مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 09

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به ثقتي الحمد للَّه ربّ العالمين و الصلاة على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 9، ص: 7

كتاب الزكاة

اشاره

و هي في اللغة لمعان عديدة، و في عرف الشرع للمال المعهود المخرج، و قد يطلق على إخراجه أيضا، و عليه يحمل قوله سبحانه:

وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ «1».

و هي في المعنى المذكور حقيقة شرعيّة، يدلّ على ثبوتها التبادر في زمان الشارع بحكم الحدس و الوجدان.

و قد عرّفها الفقهاء بتعريفات منتقضة طردا أو عكسا، و لكن الأمر فيها هيّن بعد وضوح المعرّف و ظهوره.

و الاشتغال بتزييفها و تصحيحها حينئذ قليل الفائدة، و صرف الوقت في غيره من الأمور المهمّة في الدين هو اللائق بشأن المتّقين.

ثمَّ إنّ وجوبها ثابت بالكتاب، و السنّة، و الإجماع، بل الضرورة. و هي أحد الأركان الخمسة، و النصوص في فضلها و عقاب تاركها متواترة، بل لا تكاد تحصى من الكثرة، و كتب الفقه و الحديث بها مشحونة.

و هي قسمان: زكاة المال، و زكاة الفطرة. فنبيّن أحكامها في مقصدين:

______________________________

(1) المؤمنون: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 9

المقصد الأول في زكاة المال

اشاره

و الكلام فيها: إمّا في من تجب عليه .. أو في ما تجب فيه، و شرائطه، و القدر الواجب فيه إخراجه. أو في ما تستحبّ الزكاة فيه .. أو في مصرفها، و كيفيّة صرفها، و وقته.

فهاهنا أربعة أبواب:

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 11

الباب الأول في من تجب عليه
اشاره

أي بيان شرائط وجوبها بحسب أحوال المكلّف، و هي أمور:

الشرط الأول و الثاني: البلوغ، و العقل.
اشاره

فلا تجب زكاة في مال الصبي، و لا المجنون مطلقا، نقدا كان المال أو غيره.

بلا خلاف في النقد، كما في الذخيرة و الحدائق «1»، بل بالإجماع، كما ذكره الفاضلان «2»، و الشهيدان «3»، و غيرهم [1].

و أمّا ما ذكره ابن حمزة- كما نقله في المختلف «4» من قوله: و تجب الزكاة في مال الطفل- فالظاهر- كما قيل- أنّ المراد به في الجملة.

كما أنّ ما حكي عن المقنعة- من وجوبها في مال التجارة للطفل «5»- محمول على إرادة الاستحباب، كما يأتي.

و على الأصحّ الأشهر بين المتأخّرين في غيره، و إليه ذهب السيّد في الجمل «6»، و الحلّي «7»، و الديلمي «8»، و الإسكافي «9»، و العماني «10»، و الفاضلان «11»،

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 261.

______________________________

(1) الذخيرة: 420، و الحدائق 12: 17.

(2) المحقق في المعتبر 2: 486، و العلّامة في المنتهى 1: 471.

(3) الشهيد الأول في البيان: 276، و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2: 12.

(4) المختلف: 172، و هو في الوسيلة: 121.

(5) المقنعة: 238.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 74.

(7) السرائر 1: 429.

(8) المراسم: 128.

(9) حكاه عنهما في المختلف: 172.

(10) حكاه عنهما في المختلف: 172.

(11) المحقق في المعتبر 2: 488، و الشرائع 1: 140، و العلامة في التذكرة 1: 199، و المنتهى 1: 472.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 12

بل نسبه في التحرير إلى أكثر علمائنا «1».

و يدلّ على الحكم مطلقا: الأصل، لاختصاص أدلّة وجوب الزكاة بالمكلّفين، و حديث رفع القلم «2» بضميمة أصالة عدم تعلّق التكليف بالولي.

و قد يستدلّ أيضا بقوله سبحانه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها «3»، حيث

إنّه لا يتمشّى التطهير عن الآثام في غير أهل التكليف. و فيه نظر [1].

و يدلّ على انتفاء الزكاة في مال الصبيّ مطلقا أيضا حكمهم عليهم السّلام بانتفاء الزكاة في مال اليتيم بعبارات مختلفة، كما في الصحاح الأربع:

لزرارة «4»، و محمّد بن القاسم «5»، و الحلبي «6»، و محمّد «7»، و حسنة محمّد «8»، و الموثّقات الأربع: لعمر بن أبي شعبة «9»، و أبي بصير «10»،

______________________________

[1] وجه النظر: أنه لا عموم في ضمير أموالهم لمن تجب عليه الزكاة، بل لطائفة خاصة.

______________________________

(1) التحرير 1: 57.

(2) الخصال 1: 93- 40، الوسائل 1: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.

(3) التوبة: 103.

(4) التهذيب 4: 26- 62، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 8.

(5) الكافي 3: 541- 8، الفقيه 2: 115- 495، التهذيب 4: 30- 74، الوسائل 9:

84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4.

(6) الكافي 3: 540- 1، التهذيب 4: 26- 60، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 1.

(7) التهذيب 4: 26- 61، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 7.

(8) الكافي 3: 541- 3، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1.

(9) التهذيب 4: 27- 64، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 10.

(10) الكافي 3: 541- 4، الوسائل 9: 84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 13

و يونس «1»، و سماعة «2»، و روايات السمّان «3»، و مروان «4»، و محمّد بن الفضيل «5».

و في صحيحة زرارة و بكير: «ليس في مال اليتيم

زكاة، إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم» «6»، و غير ذلك من الروايات.

و لا يضرّ التعبير فيها بلفظ اليتيم الذي هو من لا أب له، لعدم القول بالفصل بينه و بين سائر الأطفال.

و لا اشتمال بعضها على ثبوت الزكاة في ماله إذا اتّجر به، لعدم وجوبها في مال التجارة على البالغ كما يأتي، فهاهنا أولى.

و على انتفائها في مال المجنون كذلك: صحيحة البجلي «7»، و رواية موسى بن بكر «8».

و لا يظنّ اختصاصهما بالنقدين- من حيث تضمّنهما العمل و التجارة في المال- لتأتّيهما في غير النقدين أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 541- 7، التهذيب 4: 27- 66، الاستبصار 2: 29- 84، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 5.

(2) التهذيب 4: 28- 69، الاستبصار 2: 30- 87، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 5.

(3) الكافي 3: 541- 6، التهذيب 4: 27- 65، الاستبصار 2: 29- 83، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 2.

(4) التهذيب 4: 27- 63، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 9.

(5) التهذيب 4: 27- 67، الاستبصار 2: 29- 85، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 4.

(6) الفقيه 2: 9- 27، الوسائل 9: 89 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 8.

(7) الكافي 3: 542- 2، التهذيب 4: 30- 75، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1.

(8) الكافي 3: 245- 3، التهذيب 4: 30- 76، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 9، ص: 14

و على انتفائها في خصوص غلّات اليتيم: صحيحة أبي بصير: «و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة» «1».

و حملها على نفي الاستغراق بعيد جدّا، سيّما بملاحظة صدر الرواية و ذيلها.

خلافا في غير النقدين- من الغلّات و المواشي- للمحكيّ عن الشيخين «2»، و القاضي «3»، و الحلبي «4»، بل نسبه في الناصريّات إلى أكثر أصحابنا «5»، و جعله في النافع الأحوط «6»، فأوجبوا الزكاة فيها.

أمّا في غلّات الأطفال، فلصحيحة محمّد و زرارة، عن الصادقين عليهما السّلام: «ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء، و أمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «7».

و الجواب عنها: أنّها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى بموافقة العامّة، كما ذكره في المنتهى «8».

بل تدلّ عليه رواية مروان: «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم،

______________________________

(1) التهذيب 4: 29- 73، الاستبصار 2: 31- 91، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11.

(2) المفيد في المقنعة: 238، و الشيخ في النهاية: 174، و المبسوط 1: 190.

(3) المهذب 1: 168.

(4) الكافي في الفقه: 165.

(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 205.

(6) المختصر النافع: 53.

(7) الكافي 3: 541- 5، التهذيب 4: 29- 72، الاستبصار 2: 31- 90، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.

(8) المنتهى 1: 472.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 15

ليس عليه زكاة» «1».

مع أنّه مع التكافؤ يرجع إلى العمومات و الأصل، و هما مع النفي.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الوجوب بالمعنى المصطلح نظرا، لأنّ

الوجوب في اللغة: الثبوت، و المسلّم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه- لو سلّم- هو الوجوب الواقع على المكلّفين، و هو هنا واقع على الصدقة.

و أمّا في مواشيهم و مواشي المجانين و غلّاتهم، فلعموم قوله سبحانه:

فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ «2».

و عموم الأخبار المثبتة للنصب و ما يخرج منها، كقوله: «في ما سقت السماء العشر» «3».

و الجواب، أمّا عن الآية: بأنّ الضمير فيها يعود إلى ما لا يشمل الأطفال و المجانين أولا.

و بعدم دلالتها على الوجوب ثانيا.

و بعدم ثبوت كون الحقّ المعلوم الزكاة ثالثا، بل في رواية سماعة:

«الحقّ المعلوم ليس من الزكاة، هو الشي ء تخرجه من مالك، إن شئت كلّ جمعة، و إن شئت كلّ شهر» «4».

و أمّا عن عموم الأخبار: فبأنّها مسوقة لبيان النصب و العدد المخرج في ما تجب فيه الزكاة، و هو هنا أول المسألة، مع أنّه لو سلّم العمومان يجب تخصيصهما بما مرّ من الأخبار النافية للزكاة في مال اليتيم و المجنون مطلقا.

______________________________

(1) التهذيب 4: 27- 63، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 9.

(2) المعارج: 24.

(3) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.

(4) الفقيه 2: 25- 94، الوسائل 9: 51 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 16

فروع:

أ:

هل الحمل ملحق بالصبي في ما عزل له، أو لا؟

قطع في التذكرة بالأول «1»، و في الإيضاح: إنّ إجماع أصحابنا على أنّه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله، لا وجوبا و لا غيره، و إنّما تثبت وجوبا على القول به، أو استحبابا على الحقّ، بعد الانفصال «2». انتهى.

و قيل: يبنى على دخوله في مفهوم اليتيم، فإن دخل لم تجب في نصيبه

زكاة، و إلّا وجبت، لعموم مثل قوله: «في ما سقت السماء العشر»، و:

«في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم» «3»، و نحوهما.

و استقرب في البيان أنّه يراعى بالانفصال «4»، (و هو الحقّ) [1].

فلو انفصل حيّا لم تجب فيه زكاة، لانكشاف كون المال للجنين، و لذا يكون نماؤه له، و لا زكاة في ماله، إمّا لصدق اليتيم، أو للأولويّة بالنسبة إلى المنفصل، أو للإجماع المركّب.

و يؤيّده ما يدلّ بظاهره على تلازم وجوب الزكاة لوجوب الصلاة.

و إن انفصل ميّتا يعلم أنّ المال كان لغيره، و لذا يكون نماؤه له، و ينتقل إلى وارثه لو مات ذلك الغير و لو قبل سقوط الحمل، فإن كان الغير جامعا لشرائط وجوب الزكاة- التي منها التمكّن من التصرّف- وجبت الزكاة فيه، لأدلّتها، و لعموم مثل: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم».

و لا ينافيه الإجماع المنقول في الإيضاح، لأنّا أيضا نقول بعدم وجوب

______________________________

[1] ليس في «ح».

______________________________

(1) التذكرة 1: 201.

(2) إيضاح الفوائد 1: 167.

(3) الوسائل 9: 142 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 2.

(4) البيان: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 17

الزكاة قبل الانفصال.

ب:

يشترط الكمال بالبلوغ و العقل في تعلّق الزكاة بالنقدين و المواشي طول حول، فلا زكاة بعد (الكمال) [1] في ما حال حوله قبل الكمال، و لا بعد تمام الحول في ما حال بعض حوله قبله، بل يستأنف الحول من حين الكمال.

و تدلّ على الأول- بعد الإجماع- صحيحة أبي بصير السالفة «1»، فإنّ معنى «ما مضى»: ما سبق زمان تعلّق الزكاة به على زمان البلوغ، و يصدق على ما حال حوله قبل البلوغ أنّه مضى.

و كذا قوله: «فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة» بأيّ معنى أخذ يدلّ على ذلك، إذ لولاه

لكان عليه زكوات عديدة للأحوال المتعدّدة.

و على الثاني: قوله في موثّقة إسحاق بن عمّار- بعد السؤال عن الدين المقبوض- أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «2».

و في الأخرى- بعد السؤال عن ميراث الغائب- أ يزكّيه حين يقدم؟

قال: «لا، حتى يحول عليه الحول و هو عنده» «3».

و في ثالثة- بعد السؤال عن ميراث الغائب أيضا- أنّه إذا جاء هو أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتّى يحول عليه الحول و هو في يده» «4».

و في رابعة- بعد السؤال عن ثمن وصيفة إذا باعها- أ يزكّي ثمنها؟

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: كمال زمان تعلق الزكاة.

______________________________

(1) راجع ص 14.

(2) التهذيب 4: 34- 87، الاستبصار 2: 28- 79، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.

(3) الكافي 3: 527- 5، التهذيب 4: 34- 89، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3.

(4) الكافي 3: 524- 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 18

قال: «لا، حتى يحول عليه الحول و هو في يده» «1».

و في صحيحة الفضلاء الخمسة: «و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه» «2».

و في صحيحة عليّ بن يقطين: «كلّ ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة» «3».

و في حسنة زرارة و عبيد: «فلا شي ء عليه فيها حتى يحوّله مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده» «4»، إلى غير ذلك.

و لا شكّ أنّه لا يكون المال في يد الصبيّ و المجنون و لا عنده.

و يدل عليه أيضا ما يأتي من اشتراط التمكّن من التصرّف

فيه طول الحول، و هما غير متمكّنين. و كون تصرّف الولي تصرّفه و يده يده ممنوع، كما يأتي في زكاة المال الغائب.

و قد يستدلّ لذلك أيضا بصحيحة أبي بصير السابقة «5».

و في دلالتها عليه نظر، إذ صدق ما مضى على ما بقي بعض حوله غير معلوم، و حمل قوله: «حتى يدرك» على «يحول عليه الحول عنده» غير متعيّن.

و لذا تأمّل صاحب الذخيرة في هذا الحكم «6». و لكنّه لا وجه له بعد

______________________________

(1) الكافي 3: 529- 6، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 14 ح 4.

(2) الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 41- 103، الاستبصار 2: 23- 65، الوسائل 9:

121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 1.

(3) الكافي 3: 518- 8، التهذيب 4: 8- 19، الاستبصار 2: 6- 13، الوسائل 9:

169 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 15 ح 3.

(4) الكافي 3: 515- 1، التهذيب 4: 40- 102، الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلات ب 11 ح 1.

(5) في ص 14.

(6) الذخيرة: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 19

دلالة غيرها عليه.

هذا حكم النقدين و المواشي.

و أمّا الغلّات، فيشترط الكمال قبل وقت تعلق الوجوب بها، من بدو الصلاح و انعقاد الحبّ أو صدق الاسم، فلو كمل بعده لم تجب عليه زكاة و إن كان قبل الحصاد، لقوله في صحيحة أبي بصير: «فليس عليه لما مضى زكاة»، لصدق المضيّ.

و للاستصحاب، حيث إنّه لم تجب في تلك الغلّة قبل كمال ربّها زكاة، فيستصحب. و لا يندفع بإطلاقات وجوب الزكاة، لأنّه خرجت منها هذه الغلّة قبل كمال الرب، فعودها يحتاج إلى دليل.

ج:

المجنون الدوري إن بلغ دور إفاقته حولا، تجب عليه زكاة ما حال عليه ذلك الحول

إجماعا، كما أنّه لا تجب عليه زكاة ما حال عليه حول جنونه.

و لو كان بعض الحول حين إفاقته و بعضه حين جنونه، أو لم يبلغ دوره الحول مطلقا، فصرّح في التذكرة و النهاية «1» و جمع آخر من متأخّري المتأخّرين [1] بعدم وجوب الزكاة فيه، و وجوب استئناف الحول من حين الإفاقة بشرط بقائها إلى تمامه.

و استقرب في المدارك تعلّق الوجوب حال الإفاقة «2»، و استحسنه في الذخيرة «3»، لعموم الأدلّة، و عدم مانع من توجّه الخطاب إليه حينئذ.

قال في الذخيرة: إلّا أن يصدق عليه المجنون عرفا حين الإفاقة، كما

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 28، و كاشف الغطاء: 345، و صاحب الرياض 1: 262.

______________________________

(1) التذكرة 1: 201، نهاية الإحكام 2: 300.

(2) المدارك 5: 16.

(3) الذخيرة: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 20

إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.

و الحقّ هو الأول، لما مرّ من اشتراط حولان الحول عليه في يده و عنده، و ليس مال ذي الأدوار كذلك، لرفع يده عنه بالحجر حال الجنون، و عدم تمكّنه من التصرّف فيه.

و بذلك تخصّص العمومات، إلّا أن يكون زمان جنونه قليلا جدّا بحيث لا يحكم بخروج ماله عن يده، و عن كونه في ما عنده عرفا، فإنّ الظاهر عدم الالتفات إلى هذا الجنون، كمن جنّ طول الحول ساعة ثمَّ أفيق.

و منه يظهر ضعف القول الثاني، مع أنّه على فرضه لا وجه للاستثناء الذي ذكره في الذخيرة، لأنّ حال الإفاقة و إن كانت قليلة جدّا، فليس في تلك الحال مجنونا حقيقة و واقعا، و لذا تجب عليه الصلاة لو كانت بقدرها، فلا يكون مانع من تعلّق الخطاب إليه. و إطلاق المجنون عليه أعمّ من الحقيقة،

بل صحّة السلب أمارة المجاز.

هذا حكم غير الغلّات، و أمّا هي فالمعتبر فيها وقت تعلّق وجوب الزكاة، فإن كان فيه مجنونا لا تجب، و إن كان مفاقا تجب.

د:

قال في التذكرة: تجب الزكاة على الساهي و النائم و المغفّل، دون المغمى عليه، لأنّه تكليف و ليس من أهله «1».

و تنظّر فيه جمع ممّن تأخّر عنه [1]، و هو كذلك، لأنّه إن أراد المغمى عليه حال تمام الحول، ففيه:

أولا: إنّ النائم و الساهي أيضا ليسا من أهل التكليف، فالفرق غير واضح، و القياس على قضاء الصلاة- حيث لا يجب على المغمى عليه و يجب على أخويه- باطل، لأنّه من جهة النصوص، مع أنّ ذلك ليس قضاء.

______________________________

[1] كصاحبي المدارك 5: 16، و الذخيرة: 421.

______________________________

(1) التذكرة 1: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 21

و ثانيا: إنّه و إن لم يكن حينئذ من أهله، و لكنّه مكلّف بعد رفع الإغماء. و لا يلزم من عدم تكليفه في أن تمام الحول عدمه مطلقا.

و إن أراد المغمى عليه في أثناء الحول حتى ينقطع بسببه الحول و لزم استئنافه، فإن كان له وجه- كما مرّ- و تمَّ الفرق من جهة استحالة خلوّ الآدمي عن النوم و السهو طول حول، فيكون استثناؤهما ضروريّا، بخلاف الإغماء.

إلّا أنّه يرد عليه: أنّ المناط في انقطاع الحول عدم صدق كون المال في يده أو عنده عرفا، و لا شكّ أنّه (لا ينتفي) [1] الصدق بمجرّد النوم أو السهو أو الإغماء، فتشملهم أدلّة عموم وجوب الزكاة.

نعم، لو فرض حصول الإغماء مدّة مديدة، كشهر أو شهرين، بحيث ينتفي الصدق المذكور عرفا، نسلّم انقطاع الحول، بل و كذا النوم و السهو لو لا الإجماع على خلافه فيهما.

و قد يجاب عن

الاستناد إلى انقطاع الحول بمنعه، لأنّ هذه الأمور من موانع التكليف، و الموجب لانقطاع الحول انتفاء شرط التكليف. و فيه نظر ظاهر.

ه:

المشهور عند النافين لوجوب الزكاة على الطفل و المجنون في الزرع و الضرع استحباب إخراجها لوليهما فيهما.

و منهم من خصّ الاستحباب بزرع الأطفال، و نفاه عن مواشيهم و مواشي المجانين و زرعهم «1».

و عن الحلّي: نفي الاستحباب مطلقا «2».

______________________________

[1] في «س»: ينبغي.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 22.

(2) السرائر 1: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 22

دليل القائلين بالاستحباب مطلقا: التفصّي عن خلاف الموجبين، و صحيحة زرارة و محمّد المتقدّمة «1».

و يضعف الأول: بأنّ فيه دخولا في خلاف المحرّم، و التفصّي عنه أيضا احتياط.

و الثاني: بأنّه إنّما يتمّ لو ردّت دلالة الصحيحة بقصورها عن إفادة الوجوب، و أمّا بعد ردّها بالمرجوحيّة بموافقة العامّة فلا تبقى دلالة فيها على الاستحباب.

و دليل من خصّه بزرع الطفل: اختصاص الصحيحة به، و خلوّ غيره عن المستند.

و حجّة الحلّي: ضعف الاستناد إلى الصحيحة بما مرّ، أو عدم حجّية الآحاد، و عدم مستند آخر للزرع و لا لغيره.

أقول: لمّا ثبت التسامح في أدلّة السنن و لو بالتعويل على مجرّد فتوى الفقهاء، فيمكن الاستناد في الاستحباب في الجميع بفتاوى القائلين بالوجوب و الاستحباب، فالأقرب هو القول المشهور.

و:

تستحبّ الزكاة في مال الصبيّ و المجنون إذا اتّجر به لهما، وفاقا للأكثر، بل عن المعتبر و المنتهى و الغنية و نهاية الإحكام: إجماع علمائنا عليه «2».

و ظاهر المقنعة الوجوب «3»، إلّا أنّ في التهذيب حمل كلامه على الاستحباب، استنادا إلى انتفاء الوجوب عنده في مال التجارة للكامل، فغيره

______________________________

(1) في ص: 14.

(2) المعتبر 2: 487، و المنتهى 1: 472، و الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و

نهاية الإحكام 2: 299.

(3) المقنعة: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 23

أولى «1».

و عن الحلّي: نفي الوجوب و الاستحباب «2»، و مال إليه بعض المتأخّرين [1].

لنا على نفي الوجوب: الأخبار المتقدّمة النافية للزكاة عن مال اليتيم و المجنون «3»، و الآتية النافية لها عن مال [التجارة] [2] مطلقا «4».

و على الاستحباب: الإجماعات المحكيّة، و المعتبرة المستفيضة المتقدّمة إليها الإشارة، كصحيحتي الحلبي، و زرارة و بكير، و حسنة محمّد، و موثّقتي ابن أبي شعبة، و يونس، و رواية السمّان «5».

و رواية أبي العطارد: مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ قال: «إذا حرّكته فعليك زكاته» «6».

و قويّة محمّد بن الفضيل: عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل تجب على مالهم زكاة؟ فقال: «لا تجب في مالهم زكاة حتّى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأمّا إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه» «7»، كلّ ذلك في الأطفال.

و تدلّ عليه في المجنون: صحيحة البجلي، و رواية موسى بن بكر

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 18.

[2] أضفناها لاقتضاء السياق.

______________________________

(1) التهذيب 4: 27.

(2) السرائر 1: 441.

(3) راجع ص 12 و 13.

(4) في ص 241.

(5) في ص 12 و 13.

(6) الكافي 3: 540- 2، التهذيب 4: 28- 68، الاستبصار 2: 29- 86، الوسائل 9:

88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 3.

(7) تقدمت مصادرها في ص 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 24

المتقدّمة إليها الإشارة «1».

و مقتضى بعض تلك الأخبار صريحا و بعضها ظاهرا و إن كان الوجوب، إلّا أنّ ما سيأتي من الأخبار النافية لوجوبها في مال التجارة مطلقا، أو للبالغ العاقل، أوجب حملها على الاستحباب.

دليل النافي للوجوب [و الاستحباب ] [1]: قصور الروايات دلالة، من جهة

ظهورها في الوجوب المنفيّ هنا، و من جهة دلالة بعض النصوص أنّ الحكم في هذه الروايات وارد مورد التقيّة، فلا يكون دليلا على الاستحباب.

و يردّ بعدم دلالة بعضها على الوجوب، و عدم ضير انتفاء الوجوب في ما دلّ عليه في ثبوت مطلق الرجحان، و عدم ثبوت الورود مورد التقيّة كما يأتي.

مع أنّه على فرض تسليم الجميع تكفي الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة في إثبات الاستحباب.

الشرط الثالث: الحرّية.

فلا تجب زكاة على المملوك.

أمّا على القول بعدم تملّكه شيئا فبلا خلاف، كما صرّح به جماعة [2].

و وجهه ظاهر.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا»، قلت له: فعلى سيّده؟ قال: «لا، لأنّه لم يصل إلى سيّده، و ليس هو للمملوك» «2».

______________________________

[1] أضفناها لاقتضاء الكلام.

[2] كالعلّامة في التذكرة 1: 201، و صاحبي الحدائق 12: 28، و الرياض 1: 262.

______________________________

(1) في ص 13.

(2) الكافي 3: 542- 5، الفقيه 2: 19- 63، علل الشرائع: 372- 1، الوسائل 9: 92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 25

و أمّا على القول بتملّكه شيئا، فعلى الأقوى الأشهر، بل عن الخلاف، و التذكرة الإجماع عليه «1»، لصحيحة أبي البختري: «ليس في مال المكاتب زكاة» «2»، و نفيها عن المكاتب يقتضي نفيها عن غيره بطريق أولى.

و صحيحة ابن سنان: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان ألف ألف، و لو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شي ء» «3».

و الأخرى: سأله رجل- و أنا حاضر- عن مال المملوك أ عليه زكاة؟

فقال: «لا، و لو كان له ألف ألف درهم» «4».

خلافا للمحكيّ عن المعتبر و المنتهى «5» فأوجباها حينئذ، لأنّه مالك،

و له التصرّف فيه كيف شاء.

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ.

و مقتضى إطلاق هذه الأخبار و فتاوى الأخبار عدم الفرق في الحكم بين ما لو أذن السيّد له في التصرّف مطلقا أو في أداء الزكاة أم لا، وفاقا للشرائع و الدروس و البيان «6» و غيرها «7».

و يحكى قول بالتقييد بعدم الإذن «8»، لارتفاع الحجر بالإذن، و للمرويّ عن قرب الإسناد: «ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه» «9».

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 41، و التذكرة 1: 201.

(2) الكافي 3: 542- 4، الوسائل 9: 92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 5.

(3) الكافي 3: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

(4) الفقيه 2: 19- 62، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 3.

(5) المعتبر 2: 489، و المنتهى 1: 472.

(6) الشرائع 1: 140، و الدروس 1: 230، و البيان: 277.

(7) كما في الرياض 1: 263.

(8) حكاه في الحدائق 12: 28.

(9) قرب الإسناد: 228- 893، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 26

و الجواب عن الأول: بأنّه يتمّ لو كان سبب انتفاء الوجوب عنه الحجر، و ليس كذلك.

و عن الثاني: بضعف السند الخالي عن الجابر أولا، و بضعف الدلالة ثانيا، لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد.

و كما لا تجب الزكاة على المملوك على القول بتملّكه، كذلك لا تجب زكاة هذا المال على سيّده أيضا، كما نصّ به في المنتهى و البيان «1»، للأصل، و لأنّه غير مالك و لا تجب على أحد زكاة مال غيره.

و عن ظاهر التحرير و القواعد: وجوبها

على المولى «2»، لأنّه مال مملوك لأحدهما فلا تسقط الزكاة عنهما معا، و لأنّه مال مستجمع لشرائط وجوب الزكاة، فإذا لم تجب على العبد وجبت على المولى.

و فسادهما في غاية الظهور.

و على القول بعدم تملّك العبد، فهل تجب الزكاة على سيده في ما تركه السيّد في يد المملوك لانتفاعه، أم لا؟

قيل: نعم [1]، لأنّه مال مستجمع لجميع شرائط وجوب الزكاة.

و قيل: لا [2]، لأنّه غير متمكّن من التصرّف فيه.

و فيه: أنّه أخصّ من المدّعى، لإمكان تمكّنه من التصرّف.

و أمّا تنزيله على عدم التمكّن من جهة المروءة و الوفاء بالعهد فغير مفيد، لأنّهما لا ينفيان جواز التصرّف.

نعم، يمكن أن يستدلّ على نفي الزكاة عليه بصحيحة ابن سنان

______________________________

[1] قال به العلّامة في المنتهى 1: 473.

[2] قال به المحقق في المعتبر 2: 489.

______________________________

(1) المنتهى 1: 473، و البيان: 277.

(2) التحرير 1: 57، و القواعد 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 27

الأولى «1»، حيث صرّحت بعدم وجوب الزكاة على السيّد.

و لا يوجب التعليل المذكور فيها تخصيص الانتفاء بصورة عدم تمكّن السيّد من التصرّف ببعده عن المملوك أو جهله، لجواز أن يكون المعنى:

لأنّه لم يفد وصوله لسيّده، و لا ينتفع هو به، حيث تركه للمملوك، فيجري التعليل في جميع الصور.

بل هذا المعنى هو الظاهر من هذه العبارة في هذا المقام.

فرع: لو قلنا بعدم ملكيّة المملوك شيئا فلا شكّ في اشتراط الحرّية في وجوب الزكاة على أنعامه و أثمانه على طول حوله.

و وجهه ظاهر ممّا يأتي من اشتراط الملكيّة في الحول.

و إن قلنا بملكيّته فكذلك لو لم يكن مأذونا في التصرّف، لما يأتي أيضا من اشتراط التمكّن من التصرّف طول الحول.

و إن كان مأذونا فيه متمكّنا فأعتق في أثناء

الحول ففيه إشكال.

و الظاهر البناء على الحول السابق إلّا أن يثبت الإجماع على خلافه.

الشرط الرابع: الملكيّة.

فلا زكاة على أحد في غير ما يملكه، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المعتبر و المنتهى و الذخيرة «2»، و غيرها.

و يدلّ عليه- مع الإجماع- الأصل، إذ لم يثبت من أدلّة وجوب الزكاة وجوبها في غير ما يملك، و لا عموم فيها من هذه الجهة حتى يحتاج إلى التخصيص بإجماع أو غيره.

و بعض الأخبار، كمكاتبة عليّ بن مهزيار، و فيها: فكتب: «لا تجب

______________________________

(1) المتقدمة في ص 25.

(2) المعتبر 2: 490، و المنتهى 1: 475، و الذخيرة: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 28

عليه الزكاة إلّا في ماله» «1».

و في صحيحه الكناني: «إنّما الزكاة على صاحب المال» «2».

و لا إشكال في ذلك و لا كلام، و إنّما الكلام في ما اشترطه جماعة- منهم: المحقّق في الشرائع «3» و الفاضل في جملة من كتبه «4» و الشهيد في البيان «5» و غيرهم [1]- من تمام الملكيّة.

و الكلام تارة في المراد منه، و الأخرى في اشتراطه و عدمه ..

أمّا الأول: فالذي يومئ إليه كلام المعتبر «6»- على ما حكاه في المدارك «7» و غيره «8»- أنّ المراد منه الشرط الآتي، و هو التمكّن من التصرّف بالمعنى الآتي.

و به صرّح في البيان، قال في تعداد الشرائط: من كون الملك تاما، و نقصه بمنعه من التصرّف، و الموانع ثلاثة. فعدّ الوقف و الغصب و الغيبة «9».

و احتمل في المدارك و الذخيرة أن يكون المراد منه تماميّة السبب المقتضي للملك، و جوّزا أن يكون مرادهم عدم تزلزل الملك، و نقلاه عن بعضهم «10».

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 51.

______________________________

(1) الكافي 3: 521- 11، الوسائل 9: 104

أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 2.

(2) الكافي 3: 521- 12، الوسائل 9: 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 2.

(3) الشرائع 1: 141.

(4) التذكرة 1: 201، و القواعد 1: 51.

(5) البيان: 278.

(6) المعتبر 2: 490.

(7) المدارك 5: 26.

(8) كما في الذخيرة: 423.

(9) البيان: 278.

(10) المدارك 5: 26، و الذخيرة: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 29

و صرّح باشتراطه بهذا المعنى بعض مشايخنا المحقّقين [1]، و لكن خصّه بالتزلزل الموجب لنقص الملك لا مطلقا، و مثّل للأول بخيار البائع، و للذي لا يوجبه بخيار المشتري.

و جعله بعض مشايخنا الأعمّ من التزلزل و من غيره ممّا يوجب نقصا في الملكيّة، باعتبار عدم التمكّن من جميع التصرّفات فيه، من جهة ضعف الملكيّة و قصور فيها، لا من جهة العوارض الخارجيّة كالغصب و الغيبة، و مثّل له بالمنذور صدقة بعينه، و بالوقف على البطون، و بالغنيمة قبل القسمة و نحوها.

و اعترض على إرادة بعض هذه المعاني بمنافاته لبعض تعريفاتهم، و على إرادة بعض آخر بعدم خروجه عن بعض الشروط الأخر.

و لا اهتمام كثيرا بتعيين مرادهم منه، و إنّما المهمّ بيان اشتراطه و عدمه بأيّ معنى أخذ.

فنقول: لا شكّ في اشتراطه بالمعنى الأول، لما يأتي من اشتراط التمكّن من التصرّف.

و لا بالمعنى الثاني، لأنّ الملكيّة المعتبرة قطعا تتوقّف عليه.

و يتفرّع عليه أنّه لا يجري الموصى به في الحول إلّا بعد حصول القبول عن الموصى له و بعد وفاة الموصي.

و أمّا المعنى الثالث- و هو عدم كونه متزلزلا- فقد عرفت أنّ منهم من قال باشتراطه.

و يمكن أن يستدلّ له بوجوه:

منها: الإجماع المنقول في التذكرة «1».

______________________________

[1] المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) التذكرة 1: 201.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 30

و منها: ما قيل من أن التزلزل ينافي التمكّن من التصرّف [1]، فإنّ التمكّن من التصرّف ربّما ينتفي من جهة عدم تماميّة الملك، و ربّما ينتفي مع تماميّته.

فالأول مثل: المبيع في زمن الخيار للبائع، و الموهوب قبل القبض، و الغنيمة قبل القسمة، و المنذور بصدقة في أثناء الحول.

و الثاني مثل: المال المفقود و المغصوب و الغائب. و هذا القسم هو مرادهم في الشرط الآتي.

و الأول هو المراد عند اشتراط تماميّة الملك، حيث إنّ الملك ما دام ناقصا متزلزلا لا يجوز لمالكه التصرّف فيه، فلا يجوز له نقله إلى غيره ببيع أو غيره من النواقل، و لا إعطاؤه للغير بعنوان الزكاة.

و قد صرّح بعدم نقله جماعة، منهم: الفاضل الهندي، و صاحب الذخيرة «1»، و بعض مشايخنا المحقّقين [2]، بل هو ادّعى عليه البداهة، و نقل عن المدارك أيضا «2».

فلا يجب عليه إعطاء الزكاة من هذا المال، لأنّه تصرّف فيه، و لا من غيره، إذ لا معنى لوجوب زكاة مال على غير ذلك المال، مع أنّ الزكاة تتعلّق بالأعيان.

و منها: أنّه لا شكّ في اعتبار الملكيّة و الماليّة، كما ثبت بالإجماع، و دلّت عليه الأخبار، كالمكاتبة و الصحيحة المتقدّمتين «3»، و المتبادر من الملكيّة: التامّة.

______________________________

[1] قال به السبزواري في الذخيرة: 423.

[2] المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) الذخيرة: 424.

(2) المدارك 5: 37.

(3) في ص 27، 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 31

أقول: يرد على الأول- مع عدم حجّية الإجماع المنقول- عدم تعيّن إرادته الإجماع على اشتراط هذا المعنى من تماميّة الملك، فلعلّه أراد أحد المعاني الأخر.

كما أنّ الشهيد أطلق في البيان اشتراط التمكّن من التصرّف، و حصر المانع منه في الثلاثة

المذكورة، و عدّ خيار البائع ممّا جعله بعضهم مانعا، و ليس بمانع «1».

و على الثاني: أنّه لو سلّم عدم تمكّن المالك من جميع التصرّفات أولا فإنّه مختلف فيه، و قد جوّز نقل المبيع في زمن الخيار بعض متأخّري المتأخّرين، فمن أين يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من هذا النوع من التصرّفات؟ و ما الدليل عليه؟ و لا يثبت ممّا سيأتي اشتراط التمكّن من جميع أنحاء التصرّفات.

فإن قلت: إعطاء الزكاة نقل الملك إلى الفقير، فإذا لم يتمكّن المشتري- مثلا- من نقل الملك فكيف يجوز له إعطاء الزكاة؟! قلت: لا نسلّم أنّ إعطاء الزكاة نقل المالك الملك إلى الفقير، و إنّما هو تعيين لمال الفقير، و الناقل في الزكاة هو اللّه سبحانه، فهو بالإعطاء يعيّن ما نقله اللّه إلى الفقير.

و لذا قال في الذخيرة- مع منعه من تصرّف المتّهب في الموهوب قبل القبض ببيع و نحوه-: لو رجع الواهب بعد وجوب الزكاة و قبل أدائها، فالظاهر تقديم حقّ الفقراء، لتعلّقه بالعين و لا يضمنه المتّهب «2». انتهى.

فإنّ التعلّق بالعين لم يحصل من جهة المتّهب، بل من جهة اللّه سبحانه.

______________________________

(1) البيان: 278 و 279.

(2) الذخيرة: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 32

و على الثالث: المنع من تبادر الملكيّة التامّة بهذا المعنى- أي عدم كونه متزلزلا- فإنّ من البديهيّات أنّه يقال في العرف: إنّ الحيوان قبل انقضاء الثلاثة مال المشتري و ملك له، و كذا ما للبائع خيار الغبن فيه أو خيار تأخير الثمن، و كذا الموهوب قبل القبض.

و من ذلك ظهر أنّ الحقّ عدم اشتراط تماميّة الملكيّة بذلك المعنى، أي عدم التزلزل.

و أمّا بالمعنى الرابع [1]، فقد عرفت الحال في أحد قسميه، و هو ما كان ضعف

الملكيّة و قصورها باعتبار التزلزل.

و أمّا القسم الآخر، فالظاهر أنّه لا يضبطه عنوان خاصّ، و لذا ترى بعضهم يدرج الوقف و المنذور و الغنيمة تحت ما لا يمكن التصرّف فيه [2]، و بعض آخر يعنون كلا منها على حدة.

و لك أن تضبطه ب: ما ثبت من الشرع وجوب صرف عينه في مصرف معيّن، أو ثبت منه بخصوصه عدم جواز نقل عينه، لا من المالك، و لا من غيره.

و بالجملة: فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب الزكاة في ذلك القسم، لأنّه ليس ملكا له عرفا، بل يقال لمن نذر إعطاء شي ء معيّن للفقير:

أنّه أخرجه من ملكه، و كذا الوقف الخاص، و كذا الغنيمة قبل القسمة، و لا يتبادر من المال و الملك شي ء منها.

مع أنّه تتعارض عمومات وجوب الزكاة مع عمومات عدم جواز التصرّف فيها أو عدم جواز صرف عينها في غير مصرف معيّن، فيبقى أصل

______________________________

[1] و هو كون المراد بتمامية الملكية الأعم من التزلزل و غيره المتقدمة الإشارة إليه في ص 29.

[2] كالشهيد في الروضة 2: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 33

عدم وجوب الزكاة بلا معارض.

و لعلّه يأتي الكلام في بعض أفراد ذلك القسم أيضا.

ثمَّ بعد ما ذكرنا من عدم اشتراط تماميّة الملك- بمعنى: عدم التزلزل في تعلّق وجوب الزكاة- لا يبقى مجال للكلام في أنّه هل يشترط حولان الحول من حين الملكيّة أو من حين انتفاء التزلزل.

نعم، لو قلنا باشتراطها لزم الكلام في ذلك أيضا.

و كذا لا يبقى مجال للكلام في ذلك في القسم الثاني من قسمي عدم تماميّة الملك، بعد ما عرفت من عدم تعلّق وجوب الزكاة به.

فرع: المشروط: الملكيّة طول الحول فيما يشترط فيه الحول، بالإجماع، و لأنّه المراد من

حولان الحول، لا حولانه على وجوده.

و تدلّ عليه جميع الأخبار المتقدّمة، المصرّحة باشتراط حولان الحول عليه عند ربّه و في يده «1».

الشرط الخامس: التمكّن من التصرّف.
اشاره

و اشتراطه مقطوع به في كلام كثير من الأصحاب. و في الحدائق:

و هو ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم «2». و في المدارك و غيره: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «3». بل عليه الإجماع عن السرائر و التذكرة و الغنية و في المنتهى «4».

و استدلّ له- بعد الإجماع المنقول- بأنّه لو وجبت الزكاة مع عدم التمكّن من التصرّف عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غيره، و هو

______________________________

(1) راجع ص 17 و 18.

(2) الحدائق 12: 31.

(3) المدارك 5: 32، و الرياض 1: 263.

(4) السرائر 1: 432، و التذكرة 1: 201، و الغنية (الجوامع الفقهية): 567، و المنتهى 1: 475.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 34

معلوم البطلان، لأنّ الزكاة إنّما تجب في العين.

و بالمستفيضة من الأخبار، كالموثّقات الأربع، و صحيحتي الفضلاء و عليّ بن يقطين، المتقدّمة في الفرع الثاني من الشرط الأول «1».

و الواردة في سقوط الزكاة عن المال الغائب، كصحيحة ابن سنان: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» «2».

و موثّقة إسحاق: رجل خلّف عند أهله نفقة، ألفين لسنتين، عليها زكاة؟ فقال: «إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة» «3»، و قريبة من مضمونها مرسلة ابن أبي عمير «4» و موثّقة أبي بصير «5».

و صحيحة رفاعة: عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمَّ يأتيه فلا يرد رأس المال، كم يزكّيه؟ قال: «سنة واحدة» «6».

و موثّقة زرارة: في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال:

«فلا زكاة عليه

حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» «7».

و حسنة سدير: في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا

______________________________

(1) راجع ص 17 و 18.

(2) التهذيب 4: 31- 78، الوسائل 9: 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 6.

(3) الكافي 3: 544- 1، التهذيب 4: 99- 279، الوسائل 9: 172 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 1.

(4) الكافي 3: 544- 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 2.

(5) الكافي 3: 544- 3، الفقيه 2: 15- 43، التهذيب 4: 99- 280، الوسائل 9:

173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 3.

(6) الكافي 3: 519- 2، التهذيب 4: 31- 79، الاستبصار 2: 28- 82، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4.

(7) التهذيب 4: 31- 77، الاستبصار 2: 28- 81، الوسائل 9: 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 35

حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمَّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كلّه فوقع على المال بعينه، كيف يزكيه؟ قال: «يزكّيه لسنة واحدة؛ لأنّه كان غائبا عنه، و إن كان احتبسه» «1».

و ما ورد في سقوط الزكاة عن الدين أو الوديعة الذي لا يقدر على أخذه أو لا يصل إليه، كرواية عمر بن يزيد: «ليس في الدين زكاة، إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره، فإذا كان لا يقدر

على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» «2».

و رواية عبد العزيز: «كلّ دين يدعه هو، إذا أراد أخذه، فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة» «3».

و صحيحة الخراساني: الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما، ثمَّ يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟ قال: «إذا أخذهما ثمَّ يحول عليه الحول يزكّي» «4».

و منهم من لم يذكر هذا الشرط، بل ذكر سقوط الزكاة في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة، و لم يذكر القاعدة الكلّية، كالشيخ في الخلاف و الفاضل في الإرشاد «5»، و غيرهما [1].

______________________________

[1] كصاحب الذخيرة: 42.

______________________________

(1) الكافي 3: 519- 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.

(2) الكافي 3: 519- 3، التهذيب 4: 32- 81، الوسائل 9: 97 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 7.

(3) التهذيب 4: 32- 82، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 5.

(4) التهذيب 4: 34- 88، الاستبصار 2: 28- 80، الوسائل 9: 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1.

(5) الخلاف 2: 31، و الإرشاد 1: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 36

و اعترض على اشتراط القاعدة الكلّية بوجهين:

أحدهما: أنّ العمدة في اعتبارها الروايات، و هي إنّما تدلّ على سقوط الزكاة في المال الغائب- الذي لا يقدر مالكه على أخذه- لا على اعتبار التمكّن من التصرّف «1».

و ثانيهما: أنّه إن أريد به التمكّن من التصرّف من جميع الوجوه، يخرج المملوك في زمن خيار البائع، و مال المريض إذا حجرنا عليه في ما زاد من الثلث، و المحجور عليه لردّة أو سفه أو فلس.

و إن أريد

التمكّن في الجملة، ورد تحقّقه في الغائب و المغصوب و نحوهما، إذ يجوز بيعها ممّن يتمكّن من استخلاصها، و يجوز هبة المغصوب لغاصبه، و نحو ذلك «2».

و أجيب عن الأول: بأنّه مع أنّ الإجماع المنقول و الدليل المذكور بعده يثبت القاعدة، أنّ كلّ واحد من الأخبار و إن كان أخصّ من المدّعى إلّا أنّ ضمّ بعضها مع بعض يفيد القاعدة من باب الاستقراء.

مع أنّ الموثّقات الأربع و الصحيحة التي بعدها غير مختصّة بالمال الغائب، بل تدلّ على سقوط الزكاة عن كلّ ما ليس في يد المالك أو عنده.

و صحيحة ابن سنان متضمّنة لحكم الدين أيضا «3».

و حسنة سدير لحكم المال المفقود، بل المستفاد من الروايات الثلاثة الأخيرة اقتضاء عدم القدرة على الأخذ مطلقا لسقوط الزكاة.

أقول: أمّا الإجماع المنقول فقد عرفت عدم حجّيته مرارا، مع أنّ مراد

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 33.

(2) كما في الذخيرة: 423.

(3) تقدّمت في ص 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 37

المدّعي له من التمكّن من التصرّف لا يخلو عن إجمال.

و أمّا الدليل الذي بعده ففيه: أنّ غاية ما يدلّ عليه- لو سلّم- عدم التكليف بالإخراج حال عدم التمكّن لا مطلقا.

و أمّا الأخبار و إن لم تكن مخصوصة بالمال الغائب، و لكن لا يستفاد منها أكثر من اشتراط القدرة على الأخذ كلّما شاء، و كون المال عنده و في يده عرفا.

أمّا التمكّن من مطلق التصرّف من نقل الملك و نحوه فلا، فلا يثبت الحكم في مثل الوقف و المنذور صدقة و نحوهما.

فإن أرادوا بالتمكّن من التصرّف هذا المعنى، فهو صحيح ثابت بالأخبار، و إن أرادوا الزائد عنه، فلا دليل عليه، بل لا يعلم إرادة المدّعي للإجماع معنى زائدا على الأول.

و من

ذلك يظهر الجواب عن الثاني أيضا، فيقال: إنّ المراد من التمكّن من التصرّف كونه في يده عرفا، أو قادرا على أخذه كلّما شاء، و وضعه أينما أراد، فلا يرد النقض بالمملوك في زمن الخيار و ما عطف عليه، و لا بالغائب و المغصوب و نحوهما.

و لا حاجة إلى ما أجاب به الفاضل الهندي، حيث قال: و لعلّه يندفع بأنّهم إنّما أرادوا به ما يرفعه الأسباب التي ذكروها خاصّة، لأنّ في ذلك ردّا للقاعدة و تخصيصا ببعض الأفراد. فتأمّل.

ثمَّ مقتضى الأخبار المذكورة- بل كثير من الإجماعات المنقولة و فتاوي الأصحاب- اشتراط جريان الحول- فيما يعتبر فيه الحول- على هذا الشرط، و لا يكفي مجرّد تحقّقه حال تعلّق الوجوب.

و هو كذلك، لما ذكر، و به يقيّد بعض الإطلاقات، كصحيحة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 38

ابن سنان المتقدّمة «1» المقتضية بإطلاق مفهوم الغاية لوجوب الزكاة حين الوقوع على اليد مطلقا.

فرعان:

أ:

قد عرفت اشتراط التمكّن من الأخذ، و سيجي ء في كلّ من الأجناس الزكويّة اشتراط ملكيّة النصاب أيضا، فهل يشترط التمكّن من التصرّف في النصاب، أو يشترط التمكّن من التصرّف و النصاب مطلقا سواء تمكّن من التصرّف في مجموعه أم لا؟

و تظهر الفائدة فيما لو ملك النصاب و خصّ التمكّن من التصرّف بما دونه، كأن يكون له عشرون دينارا، و كانت عشرة منها غائبة و عشرة بيده، أو أربعون شاة، و كانت عشرون منها غائبة أو مغصوبة و عشرون بيده، أو كان له ألف منّ زرعا و غصب غير مائة منّ منه، أو غصب المجموع و عادت مائة منّ، فإنّه لا شكّ في عدم وجوب قدر الحصّة من زكاة الغائب أو المغصوب، إذ لا زكاة فيه بالأخبار.

و هل

يجب قدر الحصّة من زكاة ما يتمكّن من أخذه، لاستجماعه الشرائط من القدرة على الأخذ و ملكيّة النصاب؟

أو لا يجب، لعدم استجماعه الشرائط، التي منها: القدرة على أخذ النصاب؟

الظاهر: الأول، إذ لم يثبت من أخبار اشتراط القدرة الزائد على عدم وجوب الزكاة فيما لا يقدر، و أمّا عدم وجوبه في غيره فلا، و لم يثبت من أدلّة النصاب سوى اشتراط تملّكه.

فإنّ مثل قوله: «في أربعين شاة شاة» أو: «ما بلغ خمسة أوسق ففيه

______________________________

(1) في ص 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 39

العشر» أو: «لا يجب في أقلّ من أربعين أو خمسة أوسق» و نحو ذلك، مطلق، فمقتضاه ثبوت الشاة و العشر في كلّ أربعين شاة و خمسة أوساق.

و لكن قيّد ذلك بالأربعين و الخمسة المملوكتين لشخص واحد مع الشرائط الثابتة كالسوم و الزرع، و أمّا تقييدهما بالتمكّن من التصرّف في جميعهما فلا دليل عليه.

ب:

اشتراط تعلّق الزكاة بالأجناس الزكويّة بالتمكّن من التصرّف، و سقوط الزكاة عنها- لما مضى- بدونه (مطلقا) [1]، إنّما هو فيما يعتبر فيه الحول.

و أمّا غيره من الغلّات فلا، لاختصاص جميع الأخبار الموجبة لاشتراط التمكّن من التصرّف بما يعتبر فيه الحول.

نعم، إذا كانت الغلّة ممنوعة من التصرّف فيها، أو غائبة، لا يجب على المالك الإخراج حين عدم التمكّن و الغيبة، لأنّه تكليف بما لا يطاق، و أمّا بعد وصولها إلى يده تجب زكاتها لما مضى، كما تدلّ عليه صحيحة ابن سنان المتقدّمة «1».

و سيجي ء بيان ذلك أيضا في بيان حكم المغصوب.

[عدم وجوب الزكاة على أموال ]
اشاره

و إذا عرفت اشتراط التمكّن من التصرّف- بالمعنى الذي ذكرناه- يتفرّع عليها عدم وجوب الزكاة على أموال:

منها: المال الغائب عن مالكه،
اشاره

و هو اتّفاقي، و نقل الإجماع عليه متكرّر «2»، و الأخبار به ناطقة كما مرّ.

و هل الموجب لسقوط الزكاة هو الغيبة مطلقا، كما نفى عنه البعد في

______________________________

[1] ليست في «س».

______________________________

(1) في ص 34.

(2) كما في المنتهى 1: 475، و الذخيرة. 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 40

الذخيرة «1»، و هو ظاهر إطلاق الإرشاد و الشرائع «2»، للأصل، و عموم كثير من الأخبار السالفة، كالموثّقات الأربع و صحيحتي الفضلاء و عليّ و غيرها «3»؟

أو الغيبة المقيّدة بعدم القدرة على التصرّف، حتى لو كان متمكّنا من إحضار المال أو إيصاله إلى وكيله متى شاء لم يسقط، كما في الخلاف و النهاية و النافع و التحرير و نهاية الإحكام «4»، بل عن الخلاف: عدم الخلاف فيه؟

الحقّ: هو الثاني، لأن أكثر الأخبار و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ موثقّة زرارة «5»- المعتبرة بنفسها، المنجبرة بالشهرة- مقيّدة، فيها تقيّد المطلقات.

و القول- بأنّ قوله فيها: «فعليه الزكاة» ليس صريحا في الوجوب- ضعيف.

فروع:

أ:

المصرّح به في المعتبر و الشرائع و الإرشاد و البيان «6» و غيرها «7»:

أنّ يد الوكيل يد المالك، و تمكّنه تمكّنه، و كذا الولي. و لم يذكر بعضهم الوكيل و لا الولي، كما في النافع «8».

______________________________

(1) الذخيرة: 424.

(2) الإرشاد 1: 278، و الشرائع 1: 141.

(3) راجع ص 17، 18.

(4) الخلاف 2: 111، و النهاية: 175، و المختصر النافع: 53، و التحرير 1: 58، و نهاية الإحكام 2: 304.

(5) المتقدمة في ص 34.

(6) المعتبر 2: 490، و الشرائع 1: 142، و الإرشاد 1: 278، و البيان: 279.

(7) كالدروس 1: 230، و مجمع الفائدة و البرهان 4: 23.

(8) المختصر النافع: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 41

و مقتضى إطلاق

الأخبار السقوط إذا لم يتمكّن المالك من الأخذ و إن كان في يد وكيله أو وليّه، إذا لم يتمكّن من الأخذ من الوكيل لبعده و عدم وصول اليد إليه، أو انقطاع خبره، أو عدم علمه بوصول المال إلى الوكيل.

بل مقتضى عموم موثّقة إسحاق- الحاصل بترك الاستفصال- السقوط إن كان في يد الولي، حيث إنّه بعد السؤال عن رجل مات و بعض ولده غائب، و أنّه كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه، قال: «يعزل حتى يجي ء» قلت: فعلى ماله زكاة؟ فقال: «لا، حتى يجي ء»، قلت: فإذا جاء هو أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «1».

فإنّه أعمّ من أن يكون المعزول في يد وليّ الغائب، و من أن يكون الولد صغيرا و يعزل في يد وليّه.

بل في موثّقته الأخرى- المتقدّمة في صدر هذا الشرط «2»- تصريح به، حيث قال: رجل خلّف عند أهله نفقة سنتين، فإنّ الأهل يكون حينئذ وكيلا في ضبطه مع أنّه أسقط الزكاة عنه. و كذا مرسلة ابن أبي عمير، و موثّقة أبي بصير «3».

فالتحقيق: أنّ المناط تمكّن المالك بنفسه، إلّا أن يثبت الإجماع على قيام يد الوكيل مقام يده، و هو عندي غير ثابت.

ب:

المرجع في الغيبة، و عدم القدرة على الأخذ، و عدم الكون في اليد، هو العرف، مثلا: إذا كان له داران بينهما فرسخ أو فرسخان، و كان هو في دار و المال في أخرى، فلا شكّ أنّه غائب عنه حينئذ و لا يقدر على الأخذ في تلك الساعة، و لكن نحو ذلك لا يضرّ في الصدق العرفي، و لا يقال لمثل ذلك: إنّه غائب، و إنّه على الأخذ غير قادر، و إنّه ليس في يده.

______________________________

(1) الكافي 3:

524- 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2.

(2) راجع ص 34، 35.

(3) راجع ص 34، 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 42

فالمناط في الصدق هو العرف، و كذلك في الضالّ و المفقود.

و ربّما يتفاوت ذلك فيما قبل الحول و في أثنائه، فإنّه لو ورث مالا و كان غائبا و حضر بعد يوم، يبتدئ الحول من ذلك اليوم الذي قدم، بخلاف ما لو غاب عن ماله في أثناء الحول يوما، فإنّه لا ينقطع به الحول، و الفارق العرف.

ج:

قد صرّح جماعة- منهم: المحقّق في الشرائع و النافع «1» و الفاضل في المنتهى و الإرشاد «2» و غيرهما [1]-: أنّه لو مضت على الغائب و المفقود أعوام ثمَّ عاد استحبّت زكاة سنة واحدة، و عن المنتهى: الإجماع عليه، و في المدارك: إنّه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا «3»، لموثّقة زرارة، و صحيحة رفاعة، و حسنة سدير، المتقدّمة «4».

و في المنتهى أطلق استحباب زكاة سنة، و لم يقيّد بمضيّ السنين، و مال إليه في الذخيرة «5». و هو الأظهر، للإطلاق في الموثّقة.

و قيل: في إطلاقها نظر، لظهورها في مضيّ السنين، كما يظهر من آخرها. و فيه منع ظاهر.

و ألفاظ الأخبار جمل خبريّة، فلا تفيد أزيد من الرجحان، فالقول بإفادتها الوجوب غير سديد.

د:

منع الغيبة عن وجوب الزكاة إنّما هو فيما يعتبر فيه الحول دون الغلّات، كما يأتي وجهه في المال المغصوب.

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 263.

______________________________

(1) الشرائع 1: 142، و المختصر النافع: 53.

(2) المنتهى 1: 475، و إرشاد الأذهان 1: 278.

(3) المدارك 5: 37.

(4) في ص 34.

(5) الذخيرة: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 43

و منها: المال المغصوب و المجحود و المسروق الذي لا يقدر على تخليصه،
اشاره

و عدم وجوب الزكاة فيه، و اعتبار

مبدأ الحول من حين التخلّص، إجماعي، و عليه الإجماع عن الخلاف و التذكرة و المنتهى «1».

و تدلّ عليه الموثّقات و الصحيحة المتقدّمة «2»، بل أكثر الأخبار المذكورة، لاشتراط القدرة على الأخذ طول الحول.

هذا في الأموال التي يعتبر فيها الحول.

و أمّا الغلّات، فلا شكّ في عدم وجوب زكاتها إذا غصبت قبل بدو الصلاح أو بعده بدون تقصير المالك و لم تعد إليه أبدا، و لا في وجوبها إذا عادت إليه قبل حال تعلّق الوجوب- أي بدوّ الصلاح- (و لا فيما إذا غصبت بعد تعلّق الوجوب ثمَّ عادت) [1].

و إنّما الكلام فيما غصبت قبل تعلّق الوجوب و عادت بعد زمان تعلّق الوجوب، فظاهر إطلاق بعضهم عدم الوجوب أيضا [2]، و عن المسالك التصريح به «3».

و استشكل فيه في المدارك، و نفى البعد عن وجوب الزكاة فيها متى تمكن من الأخذ «4»، و استحسنه في الذخيرة «5»، و اختاره الفاضل الهنديّ في شرح الروضة.

و هو الأظهر، لصدق نموّها في ملكه، و عموم الأخبار الموجبة للزكاة

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق»، «س».

[2] كالمحقق في الشرائع 1: 141.

______________________________

(1) الخلاف 2: 31، و التذكرة 1: 201، و المنتهى 1: 475.

(2) في ص 17، 18.

(3) المسالك 1: 51.

(4) المدارك 5: 34.

(5) الذخيرة: 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 44

فيها، نحو قوله: «فيما سقت السماء العشر» «1».

و في صحيحة محمّد و أبي بصير: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «2».

و لا تنافيه أخبار سقوط الزكاة عمّا لا يقدر عليه، لاختصاصها بما

فيه الحول، مع أنّ في بعضها دلالة على وجوب زكاته بعد القدرة من غير اعتبار شرط.

كقوله في صحيحة ابن سنان: «و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» «3».

و في رواية عمر بن يزيد: «فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» «4».

دلّتا بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة بعد الأخذ مطلقا، خرج ما يعتبر فيه الحول بالدليل، فيبقى الباقي.

فروع:

أ:

هل الممنوع من التصرّف في ماله من غير إثبات اليد عليه حكم المغصوب منه، أم لا؟

______________________________

(1) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلاة ب 4.

(2) الكافي 3: 513- 4، التهذيب 4: 36- 93، الاستبصار 2: 25- 70، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة الغلات ب 7 ح 1.

(3) المتقدمة في ص 34.

(4) المتقدمة في ص 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 45

صرّح في البيان بالثاني و وجوب الزكاة فيه، لنفوذ تصرّفه «1».

و لا أفهم معنى نفوذ التصرّف، فإن أراد أنّه غير ممنوع منه شرعا فالمغصوب أيضا كذلك، و إن أراد وقوع تصرّفه فالمفروض عدمه.

و الأقرب أنّه إن بلغ المنع و الحبس حدّا يسلب معه كون المال عنده و في يده، منع عن وجوب الزكاة، و إلّا فلا.

هذا فيما يعتبر فيه الحول، و أمّا الغلّات فلا، كما مرّ.

ب:

لو أمكن تخليص أحد الثلاثة وجبت الزكاة، لموثّقة زرارة «2».

و اعتبر ابتداء الحول من حين تحقّق التخلّص إن شرع فيه أول الإمكان، و إلّا فبعد مضييّ زمان يمكن فيه التخلّص.

و منه يظهر أنّ المناط و الضابطة: القدرة على الأخذ كلّما شاء عرفا، للموثّقة المذكورة، بل رواية عبد العزيز «3»، و بهما تقيّد إطلاقات اشتراط اليد و الكون عند الربّ.

ج:

إذا أمكن التخليص ببعض المال أو بمال آخر،

فإن خلّصه به فلا شكّ في وجوب الزكاة في المستخلص.

و إنّما الكلام في أنّه هل يجري إمكان التخليص به مجرى التمكّن من التخليص، حتى تجب عليه زكاته لو لم يخلّصه، و ابتدأ الحول من بدو زمان الإمكان، أم لا؟

تردّد فيه في البيان «4». و الأظهر الأول، لصدق القدرة على الأخذ.

و وجه الثاني: أنّ القدرة إنّما تحصل بعد إفداء البعض أو مال آخر، فهو أولا قادر على تحصيل القدرة لا على التخليص، و تحصيل القدرة على

______________________________

(1) البيان: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    46     فروع: ..... ص : 44

(2) المتقدمة في ص 34، 35.

(3) المتقدمة في ص 34، 35.

(4) البيان: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 46

القدرة غير واجب، لعدم وجوب تحصيل شرائط الوجوب من غير فرق بين شرطه و شرط شرطه.

و فيه: أنّ المرجع في صدق القدرة العرف، و لا شكّ في أنّ مثل ذلك يعدّ قادرا عرفا، لا أنّه يصير قادرا بعد بذل البعض أو مال آخر.

و نحوه الكلام فيما إذا توقّف التخليص في المغصوب أو المسروق أو المجحود على إقامة البيّنة و تمكّن منها، فإنّه تجب عليه الزكاة فيما يمكن تخليصه بالبيّنة، كما حكي التصريح به عن التذكرة و نهاية الإحكام و القواعد «1».

نعم، لو احتاج التخليص إلى دعوى و شقّت عليه أمكن السقوط، لعدم صدق القدرة مع الدعوى الشاقّة، و أمكن عدمه، لصدق القدرة.

و الأولى ملاحظة حال المالك و الجاحد و قدر المال، فإنّه تختلف مراتب المشقّة باختلافها، فيحكم بالسقوط فيما كانت المشقّة فيه كثيرة بحيث لا يجوّز أهل العرف تحمّلها.

و منه يظهر الحال فيما إذا توقّف التخليص على اليمين، أو على الاستعانة بشخص يشقّ على المالك التوسّل

به، سيّما إذا توقّف على نوع تعظيم له شاقّ عليه.

و منها: المفقود و الضالّ،

و وجه سقوط الزكاة فيه يظهر ممّا مرّ.

و ضلال بعض النصاب حكم ضلال الكلّ، فلو ضلّت شاة من أربعين ثمَّ عادت بعد مضيّ زمان صدق الضلال عرفا استأنف الحول للكلّ.

و منها: الوقف،

و لا خلاف في سقوط الزكاة فيه عند الأصحاب، لعدم التمكّن من الأخذ.

و في دلالته نظر، لمنع عدم التمكّن، و إنّما هو لا يتمكّن من الإتلاف

______________________________

(1) التذكرة 1: 201، و نهاية الإحكام 2: 304، و القواعد 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 47

و نقل الملك و نحوهما، و الثابت من الأخبار ليس اشتراط ذلك التمكّن.

فالأولى الاستدلال بعدم صدق الملكيّة عرفا، و بعدم دليل على وجوب الزكاة فيه؛ إذ ليس إلّا العمومات، و هي معارضة بعمومات منع التصرّف في الوقف و تغييره، فيرجع فيه إلى أصل عدم وجوب الزكاة.

و تجب الزكاة في نتاج الوقف بعد الحول، و في غلّته بعد بدوّ الصلاح إذا كان وقفا على شخص واحد.

و إن كان وقفا على أشخاص محصورين:

فلو كانت القسمة معيّنة شرعا اعتبرت الشرائط- من الحول فيما يعتبر فيه، و النصاب في الغلّات- في سهم كلّ واحد.

و إن كانت مفوّضة إلى رأي الناظر اعتبرت الشرائط في سهم كلّ بعد القسمة؛ إذ لا يملكه إلّا بعدها، ففي الغلّة لا زكاة لو كانت القسمة بعد بدوّ الصلاح؛ لعدم تعلّق الوجوب في ملكه.

نعم، لو قسّمه الناظر قبل زمان تعلّق الوجوب تجب الزكاة على كلّ من بلغ سهمه النصاب.

و منها: المرهون،

فقيل بعدم تعلق الزكاة به إلّا بعد جريان الحول عليه بعد الفكّ، و هو مختار موضع من المبسوط و الشرائع و القواعد و التذكرة و المنتهى و التحرير «1»؛ لعدم تمكّن الراهن منه، و عدم الاقتدار على التصرّف فيه شرعا.

و اختار في موضع آخر من المبسوط تعلّق الزكاة به «2»؛ لأنّه قادر على التصرّف فيه بأن يفكّ رهنه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 225، و الشرائع 1: 142، و القواعد 1: 51، و التذكرة 1: 202،

و المنتهى 1: 478، و التحرير 1: 59.

(2) المبسوط 1: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 48

و منهم من فصّل، فقال بالأول مع عدم قدرة الراهن على الفكّ، و بالثاني مع القدرة عليه [1].

و الحقّ: هو الثاني؛ لأنّه ماله و استجمع جميع الشرائط إلّا ما يتوهّم من عدم تمكّن التصرّف فيه، و هو ممنوع؛ لأنّ الشرط هو كونه في يده و قادرا على أخذه، و هو كذلك و إن لم يكن قادرا على إتلافه و نقل ملكه، و لكنه ليس بشرط.

و تدلّ على وجوب الزكاة فيه العلّة المذكورة في صحيحة يعقوب بن شعيب: عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاثة أو ما شاء اللّه، على من الزكاة، على المقرض أو على المقترض؟ فقال: «على المقترض؛ لأنّ له نفعه و عليه زكاته» «1».

و في صحيحة زرارة الواردة في زكاة المقرض، و فيها- بعد أن حكم بأنّ من كان المال في يده زكّاه- قال: «يا زرارة، أرأيت وضيعة [2] ذلك المال أو ربحه لمن هو و على من هو؟» قلت: للمقترض، قال: «فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه؟! بل يزكّيه، فإنّه عليه جميعا» «2».

و لا شكّ أنّ وضيعة المرهون و ربحه للراهن، بل له أن ينكح من ربحه و يلبس منه و يأكل منه.

و منها: المنذور صدقة بعينه،

فقالوا بسقوط الزكاة عنه؛ لعدم جواز

______________________________

[1] كالشهيد الأول في الدروس 1: 230، و البيان: 278، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 13.

[2] الوضيعة: الخسارة و النقصان- مجمع البحرين 4: 406.

______________________________

(1) التهذيب 4: 33- 84، الوسائل 9: 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7

ح 5.

(2) الكافي 3: 520- 6، التهذيب 4: 33- 85، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 49

تصرّفه فيه.

و الأولى أن يستدلّ له بعدم صدق المملوكيّة كما مرّ، و بتعارض أدلّة وجوب الزكاة و وجوب الوفاء بالنذر.

هذا إذا كان النذر قبل تمام الحول أو تعلّق الوجوب، سواء كان النذر مطلقا من حيث وقت الأداء أو مؤقّتا، و سواء كان وقته بعد الحول أو تعلّق الوجوب أو قبله، و سواء وفى في المؤقّت بالنذر في وقته أو لم يف به.

و أمّا إذا كان بعده، فتجب الزكاة فيه فيزكّيه، و يتصدّق بالباقي إن كان متعلّق النذر الجميع، أو بقدر يستوعب ما سوى القدر الواجب في الزكاة، و إلّا فيزكّي و يتصدّق بالقدر المنذور.

هذا كلّه إذا كان النذر مطلقا أو مشروطا بشرط حاصل قبل الحول أو تعلّق الوجوب.

و أمّا إذا كان مشروطا بشرط غير متحقّق في الحول أو قبل تعلّق الوجوب، فإن كان شرط تحقّقه في أثناء ذلك الحول، أو في زمان هو قبل تعلّق الوجوب، فلا شكّ في وجوب الزكاة فيه؛ لعدم تعلّق النذر به من جهة عدم تحقّق الشرط.

و إن كان شرطه مطلقا و لم يحصل بعد، أو مؤقّتا بما بعد الحول أو وقت تعلّق الوجوب، احتمل وجوب الزكاة؛ لعدم تعلّق النذر به بعد، فلو حصل الشرط يتصدّق بما بقي، و يكون القدر المخرج كالتالف.

و يحتمل عدم الوجوب؛ لتعلّق النذر في الجملة، و الممنوعيّة من التصرّف.

و يحتمل البناء على حال الشرط، فإن كان تحقّقه مقتضى الأصل- كعدم حصول الأمر الفلاني- تسقط الزكاة، و إن كان عدمه مقتضى الأصل تجب الزكاة. و الأقرب الأول.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 9، ص: 50

و منها: الدين،
اشاره

أي ما لأحد في ذمّة الغير، فقالوا: ليس على المدين زكاة؛ لأنّه ليس في يده.

و تفصيل الكلام: إنّ ما في ذمّة الغير لأحد، فإمّا لا يقدر المدين على أخذه- لكونه على ذمّة جاحد أو مماطل أو معسر، أو لكونه مؤجّلا- أو يقدر.

فعلى الأول، فالحقّ المشهور عدم وجوب الزكاة على المدين، فإذا أخذه استأنف الحول. و في التذكرة إشعار بالاتّفاق عليه «1»، بل صرّح بعض مشايخنا بالاتّفاق [1].

و في المبسوط عن بعض أصحابنا: أنّه يخرج لسنة واحدة إذا لم يكن مؤجّلا «2»، و لعلّ غرضه الاستحباب كما قيل.

و يدلّ على المختار أكثر ما مرّ من الأخبار في الشرط الخامس «3»، و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على الناس، تجب فيه الزكاة؟

قال: «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة، و إن هو طال حبسه على الناس حتى يمرّ لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعامه ذلك» «4» الحديث.

و أمّا رواية عبد الحميد: عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه و ماله في ثقة، يزكّي ذلك المال في كلّ سنة تمرّ به أو يزكّيه إذا أخذه؟ فقال: «لا، بل يزكّيه إذا أخذه»، قلت له: لكم يزكّيه؟ قال: قال:

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 263.

______________________________

(1) التذكرة 1: 202.

(2) المبسوط 1: 211.

(3) المتقدمة في ص 34 و 35.

(4) الكافي 3: 519- 4، الوسائل 9: 97 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 51

«لثلاث سنين» «1».

و صحيحة الكناني: عن الرجل ينسئ أو يعير [1]، فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال: «يزكّيه و لا يزكّي

ما عليه من الدين، إنّما الزكاة على صاحب المال» «2».

فلا تفيدان أزيد من الرجحان، فعليه يحملان، أو على ما إذا كان التأخير من صاحب المال، أو على التقيّة، لمطابقته لمذهب جمع من العامّة [2].

و على الثاني، ففيه قولان:

الأول: عدم وجوب الزكاة على المالك، و هو المحكيّ عن القديمين «3» و الاستبصار «4» و الحلّي «5» و السيّد «6» و القاضي «7» و الفاضلين «8» و فخر المحقّقين «9»، و عامّة المتأخّرين. و نسبه بعض المتأخّرين إلى الأكثر.

______________________________

[1] كذا في النسختين، و في المصدر: يعيّن. قال في المصباح المنير: 441: عيّن التاجر تعيينا و الاسم: العينة بالكسر، و فسرها الفقهاء بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجل، ثمَّ يشتريه في المجلس بثمن حالّ ليسلم به من الربا، و قيل لهذا البيع:

عينة، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا ..

[2] حكاه عنهما في المختلف: 74.

______________________________

(1) الكافي 3: 521- 8، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 8.

(2) الكافي 3: 521- 12، الوسائل 9: 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1.

(3) منهم ابن رشد في بداية المجتهد 1: 272، و ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 2: 638.

(4) الاستبصار 2: 28.

(5) السرائر 1: 444.

(6) نقله عنه في الإيضاح 1: 168.

(7) شرح الجمل: 242.

(8) المحقق في المختصر النافع: 53، و الشرائع 1: 142، و العلامة في المنتهى 1: 476.

(9) إيضاح الفوائد: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 52

و الثاني: للشيخين «1» و جمل السيّد «2». و استظهره بعض مشايخنا الأخباريّين [1].

حجّة الأول: الأصل، و الموثّقات الأربع، و صحيحة الفضلاء الخمسة المتضمّنة لاشتراط كونه عند المالك أو في

يده، و حسنة زرارة المتقدّمة المذكورة بعد هذه الموثّقات و الصحيحة «3»، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر هذا الشرط «4»، و موثّقة سماعة المتقدّمة.

و موثّقة الحلبي: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ قال: «لا» «5».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: الدين عليه الزكاة؟ فقال: «لا، حتى يقبضه»، قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «6».

و صحيحة أبي بصير: عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحلّ عليه الزكاة؟ قال: «يزكّي العين و يدع الدين» «7».

و صحيحة زرارة: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته على المقرض أم على المقترض؟ قال: «لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال:

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 34.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 239، و الشيخ في المبسوط 1: 211، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 205.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 74.

(3) راجع ص 18.

(4) في ص 34.

(5) التهذيب 4: 32- 80، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4.

(6) التهذيب 4: 34- 87، و الاستبصار 2: 28- 79، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.

(7) الكافي 3: 523- 6، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 53

«لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي ء، لأنّه ليس في يده شي ء، إنّما المال في يد الآخذ، فمن كان المال في يده زكّاه» الحديث «1».

و يظهر من قوله: «لا يزكّى المال من وجهين ..» دلالة رواية

الحسن ابن عطيّة أيضا: إنّ لقوم عندي قروضا ليس يطلبونها منّي، أ فعليّ فيها زكاة؟ فقال: «لا تقضي و لا تزكّي؟! زكّ» «2».

و يدلّ عليه أيضا التعليل المذكور في صحيحة يعقوب بن شعيب السابقة «3»، و ما دلّ على اشتراط الملكيّة، فإنّ الدين غير مملوك للمدين فعلا إلّا بعد قبضه له.

و يصرّح به المرويّ في قرب الإسناد المنجبر ضعفه- لو كان- بدعوى الشهرة: عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه، هل على صاحبه زكاة؟ قال: «لا، حتى يقبضه و بحول عليه الحول» «4».

و دليل القول الثاني: موثّقة زرارة، و روايتا عمر بن يزيد و عبد العزيز المتقدّمة جميعا «5».

و الرضويّ: «و إن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلّا أن يرجع إليك، و يحول عليه الحول و هو في يدك، إلّا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه، فعليك زكاته» «6».

______________________________

(1) تقدمت في ص 48.

(2) التهذيب 4: 33- 86، الوسائل 9: 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 6.

(3) راجع ص 49.

(4) قرب الإسناد: 228- 895، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 15.

(5) في ص 34، 35.

(6) فقه الرضا (ع): 198 بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 7: 52 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 54

و إطلاق صحيحة الكناني و رواية عبد الحميد المتقدّمتين «1».

و لا يخفى ضعف دلالة الموثّقة، لأنّ مرجع الضمير في قوله: «يدعه» هو المال الغائب، و الدين- لعدم تشخّصه، بل هو أمر كلّي في الذمّة- ليس مالا، و كذلك ليس غائبا، فموضوع الموثّقة غير موضوع المسألة.

و الرضويّ ضعيف قاصر عن الاستناد.

و الأخيرتان

غير ناهضتين لإثبات الوجوب، مع أنّ رواية عبد الحميد مختصّة بما لا يقدر على أخذه لبيعه إلى ثلاث سنين، فهي خارجة عن المورد.

فلم تبق إلّا الروايتان.

و أجيب عنهما أيضا بضعف السند «2». و هو عندي ليس بمعتمد.

و بمعارضتهما مع مثل موثّقتي سماعة و الحلبي «3»، و لا تفيد أخصّيتهما، إذ لو أفادت لوجب تخصيص المعارض، و هو فيما يتضمّن السؤال غير جائز، لإيجابه تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و فيه: منع لزوم كون وقت السؤال وقت الحاجة.

نعم، إنّهما يعارضان المرويّ في قرب الإسناد بالتباين للزكاة «4»، فإمّا يجب حمل الروايتين على الاستحباب بقرينة هذه الرواية، أو يطرحان لموافقة العامّة في الجملة، أو يرجع إلى الأصل، و هو أيضا مع عدم الوجوب.

فرع:

لو استقرض شخص مالا عن آخر و قبضه، ثمَّ يدعه حولا إمّا

______________________________

(1) في ص 50، 51.

(2) كما في المدارك 5: 40.

(3) راجع ص 50، 52.

(4) كذا في جميع النسخ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 55

عند نفسه أو عند المقرض مع تمكّنه من التصرّف فيه، فزكاته على المقترض بلا خلاف كما قيل [1]، لأنّه ماله، فزكاته عليه، لأنّها على صاحب المال كما مرّ، و لصحيحتي يعقوب بن شعيب و زرارة «1»، و رواية ابن عطيّة المتقدّمة «2»، و تدلّ عليه أيضا موثّقة البصري «3»، و مرسلة أبان «4».

و في صحيحة منصور: في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده، قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» «5».

و إطلاق هذه الروايات كعبارات طائفة من الأصحاب [2] و تصريح بعض آخر [3] يقتضي عدم الفرق بين ما إذا شرط الزكاة على المقرض أم لا.

خلافا للشيخ

في باب القرض من النهاية «6»، فأوجبها بالشرط على المقرض، للصحيحة الأخيرة.

و ضعّف بأنّ مقتضاها جواز أداء المقرض، لا لزومها عليه.

و حملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على التبرّع.

مع أنّ الزكاة تابعة للملك و هو للمقترض، فلا يجوز اشتراطها على الغير، لأنّه من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه.

______________________________

[1] قال به الشيخ في الخلاف 2: 111.

[2] منهم الصدوق في المقنع: 53، و المفيد في المقنعة: 239.

[3] منهم العلامة في المنتهى 1: 477، و فخر المحققين في الإيضاح 1: 171.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 48.

(2) في ص 53.

(3) الكافي 3: 521- 7، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 3.

(4) الكافي 3: 521- 9، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 4.

(5) الكافي 3: 520- 5، التهذيب 4: 32- 83، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2.

(6) النهاية: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 56

و يمكن أن يجاب عن الأول بأنّه لا شكّ في دلالة الصحيحة على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته و لو تبرّعا، و حيث جاز صحّ اشتراطها و لزم، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط الجائزة.

هذا، مع ما ورد في الأخبار من جواز شرط أداء الزكاة عن الغير و لزومه، كما في صحيحة ابن سنان: «باع أبي هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار، و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين» «1»، و قريبة منها صحيحة الحلبي «2».

و في الفقه الرضويّ: «فإن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه

يلزمه ذلك دونك» «3»، و حكي الفتوى به عن الصدوقين «4».

ثمَّ مع الشرط المذكور، هل يسقط عن المقترض بمجرّد الشرط فيه، أم لا؟

صرّح في الذخيرة بالثاني «5»، و هو كذلك، لعمومات وجوب الزكاة على المقترض.

و لا ينافيه الوجوب على المقرض أيضا، كما لو وجبت على شخص أداء دين آخر بنذر أو شرط، فإنّه لا يسقط الوجوب عن المديون، فإن وفى سقط عنه، و إلّا وجبت عليه.

______________________________

(1) الكافي 3: 524- 2، علل الشرائع: 375- 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 1.

(2) الكافي 3: 524- 1، الوسائل 9: 174 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 2.

(3) فقه الرضا (ع): 198 مستدرك الوسائل 7: 84 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 1.

(4) الصدوق في المقنع: 53، و حكي عن والده في المختلف: 174.

(5) الذخيرة: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 57

و الحاصل: أنّه تجب حينئذ على كلّ منهما بدلا، فكلّ أدّاها يسقط عن الآخر.

أمّا عن المقترض، فلأنّ الوفاء بالشرط إنّما يجب مع إمكانه، و بعد أداء المقترض لا تكون زكاة حتى يمكن له أداؤها، إذ لا تجب زكاة في مال في عام مرّتين.

هذا، ثمَّ إنّ مقتضى الصحيحة [1] جواز تبرّع المقرض بأداء الزكاة، و أنّه لو أدّاها لسقط عن المستقرض، و هو كذلك.

و هل هو مطلق أو مقيّد بما إذا أذن المقترض؟

مقتضى الإطلاق: الأول، فهو الأقرب.

و منها: مال المحجور عليه للفلس.

صرّح بعدم الزكاة فيه: الشهيد في البيان «1» و صاحب الذخيرة «2».

و صريح الفاضل الهنديّ في شرح الروضة وجوب الزكاة فيه، بل كونه من المسلّمات، حيث اعترض على من اشترط تمكّن التصرّف بأنّه إن أراد من جميع الوجوه يرد عليه النقض

بالمبيع في زمن الخيار، و مال المحجور عليه لردّة أو سفه أو فلس.

و كذا هو الظاهر منهم في مسألة عدم منع الدين من الزكاة و لو استوعب الدين المال، من غير استثنائهم المحجور عليه.

و يدلّ عليه أيضا عموم الأخبار الآتية المصرّحة بعدم منع الدين للزكاة و لو كان الدين أكثر ما في يده «3»، الحاصل من ترك الاستفصال.

______________________________

[1] أي صحيحة منصور المتقدمة في ص 55.

______________________________

(1) البيان: 278.

(2) الذخيرة: 427.

(3) في ص 59، 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 58

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ أدلّة اشتراط الاقتدار من التمكّن في التصرّف في ما يعتبر فيه الحول توجب سقوطها عن المحجور عليه، لعدم صدق كون المال في يده و عنده، و عدم القدرة على أخذه.

و أمّا في الغلّات، فالأقرب وجوب الزكاة فيها، لعدم دليل على السقوط.

و منع المحجور عليه إنّما هو في التصرّف في ماله، و ليس ذلك ماله، بل مال الفقراء، مع أنّ دليل منعه و حجره الإجماع، و تحقّقه في المورد غير معلوم.

[مسائل ]
اشاره

و تلحق بهذا الباب مسائل أربع:

المسألة الاولى: لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء و الإيصال إلى المستحقّ

إجماعا، كما في المنتهى «1»، لإطلاق الأوامر السالمة عن المعارض و المقيّد.

و أمّا ما قيل من أنّ معنى وجوب الزكاة وجوب إيصالها إلى المستحقّ، و لا معنى لهذا عند عدم التمكّن [1].

ففيه: أنّ معناه ليس وجوب إيصالها بالفعل، بل معناه وجوب إيصالها عند التمكّن، كما أنّه تجب الصلاة بالزوال على فاقد الماء في أوّل الوقت المتوقّع له بعد ساعة، و هذا ليس وجوبا تعليقيّا، بل إيجاب تنجيزي، بمعنى: أنّه طلب منه حينئذ الصلاة بعد الوضوء و دخل تحت خطاب: «أقيموا الصلاة لدلوك الشمس»، ففي المورد أيضا يدخل تحت خطاب: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول يزكّيه» و إن لم يرد أنّه يزكّيه بالفعل مطلقا، بل مع اجتماع سائر الشرائط.

______________________________

[1] قال به صاحب الذخيرة: 426.

______________________________

(1) المنتهى 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 59

و الحاصل: أنّ كلّ خطاب تكليفيّ مقيّد بحال القدرة، و لكن معناه:

أنّ أداء التكليف موقوف عليها، لا تعلّق الخطاب به. و تظهر الفائدة فيما بعد حصول القدرة.

نعم، يعتبر في الضمان التمكّن من الأداء، كما يأتي بعد ذلك.

المسألة الثانية: لا يشترط في وجوب الزكاة الإسلام،

بل تجب على الكافر كسائر الفروع، و لكن لا يصحّ أداؤها منه ما دام كافرا.

إلّا أنّهم قالوا: إنّه لا يضمن بعد إسلامه زكاة حال كفره، أدّاها أو لم يؤدّها، تلف النصاب أو كان موجودا. و على تقدير الوجود يستأنف الحول من حين الإسلام، و إن أسلم في أثناء الحول.

و لم أجد دليلا على شي ء من ذلك، و مقتضى استصحاب الوجوب عدم سقوط الزكاة عنه بالإسلام، أي زكاة ما استجمع الشرائط حال الكفر، و ضمانه التالف كضمان المسلم، و كذا مقتضى وجوبه حال الكفر وجوب أخذ الإمام أو نائبه زكاة الكافر حال كفره،

و لا دليل على نفي شي ء من ذلك.

المسألة الثالثة: الدين لا يمنع وجوب الزكاة،
اشاره

سواء استوعب الدين النصاب أم لا، و سواء كان للمديون مال سوى النصاب أم لا، إجماعا، كما في المنتهى و التذكرة و شرح المفاتيح «1». و في المفاتيح: بلا خلاف «2»، و في المدارك: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «3».

و الظاهر تحقّق الإجماع فيه، فهو الدليل عليه، مضافا إلى عموم الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة الخالية عن المخصّص، و خصوص صحيحة زرارة

______________________________

(1) المنتهى 1: 506، و التذكرة 1: 202، و شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) المفاتيح 1: 195.

(3) المدارك 5: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 60

و ضريس: «أيّما رجل كان له [مال ] موضوع حتى يحول عليه الحول فإنّه يزكّيه، و إن كان عليه من الدين مثله و أكثر منه فليزكّ ما في يده» «1»، و رواية الحسن بن عطيّة «2» و موثّقة البصري و مرسلة أبان «3».

و قد ينسب إلى البيان التوقّف في ذلك «4»؛ لخبر رواه فيه عن الجعفريّات «5».

و الخبر ضعيف في نفسه، و لمخالفته عمل الطائفة و لمعارضته المعتبرة الكثيرة.

و مع ذلك هو قاصر الدلالة، بل قد يناقش في نسبة التوقّف إلى الشهيد أيضا؛ لتصريحه بعدم منع الدين عن الزكاة في ذلك البحث مكرّرا، و ليس كلامه هنا صريحا في التوقّف، و لو كان فالظاهر اختصاصه بمال التجارة. و اللّه يعلم.

فرع:

لو مات المديون بعد تعلّق الزكاة، فإن وفت التركة بالدين و الزكاة يجب أداؤهما، و إن ضاقت تقدّم الزكاة، لتعلّقها بالعين و خروجها عن التركة، إلّا إن تلفت أعيان متعلّق الزكاة قبل الوفاة فتوزّع التركة مع القصور، و إن تلفت بعد الوفاة بلا تفريط من أحد وزّع التالف على الزكاة و الدين.

المسألة الرابعة: الفقر لا يمنع من وجوب الزكاة،

بل تجب لو لم

______________________________

(1) الكافي 3: 522- 13، الوسائل 9: 104 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 10 ح 1.

و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) المتقدمة في ص 53.

(3) المتقدمتين في ص 55.

(4) البيان: 308 و 309، و نسبه إليه في المدارك 5: 184.

(5) الجعفريات (قرب الإسناد): 54، مستدرك الوسائل 7: 54 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 61

يملك سوى النصاب، للعمومات الخالية عن المخصّص.

و كذا السفه لا يمنع منه، كما صرّح به في البيان، للعمومات المذكورة.

قال في البيان: [يتولى ] «1» إخراجه الحاكم، و تجب على السفيه النيّة عند أخذ الحاكم «2».

و لا يمنعه المرض و إن قلنا بكون المريض محجورا عليه في الزائد عن الثلث، لما ذكر من العمومات.

______________________________

(1) أثبتناه من المصدر.

(2) البيان: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 62

الباب الثاني في ما تجب فيه الزكاة
اشاره

و الشروط المتعلّقة بمحلّ الوجوب، و القدر الواجب إخراجه، و ما يتعلّق بذلك من الأحكام.

و اعلم أولا: أنّ ما تجب فيه الزكاة تسعة: النقدان، و الأنعام الثلاثة، و الغلّات الأربع.

أمّا وجوب الزكاة فيها فبإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، و المتواترة من أخبار العترة الطاهرة، كما تأتي إلى بعضها الإشارة.

و أمّا عدم وجوبها في غيرها فهو المشهور بين الأصحاب، بل عن الناصريّات و الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى «1» و غيرها «2»: الإجماع عليه، للأصل و الأخبار.

ففي صحيحة ابن سنان: «إن اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّه عليهم من الذهب و الفضّة، و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في رمضان،

و عفا لهم عمّا سوى ذلك» «3».

و صحيحة الفضلاء الخمسة: «فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تسعة أشياء و عفا عمّا سواهن: في الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا

______________________________

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 204، و الانتصار: 75، و الخلاف 2: 54 و 61، و الغنية (الجوامع الفقهية): 566، و المنتهى 1: 473.

(2) كالدروس 1: 228.

(3) الكافي 3: 497- 2، الفقيه 2: 8- 26، الوسائل 9: 53 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 63

رسول اللّه عمّا سوى ذلك» «1».

و قريبة منها رواية الحضرمي «2»، و رواية زرارة «3»، و رواية الطيّار «4»، و موثّقة الحسن بن شهاب «5».

و في موثّقة زرارة: عن صدقات الأموال، فقال: «في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء: في الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة، و هي الراعية، و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كلّ شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» «6»، إلى غير ذلك من الأخبار التي يأتي ذكرها في مواضعها.

خلافا لشاذّ، فأوجبها في كلّ ما تنبته الأرض ممّا يكال أو يوزن «7»، و لآخر مثله، فأوجبها في مال التجارة [1]. و سيأتي الكلام مع الفريقين في

______________________________

[1] نسبه إلى ابني بابويه في المختلف: 179. و الموجود في المقنع: 52: إذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع

برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليه الحول.

______________________________

(1) الكافي 3: 509- 1، التهذيب 4: 3- 5، الاستبصار 2: 3- 5، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 4.

(2) التهذيب 4: 3- 6، الاستبصار 2: 3- 6، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 5.

(3) التهذيب 4: 2- 1، الاستبصار 2: 2- 1، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 8.

(4) التهذيب 4: 4- 9، الاستبصار 2: 4- 9، الوسائل 9: 58 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 12.

(5) التهذيب 4: 3- 3، الاستبصار 2: 2- 3، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 10.

(6) التهذيب 4: 2- 2، الاستبصار 2: 2- 2، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 9.

(7) نقله عن ابن الجنيد في المختلف: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 64

بحث ما تستحبّ فيه الزكاة.

ثمَّ إنّ في هذا الباب فصولا:
اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 65

الفصل الأول في زكاة الأنعام الثلاثة
و فيه بحثان:
البحث الأول في شرائط وجوبها و قدرها
و الشرائط أمور:
الشرط الأول: أن يحول عليها الحول في ملكه،
اشاره

فما لم يحلّ عليه الحول و لو بنقص ساعة ليس فيه شي ء إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له، و للمستفيضة من الأخبار:

منها: الموثّقات الأربع، و حسنة زرارة، المتقدّمة جميعا في الفرع الثاني من الشرط الأول من الباب الأول «2»، و موثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب الثاني.

و في صحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر الباب الثاني بعد قوله:

«و عفا لهم عمّا سوى ذلك» قال: «ثمَّ لم يتعرّض [1] لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا و أفطروا، فأمر مناديه، فنادى في

______________________________

[1] في الكافي: لم يفرض.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 507، و المنتهى 1: 486، و الإيضاح 1: 172.

(2) راجع ص 17، 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 66

المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» قال: «ثمَّ وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق» [1].

و في رواية زرارة: «و ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة التي سمّيناها، و كلّ شي ء كان من هذه الأصناف من الدواجن [2] و العوامل [3] فليس فيها شي ء، و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم ينتج» «1».

و في صحيحة الفضلاء الخمسة: «إنّما الصدقة على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه حتى يحول عليه الحول، فإذا حال عليه الحول وجبت عليه» «2».

و في رواية زرارة: «ليس في صغار الإبل و البقر و الغنم شي ء إلّا ما حال عليه الحول عند الرجل، و ليس في أولادها شي ء حتى يحول عليها الحول» «3».

و في أخرى: «لا

يزكّى من الإبل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه

______________________________

[1] الطسوق: جمع الطسق، و هو الوظيفة من خراج الأرض- الصحاح 4: 1517.

[2] الدواجن: جمع الداجن. دجن بالمكان: أقام به، و شاة داجن: إذا ألفت البيوت و اسنأنست- الصحاح 5: 2111.

[3] العوامل: جمع عاملة، و هي التي يستقى عليها و تحرث و تستعمل في الاشتغال- مجمع البحرين 5: 430.

______________________________

(1) التهذيب 4: 21- 54، الاستبصار 2: 20- 58، الوسائل 9: 79 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 3.

(2) الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 24- 57، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 2 و ص 121 ب 8 ح 1.

(3) التهذيب 4: 42- 108، الاستبصار 2: 23- 63، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 67

الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن» «1».

و في صحيحة زرارة في الزكاة: «و كذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما حلّ عليه الحول» «2».

و في صحيحة محمّد الحلبي: عن الرجل يفيد المال، قال: «لا يزكّيه حتى يحول عليه الحول» «3».

و في صحيحة زرارة و محمّد: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»، قيل: فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال: «ليس عليه شي ء إذن» «4».

و حسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و يحلّ عليه» «5».

و صحيحة زرارة: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي أحدكم قبل الزوال؟!» «6».

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: حدّ الأصحاب الحول المعتبر في الزكاة بتمام أحد عشر شهرا و دخول الثاني عشر،

______________________________

(1) التهذيب 4: 43- 109، الاستبصار 2: 23-

64، الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 2.

(2) الكافي 3: 525- 4، التهذيب 4: 35- 92، الاستبصار 2: 8- 8، الوسائل 9:

161 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 5، و فيها: حال عليه الحول.

(3) الكافي 3: 525- 2، التهذيب 4: 35- 91، الوسائل 9: 169 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 15 ح 1.

(4) الكافي 3: 525- 4، الفقيه 2: 17- 54، التهذيب 4: 35- 92، الوسائل 9:

163 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 2.

(5) الكافي 3: 523- 8، التهذيب 4: 43- 110، الاستبصار 2: 31- 9، الوسائل 9:

305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2.

(6) الكافي 3: 524- 9، التهذيب 4: 43- 111، الوسائل 4: 166 أبواب المواقيت ب 13 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 68

بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و الإيضاح الإجماع عليه «1»، و في الذخيرة: لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب «2»، و في الحدائق: و الظاهر أنّه لا خلاف فيه «3».

و استدلّ له- مع الإجماع المنقول- بقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» إلى أن قال:

«إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة»، و اختصاصها بالنقد غير ضائر، لعدم الفاصل.

و المستفاد من تحديدهم و المتبادر من الصحيحة: أنّ الحول الذي اعتبره الشارع في وجوب الزكاة هو حولان اثني عشر هلالا، و بعبارة أخرى:

هو دخول الثاني عشر.

و مقتضى ذلك أنّه بدخول الثاني عشر مستجمعا للشرائط تجب الزكاة، و لا يضرّ اختلال بعض الشروط بعده، و لا يجوز التأخير على القول بالفوريّة، و

لو أخّر كان ضامنا، إلى غير ذلك من آثار الوجوب.

و هذا هو معنى الوجوب المستقرّ، الذي ذكروه.

و منهم من قال: إنّ الوجوب بذلك المعنى إنّما يتحقّق بتمام الثاني عشر، و المتحقّق بدخوله إنّما هو الوجوب المتزلزل- و هو الذي اختاره في المسالك «4»- لأنّ الثابت من الإجماع ليس إلّا تحقّق الوجوب بدخول الثاني عشر، و هو أعمّ من المستقرّ و إن كان ظاهرا فيه. و مقتضى المعنى الحقيقي للحول المصرّح به في الروايات عدم تحقّق الوجوب المستقرّ إلّا بتمام الثاني عشر.

______________________________

(1) المعتبر 2: 507، و المنتهى 1: 487، و التذكرة 1: 205، و الإيضاح 1: 172.

(2) الذخيرة: 428.

(3) الحدائق 12: 73.

(4) المسالك 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 69

و أمّا صحيحة زرارة، ففي سندها كلام يضعّف الاعتماد عليها [1]، بل قيل: في بعض مواضع متنها أيضا تشابه يوجب تضعيفها [2].

مع أنّا لو قلنا بصحّة الخبر- كما هو الأصحّ- و بعدم ضير تشابه بعض أجزائه في العمل بما لا تشابه فيه- كما هو الوجه- لم يستفد منه مع ملاحظة سائر الأخبار أيضا أعمّ من مطلق الوجوب المحتمل للمتزلزل.

و ذلك لأنّ الظاهر من الوجوب المذكور فيه و إن كان المستقرّ، إلّا أنّ ما دلّ على اشتراط سائر الشروط طول الحول أوجب صرفه عنه، لأنّه مقتضى العمل بهما. كما أنّه ورد وجوب الصلاة بدلوك الشمس، و لكنّه لا ينفي اشتراط سائر الشروط الواجبة بأدلّة أخرى، و كما أنّ ذات العادة تجب عليها العبادة بمجرّد انقطاع الدم على العادة، و لكنه لا ينافي اشتراط عدم رؤية الدم إلى العاشر.

فإن قيل: الخبر كما يدلّ على تحقّق الوجوب بدخول الثاني عشر، كذلك يدلّ على حولان الحول به أيضا، حيث

قال: «فقد حال الحول» و لازمه حمل الحول المعتبر لسائر الشروط على ذلك أيضا، فلا يبقى معارض لظهور الوجوب في المستقرّ أصلا.

قلنا: الحول حقيقة- لغة و شرعا كتابا و سنّة- في تمام الاثني عشر، و حمله على الأحد عشر مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة، و الخبر إنّما يصلح قرينة لو لا احتمال المجاز فيه بحمل قوله: «حال الحول» على المقرب [3] منه أو غيره، فإنّ باب المجاز واسع.

______________________________

[1] لعلّ منشأه: أنّ من جملة رجالها إبراهيم بن هاشم، قال العلّامة في الخلاصة ص 4: لم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، و لا على تعديله بالتنصيص. و الروايات عنه كثيرة، و الأرجح قبول قوله.

[2] قد عبّر عنها الفيض الكاشاني بالحسن المتشابه. المفاتيح 1: 196.

[3] في «ق»، «س»: المقرر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 70

و هذا الاحتمال قائم، بل راجح، لأنّ ارتكاب التجوّز في خبر أولى من ارتكابه في السنّة المتواترة و الكتاب.

و لو سلّم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين، فيرجع إلى حكم الأصل، و هو عدم استقرار الوجوب.

قيل: يرد عليه أنّ مقتضى حقيقة أدلّة سائر الشروط عدم تحقّق وجوب أصلا قبل تمام الاثنى عشر و عدم وجوب شي ء قبله، فالقول بتحقّق وجوب قبله صرف لها عن حقائقها أيضا، فهذا القول يوجب ارتكاب التجوّز فيها و في الخبر، بخلاف حمل الخبر على المستقرّ.

مع أنّه لو سلّمنا تعارض المجازين، و فقدان المرجّح من البين، فالجمع- بحمل أحدهما على الوجوب المتزلزل، و الآخر على المستقرّ- جمع بلا دليل، إذ لا شاهد عليه و لا سبيل.

و القياس على دلوك الشمس و انقطاع دم ذات العادة باطل، لوجود الشواهد فيهما.

فيجب إمّا نفي مطلق الوجوب بدخول

الثاني عشر، أو القول بالوجوب المستقرّ به، و الأول باطل إجماعا، فبقي الثاني.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ تحقّق مطلق الوجوب- الذي أقلّه المتزلزل بدخول الثاني عشر- إجماعي، فالتعارض إنّما هو في الوجوب المستقرّ، و إذ لا مرجّح لأحد المجازين يجب الرجوع إلى أصالة عدم الاستقرار.

و الترجيح الذي ذكر- من إيجاب القول بالمستقرّ ارتكاب التجوز في أحدهما، و بالمتزلزل أيضا- لا يصلح للترجيح، لأنّ المجاز خلاف الأصل، واحدا كان أو متعدّدا، فلا يصار إلى شي ء منهما ما لم يتضمّن الأكثر للأقلّ إلّا بدليل.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الوجوب في كلّ من الخبر و أدلّة سائر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 71

الشروط حقيقة في المستقرّ، و لكن الخبر أخصّ مطلقا من أدلّة سائر الشروط؛ لدلالتها على عدم تحقق الوجوب قبل حولان الحول مطلقا، سواء دخل الثاني عشر أو الحادي عشر أو العاشر إلى آخر الشهور، أم لا، و الخبر يدلّ على تحقّقه بدخول الثاني عشر خاصّة، حيث قال: «وجبت الزكاة»، و الخاصّ مقدّم على العامّ قطعا، و الخبر معتبر سندا لصحّته، و معتضد بعمل الطائفة.

و لا يضرّ قوله في الخبر: «فقد حال الحول» لو سلّم احتمال تجوّز فيه؛ لأنّ الاستناد على قوله: «فقد وجبت الزكاة»، مع أنّ المفهوم من هذا عرفا: التجوّز في حول سائر الأدلّة، فإنّ المتبادر منه أنّ الحول الذي اشترط هو أحد عشر شهرا، و لا يلتفت في العرف إلى احتمال التجوّز فيه.

هذا، مضافا إلى أنّه على فرض الاحتمال و تكافؤ المجازين ترتفع أخبار الحول من البين، و تبقى عمومات وجوب الزكاة مطلقا خالية من المقيّد، خرج ما دون أحد عشر شهرا بالإجماع، فيبقى الباقي.

و على هذا، فالحقّ ما هو المشهور من

استقرار وجوب الزكاة بدخول الثاني عشر.

و لا تنافيه صحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر المقام «1»؛ لاحتمال كون الوجوب المتحقّق بدخول الثاني عشر موسّعا إلى تمامه، فإنّ الوجوب حقيقة في المطلق.

المسألة الثانية: هل يحتسب الشهر الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني.

ذهب العلّامة «2» و الشهيدان «3» إلى الأول. و اختاره المحقّق الأردبيلي

______________________________

(1) في ص 65.

(2) نهاية الإحكام 2: 312.

(3) الشهيد الأول في الدروس 1: 232، و البيان: 284، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 23، و المسالك 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 72

مع حكمه بالاستقرار بدخول الثاني عشر «1».

و استدلّ بأنّ الحول حقيقة لغة و شرعا في تمام الاثني عشر، و غاية ما دلّت عليه الصحيحة هي أنّه يكفي في وجوب الزكاة و استقراره دخول الثاني عشر، و ذلك لا يدلّ على أنّ الحول الذي يجب جريانه على الأموال هو أحد عشر شهرا.

و اعترض عليه بأنّه ليس مقتضى أدلّة حولان الحول، إلّا أنّه لا تجب الزكاة قبله، و أنّ تمامه شرط في وجوبها، و لا معنى لها إلّا ذلك. فإذا قلنا بالوجوب قبله، و خصصنا أدلة حولان الحول بالصحيحة، لا يبقى دليل آخر على اشتراط الحول الحقيقي.

و الحاصل: أنّ مقتضى عمومات وجوب الزكاة وجوبها بمجرّد تملّك النصاب من غير اشتراط حول، و لكن ثبت اشتراط الحول في وجوبها بأدلّته. ثمَّ ثبت بالصحيحة عدم اشتراط تمام الحول، بل يشترط مضيّ أحد عشر شهرا، و بها تخصّص أدلّة اشتراط الحول.

فلا يبقى دليل على اشتراط مضيّ الثاني عشر، فلا يكون وجه لاحتسابه من الحول الأول، بل تجب زكاة كلّ حول بمضيّ أحد عشر شهرا.

أقول: القائل باحتسابه من الأول لعلّه لا ينكر كون كلّ حول للزكاة أحد عشر شهرا، و لا يقول باشتراط مضيّ الثاني

عشر في تعلّق الوجوب أو استقراره. بل مراده من احتسابه من الأول: أنّ مبدأ الحول الثاني تمام اثني عشر شهرا من الأول، و مبدأ الثالث تمام اثني عشر من الثاني و هكذا.

فمرجع النزاع حقيقة في مبدأ الأحوال اللاحقة، و لا دلالة لاستقرار الوجوب

______________________________

(1) مجمع الفائدة 4: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 73

بدخول الثاني عشر على أن مبدأ الثاني دخول هذا الشهر، بل لا دليل أصلا يدلّ على ذلك.

و لو سلّمنا كون حول الزكاة مطلقا أحد عشر، و أنّ أخبار الحول تدلّ على وجوب حولان أحد عشر في كلّ عام، فلا يثبت أنّ مبدأ الاثني عشر في أيّ وقت، و ليس قوله في الخبر «إذا رأى الهلال الثاني عشر فقد حال الحول» أنّ الثاني عشر مبتدئ من أيّ وقت.

فعلى هذا يجب الرجوع إلى الأصل، و هو ابتداء الحول الثاني من تمام الثاني عشر من الأول؛ لأصالة عدم وجوب الزكاة إلّا بعد مضيّ أحد عشر من ذلك المبدأ.

بل لو لا الإجماع على اتّحاد جميع الأعوام لكان مقتضى الأصل عدم الوجوب إلّا بمضيّ اثني عشر شهرا من ذلك المبدأ؛ إذ الخبر لا يدلّ على أزيد من أنّ الحول الأول يحول بمضيّ أحد عشر. إذ [1] يمكن أن يكون المراد إذا رأى الهلال الثاني عشر من حين التملّك أو استجماع الشرائط فقد حال الحول، فلا يدلّ على ما بعده.

هذا، مضافا إلى رواية الكرخي: عن الزكاة «انظر شهرا من السنة فانو أن تؤدّي زكاتك فيه، فإذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نض- يعني ما حصل في يدك من مالك- فزكّه، فإذا حال الحول و الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل مثل ما صنعت، ليس عليك أكثر منه» «1»، فإنّ

انتظار مثل الشهر يجتمع مع احتساب الثاني عشر مع الأول.

هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به لذلك القول.

و لكن يرد عليه: أنّ التمسّك بالأصل إنّما كان يتمّ لو كان دليل تكرار

______________________________

[1] في «س»: أو، و في «ح»: و.

______________________________

(1) الكافي 3: 522- 1، الوسائل 9: 166 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 74

الزكاة بتكرّر السنين مجرّد الإجماع، فيقال: لم يثبت أزيد من ذلك.

و لكن قد دلّت عليه الأخبار:

ففي موثّقة زرارة: «و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به [من ] السنين» «1».

و في رواية عبد الحميد بن سعد [1]: قلت: لكم يزكّيه إذا أخذه؟ قال:

«لثلاث سنين» «2».

و في صحيحة ابن يقطين: «تلزمه الزكاة في كلّ سنة إلّا أن يسبك» «3».

و على هذا فنقول: إنّه و إن لم يتعيّن مبدأ الأحوال، و لكن ظاهر أنّ بعد اشتراط الحول و السنة في الزكاة بالأخبار و جعله أحد عشر شهرا بالخبر المتقدّم «4» يفهم أن كلّ حول في الزكاة هو ذلك.

ثمَّ إذا قال [2]: ما مرّ به أحوال أو سنون، فكذا يتفاهم منه عرفا: أنّ مبدأ كلّ حول لا حق تمام الحول السابق، فإنّه المتفاهم من مرور الأحوال المصطلحة على شي ء.

و لذا لو قيل: حول الآخرة خمسون عاما و يفرغ من الحساب بعد ثلاث أحوال، يفهم منه أنّ مبدأ كلّ حول لا حق بعد تمام الحول السابق، الذي هو خمسون عاما من أعوام الدنيا.

______________________________

[1] في «س»: عبد الحميد بن سعيد.

[2] في «ح»: حال.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 34، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) تقدّمت في ص 50.

(3) الكافي 3: 518- 5، التهذيب 4:

7- 17، الاستبصار 2: 7- 15، الوسائل 9:

166 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 13 ح 1.

(4) أي صحيحة زرارة المتقدمة في ص 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 75

و أمّا رواية الكرخي فهي متشابهة غير صالحة للاستدلال؛ لأنّ المراد بقوله: «فإذا حال الحول و الشهر الذي زكّيت فيه» إن كان تمام الحول و الشهر، يلزم لزوم مرور ثلاثة عشر شهرا، و هو خلاف الإجماع.

و إن كان المراد بقوله: «حال»: دخل، لم يكن معنى لدخول الحول و الشهر معا؛ لأنّ هذا الشهر آخر الحول.

و حمله على «تمَّ»- بالنسبة إلى الحول و دخل بالنسبة إلى الشهر- يوجب استعمال اللفظ في معنييه.

و الظاهر أنّه نوع إرشاد لم يلاحظ فيه التحقيق، بل اكتفي بالتقريب.

و من ذلك يظهر أنّ الحقّ: احتساب الثاني عشر من الثاني، كما هو مذهب القطب الراوندي «1»، و فخر المحقّقين في حواشي القواعد «2»، و الفاضل الهندي في شرح الروضة.

المسألة الثالثة [ما المراد من اشتراط حولان الحول ]

المراد من اشتراط حولان الحول على الجنس الزكوي: اشتراط حولانه عليه مستجمعا (طول الحول) [1] لجميع شرائط وجوب الزكاة المعتبرة في المالك، من البلوغ، و العقل، و الحرّية، و الملكيّة، و التمكّن من التصرّف. و في المال، من النصاب، و السوم، و عدم كونه عوامل في الأنعام .. و المسكوكيّة و نحوها في النقدين.

فلو اختلّ أحد هذه الشروط في أثناء الحول سقطت الزكاة.

أمّا اشتراط تحقّق شرائط المالك طول الحول فقد مرّ.

و أمّا اشتراط النصاب و سقوطها بنقصان النصاب بعض الحول فهو إجماعي، بل هو ممّا لا خفاء فيه؛ إذ لو كان نصابا أولا و نقص في أثناء

______________________________

[1] ليست في «س».

______________________________

(1) فقه القرآن 1: 237.

(2) الإيضاح 1: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 76

الحول

فليس عليه الزكاة قبل تمام الحول؛ لما صرّح: بأنّ ما لم يحلّ عليه الحول فليس فيه شي ء. و لا بعد تمام الحول؛ لما صرّح: بأنّ ما نقص عن النصاب ليس فيه شي ء.

و لو كان ناقصا أولا و بلغ النصاب في أثناء الحول فلا تجب على المجموع بعد تمام الحول؛ إذ بعضه لم يحلّ عليه الحول، و ما لم يحلّ عليه الحول لا زكاة فيه، و لا على القدر الناقص الذي حال عليه الحول؛ لمثل قوله: «ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء» «1» و قوله: «ليس في ما دون الأربعين شاة شي ء» «2»، إلى غير ذلك.

و تدلّ عليه أيضا حسنة رفاعة، و فيها: «إذا اجتمع مائتا درهم، فحال عليها الحول، فإنّ عليها الزكاة» «3».

و أمّا اشتراط سائر الشرائط من السوم و نحوه طول الحول فسيأتي في طيّ ذكر الشرائط إن شاء اللّه.

المسألة الرابعة: لو عاوض الجنس الزكوي في أثناء الحول بغيره سقطت الزكاة مطلقا،

سواء عاوضه بجنسه كالشاة بالشاة، أو بغير جنسه كالشاة بالبقر مطلقا.

بلا خلاف معتبر إذا لم تكن المعاوضة بقصد الفرار، سواء كان العوض مستجمعا لجميع الشرائط غير الحول- كمعاوضة السائمة بالسائمة- أو لا.

للأصل، و قوله عليه السلام في المستفيضة: كلّ ما لا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه» «4»، فإنّ العوض لم يحلّ عليه الحول عنده

______________________________

(1) الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1.

(2) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.

(3) الكافي 3: 515- 2، الوسائل 9: 143 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 2 ح 2.

(4) راجع ص 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 77

مطلقا، جنسا كان أو غيره، بقصد الفرار كان أو لا.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط فيما إذا عاوضه بجنسه، فيبنى على حوله «1».

و

اختاره فخر المحقّقين في شرح الإرشاد، و قال: إذا عاوض أربعين سائمة في ستّة أشهر بأربعين أخرى كذلك يبنى على الحول الأول، لا إذا عاوضها بأربعين معلوفة، أو أربعين سائمة في أربعة أشهر.

و دليلهما صدق الاسم، فيصدق أنّ عنده أربعين شاة- مثلا- طول حول.

و هو ضعيف؛ لأنّ المراد بالموصول في مثل قوله: «ما لم يحل عليه الحول» الأعيان.

المسألة الخامسة: لو عاوض في أثناء الحول أو جعل النصاب ناقصا بقصد الفرار من الزكاة سقطت الزكاة أيضا على الأقوى،
اشاره

وفاقا للمحكيّ عن العماني «2» و الإسكافي «3» و المفيد «4» و النهاية و التهذيب و الاستبصار «5» و القاضي «6» و الحلّي «7» و احتمله في الناصريات «8».

و كلام أكثرهم و إن كان في سبك الذهب و الفضة بقصد الفرار، إلّا أنّ الظاهر عموم الحكم، و هو مختار الفاضلين «9»، بل هو المشهور مطلقا،

______________________________

(1) المبسوط 1: 206.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 271.

(3) حكاه عنه في المختلف: 173.

(4) المقنعة: 38.

(5) النهاية: 175، التهذيب 4: 9، الاستبصار 2: 8.

(6) حكاه عنه في الرياض 1: 271.

(7) السرائر 1: 442.

(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 218.

(9) المحقق في المعتبر 2: 511، و الشرائع 1: 145، و العلّامة في المختلف:

179، و المنتهى 1: 495، و القواعد 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 78

كما في المدارك و الذخيرة «1»، أو بين المتأخّرين خاصّة، كما في الحدائق «2».

للأصل، و عدم حولان الحول، و إطلاق صحيحة زرارة و محمّد: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»، قيل له: فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال: «ليس عليه شي ء» «3».

و نحوه في حسنته، و فيها أيضا: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر، فقال: «إذا

حلّ الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة»، قلت: فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال: «جاز له ذلك»، قلت: إنّه فرّ بها من الزكاة، قال: «ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها» «4» الحديث.

و صحيحة عمر بن يزيد: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا، أ عليه فيه شي ء؟ فقال: «لا، و لو جعله حليّا أو نقرا [1] فلا شي ء عليه، و ما يمنع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّه [الذي ] يكون فيه» «5».

و حسنة هارون: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك حليّا أراد به أن يفرّ من الزكاة، أ عليه الزكاة؟

______________________________

[1] النقرة، و الجمع: النقر و النقار: القطعة المذابة من الفضة- المصباح المنير:

621.

______________________________

(1) المدارك 5: 74، و الذخيرة: 431.

(2) الحدائق 12: 96.

(3) راجع ص 67.

(4) راجع ص 68.

(5) الكافي 3: 559- 1، الفقيه 2: 17- 51، الوسائل 9: 159 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 1، و ما بين المعقوفين من الوسائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 79

قال: «ليس على الحليّ زكاة» «1».

و حسنة ابن يقطين، و فيه: «إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة» «2».

و المرويّ في العلل و المحاسن: «لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا من الزكاة» «3».

و تدلّ عليه أيضا عمومات نفي الزكاة عن الحليّ و السبائك «4».

و صحيحة ابن يقطين: عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب، قال:

«تلزمه الزكاة في كلّ سنة إلّا أن يسبك» «5».

خلافا للمحكيّ عن المقنع و الفقيه و رسالة والده و

الانتصار و المسائل المصريّة الثالثة و الجمل و الاقتصاد و الخلاف و المبسوط و موضع من التهذيب و الوسيلة و الغنية و الإشارة «6»، فأوجبوا الزكاة في سبك الذهب و الفضّة بقصد الفرار، و زاد في الانتصار و الخلاف و المبسوط: إذا ناول

______________________________

(1) الكافي 3: 518- 7، التهذيب 4: 9- 26، الاستبصار 2: 8- 23، علل الشرائع: 370- 2، الوسائل 9: 160 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 4.

(2) الكافي 3: 518- 8، التهذيب 4: 8- 19، الاستبصار 2: 6- 13، الوسائل 9:

154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 2.

(3) علل الشرائع: 370- 3، المحاسن: 319- 52 بتفاوت يسير، الوسائل 9: 160 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 2، 3.

(4) الوسائل 9: 154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 و ص 156 ب 9.

(5) الكافي 3: 518- 5، التهذيب 4: 7- 17، الاستبصار 2: 7- 15، الوسائل 9:

155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 4.

(6) المقنع: 51، و الفقيه 2: 9، و حكاه عن والده في المختلف: 173، الانتصار:

83، و حكاه عن المسائل المصرية في المختلف: 173، و جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 75، الاقتصاد: 278، و الخلاف 2: 77، و المبسوط 1: 210، و التهذيب 4: 9، الوسيلة: 122، الغنية (الجوامع الفقهية):

567، و الإشارة: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 80

جنسا بغيره أيضا، و في الأولين الإجماع عليه كما في المسائل المصريّة، و نسبه بعضهم إلى أكثر المتقدّمين [1]، و قوّاه بعض مشايخنا الأخباريّين [2].

للإجماع المذكور، و الروايات:

كموثّقة محمّد: عن الحلّي فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة»

«1».

و موثّقي معاوية و إسحاق، إحداهما: الرجل يجعل لأهله الحليّ من مائة دينار و المائتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة، فعليه الزكاة؟ قال: «ليس عليه زكاة» قال: قلت: فإنّه فرّ به من الزكاة، فقال: «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة» «2».

و رواه الحلّي في مستطرفات السرائر عن معاوية بن عمّار «3»، فتكون الرواية صحيحة.

و الأخرى: عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ قال:

«إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» «4».

و الرضويّ: «ليس في السبائك زكاة إلّا أن يكون فرّ به من الزكاة،

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 271.

[2] كصاحب الحدائق 12: 105.

______________________________

(1) التهذيب 4: 19- 25، الاستبصار 2: 8- 21، الوسائل 9: 162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 7.

(2) التهذيب 4: 19- 25، الاستبصار 2: 8- 22، الوسائل 9: 157 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 9 ح 6.

(3) مستطرفات السرائر: 21- 2، الوسائل 9: 162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ذيل الحديث 6.

(4) التهذيب 4: 94- 270، الاستبصار 2: 40- 122، الوسائل 9: 151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 81

فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة» «1».

و الجواب عنها- مع ضعف الأخير، و أخصّية الأولين و الأخير عن مطلوب بعضهم؛ لاختصاصها بالسبائك و تحقّق القول بالفصل-: أنّ الأخبار المتقدّمة قرينة على عدم إرادة الوجوب من هذه، فهي محمولة على الاستحباب، كما قاله أكثر الأصحاب «2».

مع أنّ الاولى غير دالّة على الوجوب أصلا؛ إذ قوله: «فيه الزكاة» أعمّ من الوجوب و الاستحباب.

بل كذا

قيل في الموثّقتين الأخيرتين أيضا «3»؛ لاحتمال عود الضمير في «عليه» إلى المال، قال: و حينئذ لا فرق بين في و على. و هو كذلك.

مع أنّه على فرض التعارض فالترجيح للمتقدّمة؛ لأصحّية السند و أكثريّة العدد، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجع إلى الأصل، و الاستصحاب مع القول الأول.

و قد يرجّح الثاني بمخالفة جميع العامّة، كما صرّح به في الانتصار «4».

و فيه: أنّه إنّما يحتاج إليه لو لا انفهام الاستحباب عرفا مع مقابلة الفريقين من الأخبار، مع أنّ الثانية أيضا موافقة لقول مالك «5» و أحمد «6»، و اشتهار مذهب الشافعي و أبي حنيفة «7» في تلك الأزمنة لا يفيد بعد موافقة

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 199، مستدرك الوسائل 7: 81 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 6 ح 1.

(2) كما في الذخيرة: 432، و الرياض 1: 271.

(3) كما في الاستبصار 2: 8، و المدارك 5: 76.

(4) الانتصار: 83.

(5) الموطأ 1: 250.

(6) المغني و الشرح الكبير 2: 465، 534.

(7) أنظر: الأم للشافعي 2: 24، و بدائع الصنائع 2: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 82

كلّ منهما لطائفة من العامّة.

و قد تحمل الثانية على قصد الفرار بعد الحول، و يستشهد له بموثّقة زرارة: إنّ أباك قال: «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها»، قال: «صدق أبي، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه منه» «1»، و نحوها حسنته «2».

و ردّه في الحدائق بأنّه لا يجري في الموثّقة الثانية؛ لأنّه متى خصّ بتمام الحول و جعل المقسم بعده اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به، و هو خلاف الإجماع، و حمل الفرار على ما بعد الحول

و قصد التجمّل عليها قبله يجعل الكلام متهافتا «3».

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المراد حمل الفرار من الزكاة على ما إذا فعله بعد الحول، فيكون المقسم عامّا و يقسّمه الإمام على قسمين:

قسم يفعله بعد الحول، و هو الذي عبّر عنه بقوله: «فإن كان فرّ به من الزكاة».

و قسم يفعله قبله و هو المذكور بقوله: «ليتجمّل به».

و إنّما عبّر بما بعد الحول بالفرار لأنّ الفرار عن الشي ء [بعد] [1] وجوده، فالاستشهاد إنّما هو في التجوّز دون التخصيص المستلزم للتهافت.

و إلى هذا ينظر كلام الشيخ؛ حيث ذكر بعد ذلك الحمل: أنّ معه لا يستقيم الاستثناء في الموثّقة الاولى، و أجاب بأنّ «لا» في جواب السؤال عن وجوب الزكاة في الحلي اقتضى أنّ كلما يقع عليه اسم الحلي لا يجب

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) الكافي 3: 525- 4، الاستبصار 2: 8- 24، التهذيب 4: 10- 27، الوسائل 9:

161 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 5.

(2) المتقدّمة في ص 68.

(3) الحدائق 12: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 83

عليه الزكاة، سواء صنع قبل حلول الوقت أو بعد حلوله؛ لدخوله تحت العموم، فقصد عليه السلام بذلك تخصيص البعض من الكلّ، و هو ما صنع بعد حلول الوقت «1». انتهى.

يعني: أنّه أراد من قوله «إلّا ما فرّ» ما حال عليه الحول، فتجوّز عن حلول الحول بذلك، و به حصل التخصيص في المستثنى منه.

و على هذا يظهر جواب آخر عن الأخبار الثانية؛ إذ يكون الخبران المذكوران «2» قرينتين على التجوّز، فيجب ارتكابه.

فروع على القول بعدم السقوط:

أ:

هل الوجوب يختصّ بالفرار في أثناء الحول؟

أم يعمّ الفرار و لو قبل الشروع في الحول أيضا، كأن ورث مالا زكويّا فبدّل بعضه أولا فرارا؟

ظاهرهم: العموم.

ب:

لو تركّب القصد من

الفرار و غيره، فمع استقلال أحدهما فالحكم له، و مع تساويهما يشكل.

ج:

لو فرّ و بدّل فهل الزكاة متعلّقة بالمبدل، أو المبدل منه، أو ينتقل إلى الذمّة؟ فيه احتمالات.

المسألة السادسة: لا تعدّ أولاد الأنعام-
اشاره

الحاصلة في أثناء حول الأمّهات- مع أمّهاتها، بل لها حول بانفرادها.

و كذا غير الأولاد ممّا يملكه المالك- و يضمّه مع ما كان له- في أثناء الحول بإرث أو شراء أو نحو ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 4: 10.

(2) في ص 68، 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 84

بلا خلاف فيه، كما في الذخيرة و الحدائق «1»، بل بالإجماع، كما في المدارك «2»، و حكاه بعضهم عن جملة من عبارات الأصحاب «3».

و يدلّ عليه عموم جميع ما دلّ على أنّ «كلّ ما لم يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه» «4».

و جميع [1] ما دلّ على أنّه «ليس في السخال شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» [2].

و لا فصل بين الأولاد و غيرها من الضمائم بالإجماع، مع أنّه تدلّ عليه مطلقا صحيحة شعيب: «كلّ شي ء جرّ عليك المال فزكّه، و كلّ شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «5»، أي استأنف الحول حينما ملكته.

و رواية الأصبهاني: يكون لي على الرجل مال فأقبضه، متى أزكّيه؟

قال: «إذا قبضته فزكّه»، قلت: فإنّي أقبض بعضه في صدر السنة، و بعضه بعد ذلك، قال: فتبسّم ثمَّ قال: «ما أحسن ما أدخلت فيها من السؤال»، ثمَّ قال: «ما قبضت منه في الستّة الأشهر الأولى فزكّه لسنته، و ما قبضت بعد في الستّة الأشهر الأخيرة فاستقبل به في السنة المستقبلة، و كذلك إذا استفدت مالا منقطعا في السنة كلّها، فما استفدت منه في أول السنة إلى ستّة أشهر فزكّه في عامك ذلك كلّه،

و ما استفدت بعد ذلك فاستقبل به السنة

______________________________

[1] أخبارها مذكورة في طي شرط السوم (منه رحمه اللّه).

[2] الوسائل 9: 122 أبواب زكاة الأنعام ب 9؛ و السخال: جمع سخل، ولد الشاة من المعز و الضأن ذكرا كان أو أنثى. لسان العرب: 332.

______________________________

(1) الذخيرة: 432، الحدائق 12: 77.

(2) المدارك 5: 76.

(3) انظر: مفتاح الكرامة 3: 37.

(4) انظر: الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام 8.

(5) الكافي 3: 527- 1، الوسائل 9: 171 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 85

المستقبلة» «1».

و ما يتضمّنه ذيل الرواية من جعل ابتداء ما يستفاد في الستّة الأشهر الأولى عند الشروع في الاستفادة، و ما يستفاد في الستّة الأخرى عند الفراغ منها جميعا، فليس على وجه الوجوب إجماعا، و إنّما هو إرشاد لتسهيل الضبط.

و رواية أبي بصير: عن رجل كون نصف ماله عينا و نصفه دينا، أ تحلّ عليه الزكاة؟ قال: «يزكّي العين و يدع الدين»، قلت: فإن اقتضاه بعد ستّة أشهر، قال: «يزكّيه حين اقتضاه»، قلت: فإن هو حال عليه الحول و حلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستّة أشهر؟ قال: «يزكّي الذي مرّت عليه سنة، و يدع الآخر حتى تمرّ عليه سنة»، قلت: فإن اشتهى أن يزكّي ذلك؟ قال: «ما أحسن ذلك» «2».

و رواية عبد الحميد: في الرجل يكون عنده المال، فيحول عليه الحول، ثمَّ يصيب مالا آخر قبل أن يحول على المال الحول، قال: «إذا حال على المال الحول زكّاهما جميعا» «3»، أي إذا حال على كلّ مال حوله زكّاه.

و يحتمل غير ذلك المعنى أيضا، بأن يراد بالمال الأخير المال الأول، فيقدّم

زكاة الثاني، أو الأخير فيؤخّر زكاة الأول، و على هذا فالخبر لا يخلو عن إجمال.

فرع:

إذ عرفت أنّه لا تعدّ الضميمة مع الأصل في الحول، فنقول لكيفيّة ضبط حولهما: إنّ بعد كون الأصل نصابا لا يخلو إمّا لا تكون

______________________________

(1) الكافي 3: 523- 5، الوسائل 9: 172 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 16 ح 4.

(2) الكافي 3: 523- 6، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 9.

(3) الكافي 7: 527- 2، الوسائل 9: 171 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 86

الضميمة الحاصلة في أثناء حول الأصل بنفسها نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل، أو تكون.

فإن لم تكن كذلك، فإمّا لا تكون نصابا غير النصاب الذي بعد نصاب الأصل أيضا و لا مكمّلا لنصاب أيضا، أو تكون.

فالأول: كأن يضمّ مع خمس من الإبل أربع، أو مع ثلاثين من البقر خمس، أو مع أربعين من الغنم عشرون، و حكمه ظاهر؛ إذ لا أثر لوجوده، بل يجري على حول الأصل، كما لو لم يكن هناك ضميمة.

و الثاني: إمّا يكون مكمّلا للنصاب اللاحق خاصّة، أو نصابا غير النصاب الذي بعد نصاب الأصل خاصّة، أو يكون كليهما.

فالأول: كأن يضمّ مع خمس و عشرين من الإبل إبلان، أو مع ثلاثين من البقر أحد عشر، أو مع مائة من الغنم اثنان و عشرون، و حكمه أيضا ظاهر، فيزكّي الأصل بعد تمام حوله؛ للروايات الأربع المتقدّمة «1»، و عمومات وجوب الزكاة في النصاب بعد الحول «2».

و لا ينافيه ما يدلّ على أنّ فريضة النصاب الحاصل من الأصل و الضميمة غير ذلك؛ لأنّه بعد حولان الحول عليه، و لم يحل بعد.

و لا

دلالة فيها على أنّه ليس لما دونه شي ء حتى يعارض العمومات و الروايات المتقدّمة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    87     فرع: ..... ص : 85

لا زكاة حين تمام حول الضميمة للضميمة منفردة؛ لنقصانها عن النصاب، فإمّا يزكّي حينئذ لمجموعهما، أو يؤخّر إلى الحول الثاني لأصلها و يزكّي المجموع.

الأول باطل؛ لاستلزامه إخراج الزكاة عن الأصل مرّتين في عام واحد،

______________________________

(1) في ص 84، 85.

(2) الوسائل 9: 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 87

و هو بصريح الأخبار باطل، فتعيّن الثاني.

فإن قيل: يعارض ما دلّ على أنّه لا يزكّى مال في عام مرّتين مع ما دلّ على أنّ النصاب اللّاحق بعد حولان الحول عليه تجب فريضته.

قلنا: التعارض بالعموم من وجه، و المرجع معه أيضا أصالة عدم وجوب الزكاة.

و الثاني: كأن يضمّ مع ست و عشرين من الإبل خمس، أو مع أربعين من الغنم أو مائة و إحدى و عشرين أربعون، و يزكّي أصله بعد حولان حوله.

و في إخراج زكاة الضميمة بعد حولها، ثمَّ زكاة الأصل بعد حول الثاني أيضا، و هكذا؛ لعمومات زكاة النصاب، و ظاهر الروايات الأربع المتقدّمة «1».

أو إسقاط الضميمة من البين و البناء على حول الأصل؛ لأدلّة العفو، ثمَّ زكاة الضميمة بعد حوله الثاني.

احتمالان، أظهرهما: الثاني، وفاقا للأكثر [1]؛ لما ذكر.

مضافا إلى الأصل، و اختصاص الروايات الأربع بما استجمعت شرائط وجوب الزكاة إجماعا، و منها: عدم كونه عفوا، و به تخصّص عمومات وجوب الزكاة في النصاب، مع أنّه على التعارض يرجع إلى الأصل.

و الثالث: كأن يضمّ مع ثلاثين من الإبل سبع، أو مع خمس و عشرين منها إحدى عشرة، أو مع ثمانين من الغنم اثنان

و أربعون.

ففي بناء زكاتهما على الحول الأول للأصل، فيزكّيان جميعا عند تمام حوله، فتحصل الفائدة للفقير.

أو على الحول الأول للضميمة، فيزكّيان عنده و يسقط من حول

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 5: 77، و الذخيرة: 432، و الرياض 1: 267.

______________________________

(1) في ص 84 و 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 88

الأصل ما زاد للأصل ما تقدّم من حوله على حول الضميمة من البين، فتحصل الفائدة للمالك.

أو إخراج زكاة للأصل بعد تمام حوله الأول ثمَّ البناء في زكاتهما على الحول الثاني للأصل و يسقط للضميمة من حوله على [1] تمام الحول الأول للأصل.

أو بناء زكاة كلّ منهما على حوله دائما.

احتمالات أربعة.

يبطل: أولها: بأدلّة اشتراط الحول و لم يجر على الضميمة بعد، و بظاهر الروايات الثلاث الأول من الأربع.

و ثانيها: بعمومات وجوب الزكاة في النصاب المعيّن بعد حولان الحول عليه «1» الخالية عن معارضة أدلّة العفو، مضافة إلى ظاهر الروايات الثلاث «2» (الأول من الأربع) [2].

و ثالثها: بالعمومات المذكورة أيضا، و رواية أبي بصير «3».

فلم يبق إلّا الأخير، و لا أدري له مبطلا.

و ما ورد في حكم العدد المركّب من الأصل و الضميمة فالمتبادر [منه ] [2] ما اتّحد الجميع في سائر الشرائط.

و لا يضرّ عدم ظهور مصرّح بهذا الاحتمال؛ لعدم ثبوت إجماع في ذلك المورد.

و إن كانت الضميمة نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل، فهو على قسمين:

______________________________

[1] كذا، و الأنسب: إلى.

[2] ما بين القوسين من «س».

[3] أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) راجع ص 86.

(2) المتقدمة في ص 84، 85.

(3) المتقدمة في ص 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 89

لأنّه إمّا لا تبلغ الضميمة مع الأصل النصاب- الذي بعد نصاب الضميمة كالنصاب الثالث مثلا- أو تبلغ.

فالأول: كأن يضمّ مع أربعين من

الغنم مائة و اثنان و عشرون، فإنّ الضميمة مستقلّة بلغت النصاب الذي بعد نصاب الأصل و لكن لا يصلان مع النصاب الثالث و هو إحدى و مائتان، و حكمه سقوط زكاة الأصل بأدلّة العفو، فإنّ ما زاد عن المائة و إحدى و عشرين و نقص عن الإحدى و المائتين، عفو، ثمَّ البناء على حول الضميمة.

و الثاني: كأن يضمّ مع مائة من الغنم مائة و اثنان و عشرون، و الظاهر فيه بناء كلّ على حوله كما مرّ، و اللّه يعلم.

الشرط الثاني: السوم،
اشاره

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المعتبر و التحرير و التذكرة و المدارك و الحدائق؛ له «1»، و لموثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب «2»، و قوله في حسنة الفضلاء بعد نصاب الإبل: «إنّما ذلك على السائمة الراعية» «3» و بعد نصاب البقر: «إنّما الصدقة على السائمة الراعية» «4».

و صحيحة الفضلاء، و فيها: «انّما الصدقات على السائمة الراعية» «5».

و صحيحة زرارة، و فيها: هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ قال: «لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى

______________________________

(1) المعتبر 2: 261، التحرير 1: 60، التذكرة 1: 205، المدارك 5: 67، الحدائق 12: 78.

(2) في ص 63.

(3) الكافي 3: 531- 1، الوسائل 9: 118 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 1.

(4) الكافي 3: 534- 1، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 2.

(5) التهذيب 4: 41- 103، الاستبصار 2: 23- 65، الوسائل 9: 120 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 90

ذلك فليس فيه شي ء» «1».

أقول: المرج- بالجيم- مرعى: الدواب. ثمَّ المراد بالسوم

الرعي، كما هو معناه اللغوي، و المصرّح به في الأخبار.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يشترط كونها سائمة طول الحول

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «2»؛ له، و لقوله في صحيحة زرارة الأخيرة: «عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».

فلو انقطع سومها في أثناء الحول لم تجب الزكاة؛ لعدم صدق كونها سائمة عام اقتنائها.

ثمَّ إنّه لا خلاف في انقطاع السوم بما إذا كان العلف غالبا على السوم، بل ادّعى بعضهم الإجماع في المساوي أيضا [1]. و الظّاهر أنّه كذلك.

إلّا أنّه حكي عن الخلاف اعتبار الأغلب «3»، و لم ينقل منه حكم المساوي.

و اختلفوا فيما إذا كان العلف أقلّ من السوم على أقوال:

أصحّها عند أكثر المتأخّرين اعتبار الصدق و الاسم عرفا [2]، فينقطع السوم إن علف بقدر لا يصدق معه السوم طول الحول في العرف، و لا ينقطع إن كان بقدر يصدق عليه ذلك.

و هو مذهب الفاضل في التحرير و التذكرة و المنتهى و المختلف «4»

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 266.

[2] منهم صاحبي الذخيرة: 442، و الرياض 1: 266.

______________________________

(1) الكافي 3: 530- 2، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 3.

(2) حكاه في الرياض 1: 266.

(3) الخلاف 2: 53.

(4) التحرير 1: 60، التذكرة 1: 205، المنتهى 1: 486، المختلف 2: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 91

و الشهيد الثاني في الروضة «1»، و إليه ذهب المحقّق الثاني «2»؛ لعدم النصّ و وجوب الرجوع إلى العرف المحكّم في مثله.

خلافا للشيخ في الخلاف، فجعل الحكم للأغلب «3»، و لازمه عدم الانقطاع بالعلف خمسة أشهر و نصف.

و للشرائع، فحكم بالانقطاع به و لو في يوم «4»، و هو مختار القواعد و الإرشاد «5» و بعض آخر «6».

و أكثر هؤلاء صرّحوا بعدم الانقطاع باللحظة، و قد يشمل إطلاق كلام البعض

اللحظة أيضا، و يأتي تحقيق المقام في ذكر العوامل.

المسألة الثانية: قالوا: يتحقّق العلف بإطعامها العلف المملوك مطلقا و لو بالرعي،

كما لو زرع لها قصيلا [1] و أرسلها إليه لترعاه، أو اشترى لها مرعى و أرسلها إليه.

و حاصل الضابط على هذا: اشتراط السوم بأن لا يكون العلف مملوكا، و انقطاعه بالعلف بالمملوك مطلقا.

أقول: نظرهم في التعميم إن كان إلى أنّ اعتبار السوم لجبر ضرر مئونة العلف في المعلوفة كما قيل «7»، ففيه: أنّه علّة مستنبطة مردودة؛ و إن كان إلى أنّه مقتضى معنى السوم ذلك، ففيه إشكال كما صرّح به بعض أفاضل

______________________________

[1] القصيل: الذي تعلف به الدواب. لسان العرب 11: 558.

______________________________

(1) الروضة 2: 22.

(2) جامع المقاصد 3: 11.

(3) الخلاف 2: 53.

(4) الشرائع 1: 144.

(5) القواعد 1: 52، الإرشاد 1: 280.

(6) كالتبصرة: 44.

(7) كما في التذكرة 1: 205، و المسالك 1: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 92

المتأخّرين أيضا «1».

و التحقيق: أنّ العلف بالمملوك على قسمين، أحدهما: نقل العلف بعد حصاده، و ثانيهما: رعي الدابة من العلف الثابت في منبته.

ثمَّ إنّه لا شكّ في تحقّق العلف بنقل العلف إلى الدابّة، أو إلى محلّ آخر و إتيان الدابّة إليه، سواء كان العلف مملوكا أو مباحا في الأصل.

و أمّا فيما إذا كان العلف بالرعي ففيه إشكال جدّا، سيّما إذا كان العلف ممّا يبقى من الحصاد من أصول السنابل أو من علف الباغ [1] و أمثالها، فإنّ عدم صدق الرعي الذي هو معنى السوم عليها غير معلوم.

إلّا أن يقال: إنّ تصريح الأصحاب بمنافاة مثل ذلك للسوم يوجب الشكّ في الصدق، و لأجله يحصل الإجمال في معنى السائمة، و لعدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال لا يحكم بوجوب الزكاة في أمثال ذلك، فتأمّل.

و لا فرق في العلف المملوك

بين ما إذا استأجر الأرض المنبتة للعلف أو اشتراها. و التفرقة بينهما كما في كلام جماعة غير جيّدة [2].

و لا فرق أيضا في العلف بين أن يكون لعذر كثلج أو لغير عذر؛ و لا بين أن تعتلف الدابّة بنفسها من العلف المنقول، أو أعلفها المالك، أو غيره، من دون إذن المالك أو بإذنه، من مال المالك أو غيره، وفاقا لجماعة «2».

و خلافا للمحكيّ عن التذكرة «3» و غيره، فاستقرب وجوب الزكاة

______________________________

[1] الباغ: كلمة فارسية، و تعني البستان.

[2] منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 233، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 22.

______________________________

(1) السبزواري في الذخيرة: 432.

(2) كما في الدروس: 1: 233، و المدارك 5: 70، و كشف الغطاء: 352، و الرياض 1: 266.

(3) التذكرة 1: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 93

لو علفها من ماله؛ لعدم المؤنة.

و فيه: أنّ العلّة غير منصوصة بل مستنبطة، فلا تصلح مقيّدة لإطلاق ما دلّ على نفي الزكاة في المعلوفة.

المسألة الثالثة: ما ذكر من اشترط السوم طول الحول إنّما هو في غير السخال-

أي أولاد الأنعام الثلاثة في عامها الأول- و أمّا هي فلا يشترط فيها ذلك طول الحول على الأقوى، بل يستثنى منها زمن الرضاع، وفاقا للإسكافي و الشيخ و الروضة «1» و جماعة [1]، و مال إليه جدّي الفاضل- قدّس سرّه- بل أكثر المتأخّرين، بل هو المشهور مطلقا، كما في المختلف و المسالك «2».

لموثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب «3»، و روايته المتقدّمة في صدر الشرط الأول «4»، و صحيحته: «ليس في صغار الإبل شي ء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» «5».

دلّت هذه الأخبار بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة في الأنعام بعد مضيّ الحول من يوم النتاج.

و هذه أخصّ مطلقا من صحيحة زرارة المتقدّمة المشترطة للسوم طول الحول «6»؛ إذ

ما مضى حول من يوم نتاجه لا تكون سائمة طول الحول

______________________________

[1] منهم السبزواري في الذخيرة: 432، و الكفاية: 36.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 175، و قاله الشيخ في المبسوط 1: 198، و هو في الروضة 2: 26.

(2) المختلف: 175، المسالك 1: 52.

(3) في ص 63.

(4) في ص 66.

(5) الكافي 3: 533- 3، الوسائل 9: 122 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 1.

(6) راجع ص 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 94

قطعا.

فيكون مقتضى مفهوم الغاية: وجوب الزكاة في الأولاد الحوليّة الغير السائمة تمام الحول البتّة.

و مقتضى مفهوم الحصر في الصحيحة: عدم وجوب الزكاة في غير السائمة عامها، سواء كانت من الأولاد الحوليّة أو غيرها، فيجب تخصيص المفهوم الأخير.

بل و كذلك الحكم لو قلنا بعموم المفهوم الأول أيضا، كما قد يتوهّم من جهة شمول: ما مضى حول من يوم نتاجه، لما مضى أكثر من حول أيضا؛ إذ التعارض حينئذ يكون بالعموم من وجه، فلو رجّحنا الأول بقوّة الدلالة و الأكثريّة، و إلّا فيرجع إلى عمومات وجوب الزكاة في الأنعام «1».

و تدلّ على المطلوب أيضا حسنة ابن أبي عمير: «كان عليّ عليه السّلام لا يأخذ من صغار الإبل شيئا حتى يحول عليه الحول، و لا يأخذ من جمال العمل صدقة» «2».

و رواية زرارة: «ليس في صغار الإبل و البقر و الغنم شي ء إلّا ما حال عليه الحول عند الرجل، و ليس في أولادها شي ء حتى يحول عليه الحول» «3».

و الأخرى: «لا يزكّي من الإبل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه الحول» «4» إلى غير ذلك.

و لا ينافي ما ذكرنا موثّقة إسحاق بن عمّار: السخل متى يجب فيه الصدقة؟ قال: «إذا أجذع» «5»؛ لأنّ معنى

أجذع- على ما في الوافي- تمّت

______________________________

(1) الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.

(2) الكافي 3: 531- 7، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 2.

(3) تقدمت في ص 66.

(4) تقدمت في ص 66.

(5) الكافي 3: 535- 4، الفقيه 2: 15- 39، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 95

له سنة «1»، فيوافق ما ذكرنا.

نعم، يستشكل فيها على ما فسّر الجذع في الغنم بما كمل له سبعة أشهر، و استشكاله حينئذ من جهة المعارضة مع أخبار الحول، و لا شكّ في مرجوحيّته بالنسبة إليها.

خلافا للفاضلين، فشرطا فيها أيضا السوم طول الحول «2». و يلزمه أن يكون مبدأ حولها عند استغنائها بالرعي عن الارتضاع؛ لاشتراط السوم بالنصوص و الإجماع، و لا سوم حين الارتضاع.

و الإجماع ممنوع في موضع النزاع، و العامّ يخصّص مع وجود الأخصّ؛ مع أنّ العمومات معارضة بمثلها، كقوله في صحيحة الفضلاء:

«و إذا حال عليه الحول وجب عليه» «3».

و استقرب في البيان التفصيل بارتضاعها من لبن السائمة فالأول، أو المعلوفة فالثاني «4»، جمعا بين الدليلين.

و يندفع بأنّ الجمع بالتخصيص هو الموافق للأصول، دون مثل ذلك ممّا لا شاهد له.

ثمَّ إنّ استثناء السخال إنّما هو من اشتراط السوم طول العام لا من اشتراط السوم مطلقا، فيشترط سومها بعد الاستغناء من الارتضاع؛ لعمومات اشتراط السوم مطلقا من غير معارض و مخصّص.

و الظاهر كفاية صدق السائمة حال حولان الحول، و لا يشترط اتّصال السوم من مدّة الاستغناء عن الأمّهات إلى الحول؛ لعدم الدليل، و إنّما

______________________________

(1) الوافي 10: 99.

(2) المحقّق في المعتبر 2: 510، و الشرائع 1: 144، العلّامة في التذكرة 1: 205.

(3) راجع ص 66.

(4) البيان:

286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 96

يخصّص ما ذكر ما دلّ على اشتراطه طول الحول.

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل،
اشاره

بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما في المدارك و عن الخلاف و التذكرة و المنتهى «2».

لموثّقة زرارة، و فيها: «و كلّ شي ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء» «3».

و في حسنة الفضلاء في الإبل: «و ليس في العوامل شي ء» «4».

و قال في البقر: «و لا على العوامل السائمة شي ء» «5».

و في صحيحة الفضلاء: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية» «6».

و لا تنافيها الروايات الثلاث لإسحاق بن عمّار «7»؛ لعدم دلالة شي ء منها على الوجوب و إن تضمّنت لفظة: «على»؛ لأنّها داخلة على المال و لم تثبت إفادتها حينئذ للوجوب؛ مع أنّه لو دلّت عليه لوجب صرفها إلى الاستحباب بقرينة سائر الأخبار.

هذا، مضافا إلى عدم حجّيتها؛ لشذوذها، و مخالفتها الإجماع.

ثمَّ الظاهر اتّفاقهم على اعتبار هذا الشرط أيضا طول الحول، و هو

______________________________

(1) الذخيرة: 433.

(2) المدارك 5: 79، الخلاف 2: 51، التذكرة 1: 205، المنتهى 1: 486.

(3) المتقدمة في ص 66.

(4) الكافي 3: 531- 1، التهذيب 4: 22- 55، الاستبصار 2: 20- 59، الوسائل 9: 118 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 1.

(5) تقدمت في ص 66، بتفاوت.

(6) التهذيب 4: 41- 103، الاستبصار 2: 23- 65، الوسائل 9: 120 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 5.

(7) المتقدمة في ص 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 97

الدليل عليه، و لم أعثر على دليل آخر يدلّ على اشتراط استمراره.

مسألة:

لا شكّ أنّ المراد بالسائمة و المعلوفة و العوامل ليس المتلبّس بالمبدإ بالفعل، بل المراد من هذه الألفاظ ذوي الملكات، كالكاتب و الفصيح و الأكول.

و المرجع في معرفة هذه المعاني إلى العرف، لا

لأجل تقديم الحقيقة العرفيّة على اللغويّة؛ بل لأنّ الألفاظ موضوعة للمصاديق العرفيّة.

فالمراد بالسائمة: ما تسمّى في العرف سائمة و إن أعلفت في آن الإطلاق، فإنّ الراعية طول دهرها لو اعتلفت لحظة يقال: إنّها سائمة حينئذ أيضا، و العاملة طول حولها لو سكنت يوما يقال: إنّها عاملة حينئذ أيضا.

ثمَّ إنّك تراهم اختلفوا في ما يتحقّق به السوم و ينقطع، و كذلك العمل، و كلامهم إمّا في صدق كونها سائمة أو معلوفة أو عاملة أو عدم صدقها بالإطلاق، أو في صدقها و عدمه في الحول، و الظاهر من اعتبار بعضهم الأغلب: أنّ المراد صدق المعلوفة و العاملة و ضدّهما في الحول.

و كيف كان، فإن كان الكلام في الأول، فلا شكّ في وجوب الرجوع إلى المصداق العرفي، فالسائمة ما يصدق عليها السائمة عرفا، و كذا العاملة و ضدّهما.

و لا شكّ في اشتراط وجوب الزكاة بصدق كونها سائمة و غير عاملة حال تعلّق وجوب الزكاة، فلو لم يصدقان عليها حال التعلّق لا يتعلّق.

و إن كان الكلام في الثاني- أي ما تصدق معه السائمة أو غير العاملة في الحول- فمرادهم من اشتراط ذلك في الحول.

إمّا أنّه يجب أن تكون في تمام الحول سائمة و غير عاملة، بحيث لم يصدق في جزء منه أنّها غير سائمة أو عاملة.

أو مرادهم منه: أنّه يجب أن تكون بحيث يصدق عليها أنّها سائمة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 98

في الحول، أو غير عاملة فيه، و إن لم يصدق عليها ذلك في يوم أو يومين من الحول.

فإن كان المراد الأول، فاللازم تحقيق معنى السائمة و غير العاملة مطلقا كما مرّ، و لا يحتاج إلى تحقيق معنى سائمة الحول و غير العاملة في الحول، بل إذا

علم ما يتحقّق به السوم المطلق و ينقطع به- و كذا العاملة- يكفي لفهم ذلك أيضا .. و يقال: إنّه يجب أن تكون بحيث لا يصدق عليها في جزء من الحول و لو لحظة: غير السائمة و العاملة، كما كان كذلك في اشتراط الملكيّة و النصاب و البلوغ و العقل و التمكّن من التصرّف، فإنّه يشترط تحقّق هذه الأمور في جميع أجزاء الحول؛ لأنّه مدلول: «و ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه» .. لا أن لا تعمل لحظة و لا تعلف لحظة؛ لأنّهما لا يوجبان صدق العامليّة و العلف في هذه اللحظة، بل غير عاملة و سائمة في هذه اللحظة أيضا ما لم تعمل و لم تعلف مدّة تصدق معها العاملة و المعلوفة في تلك اللحظة.

و إن كان المراد الثاني، فاللازم تحقيق معنى السائمة و غير العاملة في الحول، فإنّه يمكن أن يصدق عليها سائمة الحول مع عدم كونها سائمة في بعض أيّام الحول.

و الظاهر [حينئذ] [1] عدم منافاة صدق المعلوفة أو [غير] [2] السائمة في يوم بل يومين في صدق سائمة الحول.

و ظاهر قولهم: إنّ بعضهم اعتبر الأغلب، إرادة الثاني؛ لأنّه الذي يمكن اعتبار الأغلب و غيره فيه دون المعنى الأول.

و لكن يخدشه: إنّه لو كان مرادهم ذلك يجب أن لا يضرّ عدم صدق

______________________________

[1] في النسخ: حين، و الصحيح ما أثبتناه.

[2] أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 99

السائمة و غير العاملة في يوم في تمام الحول عند من يعتبر الأغلب أو المعنى العرفي، من غير تفاوت بين طرفي الحول و أثنائه.

مع أنّ الظاهر أنّه لو ملك أحد النصاب معلوفة أو عاملة يبتدئ الحول من حيث السوم و

ترك العمل، و لا يحسب ما كان معلوفة أو عاملة في الابتداء من الحول و لو كان يوما أو يومين، و كذلك لو كان بحيث يصدق عليها المعلوفة و العاملة في يوم أو يومين في آخر الحول.

و كيف كان، فالمفيد لنا: تحقيق أنّ اشتراط استمرار السوم و عدم العمل في الحول هل هو بالمعنى الأول أو الثاني؟

الظاهر أنّه لا دليل على الأول، أمّا في اشتراط عدم العامليّة في الحول فلأنّ دليله الإجماع فقط، و لم يثبت الإجماع على ذلك.

و أمّا في اشتراط السوم فلأنّه و إن دلّ عليه قوله: «المرسلة في مرجها عامها» في صحيحة زرارة «1»، و لكن إرادة كونها كذلك في جميع أجزاء الحول غير معلوم، بل إرادة انتفاء ما ينتفي معه صدق السوم الحولي معلوم، و غيره منتف بالأصل.

فتعيّن المعنى الثّاني- أي يجب أن يصدق عليها السائمة حولا و غير العاملة حولا- و إن انتفى الصدق في نحو يوم من الحول.

و الظاهر انتفاء ذلك الصدق بانتفائها في شهر من الحول بل عشرين يوما، و أمّا في ما دون ذلك فمشكل، و الأصل يقتضي عدم كونه مسقطا للزكاة؛ لعمومات وجوب الزكاة، فيقتصر في التخصيص على ما علم خروجه.

لا يقال: إذا كان الدليل الإجماع و الاقتصار على المتيقّن، يجب اشتراط أغلبيّة السوم و عدم العامليّة أو مع التساوي، و ما سواهما ليس مورد

______________________________

(1) المتقدمة في ص 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 100

الإجماع و اليقين.

لأنّا نقول: إنّ المجمع عليه و المتيقّن اشتراط سوم الحول و عدم عامليّته، و من عيّن الأغلب فإنّما هو لتعيين معنى سوم الحول و عدم عامليّته؛ حيث إنّه زعم توقّف صدق سوم الحول عليه، لا أن يكون لنفس الغلبة

أو التساوي مدخليّة و يكون محطّا للخلاف، فتأمّل جدّا، و اللّه العالم.

الشرط الرابع: النصاب،
اشاره

و لكون نصب الأنعام الثلاثة مختلفة نذكر نصب كلّ واحد مع قدر الفريضة في مقام على حدة.

فهاهنا ثلاث مقامات:
المقام الأول: في نصب الإبل.
اشاره

و هي اثنا عشر نصابا:

الخمس، و لا يجب في ما دونه شي ء، فإذا بلغت خمسا حصل أول النصب، و فيها شاة.

و لا يجب للزائد عليها شي ء حتى إذا بلغت ثاني النصب، و هو العشرة و فيها شاتان.

و لا يزيد عليهما شي ء حتى إذا بلغت ثالثها، و هو خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه.

إلى أن تبلغ الرابع، و هو عشرون، و فيها أربع.

إلى أن تبلغ الخامس، و هو خمس و عشرون، و فيها خمس.

إلى أن تبلغ السادس، و هو ست و عشرون، و فيها بنت مخاض- بفتح الميم- اسم جمع الماخض، بمعنى الحامل، أي بنت ما من شأنها أن تكون ماخضا- أي حاملا- فإنّ ولد الناقة إذا استكمل الحول فصل عن امّه و صار من شأن امّه أن تكون ماخضا، سواء كانت ماخضا أو لم تكن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 101

و بنت المخاض ما استكملت الحول و دخلت في الثانية فهي زكاة النصاب السادس.

إلى أن تبلغ السابع، و هو ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون- بفتح اللام- أي بنت ذات لبن و لو بالصلاحية، و هي ما استكملت السنتين و دخلت في الثالثة، فإنّ أمّها صالحة لوضع حمل غيرها فصار لها لبن، و هي نصاب السابع.

إلى أن تبلغ الثامن، و هو ستّ و أربعون، و فيها حقّة- بكسر الحاء- و هي ما استكملت الثلاث و دخلت في الرابعة، سمّيت بها لاستحقاقها الفحل و الحمل.

إلى أن تبلغ التاسع، و هو إحدى و ستون، و فيها جذعة- بفتح الجيم- و هي ما دخلت الخامسة، سمّيت بها لشبابها، و

حداثة سنّها. و قيل: لأنّ فيها يجذع مقدّم أسنانها «1»- أي يسقط- و ردّه بعضهم.

ثمَّ هي الزكاة إلى أن تبلغ العاشر، و هو ستّ و سبعون، و فيها بنتا لبون.

إلى أن تبلغ الحادي عشر، و هو إحدى و تسعون، و فيها حقّتان.

إلى أن تبلغ الثاني عشر، و هو مائة و إحدى و عشرون، و حينئذ ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون.

و إنّما كلّ ذلك على المشهور المنصور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الانتصار و الغنية «2».

و أمّا ما في المبسوط و الجمل و الوسيلة و التذكرة- من أنّ النصب ثلاثة عشر و جعل الثالث عشر في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون «3»-

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 265.

(2) الخلاف 2: 6 و 7، الانتصار: 80، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(3) المبسوط 1: 191، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 199، الوسيلة: 124، التذكرة 1:

205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 102

فالتعبير لفظي؛ لرجوعه إلى المشهور، بل الظاهر أنّ الإجماع محقّق، فهو الدليل عليه مع النصوص المستفيضة.

منها: صحيحة البجلي المتضمّنة لجميع هذه النصب، و قدر زكاتها كما ذكر، إلى أن بلغ عشرين و مائة قال: «فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّه» «1».

و صحيحة أبي بصير، و هي قريبة من سابقتها «2».

و صحيحة زرارة: و هي نحو سابقتها إلى قوله عشرين و مائة، ثمَّ قال:

«فإن زادت على العشرين و مائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة و في كلّ أربعين ابنة لبون» «3».

و نحو الصحيحة الأخيرة موثّقة ابن بكير و زرارة «4».

خلافا للمحكيّ عن العماني، فجعل النصاب أحد عشر «5»، بإسقاط سادس المشهور، و هو ستّ و عشرون، و أوجب بنت

المخاض في خمس و عشرين، فخلافه معهم في عدد النصب و زكاة نصاب الخامس.

لصحيحة الفضلاء الخمسة، و هي مثل ما مرّ من الأخبار إلى قوله:

«إلى أن يبلغ خمسا و عشرين»، قال: «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، و ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين»، و أسقط فيها الواحدة من كلّ

______________________________

(1) الكافي 3: 532- 2، التهذيب 4: 21- 53، الاستبصار 2: 19- 57، الوسائل 9: 110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 4: 20- 52، الاستبصار 2: 19- 56، الوسائل 9: 109 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 2.

(3) الفقيه 2: 12- 32، الوسائل 9: 108 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 4: 21- 54، الاستبصار 2: 20- 58، الوسائل 9: 109 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.

(5) حكاه عنه في المختلف: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 103

نصاب إلى عشرين و مائة.

ثمَّ قال: «فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة، ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون» «1».

و الجواب عنها: بتضعيفها؛ لمخالفتها عمل الأصحاب كلّا، حتى العماني في النصب المتأخّرة عن الخامس، و موافقتها لمذهب العامّة في النصاب الخامس «2»؛ حيث إنّ ما تضمّنه موافق للعامّة، كما صرّح به الأصحاب «3».

و تدلّ عليه الصحيحة الأولى، فإنّ فيها- على ما في الكافي- بعد قوله: «و في ست و عشرين ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين» قال: و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس «4».

مع أنّ صحيحة الفضلاء مرويّة في الوسائل «5» عن بعض نسخ معاني الأخبار الصحيحة بما يوافق سائر الأخبار.

و للمحكيّ عن

الإسكافي في قدر زكاة النصاب الخامس، فإنّه قال:

في خمسة و عشرين ابنة مخاض، فإن تعذّر فابن لبون، فإن لم يكن فخمس شياه، فإن زادت على خمس و عشرين ففيها ابنة مخاض «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 531- 1، التهذيب 4: 22- 55، الاستبصار 2: 20- 59، معاني الأخبار: 327- 1، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.

(2) انظر: المغني و الشرح الكبير 2: 441، و بداية المجتهد 1: 259، و كتاب الام 2: 5.

(3) انظر: التهذيب 4: 23.

(4) الكافي 3: 532- 2، الوسائل 9: 110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.

(5) الوسائل 9: 112 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 7.

(6) حكاه عنه في المختلف: 175، و الانتصار: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 104

و لم نعثر له على مستند تامّ له في الأخبار، نعم قال في الانتصار: إنّ ابن الجنيد عوّل في هذا المذهب على بعض الأخبار المرويّة عن أئمّتنا «1».

و لا يخفى أنّ مثل ذلك لا يصير حجّة لنا.

و للمحكيّ عن الصدوق في الهداية، و والده في الرسالة، في النصاب العاشر، فبدّلاه بالإحدى و الثمانين، و قالا: إنّ فيها شيئا «2»؛ و مستندهما عبارة الفقه الرضوي، فإنّها مصرّحة بذلك «3».

و الجواب عنها: بضعفها بنفسها، و بمعارضتها للأخبار الصحيحة، و مخالفتها لعمل معظم الطائفة.

و للانتصار في النصاب الأخير، فجعله مائة و ثلاثين، و قال: فيها حقّة و ابنتا لبون؛ مستدلا عليه بالإجماع «4».

و هو غير حجّة في مقام النزاع، سيّما مع دعواه الإجماع على خلافه في الناصريّات «5».

فروع:

أ:

هل التقدير بالأربعين و الخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقا، كما اختاره جماعة من المتأخّرين [1]، و نسبه في فوائد القواعد إلى

ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب؟

______________________________

[1] منهم المحقق في المختصر النافع: 54، و العلّامة في التبصرة: 44، و صاحب المدارك 5: 58.

______________________________

(1) الانتصار: 81.

(2) الهداية: 42، و نقله عن والده في المختلف: 176.

(3) فقه الرضا (ع): 196، مستدرك الوسائل 7: 59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.

(4) الانتصار: 81.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 105

أم يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخيّر، و إن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا حتى لو كان التقدير بهما وجب الجمع، فيجب تقدير أول هذا النصاب، و هو المائة و إحدى و عشرين بالأربعين، و المائة و الثلاثين و المائة و الأربعين بهما، و المائة و الخمسين بالخمسين، و يتخيّر في المائتين، و في الأربعمائة يتخيّر بين اعتباره بهما و بكلّ واحد منهما، كما هو صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و الوسيلة و النهاية و التذكرة و المنتهى «1»، و ظاهر المحقّق «2»، بل في الخلاف: إنّه مقتضى المذهب، و في السرائر: إنّه المتّفق عليه، و في المنتهى نسبه إلى علمائنا، و كلام التذكرة يشعر بكونه اتّفاقيّا عندنا؟

دليل الأول: الأصل؛ لانحصار القول فيه و في الثاني و عدم الترجيح، فيجب الاكتفاء بمقتضى الأصل.

و إطلاق قوله: «ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون» في صحيحتي الفضلاء و زرارة و موثّقة زرارة و ابن بكير «3»، و باعتبار التقدير بالخمسين خاصّة في صحيحة البجلي «4»، و لو كان التقدير بالمستوعب تعيّن أربعين في المائة و إحدى و عشرين.

و فيهما نظر، أمّا في الأول: فلمنع كون التخيير مقتضى الأصل، بل الأصل عدم تعلّق الحكم بالفرد الآخر في موضع الانطباق

على أحد الفردين.

و أمّا الثاني: فلأنّ الاستدلال بما في الصحيحين إنّما يتمّ لو جعلت

______________________________

(1) المبسوط 1: 192، الخلاف 2: 7، السرائر 1: 449، الوسيلة: 125، نهاية الإحكام 2: 333 و 322، التذكرة 1: 207، المنتهى 1: 481.

(2) المعتبر 2: 501.

(3) المتقدّمة في ص 102.

(4) المتقدمة في ص 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 106

لفظة الواو في قوله: «و في كلّ أربعين» بمعنى أو، و كما أنّه محتمل يحتمل أن يخصّ قوله: «في كلّ خمسين حقّة» بما يعدّه الخمسون خاصّة، و قوله:

«و في كلّ أربعين» بما يعدّه الأربعون مع الأربعين الزائدة على الخمسين، و إذ لا ترجيح فلا دلالة للإطلاق.

و أمّا ما في صحيحة البجلي من قوله: «في كلّ خمسين حقّة» يحتمل معنيين، أحدهما: أنّه يكفي في كلّ خمسين حقّة، و ثانيهما: أنّه يجب في كلّ خمسين حقّة، و يختصّ حينئذ بكلّ ما يعدّه الخمسون، أو يكون الخمسون أقلّ عفوا؛ لعدم الوجوب العيني في غيره إجماعا.

و الاستدلال إنّما يتمّ على الأول، و لا دليل على تعيّنه سوى عدم الاستيعاب في بعض الصور، و يعالج ذلك بالتخصيص، و هو و إن كان خلاف الأصل إلّا أنّ الحمل على الكفاية أيضا كذلك.

حجّة القول الثاني: الاحتياط.

و مراعاة حقّ الفقراء.

و الإجماع المحكيّ.

و أنّ التخيير يقتضي جواز الاكتفاء بالحقّتين في النصاب الأخير مع أنّهما واجبتان في ما دونه، فلا فائدة في جعله نصابا آخر.

و استدلّ له أيضا في المبسوط بعموم الأخبار «1»، و وجّه بأنّها دلّت على أنّ في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون، فيشمل العموم الأول كلّ ما يطابق الخمسين دون الأربعين فلا بدّ من عدّه بها، و العموم الثاني كلّ ما يطابق الأربعين دون

الخمسين فيجب عدّه بها.

و نجيب عن الأولين: بعدم وجوبهما.

و عن الثالث: بعدم حجّيته.

______________________________

(1) المبسوط 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 107

و عن الرابع: بإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة لا القيمة.

و عن الخامس: بما مرّ من أنّ ذلك تخصيص ليس بأولى من جعل لفظة الواو بمعنى أو.

و يمكن الاستدلال لهذا القول باستصحاب بقاء الاشتغال إلى أن يؤدّي فريضة العدد المطابق، و لا دافع له.

و لكن يعارضه استصحاب عدم شغل الذمّة بالزائد، و إذ لا دليل على شي ء منهما معيّنا فيحكم العقل في مثله بالتخيير؛ لعدم قول بتعيّن الأقلّ، الذي هو موافق الأصل، و لا مرجّح لشي ء منهما، فتعيّن التخيير.

ب:

لو كانت الزيادة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض إجماعا؛ لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة.

ج:

هل الواحدة الزائدة على المائة و العشرين جزء من النصاب؟

أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي ء، كما لا يسقط في الزائد عنها ممّا ليس بجزء؟

وجهان، بل قولان:

الأول: للنهاية «1»؛ لاعتبارها في النصّ، و هو موجب للجزئيّة.

و الثاني: لجملة من المتأخّرين [1]؛ لإيجاب الفريضة في كلّ من الخمسين و الأربعين الظاهر في خروجها.

و لتكافؤ الدليلين توقّف في البيان «2»، و هو في موقعه، و إن كان الأخير أظهر؛ لما مرّ، حيث إنّه أثبت الفريضة في الخمسين و الأربعين دون المجموع، و اللّه العالم.

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 18، و صاحب الرياض 1: 265.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 333.

(2) البيان: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 108

المقام الثاني: في نصاب البقر و قدر فريضته.

و نصابه أحد العددين من الثلاثين و الأربعين دائما، بمعنى: أنّه إذا بلغ أحدهما تتعلّق به فريضته.

و معنى الدوام: أنّ

الحكم كذلك في ما بعد أحدهما أيضا، أي يزيد بزيادة أحد النصابين على أحدهما فريضة النصاب الزائد و بزيادة أحدهما على الزائد فريضته، و هكذا.

فإذا بلغت ثلاثين تجب فريضتها، و لو بلغت أربعين تجب فريضتها، و لو بلغت ستّين تزيد على الثلاثين ثلاثون اخرى، فتجب اثنتان من فريضة الثلاثين، و لو بلغت سبعين تزيد عليها أربعون، فتجب فريضة الثلاثين و فريضة الأربعين، و لو بلغت ثمانين تزيد على الأربعين أربعون أخرى، فتجب اثنتان من فريضة الأربعين، و إذا بلغت تسعين تزيد على الستّين ثلاثون، فتجب ثلاث من فريضة الثلاثين، و إذا بلغت مائة تزيد على السبعين ثلاثون، فتزيد فريضة الثلاثين على فريضة السبعين، و هكذا.

و ما يعدّه العددان كالمائة و العشرين، يتخيّر في تكرير فريضة أيّ من العددين.

كلّ ذلك بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «1»، و النصّ، و هو صحيحة الفضلاء الخمسة المصرّحة بذلك «2»، إلّا أنّ المصرّح به فيها فيما يعدّه العددان كالمائة و العشرين تعيّن تكرير فريضة الأربعين، و لكن الإجماع أوجب حمله على أحد فردي المخيّر.

ثمَّ فريضة الأربعين: مسنّة- و هي بقرة أنثى سنّها ما بين سنتين إلى

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 265.

(2) الكافي 3: 534- 1، الوسائل 9: 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 109

ثلاث- إجماعا محقّقا، و محكيّا في المنتهى «1» و غيره «2»، و نفى عنه الخلاف جدّي الفاضل- قدّس سرّه- في رسالته الزكويّة؛ له، و للتصريح به في الصحيحة، و إن كان في دلالتها على الوجوب و التعيين نظر.

و فريضة الثلاثين: تبيع حوليّ- أي بقرة ذكر تتبع أمّها في المرعى و لها حول كامل- للصحيحة المذكورة.

و هل يتعيّن التبيع، كما

عن العماني «3» و ابني بابويه، حيث خصّوه بالذكر اتباعا للنصّ «4»؟

أو يتخيّر بينه و بين التبيعة، كما هو المشهور، بل يظهر من جماعة الإجماع عليه [1]؟

و في المنتهى: لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين «5»؛ لأولويّتها من التبيع، و لما رواه في المعتبر و النهاية من الرواية المصرّحة بالتخيير «6» المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل لإشعار الصحيحة المذكورة بأنّ ذكر التبيع ليس على التعيين، حيث قال: «في التسعين ثلاث تبايع» [بتذكير] [2] الثلاث الظاهر في إرادة الأنثى.

بل الظاهر أنّ مراد المخالفين أيضا ليس التعيّن، انظر إلى كلام الصدوق في الهداية و المقنع حيث قال: إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع حولي

______________________________

[1] منهم الشيخ في الخلاف 2: 18، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

[2] في النسخ: بتأنيث، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) المنتهى 1: 487.

(2) كما في التذكرة 1: 209.

(3) حكاه عنه في المختلف: 177.

(4) كما في المقنع: 50، و حكاه عن أبيه في المختلف 1: 177.

(5) المنتهى 1: 487.

(6) المعتبر 2: 502، النهاية: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 110

- إلى أن قال:- فإذا بلغت ستّين ففيها تبيعتان بالتأنيث «1».

مع أنّ دلالة الصحيحة على تعيّن التبيع غير معلومة؛ لعدم صراحتها في كون ذلك على سبيل الوجوب، و اللّه العالم.

المقام الثالث: في نصاب الغنم و قدر فريضته.

و للغنم خمسة نصب: أربعون، و فيها شاة.

ثمَّ مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان.

ثمَّ مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

ثمَّ ثلاث مائة و واحدة، و فيها أربع شياه.

ثمَّ أربعمائة، ففي كلّ مائة شاة، و هكذا دائما.

على الحقّ الموافق للمحكيّ عن المقنعة و الشيخ و الإسكافي و الحلبي و القاضي و الصهرشتي و ابني زهرة و حمزة «2» و الفاضل في غير

المنتهى و التحرير «3» و الإيضاح لولده «4» و البيان و اللمعة و الذخيرة «5»، و اختاره جدّي الفاضل نصير الدين القمّي في رسالته الزكويّة.

بل هو الأشهر، كما في الشرائع و النافع و الروضة «6» و عن المعتبر «7»،

______________________________

(1) الهداية: 42، المقنع: 50، و فيهما: تبيعان، بالتذكير.

(2) المقنعة: 238، الشيخ في المبسوط 1: 198، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 177، الحلبي في الكافي في الفقه: 167، القاضي في شرح جمل العلم: 254، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، ابن حمزة في الوسيلة: 126.

(3) كالتذكرة 1: 210، و القواعد 1: 53.

(4) الإيضاح 1: 177.

(5) البيان: 291، اللمعة (الروضة 2): 19، الأخيرة: 435.

(6) الشرائع 1: 143، النافع: 55، الروضة 2: 19.

(7) المعتبر 2: 503.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 111

بل في الخلاف: الإجماع عليه مطلقا «1»؛ كما عن جماعة الإجماع على النصب الثلاثة الأولى.

لصحيحة الفضلاء الخمسة: «في الشاة: في كلّ أربعين شاة شاة، و ليس في ما دون الأربعين شي ء، ثمَّ ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثمَّ ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة كان على كلّ مائة شاة، و سقط الأمر الأول، و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء و ليس في النيف شي ء» «2».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق في

الفقيه و المقنع، بل عن أبيه في النصاب الأول، حيث جعلاه واحدة و أربعين «3»؛ لما في الفقه الرضوي «4».

و هو- مع ضعفه بنفسه جدّا، بل ظنّي أنّه ليس إلّا رسالة والد الصدوق- شاذّ واجب الطرح؛ لمخالفته عمل الطائفة، سيّما مع معارضته مع الصحاح المعتضدة بالشهرة.

و أمّا ما في الفقيه من قوله: و روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال: «مثل ما في البقر، و ليس على الغنم شي ء حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا بلغت أربعين شاة و زادت واحدة

______________________________

(1) الخلاف 2: 21.

(2) الكافي 3: 534- 1، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1، و رواها في التهذيب 4: 25- 58، و الاستبصار 2: 22- 61.

(3) الفقيه 2: 14، المقنع: 50، و حكاه عن أبيه في المختلف: 177.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 196، المستدرك 7: 63 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 112

ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كلّه و اخرج من كلّ مائة شاة» «1».

فالظاهر أنّ الكلّ ليس من الخبر، بل من قوله: «و ليس في الغنم شي ء» من كلام الصدوق، و يؤيّده أنّ خبر زرارة مرويّ في الكافي و ليست فيه هذه الزيادة «2».

و للمحكيّ عن الصدوق و العماني و الجعفي و السيّد و الديلمي و الحلّي و المنتهى و التحرير «3»، و نسبه الحلّي إلى المفيد، و أنكره في المختلف و تعجّب منه و قال: إنّ المفيد قد صرّح في المقنعة بالأول «4».

أقول: قال

المفيد: و إذا كملت مائتين و زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العدّة و اخرج من كلّ مائة شاة «5».

انتهى.

و لا يخفى أنّ ظاهر هذه العبارة: أنّه يجعل النصاب الأخير ثلاثمائة لا بزيادة واحدة، فيكون كلامه مخالفا للنسبتين و للقولين، بل يجعل النصاب أربعة و يجعل الرابع ثلاثمائة، فيكون ذلك قولا ثالثا، و نسب في المختلف و المهذّب القول الثاني إلى ابن حمزة أيضا «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 14- 36، الوسائل 9: 115 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 1.

(2) الكافي 3: 534- 2، الوسائل 9: 115 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 1.

(3) الصدوق في الفقيه 1: 14، حكاه عن العماني في المختلف: 177، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 77، الديلمي في المراسم:

131، الحلّي في السرائر 1: 436، المنتهى 1: 489، التحرير 1: 61.

(4) المختلف: 177.

(5) المقنعة: 238.

(6) المختلف: 177، المهذّب البارع 1: 511.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 113

أقول: قال ابن حمزة: النصاب فيها أربعة، و العفو كذلك، و الفريضة جنس واحد، و هو في كلّ نصاب واحد من جنسه، و باختلاف الغنم في البلد لا يتغيّر الحكم، و النصاب الأول أربعون، و الثاني مائة و إحدى و عشرون، و الثالث مائتان و واحدة، و الرابع ثلاثمائة و واحدة، فإذا زاد على ذلك تغيّر هذا الحكم و كان في كلّ مائة شاة «1». انتهى.

و حصره النصب في الأربعة و إن كان يوهم موافقته للقول الثاني، إلّا أنّ الظاهر منه وجوب أربع شياه في ثلاثمائة و واحدة، كما هو القول الأول، فيكون جعل النصب أربعة من باب المسامحة، إلّا أنّه أجمل الزائد على

الثلاثمائة و واحدة، فيشمل ما فوقها إلى الأربع مائة أيضا كما فعل ابن زهرة «2».

و لذا جعل في الذخيرة قوله قولا ثالثا، قال: و فيها قول ثالث، قاله ابن زهرة في الغنية، و هو أنّ في ثلاثمائة و واحدة أربع شياه، فإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار و اخرج من كلّ مائة شاة، و نقل عليه إجماع الفرقة «3».

و الظاهر أنّ مرادهما من الزائد زيادة مائة، و إلّا فيكون قولهما قولا ثالثا.

و نسب في الإيضاح هذا القول الثاني إلى نهاية والده «4»، و ما رأيناه من نسخه صريحة في الأول.

و كيف كان، فدليل هذا القول ما رواه الشيخ، عن محمّد بن قيس،

______________________________

(1) الوسيلة: 125.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) الذخيرة: 435.

(4) الإيضاح 1: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 114

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» «1».

و أجيب عنها: بأنّها ضعيفة السند؛ لأنّ محمّد بن قيس مشترك بين أربعة، أحدهم ضعيف، فلعلّه إيّاه «2».

و ردّ: بأنّ المستفاد من كلام الشيخ و النجاشي أنّه البجلي، بقرينة رواية عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عنه، فيكون الخبر صحيحا معارضا للرواية الاولى «3».

فلا بدّ من الرجوع إلى الترجيح، فمنهم من رجّح الثاني بالسند و المتن و الخارج.

أمّا الأول: فلأنّه الصحيح و الأولى حسنة.

و أمّا الثاني، فلما في متن الاولى ممّا يخالف الأصحاب طرّأ في النصاب الثاني، و ذلك ممّا يضعّف الحديث.

و أمّا الثالث: فلموافقته

للأصل.

و يرد على الأول: أنّ حسن الأولى إنّما هو باعتبار إبراهيم بن هاشم، و الحقّ أنّه لا يقصر عن الصحّة، سيّما مع ما في صحّة الثانية من التأمّل من جهة تعيين محمّد بن قيس.

و على الثاني: أنّ مخالفة الرواية الأولى للمعمول بينهم في النصاب

______________________________

(1) التهذيب 4: 25- 59، الاستبصار 2: 23- 62، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.

(2) كما في المختلف: 177.

(3) انظر: المدارك 5: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 115

الثاني إنّما هي على ما نقله الفاضل في المنتهى وفاقا لبعض نسخ التهذيب، حيث قال: «فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها شاتان».

و أمّا على الوجه الذي أوردنا الخبر نقلا عن الكافي- و عليه أورده الشيخ في الاستبصار، و الفاضل في التذكرة، و صاحب المنتقى، و يوافقه بعض نسخ التهذيب- فلا يلزم محذور أصلا.

مضافا إلى أنّه يرد مثل ذلك على الرواية الثانية؛ لتصريح آخرها باختيار المصدّق في أخذ الهرمة و ذات العوار، فهو مخالف لما عليه الأصحاب، مع أنّ ردّ جزء من الخبر لا يؤثّر في الجزء الآخر.

مع أنّ مثل هذين الوجهين ليس من المرجّحات الشرعيّة عند أهل التحقيق من الفقهاء.

و أمّا الثالث: فلأنّ الأصل ليس مرجّحا حقيقة، بل هو المرجع لو لا الترجيح، فاللازم أولا ملاحظة وجوه التراجيح.

و منهم من رجّح الاولى بأكثريّة الرواة و فضلهم و لو في بعض المراتب، و روايتها عن إمامين، فإنّ احتمال السهو من الراوي حينئذ أبعد.

و التحقيق: أنّ مثل ذلك أيضا لا يصلح للترجيح، بل الصواب في الجواب أن يقال: إنّ بين الروايتين عموما و خصوصا مطلقا؛ لأنّ قوله في الثانية: «فإذا كثرت الغنم» و مفهوم الغاية- و هو ما تجاوز عن ثلاثمائة-

أعمّ من أن يبلغ الأربعمائة أو لا، و الأولى مخصوصة مفصّلة فيجب التخصيص بها، غاية الأمر أنّ حكم ما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة لا يكون مستفادا من الثانية، تركه لمصلحة، و مثله ليس في الأخبار بعزيز، سيّما مع ظهور المصلحة و هي التقيّة، فإنّ عمومها موافق للعامّة، كما صرّح به جماعة، منهم: المعتبر و المختلف و المنتهى و التذكرة و الذخيرة «1» و جدّي

______________________________

(1) المعتبر 2: 503، المختلف: 177، المنتهى 1: 489، التذكرة 1: 210، الذخيرة: 435.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 116

الفاضل طاب ثراه، و غيرهم [1].

و منه يظهر أنّه لو تحقّق التعارض بين الروايتين لكان الترجيح للأولى؛ لأنّ مخالفة العامّة من المرجّحات المنصوصة.

و أمّا ما قيل من أنّ صدر هذه الصحيحة كانت موافقة للعامّة «1» في النصاب الخامس للإبل فكيف يصرّح بخلافهم فيها؟! ففيه: أنّ أصحاب الكتب الأربعة أخذوا الروايات من كتب أصحاب الأصول، و ما في كتبهم لم يأخذوه عن المعصوم في وقت واحد، فلعلّهم أخذوا صدرها في زمان يقتضي التقيّة دون ما بعده.

ثمَّ إنّه قد ظهر بما ذكرنا أنّ في المسألة قولين آخرين أيضا:

أحدهما: ما تثبته عبارة المفيد، و هو كون نصاب الرابع ثلاثمائة، و أنّ فيها يرجع إلى المئات «2».

و يحتمله كلام الصدوق و السيّد أيضا، حيث إنّهما قالا: ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر ففي كلّ مائة شاة «3».

و يمكن أن يكون المراد من الكثرة بلوغ الثلاثمائة، بل إرادة زيادة الواحدة من الكثرة بعيدة، فعباراتهم في مخالفة القولين ظاهرة، و توافق كلامهما الرواية الثانية، فتكون هي دليلا لهم.

و الجواب ما مرّ أيضا، مع ما يحصل لها حينئذ من الإجمال المانع عن الاستدلال؛ إذ يكون قوله فيها:

«فإذا كثرت الغنم» محتملا لوجهين:

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 266.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 63، و الحدائق 12: 61.

(2) المقنعة: 238.

(3) الصدوق في المقنع: 50، و السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 117

إرادة بلوغ الثلاثمائة، أو التجاوز عنها.

و ثانيهما: ما نسبه في الذخيرة إلى ابن زهرة «1»، و مثله كلام ابن حمزة «2»، و هو جعل النصاب الزائد على ثلاثمائة و واحدة مطلقا، لا خصوص أربعمائة.

و هو لو كان قولا لهما لكان مردودا بالشذوذ و عدم الدليل، و اللّه الهادي إلى سواء السبيل.

ثمَّ إنّ ها هنا سؤالا، و هو: أنّه إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة، فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟

و أجيب: بأنّها تظهر في محلّ الوجوب و الضمان مع التلف بعد الحول بدون تفريط، فإنّه لو تلفت واحدة من الأربعمائة سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة، و لو كانت ناقصة عنها لم يسقط ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية «3».

و أورد على ذلك: بأنّ الزكاة تتعلّق بالعين، فتكون الفريضة حقّا شائعا في المجموع، و مقتضاه توزيع التالف على المجموع و إن كان الزائد على النصاب عفوا «4».

و ردّه في الحدائق: بأنّه إن أريد بالمجموع مجموع النصاب و الزائد، فالتعلّق بعينه و الإشاعة فيه ممنوع، و إن أريد عين النصاب فمسلّم، و لكن لا يلزم منه سقوط شي ء، و اختلاط النصاب بالعفو و عدم تميّزه منه لا يستلزم تقسيط التالف في ما كان عفوا و إن كان النصاب شائعا فيه «5».

______________________________

(1) الذخيرة: 435.

(2) الوسيلة: 126.

(3) انظر: الشرائع 1: 143.

(4) كما في الذخيرة: 435.

(5) الحدائق 12: 64.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 118

و فيه ما لا يخفى؛ إذ شيوع الحقّ في النصاب و شيوع النصاب في المجموع يستلزم شيوع الحقّ في المجموع، و لازمه تقسيط التالف.

ألا ترى أنّه لو باع من له أربعمائة غنم ثلاثة أغنام شائعة من ثلاثمائة أغنام شائعة من أغنامه، و بعبارة أخرى: واحدة من مائة من ثلاثمائة من أغنامه و تلفت واحدة من أربعمائة، يقسّط التالف على المجموع قطعا.

نعم، لو منعت الإشاعة مطلقا و قيل: إنّ الواجب إخراج واحد غير معيّن من النصاب و العفو كما هو الظاهر، لم تظهر الفائدة كما يجي ء بيانه في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 119

البحث الثاني في ما يتعلّق بهذا الفصل من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من وجب عليه سنّ من الإبل و ليست عنده،
اشاره

و عنده أعلى منها بدرجة من الدرجات المعتبرة في الفريضة، دفعها و أخذ من الفقير أو المصدّق شاتين أو عشرين درهما .. و لو كان عنده الأدون منها بدرجة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما .. بالإجماع، كما عن التذكرة و المنتهى «1» و غيرهما «2».

لصحيحة زرارة المرويّة في الفقيه: «كلّ من وجبت عليه جذعة و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده جذعة دفعها و أخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده

ابنة مخاض دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع

______________________________

(1) التذكرة 1: 208، المنتهى 1: 483.

(2) كما في مجمع الفائدة 4: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 120

معها شيئا» «1».

و نحوها رواية محمّد بن مقرن، عن جدّه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام «2»، و ضعف سند الأخيرة مع صحّة الأولى غير ضائر، مع أنّه بالعمل أيضا منجبر.

و أمّا قول الصدوقين- بأنّ التفاوت بين بنت المخاض و بنت اللبون شاة «3»؛ استنادا إلى الرضوي «4»- شاذّ، و مستندهما ضعيف.

فروع:

أ:

يجزئ ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها، و إن كان أدون قيمة من غير جبر مطلقا، بغير خلاف يعرف، كما في الذخيرة «5» و غيرها «6»، و عن التذكرة أنّه موضع وفاق «7».

لآخر صحيحة زرارة، و رواية محمّد بن مقرن، المتقدّمتين، و لقوله في صحيحة أبي بصير بعد النصاب الخامس: «فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر» «8»، و نحوها في روايته.

______________________________

(1) الفقيه 2: 12- 33، الوسائل 9: 127 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 1.

(2) الكافي 3: 539- 7، التهذيب 4: 95- 273، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5.

(3) المقنع: 49، و حكاه عن والده في المختلف: 176.

(4) فقه الرضا (ع): 196 و 197، مستدرك الوسائل 7: 59 أبواب زكاة الأنعام

ب 2 ح 3.

(5) الذخيرة: 438.

(6) كالرياض 1: 268.

(7) التذكرة 1: 208.

(8) تقدمت مصادرها في ص 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 121

و هل يجزئ عنها مع وجودها؟

الأظهر: لا؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ و الفتوى، و هو الإجزاء بشرط عدمها؛ مع أنّه مقتضى مفهوم الشرط في الأخبار المتقدّمة.

و ظاهر إطلاق الفاضل في الإرشاد و صريح المحكيّ عن التنقيح:

الإجزاء اختيارا و اضطرارا؛ لكونه أكبر منها سنّا «1».

و فيه: أنّه لا دليل على اعتبار الأكبريّة، و إنّما المعتبر الفريضة الشرعيّة، أو ما يقوم مقامها في الشريعة، و هو ابن اللبون مع فقدها.

نعم، لو ساوى قيمته قيمتها أو زادت عليها جاز إخراجه بدلا عنها بالقيمة مع وجودها، إن جوّزنا إخراج القيمة مطلقا، و هو أمر آخر غير مفروض المسألة.

و لو لم يوجدا معا تخيّر في ابتياع أيّهما شاء، كما عن الخلاف و الفاضلين، بل عنهما إنّه موضع وفاق بين علمائنا «2»؛ لجواز اشتراء كلّ منهما بالأصل، و بعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له، و لأنّه مع فقد بنت المخاض لم يشترط جواز ابن اللبون بوجوده بل أطلق في النصّ.

و حكي عن مالك القول بتعيّن شراء بنت المخاض «3»، بل عن الشهيد الثاني تحقّق الخلاف فيه بين علمائنا أيضا «4»؛ استنادا إلى أنّ مع عدمهما لا يكون واجدا لابن اللبون فيتعيّن عليه ابتياع ما يلزم الذمّة، و لأنّهما استويا في العدم، فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود.

______________________________

(1) الإرشاد 1: 281، التنقيح 1: 306.

(2) الخلاف 2: 11، المحقق في المعتبر 2: 515، العلّامة في المنتهى 1:

484، و التذكرة 1: 208.

(3) انظر: الموطأ 1: 258، و بداية المجتهد 1: 261.

(4) المسالك 1: 53.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 122

و الثاني: قياس مردود، و الأول: مدفوع بعدم دليل على اشتراط وجدان ابن اللبون، و عدم تعلّق بنت المخاض بالذمّة بعد تجويز ابن اللبون مع عدمهما، بل يتعلّق أحدهما بها.

و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى مفهوم صحيحة زرارة و رواية ابن مقرن المتقدّمتين «1» اشتراط قبول ابن اللبون بوجدانه، و هو و إن يعارض إطلاق منطوق صحيحة أبي بصير و رواية زرارة «2»، إلّا أنّ بعد الرجوع إلى الأصل يكون الحكم عدم كفاية ابن اللبون.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: بعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له و يخرج عن تحت المفهوم.

و منه يظهر أنّه لو كان عنده بنت مخاض و ابن لبون بعد الحول و ماتت بنت المخاض يكفي ابن اللبون، بل لو لم يكن ابن اللبون جاز شراؤه حينئذ أيضا.

ب:

اكتفى العلّامة في التذكرة في الجبر بشاة و عشرة دراهم «3»، و به قطع الشهيد الثاني على ما حكي عنه «4»؛ لمساعدة الاعتبار له.

و هو ضعيف؛ لوجوب الاقتصار فيما يخالف الأصل على المنصوص.

و منه يظهر أيضا أنّ الجبر إنّما هو في صورة فقد السن المفروض؛ لأنّها المنصوص عليها.

ج:

لو فقد السنّ المفروض و وجد كلّ من الأدنى و الأعلى تخيّر

______________________________

(1) في ص 119 و 120.

(2) المتقدّمتين في ص 102.

(3) التذكرة 1: 208.

(4) انظر: المسالك 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 123

بينهما؛ لثبوت كلّ منهما في النصّ مطلقا بعد فقد الفرض.

د:

قالوا: الخيار في دفع الأعلى و الأدنى و في الجبر بالشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى العامل و الفقير «1».

و هو كذلك في الأدنى و الأعلى فيما إذا كان المالك هو الدافع للضميمة؛ لظهور الخبرين المتقدّمين في ذلك.

و

أمّا لو كان العامل أو الفقير هو الدافع فيشكل ذلك؛ لأنّ ظاهر الخبرين إثبات التخيير فيه للمصدّق، فهو الأظهر.

ه:

مقتضى ظاهر إطلاق النصّ و الفتاوى عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الواجب السوقيّة مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور، أم زائدة عليها، أم ناقصة عنها.

و استشكل ذلك في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من الفقير لقيمة المدفوع إليه، كما لو كانت قيمة بنت اللبون المدفوعة إلى الفقير عن بنت المخاض يساوي عشرين درهما التي أخذ منها، بل عن التذكرة عدم الإجزاء هنا «2».

و استوجهه في المدارك «3»، و نفى عنه البعد في الذخيرة «4».

و هو كذلك؛ لأنّ النصّ و إن كان مطلقا بظاهره، إلّا أنّه ينصرف إلى الشائع المتعارف في ذلك الزمان بل جميع الأزمان، فإنّ ندرة الفرض بل فقده قرينة حاليّة على إرادة غير هذه الصورة، فتبقى تلك باقية تحت الأصل.

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 438، و الحدائق 12: 53.

(2) التذكرة 1: 208.

(3) المدارك 5: 84.

(4) الذخيرة: 438.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 124

و:

مورد النّص و الفتاوى ما إذا كان التفاوت في الأسنان بدرجة واحدة، فلو كان بأكثر من سنّ لم يؤخذ بدل الفريضة مع تضاعف التقدير الشرعيّ بقدر تفاوت الدرجات؛ اقتصارا فيما خالف الأصل- الدالّ على لزوم الفريضة بعينها مع الإمكان و بدلها مع العدم و هو القيمة السوقيّة كائنة ما كان- على مورد النصّ.

و للشيخ قول بالجواز مع تضاعف الجبران «1»، و هو المحكيّ عن الحلبي «2» و الفاضل في عدّة من كتبه «3»، فإنّ المساوي للمساوي مساو.

و فيه: منع التساوي من جميع الجهات، حتى في تعلّق الحكم الشرعيّ به.

و منه يظهر عدم إجزاء غير الأسنان الواردة في النصّ- أي ما فوق الجذع

مع الجبران- بل لا يجزئ من غير جبر أيضا، و لا بنت المخاض عن خمس شياه، بل و لا عن شاة إلّا بالقيمة.

ز:

و لو حال الحول على النصاب، و هو فوق الجذع، فالظاهر وجوب تحصيل الفريضة من غيره لتعلّق التكليف بها، فلا يجزئ غيرها إلّا بالقيمة.

و لو حال الحول على نصاب، و هي دون فريضة، يجب تحصيل الفريضة من غيرها؛ لما مرّ.

و لو كان تفاوته مع فريضة بدرجة، جاز الدفع منه مع الجبر.

ح:

الحكم مختصّ بالإبل؛ للأصل، فلا يثبت في غيرها الجبر، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم و وجد الأدون أو الأعلى يخرج الفريضة بالقيمة، و اللّه العالم.

______________________________

(1) المبسوط 1: 195.

(2) الكافي في الفقه: 167.

(3) كالتذكرة 1: 208، و المختلف: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 125

المسألة الثانية: لا يزيد من الفريضة شي ء لما بين النصابين في جميع الأنعام الثلاثة،

بلا خلاف فيه يعرف، بل بالإجماع.

و يصرّح به قوله عليه السّلام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل: «و ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء» «1»، و نحوه فيها في زكاة البقر «2».

و فيها أيضا في زكاة الغنم: «و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء، و ليس في النيف شي ء» «3».

المسألة الثالثة [الشاة التي تؤخذ في الزكاة يجب أن يكون أقلّه جذعا]
اشاره

المشهور بين الأصحاب- على ما صرّح به جماعة [1]-: أنّ الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم و الإبل يجب أن يكون أقلّه جذعا- بالفتحتين- من الضأن وثنيا من المعز، بل قيل:

إنّه لا خلاف فيه يعرف «4»، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «5».

و نقل في الشرائع قولا بكفاية ما يسمّى شاة «6»، و اختاره في المدارك و الحدائق «7»، و نسبه في الأخير إلى جملة من أفاضل متأخّري المتأخّرين.

و هو الأصحّ؛ لإطلاق الأخبار المتقدّمة في نصب الغنم و الإبل الخالي عن المقيّد.

______________________________

[1] منهم المحقق في المعتبر 1: 482، و العلّامة في المنتهى 1: 482، و صاحب الذخيرة: 436.

______________________________

(1) الكافي 3: 531- 1، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.

(2) كما في الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 24- 57، الوسائل 9: 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.

(3) الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 25- 58، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1.

(4) كما في الرياض 1: 267.

(5) الخلاف 2: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(6) الشرائع 1: 147.

(7) المدارك 5: 93، الحدائق 12: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 126

احتج الأولون بالإجماع المنقول.

و بما رواه سويد بن غفلة، قال: أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم و قال:

نهينا أن نأخذ المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية [1].

و برواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة: السخل متى يجب فيه الصدقة؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    126     المسألة الثالثة الشاة التي تؤخذ في الزكاة يجب أن يكون أقله جذعا ..... ص : 125

ل: «إذا أجذع» «1»؛ حيث إنّ الحمل على إرادة ابتداء الحول من حين الأجذاع أو انتهائه به خلاف ما ثبت من الأدلّة، فينبغي أن يراد منه بيان ما يصلح للإخراج.

و بتعلّق الفريضة بالعين مع وجوب حولان الحول على المال، فلا يكون مع الأمرين، إلّا وجوب شاة سنّها سنة لا أقلّ منها، و لكن لمّا لم تجب هذه بخصوصها في الجملة إجماعا تعيّن ما يقرب منها سنّا.

و بعدم انصراف الإطلاقات، بل عدم معلوميّة صدق الشاة على أدنى ممّا عليه المشهور.

و يردّ الأول: بعدم الحجّية.

و الثاني: به أولا أيضا؛ لعدم كونه من روايات أصحابنا. و لا يفيد الانجبار بالشهرة؛ لأنّه إنّما هو في الضعيف من روايات أصحابنا. إلّا أن يقال بكفاية روايته في الكتب الفقهيّة لأصحابنا من غير تصريح منه بكونه عامّيا.

و ثانيا: بأنّ الأمر فيها غير معلوم فلعلّه بعض أصحاب الرسول، و لا يجري فيه ما يجري في مضمرات رواياتنا، من أنّ المعلوم من حال الراوي

______________________________

[1] لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما بأيدينا من كتب العامة، نعم أورده الشيخ في الخلاف 2: 24، و هو مرويّ بالمضمون في سنن النسائي 5: 30، و سنن أبي داود 2: 102- 1579 و 1581.

______________________________

(1) الكافي 3: 535- 4، الفقيه 2: 15- 39، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 127

أنّه

لا يروي إلّا عن المعصوم؛ لعدم معروفيّة حال المصدّق.

و ثالثا: بعدم الدلالة؛ لإجمال الرواية من وجهين:

أحدهما: عدم وجوب الجذع و الثنية إجماعا، بل هما أقلّ ما يجزئ عند المشهور، و الحمل على ذلك المعنى مجاز لا قرينة على تعيّنه، و إذا انفتح باب المجاز اتّسعت دائرته، فيصير مجملا.

و ثانيهما: أنّها لكونها حكاية عن واقعة لا عموم فيها و لا إطلاق، فلا يعلم أنّه كان مصدّق الإبل أو الغنم أو كليهما، فلا يعلم أنّه أقلّ الواجب من زكاة أيّهما.

و القول بعدم الفرق غير مقبول، بل الفرق موجود، كيف؟! و خصّ المحقّق الثاني في حواشي القواعد و الشرائع و الإرشاد- على ما حكي- التقدير المذكور بزكاة الإبل، و قال: أمّا الغنم فلا بدّ من مراعاة المماثلة فيها أو اعتبار القيمة.

هذا كلّه، مع أنّها على التفصيل المشهور- من كون الجذع للضأن و الثنية للمعز- غير دالّة.

و الثالث: بعدم دليل على الحمل المذكور، فالرواية مجملة؛ مع أنّها على فرض الدلالة لا تثبت حكم الثنية، بل تنفيه.

و الرابع: بأنّ بعد عدم وجوب ما حال عليه الحول بخصوصه- أي ما جرى عليه إحدى عشر شهرا- لا دليل على تعيين ما يقرب سنّها منه أصلا، لا في جهة الدنوّ، كما في الجذع، و لا في جهة العلوّ، كما في الثنية، بل يجب الرجوع إلى الإطلاق.

و الخامس: بأنّه على فرض تسليم عدم صدق الشاة و عدم انصراف الإطلاقات إلى أقلّ من الجذع و الثنية، فمقتضاه الرجوع إلى الصدق العرفي،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 128

و هو لا يختلف باختلاف يوم أو يومين، كما يختلف به صدق الجذع و الثنية، فيسقط اعتبارهما و يجب الرجوع إلى العرف .. و مقتضاه كفاية ما يسمّى

شاة سواء كان جذعا أو ثنية، أم لا.

نعم، لمّا كان صدقها على السخلة و ما يقرب منها سنّا غير معلوم، و يجب تحصيل البراءة اليقينيّة، فالاكتفاء بالأقلّ من الجذع غير محصّل للبراءة اليقينيّة، بل حصولها بالجذع أيضا مشكل، فاللازم اعتبار ما قطع بصدق الشاة عليه.

فرع:

على القول المشهور، اعلم أنّه قد اختلفت كلمات أهل اللغة في بيان سنّ الجذع من الضأن و الثنية من المعز على أقوال في الأول ..

منها: أنّه ما له سنة كاملة و دخل في الثانية مطلقا، ذكره في الصحاح و القاموس و المصباح المنير و النهاية الأثيريّة و المجمل «1».

و منها: أنّه ما له ثمانية أشهر، و أمّا السنة فإنّما هي في ولد المعز، ذكره الأزهري، و صاحب المغرب [1]، و نقل بعضهم عن الأخير القول الأول.

و منها: أنّه ما له ستّة أشهر.

و منها: سبعة.

و منها: تسعة.

و منها: عشرة.

و منها: الفرق بين المتولّد من الشابّين فستّة أشهر إلى سبعة، و بين الهرمين فثمانية إلى عشرة.

______________________________

[1] قال صاحب المغرب (1: 78): و عن الأزهري: الجذع من المعز لسنة، و من الضأن لثمانية أشهر.

______________________________

(1) الصحاح 3: 1194، القاموس 3: 12، المصباح المنير: 94، النهاية الأثيرية 1: 25، المجمل 1: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 129

و على قولين في الثاني:

أحدهما: أنّها ما دخلت في السنة الثالثة، ذكره في الصحاح و القاموس و المغرب و النهاية «1».

و ثانيهما: أنّها ما دخلت في الثانية، ذكره في المجمل «2».

و منه ظهر أنّ المشهور في ما بين أهل اللغة القول الأول.

و أمّا الفقهاء فكلماتهم مختلفة، و لعلّ المشهور عندهم في الفريضة الثانية: القول الثاني، و في الأولى: الثالث، و مع هذا الاختلاف فالحكم بالتعيين مشكل، و

أصل البراءة مع الأقلّ [1]، و أصل الاشتغال و الاحتياط مع الأكثر، و اللّه الموفّق.

المسألة الرابعة [لا تكفي في الفريضة المريضة من الصحاح، و الهرمة من الفتيات ]

قد صرّح الأصحاب من غير ذكر خلاف أنّه لا تكفي في الفريضة المريضة من الصحاح، و الهرمة من الفتيات، و ذات العوار من السليمة.

بل عليه دعوى الإجماع مستفيضة «3»، بل هو إجماع حقيقة، فهو الدليل عليه، مضافا إلى قوله سبحانه وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «4»، و صدق الخبيث على الأصناف الثلاثة و إن لم يكن معلوما لغة، إلّا أنّه يراد منه الردي ء من كلّ جنس بقرينة الأخبار الواردة في شأن نزول الآية ..

كموثّقة أبي بصير: في قول اللّه عزّ و جلّ:

______________________________

[1] في «س» و «ح»: الأوّل.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2295، القاموس 4: 311، المغرب 1: 69، النهاية الأثيرية 1:

226.

(2) مجمل اللغة 1: 371.

(3) كما في الرياض 1: 269، مفتاح الكرامة: 3: 75.

(4) البقرة: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 130

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أمر بالنخيل أن يزكّى تهيّأ قوم بألوان من التمرة و هو من أردأ التمر، يؤدّونه عن زكاتهم تمرا» إلى أن قال: «و في ذلك نزل وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ » الحديث «1».

و لا تعارضها روايته: في قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ .

فقال: «كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها، فأبى اللّه تعالى إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا» «2»؛ لجواز أن يكون صدر الآية في ذلك و ذيلها في الأول.

و قد يستدلّ أيضا بقوله:

«و لا يؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق» في صحيحتي أبي بصير و محمّد بن قيس «3».

و فيه نظر؛ لعدم صراحته في الحرمة، مع ما فيه من الاستثناء المثبت لجواز الأخذ مع مشيّة المصدّق، بكسر الدال، كما هو المشهور، أو بفتحها، كما ذكره الخطابي، قال: و كان أبو عبيدة يرويه: إلّا أن يشاء المصدّق، بفتح الدال، يريد صاحب الماشية «4»، و احتمله في الذخيرة «5».

و المرجع في صدق الأصناف إلى العرف.

و يشترط في العور ما ثبت فيه الإجماع و جرت فيه الآية، فإنّ مثل العرج القليل أو مقطوع الاذن أو القرن و نحوهما لم يثبت فيه الإجماع و لم يعلم شمول الآية؛ لأنّ الثابت من الأخبار ليس أزيد من استعمال الخبيث في الأردأ، و أمّا كلّ ردي ء و لو قليلا فغير معلوم.

______________________________

(1) الكافي 4: 48- 9، الوسائل 9: 205 أبواب زكاة الغلّات ب 19 ح 1.

(2) الكافي 4: 48- 10، الوسائل 9: 465 أبواب الصدقة ب 46 ح 1.

(3) المتقدّمتين في ص 102 و 113.

(4) النهاية لابن الأثير 3: 18، لسان العرب 10: 197.

(5) الذخيرة: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 131

و حيث كان المستند فيها منحصرا بالإجماع و الآية، فيجب الاقتصار في المنع على ما ثبت فيه الإجماع و دلّت الآية، و هو ما إذا وجد في النصاب صحيح فتي، فلو كان كلّه مريضا- مثلا- لم يكلّف شراء الصحيح، و لعلّه إجماعيّ أيضا، كما يظهر من المنتهى «1» و غيره «2»، فإنّه لا إجماع ها هنا و لا دلالة للآية؛ لأنّ قوله تعالى مِنْهُ يدلّ على أنّ الخبيث بعض المال، و كذا يظهر من قوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا،

فإنّ القصد إلى الخبيث ظاهر في وجود غيره أيضا.

المسألة الخامسة: لو حال على نصاب أحوال و كان يخرج فريضته من غيره، تعدّدت الزكاة؛

لعموم أدلّة الوجوب السالم عن المعارض.

و لو لم يخرج من غيره أخرج عن سنة لا غير، سواء أخرجها من النصاب أو لم يخرج أصلا؛ لنقصان ملكيّة النصاب؛ لتعلّق الزكاة بالعين.

و الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كانت الفريضة من جنس النصاب لا غيره، كما مرّ، و وجهه ظاهر.

و إن كان المال الذي حال عليه الحول أزيد من نصاب، تعدّدت الزكاة، و يجبر من الزائد حتى ينقص النصاب.

المسألة السادسة: الضأن و المعز جنس واحد،

و كذا البخاتي و العراب، و البقر و الجاموس، بلا خلاف يعرف، كما في التذكرة و المنتهى و الذخيرة «3»، و في المدارك: إنّ الحكم مقطوع به بين الأصحاب «4».

و يدلّ عليه دخول كلّ من صنفين تحت جنس واحد تعلّقت به

______________________________

(1) المنتهى 1: 485.

(2) كالرياض 1: 269.

(3) التذكرة 1: 210، المنتهى 1: 489، الذخيرة: 431.

(4) المدارك 5: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 132

الزكاة، فالأول يجمعهما الغنم و الشاة، و الثاني الإبل، و الثالث البقر، فيصدق اسم الغنم و الإبل و البقر عرفا، فالنصاب المجتمع من كلّ من الصنفين يجب فيه الزكاة.

و هل يخرج المالك من أيّهما شاء و إن تفاوت الغنم؟

أو يجب التقسيط و الأخذ من كلّ بقسطه مطلقا؟

أو يناط بتفاوت الغنم؟

الأظهر: الأول؛ لصدق امتثال إخراج ما يصدق عليه اسم الفريضة، و عدم ما يدلّ على اعتبار القيمة.

و الأشهر- كما قيل-: الثاني «1»، و الأحوط: الثالث، و قيل: الثاني «2».

و كذا إذا كانت للمالك أموال متفرّقة كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء، سواء تساوت القيمة أو اختلفت؛ لما مرّ.

المسألة السابعة: اختلف الأصحاب في عدّ الأكولة و فحل الضراب.

فذهب الفاضلان في النافع و الإرشاد و التبصرة و الشهيدان في اللمعة و الروضة إلى عدم عدّهما «3»، و نقل عن الحلبي في الأخير أيضا «4»؛ لصحيحة البجلي: «ليس في الأكيلة و لا في الربيّ- و الربيّ التي تربّي اثنين- و لا شاة لبن و لا فحل الغنم صدقة» «5».

و ظاهر الأكثر عدّهما؛ للإطلاقات.

و ضعف دلالة الصحيحة؛ لاحتمال أن يكون المراد عدم أخذهما

______________________________

(1) كما في الحدائق 12: 71.

(2) كما في المدارك 5: 102.

(3) النافع: 79، الإرشاد 1: 281، التبصرة: 45، اللمعة (الروضة البهية 2): 27.

(4) الكافي في الفقه: 167.

(5) الكافي 3: 535- 2،

الفقيه 2: 14- 37، الوسائل 9: 124 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 133

للصدقة، و لاشتمالها على الربيّ و شاة اللبن المعدّان اتّفاقا.

و لقرينة موثّقة سماعة: «لا تؤخذ الأكولة- و الأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم- و لا والدة، و لا كبش الفحل» «1».

مع أنّ الرواية مع صحّتها غير صالحة للحجّية؛ لمخالفة الشهرة.

و يردّ الأول: بكونه خلاف الظاهر جدّا.

و الثاني: بأنّ مخالفة جزء من الحديث لدليل لا يوجب ترك العمل بسائر أجزائه، مع أنّ الاتفاق المدّعى غير ثابت، بل نفى بعض متأخّري المتأخّرين البعد عن عدم عدّ سائر الأجزاء أيضا [1].

و الثالث: بعدم صلاحيّته للقرينة؛ لعدم التنافي بين عدم الأخذ و عدم العدّ.

و الرابع: بمنع الشهرة المخرجة للخبر عن الحجّية، كيف؟! و اقتصر بعضهم في نقل القول بعدّ الأكولة عن الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد و ابن فهد في المحرّر و الموجز، و قال: و نقل في الدروس قولا بالعدّ أيضا «2»، و بعدّ الفحل عن الحلّي و المختلف «3».

و الأولى ردّ الصحيحة بالإجمال:

أمّا في الأكيلة؛ فلأنّها مفسّرة بالسمينة المعدّة للأكل في كلام بعض الفقهاء «4»، و فسّرها بها في النهاية الأثيريّة أيضا، و فيها: و قيل: هي الخصيّ

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 70.

______________________________

(1) الكافي 3: 535- 3، الفقيه 2: 14- 38، الوسائل 9: 125 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 2.

(2) الدروس 1: 235.

(3) الحلّي في السرائر 1: 437، المختلف: 177.

(4) كما في الذخيرة: 437، و الرياض 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 134

و الهرمة و العاقر من الغنم «1».

و في القاموس: الأكولة العاقر من الشياة تعزل للأكل كالأكيلة «2».

و فسّرها في الموثّقة بالكبيرة، و

هي أيضا مجملة؛ لإمكان إرادة الكبير في السنّ، فيوافق تفسيرها بالهرمة، و الكبير في الجسم فيوافق السمينة.

و على التقديرين، تعارضها صحيحة محمّد بن قيس، و فيها: «و يعدّ صغيرها و كبيرها» «3».

و أمّا في الفحل؛ فلأنّ إضافته إلى الغنم يمكن أن يكون بمعنى «اللام»، فيراد به فحل الضراب؛ لأنّه الفحل الذي يكون للغنم، و أن يكون بمعنى «من»، و حينئذ فإطلاقه يخالف الإجماع، و تقييده يوجب تخصيص الأكثر.

إلّا أنّه يحصل الإجمال حينئذ في المطلقات أيضا، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.

و على هذا، فيقوى القول الأول، و هو عدم عدّ الصنفين، بل لا يبعد عدم عدّ الربيّ بالمعنى المفسّر به في الصحيحة و شاة اللبن- أي المعدّة للبن- بل سائر محتملات معنى الأولين أيضا، لو لا الاتّفاق على عدّ ما عدا المعدّة للأكل و فحل الضراب.

إلّا أنّ الاتّفاق في غيرهما- و لا أقلّ من الشهرة العظيمة الموهنة لشمول الرواية له- يمنع من العمل بها في غيرهما، بل الأحوط ترك العمل بها فيهما أيضا و عدّ الجميع.

المسألة الثامنة: صرّح جماعة بأنّه لا يجوز أخذ الربيّ-
اشاره

بضم الراء

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 1: 58.

(2) القاموس المحيط 3: 339.

(3) تقدمت في ص 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 135

و تشديد الباء، و الألف المقصورة- و لا الأكولة و لا فحل الضراب بدون إذن المالك [1]، على ما قطع به الأصحاب، بل يظهر من بعضهم الاتّفاق عليه [2].

و هو الموافق للأصل؛ حيث إنّه سيأتي- إن شاء اللّه سبحانه- أنّه لا تخيير لغير المالك في أخذ شي ء، و لا يجوز له مزاحمته.

و تؤيّده الموثّقة المتقدّمة «1»، و الشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول «2»، فلا محيص عنه.

و هل يجوز الأخذ مع رضاه، أو يجوز له نفسه دفعه

عن الفريضة لا بالقيمة، أم لا؟

صرّح بعضهم- و منهم: الفاضل في التذكرة- بالأول في الجميع «3»، بل نفى عنه الخلاف في المنتهى «4».

و قيل بالثاني في الربيّ و الفحل خاصّة «5».

و ذهب جدّي الفاضل- قدّس سرّه- إلى الثاني في الأول- أي الربيّ- و إلى الأول في الثاني و الثالث.

و لعلّ منشأ الخلاف: الخلاف في أنّ جهة المنع هل هي كونه من كرائم الأموال و نحوه ممّا يتضرّر به المالك، أو المرض و فساد اللحم؟

و الحقّ عدم صلاحيّة شي ء منهما للاستناد، بل المستند الموثّقة، و هي و إن كانت مطلقة شاملة لصورة إذن المالك و عدمه، إلّا أنّها لا تثبت أزيد من

______________________________

[1] كالعلامة في المنتهى 1: 485، و صاحب الحدائق 12: 70.

[2] كصاحب الرياض 1: 268.

______________________________

(1) في ص 133.

(2) كما في الرياض 1: 268، و الحدائق 12: 70.

(3) التذكرة 1: 215.

(4) المنتهى 1: 485.

(5) كما في المسالك 1: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 136

المرجوحيّة، فعليها الفتوى، و لكن بتبديل الربيّ بالوالدة، كما هو مورد الرواية.

و الظاهر أنّ المراد من الوالدة ذات الولد المشتغلة بإرضاعه و تربيته، فإنّها التي تستعمل فيها الوالدة، و على هذا فتطابق الربيّ على بعض تفاسيرها، و أمّا الربيّ بالتّفسير المذكور في الصحيحة «1» فلا، إلّا من جهة صدق الوالدة عليها أيضا.

تنقيح:

اعلم أنّه قد مرّ تفسير الأكولة في اللغة بالمسمنة للأكل و المعدّة له- و هما التفسيران اللذان ذكرهما الفقهاء- و بالخصيّ و الهرمة و العاقر، و في الحديث بالكبيرة.

و أما الربيّ، ففسّرت في الحديث بالتي تربّي الاثنين، و فسّرها أكثر الفقهاء بالوالدة إلى خمسة عشر يوما [1]، و قيل إلى خمسين «2».

و قال الجوهري: إنّها الشاة التي وضعت حديثا،

و قال الأموي: هي ما بين الولادة إلى شهرين «3»، و قيل: عشرون يوما «4».

و في النهاية الأثيريّة: إنّها التي تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن «5».

ثمَّ إنّه تطلق الربيّ و الأكولة في كلام الفقهاء تارة فيما لا يؤخذ، و اخرى فيما لا يعدّ.

______________________________

[1] كالشيخ في المبسوط 1: 199، و المحقق في الشرائع 1: 149، و العلّامة في المنتهى 1: 485.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 132.

(2) حكاه في المبسوط 1: 199.

(3) الصحاح 1: 131؛ و حكاه عن الأموي أيضا.

(4) حكاه ابن الأثير في النهاية 2: 181.

(5) النهاية الأثيرية 2: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 137

و أمّا الأخبار فلم تذكر فيها الاولى في الأول، بل ذكر مقامها الوالدة.

و التحقيق: أنّ المحكوم بعدم أخذه من الربيّ هو قريب العهد بالولادة إلى خمسة عشر يوما بل إلى الخمسين، سواء سمّيت ربّي أو الوالدة؛ للمسامحة في مقام الكراهة، فيكفي قول الفقيه فيه، مضافا إلى صدق الوالدة الواردة في الموثّقة.

و من الأكولة هي المعدّة للأكل؛ لفتوى الجماعة [1]، و إن كان المراد منها في الموثّقة غير ظاهر.

و المحكوم بعدم العدّ من الربيّ- لو قلنا به- هي ما تربّي الاثنين؛ لأنّه الوارد في الصحيحة «1».

و من الأكولة أيضا المعدّة للأكل؛ لظاهر الإجماع على عدّ غيرها ممّا قد يطلق عليه الأكولة.

المسألة التاسعة: قال جماعة: إنّه يجزئ الذكر و الأنثى من الشاة في الفريضة للأغنام و الإبل،

سواء كان النصاب كلّه ذكرا أو أنثى أو ملفّقا منهما، تساوت قيمتهما أم اختلفت؛ للإطلاقات [2].

و خالف فيه في الخلاف، فعيّن الإناث في الإناث من الغنم مطلقا «2».

و عن المختلف، فجوّز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة من الإناث ..

و وجّه بتعلق الزكاة بالعين، فلا بدّ من دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار القيمة «3».

______________________________

[1] منهم الشيخ في

المبسوط 1: 199، و المحقق في الشرائع 1: 149، و العلّامة في المنتهى 1: 485.

[2] منهم الشيخ في المبسوط 1: 199، و المحقق في الشرائع 1: 149، و العلّامة في التذكرة 1: 213.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 132.

(2) الخلاف 2: 25.

(3) المختلف: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 138

و ردّ بأنّ الزكاة المتعلّقة بالعين ليس إلّا مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها، و هي على ما وصلت إلينا من الشارع من جهة إطلاق الشاة بقول مطلق، و هو يصدق على الذكر و الأنثى لغة و عرفا.

و فيه: أنّه نفى تعلّق الزكاة بالعين بالمعنى الذي ذكروه، و يرجعه إلى إرادة تعلّق الزكاة بجنس المال، و هو غير مرادهم قطعا، بل خلاف مقتضى أدلّة تعلّق الزكاة بالعين كما يأتي.

و الحقّ- كما يأتي- تعلّقها ببعض آحادها بخصوصها.

و على هذا، فالحقّ إجزاء الذكر عن النصاب الذكر و الأنثى عن النصاب الأنثى، و كلّ منهما عن الملفّق منهما، و أمّا الذكر عن الأنثى و بالعكس فلا يجزئ إلّا بالقيمة؛ لما يأتي من تعلّق الزكاة أصالة بالعين.

و من هذا يظهر أنّه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلّق بالعين إلّا مع اعتبار القيمة، فلا يدفع غير غنم البلد بل و لا غير الغنم الذي تعلّقت به الزكاة لفريضة الأغنام إلّا بالقيمة.

المسألة العاشرة: لا يضمّ مال إنسان إلى مال غيره

و إن كانا في مكان واحد، بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد، بالإجماع كما في المدارك «1»، و عن الخلاف و السرائر و المنتهى «2» و غيرها «3».

للأصل، و انتفاء الدليل على الضمّ، و النبويّ: «إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة».

و في آخر: «من لم يكن له إلّا أربعة من

الإبل فليس فيها صدقة» «4»،

______________________________

(1) المدارك 5: 66.

(2) الخلاف 2: 35، السرائر 1: 451، المنتهى 1: 504.

(3) كالرياض 1: 269.

(4) صحيح البخاري 3: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 139

و نحوه المرتضويّ الخاصّي «1».

و المرويّ في العلل: قلت له: مائتا درهم بين خمسة إناث أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم، أ تجب عليهم زكاتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة تلك- يعني جوابه في الحرث- ليس عليهم شي ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم»، قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: «نعم» «2». و ضعف السند- لو كان- ينجبر بالعمل.

و قد يستدلّ أيضا بما ورد في جملة من المعتبرة العامّية و الخاصّية، و فيها الصحيح: «لا يفرّق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرّق» «3» بالحمل على المجتمع و المتفرّق في الملك، على ما فهمه أصحابنا.

و لكن للخصم أن يردّه بعدم تعيّن إرادة الملك.

و خالف في ذلك جمع من العامّة، و قالوا: إنّ الخلطة تجمع المالين مالا واحدا، سواء كان خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين، أو خلطة أوصاف، كالاتّحاد في المرعى و المشرب و المراح مع تميّز المالين «4».

و هو باطل؛ لانتفاء الدليل عليه.

و الاستدلال بقوله: «لا يفرّق بين مجتمع» مردود بما مرّ.

المسألة الحادية عشرة: لا يفرّق بين مالي المالك الواحد

و لو تباعد مكاناهما؛ بالإجماع كما عن المنتهى و التذكرة «5»؛ للعمومات، نحو قوله:

______________________________

(1) الكافي 3: 539- 7، التهذيب 4: 95- 273، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5؛ و في «ق»: الماضي، بدل: الخاصّي.

(2) العلل: 374- 1، الوسائل 9: 151 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 2.

(3) سنن الدار قطني 2: 104- 1.

(4) حكاه في المغني

و الشرح الكبير 2: 476.

(5) المنتهى 1: 505، التذكرة 1: 212.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 140

«في أربعين شاة شاة» «1»، فتضمّ الثمار في البلاد المتباعدة و إن اختلفت في وقت الإدراك إذا كانا لعام واحد و إن اختلف وقتهما بشهر أو بشهرين أو أكثر، و في التذكرة: إجماع المسلمين على ذلك أيضا «2»، و في الذخيرة: إنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه «3».

و على هذا، فلو كان المدرك أولا نصابا أخذت منه الزكاة ثمَّ يؤخذ من الباقي عند تعلّق الوجوب به قلّ أو كثر. و إن كان دون النصاب يتربّص إلى أن يدرك محلّ الوجوب ما يكمّل به نصابا، فيؤخذ منه ثمَّ من الباقي.

______________________________

(1) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.

(2) التذكرة 1: 212.

(3) الذخيرة: 444.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 141

الفصل الثاني في زكاة النقدين
و فيه بحثان:
البحث الأول في شرائطها و هي أمور:
الشرط الأول: النصاب،
اشاره

بلا خلاف بين علماء الإسلام، و لكلّ منهما نصابان:

أمّا الأول للذهب:

فعشرون دينارا، فليس في ما نقص عنها شي ء إجماعا فتوى و نصّا، و إذا بلغها يجب فيه الزكاة ربع العشر نصف دينار على المشهور بين الأصحاب، بل بالإجماع كما عن الغنية و الخلاف و التذكرة و السرائر «1»، بل في الأخير إجماع المسلمين.

للنصوص المستفيضة، بل المتواترة، كموثّقة عليّ بن عقبة و العدّة [1]:

«ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة

______________________________

[1] المراد من العدّة: عدة من أصحابنا.

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 567، الخلاف 2: 83، التذكرة 1: 216، السرائر 1: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 142

دنانير» «1».

و موثّقة سماعة: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم من الفضّة، فإن نقص شي ء فليس عليك زكاة، و من الذهب من كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فليس عليك شي ء» «2».

و صحيحة الحسين بن بشّار: في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزكاة؟

فقال: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، فإن نقصت فلا زكاة فيها، و في الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه» «3».

و موثّقة زرارة: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس في ما دون العشرين شي ء، و في الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس في ما دون المائتين شي ء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي ء حتى تبلغ الأربعين، و ليس في شي ء من الكسور شي ء

حتى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب» «4».

و في صحيحة البزنطي: عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال: «ليس عليه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 515- 3، التهذيب 4: 6- 13، الاستبصار 2: 12- 35، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 5.

(2) الكافي 3: 515- 1، التهذيب 4: 12- 31، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 4 و ب 2 ح 4.

(3) الكافي 3: 516- 6، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 3 و ب 2 ح 3.

(4) التهذيب 4: 7- 15، الاستبصار 2: 12- 37، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 9 و ب 2 ح 6.

(5) التهذيب 4: 138- 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 143

و موثّقة ابن أبي العلاء: «في عشرين دينارا نصف دينار» «1».

إلى غير ذلك من الروايات المتكثّرة، كموثّقتي زرارة و بكير «2» و رواية زرارة «3» و صحيحة الحلبي «4» و حسنة محمّد «5» و غيرها «6». و التعبير في البعض بالدينار و في البعض بالمثقال لاتّحادهما كما يأتي.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين «7»- بل جماعة من أصحاب الحديث كما في المعتبر «8»، أو قوم من أصحابنا كما في الخلاف «9»- أنّ النصاب الأول أربعون دينارا.

احتجاجا بموثّقة الفضلاء الأربعة: «في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء،

و ليس في أقلّ من مائتي درهم شي ء، و ليس في النيف شي ء حتى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد» «10».

______________________________

(1) التهذيب 4: 6- 14، الاستبصار 2: 12- 36، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 8.

(2) الاولى في: التهذيب 4: 12- 33، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 11.

الثانية في: التهذيب 4: 6- 12، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 12.

(3) التهذيب 4: 12- 30، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 10.

(4) الكافي 3: 516- 7، الوسائل 9: 137، أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 1 و ب 2 ح 1.

(5) الكافي 3: 516- 5، التهذيب 4: 10- 28، الاستبصار 2: 13- 38، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 2.

(6) الوسائل 9: 137 و 142 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 و ب 2.

(7) الصدوق في المقنع: 50، و حكاه عن والده في المختلف: 178.

(8) المعتبر 2: 523.

(9) الخلاف 2: 84.

(10) التهذيب 4: 11- 29، الاستبصار 2: 13- 39، الوسائل 9: 144 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 144

و صحيحة زرارة: رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا، أ يزكّيها؟ قال: «ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم، و لا في الدنانير حتى يتمّ أربعين، و الدراهم مائتي درهم» «1».

و يردّان بعدم حجّيتهما؛ لشذوذهما.

مع أنّه على التعارض مع ما تقدّم، الترجيح لما تقدّم بالأشهريّة رواية و فتوى، و الموافقة للإطلاقات كتابا و

سنّة بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق، خرج منه ما نقص عن العشرين دينارا بالإجماع و بقي الباقي.

مع أنّ الثانية مرويّة في الفقيه «2» بمتن يوافق المشهور، حيث بدّل فيه: تسعة و ثلاثون دينارا، في السؤال ب: تسعة عشر دينارا، مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى يتمّ.

و على هذا، فلا يبقى حجّية في الطريق الأول.

و أمّا النصاب الثاني للذهب:

فأربعة دنانير و يزيد لها عشر دينار، و لا يزيد لما بين العشرين و الأربعة الزائدة شي ء، بالإجماع.

و تدلّ عليه موثّقتا عليّ بن عقبة و زرارة المتقدّمتين، و رواية ابن عيينة: «إذا جاز الزكاة العشرين دينارا ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار» «3»، و غير ذلك.

و أمّا النصاب الأول للفضّة:

فمائتا درهم، فلا يجب شي ء في ما دونها، و إذا بلغ هذا المقدار وجب ربع العشر خمسة دراهم، بإجماع علماء الإسلام محقّقا و محكيّا «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 92- 267، الاستبصار 2: 38- 119، الوسائل 9: 141 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 14.

(2) الفقيه 2: 11- 32.

(3) الكافي 3: 516- 4، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 6.

(4) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 567، و المعتبر: 267، و التذكرة 1: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 145

و تدلّ عليه النصوص المستفيضة من المتقدّمة، و غيرها «1».

و الثاني: أربعون درهما،

و فيه درهم، و لا يجب شي ء لما بينها و بين المائتين، بالإجماعين «2» أيضا.

و تدلّ عليه من الروايات موثّقة زرارة المتقدّمة، و موثّقة محمّد الحلبي: «إذا زاد على المائتي درهم أربعون درهما فعليها درهم، و ليس في ما دون الأربعين شي ء» فقلت: فما في تسعة و ثلاثين درهما؟ قال: «ليس على التسعة و ثلاثين درهما شي ء» «3».

فائدة:
اشاره

الدينار قد ينسب إلى المثقال الصيرفي فيعرف به، و قد ينسب إلى الدرهم.

أمّا على الأول، فهو ثلاثة أرباع مثقال الصيرفي، كما صرّح به جماعة، منهم: صاحب الوافي و المحدّث المجلسي في رسالته في الأوزان نافيا عنه الشك «4»، و والده في [روضة] المتّقين [1]، و ابن الأثير في نهايته «5»، و غيرهم.

و يثبته إطلاق الدينار عرفا على هذه الذهب المعمولة في بلاد الروم و الإفرنج المسمّاة ب «دوبتي و باج اغلو» و كلّ منهما ثلاثة أرباع الصيرفي.

بل يظهر من المجمع أنّ الدينار في الأزمنة الماضية أيضا كانت اسما لهذين الذهبين، قال في مادّة الدرهم: و أمّا الدنانير فكانت تحمل إلى العرب من الروم إلى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار في أيّامه «6».

______________________________

[1] في النسخ: حلية المتقين، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) انظر الوسائل 9: 142 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 2.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(3) التهذيب 4: 12- 32، الوسائل 9: 145 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 2 ح 9.

(4) رسالة المقادير الشرعية (المخطوط).

(5) النهاية الأثيرية 1: 217.

(6) مجمع البحرين 6: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 146

انتهى.

و الظاهر عدم التغيّر في مسكوكات الروم، بل هي ما يحمل منها الآن أيضا، و هو الذهبان المذكوران، بل صرّح في النهاية الأثيريّة بأنّ

الدينار هو ذلك، حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصّة، و هو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي «1». انتهى.

و به صرّح في المجمع في مادّة الثقل، حيث قال: فالمثقال الشرعيّ يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الصنمي «2». انتهى.

و الذهب الصنمي هو الذهبان المذكوران؛ حيث إنّ فيهما شكل الصنم، فما يكون الصنم في أحد طرفيه يقال له: باج اغلو، و ما في طرفيه يسمّى ب: دوبتي، أي ذو الصنمين.

و بما ذكرنا يعلم أنّ الدينار هو الذهب، الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، أو هذان الذهبان، و كلّ منهما أيضا ثلاثة أرباعه، و لا أقلّ من استعماله في ذلك.

و الأصل في الاستعمال الحقيقة؛ إذ لم يعلم له في عرف العرب استعمال في غيره أصلا، و بضميمة أصالة عدم النقل يثبت ذلك في عرف الشرع أيضا.

مع أنّه صرّح جماعة- منهم: العلّامة في النهاية «3» و الرافعي في شرح الوجيز-: أنّ الدينار لم يختلف في جاهليّة و لا إسلام «4».

و قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب- بل و غيرهم أيضا- أنّ

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 1: 217.

(2) مجمع البحرين 5: 331.

(3) نهاية الإحكام 2: 340.

(4) شرح الوجيز (المجموع للنووي 6): 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 147

الدنانير لم يتغيّر وزنها عمّا هي عليه الآن في جاهليّة و لا إسلام، صرّح بذلك جماعة من علماء الطرفين «1». انتهى.

و قال جدّي- قدّس سرّه- في بعض ما ذكر: إنّه لا اختلاف فيه بين العلماء.

ثمَّ إنّ المثقال الصيرفي- على ما اعتبرناه مرارا و وزنّاه و أمرنا جمعا من المدقّقين باعتباره- يساوي تقريبا ثلاث و تسعين حبّة من حبّات الشعير المتوسّطات، فيكون الدينار على ذلك سبعين حبّة تقريبا،

و هو يطابق حبّات الذهب الصنمي المذكور، فإنّا وزنّاه مرارا فكان سبعين حبّة.

و أمّا على الثاني، فصرّح الأصحاب- منهم: المحقّق في الشرائع و المعتبر «2» و الفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير «3» و الشهيدان في البيان و الروضة «4»، و غيرهم [1]-: بأنّ الدينار درهم و ثلاثة أسباع درهم، و الدرهم نصف دينار و خمسه.

بل هو متّفق عليه بين الأصحاب، مقطوع به في كلماتهم، بل كلمات اللّغويين أيضا، و قال المحدّث المجلسي: إنّه ممّا اتّفقت عليه العامّة و الخاصّة «5»، و نفى عنه الاختلاف جدّي الأمجد أيضا.

ثمَّ الدرهم- كما به صرّحوا جميعا أيضا- ستّة دوانيق، و الدانق:

ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير.

و تدلّ عليه- بعد الاتّفاق المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «6»- أصالة

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 114، و صاحب الرياض 1: 270.

______________________________

(1) الحدائق 12: 89.

(2) الشرائع 1: 150، المعتبر 2: 525.

(3) المنتهى 1: 493، التذكرة 1: 215، التحرير 1: 62.

(4) انظر: البيان: 302، الروضة البهية 2: 30.

(5) رسالة المقادير الشرعية (المخطوط).

(6) انظر: المفاتيح 1: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 148

الاستعمال، بضميمة أصالة عدم النقل.

و يوافق أيضا ما اعتبرناه من تطابق الدينار بالحبّات، فإنّ مقتضاه كون الدرهم ثمان و أربعين حبّة تقريبا، كما صرّحوا به.

و من ذلك يعلم قدر الدرهم بالنسبة إلى الدينار أيضا، و كذلك بالنسبة إلى المثاقيل الصيرفيّة المتعارفة الآن في أكثر البلاد، التي كلّ واحد منهما ثلاث و تسعون حبّة تقريبا، و يعلم أنّ كل درهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره.

و أمّا ما في بعض الأخبار الضعيفة- ممّا يدلّ على أنّ الدرهم ستّة دوانيق، و الدانق: اثنا عشر حبّة- فهو مخالف لتصريح الجميع، بل للاعتبار الصحيح، فهو بالشذوذ مردود.

و

منه يعلم أيضا ما في مجمع البحرين من أنّ المثقال الشرعيّ ستّون حبّة من حبّات الشعير، فإنّه يلزمه أن يكون الدرهم اثنتين و أربعين حبّة، و هو مخالف لتصريح الأصحاب و الاعتبار.

ثمَّ بعد ما ذكرنا تعلم أنّ النصاب الأول للذهب خمسة عشر مثقالا بالمثقال الصيرفي، و الثاني ثلاثة مثاقيل. و النصاب الأول للفضّة مائة و خمسة مثاقيل، و الثاني واحد و عشرون، و اللّه أعلم.

فرعان:

أ:

المراد ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم بلوغ وزنهما، و لا يشترط أن يكون ما يسمّى دينارا أو درهما أو يكون بهذا العدد الخاصّ؛ بالإجماع، و صرّح به في موثّقة عليّ بن عقبة السابقة، حيث قال: «فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال» «1».

______________________________

(1) تقدّمت في ص 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 149

و في صحيحة ابن أبي عمير: ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم، و عدلها من الذهب» «1»، فإنّ المراد بالعدل: العدل في القيمة، حيث إنّ قيمة مثقال من الذهب في هذه الأزمان عشرة دراهم، كما صرّحوا به؛ و يدلّ عليه الاستقراء في موارد الأحكام أيضا.

و في صحيحة محمّد: عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: «إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة» «2»، مع أنّ كون الدرهم اسما لنقد خاصّ غير معلوم.

و يشعر باعتبار الوزن أيضا التعبير بمثل قوله: «إذا بلغ، و إذا كان أقل، أو نقص» و نحو ذلك، فلا يشترط.

ب:

لو نقص عن النصاب و لو بقليل لا تجب الزكاة.

و لو اختلفت الموازين، فنقص في بعضها دون بعض، فعن الخلاف:

عدم وجوب الزكاة «3».

و عن المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و النهاية و المسالك:

الوجوب، إن كان الاختلاف بما جرت به العادة

و النقص ممّا يتسامح به في ذلك الوزن «4».

و هو قوي؛ لأنّه علّق وجوب الزكاة ببلوغ النصاب، فإذا بلغ بأحد الموازين صدق البلوغ فوجب.

و لا يضرّ الاختلاف اليسير في بعض آخر؛ لأنّه ممّا جرت به العادة، و مثل ذلك لا ينفي الصدق العرفيّ كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي 3: 516- 7، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 516- 5، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 2.

(3) الخلاف 2: 75.

(4) المعتبر 2: 524، المنتهى 1: 493، التحرير 1: 62، التذكرة 1: 215، نهاية الإحكام 2: 340، المسالك 1: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 150

و أيضا بناء كلام الشارع على طريقة المحاورات، فيبتني النصاب على الأوزان المعتبرة في المعاملات، و مثل ذلك ممّا يتسامح به فيها.

على أنّ غاية تحقيق الأوزان اعتبارها بأوساط الشعير، و لا شبهة في اختلافها.

الشرط الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة الخاصّة،

سواء كان النقش بكتابة حروف و كلمات، أو بنقش صور و غيرها، بلا خلاف فيه بين علمائنا، بل في الانتصار و المدارك و الذخيرة «1» و غيرها «2» إجماعهم عليه.

و هو الدليل عليه، مضافا إلى أنّ عمومات وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة و إن اقتضت وجوبها فيهما مطلقا، إلّا أنّ النصوص المستفيضة- بل المتواترة النافية للزكاة عن الحليّ و السبائك و النقار و التبر- أخرجت هذه الأمور، التي هي العمدة في غير المسكوكات.

و الباقي و إن كان أيضا أعمّ من المدّعى، إلّا أنّه خرج غير المنقوش بخبر عليّ بن يقطين المنجبر ضعفه- لو كان- بالعمل، و فيه: «و ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء»، قال: قلت: و ما الركاز؟ قال: «الصامت المنقوش»

«3».

و ذلك و إن كان أيضا أعمّ من المدّعى في الجملة- لعدم اختصاص النقش بسكّة المعاملة- إلّا أنّه خرج غير المسكوك بسكّة المعاملة بموثّقة جميل: «ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدراهم» «4».

______________________________

(1) الانتصار: 80، المدارك 5: 115، الذخيرة: 439.

(2) كالرياض 1: 269.

(3) الكافي 3: 518- 8، التهذيب 4: 8- 19، الاستبصار 2: 6- 13، الوسائل 9:

154 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 8 ح 2.

(4) التهذيب 4: 7- 18، الاستبصار 2: 7- 16، الوسائل 9: 156 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 151

و التبر: ما كان من الذهب غير مضروب، على ما ذكره الجوهري، و صاحب المغرب «1» .. فخرج جميع غير الدنانير و الدراهم، و بقيت الزكاة واجبة فيهما.

و هي و إن اقتضت اختصاص الزكاة بالدينار و الدرهم، اللذين هما اسمان لمسكوك بوزن خاصّ، إمّا مطلقا أو بسكّة خاصّة أيضا، كما مرّ في الدينار .. إلّا أنّ الإجماع اقتضى التعدّي إلى كلّ مسكوك بسكّة المعاملة، بأيّ سكّة و أيّ وزن كان.

و لمّا كان التعدّي بالإجماع يجب الاقتصار على ما ثبت فيه، فلا يجب في سكّة لم تقع المعاملة عليها بين الناس، كمن نقش ذهبا أو فضّة باسمه، و لم يكن من شأنه ذلك و لم تقبل سكّته.

و الحاصل: أنّه يشترط وقوع المعاملة بنحو هذه السكّة؛ لا صلاحيّتها لها بأن يصير الناقش ممّن تقبل سكّته، و لا فيما انمحت سكّته بكثرة الاستعمال، بحيث لم يبق فيه نقش أصلا.

و لا يفيد الاستصحاب؛ لعدم صدق الدينار و الدرهم و إن تعومل به، و لا بغير المنقوش من السبائك و إن جرت به المعاملة.

نعم، لا

يتعيّن التعامل بها في جميع البلدان إجماعا، بل يكفي جريانه في بعض الأصقاع.

و تدلّ عليه أيضا رواية زيد الصائغ: إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: بخارى، فرأيت فيها درهما يعمل، ثلث فضّة و ثلث مسّ و ثلث رصاص، و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم»، فقلت: أرأيت إن حال عليها الحول و عندي منها ما يجب فيه الزكاة أزكّيها؟ قال: «نعم إنّما

______________________________

(1) الصحاح 2: 600، المغرب 1: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 152

هو مالك»، قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها [مثلها]، فبقيت عندي حتى يحول عليها الحول، أزكّيها؟ قال: «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة و دع ما سوى ذلك من الخبث»، قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة، إلّا أني أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة، قال: «فاسبكها حتى تخلص الفضّة، و يحترق الخبث، ثمَّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» «1» [1].

و هل تشترط فعليّة المعاملة و لو في بعض البلدان، أو لا، بل تكفي السكّة و لو هجرت المعاملة بها في بعض الأزمان مطلقا؟

نصّ الفاضلان «2» و الشهيدان على الثاني «3»، بل قيل: لم أعثر فيه على خلاف «4».

و هو كذلك، لا لما قيل من دلالة رواية الصائغ المتقدّمة «5»؛ لعدم دلالة فيها أصلا.

بل لإطلاق الدنانير و الدراهم، الشامل لما هجرت المعاملة به أيضا، الموافق لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش، و إطلاق ما دلّ على ثبوتها

في الذهب و الفضّة مطلقا، خرج ما علم خروجه و بقي غيره.

الشرط الثالث: حولان الحول عليه؛

بإجماع العلماء، و المستفيضة من النصوص. و المراد بالحول ما تقدّم، من دخول الثاني عشر، كما مرّ مفصلا.

______________________________

[1] و ما بين المعقوفين من المصدرين.

______________________________

(1) الكافي 3: 517- 9، الوسائل 9: 153 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 7 ح 1،

(2) المحقق في المعتبر 2: 522، العلّامة في التحرير 1: 62، و الإرشاد 1: 282.

(3) الشهيد الأوّل في الدروس 1: 236، و البيان: 300، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 30.

(4) كما في مجمع الفائدة 4: 86، و الرياض 1: 269.

(5) كما في الرياض 1: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 153

البحث الثاني في ما يتعلّق بذلك الباب من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا تجب الزكاة في الحليّ محلّلا كان أو محرّما،

و لا في السبائك و النقار و التبر إذا لم يقصد بها الفرار من الزكاة؛ بإجماعنا المحقّق و المحكي «1»، و أخبارنا المستفيضة في جميع ما ذكر «2».

و على الحقّ إذا قصد الفرار أيضا.

و خالف الجمهور في الحليّ المحرّم، فأوجبوها فيه «3»، و جماعة فيما إذا قصد الفرار، و مرّ الكلام فيه.

و عن الشيخ استحباب الزكاة في المحرّم «4»، و لم نقف على مأخذه.

نعم، تستحبّ زكاة الحليّ بإعارته للمؤمن إذا استعاره؛ لرواية دلّت عليه «5».

المسألة الثانية: لا فرق بين ردي ء كلّ من النقدين و جيّده،

بمعنى: أنّه يعدّ الكلّ جنسا واحدا مع تساويهما في الجنسيّة، و إن اختلف في الرغبة و الجودة؛ لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة في المقدار المعيّن من الذهب أو الفضّة، فإنّه يشمل الجيّد و الردي ء و المختلف القيمة و غيرها.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 118، الحدائق 12: 96، الرياض 1: 271.

(2) الوسائل 9: 156، 159 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 9، 11.

(3) كما في المغني و الشرح الكبير 2: 609، 614.

(4) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 205.

(5) الكافي 3: 518- 6، التهذيب 4: 8- 22، الاستبصار 2: 7- 19، الوسائل 9:

158 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 154

ثمَّ إن تطوّع المالك إخراج الجيّد للفريضة فلا كلام.

و إن ماكس، فهل يجب عليه التقسيط، كما في الشرائع و الإرشاد «1»؛ للتعلّق بالعين و قوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «2»؟

أو يجوز له إخراج الأدون، كما عن الشيخ «3»، و اختاره جمع من المتأخّرين [1]؛ لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم؟ و هو الأظهر؛ لما ذكر، و عدم منافاته للتعلّق بالعين، و عدم دلالة الآية؛ لأنّ إطلاق الخبيث على الردي ء مجاز،

و إرادة مطلق الردي ء منه- حتى يصدق على مثل ذلك- غير معلوم.

و أولى بالجواز إخراج الأدنى بالقيمة.

و لو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون- مثل: أن يخرج نصف دينار جيّد عن دينار أدون- فالمشهور كما قيل عدم الجواز «4»؛ لأنّ الواجب عليه دينار، فلا يجزئ الناقص عنه.

و احتمل في التذكرة الإجزاء «5»، و مال إليه في الحدائق «6»، بل نفى الإشكال عنه على القول بعدم وجوب التقسيط؛ إذ متى جاز أخذ دينار من النصاب لنفسه و جاز إخراج القيمة يلزمه جواز ذلك.

و هو حسن، إلّا أنّه يمكن أن يقال بعدم ثبوت جواز دفع القيمة من أدلّته حتى من نفس النصاب، بل يظهر منه الخدش في جواز دفعها من

______________________________

[1] كالعلّامة في التذكرة 1: 216.

______________________________

(1) الشرائع 1: 151، الإرشاد 1: 283.

(2) البقرة: 267.

(3) المبسوط 1: 209.

(4) انظر: الحدائق 12: 94.

(5) التذكرة 1: 216.

(6) الحدائق 12: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 155

جنس النصاب أيضا من غير ما تعلّقت به الزكاة، فالأجود المشهور.

المسألة الثالثة: لا زكاة في المغشوش من الذهب و الفضّة مع غيرهما
اشاره

ما لم يبلغ الصافي نصابا، فإذا بلغ وجب فيما بلغ خاصّة، بلا خلاف فيهما بين أصحابنا كما قيل «1»، بل قيل: إنّه يفهم من الخلاف و المنتهى أيضا «2»، و في الحدائق اتّفاق الأصحاب عليه «3».

و يدلّ على الأول عموم الأدلّة الدالّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصابا، و على الثاني ثبوتها في ما بلغه منهما، مضافا في الحكمين إلى رواية الصائغ المتقدّمة «4».

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب، أو دنانير مغشوشة بفضّة، و بلغ كلّ منهما نصابا، وجبت عليه الزكاة في كلّ منهما.

فرعان:

أ:

لو شكّ في بلوغ الصافي من المغشوش من أحد النقدين و غيرهما نصابا، لا تجب عليه زكاة؛ للأصل.

و المناقشة فيه: بأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب، و هو اسم لما كان نصابا في نفس الأمر، من غير مدخليّة للعلم به في مفهومه، و حينئذ فيجب تحصيل العلم، و التفحّص عن ثبوته و عدمه و لو من باب المقدّمة.

مردودة بأنّ الألفاظ و إن كانت أسماء للمعاني النفس الأمريّة، إلّا أنّها

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 270.

(2) الخلاف 2: 76، المنتهى 1: 494.

(3) الحدائق 12: 92.

(4) في ص 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 156

تقيّد في مقام التكليف بالعلم، كما بيّنا في محلّه، و توقّف إجراء الأصل على الفحص إنّما هو في الأحكام دون الموضوعات، و وجوب المقدّمة بعد ثبوت وجوب ذي المقدّمة.

و إن تيقّن البلوغ و علم قدره، أخرج الزكاة منه بقدرة نقدا خالصا، أو أخرج ربع عشر المجموع؛ إذ به يتحقّق إخراج ربع عشر الصافي، إلّا إذا لم يعلم تساوي قدر الغشّ في كلّ دينار أو درهم، فيجب حينئذ إخراج الخالص أو قيمته؛ تحصيلا

للبراءة اليقينيّة.

و لو لم يعلم قدره مع علمه بالبلوغ، فإن أخرج المالك ربع عشر المجموع مع تساوي قدر الغشّ في الكلّ، أو أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما يحصل معه اليقين بالبراءة، فهو، و إن ماكس وجب عليه تصفيتها و سبكها.

لا لما قيل من وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة، و هو موقوف بالسبك «1»؛ لأنّ الواجب منه تحصيل البراءة اليقينيّة عمّا قد علم الشغل به يقينا، و لم يعلم الشغل بالأزيد من فريضة القدر المتيقّن وجوده من الخالص، فيعمل في الزائد بأصل البراءة.

و ما قيل من عدم جريانه إلّا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلا، أمّا ما ثبت فيه مجملا فلا بدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينيّة؛ عملا بالاستصحاب «2».

مردود بمنع عدم الجريان، كيف؟! مع أنّ الأزيد ممّا لم يثبت فيه تكليف أصلا، و المجمل الواجب فيه تحصيل البراءة اليقينيّة هو ما لم يكن فيه قدر مشترك.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 270.

(2) كما في الرياض 1: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 157

و الاستصحاب لا يفيد؛ لأنّ ما علم به الشغل أوتي به، و ما لم يعلم كيف يستصحب؟! و استصحاب أصل الشغل- مع العلم بمتعلّقه المعلوم و زواله- لا وجه له.

بل للأمر بالسبك في رواية الصائغ السابقة.

خلافا للمحكيّ عن الفاضلين «1» و جماعة [1]، فاستوجهوا الاكتفاء بما علم اشتغال الذمّة به و طرح المشكوك فيه؛ عملا بأصل البراءة.

و فيه: إنّه يتمّ لو لا الرواية.

ب:

لو كان المغشوش النقدين معا و شكّ في بلوغ كلّ منهما النصاب، يعمل فيهما بالأصل.

و لو تيقّن بلوغ أحدهما معيّنا و شكّ في الآخر، يعمل فيه خاصّة بالأصل.

و لو لم يعلم البالغ، وجب تحصيل البراءة اليقينيّة، بإخراج الأعلى قيمة، أو ربع

عشر المجموع، أو السبك؛ لاستصحاب الشغل، و فقد القدر المشترك.

و كذا لو علم بلوغ كلّ منهما و لم يعلم قدر كلّ واحد.

و لا يجوز له العمل بالأصل في واحد منهما؛ لاستلزامه مخالفة أصل في الآخر، و حصول التعارض.

المسألة الرابعة: من خلّف لعياله نفقة سنة أو سنتين أو أكثر و بلغت النصاب و حال عليها الحول،

فلو كان حاضرا وجبت عليه زكاتها، بلا خلاف فتوى و نصّا، كما لا خلاف في عدم الوجوب لو كان غائبا و لم

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 124، و السبزواري في الذخيرة: 441.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 525، و الشرائع 1: 151، و العلّامة في القواعد 1:

54، و المنتهى 1: 494.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 158

يتمكّن من التصرّف فيها و أخذها متى رامه.

و لو كان غائبا قادرا على أخذها متى شاء ففيه قولان.

سقوط الزكاة، و هو عن الشيخين «1» و الفاضلين «2» و غيرهما [1]، بل ادّعى عليه جماعة الشهرة [2]؛ لعمومات سقوط الزكاة عن المال الغائب «3»، أو ما ليس في يد المالك أو عنده، كالروايات العشر من الصحاح، و الموثّقات، و الحسان، و غيرها، المتقدّمة في مسألة اشتراط التمكّن من التصرّف و غيرها «4»، و خصوص موثّقتي أبي بصير و إسحاق، و مرسلة ابن أبي عمير الواردة في نفقة العيال، المتقدّمة فيها أيضا «5».

و وجوبها، و هو للسرائر «6»، و ربّما يحكى عن جماعة.

إمّا لقصور سند الروايات الثلاث الواردة في النفقة، فلا تصلح مخصّصة لعمومات وجوب الزكاة، كما في المدارك «7».

أو لأجل معارضة روايات السقوط بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكّن من التصرّف و عدمه مع عدمه بالعموم و الخصوص من وجه، و رجحان الأخير بالأكثريّة و الشهرة القطعيّة، كما قيل «8».

______________________________

[1] كالشهيد في الدروس 1: 230، و السبزواري في الذخيرة: 424، و

الكفاية: 35.

[2] نقله في مفتاح الكرامة 3: 25 عن تخليص التلخيص.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 239، و الطوسي في المبسوط 1: 213، و النهاية: 178.

(2) المحقق في الشرائع 1: 152، و المعتبر 2: 530، و العلّامة في المختلف:

178، و التحرير 1: 58.

(3) الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 1.

(4) راجع ص 34 و 35.

(5) في ص 34.

(6) السرائر 1: 443.

(7) المدارك 5: 127.

(8) كما في الرياض 1: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 159

و لكن يرد على الأول: أنّ قصور السند- مع وجود الخبر في الأصول المعتبرة سيما الكتب الأربعة- غير ضائر، و لو سلّم فإنّما هو مع عدم الجابر، و ما مرّ من الشهرة المحكيّة كاف في الجبر.

مع أنّ القصور ممنوع؛ لكون اثنين منها من الموثّقات، و واحدة من مراسيل ابن ابي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه، و المحكوم بكون مراسيله في حكم المسانيد.

هذا، مع عدم انحصار الدالّ بهذه الثلاث، بل تدلّ عليه جميع الروايات العشر المذكورة أيضا.

و على الثاني: منع الرجحان بما ذكر؛ لأنّ ما يدلّ على وجوب الزكاة في المال الغائب- الذي يقدر على أخذه- منحصر بموثّقة زرارة، و روايتي عمر بن يزيد و عبد العزيز، المتقدّمة في المسألة المذكورة، بل في الأولى منها؛ لقصور شمول الأخيرتين لغير الدين.

و الشهرة المفيدة إنّما هي التي كانت في المورد، و هي مع الأول.

فالظاهر عدم الترجيح من هاتين الجهتين، و لا من جهة أخرى مقبولة، و لازمه تعارضهما و رفع اليد عنهما؛ لبطلان التخيير- الذي هو المرجع عند عدم الترجيح- بالإجماع، فتبقى عمومات سقوط الزكاة- عن مطلق المال الغائب، و ما ليس في

يده، و لا عنده- سالمة عن المعارض.

و منه يظهر أنّ الترجيح للأول، فهو الأقوى و المعوّل.

المسألة الخامسة: لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا،

و لو قصر جنس ممّا تجب فيه الزكاة لم يجبر بجنس آخر منه؛ بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «1».

و يدلّ عليه- مع الإجماع- الأصل، و كلّ ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 127، و الرياض 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 160

جنس إذا لم يبلغ نصابه، و خصوص صحيحة زرارة «1».

و أمّا رواية إسحاق بن عمّار- الظاهرة في جبر الذهب و الفضّة بالآخر «2»- فشاذّة مردودة، و مع ذلك على التقيّة محمولة؛ لموافقتها طائفة من العامّة «3».

و يحتمل حملها على من جعل ماله أجناسا مختلفة فرارا من الزكاة، فتستحبّ فيه الزكاة، بل تشهد له رواية أخرى لإسحاق بن عمّار أيضا «4»، و لا دلالة في الأولى على الأزيد من الاستحباب- الذي هو الحكم عند الفرار- مع احتمالها لمحامل أخرى أيضا، و اللّه يعلم.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 144.

(2) الكافي 3: 516- 8، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 7.

(3) انظر: المغني و الشرح الكبير 2: 598.

(4) كما في الكافي 3: 516- 8، التهذيب 4: 93- 269، الاستبصار 2:

39- 121، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 161

الفصل الثالث في زكاة الغلّات الأربع
و فيه بحثان:
البحث الأول في ما يشترط به وجوبها
اشاره

اعلم أنّه يشترط في وجوبها عليها شرطان:

الشرط الأول: النصاب،
اشاره

باتّفاق الأصحاب المصرّح به في كلماتهم، و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا- إلّا عن مجاهد و أبي حنيفة، فإنّهما أوجباها في قليلها و كثيرها «1»- فهو الدليل عليه، مضافا إلى النصوص:

ففي صحيحة سعد: عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال: «خمسة أوساق بوسق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»، فقلت: فكم الوسق؟ فقال: «ستون صاعا» «2».

و صحيحة محمّد: عن التمر و الزبيب، ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟

قال: «خمسة أوساق» «3».

و صحيحة سليمان: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا» «4».

______________________________

(1) المنتهى 1: 496.

(2) الكافي 3: 514- 5، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 514- 7، التهذيب 4: 18- 47، الاستبصار 2: 18- 53، الوسائل 9: 176، أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 4: 18- 46، الاستبصار 2: 18- 52، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 162

و صحيحة الحلبي و فيها- بعد ذكر حديث-: و قال في حديث آخر، ثمَّ ذكر مثل صحيحة سليمان، و قال في آخره: «و الوسق ستون صاعا» «1».

و صحيحته الأخرى: «ليس في ما دون خمسة أوساق شي ء، و الوسق ستّون صاعا» «2»، و قريبة منها موثّقة أبي بصير و ابن شهاب «3».

و صحيحة زرارة و ابن بكير: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شي ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا في أربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، و ليس

في شي ء من هذه الأربعة أشياء شي ء حتى يبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا، و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ، فإن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شي ء و إن قلّ فليس فيه شي ء، و إن نقص البر و الشعير و التمر و الزبيب، أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع، فليس فيه شي ء» «4» الحديث.

و مرسلة ابن بكير: «في زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ليس في ما دون الخمسة أوساق زكاة، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة، و الوسق ستّون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ» «5»، إلى غير ذلك.

و أمّا رواية إسحاق بن عمّار: عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال:

«العشر و نصف العشر، العشر ممّا سقت السماء، و نصف العشر ممّا سقي

______________________________

(1) التهذيب 4: 14- 36، الاستبصار 2: 15- 42، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 11.

(2) التهذيب 4: 18- 48، الاستبصار 2: 18- 54، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 6.

(3) التهذيب 4: 19- 49، الاستبصار 2: 18- 55، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 9.

(4) التهذيب 4: 19- 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 8.

(5) التهذيب 4: 14- 35، الاستبصار 2: 14- 41، الوسائل 9: 179 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 163

بالسواقي»، فقلت: ليس عن هذا أسألك، إنّما أسألك عمّا خرج منه قليلا كان أو كثيرا، إله حدّ يزكّى ما خرج منه؟ فقال: «يزكّى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كلّ عشرة واحدا، و من كلّ عشرة نصف واحد»

«1» الحديث.

فحملها في التهذيبين على القليل، و الكثير على ما زاد على الخمسة أوساق، أو على الاستحباب «2».

و الأول مقتضى حمل العامّ على الخاصّ، و الثاني موافق للجملة الخبريّة.

و يمكن الحمل على التقيّة أيضا، و لو لا ما ذكر لوجب طرحها؛ لشذوذها من وجهين، و اللّه يعلم.

ثمَّ حدّ النصاب خمسة أوساق؛ بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا في الناصريّات و الخلاف و الغنية و المنتهى «3» و غيرها «4»، و يدلّ عليه- مع الإجماع- أكثر النصوص المتقدّمة.

و أمّا صحيحة الحلبي: في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال: «في ستّين صاعا» «5».

و رواية ابن سنان: عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟

فقال: «في وسق» «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 17- 42، الاستبصار 2: 16- 45، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 6 و ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 4: 17، الاستبصار 2: 16.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 205، الخلاف 2: 58، الغنية (الجوامع الفقهية): 567، المنتهى 1: 496.

(4) كما في الرياض 1: 272.

(5) تقدّمت في ص 162.

(6) التهذيب 4: 18- 45، الاستبصار 2: 18- 51، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 164

و رواية أبي بصير: «لا تكون في الحبّ و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين، و الوسق ستّون صاعا» «1».

فتحمل إمّا على شدّة الاستحباب بقرينة ما مرّ، أو تترك؛ لمخالفتها الإجماع و الصحاح المتكثّرة.

و الوسق ستّون صاعا، كما في المعتبر و التذكرة و المنتهى «2»، و كثير من النصوص المتقدّمة من غير معارض به ناطقة، فهذه ثلاثمائة صاع.

و الصاع قدّر في الأخبار و

كلام الأصحاب بالأمداد، و الأرطال، و الدراهم.

أمّا الأول: فهو أربعة أمداد باتّفاق علمائنا، كما عن الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة؛ له «3»، و لصحيحة ابن سنان الواردة في قدر الفطرة، و فيها: «و الصاع أربعة أمداد» «4»، و نحوها في صحيحة الحلبي الواردة في الفطرة أيضا «5».

و صحيحة زرارة، و فيها: «و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستّة أرطال» «6».

و الرضويّ: «و الوسق ستّون صاعا، و الصاع أربعة أمداد، و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 17- 44، الاستبصار 2: 17- 50، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 3.

(2) المعتبر 2: 532، التذكرة 1: 218، المنتهى 1: 497.

(3) الخلاف 2: 59، الغنية (الجوامع الفقهية): 567، المعتبر 2: 532، المنتهى 1: 497، التذكرة 1: 218.

(4) التهذيب 4: 81- 234، الاستبصار 2: 47- 155، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ذيل الحديث 12.

(5) التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(6) التهذيب 1: 136- 379، الاستبصار 1: 121- 409، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.

(7) فقه الرضا «ع»: 197، مستدرك الوسائل 7: 87 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 165

و تدلّ عليه أيضا رواية الهمداني الآتية.

و أمّا رواية المروزي: «الغسل بصاع من ماء، و الوضوء بمدّ من ماء، و صاع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمسة أمداد، و المدّ وزن مائتين و ثمانين درهما، و الدرهم وزن ستّة دوانيق، و الدانق وزن ستّ حبّات، و الحبّة وزن حبّتي

شعير من أوساط الحبّ، لا من صغاره و لا من كباره» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    165     الشرط الأول: النصاب، ..... ص : 161

تصلح لمعارضة ما مرّ؛ لأكثريّته عددا، الموجبة لأشهريّته رواية، و هي من المرجّحات المنصوصة؛ و لأصحّيته سندا، و هي أيضا من المرجّحات؛ و لموافقته لعمل الأصحاب و مخالفتها، بل في الحدائق ظاهر الأصحاب الاتّفاق على طرح هذا الخبر «2».

و قد يوجّه بأنّ الصاع مكيال معيّن، و من البديهيّات أنّ الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معيّن، و لا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة و الشعير و شبههما، فيكون الصاع من الماء- كما هو مورد الرواية الأخيرة- أثقل من الصاع من الطعام، كما هو مورد الصحاح و الروايتين السابقة .. و لذا فرّق الصدوق في معاني الأخبار بين صاع الماء و صاع الطعام «3».

أقول: هذا التوجيه كان حسنا لو لا أنّ المدّ أيضا كالصاع مكيال معيّن، و لكنّ الظاهر- كما صرّح به في الحدائق، ناقلا عن بعض مشايخه- أنّ كلا من المدّ و الرطل و الصاع مكيال معيّن «4»، فلا يختلف.

______________________________

(1) التهذيب 1: 135- 374، الاستبصار 1: 121- 410، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

(2) الحدائق 12: 114.

(3) معاني الأخبار: 249.

(4) الحدائق 12: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 166

هذا، مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة واردة في صاع الماء أيضا.

و منه يظهر ما في التوجيه بحمل الاختلاف على تعدّد الصاع للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّ كلا من صحيحة زرارة و رواية المروزي واردة في صاع غسل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فتأمّل.

ثمَّ

إنّه قد ظهر ممّا ذكر أنّ النصاب ألف و مائتا مدّ.

و أمّا الثاني: فهو ستّة أرطال بالمدنيّ و تسعة بالبغدادي، بلا خلاف، بل بالإجماع، كما عن الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية «1»؛ لرواية عليّ بن بلال: كم الفطرة و كم يدفع؟ قال: فكتب: «ستّة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالعراقي، فإنّ قدر الفطرة صاع» «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة أيّوب بن نوح، المتضمّنة لإرسال الراوي عن كلّ رأس من عياله درهما قيمة تسعة أرطال، و تقرير المعصوم إيّاه «3».

و رواية الهمداني، و فيها: «الصاع ستّة أرطال بالمدنيّ و تسعة بالعراقي» و أخبرني: «أنّه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة» «4».

و أمّا ما فسّر الصاع بستّة أرطال «5»، فمحمول على المدني؛ لوجوب حمل المجمل على المبيّن؛ و تدلّ عليه رواية أخرى للهمداني تأتي.

و أمّا موثّقة سماعة: «و كان الصاع على عهده خمسة أرطال، و كان

______________________________

(1) الانتصار: 88، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 156، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(2) الكافي 4: 172- 8، التهذيب 4: 83- 242، الاستبصار 2: 49- 162، الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 2.

(3) كما في الكافي 4: 174- 24، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 3.

(4) الكافي 4: 172- 9، الفقيه 2: 115- 493، التهذيب 4: 83- 243، الاستبصار 2: 49- 163، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

(5) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 167

المدّ قدر رطل و ثلاث أواق» «1».

فمع شذوذها، غير منضبطة؛ لاختلاف النسخ فيها؛ لأنّ في الاستبصار: «خمسة أمداد» مكان: «خمسة أرطال»، و هو

المناسب لتقدير المدّ بعده.

و أمّا الثالث: فهو ما تضمّنته رواية الهمداني المتقدّمة، و فيها و إن عبّر عن الدرهم بالوزنة و لكنّه قد روى هذا الخبر في عيون الأخبار و ذكر الدرهم موضع الوزنة «2». و على هذا، فيكون النصاب ثلاثمائة آلاف و واحد و خمسون ألف درهم، و يكون على التقدير الأول ألفا و مائتا مدّ، و على الثاني ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي.

و مرجع الثلاثة واحد؛ و ذلك لأنّ المدّ رطلان و ربع بالعراقي، و الرطل مائة و ثلاثون درهما.

أمّا الأول، فظهر وجهه ممّا مرّ من تقدير الصاع بأربعة أمداد و تسعة أرطال، و عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية «3»، و عن البزنطي: أنّه رطل و ربع «4».

و استدلّ له بموثّقة سماعة المتقدّمة، و هي لا تلائمه إن فسّرت الأوقية بأربعين درهما، كما ذكره الجوهري «5»، أو بعشرة مثاقيل و خمسة أسباع درهم، كما عند الأطباء .. فتكون الرواية مردودة بمخالفة الإجماع، أو

______________________________

(1) التهذيب 1: 136- 376، الاستبصار 1: 121- 411، الوسائل 1: 482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.

(2) عيون أخبار الرضا «ع» 1: 241- 73، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

(3) الخلاف 2: 59، 156، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(4) نقله عنه في البيان: 293.

(5) الصحاح 6: 2527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 168

بحمل المدّ و الرطل فيها على مكيال بعض البلاد الغير الشائعة اليوم.

نعم، إن فسّرت الأوقية بسبعة مثاقيل- التي هي عشرة دراهم، كما في العين «1»- يقرب من ربع الرطل، و يطابق قول البزنطي تقريبا، و على هذا يمكن حمل الرطل في الموثّقة على المكّي- الذي هو ضعف العراقي- فيوافق المشهور تقريبا أيضا.

و منه

يظهر إمكان تطبيق قول البزنطي على المشهور، بحمله على المكّي.

و من ذلك يظهر أنّ ألفا و مائتي مد يكون ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي.

و أمّا الثاني- و هو كون كلّ رطل عراقي مائة و ثلاثين درهما- فهو ممّا ذهب إليه الأكثر، و منهم: الصدوق «2» و الشيخان «3».

و تدلّ عليه رواية الهمداني المتقدّمة؛ لأنّ الحاصل من ضرب التسعة- التي هي عدد أرطال الصاع بالعراقي- في مائة و ثلاثين: ألف و مائة و سبعون.

و تدلّ عليه أيضا رواية أخرى للهمداني، و فيها بعد أن كتب: «إنّ الفطرة صاع» إلى أن قال: «يدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، تكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما» «4».

خلافا للتحرير و موضع من المنتهى «5»، فوزنه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم، و لم أعثر على مستنده.

______________________________

(1) العين 5: 240.

(2) من لا يحضره الفقيه 1: 115.

(3) المفيد في المقنعة: 251، الطوسي في المبسوط 1: 241.

(4) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

(5) التحرير 1: 62، المنتهى 1: 497.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 169

و أمّا رواية المروزي- المقدّرة للمدّ بمائتين و ثمانين درهما- فهي لا توافق شيئا من القولين، فتكون مخالفة للإجماع، مردودة بالشذوذ.

ثمَّ حاصل ضرب الألفين و سبع مائة في مائة و ثلاثين هو: ثلاثمائة آلاف و واحد و خمسون ألفا، و هو بعينه عدد دراهم الصاع.

و ظهر به رجوع التقديرات الثلاثة إلى واحد، و أنّ دراهم النصاب ثلاثمائة الاف و واحد و خمسون ألف درهما.

و لمّا عرفت أنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل

شرعيّة، يكون النصاب مائتي ألف و خمسة و أربعون ألفا و سبع مائة مثقالا شرعيّا.

و لكون المثقال الشرعيّ ثلاثة أرباع الصيرفي، يكون النصاب مائة ألف و أربعة و ثمانين ألفا و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا صيرفيا.

أو نقول: لكون كلّ درهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره، يكون ثلاثمائة آلاف و واحد و خمسين ألف درهما، العدد المذكور من المثاقيل الصيرفيّة.

و لكون كلّ منّ تبريزي- بالوزن المتعارف في بلادنا هذه و ما يقربها في هذه الأزمنة، و هي سنة ألف و مائتان و سبع و ثلاثون من الهجرة- ستّ مائة و أربعين مثقالا صيرفيّا، يكون النصاب بالمنّ التبريزي مائتين و سبع و ثمانين منّا و نصف منّ، و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا صيرفيّا.

و بعبارة أخرى: مائتين و ثمانية و ثمانين منّا إلّا خمسة و أربعين مثقالا.

و لمّا كان المنّ الشاهي المتعارف في بلادنا في هذه الأزمان ضعف التبريزي، يكون النصاب مائة و أربعة و أربعين منّا شاهيّا إلّا خمسة و أربعين مثقالا.

و كان المنّ التبريزي في الأزمنة السابقة علينا ستمائة مثقال، و الشاهيّ- الذي ضعفه- ألف و مائتي مثقال، و هو المشهور بالمنّ الشاهي العبّاسي،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 170

سمّي باسم الشاه عبّاس الصفوي .. فيكون النصاب عليه بالمنّ الشاهيّ مائة و ثلاثة و خمسين منّ و نصف منّ و خمسة و سبعين مثقالا.

و إلى هذا ينظر كلام جدّي- قدّس سرّه- و من حذا حذوه، حيث قال: إنّ الاحتياط في نحو هذه الأعصار- و هي سنة ألف و مائة و اثنين من الهجرة- إن اعتبر النصاب بالمنّ المتعارف فيه أن يجعل ثلاثمائة منّ بالمنّ التبريزي.

فروع:

أ:

قال في المنتهى: لو بلغت

الغلّة النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا، و كذا لو بلغت بالوزن دون الكيل .. و لو بلغت بالكيل دون الوزن- كالشعير، فإنّه أخفّ من الحنطة مثلا- لم تجب الزكاة على الأقوى «1».

أقول: البلوغ بالوزن دون الكيل يتصوّر بأن يصنع وعاء يسع ألفا و مائة و سبعين درهما من الشعير، فهو صاع، و لكنّه يسع من الحنطة أكثر من ذلك قطعا، فيكون نصاب الحنطة بالوزن أقلّ من ثلاثمائة صاع من ذلك الصاع. أو يصنع ما يسع هذا الوزن من الحنطة و لكن لتقريبيّة مل ء الصاع كيل وزن النصاب بأقلّ من ثلاثمائة صاع و لو ببعض الصاع.

ثمَّ أقول: إنّ ما ذكره عندي محلّ نظر، و إن تبعه جمع ممّن عنه تأخّر «2».

بيان ذلك: إنّ المعلوم بنقل الأصحاب و تصريح أهل اللغة- بل بالأخبار- أنّ الصاع اسم لمكيال معيّن كانوا يكيلون به الغلّات و غيرها.

و من البديهيّات أنّ الوعاء و المكيال الذي يسع الألف و نحوه إذا قدّر

______________________________

(1) المنتهى 1: 497.

(2) انظر: البيان: 293، و المدارك 5: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 171

بالدراهم و المثاقيل لا يمكن إرادة التحقيقيّة؛ لأنّ الاختلاف بنحو الدرهم و المثقال بديهيّ محسوس، فقد يزيد درهم و قد ينقص.

نعم، لو كان الصاع اسما لألف و مائة و سبعين درهما لا للمكيال لتمّ ما ذكره، و لكنه ليس كذلك، فالمراد أنّ الصاع بهذا الوزن تقريبا، كما يتعارف في هذه الأزمنة في مكيال يسمّى في بعض بلادنا بالكيلة .. و كلّ أحد يقول: إنّه منّ تبريزي، و المنّ ستمائة مثقال و أربعون؛ مع أنّهم يكيلون به و قد يزيد بمثاقيل و قد ينقص، و لو باع أحد مائة كيلة حنطة و

كالها للمشتري فوزنها و كان تسعة و تسعين منّا، لا يحكم بالتسلّط على مطالبته من آخر.

و على هذا، فنقول: لو صنع صاع يسع ألفا و مائة و سبعين درهما عرفا، وكيل و بلغ النصاب بهذا المقدار بالكيل، يصدق بلوغ ثلاثمائة صاع، فلم لا تجب فيه الزكاة؟! مع التصريح بالوجوب في النصوص، سواء بلغ بالوزن التحقيقيّ ذلك أو لم يبلغ، أو جهل الحال؛ إذ المراد بالوزن: التقريبي، و قد بلغ.

و لو بلغ الوزن بالوزن التحقيقي و لم يعلم بلوغ الكيل، أو كيل و علم عدم البلوغ، فمقتضى القاعدة عدم الوجوب، كما صرّح به في صحيحة زرارة و ابن بكير المتقدّمة «1». إلّا أنّ الظاهر الإجماع على اعتبار الوزن أيضا؛ و يدلّ عليه: أنّ الظاهر أنّ كلّ من [علّق ] [1] حكما على مكيال له وزن تقريبيّ يعتبر ذلك الوزن تحقيقا أيضا، فالحقّ اعتبار كلّ من الكيل و الوزن وحده أيضا.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المدارك، حيث قال- بعد نقل ما سبق عن المنتهى-: و مرجعه إلى اعتبار الوزن خاصّة، و هو كذلك؛ إذ التقدير

______________________________

[1] في النسخ: تعلّق، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) في ص: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 172

الشرعيّ إنّما وقع به لا بالكيل، و مع ذلك فهذا البحث لا جدوى له في هذا الزمان؛ إذ لا سبيل إلى معرفة قدر الصاع إلّا بالوزن «1». انتهى.

و فيه: منع وقوع تقدير النصاب شرعا بالوزن، بل قدّر بثلاثمائة صاع، و هي الكيل، غاية الأمر تقدير الكيل في مقام آخر بوزن معيّن، و المراد أنّه كذلك تقريبا.

و أمّا منع الجدوى لما ذكر، ففيه: أنّ بعد معرفة الصاع بالوزن تقريبا يحصل مكيال الصاع أيضا.

ثمَّ إنّه لمّا ورد

في سائر الأخبار أنّ الصاع يسع ألفا و مائة و سبعين درهما «2»، و لم يقيّده بالماء أو الحنطة، و من الظاهر اختلاف سعة هذه الأشياء، فنقول: المراد أنّ الصاع من كلّ شي ء ما يسع ذلك المقدار منه، فتختلف الصيعان ضيقا وسعة.

ب:

قال في المدارك: هذا التقدير تحقيق لا تقريب، فلو نقص عن المقدار المذكور و لو قليلا فلا زكاة «3».

و صرّحت به جماعة أخرى، منهم: الفاضل في التذكرة و المنتهى أيضا «4»، بل عنهما الإشعار بعدم الخلاف فيه؛ و استدلّ عليه بصحيحة زرارة و ابن بكير المتقدّمة.

و في التذكرة عن بعض العامّة قولا بأنّ هذا التقدير تقريب، فتجب الزكاة لو نقص قليلا؛ لأنّ الوسق في اللغة الحمل، و هو يزيد و ينقص، ثمَّ ردّه بأنّا اعتبرنا التقدير الشرعيّ دون اللّغوي «5».

______________________________

(1) المدارك 5: 136.

(2) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.

(3) المدارك 5: 135.

(4) التذكرة 1: 218، المنتهى 1، 497.

(5) التذكرة 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 173

أقول: إن أريد أنّ عدد الصاع تحقيقيّ و لا تكفي ثلاثمائة تقريبا، فهو كذلك إن اعتبر الكيل، و يصرّح به في الصحيحة .. و كذلك إن أريد تحقيقيّة الوزن إن اعتبر بالوزن؛ للأصل .. و أن أريد أنّ وزن النصاب غير مختلف أبدا، بل هو واحد حقيقة دائما، فهو ليس كذلك، و ظهر وجهه من الفرع السابق؛ إذ لو اعتبر بالكيل يتحقّق التقريب في الوزن.

ج:

عن التذكرة و المنتهى: الإجماع على أنّ النصاب المعتبر إنّما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الغلّة «1»، فلو كان الرطب أو العنب أو الغلّة نصابا و لو جفّ تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص، فلا زكاة

و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا.

و تدلّ عليه صحيحتا سليمان و الحلبي، المتقدّمتان في صدر الفصل «2».

و ما دلّ من المستفيضة- على نفي الزكاة عن الأقلّ من النصاب من التمر و الزبيب- فإنّه يشمل ما لو كان الأقلّ نصابا حال الرطوبة.

و يتعدّى الحكم إلى الحنطة و الشعير بعدم القول بالفصل، مع أنّ المفهوم المتبادر من تعليق حكم على وزن معيّن من الغلّة إنّما هو ذلك الوزن عند التصفية، التي هي بعد الجفاف لا غيره.

و ما يؤكل من الرطب و العنب رطبا و لا يجفّ مثله تجب فيه الزكاة إذا بلغ تمرة أو زبيبة النصاب و إن كان يقلّ كثيرا على القول بوجوب الزكاة في الرطب و العنب.

د:

لا تقدير فيما زاد على النصاب، بل تجب في الزائد الزكاة و إن

______________________________

(1) التذكرة 1: 219، المنتهى 1: 497.

(2) راجع ص: 161 و 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 174

قلّ، بلا خلاف نصا و فتوى، و في المنتهى: أنّه لا خلاف فيه بين العلماء «1».

و يدلّ عليه- مع الإجماع المحقّق- الأصل، و رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة «2» و غيرها «3».

الشرط الثاني: أن يملكها قبل بلوغها حدّا تجب عليها الزكاة-

أي قبل صدق الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب- باقيا إلى وقت تعلّق الوجوب؛ بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا «4».

فلو ملكها قبله كذلك تجب عليه الزكاة، يعني: تخرج من ماله و إن نقلها بعده.

و لو ملكها بعده لا تجب عليه، أي لا تخرج من ماله.

أمّا الأول- و هو وجوب الزكاة لو ملكها قبل تعلّق الوجوب باقيا إلى وقته- فلجميع عمومات تعلّق الزكاة بالأجناس الأربعة «5» و إطلاقاتها، فأول وقت يصدق عليها الاسم- و هي في ملكه- تتعلّق بها الزكاة، و يشترك فيها الفقراء؛ للعمومات و

الإطلاقات.

و أمّا الثاني- و هو عدم الوجوب لو ملكها بعد زمان تعلّق الوجوب- فلعدم تعلّق زكاتين بمال واحد في عام واحد، و ذلك قد تعلّقت به الزكاة في بدو زمان تعلّق الوجوب قبل الانتقال إلى الثاني، فالمنتقل إليه لا تجب فيه زكاة.

نعم، لو انتقل جميع الزرع بعد زمان الوجوب إلى أحد و لم يعلم

______________________________

(1) المنتهى 1: 498.

(2) في ص: 162.

(3) الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1.

(4) انظر: المعتبر 2: 538، و المنتهى 1: 497.

(5) الوسائل 9: 175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 175

ضمان المالك الأول لزكاته يجب عليه إخراج الزكاة من جانب المالك الأول، كما إذا مات أحد عن زرع بعد زمان تعلّق الوجوب قبل التصفية و الإخراج، و اللّه يعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 176

البحث الثاني في ما يتعلّق به من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يزكّى حاصل الزرع مرّة واحدة،

ثمَّ لا تجب فيه زكاة؛ بالإجماع و النصوص «1»، و إن بقي ألف عام. إلّا أن ينضّ و جعل ثمنا أو حيوانا زكويّا فتجب بشروطها.

المسألة الثانية: قدر الفريضة الواجب إخراجها: العشر إن سقي سيحا،

أي بالماء الجاري على وجه الأرض.

سواء كان السقي قبل الزرع، كالنيل، فإنّ اللّه سبحانه يبعث عليه ريح الشمال، فينقلب عليه البحر المالح، فيزيد، فيملأ الخلجان، و تروى به الأرض، حتى إذا كان زمان الزراعة كان ذلك كافيا، و أغنى عن المطر و غيره.

أو بعده، كعامّة الأنهار و العيون.

أو بعلا، بأن يسقى بالعروق القريبة من الماء في الأراضي التي يقرب ماؤها.

أو عذبا، أي بماء المطر.

و نصف العشر إن سقي بالدلو و الناضح و الدولاب و الناعورة و نحوها من الآلات؛ بالإجماع في الحكمين محقّقا، و محكيّا في المعتبر و المنتهى و التذكرة «2» و غيرها «3».

و تدلّ عليهما الأخبار المستفيضة، كصحيحة زرارة و ابن بكير، و فيها:

______________________________

(1) الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلّات ب 11.

(2) المعتبر 2: 539، المنتهى 1: 498، التذكرة 1: 219.

(3) كما في الذخيرة: 442.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 177

«فإذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا» «1»، و نحوها صحيحتهما الأخرى «2».

و صحيحة زرارة، و فيها: «و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا» «3».

و في صحيحة الحلبي: «في ما سقت السماء و الأنهار إذا كان سيحا أو كان بعلا العشر، و ما سقت السواني و الدوالي أو يسقى بالقرب فنصف العشر» «4».

و في حديث آخر: «و ما سقت السماء و

الأنهار أو كان بعلا فالصدقة، و هو العشر، و ما سقي بالدوالي أو بالقرب فنصف العشر» «5».

و مرسلة ابن بكير: «فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة، و الوسق ستّون صاعا، و ذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الزكاة فيها العشر في ما سقت السماء أو كان سيحا، أو نصف العشر في ما سقي بالقرب و النواضح» «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 19- 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 8.

(2) التهذيب 4: 16- 40، الاستبصار 2: 15- 43، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 5.

(3) التهذيب 4: 13- 34، الاستبصار 2: 14- 40، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 5.

(4) الكافي 3: 513- 3، الوسائل 9: 183 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 2.

(5) التهذيب 4: 14- 36، الاستبصار 2: 15- 42، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 7.

(6) التهذيب 4: 14- 35، الاستبصار 2: 14- 41، الوسائل 9: 179 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 178

و حسنة ابن شريح: «في ما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر، و أمّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر»، فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثمَّ يزيد الماء و تسقى سيحا، فقال: «إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟!» قلت: نعم، قال: «النصف و النصف، نصف بنصف العشر و نصف بالعشر»، فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال: «و في كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟» قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، و قد مكثت

قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر، قال: «نصف العشر» «1»، إلى غير ذلك من الأخبار «2».

و المستفاد من هذه الروايات: أنّ مناط الفرق بين وجوب العشر و نصفه احتياج الماء في ترقّيه إلى الأرض إلى أنّه من دولاب أو حبل و دلو أو نحوها، و عدمه، و لا عبرة بغير ذلك من الأعمال، كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها؛ لإطلاق النصوص.

و لو سقي الزرع بالأمرين فسقي بالسيح مثلا تارة، و بالدولاب اخرى، قالوا: فإن تساويا أخذ من نصفه العشر و من نصفه نصف العشر، و إلّا فالحكم للأغلب منهما.

و عن المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام: الإجماع على الأول «3»، و عن الأولين و التذكرة و الخلاف على الثاني «4»؛ و استند فيهما إلى الإجماع، و إطلاق الحسنة المتقدّمة المنجبرة.

______________________________

(1) الكافي 3: 514- 6، التهذيب 4: 16- 41، الاستبصار 2: 15- 44، الوسائل 9: 187 أبواب زكاة الغلّات ب 6 ح 1.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

(3) المعتبر 2: 539، المنتهى 1: 498، نهاية الإحكام 2: 348.

(4) التذكرة 1: 219، الخلاف 2: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 179

ثمَّ اختلفوا في ما يعتبر التساوي أو الغلبة بالنسبة إليه أنّه هل هو العدد أو الزمان أو النفع و النمو؟

فمنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد بشرط التساوي في النفع و إلّا فبالنفع.

و منهم من اعتبر بالنسبة إلى الزمان بشرط المذكور، و إلّا فبالنفع.

و منهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد مطلقا.

و منهم من قال: إنّ العبرة بالزمان كذلك، و هو المحكيّ عن ابن زهرة «1»، و المنتهى و المسالك «2» و حواشي القواعد للشهيد الثاني.

و منهم من اعتبر النفع مطلقا،

قوّاه الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد، و استقربه في القواعد و التذكرة و الإيضاح «3»، بل في حواشي القواعد: أنّه الأشهر.

دليل اعتبار العدد- على ما قيل- أنّ الكثرة حقيقة في الكمّ المنفصل، و اللفظ يحمل على حقيقته، و أنّ السبب في التفرقة هي المؤنة، و هي إنّما تكثر بكثرة العدد «4».

و يمكن إرجاع الحسنة إليه بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر.

و دليل اعتبار الزمان: ظاهر الحسنة، و أنّه ربّما لا يمكن اعتبار العدد، كما لو شرب بالعروق أو بمطر متّصل و نحوه.

و دليل اعتبار النفع: أنّ الزكاة تابعة للنموّ، و أنّ ظاهر الحسنة أنّ النظر

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(2) المنتهى 1: 498، المسالك 1: 57.

(3) القواعد 1: 55، التذكرة 1: 219، الإيضاح 1: 183.

(4) انظر: المسالك 1: 57، المدارك 5: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 180

إلى نفع الزرع.

و ضعف غير دليل اعتبار الزمان ظاهر، و هو أيضا عن إثبات الإطلاق المطلوب قاصر.

و التحقيق أن يقال: إنّ المستفاد من المستفيضة المتقدّمة ليس إلّا حكم ما تفرّد بأحد الأمرين.

و أمّا ما اجتمع فيه الأمران فهو غير داخل فيها، فاللازم فيه إمّا الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد عن نصف العشر، أو الرجوع إلى مطلقات العشر، و هو الأظهر، فمقتضى إطلاقات العشر ثبوته فيه.

إلّا أنّ الحسنة المذكورة دلّت بجزئها الأول على ثبوت ثلاثة أرباع العشر فيما اجتمع فيه الأمران مطلقا، سواء كانا متساويين، أم مختلفين عددا، أو زمانا، أو نفعا .. فيجب أن يكون ذلك هو الأصل و يحكم به إلّا فيما أخرجه دليل آخر، و ليس إلّا جزؤها الأخير، و هو لا يخرج إلّا إذا كان زمان العلاج

بالآلة أكثر، أو مع أكثريّة العدد أيضا؛ بناء على ما مرّ من أنّ الغالب في الزمان الأكثر الاحتياج إلى العدد الأكثر، و يبقى الباقي بجميع أقسامه تحت الأصل المذكور، و هو ثبوت ثلاثة أرباع العشر مع اجتماع الأمرين.

إلّا أنّ الظاهر- كما ذكره بعض المتأخّرين [1]- أنّ اعتبار الكثرة الزمانيّة في العلاج بالآلة إنّما هو إذا كانت كثرة معتدّا بها، و أمّا إذا كان التفاوت قليلا جدّا فلا يدخل في الحسنة، و الإجماع أيضا لا يفيد أكثر ممّا ذكر.

ثمَّ إنّه لو اشتبه الحال و لم يعلم أغلب أحدهما على الآخر أم لا، ففي وجوب العشر؛ لعموماته الخالية عن المعارض.

أو نصفه؛ لأصالة البراءة.

______________________________

[1] كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 118، و صاحب الحدائق 12: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 181

أو الإلحاق بالتساوي؛ لصدر الحسنة، و لتحقّق تأثيرهما، و الأصل عدم التفاضل.

أوجه، أقواها: الأخير، لما ذكر.

و لو علمت الغلبة و اشتبه الأغلب، ففي أحد الاحتمالات الثلاثة أو القرعة احتمالات، أظهرها: الثالث أيضا؛ لما مرّ.

المسألة الثالثة: الحدّ الذي تتعلّق به الزكاة-

أي يشترك فيها الفقراء- من الأجناس ما يسمّى حنطة و شعيرا و تمرا و زبيبا، و لا يكون ذلك إلّا عند الجفاف، بمعنى أنّه لا تجب الزكاة على غير هذه المسمّيات و إن سمّي رطبا أو عنبا أو بسرا أو حصرما.

وفاقا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية و الديلمي و الإسكافي «1» و المحقّق في كتبه «2» و الشيخ سديد الدين والد العلّامة، و إليه مال الشهيد الثاني في الروضة «3» و الفاضل الهندي في شرحه، و اختاره جدّي- رحمه اللّه- حيث جعل القول الآخر هو الأحوط.

لنا: الأصل، و تعليق الوجوب في الأخبار الغير العديدة على التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير،

و نفيه عمّا سوى ذلك «4»، و لا شكّ أنّ البسر و الرطب و الحصرم و العنب ما سوى الأجناس الأربعة.

و يؤيّده تعقيب الحنطة و الشعير في جميع تلك الروايات بالتمر و الزبيب، و لو تعلّقت بالرطب و العنب لما كان وجه لتركهما و عدم ذكرهما.

و ربّما تؤيّده- بل تدلّ عليه أيضا- صحيحة علي: عن البستان لا تباع

______________________________

(1) النهاية: 182، و الديلمي في المراسم: 127، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 178.

(2) المعتبر 2: 268، و الشرائع 1: 153.

(3) الروضة 2: 33.

(4) كما في الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 182

غلّته و لو بيعت بلغت غلّتها مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال: «لا، إذا كانت تؤكل» «1».

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في غير النهاية و الحلّي و الفاضل «2»، بل هو المشهور كما ذكره جماعة، فقالوا: الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب هو بدوّ الصلاح [1]، و فسّروه: باشتداد الحبّ في الحنطة و الشعير، و انعقاد الحصرم في الكرم، و الاحمرار أو الاصفرار في ثمر النخل.

و استدلّ له: بأنّه إذا اشتدّ الحبّ يسمّى حنطة و شعيرا، و البسر و الرطب تمرا، فإنّ أهل اللّغة نصّوا على أنّ البسر نوع من التمر، و الرطب نوع من التمر «3».

و بالروايات الآتية، الدالّة على وجوب الزكاة في العنب.

و بصحيحة سعد بن سعد: عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: «إذا صرم و إذا خرص» «4»، فإنّ الخرص إنّما يكون في حال كون التمر بسرا أو عنبا.

و بعموم قوله عليه السّلام: «في ما سقت السماء العشر».

و يردّ الأول: بأنّ ما ذكره و إن كان مسلّما

في الحنطة و الشعير، و لكنّه في البسر و الرطب و الحصرم ممنوع؛ أمّا الأخير فظاهر، و أمّا الأولان فلعدم معلوميّة التسمية حقيقة، و لو سمّي يكون مجازا باعتبار ما يؤول إليه؛ لصحّة السلب سيّما في البسر.

______________________________

[1] منهم العلّامة في المختلف: 178، و فخر المحققين في الإيضاح 1: 175.

______________________________

(1) التهذيب 4: 19- 51، الوسائل 9: 190 أبواب زكاة الغلّات ب 8 ح 1.

(2) الشيخ في المبسوط 1: 214، الحلّي في السرائر 1: 453، الفاضل في التحرير 1: 63، و المختلف: 178.

(3) كما في المختلف: 178.

(4) الكافي 3: 523 الزكاة- 4، الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 183

و تصريح أهل اللّغة بكونه تمرا غير معلوم، بل المعلوم من الصحاح و المصباح المنير و المغرب و المجمع خلافه «1»، و أنّ البسر لا يسمّى تمرا إلّا عند اليبس و الجفاف، بل في المصباح ادّعاء إجماع أهل اللّغات عليه.

و لم يوجد في كلام غيرهم إلّا ما يحكى عن العين و القاموس «2»، فإنّ فيهما ما ربّما يومئ إليه و يشعر به، لكن فيهما أيضا ما يخالفه.

قال في الأول: في الحديث: «لا تبسروا» أي لا تخلطوا التمر بالبسر للنبيذ.

و مع ذلك، فغاية ما يستفاد منهما الإطلاق، و هو أعمّ من الحقيقة.

ثمَّ لو سلّم ما ذكروه، فلا يفيد في الزبيب؛ لوضوح عدم إطلاقه على الحصرم بل العنب، فلا يتمّ المدّعى، و الإتمام بالإجماع المركّب فرع ثبوته، و هو ممنوع كما يأتي.

و ردّ في الذخيرة الإجماع المركّب بالمعارضة بالمثل «3».

و فيه نظر؛ إذ الحكم في الطرف الآخر يكون ثابتا بالأصل أو العموم، فلا يفيد ضمّ الإجماع المركّب معه، لمعارضة الطرف الذي

يثبت فيه الحكم بالدليل الخاصّ، و إلّا لم يتمّ إجماع مركّب أصلا.

و الثاني: بأنّ الروايات غير دالّة كما يأتي، و لو دلّت فإنّما يثبت الحكم في العنب دون الحصرم، كما هو المدّعى.

و بذلك يرد الثالث أيضا، مضافا إلى أنّ المستتر في صرم و خرص راجع إلى التمر و الزبيب، فلا يفيد في البسر و العنب.

______________________________

(1) الصحاح 2: 589، المصباح المنير 1: 76، المغرب 1: 38، مجمع البحرين 3: 221.

(2) العين 7: 250، القاموس 1: 386.

(3) الذخيرة: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 184

و القول- بأنّ الخرص يكون في وقت البسريّة و العنبيّة- ممنوع، و لو سلّم فإنّما هو وقت خرص البسر و العنب دون خرص التمر و الزبيب، فيمكن أن يكون المراد خرصهما إذا تركا في النخل و الكرم حتى يصير تمرا أو زبيبا، كما يترك الأول غالبا و الثاني في بعض البلاد، فيتركون العنب حتى يصير زبيبا في الكرم.

و على هذا، فيكون المراد: أنّ وقت وجوب الإخراج وقتان: صرم التمر و الزبيب، و خرصهما، فالأول لمن لا يريد تصرّفا في بعضه قبل أوان الصرم، و الثاني لمن يريد.

مع ما في الرواية من الخلل؛ لأنّ المسئول عنه إن كان وقت وجوب الإخراج، فلا شك في عدم وجوبه عند الخرص على شي ء من القولين.

و إن كان وقت تعلّق الوجوب، فلا شكّ في مغايرته لوقت الصرم على القولين، و عدم انطباقه على شي ء منهما.

و أيضا لو كان وقت الخرص ما ذكروه لما كان معنى لقوله: «إذا صرم»؛ لما بين البسريّة و العنبيّة و بين الصرم من المدّة.

و من بعض ما ذكر يظهر ضعف ما يستأنس به للقول المشهور من بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم الخارص على الناس؛ إذ على تقدير ثبوته لم يثبت في غير النخل، و لا فيه في حال البسريّة و الرطبيّة.

و قول بعض- بأنّه كان في حال البسريّة- لا يثبت منه شي ء، مع أنّه يمكن أن يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمرا أو زبيبا، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.

و الرابع: بأنّه عامّ يجب تخصيصه بالأخبار النافية للوجوب عن غير الأجناس الأربعة.

و قد يظهر من بعضهم قول آخر، و هو القول بتوقّف تعلّق الوجوب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 185

في التمر على اليبس، و أمّا في العنب فلا، بل يتوقّف على العنبيّة.

و فيه مخالفة للمشهور من وجهين، أحدهما: في البسر و الرطب، و الآخر: في الحصرم، و للمختار من وجه، و هو الوجوب في العنب.

و إليه مال صاحب المدارك و الذخيرة «1»، و نسبه في البيان إلى الإسكافي و المحقّق «2».

و هو غير جيّد، كما أشار إليه في الروضة «3»؛ فإنّ المحقّق يصرّ [1] في كتبه على التسمية بالزبيب «4»، و هو المحكيّ عن الإسكافي في غيره من الكتب «5».

و دليل هذا القول صحيحة سعد: و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال: «نعم، إذا خرصه أخرج زكاته» «6».

و صحيحة سليمان: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أو ساق زبيبا» «7»، و نحوها صحيحة الحلبي «8».

و رواية أبي بصير: «لا تكون في الحبّ و لا في النخل و لا في العنب

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: يظن ..

______________________________

(1) المدارك 5: 138، الذخيرة: 427.

(2) البيان: 297.

(3) الروضة 2: 38.

(4) كما في المعتبر 2: 535، و الشرائع

1: 153.

(5) حكاه عنه في المختلف: 178.

(6) الكافي 3: 514- 5، الوسائل 9: 195 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 2.

(7) التهذيب 4: 18- 46، الاستبصار 2: 18- 52، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 7.

(8) التهذيب 4: 14- 36، الاستبصار 2: 15- 42، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 186

زكاة حتى يبلغ وسقين» «1».

و يرد على الجميع: أنّه ليس في شي ء منها دلالة على الوجوب أصلا، فيمكن إرادة الاستحباب، سيّما الاولى على ما في بعض نسخ الكافي من تبديل «أو» بالواو.

مضافا إلى ما في الاولى من دلالتها على عدم الوجوب عند عدم الخرص، و هو ينافي الوجوب المطلق.

و من عدم الوجوب بالخرص إجماعا.

و من احتمال أن يكون التصديق للجملة الأخيرة- أي يجب إذا صيّره زبيبا- و الضمير المنصوب راجع إلى الزبيب، و أن يكون حرصه- بالحاء المهملة- بمعنى: حرسه، كما ورد: أنّ للخارص العذقان «2»، أي الحارس، يعني: إذا حرسه حتى صار زبيبا أخرج زكاته.

و ما في الثانيتين من احتمالهما معنيين، أحدهما: إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيبا.

و ثانيهما: إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف.

و الاستدلال يتمّ على الثاني، مع أنّ الأظهر الأول؛ إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر.

و لا ينافي الأول [1] زوال العنبيّة حينئذ؛ لأنّ مثله شائع، مثل: لا تجب الصلاة على الصبيّ حتى يبلغ.

و ما في الرابعة من عدم الوجوب عند بلوغ الوسقين بالإجماع، فهي

______________________________

[1] في النسخ: الثاني، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) التهذيب 4: 17- 44، الاستبصار 2: 17- 50، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 3.

(2) الكافي 3: 514- 7،

التهذيب 4: 18- 47، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 187

إمّا مطروحة، أو على الاستحباب محمولة.

المسألة الرابعة [وقت الإخراج إذا صفت الغلّة و يبست التمرة]

قالوا: وقت الإخراج إذا صفت الغلّة و يبست التمرة، و في التذكرة و المنتهى و المدارك و الحدائق «1» و غيرها «2»: نفي الخلاف فيه، و الإجماع عليه.

فإن كان مرادهم الوقت الذي يتعلّق وجوب الإخراج حينئذ، فيدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع- أصالة عدم الوجوب قبله، و عدم دلالة شي ء من النصوص على وجوب الإخراج قبل ذلك.

و كذا إن أريد الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك.

و إن أريد الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير كما ذكروه أيضا، فالدليل عليه منحصر بالإجماع، و إلّا فإطلاق كثير من أخبار الضمان بالتلف مع وجود الأصل «3» يشمل ذلك أيضا.

المسألة الخامسة [استثناء حصّة السلطان و إخراج الزكاة من غيرها]

قيل: لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصّة السلطان و إخراج الزكاة من غيرها «4».

أقول: تفصيل المقام: إنّ ما يأخذه السلطان إمّا أن يكون من أراضيه المملوكة له، أو من غيرها.

و حكمه في الأول حكم سائر الناس في ما يأخذونه من أراضيهم.

و الثاني على قسمين؛ لأنّ الأراضي إمّا خراجيّة أو غير خراجيّة، و على التقديرين إمّا يكون ما يأخذه حصّة من حاصل الأرض و يسمّى بالمقاسمة، أو وجها آخر غيرها، و يسمّى بالخراج، و على التقادير إمّا يكون

______________________________

(1) التذكرة 1: 237، المنتهى 1: 510، المدارك 5: 139، الحدائق 12: 116.

(2) كالذخيرة: 443، و الرياض 1: 273.

(3) انظر: الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(4) كما في الرياض 1: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 188

السلطان من المخالفين أو منّا.

فإن كانت الأراضي خراجيّة، فالظاهر عدم الخلاف في استثناء ما يأخذه السلطان- سواء كان باسم المقاسمة أو الخراج- إن كان السلطان من أهل الخلاف.

و تدلّ عليه في المقاسمة: صحيحة محمّد: عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه

في حصّته زكاة؟ قال:

«لا» «1».

و حسنة محمّد و أبي بصير: «كلّ أرض دفعها إليك سلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما العشر عليك فما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «2».

و في صحيحة صفوان و البزنطي: «و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم» «3».

و في الأخرى: «و قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خيبر، و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر» «4».

و في الخراج: رواية رفاعة: عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه عشر؟ قال: «لا» «5».

______________________________

(1) التهذيب 7: 202- 889، الوسائل 9: 190 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 5.

(2) التهذيب 4: 36- 93، الاستبصار 2: 25- 70، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 1.

(3) الكافي 3: 512- 2، التهذيب 4: 38- 96، الاستبصار 2: 25- 73، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 2.

(4) التهذيب 4: 119- 342، الوسائل 9: 189 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 3.

(5) الكافي 3: 543- 3، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 189

و صحيحته: عن الرجل له الضيعة فيؤدّي خراجها، هل عليه فيها عشر؟ قال: «لا» «1».

و رواية سهل: حيث أنشأ سهل آباد سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام عمّا يخرج منها ما عليه؟ فقال: «إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها» «2».

و رواية أبي كهمش: «من

أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه» «3».

وجه الاستدلال: أنّها دلّت على انتفاء الزكاة عمّا يؤخذ منه الخراج مطلقا، خرجت زكاة غير الخراج إذا بلغ النصاب بالإجماع، فيبقى الباقي.

و السلطان في هذه الأخبار و إن كان أعمّ من المخالف و المؤالف، إلّا أنّ المعهود في أزمنة الأئمّة لما كان سلطان المخالفين، فتنصرف الروايات إليه.

أقول: لا يخفى أنّ انحصار السلطان في عهد في المخالف لا يقيّد إطلاقات الأخبار به، كما لا يقيّد إطلاق المسلم و المؤمن في الأخبار النبويّة بالعرب أو أهل الحجاز لانحصارهما فيهم، بل الظاهر إطلاق السلطان.

إلّا أنّ في دلالة أخبار الخراج على المطلوب نظر؛ إذ الظاهر من هذه الأخبار ورودها في الأراضي المملوكة، و المراد من الخراج فيها غير معلوم، و الحقيقة الشرعيّة فيه غير ثابتة، و إرادة ما يأخذونه من الزكاة ممكنة، بل هي الظاهرة من سائر الأخبار، فتكون غير دالّة على مورد الكلام.

______________________________

(1) التهذيب 4: 37- 94، الاستبصار 2: 25- 71، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 2.

(2) الكافي 3: 543- 5، الوسائل 9: 192 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 1.

(3) التهذيب 4: 37- 95، الاستبصار 2: 25- 72، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 190

و على هذا، فاللازم في الخراج الاكتفاء بالمجمع عليه، و هو خراج السلطان المخالف من الأراضي الخراجيّة.

و أمّا المقاسمة، فالظاهر استثناؤها مطلقا، سواء كان السلطان منّا أو من المخالفين و إن لم تكن الأراضي خراجيّة، كالأراضي التي غصبها السلطان من الموقوفات، أو المجهول مالكها، أو إذا ضرب شيئا على ملك شخص و أخذه منه، و نحو ذلك. فما يأخذ منه إمّا حصّة

من الحاصل، أو شي ء آخر.

فعلى الأول: فإن كانت حصّة الحاصل ملكا للسلطان، كأن يكون البذر منه و زرع المالك بقصد الاشتراك، أو اشترى البذر له و للسلطان، أو غير ذلك من الوجوه الموجبة لشركة السلطان شرعا، فلا شكّ في استثناء حصّته مطلقا، مخالفا كان أو مؤالفا.

و كذا إن لم تكن ملكا شرعيّا له، و لكن لم يتمكّن المالك من ممانعة السلطان أو إخفائه كلّا أو بعضا منه؛ لتعلّق الزكاة بالعين، و إن تمكّن و فرّط فلا يستثنى شي ء.

و إن كان ما يأخذه السلطان غير حصّة الحاصل فلا يستثنى مطلقا؛ لعدم دليل عليه أصلا و إن أخذه لأجل الزراعة؛ إذ لا دليل على وضع جميع المؤن، كما يأتي.

المسألة السادسة: اختلف الأصحاب في غير المقاسمة و الخراج من مؤن الزراعة و الضيعة،

هل هو على ربّ المال، فتجب الزكاة في جميع الحاصل؟

أو عليه و على الفقراء بالنسبة، فتستثنى المؤن و تخرج الزكاة من الباقي إن بلغ النصاب؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 191

الأول: مختار الشيخ في المبسوط و الخلاف «1»، و نسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء إلّا عطا، و لأجل هذه النسبة نقل جماعة عن الخلاف الإجماع [1]، و ليس بجيّد؛ لأنّ الشائع من الفقهاء عند القدماء: العامّة.

و إلى هذا القول ذهب الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع و ادّعى فيه الإجماع «2»، و هو محتمل اللمعة و الروضة «3»، و اختاره الشهيد الثاني في فوائد القواعد، و جمع من المتأخّرين، كالمدارك و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق «4».

و جدّي- قدّس سرّه- في الرسالة، قال: و لا دليل يعتمد عليه على وضع المؤن، بل في تفرقة الشارع بين ما يسقى من السماء و ما يسقى من الدلاء شهادة على عدم وضع المؤن. انتهى.

و الثاني: مذهب الصدوق و المفيد

و الشيخ في النهاية و الاستبصار و الاقتصاد و المصباح و السيّدين في الجمل و الغنية «5» و الفاضلين و الشهيد في أكثر كتبه و المحقّق الثاني و الأردبيلي «6»، بل هو المشهور، كما صرّح به جماعة [2].

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 142، السبزواري في الذخيرة: 442، صاحب الرياض 1:

274.

[2] كالعلّامة في المختلف: 179، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 35.

______________________________

(1) المبسوط 1: 217، الخلاف 2: 67.

(2) الجامع للشرائع: 134.

(3) اللمعة (الروضة) 2: 35، الروضة 2: 35.

(4) المدارك 5: 142، الذخيرة: 442، المفاتيح 1: 201، الحدائق 12: 125.

(5) الصدوق في الفقيه 2: 18، و المقنع: 48، المفيد في المقنعة: 239، النهاية:

178، الاستبصار 2: 26، الاقتصاد: 281، مصباح المتهجد: 787، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 78، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(6) المحقق في المعتبر 2: 541، و الشرائع 1: 153؛ العلّامة في التحرير 1: 63، و التبصرة: 47؛ الشهيد في الدروس 1: 237، و البيان: 293؛ المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 21 و 22، الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 192

و الحقّ: هو الأوّل؛ لصريح رواية سهل المتقدّمة «1»، و لعموم الأخبار الدالّة على العشر و نصف العشر في الغلّات الأربع من غير استثناء للمؤن.

ففي الأخبار الغير العديدة- من الصحيحة و غيرها بعبارات متفاوتة- ورد أنّ في ما سقت السماء العشر، و في ما سقت الدوالي فنصف العشر «2».

و في مرسلة ابن بكير: «فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة» إلى أن قال: «و الزكاة فيها العشر في ما سقت السماء أو كان سيحا، أو نصف العشر في ما سقي بالقرب و النواضح» «3».

و ما مرّ في حسنة

محمّد و أبي بصير من قوله: «إنّما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «4».

و ما مرّ في صحيحة البزنطي من إثبات العشر و نصف العشر في حصصهم.

و في صدر هذه الصحيحة: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده، و أخذ منه العشر ممّا سقت السماء و الأنهار، و نصف العشر ممّا كان بالرشا في ما عمروه منها» «5».

و ما سبق في موثّقة إسحاق: عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال:

«العشر و نصف العشر، العشر في ما سقت السماء، و نصف العشر ممّا سقي بالسواني» إلى أن قال: «يزكّي ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كلّ عشرة واحد، أو من كلّ عشرة نصف واحد» «6».

______________________________

(1) في ص: 189.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

(3) تقدمت في ص: 177.

(4) راجع ص: 188.

(5) راجع ص: 188.

(6) التهذيب 4: 17- 42، الاستبصار 2: 16- 45، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 193

و الأخبار المتقدّمة في صدر البحث الدالّة على أنّ الغلّة إذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة «1»، و هي بإطلاقها شاملة لما إذا بلغت قبل وضع المؤن أيضا.

و مرسلة حمّاد بن عيسى في الأرض المفتوحة عنوة، و الحديث طويل، و فيه: «فإذا خرج منه ما خرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح» «2».

و يؤيّده الإجماع المنقول، و ما مرّ في كلام جدّي من تفرقة الشارع بين الأمرين.

و رواية النيسابوري: عن رجل أصاب من ضيعته مائة كرّ ممّا يزكّى فأخذ منه العشر عشرة أكراره، و ذهب

منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرّا، ما الذي يجب لك حينئذ من ذلك؟ فوقّع عليه السّلام:

«منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته» «3».

و المناقشة في دلالة العمومات، بأنّها واردة لبيان حكم آخر، و هو التفصيل بين ما يجب فيه العشر و نصفه، و لذا لم يستثن في كثير منها ما وقع الاتّفاق على استثنائه، كحصّة السلطان.

مردودة، أولا: بمنع ورودها لذلك فقط، بل كثير منها يتضمّن هذا التفصيل و قدر النصاب و بيان ما فيه الزكاة من الأجناس و ما ليست فيها.

فيمكن أن تكون متضمّنة لذلك الحكم أيضا، أي وجوب العشر و نصف

______________________________

(1) الوسائل 9: 175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

(2) الكافي 1: 541- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 183 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 3.

(3) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 186 أبواب زكاة الغلّات ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 194

العشر في جميع ما سقي من غير استثناء شي ء منه، فإنّه لو كان مراده عليه السّلام بيان ذلك الحكم في ضمن ما ذكر أيضا لم يزد شيئا على ذلك الكلام ..

فمن أين علم أنّها واردة لبيان حكم آخر؟! بل لعلّها واردة لبيان ذلك الحكم أو مع غيره أيضا.

نعم، قد يقال ذلك في موضع كان الإطلاق جوابا عن سؤال خاصّ، فيكون ذلك قرينة على إرادة بيان جواب ذلك السؤال، لا في مثل المقام الخالي عن هذا السؤال.

و ثانيا: إنّا سلّمنا ورودها لبيان ذلك، و لكنّه لا ينافي استفادة حكم آخر منه أيضا إذا كان اللفظ مقتضيا له، و مقتضى الإطلاق أو العموم ثبوت هذا التفصيل في مطلق ما سقي

من غير استثناء شي ء ..

ألا ترى أنّه لو قيل: ما في يد زيد نصفه مغصوب من عمرو و نصفه مغصوب من بكر، يصحّ أن يستدلّ به على عدم كون كلّ جزء جزء منه حلالا لزيد.

و لا يرد أنّه في مقام تفصيل قدر المغصوب من كلّ شخص لا بيان عموم ما في يد زيد.

و أمّا عدم استثناء بعض ما أجمعوا على استثنائه فلا يضرّ في العموم بالنسبة إلى غيره.

و أضعف منها المناقشة فيها بعدم صراحة العموم في وجوب عشر الجميع، فلعلّه عشر ما يبقى بعد المؤنة، فإنّ المعلوم أنّ العشر إذا نسب إلى شي ء فالمراد عشره، سواء كانت النسبة بالإضافة، أو بلفظة في أو من أو نحوها، فإذا قيل: يجب الخمس في مال زيد، يتبادر خمس ماله، مع أنّ في موثّقة إسحاق المتقدّمة «1» العشر ممّا سقت السماء، و في رواية سهل

______________________________

(1) في ص: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 195

عشر ما يكون فيها «1».

و في دلالة الحسنة [1]، بأنّ دلالتها على الاستثناء أظهر؛ لأنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلّا بعد إخراج المؤن من نفس الزرع، و على هذا فالحاصل في يده حينئذ ليس إلّا ما بعد المؤن.

مردودة بأنّ المقاسمة و إن كانت بعد المؤن، و لكن لا بعد إخراج المؤن من الزرع، فإنّ (ما قبل انعقاد الحبّ- من) [2] من اجرة البقر و العملة و غيرها و كذا كثير ممّا بعده- لا يخرج من نفس الزرع، فيكون ما بإزائه داخلا في ما يحصل في يده بعد المقاسمة، و بضميمة الإجماع المركّب يتعدّى الحكم إلى الجميع.

و لا يمكن العكس، إذ لا يقطع بإخراج شي ء من نفس الزرع في زمان الصدور قبل المقاسمة.

على أنّ لنا

أن نقول: بأنّ معنى ما حصل في يده ما صار ماله و إن صرفه في دين و نحوه، و لا شكّ أنّ المؤن من قبيل الدين؛ إذ لا يتعلّق بعين الزرع، فكلّ ما عدا المقاسمة إنّما حصل في يده.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما قيل من أنّ الحاصل في يد المالك إنّما هو ما بعد المؤن لأنّ المؤن لا تحصل في يد المالك بل يخرج عنها «2»؛ فإنّ المؤن و إن خرجت عنها إلّا أنّ الحاصل حصل فيها و إن كان يحتاج حصوله إلى مؤن.

مع أنّه لا سبيل لهذه المناقشة في صحيحتي البزنطي المثبتة للعشر في

______________________________

[1] يعني: و المناقشة في دلالة الحسنة .. مردودة.

[2] ما بين القوسين ليس في «س»، «ح».

______________________________

(1) راجع ص: 189.

(2) كما في الرياض 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 196

حصص الزارع؛ إذ لا شكّ أنّ المؤن أيضا من حصّته.

و في دلالة الموثّقة [1]، بأنّها نافية للنصاب فيجب حملها على التقيّة.

مردودة بأنّه إنّما هو مع إبقائها على إطلاقها، و أمّا لو خصّ بما بعد النصاب فلا، و التخصيص في الأخبار ليس بأمر جديد.

و في أكثر ما ذكر [2]، بعدم الدلالة على الوجوب؛ لاشتماله إمّا على مثل قوله: «فيه العشر»، و هو غير صريح في الوجوب، أو الإخبار في مقام الإنشاء.

مردودة بعدم قول باستحباب الزكاة قبل المؤن بنفسه، و إن أمكن من باب الاحتياط، و لكنّه غير مفيد لحمل الرواية عليه، كما أنّ من يصلّي الظهر بعد صلاة الجمعة احتياطا لا يجوز له حمل رواية أمره بالظهر على الاستحباب.

مع أنّ رواية سهل و حسنة محمّد و أبي بصير و صحيحة البزنطي «1» تتضمّن لفظة «على» الدالّة على الوجوب، و في مرسلة

ابن بكير: «وجبت فيه الزكاة» «2» و في صدر الصحيحة: «أخذ منه العشر»، و مقتضاه أنّه يؤخذ منه، سواء أعطى بالرضا أو لا، و ذلك ينافي الاستحباب.

نعم، قد يناقش في المؤيّدات المذكورة أخيرا بوجوه لا بأس بها، و لكنّها لا تخرجها عن التأييد و إن نفت دلالتها.

احتجّ الأكثر بوجوه، منها: الأصل.

و منها: الرضويّ- المنجبر ضعفه بالشهرتين-: «و ليس في الحنطة

______________________________

[1] يعني: و المناقشة في دلالة الموثقة .. مردودة.

[2] يعني: و المناقشة في أكثر ما ذكر .. مردودة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 188، 189.

(2) تقدمت في ص: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 197

و الشعير شي ء إلى أن يبلغ خمسة أوساق» إلى أن قال: «فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا، و إن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر، و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير» [1].

و منها: حسنة الفضلاء الثلاثة: في قول اللّه تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ «1»، «هذا من الصدقة يعطى المسكين القبضة بعد القبضة، و من الجداد [2] الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ، و يترك للخارص [3] قدرا معلوما، و يترك من النخل معافأرة و أمّ جعرور [4]، و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه له» «2».

و حسنة محمّد: أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ قال: «خمسة أوساق، و يترك معافارة و أمّ جعرور لا يزكّيان و إن كثرا، و يترك للحارس العذق و العذقان، و الحارس يكون في النخل ينظره، فيترك ذلك لعياله» «3».

و أخصّيتهما من المدّعى مجبورة بعموم التعليل في الأولى بل الثانية أيضا، مع

عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيرها، كما صرّح به في المنتهى «4».

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السّلام: 197، إلّا أنّ فيه: و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة للقرية. و قد أشار إلى ذلك المصنّف في ص: 199، مستدرك الوسائل 7: 91 أبواب زكاة الغلّات ب 6 ح 1.

[2] الجداد: صرام النخل و هو قطع ثمرتها- النهاية الأثيرية 1: 244.

[3] في التهذيب و الوسائل: يترك للحارس أجرا معلوما، و في الكافي: يعطي الحارس أجرا معلوما.

[4] معافارة و أمّ جعرور: ضربان رديّان من التمر- مجمع البحرين 3: 409.

______________________________

(1) الأنعام: 141.

(2) الكافي 3: 565- 2، التهذيب 4: 106- 303، الوسائل 9: 195 أبواب زكاة الغلّات ب 13 ح 1 و ص: 191 ح 4.

(3) الكافي 3: 514- 7، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 3.

(4) المنتهى 2: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 198

و منها: أنّ النصاب مشترك بين المالك و الفقراء، فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه، كغيره من الأموال المشتركة.

و منها: أنّ الزكاة في الغلّات إنّما تجب في النماء و الفائدة، و هو لا يتناول المؤنة.

أمّا أنّ الزكاة في النماء فتدلّ عليه حسنة محمّد و أبي بصير المتقدّمة، فإنّ قوله: «فتاجرته فيها» شاهد على إرادة المنافع لا رأس المال، و كذا قوله: «في ما أخرج اللّه» فإنّ ما يصرف في المتاجرة لا يقال إنّه أخرجه اللّه من هذه المعاملة، بل قوله: «في ما يحصل في يدك» «1» كما مرّ؛ و قوله في مرسلة حماد المتقدّمة: «فإذا خرج منها نماء» «2».

و منها: أنّ ذلك حيف و ضرر و عسر و حرج، و كلّ ذلك منفيّ بالكتاب و السنّة، سيّما إذا كانت

الضيعة مستأجرة بأجرة كثيرة، فربّما لا يحصل منها أزيد من الأجرة.

و منها: أنّه يستفاد من الأخبار أنّ العلّة في الزكاة هي المواساة، و عدم وضع المؤن ينافي ذلك غالبا.

و منها: أنّه لا بدّ من القول بعدم تعلّق الزكاة بما قابل البذر؛ ضرورة عدم تكرّر [1] الزكاة في الغلّات، و حيث ثبت استثناء البذر ثبت غيره؛ لعدم القائل بالفرق.

و في الكلّ نظر.

أمّا الأول، فلاندفاعه بما مرّ.

و أمّا الثاني، فلإجمال مئونة العمارة و القرية أولا، فإنّ إرادة مؤن

______________________________

[1] في «ح»: تكرار ..

______________________________

(1) راجع ص: 188.

(2) راجع ص 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 199

الزراعة منها غير معلومة، بل يصدق على ما لا يستثنى [1] إجماعا أيضا، و لا يعلم المراد.

و لا يتوهّم أنّه يلزم تخصيص العمومات بالمجمل، و هو مخرج لها عن الحجيّة؛ لأنّ الرواية بنفسها ضعيفة غايته، و حجيّتها إنّما هي إذا انجبرت بالشهرة، و هو إذا كان المراد منها معلوما.

سلّمنا صدق مئونة العمارة و القربة على بعض مؤن الزراعة، و لكن لا شكّ في عدم صدقها على الجميع، كأجرة الحصاد و الحمّال و نحوهما، فلا يفيد.

و ضمّ عدم القول بالفصل ينعكس؛ لأنّه يدلّ على ثبوت العشر في جميع ما عدا الخراج و مؤن العمارة و القرية، مع أنّ إثبات الإجماع على عدم الفصل في هذه المسائل شطط من الكلام.

و لعدم الدلالة على المطلوب ثانيا؛ لأنّ المطلوب إثبات أنّ المخرج عشر ما بقي بعد الخراج و المؤن، و مدلول الرواية أنّه إذا بلغ النصاب بعدهما يخرج منه العشر، و أمّا أنّه عشر ما عداهما أو عشر الجميع فلا.

نعم، يكون دالّا على أنّ اعتبار النصاب إنّما هو بعد المؤن، و هو بعض المطلوب، و الإجماع المركّب

في أمثال المقام غير ثابت.

هذا كلّه، مع أنّ نسخ الرواية مختلفة، و الموجود في نسختي- التي هي من النسخ المصحّحة غاية الصحّة-: «بغير خراج السلطان و مئونة العمارة» مكان: «بعد خراج السلطان»، و هكذا نقله بعض مشايخنا المحقّقين في شرحه على المفاتيح عن نسخته «1»، و كذا وجد منقولا في بعض نسخ رسالة كتبها بعض الفضلاء في المسألة.

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: ما يستثنى ..

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 200

و على هذا، فيمكن أن يكون قوله: «بغير» إلى آخره، متعلّقا بقوله فيما بعد: «اخرج منه العشر»، يعني: إذا بلغ النصاب و حصل اخرج منه بغير الخراج و المؤنة العشر، فيكون تقييدهما دفعا لتوهّم أنّه إذا أخرج منه الخراج أو المؤنة لا يخرج منه العشر، كما ورد في بعض الروايات في خصوص الخراج «1».

و على هذا، فيكون المراد: أنّ الخراج أو المؤنة لا توجب إسقاط العشر، بل يجب هو معهما.

و أمّا الثّالث، فلاختصاصه بالحارس و بالعذق و العذقان له، فالتعدّي إلى غيره باطل، و عدم القول بالفصل غير ثابت، كيف؟! و صرّح في المدارك و الذخيرة بعدم ثبوته «2»، بل في الأخير: إنّ هذا الحكم منصوص فيه ثابت عند الجميع حتى من لا يعتبر المؤنة.

و أمّا التمسّك بعموم التعليل فعليل جدّا؛ لأنّ العلّة المذكورة هو الحفظ، و هو غير متحقّق في غير الحارس، فإنّه لا يجري في البذر و الحصادة و الحمالة و اجرة الأرض و غير ذلك.

نعم، لو كانت العلّة تضرّر المالك أو صرف المؤنة و نحوهما لكان له وجه. و لكنّه ليس كذلك.

مع أنّ هذا التعليل منحصر بالأولى، و أمّا الثانية فخالية عن التعليل.

و لو سلّم كون الجملة الأخيرة

تعليليّة فغاية ما تثبته أنّ نظر الحارس علّة للترك له، أي لمّا كان ينظره و يراه فكان طبعه يميل إليه و يتمنّاه لعياله فلذلك يترك له، و أين تلك العلّة ممّا هو بصدده؟! نعم، لو جعل النظر بمعنى الحفظ لكان مثل الرواية الاولى، و لكنّه

______________________________

(1) الوسائل 9: 192 أبواب زكاة الغلّات ب 10.

(2) المدارك 5: 144، الذخيرة: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 201

غير معلوم.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّه لم يعلم أنّ ترك العذق و العذقين إنّما هو من باب المؤنة و وجه الأجرة، بل الظاهر أنّه من باب حقّ الحصاد و الجداد، كما يستفاد من عدم تعيين المقدار، و لذلك رواه الكليني في باب حقّ الحصاد و الجداد «1».

و أيضا غاية ما يستفاد من الروايتين ترك هذا القدر للحارس، لا أنّه لا يزكّى ذلك، فيمكن أن يكون المراد أنّه كما يخرج حقّ الحصاد أو العشر يترك ذلك للحارس أيضا من غير تعرّض لإخراج العشر منه و عدمه.

بل لا دلالة و لا إشعار في الرواية الاولى إلى كون الترك لعدم إخراج العشر أصلا.

و أمّا الرابع، فلأنّ الزكاة و إن تعلّقت بالعين، و لكن تعلّقها ليس على وجه الإشاعة حتى يكون الفقير شريكا في كلّ جزء كما يأتي، بل القدر الثابت وجوب إخراج المالك عشرا واحدا من المال من أيّ جزء شاء.

و لا نسلّم أنّ مثل تلك الشركة تقتضي الشركة في النفع و الخسارة، كما يأتي، و لذا لو نذر أحد أن يعطي عشر هذا الزرع للفقراء لا نقول باستثناء البذر و سائر المؤن، بل نقول: يجب إعطاء عشر الجميع.

سلّمنا الاشتراك و كونه كسائر الأموال المشتركة، و لكن تشريك اللّه سبحانه للفقراء إنّما هو بعد

الزرع و صرف البذر و مؤن كثيرة، و هو حين صدق الاسم.

فإذا كان التشريك حينئذ فلم تستثن المؤن التي قبل ذلك، و هل هذا إلّا مثل أن يبيع أحد نصف زرعه حين صدق الاسم لغيره مطلقا، فهل يجوّز أحد استثناء شي ء منه ممّا صرفه قبل ذلك؟!

______________________________

(1) الكافي 3: 564 الزكاة ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 202

و أمّا ما بعده، فمقتضى الشركة و قياسه على سائر الأموال أن يكون الفقير شريكا في التلف و الخسارة المتلفة، دون مئونة الحصاد و الحمّال و نحوهما ممّا يكون الكلام فيه؛ إذ لم يقل أحد بأنّ لأحد الشريكين توزيع هذه الإخراجات على الشريك الآخر لو فعله بدون إذنه، و ليس مقتضى قاعدة الشركة الشركة في أمثال تلك المؤن و لو تحمّلها أحد الشريكين بدون إذن الآخر، و هذا فعله بدون إذن الفقير، فأيّ تسلّط له على حصّته؟! غاية الأمر أنّه لو أذن الفقير في التصرّف قبل ذلك كان ذلك له، مع أنّ فيه أيضا كلاما؛ لأنّا نقول: إنّ أوامر إخراج الزكاة إيجاب من الشارع للمالك إعطاء العشر للفقير، و لتوقّفه على الحصاد و نحوه يجب عليه من باب المقدّمة، إلّا أن يبذله للفقير قبل الحصاد، فإنّه لا كلام حينئذ، و لا تكون المئونة على ربّ المال إذا رضي الفقير، و أمّا لو لم يرض فليس للمالك إجباره؛ لأنّه ليس حقّا لفقير معيّن.

و أمّا الخامس، فظاهر؛ لأنّ تمام الزرع نماء ليس غيره، و صرف شي ء في تنميته و تصفيته و تحصيله لا يخرجه عن كونه نماء.

نعم، لو دلّ دليل على أنّ الزكاة إنّما هي في المنافع لكان لما ذكره وجه، و لكن لم نعثر على مثل ذلك.

و أمّا

ما ذكره من حسنة محمّد و أبي بصير «1»، فالموجود في أكثر النسخ المصحّحة: «فما حرثته فيها» و ليس: «فتاجرته فيها»، مع أنّه ليس في المتاجرة أيضا دلالة.

و أمّا قوله: «فما أخرج اللّه» فلا شكّ أنّ جميع محصول الزرع ممّا أخرجه اللّه، و أمّا حمله على ما جعله اللّه نفعا لك زائدا على رأس مالك فممّا لا يفهمه منه أحد.

______________________________

(1) راجع ص: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 203

و أمّا السادس، فلمنع كون مثل ذلك ضررا و حيفا، فإنّ ما بإزائه ثواب موعود، سيّما ما يضاعف إلى سبعمائة ضعف لا يكون ضررا و حيفا.

سلّمنا، و لكن تخصّص عمومات نفي الضرر و الضرار «1» و العسر و الحرج بأدلّة العشر «2» كما بيّنا في موضعه، كيف؟! مع أنّه إذا خصّص بها ضرر عشر ما بعد المؤنة فلم لا يخصّص بها ضرر عشر الجميع؟! فإنّه لو فرض أنّ الحاصل مائة كرّ، فالمؤن التي تستثنى منها على القول به لا تزيد غالبا على ثلاثين كرّا، بل الأدلّة التي يذكرونها على فرض تماميّتها لا تثبت الأزيد؛ لعدم ثبوت الإجماع المركّب و لا الشهرة الجابرة في غيرها .. فعلى الاستثناء تجب سبعة كرور و على عدمه عشرة، فما يصلح لتخصيص السبعة يصلح لتخصيص العشرة أيضا.

و أمّا مثل أجرة الأرض و نحوها، فالظاهر أنّ القائل بالاستثناء لا يقول باستثنائها، و لذا ترى صاحب التنقيح يصرّح بعدم استثناء دين أجرة الأرض و دين البذر «3»، فمثل ذلك الضرر مشترك بين القولين؛ مع أنّ للمستأجر دفع هذا الضرر عن نفسه بجبر ذلك بنقص الأجرة حين الاستئجار.

و أمّا السابع، فلمنع منافاة إخراج العشر من الجميع للمواساة، بل هو أقرب إليها غالبا.

و أمّا الثامن،

فلعدم وجود عين البذر في الحاصل أصلا، بل الحاصل ليس إلّا نماؤه.

و لو منع من تحقق الزكاة على ما نمى و حصل من البذر لزمه عدم تعلّق الزكاة بشي ء من الحاصل؛ لأنّ كل حبّة فإنّما هي من نماء البذر.

______________________________

(1) الفقيه 3: 147- 648، الوسائل 25: 428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

(3) التنقيح 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 204

سلّمنا وجود البذر، و لكن نمنع عدم تكرّر الزكاة في الغلّات مطلقا، و إنّما هو في غير البذر، و أمّا فيه فهو عين النزاع.

ثمَّ إذا عرفت أنّ الحقّ عدم وضع المؤن مطلقا، فلا فائدة في التعرّض لذكر بعض ما يتفرّع على وضعها، من بيان المؤن، و اعتبار النصاب قبله أو بعده، و نحو ذلك.

المسألة السابعة: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد،

فتضمّ الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك، من غير خلاف يعرف، بل عن التذكرة إجماع المسلمين عليه «1»؛ و تدلّ عليه إطلاقات الأدلّة و عمومها.

و على هذا، فإذا بلغ بعضه الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب، فإن كان نصابا أخذت منه الزكاة، ثمَّ تؤخذ من الباقي قلّ أو كثر بعد أن يتعلّق به الوجوب.

و إن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب يتربّص به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب الأول، ثمَّ يؤخذ من الباقي كائنا ما كان.

و كذا يضمّ الطلع الثاني إلى الأول في ما يطلع مرّتين في السنة، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب «2»؛ لأنّهما ثمرة سنة واحدة فيتناوله عموم الأدلّة.

و عن المبسوط: عدم الضمّ؛ احتجاجا بأنّه في حكم ثمرة السنتين «3».

و هو ممنوع.

______________________________

(1) التذكرة 1: 221.

(2) كما في المدارك

5: 151، و الذخيرة: 444.

(3) المبسوط 1: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 205

المسألة الثامنة: يجزي الرطب و العنب عن مثله في إخراج الفريضة

لو قلنا بوجوب الزكاة فيهما؛ لإطلاقات العشر و نصف العشر، فإنّ المراد منها عشر ما فيه الزكاة و نصف عشره، و لأنّه الثابت من أدلّة ثبوت الزكاة فيهما لو تمّت.

و لا يجزئ الرطب و العنب عن التمر و الزبيب لو قلنا باختصاص الزكاة بالأخيرين و لو كانا بقدر الفرض إذا جفّا؛ لعدم كونه عشر ما فيه الزكاة أو نصف عشره، و للتعلّق بالعين.

نعم، يجوز إخراجهما بالقيمة السوقيّة.

و أمّا لو قلنا بتعلّق الزكاة بالأولين أيضا فيجوز إخراجهما عن زكاة الآخرين إذا كانا بحيث لو جفّا لكانا بقدر الفريضة، و لكن بشرط أن يكون المخرج بعض ما تعلّق به الزكاة على هذا المزكّي أيضا.

و أمّا لو أخرج العنب أو الرطب الذي اشتراه عن التمر أو الزبيب الذي تجب زكاته فلا يجوز إلّا بالقيمة.

و كذا لا يجزئ غير الزكويّ من الأجناس الأربعة- كالحنطة التي اشتراها، أو حنطة السنة السابقة التي زكّاها- عمّا تعلّقت به الزكاة إلّا بالقيمة أو لأجل المثليّة بقصد التبادل.

و لا يجزئ المعيب عن الصحيح بلا خلاف ظاهر، و لا الردي ء عن الجيّد، لقوله سبحانه وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «1».

بضميمة موثّقة أبي بصير: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرة يقال لها: الجعرور و المعى فأرة، قليلة اللحاء عظيمة النواة، و كان بعضهم

______________________________

(1) البقرة: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 206

يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا

تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منها بشي ء، و في ذلك نزل وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ » «1» الحديث.

و لكن في جريان ذلك في مطلق الردي ء و الجيّد إشكالا؛ فإنّ للجودة و الرداءة عرضا عريضا، و هما أمران نسبيّان. و الخبيث لا يصدق على الكلّ و لو بضميمة الموثّقة؛ إذ المذكور فيها: إنّهم كانوا يجيئون بأردأ التمر.

و على هذا، فاللازم قصر الحكم على ما علم عدم إجزائه، و هو المعيوب من الأجناس أو الردي ء جدّا بحيث يطلق عليه الردي ء مطلقا أو الأردإ، لا مجرّد الرداءة بالنسبة إلى بعض الأصناف الأخر.

المسألة التاسعة: لو مات الزارع بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مطلقا.

و لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فإن لم تبلغ حصّة واحد منهم النصاب فلا زكاة، و إن بلغت حصّة بعضهم النصاب وجبت في حصّته خاصّة.

و لو لم تبلغ حصّة أحدهم النصاب قبل القسمة، و لكن اختصّ الزرع بواحد منهم و بلغ النصاب، فإن كانت القسمة قبل زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة عليه، و إلّا فلا.

و الوجه في الجميع ظاهر.

المسألة العاشرة: لو مات الزارع المديون بعد زمان تعلّق الوجوب يجب إخراج الزكاة من أصل المال،

بلا خلاف ظاهر كما في الذخيرة «2»، بل إجماعا كما في المدارك «3»؛ لتعلّق الزكاة بالعين، و انتقالها إلى الفقير.

______________________________

(1) الكافي 4: 48- 9، الوسائل 9: 205 أبواب زكاة الغلّات ب 19 ح 1.

(2) الذخيرة: 444.

(3) المدارك 5: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 207

و لا فرق في ذلك بين ما إذا ضاقت التركة عن الدين أو لا، إلّا إذا ضاقت و لم يكن متعلّق الزكاة موجودا في التركة، بل أتلفها الزارع في حياته و صارت في ذمّته، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و الديّان؛ لصيرورتها في الذمّة، فتجري مجرى غيرها من الديون.

فعلى القول بالإشاعة في كلّ جزء يتعلّق عشر ما أتلفه بالذمّة.

و على القول بعشر جميع المال لا على التعيين كما اخترناه، لا يتعلّق بالذمة، إلّا إذا أتلف الجميع أو بقي أقل من العشر، و إلّا فيكون متعلّق الزكاة موجودا.

و لو مات الزارع المديون قبل زمان تعلّق الوجوب، فإمّا يكون الدين مستوعبا، أم لا.

فعلى الأول: فإن قلنا بعدم انتقال التركة إلى الوارث- كما هو الوجه في المسألة- قالوا: لا تجب فيه زكاة، لا على الميّت؛ لعدم وجوب عليه، بل و لا ملكيّة له، و لا على الوارث؛ لانتفاء الملكيّة، إلّا إذا أدّى الوارث الدين من غير التركة و انتقلت التركة إليه قبل

زمان تعلّق الوجوب، فتجب الزكاة عليه.

و للبحث في ما قالوه مجال واسع؛ إذ لا يلزم من عدم وجوب الزكاة على الميّت بخصوصه و لا على الوارث انتفاؤها، كما إذا كان لأحد زرع و كان الزارع غائبا لا يتمكّن من التصرّف فيه حين تعلّق الوجوب، فإنّه لا يجب عليه و لكن يتعلّق حقّ الفقراء بالمال.

و التحقيق: أنّ بعض الأخبار المثبتة للعشر و نصف العشر مطلق، مثبت للعشر للفقراء في المال، و مثبت لوجوب إخراج العشر، و لا يلزم من عدم وجوبه على شخص معيّن عدم وجوبه أصلا، بل يكون حين عدم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 208

التعيين وجوبا كفائيّا.

و على هذا، فالظاهر تعلّق الزكاة و لو لم نقل بالانتقال إلى الوارث أيضا، فيخرجها من يتصرّف في المال، و لو لم يجب لزم عدم الوجوب لو مات بعد تعلّق الوجوب و قبل الحصاد؛ لعدم الأمر بالإخراج حينئذ للمالك، و موته حين إمكان الإخراج.

و إن قلنا بانتقالها إليه فتجب عليه الزكاة؛ للإطلاقات و العمومات و إن قلنا بأنّه ممنوع من التصرّف في التركة؛ لعدم مانعيّة مثل هذه الممنوعيّة من وجوب الزكاة كما عرفت.

و لا يتعلّق الدين بما يقابل الزكاة؛ لأنّه صار ملكا للفقراء بأدلّة وجوب الزكاة الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام.

و لا غرامة على الوارث، إلّا إذا أمكن للوارث صرف الزرع إلى الديّان قبل زمان تعلّق الوجوب و فرّط فيه، فإنّه يمكن أن يقال بوجوب غرامة العشر للديّان على الوارث.

و على هذا، فلو بذل الوارث عين التركة للديّان لم يكن لهم مطالبة غرامة العشر منه بدون تفريطه، و لو بذل بدلها بالقيمة لم يكن لهم مطالبة غرامة بدل العشر، بل ليس لهم مطالبة بدل ما يقابل

النماء الحاصل بعد الموت، لأنّه للوارث على هذا القول.

و على التفريط، يطالب ما يقابل العشر حين الموت، لا حينما يقابل نماءه الحاصل في ملك الوارث.

و لا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان الموت قبل ظهور الثمرة أو بعده، كما صرّح به في البيان «1»، و في المدارك و كذا الذخيرة تبعا للمدارك

______________________________

(1) البيان: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 209

التفصيل بين ظهورها و عدمها «1»، و لم أعرف وجهه.

و على الثاني [1]: فإن قلنا بعدم انتقال شي ء من التركة إلى الوارث كان كالأول على القول بعدم الانتقال.

و إن قلنا بانتقال الجميع إليه كان كالأول على القول بالانتقال.

و إن قلنا بانتقال الزائد عن الدين إليه خاصّة، فإن لم يبلغ الزائد حدّ النصاب فكالأول، و إن بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة عليه.

المسألة الحادية عشرة [جواز الخرص في النخيل و الكروم و تضمين حصّة الفقراء]

المذكور في كلام الأصحاب- و منهم:

المحقّق في المعتبر «2» و الفاضل في المنتهى «3»، و غيرهما [2]- جواز الخرص في النخيل و الكروم و تضمينهم حصّة الفقراء، و نقل عليه في المعتبر الإجماع منّا.

و اختلفوا في جواز الخرص في الزروع، فأثبته الشيخ «4» و جماعة، و نفاه الإسكافي و المحقّق و الفاضل في المنتهى و التحرير «5».

و المراد من الخرص: تخمين المحصول و تقديره بالظنّ و التقريب، و المراد من جوازه: جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بعشر المقدّر أو نصف عشرة.

و استدلّوا له بوجوه ضعيفة جدّا، أقواها: أخبار بين عاميّة «6» مردودة،

______________________________

[1] معطوف على قوله: و لو مات الزارع المديون قبل ..، فعلى الأوّل ..

[2] كالشهيد في الدروس 1: 237.

______________________________

(1) المدارك 5: 154، الذخيرة: 444.

(2) المعتبر 2: 535.

(3) المنتهى 1: 500.

(4) الخلاف 2: 60.

(5) حكاه عن الإسكافي في المعتبر 2: 269،

المحقق في المعتبر 2: 537، المنتهى 1: 501، التحرير 1: 63.

(6) كما في صحيح البخاري 3: 268، و صحيح مسلم 4: 1785- 1392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 210

و بين غير دالّة على الخرص في الزكاة، بل في الأراضي الخراجيّة في حصّة النبيّ و الإمام، و بين غير صريحة في جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بالقدر الذي وقع عليه الخرص.

و بالجملة: لا دليل على ذلك أصلا، و الإجماع غير ثابت؛ مع أنّ أكثر فروع الخرص إنّما تترتّب على المشهور من تعلّق الوجوب حين بدو الصلاح.

و أمّا على ما اخترناه- من تعلّقه حين صدق التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير- فلا تترتّب أكثر الفروع، و حيث إنّ جواز أصله غير ثابت- سيّما في الزروع- فلا فائدة في التعرّض لذكر فروعه.

المسألة الثانية عشرة: لا خفاء في وجوب الزكاة في حصّة المالك في المزارعة و المساقاة؛

للعمومات و الإطلاقات، و خصوص حسنة محمّد و أبي بصير و صحيحتي البزنطي، المتقدّمة في مسألة استثناء الخراج و المقاسمة «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    210     المسألة الثانية عشرة: لا خفاء في وجوب الزكاة في حصة المالك في المزارعة و المساقاة؛ ..... ص : 210

المشهور: وجوب الزكاة في حصّة العامل أيضا «2»؛ للعمومات المذكورة.

و نقل عن ابن زهرة: نفي الزكاة عن العامل في المزارعة و المساقاة «3»؛ لأنّ الحصّة التي أخذها كالأجرة من عمله.

و استدلّ له أيضا بمرسلة ابن بكير: في زكاة الأرض «إذا قبّلها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الإمام بالنصف أو الثلث أو الربع، زكاتها عليه، و ليس على المتقبّل زكاة، إلّا أن يشترط صاحب الأرض أنّ الزكاة على المتقبّل» «4»

______________________________

(1) راجع ص: 188 و 198.

(2) كما في المختلف: 179، و البيان: 294، و

مجمع الفائدة 4: 121.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 602.

(4) التهذيب 4: 38- 97، الاستبصار 2: 26- 74، الوسائل 9: 189 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 211

الحديث.

و ضعف دليله الأول ظاهر، و كذا المرسلة؛ لشذوذها بمخالفتها عمل معظم الطائفة، مع أنّها واردة في ما قبّله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإمام، فالتعدّي إلى الغير يحتاج إلى الدليل، و الإجماع المركّب غير ثابت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 212

الفصل الرابع في ما يتعلّق بذلك المقام من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا خلاف يعرف في الاجتزاء بالقيمة في الزكاة في النقدين أو الغلّات،
اشاره

بل عليه الإجماع في المعتبر و التذكرة «1»؛ للصحيحين:

أحدهما لعليّ: عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم، قال: «لا بأس» «2».

و الآخر للبرقيّ: يجوز- جعلت فداك- أن يخرج ما يجب في الحرث عن الحنطة و الشعير دراهم بقيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجابه عليه السّلام: «أيّما تيسّر يخرج» «3».

و لا يضرّ تعليق الحكم على ما تيسّر، إذ لو تيسّر كلّ منهما يصدق على كلّ منهما أنّه تيسّر، فيدخل في عموم الخبر.

و المرويّ في قرب الإسناد: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، و أشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى أنّ ذلك خير لهم، فقال: «لا بأس» «4».

و ليس المراد أنّ الزكاة تعطى أولا فتؤخذ منهم و يشترى منها الثياب

______________________________

(1) المعتبر 2: 516، التذكرة 1: 225.

(2) الكافي 3: 559- 2، الفقيه 2: 16- 51، التهذيب 4: 95- 272، الوسائل 9: 167 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 14 ح 2.

(3) الكافي 3: 559- 1، الفقيه 2: 16- 52، التهذيب 4: 95- 271، الوسائل 9:

167 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 14 ح 1.

(4)

قرب الإسناد: 49- 159، الوسائل 9: 168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 213

و الطعام؛ إذ ذلك لا يحتاج إلى السؤال، بل يلغو قوله: و أرى أنّ ذلك خير لهم، و ضعفه منجبر بالعمل.

و تدلّ عليه أيضا روايات جواز احتساب الدين من الزكاة، كصحيحة البجلي: عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم و لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال «نعم» «1».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، إلى أن قال،: «فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها» «2».

و لا تنافيها رواية سعيد: يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطّيخ فيقسّمه، قال: «لا يعطيهم إلّا الدراهم كما أمر اللّه تعالى» «3» ..

لعدم دلالتها على الوجوب، و التشبيه يمكن أن يكون لتعيين القدر، أي يستحبّ أن يعطى من الدراهم بقدر أمر اللّه؛ مع أنّ إعطاء الدراهم من مطلق الزكاة غير واجب ضرورة، بل و لا مستحبّ، بل لا يجب من زكاة الدراهم أيضا إجماعا.

و الحقّ: الاجتراء بها في الأنعام أيضا، وفاقا للشيخ و ابن زهرة و السيّد و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين «4»، بل الأكثر كما صرّح به

______________________________

(1) الكافي 3: 558- 1، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.

(2) الكافي 3: 558- 2، الوسائل 9: 296 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 3.

(3) الكافي 3: 559- 3، الوسائل 9: 168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 3.

(4) الشيخ في

الخلاف 2: 50، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 75، الحلّي في السرائر 1: 451؛ المحقق في الشرائع 1: 147، و المختصر النافع: 56، العلّامة في التذكرة 1: 225، و التحرير 1: 64، و المختلف: 186، الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 28، الشهيد الثاني في الروضة 2: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 214

جماعة [1]، بل قيل: إنّ عليه الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع «1»، بل عن صريح الأولين و ظاهر الثالث و الرابع الإجماع عليه.

لا لبعض الاعتبارات الضعيفة؛ بل لرواية قرب الإسناد المنجبرة، و الصحيحة و الموثّقة الواردتين في الدين، المتقدّمتين، الشاملتين لزكاة الأنعام؛ لترك الاستفصال.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و المفيد، فأوجبا فيها العين «2»، و عن المعتبر: الميل إليه «3»، و قوّاه في المدارك و الحدائق «4»، و جعله في الذخيرة متّجها «5».

لتعلّق الوجوب بالفرائض، فلا يعدل إلّا بدليل، و لا دليل؛ و بعض الأخبار.

و يردّ الأول بما تقدّم من الدليل، و الثاني بعدم الدلالة.

فروع:

أ:

ظاهر الأصحاب جواز إعطاء كلّ جنس بقيمة الواجب.

و هو الأظهر؛ لقوله: «أيّما تيسّر» و لرواية قرب الإسناد، و إطلاق الصحيحة و الموثّقة الواردتين في الدين، المتقدّمة جميعا.

______________________________

[1] منهم العلّامة في التذكرة 1: 225.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 269.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، المفيد في المقنعة: 253.

(3) المعتبر 2: 517.

(4) المدارك 5: 92، الحدائق 12: 137.

(5) الذخيرة: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 215

و استوجه في الذخيرة الاقتصار على الدراهم و الدنانير «1»، و هو ظاهر صاحبي الوافي و الحدائق «2».

و استشكل في المدارك أيضا «3»؛ اقتصارا على مورد الصحيحين.

و دفعه يظهر ممّا مرّ.

ب:

هل

المعتبر من القيمة قيمة وقت الإخراج مطلقا، كما اختاره في المدارك و الذخيرة «4»؟

أو يقيّد ذلك بما إذا لم يقوّم الزكاة على نفسه و لو قوّمها على نفسه و ضمن القيمة فالواجب هو ما ضمنه، زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض، كما ذهب إليه في التذكرة «5»؟

دليل الأول: أنّ وقت الإخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة.

و دليل الثاني: أنّه متى كان التقويم جائزا و الضمان صحيحا فإنّ المستقرّ في ذمّته هو القيمة.

أقول: التحقيق: أنّ الانتقال إلى القيمة خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على القدر الثابت، و لم يثبت من النصوص المتقدّمة إلّا جوازه حين الإخراج، و أمّا جواز الانتقال و لو بالذمّة مطلقا فلم يثبت، فإذن الأظهر الأول.

و لكن الإخراج أعمّ من أن يسلّمه إلى الفقير أو يفرزه عن ماله حتى يعطيه بعد ذلك، فلا يضرّ تفاوت القيمة إن أخرجه و إن كان مودعا عنده.

______________________________

(1) الذخيرة: 447.

(2) الوافي 10: 152، الحدائق 12: 139.

(3) المدارك 5: 92.

(4) المدارك 5: 92، الذخيرة: 447.

(5) التذكرة 1: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 216

ج:

قال في البيان: لو أخرج في الزكاة منفعة من العين- كسكنى الدار- فالأقرب الصحة، و تسليمها بتسليم العين .. و يحتمل المنع؛ لأنّها تحصل تدريجا «1».

قال في الذخيرة- بعد نقل ذلك-: و لا يبعد ترجيح هذا القول؛ لفقد الدليل الصالح للدلالة على الصحّة «2». انتهى.

و ما ذكره جيّد. و الأولى إذا أراد ذلك أن يوجر العين و يحتسب مال الإجارة من الزكاة، و اللّه العالم.

د:

لا ريب أنّ إخراج الجنس مطلقا أفضل، كما صرّح به الحلّي و المحقّق «3» و غيرهما [1]؛ لفتواهم.

و قد يستدلّ أيضا برواية سعيد المتقدّمة «4»، بحمل الزكاة المسؤول عنها على زكاة

الدراهم، و حمل الأمر على الاستحباب. و لا بأس به.

و يتأكّد الإخراج من الجنس في النعم خروجا عن شبهة الخلاف فيها، بل هو فيها الأحوط.

المسألة الثانية: المشهور تعلّق الزكاة بالعين مطلقا «5»،
اشاره

و صريح المنتهى و ظاهر التذكرة الإجماع عليه «6».

لا بمعنى تعلّقها بمثل جنس النصاب و لو من غير النصاب كما توهّم؛ لأنّه راجع إلى التعلّق بالذمّة.

______________________________

[1] كالعلّامة في القواعد 1: 54.

______________________________

(1) البيان: 303.

(2) الذخيرة: 447.

(3) الحلّي في السرائر 1: 451، المحقق في المختصر النافع: 56.

(4) في ص: 213.

(5) كما في الحدائق 12: 141.

(6) المنتهى 1: 505، التذكرة 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 217

بل بمعنى التعلّق ببعض آحاد خصوص النصاب.

و حكي عن شاذّ من أصحابنا تعلّقها بالذمّة، و احتمل في البيان تعلّق ما في النصب الخمسة للإبل بالذمّة «1».

و الأظهر أنّها تتعلّق بالذمّة فيما ليست الفريضة جزء من النصاب، كالشاة من الإبل، و بنت المخاض من بنات اللبون، و التبيع من المسنّات، و نحو ذلك؛ و بالعين فيما كانت الفريضة جزء من النصاب.

أمّا الأول، فلوجوب أداء الفريضة على المالك، و ليست في النصاب حتى تتعلّق به، و لا يتعلّق بغيره من أمواله، كما إذا كانت لصاحب الإبل شاة أيضا أو لصاحب بنات اللبون بنت مخاض معلوفة، إجماعا، فبقي تعلّقها بالذمّة.

و أمّا الثاني، فلحسنة العجلي، و فيها فيما قال أمير المؤمنين عليه السّلام لمصدّقه: «فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه، فإنّ أكثره له» إلى أن قال:

«فاصدع المال صدعين ثمَّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما أختار فلا تعرض له، ثمَّ اصدع الباقي صدعين» الى أن قال: «فلا تزال كذلك حتى ما يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه» الحديث «2».

و لو

لا تعلّقها بالعين و اشتراك الفقراء فيها لما ساغ ذلك، بل في قوله أوّلا: «فإنّ أكثره له» دلالة واضحة على أنّ تمامه ليس له بل له شريك آخر.

و صحيحة البصري: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ زكاتها و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع» «3».

______________________________

(1) البيان: 303.

(2) الكافي 3: 536- 1، التهذيب 4: 96- 274، الوسائل 9: 130 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.

(3) الكافي 3: 531- 5، الوسائل 9: 127 أبواب زكاة الأنعام ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 218

و لو لا التعلّق بالعين لما ساغ الأخذ من المشتري أصلا.

و الإيراد- بأنّ التخيير المستفاد من قوله: «أو يؤدّي زكاتها البائع» ينافي التعلّق بالعين- مردود بعدم المنافاة بعد ثبوت جواز أدائه الفريضة من غير النصاب أو قيمتها، فإنّ جواز ذلك أوجب عدم تعيّن الأخذ من المشتري، و محلّ الاستدلال جواز الأخذ منه، و هو باق بحاله.

و رواية أبي المغراء: «إنّ اللّه تبارك و تعالى شرّك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» «1».

و لو كانت متعلّقة بالذمّة لما تحقّقت الشركة؛ إذ لم تتعلّق بغير النصاب إجماعا.

قيل: يمكن أن يقال: إنّها و إن تعلّقت بالذمّة، لكن يجب إخراجها من الأموال التي تدخل تحت ملكه، فتحصل الشركة بهذا الاعتبار «2».

قلنا: إذا تعلّقت بالذمّة ففي كلّ آن يجوز له أن يخرجها عمّا ليس بعد تحت يده بتحصيله من اتّهاب أو نحوه، فأين الشركة؟! و منه يظهر جواز الاستدلال بقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه فرض في أموال الأغنياء للفقراء» كصحيحة ابن سنان «3»، أو قوله:

«جعل للفقراء في أموال الأغنياء» كحسنة ابن مسكان «4».

و تؤيّده أيضا، بل تدلّ عليه الأخبار الغير المحصورة، المتضمّنة للفظ إخراج الزكاة من المال، فإنّ الإخراج من شي ء يكون مع دخوله فيه، كما

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 3، الوسائل 9: 215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 4.

(2) كما في الذخيرة: 446.

(3) الكافي 3: 498- 7، الفقيه 2: 2- 1، الوسائل 9: 10 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 1 ح 3.

(4) الكافي 3: 497- 4، الوسائل 9: 13 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 219

في صحيحة أبي بصير: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله» «1»، و غيرها «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان: «باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا له بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين؛ و إنّما فعل ذلك لأنّ هشاما كان هو الوالي» «3».

فإنّ شرطه عليه السّلام لأنّ الولاة يومئذ لا يزكّون أموالهم، فأراد عليه السّلام أن يحلّ له عن أرضه مجملا، فاشترط على هشام زكاته ليحلّ.

و قد يستدلّ أيضا بقوله: «في أربعين شاة شاة. و في ثلاثين من البقر تبيع».

و بأنّها مطهّرة للمال، فكانت في عينه.

و بأنّها لو وجبت في الذمّة لتكرّرت الفريضة في النصاب الواحد بتكرّر الحول، و لم تقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة، و لم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، و لم يجز للساعي تتبّع العين لو باعها المالك، و التوالي باطلة بأسرها اتّفاقا.

و في الكلّ نظر:

أمّا في الأول، فلأنّ لفظة «في» هنا غير ظاهرة في الظرفيّة، بل

استعمالها في السببيّة شائع، كما في قوله عليه السّلام: «في قتل الخطأ مائة من الإبل»، «و في العينين الدية»، «و في الوطء في الحيض كفّارة»، بل في قوله «في خمس من الإبل شاة».

و يمكن أن يقال: إنّ حقيقتها الظرفيّة و استعمالها في بعض المواضع في معنى آخر لا يقتضي حملها عليه في سائر المواضع، و الاحتياج إلى

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 2، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.

(2) الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(3) الكافي 3: 524- 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 220

التقدير مشترك.

فإنّ المراد على الظرفيّة: أنّ في أربعين شاة شاة واجبة الإخراج، أو شاة من مال الفقراء.

و على السببيّة: أنّ بسببها شاة كذلك، فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن المعارض.

مع أنّ في بعضها لا تحتاج الظرفيّة إلى تقدير، بخلاف السببيّة، مثل:

الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: «الزكاة في تسعة أشياء» أو: «على تسعة أشياء» «و في المال الفلاني الزكاة»، بل هي في نفسها ظاهرة في كون الزكاة متعلّقة بالعين.

و أظهر منها مثل ما في صحيحة زرارة: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» «1».

و أمّا في الثاني، فلجواز أن يكون الإخراج من غير المال أيضا مطهّرا للمال.

و أمّا في البواقي، فلمنع بطلان التوالي، و إنّما هي مبنيّة على القول بالتعلّق بالعين، و لولاه لم يسلّم البطلان.

و حكى في البيان عن ابن حمزة أنّه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمّة؛ إذ لو وجبت في العين لجاز إلزام المالك بالأداء منها، و لمنع من التصرّف حتى يخرج الفرض «2».

و يضعّف بأنّه كان كذلك لو لا الدليل من

الخارج لجواز الإخراج من مال آخر، و جواز التصرّف في النصاب مع ضمان الزكاة.

______________________________

(1) الكافي 3: 510- 2، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 5.

(2) البيان: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 221

فروع:

أ:

ظاهر هذه الأدلّة أنّ تعلّقها بالعين إنّما هو على سبيل الاستحقاق و ليس مجرّد الاستيثاق [1]، و هو ظاهر.

ب:

هل يكون استحقاق الفقير و شركته على سبيل الإشاعة حتى يشترك في كلّ شاة مثلا بقدر الحصّة؛ أو يملك الفقراء واحدا منها لا على التعيين؟

لا دليل على الأول، و ظاهر جميع الأخبار: الثاني، بمعنى: أنّ واحدا غير معيّن من الأربعين مثلا يصير ملكا للفقير، فتحصل البراءة بإعطاء أيّ واحد منها.

و توهّم أنّ الملك لا يخلو عن التعيين أو الإشاعة باطل؛ إذ لا أرى فسادا في أن يقول الشارع: واحد غير معيّن من هذه العشرة ملك لزيد، كما إذا قال: يجب عليك إعطاء شاة من هذه الأربعين أو نذر شاة من هذه الشياه المعيّنة، فكما يتعلّق الوجوب و النذر بواحد لا على التعيين فكذلك الملكيّة، بل مرجع الملكيّة هنا أيضا على وجوب الإخراج.

ج:

يجوز للمالك إخراج ما شاء من النصاب بعد ما كان جامعا لوصف الفريضة من غير حاجة إلى حضور المصدّق و لا الفقير، و من غير احتياج إلى قرعة، و ليس للمصدّق و لا الفقير مزاحمته و مشاحّته.

أمّا جواز إخراجه بنفسه مستقلّا، فبالأخبار الغير العديدة الواردة في جواز إعطاء الزكاة إلى الفقير من غير إظهار أنّه زكاته، و في إخراج الزكاة.

______________________________

[1] قال في البيان: 303: في كيفية تعلّقها بالعين وجهان، أحدهما: أنه على طريق الاستحقاق فالفقير شريك، و ثانيهما: أنه استيثاق، فيحتمل أنّه كالرهن،

و يحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 222

منها صحيحة أبي بصير: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سمّاها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي ء عليه» «1».

و صحيحة زرارة: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها» «2»، إلى غير ذلك «3».

و أمّا عدم الاحتياج إلى قرعة أو تسوية، فللأصل، و صدق إخراج الشاة مثلا.

و أمّا عدم جواز مزاحمة الفقير و المصدّق فلذلك أيضا.

و أمّا ما في حسنة العجلي- المتضمّنة لما علّمه أمير المؤمنين عليه السّلام لمصدّقه و أمره بصدع المال صدعين إلى أن ينتهي إلى قدر الفريضة «4»- فهو ليس بواجب إجماعا.

و ذهب جماعة- منهم الشيخ- إلى استعمال القرعة عند التشاحّ «5»، بل قد ينقل قول بها من غير تقييد بالتشاحّ أيضا «6». و لا دليل لهما.

د:

قالوا: الفريضة و إن تعلّقت بالعين، إلّا أنّه يجوز إخراجها من غير عين النصاب و إن اشتمل عليها «7»، بالإجماع على ما نقله جماعة [1]؛ و تدلّ عليه صحيحة البصري المتقدّمة «8».

______________________________

[1] كالمحقّق في المعتبر 2: 516، العلّامة في التذكرة 1: 224، الكاشاني في المفاتيح 1: 202.

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 219.

(2) الكافي 3: 553- 3، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.

(3) الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(4) راجع ص: 217.

(5) المبسوط 1: 195.

(6) انظر: التذكرة 1: 215.

(7) انظر: المعتبر 2: 522، التذكرة 1: 224، المسالك 1: 54.

(8) في ص: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 223

و قد تنسب المخالفة إلى شاذّ «1».

أقول: المخالفة إن كانت في الإخراج من غير النصاب مطلقا و لو بالقيمة فهي ضعيفة؛ للصحيحة «2»،

و سائر روايات القيمة الآتية.

و إن كانت في إخراج جنس النصاب عن غيره بدون اعتبار القيمة فهي قويّة؛ إذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس و لو من غير النصاب، فإنّ الإطلاقات «3» كلّها ممّا يستدلّ بها على التعلّق بالعين، كقولهم: «في أربعين شاة شاة» و نحوه، و لا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق ممّا في العين.

و أمّا المطلق من غيره فلا دليل عليه، و لو فرض وجود إطلاق فيجب حمله على المقيّد ممّا يدلّ على التعلّق بالعين.

فالحقّ: جواز الإخراج من غير النصاب، و لكن مع اعتبار القيمة.

ه:

يجوز إعطاء القيمة أيضا كما مرّ.

و:

لو باع المالك جميع المال الذي تعلّقت به الزكاة نفذ في الزائد عن الفريضة قولا واحدا، و كذا في قدر الفرض إن أخرجه من غيره أو بقيمته أو ضمن القيمة إن قلنا بجوازه.

و يبطل البيع في مساوي الفريضة إن لم يخرجه من غيره أو بقيمته؛ لما مرّ من شركة الفقراء. و يتخيّر المشتري من باب تبعّض الصفقة.

و لا يقع فضوليّا يصحّ بالإجازة و لو قلنا بصحّة البيع الفضولي؛ لعدم ثبوتها فيما لم يتعيّن المالك المخيّر أيضا.

و لو أخرج الزكاة بعد البيع لم يصحّ البيع في الجميع، كما ذكره

______________________________

(1) انظر: التذكرة 1: 224.

(2) المتقدّمة في ص: 218- 219.

(3) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 224

المحقّق «1»؛ لأنّ الفريضة حينئذ ملك مستأنف.

و عن الشيخ قول بصحّة البيع في الجميع حينئذ «2»، و لا وجه له.

و للفاضل في التذكرة قول بصحّة البيع مطلقا و لو لم يخرج بعده أيضا «3»، و قول آخر في موضع آخر منه بالصحّة عند الضمان أو الشرط على المشتري، و احتمل الصحّة

و البطلان عند عدمهما. و الأصحّ ما ذكرناه.

ز: و إذ عرفت أنّ شركة الفقراء ليست على وجه الإشاعة حتى يشتركوا في كلّ جزء، و أنّ لهم قدر الفريضة من النصاب لا على التعيين، فيجوز للمالك التصرّف في القدر الزائد على الفريضة كيف شاء، و يجوز القبول منه و الأكل من ماله و إن علم أنّه لا يزكّي، ما لم يزد ذلك على جميع النصاب.

و كذا لا يسقط عن الفريضة شي ء بتلف بعض النصاب ما دام قدر الفريضة باقيا، كما يأتي بيانه في مسألة على حدة، و اللّه العالم.

المسألة الثالثة [إن لم يوجد المستحقّ يجوز للمالك عزلها و إفرازها من ماله ]
اشاره

إذا اجتمعت شرائط وجوب الزكاة، فإن لم يوجد المستحقّ يجوز للمالك عزلها و إفرازها من ماله و تعيينها في مال خاصّ و يصحّ عزله، بلا خلاف يعلم، كما في الذخيرة «4»، و نسبه في الحدائق إلى الأصحاب «5»، و نفى عنه الريب في المدارك «6»، بل فيه و في غيره من كتب الأصحاب: أفضليّته «7».

______________________________

(1) المعتبر 2: 563.

(2) المبسوط 1: 207.

(3) التذكرة 1: 226.

(4) الذخيرة: 467.

(5) الحدائق 12: 242.

(6) المدارك 5: 274.

(7) كما في المنتهى 1: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 225

لا لوجوه اعتباريّة ذكروها؛ لإشكال الاستناد إليها في إثبات ما هو العمدة و المقصود من العزل، من صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين قهرا حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف أصلا.

بل للمستفيضة من الأخبار، كالصحاح الثلاث لمحمّد و زرارة و أبي بصير، و حسنتي عبيد و بكير، و موثّقة وهب، الآتية جميعا في المسألة الآتية.

و موثّقة يونس بن يعقوب: زكاة تحلّ عليّ شهرا فيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ قال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، و لا

تخلطها بشي ء، و أعطها كيف شئت» قال: قلت: [فإن ] [1] أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟ قال: «نعم، لا يضرّك» «1».

و صحيحة ابن سنان: في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس» «2».

و رواية أبي حمزة: عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أؤدّيها، قال: «اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها، و لها الربح، و إن نويت في حال عزلها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك، و إن لم تعزلها و اتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها» «3».

______________________________

[1] لا توجد في النسخ، أثبتناها من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 522- 3، التهذيب 4: 45- 119، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.

(2) الكافي 3: 523 الزكاة- 7، التهذيب 4: 45- 118، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.

(3) الكافي 4: 60- 2، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 226

و يدلّ إطلاق غير الأخيرة- بل ظاهر صدر الموثّقة الثانية- على جواز العزل و صحّته مع وجود المستحقّ أيضا كما هو الأظهر، وفاقا للفاضلين و الدروس؛ لما ذكر «1».

و خلافا للمحكيّ عن الشهيد الثاني، فمنعه حينئذ «2»؛ لأنّ الزكاة كالدين، و هو لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو من في حكمه.

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ.

و دعوى تبادر صورة فقد المستحقّ من النصوص ممنوعة، بل خلافها من بعضها ظاهر، كما مرّ.

فروع:

أ:

إذا جاز العزل، فإذا عزل يكون المعزول أمانة في يده، و حكم ضمانه مع التلف بتفريط

أو بدونه يأتي في المسألة الآتية.

ب:

هل يجوز للمالك إبدالها بغيرها بعد العزل، أم لا؟

المحكيّ عن الشهيد: الثاني «3».

و ظاهر بعض المتأخّرين: الأول [1]. و هو الأظهر.

لا لقوله في حسنة بريد بن معاوية الواردة في آداب الساعي: «اصدع المال صدعين» إلى أن قال: «حتى يبقى وفاء لحقّ اللّه في ماله فاقبض حقّ اللّه منه و إن استقالك فأقله» «4» كما استدلّ به للتبديل.

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 275.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 588، العلّامة في التحرير 1: 66، الشهيد في الدروس 1: 247.

(2) المسالك 1: 62، الروضة 2: 40.

(3) حكاه عنه في المسالك 1: 62.

(4) راجع ص: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 227

لمنع دلالته عليه بوجه؛ أمّا أولا: فلأنّ الاستقالة من الساعي غير التبديل بنفسه، فإنّ الساعي بمنزلة الفقير، و الاستقالة طلب منه.

و أمّا ثانيا: فلأنّه ليس صريحا في أنّ الاستقالة بعد القبض، بل هي بعد الصدع، فلعلّ المراد: استقالة كيفيّة التقسيم.

بل لإطلاق بعض أخبار جواز دفع القيمة المذكورة في مسألة جواز دفعها.

و لاستصحاب جواز دفع القيمة، و لا يتصوّر بغير الموضوع؛ حيث إنّه ابتداء كان دفع قيمة جزء مشاع، و حينئذ يكون دفع قيمة جزء معيّن، فإنّ المستصحب جواز دفع قيمة ما يجب إعطاؤه، و لا نسلّم تعيين وجوب دفع المعيّن و إن أخرجه، إلّا مع ثبوت عدم جواز دفع القيمة.

ج:

إذا تحقّق العزل يكون النماء المتّصل تابعا للمعزول، فيكون للفقراء؛ لتبعيّته للأصل، و كذا المنفصل على الأظهر، وفاقا لجماعة من متأخّري المتأخّرين [1]؛ للرواية الأخيرة.

و خلافا للمحكيّ عن الدروس، فجعله للمالك «1». و لم أعرف له مستندا.

المسألة الرابعة: لو تلف المال الذي فيه الزكاة،
اشاره

فلا يخلو إمّا يتلف جميع المال أو بعضه، فإن تلف الجميع فإمّا يكون مع عدم التمكّن من

أداء الزكاة و من غير تفريط، أو مع التمكّن و التفريط، أو مع التمكّن بدون التفريط، أو بالعكس.

فعلى الأول: لا ضمان عليه و لا زكاة بالإجماع؛ له، و للأصل، و لما عرفت من تعلّق الزكاة بالعين، فيكون المال في يده بمنزلة [الأمانة] [2]، فلا

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 275، و صاحب الحدائق 12: 242.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) الدروس 1: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 228

يضمن إلّا بتعدّ أو تفريط.

و على الثاني: يضمن بالإجماع؛ له، و لإطلاق مفهوم صحيحة أبي بصير و حسنة عبيد الآتيتين، بل فحوى ما يأتي ممّا يدلّ على الضمان مع التمكّن من الأداء بعد الإخراج.

و كذا على الثالث و الرابع؛ لإطلاق المفهومين، الشامل لصورة عدم التمكّن و التفريط أيضا، خرجت منه هذه بالإجماع، فيبقى الباقي.

و إن تلف بعض المال، فإمّا يكون بعد إفراز الزكاة و إخراجها منه قبل تسليمها إلى الفقير، أو قبله.

فعلى الأول: فإمّا يكون التالف هو البعض الذي أفرزه لنفسه، فلا ينقص من الزكاة شي ء؛ لأنّه كان مختارا في التقسيم و قسّم و تلفت قسمة نفسه.

أو يكون هو البعض الذي أفرزه للزكاة، و فيه الأقسام الأربعة المتقدّمة.

فعلى أولها: لا يضمن إجماعا و برئت ذمّته؛ له، و للأصل، و لصحيحة محمّد: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ قال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده» «1».

و صحيحة زرارة: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان»، قلت: فإن

لم يجد أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن عرف لها أهلا

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 1، الفقيه 2: 15- 46، التهذيب 4: 47- 125، الوسائل 9:

285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 229

فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «1».

و على الثاني و الثالث: يضمن، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في التذكرة: أنّه قول علمائنا أجمع «2»؛ لصحيحتي محمّد و زرارة.

و لا يضرّ إطلاق بعض الأخبار بعدم الضمان، كصحيحة أبي بصير:

«إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه» «3».

و حسنة عبيد: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها» «4».

و حسنة بكير: عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

و موثّقة وهب و فيها: الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق، فقال: «قد أجزأت عنه» «6».

لأنّ هذه مطلقة و الصحيحتان مقيّدتان، و المطلق يحمل على المقيّد.

و لا فرق في الضمان مع إمكان الأداء بين أن يكون التأخير لأجل توقّع درك فضيلة أم لا.

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 4، التهذيب 4: 48- 126، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.

(2) التذكرة 1: 225.

(3) الكافي 3: 553- 2، التهذيب 4: 47- 123، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.

(4) الكافي 3: 553- 3، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.

(5) الكافي 3: 554- 5، التهذيب 4: 47- 124، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 5.

(6) الكافي 3: 554- 9، الوسائل 9:

287 أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 230

و على الرابع: لا يضمن؛ لإطلاق جميع تلك الروايات.

و المراد بالتفريط- الذي لا يضمن معه إذا لم يتمكّن من الأداء-: أن يقصّر في حفظها من غير أن يكون سببا لتلفها، و أمّا لو أتلفها بنفسه بالمباشرة أو التسبيب فيضمنها إجماعا.

و إن كان تلف بعض المال قبل إفراز الزكاة، فالحقّ- وفاقا للمحكيّ عن الشهيد الثاني- الضمان مطلقا، بمعنى: وجوب إخراجه الزكاة عن الباقي؛ للاستصحاب، و لمفهوم الصحيحة و الحسنة [1].

و لا ينافيه تعلّق الزكاة بالعين؛ إذ قد عرفت أنّ تعلّقها بها ليس على سبيل الإشاعة، بل تعلّق بالواحد لا بعينه، فتجب الزكاة ما دام قدر الفريضة باقيا.

نعم، لو نقص عن قدر الفريضة أيضا فحكم ما نقص منها حكم ما تلف [2] في ضمن جميع المال كما سبق، و اللّه العالم.

فرع:

إنّما يتحقّق تلف الزكاة في صورة تلف البعض بإفراز الزكاة بالنيّة، و هو متفرّع على جواز ذلك الإفراز مطلقا أو في الجملة، و سيأتي بيانه في أواخر الكتاب.

المسألة الخامسة: لو قال ربّ المال: لا زكاة في مالي، يجب القبول،

و لا يجوز مزاحمته للحاكم و لا للمصدّق و لا للفقير، بلا خلاف أعرفه، كما صرّح به غير واحد أيضا «1».

لحسنة العجلي، المتضمّنة لما أمره أمير المؤمنين عليه السّلام لمصدّقه،

______________________________

[1] انظر: الروضة 2: 40، و المقصود بالصحيحة صحيحة أبي بصير، و الحسنة حسنة عبيد.

[2] في جميع النسخ: تلف ما.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 231

و فيها: «قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه، فإن قال لك قائل:

لا، فلا تراجعه» «1».

و رواية غياث بن إبراهيم: «كان عليّ عليه السّلام إذا بعث مصدّقه قال: إذا أتيت على ربّ المال فقل له: تصدّق- رحمك اللّه- ممّا أعطاك اللّه، فإن ولّى عنك فلا تراجعه» «2».

و إطلاق الروايتين- سيّما الأخيرة- يشمل ما إذا ادّعى ربّ المال عدم تحقّق الشرائط، من النصاب أو الحول أو السوم في صورة عدم العلم بتحقّقها؛ أو ادّعى الأداء و براءة الذمّة في صورة العلم به أو اعترافه به .. و لا يكلف حينئذ بيّنة و لا يمينا؛ أو ادّعى أنّه لا زكاة عندي، مع عدم العلم بوجوبها عليه أولا أو العلم.

مضافا- في صورة ادّعاء عدم تحقّق الشرائط، أو عدم العلم بالوجوب- إلى الأصل، و في الجميع إلى أنّ الزكاة ليست حقّا لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين حتى يجوز له المزاحمة و الدعوى .. فالمزاحمة لو جازت لكانت من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،

و شرطهما:

العلم بكونه معروفا أو منكرا، و في صورة ادّعاء البراءة أنّها لا تعلم غالبا إلّا من قبله، و جاز احتسابه من دين و غيره ممّا يتعذّر الإشهاد عليه، بل لا يزاحم مع الظنّ بعدم الأداء.

نعم، لو علم تعلّق الزكاة على ماله و عدم إخراجه إيّاه، كان لمن من شأنه ذلك أن يكلّفه الأداء أو يأخذ منه.

و هل تقوم شهادة الشاهدين على تحقّق الشرائط أو عدم الأداء، على

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 217.

(2) الكافي 3: 538- 4، الوسائل 9: 132 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 232

نحو يقبل بأن يرجع إلى الإثبات بحصر المالك الإخراج في صورة تمكّن الشهادة على نفيها مقام العلم، أم لا؟

صرّح في الشرائع بالأول «1»، و لا يحضرني دليله، و الأصل يثبت الثاني.

و لا تسمع الشهادة على عدم الأداء مطلقا قطعا؛ لكونها شهادة على النفي.

______________________________

(1) الشرائع 1: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 233

الباب الثالث في ما تستحبّ فيه الزكاة
اشاره

و في أشياء:

منها: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض، عدا الغلّات الأربع
اشاره

الواجبة زكاتها، و عدا الخضر و الفواكه و الباذنجان و الخيار و نحوها، فإنّها لا تستحبّ فيها، فهذه أحكام أربعة:

أحدها:

الوجوب في الغلّات الأربع، و قد مرّ.

و ثانيها:

الرجحان في غيرها أيضا ممّا ذكر، و هو إجماعيّ كما صرّح به جماعة [1]؛ فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة، كصحيحة ابن مهزيار: قرأت في كتاب عبد اللّه ابن محمد إلى أبي الحسن عليه السّلام، إلى أن قال: فوقّع عليه السّلام: «كذلك هو، و الزكاة في كلّ ما كيل بالصاع» و فيها أيضا: «صدّقوا، الزكاة في كلّ شي ء كيل» «1».

و صحيحة محمّد بن إسماعيل، و فيها: «أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أمّا الأرز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر في كلّ ما كلت بالصاع» «2».

و حسنة محمّد: «البرّ و الشعير و الذرة و الدخن و الأرز و السلت

______________________________

[1] كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و صاحب المدارك 5: 48، و صاحب الحدائق 12: 153، و صاحب الرياض 1: 264.

______________________________

(1) الكافي 3: 510- 3، التهذيب 4: 5- 11، الاستبصار 2: 5- 11، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 8 ح 6 و ص 61 ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 511- 5، الوسائل 9: 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 234

و العدس و السمسم، كلّ هذا ممّا يزكّى، و أشباهه» «1».

و نحوها رواية أبي مريم، إلّا أنّه نقص فيها الدخن و السمسم و أشباهه، و زاد فيها: و قال: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» «2».

و صحيحة زرارة:

«كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة»، قال:

«و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصدقة في كلّ شي ء أنبتته الأرض إلّا الخضر و البقول و كلّ شي ء يفسد من يومه» «3».

و حسنة زرارة الموثّقة: «الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» «4».

و ثالثها:

انتفاء الوجوب في غير الأربع، و هو المشهور بين أصحابنا، بل عليه نقل الإجماع مستفيضا، كما مرّ في صدر الباب الثاني.

و تدلّ عليه جميع العمومات النافية للزكاة عمّا سوى التسعة المتقدّمة في الصدر المذكور.

و خصوص رواية الطيّار، و فيها- بعد قوله عليه السّلام: «عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا سوى ذلك»-: فقلت: أصلحك اللّه، فإنّ عندنا حبّا كثيرا، قال: فقال:

______________________________

(1) الكافي 3: 510- 1، التهذيب 4: 65- 175، الاستبصار 2: 3- 7، الوسائل 9: 62 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 4.

(2) الكافي 3: 511- 6، التهذيب 4: 4- 8، الاستبصار 2: 4- 8، الوسائل 9: 62 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما يستحب فيه ب 9 ح 3.

(3) الكافي 3: 510- 2، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 6.

(4) التهذيب 4: 65- 177، الوسائل 9: 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 235

«و ما هو؟» فقلت: الأرز، قال: «نعم، ما أكثره»، فقلت: أ فيه الزكاة؟ قال:

فزبرني، قال: ثمَّ قال: «أقول لك: إنّ

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عفا عمّا سوى ذلك و تقول لي: إنّ عندنا حبّا كثيرا، أ فيه الزكاة؟!» «1».

و صحيحة زرارة و بكير: «ليس في شي ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه» الحديث «2».

و صحيحتهما الأخرى المتقدّمة في زكاة الغلّات، و فيها: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شي ء من الأشياء فليس فيه زكاة، إلّا في الأربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب» «3».

و صحيحة زرارة، و فيها- بعد ذكر الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب-:

«و ليس في ما أنبتت الأرض شي ء إلّا في هذه الأربعة أشياء» «4».

و مرسلة القمّاط المرويّة في معاني الأخبار: عن الزكاة، فقال: «وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزكاة على تسعة و عفا عمّا سوى ذلك» إلى أن قال: فقال السائل: فالذرة؟ فغضب عليه السّلام، ثمَّ قال: «و اللّه كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دائما السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك»، فقال: إنّهم يقولون: إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّما وضع على تسعة لمّا لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال: «كذبوا، فهل يكون العفو إلّا عن شي ء

______________________________

(1) التهذيب 4: 4- 9، الاستبصار 2: 4- 9، الوسائل 9: 58 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 8 ح 12. و الزبر: الزجر و المنع- الصحاح 2: 667.

(2) التهذيب 4: 6- 12، الاستبصار 2: 6- 12، الوسائل 9:

63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 9.

(3) التهذيب 4: 19- 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 4: 13- 34، الاستبصار 2: 14- 40، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 236

قد كان؟! و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» «1».

و رابعها:

انتفاء الاستحباب في الخضر و الثمار و الفواكه و مثل الباذنجان، و عليه الإجماع عن المفيد و المنتهى «2».

و تدلّ عليه- بعد الأصل، و بعض ما مرّ من الأخبار- موثّقة سماعة:

«ليس على البقول و لا على البطّيخ و أشباهه زكاة» «3».

و حسنة الحلبي: ما في الخضر؟ قال: «و ما هي؟»، قال: القصب و البطّيخ و مثله من الخضر؟ قال: «ليس عليه شي ء» «4».

و حسنة محمّد: في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال، هل فيه الصدقة؟ قال: «لا» «5».

و صحيحة زرارة: «عفا رسول اللّه عن الخضر»، قلت: و ما الخضر؟

قال: «كلّ شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطّيخ و الفواكه، و شبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد» «6»، إلى غير ذلك.

خلافا في الثالث للمحكيّ عن يونس بن عبد الرحمن و الإسكافي «7»،

______________________________

(1) معاني الأخبار: 154- 1، الوسائل 9: 54 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 8 ح 3.

(2) المفيد في المقنعة: 245، المنتهى 1: 510.

(3) الكافي 3: 511- 1، الوسائل 9: 68 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 11 ح 7.

(4) الكافي 3: 512- 3،

التهذيب 4: 67- 182، الوسائل 9: 67 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 11 ح 2.

(5) الكافي 3: 512- 6، الوسائل 9: 67 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11 ح 3.

(6) التهذيب 4: 66- 180، الوسائل 9: 68 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11 ح 9.

(7) حكاه عن يونس بن عبد الرحمن في الكافي 3: 509، و عن الإسكافي في المختلف: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 237

و نسبه في الوافي إلى الكافي «1». و فيه نظر.

للمستفيضة المتقدّمة في إثبات الرجحان، و قوله عليه السّلام في روايات كثيرة: «في ما سقت السماء العشر» «2».

و بعض الآيات، نحو قوله تعالى وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ إلى قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ «3».

و قوله سبحانه أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ «4»، فإنّ الأمر للوجوب و لا وجوب في غير الزكاة.

و قوله سبحانه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً «5».

و قوله سبحانه فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ «6».

و الجواب عن الأخبار:

أولا: بعدم دلالة شي ء منها على الوجوب أصلا، أمّا ما لا يتضمّن لفظة «على» فظاهر، و أمّا ما تضمّنها فلأنّ المسلّم دلالة ما يتضمّنها على الوجوب إذا دخلت على الأشخاص المكلّفين نحو على فلان كذا، لا ما دخلت على الأعيان.

و لا يتوهّم تعيّن رجوع الضمير في الأخيرة إلى مكلّف؛ لاحتمال رجوعه إلى ما كيل، يعنى: على ما كيل في ما بلغ الأوساق الزكاة، و يؤكّده عدم ذكر شخص في الكلام.

و ثانيا: بأنّه لو كانت ظاهرة في الوجوب يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة الأخبار النافية.

______________________________

(1) الوافي 10: 59.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح

1.

(3) الأنعام: 141.

(4) البقرة: 267.

(5) التوبة: 103.

(6) المعارج: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 238

و ثالثا: بأنّها تعارض جميع الأخبار النافية، و الترجيح للأكثريّة و الأشهريّة و مخالفة العامّة، فإنّ الأخبار المثبتة موافقة لمذهب جمهور المخالفين، فإنّ أبا حنيفة و زفر أوجبا الزكاة في جميع ما يزرع سوى الحطب و الحشيش و القصب [1]، و الشافعي أوجبها في كلّ ما يصان و يدّخر «1»، و أحمد في جميع الثمار و الحبوب التي تكال و تدّخر إلّا الجوز «2»، و أبو يوسف في كلّ ما له ثمرة باقية «3»، و مالك في الحبوب كلها «4».

فهي خارجة مخرج التقيّة، و تشعر به رواية معاني الأخبار «5»، بل صحيحة ابن مهزيار «6».

و رابعا: بأنّه لو لا الترجيح لكان المرجع الأصل، و هو مع عدم الوجوب.

فرع:

حكم ما يخرج من الأرض ممّا تستحبّ فيه الزكاة حكم الأجناس الأربعة الزكويّة في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها و اعتبار السقي و الزراعة، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «7».

و تدلّ على الأول صحيحة زرارة و رواية أبي مريم، و على الأولين حسنة زرارة الموثّقة، و على الثانيين صحيحة محمّد بن إسماعيل «8».

______________________________

[1] حكاه عن أبي حنيفة و زفر في عمدة القارئ 9: 73.

______________________________

(1) الام 2: 23.

(2) حكاه عنه في الإنصاف 3: 86.

(3) حكاه عنه في عمدة القارئ 9: 74.

(4) الموطأ 1: 271.

(5) المتقدمة في ص: 235.

(6) المتقدمة في ص: 233.

(7) انظر: المدارك 5: 159، الذخيرة: 451، و الرياض 1: 275.

(8) راجع ص: 233 و 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 239

و في مرسلة الكافي: و روي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «كلّ ما دخل

القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و الزبيب» «1».

و منها: الخيل بشرط الأنوثة و السوم و الحول،

فمع هذه الشرائط يستحبّ عن كلّ فرس عتيق- و هو الذي أبواه عربيّان كريمان- ديناران، و عن كلّ برذون- و هو خلاف العتيق- دينار، و عليه الإجماع عن التذكرة و المنتهى «2».

و في حسنة محمّد و زرارة: «وضع أمير المؤمنين عليه السّلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا» «3».

و في حسنة زرارة: هل في البغال شي ء؟ فقال: «لا»، فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ قال: «لأنّ البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء»، قال: فما في الحمير؟

فقال: «ليس فيها شي ء»، قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شي ء؟ فقال: «لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» [1].

و تثبت من الروايتين جميع الأحكام المذكورة.

ثمَّ هاتان الروايتان و إن احتملتا الوجوب، إلّا أنّهما لمّا لم تكونا

______________________________

[1] الكافي 3: 511- 4، الوسائل 9: 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 1. و القفيز: مكيال و هو ثمانية مكاكيك- الصحاح 3: 892.

______________________________

(1) التذكرة 1: 230، المنتهى 1: 510.

(2) الكافي 3: 530- 1، التهذيب 4: 67- 183، الاستبصار 2: 12- 34، الوسائل 9: 77 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 16 ح 1.

(3) الكافي 3: 530- 2، التهذيب 4: 67- 184، الوسائل 9: 78 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 240

صريحتين فيه لم

تثبتا أزيد من الاستحباب، بل لو كانتا صريحتين فيه لتعيّن حملهما عليه؛ للإجماع، بضميمة الأخبار المتواترة، النافية للوجوب عمّا سوى الأصناف التسعة.

و منها: حاصل العقار المتّخذ للنماء،

من البساتين و الدكاكين و الحمّامات و الخانات و نحوها؛ لفتوى الأصحاب، حيث إنّها كافية في مقام الاستحباب.

و هل يشترط فيه الحول و النصاب؟

قيل: لا «1»؛ للعموم، و كأنّ مراده عمومات ثبوت الزكاة و شركة الفقراء مع الأغنياء في الأموال.

و قيل: نعم «2»؛ اقتصارا في ما يخالف الأصل على القدر المعلوم. و هو حسن.

و لعلّ النصاب و قدر المخرج: نصاب النقدين و قدر المخرج منهما.

و منها: الحلي المحرّم،

ذكره الشيخ «3» و جماعة [1]، و لم نقف له على دليل، و لا بأس بإثباته بفتوى ذلك الجليل.

و منها: المال الغائب المدفون الذي لا يتمكّن صاحبه من التصرّف فيه إذا مضت عليه أحوال ثمَّ عاد، زكّاه لسنة استحبابا؛ لدلالة بعض الأخبار عليه «4».

و منها: ما إذا قصد الفرار من الزكاة قبل الحول؛

للأخبار الدالّة على

______________________________

[1] كالعلّامة في الإرشاد 1: 286، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 145.

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 230، و المسالك 1: 590.

(2) كما في البيان: 309.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 205.

(4) الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 241

رجحانها «1»، و اللّه أعلم.

و منها: مال التجارة،
اشاره

و رجحان الزكاة فيه هو المعروف بين الأمّة، بل لا خلاف فيه عندنا، كما عن المنتهى «2»؛ فهو عليه الدليل لأجل التسامح، مضافا الى الأخبار الغير العديدة، الآتية إليها الإشارة.

و إنّما هو على الاستحباب، على المشهور بين الأصحاب، بل عن الناصريّات و الانتصار و الغنية الإجماع عليه «3»؛ للأصل، و المستفيضة الناصّة على حصر الوجوب في الأجناس التسعة، و خصوص صحيحة زرارة الواردة في مخاصمة أبي ذر و عثمان «4»، و موثّقة عبيد و ابن بكير و جماعة من أصحابنا «5»، و صحيحة سليمان بن خالد «6»، و صحيحة زرارة «7»، و موثّقة إسحاق بن عمّار «8»، بل في الأوليين إشعار بأنّ الحكم بعدم الوجوب حقّ مخفيّ، و أنّ عمل الناس على الوجوب.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر الصدوقين، فأوجباها «9»، و عن العماني

______________________________

(1) الوسائل 9: 159 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 11.

(2) المنتهى 1: 507.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 204، الانتصار: 78، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(4) التهذيب 4: 70- 192، الاستبصار 2: 9- 27، الوسائل 9: 74 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 1.

(5) التهذيب 4: 70- 190، الاستبصار 2: 9- 25، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 5.

(6)

التهذيب 4: 70- 191، الاستبصار 2: 9- 26، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 2.

(7) التهذيب 4: 35- 90، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 3.

(8) التهذيب 4: 69- 188، الاستبصار 2: 11- 31، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 4.

(9) الصدوق في الفقيه 2: 11، و حكاه عن والده في المختلف: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 242

نسبته إلى طائفة من الشيعة «1»، و عن الخلاف و المبسوط و النزهة «2» و السرائر حكايته عن جماعة من أصحابنا «3».

لروايات غير عديدة جدّا، منها: الواردة في مال اليتيم يتّجر له، و قد مرّت الإشارة إلى كثير منها في الباب الأول.

و منها: حسنة محمّد «4»، و موثّقة سماعة «5»، و الروايات الأربع: لأبي الربيع، و إسماعيل بن عبد الخالق، و خالد بن الحجّاج، و أبي بصير، الآتية أكثرها، و أكثرها صريحة أو ظاهرة في الإيجاب.

و الجواب عنها: بالمعارضة مع ما مرّ، فإمّا يجعل ما مرّ قرينة على الاستحباب، أو يبنى على التعارض، فيجب إمّا الترجيح، و هو للنافية؛ لأنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد «6»، فأخباره محمولة على التقيّة، كما يومئ إليه ما تقدّم من الصحيحة و الموثّقة أيضا .. أو الرجوع إلى الأصل، و هو أيضا مع النفي، فهو الحقّ.

مسائل:
المسألة الأولى [ما المراد بمال التجارة]

قالوا: المراد بمال التجارة- الذي تتعلّق به الزكاة- ما ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب عند التملّك «7».

و المراد بعقد المعاوضة ها هنا: ما يقوم طرفاه بالمال، و يعبّر عنه

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 179.

(2)

الخلاف 2: 91، المبسوط 1: 220، نزهة الناظر: 50.

(3) السرائر 1: 445.

(4) الكافي 3: 541- 3، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 4: 28- 69، الاستبصار 2: 30- 87، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 2 ح 5.

(6) انظر: بدائع الصنائع 2: 20، الأم للشافعي 2: 46، المغني و الشرح الكبير 2:

623.

(7) انظر: الشرائع 1: 156، القواعد 1: 56، الدروس 1: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 243

بالمعاوضة المحضة، فيخرج الصداق عوض الخلع، و الصلح عن عوض الجنايات.

فلا زكاة في ما يملك بغير عقد، كالإرث و الاحتطاب و غيره، و حيازة المباحات و إن قصد به الاكتساب.

أو بعقد غير معاوضة، كالهبة.

أو بعقد معاوضة لا بقصد الاكتساب بل مع الذهول.

أو بقصد القنية [1] أو الصدقة أو نحوها.

أو بقصد الاكتساب لا عند التملّك، بل طرأ ذلك القصد بعد التملّك.

و يدلّ على اشتراط جميع هذه الشروط- مضافا إلى الإجماع المحقّق في أكثرها، و قد حكي في المعتبر و المنتهى على اشتراط نيّة الاكتساب عند التملّك «1»، و في المدارك و الذخيرة: نفي الخلاف عن اشتراط نيّة- الاكتساب «2»- الأصل السالم عن المعارض؛ لاختصاص أدلّة ثبوت الزكاة هنا بما يتضمّن رأس المال أو ما يتّجر به أو ما عمل فيه، و لا يصدق شي ء من هذه الأمور بدون تحقّق التجارة في المال، و لا تتحقّق هي ما لم تتحقّق فيه معاوضة بقصد التجارة.

و إلى ذلك يشير قول صاحب الذخيرة، حيث استدلّ على اشتراط عقد المعاوضة باختصاص الأدلّة بذلك و عدم شمولها لغيره «3».

بل يدلّ على الجميع أيضا مفهوم قوله في رواية موسى بن

بكر: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه الزكاة» «4»، فإنّ الاتّجار لا يتحقّق بدون جميع

______________________________

[1] إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة- الصحاح 6: 2467.

______________________________

(1) المعتبر 2: 548، المنتهى 1: 508.

(2) المدارك 5: 165، الذخيرة: 449.

(3) الذخيرة: 449.

(4) الكافي 3: 542- 3، التهذيب 4: 30- 76، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 244

الشروط المذكورة، و لا يكفي فيه مجرّد النيّة قطعا.

و إلى هذا يشير من استدلّ على اشتراط نيّة الاكتساب عند التملّك، بأنّ التجارة عمل، فلا تكفي فيه النيّة.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة البجلي: «إن كان عمل به فعليها الزكاة، و إن لم يعمل به فلا» «1»، فلا تثبت [1] الزكاة ما لم يتحقّق العمل، و لا يتحقّق هو بدون الشروط المذكورة.

و كذا قوله في صحيحة محمّد بن الفضيل: «لا تجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فإذا عمل وجبت الزكاة» «2».

و أمّا ما في المدارك «3»، من الاستدلال على اعتبار عقد المعاوضة برواية أبي الربيع: في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال: «إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» «4».

و حسنة محمّد: عن رجل اشترى متاعا و كسد عليه و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: «إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة

______________________________

[1] في «ح»: يترتب.

______________________________

(1) الكافي 3: 542- 2، التهذيب 4: 30- 75، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب

عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 4: 27- 67، الاستبصار 2: 29- 85، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 2 ح 4.

(3) المدارك 5: 165.

(4) الكافي 3: 527- 1، التهذيب 4: 68- 185، الاستبصار 2: 10- 28، الوسائل 9: 71 أبواب من تجب فيه الزكاة ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 245

بعد ما أمسكه بعد رأس المال» «1».

فضعيف؛ لأنّ الجواب في الخبرين وقع على وفق السؤال، فلا يدلّ على اختصاص الحكم بالمسئول عنه و عدم شموله لغيره.

و قد خالف في اشتراط مقارنة نيّة الاكتساب للتملّك جماعة، كالمحقّق في المعتبر «2» و الشهيد في الدروس «3» و الشهيد الثاني في جملة من كتبه «4» و الفاضل الهندي في شرح الروضة و صاحب الحدائق «5»، و نفي عنه البأس في المدارك «6».

فلو تملّك أولا بقصد القنية ثمَّ قصد به التجارة تتعلّق به الزكاة؛ نظرا إلى أنّ المال بإعداده للربح يصدق عليه أنّه مال تجارة، فتتناوله الروايات، و بإطلاق الروايتين المذكورتين فإنّه لو اشترى أولا لا بنيّة التجارة ثمَّ قصدها و حبسه بعد ما يجد رأس ماله يكون مصداقا للروايتين.

قال في المعتبر: و قولهم: التجارة عمل. قلنا: لا نسلّم أنّ الزكاة تتعلّق بالفعل، الذي هو الابتياع، بل لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب الربح؟! و ذلك يتحقّق بالنيّة «7».

و فيه: أنّه إن أريد بإعداد المال للربح تملّكه بنيّة الربح فهو لا يفيد له، و إن أريد قصد الاسترباح منه بعد تملّكه بقصد آخر فلا نسلّم كونه أعدادا

______________________________

(1) الكافي 3: 528- 2، التهذيب 4: 68- 186، الاستبصار 2: 10- 29، الوسائل

9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 3.

(2) المعتبر 2: 549.

(3) انظر الدروس: 1: 240.

(4) كالروضة 2: 37، المسالك 1: 57.

(5) الحدائق 12: 146.

(6) المدارك 5: 166.

(7) المعتبر 2: 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 246

للربح، و لا يصدق عليه مال التجارة.

و أمّا الروايتان فظاهرهما الاشتراء بقصد الاسترباح، كما يشعر به قوله: «فكسد عليه».

و أمّا ما ذكره أخيرا من منع تعلّق الزكاة بسبب الفعل ففيه: أنّ تعلّقها خلاف الأصل، فعليه الإثبات، مع أنّ الأعداد للربح ليس إلّا تملّكه له دون قصد الاسترباح.

المسألة الثانية [ثلاثة شروط أخر]
اشاره

يشترط في تعلّق الزكاة بمال التجارة- سوى ما مرّ من كونه مال تجارة- ثلاثة شروط أخر:

الأول: الحول بالمعنى السابق،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ «1»، و حسنة محمّد و روايته ..

الاولى: عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، قال: «إذا حال عليها الحول فليزكّها» «2».

و الثانية: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» «3».

الثاني: النصاب،

و هو نصاب أحد النقدين بالإجماع المحقّق، و المحكيّ «4» فيهما.

مضافا في الأول إلى الأصل؛ لأنّ الثابت من الروايات ليس إلّا وجوب الزكاة في مال التجارة، و الزكاة لكونها اسما لمال معيّن شرعا فلا يعلم صدقها على المخرج من الأقلّ ممّا اجمع على ثبوت الزكاة فيه.

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 507.

(2) راجع ص: 244.

(3) الكافي 3: 528- 5، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 8.

(4) كما في المعتبر 2: 546.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 247

و فيهما، إلى رواية إسحاق بن عمّار، و فيها: «و كلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات» «1».

و هل يشترط في الزيادة على النصاب بلوغه النصاب الثاني؟

المشهور: نعم، و هو الحقّ؛ للأصل المذكور.

و عن ظاهر إطلاق التحرير: عدم الاشتراط «2».

و عن الشهيد الثاني في حواشي القواعد: عدم الوقوف على دليل يدلّ على اعتباره، و الأصل المذكور كاف في الدلالة.

و يشترط بقاء النصاب طول الحول بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن المعتبر و التذكرة «3»، و في المدارك «4»، و هو الدليل عليه دون غيره من روايات اشتراط الحول، لخلوّها عن اشتراط وجود النصاب تمام الحول.

الثالث: أن لا تنقص قيمة المتاع عن رأس المال،
اشاره

بأن يطلب منه برأس المال أو أزيد و هو لم يبعه التماس الفضل، فلو نقص متاعه عن رأس المال و لو قلّ فلا زكاة و إن كان ثمنه أضعاف النصاب؛ بالإجماعين، و المستفيضة:

منها: حسنة محمّد و رواية الشامي المتقدّمتين «5».

و صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق، و فيها: «إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك

لا تجد

______________________________

(1) الكافي 3: 516- 8، التهذيب 4: 93- 269، الاستبصار 2: 39- 121، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 7.

(2) التحرير 1: 65.

(3) المعتبر 2: 546، التذكرة 1: 227.

(4) المدارك 5: 170.

(5) في ص: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 248

إلّا و ضيعته فليس عليك زكاة» «1» و موثّقة سماعة: يكون الرجل عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين أو أكثر من ذلك، قال: «ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا أن يكون أعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، و إن لم يكن أعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه و إن حبسه ما حبسه، فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة» «2».

و موثّقة العلاء: المتاع لا أصيب به رأس المال، عليّ فيه زكاة؟ قال:

«لا»، قلت: أمسكه سنتين ثمَّ أبيعه، ما ذا عليّ؟ قال: «سنة واحدة» «3».

و أمّا ما في الروايتين الأخيرتين- من التزكية لسنة واحدة بعد البيع مع النقيصة- فالمراد منهما: زكاة النقدين، يعني: إذا باع و صار ثمنه ذهبا أو فضّة و حال عليه الحول يزكّيه لهذه السنة.

و قد يحمل على الاستحباب، كما صرّح به جمع من الأصحاب [1]؛ جمعا بين الأدلّة، و هو أيضا محتمل.

و قالوا: يشترط بقاء رأس المال طول الحول «4»، و الدليل عليه الإجماع، و أمّا الروايات فلا تدلّ على أزيد من اشتراط بقاء رأس المال،

______________________________

[1] كالشيخ في الاستبصار 2: 11، صاحب الرياض 1: 275.

______________________________

(1) الكافي 3: 529- 9، التهذيب 4: 69- 187 الاستبصار 2: 10- 30، الوسائل 9: 70 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه

ب 13 ح 1.

(2) الكافي 3: 528- 3، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 6.

(3) التهذيب 4: 69- 189، الاستبصار 2: 11- 32، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 9.

(4) كما في المعتبر 2: 550، و المنتهى 1: 508.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    249     فروع: ..... ص : 249

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 249

و أمّا اشتراط ذلك طول الحول فلا.

فروع:

أ:

هل يشترط في زكاة مال التجارة بقاء عين السلعة طول الحول، كما في الماليّة؟

أم لا يشترط ذلك، فتثبت الزكاة و إن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟

الأول: محكيّ عن الصدوق و المفيد و المحقّق «1»، و اختاره في المدارك و الذخيرة «2»، و بعض من تأخّر عنهما [1].

و هو الحقّ؛ لأنّ المستفاد من حسنة محمّد و روايته «3» المتضمّنتين لاشتراط الحول: اشتراط حولانه على شخص المال؛ لأنّه معنى حولان الحول على المال المذكور في الحديث، و يرجع إليه الضمير، و سقوط الزكاة بدون ذلك، و مع التبدّل تكون الثانية غير الأولى، فلا تكون فيه الزكاة إذا لم يحل عليه الحول.

و يدلّ عليه أيضا الأصل، و تؤكّده ظواهر النصوص، سيما مثل: حسنة محمّد و رواية أبي الربيع، المتضمّنتين للإمساك و الحبس «4»، و صحيحة ابن عبد الخالق و موثّقة سماعة، المشتملتين على التربّص و المكث «5»، و صحيحة

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 147، و صاحب الرياض 1: 275.

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 11، المفيد في المقنعة: 247، المحقق في المعتبر 2:

547، و الشرائع 1: 158.

(2) المدارك 5: 171، الذخيرة: 449.

(3) المتقدّمتين في ص:

246.

(4) تقدمتا في ص: 244.

(5) تقدمتا في ص 248، 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 250

الكرخي، المشتملة على المنع من البيع «1»، و غيرها.

و الثاني: منقول عن الفاضل و ولده «2»، و جمع ممّن تأخّر عنهما [1]، و عن التذكرة و الإيضاح: الإجماع عليه «3»؛ له، و لإطلاق ثبوت الزكاة في مال التجارة و ما يعمل [به ] [2] في رواية موسى بن بكر، و صحيحتي البجلي و محمّد بن الفضيل، المتقدّمة «4».

و رواية عمر بن أبي شعبة: عن مال اليتيم، قال: «لا زكاة عليه، إلّا أن يعمل به» «5».

و الإجماع ممنوع، و الإطلاق بما مرّ مدفوع.

ب:

قد عرفت أنّ النصاب هنا نصاب النقدين، يعني: إذا بلغت قيمة المال هذا الحدّ وجبت الزكاة فيه.

فقيل: إنّه يكفي بلوغ أحدهما مطلقا و إن لم يبلغ الآخر، ذكره في الشرائع و الإرشاد «6»؛ لصدق بلوغ النصاب معه.

و قيل: هذا إذا كان رأس المال، أي الثمن الذي اشترى به المتاع عرضا، و إلّا فالمعتبر نصاب الثمن الذي اشتراه به، ذكره الشهيدان في الدروس و المسالك «7» و ابن فهد في موجزه و المحقّق الثاني «8» و جدّي

______________________________

[1] كالشهيد الأوّل في البيان: 307، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 58.

[2] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) الكافي 3: 529- 7، الوسائل 9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 5.

(2) الفاضل في المنتهى 1: 507، و التحرير 1: 65، و ولده في الإيضاح 1: 187.

(3) التذكرة 1: 229، الإيضاح 1: 187.

(4) في ص: 243، 244.

(5) التهذيب 4: 27- 64، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 1 ح 10.

(6) الشرائع 1: 159، الإرشاد 1: 285.

(7)

الدروس 1: 239، المسالك 1: 58.

(8) المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 251

الفاضل في رسالته.

و قيل: على كون الثمن عروضا يقوّم بالنقد الغالب- إن كان- و يعتبر البلوغ به، و إن تساويا فبأيّهما شاء أو بأقلّهما «1»؛ لصدق البلوغ.

و في كلام بعضهم هنا اضطراب، و لا دليل تامّا على شي ء منها.

و حيث كان الدليل على اعتبار النصاب: الإجماع و الأصل كما مرّ، فلازمه جعله أعلى الأمور؛ حيث إنّه لا دليل على وجوب الزكاة في الأقلّ.

و يستفاد من كلام بعضهم اعتبار الأقلّ «2».

و هو حسن إن ثبت المراد من الزكاة و أنّها إخراج جزء من المال مطلقا و فيه تأمّل؛ لاحتمال كونها إخراج جزء من المال البالغ حدّا معيّنا، فتأمّل.

ج:

كما أنّه يشترط بقاء النصاب و رأس المال طول الحول، كذلك يشترط بقاء سائر القيود المتقدّمة، الموجبة لصدق مال التجارة أيضا طول الحول؛ بالإجماع، فلو نوى القنية في أثناء الحول سقط الاستحباب.

د:

لو كان بيده نصاب و اشترى به في أثناء الحول متاعا للتجارة سقط حول الأول، و استأنف حول التجارة من حين الشراء، وفاقا للفاضلين «3»، و جمع آخر [1]؛ لانقطاع حول الأول بتبدّل المحلّ، و اشتراط حول التجارة بكونه بعد عقد المعاوضة.

و لا فرق في ذلك بين كون المال الأول النقدين أو مال التجارة؛ بناء على ما عرفت من اعتبار بقاء السلعة طول الحول في مال التجارة.

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 58، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 137، و السبزواري في الذخيرة: 449.

______________________________

(1) انظر: البيان: 306.

(2) كما في مجمع الفائدة 4: 136.

(3) المحقق في الشرائع 1: 157، و المعتبر 2: 545، العلّامة في القواعد 1: 56.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 252

و عن الخلاف و المبسوط: بناء حول العرض على حول الأصل إن كان الأصل نقدا «1»؛ و حجّته ضعيفة.

و عن التذكرة: البناء إن كان الثمن مال تجارة، و إلّا استأنف «2»؛ و هو مبنيّ على ما اختاره من عدم سقوط الاستحباب بالتقليب و التبديل في الأثناء، و قد عرفت حاله.

ه:

لو كان رأس المال أقلّ من النصاب استأنف الحول عند بلوغه، بلا خلاف بين الأصحاب «3»، و وجهه ظاهر، و لبعض العامّة هنا خلاف «4».

المسألة الثالثة: زكاة مال التجارة تتعلّق بالقيمة لا بالعين

عند الشيخ و من تبعه «5»، و منهم: المحقّق في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و المنتهى «6»، بل ظاهر المنتهى يشعر بعدم الخلاف فيه عندنا، و في الحدائق: الظاهر أنّه المشهور «7»؛ و استدلّ له بوجه اعتباريّ ضعيف غايته، و رواية قاصرة الدلالة جدّا.

و عن التذكرة: الميل إلى التعلّق بالعين «8»، و جعله في المعتبر أنسب بالمذهب «9»، و استحسنه في المدارك «10».

و هو الحقّ؛ لأصل الاشتغال، و لقوله في صحيحة ابن عبد الخالق:

______________________________

(1) الخلاف 2: 94، المبسوط 1: 221.

(2) التذكرة 1: 229.

(3) انظر: المدارك 5: 173.

(4) انظر: المغني و الشرح الكبير 2: 625.

(5) الشيخ في الخلاف 2: 95، و سلّار في المراسم: 136.

(6) الشرائع 1: 157، الإرشاد 1: 285، المنتهى 1: 508.

(7) الحدائق 12: 150.

(8) التذكرة 1: 228.

(9) المعتبر 2: 550.

(10) المدارك 5: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 253

«فعليك فيه زكاة» «1».

و في رواية محمّد: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة» «2».

و في موثّقة سماعة: «فإذا فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» «3».

دلّت على التعلّق بالعين لمكان لفظة «في» على ما مرّ في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

و تظهر الفائدة في جواز بيع

السلعة بعد الحول و قبل إخراج الزكاة أو ضمانها، على القول بوجوب هذه الزكاة فيما إذا زادت القيمة بعد الحول، و غير ذلك.

المسألة الرابعة: لو اتّجر بالمال الزكوي و ملك نصابا منه للتجارة

- كأربعين شاة- و حال عليه الحول مع قصد التجارة، فالمشهور- كما صرّح به جدّي الفاضل قدّس سرّه و صاحب الحدائق، بل المدّعى عليه الإجماع «4»- سقوط أحد الزكاتين، و هو زكاة التجارة، و وجوب الماليّة.

أمّا سقوط أحدهما فبالإجماع، ذكره في المعتبر و المنتهى و التذكرة «5»، و لقوله عليه السّلام في حسنة زرارة: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد» «6».

و أمّا أنّ الساقط زكاة التجارة، فلانتفاء الدليل على ثبوت زكاة التجارة عند تحقّق شرائط وجوب الماليّة، كما لا يخفى على الناظر في النصوص،

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 247.

(2) تقدّمت في ص: 246.

(3) تقدّمت في ص: 248.

(4) الحدائق 12: 151.

(5) المعتبر 2: 549، المنتهى 1: 509، التذكرة 1: 229.

(6) الكافي 3: 520- 6، التهذيب 4: 33- 85، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 254

التي هي مستند زكاة التجارة.

مضافا على القول باستحبابها إلى وجوب تقديم الواجب على المستحبّ، و على القول باستحبابها إلى وجوه أخر ذكرها الشيخ «1»، و لكنها ضعيفة جدّا.

أقول: أمّا سقوط أحدهما فإن ثبت الإجماع فيه، و إلّا فلا دليل عليه؛ لأنّ قوله: «لا يزكّى» في الحسنة مجاز في الإنشاء، و مجازه يمكن أن يكون عدم الوجوب، أي لا تجب في عام واحد زكاة مال من وجهين، فلا ينافي استحبابها من وجه، و وجوبها من آخر، و لذا قيل بثبوت الزكاتين: هذه وجوبا، و هذه استحبابا، نقله في الشرائع «2»، و غيره

«3»، و هو متّجه جدّا.

ثمَّ على السقوط، فما ذكروه لإسقاط التجارة ضعيف، أمّا انتفاء الدليل على الثبوت فلكفاية عموم قوله في رواية محمّد: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» «4».

و قوله في صحيحة الكرخي: «ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه» «5».

و أمّا تقديم الواجب على المستحبّ، فلأنّ ذلك إنّما هو على فرض ثبوت الواجب على وجوبه، و نحن إذا قلنا بعدم اجتماع الزكاتين و سقوط أحدهما فيحتمل سقوط الواجب، و لذا ذهب بعضهم إلى تخيير المالك في

______________________________

(1) المبسوط 1: 222.

(2) الشرائع 1: 157.

(3) انظر: المسالك 1: 59.

(4) تقدمت في ص: 246.

(5) الكافي 3: 529- 7، الوسائل 9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 255

إخراج أيّهما شاء [1]؛ و هو جيّد على القول بعدم اجتماعهما.

هذا، ثمَّ لا يخفى أنّ على المشهور- من بقاء زكاة الماليّة فقط- ينبغي التقييد بما إذا لم يزد على النصاب بقدر نصاب التجارة، فلو كانت عنده مائة شاة، و بلغت خمسون منها قيمة النصاب للتجارة اتّجه القول بالزكاتين، إحداهما لأربعين شاة، و الأخرى للزائد عليها؛ لأنّه لا تكون الزكاتان حينئذ لمال.

إلّا أن يقال: إنّ الماليّة لمجموع النصاب، و العفو دون النصاب خاصّة.

و اعلم أيضا أنّه لو كان المال بقدر كلّ من النصابين، فإن تقدّم حول الماليّة سقطت الزكاة للتجارة قطعا؛ لنقصان النصاب قبل الحول.

و إن تقدّم حول التجارة لم تسقط الماليّة؛ لأنّ زكاة التجارة و إن تعلّقت بالعين إلّا أنّه ليس تعلّق استحقاق و انتقال ملك، بل أولويّة إخراج، فإن أخرج

قبل حول الماليّة سقطت الماليّة، و إلّا كان كما إذا حال الحولان معا.

المسألة الخامسة: لو عاوض النصاب الزكوي في أثناء الحول

للتجارة بمثله لها- كأربعين سائمة بأربعين سائمة- سقط وجوب الماليّة و التجارة و استأنف الحول من حين المعاوضة.

أمّا سقوط الماليّة، فلانقطاع الحول بالنسبة إليها؛ و أمّا سقوط التجارة، فلتبدّل العين.

و خالف الشيخ في الأول «1»، و الفاضل في الثاني «2».

و خلاف الأول مبنيّ على ما ذهب إليه من عدم سقوط الزكاة بالتبديل بالجنس.

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 58.

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 223، و الخلاف 2: 100.

(2) كما في التحرير 1: 65، و المنتهى 1: 507.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 256

و الثاني على ما ذهب إليه من عدم اشتراط بقاء السلعة طول الحول.

و تقدّم الكلام معهما فيهما.

المسألة السادسة:

إذا دفع إنسان مالا إلى غيره قراضا- على النصف مثلا- فظهر فيه ربح، كانت زكاة الأصل على المالك إذا بلغ النصاب و اجتمعت فيه الشرائط، و كذا حصّته من الربح بعد اعتبار ما يجب اعتباره من النصاب و الحول.

و أمّا حصّة العامل، فإن قلنا: إنّه يملكها بالظهور، وجبت زكاتها عليه إذا بلغت النصاب، و حال عليها الحول من حين الملك، و كان متمكّنا من التصرّف فيها، و لو بالتمكّن من القسمة.

و إن قلنا: إنّه لا يملكها إلّا بالقسمة، فلا زكاة عليه قبلها؛ لانتفاء الملك.

و الأظهر سقوط زكاة هذه الحصّة عن المالك أيضا على هذا التقدير؛ لأنّها متردّدة بين أن تسلم فتكون للعامل، أو تتلف فلا تكون له و لا للمالك.

و إن قلنا: إنّه لا يملك الحصّة و إنّما يستحقّ اجرة المثل، فالزكاة كلّها على المالك؛ لأنّ الأجرة دين، و الدين لا يمنع الزكاة.

و اللّه سبحانه هو الموفّق للسداد و الرشاد.

المسألة السابعة: الدين لا يمنع من تعلّق الزكاة بالنصاب المتجر به

إجماعا، كما صرح به غير واحد [1]، و إن لم يكن للمديون مال سواه؛ لأنّ متعلّق الدين: الذمّة، و متعلّق زكاة التجارة: العين؛ و للعمومات و الإطلاقات السالمة عن المخصّص و المقيّد.

تتميم:

لا تستحبّ الزكاة في المساكن، و لا في الثياب، و لا الآلات

______________________________

[1] كالعلّامة في المنتهى 1: 506، و التذكرة 1: 230، صاحب المدارك 5: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 257

و أمتعة القنية؛ بالإجماع، و الأصل، و أخبار حصر الزكاة في الأصناف التسعة، و اللّه يعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 258

الباب الرابع في مصرف الزكاة و صرفها، و ما يتعلق بهما
[فصول ]
اشاره

و تفصيل الكلام في ذلك المقام يستدعي رسم فصول:

الفصل الأول في أصناف المستحقّين
اشاره

و هي ثمانية بنصّ القرآن، و إجماع المسلمين:

الصنف الأول و الثاني: الفقراء و المساكين.
اشاره

و هما و إن كانا متغايرين معنى على الأظهر الأشهر لغة و فتوى، المنصوص عليه في الصحيح «1» و الحسن «2»، و مقتضاهما كون المسكين أسوء حالا من الفقير، إلّا أنّه- لمّا انعقد الإجماع على عدم وجوب بسط الزكاة على الأصناف، و استحقاقهما الزكاة- لا ثمرة في تحقيق ذلك في هذا المقام، و إنّما المهمّ بيان الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة و سائر شرائطها.

و نحن نذكرهما في مسائل:
المسألة الأولى:

قد وقع الخلاف في الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة على ثلاثة أقوال:

الأول: أن لا يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته، و هو منقول عن

______________________________

(1) الكافي 3: 502- 18، الوسائل 9: 210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 2.

(2) الكافي 3: 501- 16، التهذيب 4: 104- 297، الوسائل 9: 210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 259

الخلاف «1»، و لم أجده في باب الزكاة منه، و نقل عنه الحلّي غيره كما يأتي.

نعم، قال فيه: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاب الزكاة أو قيمته «2».

و لعلّه منشأ النقل؛ حيث إنّه لا تجب الفطرة على الفقير، و نقل في المبسوط هذا القول عن بعض أصحابنا، و كذا في السرائر «3».

الثاني: أن لا يملك ما يكون قدر كفايته لمؤنته طول سنته، ذهب إليه الأكثر، كما صرّح به في الروضة «4»، و غيرها [1].

الثالث: أن لا يكون قادرا على كفايته و كفاية من تلزمه كفايته على الدوام، اختاره في المبسوط «5».

فإن أريد بالدوام السنة- كما في المختلف «6»- يرجع إلى القول الثاني.

و إن أريد به ما تحصل به الكفاية عادة- من فائدة صنعة، أو غلّة ضيعة، أو ربح مال تجارة كما قيل- يرجع

أيضا إليه على بعض وجوهه الآتية؛ حيث إنّ من ملك ما تكفي غلّته و ربحه مئونة سنته يصدق عليه أنّه يملك ما يحصل به الكفاية عادة.

و إن جعل الدوام قيدا لقوله: تلزمه، كما احتمل، تكون مدّة الكفاية مجملة، و يكون موافقا لقول من اعتبر عدم الكفاية بالإطلاق، و الظاهر أنّه أيضا يرجع إلى الثاني بأحد وجوهه.

______________________________

[1] كمجمع الفائدة 4: 151، و الرياض 1: 278.

______________________________

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 517، و المهذب البارع 1: 529.

(2) الخلاف 2: 146.

(3) المبسوط 1: 257، السرائر 1: 462.

(4) الروضة 2: 42.

(5) المبسوط 1: 256.

(6) المختلف: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 260

و منه يظهر: أنّ في المسألة قولين، و الحقّ هو الثاني.

لا لما قيل من صدق الفقر و الاحتياج عرفا مع عدم تملّك ما يكفيه لسنته و عدم صدقه مع تملّكه «1»؛ لأنّي لا أفهم تفاوت الصدق عرفا بين مالك كفاية السنة و أحد عشر شهرا.

و لا للمرويّ في المقنعة: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة» «2»؛ لعدم دلالته فيه إلّا بمفهوم وصف ضعيف.

بل للإجماع؛ حيث إنّ المخالف فيه شاذّ جدّا، غير قادح في حكم الحدس بالإجماع.

و حسنة أبي بصير: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره»، قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟! فقال: «زكاته صدقة على عياله، فلا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» «3».

و المرويّ في العلل عن المسائل: و عنده قوت يوم، أ يحلّ له أن يسأل؟ و إن

أعطي شيئا من قبل أن يسأل أ يحلّ له أن يقبله؟ قال: «يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة؛ لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» «4».

و تدلّ عليه أيضا النصوص الآتية، الدالّة على جواز أخذ الزكاة لمن له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم، أو مائتا درهم، أو سبعمائة درهم، أو

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 194، و الذخيرة: 453.

(2) المقنعة: 248.

(3) الكافي 3: 560- 1، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 1.

(4) العلل: 371- 1، الوسائل 9: 233 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 261

دار غلّة إذا كانت قاصرة عن الاستنماء بقدر الكفاية، فإنّ الظاهر المتبادر من الكفاية فيها الكفاية طول السنة، بل الظاهر أنّ الكفاية المطلقة تستلزم كفاية السنة؛ إذ ما لا يكفيها ليس بقدر الكفاية، لاحتياجه في بعض السنة.

هذا، مع أنّها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب، فيبطل بها القول الأول، فيتعيّن الثاني؛ لانتفاء الثالث، كما صرّح به جماعة من الأصحاب، منهم صاحب التنقيح «1».

و من ذلك يظهر وجه لصحّة الاستدلال برواية المقنعة المتقدّمة؛ حيث دلّت على حرمة الزكاة على من عنده قوت سنة و لو كان أقلّ من النصاب، فيبطل بها القول الأول، فيتعيّن الثاني.

دليل الأول: رواية عامّية قاصرة دلالة، و استبعاد ضعيف.

و أمّا ما ورد في موثّقة زرارة: «لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما» «2».

و في رواية العرزمي: «إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع» «3».

فلا تنافيان ما ذكرناه؛ لعدم معلوميّة مرجع الضمير في «أن يأخذها» في

الاولى، و جواز كون الفقر المدقع في الثانية عدم كفاية السنة.

مع أنّ الاولى مخالفة للإجماع القطعي لو كانت في الزكاة، و موافقة لبعض العامّة، أو محمولة على عدم احتياجه، كما يفهم من حولان الحول على دراهمه.

المسألة الثانية [المعتبر في الفقر عدم تملّك قدر كفاية السنة]

قد عرفت أنّ المعتبر في الفقر هو عدم تملّك قدر

______________________________

(1) التنقيح 1: 318. اختاره في الرياض 1: 278.

(2) التهذيب 4: 51- 131، الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 5.

(3) الكافي 4: 47- 7، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 262

كفاية السنة من الأموال، فهل المعتبر عدم تملّك قدر الكفاية من الربح و النماء و الفائدة فلا اعتبار بكفاية رأس المال أو الضيعة، أو عدم تملّكه من أصل الأموال؟

الحقّ: هو الأول، وفاقا للمشهور، كما صرّح به جماعة منهم الروضة «1»، بل قيل: بلا خلاف أجده «2»، و نسبه في الحدائق إلى الشيخ و الحلّي و الفاضلين و عامّة المتأخّرين «3».

و قيل بالثاني، نقله في الروضة «4»، و لكن قال الهندي في شرحه: و لم أظفر بقائله.

أقول: و يحتمله كلام جماعة، بل يفهم من الذخيرة أنّه مذهب الحلّي و الفاضلين و جمهور المتأخّرين «5»، و لكنّه خلاف الظاهر من أكثر كلماتهم؛ حيث إنّ الأول صرّح بجواز أخذ الزكاة لمن كان له دار لا تكفيه غلّته «6».

و صرّح أيضا في النافع و التذكرة و في الدروس و الروضة بجواز أخذها لمن كان له مال يتعيّش به، أو ضيعة يشتغلها، إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية، و إن كان بحيث يكفي رأس المال أو ثمن الضيعة لكفاية السنة «7».

لنا: المستفيضة من الأخبار، كصحيحة معاوية بن وهب: عن الرجل يكون

له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم، و له عيال، و هو يحترف فلا

______________________________

(1) الروضة 2: 45.

(2) كما في الرياض 1: 279.

(3) الحدائق 12: 165.

(4) الروضة 2: 45.

(5) الذخيرة: 452.

(6) كما في السرائر 1: 462.

(7) النافع: 58، التذكرة 1: 231، الدروس 1: 240، الروضة 2: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 263

يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال:

«لا، بل ينظر إلى فضلها، فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقيّة من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها» «1».

و موثّقة سماعة: عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال:

«نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» «2».

و الأخرى، و في آخرها: «و أمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه» «3»، دلّت بمفهوم الشرط على عدم الحرمة إذا لم يصب منها ما يكفيه.

و رواية هارون بن حمزة: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها، قال: «فلينظر ما يستفضل منها، فيأكل هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» «4».

و رواية أبي بصير: عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفّاف و له عيال كثير، إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمّد، أ يربح

في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟» قال: قلت: نعم، قال: «كم يفضل؟» قلت: لا أدري، قال: «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف

______________________________

(1) الكافي 3: 561- 6، الوسائل 9: 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.

(2) الكافي 3: 560- 4، الفقيه 2: 17- 57، التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9:

235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.

(3) الكافي 3: 561- 9، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 2.

(4) التهذيب 4: 51- 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 264

القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة» «1» الحديث.

و لعلّ تقدير الفاضل عن القوت بنصف القوت باعتبار أنّه متى فضل هذا المقدار فإنّه يكفي للقيام بكسوتهم و سائر ضروريّاتهم، فلا يجوز أخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من ذلك فلا يقوم بمؤنة السنة.

و رواية عبد العزيز، و فيها: له دار تسوى أربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال، إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: «نعم»، قال:

و له هذه العروض؟ فقال: «يا أبا محمّد، فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع جاريته التي تقيه الحرّ و البرد و تصون وجهه و وجه عياله، أو آمره أن يبيع غلامه أو جمله و هو معيشته و قوته؟! بل يأخذ الزكاة، فهي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله» «2».

و لا يضرّ اختصاص بعض تلك الأخبار بثلاثمائة أو أربعمائة أو

ثمانمائة أو الدار؛ لعدم القول بالفصل قطعا.

حجّة القول الثاني: صدق تملّك ما يفي بمؤنة السنة مع وفاء الأصل.

و فيه: أنّ المصرّح به في الأخبار المذكورة- المنجبرة بالشهرة- لزوم تملّك ما يفي نماؤه لا أصله.

ثمَّ إن عرفت أنّ المعتبر في الفقر و الغناء عدم كفاية الربح و النماء، و لا اعتبار برأس المال و العقار، و لا يجب عليه الإنفاق من الأصل .. فهل هو إذا اتّخذ الأصل بضاعة يستربحه و مشتغلا يشغله- أي يتّجر به و يستربحه

______________________________

(1) الكافي 3: 560- 3، الفقيه 2: 18- 58، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 4.

(2) الكافي 3: 562- 10، الوسائل 9: 236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 265

و يشتغل به فعلا- فيكون الفقير من لا يملك من الأموال التي يستنميها- كالدراهم التي يتّجر بها لأجل معاشه أو العقار التي يشتغلها أو نحو ذلك- ما يكفي ربحها و نماؤها لمؤنة سنته، و أمّا ما لم يكن كذلك- أي لا يتّجر به و لا يستربحها- فالمعتبر قصور أصل الأموال منفردة أو منضمّة مع نماء ما يستنميها؟

أو يكفي في صدق الفقر و عدم وجوب إنفاق الأصل عدم كفاية النماء و الربح على فرض الاستنماء و الاسترباح، حتى أنّه لو كان له من الأموال ما يكفي لمؤنة سنته و لم يستربحها و لم يشتغلها جاز له أخذ الزكاة إذا كانت بقدر لو استنماها لم يكفه نماؤها؟

الأول: للذخيرة و الحدائق «1»، بل لجميع من يعتبر الربح و النماء؛ إذ الظاهر منهم إرادة الاستنماء الفعلي، كما يشعر به قولهم: يتعيّش به، أو يشتغلها، أو يتّجر به.

نعم، يظهر من الكتابين المذكورين أنّ مراد القائلين

باعتبار النماء اعتباره مطلقا؛ حيث إنّ بعد ذكرهما القول باعتبار النماء دون الأصل اختارا التفصيل باعتبار النماء في ما يستنميه، و الأصل في ما لا يستنميه.

و كيف كان، فالحقّ: هو الأول؛ أمّا جواز أخذ الزكاة مع استنماء ما يصلح له و عدم وفاء النماء بمؤنة السنة، فلجميع الأخبار المتقدّمة.

و أمّا عدم جواز الأخذ مع وفاء أصل ماله الذي لا يستنميه و لا يشتغله منفردا أو منضمّا مع نماء ما يستنميه، فلرواية المقنعة و حسنة أبي بصير المتقدّمتين «2»، و عدم صدق الفقير عرفا، و اختصاص أخبار النماء بما إذا كان يستنمي المال دون ما لا يستنميه.

______________________________

(1) الذخيرة 1: 453، الحدائق 12: 157.

(2) في ص: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 266

المسألة الثالثة: و يشترط في صدق الفقير أيضا: عدم قدرته على تكسّب المؤنة بصنعة أو غيرها،
اشاره

فلو قدر عليه لم يجز له أخذ الزكاة على الأظهر الأشهر، بل عن الخلاف و الناصريّات: الإجماع عليه «1».

لحسنة زرارة: «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف و لا لذي مرّة سويّ قوي، فتنزّهوا عنها» «2»، و موثّقة سماعة الثانية «3»، و لصدق الغنى و عدم صدق الفقير مع ذلك.

و لا ينافيه قوله في حسنة أبي بصير المتقدّمة: «و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» «4» حيث ضمّ مع الاحتراف تملّك النصاب؛ لعدم دلالتها على الحليّة للمحترف الذي لا يملك النصاب إلّا بمفهوم الوصف، و هو ضعيف.

و حكى في الخلاف عن بعض أصحابنا جواز دفع الزكاة إلى المكتسب من غير اشتراط قصور كسبه «5»؛ و استدلّ له بصدق عدم تملّك الكفاية من الأموال.

و يجاب عنه: بعدم كفاية ذلك في جواز الأخذ، بل يشترط عدم الاحتراف أيضا؛ لما مرّ.

و لو قصرت الحرفة و التكسّب عن تمام مئونة

السنة جاز أخذ الزكاة له، بلا خلاف فيه يعلم، بل في التذكرة: إنّه موضع وفاق بين العلماء «6»؛

______________________________

(1) الخلاف 4: 230، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(2) الكافي 3: 560- 2، المقنعة: 241، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 2.

(3) تقدّمت في ص: 263.

(4) تقدّمت في ص: 260.

(5) الخلاف 4: 230.

(6) التذكرة 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 267

لصدق الفقير مع ذلك، و لمفهوم الشرط في موثّقة سماعة المذكورة، بل تدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب و رواية أبي بصير المتقدّمتين «1»، و به يقيّد إطلاق حسنة زرارة «2».

فروع:

أ:

المعتبر في الحرفة و الصنعة ما كان لائقا بحال الشخص عادة، فلو لم يكن كذلك لم يكلّف بالحرفة، و يجوز له أخذ الزكاة، فلا يكلّف الشريف بمثل الاحتطاب و الاحتشاش؛ لكونه عسرا و مشقّة.

فتعارض أدلّة نفيهما إطلاقات حرمة الصدقة على المحترف، و الترجيح مع الأول؛ لموافقة الكتاب و السنّة، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجع إلى إطلاقات من لا يملك مئونة السنة.

و منه يعلم حكم المحترف اللائق به، إذا كان فيه مشقّة و عسر عليه، لمرض أو كبر أو ضعف أو نحوها.

ب:

يشترط في مزاحمة الحرفة لأخذ الزكاة إمكان احترافه، فلو علم الحرفة و لم يمكن له اشتغاله- لفقد آلة، أو عدم طالب لها، أو نحو ذلك- يأخذ الزكاة؛ لمفهوم الموثّقة، بل مدلول الصحيحة و الرواية «3».

ج:

من لم تكن له حرفة و لكن يقدر على تعلّمها من غير عسر، فلا شكّ في جواز أخذه الزكاة ما لم يتعلّمها؛ لعدم صدق المحترف.

فهل يجب عليه التعلّم و الامتناع من الزكاة بعده؟

الظاهر: لا، للأصل، و عدم الدليل على الوجوب.

______________________________

(1) في ص: 262 و 263.

(2) المتقدّمة في

ص: 266.

(3) راجع ص: 262، 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 268

د:

لو اشتغل عن التكسّب بطلب العلم المانع عن الكسب، فإن كان العلم ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفاية بشرط عدم قيام الغير به، فلا شكّ في جواز أخذ الزكاة؛ لأنّه مانع عن التكسّب، و قد عرفت جواز الأخذ مع المانع.

و إن كان ممّا لا يجب تعلّمه و لا يستحبّ- كالرياضيات، و الفلسفة، و كثير من الكلاميّات، و السير، و العروض و الأدبيّة، لمن لا يريد التفقّه في الدين- فلا شكّ في عدم جواز أخذ الزكاة له؛ لصدق المحترف و عدم الدليل على التخصيص.

و إن كان يستحبّ- كالتفقّه في الدين تقليدا أو اجتهادا- فظاهر الذخيرة عدم جواز الأخذ «1»، و هو ظاهر حواشي القواعد للشهيد الثاني.

و عن التحرير و المنتهى و الدروس و البيان و الروضة و المسالك و حواشي النافع للشهيد الثاني و المهذّب: جوازه «2». و هو الأقرب؛ للأمر به «3» و لو استحبابا، المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز أخذ الزكاة، و كذا مقدّمات علم التفقّه إذا تعلّمه من باب مقدّمته. و لو أمكنه الجمع بين التعلّم و الاحتراف لم يجز الأخذ.

ه:

لو ترك المحترف حرفته يوما عمدا، فهل يجوز له أخذ الزكاة لليلته إذا لم يمكن له الاحتراف فيها؟ و كذا لو كانت حرفته في وقت معيّن و يصيب فيه ما يكفي السنة فتركها في ذلك الوقت عمدا؟

فيه إشكال، و الذي يقوى في نفسي: عدم الجواز؛ لصدق المحترف،

______________________________

(1) الذخيرة: 461.

(2) التحرير 1: 68، المنتهى 1: 519، الدروس 1: 240، البيان: 311، الروضة 2: 45، المسالك 1: 59، المهذب البارع 1: 530.

(3) التوبة: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 269

و عدم

معلومية صدق الفقير.

المسألة الرابعة [دار السكنى و الخادم و المركب و ثياب التجمّل لا تمنع من أخذ الزكاة]

الظاهر عدم الخلاف في أنّ دار السكنى و الخادم و المركب و ثياب التجمّل لا تمنع من أخذ الزكاة، و لا تعدّ من الأموال، و في التذكرة: لا نعلم فيه خلافا «1».

و تدلّ عليه في الأولين: رواية عبد العزيز المتقدّمة «2»، و ابن أذينة:

عن الرجل له دار أو خادم أو عبد، يقبل الزكاة؟ قال: «نعم، إنّ الدار و الخادم ليسا بمال» «3».

و ابن يسار: «تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم»؛ لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا «4».

و في الثلاثة الأولى: المرويّ صحيحا عن كتاب عليّ بن جعفر- المنجبر بالشهرة-: عن الزكاة أ يعطاها من له الدابّة؟ قال: «نعم، و من له الدار و العبد، فإنّ الدار ليس يعدّ بمال» «5».

و في الأربعة- إذا كان ممّن تجري العادة في مثله في الخادم و المركب و ثياب التجمّل-: التعليل المذكور في رواية عبد العزيز بقوله: «و هي عزّه» و بقوله: «و تصون وجهه».

و إذا كان ممّن يحتاج إلى الأربعة: قوله في موثّقة سماعة المتقدّمة:

«فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم» «6»

______________________________

(1) التذكرة 1: 236.

(2) في ص: 264.

(3) الكافي 3: 561- 7، الفقيه 2: 17- 56، التهذيب 4: 51- 133، الوسائل 9:

235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 4: 52- 134، الوسائل 9: 236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 4.

(5) مسائل علي بن جعفر: 142- 165، الوسائل 9: 237 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 5.

(6) راجع ص: 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 270

إلى آخره، و في الأخرى: «و هو يصيب منها ما يكفيه» «1».

و يظهر

ممّا ذكر استثناء كلّ ما يتوقّف بقاء عزّه و حفظ شرفه عليه، أو يحتاج إليه من الآلات و كتب العلم و أدوات الصناعة.

و يظهر منه أيضا استثناء أثمان هذه الأشياء لفاقد أعيانها، و استثناء المتعدّد منها مع اقتضاء العادة أو مسيس الحاجة.

و يجب مراعاة العادة في الكيفيّة، فيستثنى اللائق بحاله عادة.

و إطلاق النصّ في الثلاثة الاولى و إن اقتضى عموم الحكم فيها و شموله لما إذا زادت عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة لمؤنة السنة و أمكنه بيعها منفردة، إلّا أنّ حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه الصورة، مع عدم صدق الفقر و صدق ملك مئونة السنة في مثلها بلا شبهة، فيجب بيع الزيادة.

نعم، لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة، و كانت الزيادة في مجرّد القيمة، فصرّح جماعة بعدم تكليفه ببيعها و شراء الأدون منها قيمة «2»؛ للإطلاق، مع ما في تكليفه بذلك من العسر و المشقّة.

و التحقيق: أنّه إن كانت الزيادة في القيمة بحيث تخرجه عن مصداق الفقير عرفا، أو تخرجها عن مناسبة حاله كثيرا، بحيث لا تنصرف إليه الإطلاقات عرفا، لا يجوز له أخذ الزكاة، و إلّا جاز.

الصنف الثالث: العاملون عليها.

و هم جباة الصدقة، و السعاة في أخذها و جمعها و حفظها و ضبطها حتى يؤدّوها إلى من يقسّمها، كما في المرويّ في تفسير عليّ «3»، المنجبر

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 263.

(2) كما في الحدائق 12: 163.

(3) تفسير القمّي 1: 298، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 271

بالفتاوي، و مقتضى المعنى اللغوي.

و لا خلاف بين العلماء في استحقاقهم الزكاة، كما عن المبسوط «1» و غيره «2»، بل عن المنتهى و في المدارك «3» و

غيرهما: الإجماع عليه «4»، بل لا شبهة في إجماعيّته.

فهي الحجّة عليه، مضافة إلى الآية الشريفة، و الأخبار، كصحيحة محمّد «5»، و موثّقة سماعة «6»، و المرويّ في تفسير عليّ.

و لا يجوز أن يكونوا هاشميّين- كما صرّح به في صحيحة العيص «7»- إلّا أن يكونوا عاملين على صدقات مثلهم.

و لا يعتبر فيهم الفقر، بلا خلاف، كما في الذخيرة «8»، بل الاتّفاق، كما عن الخلاف «9»؛ للتفصيل في الآية «10» و الأخبار، القاطع للشركة، و للإطلاق، و عدم انحصار جهة الاستحقاق للزكاة في الفقر.

و لا الحريّة على الأظهر، للأصل.

و يعتبر الإيمان و العدالة، كما يأتي.

______________________________

(1) المبسوط 1: 247.

(2) كالغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) المنتهى 1: 517، المدارك 5: 208.

(4) كالحدائق 12: 173، و الرياض 1: 280.

(5) الكافي 3: 496- 1، الفقيه 2: 2- 4، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9:

209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(6) التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 3.

(7) الكافي 4: 58- 1، التهذيب 4: 58- 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(8) الذخيرة: 453.

(9) الخلاف 4: 237.

(10) التوبة: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 272

ثمَّ إنّه لا ينبغي لنا التكلّم في حكم زمان الحضور في وجوب نصب العامل أو جوازه.

و أمّا زمان الغيبة، فعلى القول بوجوب دفع الزكاة إلى النائب العام، يجوز له نصب العامل و تشريكه للفقراء، بل قد يجب، و كذا على القول باستحبابه إذا دفعها ملّاكها إلى النائب و احتاج الحفظ و التقسيم إلى عامل.

و أمّا على غير ذلك، فإن علم النائب بتقصير في أداء الزكاة أو في التقسيم بين أهلها، جاز له نصب العامل من باب

الأمر بالمعروف و الإعانة على البرّ، بل قد يجب، و يجعل له نصيبا من الزكاة، بل يجوز ذلك أو يجب لآحاد المؤمنين أيضا، بل يجوز لشخص يعلم ذلك عمله بنفسه و أخذه أجرة عمله من الزكاة.

و أمّا بدون العلم بذلك، ففي جواز نصب العامل و تشريكه في الزكاة إشكال، و لا يبعد جوازه للنائب العام أو عدول المؤمنين، سيّما إذا كان فيه نوع مصلحة؛ للأصل، و تشريكه للإطلاق.

و لا تقدير لنصيب العاملين، بل إن كان منصوبا من الإمام فيقدّر لهم ما يراه، كما في حسنة الحلبي «1»، و إلّا فبقدر أجرة مثل عملهم، كما عن المبسوط «2»؛ لأنّه المتبادر من تعليق شي ء على العمل.

الصنف الرابع: المؤلّفة قلوبهم.

و لا خلاف بين العلماء في أنّ لهم سهما من الزكاة، و الإجماع عليه منقول مستفيضا «3»، بل محقّق قطعا؛ فهو الحجّة فيه، مضافا إلى الكتاب

______________________________

(1) الكافي 3: 563- 13، التهذيب 4: 108- 311، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.

(2) المبسوط 1: 257.

(3) كما في المدارك 5: 214، و الذخيرة. 454، و الرياض 1: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 273

العزيز و الأخبار المستفيضة.

و إنّما الخلاف في مقامين:

الأول:

في تعيين المؤلّفة قلوبهم، هل هم من الكفّار خاصّة، أو المسلمين كذلك، أو يشملهما جميعا؟ و على كلّ تقدير فما جهة تأليفهم الموجبة لتشريك الفقراء؟

و الثاني:

في أنّ التأليف هل يختصّ بزمان أو لا؟

أمّا الأول،

فعن المبسوط: اختصاصهم بالكفار، الذين يستمالون للجهاد بالصدقات «1»، و هو المحكيّ عن الخلاف و الاقتصاد و المصباح و ابني زهرة و حمزة «2»، و في الشرائع و الإرشاد و عن كتب الشهيد بل في الحدائق أنّه المشهور «3»، بل ظاهر الأول و صريح الثاني: الإجماع

عليه.

و عن المفيد- كما في السرائر و المعتبر و التذكرة و المنتهى «4»، و غيرها «5»- أنّهم مسلمون و مشركون، و هو المحكيّ عن الحلّي و المختلف و القواعد و التبصرة و في النافع «6»، و نقله في المبسوط عن الشافعي، و أنّه جعل المشركين منهم صنفين، و المسلمين أربعة أصناف «7».

و عن الإسكافي: اختصاصهم بالمنافقين، الذين يظهرون الدين

______________________________

(1) المبسوط 1: 249.

(2) الخلاف 4: 233، الاقتصاد: 282، مصباح المتهجد: 789، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، ابن حمزة في الوسيلة: 128.

(3) الشرائع 1: 161، الإرشاد 1: 286، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 2):

45، و البيان: 312، و الدروس 1: 241، الحدائق 12: 175.

(4) السرائر 1: 456، المعتبر 2: 573، التذكرة 1: 232، المنتهى 1: 519.

(5) كما في المختلف: 181.

(6) الحلي في السرائر 1: 457، المختلف: 181، القواعد 1: 57، التبصرة: 48، النافع: 59.

(7) المبسوط 1: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 274

بألسنتهم و يعينون المسلمين بأيديهم «1».

دليل الاختصاص بالكفّار: حسنة زرارة و محمّد، و فيها- بعد السؤال عن قوله سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقاتُ إلى آخره-: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا؛ لأنّهم يقرّون له بالطاعة» إلى أن قال: «و إنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه» إلى أن قال: «سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و سهم الرِّقابِ عامّ و الباقي خاصّ» الحديث «2»، فإنّ في قوله: «ليرغب في الدين» دلالة على خروجه عن الدين، فيكون كافرا.

و المرويّ في تفسير عليّ: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من يعبد دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكان رسول اللّه يتألّفهم و

يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا» «3».

و أنّ في المراد من المؤلّفة قلوبهم إجمالا، فيجب الاقتصار فيهم على موضع الإجماع، و هم الكفّار.

و يضعف الأول: بأنّ الرغبة لا تقتضي الخروج، مع أنّ في قوله:

«يثبت» دلالة على الدخول، و في قوله: «سهم المؤلّفة عامّ» تصريح بشمول المسلمين أيضا.

و الثاني: بعدم صراحته في الكفّار؛ لأنّ من المظهرين للإسلام أيضا من لم تدخل المعرفة قلوبهم، بل في التقييد بقوله: «قلوبهم» إشعار

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 181.

(2) الكافي 3: 496- 1، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 275

بإظهارهم الإسلام، بل في قوله: «و يعلّمهم».

و الثالث: بأنّه يتمّ لو لم يجعل المنافقين من المسلمين و ثبت الإجماع في الكفّار.

و دليل التعميم: عموم كونهم مؤلّفة.

و قوله: «و سهم المؤلّفة عامّ» في الحسنة المتقدّمة، و التعليل المذكور فيها بقوله: «ليرغب في الدين» «1». و في الرواية الآتية بقوله: «لكي يحسن إسلامهم».

و يضعف الأول: بتخصيص العموم بما يأتي.

و الثاني: بأن الظاهر أن المراد بقوله: «عامّ» بالنسبة إلى من يعرف الإمامة و من لا يعرفها كما يظهر من باقي الحديث، فلا دلالة فيه على شمول الكفّار، و أمّا عموم التعليل فلو سلّم يجب التخصيص بما يأتي.

و دليل الإسكافي: المرويّ في تفسير عليّ بالتقريب المتقدّم، و حسنة زرارة: عن قول اللّه تعالى وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، قال: «هم قوم وحّدوا اللّه عزّ و جلّ، و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه و

[أنّ ] [1] محمّدا رسول اللّه، و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد رسول اللّه، فأمر اللّه نبيّه أن يتألّفهم بالمال و العطاء، لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم، و أقرّوا، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش و رؤساء مضر، منهم: أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين» «2» الحديث.

و روايته: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : قوم وحّدوا اللّه، و خلعوا عبادة من دون

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المتقدّم في ص: 274.

(2) الكافي 2: 411- 2؛ بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 276

اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1» الحديث، و نحوها مرسلة موسى بن بكر «2».

و مقتضى هذه النصوص: أنّهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه، لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا، فأمر اللّه تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال، لكي تقوى عزائمهم و تشتدّ قلوبهم على البناء على هذا الدين، و هؤلاء هم المنافقون، كما يدلّ عليه عدّه أبا سفيان و عيينة، المصرّح في الروايات بنفاقهم.

و لا معارض لهذه الأخبار، سوى بعض ما ظنّ من العمومات الواجب تخصيصها، و عدا ما توهّم من الإجماع على دخول الكفّار، و هو غير ثابت.

فهذا القول هو الأظهر، كما اختاره صاحب الحدائق أيضا «3».

ثمَّ مقتضى تلك الأخبار: أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه، لا لما ذكروه من الجهاد.

و أمّا الثاني،

فعن الصدوق اختصاصه بزمان النبيّ «4»، و عن الشيخ بزمان حضور الإمام «5»، و ظاهر المعتبر و المنتهى بقاؤه في

جميع الأزمان «6»، و مقتضى الاستصحاب و عموم الآية «7» و ظاهر الأخبار المذكورة: الأخير.

و حيث لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية، و يجوز إعطاء الزكاة لجميع الفرق المذكورة المختلف فيها في جميع الأزمان من سهم في

______________________________

(1) الكافي 2: 410- 1.

(2) الكافي 2: 412- 5.

(3) الحدائق 12: 177.

(4) الفقيه 2: 3.

(5) المبسوط 1: 249.

(6) المعتبر 2: 573، المنتهى 1: 520.

(7) التوبة: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 277

سبيل اللّه، فلا ثمرة مهمّة في بسط الكلام في المقام.

الصنف الخامس: في الرقاب:
اشاره

بالإجماع، و الكتاب، و السنّة المستفيضة كما يأتي.

[في الرقاب ثلاث طوائف ]
اشاره

و المراد بهم ثلاث طوائف:

الاولى: المكاتبون،

بلا خلاف فيه بين العلماء، كما عن صريح المبسوط و السرائر و الغنية «1»، بل بالإجماع، كما عن ظاهر المنتهى و المدارك «2»، و مرسلة أبي إسحاق: عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها، قال: «يؤدّى عنها من مال الصدقة، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه:

وَ فِي الرِّقابِ » «3».

ثمَّ صريح الأكثر: أنّه يشترط في إعطاء المكاتب من هذا السهم أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته «4»، و ظاهر بعض إطلاقات هؤلاء جواز الإعطاء و إن قدر على تحصيل مال الكتابة بالتكسّب إذا لم يكن معه.

و اعتبر الشهيد قصور كسبه عن مال الكتابة «5».

و الحقّ: اشتراط العجز عن الأداء مطلقا و لو بالتكسّب، لا للمرسلة؛ لأنّ العجز فيها وارد في السؤال؛ بل للأصل، و عدم المجوّز.

و الاستدلال- على الجواز بعموم الآية المستدلّ به في ذيل المرسلة- يردّ بأن المراد بقوله: «فِي الرِّقابِ» غير معلوم؛ لإجماله جدّا، فيقتصر فيه على القدر المعلوم من الرواية، و ليس هو إلّا مورد السؤال.

______________________________

(1) المبسوط 1: 250، السرائر 1: 457، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(2) المنتهى 1: 520، المدارك 5: 216.

(3) الفقيه 3: 74- 258، التهذيب 8: 275- 1002، الوسائل 9: 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1.

(4) كما في المبسوط 1: 250، و المعتبر 2: 574، و المدارك 5: 219.

(5) البيان: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 278

و يجوز الدفع إلى السيّد بإذن المكاتب و بدون إذنه، و إلى المكاتب بإذن السيّد؛ لإطلاق الرواية، و لا يتوقّف على حلول النجم على الأشهر الأظهر «1»؛ للأصل.

الثانية: المملوك يشترى و يعتق

بأحد الشرطين: إمّا كونه تحت شدّة و ضرّ، أو عدم وجدان المزكّي مستحقّا آخر للزكاة.

و على جواز الأول: الإجماع في

المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و السرائر و الغنية و المنتهى و التذكرة «2».

و على الثاني في ظاهر المعتبر و المنتهى «3».

و تدلّ على الأول رواية أبي بصير المنجبرة بالعمل: عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري منها نسمة و يعتقها، قال: «إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم!!» ثمَّ مكث مليّا، ثمَّ قال: «إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة، فليشتره و يعتقه» «4».

و على الثاني: موثّقة عبيد: عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع في من يريد، فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز له ذلك؟ قال:

«نعم، لا بأس بذلك»، قلت: فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف، فأصاب مالا، ثمَّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟

قال: «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة؛ لأنّه إنّما اشتري

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 250، و المعتبر 2: 280، و المنتهى 1: 521.

(2) المبسوط 1: 250، الخلاف 4: 234، الاقتصاد: 282، و انظر: السرائر 1:

457، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 520، التذكرة 1: 133.

(3) المعتبر 2: 575، المنتهى 1: 520.

(4) الكافي 3: 557- 2، التهذيب 4: 100- 282، الوسائل 9: 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 279

بمالهم» «1».

و هل يجوز الشراء و العتق بدون الشرطين من سهم الرقاب؟

المحكيّ عن ظاهر المفيد و الانتصار و المراسم و السرائر و القواعد و حواشي القواعد و الإرشاد و النافع للشهيد الثاني و صريح الإيضاح و الكنز و المسالك «2» و جمع من متأخّري المتأخّرين [1]: نعم؛ لعموم الآية

«3».

و للصحيح المرويّ في العلل: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزكاة و أعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و أعتقه»، قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال: «ميراثه لأهل الزكاة؛ لأنّه اشتري بسهمهم» «4».

و صحيحة أبي محمّد الوابشي: عن رجل اشترى أباه من الزكاة- زكاة ماله- قال: «اشترى خير رقبة، لا بأس بذلك» «5».

و عن كثير من الأصحاب: لا «6»، و هو الأظهر؛ لرواية أبي بصير المتقدّمة المصرّحة بالاشتراط، و هي أخصّ من تلك الأخبار، فيجب تخصيصها بها، كما يخصّص عموم الآية أيضا لو سلّم.

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 217، و الحدائق 12: 183، و الذخيرة: 455.

______________________________

(1) الكافي 3: 557- 3، التهذيب 4: 100- 281، الوسائل 9: 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.

(2) المفيد في المقنعة: 241، الانتصار: 85، المراسم: 132، السرائر 1: 457، القواعد 1: 57، الإرشاد 1: 286، الإيضاح 1: 196، كنز العرفان: 237، المسالك 1: 60.

(3) التوبة: 60.

(4) العلل: 372- 1، الوسائل 9: 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.

(5) الكافي 3: 552- 1، الوسائل 9: 251 أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1.

(6) كما في النهاية: 184، و الشرائع 1: 161، و الرياض 1: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 280

إلّا أنّه- كما ذكرنا في المؤلّفة قلوبهم- لا ثمرة في تحقيق ذلك أيضا، بعد عدم وجوب البسط و دخول جميع ذلك في سبيل اللّه، بل لو لا تصريح الأصحاب لم يكن دليل تامّ على دخول غير المكاتب فِي الرِّقابِ .

و جمع- ممّن لم يجوّز الشراء و العتق إلّا مع أحد الشرطين- جوّزوه بدونهما من سهم سبيل اللّه؛ استنادا إلى الروايتين، مع أنّ جميع الروايات المذكورة

لغير المكاتب مطلقة، فإمّا يحمل الجميع على سهم الرقاب، أو الجميع على سهم سبيل اللّه، و لعلّ الفارق تصريح العلماء.

الثالثة: من وجبت عليه كفّارة و لم يجد ما يعتق،
اشاره

فظاهر المبسوط و المختلف و التذكرة و صريح النافع و الحدائق: جواز العتق عنه من الزكاة «1».

لما رواه في المبسوط مرسلا: «إنّ من وجبت عليه عتق رقبة في كفّارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه» «2».

و في التهذيب عن تفسير عليّ، عن العالم: «وَ فِي الرِّقابِ : قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم، و ليس عندهم ما يكفّرون به و هم مؤمنون، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم» «3».

و ظاهره أعمّ من العتق و غيره، و إن قيل: تفسيره للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق، لكن يخدشه أنّ فكّ رقبة المكفّر عن اشتغال الذمّة أيضا يناسب التفسير.

______________________________

(1) المبسوط 1: 250، المختلف 2: 181، التذكرة 1: 233، النافع 1: 59، الحدائق 12: 185.

(2) المبسوط 1: 250.

(3) التهذيب 4: 49- 129، تفسير القمي 1: 298، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 281

و لا يوجب ذلك التعميم و هنا في الرواية و لا ضعف السند؛ لاعتبار الرواية، و لكن- لإمكان التكفير عن سهم الغارمين و سبيل اللّه، و عدم وجوب البسط- لا يهمّ الكلام أكثر من ذلك في المقام.

فرع:

مقتضى موثّقة عبيد و صحيحة العلل المتقدّمتين: أنّ ميراث العبد المبتاع من الزكاة لأرباب الزكاة، كما هو المشهور بين أصحابنا، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين [1]، بل عزاه في الانتصار و المعتبر و المنتهى إلى علمائنا مؤذنين بدعوى الإجماع عليه «1»، بل ادّعى جدّي في الرسالة الإجماع عليه.

و هو الأقوى؛ للروايتين السالمتين عن المعارض.

خلافا لمن جعله للإمام، كالفاضل في القواعد «2» و ولده في

الشرح «3»، أو توقّف كما في المختلف و الإرشاد «4»؛ لأنّ الإمام وارث من لا وارث له.

و فيه: أنّ الوارث هنا موجود بالنصّ، و ضعفه ممنوع، و لو سلّم فبما مرّ مجبور.

و لمن فصّل بين ما لو اشتري لعدم المستحقّ، فالأول؛ لأنّه يكون مصروفا من حقّ الفقراء، و بين ما لو اشتري من سهم الرِّقابِ كالعبد تحت الشدّة، فللإمام؛ لأنّه لم يشتر بمالهم، كالشهيد و المقداد «5».

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ.

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 589، الشهيد في البيان: 319، ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 1: 538.

______________________________

(1) الانتصار: 85، المعتبر 2: 589، المنتهى 1: 531.

(2) القواعد 1: 59.

(3) الإيضاح 1: 207.

(4) المختلف: 191، الإرشاد 1: 290.

(5) الشهيد في الدروس 1: 244، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 282

و دعوى إشعار التعليل بالأول مردودة بأنّ الظاهر من الموثّقة وقوع الشراء بجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها، و المراد من التعليل: أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه إليهم.

ثمَّ هل الميراث للفقراء، كما هو صريح الموثّقة، و به عبّر المفيد «1»؟

أو أرباب الزكاة، كما هو مقتضى الصحيحة، و به عبّر الأكثر، بل أرجع إليه قول المفيد في المختلف «2»؟

كلّ محتمل، و إن كان الثاني أظهر.

و الأحوط صرفه إلى الفقراء؛ للخروج به عن العهدة على جميع الأقوال في زمن الغيبة قطعا.

الصنف السادس: الغارمون.
اشاره

و هم: المدينون عرفا و لغة و شرعا، إجماعا و سنّة، و لا خلاف في إسهامهم في الزكاة، كما صرّح به جماعة، منهم: المبسوط و المعتبر و التذكرة «3»، بل هو إجماعيّ، كما في المنتهى و الغنية و التذكرة و المدارك و الذخيرة «4»، و غيرها «5».

و يدلّ عليه- مع

الإجماع- الكتاب، و السنّة، كموثّقة إسحاق: عن رجل على أبيه دين و لابنه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال:

«نعم، و من أحقّ من أبيه؟!» «6».

______________________________

(1) المقنعة: 259.

(2) المختلف: 191.

(3) المبسوط 1: 251، المعتبر 2: 575، التذكرة 1: 233.

(4) المنتهى 1: 521، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، التذكرة 1: 233، المدارك 5: 222، الذخيرة: 455.

(5) كالرياض 1: 281.

(6) الكافي 3: 553- 2، الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 283

و رواية موسى بن بكر: «من طلب الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه تعالى و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ إلى قوله وَ الْغارِمِينَ ، و هو: فقير مسكين مغروم» «1».

و صحيحة البجلي: عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به، لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة، فهل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: «نعم» «2».

و رواية أبي نجاد، و فيها- بعد السؤال عن قوله سبحانه وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «3»، و عن حدّ النظرة- قال: «يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء له على الإمام»، قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه عزّ و جلّ، أم في

معصيته؟ قال: «يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر» «4».

و رواية صبّاح بن سيابة: «أيّما مؤمن أو مسلم مات فترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ ، الآية،

______________________________

(1) الكافي 5: 93- 3، التهذيب 6: 184- 381، قرب الإسناد: 340- 1245، الوسائل 18: 335 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 2.

(2) الكافي 3: 549- 2، التهذيب 4: 102- 288، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقّين للزكاة ب 46 ح 1.

(3) البقرة: 280.

(4) الكافي 5: 93- 5، التهذيب 6: 185- 385، تفسير العياشي 1: 155، الوسائل 18: 336 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 284

فهو من الغارمين، و له سهم عند الإمام» «1».

و حسنة زرارة: رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ قال: «إن كان أبوه أورثه مالا ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» «2».

و المرويّ في تفسير عليّ: «و الغارمين: قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم، و يفكّهم من مال الصدقات» «3».

و في قرب الإسناد: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كلّهم ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف» «4».

فروع:

أ:

الغارم

إمّا يتمكّن من قضاء دينه في الحال، أو لا.

و الأول على ثلاثة أقسام:

لأنّه إمّا ليس بفقير، و لا يصير مع الأداء فقيرا أيضا.

أو ليس بفقير، و يصير معه فقيرا، بأن يقضي من قوت سنته أو من رأس ماله الذي من نمائه قوت السنة.

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 94- 78، مستدرك الوسائل 7: 127 أبواب المستحقين للزكاة ب 27 ح 1.

(2) الكافي 3: 553- 3، الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1.

(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

(4) قرب الإسناد: 109- 374 و فيه: كلّه، بدل: كلّهم، الوسائل 9: 261 أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 285

أو فقير، كمن عنده قوت ستّة أشهر، و عليه الدين بقدر قوت ثلاثة أشهر.

و الثاني على قسمين: لأنّه إما ليس بفقير- كالمحترف الذي يحترف كلّ يوم بقدر قوته، أو مالك قوت سنته و زيادة الدين عليه كثيرا- أو فقير.

لا شكّ في عدم إسهام الأول في الزكاة؛ للإجماع القطعي عليه، و كذا لا شكّ في إسهام الخامس؛ للإجماع، و الآية، و الأخبار.

و إنّما الكلام في البواقي:

أمّا الثاني منها، فاستقرب الفاضل في النهاية جواز الدفع إليه «1».

و ظاهر من اشترط العجز عن الأداء- كالمبسوط و التذكرة «2»- أو الفقر- كالوسيلة و السرائر و الغنية و المعتبر و المنتهى «3»- عدم الجواز.

و أمّا الثالث، فظاهر كلّ من اكتفى باشتراط الفقر- كالمذكورين- جواز الدفع، و ظاهر كلّ من اشترط العجز عن الأداء و عدم التمكّن من القضاء عدمه.

و أمّا الرابع، فعكس الثالث.

و الحقّ في الكلّ: جواز الدفع؛ لإطلاق الآية «4»، و الموثّقة «5»، و المرويّين في تفسير

عليّ و قرب الإسناد من غير مقيّد، بل ظاهر الآية عدم اشتراط الفقر في جواز الدفع؛ لجعلها الغارمين قسيم الفقراء.

خلافا في كلّ منها لمن ذكر؛ و لا دليل لهم سوى ما قيل في اشتراط

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 391.

(2) المبسوط 1: 251، التذكرة 1: 233.

(3) الوسيلة: 129، السرائر 1: 459، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المعتبر 2:

576، المنتهى 1: 521.

(4) التوبة: 60.

(5) المتقدّمة في ص: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 286

العجز عن الأداء: من أنّ الزكاة إنّما شرّعت لسد الخلّة و رفع الحاجة، و لا حاجة مع التمكّن من الأداء «1». و ما في الحدائق: من أنّه مقتضى الأخبار الواردة في إسهام الغارمين من الزكاة «2».

و في اشتراط الفقر، من نفي الخلاف عنه في السرائر «3»، و دعوى الإجماع ظاهرا في التذكرة «4»، و التنصيص في المستفيضة، كصحيحتي ابن وهب «5» و زرارة «6»، و مرسلة الفقيه «7»، و رواية الغنوي: «أنّه لا تصلح الصدقة لغنيّ و محترف» «8».

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول، فلأنّ المسلّم منه إنّما هو في سهم الفقراء و المساكين و أبناء السبيل، و أمّا البواقي فلا نسلّم أنّ التشريع لما ذكر.

و أمّا الثاني، فلأنّه إن أريد أنّ مقتضى الأخبار التقييد و الاشتراط فهو ممنوع جدّا، بل لا دلالة في رواية عليهما أصلا.

و إن أريد أنّ موردها المقيّد، فلو سلّم فيكفي عموم الآية؛ مع أنّ كثيرا من الأخبار أيضا مطلقة كما ذكرنا.

و أمّا الثالث، فلمنع الحجيّة.

و أمّا الرابع، فلتعارضه مع الموثّقة و المرويّين بالعموم من وجه؛

______________________________

(1) انظر: المدارك 5: 223.

(2) الحدائق 12: 190.

(3) السرائر 1: 459.

(4) التذكرة 1: 233.

(5) الكافي 3: 562- 12، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح

3.

(6) الكافي 3: 560- 2، المقنعة: 241، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    287     فروع: ..... ص : 284

(7) الفقيه 3: 109- 458، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 5.

(8) التهذيب 4: 51- 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 287

لأعميّة الغني عن المديون و غيره، و الصدقة عن سهم الفقراء و غيره، كأعميّة المديون عن الفقير و غيره، و الترجيح للموثّقة و ما يوافقها بموافقة ظاهر الكتاب، الذي هو من المرجحات المنصوصة؛ مع أنّ الغني لغة: من لا احتياج له، و لا نسلّم أنّ المديون بأقسامه الثلاثة لا احتياج له، سيّما القسمين الثالث و الرابع.

و ها هنا قسم سادس، و هو من لم يتمكّن من القضاء حالا و تمكّن بعد حين، كمن عليه دين معجّل و له دين مؤجّل لا يمكن له أخذه قبل أجله، أو له غلّة لم يبلغ أوانها، فهل يجوز دفع الزكاة إليه؟ نعم؛ للإطلاقات المتقدّمة، و إخراج المتمكّن إنّما هو بالإجماع الغير المعلوم هنا.

ثمَّ إنّ ما ذكر من اشتراطهم الفقر إنّما هو في من استدان لمصلحة نفسه.

و أمّا من استدان لمصلحة غيره- كإصلاح ذات البين، أو إطفاء الفتنة، كمن استدان في دم لم يوجد قاتله، أو تلف لا يعلم تالفه و كادت أن تقع بسببه فتنة، أو من ضمن معسرا، و نحو ذلك- فظاهر الأكثر: عدم اشتراط العجز و الفقر «1»، و هو كذلك؛ للعموم السالم عن المعارض.

ب:

الغارم إمّا تكون استدانته في غير معصية، أو تكون في معصية.

أو يجهل الحال.

فالأول: يقضى دينه من الزكاة إجماعا

محقّقا، و محكيّا «2».

و الثاني: لا يقضى على الأظهر الأشهر، بل ظاهر جماعة الإجماع عليه «3»؛ للروايات الأربع الأخيرة [1]، و بها يقيّد إطلاق الآية و بعض الأخبار.

______________________________

[1] الظاهر أنّها: صحيحة البجلي و رواية أبي نجاد المتقدّمتان في ص: 283

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 251، و التذكرة 1: 233، و الرياض 1: 281.

(2) كما في المنتهى 1: 521.

(3) كما في المنتهى 1: 521، و الرياض 1: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 288

خلافا للمحكيّ عن المعتبر «1»، و بعض من عنه تأخّر [1]، فجوّز الدفع إليه بعد التوبة؛ للإطلاق المذكور، و ضعف المخصّص.

و الضعف ممنوع، و لو سلّم فبالشهرة و حكاية الإجماع مجبور.

ثمَّ ظاهر بعض تلك الأخبار و إن كان اشتراط الإنفاق في الطاعة، و لازمه عدم القضاء إذا أنفقه في المباحات، إلّا أنّ الظاهر الإجماع على القضاء معه أيضا، بل الظاهر أنّ المراد بالطاعة غير المعصية، كما يشعر به الحصر في القسمين في رواية أبي نجاد «2».

و الثالث: كالأول أيضا على الأظهر، وفاقا للمبسوط و السرائر و الفاضلين «3»، و غيرهما من المتأخّرين [2]، بل يظهر من بعضهم إجماعيّته أيضا «4»؛ للإطلاقات، خرج منها المصروف في المعصية بما مرّ، فبقي الباقي.

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية «5»؛ لذيل رواية أبي نجاد، و لاشتراط القضاء بالإنفاق في الطاعة، و حيث جهل الشرط لم يثبت المشروط.

و يردّ الأول: بالضعف؛ لمخالفة الشهرتين، بل لا عامل بها سوى الشيخ في النهاية، و هو أيضا رجع عنه في المبسوط «6»، بل قيل بعدم دلالتها

______________________________

و الروايتان المذكورتان في تفسيري القمّي و العيّاشي، المتقدمتان في ص: 283 و 284.

[1] كصاحب المدارك 5: 224.

[2] كالشهيد الثاني في الروضة 2: 47.

______________________________

(1) المعتبر

2: 575.

(2) المتقدّمة في ص: 283.

(3) المبسوط 1: 251، السرائر 2: 34، المحقق في المعتبر 2: 576، و النافع 1:

59، و العلّامة في التذكرة 1: 233، و المنتهى 1: 521.

(4) كما في الرياض 1: 281.

(5) النهاية: 184.

(6) المبسوط 1: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 289

أيضا «1».

و الثاني: بأنّ الشرط عدم العلم بالصرف في المعصية، و هو حاصل، و الألفاظ و إن كانت أسامي للمعاني النفس الأمريّة، إلّا أنّها تقيّد في مقام التكاليف بالعلم، فمعنى قوله: «و إذا كان أنفقه في معصية اللّه»: أنّه و إذا علم أنّه كان كذلك .. ثمَّ بمفهوم ذلك يعارض منطوق قوله: «إذا كان أنفقه في طاعة اللّه» و ما بمعناه، و تسلم الإطلاقات عن المقيّد المعلوم.

ج:

يجوز للمزكّي دفع زكاته إلى ربّ الدين من غير إقباض للمديون و لا إذن له في قبضها، كما نصّ عليه الفاضل و الشهيد «2»؛ للإطلاقات.

و كذا يجوز دفعها إلى المديون بدون إذن صاحب الدين؛ لصدق الغارم عليه.

الصنف السابع: في سبيل اللّه.
اشاره

بالإجماع، و الكتاب، و السنّة، و المراد به: ما يشمل جميع القرب و الخيرات و المصالح للمسلمين و إقامة نظام العلم و الدين، وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و الحلبي و الحلّي و ابن زهرة و الفاضلين و الشهيدين «3»، و سائر المتأخّرين [1]، بل للمشهور كما صرّح به جماعة [2]،

______________________________

[1] كما في المدارك 5: 231، و الذخيرة: 456، و الرياض 1: 282.

[2] كصاحب الحدائق 12: 199، و صاحب الرياض 1: 282.

______________________________

(1) الحدائق 12: 193.

(2) الفاضل في التذكرة 1: 233، الشهيد في الدروس 1: 241.

(3) الخلاف 4: 236، المبسوط 1: 252، ابن حمزة في الوسيلة: 128، الحلبي في الكافي في الفقه: 175، الحلّي في

السرائر 1: 457، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المحقق في المعتبر 2: 577، و الشرائع 1: 162، العلّامة في المنتهى 1: 522، و التحرير 1: 69، الشهيد الأوّل في البيان: 315، اللمعة (الروضة 2): 49، الشهيد الثاني في الروضة 2: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 290

بل عن الخلاف و الغنية و ظاهر المجمع: الإجماع عليه «1».

لظاهر عموم الآية- و إن لا يخلو عن المناقشة- و للمرويّ في تفسير عليّ، المذكور في التهذيب أيضا عنه، قال: «و في سبيل اللّه: قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير» «2»، و ضعفه- إن كان- منجبر بما مرّ.

و يدلّ عليه أيضا ما دلّ على جواز صرف الزكاة في الحجّ بضميمة عدم القول بالفصل، كصحيحة عليّ بن يقطين «3»، و المرويّ عن جميل في مستطرفات السرائر «4».

و عن المقنعة و النهاية و الفقيه و الإشارة و الديلمي: اختصاصه بالجهاد «5»؛ لأنّه المتيقّن، و أنّه المتبادر من سبيل اللّه.

و يردّ الأول: بثبوت غيره أيضا بما مرّ. و الثاني: بمنع التبادر.

و أمّا ما في رواية يونس بن يعقوب- بعد السؤال عن وصيّة رجل من همدان عامي بإعطاء شي ء في سبيل اللّه- من الأمر بصرفه إلى من يخرج إلى بعض الثغور «6»، فلا دلالة فيه على الانحصار مطلقا؛ مع أنّ الوصيّة إنّما تنصرف إلى قصد الموصي، و الظاهر أنّه أراد هذا المصرف؛ لأنّ أكثر العامّة

______________________________

(1) الخلاف 4: 236، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، مجمع البيان 3: 42.

(2) تفسير القمي 1: 299، التهذيب 4: 49- 129، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1

ح 7.

(3) الفقيه 2: 19- 61، الوسائل 6: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1.

(4) مستطرفات السرائر: 33- 35، الوسائل 9: 291 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 4.

(5) المقنعة: 241، النهاية: 184، الفقيه 2: 3، الإشارة: 112، الديلمي في المراسم: 133.

(6) الكافي 7: 14- 4، التهذيب 9: 202- 805، الوسائل 19: 341 أبواب أحكام الوصايا ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 291

يفسّرون سبيل اللّه به «1».

فروع:

أ:

إذا اعطي هذا السهم إلى شخص ليحجّ أو يزور أو يعلّم أو يتعلّم أو نحو ذلك، فهل يعتبر فيه الفقر، أو عدم التمكّن من العمل المقصود بدونه، أو لا يعتبر فيه شي ء منهما؟

الظاهر: الثاني، كما اختاره جدّي الأمجد- قدّس سرّه- في الرسالة.

أمّا عدم اشتراط الفقر، فلإطلاق الآية، و لو بضميمة تفسيرها في المرسلة، بل للتفصيل فيها القاطع للشركة، و لإطلاق الأخبار المجوّزة لصرف الزكاة في الحجّ «2»، و به يعارض ما دلّ على عدم حلّية الصدقة لغني «3»، و يرجّح الإطلاق؛ لموافقة الآية و لو بضميمة التفسير.

و أمّا اشتراط عدم التمكّن، فللتقييد به في المرسلة التي هي للآية مفسّرة، فتقيّد بها الآية، و لا يفيد الإطلاق المذكور هنا؛ لعدم المرجّح، و كون الأصل مع عدم مشروعيّة الإعطاء.

ب:

لو كتب من هذا السهم مصحفا أو كتابا أو بنى حمّاما أو رباطا أو نحو ذلك، يشترك فيه المؤمنون جميعا، و يجوز لهم الانتفاع به كسائر المصالح العامّة.

و لا يملكه المزكّي و لا يجوز له تملّكه، لعدم ملكيّة الزكاة له، بل لا يجوز له تمليكه للغير و لو لفقير إذا كتبه أو بناه بقصد الصرف في سبيل اللّه؛ لأنّ المكتوب و المبنيّ ليس ملكا له حتى يملّكه

غيره.

______________________________

(1) كما في بداية المجتهد 1: 277، الأم للشافعي 2: 72، بدائع الصنائع 2: 46.

(2) الوسائل 9: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42.

(3) الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 292

نعم، لو فعله أولا لنفسه جاز تمليكه فقيرا من الزكاة.

و منه يظهر عدم جواز وقفه لطائفة أو بشرائط بعد كون الفعل أولا بقصد صرف الزكاة في سبيل اللّه، و لو كتب لنفسه جاز الوقف بعده من الزكاة.

ج:

يجوز شراء الكتب و إجراء القنوات و نحوها، و وقفها من هذا السهم على المؤمنين، و على طائفة خاصّة منهم، كأهل بلد أو قرية أو محلّة، أو على قبيلة، أو على أقاربه، بل على أولاده مع قصد القربة؛ لصدق سبيل الخير.

د:

من سبيل الخير في زمن الغيبة: الغزاة مع أعداء الدين إذا دهموا المسلمين، و خيف منهم عليهم أو على بيضة الإسلام، فيعطون من هذا السهم.

و الظاهر اعتبار احتياج الغزاة إليه و لو في الغزو خاصّة دون مئونة السنة، أو توقّف إنهاضهم على الغزو عليه؛ مع احتمال عدم اعتبارهما أيضا، كما إذا تمكّن أحد من شراء السلاح من ماله، و أراد الشراء أيضا، فأعطاه أحد من زكاته؛ لصدق سبيل الخير.

و الأحوط الترك حينئذ.

الصنف الثامن: ابن السبيل.
اشاره

بالأدلّة الثلاثة، و هو المسافر الذي احتاج في السفر و لم يكن له ما يبلغه إلى وطنه و إن كان غنيا في بلده، إذا كان بحيث يعجز عن التصرّف في أموال في السفر ببيع و نحوه و عن الاستدانة، وفاقا للأكثر [1].

لأنّه القدر المقطوع به من ابن السبيل، فيبقى غيره تحت الأصل، و للمرويّ في تفسير عليّ- المنجبر بالعمل-: «و ابن السبيل: أبناء الطريق

______________________________

[1] كالشهيد الأوّل في اللمعة (الروضة 2):

49، و الشهيد الثاني في الروضة 2:

49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 293

الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه، فيقطع عليهم، و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» «1».

خلافا لمن لم يذكر الشرط، فلم يعتبر العجز عن التصرّف في أموال بلده مطلقا، كبعضهم «2»، أو لم يعتبر العجز عن الاستدانة خاصّة، كبعض آخر «3»؛ لعموم الآية و الخبر.

و يجاب: بمنع العموم؛ لأنّ ابن السبيل مجاز فيما يراد به في الآية، و مجازه غير متعيّن، فلعلّه الذي لم يتمكّن من كفايته في السفر مطلقا و لو ببيع أو استدانة.

و كذا قوله في الخبر: «فيقطع عليهم» فإنّ في معناه إجمالا، فلعلّه ما يتضمّن عدم التمكّن المذكور، مع أنّ الغنيّ المتمكّن من الاعتياض و الاستدانة في السفر غنيّ لغة و عرفا، فيدخل في الأخبار المصرّحة بعدم حلّية الصدقة لغني، و يعارض بها الخبر.

و لمن لم يعتبر الكون في السفر، بل جعله أعمّ منه و من المريد للسفر، كالإسكافي «4»؛ لحجّة ضعيفة مخالفة للخبر المذكور المنجبر.

ثمَّ إنّ منهم من ألحق الضيف بابن السبيل «5».

فإن أرادوا منه المسافر المحتاج النازل عليك، فهو داخل في ابن السبيل بالمعنى المذكور.

و إن أرادوا الأعمّ من المسافر أو المحتاج، فلا دليل عليه، سوى ما

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 299، التهذيب 4: 49- 129، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

(2) انظر: الرياض 1: 283.

(3) كما في المعتبر 2: 578، و المدارك 5: 236، و الذخيرة: 457.

(4) حكاه عنه في المختلف: 182.

(5) كما في المعتبر 2: 578، و البيان: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 294

قيل من وجود رواية دالّة عليه «1».

و ضعفها- الخالي عن الانجبار،

بل الوهن باعتبار عدم فتوى الناقل لها بظاهرها كما قيل «2»- يمنع من العمل بها؛ مع أنّ الظاهر من الرواية- على ما في الغنية- اعتبار السفر و الحاجة في الضيف «3»، فيكون من أفراد ما ذكر.

فروع:

أ:

يشترط في جواز إعطاء الزكاة ابن السبيل كون سفره غير معصية، بلا خلاف كما قيل «4»، بل بالإجماع ظاهرا؛ للخبر المذكور.

بل ظاهره اشتراط كون السفر طاعة، كما هو ظاهر الإسكافي «5».

و لو لا ظهور الإجماع على خلافه لاتّجه القول به، إلّا أنّ الظاهر أنّ خلافه إجماعي، و ادّعى عليه الإجماع جماعة، منهم جدّي- قدّس سرّه- في الرسالة؛ مع أنّ استعمال الطاعة في مقابل المعصية شائع.

و الشرط إباحة السفر حين الإعطاء، فلو أنشأ السفر عاصيا ثمَّ رجع عن المعصية لم يمنع.

ب:

لا يمنع الإعطاء نيّة إقامة العشرة؛ للاستصحاب، و عدم زوال صدق الاسم.

و عن الشيخ: المنع؛ للخروج عن اسم المسافر «6». و فيه منع ظاهر.

ج:

يعطى ابن السبيل ما يكفيه لذهابه و عوده إن قصد غير بلده، و ما

______________________________

(1) الرياض 1: 283.

(2) في المبسوط 1: 252.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(4) في المدارك 5: 236.

(5) حكاه عنه في المختلف: 182.

(6) المبسوط 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 295

يكفيه لوصوله بلده إن قصده، أو إلى موضع يتمكّن فيه من البيع أو الاستدانة.

و لا يعطى الأزيد؛ لعدم دليل عليه، فإنّ قدر الوصول يقيني، و مدلول عليه بالخبر، و الزائد مشكوك فيه، فينفى بالأصل، فلو اعطي الزائد استعيد منه.

و لو استفضل من قدر الكفاية بالتقتير أو نحوه، قيل: يستعاد «1»، و قيل: لا «2»، و للنظر في كلّ منهما مجال، و إن كان الأحوط الأول.

و كذا إذا حصل التمكّن و الغناء في أثناء السفر.

______________________________

(1)

كما في المبسوط 1: 253، و المعتبر 2: 579، و المنتهى 1: 528، و الدروس 1: 242.

(2) الخلاف 4: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 296

الفصل الثاني في أوصاف المستحقّين و هي أمور:
الأول: الإيمان.
اشاره

أي الإسلام مع معرفة الأئمّة الاثني عشر، فلا يجوز دفع الزكاة إلى غير المؤمن، بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع المحقّق، و المحكيّ كما عن الانتصار و الغنية و المنتهى و في الحدائق «2»؛ له، و للمستفيضة من النصوص:

كموثّقة زرارة و محمّد: «الزكاة لأهل الولاية» «3».

و صحيحة عليّ بن بلال: هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا أصحابك» «4».

و صحيحة العجلي، و فيها: «كلّ عمل عمله و هو في حالة نصبه و ضلالته ثمَّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة، فإنّه يعيدها؛ لأنّه وضعها في غير موضعها؛ لأنّها لأهل الولاية» «5»، و قريبة منها حسنة ابن أذينة «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 457.

(2) الانتصار: 82، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 522، الحدائق 12: 203.

(3) التهذيب 4: 52- 135، الوسائل 9: 224 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 9.

(4) التهذيب 4: 53- 140، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 4.

(5) التهذيب 5: 9- 23، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.

(6) الكافي 3: 546- 5، الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 297

و حسنة الفضلاء الخمسة: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء:

الحروريّة و المرجئة و العثمانيّة و القدريّة، ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو

زكاة أو حجّ؟ أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة، لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد: عن الصدقة على النّصّاب و على الزيديّة؟

فقال: «لا تصدّق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت» «2».

و صحيحة ضريس: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟

فقال: «في أهل ولايتك»، فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم» «3».

و صحيحة الأشعري: عن الزكاة، هل يوضع في من لا يعرف؟ قال:

«لا، و لا زكاة الفطرة» «4».

و رواية البزنطي: عن الرجل له قرابة و موالي و أتباع يحبّون أمير المؤمنين، و ليس يعرفون صاحب هذا الأمر، أ يعطون من الزكاة؟ قال:

«لا» «5»، و ظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن الجواز، فالنفي له.

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 1، التهذيب 4: 54- 143، العلل: 373- 1، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 4: 53- 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.

(3) الكافي 3: 555- 11، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 3.

(4) الكافي 3: 547- 6، التهذيب 4: 52- 137، المقنعة: 242، الوسائل 9:

221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.

(5) الكافي 3: 551- 3، التهذيب 4: 55- 147، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 298

و حسنة زرارة و محمّد: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» «1»،

و الناس في عرفهم هم العامّة، كما أنّ العارف الفرقة المحقّة.

و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال:

فقال: «هي لأصحابك»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال: قلت:

فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم» «2» الحديث.

و موثّقة أبي بصير: الرجل تكون عليه الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ فقال: «لا، و لا كرامة» «3».

و رواية الأوسي: لي زكاة فإلى من أدفعها؟ قال: «إلينا»، فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟! فقال: «بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا»، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا، قال: «فانتظر بها سنة»، قال: فإن لم أصب لها أحدا؟ قال: «انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين» ثمَّ قال له:

«إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا فاطرحها في البحر، فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» «4»، إلى غير ذلك.

فروع:

أ:

ما مرّ من عدم جواز إعطاء الزكاة إلى غير المؤمن عامّ لصورتي

______________________________

(1) الكافي 3: 496- 1، الفقيه 2: 2- 4، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9:

209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 4: 53- 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.

(3) الكافي 3: 551- 4، التهذيب 4: 55- 148، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 4: 52- 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 299

وجود المؤمن و عدمه، كما صرّح به بعض الأخبار المتقدّمة.

و قد يحكى قول بجواز إعطاء المستضعفين من أهل الخلاف الذين

لا يعاندون الحقّ مع عدم وجود المؤمن «1»؛ لرواية يعقوب بن شعيب «2»، المخالفة لعمل الفرقة، المردودة بالندرة كما في المعتبر «3»، و الشذوذ كما في المنتهى «4» ب:

استشكل في الحدائق في عوامّ الشيعة الذين لا يعرفون اللّه سبحانه إلّا بهذا اللفظ، أو النبيّ أو الأئمّة كلّا أو بعضا أو شيئا من المعارف الخمس، ثمَّ قال: و الأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم «5».

أقول: و هو كذلك؛ إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر و من كان من أهل الولاية، و من لم يعرف الأئمّة أو واحدا منهم أو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يصدق عليه أنّه يعرف صاحب هذا الأمر، و لا يعلم أنّه من أهل الولاية و أنّه العارف.

بل و كذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط- يعني مجرّد اللفظ- و لم يعرف أنّه من هو و ابن من؛ إذ لا يصدق عليه أنّه يعرفه و لا يتميّز عن غيره.

و الحاصل: أنّه يشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه و يميّزه عن غيره.

و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟

______________________________

(1) الحدائق 12: 205.

(2) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.

(3) المعتبر 2: 580.

(4) المنتهى 1: 523.

(5) الحدائق 12: 206.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 300

الظاهر: نعم، إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة، و لا يكفي الإقرار الإجماليّ بأنّي مسلم مؤمن و إثنا عشري.

و لو علمنا أنّه يعرف النبيّ و الأئمّة بأسمائهم الشريفة و أنسابهم المنيفة و ترتيبهم و أقرّ بما يجب الإقرار به في حقّهم، فهل يجب الفحص

عن حاله أنّه هل هو مجرّد إقرار أو مذعن بما يعرف و معتقد له؟

لا يجب؛ لأنّه خلاف سيرة العلماء و طبقتهم، و لأنّ معرفة ذلك غير ممكن غالبا؛ إذ قد يحصل اليقين بما لا يمكنه بيانه، بل لا يمكن أبدا؛ إذ غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل عنه، فيمكن أن لا يكون مذعنا بمقتضى الدليل، و إن تمّت هيئة استدلاله.

ج:

يجوز أن يعطى الزكاة أطفال المؤمنين بغير خلاف يعلم، كما صرّح به جماعة [1]، بل بالإجماع كما في الروضة و المدارك «1»، بل المختلف «2»؛ لإطلاق الكتاب و السنّة.

و حسنة أبي بصير: الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟

قال: «نعم، حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كان يعيشون إذا قطع ذلك عنهم»، فقلت: إنّهم لا يعرفون، قال: «يحفظ فيهم ميّتهم، و يحبّب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم» «3».

و رواية أبي خديجة: «ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة

______________________________

[1] كالسبزواري في الذخيرة: 458، صاحب الحدائق 12: 207، صاحب الرياض 2: 284.

______________________________

(1) الروضة 2: 50، المدارك 5: 240.

(2) المختلف 2: 183.

(3) الكافي 3: 548- 1، التهذيب 4: 102- 287، الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 301

و الفطرة، كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا» «1» الحديث.

و رواية عبد الرحمن: رجل مسلم مملوك، و مولاه رجل مسلم، و له مال يزكّيه، و للمملوك ولد حرّ صغير، أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال: «لا بأس به» «2».

و لا يجوز إعطاء أطفال غير المؤمنين بلا خلاف يوجد أيضا؛ لعدم تحقّق

الشرط- الذي هو الإيمان و الولاية- و اختصاص غير الأخيرة من روايات الجواز بأطفال المؤمنين، بل دلالة العلّة المذكورة في الرواية الأولى بقوله: «يحفظ فيهم ميّتهم» على الاختصاص، و به يخصّص عموم الأخيرة الحاصلة من ترك الاستفصال.

و من أطفال غير المؤمنين أطفال العوام الذين لا يعلم معرفة آبائهم النبيّ أو الأئمّة بأسمائهم و ترتيبهم.

و لا تشترط عدالة الآباء و لو قلنا باشتراطها في الآباء، كما صرّح به في المقنعة و المعتبر و السرائر و المنتهى «3»، حاكيين له عن السيّد في الطبريّات و الشيخ في التبيان «4»، و تبعهم المتأخّرون [1]، بل في الروضة: الاتّفاق عليه «5».

للأصل، و الإطلاقات «6»، بل عموم الأخبار الحاصل بترك الاستفصال، و اختصاص ما دلّ على اشتراطها بالآباء، و عدم دليل على تبعيّتهم لهم في

______________________________

[1] منهم الشهيد في البيان: 316، و صاحب المدارك 5: 241.

______________________________

(1) الكافي 3: 549- 3، الوسائل 9: 227 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.

(2) الكافي 3: 563- 14، الوسائل 9: 294 أبواب المستحقين للزكاة ب 45 ح 1.

(3) المقنعة: 259، المعتبر 2: 568، السرائر 1: 460، المنتهى 1: 523.

(4) السرائر 1: 460، و المنتهى 1: 523.

(5) الروضة 2: 50.

(6) الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 302

الفسق و العدالة، و إنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان و الكفر لا غيرهما.

ثمَّ قيل: ظاهر النصوص جواز الدفع إلى الطفل من غير اشتراط وليّ إذا كان مميّزا بحيث يصرفها في وجه يسوغ للوليّ صرفها فيه، كما صرّح به جماعة من متأخّري المتأخّرين [1].

و فيه نظر؛ لأنّ الإعطاء و إن كان ظاهرا فيما ذكره، و لكنّه لا يراد في حقّ غير

المميّز قطعا، فلا بدّ إمّا من حمل الإعطاء على صرفها فيهم بطريق شرعي، أو تخصيص العيال و الذريّة و الابن في الأخبار المذكورة بالمميّز و لا ترجيح، فلا يكون الإعطاء ظاهرا فيما رامه.

و لذا منع في التذكرة من الدفع إليهم مطلقا؛ مستدلّا بأنّه ليس محلّا لاستيفاء ماله عن الغرماء فكذا هنا «1»، و استدلّ له أيضا بعموم أدلّة الحجر.

و لو خدش خادش في الأول: بأنّه نوع قياس، و في الثاني: بمنع العموم، لكفى استصحاب عدم جواز الدفع- حيث لا يجوز قبل التميّز- دليلا على عدم جواز الدفع، فهو الأقوى، مضافا إلى أنّ صرف الطفل عين الزكاة قد يحتاج إلى المبادلة ببيع أو شراء، و مثله غير جائز عن الطفل بصريح الأخبار، فلا تكون الزكاة مصروفة له.

نعم، هذا إذا لم تصرف عين الزكاة، و احتاج صرفها إلى مبادلة، أو لم يعلم المزكّي بصرفه عينه في مصارفها.

و أمّا إذا كانت الزكاة ممّا تصرف بنفسها و علم أنّ الطفل يصرفها- كطعام أعطاه و هو يأكله عنده، أو ثبات يلبسها- فلا إشكال في جوازه.

و تدلّ عليه النصوص «2»؛ لصدق الإعطاء حينئذ بأيّ معنى حمل، بل

______________________________

[1] منهم صاحب الحدائق 12: 208، و صاحب الرياض 1: 284.

______________________________

(1) التذكرة 1: 236.

(2) الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 303

جواز ذلك في غير المميّز أيضا.

ثمَّ إذا لم يجز إعطاء الطفل، فإن كان له وليّ يدفع إليه و لو كان الحاكم الشرعيّ أو عدول المسلمين، و إلّا فإن كان من يقوم بأمره و يعتني بحاله- بحيث يعلم أنّه يصرفها مصارف الطفل- جاز الدفع إليه، بل يجوز ذلك مع وجود الوليّ أيضا.

و لا يكفي مجرّد الظنّ و العدالة

و الأمانة، و إلّا فيصرفها المزكّي بنفسها في حوائج الطفل.

د:

قيل: حكم المجنون حكم الطفل «1»، فإن ثبت الإجماع عليه، و إلّا فمحلّ نظر؛ لعدم كونه عارفا.

ه:

يشترط ذلك الشرط في العاملين أيضا بالاتّفاق، كما صرّح به بعضهم «2»؛ للعمومات المتقدّمة.

و:

صرّح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلّفة من هذا الشرط «3»، و هو مبنيّ على أمرين: تفسير المؤلّفة بمن يتألّف للجهاد، و جواز الجهاد في زمن الغيبة.

ز:

لو أعطى المخالف زكاة ماله مثله ثمَّ استبصر المزكّي أعادها بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع كما قيل «4»، و تصرّح به ثلاثة من الأخبار المتقدّمة «5».

الثاني: العدالة.

اعتبرها جماعة من الأصحاب، منهم: الشيخ في المبسوط و الخلاف

______________________________

(1) القواعد 1: 51.

(2) المنتهى 1: 522.

(3) كما في الاقتصاد: 282، المعتبر 2: 579، الدروس 1: 242.

(4) في المدارك 5: 242.

(5) في ص: 296 و 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 304

و الجمل و الاقتصاد و مختصر المصباح و الحلبي و القاضي و الحلّي و ابني حمزة و زهرة «1»، و هو ظاهر المفيد «2»، و نسبه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا، و عن الغنية: الإجماع عليه، و نسب إلى السيّد أيضا «3»، و ليس كذلك كما قيل، بل هو ادّعاه على مختاره الآتي.

و اعتبر السيّد في الانتصار و الجمل «4» و الشيخ في المصباح: عدم الفسق «5»، مدّعيا عليه الإجماع.

و الإسكافي: عدم كونه شارب الخمر، أو مقيما على كبيرة «6»، و اختاره جدّي قدّس سرّه.

و قال قوم من أصحابنا- كما في الخلاف- بعدم اعتبار شي ء منها «7»، و هو مذهب الصدوقين و الديلمي و الفاضلين «8»، و جمهور المتأخّرين [1].

و هو الأقوى؛ للأصل و إطلاقات الكتاب و السنّة الخالية عن الدافع و المقيّد.

______________________________

[1] كالشهيد

في الدروس 1: 242، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 51.

______________________________

(1) المبسوط 1: 247، الخلاف 4: 224، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

206، الاقتصاد: 282، الحلبي في الكافي في الفقه: 172، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 261، الحلّي في السرائر 1: 459، ابن حمزة في الوسيلة:

129، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(2) في المقنعة: 252.

(3) نسبه إليه في المدارك 5: 243، و المفاتيح 1: 208.

(4) الانتصار: 82، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 79.

(5) مصباح المتهجد: 789.

(6) حكاه عنه في المختلف: 182.

(7) الخلاف 4: 224.

(8) الصدوق في المقنع: 52، و الهداية: 43، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 182، الديلمي في المراسم: 133، المحقق في المعتبر 2: 580، العلامة في التحرير 1: 69، و المختلف: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 305

و المرويّ في العلل: ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف»، ثمَّ قال: «أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه، و الفاجر ينفقها في معصية اللّه» «1».

دليل الأول: الإجماع المنقول المؤيّد بالشّهرة القديمة.

و وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة.

و الأخبار الناهية عن الركون إلى الظالمين و موادّتهم و معونتهم و تقويتهم «2».

و الروايات الدالّة على اختصاصها بأهل الولاية، بناء على خروج غير العدل منهم «3».

و مضمرة داود الصرمي: عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟

قال: «لا» «4».

و يردّ الأول: بعدم الحجيّة.

و توهّم تحقّق المحقّق منه؛ حيث إنّ المخالف من القدماء بين معتبر للإيمان، المحتمل لاعتبار العمل فيه، كما هو مذهب جمع من القدماء؛ و معتبر لاجتناب الكبائر، المحتمل لإرادة الاجتناب عن الإصرار على الصغائر أيضا؛ و معتبر لعدم الفسق، الذي هو

العدالة؛ لانتفاء الواسطة.

فاسد؛ لأنّ احتمال اعتبار العمل غير كاف في الحكم بالإجماع، بل يشترط عدم احتمال خلافه.

و المعتبر لاجتناب الكبائر: بين من اعتبر عدم كونه مقيما على كبيرة،

______________________________

(1) العلل: 372- 1، الوسائل 9: 249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 2.

(2) الوسائل 17: أبواب ما يكتسب به ب 42 و 43 و 44.

(3) الوسائل 9: 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5.

(4) الكافي 3: 563- 9، التهذيب 4: 52- 138، المقنعة: 242، الوسائل 9:

249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 306

كالإسكافي، و ظاهر أنّ انتفاء ذلك غير كاف في إثبات العدالة.

و بين من اعتبر عدم كونه من أصحاب الكبائر «1»، و ظاهر أن لا تعلم منه كبيرة، و انتفاؤه أيضا لا يثبت العدالة، بل مجرّد اجتناب الكبائر- كما في بعض العبارات أيضا- غير مستلزم لها؛ إذ ليست العدالة مجرّد اجتناب الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر، كما أن عدم الفسق أيضا لا يستلزمها؛ إذ الظاهر أنّ مرادهم عدم إعطائها من يعلم فسقه، كما لا يخفى على من نظر في كلماتهم، فمجهول الحال واسطة.

مع أنّه صرّح الشيخ في الخلاف بأنّ عدم اشتراط العدالة مذهب قوم من أصحابنا، و هم غير معروفين عينا و عددا، فكيف يمكن معه دعوى الإجماع؟! مع أنّ العدالة عند جمع من القدماء: مجرّد ظاهر الإسلام [1].

و منه يحصل الخدش في شهرة اشتراط العدالة المطلوبة بين القدماء أيضا.

بل نقول: إنّ الاختلاف في أمر العدالة واضح، و لا يتّفق كلام اثنين من القدماء على أمر واحد غالبا، فأيّ معنى من معانيه يمكن إثبات الشهرة أو دعوى الإجماع عليه، سوى القدر المشترك، الذي ليس هو أمرا زائدا على ظاهر

الإسلام؟! و الثاني: بحصول البراءة اليقينيّة بما تقتضيه الإطلاقات.

و الثالث: بمنع كون كلّ غير عادل ظالما، و منع كون إعطاء الزكاة ركونا بل معونة و تقوية أيضا، و إنّما هو أداء حقّ منهم، كردّ وديعته و قرضه. و منع النهي عن مطلق معونته و تقويته، و إنّما هو في ظلمة.

و الرابع: بمنع اختصاص أهل الولاية بالعدل، بل صرّح في

______________________________

[1] كالشيخ في النهاية: 510، و الراوندي في فقه القرآن 2: 165، و انظر: المقنعة: 725.

______________________________

(1) انظر: الشرائع 1: 163، و المفاتيح 1: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 307

الأخبار بأنّ الشيعة يزني و يسرق «1»، و ما ظاهره خلافه على كمال التشيّع محمول.

و الخامس: بأخصّيته من المدّعى أولا، و عدم القول بالفرق بين شرب الخمر و سائر منافيات العدالة غير ثابت، بل القول بالفصل كما عرفت متحقّق.

و بعدم دلالته على الحرمة ثانيا؛ لجواز أن يكون السؤال عن إباحة الإعطاء المستلزمة لتساوي الطرفين، فيكون النفي للتساوي فيحتمل الكراهة.

و بالضعف ثالثا؛ لجهالة المسؤول عنه.

و استدلّ السيّد على قوله بالإجماع أيضا «2». و جوابه قد ظهر.

و احتج للإسكافي بالمضمرة مع ضميمة عدم الفصل «3». و جوابه ما مرّ.

و القول بالفصل هنا و إن كان أندر، و لكن ذهب إليه بعض من تأخّر [1].

هذا، ثمَّ إنّ موضع الخلاف: غير المؤلّفة و العاملين؛ لعدم اشتراطها في الأولى إجماعا- كما قيل «4»- للأصل، و منافاة مفهومها لها، و اشتراطها في الثاني بالإجماع أيضا، كما عن نهاية الإحكام و الدروس و في الروضة «5» و رسالة جدّي- قدّس سرّه- و هو ظاهر الذخيرة «6».

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 209، و السبزواري في الذخيرة: 458.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 9: 86 أبواب أحكام العشرة ب 120

ح 13؛ و فيه: المؤمن، بدل:

الشيعة.

(2) الانتصار: 82.

(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 580.

(4) في الرياض 1: 284.

(5) نهاية الإحكام 2: 396، الدروس 1: 242، و الروضة 2: 50.

(6) الذخيرة: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 308

لرواية ابن يقطين: عمّن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به؟

فقال: «إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها» «1»، و لكنّها مختصّة بالقاسم، و لا يشمل الجابي.

و استدلّ له أيضا بما في حسنة العجلي من أمر أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقه بقوله: «فلا توكّل به إلّا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا» «2».

فإنّ الوثوق- كما في الاولى- و الأمانة- كما في الثانية- لا يكون إلّا في العادل، و لكن في دلالتها على الاشتراط بالوجوب نظر؛ لاحتمال كون قوله:

«لا توكّل» نفيا؛ مع أنّه لم يعلم كون المورد عاملا، فلعلّه لحفظ المواشي.

و التحقيق: أنّ عمل العامل و ما عومل به إمّا يكون معيّنا مشخّصا يمكن الاطّلاع عليه من غير جهته بسهولة، فلا دليل على اشتراط العدالة فيه إلّا أن يثبت الإجماع .. و إن لم يكن كذلك، تشترط؛ لأصالة عدم العمل بغير العلم، خرج قول العدل فيما يخبر به من أمر الجباية، فيبقى الباقي.

الثالث: عدم وجوب نفقته على المالك.
اشاره

فلا يجوز له إعطاء زكاته لواجبي النفقة، و هم الأبوان و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا، و الزوجة الدائمة، و المملوك، بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع المحقّق، و المحكي في التذكرة و المنتهى «3» و غيرهما «4»؛ له، و للمستفيضة:

كصحيحة البجلي: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب، و الام،

______________________________

(1) الكافي 3: 539- 6، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.

(2) الكافي

3: 539- 1، التهذيب 4: 96- 274، الوسائل 9: 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.

(3) التذكرة 1: 234، المنتهى 1: 523.

(4) كما في الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 309

و الولد، و المملوك، و المرأة؛ و ذلك أنّهم عيال لازمون له» «1».

و من التعليل يثبت الحكم في الآباء العلوية و الأولاد السفلية، إن لم نقل بصدق الأب و الام و الولد عليهم.

و موثّقة إسحاق: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليه؟ قال: «أبوك و أمّك»، قلت: أبي و أمي؟! قال:

«الوالدان و الولد» «2».

و في رواية الشحّام: في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت، و العمّ و العمّة، و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة» «3».

و المرويّ في العلل و الخصال: «خمس لا يعطون الزكاة: الولد، و الوالدان، و المرأة، و المملوك؛ لأنّه يجبر على نفقتهم» «4».

و موثّقة أبي خديجة: «لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول» «5»، خرج منه غير واجب النفقة بالإجماع، فيبقى الباقي.

و عدم صراحة بعضها في الحرمة- بعد الإجماع و دلالة الموثّقة الأخيرة- غير ضائر.

و أمّا روايتا عمران القمّي و محمّد بن جزك:

______________________________

(1) الكافي 3: 552- 5، التهذيب 4: 56- 150، الاستبصار 2: 33- 101، الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.

(2) الكافي 3: 551- 1، التهذيب 4: 56- 149، الاستبصار 2: 33- 100، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 2.

(3) الكافي 3: 552- 6، التهذيب 4: 56- 151، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 3.

(4) العلل 2: 371- 1، الخصال: 288- 45، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة

ب 13 ح 4.

(5) التهذيب 4: 57- 153، الاستبصار 2: 34- 103، الوسائل 9: 244 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 310

الأولى: إنّ لي ولدا رجلا و نساء، أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟

فكتب: «إنّ ذلك جائز لك» «1».

و الثانية: أدفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال: «نعم، لا بأس» «2».

فلا تنافيان ما مرّ؛ لاحتمال كلّ منهما محامل ..

كاحتمال الأولى لزكاة غير نفسه، كزكاة أعطيت ليؤدّيها أهله، أو كانت من غير سهم الفقراء، بل تكون من سهم العامل أو الغارم، أو يعطيهم لغير نفقة أنفسهم، بل لنفقة عيالهم، كالزوجة و المملوك و غير ذلك، أو لمصرف آخر يحتاجون إليه غير النفقة، ككتب العلم أو للتوسعة، أو يكون المزكّي عاجزا عن تمام الواجب من نفقتهم فسئل عن دفع التتمّة من الزكاة .. فإنّ كلّ ذلك جائز كما يأتي، و لا يثبت من قوله: شيئا، أزيد من بعض هذه.

و كاحتمال الثانية لبعض تلك الوجوه، و لغير الزكاة، بأنّ أراد أن يتشاور معه في هبة أو وصيّة و لم يكن سؤالا عن الزكاة أصلا، فإنّه لم تثبت حقيقة للعشر في الزكاة.

فروع:

أ:

لو عجز أحد عن إنفاق تمام ما يجب عليه من النفقة لمن تجب عليه نفقته- كما إذا عجز عن إدامه أو إكسائه- يجوز له إتمامه من زكاته، على ما صرّح به جماعة [1]، بل من غير خلاف يوجد كما قيل «3».

______________________________

[1] منهم الشيخ في التهذيب 4: 57، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 176، و صاحب الحدائق 12: 211.

______________________________

(1) الكافي 3: 552- 9، التهذيب 4: 56- 152، الاستبصار 2: 34- 102، الوسائل 9: 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14

ح 3.

(2) الكافي 3: 552- 10، الوسائل 9: 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 4، و فيهما: ابنتي، بدل: ابني.

(3) كما في الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 311

لا للأصل و انتفاء المانع؛ لوجود المانع الدافع للأصل من بعض الروايات المتقدّمة.

بل لرواية أبي بصير: عن الرجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفّاف و له عيال كثير، إله أن يأخذ من الزكاة؟- إلى أن قال-: قلت:

فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: «بلى»، قلت: كيف يصنع؟ قال: «يتوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم» «1» الحديث.

و موثّقتي إسحاق و سماعة، الاولى: رجل له ثمانمائة درهم، و لابن له مائتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم منها قوتا شديدا، و ليس له حرفة بيده، إنّما يستبضعها، فتغيب عنه الأشهر، ثمَّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يسبغ عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم» «2» الحديث.

و الثانية: عن الرجل يكون له الدراهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله الذي يكتسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعهم لأدمهم، و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة، قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر، فليعطه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك آدامهم و ما يصلح لهم من طعامهم في غير إسراف» «3» الحديث.

و الإيراد- بأنّ الظاهر من هذه الأخبار أنّها وردت في زكاة مال التجارة المستحبّة دون الواجبة- مردود بأنّه لو كان فإنّما هو في الأخيرة.

______________________________

(1) الكافي

3: 560- 3، الفقيه 2: 18- 58، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 4.

(2) الكافي 3: 561- 8، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 1.

(3) الكافي 3: 562- 11، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 312

و أمّا قوله: في ماله، في الاولى، و: إذا حضرت الزكاة، في الثانية، مطلقان، غير مختصّين لا صريحا و لا ظاهرا في زكاة التجارة.

و بأنّ الأوليين واردتان في التوسعة دون تتمّة الواجب مردود بأنّ تتمّة الواجب أيضا من التوسعة.

ب:

يجوز للمالك التوسعة على عياله الواجبي النفقة من زكاته من غير إسراف؛ للروايات المذكورة «1».

و هل هو مخصوص بما إذا عجز المزكّي عن التوسعة، كما في الذخيرة «2»؟

أو يعمّ، كما هو ظاهر جماعة «3»؟

الظاهر هو الأول؛ لأنّه الظاهر من مورد الروايات، و شمولها لغيره غير معلوم.

ج:

الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة من الزكاة هو ما كان لأجل الفقر و من سهم الفقراء.

و أمّا من سهم العامل أو الغارم أو في سبيل اللّه أو المؤلّفة أو في الرقاب أو ابن السبيل، فيجوز له دفعها إليهم، على المقطوع به بين الأصحاب، كما في الذخيرة «4»، بل بلا خلاف كما في غيره «5»، و نفى عنه الإشكال في الحدائق «6»، و الريب في غيره «7».

______________________________

(1) في ص: 311.

(2) الذخيرة: 459.

(3) كما في الدروس 1: 244.

(4) الذخيرة: 459.

(5) كالمفاتيح 1: 209.

(6) الحدائق 12: 215.

(7) كما في الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 313

و في المدارك في قضاء دين واجبي النفقة: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال: إنّ ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهى أنّه موضع وفاق بين

العلماء «1».

لعموم الآية «2»، و للأخبار الدالّة على جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين، و اشتراء الأب من سهم الرقاب، كما مرّ بعضها في بيان الصنفين «3».

و رواية عليّ بن يقطين: عندي المال من الزكاة أ فأحجّ به مواليّ و أقاربي؟ قال: «نعم، لا بأس» «4».

و الموالي و الأقارب و إن كانوا أعمّ من الواجبي النفقة، إلّا أنّ الزكاة الممنوع عنها لهم في رواياته أيضا أعمّ من سهم الفقراء أو في سبيل اللّه، فيتعارضان بالعموم من وجه، و يرجّح المجوّز؛ لموافقة إطلاق الآية و الأصل، و لو لم يثبت بعض الأصناف من الروايات يتمّ بالإجماع المركّب.

و على هذا، فيجوز لكلّ أحد و لو كان غنيّا، غايته صرف زكاته في دين واجبي النفقة له، و زيارتهم، و حجّهم، و تعلّمهم، و سفر تحصيل علمهم، و كتب علمهم، و تزويجهم إذا كان راجحا، و نحو ذلك.

و كذا يجوز صرف الزكاة في غير النفقة الواجبة لواجبي النفقة إذا احتاجوا إليه، كنفقة الزوجة و المملوك؛ لفحوى ما يدلّ على جواز التوسعة عليهم منها.

د:

يجوز لمن وجبت نفقته على غنيّ أخذ الزكاة من غير من تجب

______________________________

(1) المدارك 5: 228.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 و 19.

(4) الفقيه 2: 19- 36، الوسائل 9: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 314

نفقته عليه للتوسعة، إذا كان من يقوم بنفقته لا يوسّع عليه، إمّا لعدم سعته أو معها.

أمّا الجواز، فلصحيحة البجلي: عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفونه مئونته، أ يأخذ من الزكاة ليوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه من كلّ ما يحتاج إليه؟ قال: «لا بأس» «1»،

و لصدق الفقير عرفا عليه حينئذ.

و أمّا اشتراط عدم قيامه بتوسعته، فلعدم صدق الفقير عليه مع القيام، فإنّ وجوب نفقته على الغير و قيامه بها يخرجه عن صدق الفقير، فلا مقتضي لجواز أخذه.

خلافا لمن منع الجواز مطلقا، كالتذكرة «2»؛ لعموم «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا» «3» من غير مخصّص؛ لاحتمال كون المراد من الصحيحة عدم قيامه بتمام النفقة، و لصدق الغنيّ عليه؛ لوجوب نفقته على الغير.

و يضعّف الأول: بأنّ المراد أنّهم لا يعطون من زكاة من تجب عليه نفقتهم بقرينة قوله: «الأب و الولد و الوالد»، فإنّه لا يمكن أن يكون المراد أنّ مطلق الأب لا يعطى من الزكاة، و لو سلّم العموم فيجب التخصيص بالصحيحة، و حملها على تمام النفقة خلاف الظاهر جدّا، بل لا يوافق قوله: يكفونه مئونته.

و الثاني: بمنع صدق الغنيّ مع عدم قيامه بنفقته، سيّما بما لا يجب عليه من التوسعة، و لو سلّم فيخصّص بالصحيحة.

و لمن لم يقيّد الجواز بما ذكر، بل جوّزه مطلقا، كالمنتهى و الدروس

______________________________

(1) الكافي 3: 561- 5، التهذيب 4: 108- 310، المقنعة: 264، الوسائل 9:

238 أبواب المستحقين للزكاة ب 11 ح 1؛ في النسخ: أبوه و عمّه و أخوه.

(2) التذكرة 1: 234.

(3) الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 315

و البيان «1»؛ لصدق الفقير. و هو ممنوع مع قيامه بالتوسعة.

و للصحيحة. و هي مقيّدة.

ثمَّ إنّ من جوّز الأخذ مطلقا أو مقيدا خصّ بغير الزوجة و المملوك.

و استدلّ للأولى: بأنّ نفقتها كالعوض من بعضها، فيكون كذي العقار الذي يستعين بالأجرة.

و للثاني: بأنّه لا يملك شيئا، بل ماله لمولاه، فلو اعطي زكاة فكأنّها أعطيت لمولاه الغني.

و يخدش الأول:

بعدم معلوميّة كون قدر التوسعة أيضا عوضا للبضع.

و الثاني: بأنّه إنّما يتمّ على القول بعدم تملّك العبد شيئا.

و لذا جعل بعضهم المنع في الزوجة الأحوط «2»، و تردّد في الذخيرة في المملوك «3».

إلّا أن يستدلّ للتخصيص بمنع صدق الفقير مع غناء من تجب عليه نفقتهما، و استثناء قدر التوسعة كان بالصحيحة، و هي مخصوصة بالأب، و التعدّي إلى الغير بالإجماع المركّب المفقود في الموردين، إلّا أنّ الشأن في عدم صدق الفقير، و أمر الاحتياط واضح.

ه:

لو امتنع المنفق من الإنفاق على الواجب نفقته، قال في الحدائق:

يجوز لهم الأخذ من الزكاة قولا واحدا «4»، بل قيل: صرّح بذلك جماعة «5».

و لعلّ الوجه: صدق الفقير عليه مع الامتناع، و اختصاص أدلّة المنع بمن تجب عليه النفقة دون الغير، و ذلك إذا لم يمكن إجبار المنفق على

______________________________

(1) المنتهى 1: 519، الدروس 1: 242، البيان: 311.

(2) الرياض 1: 285.

(3) الذخيرة: 459.

(4) الحدائق 12: 214.

(5) الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 316

نفقته ظاهر، و أمّا مع إمكان إجباره مشكل.

إلّا أن يقال: إنّه يجوز أخذ التوسعة كما مرّ و لا يجبر على التوسعة.

أو يقال: إنّ قبل الإجبار يصدق عليه الفقير، فما لم يجبر يجوز إعطاؤه من الزكاة.

و الاحتياط أن لا يعطى مع إمكان الإجبار- أي من يمكنه الإجبار- و أمّا من لا يتمكّن منه فيجوز له الإعطاء و إن وجد من يجبر و لم يجبر.

و:

لا يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الناشزة بالإجماع على ما عن المعتبر «1»؛ لتمكّنها من النفقة في كلّ وقت أرادت بالطاعة، فلا تدخل في الفقراء، و كذا المعقود عليها الغير المتمكّنة؛ لما ذكر.

و يجوز دفعها إلى المتمتع بها؛ للأصل و الإطلاقات.

و ربّما قيل: بالمنع؛ لإطلاق

النصّ.

و هو ضعيف غايته؛ لأنّ النصّ باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل في معنى المقيّد بالدائمة؛ لأنّها العيال اللازم، و هي التي يجبر على نفقتها.

نعم، لو شرط أن تكون نفقتها على الزوج منعت؛ لخروجها به عن صدق الفقير.

و يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه و إن أنفق عليها منها؛ لإطلاق الأدلّة و انتفاء المعارض.

و عن الصدوق: المنع منه مطلقا «2»، و عن الإسكافي: الجواز، و لكن لا ينفق منها عليها و لا على ولدها «3»، و لم أقف لهما على دليل.

ز:

يجوز إعطاء الزكاة لغير واجبي النفقة ممّن يعول، قريبا كان أو

______________________________

(1) المعتبر 2: 582.

(2) المقنع: 52، الهداية: 43.

(3) حكاه عنه في المختلف: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 317

بعيدا، بلا خلاف كما في الحدائق «1»، بل بالإجماع كما في التذكرة و المدارك «2»؛ للإطلاقات.

و صدر موثّقة إسحاق المتقدّمة: لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال: «يستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم» «3».

و به و بالإجماع يخصّص قوله: «من يعول»- في موثّقة أبي خديجة السابقة «4»- بواجبي النفقة.

ح:

يجوز إعطاؤها لغير واجبي النفقة من الأقارب بلا خلاف؛ للإطلاق «5»، و المستفيضة، كموثّقة إسحاق و رواية الشحّام المتقدّمتين «6»، و صحيحة أحمد بن حمزة «7»، و رواية عليّ بن مهزيار «8»، بل هم أفضل من غيرهم؛ للموثّقة المذكورة، و رواية الأربعة: أيّ الصدقة أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح» «9» [1]، و في مرسلة الفقيه: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» «10».

______________________________

[1] و الكاشح: الذي يضمر لك العداوة- الصحاح 1: 399.

______________________________

(1) الحدائق 12: 214.

(2) التذكرة 1: 235، المدارك 5: 248.

(3)

الكافي 3: 551- 1، التهذيب 4: 56- 149، الاستبصار 2: 33- 100، الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.

(4) في ص: 309.

(5) الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15.

(6) في ص: 309.

(7) الكافي 3: 552- 7، التهذيب 4: 54- 144، الاستبصار 2: 35- 104، الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 1.

(8) الكافي 3: 552- 8، التهذيب 4: 54- 145، الاستبصار 2: 35- 105، الوسائل 9: 246 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 3.

(9) الفقيه 2: 38- 165، الوسائل 9: 246 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 5.

(10) الفقيه 2: 38- 166، الوسائل 9: 252 أبواب الصدقة ب 20 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 318

الرابع: أن لا يكون هاشميّا إن كان المزكّي غير هاشمي.
اشاره

باتّفاق الفريقين «1»؛ له، و للمستفيضة من النصوص:

منها صحيحة العيص: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألوه بأن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا بني عبد المطلب، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «2» الحديث.

و في صحيحة محمّد و زرارة و أبي بصير: «إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب» «3».

و صحيحة ابن سنان: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس، و لا لنظرائهم من بني هاشم» «4».

و حسنة المعلّى: «لا تحلّ الصدقة لأحد من ولد العبّاس، و لا لأحد من ولد عليّ عليه السّلام، و لا لنظرائهم من ولد عبد المطّلب» «5»، إلى غير ذلك.

و أمّا موثّقة أبي خديجة: «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنّها

تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبيّ و على الإمام الذي بعده و على الأئمّة» «6».

______________________________

(1) المغني لابن قدامة 2: 517، نيل الأوطار 4: 240.

(2) التهذيب 4: 58- 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(3) التهذيب 4: 58- 155، الاستبصار 2: 35- 106، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.

(4) التهذيب 4: 59- 158، الاستبصار 2: 35- 109، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 9: 158- 651، الوسائل 19: 238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 4، (و فيه صدر الحديث).

(6) الكافي 4: 59- 6، الفقيه 2: 19- 40، التهذيب 4: 60- 161، الاستبصار 2:

36- 110، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 319

فشاذّة مطروحة، أو على حال الضرورة أو الصدقات المندوبة محمولة، و لا يضطرّ النبيّ و الإمام إليها؛ مع أنّ المخاطبين غير معلومين، فلعلّهم من بني هاشم .. و يمكن عدم حلّية صدقاتهم للنبيّ و الإمام أيضا.

و إن كان المزكّي هاشميّا، لا يشترط له دفع زكاته إلى غير الهاشمي، بل يجوز له دفعها إلى مثله؛ بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «1»، و النصوص المرويّة مستفيضة «2».

و كذا يجوز دفعها إليه عند اضطراره، لافتقاره و عدم كفاية الخمس له؛ للإجماع، و إباحة المحظورات عند الضرورات.

و موثّقة زرارة: «و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا، و يكون ممّن تحلّ له الميتة» «3».

و هل يتقدّر القدر المدفوع إليه حينئذ بقدر الضرورة، أم لا؟

فعن الشيخ و المنتهى و التحرير و النهاية و البيان و الدروس «4» و جمع من المتأخّرين [1]: الأول؛

لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و لأنّه المفهوم من الموثّقة.

و فيه نظر؛ لأنّها تدلّ على أنّه إذا كان ممّن تحلّ له الميتة تحلّ له

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في الروضة 2: 52، و صاحب المدارك 5: 254، و السبزواري في الذخيرة: 461.

______________________________

(1) انظر الخلاف 4: 240، و المنتهى 1: 524، و الرياض 1: 285.

(2) الوسائل 9: 273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32.

(3) التهذيب 4: 59- 159، الاستبصار 2: 36- 111، الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33: ح 1.

(4) الشيخ في التهذيب 4: 59، و الاستبصار 2: 36، و المبسوط 6: 285، المنتهى 1: 526، التحرير 1: 69، نهاية الإحكام 2: 399، البيان: 316، الدروس 1: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 320

الصدقة، لا على أنّه تحلّ له من الصدقة ما تحلّ من الميتة.

و عن المختلف و السيّدين و الشرائع و النافع «1»- بل الأكثر كما في الأول-: الثاني؛ للأخبار الدالّة على جواز إعطائها إلى أن يحصل الغنى «2».

و فيها: أنّ المتبادر منها غير المسألة.

و الأولى أن يستدلّ له بالأصل؛ لأنّ الاستثناء في الموثّقة خصّص أخبار حرمة الصدقة على الهاشميّ فارتفع في حقّه المانع، و الأصل عدم التقدير، فهو الأظهر؛ لذلك.

ثمَّ اختلف المقدّرون في قدر الضرورة، فعن كشف الرموز: أنّه ما يسدّ الرمق «3».

و عن المهذّب و المسالك و حواشي النافع للشهيد الثاني: أنّه قوت يوم و ليلة «4».

و قيل: إنّه قوت السنة له و لعياله الواجبي النفقة.

و عن المحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع و الإرشاد: أنّه قوت اليوم و الليلة، إلّا مع توقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه قوت السنة، فيدفع إليه.

و عنه في حواشي القواعد عكس ذلك، فيدفع إليه قوت السنة، إلّا

أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة، فيعطى تدريجا «5».

و الاقتصار على القدر المجمع عليه إن قلنا بالتقدير يقتضي المصير

______________________________

(1) المختلف: 185، السيد في الانتصار: 85، و الجمل (رسائل المرتضى 3): 79، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الشرائع 1: 163، النافع: 60.

(2) انظر: الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33.

(3) كشف الرموز 1: 258.

(4) المهذب البارع 1: 536، المسالك 1: 61.

(5) جامع المقاصد 3: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 321

إلى الأقلّ، و كذا الاستناد إلى الانفهام من الموثّقة.

فروع:

أ:

لا يختصّ تحريم الصدقة على بني هاشم بسهم الفقراء، بل يحرم عليهم مطلقا؛ للإطلاقات «1».

و نقل في المبسوط و السرائر عن قوم: جواز استعمالهم على الصدقات و إعطائهم من سهم العاملين «2».

و الظاهر- كما في المختلف- أنّهم من العامّة «3»، و يؤكّده ما في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف من دعوى إجماعنا على عدم الجواز، و نسبة الجواز إلى بعض من أصحاب الشافعي «4». و كيف كان فتردّه الإطلاقات، و خصوص صحيحة العيص المتقدّمة «5».

ب:

لا تحرم الصدقات غير الواجبة على الهاشمي و لو من غيره، و من الواجبة غير الزكاة.

أمّا الأول، فعلى الحقّ الأشهر كما في التذكرة «6»، بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «7»، بل مطلقا كما في المفاتيح «8»، بل عند علمائنا كما عن المبسوط و المنتهى «9»، بل بالإجماع كما عن الخلاف «10».

______________________________

(1) راجع ص 318.

(2) المبسوط 1: 248، السرائر 1: 457.

(3) المختلف: 184.

(4) الخلاف 4: 232.

(5) في ص: 318.

(6) التذكرة 1: 235.

(7) الذخيرة: 461.

(8) المفاتيح 1: 232.

(9) المبسوط 3: 302، المنتهى 1: 525.

(10) الخلاف 4: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 322

و أمّا ما في

التذكرة من قوله: روى الجمهور، عن الصادق، عن أبيه الباقر عليه السّلام: «إنّه كان يشرب من سقايات بين مكّة و المدينة، فقيل له:

أ تشرب من الصدقة؟! فقال: إنّما حرّم علينا المفروضة» «1»، حيث إنّ ظاهره تفرّد العامّة بالرواية.

فإنّما هو في حقّ الإمام خاصّة، فإنّه صرّح: أنّ الصدقة المندوبة محرّمة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال: إنّ حكم الأئمّة في ذلك أيضا حكمة، و وافقه في المسالك «2» و جمع آخر [1].

و بالجملة: فكلامه إنّما هو في خصوص الإمام، فلا ينافي ادّعاءه الشهرة على الجواز في المندوبة لبني هاشم.

و أمّا الثاني، فعلى الأظهر أيضا، كما هو ظاهر المدارك و الذخيرة «3»، بل لم أعثر فيه أيضا على مخالف سوى ما في التذكرة من احتمال المنع «4».

و يدلّ على الأول- مضافا إلى ظاهر الإجماع- قويّة [2] الهاشمي:

أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، و أمّا غير ذلك فليس به بأس» «5».

و على الثاني روايته: عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم، ما

______________________________

[1] نقله عن كتاب الأربعين للشيخ البهائي في الحدائق 12: 218، و فصل في المفاتيح 1: 232 بين الصدقة العامة فجوّزها و بين الصدقة الخاصة فحرّمها.

[2] في «س» زيادة: كصحيحة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 235.

(2) المسالك 1: 61.

(3) المدارك 5: 256، الذخيرة: 461.

(4) التذكرة 1: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    323     فروع: ..... ص : 321

(5) الكافي 4: 59- 3، التهذيب 4: 62- 166، المقنعة: 243، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 323

هي؟ فقال: «هي الزكاة» «1».

و عليهما رواية الشحّام: عن

الصدقة التي حرّمت عليهم، قال: «هي الزكاة المفروضة» «2».

و بهذه الأخبار تخصّص مطلقات تحريم الصدقة على بني هاشم.

و صحيحة البجلي: «لو حرّمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة؛ لأنّ كلّ ما بين مكّة و المدينة فهو صدقة» «3»، دلّت على عدم حرمة مطلق الصدقة، فإمّا يفسّر بما ذكرنا بشهادة ما مرّ، أو يكون مجملا تخرج به المطلقات عن الحجّية في غير موضع الإجماع، و هو الزكاة المفروضة.

ج:

الهاشميّون هم بنو عبد المطلب، و الموجود منهم في هذه الأزمنة أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام و العبّاس و أبي لهب، و قيل: الحارث أيضا «4».

و في الاختصاص بالمتقرّب بالأب أو الأعمّ منه و من المتقرّب بالأم أيضا، وجهان ..

(الحقّ: هو الأول، كما صرّح به في مرسلة حمّاد، و فيها: «و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له، و ليس له من الخمس شي ء» «5»، و يأتي تحقيقه في بحث الخمس أيضا) [1].

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: و يأتي تحقيقه في موضعه.

______________________________

(1) التهذيب 4: 58- 156، الاستبصار 2: 35- 107، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5.

(2) التهذيب 4: 59- 157، الاستبصار 2: 35- 108، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.

(3) التهذيب 4: 61- 165، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1.

(4) كما في المنتهى 1: 525.

(5) التهذيب 4: 128- 366، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 271 أبواب المستحقين للزكاة ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 324

الفصل الثالث في ما يتعلّق بهذا البحث من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الأولى [مقدار أجرة العاملين ]
اشاره

قد مرّ أنّ العاملين يعطون من الزكاة في هذه الأزمنة بقدر اجرة العمل لا

أزيد و لا أنقص، و أنّ ابن السبيل يعطى ما يكفيه لذهابه و إيابه، و الغارمون و الرقاب ما يؤدّون به الدين و يفكّون الرقبة لا أزيد؛ و وجهه ظاهر.

و أمّا الفقراء، فقد وقع الخلاف في أقلّ ما يعطى واحد منهم من الزكاة، هل يقدّر بقدر، أم لا؟

فالأول: منقول عن المقنعة و الرسالة العزّية للمفيد و الانتصار و المسائل المصريّة للسيّد و النهاية و المبسوط و التهذيب «1» و الصدوقين و الإسكافي و الديلمي و الوسيلة و الغنية و الإرشارة و المعتبر و الشرائع و النافع «2» و صاحب الحدائق من متأخّري المتأخّرين «3»، و مال إليه بعض مشايخنا [1]،

______________________________

[1] و هو صاحب الرياض 1: 288.

______________________________

(1) المقنعة: 243، الانتصار: 82، النهاية: 189، المبسوط 1: 260، التهذيب 4: 62.

(2) الصدوق في المقنع: 50، حكاه عن والده في الفقيه 2: 10، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، الديلمي في المراسم: 133، الوسيلة: 130، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الإشارة: 113، المعتبر 2: 590، الشرائع 1:

166، النافع: 60.

(3) الحدائق 12: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 325

و نسبه جماعة إلى المشهور بين القدماء «1»، و اخرى- و منهم جدّي رحمه اللّه- إلى الأكثر مطلقا، و في الانتصار و المصريّة و الغنية: الإجماع عليه.

و الثاني: محكيّ عن جمل السيّد و السرائر «2».

و ذهب القاضي و الفاضل و الشهيدان «3» و أكثر من تأخّر عنهم إلى التقدير على سبيل الاستحباب [1].

فإن قلنا: إنّ تقدير الأولين أيضا استحبابي- كما صرّح به في التذكرة، حيث قال: و لا حدّ للإعطاء إلّا أنّه يستحبّ أن لا يعطى الفقير أقلّ ما يجب في النصاب الأول، و هو خمسة دراهم أو عشرة قراريط، قاله الشيخان

و ابنا بابويه و أكثر علمائنا، إلى أن قال: و ما قلناه على الاستحباب لا الوجوب إجماعا «4»- يتّحد القول الأول و الثالث.

و إن قلنا: إنّه على سبيل الوجوب، كما يستفاد عن المدارك، حيث قال: الظاهر من كلام الأصحاب أنّ هذه التقريرات على سبيل الوجوب «5»، و كذا الفاضل الهندي في شرح الروضة ..

فإن قلنا: إنّ مراد النافين للتقدير: نفي الوجوب دون الاستحباب- كما تحتمله عبارة الذخيرة؛ حيث إنّه بعد نقل نفي التقدير عمّن ذكر قال:

______________________________

[1] كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 208، صاحب المدارك 5: 281، السبزواري في الذخيرة: 467.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 590، و الرياض 1: 288.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 79، السرائر 1: 464.

(3) القاضي في المهذّب 1: 172، و شرح الجمل: 263، الفاضل في المختلف:

186، و التذكرة 1: 244، الشهيد في الدروس 1: 244، الشهيد الثاني في الروضة 2: 56، و المسالك 1: 62.

(4) التذكرة 1: 244.

(5) المدارك 5: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 326

و إلى هذا القول ذهب جماعة من الأصحاب و منهم المصنّف «1»، مع أنّ المصنّف صرّح بالتقدير الاستحبابي- فيتّحد الثاني مع الثالث.

و إن قلنا: إنّ مرادهم نفي التقدير مطلقا تكون في المسألة أقوال ثلاثة.

و التحقيق: أنّ كلام أكثر الأولين صريح أو ظاهر في الوجوب، كما أنّ الصدوق عبّر بقوله: لا يجزئ، و والده بقوله: لا يجوز، و الديلمي قال:

و أقلّ ما يجزئ، و كذا في المصريّات، و الشيخ في التهذيب حمل تجويز إعطاء الدرهمين في بعض الروايات على النصاب الثاني «2»، و صرّح بعدم جواز ذلك في النصاب الأول.

و أمّا النافون، فظاهرهم نفي الوجوب فقط.

و كيف كان، فدليل الأولين- و هم

المقدّرون وجوبا- طريقة الاحتياط، و المحكيّة من الإجماعات، و فتوى أعيان الطائفة.

و صحيحة الحنّاط: «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، و هو أقلّ ما فرض اللّه من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا» «3».

و رواية ابن عمّار و ابن بكير: «لا يجوز أن يدفع أقلّ من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزكاة» «4».

و في الفقه الرضوي: «و لا يجوز أن يعطى من الزكاة أقلّ من نصف

______________________________

(1) الذخيرة: 467.

(2) التهذيب 4: 63.

(3) الكافي 3: 548- 1، التهذيب 4: 62- 167، الاستبصار 2: 38- 116، المحاسن: 62- 168، المقنعة: 244، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 2.

(4) التهذيب 4: 62- 168، الاستبصار 2: 38- 117، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 327

دينار» «1».

و حجّة الثاني- و هو النافي للتقدير- الأصل، و إطلاقات الكتاب «2» و السنّة «3»، و الأخبار المستفيضة، كحسنة عبد الكريم الهاشمي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّمها بينهم بالسويّة، إنّما يقسّمها على قدر من يحضرها منهم و ما يرى، و ليس في ذلك شي ء مؤقّت» «4».

و حسنة الحلبي: ما يعطى المصدّق؟ قال: «ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شي ء» «5».

و مكاتبة الصهباني الصحيحة: هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة دراهم، فقد اشتبه ذلك عليّ؟

فكتب: «ذلك جائز» «6»، و قريبة منها الأخرى «7»، و ضعف بعضها منجبر بما ذكر.

و جواب الأولين

عنها بدفع الأصل و تقييد الإطلاق بما مرّ، و بردّ الحسنة الأولى بعدم الدلالة أصلا؛ لاحتمال كون التقدير المنفي فيها التقدير البسطي، بل هو الظاهر من صدر الحديث، فإنّه وارد في احتجاجه عليه السّلام

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 197، مستدرك الوسائل 7: 113 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل 9: 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23.

(4) الكافي 3: 554- 8، الفقيه 2: 16- 48، التهذيب 4: 103- 292، الوسائل 9: 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1.

(5) الكافي 3: 563- 13، التهذيب 4: 108- 311، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.

(6) التهذيب 4: 63- 169، الاستبصار 2: 38- 118، الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5؛ و فيها: محمّد ابن أبي الصهبان.

(7) الفقيه 2: 10- 28، الوسائل 9: 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 328

على عمرو بن عبيد: قال له: «ما تقول في الصدقة؟» فقرأ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ الآية، فقال: «كيف تقسّمها؟» قال: أقسّمها على ثمانية أجزاء، فاعطي كلّ جزء واحدا، إلى أن قال عليه السّلام: «و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟» قال: نعم، قال: «فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ ما قلت في سيرته، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم» إلى آخر ما مرّ.

و كذلك الثانية؛ لجواز كون: يعطى، مبنيّا للمفعول، فيكون السؤال عن حصّة العامل.

مع أنّه على فرض دلالتهما يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأول، كما صرّح به جمع «1»، يعني: أنّه لا يقدّر شي ء بعد ذلك

التقدير، فيكون أعمّ من الأخبار المقدّرة؛ لاختصاصها بما قبل النصاب الثاني للإجماع، فيجب التقييد.

و لهما جهة عموم أخرى أيضا، و هي ما إذا تمكّن من إعطاء الزائد أو لم يتمكّن، كما إذا كان ما يجب عليه هذا القدر خاصّة، كما إذا تلف بعض النصاب بعد الحول بلا تفريط، و ما مرّ خاصّ بصورة الإمكان إجماعا، فيحتمل التقييد من هذه الجهة أيضا.

و هذان الاحتمالان جاريان في المكاتبتين أيضا، مع أنّهما لم تدلّا على عدم التقدير، بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين و الثلاثة في الجملة، و ذلك لا ينافي التقدير بما دونها كالدرهم الواحد، كما هو مختار الإسكافي و المصريّات بل الديلمي «2»، أو الدرهمين في الفضّة و نصف دينار في الذهب، كالمقنع «3».

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 288.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، الديلمي في المراسم: 134.

(3) المقنع: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 329

هذا كلّه، مع أنّه على فرض التعارض يجب تقديم ما مرّ؛ لرجحانه بمخالفة العامّة و موافقة المكاتبتين، فإنّ عدم التقدير مذهب الجمهور كافّة، كما صرّح به جماعة، منهم: السيّد في الانتصار و الفاضل في التذكرة «1».

دليل الثالث: الجمع بين الأخبار.

و ردّ: بأنّ هذا الجمع ممّا لا شاهد عليه.

فأجيب: بأنّ أخبار الجواز قرينة على التجوّز في أخبار نفي الجواز.

و فيه: أنّ هذا يتمّ لو كان أحدهما نهيا و الآخر رخصة، فإنّ العرف يجعل الآخر قرينة للتجوّز في الأول، بخلاف نحو: لا يجوز و جائز، فإنّهما متنافيان قطعا.

أقول: حقّ المحاكمة أنّ الحسنتين غير دالّتين على مطلوب النافين كما ذكر، فبقيت المكاتبتان معارضتين لروايات التقدير.

و الحكم بأعميّة المكاتبتين غير جيّد؛ لأنّ الملحوظ في التعارض هو نفس المتعارضين من غير تصرّف في أحدهما

بواسطة سائر المعارضات الخارجيّة و لو كان إجماعا.

فلا بدّ من الرجوع إلى حكم المتعارضين، و المكاتبتان و إن كانتا مرجوحتين بموافقة العامّة، و لكنّهما راجحتان بالأحدثيّة و موافقة إطلاق الكتاب، و هما أيضا من المرجّحات المنصوصة، فيتكافئان، فيجب الرجوع إلى الأصل و الإطلاقات في نفي التقدير، و لكن لمّا كانت أدلّة السنن تتحمّل من التسامح ما لا يتحمّله غيرها، و يدفع أصل عدم الاستحباب، و تقيّد إطلاقاته بالأدلّة الضعيفة، فيحكم باستحباب المقدّر؛ للاحتياط، و الإجماعات المنقولة «2»، و فتوى العلماء .. بل الرضويّ أيضا «3»؛ لخلّوه عن

______________________________

(1) الانتصار: 83، التذكرة 1: 244.

(2) كما في التذكرة 1: 244.

(3) المتقدم في ص: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 330

المعارض في الذهب.

فالحقّ إذن مع القول الثالث، و هو الاستحباب.

فروع:

أ:

و إذ عرفت استحباب إعطاء المقدّر لا أقلّ فقد اختلفوا فيه، فالمصرّح به في كلام أكثر المقدّرين للأقلّ وجوبا أو استحبابا خمسة دراهم في زكاة الفضّة، و نصف دينار في زكاة الذهب «1»، و عليه دعوى الشهرة «2»، و على الخمسة دعوى الإجماع في الانتصار «3».

و قيل: أقلّ من ذلك «4».

و الظاهر استحباب المشهور؛ للشهرة، و الإجماع المنقول، و الرضوي، و موافقة الروايتين المقدّرتين.

ب:

هل التقدير منحصر بزكاة النقدين، أم يجري في غيرهما أيضا؟

المذكور في كلام جماعة: هما خاصّة «5»، و لكن صريح عبارة المراسم و الغنية «6» و ظاهر مهذّب القاضي و الإشارة «7»: التعميم، و صرّح في الوسيلة بالتعميم بالنسبة إلى المواشي أيضا «8»، و في الغنية: الإجماع عليه.

و على هذا، فلا بأس بالقول بعموم الاستحباب؛ لفتوى هؤلاء و الإجماع المنقول، فيكون المقدّر في المواشي فريضة النصاب الأول، و في

______________________________

(1) كما في الانتصار: 82، و المبسوط 1:

260، و المعتبر 2: 590.

(2) كما في المعتبر 2: 590.

(3) الانتصار: 83.

(4) كما في المراسم: 133، و المختلف: 186.

(5) كما في المقنع: 50.

(6) المراسم: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(7) المهذّب 1: 172، الإشارة: 113.

(8) الوسيلة: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 331

الغلّات فريضة النصاب، كما هو المذكور في كلام هؤلاء الأصحاب.

ج:

المستحبّ إنّما هو عدم النقصان عن المقدّر مطلقا- أي أن لا يعطى فقير أقلّ من ذلك ما دام عليه ذلك المقدار فصاعدا- فلو كان عنده نصابان يدفع الفريضتين إلى فقير واحد؛ لئلّا ينقص واحد عن المقدّر.

و ما ذكره الشهيد الثاني- أنّه يعطي فريضة الأول لواحد، و الثاني لآخر من غير كراهة «1»- غير جيّد.

نعم، إذا لم يتمكّن من إعطاء المقدّر- كما إذا تلف بعض النصاب من غير تفريط- فلا يستحبّ الإتمام من غير الزكاة، و يعطي ما عليه من غير كراهة.

المسألة الثانية: ما ذكر إنّما كان في جانب القلّة،

و أمّا في جانب الكثرة: فإن لم يكن الفقير ذا كسب لا يفي بمؤنته فلا حدّ للأكثر، فيجوز أن يعطى الفقير الواحد ما يغنيه و ما يزيد على غناه إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «2»؛ له، و للأصل، و الإطلاقات المستفيضة «3».

و يظهر من المنتهى وقوع الخلاف، حيث قال: لو كان معه ما يقصر عن مئونته و مئونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة؛ لأنّه محتاج، و قيل لا يأخذ زائدا عن تتمّة المؤنة حولا، و ليس بالوجه «4». انتهى.

و يحتمل أن يكون القائل من العامّة، حيث نسب نفسه الأول إلى علمائنا أجمع «5»، و يمكن أن يكون الخلاف مخصوصا بمن معه بعض

______________________________

(1) المسالك 1: 62.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المدارك 5: 282، الرياض 1: 288.

(3) الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب

24.

(4) المنتهى 1: 518.

(5) المنتهى 1: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 332

المؤنة. و كيف كان، فهو ضعيف؛ لما مرّ من غير معارض.

نعم، لو تعاقب عليه العطية، فبلغت مئونة السنة، حرم عليه الزائد؛ لتحقّق الغنى المانع من الاستحقاق.

و أمّا ما في المدارك ردّا على المحقّق- من أنّه لا وجه للفرق بين الدفعة و التعاقب؛ لأنّ الفقير متى ملك مئونة السنة صار غنيّا و حرم عليه تناول الزكاة «1»- فغير جيّد جدّا.

و كذا إن كان ذا كسب غير واف بتمام المؤنة، وفاقا للأكثر على ما صرّح به غير واحد «2»؛ لما مرّ من الأصل و الإطلاق و عموم المستفيضة «3».

و حكى جماعة قولا بأنّه لا يأخذ ما يزيد على كفايته، و استحسنه في البيان «4»، و هو ظاهر اللمعة «5»، و تردّد في الدروس «6»؛ لصحيحة ابن وهب الواردة في من له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و هو يحترف و لا يصيب نفقته منها، و فيها: «و يأخذ البقيّة من الزكاة» «7»، و نحوها غيرها «8».

و يردّ: بأنّها ليست صريحة في المنع عن الزيادة، و مع ذلك موردها غير ذي الكسب، إلّا أن يعمّم الكسب للتجارة، أو الخلاف لغير ذي الكسب أيضا، و حينئذ فيكتفى في الجواب بقصور الدلالة، فلا يصلح لتقييد الأخبار المطلقة، أو تخصيص العامّة المعتضدة بالأصل و الشهرة، و لكنّ

______________________________

(1) المدارك 5: 282.

(2) كما في المنتهى 1: 518، و المدارك 5: 197، و الرياض 1: 279.

(3) الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.

(4) البيان: 311.

(5) اللمعة (الروضة 2): 45.

(6) الدروس 1: 240.

(7) الكافي 3: 561- 6، الوسائل 9: 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.

(8) التهذيب 4: 50- 130،

الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 333

الاحتياط في كلّ حال مطلوب.

المسألة الثالثة: من ادّعى الفقر، إن عرف صدقه أو كذبه عومل به بما يقتضيه.
اشاره

و إن جهل حاله:

فإن لم يعلم له مال أولا، فالمشهور أنّه يصدّق في دعواه «1»، و في المدارك: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب، و فيه عن ظاهر الفاضلين: أنّه موضع وفاق «2»، و في الحدائق: أنّ ظاهرهم الاتّفاق عليه «3».

و استدلّ له باتّفاق الأصحاب ظاهرا.

و بأنّه ادّعى موافقا للأصل.

و باستلزام عدمه الحرج و العسر على الفقير في كثير من الموارد، سيّما إذا كان ممّن يستحيي من الإظهار.

و بأنّه مسلم ادّعى ممكنا و لم يظهر ما ينافيه فكان مقبولا.

و بأنّ الأصل عدالة المسلم، فكان قوله مقبولا.

و برواية العرزمي: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام على الصفا فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مقطع، أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه» «4».

و بأنّه لا يخفى على متتبّع الأخبار الواردة في البيّنة و اليمين «5» أنّه لا عموم لها على وجه يشمل ما نحن فيه، فإنّ موردها ما إذا كانت الدعوى من اثنين مدّع و منكر، و لا دلالة فيها على أنّ من ادّعى شيئا و ليس في مقابله

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 568، و المنتهى 1: 526، و الحدائق 12: 163.

(2) المدارك 5: 201.

(3) الحدائق 12: 163.

(4) الكافي 4: 47- 7، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.

(5) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 334

من ينكر دعواه بأنّه يكلّف البيّنة و اليمين.

و بأنّ الظاهر من الأخبار أنّ من ادّعى ما لا يدّعى

عليه قضي له به.

و غير الثلاثة الأول من هذه الوجوه منظور فيه.

أمّا الرابع، فلمنع كلّية كبراه.

و أمّا الخامس، فله، و لمنع صغراه.

و أمّا السادس، فلأنّه قضيّة في واقعة، فلعلّ ما أعطياه لم يكن من الصدقة الواجبة و الكلام فيها.

و أمّا السابع، فبأنّ عدم ثبوت طلب البيّنة أو اليمين عن مدّع لا منكر يقابله، و عدم شمول أخبارهما له لا يستلزم تصديق قوله و العمل بمقتضاه.

و أمّا الثامن، فلمنع ثبوت كلّيته، و إنّما هو في مال لا يد لأحد عليه، و لا منازع له، و لا يطلب منه امتثال واجب و لا إبراء ذمّة.

نعم، الظاهر تماميّة دلالة الثلاثة الأول ..

أمّا الأصل، فظاهر.

و أمّا الإجماع، فلأنّه طريقة السلف و الخلف من غير نكير و مصرّح به في كلام العلماء، و نراهم يعطون الغرباء الذين لا ترجى بيّنة لهم من غير حلف، و يقتحمون الفقراء إليهم من البلدان النائية.

و أمّا العسر و الحرج على الفقراء، فلدوران الأمر بين صبرهم على الافتقار و الجوع، أو إقامة البيّنة المتعذّرة في حقّ الأكثر، و كلّ منهما حرج عظيم.

و يدلّ عليه أيضا: أنّه لولاه للزم الحرج على أرباب الزكاة أيضا، سيّما على عدم سماع الشهادة العلميّة؛ لأنّ العمل بمقتضى الحلف لا دليل عليه في المقام، و إقامة البيّنة الحسّية على الفقراء متعذّرة؛ لأنّ جهات حصول المال غير محصورة، فلعلّه وجد كنزا، أو أعطي مالا بحيث لا نعلمه، أو له

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 335

مال مدفون أو مودع و لو بمواهبه .. بل و كذا البيّنة العلميّة؛ لما ذكرنا، فلو لم تسمع دعواه لسدّ باب إعطاء الزكاة غالبا.

و يمكن أن يستدلّ عليه أيضا بحسنة أبي بصير: الرجل يموت و يترك العيال،

أ يعطون من الزكاة؟ فقال: «نعم، حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم» «1» الحديث.

تدلّ على أنّهم إذا قالوا: لا معيشة لهم لو قطع ذلك، يجوز إعطاؤهم.

و تؤكّده ما دلّت على كراهيّة ردّ السائل مطلقا أيضا.

و إن علم له مال أولا، فالمشهور أيضا قبول دعواه «2»، و عن المبسوط: عدمه إلّا بالبيّنة أو إمارة مفيدة للعلم «3»، و قوّاه في المدارك «4»، و مال إليه في الذخيرة «5»، و هو ظاهر جدّي- رحمه اللّه- في الرسالة.

و هو الأقوى؛ لتوقّف حصول العلم بالمشروط، و هو البراءة من الزكاة على العلم بالشرط، و هو الفقر.

و لو علم له مال، و علم تلف مال منه أيضا، و لم يعلم أنّ التالف هو ما كان له أو مال آخر حصّله، بني على الأول؛ لأصالة عدم حصول مال آخر.

و لو كان له مال يكفي لمعيشته مدّة، و مضت المدّة، و لم يعلم أنّه هل صرفه في معيشته أو حصلت المعيشة من جهة أخرى، بني على الأول أيضا؛ لعين ما ذكر.

______________________________

(1) الكافي 3: 548- 1، التهذيب 4: 102- 287، الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 1.

(2) كما في المعتبر 2: 568، و المنتهى 1: 526.

(3) المبسوط 1: 247.

(4) المدارك 5: 202.

(5) الذخيرة: 462.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 336

فرعان:

أ:

حكم الغارم و العبد و ابن السبيل يعلم ممّا ذكر، فلا يقبل قول الأولين إلّا مع الثبوت أو العلم بالحال أولا، و يقبل قول الثالث مع عدم العلم باستصحابه ما يكفيه أولا، لا مع العلم به.

ب:

لو ادّعى عدم الهاشميّة يسمع منه؛ لكفاية عدم العلم بالهاشميّة في إعطاء زكاة غير الهاشمي؛ لأنّ

الثابت هو منع من علمت هاشميّته؛ لأنّ التكاليف مقيّدة بالعلم، فتبقى عمومات الفقراء خالية عن المقيّد.

المسألة الرابعة: لا يشترط إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة،

فلو كان مستحقّا لها جاز صرفها إليه من غير تسمية، بل و لو بتسمية اخرى؛ للأصل، بل الإجماع و الإطلاقات ..

و لرواية أبي بصير: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة، فأعطيه من الزكاة و لا اسمّي له أنّها من الزكاة، فقال: «أعطه، و لا تسمّ له، و لا تذلّ المؤمن» «1».

و ضعف الرواية سندا غير واضح، و لو وضح فغير ضائر، سيّما مع انجبارها بالعمل و موافقتها للأصل.

و أمّا حسنة محمّد: الرجل يكون محتاجا، فيبعث إليه بالصدقة و لا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، أ فيعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه و هي منّا صدقة؟ فقال: «لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه» «2» [1].

______________________________

[1] و الذمام: حفظ الحرمة- لسان العرب 12: 221.

______________________________

(1) الكافي 3: 563- 3، الفقيه 2: 8- 25، المقنعة: 260، الوسائل 9: 314 أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 1.

(2) الكافي 3: 564- 4، الوسائل 9: 315 أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 337

فهي مختصّة بصورة العلم بعدم قبوله على وجه الزكاة و الإعطاء على غير ذلك الوجه، و نحن نسلّم عدم جواز الإعطاء مع ذلك؛ لهذه الرواية، التي هي أخصّ من الاولى، و لم يعلم مخالفتها لعمل الأصحاب؛ إذ لا علم لنا و لا ظنّ بذهابهم إلى الجواز مع الأمرين أيضا، سيّما إذا أعطاها إيّاه و ردّه مرّة.

و حملها في الذخيرة على صورة التصريح بأنّه غير الزكاة، و الاولى على عدم

التسمية أصلا «1».

و الصحيح ما ذكرنا؛ لاشتمالها على عدم القبول، فلا بدّ من اعتباره في القول بما يخالف الأصل و الإجماع.

و أمّا الحمل على الكراهة كما في المدارك «2»، أو على صورة احتمال كون الامتناع لعدم الاستحقاق كما في الوسائل «3»، أو جعله لفظة «لا» في قوله: فقال: «لا» إضرابا عن الكلام السابق، و ارتكاب التأويل فيما بعده كما قيل «4» .. [فوجوه ] [1] بعيدة، لا وجه لارتكابها أصلا.

المسألة الخامسة: لو دفع الزكاة إلى الفقير ثمَّ ظهر عدم فقره،
اشاره

فإمّا تكون العين باقية أو لا، و على التقديرين إمّا يكون الآخذ عالما بأنّه زكاة أم لا، و على التقادير إمّا يمكن الارتجاع منه أم لا.

ثمَّ الكلام إمّا في الارتجاع أو الإجزاء عن الزكاة.

أما الأول: فمع إمكان الارتجاع يجب مع بقاء العين اتّفاقا محقّقا

______________________________

[1] في النسخ: بوجوه، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) الذخيرة: 463.

(2) المدارك 5: 240.

(3) الوسائل 9: 315 أبواب المستحقين للزكاة ب 58.

(4) في الحدائق 12: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 338

و محكيّا «1»، في صورة علم الآخذ بالحال أولا؛ لأنّ الأصل عدم الانتقال إلى الآخذ، و المسلّم إنّما هو انتقالها مع استجماعه شرائط الأخذ.

و أمّا بدونه فلا، حتّى أنّه لو لم يعلم بالحال يبقى مراعى إلى أن يتلف حال عدم ظهور الحال.

و على هذا، فتكون العين إمّا مال المالك أو الفقراء، فلهم الارتجاع، بل يجب على المالك؛ لأنّه مال فقير موضوع عند غير أهله بعمله و هو يتمكّن من الانتزاع.

و بما ذكرنا يظهر دفع ما جوّزه بعضهم من امتناع الآخذ للردّ «2»؛ لثبوت الملك له بالدفع على الظاهر، فإنّ الثبوت مع العلم ممنوع، بل و كذا مع عدمه، بل يقع مراعى.

و كذا إن تلفت العين و كان الآخذ عالما بالحال؛ لأنّه عاد

في إتلافه؛ لعلمه بعدم رضى المالك بشهادة الحال، فهي معارضة للإذن الصريح مقدّمة عليه.

بل و كذا لو تلفت من جانب اللّه سبحانه؛ لوضع يده على ملك الغير بدون إذنه؛ لأنّ لسان شاهد الحال يصرّح بعدم الإذن و يرتفع به الإذن الصريح.

و إن لم يكن عالما بالحال، فلا يجوز الارتجاع عنه؛ لأصالة عدم التسلّط عليه و على ماله، و عدم شغل ذمّته، فإنّه تصرّف أو إتلاف بالإذن الصريح الخالي عن المعارض من المالك، فبأيّ دليل يجب عليه ردّ المثل أو القيمة من ماله؟! و سواء في ذلك أن يجوّز الآخذ كونه زكاة أم لا؛ لأنّ مجرّد التجويز لا يثبت شاهد حال يعارض به الإذن الصريح.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 279.

(2) كما في الرياض 1: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 339

و إن لم يمكن الارتجاع فلا شي ء على المالك.

نعم، على الآخذ ردّه إن تمكّن مع علمه بالحال قبل التلف.

و الحكم في بعض الصور التي ذكرناها وفاقيّ، و في بعضها خلاف يعلم ضعفه ممّا ذكرنا.

و أمّا الثاني: و هو الإجزاء عن الزكاة و براءة ذمّة المالك عنها و عدمهما، فقضيّة الأصل و إن كان الإجزاء مطلقا- سيّما إذا كان المدفوع عين الزكاة، حتى إذا تمكّن من الارتجاع، و إن وجب الارتجاع من باب تخليص حقّ الفقراء؛ لوقوع الدفع مشروعا، فلا يستعقب ضمانا؛ لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء، و ما يجب دفعه شي ء واحد دفعه على وجه أمر به- إلّا أنّ المنصوص في مرسلة الحسين: في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا، قال: «لا يجزئ عنه» «1» عدم الإجزاء، و هي مخصّصة للأصل المذكور.

فالحقّ: عدم الإجزاء و الضمان مطلقا، وفاقا للمحكيّ

عن المفيد و الحلبي «2»، و اختاره شيخنا صاحب الحدائق «3».

و إرسال الرواية عندنا غير ضائر مع كونها مرويّة في الكتب الثلاثة، سيّما مع صحّتها عن ابن أبي عمير، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه «4».

خلافا للمحكيّ عن المبسوط «5» و جماعة [1]، فيجزئ مطلقا؛ للأصل

______________________________

[1] منهم العلّامة في الإرشاد 1: 288.

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 1، التهذيب 4: 51- 132، الفقيه 2: 15- 45، الوسائل 9:

215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 5.

(2) المفيد في المقنعة: 259، الحلبي في الكافي في الفقه: 173.

(3) الحدائق 12: 170.

(4) رجال الكشّي 2: 830.

(5) المبسوط 1: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 340

المذكور. و يندفع بما مرّ.

و للمعتبر و النافع و المنتهى و التذكرة و البيان و الأردبيلي و جدّي في الرسالة، فيجزئ مع الاجتهاد لا بدونه «1»؛ لأنّ المالك أمين فيجب عليه الاجتهاد، فبدونه تجب الإعادة.

و لحسنة عبيد: رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زمانا، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: «نعم» إلى أن قال: قلت له: فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها أهل، و قد كان طلب و اجتهد، ثمَّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: «ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أخرى» «2».

و مرسلة الكافي، و هي مثل السابقة، إلّا أنّه قال: «فإن اجتهد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا» «3».

و يردّ الأول: بأنّه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لدفع الزكاة و لو بدعواه الفقر، فيرجع ذلك إلى القول بعدم الضمان.

و إن أريد به الزائد عليه- كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد- فهو غير واجب عندهم.

و الثاني: بأنّ الظاهر

منه أنّ المراد: أنّه لم يجد الأهل بعد الاجتهاد، فدفعها إلى غير الأهل عمدا، كما يشعر به قوله: سوء ما صنع، بل معنى قوله: لم يعلم الأهل و قد طلب و اجتهد: أنّه بعد الاجتهاد أيضا لم يعلمه، و المتنازع فيه أنّه علمه و لكنّه أخطأ في علمه، فيخرج عن المسألة.

و القول- بأنّ الإجزاء حينئذ يدلّ بالفحوى على الإجزاء لو كان الدفع

______________________________

(1) المعتبر 2: 526، النافع: 59، المنتهى 1: 527، التذكرة 1: 245، البيان:

317، مجمع الفائدة 4: 195.

(2) الكافي 3: 546- 2، التهذيب 4: 102- 290، الوسائل 9: 214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 1.

(3) الكافي 3: 546- 2، الوسائل 9: 214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 341

عن غير عمد- مردود بأنّ الأصل باطل إجماعا، فلا تبقى معه فحوى؛ لبطلان التابع ببطلان المتبوع.

فروع:

أ:

مورد مرسلة الحسين المثبتة لعدم الإجزاء إنّما هو إذا كان الدافع هو المالك، أمّا لو دفعه المالك إلى وكيله أو إلى الفقيه، و دفعه هو إلى من بان غير مستحقّ، لم يضمن أحد؛ للأصل المذكور الخالي عن المعارض في المقام.

و قد نفى عنه الخلاف بين العلماء في المنتهى إذا كان المدفوع إليه الإمام أو نائبه الشامل للنائب العام أيضا «1» .. بل المصرّح في كلماتهم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو إذا كان الدافع المالك.

نعم، حكم الفقيه و الوكيل في مواضع الارتجاع حكم المالك بعينه.

ب:

ما ذكر إنّما هو إذا بان عدم الاستحقاق بالغناء، و لو بان بالهاشميّة أو الكفر أو نحوهما، فالكلام في الارتجاع- كما ذكرنا- في الضمان و الإعادة، ففي الذخيرة: أنّ الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة «2».

مؤذنا بعدم خلاف فيه بينهم.

و هو كذلك؛ للأصل المذكور، و اختصاص المرسلة بظهور اليسار.

ج:

لو أدّى زكاته إلى غير المستحقّ باعتقاده عمدا، ثمَّ بان استحقاقه، لم يجز عنها، فإن كان من المواضع التي له الارتجاع يجوز له الاحتساب من الزكاة بعد ظهور الاستحقاق، و إلّا أعادها.

المسألة السادسة: يجوز للمزكّي مقاصّة المستحقّ للزكاة بدين له في ذمّته،
اشارة

______________________________

(1) المنتهى 1: 527.

(2) الذخيرة: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 342

أي إسقاط ما في ذمّة المستحقّ للمزكّي من الدين على وجه الزكاة، حيّا كان المستحقّ أو ميّتا، بلا خلاف ظاهر في الموضعين.

و في المدارك و الذخيرة في الأول: أنّه مقطوع في كلام الأصحاب «1».

و في الأول في الثاني: أنّه المتّفق عليه بين علمائنا «2».

و في الحدائق فيهما: أنّه ممّا لا خلاف فيه بين العلماء «3»، و كذا عن المعتبر و المنتهى و التذكرة، و لكن في الأول خاصّة «4»، و عن كلام جماعة في الثاني أيضا.

و تدلّ على الأول صحيحة البجلي: عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي ان أدعه و أحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم» «5».

و رواية عقبة بن خالد، و فيها: يجي ء الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة» «6».

و موثقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال: «إذا كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلّب فيه بوجهه، فهو يرجو أن

يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 226، و الذخيرة: 464.

(2) المدارك 5: 227.

(3) الحدائق 12: 195.

(4) المعتبر 2: 576، المنتهى 1: 521، التذكرة 1: 242.

(5) الكافي 3: 558- 1، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.

(6) الكافي 4: 4- 34، الوسائل 9: 300 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 343

أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، و إن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا، فليعطه من زكاته و لا يقاصّه بشي ء من الزكاة» «1».

و حمل في الذخيرة ما في ذيلها عن الاستحباب «2»، و هو حسن، بل لا دلالة فيها على الوجوب؛ لاحتمال قوله: «و لا يقاصّه» للنفي.

و قوله: «فليعط» و إن كان أمرا، إلّا أنّه ليس للوجوب قطعا؛ لعدم وجوب إعطاء شخص معيّن.

و أمّا مفهوم الشرط في صدرها فكان مقيّدا لو لم يصرّح بحكم المفهوم في الذيل.

و حمل في الحدائق الذيل على الوجوب، و فرّق بينه و بين الصدر، بحمل الصدر على من يملك شيئا يفي بدينه و إن لم يف بقوت السنة، و الذيل على من لا يملك بما يفي بالدين أصلا، فيكون معسرا يجب إنظاره و لا يجوز الاستيفاء عنه و لو بالاحتساب من الزكاة «3».

و هو كان حسنا لو كان الذيل دالّا على الوجوب؛ مع أنّ الظاهر من الإنظار الواجب هو عدم مطالبة المديون.

و أمّا الاحتساب من الزكاة فكونه منافيا له غير معلوم، بل يمكن جعله من أفراد التصدّق المأمور به في الآية بقوله وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ «4».

و يدلّ على الثاني إطلاق رواية

عقبة السابقة، و رواية يونس بن عمّار:

«قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدّى و إن مات قبل ذلك

______________________________

(1) الكافي 3: 558- 2، الوسائل 9: 296 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 3.

(2) الذخيرة: 464.

(3) الحدائق 12: 197.

(4) البقرة: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 344

احتسب به من الزكاة» «1»، و نحوها رواية إبراهيم السندي «2».

و كذا يجوز قضاء دين الميّت من الزكاة فيما إذا كان من له الدين غير المزكّي، فيؤدّي دينه من زكاته بلا خلاف ظاهر أيضا، و في الذخيرة: لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب «3»، و في المدارك: اتّفاق العلماء عليه «4».

و تدلّ عليه صحيحة البجلي، و حسنة زرارة، و روايتا موسى بن بكير و صبّاح بن سيابة، المتقدّمة جميعا في بيان الصنف السادس من أصناف المستحقّين «5».

فروع:

أ:

لا يشترط في الحيّ الذي تحتسب عليه الزكاة لدينه فقره، بل يشترط فيه ما يشرط في الغارم، كما مرّ مع دليله.

ب:

هل يشترط في الأداء عن الميّت قصور تركته عن الوفاء بالدين، كما عن الإسكافي و الشيخ في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان و الروضة «6»، و اختاره جمع من المتأخّرين «7»؟

أو لا يشترط، كما عن ظاهر نهاية الشيخ و الحلّي و المحقّق و المختلف

______________________________

(1) الكافي 3: 558- 1، الفقيه 2: 32- 127، الوسائل 9: 299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.

(2) الكافي 4: 34- 5، الوسائل 9: 300 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 3.

(3) الذخيرة: 464.

(4) المدارك 5: 227.

(5) راجع ص 283- 284.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 183، المبسوط 1: 252، الوسيلة: 130، التذكرة 1: 237، التحرير 1: 69، الدروس 1:

241، البيان: 314، الروضة 2:

48.

(7) انظر: مجمع الفائدة 4: 164، المفاتيح 1: 207، الحدائق 12: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 345

و المنتهى و اللمعة «1»؟

حجّة الأولين: حسنة زرارة المشار إليها.

و دليل الآخرين: إطلاق بعض روايات الأداء عنه.

و انتقال التركة بالموت إلى الوارث فصار عاجزا عن الأداء.

و يردّ الأول: بوجوب تقييد الإطلاق بالحسنة.

و الثاني: بأنّه لا انتقال إلّا بعد الدين؛ لقوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ «2».

و منه يظهر وجه آخر للاشتراط؛ إذ مفاد الآية وجوب صرف التركة إلى الدين؛ و تدلّ عليه الأخبار أيضا «3»، فالاشتراط هو الأقوى.

و لو وقت التركة ببعض الدين اختصّ جواز الوفاء بالزكاة بالباقي.

ج:

لو وفت التركة بالدين و لكن تعذّر استيفاؤه منها لعدم إمكان إثباته أو غير ذلك، فجوّز الشهيد الثاني الاحتساب عليه «4»، و تنظّر فيه في المدارك «5»، و جعله في الذخيرة في موقعه «6»، و هو كذلك، بل عدم جواز الاحتساب أقوى.

د:

لو كان الدين على من يجب على المزكّي الإنفاق عليه جاز له القضاء عنه و المقاصّة حيّا كان أو ميّتا، بلا خلاف يوجد، كما مرّ في بيان اشتراط كون الفقير غير واجبي النفقة.

______________________________

(1) النهاية: 188، الحلي في السرائر 1: 462، المحقق في المعتبر 2: 576، المختلف: 183، المنتهى 1: 521، اللمعة (الروضة 2): 48.

(2) النساء: 11.

(3) الوسائل 19: 329 كتاب الوصايا ب 28.

(4) المسالك 1: 60.

(5) المدارك 5: 228.

(6) الذخيرة: 465.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 346

ه:

لو كان دين لغنيّ عليه زكاة على فقير علم باشتغاله بالزكاة، فإن احتمل الفقير أداء الغني زكاته فهو، و إن علم أنّه لم ينو الأداء جاز له أن يقاصّ دينه لزكاته، بل يجب إن لم

يتمكّن من إبراء ذمّته بنحو آخر، من باب استخلاص حقّ الفقراء و الأمر بالمعروف.

المسألة السابعة: يجوز تولّي المالك إيصال الزكاة إلى مستحقّها بنفسه،
اشارة

على الحقّ المشهور، كما صرّح به جماعة «1»، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه «2»، و كذا عن الغنية في زمن الغيبة «3»، و في المبسوط و الخلاف نفي الخلاف فيه في الأموال الباطنة، كزكاة النقدين و التجارات «4».

و في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف: الإجماع على جواز تولّيه مطلقا «5».

للأصل و العمومات «6»، و لقوله سبحانه إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ «7»، إلّا أنّه ورد في الأخبار الكثيرة تخصيص ما يخفى بغير الزكاة «8».

و ما مرّ من احتساب ربّ الزكاة دينه للزكاة، و من أداء دين الأب من الزكاة.

و ما دلّ على جواز اشتراء الرجل من زكاته مملوكا يباع و اشتراء الأب.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 12: 221، و الذخيرة: 465.

(2) التذكرة 1: 241، المنتهى 1: 514.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(4) المبسوط 1: 233 و 244، الخلاف 4: 225.

(5) الخلاف 4: 225.

(6) انظر: الوسائل 9: 217 و 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 4 و ب 36.

(7) البقرة: 271.

(8) الوسائل 9: 392 و 395 أبواب الصدقة ب 12 و ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 347

و الأخبار الدالّة على ذلك بخصوصه، كحسنة زرارة و محمّد، الواردة في بيان مصرف الزكاة، و فيها: «فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» «1».

و رواية أبي بصير، و فيها: «فلو أنّ رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا» «2».

و رواية إسحاق بن عمّار: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة أ

فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم» «3».

و رواية الصهباني: هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني الزكاة الدرهمين و الثلاثة دراهم فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: «ذلك جائز» «4».

و في الروايات الكثيرة: «أعطه من الزكاة حتى تغنيه» «5».

و ما ورد من الأخبار الدالّة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقّين «6»، و على نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحقّ «7»، و على التوكيل في تفريق الزكاة «8»، و غير ذلك من الأخبار المتكثّرة في الأبواب العديدة.

______________________________

(1) الكافي 3: 496- 1، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 501- 16، التهذيب 4: 104- 297، الوسائل 9: 309 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 551- 1، التهذيب 4: 100- 283، الاستبصار 2: 33- 100، الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.

(4) التهذيب 4: 63- 169، الاستبصار 2: 38- 118، الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5.

(5) الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.

(6) الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 4.

(7) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.

(8) الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 348

خلافا للمفيد و الحلبي، فأوجبا الدفع إلى الإمام أو عامله مع حضوره، و إلى الفقيه الجامع للشرائط مع الغيبة «1».

و للقاضي و ابن زهرة، فخصّا وجوب الدفع إلى الإمام في زمان الحضور، و جوّزا قسمة المالك في زمن الغيبة «2».

لقوله سبحانه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً «3».

و لمطالبة أبي بكر الزكاة و قتاله

عليها مع عدم إنكار الصحابة «4».

و لأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الولي عمّالهما بأخذ الصدقات و جبايتها، كما هو المعلوم من سيرتهما في حياتهما، و المنصوص عليه في الروايات الكثيرة «5».

و يردّ الأول: بأنّ غايته وجوب الدفع مع المطالبة، و هو لا يستلزم وجوبه قبلها؛ مع أنّ الضمير عائد إلى من تقدّم في قوله سبحانه:

وَ آخَرُونَ .. خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً «6»، و لا يلزم من وجوب الأخذ عنهم الأخذ من غيرهم.

و أيضا لا يتعيّن أن تكون الصدقة هي الزكاة، بل هي أموال يعطونها لتكون كفّارة لما أذنبوه من التخلّف، فإنّه روي: أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، هذه أموالنا التي خلقتنا منك فتصدّق بها عنّا و طهّرنا و استغفر لنا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فأنزل اللّه تعالى .. الآية «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 252، الحلبي في الكافي في الفقه: 172.

(2) القاضي في المهذب 1: 171، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) التوبة: 103.

(4) تأريخ الطبري 2: 476، 495، 502.

(5) انظر: الوسائل 9: 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 1، و ص 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14.

(6) التوبة: 102.

(7) مجمع البيان 3: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 349

و أيضا الخطاب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا يعلم مساواة الأئمّة له، و لو علم فلا يتعدّى إلى غيرهم- كما هو المفيد لنا- قطعا، فيمكن أن يكون ذلك مختصّا بهم، بل بحال ظهور سلطانهم ليكون عونا لهم على المصالح و العساكر، كما ذكره في الحدائق «1».

و يدلّ عليه المرويّ في العلل: أقبل رجل إلى

الباقر عليه السلام، فقال:

رحمك اللّه، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهما فضعها في مواضعها، فإنّها زكاة مالي، فقال عليه السّلام: «بل خذها أنت وضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين، و في إخوتك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنّه يقسّم بالسويّة» «2» الحديث.

و بهذا يظهر الجواب عن الأخيرين أيضا، مع أنّ عدم إنكار جميع الصحابة على أبي بكر غير مسلّم، مضافا إلى أنّ مقاتلته كانت لامتناعهم من أداء الزكاة مطلقا.

فروع:

أ:

كما يجوز للمالك التقسيم يجوز له التوكيل و الاستنابة فيه؛ للأخبار المستفيضة، كموثقة سعيد: الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم» «3»، و بمضمونها حسنة الحسين «4»، و صحيحة البجلي «5».

______________________________

(1) الحدائق 12: 223.

(2) العلل: 161- 3، الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 1.

(3) الكافي 3: 555- 1، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 1.

(4) الكافي 3: 555- 2، التهذيب 4: 104- 295، الوسائل 9: 288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.

(5) الكافي 3: 555- 3، التهذيب 4: 104- 296، المقنعة: 261، الوسائل 9: 288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 350

و كصحيحة جميل: في الرجل يعطي غيره الدراهم ليقسمها، قال:

«يجري له مثل ما يجري للمعطي، و لا ينقص المعطي من أجره شي ء» «1».

و في رواية صالح بن رزين، عن شهاب: إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها، قال: «نعم، لا بأس بذلك» «2».

و الأخبار الكثيرة المتقدّمة في بحث تلف الزكاة التي بقيت عند غيره «3».

و في رواية ابن يقطين: عمّن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به،

فقال: «إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها» «4».

و المستفاد من الأخيرة وجوب كون الوكيل أو النائب ثقة و لا ريب فيه، بل يلزم عدالته؛ لعدم الوثوق بغير العادل.

ب:

صرّح جماعة- منهم: الفاضلان و الشهيدان- باستحباب الدفع في زمان الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط «5»، و عن الخلاف: الإجماع عليه.

لفتوى الأعيان و نقل الإجماع و الخروج عن شبهة الخلاف، و لأنّه أبصر بمواقعها و أخبر بمواضعها.

ج:

لو طلبها الفقيه لا يجب الدفع إليه، إلّا إذا كان الراجح عنده

______________________________

(1) الكافي 4: 18- 3، الفقيه 2: 40- 176، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 2 و 3.

(2) الكافي 4: 17- 1، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 4.

(3) الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(4) الكافي 3: 539- 6، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.

(5) المحقق في الشرائع 1: 164، و المعتبر 2: 578، العلّامة في المنتهى 1:

514، و المختلف: 187، الشهيد الأول في الدروس 1: 246، و البيان: 323 و اللمعة (الروضة 2): 53، الشهيد الثاني في المسالك 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 351

وجوب الدفع إليه، و كان ربّ الزكاة مقلّدا له، و لا يجوز له الطلب الحتميّ أيضا إلّا مع علمه بوجودها عنده و عدم إقدامه على دفعها بنفسه.

المسألة الثامنة [عدم وجوب البسط على الأصناف ]

لا خلاف بين الأصحاب- كما صرّح به جماعة «1»- في عدم وجوب البسط على الأصناف، و أنّه يجوز تخصيص جماعة من كلّ صنف أو صنف واحد، بل شخص واحد من بعض الأصناف، و عن الخلاف و التذكرة: الإجماع عليه «2».

و تدلّ عليه الأخبار العديدة

من الصحاح و غيرها «3»، و في تفسير العيّاشي: عن الصادق عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ إلى آخر الآية، فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك» «4».

و ليس في الآية حجّة علينا؛ لأنّها لبيان المصرف، و اللام فيها للاختصاص دون الملكيّة.

نعم، صرّحوا بأفضليّة البسط، و لا دليل عليه تامّا سوى فتاوى الأعيان.

المسألة التاسعة: يجوز تفضيل بعض الفقراء على بعض؛

للأصل، بل يستحبّ في بعض المواضع.

كما يستحبّ ترجيح الأقارب و تفضيلهم على غيرهم كما مرّ في الفرع الثامن من الوصف الثالث [1]، و أهل الفقه و العقل؛ لرواية عبد اللّه بن عجلان «5».

______________________________

[1] أي من أوصاف المستحقّين للزكاة.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 12: 224، و الذخيرة: 465.

(2) الخلاف 4: 226، التذكرة 1: 244.

(3) كما في الوسائل 9: 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28.

(4) تفسير العياشي 2: 90، الوسائل 9: 267 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 5.

(5) الكافي 3: 549- 1، الفقيه 2: 18- 34، التهذيب 4: 101- 285، الوسائل: 288 9: 262 أبواب المستحقين للزكاة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 352

و من لا يسأل على من يسأل؛ لصحيحة البجلي «1».

و يستحبّ إغناء الفقير بالزكاة؛ للمستفيضة.

و صرف صدقة المواشي إلى المتجمّلين و من لا عادة له بالسؤال، و صرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين؛ لرواية ابن سنان «2».

المسألة العاشرة: اختلفوا في جواز نقل الزكاة عن بلدها و عدمه.
اشارة

فذهب المفيد و الشيخ في المبسوط و الاقتصاد و الحلبي و ابن حمزة و الفاضل في التحرير و المنتهى و المختلف و الشهيد الأول في الدروس و الثاني في المسالك و الروضة و حواشي القواعد و حواشي الإرشاد على ما حكي عنهم «3» و أكثر متأخّري المتأخّرين [1] إلى الأول.

و اختار في الخلاف و الشرائع و الإرشاد و التذكرة و اللمعة و البيان:

الثاني «4»، و في الحدائق: أنّه المشهور «5»، و عن التذكرة: إجماع علمائنا عليه «6».

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 271، و السبزواري في الذخيرة: 466، و صاحب الرياض 1: 277.

______________________________

(1) الكافي 3: 550- 2، التهذيب 4: 101- 284، الوسائل 9: 261 أبواب المستحقين للزكاة ب 25 ح 1.

(2) الكافي 3: 550- 3، التهذيب

4: 101- 286، المحاسن: 304- 13، العلل:

371- 1، الوسائل 9: 263 أبواب المستحقين للزكاة ب 26 ح 1.

(3) المفيد في المقنعة: 240، المبسوط 1: 245 و 263، الاقتصاد: 279، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، ابن حمزة في الوسيلة: 130، التحرير 1: 70، المنتهى 1: 529، المختلف: 190، الدروس 1: 246، المسالك 1: 62، الروضة 2: 40.

(4) الخلاف 2: 28، الشرائع 1: 165، الإرشاد 1: 289، التذكرة 1: 244، اللمعة (الروضة 2): 39، البيان: 320.

(5) الحدائق 12: 239.

(6) التذكرة 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 353

و الحقّ: هو الأول؛ للأصل، و الإطلاقات، و المستفيضة، كمرسلة و رواية درست: في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده، قال: «لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع، شكّ أبو أحمد» «1».

و صحيحة هشام: في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، إله أن يخرج الشي ء منها من البلد الذي هو به إلى غيره؟ قال: «لا بأس» «2».

و صحيحة أحمد بن حمزة: عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها إلى إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ قال «نعم» «3».

و في موثقة وهب بن حفص: الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض، فيقطع عليه الطريق، فقال: «قد أجزأت عنه، و لو كنت أنا لأعدتها» «4».

حجّة المانعين: حكاية الإجماع.

و أنّ فيه نوع تغرير بالزكاة و تعريضا لإتلافها، فيكون حراما.

و أنّه مناف للفوريّة.

و صحيحة الحلبي: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب للمهاجرين» «5».

و صحيحة الهاشمي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم صدقة أهل

______________________________

(1) الكافي 3: 554- 6، الفقيه 2: 16- 49، التهذيب 4: 46- 120، الوسائل 9:

283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37

ح 2.

(2) الكافي 3: 554- 7، الفقيه 2: 16- 50، الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1.

(3) التهذيب 4: 46- 122، الوسائل 9: 283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 4.

(4) الكافي 3: 554- 9، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6.

(5) الكافي 3: 554- 10، التهذيب 4: 108- 309، المقنعة: 263، الوسائل 9:

284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 354

البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر» «1».

و صحيحة ضريس: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟

فقال: «في أهل ولايتك»، فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم» «2».

و رواية يعقوب بن شعيب: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته»، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم» «3».

و يضعّف الأول: بعدم الحجّية.

و الثاني: باندفاعه بالضمان.

و الثالث: بمنع وجوب الفوريّة، سلّمنا لكن النقل شروع في الإخراج.

و الرابع: بعدم الدلالة؛ إذ قد تكون صدقة المهاجر في أرض الأعراب و بالعكس و قد يحضر الأعراب في بلد المهاجر، و المهاجر في أرض الأعراب.

و كذا الخامس؛ لأنّ أهل الحضر لا يتعيّن أن يكونوا من بلد واحد، فيقسّم صدقة أهل المدينة في أهل مكّة، مضافا إلى قصورها عن إفادة الوجوب.

و كذا السادس و السابع، بل لا وجه لتوهّم دلالتهما و إن احتجّ بهما للوجوب في الحدائق «4»، إلّا أن يحمل أهل الولاية على أهل البلد. و هو منه بعيد، فإنّ المراد به أهل الإيمان الخاصّ، كما صرّح به في

______________________________

(1)

الكافي 3: 554- 8، التهذيب 4: 103- 292، الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2.

(2) الكافي 3: 555- 11، الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 5.

(3) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 3.

(4) الحدائق 12: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 355

الروايات «1». أو يستنبط من قول الراوي: إنّي في بلاد، إلى آخره، و قوله:

فإن لم يحضره، إلى آخره، حيث إنّه لو جاز النقل لما احتاج إلى السؤال.

و فيه: أنّه في كلام الراوي، و لم يدلّ على اعتقاده بحرمة النقل حتى يفيد التقرير.

فروع:

أ:

لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء على القولين، بلا خلاف كما قيل «2»، بل بالإجماع كما في المنتهى و التذكرة و المختلف «3» و غيرها «4»؛ للأصل، و صدق الامتثال و إن أثم بالنقل على القول الثاني.

و احتمل في الروضة عدم الإجزاء؛ لتعلّق النهي «5».

و فيه: أنّه تعلّق بالإخراج دون الدفع بعده.

ب:

ما مرّ من الخلاف إنّما هو مع وجود المستحق في البلد، و أمّا مع إعوازه فيجوز إجماعا كما عن التذكرة و المنتهى «6»؛ للأصل، و توقف الدفع الواجب عليه، و صحيحة ضريس و رواية يعقوب المتقدمتين، و غيرهما «7».

و لو احتمل حضور مستحق في البلد، فهل يتعيّن عليه النقل، أو يتخير؟

______________________________

(1) الوسائل 9: 216 و 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 و 5.

(2) الحدائق 12: 241.

(3) المنتهى 1: 529، التذكرة 1: 244، المختلف 2: 190.

(4) المدارك 5: 269.

(5) الروضة 2: 40.

(6) التذكرة 1: 244، المنتهى 1: 529.

(7) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 356

اختار في الذخيرة: الأوّل «1»؛

لوجوب مقدّمة الواجب.

و فيه: منع التوقف لو احتمل الحضور.

و حكي عن الإرشاد: الثاني، و في النسبة نظر، و اختاره بعض آخر؛ للأصل.

و هو حسن، لو لا الأمر بالبعث في صحيحة ضريس، فتأمّل.

ج:

هل جواز النقل على المختار مخصوص بصورة عدم خوف التلف، أو مطلق؟

صرّح الحلبي و ابن زهرة- على ما حكي عنهما- بالأول، إلّا مع إذن الفقير «2». و ظاهر إطلاقات الفتاوي: الثاني «3».

د:

ظاهر القائلين بعدم جواز النقل وجوب التقسيم في البلد لا في أهل البلد، فيجوز الدفع في البلد إلى الغرباء و أبناء السبيل، و نفى عنه الشبهة بعض الأجلّة «4».

ه:

لو أخرج الزكاة عن البلد فتلفت يضمن مع وجود المستحقّ في البلد لا مع إعوازه، كما مرّ بيانه في مسألة تلف الزكاة.

و:

قال في المنتهى بكراهة النقل «5»، و حكي عن ابن حمزة أيضا «6»، دفعا لشبهة الخلاف، و لا بأس به؛ له، و لدعوى الإجماع على استحباب الصرف في بلد المال «7».

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 466.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 173، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) انظر: الشرائع 1: 165، و التذكرة 1: 244، و البيان: 320.

(4) غنائم الأيام: 342.

(5) المنتهى 1: 529.

(6) الوسيلة: 140.

(7) كما في المدارك 5: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 357

ز:

قال في المنتهى باستحباب الدفع إلى أقرب الأماكن إذا نقلها «1»، و عن المعتبر و المسالك: تقديم الأقرب فالأقرب «2»؛ و لا يحضرني وجهه.

ح:

المراد بالبلد الذي اختلف فيه كما ذكرنا: بلد المال، أي البلد الذي فيه المال الزكويّ حال استجماع الشرائط من الحول و غيره، و إن كان قبله بلد آخر.

ط:

لو نقل لا يجوز احتساب الأجرة من الزكاة، إلّا إذا تعيّن النقل؛ لعدم وجود المستحقّ في البلد.

ى:

لو

كان المالك في غير بلد المال يجب صرفه في بلد المال، على القول بتحريم النقل، و يستحبّ على المختار. و يجوز نقله إلى بلده.

و لو دفع العوض في بلده جاز أيضا على المختار، بل صرّح به في الشرائع مع اختياره حرمة النقل «3»، بل في المدارك: أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب «4».

و لعلّ الوجه: أنّ سبب التحريم كان التغرير و التأخير، و هما منتفيان حينئذ.

نعم، لو كان الاستناد في المنع إلى الأخبار اتّجه عدم جواز دفع العوض أيضا.

يا:

نقل الزكاة إنّما يتحقّق بنقل جميع المال الزكوي قبل ضمان المثل أو القيمة أو التبديل، أو بنقل بعض المال بدون قصد كونه لنفسه فينقل حينئذ قدر الحصّة من الزكاة أيضا، أو بنقل قدر الفريضة بعد إفرازها عينا، أو بدلا لو قلنا بجوازه مطلقا، أو في الجملة كما يأتي.

______________________________

(1) المنتهى 1: 529.

(2) المعتبر 2: 589، المسالك 1: 62.

(3) الشرائع 1: 165.

(4) المدارك 5: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 358

المسألة الحادية عشرة: أجرة الكيل و الوزن على المالك،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    358     المسألة الثانية عشرة كون المستحق فقيرا و عاملا و غارما ..... ص : 358

ى الأظهر الأشهر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر [1]؛ لتوقّف الدفع الواجب عليه عليها، فيكون عليه من باب المقدّمة.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط «1»؛ لأنّه سبحانه أوجب على المالك قدرا معلوما من الزكاة، فلو وجبت الأجرة عليه لزم أن يزاد الواجب على القدر الذي وجب.

و فيه: أنّ تقدير الواجب بالأصالة بقدر لا يقتضي عدم وجوب شي ء آخر عليه من باب المقدّمة في بعض الأحيان.

المسألة الثانية عشرة [كون المستحقّ فقيرا و عاملا و غارما]

لو اجتمعت للمستحقّ أسباب- كأن يكون فقيرا و عاملا و غارما- يجوز أن يعطى بكلّ سبب نصيب؛ لصدق هذه العنوانات عليه، فيدخل تحت عموم الآية «2» و الأخبار «3».

و أمّا ما في الحدائق، من التوقّف في الحكم؛ لعدم دليل عليه، و لادّعاء تبادر تغاير هذه الأفراد من الآية و الروايات؛ لأنّه الشائع المتكثّر، و لأنّه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيد على غناه فكيف يعطى من حيثيّة أخرى مع اشتراط الغرم مثلا بالعجز عن الأداء «4»؟!.

ففاسد جدّا؛ لوجود الدليل كما مرّ، و منع التبادر المذكور جدّا، و عدم استلزام الإعطاء من حيث الفقر القدرة على الأداء مثلا، و أيضا العمل لا يشترط بعجز أو فقر، و بالجملة ضعفه ظاهر.

المسألة الثالثة عشرة: يستحبّ للعامل و الفقيه و الفقير الدعاء للمالك بعد أخذ الزكاة؛

______________________________

[1] منهم السبزواري في و الذخيرة: 469.

______________________________

(1) المبسوط 1: 256.

(2) التوبة: 61.

(3) الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1.

(4) الحدائق 12: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 359

أمّا من حيث استحباب الدعاء مطلقا فظاهر، و أمّا من جهة خصوص المورد فلفتوى جمع من الأصحاب [1].

و لا يجب قطعا؛ للأصل، و عدم الدليل سوى الآية المخصوصة بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطابا و تعليلا بقوله سبحانه إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ «1».

مضافا إلى عدم معلوميّة شمول مرجع الضمير لجميع المؤمنين، و عدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة و بعد قبضها، بل عدم ظهورها فيه أيضا.

المسألة الرابعة عشرة: يكره لربّ الزكاة تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة أو المندوبة،

بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «2»، بل مطلقا كما في المنتهى «3»، بل بالإجماع كما في المدارك «4».

أمّا الجواز: فللأصل المؤيّد بنقل الإجماع من جماعة [2]، و إطلاق قوله سبحانه إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ «5».

و رواية محمّد بن خالد: «إذا أخرجها- يعني الشاة- فليقوّمها في من يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها» «6».

______________________________

[1] كالشيخ في المبسوط 1: 244، المحقق في المختصر النافع: 60، العلّامة في المنتهى 1: 531.

[2] منهم العلّامة في المنتهى 1: 530، و التذكرة 1: 242، و صاحب الرياض 1:

288.

______________________________

(1) التوبة: 103.

(2) الذخيرة: 469.

(3) المنتهى 1: 531.

(4) المدارك 5: 284.

(5) النساء: 29.

(6) التهذيب 4: 98- 276، الوسائل 9: 131 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 360

و أمّا الكراهة: فلما مرّ من نفي الخلاف و الإجماع المنقول الكافيين في مقام المسامحة، المؤيّدين ببعض وجوه اعتباريّة صالحة لحكمة الحكم.

و الكراهة إنّما هي إذا تملّكها

اختيارا، و أمّا لو عاد إليه بميراث و شبهه فلا كراهة فيه على ما صرّحوا به «1». و نفى عنه الخلاف في المنتهى «2»؛ للأصل، و اختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض.

و كذا لو احتاج إلى شرائها، بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير، فإنّه تزول الكراهة حينئذ إجماعا، كما عن المنتهى و التذكرة «3».

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 591، و التذكرة 1: 242، و الذخيرة: 469.

(2) المنتهى 1: 531.

(3) المنتهى 1: 531، و التذكرة 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 361

الفصل الرابع في وقت إخراجها، و تسليمها، و ما يعتبر فيهما
و فيه مسائل:
المسألة الأولى [وقت تعلّق وجوب الزكاة الاستقراري حولان الحول الشرعي ]
اشارة

قد عرفت أنّ وقت تعلّق وجوب الزكاة الاستقراري- في ما يعتبر فيه الحول-: حولان الحول الشرعي، و في الغلّات: التسمية.

و أمّا وقت وجوب الإخراج، ففي الأول: هو وقت الوجوب، و في الثاني: وقت التصفية و يبس الثمرة، بمعنى: أنّه يصحّ الإخراج حينئذ.

بالإجماع، و الأخبار، كموثقة يونس: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس شيئا منها مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، و لا تخلطها بشي ء، ثمَّ أعطها كيف شئت» «1».

و صحيحة سعد بن سعد: عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخّرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال: «متى حلّت أخرجها»، و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال: «إذا صرم و إذا خرص» «2».

و رواية أبي حمزة: عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أداؤها، قال: «اعزلها» «3» إلى آخر الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم الوجوب قبل الحول، و أنّه

______________________________

(1)

الكافي 3: 522- 3، التهذيب 4: 45- 119، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.

(2) الكافي 3: 523- 4، الوسائل 9: 306 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1.

(3) الكافي 4: 60- 2، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 362

يزكّي بعد حولان الحول «1»، و هي كثيرة.

و هل الوجوب فوري، أم لا؟ فيه أقوال ثلاثة:

وجوب الإخراج و الدفع فورا، و إليه ذهب الفاضلان «2»، و هو ظاهر المقنعة «3»، و في المنتهى الإجماع عليه «4».

و عدمهما كذلك، اختاره الحلّي و الشهيدان و المدارك و الذخيرة «5»، و في السرائر: الإجماع عليه و نفي الخلاف فيه.

و وجوب العزل و الإخراج فورا دون الدفع و التسليم، فيجوز فيه التأخير، و هو صريح الشيخ في المبسوط و النهاية «6»، و نسبه في التذكرة إلى المفيد أيضا «7»، و هو الأقوى.

أمّا وجوب العزل و الإخراج، فلموثّقة يونس المتقدّمة، و رواية أبي حمزة، فإنّه إذا وجب العزل مع عدم إمكان الأداء وجب بدونه بالطريق الأولى، و الإجماع المركّب .. و ليس استفادة فوريّة الإخراج منهما من مجرّد الأمر بالإخراج العزل؛ لأنّه لا يفيد الفور، بل بقرينة المقام و سياق الرواية.

و أمّا عدم وجوب الدفع فورا، فللأصل السالم عن المعارض جدّا، و لموثّقة يونس، و للمستفيضة الآتية المصرّحة بجواز تأخير الزكاة مطلقا أو مقيّدا بمدّة- إمّا بحملها على الدفع، جمعا بينها و بين ما ظاهره الفور، بحمله

______________________________

(1) الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51.

(2) المحقق في المعتبر 2: 553، و الشرائع 1: 167، العلّامة في التحرير 1: 66، و التذكرة 1: 237.

(3) المقنعة: 240.

(4) المنتهى 1: 510.

(5)

الحلي في السرائر 1: 454، الشهيد في الدروس 1: 245، و البيان: 324، الشهيد الثاني في الروضة 2: 39، المدارك 5: 289، الذخيرة: 428.

(6) المبسوط 1: 234، النهاية: 183.

(7) التذكرة 1: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 363

على الإخراج بشهادة الموثّقة؛ أو لعدم تعيّن المجوّز تأخيره فيها هل هو الإخراج أو الدفع، و لكنه يتضمّن الدفع قطعا، لأنّ جواز تأخير الإخراج يستلزم جواز تأخير الدفع و لا عكس- و للأخبار المتقدّمة الدالّة على جواز بعث الزكاة من بلد إلى آخر من غير استفصال لوجود المستحقّ و عدمه.

احتجّ الأولون: بالإجماع المنقول «1».

و الأمر بإيتاء الزكاة، و هو للفور.

و مطالبة المستحقّ بشاهد الحال، فيجب التعجيل كالدين.

و لقوله في حسنة محمّد: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو له ضامن حتى يدفعها» «2».

و صحيحة سعد المتقدّمة «3».

و مفهوم الغاية في الأخبار المتكثّرة الناطقة: بأنّه لا زكاة عليه، أو لا يزكّيه حتى يحول الحول «4».

و المشبّهة لها بالصلاة و الصوم في عدم جواز التأخير عن الوقت إلّا قضاء، كما في حسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و يحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء» «5».

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 510.

(2) الكافي 3: 553- 1، الفقيه 2: 15- 21، التهذيب 4: 47- 125، الوسائل 9:

285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.

(3) في ص: 361.

(4) كما في الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51.

(5) الكافي 3: 523- 8، التهذيب 4: 43- 110، الاستبصار 2: 31-

92، الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 364

و المرويّ في مستطرفات السرائر عن نوادر ابن محبوب: «إن كنت تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» «1».

و الرضوي: «إنّي أروي عن أبي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها؛ لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة و لا تأخيرها إلّا أن تكون قضاء، و كذلك الزكاة» «2».

و الأوّل: مردود بمنع الحجّية، سيّما مع معارضته بمثله.

و الثاني: بمنع الفوريّة.

و الثالث: بمنع الملازمة، و القياس على الدين باطل؛ لوجود الفارق، و هو أنّه حقّ لمعيّن، بخلاف هذه.

و الرابع: بعدم استلزام الضمان للإثم.

و الخامس: بعدم الدلالة على الوجوب أولا، و على وجوب الأداء و الدفع ثانيا، و غايته وجوب الإخراج و هو مسلّم.

و السادس: بأنّ غاية ما يدلّ عليه وجوب الزكاة بعد الحول و لا كلام فيه، و إنّما الكلام في التضيّق، سلّمنا ذلك، و لكن وجوب الزكاة لا يستلزم وجوب الدفع، بل تتحقّق التزكية بالإخراج.

و منه يظهر ردّ الثلاثة الأخيرة.

مضافا إلى ما في الأول «3» من عدم الدلالة إلّا على عدم جواز التقديم

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 99- 25، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 4.

(2) فقه الرضا (ع): 197، مستدرك الوسائل 7: 130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(3) أي الأول من الثلاثة الأخيرة، و هو السابع بالأحرى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 365

في قوله: «ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها»، فيدلّ على أنّ الزكاة

أيضا لا تؤدّى إلّا لوقتها، و المعلوم من وقتها أنّه بعد الحول و ليس قبله وقت، و أمّا تحديده بحدّ بعده فعين المتنازع فيه. و أمّا قوله: «و لا يصوم» إلى آخره، فالمطلوب منه أيضا أنّه لا صوم إلّا في غير وقته إلّا بعنوان القضاء، فكذلك الزكاة، فلا زكاة في غير وقته، و لكن الكلام في تعيين الوقت.

و ما في الأخيرين من الضعف المانع عن الحجيّة.

و ما في الأخير من الإجمال الحاصل من مدافعة أوله مع ما بعده.

و الجمع بين الأول و ما بعده- بالتفرقة بين العذر و غيره- غير معلوم؛ لجواز الجمع بالتفرقة بين الأصل و الرخصة- كما ورد في عبارة المفيد «1»- أو بين الإعطاء و الإخراج، بحمل الأول على الأول و الثاني على الثاني، بأن يراد من الدفع: الدفع من المال.

و من جميع ما ذكرنا ظهر أنّه لا حاجة في الجواب عن هذه الأخبار بلزوم حملها على العزل للجمع بينها و بين ما مرّ حتى يقال: إنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ و هو هنا مفقود؛ لاستفاضة هذه الأخبار و شهرتها، و حكاية الإجماع، و احتمال ورود ما مرّ للتقيّة، فإنّ جواز التأخير محكيّ عن أبي حنيفة «2».

مع ما في بعض ما مرّ من الوهن، فإنّ الموثّقة تتضمّن جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة و الإثبات، مع أنّ الظاهر أنّه ليس مراد القائلين به، و بعض أخبار جواز تأخير الزكاة تتضمّن جواز تقديمها أيضا «3». و هو غير جائز.

مع أنّه يمكن التفصّي عن هذه الأمور أيضا بمنع فقد التكافؤ،

______________________________

(1) في المقنعة: 240.

(2) كما في المغني لابن قدامة 2: 541.

(3) الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 366

كيف؟!

مع أنّ أخبار جواز تأخير الدفع أكثر، و كثير منها صحاح، و الشهرة المتأخّرة «1» معها، و الإجماع المنقول في السرائر يعضدها «2»، و محض ترجيح الشهرة المتقدّمة- لو سلّمت- على المتأخّرة لا يوجب منع التكافؤ، سيّما مع ما عرفت في أخبار المنع من فقد الدلالة.

و الجواز و إن كان مذهب أبي حنيفة، و لكن عدمه أيضا مذهب الشافعي و أحمد كما في المنتهى و التذكرة «3»، و مجرّد أشهريّة مذهب أبي حنيفة في بعض الأعصار لا يصلح قرينة لحمل أخبار الجواز على التقيّة.

و أمّا تضمّن الموثّقة و بعض أخبار التأخير لما ذكر فلا يوجب و هنا في سائر أجزاء الخبر، كما هو القاعدة المسلّمة، مع أنّ الموثّقة ليست دالّة على جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة و الثبت؛ لاحتمال أن يكون المراد كتابة المعزول و تثبيته بعد عزله، و تقديم الزكاة في بعض الأخبار لو لم يجز محمول على سبيل القرض كما يأتي.

استدلّ الثاني: بالأصل.

و بموثّقة يونس المتقدمة «4»، و صحيحة ابن سنان: في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقي بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس» «5».

و صحيحة حمّاد: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» «6».

______________________________

(1) انظر رقم 5 من ص: 362.

(2) السرائر 1: 454.

(3) المنتهى 1: 510، التذكرة 1: 237.

(4) في ص: 361.

(5) الكافي 3: 523- 7، التهذيب 4: 45- 118، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.

(6) التهذيب 4: 44- 114، الاستبصار 2: 32- 96، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 367

و صحيحة ابن عمّار: الرجل تحلّ عليه الزكاة

في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم، قال: «لا بأس»، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان، قال: «لا بأس» «1».

و مرسلة الفقيه: قد روي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستّة أشهر «2».

و عموم الأخبار المجوّزة لبعث الزكاة إلى بلد آخر «3».

و يجاب عن الأصل باندفاعه- بالنسبة إلى الإخراج- بما مرّ.

و عن الموثّقة بأنّها مخصوصة بالدفع، و كذا صحيحة ابن سنان و الأخبار المجوّزة للبعث.

و عن الصحيحة الأخرى و المرسلة بلزوم حملهما على الدفع؛ للجمع، أو الإجمال كما مرّ، مع أنّهما ظاهرتان في الدفع بقرينة التعجيل و التقديم، فإنّ الظاهر أنّهما تكونان في الدفع دون العزل.

فروع:

أ:

أجمع القائلون بفوريّة الدفع أنّها مع المكنة، و أمّا مع وجود العذر- كفقد المستحقّ، أو غيبة المال، أو الخوف- فيجوز التأخير، و هو ظاهر.

و كذا وجوب الإخراج على ما اخترناه، فإنّه أيضا مقيّد بإمكان الإخراج؛ و وجهه أيضا ظاهر.

و لا يقيّد بإمكان الدفع فيجب العزل مع فقد المستحقّ، كما صرّح به

______________________________

(1) التهذيب 4: 44- 112، الاستبصار 2: 32- 94، الوسائل 9: 301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.

(2) الفقيه 2: 10- 29، الوسائل 9: 303 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 15.

(3) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 368

في رواية أبي حمزة «1».

ب:

جعل في المحرّر لابن فهد و التحرير و التذكرة و المنتهى و النهاية للفاضل عدم وجود جميع الأصناف و إرادة البسط عذرا «2»، فجوّزا معه تأخير الزكاة بعد دفع نصيب الموجودين.

و فيه نظر، و ليس في صحيحة ابن سنان دلالة على أنّ تأخير البعض للبسط على الأصناف، بل الظاهر أنّ

المراد منها بعض أفراد أخر، فإن كان المراد بالبسط: البسط على الأفراد- كما هو محتمل بعض كلمات هؤلاء- تصلح الصحيحة دليلا لتخصيص أخبار المنع إن تمّت دلالتها عليه.

ج:

و إذ عرفت جواز تأخير الدفع، فهل هو مطلق، كما هو ظاهر السرائر «3».

أو مقيّد بشهر أو شهرين، كما عن المبسوط و النهاية و الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة «4»، و صرّح به في صحيحة حمّاد؟

أو بثلاثة أشهر، كما يستفاد من صحيحتي ابن عمّار و سنان.

أو بأربعة و ستّة؟ كما في المرسلة؟

الحقّ هو الأول؛ لعدم دليل على التقييد، و التقييد في الأخبار المذكورة لا يدلّ على لزوم القيد أصلا، فإنّ نفي البأس عن تأخير مدّة لا يفيد ثبوته في غيره.

نعم، لو كانت أدلّة المنع تامّة و كنّا نخصّصها ببعض هذه الأخبار لأفاد التقييد، و لكن قد عرفت عدم تماميّتها.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 361.

(2) التحرير 1: 66، التذكرة 1: 238، المنتهى 1: 511، نهاية الإحكام 2: 404.

(3) السرائر 1: 454.

(4) المبسوط 1: 234، النهاية: 183، الشهيد الثاني في المسالك 1: 62، المدارك 5: 270، الذخيرة: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 369

نعم، الظاهر التقييد بعدم الأداء إلى الإهمال و الدخول في عنوان المتهاون بالأمر الواجب، كما صرّح به بعضهم «1»، و لعلّه يحصل بالتأخير أزيد من ستّة أشهر، بل أربعة بل ثلاثة من غير عذر، و قد تختلف الحالات و الأوقات و الأشخاص، و ذلك هو وجه اختلاف الأخبار.

د:

هل جواز التأخير مطلق، أو مقيّد بانتظار راجح، كالتعميم، أو الأفضل، أو الأحوج، أو معتاد الطلب؟

الظاهر: الأول، و لكن لا يبعد دخوله بالتأخير مدّة مع عدم وجه رجحان أصلا في المتهاون.

ه:

ما مرّ إنّما كان الكلام في الإثم و عدمه،

و أمّا الضمان مع التلف و عدمه فقد مرّ بيانه، و حاصله الضمان بتأخير الدفع مع وجود المستحقّ و التمكّن من الأداء، و عدمه بدونه.

المسألة الثانية: لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوجوب،
اشارة

و لا يجزئ عن الواجب، وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّد و الحلّي و الحلبي و الإسكافي و الفاضلين و الشهيدين «2»، و عامّة المتأخّرين [1]، بل القدماء عدا شاذّ يأتي، و في الخلاف الإجماع عليه «3».

لأنّ الصحّة موافقة الفعل لما تحقّق الأمر به، و لم يتحقّق أمر قبل

______________________________

[1] كفخر المحققين في الإيضاح 1: 200، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 316.

______________________________

(1) كما في البيان: 324.

(2) الصدوق في المقنع: 51، حكاه عن والده في المختلف: 188، المفيد في المقنعة: 240، الطوسي في النهاية: 183، و المبسوط 1: 227، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 78، الحلي في السرائر 1: 453، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 188، المحقق في المعتبر 2: 554، و الشرائع 1: 167، العلّامة في التذكرة 1: 238، و المختلف:

188.

(3) الخلاف 2: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 370

وقت الوجوب، و تحقّقه بعده لا يفيد في حصول الصحّة.

و لأنّه لو صحّ لزم إمّا عدم وجوب الزكاة بعد حصول الشرائط، أو وجوبها ثانيا، و الكلّ باطل.

أمّا الملازمة، فلأنّ الإيجاب ليس إلّا طلب الفعل، و الطلب لا يكون إلّا مع عدم حصول المطلوب، فمع صحّة ما قدّمه إن لم يطلب الزكاة بعد حول الحول مثلا لزم الأول، و إن طلب يلزم الثاني.

و أمّا بطلان اللازمين، فلمنافاة أوله للأخبار المصرّحة بالوجوب بعد حولان الحول، و التقييد بصورة عدم التقديم تقييد بلا دليل، و منافاة ثانية للإجماع و إجزاء الأول.

و لأنّه لو

صحّ لزم عدم وجوب امتثال الأمر؛ لأنّ الامتثال لا يكون إلّا بالإتيان بالمأمور به بعد الأمر.

و لأنّ أداء الزكاة عبادة محتاجة إلى التوقيف، و لم يثبت في محلّ البحث؛ للرضويّ المتقدّم في المسألة السابقة «1»، المنجبر ضعفه بالعمل.

و لحسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول الحول و يحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها، و كذلك الزكاة» «2» الحديث.

و حسنة زرارة: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي الاولى قبل الزوال؟!» «3».

و السؤال و الجواب فيهما و إن احتمل أن يكون عن الوجوب أو الرجحان و نفيهما، إلّا أنّه يتعيّن الجواز و نفيه بقرينة المقابلة للصلاة في الجواب.

______________________________

(1) في ص: 364.

(2) تقدّمت في ص: 363.

(3) الكافي 3: 524- 9، التهذيب 4: 43- 111، الاستبصار 2: 32- 93 الوسائل 9:

305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 371

و الروايات النافية للزكاة قبل حولان الحول، كصحيحة محمّد الحلبي «1»، و موثّقتي إسحاق بن عمّار «2»، و لكنّها محتملة لنفي الوجوب أو الرجحان.

خلافا للمحكيّ عن العماني «3» و الديلمي «4»، فجوّزا التقديم، و يظهر من المعتبر الميل إليه، و يظهر منه أيضا أنّه مذهب المفيد «5»، و عبارته صريحة في خلافه «6».

لروايات كثيرة، كمرسلتي الكافي و الفقيه «7»، و صحاح ابني عمّار «8» و عثمان «9»، و أبي بصير «10»، و مرسلة الحسين «11»، و رواية أبي بصير «12»،

______________________________

(1) الكافي 3: 525- 2، التهذيب 35: 91، الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 1.

(2) الاولى في: الكافي 3: 527-

5، التهذيب 4: 34- 89، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 3.

الثانية في: الكافي 3: 524- 1، الوسائل 1: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 2.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 188.

(4) المراسم: 128.

(5) المعتبر 2: 556.

(6) المقنعة: 239.

(7) الكافي 3: 524- 9، الفقيه 2: 17- 55.

(8) التهذيب 4: 44- 112، الاستبصار 2: 32- 94، الوسائل 9: 301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.

(9) التهذيب 4: 44- 114، الاستبصار 2: 32- 96، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.

(10) التهذيب 4: 44- 115، الاستبصار 2: 32- 97، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.

(11) التهذيب 4: 44- 113، الاستبصار 2: 32- 95، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 10.

(12) الكافي 3: 523- 6، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 372

و المرويّ في المستطرفات المتقدّم «1».

و الجواب- بعد تضعيفها بالشذوذ-: معارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه بمخالفة أبي حنيفة و الشافعي و أحمد الذين هم رؤساء العامّة «2». و ترجيحها بالأشهريّة رواية يعارض بترجيحه بالأشهريّة فتوى؛ مع أنّ بعد احتمال إرادة نفي الجواز من روايات نفي الزكاة قبل الحول لا يعلم أشهريّتها رواية أيضا.

ثمَّ لو لا الترجيح لزم الرجوع إلى الأصول، و قد عرفت أنّها مع عدم الجواز.

و قد يجاب «3» أيضا بحملها على القرض؛ بشهادة المستفيضة، كصحيحة مؤمن الطاق: في رجل عجّل زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطي قبل رأس السنة،

قال: «يعيد المعطى الزكاة» «4».

و مرسلة الكافي: «يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجّل له قبل وقت الزكاة إلّا أنّه يضمنها إذا جاء وقت الزكاة و قد أيسر المعطي أو ارتدّ أعاد الزكاة» «5».

و موثّقة عقبة: يجيئني الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت

______________________________

(1) في ص: 364.

(2) راجع المغني لابن قدامة 2: 495، و كتاب الأم 2: 20، و بداية المجتهد 1:

274، و الأشباه و النظائر: 419.

(3) كما في المختلف: 188.

(4) الفقيه 2: 15- 44، التهذيب 4: 45- 116، الاستبصار 2: 33- 98، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 1.

(5) الكافي 3: 524- 9، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 373

بها من الزكاة» «1».

و مرسلة الفقيه: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة» «2»، و بمضمونها روايتا يونس بن عمّار و إبراهيم السندي «3».

و الرضوي، و فيه- بعد التصريح بعدم جواز تقديم الزكاة-: «و إن أحببت أن تقدّم من مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه، فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة، فإنّه يحسب لك من زكاة مالك، و يكتب لك أجر القرض و الزكاة» «4».

و هو و إن كان محتملا و في مقام الجمع حسنا، إلّا أن هذه الأخبار غير معيّنة لإرادة ذلك من الأخبار المجوّزة للتعجيل.

فروع:

أ:

قد ظهر- من الأخبار المذكورة، و ما تقدّم

في مسألة احتساب الدين الذي على الفقير زكاة:- جواز القرض تعجيلا، و احتسابه من الزكاة وقت الوجوب مع بقاء القابض على صفة الاستحقاق أو حصلت له .. و كذا تجوز مطالبته بعوضه و دفعه إلى غيره و دفع غيره إلى غيره؛ لأنّ حكمه حكم المديون. و لا يجب الاحتساب؛ لعدم دليل عليه، و التعبير بالأمر في الرضوي لا يثبت الوجوب؛ لضعفه الخالي عن الجابر في المسألة.

و لو تغيّرت حال القابض عند تحقّق الوجوب- بأن فقد فيه أحد شروط الاستحقاق- استأنف المالك الإخراج بلا خلاف، و له الاسترجاع من

______________________________

(1) الكافي 4: 34- 4، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 2.

(2) الفقيه 2: 32- 127، الوسائل 9: 299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.

(3) تقدّمتا في ص: 343 و 344.

(4) فقه الرضا (ع): 198، مستدرك الوسائل 7: 130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 374

القابض، و إن لم يمكن غرم المالك الزكاة من ماله.

ب:

لو قدّم الزكاة جهلا بالمسألة، فإن كانت عينها باقية، له استرجاعها و احتسابها من الزكاة.

و كذا إن لم تكن باقية، و علم القابض بالحال، و كان هو عالما بالمسألة؛ لأنّ الحال يشهد بعدم كونه مأذونا في الإتلاف.

و إن لم يكن عالما بالحال و المسألة فليس للمعطي مطالبة العوض و لا الاحتساب؛ لعدم وجوب شي ء في ذمّة القابض.

ج:

إذا استغنى القابض بعين المال و بقي مستغنيا به إلى وقت الوجوب، لم يجز احتسابه عليه من جهة الفقر؛ لانتفائه، وفاقا للحلّي «1»، و خلافا للأكثر [1]؛ لوجوه ضعيفة.

نعم، يجوز الاحتساب من جهة الغرم، و يحتمل أن يكون ذلك أيضا مراد الأكثر.

المسألة الثالثة: النيّة معتبرة في عزل الزكاة و دفعها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه؛
اشارة

بإجماع العلماء، و لما مرّ

في بحثي الطهارة و الصلاة.

و يجب اشتمالها على القربة، و تعيين كونه زكاة مندوبة أو واجبة ماليّة أو فطرة إن تعدّد ما في ذمّته و لم يتعيّن من الخارج.

و لا يجب قصد الوجه؛ للأصل، و لا تعيين ما يخرج زكاته إذا تعدّد شخصا و اتّحد نوعا، كحنطة ضيعتين، أو تعدّد نوعا و اتّحد جنس الفريضة، كالشاتين، إحداهما لأربعين شاة، و الأخرى لخمس من الإبل إذا دفع من

______________________________

[1] كالشيخ في المبسوط 1: 230، و المحقق في المعتبر 2: 557، و العلّامة في المنتهى 1: 513.

______________________________

(1) في السرائر 1: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 375

الشياه التي تعلّقت بها الزكاة، و لو دفع من غيرها وجب تعيين المزكّى، على ما اخترنا من وجوب الدفع بالقيمة فيما يتعلّق بالعين إذا اخرج من غيرها، فيختلف حكم الفريضتين، فيجب التعيين.

و لو تعدّد نوع المزكّى و الفريضتين معا- كالحنطة و الشعير- يجب تعيين الجنس المزكّى، سواء أعطى من عين إحدى النوعين أو من غيرهما؛ لوجوب قصد التبديل و القيمة لأحد النوعين في الأول، و لهما في الثاني، فيختلف الحكم.

و أمّا ما ادّعوه «1» من الإجماع على عدم وجوب تعيين الجنس، فثبوته ممّا ذكرنا غير معلوم، بل مرادهم غيره قطعا.

فروع:

أ:

لو دفع المالك إلى الإمام أو الفقيه أو الساعي أو الوكيل و نوى، فهل تجب على الدافع إلى الفقير منهم أيضا النيّة؟

الظاهر: لا؛ للأصل، و لعدم كونه عبادة مخصوصة بالنسبة إليه، و لذا تبرأ ذمته لو دفع رياء أو لعدم تمكّنه من عدم الدفع، فلا يجب عليه قصد أنّه زكاة أو زكاة فلان أو القربة.

و هل تكفي نيّة أحد هؤلاء عن نيّة المالك؟

الظاهر: لا؛ لأنّ الزكاة عبادة للمالك، فلا بدّ من

نيّته، إلّا إذا و كلّه المالك في إخراج الزكاة من مال المالك.

ب:

تلزم مقارنة النيّة للدفع أو تقدّمها عليه مستدامة الحكم، و لو دفع بغير نيّة فتجزئ النيّة بعده إذا كان ممّا له استرجاعه عينا أو بدلا، و إلّا فلا؛ و الوجه واضح.

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 516، و المدارك 5: 302، و الرياض 1: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 376

ج:

لو أخذت الزكاة من شخص كرها لا تعتبر نيّته، و المعتبر نيّة الآخذ عند الأخذ و الدفع.

و الوجه فيه: أنّ الأخذ منه من باب الأمر بالمعروف، فهو أمر واجب على الآخذ ينوي عند الفعل، و أمّا المالك فهو قد ترك ما يجب عليه، و تكون ذمّته مشغولة بحقّ الفقراء، و بعد الأخذ منه كرها تبرأ ذمّته، و لكنّه لم يمتثل ما كان يجب عليه، فهو كمديون اقتصّ منه فهو أثم و برئ.

و قد ذكروا فروعا أخر في النيّة، ليس مزيد فائدة في ذكرها، و اللّه العالم، و صلّى اللّه على رسوله و آله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 377

المقصد الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

أي زكاة البدن، أو الدين، أو يوم الفطر، أو الزكاة التي هي الفطرة على أن تكون الإضافة بيانيّة، و هذا بناء على ما ذكره البغدادي و صاحب المغرب من أنّ لفظ الفطرة اسم لهذا المخرج «1».

و هي واجبة بالإجماع، و الكتاب، و السنّة، قال اللّه سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «2»، قال في المنتهى: قال علماء أهل البيت عليهم السّلام: المراد زكاة الفطرة «3».

و قد نصّ الصادق عليه السّلام على أنّ المراد زكاة الفطرة «4».

ففي مرسلة الفقيه: عن قول اللّه عزّ و جلّ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، قال: «من

أخرج الفطرة» «5».

______________________________

(1) المغرب 2: 99، و ج 1 ص 233.

(2) الأعلى: 14 و 15.

(3) المنتهى 1: 531.

(4) انظر: مجمع البيان 5: 476.

(5) الفقيه 1: 323- 1378، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 378

و في تفسير القمّي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال: «زكاة الفطرة» «1».

و في صحيحة زرارة و أبي بصير: «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبيّ و آله من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ و آله، إنّ اللّه عزّ و جلّ بدأ بها قبل الصلاة، فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «2».

و الزكاة فيها و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ القرائن فيها قائمة على أنّ المراد زكاة الفطرة من وجوه.

و أمّا الأخبار فمتواترة معنى، كما ستقف عليه في تضاعيف هذا الباب.

ثمَّ الكلام فيه إمّا في من تجب عليه، أو من تجب عنه، أو في جنسها و قدرها، أو في وقتها، أو في مصرفها.

فهاهنا خمسة أبحاث:

______________________________

(1) تفسير القمي 2: 417.

(2) الفقيه 2: 119- 515، التهذيب 4: 108- 314، المقنعة: 264، الوسائل 9:

318 أبواب زكاة الفطرة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 379

البحث الأوّل في من تجب عليه

اشارة

و هو المكلّف الحرّ الغنيّ عند غروب ليلة الفطر،

فشرائط وجوبها أربعة:
الشرط الأوّل: التكليف بالبلوغ و العقل

. فلا تجب على الصبي و المجنون إجماعا، كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير؛ لحديث رفع القلم «1»، و أصالة عدم تكليف الولي.

مضافا في الأول إلى صحيحة محمّد بن القاسم: الوصي يزكّي زكاة الفطر عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب: «لا زكاة على يتيم» «2».

و أمّا الأخبار «3» الدالّة على وجوب الفطرة على الصغير و الكبير فالمراد وجوبها على المنفق عليهم.

و لا تجب على المغمى عليه أيضا إذا استوعب الإغماء وقت الوجوب؛ لعدم توجّه الخطاب إليه.

الشرط الثاني: الحرّية

. فلا تجب على المملوك بالإجماع، حكاه جماعة «4»، و نسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافّة إلّا داود «5». و هو على القول بعدم تملّك العبد

______________________________

(1) المعتبر 2: 593، المنتهى 1: 531، التذكرة 1: 247، التحرير 1: 70.

(2) الكافي 4: 172- 13، الفقيه 2: 115- 495، التهذيب 4: 30- 74، الوسائل 9: 326 أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 2.

(3) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(4) انظر: الخلاف 2: 130، و الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(5) المنتهى 1: 532.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 380

ظاهر، و أمّا على القول بتملّكه فدليله الإجماع.

و قد يستدلّ أيضا بالأصل السالم عن المعارض.

و الأخبار الدالّة على وجوب فطرته على مولاه «1».

و بما دلّ على أنّه ليس في مال المملوك شي ء «2».

و بصحيحة ابن سنان: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا» قلت: و لا على سيّده؟ قال: «لا، إنّه لم يصل إلى سيّده، و ليس هو للمملوك» «3».

و ببعض الروايات المصرّحة: بأنّه «تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة» «4».

و في الكلّ نظر؛ لاندفاع الأول بالعمومات مثل قوله عليه السّلام: «الفطرة على كلّ

من اقتات قوتا» «5»، و قوله عليه السّلام: «و الفطرة عليك و على الناس كلّهم» «6».

و ظهور سياق الثاني- أي أخبار وجوب فطرته على مولاه- أنّه من جهة العيلولة.

و ظهور الثالث في الزكاة الماليّة؛ لأنّها التي تكون في المال، و الفطرة متعلّقة بالذمّة.

و كذا الرابع؛ لقوله: في يده مال و قوله: «لأنّه لم يصل إلى سيّده».

______________________________

(1) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(2) الكافي 4: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

(3) الكافي 3: 542- 5، الفقيه 2: 19- 63 بتفاوت يسير، الوسائل 9: 92 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 4 ح 4.

(4) المقنعة: 248، الوسائل 9: 325 أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 1.

(5) الكافي 4: 173- 14، التهذيب 4: 78- 220، الاستبصار 2: 42- 136، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.

(6) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 381

و عدم دلالة الخامس على أنّ من لا تجب عليه الزكاة لا تجب عليه الفطرة إلّا بمفهوم ضعيف.

فالمستند في الحكم ليس إلّا الإجماع، و لازمه الاقتصار في موارد الخلاف على المجمع عليه.

و على هذا، فلا تجب على القنّ و المدبّر و أمّ الولد، و تجب على المكاتب الذي لم يتحرّر منه شي ء، وفاقا للصدوق و الذخيرة «1»؛ لما ذكر، و لصحيحة علي «2».

و لا تعارضها مرفوعة أحمد: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و من أغلق عليه بابه» «3»؛ لظهور سياقها في

العيلولة، مع عدم صراحتها في الوجوب، مع أنّه مع التعارض يرجع الى العمومات.

و كذا تجب عليه فطرة زوجته و عبده، على القول بملكيّته و عدم عيلولتهم للمولى؛ لما ذكر.

الشرط الثالث: الغنى

. و اشتراطه مذهب علمائنا أجمع، كما في المعتبر و المنتهى «4»، و إن اختلفوا في الغنى الموجب لأدائها، و الحقّ أنّه الغنى المانع عن جواز أخذ الزكاة الماليّة، وفاقا للمقنع و المقنعة و العماني و الفاضلين «5»، و كلّ من تأخّر

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 117، الذخيرة: 473.

(2) الفقيه 2: 117- 502، الوسائل 9: 365 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3.

(3) الكافي 4: 174- 20، التهذيب 4: 72- 195، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 9.

(4) المعتبر 2: 593، المنتهى 1: 532.

(5) المقنع: 67، المقنعة: 248، حكاه عن العماني في المختلف: 193، المحقق في المعتبر 2: 593، و الشرائع 1: 171، العلّامة في المنتهى 1: 532، و التذكرة 1: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 382

عنهما [1]، بل الأشهر مطلقا كما قيل «1».

للمستفيضة من الروايات، كصحيحة الحلبي: عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا» «2»، و قريبة منها رواية يزيد بن فرقد «3».

و رواية الفضيل: لمن تحلّ الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد، و من حلّت له لم تحلّ عليه، و من حلّت عليه لم تحلّ له» «4».

و في أخرى: «من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة» «5».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: على الرجل المحتاج زكاة الفطرة؟ قال:

«ليس عليه فطرة» «6»، و نحوها رواية إسحاق بن المبارك «7».

و رواية يزيد: على المحتاج صدقة الفطرة؟ قال: «لا» «8».

وجه الدلالة في غير الثلاثة الأخيرة ظاهر، و فيها: أنّ الظاهر من

______________________________

[1]

منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 64، صاحب المدارك 5: 313.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 289.

(2) التهذيب 4: 73- 201، الاستبصار 2: 40- 125، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 4: 74- 206، الاستبصار 2: 41- 130، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 5.

(4) التهذيب 4: 73- 203، الاستبصار 2: 41- 127، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 9.

(5) التهذيب 4: 73- 202، الاستبصار 2: 40- 126، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 7.

(6) التهذيب 4: 73- 205، الاستبصار 2: 41- 129، الوسائل 9: 318 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 6.

(7) التهذيب 4: 72- 199، الاستبصار 2: 40- 123، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 3.

(8) التهذيب 4: 73- 200، الاستبصار 2: 40- 124، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 383

المحتاج: المحتاج إلى أخذ الزكاة، و لو منع ذلك لقلنا: إنّ لكلّ نفس حاجة، فيحصل الإجمال في معناه، و به تخرج عمومات وجوب زكاة الفطرة، و إطلاقاتها عن الحجّية في موضع الإجمال، فلا يبقى إلّا من تحرم عليه الزكاة؛ للوجوب عليه بالإجماع و الخلاف في من دونه مطلقا.

خلافا للإسكافي، فأوجبها على من فضل من مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة صاع «1»، و نقله الشيخ في الخلاف عن أكثر أصحابنا «2».

و للخلاف و الديلمي و ابني حمزة و زهرة و الحلي، فأوجبوها على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة «3»، بل عن الأوّل و الأخيرين الإجماع عليه.

فنظر هؤلاء الفريقين إن كان إلى أنّ ذلك هو الغنى الموجب

لحرمة الزكاة و لذا تجب معه الفطرة، فلا بحث لنا معهم في الجزء الثاني ها هنا، و لكنّ الكلام معهم حينئذ في الجزء الأول، و هو أنّه الغنى المحرّم للزكاة.

و إن لم يكن نظرهم إلى ذلك، بل يقولون: بأنّ هذا هو الغنى الموجب للفطرة و إن لم يكن كذلك في حرمة الزكاة، فلا دليل لهما إلّا ما قد يستدلّ به للإسكافي من لزوم الاقتصار في تخصيص العمومات و تقييد الإطلاقات بالمتيقّن، و هو من لم يملك قوت يوم و ليلة مع قدر الفطرة، و للآخرين من الإجماعات المنقولة.

و يردّ الأول: بتيقّن خروج من لم يملك قوت السنة أيضا بما ذكر.

و الثاني: بعدم حجّية الإجماع المنقول، سيّما مع مخالفة الفحول، و معارضة الأخبار المتكثّرة.

نعم، ها هنا روايات غير مطابقة بظواهرها مع الأخبار المتقدّمة،

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 193.

(2) الخلاف 2: 146.

(3) الخلاف 2: 146، الديلمي في المراسم: 134، ابن حمزة في الوسيلة: 130، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الحلي في السرائر 1: 465.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 384

كصحيحة القدّاح في زكاة الفطرة، و فيها: «و ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج» «1».

و موثّقة زرارة: هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: «أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة» «2»، و نحوها رواية الفضيل «3».

و صحيحة زرارة: الفقير الذي يتصدّق عليه، هل تجب عليه صدقة الفطرة؟ قال: «نعم، يعطي ما يتصدّق عليه» «4».

و لكنّها لا توافق شيئا من القولين أيضا، فظواهرها بإطلاقاتها متروكة إجماعا، و تقييدها بنوع يرجع إلى أحدهما ليس بأولى من تقييد يرجع إلى المختار.

مع أنّ أولاها لا تخالف

الأخبار المتقدّمة إلّا بمفهوم ضعيف غير معتبر جدّا.

و الثانيتان متضمّنتان لتفصيل لم يقل به أحد من الخاصّة و العامّة، إلّا بحمله على إمكان حصول قوت السنة بزكاة المال دون الفطرة.

مع أنّهما مع الرابعة أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، فيجب تخصيصها بها.

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 211، الاستبصار 2: 47- 152، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 2.

(2) التهذيب 4: 74- 207، الاستبصار 2: 41- 131، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.

(3) التهذيب 4: 87- 254، الاستبصار 2: 41- 128، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.

(4) الكافي 4: 172- 11، التهذيب 4: 74- 208، الاستبصار 2: 41- 132، الوسائل 9: 324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 385

و لا يشترط في وجوبها: كون المخرج و المخرج عنه صائما و لا حاضرا إجماعا؛ للإطلاقات.

و لا الإسلام؛ لمخاطبة الكفّار بالفروع عندنا.

نعم، لو أسلم بعد غروب ليلة الفطر سقط عنه بالإجماع؛ لصحيحة ابن عمّار: عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: «لا» «1»، إلّا أنّه يستحبّ له؛ لمرسلة التهذيب «2».

الشرط الرابع: إدراك الغروب ليلة الفطر.
اشارة

مجتمعة الشرائط إجماعا.

فلو لم يدركه كذلك لم يجب؛ للإجماع، و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة بضميمة الإجماع المركّب.

و في اشتراط إدراك طلوع الفجر يوم العيد قولان، يأتي في بيان الوقت.

فروع:

أ:

هل يعتبر أن يملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة؟

فيه قولان، أقواهما: عدم الاعتبار؛ لإطلاق الأخبار.

ب:

يستحبّ للفقير إخراجها عن نفسه و عن عياله؛ للشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول في المنتهى «3»، الكافيين في مقام الاستحباب.

و استدلّ أيضا بالأخبار المذكورة المثبتة للفطرة على الفقير بحملها على الاستحباب.

______________________________

(1) الكافي 4: 172- 12، التهذيب 4: 72- 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.

(2) التهذيب 4: 72- 198، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 3.

(3) المنتهى 1: 536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 386

و فيه نظر؛ لأنّه ليس بأولى من تخصيصها بالغني.

و الحاصل: أنّها بين غير دالّ أصلا، كالأولى، و مخالف للإجماع- لو لا ارتكاب تخصيص فيها و إن حمل على الاستحباب- كالثانيتين، و متضمّنة للفظ الوجوب مع عموم: «ما يتصدّق عليه» كالرابعة.

و عدم صحّة الاستدلال بالأوليين واضح، و بالثالثة و إن صحّ إلّا أنّه يعارضه احتمال التخصيص في ما يتصدّق عليه، بحيث يخرج عن الفقر.

ثمَّ إنّهم قالوا: إنّه يستحبّ للفقير إدارة فطرة رأس بين عياله، بإخراجها عن نفسه إلى واحد منهم، ثمَّ هو إلى آخر، و هكذا.

و المستند فيه موثّقة إسحاق: عن الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها، أ يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله؟

قال: «يعطيه بعض عياله، ثمَّ يعطي الآخر عن نفسه، يردّدونها، فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» «1».

و هل هذه الإدارة هو إخراج الفطرة المستحبّ للفقير مطلقا، كما هو ظاهر

الإرشاد «2»؟

أو هو أقلّ ما يستحبّ، كصريح الشرائع «3»؟

أو هو المستحبّ عند الحاجة، كما في النافع «4»؟

الظاهر: هو الأخير، إن كان مراده من الحاجة: عدم تيسّر غير فطرة رأس له، كما هو المصرّح به في الموثّقة؛ و إن كان مراده غير ذلك، فهو أيضا كسابقيه لا وجه له، بل اللازم العمل بمقتضى الموثّقة، و تقييد

______________________________

(1) الكافي 4: 172- 10، التهذيب 4: 74- 209، الاستبصار 2: 42- 133، الوسائل 9: 325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3.

(2) الإرشاد 1: 291.

(3) الشرائع 1: 171.

(4) النافع: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 387

استحباب الإدارة بما لا يكون عنده غير فطرة رأس.

و هل يتصدّق الأخير إلى الأجنبي البتّة، كما هو صريح جماعة «1»؟

أو يجوز إعطاؤه لمن أعطى أولا أيضا؛ كما يميل إليه كلام بعض المتأخّرين «2»؟

ظاهر إطلاق النصّ: الثاني، فعليه الفتوى.

و ليس في قوله: «يكون عنهم جميعا فطرة واحدة» إشعار بالأول، و لو كان فليس بأظهر من إشعار قوله: «يتردّدونها» بالثاني.

و في اختصاص الحكم بكون الجميع مكلّفين- كصريح بعضهم «3»- أو تعميمه لغيرهم، فيتولى الولي لذلك من الصغير- كصريح الشهيد الثاني «4» و ظاهر بعض آخر [1]- قولان:

دليل الأول: أنّه مورد النصّ؛ لقوله: «يعطي الآخر عن نفسه».

و دليل الثاني: إطلاقه.

و كلاهما غير مطابقين للواقع، فإنّ غاية ما يثبت من قوله: «يعطي عن نفسه» كونه مميّزا، و أمّا التكليف فلا.

و ظاهر الإعطاء عن النفس أيضا ينافي عدم التمييز، إلّا أن يقال: بأنّ بعد عمومه للصبي المميّز يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب، و حينئذ يتمّ الاستدلال، و منه تظهر قوّة التعميم.

ج:

لو بلغ الطفل قبل الغروب ليلة الفطر، أو زال الجنون، أو استغنى الفقير، وجبت عليه الفطرة إجماعا، و لو

حصل أحد هذه بعده لا تجب

______________________________

[1] كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 277.

______________________________

(1) انظر: المختصر النافع: 61، و المنتهى 1: 536، و البيان: 332.

(2) كما في المدارك 5: 315.

(3) المدارك 5: 315.

(4) في المسالك 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 388

كذلك؛ له، و للأصل.

نعم، يستحبّ له الإخراج، كما عليه فتوى الأصحاب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 389

البحث الثاني في من تجب عنه

و فيه مسائل:
المسألة الأولى [يجب إخراج الفطرة عن نفسه و عن جميع من يعوله ]
اشارة

إذا تكاملت الشروط في شخص يجب عليه إخراج الفطرة عن نفسه و عن جميع من يعوله، أي ينفق عليه؛ بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و المدارك «1» و غيرها «2»؛ له، و للمستفيضة بل المتواترة معنى.

كصحيحة عمر بن يزيد: عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال: «نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك» «3».

و صحيحة الفضلاء الخمسة: «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد، صغير و كبير، يعطي يوم الفطر فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره» «4» الحديث.

و صحيحة الحلبي: عن صدقة الفطرة، فقال: «على كلّ من يعول الرجل، على الحرّ و العبد و الصغير و الكبير» «5».

______________________________

(1) الخلاف 2: 130، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 533، التذكرة 1: 248، المدارك 5: 315.

(2) كالشرائع 1: 171.

(3) الكافي 4: 173- 16، الفقيه 2: 116- 497، التهذيب 4: 332- 1041، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2.

(4) التهذيب 4: 76- 215، الاستبصار 2: 45- 147، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.

(5)

التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 390

و صحيحة ابن سنان: في صدقة الفطرة، فقال: «تصدّق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو مملوك» «1».

و رواية الفضلاء الثلاثة: عن زكاة الفطرة، قالا: «صاع من تمر»، إلى أن قالا: «عن الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى و البالغ و من تعول في ذلك سواء» «2».

و مرسلة محمّد: عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة، قال: «تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة «4».

ثمَّ المراد بمن يعول الرجل المصرّح بوجوب فطرته في تلك الأخبار:

هو من ينفق عليه، كما صرّح به أهل اللغة، قال الجوهري: عال عياله عولا، أي قاتهم و أنفق عليهم «5». و في المجمع: عال يعول، أي ينفق عليهم «6».

و يكفي في ذلك تفسير الإمام عليه السّلام له في رواية أبي حفص: «صدقة الفطرة على كلّ صغير أو كبير، حرّ أو عبد، عن كلّ من يعول- يعني من ينفق عليه- صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 81- 234، الاستبصار 2: 47- 155، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(2) التهذيب 4: 82- 236، الاستبصار 2: 43- 139، الوسائل 9: 338 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 17.

(3) الفقيه 2: 118- 511، الوسائل 9: 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6.

(4) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(5) الصحاح 5: 1777.

(6) مجمع البحرين 5:

432.

(7) التهذيب 4: 82- 237، الاستبصار 2: 48- 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 391

و هذا المعنى أعمّ من العيال العرفي؛ لأنّهم في العرف من يتكفّل مئونته و نفقته بدوام و استمرار بل مجّانا، فلا يعدّ من ينفق عليه أيّاما من العيال، و لا من ينفق عليه لجعالة عمل، و لا الضيف و لو كان عندك شهرا ..

و لذا يقال: علته أيّاما، قال في الصحاح: علته شهرا، أي كفيته معاشه «1».

و لذا عدّ الضيف في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة ممّن يعول، مع أنّه ليس من العيال العرفي، بل العيال لغة غير من يعول و أخصّ منه أيضا؛ لأنّ العيال مشتقّ من العيلة، التي هي الحاجة و الفاقة، حيث إنّهم يوجبون احتياج الرجل و فاقته، لا من العول الذي هو الإنفاق .. و لذا ذكر اللغويون العيال في مادّة العيلة دون العول «2».

و لذا ترى أنّه- مع تفسيره عليه السلام في الرواية المتقدّمة من يعول بمن ينفق عليه- سئل في صحيحة البجلي: عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله «3»، حيث أثبت الإنفاق و نفى العيلولة، و صرّح في آخرها: بأنّ «العيال: الولد و المملوك و الزوجة و أمّ الولد».

و من هذا يظهر لك ما في كلام كثير من الفقهاء، حيث عبّروا في المقام بالعيال [1]، مع أنّه لو كان الواجب فطرته العيال يشكل عليهم الأمر في كثير من الفروع التي حكموا فيها بوجوب الفطرة، و التي حكموا فيها بعدم وجوبها، كزوجة رجل و مملوكه و نحوهما إذا أنفق عليه غيره، فإنّه لا يخرج بذلك عن عيال الرجل مع أنّه لا تجب فطرته.

و

بالجملة: الذي تجب فطرته على الرجل هو من ينفق عليه، سواء

______________________________

[1] كالمحقق في المختصر النافع: 60.

______________________________

(1) الصحاح 5: 1777.

(2) راجع الصحاح 5: 1780، و مجمع البحرين 5: 432.

(3) الفقيه 2: 118- 509، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 392

كان من عياله أم لا.

و أمّا صحيحة البجلي: عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال: «لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه»، و قال: «العيال: الولد و المملوك و الزوجة و أمّ الولد» «1»، فحملت على تصدّق النفقة و الكسوة له.

و التحقيق: أنّ فيها إجمالا من جهة مرجع الضمائر؛ إذ يمكن أن يكون ضمير: عليه، راجعا إلى الرجل الأول، و في: فطرته، الاولى، إلى الثاني، و في الثانية أيضا إليه، و كذا في: «عياله» و في: «دونه» إلى الأول، و لا بدّ حينئذ من إرادة المعيل من: «العيال».

أو يكون بصيغة المبالغة، و أن يكون الأولان كما مرّ، و يكون مرجع الثالث و الرابع إلى الأول و الخامس إلى الثاني، و حينئذ لا بدّ من إرادة الفطرة الواجبة عليه من: «فطرته» الثانية، و يكون «على» بمعنى: عن.

و أن يكون مرجع الأول و الثاني إلى الثاني، و يكون السؤال عن وجوب فطرة المنفق عليه على نفسه، و كذا يكون مرجع الثلاثة الأخيرة إليه أيضا، و العيال يكون بأحد المعنيين المذكورين.

و المنافي للمطلوب هو أحد الأولين دون الثالث.

و للحديث احتمال ثالث، و هو أن يكون السؤال عن وجوب فطرة الثاني على الأول، فالمرجعان الأولان كما مرّ أولا، و تكون الضمائر الثلاثة الأخيرة راجعة إلى الثاني، و

يكون في الجواب عدولا عن مطابقة السؤال لمصلحة، و يكون المراد أنّه يجوز للأول إعطاء فطرة الثاني لعيال الثاني بعنوان الصدقة، و لا يجوز له إعطاء فطرة الثاني للثاني نفسه.

و على هذا، لا ينافي المطلوب، مع أنّه مع التنافي أيضا يجب

______________________________

(1) الفقيه 2: 118- 509، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 393

طرحها؛ لشذوذها و مخالفتها لأخبار كثيرة.

ثمَّ المراد بمن ينفق عليه: ليس من ينفق عليه دائما؛ بالإجماع، و لأصالة عدم التقييد بالدوام .. بل من يصدق عليه هذا العنوان؛ لإطلاقه.

و ليس المراد: الإنفاق في الاستقبال؛ بالإجماع .. بل المراد الحال، كما صرّح به في المنتهى أيضا «1». و المراد حال وجوب الفطرة، فالذي تجب فطرته هو الذي يكون ممّن ينفق عليه في غروب الشمس من ليلة الفطر عرفا. و هذا العنوان يتحقّق بإنفاقه عليه في الليلة السابقة أو النهار إن لم يكن صائما مع قصد إنفاقه ليلة الفطر و تحقّقه أيضا قطعا .. بل و كذا لو لم يتحقّق الإنفاق السابق، و كان ممّن يقصد إنفاقه ليلة الفطر حال الغروب و دخول الوجوب و تحقّق الإنفاق أيضا.

نعم، يشكل الأمر فيما إذا لم يقصد الإنفاق أول الوقت و تحقّق بعده، من صدق الإنفاق، و من عدم تعلّق الوجوب به أولا، بل تعلّقه بنفس المنفق عليه، أو سقوطه رأسا إن لم يستجمع الشرائط.

و كذا فيما إذا قصد الإنفاق و لم يتحقّق، و عدم الوجوب حينئذ أظهر، و الاحتياط في الصورتين أحسن بإعطاء المستجمع للشرائط منهما إن استجمعها أحدهما فقط، و اعطاؤهما معا إن استجمعاها، أو توكيل أحدهما الآخر في الإعطاء و إعطاؤه بنيّة من يجب عنه.

فروع:

أ:

لا

فرق في من يعول بين من تجب نفقته و من يتبرّع إجماعا؛ له، و للإطلاقات.

و صحيحة ابن سنان: «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك

______________________________

(1) المنتهى 1: 536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 394

فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» «1».

و روايته: عن صدقة الفطرة، قال: «من كلّ رأس من أهلك، الصغير منهم و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير، كلّ من ضممت إليك، عن كلّ إنسان صاع من حنطة، أو صاع من شعير، أو تمر، أو زبيب»، و قال:

«التمر أحبّ إليّ؛ فإنّ لك بكلّ تمرة نخلة في الجنّة» «2».

ب:

لا فرق فيهم بين الصغير و الكبير، و الغني و الفقير، و الحرّ و المملوك، و الذكر و الأنثى، و الكافر و المسلم؛ كلّ ذلك بالإجماع، و الإطلاقات، و في غير الأخيرين بالتصريحات المتقدّمة، و فيهما بالتصريح في مرفوعة محمّد بن أحمد: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و من أغلق عليه بابه» «3».

ج:

لا بدّ في وجوب فطرة المنفق عليه من كون النفقة من مال المنفق أو ما في يده و تحت اختياره عرفا حين صرف المنفق عليه له حتى يصدق إنفاقه، فلو باعها المنفق للمنفق عليه أو وهبها له أو تصدّقها عليه لم تجب به الفطرة.

د:

و لا بدّ أيضا فيه من قصد المنفق لإنفاقه، فلو أعطاه دراهم ليصرفها فيما يريد، و هو صرفها في نفقته، لا تجب الفطرة؛ لعدم صدق إنفاقه.

و كذا لو أعطاه خبزا ليصرفه فيما يريد فأكله، أو صرف أحد مال غيره في نفقته من غير قصد المنفق و لو بشاهد الحال.

______________________________

(1) الكافي 4: 170- 1، التهذيب 4: 71- 193، الوسائل

9: 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8.

(2) التهذيب 4: 86- 250، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12.

(3) الكافي 4: 174- 20، التهذيب 4: 72- 195، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 395

ه:

لا يشترط كون ما يعطيه المنفق هو الجنس الذي يأكله المنفق عليه، فلو أعطاه دراهم ليشتري بها النفقة، فاشتراها و أنفقها، تجب الفطرة عليه.

و:

لا يشترط في الإنفاق أن يكون مجّانا، فلو استأجره و شرط أن تكون النفقة على المستأجر تجب فطرته عليه؛ للإطلاق.

نعم، يجب أن يكون المشروط هو الإنفاق، فلو شرط أن يعطيه شيئا- و لو كان من الأجناس المنفقة- و الموجر بنفسه يصرفها في النفقة، لا تجب فطرته عليه.

و الحاصل: أنّه يجب أن يكون الإنفاق صادرا من المنفق، لا محض إعطاء شي ء، و إن صرفه المعطى له في النفقة.

و يظهر من بعضهم عدم وجوب فطرة الأخير إن شرط النفقة «1».

و الإطلاق يردّه.

ز:

لا يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون المنفق عليه في بيت المنفق أو أعطاه المنفق النفقة بنفسه، فلو كان مال أحد عند شخص في سفر و وكّله أو آذنه في صرف النفقة منه، تجب عليه فطرته .. و لكن يشترط في وجوبها عليه: علمه بصرفها منه، فلو جوّز صرف نفقة ليلة الفطر من مال آخر لا تجب نفقته؛ للأصل.

ح:

يشترط أن تكون النفقة ممّا تعدّ نفقة و إعطاؤه إنفاقا عرفا، فلو أفطره ليلة الفطر بشربة ماء أو تمرة أو لقمة لا تجب عليه فطرته؛ لعدم صدق عنوان من يعول و من ينفق عليه عرفا عليه.

و منه يظهر: أنّه لو أعطاه جماعة بقدر النفقة، و لم يبلغ

حصّة كلّ واحد ما يصدق عليه العنوان، تجب فطرته على نفسه دون المعطين.

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 601.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 396

ط:

الظاهر اشتراط صرف المنفق عليه للنفقة في نفقته، فلو أعطاه المنفق نفقته بقصد الإنفاق، و هو لم يصرفها في النفقة، بل يبقيها حتى يخرج الوقت، لا تجب الفطرة؛ لعدم صدق النفقة بدون الصرف.

ي:

لو أنفق رجلان على رجل بقدر يبلغ ما أعطاه كلّ واحد قدرا تصدق معه النفقة، فأكلهما معا، تجب الفطرة على من صرف نفقته أولا؛ لتعلّق الوجوب عليه بصرفه، و لا تتعدّد الفطرة.

نعم، يستشكل الأمر لو صرفهما معا في آن واحد، كأن يعطيه هذا طحينا و ذاك طحينا، فمزجهما و خبزهما و أكل الخبز. و الأظهر: تخييرهما حينئذ، فيكون كالواجب الكفائي. و الأحوط: إخراجهما الفطرة معا، بل مع المنفق عليه أيضا، أو إعطاء واحد منهم مع توكيل الباقين.

يا:

هل يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون النفقة من ماله الحلال، فلا تجب الفطرة على سلطان ينفق على عياله من الأموال المغصوبة؛ أم لا يشترط، فتجب؟

الظاهر: الثاني، لإطلاق الإنفاق، و عدم التقييد بكونه من ماله.

المسألة الثانية: اتّفق الأصحاب على وجوب فطرة الضيف على المضيف في الجملة؛

استنادا فيه إلى صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة.

و لكن اختلفوا في قدر الضيافة الموجبة لوجوبها على أقوال متشتّتة:

فبين من اعتبرها طول الشهر، كما عن الشيخ و السيّدين «1».

و من اكتفى بالنصف الأخير، كالمفيد «2».

و بالعشر الأخير، كما عن جماعة من الأصحاب «3».

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 189، و المرتضى في الانتصار: 88، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 506.

(2) المقنعة: 265.

(3) حكاه في المعتبر 2: 603، و التذكرة 1: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 397

و بالليلتين الأخيرتين، كالحلّي و المختلف «1».

و بالليلة الأخيرة، كالمنتهى و التذكرة

و التحرير «2».

و بآخر جزء من الشهر، بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته، كما عن المعتبر و في الروضة «3».

و بمسمّى الإفطار عنده في الشهر، كالوسيلة «4».

و من اعتبر صدق العيلولة عرفا، كبعض المتأخرين [1].

و كذا اختلفوا في اشتراط إفطار الضيف عند المضيف و عدمه:

فعن الشيخ و الحلي و ابن حمزة و الدروس: الأول «5».

و عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين و المسالك: الثاني «6».

و لا يخفى أنّ منشأ أكثر هذه الاختلافات هو الاختلاف في مصداق الضيف، أو في صدق كونه عنده فيحضر يوم الفطر، كما هو مورد السؤال، أو ملاحظة العيلولة العرفية أيضا، كما ورد في الجواب.

و الحقّ: أنّ الكلّ بمعزل عن التحقيق؛ لأنّ لفظة الضيف و الكون عند المضيف وقع في كلام السائل، و الإمام لم يكتف في الجواب بصدق العنوانين، بل علّقه على كونه ممّن يعوله، الذي هو أيضا مناط مستقلّ في الوجوب، فهو المناط من غير اعتبار صدق أحد العنوانين و لا عنوان العيلولة العرفيّة، بل اللازم في الضيف أيضا كونه ممّن يعوله، و قد مرّ تفصيل ما

______________________________

[1] منهم السبزواري في الذخيرة: 472.

______________________________

(1) السرائر 1: 466، المختلف: 196.

(2) المنتهى 1: 536، التذكرة 1: 249، التحرير 1: 71.

(3) المعتبر 2: 287، الروضة 2: 58.

(4) الوسيلة: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    398     المسألة الثالثة هل يجب الإنفاق من دون فعلية الإنفاق أم لا؟ ..... ص : 398

(5) النهاية: 189، السرائر 1: 466، الوسيلة: 131، الدروس 1: 250.

(6) المسالك 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 398

يعتبر فيه.

المسألة الثالثة [هل يجب الإنفاق من دون فعلية الإنفاق أم لا؟]

كما يتبع وجوب الفطرة للإنفاق الفعلي، فهل يتبع وجوب الإنفاق من دون فعلية، أم لا؟

فأوجبها جماعة عن الزوجة غير الناشزة و

المملوك؛ استنادا إلى وجوب النفقة، و مقتضاه عموم الحكم في كلّ واجب النفقة، كما صرّح به الشيخ في المبسوط في الأبوين و الأولاد المعسرين «1».

و منهم من صرّح باختصاص الحكم بالإنفاق الفعلي، بل هم الأكثرون. و هو الحقّ؛ للأصل، و عدم الدليل.

و ما يمكن أن يكون دليلا للأول: صحيحة البجلي المتقدّمة في المسألة الاولى، و رواية ابن سنان المتقدّمة في الفرع الأوّل منها، حيث اشتمل على الأهل.

و صحيحة الحلبي: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك، الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير، من كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب، لفقراء المسلمين»، و قال: «التمر أحبّ ذلك إليّ» [1].

و موثّقة إسحاق: «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمّك و ولدك و امرأتك و خادمك» «2».

و يردّ الأول: بما مرّ من الإجمال المسقط للاستدلال.

و الثانيتان: بأعمّية الأهل من واجبي النفقة، سيّما مع اشتماله على الغني، المسقط لوجوب النفقة في الأكثر.

______________________________

[1] التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 42- 134، الوسائل 9: 324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 1. و في الجميع: نصف صاع من حنطة أو شعير ..

______________________________

(1) المبسوط 1: 239.

(2) الفقيه 2: 118- 510، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 399

و الرابعة: بأعمّيتها من واجبي النفقة أيضا، فيجب إمّا تخصيصها بالأب و الامّ و الولد الفقراء و الامرأة الدائميّة المطيعة و الخادم الرقيق، بشرط أن لا يعولهم غيره؛ أو بالمنفقين عليهم منهم و إن لم يكونوا واجبي النفقة.

و ليس الأول أرجح من الثاني، مع ما في هذه الأخبار ممّا يأتي ذكره.

و

قد يستدلّ أيضا بصدق العيلولة مع وجوب النفقة و عدم توقّفه على الإنفاق.

و فيه: أنّه لو سلّم فإنّما هو في صدق العيال، و قد عرفت أنّ المناط:

العول.

المسألة الرابعة: هل يشترط في وجوب فطرة الزوجة و المملوك عيلولتهما
اشارة

بالمعنى المتقدّم؟

أو يكفي صدق عنوانهما من حيث إنّهما هما إمّا مع وجوب نفقتهما أو مطلقا؟

الأكثر فيهما على الثاني، بل جعله في المعتبر في المملوك ممّا قطع به الأصحاب «1»، و نسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافّة «2»، و في السرائر ادعاء الإجماع عليه في الزوجة و إن لم تجب نفقتها «3».

و نقل في الشرائع قولا بالأول، و اختاره في المدارك و الذخيرة و الحدائق «4».

و صريح الشرائع التردّد.

و الحقّ هو الأول؛ للأصل.

و دليل الثاني: الإجماع المنقول، و صدق العيلولة بالزوجيّة و الرقّية،

______________________________

(1) المعتبر 2: 597.

(2) المنتهى 1: 534.

(3) السرائر 1: 466.

(4) الشرائع 1: 172، المدارك 5: 322، الذخيرة: 473، الحدائق 12: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 400

و بعض الإطلاقات.

و الأول مردود: بعدم الحجّية، مع أنّ الإجماع الذي ادّعاه الحلّي ردّه في المعتبر: بأنّا ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإماميّة أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي «1»، و قريب منه في المنتهى «2».

و الثاني: بمنع صدق العيلولة المعتبرة هنا- على ما مرّ- بدون الإنفاق الفعلي.

و الثالث: بأنّ الخطاب في ما يتضمّن هذه الإطلاقات إلى شخص خاصّ، فلعلّه كان يعول مملوكه و امرأته، كما هو الغالب الشائع، فلا يتعدّى إلى غيره، إلّا إذا علم الاتّحاد في جميع ماله مدخليّة في الحكم.

مضافا إلى أنّ الإطلاق ينصرف إلى الشائع، و إلى انضمامهما فيها مع من يلزم تقييده بالعيلولة بالمعنى المتقدم، فكذا هما.

ثمَّ بعد ما اخترناه من توقّف وجوب الفطرة على الإنفاق في المملوك و الزوجة،

لا حاجة إلى ذكر بعض الفروع المتفرّعة على ترتّب الوجوب على مجرّد الزوجيّة و المملوكيّة.

نعم، بقيت في المقام فروع أخر لا بدّ من ذكرها، فنقول:

فروع:

أ:

لا فرق في وجوب الفطرة عمّن يعوله بين غيبة المعال و حضوره، فلو كان له عبد غائب بيده مال من مولاه ينفق عنه، أو كان العائل في السفر و له أهل في الحضر ينفقون من ماله، تجب عليه فطرتهم، و إن لم يتيقّن بحياة بعضهم؛ لأصالة البقاء.

______________________________

(1) المعتبر 2: 601.

(2) المنتهى 1: 533.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 401

و لا تعارضها أصالة براءة الذمّة؛ لكون الأولى مزيلة للأصل الثاني، كما بيّن تحقيقه في موضعه.

و له أمرهم بإخراج الفطرة، كما صرّح به في رواية جميل «1».

نعم، لو كان الغائب غير منفق عليه منه- كالعبد الآبق- أو المغصوب- لم تجب فطرته على المختار. و على القول بوجوب فطرة المملوك مطلقا يتعيّن القول بالوجوب هنا أيضا؛ للأصل المذكور.

ب:

من تجب فطرته على عائلة تسقط عنه و لو كان غنيّا؛ بالإجماع كما صرّح به فخر المحقّقين في شرح الإرشاد و بعض مشايخنا المحقّقين، بل بالإجماع المحقّق حقيقة، لشذوذ المخالف؛ و هو الدليل عليه.

مضافا إلى النبويّ المنجبر: «لا يثنا في صدقة»، و في لفظ آخر:

«لا يثنى» «2»: ك: إلى.

و إلى الأخبار المصرّحة بأنّها عن كلّ إنسان صاع «3»، فلا يتعدّد الصاع.

و يشعر به أيضا ما في الأخبار من ذكر الأداء أو الوجوب عمّن يعول «4»، فإنّ لفظة: «عن» ظاهرة في أنّها نيابة عنه.

خلافا للمحكيّ عن الحلّي، فأوجبها على المضيف و الضيف الغني «5»؛ لإطلاق الوجوب على [كلّ ] [1] أحد. و جوابه ظاهر.

ج:

لو كان العائل فقيرا و المعال غنيّا تسقط عن الأول؛ لإعساره،

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1)

الكافي 4: 171- 7، التهذيب 4: 331- 1038، الوسائل 9: 366 أبواب زكاة الفطرة ب 19 ح 1.

(2) النهاية الأثيرية 1: 224.

(3) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(4) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(5) السرائر 1: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 402

و تجب على الثاني على الحقّ، وفاقا للحلّي و المعتبر «1»؛ للعمومات السالمة عن المعارض.

و خلافا للمبسوط في الزوج و الزوجة، فأسقطها عنهما «2»؛ أمّا عن العائل فلإعساره، و أمّا عن المعال فلعيلولته للغير.

و يردّ: بأنّه لا دليل على الإسقاط بعيلولة الغير، إلّا مع وجوب أداء الغير، و هو هنا منفيّ، و ظاهره عدم الفرق بين إنفاق الزوج عليها و عدمه.

و فصل في المختلف بين إنفاقه عليها، فأسقطها عنهما؛ لما مرّ، و بين عدمه فأوجبها عليها؛ لانتفاء العيلولة الموجبة للسقوط عنها، فتبقى العمومات الدالّة على وجوبها على كلّ مكلّف سالمة عن المعارض «3».

و جوابه ظهر ممّا ذكر.

د:

لو لم يخرج العائل مع وجوبها عليه لم تجب على المعال و إن كان غنيّا؛ لتعلّق الخطاب بالعائل فلا يتعلّق بالمعال.

و كذا الحكم إذا كان العائل كافرا؛ لتوجّه الخطاب إليه.

ه:

لو أخرجها المعال عن نفسه تبرّعا بغير إذن العائل لم تبرأ ذمّة العائل، كما نصّ عليه في الخلاف و التحرير و الروضة «4»، و غيرها؛ لأصالة اشتغال ذمّته، و توجّه الخطاب إليه، و توقّف الإخراج على النيّة الغير المتصوّرة في حقّ المعال.

و استشكل في القواعد من الأصالة و التحمّل «5»، و لا محصّل له، كما

______________________________

(1) السرائر 1: 468، المعتبر 2: 287.

(2) المبسوط 1: 241.

(3) المختلف: 196.

(4) الخلاف 2: 138، التحرير 1: 71، الروضة 2: 58.

(5) القواعد 1: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9،

ص: 403

ذكره المحقّق الشيخ عليّ «1».

و هل تسقط عن العائل لو أخرجها المعال بإذنه؟

صرّح جماعة بالسقوط [1]، و عن الخلاف: نفي الخلاف عنه «2»؛ و استدلّ له بأنّه مع الإذن يكون كالمخرج.

و استشكل بأنّه عبادة، فلا تصحّ عن غير من وجبت عليه، إلّا إذا كان بالوكالة في الأداء من مال الموكّل.

و هو في محلّه، بل الظاهر عدم السقوط إلّا أن يوكّله بقبول قدر الفطرة له ثمَّ إخراجه عنه.

و لا دلالة في رواية جميل بالسقوط؛ لأنّ الظاهر من أمر العيال بالإخراج: إخراجهم من مال المعيل.

و:

لو كان العبيد بين شركاء، فإن كان لكلّ منهم رأس وجبت على كلّ منهم فطرة، و كذا لو كان لواحد منهم رأس، و لو كانت حصّة كلّ أو بعضهم أقلّ من رأس فلا فطرة عليه، وفاقا للصدوق و المدارك و الذخيرة «3».

لرواية زرارة المصرّحة بذلك «4»، و للأصل أيضا، فإنّه لم يثبت من الأخبار وجوب فطرة أقلّ من رأس على شخص.

خلافا للأكثر، فأوجبوها مطلقا على كلّ بقدر حصّته؛ للعمومات.

و شمولها لذلك ممنوع.

هذا إذا عاله الجميع بقدر الحصّة، و إن عاله واحد فتجب فطرته عليه.

المسألة الخامسة: لا شكّ في وجوب فطرة الرضيع؛

للإجماع،

______________________________

[1] منهم العلّامة في المنتهى 1: 533، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

______________________________

(1) جامع المقاصد 3: 45.

(2) الخلاف 2: 138.

(3) الفقيه 2: 119، المدارك 5: 329، الذخيرة: 474.

(4) الفقيه 2: 119- 512، الوسائل 9: 365 أبواب زكاة الفطرة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 404

و إطلاقات الصغير المتقدّمة، و رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني، و فيها:

«و الفطرة عليك و على الناس كلّهم، و من تعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حرّ أو عبد، فطيم أو رضيع» «1» الحديث.

و لا في عدم

وجوبها على أبيه أو جدّه لو تكفّل مئونة إرضاعه؛ لصدق العول، بل و كذا كلّ من يكفلها.

و لا في وجوبها إذا كانت مئونة إرضاعه من ماله.

و إنّما الإشكال فيما لو تبرّعت امّه بالإرضاع، كما هو الشائع في تلك الأزمان، فهل تجب فطرته على امّه، أو على أبيه المنفق على امّه؟

و أشكل منه لو لم ينفق أبوه على امّه أيضا.

و الأحوط: إخراجهما معا.

المسألة السادسة: لا تجب فطرة الجنين

إجماعا؛ له، و للأصل .. إلّا إذا تولّد قبل الغروب، فتجب حينئذ؛ لدخوله تحت الصغير و الرضيع.

و لو تولّد بعده و قبل الزوال لم تجب على الأظهر الأشهر؛ لصحيحة ابن عمّار: عن مولود ولد ليلة الفطر عليه الفطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر» «2»، و نحوها روايته «3».

نعم، يستحبّ إخراج فطرته؛ للمرويّ في التهذيب مرسلا: «إن ولد قبل الزوال تخرج عنه الفطرة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

(2) الكافي 4: 172- 12، التهذيب 4: 72- 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.

(3) الفقيه 2: 116- 500، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 4: 72- 198، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 405

البحث الثالث في جنسها و قدرها

و فيه مسألتان:
المسألة الأولى: اختلف الأصحاب في الجنس الواجب إخراجه عن الفطرة:
اشارة

فمنهم من اقتصر على الأربعة الزكويّة، كعليّ بن بابويه في رسالته، و ولده في مقنعة و هدايته «1»، و العماني في متمسّكه «2».

و منهم من خصّ بخمسة: الأربعة مع الذرة، كما عن الإسكافي و الحلبي و الحلّي «3» [1]، أو مع الأقط، كصاحب المدارك «4».

و منهم من جعله ستّة: الخمسة الاولى مع الأقط، كما مال إليه في الذخيرة «5»، أو الخمسة الثانية مع اللبن، كالسيّد «6».

و منهم من حصره في سبعة: الستّة الأخيرة مع الأرز، كما في الخلاف و المبسوط «7» و جماعة [2].

و منهم من جعله من القوت الغالب، إمّا من الأجناس السبعة،

______________________________

[1] في «ق» زيادة: و هؤلاء و إن ذكروا السلت أيضا، إلّا أنه شعير أيضا.

[2] كابن حمزة في الوسيلة: 131.

______________________________

(1) نقله عن علي بن بابويه في المختلف: 197،

المقنع: 66، الهداية: 51.

(2) نقله عنه في المختلف: 197.

(3) نقله عنهم في المدارك 5: 332.

(4) المدارك 5: 333.

(5) الذخيرة: 470.

(6) كما في الجمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 80.

(7) الخلاف 2: 150، المبسوط 1: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 406

كطائفة [1]، أو مطلقا، كاخرى [2].

و منهم من اعتبر غلبة القوت في غير الأجناس المذكورة، و أمّا فيها فاكتفى بالإطلاق، و مرجعه التخيير بين الأمرين، و هو الأشهر، سيّما بين المتأخرين.

و بالجملة: فلهم اختلاف شديد في المقام، بل اختلفت كلمات الحاكين للأقوال أيضا.

و منشأ الاختلاف في المسألة: اختلاف أخبارها، فإنّها بين مكتف بذكر اثنين: الحنطة و التمر، كصحيحة الحلبي «1».

أو ثلاثة: الحنطة و التمر و الزبيب مطلقا، كصحيحة صفوان «2».

أو الأولين مع الشعير، كصحيحتي الفضلاء السبعة «3» و ابن سنان «4» و رواية منصور بن خارجة «5».

و الأول و الثالث مع الشعير، كصحيحة ابن وهب «6» و رواية سلمة «7».

______________________________

[1] منهم الشيخ في النهاية: 190، و القاضي في المهذب 1: 174، و الديلمي في المراسم: 135.

[2] منهم المحقق في المعتبر 2: 605، و العلّامة في المنتهى 1: 536.

______________________________

(1) التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(2) التهذيب 4: 71- 194، الاستبصار 2: 46- 149، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.

(3) التهذيب 4: 76- 215، الاستبصار 2: 45- 147، الوسائل 9: 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 14.

(4) التهذيب 4: 81- 234، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(5) التهذيب 4: 85- 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.

(6) التهذيب 4: 83- 239، الاستبصار

2: 48- 159، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 8.

(7) التهذيب 4: 82- 237، الاستبصار 2: 48- 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 407

أو الأول و الرابع مع الأقط، كرواية ابن المغيرة «1».

أو أربعة، هي الأربعة الأولى، كصحيحتي البجلي [1] و سعد بن سعد «2» و رواية ابن سنان «3».

أو الأخيرة، كصحيحة القدّاح «4».

أو غير الأول من الأربعة الاولى مع الذرة، كصحيحة الحذّاء «5».

أو خمسة: هي الأربعة الاولى مع الذرة، كرواية الفضلاء الثلاثة «6».

و متضمّن لإيجاب ما اقتاته المزكّي و تغذّى به عياله، أو ما اقتاته أهل بلده، كصحيحة ابن مسكان «7» و مرسلة يونس «8» و رواية الهمداني «9»،

______________________________

[1] الرواية بهذا النص عن الحلبي، و لم نعثر على هكذا رواية للبجلي، لا حظ التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 42- 134، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.

______________________________

(1) التهذيب 4: 80- 229، الاستبصار 2: 46- 150، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 3.

(2) الكافي 4: 171- 5، الفقيه 2: 115- 492، التهذيب 4: 80- 227، الاستبصار 2:

46- 148، الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 4: 86- 250، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12.

(4) التهذيب 4: 81- 231، الاستبصار 2: 42- 135، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.

(5) التهذيب 4: 82- 238، الاستبصار 2: 48- 158، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.

(6) التهذيب 4: 82- 238، الاستبصار 2: 43- 139، الوسائل 9: 338 أبواب زكاة الفطرة ب 6

ح 17.

(7) التهذيب 4: 78- 221، الاستبصار 2: 43- 137، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1.

(8) التهذيب 4: 78- 220، الاستبصار 2: 42- 136، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.

(9) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 408

و تعضدهما صحيحة ابن عمّار المثبتة للأقط لأصحاب الإبل و البقر و الغنم «1».

و جميع تلك الأقسام- غير الأخير؛ لعدم دلالتها على وجوب ما تضمّنته، بل على كفايته و إجزائه، كما لا يخفى على الفقيه الخبير- لا تعارض بعضها بعضا.

نعم، تتعارض هذه الأقسام مع القسم الأخير بالعموم من وجه؛ لدلالتها على إجزاء ما تضمّنته مطلقا، سواء كان قوتا غالبا أو لا، و دلالته على تعيّن القوت الغالب، سواء كان أحد الأجناس أو لا.

و توهّم عدم التعارض؛ لأنّ ورود خصوص الأجناس لأنّ الغالب عدم خروج القوت الغالب عنها.

فاسد؛ إذ القوت الغالب للغالب لا يخرج عن الجميع، و أمّا عن كلّ واحد فالعيان يشهد بخلافه، فإنّ أهل عراق العجم و الري ليس قوتهم تمرا، كما أنّ أهل النجد ليس زبيبا، مع أنّها تدلّ على إجزاء كلّ واحد مطلقا، فالتعارض متحقّق، فاللازم المحاكمة، و مقتضاها الحكم بالتخيير في موضع التعارض، فيه الحكم و عليه الفتوى، فيتخيّر المكلّف بين إخراج أحد الأجناس الخمسة، و بين إخراج قوته الغالب لو كان غيرها.

لا يقال: مقتضى مفهوم الشرط في صحيحة محمّد: «الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير يجزئ عنه القمح و العدس و الذرة نصف صاع من ذلك كلّه، أو صاع من تمر أو زبيب» «2»، و مرسلة الفقيه:

«من لم يجد الحنطة و الشعير أجزأ عنه القمح و السلت و العدس و الذرة» «3» عدم إجزاء

______________________________

(1) التهذيب 4: 80- 230، الاستبصار 2: 46- 151، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 4: 81- 235، الاستبصار 2: 47- 156، الوسائل 9: 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 13.

(3) الفقيه 2: 115- 494، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 409

الذرة إلّا مع عدم وجدان الحنطة و الشعير.

لأنّا نقول: مقتضاه عدم إجزاء كلّ واحد من المذكورات، و هو لا ينافي أجزاء واحد منها.

فروع:

أ:

هل المعتبر في القوت الغالب قوت المزكّي، أو بلده الذي فيه ليلة الفطر، أو وطنه؟

مقتضى الخبرين الأولين من القسم الأخير: الأول، و مقتضى الثالث:

أحد الأخيرين، بل الأخير.

و حمل الأولين على الغالب- لتلازم الغلبتين في الأغلب- ليس أولى من العكس لذلك، و إذ لا ترجيح فالوجه التخيير في ذلك أيضا.

ب:

لا يعتبر في القوت الغالب أن يكون من أحد الأجناس الخمسة، و لا فيها أن يكون من القوت الغالب؛ للإطلاق.

ج:

لا يجوز إخراج قدر الفطرة من الدقيق أو الخبز عوضا للجنس، و لكنّه يجوز من القوت الغالب.

و الحاصل: أنّه على الاقتصار على الأجناس لا يكفي الدقيق و الخبز؛ لعدم صدق الجنس.

و أمّا على ما اخترناه من كفاية القوت الغالب يكفيان من جهته؛ للصدق.

و لا يضرّ في الدقيق افتقاره إلى العجن و الطبخ؛ لأنّ الحاجة على هذا القدر من العمل لا تخرجه عن القوت الغالب عرفا.

د:

أفضل ما يخرج: التمر و الزبيب، وفاقا لكثير، منهم: الشيخان و القاضي في الكامل و الحلّي و ابن حمزة و الشرائع و النافع و التذكرة و الإرشاد

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 410

و القواعد و التبصرة و الدروس و البيان و اللمعة و الروضة «1».

للشهرة، و صحيحة هشام: «التمر في الفطرة أفضل؛ لأنّه أسرع منفعة، و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» «2»، و هي دالّة على الأول بالصراحة، و على الثاني بعموم العلّة.

مضافا في الأول إلى غيرها من المستفيضة، كصحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الثالثة من البحث الثاني «3»، و رواية ابن سنان السالفة في الفرع الأول من المسألة الأولى منه «4»، و موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و روايتي منصور «6» و الشحّام «7»، و فيها: «لأن أعطي صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن اعطي صاعا من ذهب في الفطرة»، و مرسلة الفقيه، و فيها قريب ممّا ذكر أيضا «8».

و الأول أفضل من الثاني، وفاقا لجميع من ذكر، و جمع آخر، منهم:

العماني و الصدوقان «9»؛ لأكثريّة رواياته و صراحتها، و لقوله في صحيحة

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 251، و الطوسي في النهاية: 190، و الحلي في السرائر 1:

468، و ابن حمزة في الوسيلة: 131، الشرائع 1: 174، النافع 1: 61، التذكرة 1: 249، الإرشاد 1: 291، القواعد 1: 61، التبصرة: 49، الدروس 1: 251، البيان: 335، اللمعة (الروضة البهية 2): 59.

(2) الكافي 4: 171- 3، الفقيه 2: 117- 505، التهذيب 4: 85- 248، الوسائل 9: 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8.

(3) انظر ص: 398.

(4) انظر ص: 394.

(5) التهذيب 4: 85- 247، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 4.

(6) التهذيب 4: 85- 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.

(7) التهذيب 4: 85- 249، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة

الفطرة ب 10 ح 6.

(8) الفقيه 2: 117- 504، الوسائل 9: 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 7.

(9) اختاره الصدوق في المقنع: 66، و نقله عن الصدوقين و العماني في المختلف:

197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 411

الحلبي- بعد ذكر الأجناس الأربعة-: «التمر أحبّ ذلك إليّ»، و كذا في رواية ابن سنان بدون لفظة ذلك.

خلافا في الأول للمحكيّ عن الديلمي، فجعل الأفضل الأعلى قيمة؛ لكونه أنفع للفقير «1».

و يردّه: منع إيجابه للأفضليّة؛ لصريح ما جعل التمر أفضل من الذهب.

و عن الخلاف، فجعله القوت الغالب «2»؛ لرواية الهمداني المعيّنة لأهل كلّ قطر ما يقتاتونه «3»، و ما بمعناها من الروايات «4»، بحملها على الاستحباب؛ إمّا للإجماع على عدم الوجوب كما قيل «5»، أو للجمع بين الروايات.

و فيه- مع أنّ الوجهين لا يعيّنان الحمل المذكور لإمكان التخيير كما قلنا، و أنّه لا يكافئ ما صرّح بأفضليّة ما ذكر-: أنّه يحصل الجمع بالحمل على الفضيلة بالنسبة دون الأفضليّة من الجميع، بأن يكون أفضل من غيرهما كما فعله جماعة، فجعلوا القوت الغالب أفضل بعدهما [1]. و هو كان حسنا لو لا إمكان الجمع بالتخيير.

و في الثاني للمحكيّ عن القاضي في المهذّب، فجعل الزبيب مساويا

______________________________

[1] منهم المحقق في الشرائع 1: 174، و العلّامة في القواعد 1: 61، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 59.

______________________________

(1) المراسم: 135.

(2) الخلاف 2: 150.

(3) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.

(4) الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8.

(5) المدارك 5: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 412

للتمر؛ لمساواته العلّة «1».

و يردّه التصريح في التمر بالأفضليّة، كما مرّ.

ه:

يجوز إخراج القيمة من أحد

هذه الأجناس، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «2»، بل مطلقا كما في المنتهى «3»، بل بالإجماع كما في السرائر و المدارك و المفاتيح «4»، و عن الخلاف و الغنية و التذكرة و المختلف «5»، بل هو إجماع محقّقا؛ له، و للمستفيضة، كالموثّقات الأربعة لإسحاق بن عمّار و روايته.

و في إحداها: «لا بأس بالقيمة في الفطرة» «6».

و في الأخرى: «و لا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضّة» «7».

و في الثالثة: ما تقول في الفطرة، يجوز أن أؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء التي سمّيتها؟ قال: «نعم، إنّ ذلك أنفع له، يشتري ما يريده» «8».

و في الرابعة: فما ترى أن نجمعها و نجعل قيمتها ورقا و نعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال: «لا بأس» «9».

______________________________

(1) المهذب 1: 175.

(2) الذخيرة: 475.

(3) المنتهى 1: 538.

(4) السرائر 1: 469، المدارك 5: 336، المفاتيح 1: 217.

(5) الخلاف 2: 150، الغنية (الجوامع الفقهية): 507، التذكرة 1: 249، المختلف: 198.

(6) التهذيب 4: 86- 252، الاستبصار 2: 50- 167، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9.

(7) الفقيه 2: 117- 506، التهذيب 4: 78- 224، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 10.

(8) التهذيب 4: 86- 251، الاستبصار 2: 50- 166، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6.

(9) الكافي 4: 171- 6، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 4 بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 413

و في الخامسة: «لا بأس أن تعطيه قيمتها درهما» «1».

و صحيحتي عمر بن يزيد، الأولى: يعطى الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر و الحنطة يكون أنفع لأهل بيت المؤمن؟ قال: «لا بأس».

و الثانية: تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة، قال: «لا

بأس، يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق» «2».

و ظاهر أنّ المراد الإعطاء بالقيمة لا أصالة، كما يدلّ عليه قوله:

«يكون أجر طحنه» إلى آخره، فإنّه لو كان أصالة للزم الإتمام صاعا، و زيادة ما نقص باعتبار الطحن.

و صحيحة ابن بزيع: بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام بدراهم لي و لغيري، و كتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال، فكتب عليه السّلام بخطّه: «قبضت» «3».

و رواية المروزي: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة، و الصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» «4».

و رواية [أبي ] [1] عليّ بن راشد: عن الفطرة- إلى أن قال-: «لا بأس بأن يعطي و يحمل ثمن ذلك ورقا» «5».

______________________________

[1] أثبتناه من المصدر، لأن الرواية عن محمّد بن عيسى، و لم تثبت روايته عن علي ابن راشد.

______________________________

(1) التهذيب 4: 79- 225، الاستبصار 2: 50- 168، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 4.

(2) التهذيب 4: 332- 1041، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 5.

(3) الكافي 4: 174- 22، التهذيب 4: 91- 266، بزيادة: و قبلت، الفقيه 2:

119- 513، الوسائل 9: 345 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 4: 87- 256، الاستبصار 2: 50- 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7.

(5) الكافي 4: 174- 23، التهذيب 4: 91- 264، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 414

و المرويّ في المقنعة مرسلا: عن القيمة مع وجود النوع، قال: «لا بأس» «1».

ثمَّ إنّه لا فرق في جواز إخراج القيمة بين إمكان إخراج عين الأجناس

و عدمه، على الأظهر الموافق لصريح جماعة [1]؛ للإطلاقات، و خصوص رواية المقنعة.

و ظاهر الشيخ في النهاية و الديلمي و ابن حمزة الاقتصار على عدم الإمكان «2». و هو محجوج بما مرّ.

و لا في القيمة بين النقدين و غيرهما من الأجناس، وفاقا لصريح المبسوط و المختلف «3»، بل الأكثر، كما تنادي به تصريحاتهم بجواز إخراج ما عدا الأجناس المخصوصة بالقيمة؛ لصحيحة عمر بن يزيد الثانية .. و نفي دلالتها- كما في الحدائق «4»- غير جيّد؛ إذ قيام الأجر مقام الكسر لا يكون إلّا بالقيمة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر الحلّي و الأردبيلي «5» و يميل إليه كلام بعض المتأخّرين، فخصّوا بالنقدين أو خصوص الفضّة [2]؛ لأنّ النقدين هو المتبادر من القيمة، و لا أقلّ من احتمال الخصوصيّة، فلا تحصل بغيره البراءة؛ و للتقييد في سائر الأخبار، الموجب لتقييد المطلق إن كان.

و يجاب: بعدم دلالة شي ء من الأخبار على لزوم الانحصار، غايتها

______________________________

[1] منهم الحلّي في السرائر 1: 468، و صاحبي الحدائق 12: 288، و الرياض 1: 291.

[2] كصاحب الرياض 1: 291.

______________________________

(1) المقنعة: 251.

(2) النهاية: 191، المراسم: 135، الوسيلة: 131.

(3) المبسوط 1: 241، المختلف: 198.

(4) الحدائق 12: 290.

(5) السرائر 1: 468، مجمع الفائدة و البرهان 4: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 415

ذكر المقيّد، و هو لا يدلّ على لزوم التقييد، فتبقى الصحيحة بلا معارض.

ثمَّ على ما اخترناه من عدم اختصاص القيمة بالنقد، هل يجوز إخراج أقلّ من صاع من أحد الأجناس المذكورة بعوض صاع من آخر أرخص منه، أم لا؟

المحكيّ عن المختلف: الأول «1».

و عن البيان: الثاني «2»، و اختاره في الذخيرة و المفاتيح «3». و هو لأقرب؛ لأنّ أخبار القيمة متضمّنة للنقد، سوى صحيحة عمر بن

يزيد، و هي أيضا مخصوصة بغير هذه الأجناس، و القول بالفصل متحقّق، فليس على إجزاء مثل تلك القيمة دليل؛ مع أنّه ورد في روايات كثيرة أنّ ذلك من عمل عثمان أو معاوية «4»، مؤذنا بكونه بدعة.

و لا تقدير في القيمة على الأصحّ، كما ذهب إليه الأكثر، بل المرجع القيمة السوقيّة؛ للأصل، و ظاهر الأخبار.

و أمّا رواية إسحاق «5»، فلا دلالة فيها على التقدير بالدرهم الواحد؛ إذ المراد بالدرهم جنسه، و لو سلّم فيمكن حملها على اختلاف الأسعار، فينزّل على أنّ قيمتها وقت السؤال ذلك.

و أمّا ما رواه في المقنعة: عن قدر القيمة، فقال: «درهم في الغلاء و الرخص» «6» فلضعفه لا يدفع ما مرّ. و لذا صرّح جماعة بأنّ القول

______________________________

(1) حكاه عنه في الدروس 1: 251، المدارك 5: 337، و هو في المختلف: 199.

(2) البيان: 337.

(3) الذخيرة: 475، المفاتيح 1: 218.

(4) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(5) التهذيب 4: 79- 225، الاستبصار 1: 50- 168، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 11.

(6) المقنعة: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 416

بتقديرها درهما أو أربعة دوانيق مجهول القائل و المستند [1].

المسألة الثانية: القدر الواجب من الأجناس المذكورة في زكاة الفطرة: صاع،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في كلام جماعة [2]؛ له، و للروايات المستفيضة من الصحاح و غيرها، كالصحاح السبع: للجمّال «1»، و الحذّاء «2»، و القدّاح «3»، و الأشعري «4»، و الحلبي «5»، و ابن وهب «6»، و محمّد بن عيسى «7»، و الروايات العشر: للهمداني «8»، و المروزي «9»،

______________________________

[1] منهم العلّامة في المختلف: 198، و الشهيد في المسالك 1: 65، و صاحب الرياض 1: 291.

[2] منهم صاحب المدارك 5: 339، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 218، و صاحب الرياض

1: 291.

______________________________

(1) الكافي 4: 171- 2، الفقيه 2: 114- 491، التهذيب 4: 71- 194، الاستبصار 2: 46- 149، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.

(2) التهذيب 4: 82- 238، الاستبصار 2: 48- 158، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.

(3) التهذيب 4: 81- 231، الاستبصار 2: 42- 135، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.

(4) الكافي 4: 171- 5، الفقيه 2: 115- 492، التهذيب 4: 80- 227، الاستبصار 2: 46- 148، الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.

(5) التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(6) التهذيب 4: 83- 239، الاستبصار 2: 48- 159، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 8.

(7) التهذيب 4: 87- 257، الاستبصار 2: 51- 170، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 6.

(8) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.

(9) التهذيب 4: 87- 256، الاستبصار 2: 50- 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 417

و الشحّام «1»، و سلمة «2»، و ابن المغيرة «3»، و جعفر بن معروف «4»، و ياسر «5»، و إبراهيم بن أبي يحيى «6»، و ابن سنان «7»، و منصور «8».

و أمّا الأخبار «9» المتضمّنة لنصف الصاع من الحنطة أو غيرها فهي موافقة للعامّة، محمولة على التقيّة، كما صرّح به طائفة من الأجلّة [1]، و نطقت به المستفيضة، بأنّه من بدع عثمان أو معاوية «10»؛ و مع ذلك كلّه

مخالفة لأصالة بقاء شغل الذمّة.

و لا فرق في ذلك بين سائر الأجناس و اللبن على الأظهر، وفاقا لإطلاق أكثر القدماء، كالمفيد و السيّد و الخلاف و الإسكافي و القاضي و الحلبي و ابن زهرة «11»، و جمهور

______________________________

[1] منهم الشيخ الطوسي في التهذيب 4: 82- 236، و الفيض في المفاتيح 1:

218، و صاحب الوسائل 9: 336.

______________________________

(1) التهذيب 4: 85- 249، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 6.

(2) التهذيب 4: 82- 237، الاستبصار 2: 48- 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.

(3) التهذيب 4: 80- 229، الاستبصار 2: 46- 150، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 3.

(4) التهذيب 4: 81- 232، الاستبصار 2: 47- 153، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 4.

(5) التهذيب 4: 83- 241، الاستبصار 2: 49- 161، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5.

(6) التهذيب 4: 83- 240، الاستبصار 2: 48- 160، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 7.

(7) التهذيب 4: 81- 234، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(8) التهذيب 4: 85- 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.

(9) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(10) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(11) المفيد في المقنعة: 250، السيد في الجمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 80، الخلاف 2: 148، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 198، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 267، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 418

المتأخّرين [1]، بل قيل:

من غير خلاف يعرف بينهم عدا شاذّ «1»؛ لعموم بعض الأخبار المتقدّمة أو إطلاقه، و استصحاب شغل الذمّة.

و خلافا للمحكيّ عن المبسوط و المصباح و مختصره و الاقتصاد و الجمل و النهاية و التهذيب و الاستبصار ظاهرا و الحلّي و ابن حمزة و الشرائع و النافع و التذكرة و التبصرة و الهداية و الإرشاد و التلخيص و نسبه في الإيضاح إلى كثير من الأصحاب، فاكتفوا في اللبن بأربعة أرطال، أو ستّة «2»؛ لمرسلة القاسم بن الحسن: رجل بالبادية لا يمكنه الفطرة، فقال: «يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» «3».

و فيه: أنّ مورد الخبر من لا يتمكّن من الفطرة، و هو ظاهر في الفقير أو محتمل له، فالتصدّق المذكور من باب الاستحباب.

و كون المورد من لا يتمكّن لأجل كونه في البادية غير معلوم، غايته الاحتمال، و هو غير مفيد، و لو سلّم فيمكن أن يكون هذا إخراجا بالقيمة دون الأصالة، و تكون قيمة أربعة أرطال من اللبن في ذلك الوقت مساوية لصاع من بعض الأجناس المذكورة.

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 608، و الشهيد في المسالك 1: 65.

______________________________

(1) الرياض 1: 291.

(2) المبسوط 1: 241، المصباح: 610، الاقتصاد: 284، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 208، النهاية: 191، التهذيب 4: 84، الاستبصار 2: 49، الحلي في السرائر 1: 469، ابن حمزة في الوسيلة: 131، الشرائع 1: 174، النافع: 61، التذكرة 1: 250، التبصرة: 49، الهداية: 52، الإرشاد 1: 291، الإيضاح 1:

214.

(3) التهذيب 4: 78- 222، الاستبصار 2: 43- 138، الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ذيل ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 419

ثمَّ إنّ تحقيق الصاع قد مرّ في باب الزكاة.

فرع: لا يجوز إخراج صاع واحد

من جنسين، وفاقا للشيخ «1» و جماعة [1]، لا أصالة و لا قيمة.

أمّا الأول، فلعدم ثبوت ذلك شرعا، و إنّما الثابت أصالة صاع من جنس.

و أمّا الثاني، فلما مرّ من عدم ثبوت هذا النوع من القيمة، و وجود القول بالفصل.

خلافا في الأول للمختلف «2»، و في الثاني للكيدري و المحقّق على ما حكي عنهما «3»؛ لوجوه ضعيفة.

______________________________

[1] كالشهيد في الدروس 1: 251، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 256.

______________________________

(1) في المبسوط 1: 241.

(2) المختلف: 199.

(3) حكاه عن الكيدري في المختلف: 199، المحقق في المعتبر 2: 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 420

البحث الرابع في وقتها

و فيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في مبدأ وجوبها،

فذهب الشيخان في المقنعة و العزّية و الخلاف و النهاية و المبسوط و السيّد في الجمل و الإسكافي و الديلمي و الحلبي و القاضي و ابن زهرة: أنّه طلوع فجر يوم العيد، و اختاره صاحب المدارك من المتأخّرين «1».

و اختار الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الحلّي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان و معظم المتأخّرين: أنّه غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان «2».

دليل الأولين: أصالة عدم الوجوب، و استصحابه إلى أن يحصل اليقين، و هو ما بعد الفجر.

و صحيحة العيص: عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم

______________________________

(1) المقنعة: 249، حكاه عن العزّية في الحدائق 12: 297، الخلاف 2: 155، النهاية: 191، المبسوط 1: 242، الجمل: 126، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 199، الديلمي في المراسم: 134، الحلبي في الكافي في الفقه:

169، القاضي في شرح الجمل: 267، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

569، المدارك 5: 344.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 209، الاقتصاد: 284، المصباح: 610، الحلي في السرائر 1: 469، ابن حمزة في

الوسيلة: 131، المحقق في المعتبر 2:

611، العلّامة في المنتهى 1: 539، الشهيد الأول في الدروس 1: 250، الشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 421

الفطر» «1».

و المتبادر من: «قبل الصلاة» و إن كان ما قرب منها لا ما يشمل جميع ما بعد طلوع الفجر، إلّا أنّ الإجماع أوجب صرفه عن المتبادر، فيحمل على أقرب ما يمكن من المجازات و أشيعها و أسبقها إلى الذهن بعد الصرف عن الحقيقة .. أو نقول: إلّا أنّه يجب الاقتصار في غير مدلول النصّ على المتيقّن. و السؤال فيها عن أصل الوقت، فالظاهر أنّ غيره ليس وقتا، فلا يرد أنّه أعمّ من وقت الوجوب و الاستحباب.

و حجّة الآخرين: صحيحة معاوية بن عمّار: عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر»، و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا» «2»، و نحوها روايته «3»؛ و بعض وجوه أخر بيّنة الوهن.

و ردّت الصحيحة و الرواية أيضا بأنّهما تدلّان على وجوب الإخراج عمّن أدرك الغروب، لا على أنّه أول وقت الوجوب.

و الاعتراض عليه- بأنّه يدلّ عليه بالعموم أو الإطلاق، كما في الذخيرة «4» و غيره- لا وجه له؛ إذ لا دلالة لهما على جواز الإخراج أو وجوبه حينئذ بوجه.

ثمَّ أقول: التحقيق أنّ مرادهم بمبدإ وقت وجوبها إن كان الوقت الذي من لم يدركه لم يجب عليه و إن أدرك طلوع الفجر، فالحقّ هو الثاني؛

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 212، الاستبصار 2: 44- 141، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.

(2) الكافي 4: 172- 12، التهذيب 4: 72- 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.

(3) الفقيه

2: 116- 500، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.

(4) الذخيرة: 476.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 422

لصحيحة معاوية بن عمّار و روايته، حيث دلّتا على عدم كفاية إدراك طلوع الفجر في الوجوب، فلم يبق إلّا الغروب؛ إذ لا قول بكون غيرهما أول الوقت بذلك المعنى، فلا يجب على من صار غنيّا بعد الغروب أو ولد.

و إن كان مرادهم الوقت الذي من أدركه مع الوقت الأول وجبت عليه الفطرة، فالحقّ مع الأول؛ لعدم دليل على الوجوب بإدراك الغروب، فيستصحب عدمه إلى الطلوع، فلو مات المكلّف قبله أو فقد بعض الشرائط لا تجب عليه.

و لا يتوهّم عدم القول بالفصل بين عدم الوجوب بعدم إدراك وقته و الوجوب بإدراكه، فإنّ الشيخ نصّ في كتبه الثلاثة- التي ذهب فيها إلى القول الأول- على أنّ من أسلم أو ولد له مولود ليلة الفطر لم يجب عليه إخراج الفطرة «1».

و يظهر منه أنّ مبدأ الوجوب الطلوع بشرط إدراك الغروب أيضا.

و إن كان مرادهم أول زمان يجوز فيه إخراجها بعنوان زكاة الفطرة و لا يجوز التقديم عليه، فليس الحقّ في شي ء منهما.

بل الحقّ قول آخر، و هو أنّه أول شهر رمضان، وفاقا للصدوقين و النهاية و المبسوط و الخلاف و المعتبر و النافع و التذكرة و المختلف و الذخيرة «2»، و عزاه في التنقيح إلى كثير «3»، و في المنتهى إلى الأكثر «4»، و في الدروس و المسالك إلى المشهور «5».

______________________________

(1) المبسوط 1: 241، النهاية: 189، الخلاف 2: 139.

(2) الصدوق في المقنع: 67، حكاه عن ابني بابويه في المختلف: 200، النهاية:

191، المبسوط 1: 242، الخلاف 2: 155، المعتبر 2: 613، النافع: 62، التذكرة 1: 250، المختلف: 200،

الذخيرة: 475.

(3) التنقيح 1: 333.

(4) المنتهى 1: 540.

(5) الدروس 1: 250، المسالك 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 423

لصحيحة الفضلاء الخمسة، المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «1».

و الرضوي: «لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره و هي زكاة إلى أن يصلّي صلاة العيد، فإذا أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة، و أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان» «2».

و الحمل على التقديم على سبيل القرض حمل بلا حامل و عدول عن الظاهر، مع أنّه لا اختصاص له بأول شهر رمضان.

و اشتمال آخر الاولى على ما يخالف الإجماع لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتملت عليه، فلعلّ بعض مدلولها جار على تأويل أو مصلحة.

و خلافا للمفيد و الاقتصاد و الحلبي و الحلّي و الشرائع و الإرشاد «3» و غيرها «4»، و في المدارك و الذخيرة: أنّه المشهور «5».

لأنّها عبادة مؤقّته، فلا يجوز فعلها قبل وقتها، كما صرّح به في الصحاح الواردة في الزكاة الماليّة «6».

و لصحيحة عيص المتقدّمة «7».

و الجواب عن الأول: أنّ رمضان من وقتها لما تقدّم، فلم يكن فعلها فيه قبل الوقت.

______________________________

(1) انظر: 389.

(2) فقه الرضا «ع»: 210، مستدرك الوسائل 7: 147 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ذيل الحديث 3.

(3) المفيد في المقنعة: 249، الاقتصاد: 284، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، الحلي في السرائر 1: 469، الشرائع 1: 175، الإرشاد 1: 291.

(4) كالحدائق 12: 307.

(5) المدارك 5: 345، الذخيرة: 475.

(6) الوسائل 9: 359 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 15.

(7) في ص: 420.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 424

و عن الثاني: أنّه قد عرفت لزوم ارتكاب تجوّز فيه، فيحتمل أن يكون في غير ما

ذكر، بأن يكون السؤال عن آخر وقت الفطرة، أي إلى متى هي، أو عن الأفضل، و غير ذلك.

المسألة الثانية: اختلفوا في آخر وقتها،

فذهب السيّد و الشيخان و الصدوقان و الديلمي و الحلبي و الشرائع و النافع إلى أنّه صلاة العيد «1»، و نسبه جماعة إلى الأكثر [1]، و في التذكرة إلى علمائنا «2»، و في المنتهى إلى علمائنا أجمع «3»، و ادّعى عليه الإجماع في الغنية «4».

و عن الإسكافي: امتداده إلى الزوال «5»، و استقربه في المختلف «6».

و هو ظاهر الإرشاد حيث جعل وقتها وقت صلاة العيد «7»، و اختاره في البيان و الدروس «8».

و ظاهر المنتهى كون تمام يوم العيد وقتا لها «9»، و جواز التأخير عن الصلاة، و إن ادّعى أولا قول علمائنا أجمع بعدم جوازه.

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 5: 347، السبزواري في الذخيرة: 476، و صاحب الحدائق 12: 301.

______________________________

(1) السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 80، الطوسي في النهاية:

191، المفيد في المقنعة: 249، الصدوق في المقنع: 67، و نقله عن الصدوقين في المختلف: 200، الديلمي في المراسم: 134، الحلبي في الكافي في الفقه:

169، الشرائع 1: 175، النافع: 62.

(2) التذكرة 1: 250.

(3) المنتهى 1: 541.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(5) حكاه عنه في المختلف: 200.

(6) المختلف: 200.

(7) الإرشاد 1: 291.

(8) البيان: 333، الدروس 1: 250.

(9) المنتهى 1: 541.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 425

حجّة الأولين: رواية إبراهيم بن ميمون: «الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة» «1».

و رواية المروزي: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» «2».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها،

قبل الصلاة أو بعد الصلاة» «3»، دلّت بالمفهوم على الضرر متى ما أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها لو لم تعزل، و ليس قبلها إجماعا فيكون بعدها.

و الرضويّ المتقدّم في المسألة السابقة.

و المرويّ في الإقبال: «ينبغي أن تؤدّى الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإن أدّاها بعد ما يرجع فإنّما هو صدقة و ليس هو فطرة» «4» [1].

و في تفسير العيّاشي: «أعط الفطرة قبل الصلاة» إلى أن قال: «و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا يعدّ له فطرة» «5».

و تؤيّده الآية الشريفة، حيث قال فَصَلَّى «6»، فأتى بلفظة الفاء الدالّة على التعقيب.

دليل الثاني: صحيحة العيص المتقدّم بعضها، و فيها بعد ما مرّ: قلت:

______________________________

[1] و الجبّانة: الصحراء، و تسمّى بها المقابر- مجمع البحرين 6: 224.

______________________________

(1) التهذيب 4: 76- 214، الاستبصار 2: 44- 143، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 2.

(2) التهذيب 4: 87- 256، الاستبصار 2: 50- 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7.

(3) التهذيب 4: 77- 218، الاستبصار 2: 45- 146، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 4.

(4) الإقبال: 283، الوسائل 9: 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7.

(5) تفسير العياشي 1: 43- 46، الوسائل 9: 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 8.

(6) الأعلى: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 426

فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة، قال: «لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثمَّ يبقى فنقسّمه» «1»، و هي بإطلاقها شاملة لما قبل العزل أيضا.

و صحيحة ابن سنان: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل و بعد الصلاة صدقة» «2».

و قوله في صحيحة الفضلاء: «يعطي يوم الفطرة قبل الصلاة فهي أفضل،

و هو في سعة أو يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره» «3».

و المرويّ في الإقبال: قلت: أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: «إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزئك» قلت: فأصلّي الفجر و أعزلها و أمكث يوما أو بعض يوم ثمَّ أتصدّق بها، قال: «لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» «4».

و أكثر هذه الأخبار و إن كان شاملا لما بعد الزوال أيضا، إلّا أنّه خرج بعد الزوال بالإجماع كما في المختلف «5».

و دليل الثالث: إطلاق الصحاح الثلاث المذكورة.

أقول: يمكن ردّ دلالة الصحاح:

أمّا أولاها، فبأنّ ظاهر صدرها انتهاء الوقت بالصلاة، و ظاهر ذيلها

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 212، الاستبصار 2: 44- 141، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.

(2) الكافي 4: 170- 1، التهذيب 4: 71- 193، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 1.

(3) التهذيب 4: 76- 215 باختلاف يسير، الاستبصار 2: 45- 147، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.

(4) الإقبال: 274.

(5) المختلف: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 427

بقاؤه إلى بعدها، فلا بدّ لها من تجوّز في الأول أو تقييد بما بعد العزل في الثاني؛ و لا ترجيح، فلا دلالة لها.

و أمّا الثانية، فلأنّ ظاهر صدرها البقاء و ظاهر ذيلها الانتهاء، فلا بدّ من أحد التجويزين أيضا، مع أنّ المفضّل عليه في صدرها غير معلوم، فلعلّه التقديم كما هو ظاهر الثالثة.

و يرد على الرابعة أيضا مثل ما يرد على الثانية، مع ما فيها من الضعف و عدم الحجّية و منه يظهر خلوّ الأخيرين عن الدليل سوى استصحاب بقاء الوجوب المستلزم لبقاء الوقت،

و لكنّه أيضا لا يفيد مع أدلّة القول الأول، فهو المعوّل، إلّا أنّه قد لا يصلّي المكلّف و تقع هناك صلوات متعدّدة، بل قد لا تقع هناك صلاة أصلا، فلا يمكن توقيتها بالصلاة حينئذ قطعا، و سقوط الفطرة أيضا باطل إجماعا بل ضرورة، فالتحديد بالصلاة مطلقا ممّا لا يمكن تصحيحه أصلا.

بل الصواب أن يقال: إنّه إن صلّى المزكّي أو وقعت هناك صلاة جامعة تصلح لانصراف إطلاق الصلاة إليها و لم يرد المصلّي صلاة أخرى، فيجب الإخراج قبلها و ينتهي وقتها بها؛ لجميع ما مرّ دليلا للقول الأول و إن لم يكن كذلك، فيستصحب وقتها إلى الزوال، و أمّا بعده فلا؛ لظاهر الإجماع.

و لا يتوهّم أنّ فيه مخالفة للإطلاق- إذ الظاهر أنّ تعليق الإمام بالصلاة إنّما كان بناء على الشائع في زمانه من أمر صلاة العيد- أو خرقا للإجماع؛ فإنّه صرّح بعض شرّاح المفاتيح: بأنّ المستفاد من كلام الفاضل أنّ الإخراج للصلاة و مقدّم عليها، فحيث يجوز تأخيرها إلى الزوال يجوز تأخيره إليه إذا أخّرت الصلاة إلى الزوال لا مطلقا، فإنّ المراد بامتداد وقته إلى الزوال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 428

امتداده بشرط تأخير الصلاة عنه. انتهى.

فإذن الأقوى: انتهاء وقته بالصلاة إن صلّى المزكّي قبل الزوال أو وقعت هناك صلاة جامعة يخرج الناس إليها، و بالزوال إن لم يكن كذلك.

المسألة الثالثة: الواجب في الوقت هو العزل-
اشارة

أي الإفراز من المال و تعيينه في مال مخصوص- و أمّا الإعطاء فلا. بل يجوز تأخيره مع العزل و إن خرج الوقت و مضى منه ما مضى، كما صرّح به غير واحد [1]، و في الحدائق: أنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب «1».

للمستفيضة من الأخبار، كرواية المروزي و موثّقة ابن عمّار المتقدّمتين «2»،

و قريبة منها روايته.

و مرسلة ابن أبي عمير: «في الفطرة إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به» «3».

و بهذه الأخبار يقيّد إطلاق مثل قوله: «إن أعطيت» في رواية إبراهيم ابن ميمون «4».

فروع:

أ:

الظاهر من إطلاق الأصحاب: جواز العزل مع وجود المستحقّ و عدمه. و هو كذلك؛ لإطلاق الموثّقة و الرواية، الخالي عمّا يتوهّم مقيّدا له، سوى مفهوم الشرط في رواية المروزي «5»، و الوصف في

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 349، و السبزواري في الذخيرة: 476.

______________________________

(1) الحدائق 12: 307.

(2) في ص: 425.

(3) الفقيه 2: 118- 510، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ذيل ح 4.

(4) التهذيب 4: 77- 217، الاستبصار 2: 45- 145، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ذيل ح 5.

(5) المتقدّمة في ص: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 429

المرسلة .. و الأول لا يفيد المطلوب؛ لأنّ مقتضاه عدم وجوب العزل مع الوجدان، لا عدم جوازه، و هو كذلك؛ لإمكان الإعطاء .. و الثاني ليس بحجّة.

ب:

المراد بالعزل- كما ذكر- هو تعيينها و تمييزها في مال مخصوص بقدرها، بأن يميّزه عن غيره بقصد كونه فطرة، فلا عزل بدون الأمرين؛ لعدم الصدق عرفا، فلا يكفي الامتياز و التعيّن بدون قصد الفطرة، و لا قصدها بدون التمييز، فقصد صاع من هذه الصبرة، أو دراهم من هذه الصرّة، أو قدر معيّن من مالي على ذمّة فلان، أو سلعة من هذه الأمتعة، أو نصف من هذه السلعة، ليس بكاف في عزل الفطرة.

ج:

لو عزلها فتلفت، فإن كان بتفريط منه ضمنها مطلقا؛ للإجماع، و لأنّها صارت بالعزل ملكا للفقراء أمانة في يده، فيضمنها بالتفريط.

و إن كان بغير تفريط، فإن كان

لم يجد لها مستحقّا و لذا أخّرها فلا يضمن، و إن كان وجده ضمن، كما نصّ عليه جماعة، منهم: الصدوق في المقنع و الشيخ في النهاية و المبسوط و الحلي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان «1»، و غيرهم [1].

لا لصحيحة زرارة الواردة في الفطرة «2»؛ لعدم خلوّها عن الإجمال.

بل لصحيحة زرارة: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت: فإن لم

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 352.

______________________________

(1) المقنع: 67، النهاية: 191، المبسوط 1: 242، الحلي في السرائر 1: 470، ابن حمزة في الوسيلة: 131، المحقق في النافع: 62، العلّامة في المنتهى 1:

541، الشهيدان في اللمعة و الروضة 2: 60.

(2) التهذيب 4: 77- 219، الوسائل 9: 356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 430

يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «1»، و غير ذلك.

د:

لو عيّن الفطرة بالعزل، فهل له إبدالها بغيرها، أم لا؟

صرّح في الدروس بالثاني «2». و استشكل فيه بعض الأجلّة؛ لأصالة عدم التعيين ما لم يقبضه المستحق.

و فيه: أنّ المتبادر من العزل صيرورة المعزول- ما عزل له- ملكا لمستحقّه، و لذا صرّح الأصحاب: بأنّه أمانة في يده «3»، فجواز التبديل يحتاج إلى الدليل و ليس.

المسألة الرابعة: لو لم يعزلها و خرج الوقت، [تسقط]

فقال جماعة- منهم:

الصدوق و المفيد و الحلبي و القاضي و ابن زهرة و المحقّق «4» و جمع من المتأخّرين-: إنّها تسقط «5»، و ادّعى في الغنية الإجماع عليه.

و ذهب جمع آخر- منهم: الشيخ و الديلمي و الفاضل و الحلي «6» و جماعة من المتأخّرين

[1]- على عدم سقوطها، بل يجب إمّا قضاء، كما

______________________________

[1] كفخر المحققين في الإيضاح 1: 213، و الشهيد في الدروس 1: 250، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 266.

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 4، التهذيب 4: 48- 126، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.

(2) الدروس 1: 247.

(3) كما في الذخيرة: 476، و الرياض 1: 292.

(4) الصدوق في المقنع: 67، المفيد في المقنعة: 249، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، القاضي في المهذب 1: 176، و شرح الجمل: 267، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المحقق في الشرائع 1: 175.

(5) كما في كشف الغطاء: 358، و الحدائق 12: 310.

(6) الشيخ في الاقتصاد: 284، الديلمي في المراسم: 134، الفاضل في المنتهى 1: 541، الحلي في السرائر 1: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 431

يقوله غير الحلّي، أو أداء، كما يقوله الحلّي.

و استدلّ كلّ منهم بأدلّة مدخولة أو مصادرة، إلّا ما يستدلّ به للقول الأول من الأخبار المتقدّمة المنجبرة بالشهرة، النافية بعد الصلاة للفطرة؛ و أنّها ما يكون قبلها، فلا يجب بعدها شي ء؛ للإجماع على عدم وجوب غير الفطرة.

مضافا إلى أنّ القضاء لا يكون إلّا بأمر جديد، و هو في المقام فقيد، فالقول به البتّة غير سديد.

و القول بأدائيّته شاذّ نادر؛ إذ ليس للحلّي فيه موافق ظاهر، فبحكم الحدس بطلانه مجمع عليه، فلم يبق إلّا الأول، فعليه الفتوى، و لكن الاحتياط في المقام أولى ثمَّ أولى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 432

البحث الخامس في مصرفها و كيفيّة إعطائها

و فيه مسائل:

المسألة الأولى [مصرفها مصرف الزكاة الماليّة]

المشهور بين الأصحاب- كما في كلام طائفة منهم [1]، بل مقطوع به في كلامهم كما في المدارك «1»- أنّ مصرفها مصرف الزكاة الماليّة من الأصناف الثمانية الجامعة للشرائط المتقدّمة؛ لآية الصدقات «2»، و أخبار الزكاة «3»، و هذه منهما بالإجماع و صريح الأخبار.

و في المعتبر و المنتهى: أنّها لستّة أصناف بإسقاط المؤلّفة و العاملين «4»، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب «5».

و عن ظاهر المفيد: اختصاصها بالفقراء و المساكين «6»، و مال إليه طائفة من متأخّري المتأخّرين بعض الميل «7».

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك: الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير، عن كلّ إنسان

______________________________

[1] كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 269، و السبزواري في الذخيرة: 470، و صاحب الحدائق 12: 310.

______________________________

(1) المدارك 5: 353.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1.

(4) المعتبر 2: 614، المنتهى 1: 541.

(5) الحدائق 12: 311.

(6) حكاه عنه في المدارك 5: 353، و انظر المقنعة: 252.

(7) انظر: الرياض 1: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 433

صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» «1».

و رواية الجهني: عن زكاة الفطرة، فقال: «تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا، و أعط ذا قرابتك منها إن شئت» «2».

و رواية يونس بن يعقوب: عن الفطرة، من أهلها الذين تجب لهم؟

قال: «من لا يجد شيئا» «3».

و رواية الفضيل: لمن تحلّ الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد» «4».

و لا شكّ أنّ الأحوط الاقتصار عليهم لو لم يكن أقرب.

و يشترط في الفقير هنا ما يشترط في الماليّة من عدم كونه هاشميّا؛ لما مرّ في الماليّة

من قوله في صحيحة العيص: «يا بني عبد المطّلب، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «5».

و في صحيحة الفضلاء الثلاثة: «و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب» «6».

و في صحيحة الهاشمي: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 42- 134، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11؛ بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 173- 18، التهذيب 4: 87- 225، الوسائل 9: 359 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 4: 87- 253، الوسائل 9: 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 4: 73- 203، الاستبصار 2: 41- 127، الوسائل 9: 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 4.

(5) الكافي 4: 58- 1، التهذيب 4: 58- 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(6) الكافي 4: 58- 2، التهذيب 4: 58- 155، الاستبصار 2: 35- 106، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    434     المسألة الأولى مصرفها مصرف الزكاة المالية ..... ص : 432

(7) الكافي 4: 59- 3، التهذيب 4: 62- 166، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 434

و في رواية الشحّام: عن الصدقة التي حرّمت عليهم، فقال: «هي الزكاة المفروضة، و لم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض» «1». إلى غير ذلك.

إلّا إذا كانت فطرة الهاشميّ فتحلّ له؛ للرواية الأخيرة، و غيرها ممّا مرّ في بحث الزكاة.

و العبرة هنا بمن يجب عليه الإخراج- أي المعيل- لا بمن يخرج عنه-

أي المعال- لوجوبه على الأول و هو المعطي و يخرج من ماله، و ليس الثاني إلّا سبب الوجوب عليه، فلا يجوز لغير السيّد إعطاء فطرة زوجته السيّدة للسيّد، و يجوز للسيّد إعطاء فطرة زوجته الغير السيّدة له.

و رجّح في الحدائق اعتبار المعال؛ لأنّه الذي تضاف إليه الزكاة، فيقال: فطرة فلان و إن وجب إخراجها عنه على غيره، و ذكر بعض الأخبار المتضمّنة لذكر فطرة العيال، و عن كلّ رأس، و نحوهما «2».

و فيه: أنّ هذه النسبة مجازيّة قطعا، بل الزكاة زكاة من أمر بها، و يؤاخذ على تركها، و يثاب بفعلها، و يخرجها من ماله، و له تعيين مستحقّها، و ليس إضافته إلى المعال إلّا كنسبة المنذور لشخص إليه، فإنّه إذا نذر أحد أن يتصدّق لكلّ واحد من عياله شيئا، و نذر أيضا أن لا يتصدّق من صدقاته إلى غير العالم، لا يجوز له صرف الصدقة المذكورة إلى غير العالم قطعا.

و لو روعي الاحتياط في الإخراج لكان أولى.

و كذا يشترط كونه مؤمنا، و ما يظهر منه خلافه محمول على التقيّة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 59- 157، الاستبصار 2: 35- 108، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.

(2) الحدائق 12: 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 435

المسألة الثانية: يجوز للمالك إخراجها و تفريقها بنفسه

إجماعا، و لا يجب الدفع إلى الإمام أو نائبه الخاص أو العام؛ للأصل، و الإجماع.

و إن كان الأفضل دفعه إليه، كما صرّح به الجماعة «1»، و اللّه العالم.

المسألة الثالثة [عدم جواز نقلها إلى غير بلد المخرج مع وجود المستحقّ فيه ]

صرّح المحقّق في الشرائع و النافع و الفاضل في الإرشاد «2» و بعض آخر [1]: بعدم جواز نقلها إلى غير بلد المخرج مع وجود المستحقّ فيه.

و صريح بعض آخر الجواز [2].

و الخلاف هنا يتفرّع على الخلاف في الماليّة، كما صرّح به جماعة [3].

فالحقّ هنا أيضا: الجواز؛ للعمومات المتقدّمة فيها، مضافة هنا إلى الصحاح المتضمّنة لبعث الفطرة إلى الإمام و قبضه و قبوله.

و أمّا مكاتبة عليّ بن بلال «3»، و رواية الفضيل بن يسار «4»، فغير صريحتين في عدم الجواز؛ لمكان الجملة الخبريّة، بل غايتهما استحباب الصرف في البلد.

نعم، ربّما يقال بآكديّته هنا؛ لهما، بل نسبها بعضهم إلى الأكثر أيضا، و لا بأس به.

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 353.

[2] كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 284، و الفيض في المفاتيح 1: 212، 221.

[3] منهم صاحب الرياض 1: 292.

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 176، و البيان: 335، و الروضة 2: 53.

(2) الشرائع 1: 175، النافع: 62، الإرشاد 1: 291.

(3) التهذيب 4: 88- 258، الاستبصار 2: 51- 171، الوسائل 9: 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.

(4) التهذيب 4: 88- 260، الاستبصار 2: 51- 173، الوسائل 9: 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 436

المسألة الرابعة: ألحقّ عدم جواز إعطاء فقير أقلّ من فطرة رأس،

وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّدين و الحلّي و ابن حمزة و الديلمي و الفاضلين في طائفة من كتبهما و الشهيدين كذلك «1»، بل للمشهور كما صرّح به جماعة «2»، و في المختلف: أنّه قول فقهائنا «3»، و عن الانتصار و الغنية: الإجماع عليه «4».

لمرسلة الحسين المنجبر ضعفها- لو كان- بما مرّ: «لا تعط أحدا أقلّ من رأس» «5».

و بها يقيّد إطلاق قوله: «يفرّقها أحبّ إليّ» في

رواية إسحاق بن المبارك «6» بصورة لا يوجب التفرّق إعطاء أقلّ من صاع لواحد.

خلافا للمحكيّ عن التهذيب و المعتبر و التحرير و المنتهى و المسالك و اللمعتين «7»، و هو مذهب الجمهور، كما صرّح به جماعة، منهم: السيّد

______________________________

(1) الصدوق في المقنع 66 و الهداية: 51، و حكاه عن والده في الدروس 1: 251، المفيد في المقنعة: 252، الطوسي في المبسوط 1: 242، السيد المرتضى في الانتصار: 88، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، الحلي في السرائر 1: 472، ابن حمزة في الوسيلة: 132، الديلمي في المراسم: 135، المحقق في النافع: 62، الفاضل في التذكرة 1: 251، الشهيد الأول في البيان: 334، و الدروس 1: 251.

(2) كما في المفاتيح 1: 221، و الحدائق 12: 314، و الرياض 1: 293.

(3) المختلف: 202.

(4) الانتصار: 88، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(5) التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 52- 174، الوسائل 9: 362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 2.

(6) التهذيب 4: 89- 262، الاستبصار 2: 52- 175، الوسائل 9: 362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 1.

(7) التهذيب 4: 89، المعتبر 2: 616، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 542، المسالك 1: 65، اللمعة و الروضة 2: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 437

و الشيخ، فقالوا: يستحبّ ذلك؛ لرواية إسحاق «1». و قد مرّ جوابها.

مع أنّه على فرض التعارض يجب تقديم المخالف للعامّة.

و هل يجوز إعطاء الأقلّ مع اجتماع من لا يسع لكل منهم فطرة واحدة؟

صرّح الشيخ «2» و جماعة بالجواز [1]؛ لوجه اجتهادي لا يصلح مخصّصا للنصّ.

فالوجه: المنع مطلقا.

المسألة الخامسة: يستحبّ أن يختصّ بها الأقارب ثمَّ الجيران،

و ترجيح أهل الفضل و المعرفة مع الاستحقاق، كما يستفاد من النصوص، و صرّح به جمع من علماء الطائفة

رضوان اللّه عليهم «3».

و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله أجمعين.

______________________________

[1] منهم العلّامة في التحرير 1: 73، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 88، الشيخ في الاستبصار 2: 52.

(2) في النهاية: 192.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.