قد يستدلّ ببعض أخبار أخر، كما دلّ على رؤيته عليه السلام صائما قائلا:

«إنّه يوم خفض و دعة» «3» أو على الترغيب على عمل الخير فيه، معلّلا بتضاعف الحسنات فيه «4»، و غير ذلك «5».

و شي ء منها لا يدلّ على المطلوب- الذي هو صوم يوم الجمعة- من حيث إنّه صومه و إن دلّ على حسنه من حيث العبادة أو تضاعف الخيرات،

______________________________

(1) راجع ص: 491 و

493.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 35- 92، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 2.

(3) التهذيب 4: 316- 959، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.

(4) انظر الخصال 2: 392- 93، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 4.

(5) كما في الوسائل 10: 411 أبواب الصوم المندوب ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 494

فالمستند ما ذكرناه مضافا إلى فتوى الأصحاب.

و أمّا مكاتبة الصيقل: رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب عليه السلام: «قد وضع اللّه الصيام في هذه الأيّام كلّها، و يصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه تعالى» «1».

فلا تعارض ما مرّ، لاختلاف النسخ، و عدم ذكر يوم الجمعة في البعض، مع أنّه على فرض ذكره أيضا متروك غير معمول به، إذ يجب الوفاء بنذره يوم الجمعة أو يشار إلى غير الجمعة من تلك الأيّام.

و يظهر من بعض الروايات كراهة إفراده بالصوم، كالمروي في صحيفة الرضا عليه السلام: «لا تفردوا الجمعة بصوم» «2»، و رواية أخرى في التهذيب «3».

و لا يضرّ كون الرواية ضعيفة، للتسامح في أدلة الكراهة.

أقول: الكراهة هنا بمعنى: أقلّية الثواب، و لم يثبت التسامح في ذلك المعنى، فإنّ الروايتين تتعارضان مع الإطلاق المتقدّم- المثبت للثواب و لو مع الإفراد- و هما تنفيانه، و لا دليل على قبول الروايات الضعيفة في ذلك التقييد.

و منها: صوم شهر رجب و شهر شعبان بعضا أو كلّا،

و هو ممّا

______________________________

(1) التهذيب 4: 234- 686، الاستبصار 2: 101- 328، الوسائل 10: 196 أبواب

من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.

(2) لم نجده في صحيفة الرضا عليه السلام و وجدناه في عيون الأخبار 2: 73- 346، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 3.

(3) التهذيب 4: 315- 958، الوسائل 10: 413 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 495

لا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرّح به غير واحد أيضا «1»، و استفاضت به الروايات بل تواترت «2». و ما ورد في شعبان على خلافه «3» مطروح أو مؤوّل.

و منها: صيام ستّة أيّام متوالية بعد عيد الفطر بغير فصل،

ذكره جمع من الأصحاب «4»، لرواية عامية فيها: «إنّ صومها يعدل صوم الدهر» «5».

و لم يستحبّها الشيخ في المصباح، و نقل عن بعض الأصحاب كراهتها «6»، و هو الظاهر من بعض آخر «7»، و هو الأظهر.

لصحيحة البجلي: عن اليومين اللذين بعد الفطر، أ يصامان أم لا؟

فقال: «أكره لك أن تصومهما» «8».

و رواية زياد: «لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام، و لا بعد الفطر ثلاثة أيّام» «9».

و موثقة حريز: «إذا أفطرت رمضان فلا تصومنّ بعد الفطر تطوّعا إلّا بعد ثلاثة يمضين» «10».

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، و المنتهى 2: 612، و الرياض 1: 327.

(2) الوسائل 10: 471 و 485 أبواب الصوم المندوب ب 26 و 28.

(3) الوسائل 10: 487 و 491 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 6 و 17.

(4) كما في المنتهى 2: 614، و التذكرة 1: 279، و الروضة 2: 135.

(5) صحيح مسلم 2: 822، و سنن الترمذي 2: 129- 756، بتفاوت يسير.

(6) انظر النهاية: 169، و مصباح المتهجد: 610.

(7) انظر الحدائق 13: 387.

(8) الكافي 4: 148- 3، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 3 ح

2.

(9) الكافي 4: 148- 2، التهذيب 4: 330- 1031، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 3 ح 1.

(10) التهذيب 4: 298- 899، الاستبصار 2: 132- 431، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 496

و لا شكّ أنّ هذه الروايات تترجّح على الرواية العامية، و المسامحة في أدلّة السنن إنّما تكون إذا لم يعارضها ما هو راجح عليها.

و منها: صوم يوم النيروز،

للمروي في مصباح المتهجّد «1».

و منها: صوم يوم الخميس،

للشهرة بين الأصحاب «2».

و منها: صوم أول يوم من المحرم،

للمستفيضة من الروايات «3».

و منها: صوم تسعة أيّام من أول ذي الحجّة.

للمروي مرسلا في المصباح «4»، و أنّه يكتب له صوم الدهر «5» و يعارضه ما مرّ في صوم يوم عرفة «6»، فلا بدّ إمّا من حمل ما دلّ على عدم استحباب صوم عرفة على ما إذا لم يكن من تتمّة التسع، أو يخصّص يوم عرفة من بين التسع، و هذا هو الأظهر.

و كذلك الكلام فيما ورد في استحباب صوم شهر المحرّم كله بالنسبة إلى صوم يوم عاشوراء.

و قد ذكر بعض الأصحاب جملة أخرى من الأيّام أيضا ممّا يستحبّ صومها «7»، و لم نتعرّض لها، لعدم وجود نصّ بخصوصه فيها.

و تلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الاولى: لا يجب الصوم النافلة بالشروع

، بل يجوز الإفطار

______________________________

(1) مصباح المتهجّد: 790، الوسائل 10: 468 أبواب الصوم المندوب ب 24 ح 1.

(2) كما في المنتهى 2: 614، و التذكرة 1: 279، و الذخيرة: 520.

(3) الوسائل 10: 468 أبواب الصوم المندوب ب 25.

(4) مصباح المتهجّد: 613، الوسائل 10: 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 2.

(5) الفقيه 2: 52- 230، الوسائل 10: 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.

(6) راجع ص: 487.

(7) انظر المقنعة: 368، و المنتهى 2: 614.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 497

فيه إلى الغروب، بلا خلاف يوجد- إلّا في صوم الاعتكاف على قول كما سيأتي- بل بالإجماع كما في كلام جماعة، منهم المدارك «1»، للأصل، و الأخبار:

كصحيحة جميل، و فيها: «و إن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» «2».

و رواية إسحاق بن عمّار: «الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوّع ما بينه و بين أن تغيب الشمس» «3».

و رواية سماعة: «فأمّا النافلة، فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس» «4».

و رواية ابن سنان: «صوم

النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى شئت» «5».

نعم، يكره نقضه بعد الزوال عندنا، كما عن الخلاف «6»، لرواية مسعدة: «الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم» «7».

______________________________

(1) المدارك 6: 274.

(2) التهذيب 4: 280- 849، الاستبصار 2: 122- 396، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 4.

(3) التهذيب 4: 280- 848، الاستبصار 2: 122- 395، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 10.

(4) الكافي 4: 122- 3، الفقيه 2: 96- 433، التهذيب 4: 187- 527، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 8.

(5) التهذيب 4: 278- 841، الاستبصار 2: 120- 389، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 9.

(6) الخلاف 2: 220.

(7) التهذيب 4: 281- 850، الاستبصار 2: 122- 397، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 498

و رواية معمّر: النوافل ليس لي أن أفطر فيها بعد الظهر؟ قال: «نعم» «1».

و إنّما حملنا على الكراهة مع ظهورها في الوجوب بقرينة ما سبق، مع أنّ بقاءهما على ظاهريهما يوجب طرحهما بالشذوذ، مضافا إلى أنّه مع التعارض- و قطع النظر عن ترجيح أحاديث الجواز بالأصحّيّة و الأشهريّة و الأصرحيّة- يرجع إلى الأصل.

هذا مع ما في الأخيرة من خفاء الدلالة، لجواز أن يكون «نعم» بمعنى: لك أن تفطر، و أيضا: ليس لك أن تفطر، ليس صريحا في الحرمة، لاحتمال نفي الإباحة بالمعنى الخاصّ.

و يستثنى من الكراهة من يدعى الى طعام، فلا يكره له قطعه مطلقا، بل يكره المضيّ عليه، كما

سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية: لا يجوز لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوّع بشي ء من الصيام،

بلا خلاف- إلّا من السيّد في المسائل الرسّية «2»- لصحيحة الحلبي:

عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة، أ يتطوّع؟ قال: «لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان» «3»، و قريبة منها رواية الكناني «4».

و صحيحة زرارة، و فيها: «أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» «5».

______________________________

(1) التهذيب 4: 166- 473، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 5.

(2) المسائل الرسيّة (رسائل السيّد المرتضى 2): 366.

(3) الكافي 4: 123- 2، التهذيب 4: 276- 836، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 5.

(4) الكافي 4: 123- 1، التهذيب 4: 276- 836، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 6.

(5) التهذيب 2: 133- 513، الاستبصار 1: 283- 1031، الوسائل 10: 345 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 499

و قال في المقنع: و أعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شي ء من الفرض، كذا وجدته في الأحاديث «1».

و في الفقيه: وردت الأخبار و الآثار عن الأئمّة: أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض «2».

و قصور دلالة بعض ما ذكر على الوجوب ينجبر بصراحة البعض الآخر، كما أنّ ضعف البعض الآخر بالشهرة ينجبر.

و هل يجوز لمن في ذمّته واجب آخر غير القضاء التطوّع، أم لا؟

الأول للسيّد «3» و ظاهر الكليني و الصدوق و المدارك «4»، و اختاره بعض مشايخنا «5»، للأصل الخالي عن المعارض.

و حكي عن ظاهر الأكثر: الثاني «6»، و يدلّ عليه ما في المقنع

و الفقيه «7»، و هما بمنزلة خبران مرسلان مجبوران بحكاية الشهرة، بل بالشهرة المعلومة، فهو الأظهر.

و نسبة الأول الى الصدوق غير معلومة، بل ظاهره: الثاني.

المسألة الثالثة: إذا دعي الصائم تطوّعا إلى الإفطار يستحبّ له الإفطار،

بلا خلاف كما قيل «8»، بل بالاتّفاق كما في المعتبر «9»، للمستفيضة:

______________________________

(1) المقنع: 64.

(2) الفقيه 2: 87- 392 و 393، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 3.

(3) حكاه عن السيّد في المختلف: 238.

(4) الكليني في الكافي 4: 123، الصدوق في المقنع: 64، المدارك 6: 210.

(5) انظر كشف الغطاء: 324.

(6) كما في الذخيرة: 530، و الحدائق 13: 319.

(7) المقنع: 64، الفقيه 2: 87.

(8) في الحدائق 13: 206.

(9) المعتبر 2: 712.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 500

كرواية إسحاق: «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوّعا» «1»، و الدلالة إنّما هي إذا فسّر قوله: «لأخيك» أي لأجل أخيك.

و الرقّي: «لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا، أو تسعين ضعفا» «2».

و نجم بن حطيم: «من نوى الصوم ثمَّ دخل على أخيه، فسأله أن يفطر، عنده فليفطر، و ليدخل عليه السرور، فإنّه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيّام» «3».

و الخثعمي: عن الرجل ينوي الصوم، فيلقاه أخوه الذي هو على أمره فيسأله أن يفطر، أ يفطر؟ قال: «إن كان الصوم تطوّعا أجزأه و حسب له» «4».

و الأفضل له عدم الإعلام بالصوم بلا خلاف، لصحيحة جميل: «من دخل على أخيه و هو صائم فأفطر عنده، فلم يعلمه بصومه فيمنّ عليه، كتب اللّه له صوم سنة» «5».

و روايته: «أيّما رجل مؤمن دخل على أخيه و هو صائم، فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمنّ عليه بإفطاره، كتب اللّه تعالى له بذلك اليوم صيام

______________________________

(1) الكافي 4: 150- 1، الوسائل 10: 152 أبواب

آداب الصائم ب 8 ح 3.

(2) الكافي 4: 151- 6، الفقيه 2: 51- 221، العلل 2: 387- 2، المحاسن:

411- 145، ثواب الأعمال: 82- 1، الوسائل 10: 153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 6.

(3) الكافي 4: 150- 2، الوسائل 10: 151 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 122- 7، الفقيه 2: 96- 434، الوسائل 10: 152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 2.

(5) الكافي 4: 150- 3، الفقيه 2: 51- 222، العلل: 387- 3، المحاسن:

412- 153، ثواب الأعمال: 82- 2، الوسائل 10: 152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 501

سنة» «1».

و لا فرق في ذلك بين قبل الزوال و بعده، للإطلاقات، و خصوص رواية ابن جندب: أدخل على القوم و هم يأكلون، و قد صلّيت العصر و أنا صائم، فيقولون: أفطر، فقال: «أفطر، فإنّه أفضل» «2».

و لا بين من هيّأ له طعاما و غيره، للإطلاق.

نعم، قال في الحدائق: المستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب على الدعوة إلى طعام. و ما اشتهر في هذه الأوقات سيّما في بلاد العجم- من تعمّد تفطّر الصائم بشي ء يدفع إليه، من تمرة أو يسير من الحلو أو نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك- فليس بداخل تحت الأخبار، و لا هو ممّا يترتّب عليه الثواب المذكور «3». انتهى.

أقول: المستفاد من الأكثر و إن كان ذلك، إلّا أنّ إطلاق رواية الخثعمي يكفي في إثبات التعميم، و كفاية ما اشتهر في هذه الأوقات في درك الفضيلة و الثواب.

المسألة الرابعة: يكره الصوم المندوب للضيف بدون إذن مضيفه مطلقا،

وفاقا للديلمي و ابني زهرة و حمزة و المنتهى و التذكرة و القواعد «4»، و نسب إلى المشهور «5».

أمّا عدم التحريم فللأصل.

______________________________

(1) الكافي 4: 150-

4، الوسائل 10: 153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 5.

(2) الكافي 4: 151- 5، الوسائل 10: 154 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 7.

(3) الحدائق 13: 207.

(4) الديلمي في المراسم: 96، لم نعثر عليه في الغنية و حكاه عنه في الرياض 1: 327، ابن حمزة في الوسيلة: 147، المنتهى 2: 615، التذكرة 1: 279، القواعد 1: 68.

(5) كما في الحدائق 13: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 502

و أمّا الكراهة فلرواية الزهري، و فيها: «و الضيف لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحب البيت» «1»، و نحوها الرضوي «2»، و المرويّ في الفقيه في وصيّة النبيّ للوليّ عليهما السّلام «3».

و رواية هشام: «من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحبه» «4».

و رواية الفضيل: «لا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم، لئلا يعملوا له الشي ء فيفسد عليهم، و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف، لئلّا يحتشمهم» «5».

خلافا للمحكيّ عن الشيخين و الحلّي و المعتبر و النافع و الإرشاد و التلخيص و التبصرة «6»، بل في المعتبر الإجماع عليه «7»، فحرّموه، للروايات المذكورة.

و تضعف بعدم دلالة شي ء منها على الحرمة، بل ظهور بعضها في الكراهة، حتى رواية الزهري و الرضوي، لجعل صوم الضيف فيهما في أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرّم.

______________________________

(1) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الخصال:

534- 2، الوسائل 10: 529 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 1.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 202، مستدرك الوسائل 7: 555 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 1.

(3) الفقيه 4: 258- 824، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 4.

(4)

الكافي 4: 151- 2، الفقيه 2: 99- 445، علل الشرائع: 385- 4، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 2.

(5) الفقيه 2: 99- 444، العلل: 384- 2، الوسائل 10: 528 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 9 ح 1.

(6) المفيد في المقنعة: 367، الطوسي في المبسوط 1: 283، الحلّي في السرائر 1: 420، المعتبر 2: 712، النافع: 71، الإرشاد 1: 301، التبصرة: 56.

(7) المعتبر 2: 712.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 503

و فيه: أنّ المراد بصوم الإذن يمكن أن يكون الصوم المتوقّف على الإذن، و يكفي ذلك في صحّة المقابلة، مع أنّه جعله متقابلا للصوم الذي صاحبه بالخيار أيضا، فيعلم أنّه لا خيار هنا.

و للشرائع و فخر المحقّقين في شرح الإرشاد و ظاهر الدروس «1»، فالأول مع السكوت، و الثاني مع النهي، و لا دليل عليه تامّا.

و يكره أيضا صوم المضيّف بدون إذن الضيف، للرواية الأخيرة.

المسألة الخامسة: الحقّ حرمة صوم الولد ندبا بدون إذن أبويه و عدم انعقاده،

وفاقا للمحكيّ عن النافع و الإرشاد و التخليص و التبصرة و فخر المحقّقين في شرح الإرشاد و الدروس و الحدائق «2».

لرواية هشام بن الحكم، و فيها: «و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن أبويه و أمرهما» إلى أن قال: «و إلّا كان الولد عاقّا».

و مثلها المرويّ في العلل، إلّا أنّ فيها: «عاقّا قاطعا للرحم» «3».

و التقريب: أنّ برّ الوالدين واجب، و عقوقهما و قطع الرحم حرام، و سبب الحرام حرام.

خلافا للمحكيّ عن الشرائع و القواعد و المنتهى و التذكرة، فكرهوه «4»، للأصل، و ضعف الرواية سندا و دلالة، لأنّ العقوق لا يتحقّق إلّا مع النهي، و لا شكّ في الحرمة حينئذ- كما قيل «5»- و حكي عن الأكثر «6».

______________________________

(1) الشرائع

1: 209، الدروس 1: 283.

(2) النافع: 71، الإرشاد 1: 301، التبصرة: 56، الدروس 1: 283، الحدائق 13: 203.

(3) العلل: 385- 4، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 3.

(4) الشرائع 1: 209، القواعد 1: 68، المنتهى 2: 615، التذكرة 1: 279.

(5) انظر الرياض 1: 327.

(6) كما في الرياض 1: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 504

و الأصل بما مرّ مدفوع. و الضعف- بعد وجود الخبر في الكتاب المعتبر- ممنوع. و ترتّب العقوق على أصل الصوم- بعد قول الإمام- لا مانع منه.

المسألة السادسة: الحقّ عدم انعقاد صوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها و حرمته

، و عن المعتبر: الاتّفاق عليه «1».

لمرسلة القاسم بن عروة: «لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها» «2».

و صحيحة محمّد: «ليس للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها» «3»، و قريبة منها رواية العرزمي «4».

و رواية هشام، و فيها: «و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها» إلى أن قال: «و إلّا كانت المرأة عاصية» «5»، و غير ذلك.

و الثانية و الثالثة من الروايات و إن لم تكن صريحة في الحرمة و عدم الانعقاد، إلّا أنّ الاولى و الرابعة تثبتانهما، لأنّ نفي الصلاح إثبات الفساد و دالّ على التحريم، كما ذكرنا في موضعه، و إطاعة الزوجة لزوجها واجبة، فتأمّل.

و لا يعارضها المرويّ في كتاب عليّ: عن المرأة، إلها أن تصوم بغير إذن زوجها؟ قال: «لا بأس» «6»، لعدم ثبوت الرواية أولا، و عمومها المطلق

______________________________

(1) المعتبر 2: 712.

(2) الكافي 4: 151- 1، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 2.

(3) الكافي 4: 152- 4، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 152- 5،

الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 4.

(5) تقدّمت مصادرها في ص 502.

(6) مسائل علي بن جعفر: 179- 334، الوسائل 10: 528 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 505

لشمولها الواجب و المندوب ثانيا، فيجب التخصيص.

و ذهب بعضهم- منهم: السيّد في الجمل «1» و ابن زهرة- إلى الكراهة، لتلك الرواية. و جوابها قد ظهر.

و إطلاق الروايات و الفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة و المتمتّع بها، و لا في الزوج بين الحاضر و الغائب.

المسألة السابعة: لا يصحّ صوم المملوك تطوّعا بدون إذن المالك على الأشهر،

و عن المنتهى: عدم الخلاف فيه «2».

لقوله سبحانه (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ) «3».

و لرواية هشام، و فيها: «و من صلاح العبد و طاعته و نصحه لمولاه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن مولاه و أمره» إلى أن قال: «و إلّا كان العبد فاسقا عاصيا» «4»، و غير ذلك.

و لا يعارضه جعله في رواية الزهري من صوم الإذن «5» كما مرّ وجهه.

و لا شكّ أنّ الفسق حرام، و سبب الحرام حرام.

و ذهب بعضهم هنا أيضا الى الكراهة «6».

المسألة الثامنة: قد صرّح الأصحاب: بأنّه يستحبّ الإمساك تأديبا

- و إن لم يكن ذلك صياما- في مواضع:

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 59.

(2) المنتهى 2: 614.

(3) النحل: 75.

(4) الفقيه 2: 99- 445 و فيه: فاسدا عاصيا، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 2.

(5) راجع ص: 502.

(6) كالسيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 59، و الحر العاملي في الوسائل 10: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 506

المسافر إذا قدم أهله أو بلد الإقامة بعد الزوال، أو قبله و قد أفطر.

و المريض إذا برئ بعد الزوال.

و الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.

و الكافر إذا أسلم.

و الصبي إذا بلغ.

و المجنون إذا أفاق.

و تدلّ على أكثرها روايات الزهري و الرضوي «1» و يونس «2» و موثّقة سماعة «3»، و لو لم تكن إلّا فتوى الأصحاب لكفت.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 202، مستدرك الوسائل 7: 391 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 132- 9، التهذيب 4: 254- 752، الاستبصار 2: 113- 369، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.

(3) الكافي 4: 132- 8، التهذيب

4: 253- 751، الاستبصار 2: 113- 368، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 507

المطلب الثالث في الصوم المحظور و له أقسام:

الأول: صوم العيدين

بإجماع علماء الإسلام كافّة، بل الضرورة الدينيّة كما قيل «1»، و هو الدليل مع النصوص المستفيضة «2».

الثاني: صوم أيّام التشريق،

و هي الثلاثة بعد العيد، بالإجماع في الجملة، و الأخبار الغير العديدة:

كرواية الزهري: «و أمّا الصوم المحرّم: فصوم يوم الفطر، و يوم الأضحى، و ثلاثة أيّام من التشريق، و صوم يوم الشكّ» الحديث «3».

و رواية الأعشى: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صوم ستّة أيّام:

العيدين، و أيّام التشريق، و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» «4».

و رواية عبد الكريم بن عمرو، و فيها: «لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «5»، إلى غير ذلك.

و لكنّه مخصوص بمن كان بمنى، فلا يحرم في سائر الأمصار إجماعا

______________________________

(1) في الرياض 1: 328.

(2) الوسائل 10: 513 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 1.

(3) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، الوسائل 10: 513 أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 4: 183- 509، الاستبصار 2: 79- 241، الوسائل 10: 515 أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 7.

(5) المقنع: 59، الوسائل 10: 515 أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 508

كما في الروضة «1»، مرجّعا إطلاق من أطلق إلى المقيّد أيضا تبعا للمختلف «2»، بل قال: إنّه المستفاد من جمعهم: أيّام، فإنّ أقلّها ثلاثة، و ليس أيّام التشريق ثلاثة إلّا لمن كان بمنى.

و بالجملة. تدلّ على الاختصاص صحيحة معاوية بن عمّار: عن صيام أيّام التشريق، قال: «إنّما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صيامها بمنى، و أمّا بغيرها

فلا بأس» «3»، و قريبة منها صحيحته الأخرى «4»، و بهما تقيّد الأخبار المطلقة، حملا للمطلق على المقيّد.

و لا فرق في ذلك بين الناسك و غيره على الأقوى، للإطلاق.

و ربّما خصّ بالأول للغلبة «5»، و إيجابها- لانصراف المطلق إليه في المقام- ممنوع.

و قد يستثنى من ذلك و من الأضحى أيضا: القاتل في أشهر الحرم، فإنّه يجب عليه صيام شهرين متتابعين منها و إن دخل فيهما العيد و أيّام التشريق، حكي استثناؤه عن المقنع و المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار و ابن حمزة «6»، و يميل إليه صاحب المنتقى «7»، و اختاره في

______________________________

(1) الروضة 2: 138.

(2) المختلف: 238.

(3) الفقيه 2: 111- 475، الوسائل 10: 517 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 2 ح 2.

(4) التهذيب 4: 297- 897، الاستبصار 2: 132- 429، الوسائل 10: 316 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 2 ح 1.

(5) كما في القواعد 1: 68، و الإرشاد 1: 301.

(6) المقنع: 183، المبسوط 1: 281، النهاية: 166، التهذيب 4: 297، الاستبصار 2: 131، ابن حمزة في الوسيلة: 149.

(7) منتقى الجمان 2: 567.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 509

الحدائق «1».

لرواية زرارة: رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم، قال: «تغلّظ عليه الدية، و عليه عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»، فقلت: فإنّه يدخل في هذا شي ء، فقال: «و ما هو؟» قلت: يوم العيد و أيّام التشريق، قال: «يصومه، فإنّه حقّ لزمه» «2».

و ردّ ذلك تارة بضعف الرواية.

و اخرى بالشذوذ و الندرة، صرّح به في المعتبر و المختلف و التذكرة و المنتهى «3»، بل فيها: أنّها خلاف الإجماع.

و ثالثة بقصور الدلالة، إذ ليس فيه: أن يصوم العيد، و إنّما

أمر بصوم أشهر الحرم، و ليس في ذلك دلالة على صوم العيد و أيّام التشريق، و يجوز صومها في غير منى.

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول، فلأنّها ضعيفة ببعض طرقها، و لها طريق آخر صحيح ذكره الشيخ في كتاب الديات «4»، مع أنّ ضعف السند عندنا «5» غير ضائر.

و أمّا الثاني، فلمنع الشذوذ بعد فتوى الصدوق و الشيخ و ابن حمزة.

و أمّا الثالث، فلبعده بالغاية، بل خلاف ظاهر الرواية.

نعم، يمكن ردّها بمخالفة الشهرتين القديمة و الجديدة، و مثلها ليس

______________________________

(1) الحدائق 13: 390.

(2) الكافي 4: 139- 8، التهذيب 4: 297- 896، الوسائل 10: 380 أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 1.

(3) المعتبر 2: 714، المختلف: 239، التذكرة 1: 280، المنتهى 2: 616.

(4) التهذيب 10: 215- 850 و 851.

(5) في «س»: عموما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 510

بحجّة، فالفتوى على ما عليه جلّ الطائفة.

الثالث: صوم يوم الشكّ بنيّة أنّه من رمضان أو النذر كما مرّ،

و أمّا بنيّة آخر شعبان فهو مستحبّ بلا خلاف يوجد، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «1»، و تدلّ عليه النصوص الواردة فيمن صامه ثمَّ ظهر كونه من رمضان أنّه وفّق له «2»، و المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» «3».

الرابع: صوم الصمت،

و لا خلاف في حرمته، بل عليها الإجماع في المنتهى و التذكرة و الحدائق «4»، و غيرها «5».

لقوله عليه السّلام في رواية الزهري: «و صوم الصمت حرام» «6».

و في صحيحة زرارة: «و لا صمت يوما إلى الليل» «7». و في وصيّة النبيّ المرويّة في الفقيه: «لا صمت يوما إلى الليل» إلى أن قال: «و صوم الصمت حرام» «8».

______________________________

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 570، و الرياض 1: 328.

(2) انظر الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5.

(3) الكافي 4: 81- 1، التهذيب 4: 181- 505، الاستبصار 2: 78- 237، الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 1.

(4) المنتهى 2: 617، التذكرة 1: 280، الحدائق 13: 390.

(5) كالغنية (الجوامع الفقهية): 573، و المفاتيح 1: 287 و الذخيرة: 522.

(6) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 2.

(7) الفقيه 4: 112- 478، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 1.

(8) الفقيه 4: 265- 724، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 511

و المراد بصوم الصمت- كما صرحوا به «1»-: أن ينوي الصوم ساكتا، بأن يجمع في النيّة بين قصد

الصوم عن المفطرات و بين قصد الصمت، فإنّه كان في بني إسرائيل، فإذا أراد أحد أن يجتهد صام عن الكلام أيضا كما يصوم عن الطعام، و فسّر به قوله تعالى (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) «2».

و يمكن أن يراد بصوم الصمت: هو الإمساك عن الكلام خاصّة.

و لكن فهم الأصحاب و الأصل يعيّن الأول، فلا حرمة في الثاني إلّا مع التشريع به.

الخامس: صوم نذر المعصية،

و هو أن ينذر الصوم إن تمكّن من المعصية، و يقصد بذلك الشكر على تيسّرها لا الزجر عنها، و لا خلاف في حرمته.

و يدل [عليها] «3» قوله عليه السّلام في روايتي الزهري و الرضوي: «و صوم نذر المعصية حرام» «4».

و في حديث وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام المرويّ في آخر الفقيه:

«و صوم نذر المعصية حرام».

السادس: صوم الوصال،

و هو حرام بلا خلاف، للمستفيضة من الأخبار، كروايتي الزهري و الرضوي، و وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و صحيحة

______________________________

(1) في المسالك 1: 81، و الحدائق 13: 390، و الرياض 1: 328.

(2) مريم: 26.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 201، مستدرك الوسائل 7: 553 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 512

منصور «1».

و إنّما الخلاف في تفسيره، فعن الشيخين و الصدوق و الشرائع و النافع و الإرشاد و المختلف «2»، بل الأكثر- كما صرّح به جماعة «3»-: أن يؤخّر عشاءه إلى سحوره.

و تدلّ على ذلك المعنى صحيحتا الحلبي و البختري:

الاولى: «الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره» «4».

و الثانية: «المواصل يصوم يوما و ليلة، و يفطر السحر» «5».

و عن الاقتصاد و السرائر و المعتبر و ظاهر نكاح المبسوط: أنّه صوم يومين بليلة «6».

و تدلّ عليه رواية محمّد بن سليمان: «و إنّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

لا وصال في صيام، يعني: لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار» «7».

______________________________

(1) الكافي 5: 443- 5، الفقيه 3: 227- 1070، الأمالي: 309- 4، الوسائل 10: 520 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح

2.

(2) المفيد في المقنعة: 366، الطوسي في المبسوط 1: 283، الصدوق في الفقيه 2: 112، الشرائع 1: 209، النافع: 71، الإرشاد 1: 301، المختلف: 237.

(3) انظر المسالك 1: 81، و المدارك 6: 283، و الحدائق 13: 392، و الرياض 1:

328.

(4) الكافي 4: 95- 2، التهذيب 4: 298- 898، الوسائل 10: 521 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح 7.

(5) الكافي 4: 96- 3، الوسائل 10: 521 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح 9.

(6) الاقتصاد: 293، السرائر 1: 420، المعتبر 2: 714، المبسوط 4: 153.

(7) الكافي 4: 92- 5، التهذيب 4: 307- 927، الاستبصار 2: 138- 452، الوسائل 10: 522 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 513

و في المسالك و الروضة و الحدائق: حصوله بكلّ منهما «1»، للجمع بين الروايات، و هو حسن.

السابع: صوم السفر

، إلّا ما استثني.

الثامن: صوم المريض،

كما تقدّما.

التاسع: صوم الزوجة و الولد و العبد تطوّعا

بدون إذن الزوج و الأبوين و المولى، كما مرّ.

العاشر: صوم الدهر،

كما صرّح به في رواية الزهري و الرضوي و وصيّة النبيّ، و ظاهر الأكثر أنّ حرمته لاشتماله على العيدين، فلا يحرم بدون صومهما «2».

و قيل: إنّ الظاهر أنّ التحريم إنّما نشأ من حيث كونه صوم الدهر «3»، و أيّده بموثّقة سماعة «4». و هو قريب جدّا.

______________________________

(1) المسالك 1: 81، الروضة 2: 141، الحدائق 13: 393.

(2) كما في المبسوط 1: 283، و الوسيلة: 148، و التذكرة 1: 208، و التحرير 1: 84.

(3) الحدائق 13: 395.

(4) الكافي 4: 96- 5، الوسائل 10: 526 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 514

المطلب الرابع في الصوم المكروه

و له أقسام قد مرّ ذكرها في مواضعها، كصيام الضيف و المضيّف، و المدعو إلى الطعام، و يوم عرفة عند خوف الضعف عن الدعاء أو الشكّ في الهلال، و صوم يوم عاشوراء، و ثلاثة أيّام بعد الفطر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 515

المقصد الثالث فيما يتعلّق بكفّارة الصوم

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 517

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تجب الكفّارة بالإفطار في صوم رمضان، و قضائه

بعد الزوال، و النذر المعيّن، و صوم الاعتكاف إذا وجب، و لا تجب فيما عدا ذلك.

أمّا الثاني، فالظاهر أنّه اتّفاقيّ كما حكي عن المنتهى «1»، و به صرّح في المدارك و الذخيرة «2». و يجوز الإفطار في هذا النوع قبل الزوال و بعده على ما نصّ عليه الفاضل و غيره «3»، للأصل.

و أمّا الأول، فهو كذلك في صوم رمضان، و نقل الإجماع عليه مستفيض «4»، و الأخبار فيه متواترة كما يأتي. و هو الأظهر الأشهر في الثلاثة.

خلافا فيها للمحكيّ عن العماني «5»، فألحقها في انتفاء الكفّارة في إفطارها بسائر أفراد الصيام الواجبة.

و قد مرّ تحقيق الكلام في الثاني في بحث القضاء، و سيأتي الكلام في الثالث و الرابع في كتابي النذر و الاعتكاف.

المسألة الثانية: كفّارة الإفطار في شهر رمضان إحدى الخصال

______________________________

(1) المنتهى 2: 576.

(2) المدارك 6: 80، الذخيرة: 510.

(3) المنتهى 2: 620 و التذكرة 1: 280 و التحرير: 85، و انظر المدارك 6: 80.

(4) كما في الحدائق 13: 210.

(5) حكاه عنه في المختلف: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    518     المسألة الثانية: كفارة الإفطار في شهر رمضان إحدى الخصال ..... ص : 517

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 518

الثلاثة: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، مخيّرا بينها، وفاقا للشيخين و السيّد و الإسكافي و القاضي و الحلّي، و غيرهم «1»، بل الأكثر، بل إلّا من شذّ و ندر «2»، و عليه الإجماع عن الانتصار و الغنية «3»، للأخبار المستفيضة:

كصحيحة ابن سنان: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، قال: «يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» «4».

و صحيحة جميل، و

فيها: «أعتق، أو صم، أو تصدّق» «5».

و رواية أبي بصير: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثمَّ ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح، قال: «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا» «6».

و الأخرى: عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق، فقال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا، أو يعتق

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 345، الطوسي في النهاية: 154، السيّد في الانتصار: 69، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 187، الحلّي في السرائر 1: 376، و انظر الشرائع 1: 191.

(2) سيأتي بيانه في ص 520.

(3) الانتصار: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(4) الكافي 4: 101- 1، الفقيه 2: 72- 308، التهذيب 4: 321- 984، الاستبصار 2: 95- 310، الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.

(5) الكافي 4: 102- 2، التهذيب 4: 206- 595، الاستبصار 2: 80- 245، الوسائل 10: 45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 4: 212- 616، الاستبصار 2: 87- 272، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 519

رقبة» «1».

و المرويّ في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى، عن سماعة في الموثّق: عن رجل أتى أهله شهر رمضان متعمّدا، قال: «عليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، و عليه قضاء ذلك اليوم» «2».

و الرضويّ: «من جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، لكلّ مسكين مدّ من الطعام» «3».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المتضمّنة كلّ منها لواحدة منها أو اثنتين مخيّرا بينهما، كمرسلة

إبراهيم بن عبد الحميد المتضمّنة للعتق و الإطعام مخيّرا «4»، و روايتي المروزي المتضمّنتين للصوم «5»، و رواية المشرقي المتضمّنة للعتق «6»، و موثّقتي سماعة «7» و البصري «8»، و روايات محمّد بن

______________________________

(1) التهذيب 4: 320- 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.

(2) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 68- 140، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13.

(3) فقه الرضا عليه السّلام: 212، مستدرك الوسائل 7: 326 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 3.

(4) التهذيب 4: 212- 618، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4.

(5) التهذيب 4: 212- 617 و 214- 621، الاستبصار 2: 87- 273 و 94- 305، الوسائل 10: 63 و 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 و 22 ح 3 و 1.

(6) التهذيب 4: 207- 600، الاستبصار 2: 96- 311، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.

(7) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 12.

(8) التهذيب 4: 207- 599، الاستبصار 2: 96- 312، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 520

النعمان «1» و إدريس بن هلال «2» و جميل المتضمّنة للإطعام «3». فإنّ مقتضى الجمع بينها التخيير بين الخصال الثلاث.

خلافا للمحكيّ عن العماني و أحد قولي السيّد و محتمل الخلاف «4»، فقالوا بالترتيب المذكور فيجب الأول، و مع العجز الثاني، و مع العجز عنه الثالث.

لرواية الأنصاري، و فيها بعد قول الرجل: «أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا

صائم، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال:

فصم شهرين متتابعين، فقال: لا أطيق، فقال: تصدّق على ستّين مسكينا» الحديث «5».

و المرويّ في كتاب عليّ بسند صحيح: عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان، ما عليه؟ قال: «عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه» «6».

و يردّ الأول: بعدم الدلالة، إذ أمر النبيّ بالشي ء بعد الشي ء لا يدلّ على الترتيب صريحا، إذ كما يمكن أن يكون الأول واجبا معيّنا يمكن أن

______________________________

(1) الفقيه 2: 73- 312، التهذيب 4: 322- 987، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 6.

(2) الفقيه 2: 72- 311، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 8.

(3) الفقيه 2: 72- 310، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 7.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 225، و عن السيّد في المعتبر 2: 671، الخلاف 2: 186.

(5) الفقيه 3: 72- 309، الوسائل 10: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5.

(6) مسائل علي بن جعفر: 116- 47، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 521

يكون أحد أفراد المخيّر، و تقدّم المعيّن إنّما هو من باب الأصل الذي يجب تركه مع الدليل، فلا يعارض دليلا أصلا.

و الثاني: بعدم ثبوت كون الرواية من كتاب عليّ، و إنّما نقلها صاحب الوسائل «1»، و تواتر الكتاب عنده أو ثبوته بالقطع غير معلوم، بل غايته الظنّ.

مضافا إلى أنّه لو سلّمت الرواية تكون

شاذّة أو مخالفة للشهرة القديمة، المخرجة لها عن الحجّية.

و لو سلّم، فغايتها التعارض مع ما مرّ، و لا شكّ أنّ أدلّة التخيير أرجح بالأكثريّة و الأشهريّة و الأصحيّة و مخالفة العامّة، فإنّ الترتيب مذهب الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبي حنيفة «2»، و رواه عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبو هريرة «3»، فالعمل بالتخيير متعيّن.

و قيل: لو قطع النظر عن الترجيح، فالعمل على التخيير، لأصالة عدم التعيين.

و فيه نظر، لأنّ الأصل و إن كان عدم التعيين، إلّا أنّ التخيير أيضا خلاف الأصل، بمعنى: أنّ الأصل حال القدرة على السابق عدم ثبوت وجوب لغيره لا تعيينا و لا تخييرا. و استصحاب الاشتغال مع الترتيب، فالوجه ما قدّمناه.

هذا، ثمَّ إنّ موثّقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا، فقال: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستّين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين» «4»،

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 520.

(2) انظر المغني 3: 66، و بداية المجتهد 1: 305.

(3) كما في صحيح مسلم 2: 781- 1111، و سنن الترمذي 2: 113- 720.

(4) الاستبصار 2: 97- 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 522

فمع شذوذها- لعدم قائل بها أصلا- و قصورها عن مقاومة ما مرّ بوجوه شتّى، يجب حمل الوجوب المستفاد منها على التخييري، أو جعل لفظة الواو بمعنى: أو، كما في قوله سبحانه (مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ) 4: 3 «1»، أو على ما إذا أفطر على محرّم، كما يأتي.

المسألة الثالثة: لو أفطر في شهر رمضان على محرّم

اشاره

تجب عليه كفّارة الجمع، أي الخصال الثلاث، وفاقا للصدوق في الفقيه و الشيخ في كتابي الأخبار و الوسيلة و الجامع و القواعد و الإرشاد و ظاهر التحرير و الإيضاح و الدروس و المسالك و اللمعة و

الروضة و الحدائق «2»، و جمع آخر من متأخّري المتأخّرين «3».

لمعتبرة الهروي: قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه: ثلاث كفّارات، و روي عنهم أيضا: كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال: «بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه» «4».

______________________________

(1) النساء: 3.

(2) الفقيه 2: 74، التهذيب 4: 209، الاستبصار 2: 97، الوسيلة: 156، الجامع: 156، القواعد 1: 66، الإرشاد 1: 298، التحرير 2: 110، الإيضاح 1: 233، الدروس 1: 273، المسالك 1: 71، اللمعة و الروضة 2: 120، الحدائق 13: 222.

(3) كما في التنقيح الرائع 1: 365، و الرياض 1: 310.

(4) التهذيب 4: 209- 605، الاستبصار 2: 97- 316، عيون الأخبار 1:

244- 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 523

و يدلّ عليه أيضا قول الصدوق في الفقيه، حيث قال: و أمّا الخبر الذي ورد فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا: «أنّ عليه ثلاث كفّارات» فأنا افتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه، لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري «1». انتهى.

و الظاهر اتّصاله بصاحب الزمان، فإنّ الأسدي كان من الوكلاء الذين ترد عليهم التوقيعات.

و يدلّ عليه إطلاق موثّقة سماعة المتقدّمة، و بهذه الأخبار يخصّص إطلاق أخبار التخيير.

و

القول: بأنّ ما يصحّ الاستناد [إليه ] «2» هو الرواية الاولى، و هي ضعيفة لتخصيص ما مرّ غير لائقة.

عندنا ضعيف، إذ لا ضعف في الخبر بعد وجوده في الأصل المعتبر، مع أنّ الرواية قد حكم بصحّتها جماعة، كالفاضل في بحث كفّارات التحرير و الشهيد الثاني في الروضة «3».

و جهالة بعض رواتها لا تنافيها، إذ يمكن أن يكون مرادهما بالصحّة:

الصحة عند القدماء، فتكون هذه الشهادة منهما جابرة لضعف السند أيضا.

مع أنّه لا ضعف في السند أيضا، لأنّ راويها عبد الواحد و عليّ بن محمّد بن قتيبة من مشايخ الإجازة، الذين صرّحوا في حقّهم بعدم الاحتياج إلى التوثيق.

______________________________

(1) الفقيه 2: 74.

(2) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة العبارة.

(3) التحرير 2: 110، الروضة 2: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 524

و حمدان بن سليمان موثّق في كتب الرجال بلا خلاف فيه، كما قيل «1».

و عبد السلام الهروي وثّقه النجاشي- و قال: إنّه صحيح المذهب «2»- و كذلك جمع آخر «3»، و هو راجح على قول الشيخ: إنّه عامّي «4».

مع أنّ غايته كون الرواية موثّقة، و هي كالصحيح حجّة، بل و كذلك لو كانت حسنة كما قيل «5».

هذا كلّه، مع أنّ أكثر أخبار التخيير صريحة في الإفطار بالحلال، و بعضها و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ انصراف إطلاقها إلى مفروض المسألة غير معلوم، لقوّة احتمال وروده على ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين.

و لا ينافيه المرويّ في العيون و الخصال بإسناده عن مولانا الرضا عليه السّلام:

عن رجل واقع امرأة في رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرّات، قال: «عليه عشر كفّارات لكلّ مرّة كفّارة، فإن أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد» «6»، حيث إنّه في عشر مرّات الحرام

حكم لكلّ مرّة بكفّارة واحدة.

و وجه عدم التنافي: أنّ الكفّارة عبارة عمّا يجب بإزاء الفعل، سواء كان أمرا واحدا أو متعدّدا، فالخصال الثلاث للفعل المحرّم كفّارة واحدة.

و بالجملة: فالمسألة بحمد اللّه واضحة.

______________________________

(1) انظر الحدائق 13: 221.

(2) قال النجاشي في رجاله: 245: ثقة، صحيح الحديث.

(3) منهم العلّامة في الخلاصة: 117 و فيه أيضا: ثقة صحيح الحديث، و نقل في تنقيح المقال 2: 151 عن عدّة من العامّة: انه شيعيّ.

(4) رجال الطوسي: 380.

(5) انظر الرياض 1: 310.

(6) العيون 1: 198- 3، الخصال: 450- 54، الوسائل 10: 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 525

فرع: لا فرق في المحرّم الموجب لكفّارة الجمع

بين ما كان تحريمه أصليّا- كالزنا و الاستمناء و تناول مال الغير- أو عارضيّا، كوطء الزوجة في الحيض أو تناول ما يضرّ به.

و من الإفطار بالمحرّم: الكذب على اللّه و على رسوله و الأئمّة، و منه:

ابتلاع النخامة على القول بحرمته، و لكن الأصل ينفيها، كلّ ذلك للإطلاق.

المسألة الرابعة: لو عجز عن بعض الخصال تعيّن عليه الباقي،

و يمكن أن يحتجّ له بالروايات المتضمّنة لواحد واحد منها، كلّ في من يعجز عن غيره، و عدم معارضته مع ما يتضمّن غيره، لعدم شموله له لمكان العجز عنه.

و لو عجز عن الجميع، ففي وجوب صوم ثمانية عشر يوما- كالمفيد و السيّد و الحلّي «1»- لرواية أبي بصير و سماعة: عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين، فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة: «فليصم ثمانية عشر يوما، من كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» «2».

أو وجوب التصدّق بما يطيق- كالإسكافي و المقنع و المدارك و الذخيرة «3»- لصحيحة ابن سنان المتقدّمة «4»، و بمضمونها صحيحته الأخرى «5».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 345، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 55، الحلّي في السرائر 1: 376.

(2) الاستبصار 2: 97- 314، و في التهذيب 4: 312- 944، و المقنعة: 380، و الوسائل 10: 381 أبواب بقية الصوم الواجب ب 9 ح 1: عن أبي بصير فقط.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 226، المقنع: 61، المدارك 6: 120، الذخيرة: 535.

(4) في ص: 518.

(5) الكافي 4: 102- 3، التهذيب 4: 206- 596، الاستبصار 2: 81- 246، الوسائل 10: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 526

أو الأول، و مع العجز عنه الثاني- كما عن

المنتهى «1»- جمعا بين الأخبار.

أو التخيير بينهما- كما عن المختلف و الدروس و الشهيد الثاني «2»- للجمع أيضا.

أقوال، أظهرها: الأخير، لتعارض الأخبار، فيرجع إلى التخيير.

و لو قلنا بثبوت الأمرين لم يكن بعيدا أيضا، و لكن الأول وجوبا و الثاني استحبابا، لعدم ثبوت الزائد منه عن الصحيحين.

و لو عجز عن الأمرين أيضا تجزئه التوبة و الاستغفار، بلا خلاف على الظاهر فيه، كما في الحدائق، و فيه: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «3».

و تدلّ عليه رواية أبي بصير: «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه- من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا تجب على صاحبه فيه الكفّارة- فالاستغفار كفّارة ما خلا يمين الظهار» «4».

و في صحيحة جميل- الواردة في المجامع الذي أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أظهر عدم القدرة على قليل و لا كثير-: «فخذه و أطعمه على عيالك، و استغفر اللّه» «5»، و المرويّ عن كتاب عليّ المتقدّم ذكره «6».

و لو قدر بعد الاستغفار على الكفّارة، فصرّح بعضهم بعدم الوجوب «7»،

______________________________

(1) المنتهى 2: 575.

(2) المختلف: 226، الدروس 1: 277، الشهيد الثاني في المسالك 1: 74.

(3) الحدائق 13: 226.

(4) الكافي 7: 461- 5، التهذيب 8: 16- 50، الاستبصار 4: 56- 195، الوسائل 22: 367 أبواب الكفارات ب 6 ح 1.

(5) تقدمت مصادرها في ص: 518.

(6) كما في ص: 518.

(7) كما في الحدائق 13: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 527

لقوله: «إنّ الاستغفار كفّارة».

و عن الدروس: الاستشكال فيه «1»، حيث إنّ الكفّارة لا تجب على الفور.

و التحقيق: أنّه إن كان العجز حاصلا حال تعلّق الوجوب- و هو الإفطار- فلا يجب إلّا

الاستغفار، و لا يتجدّد وجوب بعد الاقتدار، للأصل.

و إن كان حال الوجوب مقتدرا، فأخّر التكفير حتى انتفى الاقتدار، فيبقى في ذمّته باقيا إلى زمان الاقتدار، للاستصحاب، و إن لم يجب عليه حال العجز سوى الاستغفار.

المسألة الخامسة: تتكرّر الكفّارة بفعل موجبها مع تغاير الأيّام

و لو من رمضان واحد مطلقا، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المبسوط و المنتهى و التذكرة و نهج الحقّ و التنقيح و المدارك و الحدائق و غيرها «2»، و هو الدليل المخرج عن أصالة تداخل الأسباب على القول بها.

و إنّما اختلفوا في تكرّرها بتكرّر الموجب في اليوم الواحد على أقوال:

عدمه مطلقا، و هو مختار المبسوط و الخلاف و الوسيلة و المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى «3»، للأصل، و اختصاص أكثر ما دلّ على وجوبها من النصوص بتعمّد الإفطار، و هو إنّما يتحقّق بفعل ما يحصل به الإفطار

______________________________

(1) الدروس 1: 277.

(2) المبسوط 1: 274، المنتهى 2: 580، التذكرة 1: 265، نهج الحقّ: 462، التنقيح 1: 369، المدارك 6: 110، الحدائق 13: 229، و انظر الرياض 1:

315.

(3) المبسوط 1: 274، الخلاف 2: 189، الوسيلة: 146، المعتبر 2: 680، الشرائع 1: 194، النافع: 67، المنتهى 2: 580.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 528

و يفسد به الصوم، و تحقّقه موقوف على عدم سبق فساد الصوم، و هو الظاهر المتبادر من إطلاق البواقي أيضا، فيرجع فيما عداه إلى مقتضى الأصل.

و التكرّر كذلك، حكي عن السيّد و [ثاني ] «1» المحقّقين و ثاني الشهيدين «2»، للإطلاق المذكور، و أصالة عدم التداخل.

و التفصيل بالأول في غير الوطء من المفطرات، و الثاني فيه. و بالأول مع تخلّل التكفير، و الثاني مع عدمه. و بالأول مع اتّحاد جنس المفطر، و الثاني مع تغايره. و بالأول مع الاتّحاد

و التخلّل في غير الوطء، و الثاني في غيره. بل ربّما وجد بعض التفاصيل الأخر أيضا.

و الأقوى عندي هو القول الثالث، لرواية العيون و الخصال المتقدّمة، الدالّة على طرفي التفصيل.

و ردّها بالشذوذ و الندرة ضعيف، إذ لم يعلم في المسألة قول أكثر القدماء حتى يحكم بالشذوذ، مضافا إلى أصالة التداخل عند التحقيق في بعض صور المسألة.

و يؤيّد أحد طرفيه أيضا ما نقله في المختلف عن العماني، قال: ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى- صاحب كتاب شمس الذهب- عنهم عليهم السّلام:

«أنّ الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء و الكفّارة، فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك مرّة أخرى فعليه في كلّ مرّة كفّارة» «3».

______________________________

(1) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) حكاه عن السيّد في الخلاف 2: 189، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:

70، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73، و الروضة 2: 99، و عنهم جميعا في الرياض 1: 315.

(3) المختلف: 227، الوسائل 10: 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 529

المسألة السادسة: من أفطر عامدا في شهر رمضان،

فإن كان مستحلّا فهو مرتدّ إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام و كان إفطاره بما علم تحريمه من الدين ضرورة، و لا يكفّر المستحلّ بغيره إلّا مع اعتقاده كونه مفطرا في الشريعة.

خلافا للحلّي فيكفّر «1»، و لا دليل له.

هذا إذا لم تدّع الشبهة المحتملة في حقّه، و إلّا درئ عنه الحدّ، و عليه تحمل رواية زرارة و أبي بصير: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، أو أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

ثمَّ يأتي حكم المرتدّ في كتاب الديات إن

شاء اللّه.

و إن لم يكن مستحلّا يعزّر بما يراه الحاكم، فإن عاد ثانيا عزّر أيضا، فإن عاد إليه ثالثا قتل فيها على المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «3».

لموثّقة سماعة: عن رجل أخذ في شهر رمضان و قد أفطر ثلاث مرّات، و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات، قال: «فليقتل في الثالثة» «4».

و رواية أبي بصير: «من أخذ في شهر رمضان و قد أفطر، فرفع إلى

______________________________

(1) لم نعثر عليه في السرائر و لا على محكيّه، نعم نقله عن الحلبي في المدارك 6:

117 و الرياض 1: 315 و هو في الكافي: 183.

(2) التهذيب 4: 208- 603، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 12.

(3) منهم صاحبا الحدائق 13: 239، و الرياض 1: 316.

(4) الكافي 4: 103- 6، الفقيه 2: 73- 315، التهذيب 4: 207- 598، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 530

الإمام، يقتل في الثالثة» «1».

و مرسلة المقنعة: عن رجل أخذ زانيا في شهر رمضان، فقال: «قد أفطر»، فقيل له: فإن دفع إلى الوالي ثلاث مرّات، قال: «يقتل في الثالثة» «2».

و صحيحة يونس: «أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة» «3».

و قيل: يقتل في الرابعة «4»، للمرسلة: «إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة» «5».

و هي لا تقاوم ما مرّ، لأخصّيته و أكثريّته و أصحّيته و أشهريّته.

و لا يخفى أنّ القتل في الثالثة أو الرابعة إنّما هو لو رفع إلى الحاكم و عزّر في كلّ مرّة، و إلّا فإنّه يجب عليه التعزير خاصّة، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

المسألة السابعة: من وطئ زوجته مكرها لها لزمته كفّارتان،

و يعزّر هو بخمسين سوطا، و لا كفّارة

عليها بلا خلاف يعرف- كما قيل «6»- بل بالإجماع- كما عن الخلاف و المنتهى و التنقيح و المعتبر «7»- بل فيه حكاية الإجماع عن جمع من علمائنا.

______________________________

(1) التهذيب 10: 141- 557، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.

(2) المقنعة: 348، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.

(3) الكافي 7: 191- 2، الفقيه 4: 51- 182، التهذيب 10: 95- 369، الاستبصار 4: 212- 791، الوسائل 28: 19 أبواب مقدمات الحدود ب 5 ح 1.

(4) كما في الحدائق 13: 239.

(5) لم نعثر عليها في الكتب الأربعة، و قد نقلها صاحب الحدائق في ج 13: 240، مع ملاحظة الهامش رقم 1 منه، فإنّها لا تخلو من فائدة.

(6) في الرياض 1: 316.

(7) الخلاف 2: 182، المنتهى 2: 581، المعتبر 2: 681.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 531

لرواية المفضّل: في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال:

«إن استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضربت خمسة و عشرين سوطا و ضرب خمسة و عشرين سوطا» «1».

و ضعف السند غير ضائر، و لو كان فما مرّ من الإجماعات المحكيّة و الشهرة القويّة له جابر.

خلافا للمحكيّ عن العماني، فأوجب على الزوج كفّارة واحدة، للأصل، و ضعف الرواية، و صحّة صوم المرأة، فلا وجه لثبوت كفّارة لها أيضا.

و يردّ الأولان بما مرّ، و الثالث بأنّه لا منافاة بين تعدّد الكفّارة عليه و بين صحّة صومها، لجواز ترتّبها على إكراه الصائمة، كما قالوا بنظيره في إكراه المحرم للمحرمة على الجماع، مع أنّ صحّة

صومها إذا كان الإكراه بمجرد التوعّد و التخويف ممّا لا دليل عليه، بل لنا أن نقول بفساده و وجوب القضاء عليها إن لم يكن إجماع في خصوص المورد.

ثمَّ مقتضى إطلاق الرواية- بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال- عدم الفرق في المرأة بين الدائمة و المنقطعة، و حكي ذلك عن تصريح الأصحاب أيضا «2».

و في تعدّي الحكم إلى الأمة و الأجنبيّة و النائمة و الغلام، و إلى المرأة لو أكرهت زوجها أو الأجنبي، و إلى الإكراه بغير الجماع من المفطرات، و عدمه، احتمالان.

______________________________

(1) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

(2) كما في الحدائق 13: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 532

الأظهر: الثاني في الجميع، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع النصّ.

و دعوى عموم الامرأة للأوليين إنّما تفيد لو كانت خالية عن الضمير، كما نقله فخر المحقّقين «1» و عميد الدين، و أمّا مع الضمير- كما في الكتب الحديث- فلا.

و صدق امرأته على الاولى ممنوع، حتى في اللغة، و إن صدق عليها الامرأة، فإنّ صدق معنى التركيب لغة عليها غير ثابت.

و أولويّة ثبوت الكفّارة في الثانية- لعظم الذنب- ممنوعة، لعدم ثبوت العلّة في ثبوتها، بل قد يناسب شدة الذنب عدم التكفير الموجب للتخفيف، كما في قتل الخطأ و العمد.

المسألة الثامنة: يشترط كون الرقبة المعتقة في كفّارة الصوم مؤمنة،

على الحقّ المشهور بين الأصحاب.

لعموم رواية سيف بن عميرة: أ يجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: «لا» «2».

و خصوص رواية المشرقي الصحيح عن البزنطي- الذي هو ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-: «من أفطر يوما من شهر رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة» «3».

المسألة التاسعة: يجب إكمال العدد في الإطعام،

ليتحقّق ما نصّ عليه الإمام من عدد الستّين، فلا يكفي إطعام ما يكفي الستّين لأقلّ منهم.

______________________________

(1) الإيضاح 1: 229.

(2) الفقيه 3: 85- 310، التهذيب 8: 218- 872، الاستبصار 4: 2- 1، الوسائل 23: 35 أبواب العتق ب 17 ح 5.

(3) تقدمت مصادرها في ص: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 533

و لا تجزئ القيمة في شي ء من خصال الكفّارة، على الظاهر (من) «1» المتّفق عليه بين الأصحاب، لثبوت اشتغال الذمّة بها، فالانتقال إلى القيمة يحتاج إلى دليل، و لا دليل.

و الحقّ المشهور: أنّ الذي يعطى لكلّ فقير مدّ، للرضويّ المتقدّم «2»، و صحيحة عبد الرحمن «3»، و موثّقة سماعة «4».

و عن الخلاف و المبسوط: أنّه يعطى مدّان «5»، و لا دليل له تامّا.

و تأتي بقيّة أحكام الكفّارة في كتاب الكفّارات إن شاء اللّه تعالى.

المسألة العاشرة: كلّما يشترط فيه التتابع من صيام الشهرين إذا أفطر في الأثناء

لحيض أو مرض بنى عليه بعد زواله مطلقا- كان العذر قبل تجاوز النصف أو بعده- بلا خلاف يعرف، بل هو ممّا ادّعي عليه الإجماع و اتّفاق كلمة الأصحاب مستفيضا «6»، و عن الغنية: الإجماع فيهما «7»، و عن الخلاف و الانتصار في المرض «8».

لصحيحة رفاعة: عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام شهرا و مرض، قال: «يبني عليه، اللّه حبسه»، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين، فصامت و أفطرت أيّام حيضها، قال: «تقضيها»، قلت: فإنّها قضتها ثمَّ يئست من المحيض، قال: «لا تعيدها، أجزأها

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «س».

(2) في ص: 519.

(3) تقدمت مصادرها في ص: 519.

(4) تقدمت مصادرها في ص: 519.

(5) الخلاف 2: 188، المبسوط 1: 271.

(6) كما في المنتهى 2: 620.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 572.

(8) الخلاف 4: 554، الانتصار: 167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص:

534

ذلك» «1»، و مثلها صحيحة محمّد «2».

و رواية سليمان: عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فصام خمسة و عشرين يوما ثمَّ مرض، فإذا برئ أ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ فقال: «بل يبني على ما كان صام» ثمَّ قال: «هذا ممّا غلب اللّه عزّ و جلّ عليه، و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جلّ شي ء» «3».

و لا تضرّ معارضتها مع الأخبار الفارقة بين صيام شهر و شي ء من الثاني و صيام الأقلّ- فيبنى على الأول دون الثاني- كصحيحة جميل و ابن حمران في المرض «4»، و رواية أبي بصير فيه و في مطلق الإفطار «5»، و صحيحة الحلبي في من عرض له شي ء و أفطر «6»، و الأخبار الفارقة بين صيام خمسة عشر يوما و الأقلّ مع نذر صوم شهر و عروض أمر- فيبنى على الأول دون الثاني- كرواية موسى بن بكر «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 284- 859، الاستبصار 2: 124- 402، الوسائل 10: 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 4: 284- 860، الاستبصار 2: 124- 403، الوسائل 10: 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 11.

(3) التهذيب 4: 284- 858، الاستبصار 2: 124- 401، الوسائل 10: 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.

(4) الكافي 4: 138- 1، التهذيب 4: 284- 861، الاستبصار 2: 124- 404، الوسائل 10: 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 3.

(5) الكافي 4: 139- 7، التهذيب 4: 285- 862، الاستبصار 2: 125- 405، الوسائل 10: 372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 6.

(6) الكافي 4: 138- 2، التهذيب 4: 283- 856، الوسائل 10: 373 أبواب بقية الصوم

الواجب ب 3 ح 9.

(7) التهذيب 4: 285- 863، الوسائل 10: 376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 535

لضعفها عن مقاومة ما مرّ بالشذوذ، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على الوجوب، لورودها بالجملة الخبريّة، و كون صحيحة الحلبي و ما بعدها أعمّ مطلقا ممّا مرّ من جهة العذر، فيجب التخصيص، و كون الأخيرتين في غير الشهرين.

فلم تبق إلّا رواية أبي بصير، و لا شكّ أنّها لا تقاوم ما مرّ من وجوه شتّى، مع أنّ حملها على مطلق الرجحان متعيّن، لكون ما مرّ قرينة عليه.

و ضمّ بعضهم مع الحيض و المرض: السفر الضروريّ أيضا، كما في نهاية الشيخ و اقتصاده و المعتبر «1»، و ظاهر النافع و أكثر كتب الفاضل و الدروس و الروضة «2»، للعلّة المتقدّمة في الأخبار المذكورة بقوله عليه السّلام: «اللّه حبسه»، و نحوه.

و صرّح الحلّي بعدم البناء فيه «3»، بل لزوم الاستئناف و إن كان ضروريّا، و هو صريح الخلاف و الوسيلة «4»، و ظاهر المبسوط و الجمل و الاقتصاد «5»، و ظاهر الأول الإجماع عليه.

و هو الأقوى، لأنّ الظاهر ممّا حبسه و غلب اللّه عليه ما لم يكن بفعل العبد، و السفر و إن كان ضروريّا فهو بفعله.

سلّمنا، فغايته تعارض عموم التعليل مع عموم صحيحة الحلبي و نحوها، فيرجع إلى الأصل، و هو هنا مع عدم سقوط التتابع، لأنّه مأمور به، فلا يسقط إلّا مع الإتيان به.

______________________________

(1) النهاية: 166، الاقتصاد: 291، المعتبر 2: 723.

(2) النافع: 72، الدروس 1: 296، الروضة 2: 131، و انظر المنتهى 2: 621.

(3) السرائر 1: 411.

(4) الخلاف 4: 554، الوسيلة: 184.

(5) المبسوط 1: 280، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

217، الاقتصاد: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 536

و القول بأنّ الصوم واجب و التتابع واجب آخر، فما لم يدلّ دليل على الاستئناف عند الإخلال لم يجب.

ففيه أولا: منع كونه واجبا آخر، بل المأمور به الصوم المتتابع.

و ثانيا: أنّه إذا كان واجبا آخر فلا بدّ من الإتيان به و امتثاله، و هو يتوقّف على الاستئناف، فيكون واجبا.

و هل الحكم مخصوص بالشهرين، أو يعمّ الأقلّ أيضا، كصيام ثمانية عشر يوما أو ثلاثة أيّام؟

عن الانتصار و الغنية و الاقتصاد و صريح السرائر و ظاهر النافع و الإرشاد و اللمعة «1»- و هو صريح التحرير «2»-: الثاني، بل عن الأولين: الإجماع عليه.

و ظاهر المبسوط و الجمل و عن الجامع و القواعد و الدروس و المسالك و الروضة و المدارك: وجوب الاستئناف في الثلاثة مطلقا «3»، بل زاد الأخير فخصّ البناء بالشهرين، للأصل المذكور، أي وجوب التتابع. و أمّا عموم التعليل فيعارض ما دلّ على وجوب التتابع في هذه الصيام بالعموم من وجه، و إذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة.

هذا كلّه إنّما كان مع العذر.

و أمّا لو أفطر في الأثناء لا لعذر فيجب عليه الاستئناف- في غير ما يأتي استثناؤه- إجماعا في الشهرين، كما في السرائر و المعتبر و المنتهى

______________________________

(1) الانتصار: 167، الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الاقتصاد: 291، السرائر 1:

411، النافع: 72، الإرشاد 1: 304 اللمعة (الروضة 2): 132.

(2) التحرير: 85.

(3) المبسوط 1: 280، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 217، الجامع: 159، القواعد 1: 69، الدروس 1: 296، المسالك 1: 79، الروضة 2: 132، المدارك 6: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 537

و التذكرة و التحرير «1»، بل في غير الشهرين أيضا كما قيل «2»، للقاعدة المذكورة،

و صحيحتي جميل و ابن حمران و الحلبي، و رواية أبي بصير- المشار إليها- في الشهرين «3»، و روايتي موسى بن بكر في الشهر «4»، و القاعدة المذكورة في الجميع.

و أمّا المستثنى فثلاثة مواضع:

الأول: الشهران المتتابعان، إذا صام الشهر الأول و يوما من الثاني، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف و الانتصار و السرائر و الغنية و التذكرة و المنتهى و المختلف و شرح فخر المحقّقين «5»، للنصوص المستفيضة، كصحيحتي جميل و ابن حمران و الحلبي و رواية أبي بصير المتقدّمة و موثّقة سماعة «6» و صحيحتي منصور «7» و أبي أيّوب «8» و غيرها «9».

______________________________

(1) السرائر 1: 411، المعتبر 2: 721، المنتهى 2: 621، التذكرة 1: 282، التحرير 1: 85.

(2) انظر الحدائق 13: 346.

(3) المتقدّمة مصادرها في ص 534.

(4) الاولى: تقدّمت في ص 534.

الثانية: في الكافي 4: 139- 6، الفقيه 2: 97- 436، الوسائل 10: 376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1.

(5) الخلاف 1: 402، الانتصار: 167، السرائر 1: 411، الغنية (الجوامع الفقهية):

572، التذكرة 1: 282، المنتهى 2: 621، المختلف: 248، الإيضاح 4: 100.

(6) الكافي 4: 138- 3، التهذيب 4: 282- 855، الوسائل 10: 372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 5.

(7) الكافي 4: 139- 5، الفقيه 2: 97- 437، التهذيب 4: 283- 857، الوسائل 10: 375 أبواب بقية الصوم الواجب ب 4 ح 1.

(8) الكافي 4: 138- 4، الفقيه 2: 97- 438، التهذيب 4: 329- 1027، الوسائل 10: 373 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 8.

(9) انظر الوسائل 10: 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 538

و المشهور: أنّ بعد حصول التتابع بين

الشهرين- بضمّ شي ء من الشهر الثاني- يجوز التفريق في البقيّة، و هو المستفاد من قوله في صحيحة الحلبي.

و التتابع: أن يصوم شهرا و من الآخر أيّاما أو شيئا منه.

الثاني: من وجب عليه صوم شهر بالنذر و شبهه، فصام خمسة عشر يوما ثمَّ أفطر، فإنّه يبني على ما تقدّم على المشهور، بل عن الحلّي:

الإجماع عليه «1»، لروايتي موسى بن بكر المشار إليهما، المنجبر ضعفهما- لو كان- بالعمل.

إحداهما: في رجل جعل عليه صوم شهر، فصام منه خمسة عشر يوما ثمَّ عرض له أمر، قال: «إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي عليه، و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تامّا»، و نحوها الأخرى أيضا «2».

و قد يستشكل في الاستناد إليهما في كلّية الحكم باعتبار تضمّنهما الإفطار لعروض أمر لا مطلقا، و لا يمكن الاستناد إلى ثبوت الكلّية في الشهرين، لظهور الفرق بينهما، بأنّ تتابع الشهر لا يحتمل إلّا تتابع أيّامه، فالفرق بين النصفين لا بدّ له من دليل، بخلاف الشهرين، لكونه أعمّ من تتابع الأيّام و الشهرين الحاصل بضمّ جزء من الثاني، مع أنّ ثبوت الحكم في الشهرين إنّما هو بعد التجاوز عن النصف، و ليس هنا كذلك.

و يمكن الدفع: بأنّ الظاهر من عروض الأمر مطلق حصول الإفطار، كما يظهر من سياق السؤال و الجواب، و مع إرادة عروض السبب فهو أيضا مطلق بالنسبة إلى ما يضطرّ لأجله إلى الإفطار و ما دونه، مضافا إلى أنّ

______________________________

(1) السرائر 1: 412 و 413.

(2) المتقدّمة مصادرهما في ص 537.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 539

المتبادر من تتابع الشهرين أيضا: تتابع جميع أيّامهما.

نعم، يرد الإشكال من جهة أنّ الشهر في

الروايتين غير مقيّد بالتتابع، فلعلّ الحكم مقصور بالمطلق، و أمّا المقيّد بالتتابع فلا بدّ فيه من الاستئناف مطلقا، كما هو مختار الغنية و الإشارة «1»، و هو قريب جدّا، بل هو الأظهر.

و هل الحكم على المشهور مقصور بالنذر، أو يتعدّى إلى غيره أيضا؟

و الأكثر لم يتعرّضوا للتعدّي و قصّروا بذكر النذر خاصّة، لاختصاص الرواية.

و ألحق في المبسوط و الجمل بشهر النذر شهر كفّارة قتل الخطأ و الظهار للعبد «2»، استنادا إلى أنّه مندرج تحت الجعل أيضا. و هو خلاف الظاهر.

نعم، يتعدّى إلى العهد و اليمين، لصدق الجعل قطعا.

الثالث: من صام ثلاثة أيّام بدل الهدي يوم التروية و عرفة، ثمَّ أفطر يوم النحر، فيجوز له البناء بعد أيّام التشريق، و سيجي ء تحقيق القول فيه في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الحادية عشرة: لو تبرّع أحد بالكفّارة من الغير،

فإن كان ميّتا فالحقّ المشهور: جوازه و وصوله إلى الميّت، بل براءته منه، للأخبار المتكثّرة، المتقدّمة في بحث قضاء الصلاة عنه، فلا يجب أخذ الماليّة من ماله، لحصول البراءة له.

و إن كان حيّا، فذهب جماعة من الأصحاب- كما في الحدائق «3»- إلى

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الإشارة: 118.

(2) المبسوط 1: 280، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 217.

(3) الحدائق 13: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 540

عدم الإجزاء مطلقا، لأنّ الظاهر أنّ التكفير من العبادات التي أمر بها المأمور، و الاجتزاء بعمل الغير موقوف على الدليل، و لا دليل في الحي.

و الحاصل: أنّ مقتضى الأصل عدم البراءة إلّا بصدور الصوم أو العتق أو الإطعام من نفسه، لأنّ مقتضى توجّه الخطاب إليه مطلوبيّة هذا العمل منه، لا مجرّد حصول الفعل في الخارج.

و عن المبسوط و المختلف: الإجزاء كذلك «1».

و عن الشرائع: الإجزاء فيما عدا الصوم «2».

استنادا

إلى أنّه دين يقضى عن المديون، فوجب أن تبرأ ذمّته، كما لو كان لأجنبي.

و إلى خبر المجامع الذي أتى النبيّ، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكتل فيه خمسة عشر صاعا أو عشرين، فأعطاه الرجل و قال: «تصدّق به» «3».

و الأول: مردود بأنّه قياس.

و الثاني: بأنّه غير المفروض، لأنّ النبي ملّكه إيّاه و هو تصدّق به، و لا كلام في ذلك.

نعم، يمكن أن يستدلّ للإجزاء مطلقا بقضيّة الخثعميّة المشهورة، المتقدّمة في بحث الصلاة «4»، و كان عليها مبنى الدليل الأول أيضا.

فإذن الأظهر هو الإجزاء المطلق.

______________________________

(1) المبسوط 1: 281، المختلف: 250.

(2) الشرائع 1: 195.

(3) الكافي 4: 102- 2، التهذيب 4: 206- 595، الاستبصار 2: 80- 245، الوسائل 10: 45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2 و 5.

(4) الوسائل 12: 64 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 4، و رواها في سنن البيهقي 4:

328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 541

و لا يضرّ ضعف طريق القضيّة، فإنّها مشهورة، و بالشهرة المتنيّة مجبورة. و لا يضرّ كون المورد الحجّ و زمانه المسئول عنه، لأنّ العبرة بعموم العلّة.

المسألة الثانية عشرة: من فعل ما تجب به الكفّارة،

ثمَّ سقط فرض الصوم عنه- بسفر أو حيض أو شبهه- لا تسقط الكفّارة عنه على الأظهر الموافق للأكثر، كما في المدارك و الحدائق «1»، و ادّعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة «2»، لأنّه أفسد صوما واجبا عليه ظاهرا من رمضان، فاستقرّت عليه الكفّارة، و لدخوله تحت إطلاق أخبار وجوب الكفّارة.

و تقييده- بغير من يسقط عنه الفرض- غير معلوم.

و توهم عدم صدق الإفطار عليه، لأنّه موقوف على الصوم، الموقوف على الأمر المنتفي هنا واقعا، لأنّ التكليف موقوف بعدم علم الآمر بانتفاء الشرط.

مدفوع بأنّ الإفطار يتحقّق-

حال فعله- بوجوب الصوم ظاهرا، مع أنّ من الأخبار ما لا يتضمّن لفظ الإفطار، بل مثل قوله: نكح، أو مسّ امرأته، أو بقي جنبا، أو كذب على اللّه، أو نحوها، خرج من لا يجب عليه ظاهرا حال الفعل بالدليل، فيبقى الباقي.

خلافا لبعضهم، فقال بالسقوط «3»، و حكي عن الفاضل في جملة من كتبه «4»، لأنّ هذا اليوم غير واجب صومه عليه عند اللّه، لأنّ المكلّف

______________________________

(1) المدارك 6: 114، الحدائق 13: 231.

(2) الخلاف 2: 219.

(3) حكاه المحقق في الشرائع: 1: 194.

(4) المنتهى 2: 584.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 542

- بالكسر- إذا علم فوات شرط الفعل يمتنع التكليف عليه و انكشف لنا أيضا، فلا تجب به الكفّارة، كما لو انكشف أنّه من شوّال بالبيّنة.

و يضعف بأنّ عدم وجوب الصوم في الواقع- لانتفاء الشرط- لا ينافي وجوب الكفّارة مع الوجوب ظاهرا- بل مع عدم الوجوب أيضا- حتى يوجب تقييد الإطلاقات به.

و القياس على ظهور أنّه من شوّال باطل، إذ لا يصدق عليه أنّه أفطر نهارا في شهر رمضان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 543

المقصد الرابع في الاعتكاف

اشاره

و هو في الأصل: الإقامة، أو الاحتباس، أو اللبث الطويل.

و في الشرع أو عرفه: الإقامة في مسجد مخصوص مدّة مخصوصة بشرائط مخصوصة.

و شرعيّته ثابتة بالكتاب و السنّة و الإجماع، بل بإجماع فقهاء الإسلام، كما في المنتهى «1».

قال اللّه سبحانه (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) «2».

و قال عزّ شأنه (وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) «3».

______________________________

(1) المنتهى 2: 628.

(2) البقرة: 125.

(3) البقرة: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 544

و في صحيحة الحلبي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان العشر

الأواخر اعتكف في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر، و شمّر المئزر و طوى فراشه»، فقال بعضهم: و اعتزل النساء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أمّا اعتزال النساء فلا» «1».

و أراد عليه السّلام بنفي الاعتزال إثبات مخالطتهنّ و مجاذبتهنّ دون الجماع، لتحريمه على المعتكف، و في طيّ الفراش إشارة إلى ذلك.

و يتأكّد استحبابه في شهر رمضان، ففي رواية السكوني: «اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين و عمرتين» «2».

خصوصا في العشر الأواخر منه، تأسّيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ففي رواية أبي العبّاس: «اعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في شهر رمضان في العشر الاولى، ثمَّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمَّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمَّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر» «3».

و في صحيحة الحلبي: «كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين، عشرا لعامه، و عشرا قضاء لما فاته» «4».

ثمَّ الكلام إمّا في شروطه أو أحكامه، فهاهنا فصلان:

______________________________

(1) الكافي 4: 175- 1، التهذيب 4: 287- 869، الاستبصار 2: 130- 426، الفقيه 2: 120- 517، الوسائل 10: 533 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 1.

(2) الفقيه 2: 122- 531، المقنع: 66، الوسائل 10: 534 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 3.

(3) الكافي 4: 175- 3، الفقيه 2: 123- 535، الوسائل 10: 534 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 4.

(4) الكافي 4: 175- 2، الفقيه 2: 120- 518، الوسائل 10: 533 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 545

الفصل الأول في شروطه

اشاره

و هي خمسة:

الأول: النيّة،

بالإجماع كما في سائر العبادات، و قد مرّ بسط الكلام فيها سابقا.

الثاني: الصوم،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الناصريات و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و غيرها «1».

و في صحيحة محمّد «2» و موثّقته «3» و موثّقة عبيد «4» و رواية أبي العبّاس:

«لا اعتكاف إلّا بصوم» «5».

و في صحيحة الحلبي: «لا اعتكاف إلّا بصوم في المسجد الجامع» «6».

و إطلاق هذه الأخبار و غيرها يقتضي الاكتفاء بالصيام كيف اتّفق- بمعنى: أنّه لا يشترط في صومه أن يكون لأجل الاعتكاف- و هو إجماعيّ أيضا، و في المعتبر: أنّ عليه فتوى الأصحاب «7».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، الخلاف 2: 228، المعتبر 2: 726، المنتهى 2: 629، التذكرة 1: 285، و انظر رياض المسائل 1: 332.

(2) الكافي 4: 176- 2، الوسائل 10: 536 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 4: 288- 874، الوسائل 10: 537 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 8.

(4) التهذيب 4: 288- 875، الوسائل 10: 537 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 10.

(5) الكافي 4: 176- 1، التهذيب 4: 288- 873، الوسائل 10: 536 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 5.

(6) الفقيه 2: 119- 516، الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 1.

(7) المعتبر 2: 726.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 546

و تدلّ عليه أيضا النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان، على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره.

ثمَّ لازم ذلك الشرط عدم صحّة الاعتكاف في زمان لا يصحّ الصوم فيه، كالعيدين، و لا ممّن لا يصحّ صومه، كالحائض و النفساء و المريض المتضرّر به و المسافر.

و في صحّته من الصبيّ المميّز وجهان، الظاهر: الصحّة، و كيف كان لا

ينبغي الريب في صحّته منه تمرينا، أي صحّته من حيث التمرين.

الثالث: الزمان،

و هو ثلاثة أيّام فصاعدا، لا أقلّ منها، بالإجماع المحقّق، و المصرّح به في المعتبر و التذكرة و غيرهما «1»؛ و هو الدليل عليه مع الأخبار.

ففي صحيحة أبي بصير: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام» «2»، و مثله في رواية عمر بن يزيد «3».

و في رواية داود بن سرحان: «الاعتكاف ثلاثة أيّام- يعني: السنّة- إن شاء اللّه تعالى» «4»، إلى غير ذلك.

و لا خلاف في دخول ليلتي اليوم الثاني و الثالث في الاعتكاف؛ للإجماع المحقّق، و حكاه في المعتبر و المنتهى أيضا «5»، و نفى عنه الخلاف

______________________________

(1) المعتبر 2: 728، التذكرة 1: 284، و انظر رياض المسائل 1: 332.

(2) الكافي 4: 177- 2، الفقيه 2: 121- 525، التهذيب 4: 289- 876، الاستبصار 2: 128- 418، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 4: 289- 878، الاستبصار 2: 129- 419، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 5.

(4) الكافي 4: 178- 5، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 4.

(5) المعتبر 2: 728، المنتهى 2: 630.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 547

في المسالك «1».

و تدلّ عليه الأخبار المتضمّنة لوجوب الكفّارة لو جامع في الليل، و لو خرجت المرأة قبل مضيّ ثلاثة أيّام أو تمامها «2»، كما يأتي. و لا شكّ أنّ عدم الخروج قبل إتمام الثلاثة أيّام لا يكون إلّا مع إدخال الليل أيضا، بل نقول: إنّ المتبادر من قوله: «لا يكون الاعتكاف إلّا ثلاثة أيّام» الثلاثة المتتابعة، و لا يحصل التتابع إلّا بإدخال الليل أيضا.

و ظاهر الخلاف و المبسوط عدم دخول الليلتين «3»، و إن أمكن إرجاعهما

إلى ما عليه الأصحاب بتكلّف- كما فعله بعضهم [1]- فإن تمَّ، و إلّا فهو بالشذوذ و مخالفة ما ذكرنا من الأدلّة متروك.

و في دخول ليلتي اليوم الأول و الرابع خلاف، و الحقّ: العدم، وفاقا للمشهور، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة.

خلافا في الليلة الأولى للمحكيّ في المسالك عن الفاضل و جماعة «4»، و أنكره بعض الأجلّة «5»، و قال: و لم أر في كلام الفاضل صريحا في ذلك، بل قال: و لم أر- من غير صاحب المسالك- إشارة إلى هذا الخلاف، إلّا من المحقّق الثاني في حاشية الشرائع، حيث جعل القول

______________________________

[1] كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 520 حيث قال بعد نقل كلام الشيخ: و ربما يوجه بأن مراده أن الليالي لا تدخل في الاعتكاف بسبب النذر إلّا مع شرط التتابع و إن وجب إدخالهما فيه من حيث إن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيّام بينهما ليلتان، و هو توجيه حسن.

______________________________

(1) المسالك 1: 82.

(2) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.

(3) الخلاف 2: 239، المبسوط 1: 289.

(4) المسالك 1: 82.

(5) كالمحقق القمي في غنائم الأيّام: 521.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 548

المشهور الأصحّ.

و للمنقول قولا في الليلة الرابعة «1».

و لا دليل على شي ء من القولين.

و على ما ذكرنا ابتداء القدر الأقلّ من الاعتكاف: طلوع الفجر من اليوم الأول، و انتهاؤه: غرب الشمس من اليوم الثالث. و لو أدخل شيئا من الطرفين كان أولى، بل قد يجب من باب المقدّمة فينوي الاعتكاف قبل الفجر و يقطعه بعد الغروب.

و يجب كون الأيّام الثلاثة تامّة، فلا يجزئ يومان و نصف من سابقتهما و نصف من الرابع- أي الملفّق- لعدم صدق اليوم على الملفّق.

ثمَّ إنّه يتفرّع عليه: أنّه لو

شرع في الاعتكاف ما لا يمكنه إتمام الثلاثة- كيومين قبل العيد- بطل الاعتكاف.

الرابع: المكان،

و لا بدّ أن يكون في المسجد إجماعا قطعيّا فتوى و نصّا، و تدلّ عليه الأخبار المتواترة:

كالمرويّ في المعتبر عن جامع البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه السّلام:

«لا اعتكاف إلّا بصوم، و في مسجد المصر الذي أنت فيه» «2».

و صحيحة أبي ولّاد الواردة في المرأة المعتكفة بإذن زوجها التي ذهبت إلى زوجها فواقعها، قال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر» «3».

______________________________

(1) نقله في المدارك 6: 317.

(2) المعتبر 2: 733، المنتهى 2: 633، الوسائل 10: 541 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 11.

(3) الكافي 4: 177- 1، الفقيه 2: 121- 524، التهذيب 4: 289- 877، الاستبصار 2: 130- 422، الوسائل 10: 548 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 549

و الحذّاء: «المعتكف لا يشمّ الطيب، و لا يتلذّذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري، و لا يبيع» قال: «و من اعتكف ثلاثة أيّام فهو في اليوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاث فلا يخرج من المسجد حتى يتمّ ثلاثة أيّام أخر» «1».

و ابن سنان: «ليس على المعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط» «2».

و موثّقته، و فيها: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة» «3».

و صحيحة داود: إنّي أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال: «لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت

ظلال حتى تعود إلى مجلسك» «4»، إلى غير ذلك.

مقتضى الأصل و إطلاق هذه الأخبار و إن كان جوازه في مطلق المسجد- كما هو محتمل كلام العماني «5»- و لكن انعقد الإجماع و صرّحت الأخبار بالتقييد و التعيين.

نعم، وقع الخلاف في المعيّن:

فعن المقنع و الفقيه و الشيخ و السيّدين و الديلمي و القاضي و الحلّي

______________________________

(1) الكافي 4: 177- 4، الفقيه 2: 121- 527، التهذيب 4: 288- 872، الاستبصار 2: 129- 420، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 3.

(2) الكافي 4: 178- 1، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 6 و فيه: ليس للمعتكف ..

(3) التهذيب 4: 293- 891، الاستبصار 2: 128- 416، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 5.

(4) الكافي 4: 178- 2، الفقيه 2: 122- 528، التهذيب 4: 287- 870، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 3.

(5) حكاه عنه في المختلف: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 550

و الحلبي و ابن حمزة و القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى و التنقيح و غيرهم «1» بل الأكثر- كما صرح به جماعة «2»- بل بالإجماع- كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر و التبيان و مجمع البيان «3»-: أنّه أحد المساجد الخمسة: مسجد الحرام، و مسجد الرسول، و مسجد الكوفة، و البصرة، و المدائن- كالأول- أو أحد الأربعة التي هي غير الرابع- كالثاني «4»- أو غير الخامس، كالبواقي.

و ضابطهم: الاختصاص بما صلّى فيه النبيّ أو أحد الأئمّة عليهم السّلام الجمعة.

و عن المفيد و المعتبر و الشرائع و النافع و الشهيدين «5» و جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين «6» و محتمل العماني «7» و ظاهر الكافي

«8»: أنّه المسجد الأعظم، أو المسجد الجامع، أو مسجد الجماعة، باختلافهم في

______________________________

(1) المقنع: 66، الفقيه 2: 120- 519، الشيخ في المبسوط 1: 289، السيد المرتضى في الانتصار: 72، و السيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الديلمي في المراسم: 99، القاضي في المهذب 1: 204، الحلي في السرائر 1:

421، الحلبي في الكافي في الفقه: 186، ابن حمزة في الوسيلة: 153، القواعد 1: 70، الإرشاد 1: 305، التحرير 1: 87، المنتهى 2: 632، التنقيح 1:

402، و انظر الحدائق 13: 463.

(2) كما في المنتهى 2: 632، و التنقيح 1: 401، و الدروس 1: 298.

(3) الانتصار: 72، الخلاف 2: 227، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، السرائر 1:

421، التبيان 2: 135، مجمع البيان 1: 281.

(4) الموجود في الفقيه 2: 120- 4 و 5: الاعتكاف في المساجد الخمسة المذكورة، إلّا أنّه حكى في المختلف: 251 عن علي بن بابويه أنّه قال: لا يجوز الاعتكاف إلّا في مسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مسجد الكوفة و مسجد المدائن.

(5) المفيد في المقنعة: 363، المعتبر 2: 732، الشرائع 1: 216، النافع: 73، الشهيد الأول في اللمعة، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 150.

(6) كالسبزواري في الذخيرة: 539، و صاحب كشف الغطاء: 335.

(7) حكاه عنه في المختلف: 251.

(8) الكافي 4: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 551

التعبير، و نسبه في المعتبر إلى أعيان فضلاء الأصحاب «1».

حجّة الأولين: الإجماعات المنقولة.

و قاعدة توقيفيّة العبادة، فيقتصر فيها على القدر المتيقّن.

و صحيحة عمر بن يزيد: «لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة

و مسجد مكّة» «2».

و في الفقيه بعدها: و قد روي في مسجد المدائن «3»، بحمل إمام العدل على إمام الأصل.

و الرضوي: «و صوم الاعتكاف في المسجد الحرام و مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مسجد الكوفة و مسجد المدائن، و لا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة، و العلّة في ذلك أنّه لا يعتكف إلّا بمسجد جمع فيه إمام» الخبر «4».

و دليل النافين: الروايات المستفيضة، كالصحيحة المتقدّمة بتعميم الإمام.

و صحيحة داود: «لا أرى الاعتكاف إلّا في مسجد الحرام أو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو مسجد جامع» الحديث «5»، و نحوها موثّقة الكناني «6».

______________________________

(1) المعتبر 2: 732.

(2) الكافي 4: 176- 1، الفقيه 2: 120- 519، التهذيب 4: 290- 882، الاستبصار 2: 126- 409، الوسائل 10: 540 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 8.

(3) الفقيه 2: 120- 520، الوسائل 10: 540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 9.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 213، مستدرك الوسائل 7: 562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.

(5) الكافي 4: 176- 2، التهذيب 4: 290- 884، الاستبصار 2: 126- 411، الفقيه 2: 120- 521، الوسائل 10: 541 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 10.

(6) التهذيب 4: 291- 885، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 552

و رواية عليّ بن عمران الرازي: «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» «1».

و صحيحة الحلبي: «لا يصلح الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو مسجد الكوفة أو مسجد الجماعة» «2».

و رواية يحيى بن العلاء الرازي: «لا يكون الاعتكاف إلّا في مسجد جماعة»

«3».

و موثّقة ابن سنان: «لا يصلح العكوف في غيرها» أي غير مكّة «إلّا أن يكون مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو في مسجد من مساجد الجماعة» «4».

و لا يخفى أنّه يرد على دليل الأولين:

منع حجّيّة الإجماع المنقول.

و عدم اقتضاء توقيفيّة العبادة للاقتصار على المتيقّن، بل يعمل فيها بالأصل، مع حصول المتيقّن هنا بالأخبار المذكورة.

و عدم دلالة الصحيحة، لأنّها في أكثر النسخ: «لا يعتكف» موضع:

«لا اعتكاف» و لا يكون صريحا في نفي الجواز، لإرادة نفي الاستحباب.

مضافا إلى أنّ الإمام مع ذكر الصلاة جماعة إمّا ظاهرة في مطلق إمام الجماعة أو مجملة.

و لا يتوهّم أنّ مع الإجمال تخرج المطلقات عن الحجيّة في موضع

______________________________

(1) التهذيب 4: 290- 880، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 4.

(2) الكافي 4: 176- 3، الوسائل 10: 540 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 7.

(3) التهذيب 4: 290- 881، الاستبصار 2: 127- 414، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 6.

(4) التهذيب 4: 293- 891، الاستبصار 2: 128- 416، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 553

الإجمال، إذ هو إنّما هو في التخصيص بالمنفصل، و أمّا بالمتّصل- كما في هذه الصحيحة- فلا، فيبقى قوله: «مسجد جماعة» حجّة فيما لم يعلم خروجه عنه.

و ضعف الرضوي.

سلّمنا الدلالة و الحجّيّة، و لكنهما معارضتان مع الروايات الكثيرة «1»، و هي أرجح من جهة الموافقة لإطلاق الكتاب العزيز «2»، و هي من المرجّحات المنصوصة.

لا يقال: هما أخصّان مطلقا، فيجب التخصيص بهما.

لأنّه يوجب خروج الأكثر، و هو غير جائز، مع أنّ في بعض الأخبار ذكر مسجد الجماعة بعد ذكر مسجد الرسول و الكوفة و المسجد

الحرام «3»، فيكون المراد من مسجد الجماعة غيرها البتّة.

و أمّا ترجيحهما بمخالفة العامّة فإنّما يفيد لو كانتا مخالفتين لقول جميعهم أو أكثرهم، و هو غير ثابت.

و أمّا تضعيف الروايات بالشذوذ فمع فتوى مثل: المفيد و المحقّق و احتمال فتوى الكليني و العماني و شهادة مثل المحقّق: بأنّه مذهب أعيان فضلاء الأصحاب، الكاشف عن ذهاب جمع من الأعاظم إليه، فدعوى الشذوذ فاسدة.

ثمَّ لو قطع النظر عن الترجيح فالمرجع أيضا إلى أصالة عدم اشتراط الزائد عمّا ثبت اشتراطه، فإذن الترجيح للقول الثاني و عليه الفتوى.

______________________________

(1) الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3.

(2) البقرة: 187.

(3) الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 554

بقي الكلام في بيان المسجد الذي يعتكف فيه على هذا القول، فهل هو المسجد الجامع، كما في ثلاثة أخبار من الأخبار المتقدّمة، و عبارة جمع من الأصحاب «1»؟

أو الجماعة، كما في أربعة من الأخبار، و كلام جمع آخر «2»؟

أو المسجد الأعظم، كما في كلام المفيد؟

لا وجه للأخير، لعدم وروده في رواية، إلّا أن يفسّر به المسجد الجامع- كما فسّره الشهيد الثاني به في حاشية النافع، و صاحب ديوان الأدب- و هو الغالب في الأمصار أيضا، أي يتّحد الجامع و الأعظم، و حينئذ فيرجع إلى الأول.

فبقي الكلام في تعيين أحد الأولين و بيان المراد منهما، فنقول: يمكن أن يكون المراد بهما واحدا، و هو إمّا ما تصلّى فيه الجماعة مطلقا، سواء كانت جمعة أو جماعة عامّة البلد- من غير تخصيص بقبيلة أو محلّة- أو جماعة مطلقا. و احتمال إرادته من مسجد جماعة بل ظهوره منه ظاهر و فسّر المسجد الجامع به أيضا الشهيد الثاني في المسالك «3».

أو ما تصلّى فيه صلاة

الجمعة. و احتمال إرادته من مسجد الجامع ظاهر، بل فسّره به السنجري في المهذّب و الفيّومي في المصباح المنير و النووي في التحرير و الشهيد الثاني في الروضة «4»، و فسّر مسجد الجماعة به نادر أيضا.

______________________________

(1) كالمحقق في الشرائع 1: 216، و الشهيد الأوّل في اللمعة (الروضة 2): 150، و السبزواري في الذخيرة: 539.

(2) نقله عن العماني في المختلف: 251.

(3) المسالك 1: 83.

(4) المصباح المنير 1: 110، الروضة 2: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 555

أو ما يجمع أهل البلد، و لا يختصّ بمحلّة أو قبيله، بل صلّى فيه عامّة أهل البلد الجماعة فيه بمقتضى البناء لا بمحض اتّفاق مرّة أو أكثر.

أو يكون المراد بالجامع أحد الأخيرين، و بالجماعة الأول.

و لا يخفى أنّ إرادة ما تصلّى فيه صلاة الجمعة منهما أو أحدهما ليست مستندة إلى قاعدة لفظيّة، فالمتعيّن إمّا الأول أو الأخير، و مقتضى قواعدنا الأصوليّة: الأول، و طريق الاحتياط و الأخذ بالمتيقّن: الثاني.

الخامس: استدامة اللبث في المسجد ما دام معتكفا،
اشاره

فلو خرج منه و لو قليلا بغير الأسباب المبيحة له بطل اعتكافه بالإجماع كما في المعتبر و التذكرة و المنتهى «1».

للأخبار المستفيضة، كصحيحة أبي ولّاد المتقدّمة، و الأربعة المتعقّبة لها.

و في صحيحة داود: «و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمَّ لا يجلس حتى يرجع، و المرأة مثل ذلك» «2».

و مثلها صحيحة الحلبي إلى قوله: «حتى يرجع» ثمَّ قال: «و لا يخرج في شي ء إلّا لجنازة أو يعود مريضا، و لا يجلس حتى يرجع، و اعتكاف المرأة مثل ذلك» «3» إلى غير ذلك.

و أكثر تلك الأخبار و إن كانت قاصرة عن إفادة الحرمة، إلّا أنّ الإجماع على الحرمة- أي الشرطيّة- مضافا إلى ظهور بعضها

فيها- كما في قوله:

فما ذا أفرض على نفسي «4»- يعيّن إرادتها من الجميع.

______________________________

(1) المعتبر 2: 733، التذكرة 1: 284، المنتهى 2: 633.

(2) المتقدّمة في ص: 549.

(3) الكافي 4: 178- 3، الفقيه 3: 122- 529، التهذيب 4: 288- 871، الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2.

(4) المتقدّم في ص 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 556

و قد يستند إليها في الإبطال أيضا، إذ الحرمة الشرعيّة منتفية، فلا بدّ من الشرطيّة الراجعة إلى الإبطال بالارتكاب.

و فيه نظر، لمنع انتفاء الشرعيّة، و لا بعد في حرمة شي ء في فعل مستحبّ ما دام فيه.

و الأولى في الإبطال أيضا الاستناد إلى الإجماع، و إلى المعنى الحقيقي للاعتكاف، فإنّه الحبس و اللبث المضادّان للخروج.

فروع:
أ: ممّا ذكر- من منافاة الخروج لمعنى الاعتكاف- تظهر قوّة القول بعدم جواز إخراج البعض أيضا

إذا كان منافيا للبث الشخص، كأن يخرج و مدّ رجليه إلى المسجد أو أدخل يديه فيه. و أمّا لو أخرج رأسه فقط أو رجليه كذلك فالظاهر عدم صدق الخروج.

و لو أنيط إلى الإجماع أو الأخبار اتّجه القول بجواز إخراج البعض مطلقا، بل لا يبعد جواز إخراج البعض مع الإناطة إلى معنى العكوف أيضا، إذ هذا القدر من الإخراج لا ينافي العكوف العرفي، بل اللغوي أيضا، حيث إنّ العكوف في موضع في ثلاثة أيّام مثلا يصدق لغة بخروج هذا القدر من البدن قطعا.

ب: هل يتحقّق الخروج بالصعود إلى سطح المسجد من داخله، أم لا؟

فيه وجهان، الأول للدروس «1»، و الثاني للمنتهى «2». و الأحوط:

______________________________

(1) الدروس 1: 299.

(2) المنتهى 2: 635.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 557

الأول، لعدم معلوميّة صدق المسجد عليه. و يمكن القول بالجواز، لعدم صدق الخروج عن المسجد.

ج: هل يبطل بالخروج مكرها، أم لا؟

ظاهر الشرائع و القواعد و الإرشاد: نعم مطلقا «1».

و ظاهر المبسوط و المعتبر: لا، كذلك «2».

و عن المختلف و التحرير و التذكرة و الشهيد الثاني: التفصيل بطول الزمان و عدمه «3»، لعدم صدق الخروج المنهيّ عنه، و عدم الإجماع، و عدم منافاة الكون في الخارج يسيرا لماهيّة الاعتكاف.

و الأخير محلّ نظر، لجواز صحّة السلب مع مطلق الكون في الخارج.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ ذلك و إن كان منافيا لغة، إلّا أنّه لا ينافيها شرعا، لتصريح الأخبار بعدم المنافاة لحاجة لا بدّ منها «4»، و أيّ حاجة أشدّ من دفع ضرر المكره؟! و هو و إن اختصّ بما إذا كان الإكراه بالتخويف و نحوه، إلّا أنّه يتعدّى إلى المكره بالاضطرار و رفع الاختيار بالأولويّة أو الإجماع المركّب.

د: هل الخروج سهوا و نسيانا مبطل، أم لا؟

أطلق «5» الشيخ و الفاضلان و الشهيد الأول «6».

______________________________

(1) الشرائع 1: 217، القواعد 1: 70، الإرشاد 1: 306.

(2) المبسوط 1: 294، المعتبر 2: 736.

(3) المختلف: 254، التحرير 1: 87، التذكرة 1: 290، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 84.

(4) الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7.

(5) يعني: جوزوا.

(6) الشيخ في المبسوط 1: 294، و المحقق في المعتبر 2: 736، و العلّامة في التذكرة 1: 292، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 558

و قيل بالفرق بين طول الزمان و عدمه «1».

دليل الأول: نفي الإثم، و لزوم العسر لولاه.

و دليل الثاني: الخروج عن المسمّى مع الطول لا بدونه.

و الكلّ منظور فيه، لعدم الملازمة بين انتفاء الإثم و الصحّة. و عدم لزوم العسر، إذ لا وجوب في الاعتكاف، غايته البطلان، و لو صحّ للزم مثله في بطلان الصلاة بالسهو في الأركان.

و منع بقاء المسمّى

بدون طول الزمان، فالبطلان مطلقا أقوى.

ه: يجوز الخروج لضرورة و حاجة من نفسه لا بدّ منها

و لا يمكن فعلها في المسجد، إجماعا فتوى و نصّا كما مرّ، و لطاعة من اللّه و لو كان قضاء حاجة الأخ المؤمن، للتصريح ببعض الطاعات في الأخبار المتقدّمة «2»، و دلالته على البواقي بالفحوى أو الإجماع المركّب.

و التعليل المذكور في رواية ميمون بن مهران: كنت جالسا عند الحسن بن عليّ عليهما السّلام فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول اللّه، إنّ فلانا له عليّ مال و يريد أن يحبسني، فقال: «و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك»، قال:

فكلّمه، قال: فلبس عليه السّلام نعله، فقلت له: يا بن رسول اللّه، أنسيت اعتكافك؟ فقال: «لم أنس، و لكن سمعت أبي عليه السّلام يحدّث عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله» «3».

و منها يظهر الدليل على استثناء حاجة الغير أيضا. و منها أو من

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 84.

(2) المتقدّمة في ص 548، 549.

(3) الفقيه 2: 123- 528، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 559

الطاعة: تشييع الأخ و نحوه.

و: لو كان لمكان الحاجة طريق أقرب من الآخر،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    559     ز: الخارج - حيث يجوز - لا يجوز له الجلوس تحت الظل بلا ضرورة فيه إجماعا، له، ..... ص : 559

لوا: يجب سلوك الأقرب، و كذا يسلك مسلك الاقتصار على قدر الضرورة، لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و لعدم كون الزائد حاجة و ضرورة «1».

و هو حسن، إلّا أنّه لا يلزم ذلك إلّا مع إيجابه الخروج عن الاشتغال بالحاجة عرفا، فلا يجب سلوك الطريق الذي أقرب بذراع و ذراعين

و نحوهما ممّا لا يخرج به عمّا ذكر عرفا.

ز: الخارج- حيث يجوز- لا يجوز له الجلوس تحت الظلّ بلا ضرورة فيه إجماعا، له،

و لصحيحة داود المستفسر فيها عمّا أفرض على نفسي «2».

و أمّا الجلوس المطلق فلا دليل على حرمته، و الروايتان «3» المتضمّنتان له قاصرتان عن إفادة الحرمة، و لذا خصّ جماعة المحرّم بالمقيّد، منهم:

الشيخ في المبسوط و المفيد و الديلمي و المعتبر «4»، و نقل عن أكثر المتأخّرين «5».

و تختصّ الحرمة بالجلوس، فلا يحرم المشي تحت الظلال، وفاقا

______________________________

(1) المنتهى 2: 634، المسالك 1: 84.

(2) تقدّمت في ص 549.

(3) الكافي 4: 176- 2 و 178- 3، الفقيه 2: 120- 521 و 122- 529، التهذيب 4: 288- 871 و 290- 884، الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 1، 2.

(4) المبسوط 1: 293، و المفيد في المقنعة: 363، و الديلمي في المراسم: 99، المعتبر 2: 735.

(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 152، و السبزواري في الذخيرة: 541، و صاحب الحدائق 13: 472.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 560

للشيخين في المقنعة و المبسوط و الديلمي و ابن زهرة و المختلف و الروضة و الحدائق و غيرها «1»، للأصل.

خلافا لجماعة، منهم: الشيخ في أكثر كتبه و السيّد و الحلبي و الحلّي و الشرائع و النافع و الفاضل في بعض كتبه «2»، و لا مستند لهم إلّا حكاية الإجماع عن الانتصار، و هي غير صالحة للاستناد.

ح: لا يجوز للخارج- حيث يجوز- في غير مكّة الصلاة في غير مسجد اعتكافه،

بلا خلاف فيه كما قيل «3»، لصحيحتي منصور «4» و ابن سنان «5»، إلّا مع الضرورة، كضيق الوقت، فمعه يصلّيها حيث أمكن، و إلّا صلاة الجمعة مع وجوبها إذا صلّيت في غير مسجده، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة «6».

و أمّا في مكّة فيصلّي إذا خرج لضرورة حيث شاء بلا خلاف، كما نصّ به في الصحيحين.

______________________________

(1) المقنعة: 363، المبسوط 1: 293،

الديلمي في المراسم: 99، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 573، المختلف: 255، الروضة 2: 152، الحدائق 13: 472، و انظر الذخيرة: 541 و الرياض 1: 334.

(2) الشيخ في النهاية: 172 و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 222 و الاقتصاد:

296، و السيّد في الانتصار: 74، و الحلبي في الكافي في الفقه: 187 قال: و لا يجلس تحت السقف مختارا، و الحلي في السرائر 1: 425، الشرائع 1: 217، المختصر النافع: 73، و الفاضل في القواعد 1: 71 و الإرشاد 1: 306.

(3) كما في الرياض 1: 334.

(4) الكافي 4: 177- 5، الفقيه 2: 121- 523، التهذيب 4: 293- 892، الاستبصار 2: 128- 417، الوسائل 10: 551 كتاب الاعتكاف ب 8 ح 3.

(5) الكافي 4: 177- 4، الفقيه 2: 121- 522، التهذيب 4: 292- 890، الاستبصار 2: 127- 415، الوسائل 10: 551 كتاب الاعتكاف ب 8 ح 1.

(6) في ص 548، 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 561

الفصل الثاني في جملة من أحكامه

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا يجب الاعتكاف بالأصل إجماعا و أصلا،

و هو قد يجب بالنذر و شبهه و بالنيابة حيث تجب.

و يشترط في النذر و أخويه إمّا كونه مطلقا فيحمل على الثلاثة لكونها أقلّ المسمّى، أو تقييده بثلاثة فصاعدا، أو بما لا ينافي الثلاثة، كنذر يوم أو يومين من غير تعرّض للزيادة، و لو قيّد الأقلّ من الثلاثة بلا أزيد بطل الاعتكاف من حيث هو اعتكاف.

و الواجب منه إن كان وقته معيّنا فيجب الإتيان به فيه، و يجب بالشروع، بل يجب الشروع فيه في الوقت، و إلّا فكان كالمندوب على الأقوى، للأصل.

و قد اختلفوا في المندوب على أقوال:

أحدها: عدم وجوبه أصلا، بل يجوز له الإبطال متى شاء، نقل عن السيّد و الحلّي و المعتبر و المختلف و المنتهى و التذكرة و التحرير «1».

و ثانيها: الوجوب بالشروع، نقل عن المبسوط و الكافي للحلبي و الإشارة و الغنية «2»، إلّا أنّ الأول صرّح بأنّ له الرجوع متى شاء قبل اليومين

______________________________

(1) السيّد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، و الحلي في السرائر 1: 422، المعتبر 2: 737، المختلف: 252، المنتهى 2: 637، التذكرة 1: 290، التحرير 1: 86.

(2) المبسوط 1: 289، الكافي في الفقه: 186، الإشارة: 119، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 562

إذا شرط، و عن الأخير: الإجماع عليه.

و ثالثها: الوجوب بمضيّ يومين، فلا يجب قبله، و يجب الثالث بعد اليومين، حكي عن الإسكافي و نهاية الشيخ و القاضي و الشرائع «1»، و نسب إلى أكثر القدماء و المتأخّرين «2»، و استفاضت حكاية الشهرة عليه «3».

دليل الأول: الأصل، و بعض الأمور الاعتباريّة.

و حجّة الثاني: النهي عن إبطال العمل، و إطلاق صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «4»، و سائر ما أوجب الكفّارة على

المجامع في الاعتكاف بإطلاقه «5»، و إطلاق روايات البجلي و أبي بصير «6» الموجبة لقضاء ما بقي على الحائض و المريض.

و دليل الثالث: صحيحة الحذّاء المتقدّمة «7»، و صحيحة محمّد: «إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ الاعتكاف حتى تمضي

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 251، النهاية: 171، القاضي في شرح جمل العلم: 202، الشرائع 1: 218.

(2) كما في الرياض 1: 334.

(3) كما في التنقيح 1: 404، الروضة 2: 154.

(4) في ص: 548.

(5) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.

(6) يعني روايتي البجلي و رواية أبي بصير، و الأوليان في الكافي 4: 179- 1، و الفقيه 2: 122- 530، و التهذيب 4: 294- 893، 894، و الثالثة في الكافي 4: 179- 2، الفقيه 2: 123- 536، و الجميع في الوسائل 10: 554 كتاب الاعتكاف ب 11 ح 1- 3.

(7) في ص: 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 563

ثلاثة أيّام» «1».

أقول: دليل الأول مردود بوجوب الخروج عن الأصل مع المخرج، كما في المقام، فإنّ الصحيحة مخرجة عنه، و ضعف سندها على بعض الطرق لا يضرّ مع الصحّة على بعض آخر، مع أنّه على الآخر أيضا موثّقة، و مع قطع النظر عنه أيضا بالشهرة المحكيّة منجبرة. و تضعيف دلالتها- لعدم ظهور: «ليس له» في الحرمة، كما في الذخيرة «2»- مردود بظهورها في نفي الحلّية، سيّما في مقابلة قوله: «فله أن يخرج» المثبت لمجرّد الحلّية بملاحظة التفصيل القاطع للشركة.

و دليل الثاني مدفوع

بمنع حرمة إبطال العمل، كما بيّنا في موضعه.

و منع دلالة لزوم الكفّارة بالجماع في الاعتكاف على وجوب الإتمام، إذ لا امتناع في وجوب الكفّارة بذلك في الاعتكاف المستحبّ.

و استبعاد ذلك و تخصيصه بترك الواجب- كما في الحدائق- لا وجه له.

و منع دلالة أخبار القضاء على الوجوب، و إنّما ورد فيها بالجملة الخبريّة، مع أنّه على فرض تسليم دلالة الجميع تكون غايته الإطلاق اللازم تقييده بالصحيحة المقيّدة.

و منه تظهر قوّة القول الثالث، فهو الأقرب.

ثمَّ إنّ هذا الحكم هل يتعدّى إلى كلّ ثالث- فله الفسخ في اليوم الرابع دون ما إذا تمَّ الخامس- أو يختصّ بالثلاثة الاولى؟

______________________________

(1) الكافي 4: 177- 3، الفقيه 2: 121- 526، التهذيب 4: 289- 879، الاستبصار 2: 129- 421، الوسائل 10: 543 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 1.

(2) الذخيرة: 539.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 564

حكي عن الشيخ و الإسكافي و الحلبي «1»: الأول، لصحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «2».

و عن السيّد عميد الدين: الثاني «3»، و هو الأظهر، للأصل، و عدم صراحة الصحيحة في الوجوب.

و دعوى عدم القول بالفرق- كما يشعر به كلام صاحب التنقيح «4»- ممنوعة، بل الفرق موجود من الطرفين، لوجود القول بالوجوب في الأولى دون غيرها- كما مرّ- و وجود القول باختصاص الوجوب باليومين في غير الاولى، و فيها يجب الشروع، كما حكي عن الشيخ و الحلبي و الغنية «5».

ثمَّ على القول بالتعدّي، فهل يتعدّى إلى كلّ ثلاثة، أو يختصّ بالثانية؟

صرح الشهيد بالأول «6»، و احتجّ له في المسالك بعدم القول بالفرق «7».

و ردّ بالمنع، و قال بعض شرّاح الروضة: و لم أر ممّن قبل المصنّف تعميم الوجوب لكلّ ثالث، بل إنّما تعرّضوا له في السادس.

و ظاهر هذا القائل:

الثاني، و هو الأظهر، لاختصاص الرواية. بل قيل

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 290، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 251، الحلبي في الكافي: 186.

(2) في ص: 524.

(3) نقله عنه الشهيد الثاني في المسالك 1: 83.

(4) التنقيح 1: 404.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 289، الحلبي في الكافي: 186، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

(6) الشهيد في الدروس 1: 301.

(7) المسالك 1: 83.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 565

بالاختصاص بالمندوب، و أمّا المنذور فليس كذلك، فلو نذر خمسة لا يجب السادس، لأنّ ظاهر الصحيحة المندوب. و فيه نظر.

المسألة الثانية: يستحبّ للمعتكف أن يشترط في ابتدائه الرجوع فيه،

بالإجماع و المستفيضة، كصحيحتي أبي ولّاد و محمّد المتقدّمتين «1»، و صحيحة أبي بصير، و فيها: «و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» «2».

و رواية عمر بن يزيد: «و اشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك، انّ ذلك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه» «3».

و في اختصاص الشرط بعارض يعدّ عذرا مسوّغا للخروج، أو بعارض مطلقا، أو الخروج متى شاء، أقوال.

دليل الأول: التشبيه باشتراط المحرم في الصحيحة و الرواية، و آخر رواية عمر بن يزيد [1].

و حجّة الثاني: صحيحة أبي ولّاد «4»، لظهور أنّ حضور الزوج ليس من الأعذار المسوّغة للخروج، نعم هو من جملة العوارض.

و حجّة الثالث: هذه الصحيحة، لعدم ظهور كون مثل ذلك عارضا،

______________________________

[1] كذا، لكن المتضمنة لتشبيه المعتكف بالمحرم هي صحيحة أبي بصير و رواية عمر ابن يزيد لا غير، راجع الوسائل 10: 552 كتاب الاعتكاف ب 9.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 548، 562.

(2) الكافي 4: 177- 2، الفقيه 2: 121- 525، التهذيب 4: 289- 876، الاستبصار 2: 128- 418، الوسائل 10: 552 كتاب الاعتكاف

ب 9 ح 1.

(3) التهذيب 4: 289- 878، و في الاستبصار 2: 129- 419، الوسائل 10: 553 كتاب الاعتكاف ب 9 ح 2: أن يحلك من اعتكافك، بدل: إن ذلك في اعتكافك.

(4) المتقدّمة في ص: 548.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 566

و إطلاق صحيحة محمّد «1» بل ظهورها في عدم العارض، لأنّ [الثمرة] [1]- في جواز الرجوع بعد اليومين و عدمه بالاشتراط و عدمه- إنّما تظهر مع عدم الضرورة. و لا ينافيهما التشبيه بالمحرم، لجواز كون التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيّته، بل يثبت ذلك تجويز الخروج مع الشرط بحضور الزوج.

أقول: أمّا التفرقة فيظهر وجهها مع تعميم العارض أيضا، فلا يظهر من الصحيحة الثانية الإطلاق، بل و كذا الأولى، لأنّ الحكم فيها في واقعة خاصّة متضمّنة لنوع عارض، غاية الأمر إجمال الثانية بحسب مطلق العارض و الاقتراح، و لازمه الاقتصار على موضع اليقين- و هو الشرط العارض- لأنّ تقييد اليومين فيها يكون بالمجمل المتّصل، و حكمه ذلك.

و من ذلك يظهر ضعف التمسّك بالأصل في التعميم بالنسبة إلى مطلق العارض و الاقتراح، فإذن الأقوى هو الثاني.

و لا يرد التشبيه بشرط المحرم، لما مرّ. و لا ذيل رواية عمر بن يزيد، لعدم دلالته على الحصر، بل غايته جواز اشتراط ذلك.

ثمَّ الظاهر عدم الفرق في جواز الاشتراط بين الواجب و غيره، للإطلاق و الأصل، لكن محلّه في الأول: وقت النذر و أخويه لا وقت الشروع، بخلاف المندوب، فإنّه عنده كما هو ظاهر الأخبار، و إنّما خصّ المنذور بوقت النذر لأنّ خلوّ النذر عن هذا الشرط يقتضي لزومه و عدم سقوطه، فلا يؤثّر الشرط الطارئ، سيّما مع تعيّن زمانه.

و أمّا جواز هذا الشرط عند النذر- مع كونه إجماعيّا

على الظاهر كما

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 562.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 567

يفهم من التنقيح «1» أيضا- فللأصل، مع ثبوت مشروعيّته في الاعتكاف قبل النذر.

هذا، و فائدة هذا الشرط جواز الرجوع عند العارض و إن مضى اليومان بل دخل الثالث.

و لا يجب القضاء في المندوب و لا في الواجب المعيّن، للأصل. و أمّا الواجب المطلق فمختار المعتبر و الدروس و المسالك و المدارك «2»: وجوب فعله ثانيا، و له وجه.

المسألة الثالثة: يحرم على المعتكف أمور:
منها: الجماع إجماعا

، له، و للآية «3»، و الأخبار «4».

و الظاهر الإجماع على فساد الاعتكاف به أيضا، و في الغنية و المنتهى و عن التنقيح و المفاتيح الإجماع عليه «5»، و يدلّ عليه أيضا- لو كان في النهار- أنّه يفسد الصوم المشروط في الاعتكاف.

و تؤيّده أيضا الأخبار الموجبة للكفّارة به، و أنّ المجامع فيه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «6». و أمّا الاستدلال بذلك على الفساد فمحلّ تأمّل، لجواز ترتّب الكفّارة على مجرّد الحرمة، و كونه بمنزلة المفطر في وجوب الكفّارة.

______________________________

(1) التنقيح 1: 406.

(2) المعتبر 2: 740، الدروس 1: 301، المسالك 1: 85، المدارك 6: 343.

(3) البقرة: 187.

(4) الوسائل 10: 545 كتاب الاعتكاف ب 5.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 638، التنقيح 1: 406، المفاتيح 1: 279.

(6) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 568

و ألحق بالجماع: الاستمناء بأيّ نحو كان، و في الخلاف الإجماع عليه «1». و لا بأس به إن أريد من حيث التحريم، سيّما مع تحريمه بنفسه إن لم يكن مع حلاله. و إن أريد من حيث الإفساد و الكفّارة فمشكل، بل الأجود العدم.

و منها: الاستمتاع بالنساء

لمسا و تقبيلا و غيرهما، بلا خلاف يعرف، بل عن ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن و المدارك الاتّفاق عليه «2»، و تدلّ عليه الآية، للنهي فيها عن المباشرة الشاملة لجميع ذلك.

و ظاهر الأصحاب اتّفاقهم على اختصاص حرمة الأمرين بما إذا كانا بشهوة و لا حرمة في الخاليين عنها «3».

و ألحق بعضهم بهما النظر بالشهوة «4». و لا وجه له.

و في فساد الاعتكاف بهما و عدمه قولان:

الأول: عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و الدروس

«5» و ابن شهرآشوب في متشابه القرآن، للنهي الموجب للفساد، و أنت خبير بما فيه.

و الثاني: للوسيلة و المختلف و ظاهر الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و التلخيص و التبصرة «6»، للأصل السالم عن المعارض، و هو الأقوى.

______________________________

(1) الخلاف 2: 238.

(2) التبيان 2: 135، مجمع البيان 1: 281، فقه القرآن: 196، المدارك 6: 343.

(3) كالعلّامة في التحرير 1: 88، و صاحب المدارك 6: 343، و صاحب الحدائق 13: 491.

(4) نقله العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف: 253.

(5) الخلاف 2: 229، المعتبر 2: 740، المنتهى 2: 639، التذكرة 1: 294، التحرير 1:

88، الدروس 1: 300.

(6) الوسيلة: 154، المختلف: 253، الشرائع 1: 219، المختصر: 74، القواعد 1: 71، الإرشاد 1: 306، تبصرة المتعلمين: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 569

و منها: البيع و الشراء،

فالمشهور تحريمه، بل في الحدائق: أنّه لا خلاف فيه «1»، و في المدارك و عن الانتصار و الخلاف و الذخيرة الإجماع عليه «2»، لصحيحة الحذّاء المتقدّمة «3»، و في دلالتها على الحرمة نظر.

و حكي عن المبسوط و السرائر و اللمعة و الروضة: العدم «4»، و في النسبة نظر، بل صريح الأول عدم الجواز.

نعم، عبّر الثاني بالأولى، و لكن ظاهره الفساد به، و هو ينبئ عن التحريم أيضا، و الأخيران لم يذكراه. فإن ثبت الإجماع فهو و إلّا فالكراهة أظهر، و أظهر منها عدم الفساد به و لا الكفّارة.

و منها: الطيب و شمّ الرياحين،

و الكلام فيه كما في سابقة، إلّا أنّ عدم ثبوت الإجماع فيه أظهر، لعدم نقل إجماع عليه- إلّا عن الخلاف «5»- و مخالفة المبسوط «6».

و منها: المماراة-

و هي المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لإظهار الغلبة- و هي في نفسها محرّمة، و أمّا من حيث الاعتكاف فالكلام فيها كسابقها.

و منها: الاشتغال بالأمور الدنيويّة الغير الضروريّة و الصنائع.

ظاهر المنتهى المنع منها «7»، لفحوى ما يمنع عن البيع و الشراء،

______________________________

(1) الحدائق: 13: 493.

(2) المدارك 6: 344، الانتصار: 74، الذخيرة: 542.

(3) في ص: 549.

(4) المبسوط 1: 293، السرائر: 98، اللمعة و الروضة 2: 157.

(5) الخلاف 2: 240.

(6) المبسوط 1: 293.

(7) المنتهى 2: 639.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 570

و لمنافاتها لماهيّة الاعتكاف، لأنّه اللبث للعبادة.

و يضعف الأول: بعدم معلوميّة العلّة. و الثاني: بمنع جزئيّة العبادة، و لو سلّمت لم يسلم الزائد عن الأغلبية اقتضاء، و لذا يجوز له الأكل و النوم و السكوت إجماعا.

ثمَّ الأولى تركها و ترك النظر في معايشه و الخوض في المباح زيادة على قدر الضرورة، و يجوز مع الضرورة البيع و الشراء الممنوع عنهما، و لكن يجب الاقتصار فيهما على ما تندفع به، حتى لو تمكّن من التوكيل فعل، لاندفاع الحاجة معه.

و منها: فعل القبائح و الاشتغال بالمعاصي و السيّئات،

و لا شكّ في حرمته بنفسه، و أمّا من جهة الاعتكاف فلا دليل عليه.

و أفسد الحلّي به الاعتكاف «1»، لما ذكر بجوابه.

و منها: كلّ ما يحرم على المحرم،

حرّمه الشيخ في الجمل «2»، و ربّما يحكى عن القاضي و ابن حمزة «3»، و لا دليل عليه أصلا، و الأصل ينفيه.

و ما في التنقيح- من جعله في المبسوط رواية «4»- لا يفيد، لعدم عمله بها، فلا يكون حجّة، و عدم معلوميّة متنها حتى ينظر في دلالتها.

المسألة الرابعة:

يفسده كلّ ما يفسد الصوم إذا وقع على وجه يفسد الصوم، من حيث فوات الصوم، الذي هو شرط فيه إجماعا.

المسألة الخامسة: كلّما يحرم على المعتكف من حيث إنّه معتكف

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 426.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 222.

(3) ابن حمزة في الوسيلة: 154، القاضي في المهذّب 1: 204 و حكاه عنهما في المختلف: 253.

(4) التنقيح 1: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 571

فإنّه يحرم ليلا و نهارا، لدخول الليالي في الاعتكاف. و أمّا ما وجب الإمساك عنه باعتبار الصوم فإنّما يمسك عنه في النهار، لأنّه زمان الصوم.

المسألة السادسة: هل يختصّ ما يحرم بالاعتكاف الواجب، أم يتناول المندوب أيضا؟

قيل: إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي الثاني «1».

أقول: إن كان المحرّم مفسدا للاعتكاف فيتعيّن الحكم بعدم حرمته في المندوب، لعدم حرمة إفساده.

و ما كان غير مفسد، فما كان فيه إطلاق على التحريم- كالنساء و البيع و الشراء و الطيب بناء على دلالة الصحيحة «2»- فيحرم مع قصد بقاء الاعتكاف، للإطلاق.

و ما لم يكن فيه إطلاق بل كان للإجماع- كالبيع و الشراء على عدم تماميّة دلالة الصحيحة- فيختصّ بالواجب، لعدم ثبوت الإجماع في غيره.

المسألة السابعة: لا يصحّ اعتكاف العبد بدون إذن مولاه

، و لا الزوجة بدون إذن زوجها، لمنافاته للحقّ الواجب عليهما. و أمّا الولد بدون إذن و الدية فإنّما يصحّ حيث يكون مع الصوم الواجب، أمّا مع المندوب فلا يصحّ من حيث اشتراط الصوم بالإذن كما مرّ «3».

المسألة الثامنة: تجب الكفّارة بالجماع

للاعتكاف من حيث هو- ليلا كان أو نهارا- بلا خلاف كما صرّح به جماعة «4»، بل بالإجماع كما عن

______________________________

(1) كما في الحدائق 13: 495.

(2) المتقدمة في ص: 549.

(3) راجع ص 548.

(4) منهم السيوري في التنقيح 1: 407، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 85، و السبزواري في الذخيرة: 542.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 572

الانتصار و الغنية و في التذكرة و المنتهى و غيرها «1»، للإجماع، و المستفيضة، كصحيحتي أبي ولّاد السابقة «2».

و زرارة: عن المعتكف يجامع أهله؟ قال: «إذا فعل فعليه ما على المظاهر» «3».

و موثّقة سماعة: عن معتكف واقع أهله، قال: «هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» «4».

و الأخرى مثل الأولى، إلّا أنّه زاد فيها: «متعمّدا، عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا» «5».

و هل الواجب عليه كفّارة الظهار، كما في الصحيحين؟ أو الإفطار، كما في الموثّقين؟

الأول: محكيّ عن المقنع «6» و اختاره جماعة من المتأخّرين «7».

و الثاني: هو المشهور كما صرّح به جماعة «8»، و عن الغنية و المنتهى

______________________________

(1) الانتصار: 73، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، التذكرة 1: 294، المنتهى 2:

640، و انظر شرح الجمل: 202.

(2) راجع ص 548.

(3) الكافي 4: 179- 1، الفقيه 2: 122- 532، التهذيب 4: 291- 887، الاستبصار 2: 130- 424، الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1.

(4) الكافي 4: 179- 2، الفقيه 2: 123- 534، التهذيب 4: 291- 886، الاستبصار 2: 130-

423، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2.

(5) التهذيب 4: 292- 888، الاستبصار 2: 130- 425، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5.

(6) حكاه عنه العلّامة في المختلف: 254.

(7) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 86، و صاحب المدارك 6: 350، و الكاشاني في المفاتيح 1: 279.

(8) منهم صاحب الحدائق 13: 496، و صاحب الرياض 1: 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 573

و التذكرة: الإجماع عليه «1».

و الحقّ هو: الأول، للصحيحين الصريحين. و احتمال إرادة التشريك مع المظاهر في أصل الكفّارة أو المقدار بعيد غايته.

و يجاب عن الموثّقتين بعدم الدلالة:

أمّا الأولى، فواضح، لاحتمال كونه بمنزلته في التأثيم أو مطلق التكفير أو القدر، و عموم المنزلة لم يثبت عندي، و لو ثبت فالتخصيص لازم بالصحيحين.

و أمّا الثانية، فلعدم صراحة دلالتها على الوجوب أولا. و احتمال إرادة بيان أقسام الأشخاص من لفظة «أو» ثانيا، فيكون للتقسيم دون التخيير.

و أمّا التمسّك بأصالة عدم الترتيب فمردود بأصالة عدم التخيير أيضا، لأنّه أيضا أمر حادث، فنسبة الأصل إليهما على السواء.

و لو كان الجماع في نهار رمضان لزمته كفّارتان- إحداهما للصوم و الأخرى للاعتكاف- بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى «2».

لرواية عبد الأعلى: عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان، قال: «عليه الكفّارة»، قلت: فإن وطئها نهارا؟ قال: «عليه كفّارتان» «3».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 640، التذكرة 1: 294.

(2) الانتصار: 73، الخلاف 2: 238، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 640.

(3) الفقيه 2: 122- 533، التهذيب 4: 292- 889، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 574

و لعمومات

وجوبها بالجماع في كلّ من نهار رمضان و الاعتكاف «1»، و عدم فائدة أصالة التداخل لاختلاف الكفّارتين، مع أنّ الأصل بالرواية المذكورة زائل.

و كذا تجب كفّارتان لو وقع في أيّام صوم النذر المعيّن، أو قضاء رمضان بعد الزوال، أو كان الاعتكاف واجبا بمثل النذر، إحداهما:

للاعتكاف، و الأخرى: للسبب الآخر.

و الدليل: عمومات كفّارة كلّ من الأمرين، لا الرواية، لظهورها في نهار رمضان. و على هذا فيمكن التداخل فيما أمكن، على القول بأصالته، كما هو المختار.

و الظاهر اختصاص التعدّد بما ذكر.

و عن الحلّي و السيّد و الشيخ في غير النهاية و الصدوق و الإسكافي و القاضي و ابني زهرة و حمزة: إطلاق التعدّد في النهار «2»، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، لإطلاق الرواية.

و ضعفه ظاهر، لظهورها في نهار رمضان.

و قيل: لأنّ في النهار صوما و اعتكافا «3».

و فيه: أنّ مطلق الصوم لا تترتّب على إفساده كفّارة.

______________________________

(1) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.

(2) الحلي في السرائر 1: 425، و السيّد في الانتصار: 73، و الشيخ في المبسوط 1: 294، و الخلاف 2: 238، و الاقتصاد: 296، و الجمل و العقود (الرسائل العشرة): 222، و الصدوق في الفقيه 1: 122، و نقله عن الإسكافي في المختلف: 254، و القاضي في المهذب 1: 204، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، و ابن حمزة في الوسيلة: 153.

(3) كما في الدروس 1: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 575

و يظهر من المقنع و الإسكافي أنّ بذلك رواية «1».

و هي أيضا غير مفيدة بعد عدم معلوميّة متن الرواية، و احتمال إرادتهما الرواية السابقة.

و هل يختصّ وجوب كفّارة الاعتكاف مع الجماع بما إذا وجب معيّنا بنذر أو مضيّ

اليومين أو مطلق؟

ظاهر الروايات إطلاقا بل عموما: الثاني، و لا استبعاد فيه.

و تختصّ كفّارة الاعتكاف بالجماع، فلا كفّارة واجبة في ارتكاب غيره من مفطرات الصوم أو مفسدات الاعتكاف أو محرّماته، للأصل السالم عن المعارض جدّا.

المسألة التاسعة: إذا حاضت المرأة في أثناء الاعتكاف خرجت من المسجد إلى بيتها،

و هكذا المريض، حتى إذا طهرت و برئ، قالوا: وجب الرجوع لقضائه، إمّا مطلقا، كجماعة «2»، أو مع وجوب الاعتكاف، كآخرين «3».

و الأحوط: الأول، و إن كان أصل القضاء احتياطا أيضا، لقصور الأخبار «4» المتضمّنة له لإفادة الوجوب، و لكنّه ممّا ذكره الأصحاب.

و المقضي جميع زمان الاعتكاف إن لم تمض ثلاثة أيّام، و إلّا

______________________________

(1) نقله عنهما في المختلف: 254، و لم نجده في المقنع، و لكن وجدناه في الفقيه 2: 254.

(2) منهم الشيخ في النهاية: 172، و المحقق في النافع: 74، و صاحب الرياض 1:

335.

(3) منهم العلّامة في المنتهى 2: 636، و السبزواري في الذخيرة: 542، و صاحب الحدائق 13: 477.

(4) الوسائل 10: 554 كتاب الاعتكاف ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 576

فالمتروك خاصّة.

خصّنا اللّه سبحانه بأنظار رحمته، و تجاوز عن سيّئاتنا بعميم مغفرته.

تمَّ كتاب الصوم و الاعتكاف من مستند الشيعة في أحكام الشريعة في ضحوة يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رجب المرجب سنة 1239 على هاجرها ألف سلام و تحيّة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.