مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 08

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة المقصد الرابع في سائر ما يتعلق بالصلاة من أحكام القضاء و الجماعة و السفر]

الباب الثاني: في صلاة الجماعة

اشارة

و الكلام إمّا في فضلها، أو فيما فيه الجماعة من الصلوات، أو فيما به الجماعة أي تتحقّق الجماعة به، أو في

شرائطها و آدابها و لوازمها، أو في أحكامها.

فهاهنا مقدّمة و فصول.
اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 7

المقدمة: في فضل صلاة الجماعة.

اعلم أنّ فضلها عظيم و ثوابها جسيم، قال اللّه سبحانه وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ «1».

و قد ورد في فضلها و ذمّ تاركها ضروب من التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات.

فمن الأوّل صحيحة ابن سنان: «الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ بأربع و عشرين درجة» «2».

و الفذّ بالفاء و الذال المعجمة و التشديد: الفرد.

و حسنة زرارة: ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسة و عشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا» فقلت: الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: «نعم» «3».

و رواية محمّد بن عمّار: عن الرجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال: «الصلاة في جماعة أفضل» «4».

هذا، مع ما ورد: «أنّ الصلاة المكتوبة في مسجد الكوفة لتعدل بألف صلاة، و أنّ النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة، و أنّ الجلوس فيه بغير تلاوة و لا

______________________________

(1) البقرة: 43.

(2) التهذيب 3: 25- 85، ثواب الأعمال: 37، الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 371 الصلاة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 24- 82، الوسائل 8: 286 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 3: 25- 88، الوسائل 5: 240 أبواب أحكام المساجد ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 8

ذكر لعبادة» «1».

و مرسلة الفقيه: «من صلّى الغداة و العشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة اللّه عزّ و جلّ» «2».

و المروي في روض الجنان عن كتاب الإمام و المأموم للشيخ أبي محمّد جعفر ابن أحمد القمي، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال:

يا محمّد، إنّ ربك يقرئك السلام و أهدى إليك هديّتين. قلت: ما تلك الهديّتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات و الصلاة الخمس في جماعة. قلت: يا جبرئيل، ما لأمّتي في الجماعة؟ قال:

يا محمّد، إذا كانا اثنين كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة و خمسين صلاة، و إذا كانوا ثلاثة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ستّمائة صلاة، و إذا كانوا أربعة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفا و مائتي صلاة، و إذا كانوا خمسة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا ستّة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف و ثمانمائة صلاة، و إذا كانوا سبعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف و ستّمائة صلاة، و إذا كانوا ثمانية كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفا، و مائتي صلاة، و إذا كانوا تسعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة و ثلاثين ألفا و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا عشرة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة سبعين ألفا و ألفين و ثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها مدادا و الأشجار أقلاما و الثقلان مع الملائكة كتّابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة. يا محمّد، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة و عمرة و خير من الدنيا و ما فيها بسبعين ألف مرّة، و ركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين، و سجدة يسجدها

______________________________

(1) الكافي 3: 490 الصلاة ب 107 ح 1، التهذيب 3: 250- 688، المحاسن: 56- 86، الوسائل 5: 252 أبواب

أحكام المساجد ب 44 ح 3؛ بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 1: 246- 1098، الوسائل 8: 295 أبواب صلاة الجماعة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 9

المؤمن مع الإمام في جماعة خير من مائة عتق رقبة» «1».

و المروي في النفليّة عن الصادق عليه السلام: «الصلاة خلف العالم بألف ركعة و خلف القرشي بمائة» «2» إلى غير ذلك.

و لا يخفى أنّه إذا اجتمعت الجماعة- التي هي بنفسها تجعل الواحدة خمسا و عشرين- مع العالم تصير خمسا و عشرين ألفا، ثمَّ إذا كانت في مسجد السوق الذي الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة تصير ثلثمائة ألف صلاة، و إذا كانت في مسجد القبيلة الذي الصلاة فيه بخمسة و عشرين تصير ستّمائة و خمسة و عشرين ألف صلاة، و إذا كانت في المسجد الأعظم في بلدة أو قرية أي ما هو مجتمع القبائل الذي تعدل الصلاة فيه مائة صلاة تصير اثنتي ألف ألف صلاة و خمس مائة ألف صلاة، على الروايات المشهورة من أنّ الصلاة الواحدة في الجماعة بخمس و عشرين صلاة «3».

و أمّا على الرواية الطويلة المصرّحة بأنّ ركعة منها تعدل مائة و خمسين صلاة حتّى تكون صلاة واحدة رباعية ستّمائة صلاة، تصير مع العالم ستّمائة ألف، و معه في المسجد الأعظم ستّين ألف ألف، و إذا كان الإمام مع ذلك قرشيا تصير ستّ ألف ألف ألف. هذا كلّه إذا كان المأموم واحدا، و إذا زاد زاد بزيادته الثواب إلى ما لا يبلغه الحساب.

و من الثاني صحيحة زرارة و الفضيل: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال:

«الصلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها، و لكنّها سنّة من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من

غير علّة فلا صلاة له» «4».

______________________________

(1) روض الجنان: 362، المستدرك 6: 443 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.

(2) النفلية: 39.

(3) الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1.

(4) الكافي 3: 372 الصلاة ب 54 ح 6، التهذيب 3: 24- 83، الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 10

و صحيحة محمّد: «لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلّا مريض أو مشغول» «1».

و رواية ابن أبي يعفور: «همّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم و لا يصلّون الجماعة، فأتاه رجل أعمى فقال:

يا رسول اللّه إنّي ضرير البصر و ربما أسمع النداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة و الصلاة معك، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا و احضر الجماعة» «2».

و مرسلة الفقيه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقوم: «لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم» «3».

و صحيحة ابن سنان: «إنّ أناسا كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبطؤوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب يوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق بيوتهم» «4».

و مشهورة ابن أبي يعفور و فيها: «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة، و لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و وجب هجرانه، و إذا دفع إلى إمام المسلمين

أنذره و حذّره، فإن حضر جماعة المسلمين و إلّا أحرق عليه بيته» «5».

و المروي في مجالس الصدوق و محاسن البرقي و ثواب الأعمال: «قال رسول

______________________________

(1) الفقيه 1: 245- 1091، الوسائل 8: 291 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 3: 266- 753، الوسائل 8: 293 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 9.

(3) الفقيه 1: 245- 1092، الوسائل 8: 291 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 4.

(4) التهذيب 3: 25- 87، الوسائل 8: 293 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 10.

(5) التهذيب 6: 241- 596، الاستبصار 3: 12- 33، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 11

اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لينتهينّ أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذّنا يؤذّن، ثمَّ آمر رجلا من أهل بيتي- و هو عليّ- فليحرقنّ على أقوام بيوتهم لأنّهم لا يأتون الصلاة» «1».

و في مجالس الشيخ: «رفع إلى أمير المؤمنين أنّ قوما من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد، فقال: ليحضرنّ معنا صلاتنا جماعة أو ليحولنّ عنا و لا يجاورونا و لا نجاورهم» «2».

و فيه أيضا: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام بلغه أنّ قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد، فخطب فقال: إنّ قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا يؤاكلونا و لا يشاربونا و لا يشاورونا و لا يناكحونا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، و إنّي لأوشك [أن آمرهم] بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال:

فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم حتّى حضروا لجماعة المسلمين» «3» إلى غير ذلك.

ثمَّ المستفاد من كثير من هذه الأخبار و إن كان وجوبها و حرمة تركها كما عن

أكثر العامة فإنّ منهم من فرضها على الأعيان «4»، و منهم من قال إنّها فرض كفاية في الصلوات الخمس «5»، إلّا أنّه لم يقل به أحد من علمائنا و أجمعوا على عدم وجوبها و به صرفت تلك الأخبار عن ظواهرها.

مضافا إلى التصريح به في صحيحة زرارة و الفضيل المتقدّمة. و لا يمكن حمل السنّة فيها على ما لم يثبت من الكتاب؛ لثبوت الجماعة به أيضا كما مرّ.

______________________________

(1) مجالس الصدوق: 392- 14، المحاسن: 84- 20، ثواب الأعمال: 276- 2؛ الوسائل 8:

292 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 6.

(2) مجالس الشيخ: 705، الوسائل 5: 195 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 7.

(3) مجالس الشيخ: 705، الوسائل 5: 196 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 9. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(4) انظر بداية المجتهد 1: 141، و بدائع الصنائع 1: 155.

(5) انظر نيل الأوطار 3: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 12

و كذا في صحيحة محمّد السابقة حيث جعل الشغل عذرا، و لا يترك الواجب بالشغل.

فالأخبار المذكورة محمولة على تأكّد الاستحباب و شدّته، أو على من تركها استخفافا كما يشعر به التقييد بالرغبة عنه في جملة منها.

و تحمل تارة أيضا على الجماعة الواجبة، و اخرى على الحضور مع المعصوم، و ثالثة بأنّها لعلّها كانت واجبة فنسخت، و لم أر قائلا بهما.

و كيف كان، فطريقة الإيمان عدم الترك من غير عذر سيّما مع الاستمرار عليه، فإنّه- كما ورد- لا يمنع الشيطان من شي ء من العبادات منعها «1»، و يعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة و نحوها حيث لا يمكنهم إنكارها، لأنّ فضلها من ضروريّات ديننا.

______________________________

(1) لم نعثر على رواية بهذا المضمون، و الظاهر أنه من كلام

المجلسي (ره) في البحار 85: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 13

الفصل الأوّل فيما فيه الجماعة و فيه ثلاث مسائل
الأولى: تجب الجماعة في الجمعة و العيدين مع الشرائط المتقدّمة

لوجوبهما في بحثهما كما مرّ مفصّلا فيه.

و على جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلّم كما مرّ أيضا.

و لا تجب في غيرهما بالإجماع كما مرّ؛ لأصالة عدم وجوب متابعة شخص في الأفعال، و عدم سقوط ما ثبت وجوبه من الأعمال. و ما دلّ بظاهره على حرمة الترك مطلقا أو في اليومية مؤوّلة، كما مرّ.

الثانية: تستحبّ في الفرائض كلّها

، ذهب إليه علماؤنا أجمع كما عن المنتهى «1»، بل قيل: إنّه من الضروريّات الدينيّة «2».

و مقتضى إطلاقهما دعوى الإجماع و الضرورة في جميع الفرائض، بل في الأخير: و لا سيّما في الفرائض اليوميّة. و هو كالصريح في التعميم للجميع حتّى المنذورة و صلاة الاحتياط و ركعتي الطواف أداء أو قضاء. و بالتعميم للمنذورة و القضاء صرّح في روض الجنان و الذكرى «3»، بل يفهم من الأخير كونه إجماعيّا بيننا، و هذا القدر كاف في إثبات التعميم لكون المقام مقام الاستحباب.

و لا يضرّ استلزامه سقوط الواجب الغير الثابت فيه المسامحة؛ لأنّه من اللوازم و الاعتبار في ذلك بالملزوم، كما تثبت النافلة بالتسامح مع استلزامه حرمة

______________________________

(1) المنتهى 1: 363.

(2) كما في المفاتيح 1: 159.

(3) روض الجنان: 363، الذكرى: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 14

القطع على القول بها، و الوضوء و الغسل المستحبان به مع سقوط الواجب منهما بهما.

و لا احتمال التحريم؛ لعموم أدلّة التسامح.

مضافا إلى شمول إطلاق كثير من الأخبار، منها صحيحة ابن سنان و حسنة زرارة المتقدّمتين «1»، و صحيحة سليم الآتية في المسألة الآتية، للجميع. بل يشمله عموم مثل قوله: لا صلاة لمن لم يشهد الجماعة كما في صحيحة محمّد و رواية ابن أبي يعفور السالفتين «2».

فالإشكال في التعميم مطلقا أو في خصوص صلاة الاحتياط و ركعتي الطواف-

كما في المدارك و الذخيرة و الحدائق «3»- غير جيّد.

ثمَّ إنّه يتأكّد الاستحباب في الفرائض الخمس اليومية بالإجماع و الأخبار «4»، و منها في الغداة و العشاء كما يظهر من بعض الروايات «5».

الثالثة: لا تجوز الجماعة في غير ما ثبت استثناؤه من النوافل

، بالإجماع المحقّق و المحكي عن المنتهى و التذكرة و كنز العرفان «6»، له، و للأصل المتقدم ذكره، و المستفيضة من النصوص، منها: صحيحة سليم بن قيس في خطبة مولانا أمير المؤمنين: «و أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة» «7».

و رواية سماعة بن مهران و إسحاق بن عمّار: «إنّ هذه الصلاة نافلة و لن يجتمع للنافلة، فليصلّ كلّ رجل منكم وحده و ليقل ما علّمه اللّه [من] كتابه،

______________________________

(1) في ص 7.

(2) في ص 10.

(3) المدارك 4: 310، الذخيرة: 389، الحدائق 11: 83.

(4) الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1.

(5) الوسائل 8: 294 أبواب صلاة الجماعة ب 3.

(6) المنتهى 1: 364، التذكرة 1: 170، كنز العرفان: 194.

(7) الكافي 8: 62- 21، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 15

و اعلموا أنّه لا جماعة في نافلة» «1».

و المروي في الخصال: «و لا يصلّى التطوع في جماعة، لأنّ ذلك بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار» «2».

و في العيون: «لا جماعة في نافلة» «3».

و ضعف سند بعضها- لو كان- بما مرّ مجبور.

و النصوص المستفيضة المانعة عن الاجتماع في النافلة بالليل في شهر رمضان مطلقا الشاملة لكلّ النوافل، منها: صحيحة الفضلاء: «إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة» «4».

و أخصيّتها عن المدّعى تجبر بعدم القول بالفصل، فإنّ التجويز

لو كان لكان إمّا في مطلق النوافل سوى التراويح، أو في مجرّد الاستسقاء و الغدير. و أمّا المنع في النوافل الليلية من رمضان و التجويز في البواقي فإحداث قول ثالث.

خلافا للمحكي عن الحلبي بل المفيد و اللمعة و المحقّق الثاني «5»، و بعض متأخّري المتأخرّين في رسالته الصلاتية «6»، فجوّزوها في نافلة الغدير، و نفى عنه البعد المحقّق الأردبيلي «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 64- 217، الاستبصار 1: 464- 1801، الوسائل 8: 32 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6. بدل ما بين المعقوفين في النسخ: في، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(2) الخصال: 606، الوسائل 8: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 5.

(3) لم نجده في العيون، و هو موجود في التهذيب و الاستبصار في ضمن حديث طويل، راجع التهذيب 3: 64- 217، و الاستبصار 1: 464- 1801.

(4) الفقيه 2: 87- 394، التهذيب 3: 69- 266، الاستبصار 1: 467- 1807، الوسائل 8:

45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.

(5) الحلبي في الكافي: 160، المفيد في المقنعة: 204، اللمعة (الروضة 1): 377، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 502، و فيه: و في الغدير خلاف.

(6) حكاه صاحب الحدائق 11: 87 عن شيخه أبي الحسن في رسالته في الصلاة، و الظاهر ممّا ذكره في الحدائق 10: 17 أنّه الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني.

(7) مجمع الفائدة 3: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 16

لما يظهر من الأوّل في كافيه أنّ به رواية، و ما علّله به في الروضة من ثبوت الشرعية في صلاة العيد و هو عيد «1»، و ما ذكره الأخير من انحصار دليل المنع بالإجماع و هو في المقام مفقود.

و الرواية لنا غير

معلومة فلعلّها غير تامّة الدلالة، بل انفهام ورودها من عبارته (الّتي فهموه منها) «2» غير معلومة.

قال: و من وكيد السنن الاقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في يوم الغدير بالخروج إلى ظاهر المصر عند الصلاة .. إلى آخره.

و يمكن أن يكون نظره في ذلك إلى ما ورد من حكاية الرسول في غدير خم دون رواية أخرى، بل هو الظاهر من آخر كلامه حيث قال: و ليصعد المنبر قبل الصلاة، و يخطب خطبة مقصورة على حمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على محمّد و آله و التنبيه على عظم حرمة يومه و ما أوجب اللّه فيه من إمامة أمير المؤمنين- إلى أن قال-: فإذا انقضت الخطبة تصافحوا و تهانئوا و تفرّقوا «3».

و شرعيّة الجماعة في مطلق صلاة العيد ممنوعة، مع أنّ العيد في عهدهم إلى اليومين منصرف.

و انحصار المانع بالإجماع غير مسلّم كما مرّ.

إلّا أنّ المقام مقام المسامحة، فالاكتفاء فيه بفتوى هؤلاء ممكن. و لكن العدول عن ظاهر الإجماع و عمومات التحريم بذلك جدّا مشكل.

و للمحكي في المفاتيح «4» عن بعضهم، فجوّزها في النافلة مطلقا، و ربما استفيد وجود القول به عن الشرائع بل الذكرى «5». و صريح الذخيرة و ظاهر

______________________________

(1) الروضة 1: 378.

(2) ما بين القوسين غير موجود في «ق» و «ه».

(3) الكافي في الفقه: 160، و قوله: تهانئوا، غير موجود فيه، و قد ورد بدله في المختلف: 128:

تعانقوا.

(4) المفاتيح 1: 159.

(5) الشرائع 1: 123، و راجع الذكرى: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 17

المدارك «1» التوقف.

لإطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة من غير تقييد بالفريضة.

و خصوص صحيحة هشام: عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة

فلا» «2».

و البصري: «صلّ بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة، فإنّي أفعله» «3».

و أجيب عن الأوّل: بمنع الإطلاق بالنسبة إلى النافلة؛ لاختصاصه- بحكم التبادر و الغلبة- بالفريضة، مع أنّه منساق لإثبات أصل استحبابها في الجملة من دون نظر إلى شخص، فيكون بالنسبة إلى الأفراد كالقضيّة المهملة يكفي في صدقها الثبوت في فرد «4».

و فيه: منع الغلبة بالنسبة إلى الفريضة، كيف؟! و الأمر بالعكس جدّا. بل و كذا التبادر سيّما مع شيوع الجماعة في النافلة في تلك الأعصار. و اختصاص الانسياق المذكور- لو كان- بالمطلقات، و في الأخبار المرغّبة عمومات كما مرّ، فلا يجري فيها ذلك.

فالصواب أن يجاب عن الإطلاق: بوجوب التقييد بما مرّ.

و عن الصحيحين: بعدم صلاحيّتهما للمقاومة مع ما مرّ؛ للشذوذ، و مرجوحيّتهما عنه بالموافقة القطعيّة للعامّة «5»، كيف؟! مع أنّهم بعد منع الأمير عليه السلام عنها رفعوا أصواتهم بوا عمراه و وا رمضاناه و ضجّوا و قالوا: يا أهل الإسلام

______________________________

(1) الذخيرة: 389، المدارك 4: 316.

(2) الفقيه 1: 259- 1176، التهذيب 3: 205- 487، الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 3: 267- 762، الوسائل 8: 337 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.

(4) الرياض 1: 229.

(5) انظر المغني 1: 811، و الأم 1: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 18

غيّرت سنّة عمر «1».

مضافا إلى أنّهما غير دالّتين على ذلك أصلا:

أمّا الأولى: فلعدم دلالتها إلّا على جواز إمامتها في النافلة لا على جوازها في مطلق النافلة، فيحتمل إرادة النافلة المشروع فيها الجماعة.

و أمّا الثانية: فلاحتمال كون المراد من الصلاة بالأهل الصلاة معهم أو فيهم أي في البيت لا في الخارج، فإنّ الصلاة بالأهل ليست حقيقة و لا ظاهرة في

الايتمام لهم. و حينئذ يكون الأمر بذلك لأجل ردع الراوي عن الابتلاء بالدخول في البدعة حيث إنّ الصلاة في الخارج في شهر رمضان جماعة في الفريضة و النافلة كانت توجب البدعة، و في الفريضة خاصّة توجب البليّة. و يؤكّده التخصيص برمضان الذي هو زمان البدعة، و ذكر الفريضة مع أنّها في المسجد تتضمّن ما لا يحصى من الفضيلة.

مع أنّه يرد عليهما ما أورده بعض المجوّزين على الأخبار الناهية عن الاجتماع بالنوافل في ليل شهر رمضان من الأخصّية من المدّعى؛ فإنّ الأولى منهما مخصوصة بالنساء، و الثانية برمضان. و الدفع بالإجماع المركّب مشترك كما مرّ.

و الترجيح مع الناهية بوجوه عديدة.

______________________________

(1) الكافي 8: 58- 21، الوسائل ج 8: 46 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 4. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    19     الأول: العدد. و أقل ما تنعقد به الجماعة في غير العيدين و الجمعة اثنان ..... ص : 19

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 19

الفصل الثاني: فيما به الجماعة أي في شرط تحقّق الجماعة و هو اثنان:
الأوّل: العدد. و أقلّ ما تنعقد به الجماعة في غير العيدين و الجمعة اثنان

، أحدهما الإمام، بلا خلاف كما قيل «1». و تدلّ عليه النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح «2».

و أمّا ما في بعض المعتبرة من أنّه: إن لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة «3»، و نحو ذلك.

فلعلّ المراد أنّه إذا طلب الجماعة و لم يجدها تكون صلاته مع الانفراد مساوية لصلاة الجماعة تفضّلا منه تعالى و معاملة له بمقتضى نيّته.

و في بعضها: فأبقى أنا وحدي فأؤذّن و أقيم أ فجماعة أنا؟ قال: «نعم» «4».

و علّله في الفقيه بأنّه متى أذّن و أقام، صلّى خلفه صفّان من الملائكة، و متى أقام و لم يؤذّن صلّى خلفه صفّ من الملائكة «5».

و الظاهر حصول الجماعة بالصبي المميّز الّذي كلّف

بالصلاة تمرينا؛

______________________________

(1) الرياض 1: 229.

(2) الوسائل 8: 296 أبواب صلاة الجماعة ب 4.

(3) الفقيه 1: 246- 1095؛ لم نعثر عليه في الوسائل، و لعلّه من كلام الصدوق.

(4) الكافي 3: 371 الصلاة ب 54 ح 2، التهذيب 3: 265- 749، الوسائل 8: 296 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 2.

(5) الفقيه 1: 246- 1095.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 20

لإطلاق الأخبار، و ظاهر خبر الجهني «1»، و خصوص رواية أبي البختري «2».

الثاني: نيّة الاقتداء

، بالإجماع، كما عن المعتبر و المنتهى و النهاية و الذكرى «3»؛ لأنّ الأعمال بالنيّات، و لكلّ امرئ ما نوى «4»، و لا عمل إلّا بنية «5».

فإنّ ترك نيّة الاقتداء فإن نوى الانفراد و أتى بجميع ما يجب عليه صحّت صلاته و إن تابع أحدا صورة؛ للأصل. إلّا أن يوجب منافيا آخر كسكوت طويل و نحوه.

و كذا إن لم ينو الانفراد أيضا لعدم الالتفات إليه فتنصرف صلاته إليه؛ لعدم احتياجه إلى النية بخلاف الجماعة، و لذا لا يوجبون قصد الانفراد. و لأصالة صحّة الصلاة، و عدم وجوب المتابعة، و عدم سقوط ما يسقط بالجماعة بدون قصدها.

و منه يظهر الصحة و الانصراف إلى الانفراد لو دخل في الصلاة متردّدا بين الانفراد و الجماعة.

و لو شكّ في أنّه نوى الانفراد أو الجماعة بعد التكبيرة بنى على ما قام إليه إن علمه؛ إذ لا عبرة بالشك فيه بعد الانتقال عن المحلّ كما مرّ. و إن لم يعلمه بنى على الانفراد، للأصول المذكورة، مع أصالة عدم نية الايتمام و جواز نية الانفراد لو نوى الايتمام.

و يجب أن يكون المنويّ كونه إماما واحدا؛ للإجماع، و لأنّه المتبادر من الأخبار و المعهود من الشرع، و احتمال المخالفة، و لو

قرّرا على الموافقة فنيته إن كانت على المتابعة على فرض التوافق فهو ترديد في نيّة الاقتداء و تعليق، و إن كان

______________________________

(1) راجع رقم (4) من ص 19.

(2) التهذيب 3: 56- 193، قرب الإسناد 156- 575، الوسائل 8: 298 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 8.

(3) المعتبر 2: 423، المنتهى 1: 365، النهاية 2: 125، الذكرى: 271.

(4) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

(5) الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 21

مطلقا امتنع.

فلو نوى الايتمام بالاثنين و أتمّ الصلاة جماعة إمّا بأنّ يتّفق الاثنان في الأفعال كأن يكونا إماما و مأموما، أو بأن يتابع أحدهما بطلت صلاته؛ لتركه الواجبات «1» في غير الجماعة المشروعة.

و كذا لو أتى بالأفعال معتقدا عدم مشروعيّتها؛ لانتفاء القربة فيها.

و لو أتى بها معتقدا مشروعيّتها جهلا أو تقليدا لمن يجوّزه، فالظاهر صحّة الصلاة- و إن بطلت الجماعة- إذا قصد بأصل الصلاة القربة؛ إذ غايته زيادة نيّة فاسدة، و إفسادها الفعل غير معلوم.

و يجب أيضا كون الواحد معيّنا حال النية.

فلو لم يتعيّن مطلقا كأحد هذين، أو تعيّن بعد ذلك كالسابق بالركوع أو الجاهر صوته بالذكر بعد ذلك، لم تصحّ الجماعة.

لا لما قيل من عدم دليل على الصحّة حينئذ «2»؛ لكفاية المطلقات أدلّة.

بل للأدلّة المذكورة.

و الكلام في صلاته كما مرّ في تعدّد الإمام.

و القدر اللازم في التعيين هو التعيّن في الواقع مع إمكان المتابعة من المأموم و لو لم يتعيّن على المأموم ظاهرا؛ لأنّه القدر المسلّم من الإجماع.

فلو نوى الاقتداء بزيد و لم يعرفه بعينه من بين الأشخاص المتعدّدة، صحّت صلاته إذا أمكن متابعته بأن يكون هو إماما أو علم توافقهم. بخلاف

ما لو كان بين جماعة منفردين؛ لعدم إمكان المتابعة.

و كذا لو نوى الاقتداء بإمام هذه الجماعة إذا علم استجماعه للشرائط و إن لم يعرفه بعينه أو المصلّي جهرا إذا صلّى جماعة في ظلمة و جهر أحدهم بالصلاة.

و منه تظهر كفاية الإشارة الذهنيّة، كما إذا اقتدى خلف صفوف عديدة لا

______________________________

(1) في «ق»: الواجب.

(2) الرياض 1: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 22

يرى الإمام. و الخارجية بطريق أولى؛ للتعيّن الواقعي و الظاهري.

و يظهر أيضا مراد القوم من قولهم بلزوم التعيين اسما أو وصفا أو ذهنا أو إشارة، فإنّ مرادهم من الأوّلين ما إذا لم يتعيّن في الذهن أو الخارج عنده و إلّا لم يحسن المقابلة و أمكن المتابعة و هو ظاهر، فما عبّرنا به أحسن.

و لو اقتدى بمعيّن جامع للشرائط على أنّه زيد فبان أنّه عمرو، ففي الروضة: البطلان «1»، و في الذخيرة: الصحّة «2»، و في الحدائق: التردّد «3».

و الوجه: التفصيل بأنّه إن نوى الاقتداء و المتابعة لهذا الحاضر و إن ظنّ أنّه زيد من غير قصد زيد و «4» لهذا الحاضر الّذي هو زيد، صحّ الايتمام؛ للمطلقات، و عدم ثبوت إيجاب هذا الاختلاف للفساد.

و إن نوى الاقتداء بزيد و إن ظنّ أنّه الحاضر لم يصحّ؛ لأنّ من اقتدى به لم يتابعه و من تابعه لم يقتد به.

و لو شكّ في أثناء الصلاة أو بعدها فيما نوى من هذه الأقسام صحّت صلاته؛ للشك في تحقّق ما يجب عليه بعد الانتقال عن المحلّ.

هذا في المأموم.

و أمّا الإمام فإن كانت الجماعة واجبة تجب عليه نيّتها كما مرّ في صلاة الجمعة.

و إن كانت مندوبة فلا تشترط في صحّة صلاته بالإجماع كما في التذكرة «5» و كلام بعض الأجلّة؛

للأصل، و عدم تفاوت أفعاله مع المنفرد، و لجواز الاقتداء به في أثناء الصلاة و هو لا يعلم اتّفاقا، و اقتداء الخثعميّة الّتي رأت النبي صلّى اللّه

______________________________

(1) الروضة 1: 382.

(2) الذخيرة: 399.

(3) الحدائق 11: 119.

(4) في «ق» و «ح»: أو.

(5) التذكرة 1: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 23

عليه و آله مصليا وحده و عدم اطّلاعه صلّى اللّه عليه و آله إلّا بعد غشيتها بقراءته صلّى اللّه عليه و آله آية من سورة الحجر «1».

و لا في إمامته؛ لما ذكر أيضا، لأنّها أمر لا يتوقّف تحقّقها منه على النيّة.

و لا في دركه ثواب الجماعة، وفاقا لجماعة، منهم: الفاضل و الشهيدان و الأردبيلي «2»؛ لمطلقات ترتب الثواب عليها، و إنّما المتوقّف حصوله على النيّة ما توقف صحّته على القربة، أو كان ذا وجهين و لم يرد الثواب على مطلقه كالأكل و الشرب.

و قيل بالاشتراط فيه؛ لقوله: «لكلّ امرئ ما نوى».

و فيه: أنّه لا يدلّ على أنّه ليس له ما لم ينو.

نعم لو قصد بالايتمام جاها أو مالا أو كان مكرها فيه فالظاهر الإجماع على عدم الثواب، و يدل عليه أيضا الخبر المذكور أيضا في الجملة.

و هل تصح صلاته و صلاة المأمومين إذا اطّلعوا على قصده؟

الظاهر نعم إذا قصد بأصل صلاته القربة؛ لكون الجماعة خارجة عن الصلاة بالمرّة.

و لو صلّى اثنان و قال كلّ منهما بعد الفراغ: كنت مأموما لك، أعادا الصلاة وجوبا. و لو قال: كنت إماما، صحّت صلاتهما؛ لرواية السكوني «3» المصرّحة بالقسمين، المنجبرة بعمل الأصحاب كافّة، كما صرّح به جماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه «4»، و المعتضدة بالاعتبار.

______________________________

(1) انظر الجامع لأحكام القران للقرطبي 10: 31.

(2) الفاضل في نهاية الاحكام 2: 127، الشهيد الأوّل

في الذكرى: 271، الشهيد الثاني في روض الجنان: 376، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 318.

(3) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 3، الفقيه 1: 250- 1123 مرسلا، التهذيب 3:

54- 186، الوسائل 8: 352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.

(4) روض الجنان: 375، و مجمع الفائدة 3: 319، و الذخيرة: 399، و الحدائق 11: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 24

و استشكال بعضهم في الأوّل لبعض التعليلات «1»، غير صحيح بعد النصّ الكذائي.

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 2: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 25

الفصل الثالث: في شرائط الجماعة و آدابها و لوازمها
اشارة

و الكلام إمّا في الشرائط المختصّة بالإمام أو في غيرها، فهاهنا بحثان.

البحث الأوّل: في الشرائط المختصّة بالإمام. و هي إمّا واجبة أو مستحبّة، فهاهنا مقامان.
المقام الأوّل: في شرائط الإمام الواجبة، و هي أمور:
الأوّل: العقل،

فلا تصحّ إمامة المجنون المطبق و لا ذي الأدوار حال الجنون، اتّفاقا؛ له، و لصحيحة زرارة: «لا يصلينّ أحدكم خلف المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و المحدود، و ولد الزنا، و الأعرابي لا يؤمّ المهاجرين» «1».

و نحوها مرسلة الفقيه؛ «2».

و أبي بصير: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و ولد الزنا، و الأعرابي» «3».

و لا يضرّ اشتمالها على الجملة الخبرية أو المحتملة لها بعد الاتفاق على الحرمة، فإنّها قرينة على إرادتها هنا.

______________________________

(1) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.

(2) الفقيه 1: 247- 1106، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.

(3) الكافي 3: 375 الصلاة ب 55 ح 1، التهذيب 3: 26- 92، الاستبصار 1: 422- 1626، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 26

و تصحّ من الأخير في حال الإفاقة؛ للأصل، و العمومات.

و المشهور كراهته؛ لإمكان عروضه حال الصلاة، و عدم أمنه عن الاحتلام حال الجنون، بل روي أنّ المجنون يمني حال جنونه [1]، و لذا قيل باستحباب الغسل له حال الإفاقة «1».

و عن بحث الجمعة من التذكرة المنع لذلك «2». و ضعفه ظاهر.

الثاني: الإيمان بالمعنى الخاصّ

، بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «3»، و النصوص المستفيضة، و في رواية زرارة: عن الصلاة خلف المخالفين، فقال:

«ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر» «4».

مضافة إلى عموم ما دلّ على بطلان عبادة المخالف «5»، و عدم الاعتداد بالصلاة خلفه و النهي عنها و أمر المؤتمّ به بالقراءة خلفه «6»، و فحوى ما دلّ على اعتبار العدالة بل صريحه على القول بفسق المخالف.

الثالث: العدالة،

بالإجماعين «7»، بل نقل بعض المخالفين إجماع أهل البيت عليه [2].

و هو الحجّة في اشتراطها، لا آية الركون «8»؛ لعدم معلوميّة كون الايتمام

______________________________

[1] لم نجد الرواية في كتب الأخبار، و رواها مرسلة في الذخيرة: 302، و الحدائق 10: 4، و استدل العلامة في النهاية 1: 179 لاستحباب الغسل للمجنون بقوله: لما قيل إنّ من زال عقله أنزل.

[2] هو أبو عبد اللّه البصري على ما ذكره الشيخ في الخلاف 1: 560 نقلا عن السيّد المرتضى، و لم نجده في كتب العامّة الموجودة عندنا.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 179.

(2) التذكرة 1: 144.

(3) كما في الخلاف 1: 549، و المعتبر 2: 432، و التذكرة 1: 176.

(4) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 2، التهذيب 3: 266- 755، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 1.

(5) انظر الوسائل 1: 118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.

(6) الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10.

(7) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 590، و التذكرة 1: 176.

(8) هود: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 27

ركونا، و منع كون غير العادل مطلقا ظالما. و لا يدلّ قوله سبحانه وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ «1» إلّا على ظلم من تعدّى جميع الحدود أو أكثرها، مع أنّها لو

دلّت لدلت على النهي عن الايتمام بمن علم تعدّيه دون المجهول حاله و هو أخصّ من المدّعى.

و لا الأخبار؛ إذ لم نعثر إلى الآن على خبر يتضمّن ذكر اشتراط العدالة فيه أو مانعيّة الفسق، حتّى يمكن إثبات اشتراط العدالة بها بضميمة أصالة الفسق أو توقّف العلم بعدم المانع على ثبوت العدالة.

و إنّما المستفاد من الأخبار المنع عن الايتمام بالعاقّ للأبوين القاطع كما في صحيحة عمر بن يزيد «2»، أو المجاهر بالفسق و المجهول المحتمل لمجهول المذهب و الاعتقاد بل فسّره به جماعة «3» كمرسلتي حمّاد «4» و الفقيه «5»، أو المقارف للذنوب كرواية سعد بن إسماعيل عن أبيه «6»، أو المحدود كالمستفيضة «7»، أو شارب الخمر المحدود كالمروي في تفسير العيّاشي «8»، أو من لا يثق بدينه و أمانته كرواية أبي عليّ ابن راشد «9»، أو من لا يثق به من غير قيد كرواية المرافقي و النصري «10»، أو من لا

______________________________

(1) الطلاق: 1.

(2) الفقيه 1: 248- 1114، التهذيب 3: 30- 106، الوسائل 8: 313 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 1.

(3) منهم الفيض ره في الوافي 8: 1182، و المجلسي ره في البحار 85- 24.

(4) التهذيب 3: 31- 109، الوسائل 8: 310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 6.

(5) الفقيه 1: 248- 1111، الوسائل 8: 310 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 4.

(6) الفقيه 1: 249- 1116، التهذيب 3: 31- 110، الوسائل 8: 316 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 10؛ بتفاوت يسير.

(7) الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6، و ص 324 ب 15 ح 3، و 6.

(8) لم نجد الرواية في تفسير العياشي.

(9) الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح

5، التهذيب 3: 266- 755، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 2؛ بتفاوت يسير.

(10) التهذيب 3: 33- 120، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 28

لا يثق بدينه و تديّنه كالرضوي المنجبر «1»، أو غير المأمون على قراءته الإخفاتية كصحيحة ابن سنان «2».

و لا تثبت مانعيّة الفسق مطلقا من حسنة زرارة: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى خلف فاسق فلمّا سلّم و انصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم» الحديث «3».

و لا من المروي عن أبي ذر: إمامك شفيعك إلى اللّه، فلا تجعل إمامك سفيها و لا فاسقا «4».

لمنع العموم أو الإطلاق في الفاسق في الأول حتّى يشمل الفاسق بواسطة الأصل أيضا فإنّه قضيّة في واقعة فلعلّه المجاهر أو المقارف للذنب، مضافا إلى عدم صحّة صلاة من يتقدّم الحجّة.

و منع إرادة إمام الجماعة من الإمام و النهي من قوله: «فلا تجعل» في الثاني.

مع أنّه قول أبي ذر و لا حجّية فيه إلّا إذا أخبر، و إن ورد أنّه ليس أصدق لهجة منه «5».

و لا من رواية زيد بن علي: «الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 144، مستدرك الوسائل 6: 462 أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1.

(2) التهذيب 3: 35- 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

(3) الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 6، التهذيب 3: 266- 756 الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 4.

(4) الفقيه 1: 247- 1103، التهذيب 3: 30- 107، الوسائل 8: 314 أبواب

صلاة الجماعة ب 11 ح 2.

(5) البحار 22: 329.

(6) الفقيه 1: 248- 1107، التهذيب 3: 30- 108، الوسائل 8: 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 29

حيث إنّ عموم التعليل يقتضي عدم جواز إمامة كلّ من ضيّع السنّة و منه الفاسق.

لمنع الدلالة على الحرمة أوّلا، و تقيّدها بتضييع أعظم السنّة ثانيا.

و لا من رواية إبراهيم بن شيبة: عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام و هو يرى المسح على الخفّين، أو خلف من يحرّم المسح و هو يمسح، فكتب إليّ: «إن جامعك و إيّاهم موضع فلم تجد بدّا من الصلاة فأذّن لنفسك و أقم فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» «1». حيث دلّت على عدم جواز الصلاة خلف من يحرّم المسح على الخفّين و هو يمسح لقلّة «2» مبالاته بالدين.

لجواز أن يكون ذلك لبطلان صلاته ببطلان طهارته.

و لا اشتراط العدالة «3» من مرسلة الفقيه: «إمام القوم وافدهم فقدّموا أفضلكم» «4».

و الأخرى: «إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدّموا خياركم» «5».

و صحيحة زرارة: أصلّي خلف الأعمى؟ قال: «نعم إذا كان [له] من يسدّده و كان أفضلهم» «6». حيث دلّت على وجوب تقديم الأفضل و الخيار و منع التقديم مع عدم الأفضليّة، خرج ما أجمعوا فيه على عدم الوجوب فيبقى الباقي و منه العادل الّذي هو أفضل من المجهول و الفاسق.

لتوقّف تماميّته على ترجيح التخصيص من حمل الأمر على الندب و هو ممنوع.

مع ما في الأوّل من الإجمال في معنى الإمام، و ما في الثاني من عدم الصراحة في

______________________________

(1) التهذيب 3: 276- 807، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 2.

(2) في ه: لعدم.

(3) أي: و لا يثبت

اشتراط العدالة ..

(4) الفقيه 1: 247- 1100، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2.

(5) الفقيه 1: 247- 1101، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 3.

(6) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 339 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 5؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 30

الوجوب المطلق، للتعليق على ما يمكن منع وجوبه. مع أنّه قد يكون المجهول أو الفاسق أعلم و أقرأ، و مفضوليّته عن العادل الفاقد للوصفين غير مسلّم.

و لا مانعيّة الأوّل و اشتراط الثاني بوجوب الاقتصار فيما يخالف أصالة عدم وجوب المتابعة و سقوط القراءة و نحوها بالقدر المتيقن، و باقتضاء الشغل اليقيني بالصلاة البراءة اليقينيّة الغير الحاصلة من الاقتداء بغير العادل، و بورود المنع عن إمامة بعض المبتلين بالعيوب الجسمية فالمبتلى بالنفسانية منها أولى بالمنع.

لزوال الأصل و حصول اليقين بالمطلقات بل العمومات، و منع الأولويّة المدّعاة.

و الحاصل: أنّه لا يثبت من الأخبار سوى اشتراط انتفاء عقوق الوالدين و قطيعة الرحم و المجاهرة بالفسق و المقارفة للذنوب، و وجود الوثوق بالدين و التديّن به و الأمانة.

و مساوقة الأخير للعدالة- كما قيل «1»- غير ثابتة؛ إذ المعلوم منه الاطمئنان بمذهبه و بتمسّكه به و بالأمانة دون الزائد منه.

فلم يبق إلّا الإجماع، و الثابت منه أيضا ليس إلّا ما هو المتّفق عليه بين الكلّ في اشتراطه في العدالة دون ما هو معنى ذلك اللفظ؛ إذ لم يثبت الاتّفاق على اشتراط ما هو معناه، و لم يذكر أكثر المتقدّمين خصوص ذلك اللفظ سيّما في هذا المقام.

و من جميع ما ذكر يظهر أنّه لا تترتّب ثمرة على تحقيق معنى

العدالة و ما به تعرف في ذلك المورد و إن أثمر في موضع آخر، بل اللازم الأخذ بالمجمع على اشتراطه. و الظاهر تحقّقه بمن جمع فيه ما مرّت استفادته من الأخبار، فهو الشرط في إمام الصلاة، كما صرّح به بعض المتأخّرين منّا بل جعله الحزم في الدين، قال:

و الحزم أن لا تصلّي خلف من لا تثق بدينه و أمانته «2». انتهى.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 2: 357.

(2) المفاتيح 1: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 31

و حاصله أن لا يكون مجاهرا بالفسق، أي معلنا بالمعصية من ترك واجب أو فعل محرّم عاصيا جهرا. و لا مقارفا للذنوب أي جنسها المتحقّق بمقارفة ذنوب متعدّدة، ضرورة أنّ المراد منها ليس ما هو معنى الجمع المحلّى من مقارفة جميع الأفراد، لعدم الإمكان، و اشتهار استعمال مثل ذلك اللفظ فيمن يصدر عنه معاصي متعددة. و لا غير موثوق به أصلا أي لم يتحقّق نوع من الوثوق به. و لا غير موثوق بدينه و أمانته بخصوصه. و مأمونا على قراءته.

و الشرط عدم العلم بالمجاهرة و لا المقارفة و لو بعد الفحص، و حصول الوثوق بما يحصل به.

و لا تنافيه رواية القصير: «إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس و يقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه و اعتدّ بصلاته» «1».

لأنّ شهادة لسان حال المأمومين كافية في تعريفه و توثيقه.

و لا ما دلّ على الاكتفاء في الشاهد أو معرفة العدالة بأقلّ من ذلك؛ لعدم الملازمة.

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه لا يقصر عن العدالة سيّما ببعض معانيها الّذي اعتبره أكثر الطبقتين الاولى و الثالثة من ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق كالأولى «2»، أو حسن الظاهر كالثانية «3». بل يزيد بعد اشتراط الفحص

الممكن. و غرضنا أنّه لا حاجة إلى تحقيق معنى العدالة و ما تعرف به في هذا المقام. و طريق الاحتياط واضح و قد أفلح من سلكه.

الرابع: طهارة المولد،

بأن لا يعلم كونه ولد الزنا، بالإجماع؛ و هو الدليل عليه.

و تدلّ عليه الصحيحتان و المرسلة المتقدّمة في الشرط الأوّل. و لا يضرّ

______________________________

(1) التهذيب 3: 275- 798، الوسائل 8: 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.

(2) انظر الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 25، و الشيخ في الاستبصار 3: 14، و الخلاف 2:

591.

(3) منهم صاحب المدارك 4: 66، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 302، و الكفاية: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 32

اشتمالها على الجملة الخبرية؛ لأنّها فيها للحرمة لتضمّنها المجنون المحرّم إمامته إجماعا، فلا يمكن التجوّز بالمرجوحيّة الإضافيّة أو أقليّة الثواب، و عدم إمكان إرادة المرجوحيّة المطلقة لكونها عبادة، و يأتي توضيحه أيضا في مسألة المجذوم و الأبرص.

و تؤيّده صحيحة محمّد: «خمسة لا يؤمّون الناس و لا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، و المجذوم، و ولد الزنا، و الأعرابي حتّى يهاجر، و المحدود» «1».

و المرويان في السرائر و تفسير العيّاشي:

الأوّل: «لا ينبغي أن يؤمّ الناس ولد الزنا» «2».

و الثاني: «لا يؤمّ ولد الزنا بالناس، لم يحمله نوح في السفينة و قد حمل فيها الكلب و الخنزير» «3».

و لا بأس بإمامة من تناله الألسن، و لا ولد الشبهة، و لا مجهول الأب؛ للأصل و إن كره جماعة إمامة هؤلاء «4».

الخامس: البلوغ

، فلا تصحّ إمامة الطفل لغيره؛ للأصول المتقدّمة. إن كان غير مميّز بالاتّفاق، و إن كان مميّزا على الأظهر الأشهر، و عن صوم المنتهى نفي الخلاف عنه «5».

لأنّه لا يؤمن أن يخلّ بشي ء من الشروط أو الواجبات و إن كان ثقة، لعلمه بعدم تكليفه، و لأنّ الإمام ضامن و لا يصلح للضمان إلّا المكلّف، و لرواية إسحاق ابن عمّار المنجبر ضعفها- لو

كان- بما مرّ: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم،

______________________________

(1) الفقيه 1: 247- 1105، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 4.

(2) مستطرفات السرائر: 145- 17، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6. بتفاوت يسير.

(3) تفسير العياشي 2: 148- 28، مستدرك الوسائل 6: 465 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 5.

(4) كما في التذكرة 1: 177، و نهاية الأحكام 2: 143، و الذكرى: 231، و المدارك: 4: 70.

(5) المنتهى 1: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 33

و لا يؤمّ حتى يحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه» «1».

و يؤيّده اشتراط بعض الصفات الغير المعلوم تحقّقه في الصبي، و نزول مرتبته عن القيام بهذا المنصب الجليل، و عدم شرعيّة صلاته على المشهور.

خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط «2»، فأجاز إمامته إذا كان مراهقا عاقلا، مدّعيا عليه الإجماع، و عن التنقيح حكاية القول به عن السيّد «3»، و اختاره في الحدائق «4»، و مال إليه الأردبيلي و السبزواري «5» بعض الميل.

للإجماع المنقول، و المطلقات، و لرواية غياث: «لا بأس بالغلام الّذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم» «6». و طلحة: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم [و] أن يؤمّ» «7».

و موثّقه سماعة: «يجوز صدقة الغلام، و عتقه، و يؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين» «8».

و إجماعهم موهون بالمعارضة بالمثل و مصير الأكثر حتّى الشيخ في التهذيبين و النهاية و الاقتصاد إلى الخلاف «9» مع أنّه ليس بحجّة.

و المطلقات بما مرّ مقيّدة، مع أنّ المتبادر منها البالغ.

و الأخبار بالشذوذ فلا تصلح لمقابلة ما مرّ.

______________________________

(1) الفقيه 1: 258- 1169، التهذيب 3: 29- 103، الاستبصار 1: 423-

1632، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.

(2) الخلاف 1: 553، المبسوط 1: 154.

(3) التنقيح 1: 274.

(4) الحدائق 10: 4.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 244، السبزواري في الكفاية: 28.

(6) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 6، الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 3.

(7) التهذيب 3: 29- 104، الاستبصار 1: 424- 1633، الوسائل 8: 323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(8) الفقيه 1: 358- 1571، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5.

(9) التهذيب 3: 29، الاستبصار 1: 424، النهاية: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 34

مع أنّ المذكور في الأوليين الغلام الغير المحتلم، و هو لا يستلزم عدم البلوغ، لجواز حصوله بالإنبات أو السنّ. و هذا و إن كان جاريا في رواياتنا إلّا أنّها محمولة على غير البالغ إجماعا.

و أيضا المذكور فيهما نفي البأس فلعلّه عن الغلام إذ ليس عليه تكليف، و الإمامة في الثانية مطلقة فلعلّها للأطفال.

و الثالثة مخالفة للإجماع؛ إذ لم يقل أحد منّا بهذا التقدير فلا يفيد. بل و كذا عموم الأوليين؛ لتقييد المخالف بالمراهق.

و للمحكي عن القواعد و الدروس و الذكرى «1»، فأجازا إمامته في النوافل خاصّة لبعض الوجوه الاعتبارية. و عموم النصّ يدفعه.

و هل تجوز إمامته لمثله؟

جوّزه جماعة «2»، و لا بأس به.

و عن الإسكافي و فخر المحقّقين في إشكالاته «3» و ابن فهد في موجزه: أنّ غير البالغ إذا كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي لعهد المسلمين يكون إماما و ليس لأحد أن يتقدّمه فتجوز إمامته.

قيل: لأنّ هذا الصبي يكون بمنزلة الإمام و هو صالح للرئاسة العامّة و هو معصوم، فلأن

يكون إماما في الصلاة أولى، و كأنّ من لم يستثنه عوّل على الظهور.

انتهى.

و لا يخفى أنّه غير المتنازع فيه، فإنّ الكلام في الرعيّة، و ليس علينا التكلّم في أحكام الإمام.

السادس: الذكورة إذا كان المأموم ذكرا أو ذكرا و أنثى، فلا تجوز إمامة المرأة

______________________________

(1) القواعد 1: 45، الدروس 1: 219، الذكرى: 266.

(2) كما في الدروس 1: 219، و روض الجنان: 364.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 153، فخر المحققين في الإيضاح 1: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 35

لرجل، باتفاق العلماء كما عن المعتبر «1»، بل بالإجماع المحقّق و المحكي في التذكرة و المفاتيح و شرحه و عن المنتهى و روض الجنان و الذكرى «2»، و غيرها «3»؛ و هو الدليل عليه.

مضافا إلى التأيّد بالنبوي المشهور «4» و المرتضوي المروي في الدعائم «5»- اللذين ضعفهما بالعمل مجبور-: «لا تؤمّ المرأة رجلا».

و إنّما جعلناهما مؤيّدين لاحتمال الجملة المنفية الغير الصريحة في التحريم.

قيل: مجازها إمّا نفي الجواز أو الاستحباب أو وجود الكراهة المصطلحة، و الثلاثة يستلزم الحرمة، و أمّا إرادة المرجوحية الإضافيّة أو أقليّة الثواب فهي مجاز مرجوح غير متبادر إلى الذهن أصلا، فلا معنى لحمل اللفظ عليه بدون قرينة مجوّزة لا أقلّ.

و فيه: شيوع هذا التجوّز في الأوامر و النواهي و الجملة الخبرية المستعملة في العبادات. نعم لو كانت الجملة واردة في مورد السؤال لأمكن القول ببعد هذا التجوز كما يأتي.

و أمّا إمامتها للمرأة فجائزة في النوافل الجائزة فيها الجماعة بلا خلاف أجده، بل بالإجماع كما عن جماعة «6»؛ و تدل عليه النصوص المستفيضة العامّة و الخاصّة الآتية.

و في الفرائض على المشهور كما صرّح به جماعة «7»، بل عن صريح الخلاف

______________________________

(1) المعتبر 2: 438.

(2) التذكرة 1: 177، المفاتيح 1: 160، المنتهى 1: 373، الروض: 365، الذكرى: 267.

(3) كالرياض

1: 236.

(4) سنن البيهقي 3: 90 بتفاوت يسير.

(5) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 468 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1، (بتفاوت يسير).

(6) الشيخ في الخلاف 1: 562، الشهيد الثاني في روض الجنان: 367، البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(7) العلّامة في المختلف: 154، الشهيد الأوّل في البيان: 231، الشهيد الثاني في روض الجنان: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 36

و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه «1».

للمطلقات، و المستفيضة الصريحة أو الظاهرة في خصوص المسألة:

منها: النبوي العامي: إنّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ ورقة أو تؤمّ أهل دارها و جعل لها مؤذّنا «2».

و رواية الصيقل: كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟

قال: «يقمن جميعا في صفّ واحد و لا تتقدّمهنّ امرأة» قيل: ففي صلاة مكتوبة أ يؤمّ بعضهنّ بعضا؟ قال: «نعم» «3».

و مرسلة ابن بكير: عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «نعم تقوم وسطا بينهنّ و لا تتقدّمهنّ» «4».

و موثقة سماعة: عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «لا بأس به» «5».

و صحيحة علي: عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدّ رفعها صوتها بالقراءة؟ قال:

«قدر ما تسمع» «6».

و نحوها رواية ابن يقطين «7»، و المروي في قرب الإسناد و زاد فيه: عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة و النافلة؟ قال: «لا إلّا أن تكون امرأة تؤمّ

______________________________

(1) الخلاف 1: 562، التذكرة 1: 171، المعتبر 2: 427، المنتهى 1: 368.

(2) كنز العمال 8: 306- 23044.

(3) الفقيه 1: 103- 479، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 2.

(4) التهذيب 3: 31- 112، الاستبصار 1: 426- 1645، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 10.

(5) التهذيب 3: 31-

111، الاستبصار 1: 426- 1644، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.

(6) الفقيه 1: 363- 1201، التهذيب 3: 267- 761، الوسائل 8: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 7؛ بتفاوت يسير.

(7) التهذيب 3: 267- 760، الوسائل 6: 94 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 37

النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» «1».

خلافا للمحكي عن الإسكافي و الجعفي و السيّد «2»، فمنعوا فيها- و قد ينسب إلى الأخيرين المنع مطلقا «3»- و اختاره بعض الأجلّة كما قيل، و هو ظاهر الصدوق بل الكليني «4»، و عن المختلف نفي البأس عنه «5»، و في المدارك نوع ميل إليه «6»، و في الاستبصار احتماله «7».

و هو المختار؛ للمستفيضة من الأخبار كصحيحة هشام: عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ فقال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ، و لكن تقوم وسطهنّ» «8».

و بمضمونها صحيحة سليمان بن خالد «9».

و رواية الحلبي: «المرأة تؤمّ النساء في الصلاة تقوم وسطا منهنّ و يقمن عن يمينها و شمالها، تؤمّهنّ في النافلة و لا تؤمّهنّ في المكتوبة» «10».

و صحيحة زرارة: المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها» «11».

______________________________

(1) قرب الاسناد: 223- 867، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.

(2) حكاه في المختلف: 154، عن الإسكافي و السيد، و في المفاتيح 1: 160 عن الجعفي.

(3) انظر الكفاية: 30 للمحقّق السبزواري.

(4) الصدوق في الفقيه 1: 259، الكليني في الكافي 3: 376 الصلاة ب 57.

(5) المختلف: 154.

(6) المدارك 4: 353.

(7) الاستبصار 1: 427.

(8) الفقيه 1: 259- 1176، التهذيب 3: 205- 487، الوسائل 8:

333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.

(9) الكافي 3: 376 الصلاة ب 57 ح 2، التهذيب 3: 269- 768، الاستبصار 1: 426- 1646، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.

(10) التهذيب 3: 268- 765، الاستبصار 1: 427- 1647، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 9.

(11) التهذيب 3: 268- 766، الوسائل 8: 334 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 38

و المروي في الدعائم: «لا تؤمّ المرأة بالرجال و لا تصلّي بالنساء» «1».

و حملها على الكراهة فاسد؛ لعدم تعقّلها بالمعنى المصطلح في العبادة بل عدم قول بها بالمرّة، لأنّ المجوّزين يستحبّونها كلا كما صرّح به في الخلاف و المنتهى «2».

و إرادة المرجوحيّة الإضافيّة أو أقليّة الثواب في المقام بعيدة، بل هي عند الذهن السليم غير محتملة، فإنّ السؤال عن مثل ذلك غير معهود.

و جعل النافلة و المكتوبة صفة للجماعة خلاف الظاهر المتبادر بل بعيد غايته، مع أنّه في الأخيرين غير محتمل أصلا.

فهذه لما مرّ معارضة و هي من غير الأوليين منه خاصّة مطلقة سواء قلنا فيه بالإطلاق أو العموم من جهة ترك الاستفصال، فتخصيصه بها لازم. مع أنّ الثلاثة الأخيرة منه ليس بمطلق أيضا كما لا يخفى، بل و كذا السابقتين عليهما، لعدم اشتمالهما على لفظ الصلاة حتى تكون مطلقة بالنسبة إلى النافلة و الفريضة بل جوّز الإمامة و هي بالنسبة إليهما مجملة فيحكم بالمفصّلة.

و جعل الزيادة في الأخير مشعرة أو دالّة على العموم- كما قيل «3»- باطل؛ إذ لا إشعار فيها أصلا، فإنّ السؤال عن جهرهنّ في الفريضة و النافلة، و الجواب بنفيه إلّا إذا كان إماما لا يشعر بجواز الإمامة فيهما

بوجه.

و نفي أعمّية أخبار الجواز و إجمالها لظهورها في الفريضة لكونها أظهر الأفراد فتختصّ بها، مردود بأنّه إنّما هو إذا تضمّنت لفظ الصلاة حتى ينصرف إلى أظهر أفرادها و ليس كذلك.

سلّمنا، و لكن نمنع الظهور المدّعى، كيف؟! و النافلة أكثر من الفريضة.

______________________________

(1) الدعائم 1: 152 و فيه: لا تؤم المرأة الرجال و تصلّي بالنّساء .. و رواها في المستدرك 6: 468 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.

(2) الخلاف 1: 562 و فيه: يستحلّ للمرأة ..، و لكن بدله في الطبعة المحقّقة ج 1 ص 562:

يستحبّ ..؛ المنتهى 1: 368.

(3) الرياض 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 39

و ممّا ذكر ظهر رفع توهّم عدم جواز هذا التخصيص لإيجابه خروج أكثر الأفراد، حيث إنّه لا يبقى إلّا النافلة المجوّزة فيها الجماعة كالعيدين و الاستسقاء و الغدير على قول. مع أنّ بطلان خروج الأكثر عن المطلق ليس بمعلوم.

ثمَّ مع تسليم الجميع غايته التعارض بالتساوي. فإن رجّحنا المانعة بالأصحيّة سندا و الأصرحيّة دلالة و المخالفة للعامة كما يأتي، و إلّا فيرجع إلى الأصول. و هي مع المنع دون الجواز؛ لمنع عموم شامل للامرأة أيضا، بل المذكور في الأخبار إمّا الرجل أو ما بمعناه أو الإمام المتوقّف صدقه على المرأة على جواز إمامتها.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بالمطلقات.

كما أنّ منه و من سابقة يظهر الجواب عن الأوليين، فإنّ غايتهما التعارض مع دليل المنع و الرجوع إلى الأصل لعدم الترجيح أو تحقّقه للمانع.

و ترجيح المجوّز بالاعتضاد بالشهرة، و الإجماعات المنقولة، و المخالفة لأكثر العامّة، و اتّصاف المانع بالشذوذ و الندرة، و دلالته على تجويز الجماعة في مطلق النافلة و هي باطلة إلّا بالتخصيص بما تجوز فيه الجماعة و

هي نادرة غاية الندرة، باطل.

لعدم صلاحيّة الأوّلين للترجيح.

و منع الثالث، بل الأمر بالعكس، لأنّ الجواز قول الأئمّة الأربعة «1»، و نقل عن عائشة و أمّ سلمة و عطاء و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبي ثور و نافع و عمر بن عبد العزيز «2»، إلّا أنّ بعضهم قال بالكراهة و هي للجواز و نفي البأس غير منافية بل المنع ينافيها؛ و لم ينقل المنع في الفرائض إلّا عن الشعبي و النخعي و قتادة «3»، فمن يتّقى عنه في طرف الجواز مع الكراهة أو بدونها.

______________________________

(1) انظر الام 1: 164، و بداية المجتهد 1: 145، و بدائع الصنائع 1: 157.

(2) كما في المغني 2: 36، و الام 1: 164.

(3) المغني 2: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 40

و منع الرابع جدّا، كيف؟! مع أنّ مثل الفحول المذكورين إمّا يفتون بمقتضاها أو يجوّزون الفتوى به، و مثل ذلك بعيد عن حيّز الشذوذ بمراحل عديدة، بل لا نعلم من القدماء في الطرف الآخر أكثر منهم.

و لزوم الخامس لو كان الأخبار منساقة لبيان ما تجوز فيه الجماعة من النافلة، و ليس كذلك، بل هي شارحة لمن يصلح للإمامة، فلا حكم فيها لإطلاق النافلة.

هذا كلّه مع ما في النبوي من الضعف لأجل العامية- و الانجبار بالعمل لا يفيد إلّا في أخبارنا المروية- و كونه قضيّة في واقعة فلا يعلم شموله للفريضة و لعلّها كانت في صلاة العيد. و جعل المؤذّن لها لا يفيد؛ لأنّ الأذان لغة الإعلام، و ثبوت الحقيقة الشرعية في هذا الوقت غير معلوم، فلعلّ المراد به ما يؤذن به لصلاة العيد من قول المؤذّن: «الصلاة» ألا ترى أنّه ورد في الأحاديث و كلمات الفقهاء أنّ المؤذّن

يقول: «الصلاة» ثلاثا «1»، و أنّ المؤذّنين يمشون بين يدي الإمام في الاستسقاء «2».

بل يمكن منع العموم أو الإطلاق في رواية الصيقل أيضا؛ لاحتمال كون إضافة الصلاة إلى المكتوبة للعهد و إرادة صلاة الجنازة بقرينة تقدّم السؤال عنها، حيث إنّه عليه السلام لمّا أجاب بما يظهر منه جواز إمامة النساء في الجنائز مع أنّها صلاة مكتوبة أي واجبة استدرك السائل و قال: أ في هذه الصلاة الواجبة؟

السابع: تمكّنه من القيام في الصلاة إن كان المأمومون قائمين

، فلا تجوز إمامة القاعد للقائم، إجماعا محقّقا و محكيّا عن الخلاف و السرائر و التذكرة و ظاهر المنتهى و صريح الحدائق «3»؛ و هو الدليل عليه.

و تؤيّده مرسلة الفقيه: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه

______________________________

(1) الوسائل 71: 428 أبواب صلاة العيد ب 7.

(2) الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1.

(3) حكاه عنهم في الرياض 1: 235 و هو في الخلاف 1: 544، و انظر السرائر 1: 281، التذكرة 1: 177، المنتهى 1: 371، الحدائق 11: 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 41

جالسا، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّن أحدكم بعدي جالسا» «1».

و احتمالها الجملة المنفية يمنع عن الاستدلال به. و لعلّه لذلك و عدم اعتبار الإجماع يظهر من الشيخ الحرّ في الوسائل الكراهة «2». و هو غير جيّد.

و إطلاق المرسلة- لو تمّت دلالتها- و إن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا، إلّا أنّه قد عرفت عدم تماميّتها. مع أنّ منهم من ادّعى الإجماع على التقييد بما إذا أمّ قائما، و يدل عليه ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات المعمول به بين الأصحاب «3».

الثامن: عدم كونه أمّيا

، أي من لا يحسن قراءة الحمد أو السورة أو أبعاضهما و لو حرفا أو تشديدا أو صفة، و لا مؤوف اللسان كالألثغ بالمثلّثة [1]، و الأليغ بالمثناة التحتانية [2]، و الأرتّ [3]، و التمتام و الفأفاء، بأحد تفسيريهما [4]، إذا أمّ القارئ و السليم.

و هو في الأوّل مع إمكان التصحيح و التقصير ظاهر؛ لبطلان صلاته. و كذا فيهما مع إمكان المتابعة للقارئ أو الايتمام و القول بوجوبه عليهما لعدم جواز صلاته فرادى فكيف بالإمامة.

و أمّا بدون الأمرين فقد يستدلّ له تارة بالإجماع المنقول

عن الذكرى «4».

و اخرى بالمروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «يتقدّم القوم أقرؤهم» «5».

______________________________

[1] اللّثغة في اللسان هو أن يصيّر الراء لاما.

[2] الليغ: أن لا يبيّن الكلام.

[3] الرتّة: حبسة في لسان الرجل.

[4] و هو: من يبدّل التاء و الفاء بغيرهما، كما قال في الحدائق 11: 195. و التفسير الآخر هو: من يتردّد في التاء و الفاء. انظر فقه اللغة للثعالبي: 106.

______________________________

(1) الفقيه 1: 249- 1119، الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.

(2) الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 عنوان الباب.

(3) الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلّي ب 51.

(4) الذكرى: 268.

(5) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 5، التهذيب 3: 31- 113، الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 42

و ثالثة بإخلاله بالقراءة فتكون صلاته عنها خالية، و لا صلاة إلّا بالفاتحة، فكيف يضمن قراءة المأموم، مع أنّ الأصل عدم سقوطها.

و رابعة بعدم تبادر مثله، و لا معهوديّته من الشريعة.

و الأوّل إن ثبت فهو، و إلّا فمنقولة ليس بحجّة.

و الثاني قاصر في الدلالة بوجوه كثيرة.

و الثالث مردود بعدم إخلاله بما يجب عليه من القراءة، و ما قرأه هو في حقّه الفاتحة، فلا تكون صلاته عنها خالية. و لو سلّم فتوقّف الضمان على الأزيد من ذلك في شأنه ممنوع، و الأصل بالعمومات و المطلقات مدفوع.

و الرابع بمنع تبادر الغير أيضا، و عدم المعهودية غير مسلّمة، كيف؟! مع أنّ صلاة الجماعة بين الصحابة و التابعين و أصحاب الأئمّة و أهل أعصارهم كانت في غاية الشيوع و لا نعلم حال جميع أئمّتهم. و لو كان الأمر كما قالوه فكيف يجوّزونها للمثل كما

صرّح به الأكثر «1»؟. و بالجملة لو لم يثبت الإجماع لكان القول بالجواز متّجها.

و منه يظهر الجواز في اللاحن الغير المقصّر مطلقا كما عن الشيخ «2»، أو إذا لم يغيّر اللحن المعنى كما عن الحلّي بطريق أولى «3»، و كذا في التمتام و ألفا فاء بالتفسير الآخر و هو من لا يحسن تأدية التاء و الفاء إلّا بترديدهما مرّتين فصاعدا، كما صرّح غير واحد بجواز إمامتهما أيضا «4»، نعم كرهها بعض الأصحاب «5» و لا بأس به.

______________________________

(1) منهم الحلي في السرائر 1: 281، و المحقق في المعتبر 2: 438، و العلّامة في التذكرة 1: 178، و الشهيد في الذكرى: 268.

(2) المبسوط 1: 153.

(3) السرائر 1: 281.

(4) منهم المحقّق في المعتبر 2: 438، و العلامة في المنتهى 1: 372.

(5) كالعلّامة في نهاية الاحكام 2: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 43

المقام الثاني: في الشروط المستحبّة للإمام، و هي أيضا أمور:
منها: أن لا يكون أجذم و لا أبرص

؛ إذ تكره إمامتها.

أمّا مرجوحيّتها فممّا لا خلاف فيه أعرفه، بل عن الانتصار و الخلاف الإجماع عليها «1»، و هو الحجّة فيها، لكفايته في مثلها سيّما مع انضمامها بالشهرة المحقّقة المعلومة، مضافا إلى الصحيحتين و المرسلة المتقدّمة في صدر المقام الأوّل «2».

و أمّا الجواز- كما هو الأظهر الأشهر سيّما بين من تأخّر- فللأصل الخالي عن معارضة ما يصلح حجّة للمنع؛ إذ ليس إلّا ما مرّ و هي عن الدال على التحريم خالية، لكونها متضمّنة للجملة الخبريّة أو مالها محتملة.

و اشتمالها على من تحرم إمامته إجماعا، فيكون المراد من الجملة التحريم، لئلّا يستعمل اللفظ في المجازين أو الحقيقة و المجاز على القول بإفادة الجملة الخبريّة للتحريم، غير مفيد؛ إذ الحمل على مطلق المرجوحيّة ممكن و هو من باب عموم المجاز الشائع.

إلّا أن يقال بأنّ المرجوحيّة

المتصوّرة هنا هي الإضافية و بمعنى أقلّية الثواب، و ليس قدر مشترك بينها و بين الحرمة، فيتعيّن حمل الجملة فيها على الحرمة لا غيرها، و تكون عليها حجّة.

إلّا أنّها معارضة مع ما دلّ على الجواز، كرواية عبد اللّه بن يزيد: عن

______________________________

(1) الانتصار: 50، الخلاف 1: 561.

(2) راجع ص 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 44

المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟ فقال: «نعم» «1».

و نحوها المروي في محاسن البرقي «2».

و ضعفهما سندا غير ضائر؛ لانجبارهما بالشهرة المحكية و لو كانت من المتأخّرين. مع أنّ الأولى نفسها عندنا حجة.

و بعد تعارضهما إمّا يرجع إلى التخيير المثبت للجواز، أو التساقط الموجب للرجوع إلى مجوّزات إمامتهما من إطلاقات الكتاب و السنّة بل مرغّباتها، فتكون مستحبة، إلّا أنّه يحكم بالمرجوحيّة الإضافيّة للإجماع المتقدّم.

خلافا فيه للمحكي عن الجمل و المصباح للسيّد «3»، و غير التهذيبين للشيخ «4»، و الحلبي و ابني حمزة و زهرة «5»، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، فنفوا الجواز بل حرّموها.

للأخبار المذكورة إمّا بالتقريب الّذي ذكرنا، أو بجعل الجمل الخبرية مفيدة للحرمة، مع ردّ المعارض بالضعف في السند و عدم معلوميّة الجابر له، إذ ليس سوى شهرة متأخّرة، و كونها صالحة للجبران سيّما مع معارضتها لشهرة القدماء و الإجماعات المحكيّة غير معلوم. و أمّا دعوى الانتصار الإجماع على الكراهة «6»، فاحتمال الحرمة منها ممكن بل فيه ما تظهر منه إرادتها.

و هو حسن عند من يلاحظ السند في أخبار الكتب المعتبرة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 27- 93، الاستبصار 1: 422- 1627، الوسائل 8: 323 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.

(2) المحاسن: 326- 76، الوسائل 8: 324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 4.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل

الشريف المرتضى 3): 39، و حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 442.

(4) الخلاف 1: 561، المبسوط 1: 155، النهاية: 112، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 191، الاقتصاد: 269.

(5) الحلبي في الكافي: 143، قال ابن حمزة في الوسيلة: 105: تكره إمامة .. المجذوم و الأبرص؛ ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 560.

(6) الانتصار: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 45

و للمحكي عن المقنعة و الحلّي، فمنعا عن إمامتهما في الجماعة الواجبة خاصة «1».

و لبعض آخر، فمنع عنها للأصحّاء «2».

و لا أعرف مستندهما، إلّا أن يستند في الثاني إلى تبادر ذلك من أدلّة المنع.

و لا بأس به.

و منها: أن لا يكون محدودا بعد توبته.

أمّا مرجوحيّة إمامته فللأخبار المتقدّمة في الشرط الأوّل الواجب بالتقريب المذكور في المجذوم و المبروص، و الإجماع.

و أمّا جوازها فللأصل، و عموم نحو: «يؤمّكم أقرؤكم» «3» و مفهوم بعض الأخبار المصرّحة بأنّ خمسة لا يؤمّون «4» و ليس منهم المحدود، و كونه أحسن حالا من الكافر بعد إسلامه فيدلّ على الجواز هنا بالأولويّة.

خلافا للمحكي عن السيّد و الحلبي و ابن زهرة و ظاهر الشيخ «5»، بل عليه الإجماع عن الأخيرين، فحرّموها لتلك الأخبار «6»، لدلالتها على الحرمة إمّا بنفسها أو بالتقريب الّذي ذكرناه.

و هو قويّ، و الأصل و العموم مدفوع و مخصّص بما مرّ، و المفهوم عددي لا حجيّة فيه، و الأولويّة ممنوعة سيّما مع أنّهم لا يقولون بها لعدم قولهم بالكراهة ظاهرا في الكافر و القول بها في المحدود.

______________________________

(1) المقنعة: 163، الحلّي في السرائر 1: 280.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(3) الفقيه 1: 185- 880، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 3 و أيضا 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28، كنز العمّال

7: 587.

(4) الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14.

(5) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، و الحلبي في الكافي: 144، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، الشيخ في النهاية: 112.

(6) و هي الأخبار التي تقدمت في ص 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 46

و منها: الأغلف الغير المقصّر في تأخير الختان

؛ للإجماع على مرجوحيّته، و الأخبار القاصرة عن إفادة الحرمة إمّا دلالة أو سندا «1».

إلّا أنّ بعض رواياته معتبرة و التقريب المتقدّم فيها جار، فالقول بالحرمة كما عن بعض القدماء قوي «2».

و لا تبطل صلاته؛ للأصل، و الاتّفاق إلّا عن شاذّ «3».

و منها: أن لا يكون ممّن يكرهه المأمومون
اشارة

على الأظهر الأشهر؛ لمرسلة الفقيه: «ثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة» إلى أن قال: «و إمام قوم صلّى بهم و هم له كارهون» «4».

و رواية الحسين بن زيد في حديث المناهي قال: «و نهى أن يؤمّ الرجل قوما إلّا بإذنهم و هم به راضون» «5».

و المروي في الخصال: «أربعة لا تقبل لهم صلاة» إلى أن قال: «و الرجل يؤمّ القوم و هم له كارهون» «6».

و في الأمالي: «ثلاثة لا تقبل لهم صلاة» إلى أن قال: «و رجل أمّ قوما و هم له كارهون» «7».

و عن المنتهى نفي الكراهة «8»؛ لوجه اعتباري لا اعتبار له في مقابلة النصّ.

و عن التذكرة التفصيل بعدم الكراهة إن كان كراهة المأمومين لتديّنه و تصلّبه

______________________________

(1) انظر: الوسائل 8: 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13. و أيضا: ب 14 ح 6.

(2) كالسيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، و الحلبي في الكافي: 144.

(3) قال الشهيد الثاني في روض الجنان: 368: و لو قدر و أهمل فهو فاسق، و لا تصحّ صلاته بدونه و ان كان منفردا.

(4) الفقيه 1: 36- 131، الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.

(5) الفقيه 4: 9- 1، الوسائل 8: 349 من صلاة الجماعة ب 27 ح 2؛ بتفاوت يسير.

(6) الخصال: 242- 94، الوسائل 8: 349 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 3.

(7) أمالي الطوسي: 196، الوسائل 8: 350 أبواب

صلاة الجماعة ب 27 ح 6.

(8) المنتهى 1: 374.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 47

في الدين، و الكراهة إن كان لغير ذلك «1».

و هو حسن؛ لأنّ المتبادر الظاهر من الأخبار الثاني، فتختصّ الكراهة بمن لم يكن للمأمومين فيه مزيد اعتقاد و يرجّحون غيره عليه و يريدون الايتمام بغيره، و هو مع ذلك يحملهم على الايتمام به و يمنعهم من غيره.

و هاهنا ثلاث مسائل ينبغي الإشارة إليها.
المسألة الأولى: قد صرّح الأصحاب بأنّ صاحب المسجد- أي الراتب فيه- و صاحب المنزل مع اجتماع شرائط الإمامة فيه، أولى
اشارة

بالإمامة فيه من غيره مطلقا و لو كان غيره أفضل، و نفى بعضهم خلاف الأصحاب فيه «2»، و في المنتهى: إنّه لا نعرف فيه خلافا «3».

و يدل على الأوّل: الرضوي، و فيه: «صاحب المسجد أحقّ بمسجده» «4».

و في موضع آخر منه: «أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرؤهم» إلى أن قال:

«و صاحب المسجد أولى بمسجده» «5».

و الدعائمي: «يؤمّكم أكثركم نورا، و النور القرآن، و كلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم، إلّا أن يكون أمير حضر فإنّه أحقّ بالإمامة من أهل المسجد» «6».

و فيه أيضا: «صاحب المسجد أحقّ بمسجده» «7».

ثمَّ إنّ ضعفها بالشهرة منجبر، مع أنّه في مقام المسامحة غير ضائر.

إلّا أنّ في استفادة الراتب من لفظ الصاحب نظرا، لاحتمال أن يكون

______________________________

(1) التذكرة 1: 179.

(2) كصاحب الحدائق 11: 198.

(3) المنتهى 1: 374.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 5.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 143، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.

(6) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.

(7) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 48

المراد: المالك- إذ لا يلزم كون كلّ

مسجد وقفا- أو الواقف. نعم، الظاهر صدق أهل المسجد- الوارد في الدعائمي- على راتبة، فيتمّ الاستناد إليه.

و على الثاني: رواية الحذّاء الواردة في الأولى بالتقديم في الجماعة، و فيها:

«و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله» «1».

و ذكروا أيضا أنّ الهاشمي الجامع لشرائط جماعة الصلاة أولى من غيره.

و هو كذلك؛ لفتوى العظماء، و لأنّ فيه إكرام ذريّة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و لما روي من قوله عليه السلام: «قدّموا قريشا و لا تتقدّموهم» [1].

و تحمّل ذلك المقام للمسامحة يجبر ما في هذه الوجوه من الضعف.

و أولويّته- كما صرّح به بعضهم «2»- إنّما هي بالنسبة إلى غير راتب المسجد و صاحب المنزل، و أمّا هما فيقدّمان عليه لأخصّية دليلهما.

و أيضا الأولى تقديم الأقرأ للقرآن أي الأكثر قراءة و أفصحها و الأكثر إتقانا للحروف و أحسن إخراجا لها من مخارجها، لا الأعرف بالأصول و القواعد المقرّرة عند القرّاء.

و الأكبر سنّا و أعلمهم بالسنّة و أفقههم في الدين؛ لرواية الحذّاء الواردة في صلاة الجماعة: «يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم في الهجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا، فإن كانوا في السنّ سواء فأعلمهم بالسنّة و أفقههم في الدين، و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله و لا صاحب سلطان في سلطانه».

و مقتضى هذه الرواية تقديم صاحب المنزل على الثلاثة؛ لأنّه المتبادر من الأمر بتقديمه بعد ذكر الثلاثة، و قد عرفت تقديمه على الهاشمي أيضا. و لا يجتمع

______________________________

[1] رواها الشهيد في الذكرى: 270 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و صرّح بأنّها مرسلة أو مسندة بطريق غير معلوم، و نقلها السيوطي في الجامع الصغير 2: 253- 6108.

______________________________

(1) الكافي 3: 376 الصلاة

ب 56 ح 5، التهذيب 3: 31- 113، الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 49

مع راتب المسجد، لاختلاف المحلّ، فهو مقدّم على الجميع ثمَّ الثلاثة.

نعم يشكل الترجيح بين الراتب و أحد الثلاثة، و الظاهر عدم الترجيح لتعارض روايتهما.

و أمّا الثلاثة فمقتضى الرواية تقديم الأقرأ ثمَّ الأسنّ ثمَّ الأفقه، إلّا أنّه قد ورد في الرضوي «1» و الدعائمي «2» تقديم الأقرأ ثمَّ الأفقه ثمَّ الأسنّ، فتتعارض الروايات حينئذ في الأفقه و الأسنّ، و لا يبعد ترجيح الروايتين الأخيرتين فيقدّم الأفقه، إذ توافقان الاعتبارات العقلية و العمومات القرآنية و الخبرية، كقوله عزّ شأنه هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «3». و النبوي: «من صلّى خلف عالم فكأنّما صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «4» إلى غير ذلك.

و لأجل أمثال ذلك قد ذهب جمع من المتأخّرين، كصاحبي المدارك و الذخيرة و المحدّثين الكاشاني و العاملي «5»، تبعا للفاضل- قدّس سرّه- في المختلف [1]، إلى تقديم الأفقه على الأقرأ أيضا.

إلّا أنّ الروايات المذكورة متّفقة طرّأ على خلافه، و هي أخصّ مطلقا ممّا مرّ، و مع ذلك على مدلولها الشهرة القديمة و الجديدة، بل عليه الإجماع في كلمات طائفة

______________________________

[1] الظاهر من عبارة المختلف: 155 تقديم الأقرأ على الأفقه، كما صرّح به صاحب مفتاح الكرامة 3: 478.

______________________________

(1) المتقدم في ص: 47.

(2) المتقدم في ص 47.

(3) الزمر: 12.

(4) رواها الشهيد- مرسلا- في الذكرى: 265، و روى عنه في الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 5، و رواها عن لبّ اللباب في المستدرك 6: 473 أبواب صلاة الجماعة ب

23 ح 8 (بتفاوت يسير).

(5) المدارك 4: 359، الذخيرة: 391، الكاشاني في المفاتيح 1: 164، و أما العاملي فقال في عنوان الباب 26 من صلاة الجماعة: استحباب تقديم الأفضل الأعلم الأفقه، و لكنه اختار في الباب 28 تقديم الأقرأ على الأفقه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 50

من الأصحاب «1»، فالعمل عليها لازم.

مع أنّ في دلالة كثير ممّا ذكروه نظرا ظاهرا، كقبح تقديم المفضول؛ فإنّه لو سلّم فلا نسلّم في مثل ذلك، إذ يمكن أن يكون الأقرأ أفضل في الإمامة من الأفقه بعد تساويهما في فقه ما يلزم من أحكام الصلاة كما هو المفروض.

و نحو قولهم عليهم السلام: «من أمّ قوما و فيهم من هو أعلم منهم لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة» «2».

إذ ظاهره أنّ المراد إمام الدين لا الصلاة و لا أقلّ من الاحتمال، و صدقه لغة عليه غير معلوم، كما مرّ في بحث صلاة الجمعة.

و نحو ما مرّ في كراهة إمامة العبد من نفي البأس إذا لم يكن أفقه منه. و لا شكّ أنّه أخصّ من المدّعى.

و نحو قوله: «أئمتكم وفدكم فانظروا من توفدون في دينكم و صلاتكم» «3».

فإنّه لم يعيّن الوافد فلعلّه الأقرأ.

إلى غير ذلك ممّا ذكره بعض المتأخّرين و يظهر ما في الجميع ممّا ذكرنا، هذا.

و يستفاد من الرواية المتقدّمة تقديم صاحب السلطان في سلطانه أيضا. و لا يبعد شموله لكلّ من له إنفاذ الأحكام الشرعيّة و الرئاسة الدينيّة في محلّ، لصدق السلطنة اللغوية.

فروع:
أ: لا يخفى أنّ مرجع هذه الأدلّة إلى الاستحباب

و الأفضليّة، فهل متعلّق ذلك الاستحباب هو الإمام الراجح بمعنى أنّه يستحبّ له التقدّم لو لا المانع، أو غيره من الأئمّة بمعنى أنّه يستحبّ له تقديم الراجح، أو المأمومون بمعنى أنّه

______________________________

(1) انظر الغنية (الجوامع

الفقهية): 560، و المنتهى 1: 375، و الرياض 1: 237.

(2) الفقيه 1: 247- 1102، التهذيب 3: 56- 194، الوسائل 8: 346 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 1.

(3) قرب الاسناد: 77- 250، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 51

يستحبّ لهم الايتمام بالراجح، أو الجميع؟

الظاهر أنّه الإمام الراجح و غيره من الأئمّة، فيستحبّ له التقدّم و يستحبّ لهم تقديمه. و أمّا المأمومون فلا يستحبّ شي ء لهم إلّا من قبل الأمر بالمعروف.

و يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين أنّ الخطاب متوجّه إلى غير الإمام الراجح فيستحبّ للغير تقديمه.

و لا يخفى ما فيه؛ فإنّ ما يتضمّن قوله: «أهل المسجد أحقّ» يشمل ذلك الإمام أيضا، بل قوله: «يتقدّم أقرؤهم» خطاب إليه خاصة، نعم يستلزم ذلك خطاب غيره من الأئمة أيضا.

ب: هل الأفضل للراجح تقدّمه من غير أن يأذن لغيره

، و لغيره تقديم الراجح و لو أذن له الراجح، أو ينتفي الرجحان و الأولوية بإذن الأولى؟

الظاهر: الأوّل؛ لإطلاق الأخبار. مع أنّ التقدّم على صاحب المنزل بدون إذنه صريحا أو فحوى غير جائز مبطل للصلاة، فما ذكروه من الاستحباب فيه لا بدّ و أن يكون مع إذنه.

ج: أولوية تقديم من ذكر إنّما هي في صورة حضوره

، أمّا الثلاثة الأخيرة فلأنّه مورد الرواية إذ صدرها هكذا: عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة.

و أمّا الراتب فلأنّ دليل تقديمه و إن كان مطلقا إلّا أنّه ورد في بعض الروايات الآتية في مسألة استحباب قيام المأمومين عند قول المؤذّن: «قد قامت الصلاة» ما يعارض ذلك «1».

د: إذا حضر الراجح فهل المستحب لغيره من الأئمة تقديمه

و الايتمام به، أو عدم التقدّم عليه، حتّى لو تقدّم غير الراجح لطائفة أخرى و لم يتقدّم على الراجح و لم يتأخّر عنه ترك الأفضل أم لا؟

______________________________

(1) الوسائل 5: 450 أبواب الأذان و الإقامة ب 41 و ج 8: 379 أبواب صلاة الجماعة ب 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 52

ظاهر الأخبار: الأوّل.

المسألة الثانية: إذا تشاحّ الأئمة

فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة يقدّم منهم الأولى بتقديمه على الترتيب المتقدّم؛ لإطلاق أخباره بالنسبة إلى صورة التشاحّ و غيرها.

و قد ذكر جماعة «1» أنّ مراعاة ذلك الترتيب إنّما هي في صورة اختلاف المأمومين، و أمّا في صورة اتفاقهم على واحد فيقدّم مختارهم، استنادا إلى ما مرّ من كراهة إمامة شخص لقوم و هم له كارهون. و هو جيّد.

و يستفاد من الرضوي «2» تقديم الأصبح وجها على غيره أيضا مع التساوي في المرجّحات المذكورة. و لا بأس به.

الثالثة: قد استفاضت الروايات بل تواترت معنى على استحباب الاقتداء بالمخالفين

بل وجوبه إذا اقتضته التقيّة، على أحد الوجهين:

أحدهما: أن يصلّي في منزله لنفسه و يخرج إلى الصلاة معهم، كما في رواية عمر بن يزيد: «ما منكم أحد يصلّي صلاة فريضة في وقتها ثمَّ يصلّي معهم صلاة تقيّة و هو متوضّئ لها إلّا كتب اللّه تعالى له بها خمسا و عشرين درجة» «3».

و قريبة منها رواية ابن سنان «4».

و رواية الأرجاني: «من صلّى في منزله ثمَّ أتى مسجدا من مساجدهم يصلّي معهم خرج بحسناتهم» «5».

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 125، و العلّامة في النهاية 2: 152، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 366.

(2) المتقدم في ص 47 الرقم (5).

(3) الفقيه 1: 250- 1125، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 1.

(4) الفقيه 1: 265- 1210، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2.

(5) الكافي 3: 380 الصلاة ب 60 ح 8، الفقيه 1: 265- 1209، التهذيب 3: 270- 778 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 53

و كذا روايات نشيط بن صالح «1» و ناصح

«2»، و الحضرمي «3» و أبي الربيع «4»، و غير ذلك.

الثاني: أن يصلّي معهم ابتداء صلاة منفردة يؤذّن و يقيم و يقرأ لنفسه مع الإمكان.

و لا شك في الاجتزاء بتلك الصلاة مع الضرورة، و بدونها إذا تمكّن من الإتيان بجميع الواجبات بنفسه، و كذا مع عدم التمكّن إذا لم تكن له مندوحة عن تلك الصلاة و لم يمكنه الصلاة منفردا، كالمصاحب في سفر مع جماعة المخالفين.

و إنّما الإشكال فيما إذا لم يتمكّن من الواجبات بأسرها و كانت له مندوحة من الصلاة معهم، أو لم تكن و لكن أمكن له الانفراد أيضا قبلها أو بعدها.

و الظاهر الاجتزاء أيضا؛ لصحيحة أبي بصير «5»، و روايات البزنطي «6»، و أحمد بن عائذ «7»، و ابن أسباط «8»، و ابن عذافر «9»، و إسحاق بن عمّار «10»، و غيرها.

و لكن الظاهر أنّ ذلك إنّما هو فيما كان لذلك جهة رجحان، و لا أقلّ من أن

______________________________

(1) التهذيب 3: 273- 789، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 6.

(2) التهذيب 3: 270- 775، الوسائل 8: 304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 7.

(3) التهذيب 3: 246- 671، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 3.

(4) التهذيب 3: 33- 120، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 5.

(5) التهذيب 3: 275- 801، الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 1.

(6) التهذيب 3: 37- 132، الاستبصار 1: 431- 1665، الوسائل 8: 365 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 6.

(7) التهذيب 3: 37- 131، الاستبصار 1: 431- 1664.

(8) التهذيب 3: 36- 130، الاستبصار 1: 430- 1659، الوسائل 8: 364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 5.

(9)

التهذيب 2: 296- 1194، علل الشرائع: 340- 2، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 3.

(10) التهذيب 3: 38- 133، الاستبصار 1: 431- 1666، الوسائل 8: 368 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 54

يكون في ولاية المخالف، أو موجبا لتأليف قلوبهم أو لرفع التهمة عن نفسه فيما تترتب عليهما فائدة، كما هو مورد تلك الأخبار، فلا يجزي في غير ذلك.

فلا يجوز الاجتزاء و ترك الواجب فيما إذا وجد مخالف ذليل في بلاد الشيعة، فاقتدى به شيعي لا مخالطة بينهما و لا يريد رفع تهمة عن نفسه، لأنّ مثل ذلك غير مورد تلك الأخبار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 55

البحث الثاني: في سائر شرائط الجماعة و لوازمها. و هي أيضا إمّا واجبة أو مستحبة، فهاهنا أيضا مقامان.
المقام الأوّل: في سائر الشرائط الواجبة للجماعة و لوازمها، و هي أمور:
منها: عدم وجود حائل أو جدار بين الإمام و المأموم
اشارة

، فلا تصحّ صلاة المأموم مع وجود الحائل، بالإجماع المصرّح به في كلمات جمع من الأواخر و الأوائل.

لصحيحة زرارة المرويّة في الكافي و الفقيه: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم إمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس ذلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلّا من كان بحيال الباب» قال: «و هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، و ليست لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» قال أبو جعفر عليه السلام: «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطّى، و يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان» «1».

و زاد في الفقيه: «.. إذا سجد. قال، و قال: أيّما امرأة صلّت خلف إمام

و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس لها تلك بصلاة».

ثمَّ المتبادر من الستر و الجدار ما كان جسما- كما صرّح به جماعة «2»- فلا ضير في حيلولة الظلمة و امتناع المشاهدة بالعمى، إذ لم يتعلّق الحكم بعدم المشاهدة.

و اللازم في المانع صدق الساتر أو الجدار، فلا بأس بغيره، و منه: الثوب

______________________________

(1) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 4، الفقيه 1: 253- 1143، 1144، الوسائل 8: 407 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 1، و ص 410 ب 62 ح 1 و 2.

(2) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 380، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 277، و السبزواري في الذخيرة: 393، و البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 56

الرقيق الحاكي للّون بل الشبح، لعدم صدق الستر.

و أيضا منه: الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة.

خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض كتبه «1»، فقال بعدم جواز الصلاة وراءها، مستدلا عليه بالإجماع و الصحيحة المذكورة.

و الإجماع ممنوع سيّما مع أنّ الأكثر على خلافه.

و الصحيح غير دالّ؛ لأنّ موضع دلالتها إمّا النهي عن الصلاة خلف المقاصير، أو نفي الصلاة مع توسّط ما لا يتخطّى.

و يضعّف الأوّل: بمنع كون المقاصير مشبّكة، كما يستفاد من ذكر حكم المقاصير بعد اشتراط عدم حيلولة الستر و الجدار.

و الثاني: بأنّ المراد بما لا يتخطّى في الصحيحة ما كان كذلك بحسب البعد لا باعتبار الحائل، و لا أقلّ من الاحتمال المانع من الاستدلال. و ليس من باب الإطلاق أو العموم حتّى يكتفي به، كما يجي ء بيانه.

و يمكن أن يكون مراده من الشبابيك ما يمنع من المشاهدة، حيث إنّها في اللغة بمعنى ما يعمل من القصب و نحوه على نحو

عمل الحصر و البواري، من تشبيك القصبان و نحوها بعضها في بعض، سواء منعت المشاهدة أم لا، فيحمل كلامه على الأوّل كما هو صريح المبسوط «2». مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    57     منها: عدم وجود حائل أو جدار بين الإمام و المأموم ..... ص : 55

َّ المصرّح به في كلام جماعة «3» انتفاء البأس عن الحائل القصير الّذي لا يمنع المشاهدة في جميع الأحوال و إن كان مانعا في بعضها، كالمانع حال الجلوس دون القيام أو بالعكس.

و لا يخفى أنّ مقتضى إطلاق قوله: «فإن كان بينهم ستر» إلى آخره مانعيّة الستر بينهم مطلقا سواء كان في تمام الصلاة أو في بعضها، و التخصيص بالمستمرّ

______________________________

(1) الخلاف 1: 557.

(2) المبسوط 1: 156.

(3) منهم الشهيد في البيان: 236، و السبزواري في الذخيرة: 394، و صاحب الحدائق 11: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 57

في تمام الصلاة لا وجه له. و مقتضاه بطلان الصلاة بوجود الساتر في بعض الأحوال، فهو الأجود.

نعم، يشترط في مانعيّته ستره لجميع أجزاء الإمام، فلو لم يستر بعضه بحيث يصدق عرفا عدم ستره لم يضرّ و إن كان في جميع الأحوال. و تلزمه كفاية إمكان مشاهدة جزء معتدّ به من الإمام دائما، كما صرّح بكفايته بعض الأجلّة.

و يستفاد من بعض الكلمات عدم البأس بوجود الحائل التامّ في بعض الأحوال دون بعض «1».

و من بعض آخر عدم البأس بما يمكن معه شهود جزء من الإمام مطلقا، لعدم معلوميّة صدق الساتر مع مشاهدة جزء.

و الأوّل غير سديد؛ لأنّه تقييد للإطلاق المذكور بلا مقيّد. نعم، يصحّ ذلك إذا كان بحيث لم يكن له استمرار أصلا كشخص عبر ما بينهما. و منع صدق الساتر

على الساتر في بعض الأحوال فاسد جدّا.

و الثاني صحيح لو شوهد جزء معتدّ به، فلا تكفي مشاهدة إحدى يديه أو جزء يسير من رأسه، لصدق الساتر عرفا معه.

مع أنّ الوارد في الصحيحة هو الساتر أو الجدار. و على هذا، فلو نسلّم عدم معلوميّة صدق الساتر على الساتر في بعض الأحيان أو [لبعض] «2» الأجزاء، و لكنّه قد يصدق عليه الجدار، كما إذا كان بقدر لا يرى وراءه إلّا رأس الإمام أو مع شي ء من جسده حال القيام، فإنّه يصدق عليه الجدار الممنوع عنه في الصحيحة قطعا، و الإجماع على تجويز مثل ذلك [غير] «3» معلوم.

نعم لو كان يسيرا بحيث يشكّ في صدق الجدار عليه كذراع بل أزيد منه بقليل، انتفى البأس من جهته و إن ثبت من جهة الستر حال الجلوس. و كأنّهم

______________________________

(1) كما في نهاية الاحكام 2: 122، و الذكرى: 272.

(2) في النسخ: لجميع، غيّرناه لتصحيح المتن.

(3) أضفناه لتصحيح المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 58

بنوا الحكم على الساتر و الحائل و ظنّوا انتفاءه مع المشاهدة في الجملة، و غفلوا عن لفظ الجدار.

و أشكل منه ما لو كانت الواسطة جدارا رفيعا فيه ثقبة أو ثقبتان يرى منها بعض الإمام دائما أو في بعض الأحيان، لصدق الجدار. و لا يفيد إمكان المشاهدة، لعدم تعليق حكم عليها.

و أمّا على ما ذكرنا من مانعيّة الستر في بعض الأحيان أيضا و اشتراط شهود جزء معتدّ به في انتفاء الستر فلا يختلف حكم الساتر و الجدار، إذ ما يمنع من المشاهدة في جميع الأحيان مانع جدارا كان أو غيره، و ما لا يمنع عن مشاهدة الجزء المعتدّ به حتّى في حال الجلوس لا يصدق عليه الجدار. و كذا

لو كانت فيه ثقبة يشاهد فيها المعتدّ به من الإمام في جميع الأحيان لم يكن جدار بينهما أيضا، إذ موضع الثقبة ليس جدار. و لو كانت فيه ثقبات صغيرة كثيرة تجعله شباكا.

فروع مهمّة:
أ: المانع عن الصحة هو الحائل بين المأموم و بين الإمام و المأمومين جميعا،

فلو لم يشاهد المأموم الإمام لحيلولة المأمومين و لكن لم يكن حائل بينه و بين بعض المأمومين صحّت صلاته إجماعا بل ضرورة، و إلّا لم تحصل جماعة للصفوف المتعدّدة.

و تدلّ عليه أيضا العمومات و الإطلاقات الخالية عن المعارض، حيث إنّ الصحيحة لم تدلّ إلّا على وجوب انتفاء الستر بين المأموم و الصفّ الّذي يتقدّمه، حيث إنّ مرجع ضمير الجمع هو قوله: «أهله» فيكون الطرف الآخر الصفّ الذي يتقدّمهم كما في سابقة و لا أقلّ من احتماله الكافي لنا في المقام.

ب: مقتضى الصحيحة هو تحقق الصحة بانتفاء الحائل بين المأموم و بين من يتقدّمه

من الإمام أو الصفّ الّذي يتقدّمه، بل بعض المأمومين من أهل الصفّ المتقدّم؛ لصدق الصفّ، و عدم الفصل. سواء كان حائل بينه و بين بعض آخر من أهل هذا الصفّ أو لا، و سواء أمكن له مشاهدة من لا حائل بينه و بينه من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 59

أهل الصفّ بدون الالتفات بالرأس أو معه أو لم يمكن له للبعد و نحوه. و هذا هو الضابط الصحيح الثابت من الصحيحة في المسألة.

و على هذا فلو كان هناك جدار قدّامه إمام و وراءه صفّ، فإن لم يتجاوز أحد طرفي الصفّ عن محاذاة الجدار إلى حيث يتمكّن من في هذا الطرف من مشاهدة الإمام بطلت صلاتهم جميعا، و إن تجاوز أحد الطرفين أو كلاهما إلى حدّ لم يمنع الجدار من مشاهدة الإمام، صحّت صلاة كلّ من يمكنه المشاهدة من هذه الجهة و إن بطلت من حيث التباعد في بعض الصور، و بطلت صلاة من يحاذي الجدار أو يمنعه عن مشاهدة الإمام و إن لم يكن محاذيا له، لصدق توسّط الجدار بينهما.

و لو كان قدّام الجدار صفّ يتجاوز عن طرفيه أو عن أحدهما و وراءه أيضا

كذلك صحّت صلاة الجميع، لأنّ من يحاذي الجدار من أهل صفّ الوراء يشاهد أهل طرف الصفّ القدّام، إلّا مع حيلولة الجدار عن مشاهدته إيّاهم.

و يلزمه لو كان هناك باب يحاذي المسجد و صفّ جماعة خارجه فإن لم يحاذ الباب أحد و صفّوا عن يمينه و شماله بطلت صلاة الجميع إلّا إذا تباعد الصفّ عن جدار المسجد بحيث يرى من في طرفيه بعض أهل المسجد.

و لو صفّوا في محاذاة الباب و طرفيه صحّت صلاة المحاذي و من يليه ممّن يتمكّن من المشاهدة و تبطل صلاة الباقين. و لو صفّ بعد هؤلاء جماعة أخرى صحّت صلاة الجميع. هذا مقتضى الصحيحة، و يؤكّده قوله في ذيلها: «إلّا من كان بحيال الباب» بل هو صريح في ذلك.

و من الأصحاب جماعة «1» صرّحوا بصحة صلاة كلّ من في الصفّ الخارج الواقف حذاء الباب و طرفيه، و احتجّوا له بأنّ من تجاوز الباب و إن لم يشاهد من الصفّ المتقدّم أحدا و لكنّه يشاهد من بحذاء الباب عن يمينه أو عن يساره و المشاهدة المطلقة كافية.

و فيه: أنّه إنّما يصحّ لو ثبت تعليق الحكم على المشاهدة، و ليس كذلك، بل

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 156، و العلّامة في المنتهى 1: 365، و صاحب الحدائق 11: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 60

هو معلّق بعدم الحائل بينه و بين الصفّ المتقدّم، فلا وجه للاحتجاج بكفاية المشاهدة المطلقة سيّما مع تصريح الصحيحة بعدم صحة صلاة غير من بحيال الباب.

و العجب من شيخنا صاحب الحدائق، حيث إنّه بعد ما نقل الاستشكال في صحّة صلاة من على يمين الباب و يساره عن الذخيرة استنادا إلى ظاهر الصحيحة، قال ما خلاصته: إنّ منشأ الشبهة

تخصيص المشاهدة الّتي هي شرط صحّة القدوة بمشاهدة من يكون قدّامه دون من على يمينه و يساره، و لازمه أنّه لو استطال الصفّ الأوّل على وجه لا يرى من في طرفيه الإمام تبطل صلاتهم حيث إنّهم لا يشاهدون الإمام و لا تكفي مشاهدة من على اليمين و اليسار. و كذلك لو استطال الصفّ الثاني أو الثالث زيادة على ما تقدّمه و كان في مقابل الزيادة جدار دون المأموم يلزم بطلان صلاة الزيادة لعدم وجود المأموم قدّامهم و لعلّه لا يقول به. و الظاهر من قوله: «إلّا من كان بحيال الباب» يعني من الصفوف لا من المأمومين بقرينة قوله: «و أيّ صف كان أهله» إلى آخره. و مثل الصورتين وقوف بعض المأمومين خلف الأساطين بحيث كانت الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من قدّامة من المأمومين و إنّما يرى من على يمينه و يساره، مع أنّ صحيحة الحلبي «1» دلّت على أنّه لا بأس بالصلاة بين الأساطين «2». انتهى.

و فيه: أنّه لم يثبت اشتراط صحّة القدوة بالمشاهدة من دليل، بل الثابت اشتراط انتفاء الحائل بين أهل صفّ و أهل الصفّ المتقدّم، فليس المنشأ تخصيصا في المشاهدة بل صدق الحائل.

و منه يظهر عدم لزوم بطلان الصلاة في الصفّ المستطيل الأوّل؛ لعدم الحائل. و عدم المشاهدة باعتبار طول المسافة غير ضائر كالظلمة.

______________________________

(1) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 6، الفقيه 1: 253- 1141، التهذيب 3: 52- 180، الوسائل 8: 408 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 2.

(2) الحدائق 11: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 61

و لا في زيادة الصفّ المستطيل الثاني إذا لم يكن الجدار الّذي فرضه حائلا بينه و بين جميع أهل الصفّ المتقدّم،

و إن كان حائلا يعترف ببطلان صلاتهم البتة.

و لا في الواقف بين الأساطين إذا يرى بعض من تقدّمه، و لو لم ير أحدا منهم نقول بالبطلان، و لا تنافيه صحيحة الحلبي كما لا يخفى.

و أمّا إرادة الصفّ من قوله: «من كان بحيال الباب» فبعيد غايته، و لا دلالة لقوله: «و أيّ صف» عليه أصلا، لتقييده بقوله: «أهله» فمعناه: إذا كان بين أهل صفّ و أهل صفّ تقدّمه ستر تبطل صلاتهم إلّا من كان بحيال الباب من أهل الصفّ، مع أنّه لا يصدق على جميع هذا الصفّ أنّه بحيال الباب، مع أنّه لو كان كما توهّم لم يحسن الاستثناء.

ثمَّ بما ذكرناه هنا يظهر الحكم في أكثر الفروع المتعلّقة بالمقام.

ج: المستفاد من إطلاق الصحيحة منع الحائل عن صحّة الجماعة مطلقا،

سواء كان في تمام الصلاة أو بعضها، و سواء كان الساتر مستقرا كجدار، أو لا كثوب ترفعه الريح تارة و تضعه أخرى، أو مصلّ يقوم تارة و يجلس اخرى.

و منه يظهر أنّه كما أنّه يشترط انتفاء الحائل ابتداء يشترط استدامة أيضا، و انّه لو عرض في أثناء الصلاة تبطل الجماعة و إن لم يكن اختياريا، لأنّه حكم وضعي لا يتوقّف على الاختيار. و يلزمه بطلان جماعة صفّ تقدّمه صفّ آخر غير مأمومين و لو علم بذلك في الأثناء أو تمّت صلاتهم كالمسافرين إذا اشتغلوا بعد الركعتين بنافلة حتى يحصل الستر.

نعم، يشترط شي ء من الاستمرار له حتى يصدق أنّ بينهم سترا، فلا بأس بعبور شخص بينهم و إن ستر في الجملة حال العبور.

و كذا يشترط كونه بحيث يصدق الساتر به عرفا، فلا يضرّ شي ء قصير يحول حال السجود خاصّة مثلا، لعدم صدق الستر بينهما عرفا. فتأمّل.

د: لا يتوهّمنّ أنّ مقتضى اشتراط انتفاء الساتر

أن يتوقّف في صحّة صلاة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 62

الصفّ المتأخّر و دخوله في الصلاة [قبل] «1» دخول من تقدّم عليه كلا أو المحاذي له في الصلاة، حيث إنّه قبله ساتر و ليس بمأموم.

لأنّ الشرط انتفاء الساتر بينه و بين الصفّ المتقدّم عليه كما هو صريح النصّ، و لا يشترط في صدق الصفّ دخول أهله في الصلاة بل اللازم صفّهم للصلاة جماعة و كونهم معدودين من المأمومين قاصدين للايتمام، إذ بذلك يصدق الصف المتقدّم عرفا و لم يثبت توقّف صدقه على شي ء آخر.

ه: هذا الشرط مخصوص بما إذا كان المأموم رجلا أو امرأة اقتدت بامرأة،

و أمّا إذا اقتدت برجل فلا يضرّ الحائل إذا عرفت انتقالات الإمام، على الأظهر الأشهر، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا «2» مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، و قيل: بلا خلاف إلّا ممّن يأتي «3».

للأصل، و العمومات، و موثقة عمّار: عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال: «نعم إن كان الإمام أسفل منهنّ»، قلت: فإنّ بينهنّ و بينه حائطا أو طريقا، قال: «لا بأس» «4».

و يؤيّده أنّهنّ عورة لا ينبغي لهنّ مخالطة الرجال، مع أنّ فضيلة الجماعة عامّة.

و قد يستدلّ أيضا بعدم شمول الصحيحة «5» لهنّ، و لعلّه لتذكير الضمير.

و فيه ما فيه، مع أنّ هذا المستدلّ يمنع عن الحائل إذا كان إمامها امرأة للصحيحة.

خلافا للمحكي عن الحلّي «6»؛ لضعف الرواية تارة. و هو ممنوع. و لو سلّم

______________________________

(1) أضفناه لتصحيح المتن.

(2) التذكرة 1: 174.

(3) الرياض 1: 229.

(4) التهذيب 3: 53- 183، الوسائل 8: 409 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 55.

(6) السرائر 1: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 63

فمجبور. و باحتمالها للحائط القصير اخرى. و هو

بالإطلاق مدفوع.

نعم يصحّ ذلك فيما إذا كان إمامها امرأة فيما يجوز؛ لاختصاص الموثّقة، و عموم الصحيحة.

و منها: عدم كون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم، فلو كان أعلى لم تصحّ صلاة المأموم، على الحقّ المشهور كما صرّح به جماعة «1»، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا «2» مؤذنا بالإجماع.

لعموم مفهوم موثقة عمّار المتقدّمة آنفا، خرجت منه صورة التساوي فيبقى العلوّ مبطلا.

و موثقته الأخرى: عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الّذي يصلّي فيه، فقال: «إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم» «3».

خلافا للمحكي عن الخلاف، فقال بالكراهة مدّعيا عليها إجماع الطائفة «4»، و اختاره في المدارك «5»، و تردّد في المعتبر و الشرائع و النافع «6»، و هو ظاهر الكفاية و الذخيرة «7».

لدعوى الإجماع، و الأصل، و العمومات، مع ضعف الرواية سندا و تهافتها متنا و اختلافها نسخا.

______________________________

(1) منهم العلّامة في المختلف: 160، و الكاشاني في المفاتيح 1: 161، و السبزواري في الذخيرة:

394.

(2) التذكرة 1: 174.

(3) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 9، الفقيه 1: 253- 1146، التهذيب 3: 53- 185، الوسائل 8: 411 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1.

(4) الخلاف 1: 556.

(5) المدارك 4: 320.

(6) المعتبر 2: 420، الشرائع 1: 123، النافع: 46.

(7) الكفاية: 31، الذخيرة: 394.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 64

و الأوّل غير ثابت، و منقوله غير حجّة سيّما مع عدم ظهور موافق له من قدماء الفرقة. مع أنّه- كما صرّح به في المختلف «1»- إرادة الحرمة من الكراهة كما شاعت في الصدر الأوّل محتملة، بل قيل: عبارة الخلاف بها أيضا شاهدة «2». فلا يكون الشيخ مخالفا

في المسألة، و لا إجماعه منافيا للحرمة.

و الثانيان مندفعان بالموثقتين. و ضعفهما ممنوع، كيف؟! و هما من الموثّقات و هي في نفسها حجّة، و مع ذلك بالشهرة العظيمة من الجديدة و القديمة منجبرتان.

و التهافت و الاختلاف لو سلّم ففي الأخيرة، و الاولى عنهما سالمة، مع أنّهما فيها أيضا لا يتعلّقان بما يفيد ذلك الحكم، و إنّما هما في بيان قدر العلوّ، و هو غير المسألة.

فروع:
أ: اشتراط عدم العلوّ إنّما هو في غير الأرض المنحدرة

. و أمّا فيها فلا يضر علوّ الإمام مطلقا، بلا خلاف فيه كما قيل «3»؛ لذيل الموثقة الأخيرة: «و إن كان أرضا مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع، فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدر، فلا بأس».

ب: اختلفوا في قدر العلوّ المانع

، فحوّله الحلّي «4»، و جماعة «5»، بل الأكثر إلى العرف و العادة.

و قدّره في النهاية و التذكرة و الدروس و البيان و المسالك و روض الجنان «6» بما لا

______________________________

(1) المختلف: 160.

(2) الرياض 1: 230.

(3) الرياض 1: 230.

(4) السرائر 1: 283.

(5) منهم الشهيد في الذكرى: 273، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 380، و صاحب الحدائق 11:

111.

(6) نهاية الاحكام 2: 124، التذكرة 1: 174، الدروس 1: 220، البيان: 236، المسالك 1: 43، روض الجنان: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 65

يتخطّى.

و بعض آخر بشبر «1» و الأظهر: الأوّل؛ لأنّه المرجع حيث لا تقدير في الشرع كما هنا، إذ ليس ما يتوهّم منه ذلك إلّا صحيحة زرارة- السابقة «2» في مسألة الحائل- المقدّرة له بما لا يتخطّى، و هو دليل الثاني، و بعض نسخ التهذيب في الموثقة الأخيرة المقدّر له بالشبر، و هو دليل الثالث.

و الأوّل مردود: باحتمال إرادة هذا المقدار في البعد دون اختلاف الموقف كما يأتي. مع أنّه على تقدير الشمول لذلك أيضا بإطلاقه يدلّ على مانعيّة هذا القدر- و هو يوافق العرف- دون اغتفار ما دونه إلّا بمفهوم الوصف الضعيف أو إدخاله في مفهوم الشرط بتكلّف بعيد.

و الثاني: بأنّه لا يصلح للاستناد، لمكان الاختلاف.

ثمَّ لا شكّ في دخول ما لا يتخطّى في العلوّ عرفا، و لا في خروج الشبر و ما دونه

عنه. و يؤكّده ما في التذكرة من الإجماع على عدم مانعيّة اليسير «3». و الأحوط بل الأظهر الاجتناب (عن ما بينهما) «4».

ج: لا يضرّ علوّ المأموم من الإمام مطلقا

بالإجماع، كما عن المنتهى «5» و غيره «6»؛ للأصل، و العمومات، و خصوص منطوق الموثقة الاولى، و عموم مفهوم صدر الثانية، و صريح ذيلها: قال: و سئل: فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه، قال: «لا بأس» و قال: «إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكّانا

______________________________

(1) حكاه في الروضة 1: 380.

(2) في ص 55.

(3) التذكرة 1: 174.

(4) ما بين القوسين موجود في «ح» فقط.

(5) المنتهى 1: 366.

(6) كالمدارك 4: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 66

أو غيره و كان الإمام على الأرض أسفل منه جاز أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير».

و أمّا قوله في رواية محمّد بن عبد اللّه: «يكون مكانهم مستويا» «1»، فلا يثبت وجوب التساوي، بل غايته الاستحباب. و لا بأس به.

و منها: عدم تباعد المأموم عن الإمام أو الصفّ الّذي يتقدّمه

، بالإجماع المحقّق و المحكي في عبارات جمع من الأصحاب، منهم: المدارك و الذخيرة «2» و غيرهما «3».

و هو الحجّة المخرجة عن الأصل المخصّصة للعمومات، دون غيره من صحيحة زرارة المتقدمة «4»، و رواية الدعائم: «ينبغي للصفوف أن تكون متواصلة، و يكون بين كلّ صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد، و أيّ صف كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصف الّذي يتقدمهم أزيد من ذلك فليس تلك الصلاة لهم بصلاة» «5».

لإجمال الاولى، و ضعف الثانية.

أمّا الأوّل فبيانه أنّ موضع الاستدلال من الصحيحة اشتراط ما لا يتخطّى، و المحتمل إرادته من هذا اللفظ- كما يستفاد من كلام الأصحاب- معان ثلاثة: ما لا يتخطّى من الحائل، أو من العلوّ، أو من البعد.

و ظاهر الأكثر عدم حمله على الأخير حيث لم يستندوا إليه في مقدار البعد.

و حمله جماعة

على الثاني حيث اعتبروا هذا القدر في العلوّ.

و ليس احتماله لهذه المعاني من باب الإطلاق الشامل للجميع حتّى تصحّ

______________________________

(1) التهذيب 3: 282- 835، الوسائل 8: 412 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.

(2) المدارك 4: 322، الذخيرة: 394.

(3) كالتذكرة 1: 173.

(4) في ص 55.

(5) دعائم الإسلام 1: 156، مستدرك الوسائل 6: 499 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 67

إرادة الشامل للجميع في استعمال واحد، إذ ما لا يتخطّى على الأوّل معنى غيره على الأخيرين، فإنّه على الأوّل شي ء مانع عن التخطّي، و على الأخيرين شي ء لا يصير خطوة.

ثمَّ إنّ هذا اللفظ قد تكرّر في الصحيحة في أربعة مواضع:

أمّا الموضع الأوّل فعلى حمله على الحائل يكون معنى لا يتخطّى نحو: لا يمكن التخطّي أولا يصلح أو ليس من شأنه، و يلزم تقدير نحو لفظة: «منه» أي ما لا يتخطّى منه، و هو خلاف أصل.

و على حمله على العلوّ يفسّر إمّا كالسابق، أو يكون المعنى: ما لا تقطعه الخطوة و لا يصير محل التخطّي مطلقا لا بخطوة واحدة و لا أكثر، فإنّ العلوّ المفرط لا يتخطّى من حيث هو و إن أمكن تخطّيه بالدّرج، و هو أمر خارج عن نفس العلوّ، فالمرتفع كثيرا لا يصير محلا للتخطّي مطلقا إلّا بتقليله شيئا فشيئا و جعله مدرجا، كما أنّ الحائل لا يتخطّى منه كذلك إلّا برفعه. و على هذا لا يستلزم خلاف أصل.

و على حمله على البعد يكون المعنى: ما ليس من شأنه أن يتخطّى.

و يلزم حمل التخطّي على الخطوة الواحدة، أي ما لا يتخطّى بخطوة واحدة، ضرورة إمكان قطع المسافة و إن بعدت بخطوات كثيرة. و هذا مخالف للأصل؛ لأنّ التخطّي

هو قطع المسافة بالخطوة واحدة كانت أم متعددة.

و كذا يلزم التخصيص بالصفّ الأوّل، أو التجوّز في الإمام بإرادة من تقدّم على المأموم إماما كان أو مأموما آخر، ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بين كلّ مأموم و الإمام. و هذا خلاف أصل آخر.

و يلزم أيضا تخصيص أهل الصفّ الأوّل بمن في خلف الإمام خاصّة أو مع من يليه، أو إرادة محاذاة الإمام من لفظ: «الإمام» ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بينه و بين نفس الإمام في طرفي الصفّ. و هذا خلاف أصل ثالث، بل غير جائز، لاستلزامه عدم بقاء غير واحد أو اثنين أو ثلاثة من الأفراد الغير العديدة بل من أزيد من عشرة آلاف في بعض الأوقات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 68

فإرادة البعد من: «ما لا يتخطّى» في هذا الموضع مرجوح غايته.

و أمّا الموضع الثاني ففي حمله على أحد الأوّلين كالموضع السابق.

و أمّا في الثالث فينتفي المحذوران الآخران و يبقى الأوّل خاصة، و من هذه الجهة يساوي المعنى الأوّل، لأنّه أيضا يستلزم خلاف أصل واحد، إلّا أنّه يصير مرجوحا عنه بملاحظة قوله: «فإن كان بينهم ستر» إلى آخره، فإنّ الظاهر من لفظة: «الفاء» أنّه حكم مترتّب متفرّع على سابقة و لا يلائم غيره، فيكون المراد ما لا يتخطّى من الحائل و إن كانت إرادته مرجوحة هنا من جهة إقحام لفظ: «القدر» و لكن التأويل فيه أسهل منه في لفظة: «الفاء».

و منه يظهر عدم رجحان إرادة البعد في هذا الموضع أيضا.

و أمّا الموضع الثالث فهو أيضا كالثاني في انتفاء المحذورين عن المعنى الثالث بل محذور التفريع أيضا، و يلائم هذا المعنى ما تعقّبه من قوله: «و يكون قدر ذلك» بل هو بنفسه

كاف في إفادة هذا المعنى و لو كان جملة مستأنفة. إلّا أنّه عن دلالة الاشتراط خال، بل ظاهر لفظ: «ينبغي» الاستحباب، فلا يصلح حجّة للاشتراط.

و أمّا الموضع الرابع فيزيد المحذور فيه للمعنى الأوّل بعدم اشتراط انتفاء الحائل في المرأة و لكن المحذورات الثلاثة للمعنى الثالث فيه مجتمعة، و ليس ارتكابها بأسهل من حمل نفي الصلاة مع الحائل في المرأة على ضرب من الكراهة أو إرادة انتفاء العلوّ.

هذا كلّه مع ما في إرادة البعد من المخالفة للشهرة العظيمة حيث إنّه لم ينقل التحديد بهذا القدر إلّا عن الحلبي و ابن زهرة «1».

و المعارضة مع إطلاق موثقة عمّار المتقدّمة «2» في بيان جواز اقتداء المرأة مع الحائل، بل ظاهرها حيث إنّ الطريق يكون ممّا لا يتخطّى غالبا.

______________________________

(1) الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(2) في ص 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 69

و الإجمال من حيث المبدإ، فإنّ مبدأه لا يتعيّن هل هو من الموقف أو المسجد. و لا يفيد قوله: «إذا سجد» في الصحيحة؛ لاحتمال تعلّقه بقوله: «قدر ذلك» كما يحتمل التعلّق بالجسد.

مع ما في الأوّل من الاستبعاد الواضح- كما صرّح به في المعتبر «1»- بل الامتناع، إذ مع تقارب الموقفين بهذا القدر الّذي لا يزيد على شبرين غالبا لا يتمكّن المصلّي عن السجدة بل يكون مسجده محلّ ركبته أو ملاصقا معه.

و ما في الثاني من عدم القائل ظاهرا، فإنّ الظاهر أنّ من اعتبره اعتبره من الموقف. فتأمّل.

مع أنّ في الحمل على هذا المعنى إجمالا من جهة أخرى أيضا، فإنّ معنى:

«ما لا يتخطّى» ما لا يعتاد تخطّيه أو ما ليس من شأنه ذلك، و هذا كما يمكن أن يكون من جهة

الإفراط يمكن أن يراد من جهة التفريط و يكون المعنى: إذا كان بينهم ما لا يتخطّى من القلّة فلا صلاة لهم، لعدم إمكان السجدة.

و ظهر من جميع ذلك سرّ عدم اعتناء الأكثر في اعتبار مقدار البعد إلى الصحيحة.

و أمّا الثانية [1] فلعدم العلم بصحّة روايات الدعائم و عدم انجبار هذه الرواية أيضا، مضافا إلى قصور دلالتها أيضا لبعض ما تقدّم.

و إذ قد عرفت أنّ المستند في المسألة هو الإجماع خاصّة فاللازم فيما يتفرّع عليها الاقتصار على ما ثبت انعقاده عليه.

و منه: مقدار البعد المبطل، فيجب تحديده بما ثبت الإجماع على اشتراط انتفائه.

و لا يبعد انعقاده على ما يقال في العرف: إنّ هذا الصفّ بعيد كثيرا عن ذلك الصفّ، إذ لا خلاف في البطلان به، إلّا ما حكي عن المبسوط من حكمه

______________________________

[1] مراده (ره) من الثانية رواية الدعائم الّتي استدلّوا بها لمسألة عدم التباعد، راجع ص 66.

______________________________

(1) المعتبر 2: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 70

بجواز التباعد بثلاث مائة ذراع «1»، و عن الخلاف من تحديده البعد الممنوع منه بما يمنع من مشاهدة الإمام و الاقتداء بأفعاله «2». و مجرّد ذلك غير قادح في حكم الحدس بالإجماع. مع أنّ كلامهما كما صرّح به جماعة «3» غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة، فيكون البطلان به مجمعا عليه.

و هو الدليل له، دون ما قيل من الأصل، و عدم مصحّح للعبادة معه؛ لأنّ الأصل يندفع بالإطلاقات، و هي أيضا كافية في التصحيح.

و القول بعدم انصرافها إلى من يبعد بهذه المثابة واه؛ لأنّ التحديد في ذلك موكول إلى الشرع و لا مدخليّة لغيره فيه، فلا انصراف إلى حدّ قبل تحديده.

و لا يبطل بما دونه؛ لما مرّ من

الأصل و الإطلاق المؤيّدين بالشهرة العظيمة الّتي- كما قيل- كادت أن تكون إجماعا «4».

خلافا للمحكي عن الحلبي و ابن زهرة «5»، فمنعا عن البعد بما لا يتخطّى؛ للصحيحة و الرواية المتقدّمتين «6».

و قد عرفت ما في الاستناد إليهما من الإجمال في هذا اللفظ.

و لو استندا في التقدير فيهما بمسقط جسد الإنسان لأجبنا بعدم دلالة الصحيحة على وجوبه؛ لإتيانه فيه بالجملة الخبرية. بل في الإتيان بقوله: «ينبغي» و ضمّه مع تواصل الصفوف و تماميّتها دلالة واضحة على الاستحباب، بل- كما قيل «7»- هي أظهر من دلالة: «لا صلاة» على الفساد. مع أنّه إذا جعل المبدأ المسجد فلا يكون لهما كثير مخالفة مع المختار- سيّما مع احتمال إرادة مسقط تمام

______________________________

(1) المبسوط 1: 156.

(2) الخلاف 1: 559.

(3) منهم الشهيد في الذكرى: 272، و صاحبا الحدائق 11: 105، و الرياض 1: 230.

(4) الرياض 1: 230.

(5) الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(6) في ص 55، و 66.

(7) الرياض 1: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 71

جسد الإنسان حيث ينام مادّا رجليه- على أن يكون «إذا سجد» متعلّقا بالقدر.

و منه: ما ذكروه من أنّه هل يشترط ذلك مطلقا كما عن الشهيدين «1»، أم يختصّ بابتداء الصلاة خاصّة حتّى لو انتفى بخروج الصفوف المتخلّلة عن الاقتداء بظهور عدم اقتدائهم أوّلا أو عدولهم إلى الانفراد ثانيا أو انتهاء صلاتهم لم ينفسخ الاقتداء كما عليه جماعة «2»؟

فيحكم بالثاني، لأنّه المجمع عليه دون غيره.

و منه: أنّه هل يجب على البعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتّى يحرم بها قبله من يزول معه التباعد، أم لا، بل يجوز لكلّ أحد من المأمومين الإحرام قبل كلّ من تقدّمه؟

فالمختار وفاقا لصريح

جماعة «3» و ظاهر الأكثر: الثاني؛ لعدم ثبوت الإجماع على مضرّة مثل ذلك البعد المشغول بمن يريد الاقتداء و المظنون انتفاؤه قبل الركوع أيضا، مضافا إلى عدم تسميته بعدا عرفا، و عدم دلالة الصحيحة على اشتراط انتفاء مثل ذلك أيضا لصدق الصفّ كما مرّ في الحائل، و استمرار عمل الناس كلا سلفا و خلفا عليه و عدم انتظار كلّ لا حق من الصفوف لإحرام سابقة.

و منه: ما إذا تجاوز طرف الصفّ المتأخّر عن مقابلة المتقدّم، فيخلو مقابله عن المأموم إمّا مطلقا أو في مجرّد ذلك الصفّ، أو كان وسط المتقدّم منقطعا بحوض أو أسطوانة أو نحوهما، فهل تبطل صلاة من في طرف الصفّ أو مقابل الحوض من الصفّ المتأخّر؟

و الحكم عدم البطلان؛ لأنّ الثابت من الإجماع اشتراط انتفاء هذا البعد بين الصفّ المتأخّر و المتقدّم و لو كان المتقدّم أقلّ من المتأخّر، بل و لو كان شخصا واحدا فيكون حكمه حكم الإمام و يكون قرب بعض من الصفّ المتأخّر إليه

______________________________

(1) الشهيد الأول في البيان: 235، الشهيد الثاني في روض الجنان: 370.

(2) منهم السبزواري في الذخيرة: 394، و صاحبا المدارك 4: 323، و الحدائق 11: 108.

(3) منهم الشهيد في البيان: 235، و الشهيد الثاني في الروض: 370، و صاحب الرياض 1: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 72

كافيا.

مضافا إلى ما مرّ من الصحيح «1» الدالّ على جواز الصلاة بين الأساطين الغير المنفكّة عن مثل ذلك غالبا، و استمرار الأمّة عليه من جهة تخلّل الأساطين بين الصفوف.

و منه: ما إذا توسّط بين الإمام و المأموم أو المأمومين بعضهم مع بعض ما يمنع التخطّي و كان أقلّ من البعد الممنوع، كنهر أو بئر، أو كان أحدهما في

سطح و آخر في سطح آخر فلا يضرّ على المختار.

إلى غير ذلك من الفروع.

و منها: عدم تقدّم المأموم على الإمام
اشارة

بمعنى أن يكون أقرب إلى القبلة منه، بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «2»، المؤيّد بطريقة الحجج و عمل الأمّة و الشواهد الاعتبارية، و تضمّن الأخبار الواردة في الجماعة قيام المأموم خلف الإمام أو جنبه «3»، فلو تقدّم المأموم بطلت صلاته.

و لا يجب تأخّره عنه، على الحقّ المشهور، بل عن التذكرة الإجماع عليه «4»؛ للأصل، و الإطلاقات، و رواية السكوني المتقدّمة المصرّحة بصحّة صلاة كلّ من الشخصين الناويين أنّه إمام «5»، فإنّ مع اشتراط التأخّر لا يتصور ذلك.

و صحيحة محمّد: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» «6».

و غيرها ممّا يدل على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام، فإنّ القيام عن اليمين أعمّ من التساوي.

______________________________

(1) المتقدم في ص 60.

(2) كما في التذكرة 1: 171، و المدارك 4: 330، و المفاتيح 1: 161.

(3) الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23.

(4) التذكرة 1: 171.

(5) راجع ص 23.

(6) التهذيب 3: 26- 89، الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 73

و لا ينافيه جزؤها الآخر المتضمّن لقيام الأكثر من الواحد خلفه؛ إذ لا يثبت من شي ء من روايته الزائد من الرجحان لمكان الجملة الخبرية. مضافا إلى أنّ المخالف في المقام أيضا لا يحمله على الوجوب بل يجعله من مستحبّات الموقف.

خلافا للمحكي عن الحلّي «1»، فأوجب التأخّر بقليل، لدليل عليل.

ثمَّ المعتبر في التقدّم و التساوي هو ما كان موردا للإجماع حيث إنّه دليل المسألة. و الظاهر الإجماع على حصول التقدّم بتقدّم الأعقاب و الأصابع جميعا حال القيام، و الركبتين

و الأليتين حال الجلوس، و البطن و الصدر في الحالين بمعنى اعتبار الجميع. و يساعده العرف و العادة اللذان حكّمهما جماعة «2» في المقام للخلوّ عن البيان الشرعي، فتجب مجانبة المأموم عن التقدّم بمجموع هذه، و لا يضرّ التقدّم بالبعض.

و لا يضرّ تقدّم رأسه حالتي الركوع و السجود لطول قامته و استطالته في حال السجود، أو الأعقاب خاصّة أو الأصابع أو الركبتين أو الأليتين كذلك، أو تقدّم البطن أو الصدر.

خلافا لجماعة، منهم: الذكرى و البيان و الدروس و الروضة [1]، فاعتبروا الأعقاب خاصة.

و لأخرى، منهم: النهاية و المسالك و روض الجنان «3»، فاعتبروا الأعقاب و الأصابع معا من غير التفات إلى غيرهما.

و لا دليل على شي ء منهما و إن كان الأخير أقرب إلى العرف.

فرع: تجوز استدارة المقتدين بإمام واحد حول الكعبة

بشرط أن لا يكونوا

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الذكرى، و لكنه موجود في التذكرة 1: 171، البيان: 234، الدروس 1: 220، الروضة 1: 381.

______________________________

(1) السرائر 1: 277.

(2) منهم السبزواري في الذخيرة: 394، و صاحبا المدارك 4: 331، و الرياض 1: 233.

(3) نهاية الإحكام 2: 117، المسالك 1: 44، روض الجنان: 371.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 74

أقرب إلى الكعبة من الإمام، وفاقا للمحكي عن الإسكافي و الذكرى «1» مدّعيا عليه الأخير الإجماع؛ للأصل و الإطلاقات.

و خلافا للفاضل في جملة من كتبه «2»، فأوجب وقوف المأموم في الناحية الّتي فيها الإمام، لوجه غير تامّ.

و منها: أي من لوازم صلاة الجماعة: سقوط وجوب القراءة عن المأموم
اشارة

في الجملة.

و تحقيق الحال فيها يستدعي بسط المقال برسم مسائل:

المسألة الأولى: لا قراءة واجبة على المأموم

الغير المسبوق في الأوليين من الصلوات الجهرية إذا سمع صوت الإمام.

إجماعا فتوى محقّقا و محكيّا في الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة «3»، و في السرائر نفي الخلاف عن ضمان الإمام القراءة «4».

و اتفاقا نصّا، ففي صحيحتي الحلبي: «إذا صلّيت خلف إمام يؤتمّ به فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع» «5».

و زاد في إحداهما: «إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ» «6».

و عمر بن يزيد: عن إمام لا بأس به، قال: «لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا» «7».

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 160، الذكرى: 162.

(2) منها التذكرة 1: 171، و القواعد 1: 46.

(3) الخلاف 1: 339، المعتبر 2: 420، المنتهى 1: 378، التذكرة 1: 184.

(4) السرائر 1: 284.

(5) التهذيب 3: 34- 121، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 12.

(6) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 2، الفقيه 1: 255- 1156، الاستبصار 1: 428- 1650، الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.

(7) الفقيه 1: 248- 1114، التهذيب 3: 30- 106، الوسائل 8: 313 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 75

و البجلي: «أمّا الصلاة الّتي لم تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصلاة الّتي تجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ» «1».

و زرارة: «من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» «2».

و اخرى: «و إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوليين، و أنصت لقراءته، و

لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول للمؤمنين وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ يعني في الفريضة خلف الإمام فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا «3» و الأخيرتان تبع للأوليين» «4».

و ثالثة: «إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت و سبّح في نفسك» «5».

و رواية المرافقي و أبي أحمد: «إذا كنت خلف الإمام تولّاه و تثق به فإنّه تجزيك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال اللّه سبحانه وَ أَنْصِتُوا «6».

و القصير: «إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ و اعتدّ بصلاته» «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 1، التهذيب 3: 32- 114، الاستبصار 1: 427- 1649، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.

(2) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 6، الفقيه 1: 255- 1155، التهذيب 3: 269- 770، المحاسن: 79- 3، مستطرفات السرائر: 75- 2، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 4.

(3) الأعراف: 204.

(4) الفقيه 1: 256- 1160، الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3.

(5) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 3، التهذيب 3: 32- 116، الاستبصار 1: 428- 1651، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.

(6) التهذيب 3: 33- 120، الوسائل 8: 359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 15.

(7) التهذيب 3: 275- 798، الوسائل 8: 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 76

و في بعض النسخ: «فلا تقرأ و اعتدّ بقراءته» مكان قوله: «فلا تقرأ و اعتدّ بصلاته» و الأوّل أصحّ.

و ابن بشير: عن القراءة خلف الإمام قال:

«لا، إنّ الإمام ضامن، و ليس الإمام يضمن صلاة الّذين خلفه و إنّما يضمن القراءة» «1».

و موثقة يونس و فيها: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه» «2».

و صحيحة ابن سنان: «إن كنت خلف الإمام في صلاة لا تجهر فيها حتّى تفرغ و كان الرجل مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوليين» قال: «و يجزيك التسبيح في الأخيرتين» قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب» «3».

و قتيبة: «إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة تجهر فيها فلا تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» «4».

و موثقة سماعة: عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفهمون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع قرأ لنفسه» «5».

و رواية عبيد: «إن سمع الهمهمة فلا يقرأ» «6».

و الرضوي: «إذا صلّيت خلف إمام يقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها فلم تسمع فاقرأ» «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 279- 820، و في الفقيه 1: 247- 1104، و الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 3: 33- 118، الاستبصار 1: 428- 1653، الوسائل 8: 359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 14.

(3) التهذيب 3: 35- 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 4، التهذيب 3: 33- 177، الاستبصار 1: 428- 1652، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.

(5) التهذيب 3: 34- 123، الاستبصار 1: 429- 1656، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 10.

(6) الفقيه 1: 256- 1157، الوسائل 8:

355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 2.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 477 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 77

و ما ذكره الديلمي مرسلا قال: و روي «أنّ ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الإمام واجب» «1». إلى غير ذلك.

و كذا لا قراءة راجحة في الأوليين منها مع سماع الصوت بالإجماع، و نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع «2». بل الظاهر عدم الخلاف في مرجوحيّتها أيضا، كما حكي عن التنقيح و روض الجنان «3».

و يدلّ عليه عموم صحيحة زرارة الاولى، و خصوص مرسلة الديلمي، و ضعفها منجبر بما ذكر، و إن كان في دلالة البواقي نظر يظهر وجهه.

و هل هي على الحرمة؟ كما هو صريح المقنع و المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الوسيلة و الغنية و آيات الأحكام للراوندي «4»، و ابن نما و المسائل المهنّائية للفاضل و تحريره و مختلفه و المدارك و الذخيرة «5»، و ظاهر السيّد و الخلاف و الواسطة لابن حمزة و القاضي و الحلّي و القواعد و التبصرة «6»، بل هي المشهور عند الطبقة الثالثة.

أم الكراهة؟ كما هي مختار الديلمي و المعتبر و الشرائع و النافع و الإرشاد «7» و الموجز و المحرّر و البيان و اللمعة و النفلية «8». و عن الدروس و الروضة «9» عليها

______________________________

(1) المراسم: 87.

(2) التذكرة 1: 184.

(3) التنقيح 1: 272، روض الجنان: 373.

(4) المقنع: 36، المبسوط 1: 158، النهاية: 113، التهذيب 3: 32، الاستبصار 1: 429، الوسيلة: 106، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، آيات الأحكام 1: 141.

(5) المسائل المهنائية: 130، التحرير 1: 52، المختلف: 158، المدارك 4: 323، الذخيرة: 396.

(6) جمل العلم

و العمل (رسائل المرتضى 3): 40، الخلاف 1: 339، القاضي في المهذّب 1: 81، الحلي في السرائر 1: 284، القواعد 1: 45، التبصرة: 38.

(7) الديلمي في المراسم: 87، المعتبر 2: 420، الشرائع: 1: 123، النافع: 71، الإرشاد 1:

272.

(8) البيان: 226، اللمعة (الروضة 1): 381، النفلية: 41.

(9) الدروس 1: 222، الروضة 1: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 78

دعوى الشهرة. و ظاهر الفاضل في النهاية و المنتهى و التذكرة «1» و ابنه في شرح الإرشاد و الشهيد في جملة من كتبه: التردّد.

الحقّ هو الثاني.

لا لما قيل من ظهور التعبير في موثّقة سماعة المتقدّمة بالإجزاء في عدم المنع عن القراءة أصلا، أو عدم كونه للحرمة، فهي قرينة مقرّبة لاحتمال إرادة الاستحباب ممّا ظاهره الوجوب «2»؛ لمنع الظهور المذكور. و لو سلّم فإنّما هو في مثل قوله: يجزيك أن تفعل كذا، لا في مثل: يجزيك فعل فلان.

و لا لصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: «لا بأس إن صمت و إن قرأ» «3».

لكونها غير المسألة.

بل للأصل السالم عن معارضة ما يصلح لإثبات الحرمة بالمرّة؛ لضعف دلالة ما جعلوه عليها حجّة. و هو: ما استدلّ به المخالف القائل بالحرمة.

و هو: الأمر بالإنصات المنافي للقراءة في الآية الكريمة، و أربعة من الأخبار المتقدّمة.

و التصريح بأنّ القراءة موجبة للبعث على غير الفطرة في الصحيحة «4» و بوجوب تركها في المرسلة «5».

و النهي- الّذي هو حقيقة في التحريم- في باقي الأخبار السالفة.

و رواية ابن أبي خديجة الآتية الآمرة بالتسبيح.

المؤيّد كلّ ذلك بأدلّة الاحتياط و ضمان الإمام للقراءة.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 2: 160، المنتهى 1: 378، التذكرة 1: 184.

(2) الرياض 1:

231.

(3) التهذيب 3: 34- 122، الاستبصار 1: 429- 1657، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.

(4) و هي صحيحة زرارة الأولى، المتقدّمة في ص 75.

(5) و هي مرسلة الديلمي، المتقدّمة في ص 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 79

و وجه الضعف: أمّا في الأوّل: فلعدم منافاة وجوب الإنصات لجواز القراءة؛ لأنّه هو الاستماع للحديث، كما ذكره أهل اللغة، قال في الصحاح:

الإنصات: السكوت و استماع الحديث «1».

و قال الثعلبي في تفسيره: و قد يسمّى الرجل منصتا و هو قارئ أو مسبّح إذا لم يكن جاهرا به، ألا ترى أنّه قيل للنبي: ما تقول في إنصاتك؟ قال، أقول:

اللهم اغسلني من خطاياي. انتهى.

و أيضا فسّره به في الآية في الصحيحة «2».

و هو يتحقّق مع القراءة أيضا، سيّما إذا كانت خفيّة.

و لا ينافيه ما في صحيحة معاوية بن وهب: «إنّ عليّا كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوّاء- و هو خلفه- آية، فأنصت عليّ (عليه السلام) تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمَّ عاد في قراءته، ثمَّ أعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ أيضا ثمَّ قرأ، فأعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ» «3».

فإنّه لو لم يكن الإنصات سكوتا لما كان يترك القراءة.

فإنّ القراءة لمّا كانت جهريّة لصلاة الصبح كانت منافية للاستماع، فلعلّه لذلك قطع القراءة.

و كذا لا تنافيه مقابلته مع الأمر بالقراءة مع عدم السماع في صحيحة البجلي، أو في الإخفاتية في رواية المرافقي، أو مقارنته مع النهي عن القراءة سيّما مع تعليل النهي عنها بالأمر به في إحدى صحاح زرارة، أو مع الأمر بالتسبيح في النفس في الأخرى، كما قاله بعض الأجلّة. و جعل بعض هذه الأمور قرينة على إرادة السكوت من الإنصات و ترك القراءة.

لأنّ

مقتضى المقابلة عدم وجوب القراءة أو رجحانها مع السماع و في

______________________________

(1) الصحاح 1: 268.

(2) و هي صحيحة زرارة الثانية، المتقدّمة في ص 75.

(3) التهذيب 3: 35- 127، الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 80

الجهريّة، لا عدم جوازها، فيكون المعنى: الراجح أو الواجب في الجهريّة مع السماع الاستماع سواء كان مع القراءة أو بدونها، و في الإخفاتيّة أو مع عدم السماع القراءة.

و المقارنة الأولى كانت مفيدة لو كان القرين نهيا مفيدا للحرمة، و هو غير معلوم، كما يأتي. فيمكن أن يكون المراد بيان كراهة القراءة أو عدم وجوبها و وجوب الإنصات. و كون التعليل للنهي غير معلوم، فلعلّه للأمر بالإنصات بل هو كذلك. مع أنّ تعليل كراهة القراءة بوجوب الإنصات المتوقّف كماله على السكوت لا ضير فيه.

و الثانية كذلك [1] لو كان الأمر بالتسبيح للوجوب، و هو ليس كذلك لعدم وجوبه إجماعا.

فيمكن جمع القراءة مع الإنصات من دون تضادّ و منافاة.

و يدلّ عليه أيضا ما يصرّح بجواز الذكر و الدعاء في الركعتين الأوليين، إمّا مطلقا كرواية أبي خديجة: «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين، و على الّذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر» «1».

أو في خصوص الجهريّة كمرسلة الفقيه: أكون خلف الإمام و هو يجهر بالقراءة فأدعو و أتعوّذ؟ قال: «نعم فادع» «2».

فإنّه لا تفاوت بين الذكر و الدعاء و بين القراءة في المنافاة [2] و عدمها.

و لذا جعل من يظنّ منافاة الإنصات للقراءة أخباره معارضة لهاتين الروايتين و به أجاب عنها [3]، ثمَّ ردّ ضعفهما- لو كان- بأنّه ينجبر بما عن

التنقيح من نسبة

______________________________

[1] أي: و المقارنة الثانية- و هي مقارنة الإنصات مع الأمر بالتسبيح- كانت مفيدة لو كان ..

[2] في جميع النسخ توجد زيادة: للذكر و الدعاء.

[3] أي: و بهذا التعارض أجاب عن أخبار الإنصات.

______________________________

(1) التهذيب 3: 275- 800، الوسائل 8: 362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.

(2) الفقيه 1: 264- 1208، الوسائل 8: 361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 81

وجوب الإنصات إلى ابن حمزة خاصّة، قال: و الباقون سنّوه «1». و هو ظاهر في دعوى الاتّفاق و صريح في ادّعاء الشهرة على عدم وجوبه، و بذلك تخرج أخباره عن صلاحيّة تأسيس الحكم. و قال: لا تفيد موافقتها للكتاب، للإجماع- على ما حكاه بعض الأصحاب- على عدم وجوب الإنصات للقراءة على الإطلاق كما هو ظاهر الآية، فإطلاقها للاستحباب قطعا، و به يخرج الأمر بالإنصات في الأخبار عن إفادة الوجوب أيضا، لتعليله بالأمر به في الآية، فيكون الأمران متوافقين.

و لكن يخدشه أنّ صحيحة زرارة الثانية صريحة في اختصاص الآية بالفريضة خلف الإمام، و لا إجماع على عدم الوجوب فيها، و الإجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها، فيكون الأمر في الآية للوجوب و به يتقدّم موافقها على غيره، و لا تخرج الأخبار الآمرة بالإنصات عن حقيقتها بسبب التعليل.

و أمّا في الثاني [1]: فلأنّه ليس صريحا في الوجوب؛ لشيوع ورود أمثال ذلك في المكروهات. مع أنّه ليس باقيا على حقيقته قطعا، سيّما مع شمول الرواية للإخفاتية المصرّحة في الأخبار بجواز القراءة فيها، فهي على المبالغة محمولة.

و أمّا في الثالث: فلضعفه الخالي عن الجابر. مع أنّ الظاهر أنّه ليس رواية مخصوصة، بل نقل لما فهمه من الأخبار

المتضمّنة لمثل قوله: «لا تقرأ» و يأتي ضعف دلالتها.

و أمّا في الرابع: فلعدم صراحة غير رواية القصير «2»- على بعض النسخ الّذي لا يفيد لأجل الاختلاف- في النهي المفيد للحرمة، لاحتمال النفي أيضا، و هو لا يثبت سوى المرجوحيّة. بل في إثباتها هنا أيضا نظر؛ لكون المقام ممّا يحتمل أن يكون مجازه نفي الوجوب.

مع أنّ أكثر هذه الروايات شاملة للإخفاتية، المجوّزة فيها القراءة في الأخبار

______________________________

[1] أي: و أمّا وجه الضعف في الدليل الثاني على حرمة القراءة للمأموم، راجع ص 78.

______________________________

(1) التنقيح 1: 272.

(2) المتقدّمة في ص 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 82

كما يأتي، و تخصيصه بالجهريّة ليس بأولى من الحمل على المرجوحيّة أو نفي الوجوب.

و منه يظهر ضعف رواية القصير على تلك النسخة أيضا.

هذا كلّه مع ما في النهي الوارد في مقام توهّم الوجوب و بعد ثبوته من كلام المشهور.

و أمّا في الخامس: فلعدم كون هذا التسبيح واجبا.

المسألة الثانية: الحقّ المشهور- بل نسب إلى الكلّ عدا الحلّي «1»- جواز القراءة في الجهريّة
اشارة

مع عدم سماع صوت الإمام و همهمته؛ لصحاح الحلبي و البجلي و قتيبة، و موثّقة سماعة، و رواية عبيد و الرضوي المتقدّمة «2» و إنّما خصّصنا الحكم بعدم سماع الصوت و الهمهمة دون ما يعمّ سماع القراءة الظاهرة في سماع الكلمات و الحروف، لأنّ الأخبار بين متضمّن للفظ: «لم تسمع» مطلقا، و للفظ: «لا تسمع قراءته» و لقوله: «إذا لم يسمع صوته» و لقوله:

«إن سمع الهمهمة».

و اختصاص الأخيرين ظاهر. و كذا الثاني؛ لأنّه و إن عبّر بقوله: «فلا تسمع قراءته» و لكن قوله بعده: «فإن كنت تسمع الهمهمة» صريح في إرادة عدم سماع الهمهمة من الأوّل أيضا.

و الأوّل مجمل؛ لأنّ ما لا يسمع غير معلوم هل هو القراءة أو الهمهمة، و القدر المتيقّن خروج عدم

سماع الهمهمة، إذ الحكم الثابت لعدم سماع القراءة ثابت له أيضا و لا عكس، فعدم سماع الهمهمة مراد قطعا. مع أنّ المجمل يحمل على المفصّل. و جعل عدم السماع من باب الإطلاق غلط؛ إذ لا معنى لتعليق الحكم لمطلق عدم السماع و مهيّته، مع أنّه على فرضه يجب حمله على المقيّد.

______________________________

(1) نسبه صاحب الرياض 1: 231.

(2) جميعا في ص 75، 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 83

خلافا لظاهر المقنع و الخلاف و الحلّي و التبصرة «1»، حيث أطلقوا عدم جوازها في الجهريّة؛ و لعلّه لإطلاق روايات عدم القراءة خلف الإمام مطلقا أو في الأوليين أو في الجهريّة.

و يجاب عنها- مضافا إلى منع صراحتها في التحريم كما مرّ- بوجوب تقييد الكلّ، لأخصيّة ما مرّ عن جميع ما ذكر حتّى صحيحة الحلبي المتضمّنة لقوله:

«سمعت قراءته أو لم تسمع» «2» لشمولها الإخفاتية و سماع الهمهمة. مع أنّ الظاهر أنّ المراد فيها بقوله: «لم تسمع» الصلاة الإخفاتية بقرينة صحيحته الثانية «3»، فإنّها صريحة في أنّ المراد ب: «ما لم تسمع» السريّة.

و هل هو على الوجوب؟ كما هو ظاهر السيّد و المبسوط و النهاية و الوسيلة و الواسطة و صريح التهذيب و الاستبصار «4»، و محتمل جمع آخر.

أو الاستحباب؟ كالمعتبر و المختلف و التذكرة و النهاية و التحرير و الإرشاد و البيان و الموجز و المحرّر و شرح الإرشاد لفخر المحقّقين و النفلية «5» و محتمل بعض آخر.

أو الإباحة؟ كما هو ظاهر الراوندي و ابن نما و عن القاضي «6» و محتمل طائفة أخرى.

أو الكراهة؟ كما عن الديلمي «7».

______________________________

(1) المقنع: 36، الخلاف 1: 339، الحلي في السرائر 1: 284، التبصرة: 38.

(2) تقدمت في ص 74.

(3) المتقدمة في ص 74.

(4)

جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 40، المبسوط 1: 158، النهاية: 113، الوسيلة:

106، التهذيب 3: 32، الاستبصار 1: 429.

(5) المعتبر 2: 421، المختلف: 158، التذكرة 1: 184، نهاية الاحكام 2: 160، التحرير 1:

52، الإرشاد 1: 272، البيان: 226، النفلية: 41.

(6) الراوندي في فقه القرآن: 141، القاضي في المهذب 1: 81.

(7) المراسم: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 84

الحقّ هو الأوّل؛ لصريح الأمر- الّذي هو حقيقة في الوجوب- به في الصحاح. و وروده في محلّ توهّم المنع ممنوع، كيف؟! و هو موقوف على ثبوت تقدّم المطلقات المانعة عن القراءة خلف الإمام بدون القرينة المقيّدة، على صدور الأخبار المفصّلة، و من أين علم ذلك؟! مع أنّ صرف الأمر عن حقيقته بوروده في المحلّ المذكور ممنوع عند أهل التحقيق و إن قال به جماعة.

دليل المخالف: صحيحة ابن يقطين السابقة «1»، الظاهرة في تساوي الطرفين في الراجحية و المرجوحيّة، فبها تخرج الأوامر عن حقيقتها لو أفادت الوجوب، مع أنّها- لما مرّ- ممنوعة.

و زاد القائل بالاستحباب أنّه يتحمّل المسامحة، فيثبت الرجحان باشتهاره و لو في ضمن الإيجاب عند الطائفة.

و يضعّف: بأنّ الصحيحة متضمّنة للفظ سماع القراءة الّذي هو بدون القرينة ظاهر في سماع الكلمات و الحروف بل حقيقة فيه، فعدمه أعمّ من سماع الهمهمة و عدمه، فهي أعمّ من أخبار الوجوب فتخصّص بها قطعا، و يحمل الجواز مع التساوي أو الرجحان على صورة عدم سماع القراءة و سماع الهمهمة خاصّة، كما فعله في المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار «2»، و الواسطة و الشيخ ابن نما.

و منع إفادتها الوجوب لما مرّ ضعيف، كما مرّ.

فرع: هل يجب أن يجهر المأموم بالقراءة

حينئذ و كذا فيما إذا قرأ مع سماع القراءة، أم لا؟

الظاهر: التخيير، إذ

لا تجري أدلّة الجهر في جميع مواضعه الّتي منها هنا إلّا بالإجماع المركّب، و تحقّقه هنا غير معلوم.

الثالثة: لا تجب القراءة في أوليي الصلاة الإخفاتية أيضا

، إجماعا محقّقا و محكيّا عن جميع من سبق في الجهريّة فتوى و نصّا؛ و يدلّ عليه جميع ما تقدّم فيها

______________________________

(1) في ص 2334.

(2) المبسوط 1: 158، النهاية: 113، التهذيب 3: 32، الاستبصار 1: 429.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 85

من الأخبار.

و في حرمتها، كأكثر من قال بها في الجهرية «1».

أو كراهتها، كأكثر من قال بها فيها «2».

أو إباحتها، كما حكي عن بعضهم «3».

أو استحبابها بالحمد خاصّة، كما نسب إلى النهاية و المبسوط و جماعة «4»، لكن صرّح في الكتابين بعدم الجواز أوّلا و إن صرّح بعده باستحباب الحمد، و يمكن حمل الأخير على الجهريّة عند عدم سماع الهمهمة دفعا للتناقض و إن كان بعيدا غايته.

أقوال. أقواها ثانيها.

أمّا المرجوحيّة فلعموم صحيحة زرارة الاولى «5» و خصوص صحيحة الأزدي: «إنّي لأكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار» قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال: «يسبّح» «6».

مضافا إلى الشهرة العظيمة الّتي كادت أن تكون إجماعا، و الفرار عن مخالفة فحول القدماء القائلين بالحرمة.

و أمّا انتفاء الحرمة فلما مرّ في الجهريّة من الأصل السالم عمّا يصلح لإثباتها حتى عن كثير ممّا يظنّ ثبوتها به في الجهريّة كأوامر الإنصات و المرسلة «7».

______________________________

(1) كما في التهذيب 3: 32، و التحرير 1: 52، و المدارك 4: 323.

(2) كما في المعتبر 2: 420، و الإرشاد 1: 272، و الدروس 1: 222.

(3) كالشهيد في اللمعة (الروضة 1): 381.

(4) النهاية: 113، المبسوط 1: 158، و انظر المهذّب 1: 81، و الجامع للشرائع: 100، و القواعد 1:

47.

(5) المتقدمة في ص 75.

(6) الفقيه 1: 256- 1161، التهذيب 3: 276- 806، قرب الإسناد: 37- 120، الوسائل 8:

360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.

(7) المتقدمة في ص 75- 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 86

مضافا إلى معاضدته برواية المرافقي السابقة «1»، المنجبرة، المصرّحة بأنّه إن أحبّ أن يقرأ فيقرأ فيما يخافت فيه.

و صحيحة [ابن] «2» يقطين: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ قال: «إن قرأت فلا بأس و إن سكتّ فلا بأس» «3».

و سليمان بن خالد: عن الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ، فقال: «لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام» «4».

حيث إنّ الظاهر من قوله: «لا ينبغي» و الشائع استعماله فيه هو الكراهة.

و لكن الاعتضاد بالأخيرتين محلّ نظر و إن قاله بعضهم «5»؛ لاحتمال الأوّل للأخيرتين، بأن يكون المراد بالصمت ترك القراءة، كما ذكره في الوافي «6»؛ و ظهور الثاني فيهما، لأنّهما اللتان لا يعلم بالقراءة فيهما.

الرابعة: الأقوى عدم وجوب شي ء من القراءة و التسبيح في أخيرة الثلاثية

و أخيرتي الرباعية على المأموم، كما لا يجب تركهما فيها أيضا.

وفاقا في الأوّل لظاهر السيّد حيث قال: و أمّا الآخرتان فالأولى أن يقرأ فيهما أو يسبّح، و روي أنّه ليس عليه ذلك «7». و ابن حمزة حيث قال في الواسطة: و في الأخيرتين إن قرأ كان أفضل من السكوت. و صريح الحلّي حيث قال: فأمّا الركعتان الآخرتان فقد روي أنّه لا قراءة فيهما و لا تسبيح، و روي أنّه يقرأ فيهما أو

______________________________

(1) في ص 75.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(3) التهذيب 2: 296- 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(4) التهذيب 3:

33- 119، الاستبصار 1: 428- 1654، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 8.

(5) الرياض 1: 231.

(6) الوافي 8: 1204

(7) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 87

يسبّح، و الأوّل أظهر «1». و اختاره بعض أجلّة المتأخّرين «2».

لعموم عشر من الروايات المصدّرة بها المسألة الاولى «3»، و خصوص واحدة منها و هي صحيحة زرارة الثانية، و مرسلتي السيّد و الحلّي المتقدّمتين آنفا، و صريح صحيحة [ابن] يقطين السالفة في المسألة السابقة، بل ظاهر صحيحة سليمان حيث إنّ سياقها- كما صرّح به بعضهم- صريح في أنّ المراد بالقراءة المنفيّة ما يعمّ التسبيح أيضا، و مفهوم صحيحة زرارة: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قلت: فما أقول؟ قال:

«إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه ثلاث مرّات» «4».

و لا يجوز إرجاع غير الواجب أو المستحب في المفهوم إلى العدد أو خصوص الذكر؛ للإجماع على اتّحاد الوظيفة في التسبيح أينما كانت وظيفة.

و تخصيص العمومات النافية للقراءة خلف الإمام بالقراءة المتعيّنة لا مطلقا- و ليست إلّا في الأوليين، لأنّ وظيفة الأخيرتين القراءة المخيّرة بينها و بين التسبيح- لا وجه له، و دعوى تبادرها ممنوعة.

نعم، يمكن أن يقال باختصاص دلالتها بانتفاء قراءة الفاتحة لا ما يعمّ التسبيح أيضا، كما يستفاد من تتبّع النصوص و الفتاوى.

و لكنّه غير ضائر؛ إذ الثابت أوّلا- الّذي هو الأصل- وجوب أحد الأمرين، فبعد انتفاء وجوب أحدهما يحتمل تعيّن الآخر و بدليّة السكوت عن الأوّل، و نسبة الأصل إليهما على السواء، فتبقى أصالة جواز السكوت خالية عن المعارض.

و بعبارة

أخرى: الثابت من أدلّة التسبيح وجوبه التخييري، فإذا انتفى

______________________________

(1) السرائر 1: 484.

(2) المحقق السبزواري في الكفاية: 31.

(3) المتقدّمة في ص 74، 75.

(4) الفقيه 1: 256- 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 88

ذلك بهذه العمومات ينفى تعيّنه أيضا بالأصل.

و لا تعارضها رواية أبي خديجة و فيها: «فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الّذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الإمام التسبيح» «1».

لأنّها ظاهرة في عدم إرادة الوجوب بقرينة مقابلته مع قوله: «و على الإمام» و بشهادة سائر الأخبار المتقدّمة. مع أنّه لا قائل بوجوب الفاتحة على المأموم قطعا، فعلى فرض دلالتها عليه تكون شاذّة مطروحة. و مع ذلك كلّه فهي مجملة، لاحتمال كون المستتر في: «كان» للايتمام و يكون بيانا لحكم المسبوق، كما مرّ في بحث القراءة.

خلافا للمقنع و الحلبي و ابن زهرة و المختلف و الذخيرة «2»، فأوجبوا أمّا التسبيح مطلقا كالأوّل؛ لصحيحة ابن عمّار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح» «3».

و صحيحة الأزدي السابقة «4». و هي و إن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية، إلّا أنّ قوله: «فيقوم كأنّه حمار» ظاهر في مكروهيّة السكوت مطلقا.

و الكراهة و إن كانت إمّا مقابلة للحرمة أو أعمّ منها، إلّا أنّ الأمر بالتسبيح يعيّن إرادة الحرمة.

مضافا إلى صحيحة الحلبي: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» «5».

______________________________

(1) التهذيب 3: 275- 800، الوسائل 8: 362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.

(2) المقنع: 36، الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المختلف:

158، الذخيرة:

271.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294- 1185، الوسائل 8: 361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 5.

(4) راجع ص 85.

(5) التهذيب 2: 99- 372، الاستبصار 2: 322- 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 89

أو أحدهما كذلك كالثانيين؛ للأصل، و عموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما.

أو الثاني [1] في الإخفاتية خاصّة كالرابع؛ لصحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر المسألة الأولى «1»، حيث صرّحت في الأخيرتين من الإخفاتية بإجزاء التسبيح المشعر بوجوب أحد الشيئين و كفاية التسبيح و ليس الشي ء الآخر إلّا الفاتحة، مضافا إلى تصريحها أخيرا بأنّه عليه السلام كان يقرأ الفاتحة فيكون مخيّرا بينهما.

و صحيحة الحلبي المتقدّمة آنفا حيث دلّت على وجوب أحد الأمرين من القراءة و التسبيح مطلقا.

أو الجهريّة كذلك كما نسب إلى الخامس؛ لثبوت حرمة القراءة في الإخفاتية مطلقا و عدمه في الجهريّة إلّا إذا سمع الهمهمة؛ فيبقى غيره تحت الأصل و العمومات.

و يضعّف دليل الأوّل: أمّا الصحيحان الأوّلان فلعدم دلالة قوله: «يسبّح» على الوجوب، غايته الجواز أو الاستحباب، و ليس كلامنا فيه. مع أنّه لو دلّ على الوجوب لزم إمّا حمله على ما ذكر لمعارضته مع ما سبق و ما دلّ على جواز قراءة الفاتحة أيضا، أو طرحه لشذوذ القول به و ندرته بحيث يخرج معه الخبر عن الحجّيّة.

و أمّا الصحيح الآخر باحتمال كون جملة: «لا تقرأ فيهما» حاليّة فلا يثبت وجوب التسبيح مطلقا.

و دليل الثاني: باندفاع الأصل و تخصيص العمومات بما مرّ.

و دليل الثالث: أمّا صحيحته الاولى فبجواز إرادة الإجزاء عن الأمر الاستحبابي، و لا دليل على إرادة الوجوبي منه. مع أنّ الظاهر

من التسبيح مطلقه لا خصوص التسبيح الّذي هو وظيفة الركعتين، و لم يقل أحد بوجوب غير الوظيفة، و تخصيصه ليس بأولى من التجوّز في الإجزاء لو كان ظاهرا فيما ظنّه.

______________________________

[1] أي: القول الثاني، و هو التخيير بين القراءة و التسبيح.

______________________________

(1) في ص 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 90

و أمّا قراءة الإمام عليه السلام فلا تصلح استنادا لشي ء، لأنّه لا يقتدي بمن يجوز الاقتداء به، و أمّا غيره فلا كلام فيه بل لا تسقط معه الوظيفة قطعا.

و أمّا صحيحته الثانية فلجواز كون جملة: «لا تقرأ فيهما» وصفيّة، و حينئذ يكون الأمر بالتسبيح للجواز أو الاستحباب جزما.

و يظهر ضعف دليل الرابع بما ذكر في الثاني.

و وفاقا في الثاني [1] لغير الحلّي؛ لأصالة عدم وجوب ضدّ القراءة و التسبيح، و عدم نهوض شي ء من الأخبار لإثبات الحرمة كما مرّ، و الأخبار المتقدّمة المصرّحة بجواز القراءة أو التسبيح في الأخيرتين، و فحوى الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدّمة «1»، الدالّة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهريّة مع عدم سماع الهمهمة، و حيث ثبت جواز القراءة ثبت جواز التسبيح أيضا لعدم قول بالفرق من هذه الجهة.

خلافا لمن ذكر «2»، فظاهره وجوب ترك القراءة و التسبيح؛ لظواهر بعض الأخبار المتقدّمة مع ما يجيب عنها.

و منه يظهر عدم حرمة خصوص القراءة فيهما أيضا، كما هو مذهب المقنع و الخلاف و الحلّي و التبصرة «3» و غيرها، صريحا في بعض و ظاهرا في آخر؛ لقصور الأخبار عن إثباتها، مع دلالة بعضها على جوازها.

و هل تكره؟ كما عن الديلمي و الشرائع و النافع و الشهيد «4»، و ابن فهد و فخر المحققين.

أو تستحب؟ كما عن المبسوط و النهاية «5».

______________________________

[1] و هو:

عدم وجوب ترك القراءة و التسبيح في الركعة الثالثة و الرابعة، راجع ص 2342.

______________________________

(1) في ص 74 و 75- 77.

(2) و هو الحلّي في السرائر 1: 284.

(3) المقنع: 36، الخلاف 1: 339، الحلي في السرائر: 61، التبصرة: 38.

(4) الديلمي في المراسم: 87، الشرائع 1: 123، النافع: 71، الشهيد في البيان: 226.

(5) المبسوط 1: 158، النهاية: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 91

أو تباح؟ كما عن بعضهم «1».

الظاهر هو الأوّل؛ للعمومات النافية للقراءة، و خصوص صحيحة زرارة الثانية و سليمان و ابن عمّار و الأزدي السابقة «2»، و رواية جميل: عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة، فقال: «بفاتحة الكتاب و لا يقرأ الّذين خلفه» «3».

دليل المخالف الأوّل: قراءة الإمام الفاتحة كما صرّح به في صحيحة ابن سنان «4»، و رواية أبي خديجة السالفة «5». و مرّ دفعهما.

و عمومات أفضليّة القراءة للتسبيح، و لا يفيد للمقام إلّا بعد ثبوت أفضليّة التسبيح عن السكوت أو مساواتها له، مع أنّ العامّ لا يعارض الخاصّ.

و دليل الثاني: عمومات مساواة القراءة و التسبيح المتقدّمة في بحث القراءة.

و جوابها ظاهر.

الخامسة: لا شكّ في استحباب التسبيح للمأموم في السبع ركعات الأخيرة

؛ و تدل عليه صحاح ابن سنان و ابن عمّار و الأزدي.

و الظاهر استحبابه له حال قراءة الإمام في الأوليين من الإخفاتية أيضا، كما ذكره جمع من الأصحاب «6»؛ لرواية أبي خديجة و صحيحة الأزدي، و صحيحة عليّ ابن جعفر المرويّة في كتابه: عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به الظهر و العصر يقرأ خلفه؟ قال: «لا و لكن يسبّح و يحمد اللّه و يصلّي على النبي و أهل بيته» «7».

______________________________

(1) كالشهيد في اللمعة (الروضة البهية 1): 381.

(2) راجع ص 75، 85، 86، 88.

(3) التهذيب 2: 295- 1186، الوسائل

6: 108 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 4.

(4) المتقدمة في ص 76.

(5) في ص 88.

(6) منهم الشيخ في التهذيب 3: 32، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 302، و صاحب الحدائق 11: 136.

(7) مسائل علي بن جعفر: 128- 102، قرب الإسناد: 211- 826 الوسائل 8: 361، أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 92

و ذكر جمع من المتأخّرين «1» استحبابه في أوليي الجهرية أيضا. و هو كذلك؛ لإطلاق رواية أبي خديجة، و مرسلة الفقيه السابقة «2».

و لا ينافيه الأمر بالإنصات؛ لما مرّ من عدم منافاة الذكر للإنصات سيّما إذا كان خفيّا بل الظاهر عدم المنافاة و لو فسّر الإنصات بالسكوت؛ لأنّ المراد منه العرفي، و لا ينافي السكوت العرفي مع الذكر الخفي سيّما إذا كان بمثل تحريك اللسان في اللهوات.

و لا قوله: «سبّح في نفسك» «3» لعدم التعارض. مع أنّ الظاهر أنّ التسبيح في النفس هو التسبيح الخفي دون الذكر القلبي، أو يعمّ الأمرين معا.

السادسة: ما ذكر من سقوط القراءة إنّما هو إذا كان الاقتداء بالإمام المرضي.

و أمّا لو اقتدى بغيره لم تسقط بل تجب القراءة، بلا خلاف يعرف كما صرّح به في طائفة من كتب الأصحاب «4»؛ لانتفاء القدوة فهو في حكم المنفرد، و للمستفيضة من المعتبرة «5».

و لا تنافيها المعتبرة الآمرة بالإنصات و الاستماع لقراءته في الجهريّة «6»؛ لما مرّ من إمكان الاجتماع. مضافا إلى احتمالها للاختصاص بخصوص السائلين حيث كان عليه السلام عالما بلحوق الضرر بهم، كما ورد مثله في قضيّة إسحاق بن

______________________________

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 302، و صاحب الحدائق 11: 136.

(2) في ص 80.

(3) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 3، التهذيب 3: 32- 116، الاستبصار 1: 428-

1651، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.

(4) منها السرائر 1: 284، و المنتهى 1: 378، و الرياض 1: 232.

(5) الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33.

(6) الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2 و 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 93

عمّار في صلاة الجماعة معهم «1»، و عليّ بن يقطين «2» و داود بن زربي «3» في الوضوء ثلاثا، أو لشدّة التقية فحينئذ ينصت و يقرأ فيما بينه و بين نفسه سرّا.

و لا يجب الجهر بالقراءة في الصلاة الجهريّة؛ لصحيحة علي بن يقطين «4»، و مرسلة محمّد بن إسحاق «5» بل و لا سماع نفسه القراءة؛ لهاتين الروايتين.

و تجزيه الفاتحة وحدها مع تعذّر قراءة السورة و إن كانت واجبة، بلا خلاف، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه «6»؛ للمعتبرة من الأخبار.

و لو ركع الإمام قبل إكمال المأموم الفاتحة سقطت أيضا؛ لمكان الضرورة، و تصريح المعتبرة. و وجوب إتمامها في الركوع- كما قيل «7»- لا مستند له.

و لو ألجأته التقيّة إلى ترك التشهد في محلّه يتركه و يتشهّد قائما، كما ورد في بعض الأخبار «8».

ثمَّ لا يخفى أنّ هذه طريقة الصلاة معهم إذا دعت التقية لها و لم يمكن تداركها من تقديم الصلاة الصحيحة أو إعادتها، و إلّا وجبت الصحيحة.

و الظاهر من الأخبار أنّ هذه تحسب له نافلة؛ أو تكون محض المتابعة تترتب عليها المثوبات الكثيرة و لو لم يكن ملجأ إلى الصلاة معهم؛ للأخبار الكثيرة «9»، و تأليف

______________________________

(1) التهذيب 3: 38- 133، الاستبصار 1: 431- 1666، الوسائل 8: 368 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 4.

(2) إرشاد المفيد 2: 227، الوسائل 1: 444 أبواب الوضوء ب 32

ح 3.

(3) التهذيب 1: 82- 214، الاستبصار 1: 71- 219، الوسائل 1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 1.

(4) التهذيب 3: 36- 129، الاستبصار 1: 430- 1663، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 1.

(5) الفقيه 1: 260- 1185، التهذيب 3: 36- 128، الاستبصار 1: 430- 1662، الوسائل 8: 364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.

(6) كصاحب المدارك 4: 325.

(7) الرياض 1: 232.

(8) المحاسن: 325- 70، الوسائل 6: 392 أبواب التشهد ب 2 ح 1.

(9) الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 94

القلوب الشقيّة. بل يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب الصحيحة حينئذ أيضا، و قد مرّ تحقيقه.

السابعة: و كذا يختصّ ما ذكر من سقوط القراءة بما إذا لم يكن المأموم مسبوقا

. و أمّا إذا كان كذلك فتجب عليه القراءة كما يأتي في فصل الأحكام.

و منها: متابعة المأموم للإمام.
اشارة

و تحقيق الحال في ذلك المجال أنّه تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال- أي الركوع و السجود و الرفع منهما و القيام بعد السجود- إجماعا محقّقا و محكيّا في المعتبر و المنتهى و المدارك و المفاتيح و شرحه «1»، و نفى عنه الخلاف في الذخيرة «2»؛ و هو الحجّة عليه.

مضافا إلى النبويّين المرويّين في مجالس الصدوق و غيره من كتب أصحابنا، المنجبرين بالاشتهار و العمل.

أحدهما: «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، و إذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا» «3».

و ثانيهما: «أما يخشى الّذي يرفع رأسه و الإمام ساجد أن يحوّل اللّه رأسه رأس حمار؟» «4».

و النصوص المتضمّنة للفظ الإمامة أو القدوة «5»، لعدم صدقهما بدون المتابعة.

و ما يأتي من الأخبار الآمرة بالعود لو رفع رأسه قبل الإمام من الركوع أو

______________________________

(1) المعتبر 2: 421، المنتهى 1: 379، المدارك 4: 326، المفاتيح 1: 162.

(2) الذخيرة: 398.

(3) مجالس الصدوق: 264- 10 بتفاوت، و أيضا في عوالي اللئالي 2: 225- 42.

(4) لم نجده في مجالس الصدوق، و هو موجود في صحيح مسلم 1: 320- 427 بتفاوت يسير.

(5) الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 26 و 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 95

السجدة «1».

و ما صرّح بانتظار الإمام لو فرغ المأموم عن القراءة، إمّا لجوازها مطلقا كما هو المختار، أو فيما يجوز كالمسبوق أو الّذي لا يسمع الهمهمة، كموثّقة زرارة: عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: «فأمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع» «2». مستند الشيعة في

أحكام الشريعة    ج 8    95     و منها: متابعة المأموم للإمام. ..... ص : 94

عمر بن أبي شعبة: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ عن قراءته، قال:

«فأتمّ السورة و مجّد اللّه و أثن عليه حتّى يفرغ» «3».

و اختصاص الأخبار ببعض الأفعال غير ضائر؛ لعدم القائل بالفرق على الظاهر.

و كذا تجب المتابعة في تكبيرة الإحرام إجماعا؛ له، و لأوّل النبويين، و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يصلّي، إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال: «لا يكبّر إلّا مع الإمام، فإن كبّر قبله أعاد التكبير» «4».

و ضعفهما بما مرّ منجبر.

و كون الجواب في الثاني أخبارا غير ضائر؛ لأنّ قصد الوجوب منه ظاهر، لظهور كون السؤال عن الجواز، و بطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الإحرام لو لا بطلان الاولى.

و لا تجب المتابعة في سائر الأذكار من القراءة- حيث تجوز أو تجب- و ذكر الركوع و السجود و التشهد و الأذكار المستحبّة، على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخر «5»؛ للأصل، و حصول الامتثال، و التقرير في الموثّقتين المتقدّمتين،

______________________________

(1) انظر: ص 102.

(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 1 و فيه: فأبق آية، التهذيب 3: 38- 135، المحاسن:

326- 73، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.

(3) التهذيب 3: 38- 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.

(4) قرب الإسناد 218- 854، الوسائل 3: 101 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.

(5) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 306، و الكاشاني في المفاتيح 1: 162، و صاحب الرياض 1: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 96

و إيجابها إمّا وجوب الجهر على الإمام مطلقا، أو تكليف المأمومين بتأخير الذكر إلى

أن يعلم وقوعه من الإمام و لم يقل بشي ء منهما أحد، و استلزامها لزوم اختيار ما يختاره الإمام من الأذكار و ليس كذلك، و المستفيضة من الصحاح و غيرها المصرّحة بجواز إتمام المأموم التشهد و التسليم قبل الإمام إذا أطال الإمام التشهد «1».

خلافا للمحكي عن الشهيد فأوجبها فيها أيضا «2»؛ للنبوي الأوّل.

و يردّ بعدم انجباره في المقام بالعمل. مع أنّ مطلق الايتمام بالمتابعة في الأفعال قد حصل و لم يثبت وجوب الزائد منها من هذه الرواية و لا سائر الروايات المتضمّنة للايتمام و الاقتداء.

و المراد بالمتابعة الواجبة في الأفعال و التكبيرة عدم تقدّم المأموم على المشهور، بل لم أعثر على مصرّح بخلافه في الأفعال، بل عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين الإجماع عليه فيها. فتجوز المقارنة و إن انتفت معها فضيلة الجماعة عند بعضهم «3»، و نقصت عند آخر «4»، و لكن عن بعض آخر عدم النقص أيضا «5».

للأصل، و صدق الامتثال، و عدم ثبوت الزائد عنه من الإجماع و لا غيره من أدلّة المتابعة.

و تعاضده رواية السكوني «6» الواردة في مصلّيين قال كلّ منهما: كنت إماما أو مأموما، المصرّحة بصحّة صلاتهما في الصورة الأولى؛ إذ لو لا جواز المقارنة لما تصوّرت فرض المسألة غالبا.

______________________________

(1) الوسائل 8: 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64.

(2) البيان: 238.

(3) الشهيد الثاني في الروضة 1: 384.

(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 398.

(5) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 162.

(6) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 3، الفقيه 1: 250- 1123، التهذيب 3: 54- 186، الوسائل 8: 352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 97

و رواية قرب الإسناد المتقدّمة، فإنّ ظاهر المعيّة المقارنة سيّما مع تفريع

التكبير قبله خاصّة بعده عليه. و إذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها، لعدم القائل بالفرق بينهما جوازا فيها و منعا في غيرها و إن وجد القائل بالعكس.

و تدلّ عليه أخبار أخر مصرّحة بالركوع أو السجود مع الإمام لو رفع رأسه قبله، كما يأتي «1».

خلافا في تكبيرة الإحرام خاصّة للمحكي عن المنتهى و الشهيدين و المدارك و الذخيرة «2» فأوجبوا تأخّر المأموم فيها، و عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين الإجماع عليه، بل قيل: و لم أعرف القائل بخلافه منّا و إن أشعرت به عبارات جماعة «3».

و تردّد الفاضل في النهاية و التذكرة كما حكي «4».

للإجماع المنقول.

و للنبوي المذكور المجبور ضعفه في المقام أيضا بما عرفت، فإنّ الفاء تفيد التعقيب.

و لأنّ الائتمام إنّما يكون بالمصلّي، و لا يكون الإمام مصلّيا إلّا بعد أن يكبّر.

أو للشكّ في تحقّق الايتمام و الجماعة الموجب للشك في حصول البراءة عن الشغل اليقيني.

و يضعّف الأول: بعدم الحجية.

و الثاني: بجواز كون الفاء للمقارنة، كما في قوله سبحانه:

فَاسْتَمِعُوا «5». مع أنّ الفاء جزائيّة، و هي في العرف قد تمحّضت لربط الجزاء بالشرط.

______________________________

(1) في ص 101.

(2) المنتهى 1: 379، الشهيد في الذكرى: 276، الشهيد الثاني في الروضة 1: 384، المدارك 4:

327، الذخيرة: 398.

(3) الرياض 1: 232.

(4) نهاية الاحكام 2: 135، التذكرة 1: 185.

(5) الأعراف: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 98

و الثالث: بأنّ اللازم كون الإمام مصلّيا حال كون المأموم مقتديا، و هو بعد فراغهما من التكبير، و حينئذ فهو مصلّ.

و الرابع: بمنع الشك، لصدقه عرفا.

و مع ذلك فالأحوط عدم المقارنة في التكبير بل في سائر الأفعال أيضا، لأنّها في معرض المقارنة [1] غالبا. فالأولى تأخّر المأموم في التحريمة و الأفعال بمعنى شروعه

بعد شروعه و إن كان قبل فراغه و فراغه قبل فراغه. لا شروعه بعد فراغه كما قيل، لعدم الدليل.

فروع:
أ: لو خالف المأموم فيما يجب عليه من المتابعة و تقدّم و استمرّ على المخالفة

بأن يمضي في صلاته كذلك، فإن كان مع قصده العدول عن الايتمام، فإن صحّ ذلك صحّت صلاته و إلّا لم تصح.

و إن كان مع الايتمام بطلت؛ لأنّ مقتضى وجوب المتابعة حرمة الإتيان بأفعال الصلاة مقدّما على الإمام، لأنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، فتكون الأفعال المأتية منهيّا عنها، و النهي مفسد للعبادة.

و لو لم يستمرّ عليها بل إنّما خالفه في فعل، كأن يتقدّم عليه في ركوع أو سجود أو رفع منه أو قيام، فقيل: مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا، إذ معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة «1».

و فيه: أنّ مقتضاها العود إلى الحالة الاولى و تحصيل المتابعة دون فساد الصلاة، إذ معه تحصل المتابعة و يعلم كونها عبادة مطلوبة بعمومات الجماعة، و أصالة عدم بطلان الصلاة بمجرّد المخالفة في فعل تتبعها المتابعة الواجبة فيه.

إلّا أن تضمّ معها مقدّمة أخرى ثابتة قد تقدّمت مفصّلة مبرهنة، و هي: قاعدة بطلان الصلاة بالزيادة.

______________________________

[1] كذا، و الظاهر أنّ الصحيح: المسابقة أو ما يفيد معناها، و المراد أنّ المقارنة في معرض المسابقة.

______________________________

(1) الرياض 1: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 99

فيقال: إنّه لو تقدّم في فعل فالبقاء عليه حتّى يلحق الإمام سبب لانتفاء المتابعة الواجبة، و سبب الحرام حرام. أو هو ضدّ للمتابعة و ضدّ الواجب منهيّ عنه. و عدم البقاء- الذي هو العود و اللحوق بالإمام- سبب لحصول الزيادة في الصلاة، و هي أيضا محرّمة، فهو أيضا حرام، فلم يبق إلّا إعادة الصلاة.

لا يقال: إنّها موقوفة على قطعها، و هو أيضا حرام.

لمنع عموم على حرمته يشمل

المقام. مع أنّا نقول: إنّها قد قطعت شرعا، لأنّ إتمامها منهيّ عنه إذ ليس إلّا بارتكاب أحد المحرّمين.

و لعلّ هذا أيضا مراد ذلك القائل، و ترك ذكر هذه المقدّمة لظهورها، و أراد أنّ مع ارتكاب أحد الأمرين لا يعلم أنّها العبادة المطلوبة، لاستلزام أحدهما الزيادة و الآخر المخالفة.

و حينئذ يتمّ ما ذكره، إلّا أنّه يتوقّف على ثبوت المقدّمة الاولى، و هي وجوب المتابعة مطلقا حتّى في هذا الفعل الّذي تقدّم فيه سهوا أو عمدا بعد التقدّم بأن يرجع و يتابع.

و هو ممنوع جدّا؛ إذ عمدة أدلّتها الإجماع، و انتفاؤه هنا واضح. و صدق الايتمام و عدم انتفائه بمجرّد هذا التقدّم اليسير المتعقّب للمتابعة ظاهر. و خبرا المجالس «1» ضعيفان، و انجبارهما في المقام غير معلوم، مع أنّ ثانيهما لا يدلّ إلّا على حرمة التقدّم عمدا، و هو مسلّم، و الكلام في وجوب المتابعة فيما تقدّم بعده.

و الخبران الآخران «2» موردهما غير هذه الصورة، لأنّهما وردا لحكم من فرغ قبل الإمام عن القراءة و لم يركع بعد. بل الظاهر من النبوي الأوّل أيضا ذلك، فإنّ المتبادر عنه أنّه إن لم تركعوا فاركعوا مع الإمام. مع أنّ هذه الروايات لا تشمل الرفع و القيام في المسألة أيضا.

و بالجملة: لا دليل على وجوب المتابعة في فعل حصل فيه التقدّم أصلا،

______________________________

(1) راجع ص 94.

(2) و هما موثّقتا زرارة، و عمر بن أبي شعبة، راجع ص 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 100

و على هذا فلا يكون لفساد الصلاة وجه أصلا.

بل هاهنا كلام آخر، و هو: أنّ الظاهر الإجماع على عدم البطلان مطلقا، إذ صرّح الكل بصحة الصلاة و لم ينقل من أحد القول ببطلانها حينئذ إلّا ما حكي

عن المبسوط أنّه قال: من فارق الإمام من غير عذر بطلت صلاته «1».

و مراده ما إذا فارقه رأسا و أتمّ الصلاة مفارقا له؛ إذ هو معنى المفارقة، أو مع عدم تمام القراءة، لأنّه قال فيه بعد ذلك: و ينبغي أن لا يرفع رأسه عن الركوع قبل الإمام، فإن رفع رأسه ناسيا عاد إليه يكون رفعه مع رفع الإمام، و كذلك القول في السجود، و إن فعل ذلك متعمّدا لم يجز له العود إليه أصلا بل يقف حتّى يلحقه الإمام «2». انتهى.

و مثله الصدوق «3».

و على هذا فلا يصحّ الحكم ببطلان الصلاة، بل اللازم الحكم بالتخيير بين العود و الاستمرار إن قلنا بوجوب المتابعة حتّى في المقام، و بوجوب الاستمرار إن قلنا بعدم ثبوته، كما هو كذلك.

و توضيح ذلك: إنّا لو سلّمنا هذه المقدّمة و ضممناها مع المقدّمة السابقة و هي حرمة الزيادة، فمقتضى المقدّمتين كما مرّ بطلان الصلاة مطلقا و وجوب الإعادة، إلّا أنّ الإجماع دلّنا على ارتفاع أحد المحذورين و وجوب أحد الأمرين من الاستمرار حتى يلحق الإمام أو العود للّحوق به، و لعدم تعيّنه علينا يحكم بالتخيير.

هذا في غير التقدّم في القيام. و أمّا فيه فالحكم التخيير مطلقا مع قطع النظر عن الإجماع أيضا، لعدم ثبوت البطلان بزيادته، كما يظهر وجهه ممّا ذكر في تحقيق الزيادة المبطلة في محلّه. و لا بهذا القدر من التقدّم فيه، لعدم ذكره في أخبار

______________________________

(1) المبسوط 1: 157.

(2) المبسوط 1: 159.

(3) لا يوجد في كتبه الموجودة بأيدينا، و انظر ما حكاه عنه في الذكرى: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 101

المتابعة، و إنّما هو بالإجماع البسيط أو المركّب، و تحقّقه في المقام غير معلوم، و انتفاء صدق

الاقتداء بمجرّده ممنوع.

و إن لم نسلّم هذه المقدّمة، أي وجوب المتابعة حتّى في هذا الفعل الّذي حصل التقدّم فيه- كما هو كذلك أيضا- فمقتضى المقدّمة الأخرى حرمة العود؛ لاستلزامه الزيادة. و مقتضى حرمة قطع الصلاة إذا كانت مندوحة عنه كما في المقام- لجواز البقاء على الفعل- عدم جوازه، فلم يبق إلّا البقاء على الفعل حتّى يلحق الإمام، فيكون هو الواجب.

و لمّا كان الحقّ عدم ثبوت وجوب المتابعة حتّى في المورد، سيّما مع ما ذكرنا من الإجماع على عدم بطلان الصلاة مطلقا، فيكون الواجب هو الاستمرار مطلقا سواء كان التقدّم في الركوع أو السجود أو في الرفع، و سواء كان عمدا أو سهوا.

و يكون هذا هو الأصل لا يترك إلّا بدليل.

إلّا أنّه قد وردت أيضا في المسألة روايات ستّ:

الأولى: موثّقة ابن فضّال: في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به، فركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام، أ يفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب: «يتمّ صلاته و لا يفسد ما صنع صلاته» «1».

الثانية: صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام، فقال: «يعيد ركوعه معه» «2».

الثالثة: رواية محمّد بن سهل الأشعري أو صحيحته، و هي أيضا نحوها «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 277- 811، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.

(2) التهذيب 3: 277- 810، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.

(3) الفقيه 1: 258- 1172، التهذيب 3: 47- 163، الاستبصار 1: 438- 1688، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 8، ص: 102

الرابعة: صحيحة ربعي و الفضيل: عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد» «1».

و الخامسة: رواية محمّد بن عليّ بن فضّال: أسجد مع الإمام و أرفع رأسي قبله، أعيد؟ قال: «أعد و اسجد» «2».

و السادسة: موثّقة غياث: عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه معه؟ قال: «لا» «3».

دلّت الاولى منها على جواز العود و عدم بطلان الصلاة بهذه الزيادة. و الثانية و الثالثة على رجحانه. و الرابعة و الخامسة على وجوبه.

و لعدم المنافاة بين الجواز و الرجحان و بين الوجوب يحمل الجميع على الوجوب.

و السادسة على عدم وجوب العود بل جواز البقاء و الاستمرار. و أمّا رجحانه أو وجوبه- كما توهّم «4»- فلا، لعدم صراحة: «لا يعود» في الوجوب، بل و لا في الرجحان في المقام، لجواز كون تجوّزه الجواز، حيث إنّ المقام مقام توهّم الوجوب.

ثمَّ إنّ من يرى أنّ المتبادر من الخمسة الأولى صورة النسيان لأنّه الغالب في التقدّم، إذ قلّ من يتقدّم عمدا، و لأنّه مقتضى حمل فعل المسلم على الصحّة، و لأنّه مورد الأولى لأنّ ظنّ تقدّم الإمام أيضا سهو، و لذا استدلّ بها في المنتهى «5» للعود إلى الركوع في صورة النسيان خاصّة، فهي أيضا شاهدة للاختصاص. و مع ذلك يرى الأخيرة غير قابلة لإثبات حكم إمّا لعدم حجّية الموثّق بنفسها أو لضعفها عن مقاومة البواقي لأكثريّتها عددا و أصحّيتها سندا و أصرحيّتها دلالة و أشهريّتها

______________________________

(1) التهذيب 3: 48- 165، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.

(2) التهذيب 3: 280- 824، الوسائل 8: 391

أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 5.

(3) الكافي 3: 384 الصلاة ب 61 ح 14 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 47- 164، الاستبصار 1:

438- 1689، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6.

(4) في الرياض 1: 233.

(5) المنتهى 1: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 103

رواية.

يحكم بوجوب العود في صورة النسيان للروايات، و بوجوب البقاء حتّى يلحق الإمام في العمد، للأصل المتقدّم، كالمشهور.

و هذا هو مستندهم. لا ما قيل لهم من الجمع بين الروايات؛ لأنّه جمع بلا شاهد. و لا أنّ العود في العمد زيادة في الركن بلا عذر، و لا كذلك النسيان لأنّه عذر؛ لأنّ زيادة الركن عندهم مبطلة مطلقا، مع أنّ عدم جواز الزيادة في العمد لا يثبت وجوب الاستمرار، لأنّه إن كان مخالفة للإمام غير مجوّزة فلا يجوز حينئذ أيضا فيجب الحكم ببطلان الصلاة، و إلّا فيجب الحكم بجوازه في السهو أيضا.

و من يرى مع ما ذكر- من ضعف الأخيرة عن مقاومة البواقي- إطلاق البواقي أو عمومها لصورتي العمد و السهو، يحكم بوجوب العود مطلقا، كما عن المقنعة [1].

و من يرى حجّية الموثّق و صلاحيّته- مع ما ذكر من اختصاص الأخبار بصورة النسيان- للقرينة على نفي إرادة الوجوب من سائر الأخبار، سيّما مع عدم دلالة الثلاثة الأولى على الزائد على الجواز أو الرجحان فلا تعارض بينها و بينه، و مع عدم صراحة الباقيتين أيضا فيه لورودهما مورد توهم المنع.

يحكم في صورة العمد بمقتضى الأصل من وجوب الاستمرار، و في السهو باستحباب العود و جواز الاستمرار، كما عن التذكرة و النهاية «1».

و من يرى حجّية الموثّقة و كونها قرينة و إطلاق الروايات، يحكم باستحباب العود مطلقا، كالوافي و المفاتيح و شرحه

«2».

______________________________

[1] لا يوجد في باب جماعة المقنعة، و لكن نقل عنها في المدارك 4: 327 عبارة تدلّ على وجوب العود، و الصحيح أنها من كلام الشيخ (ره) في التهذيب 3: 47 كما نبّه عليه صاحب مفتاح الكرامة 3:

461.

______________________________

(1) التذكرة 1: 185، نهاية الإحكام 2: 136.

(2) الوافي 8: 1255، المفاتيح 1: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 104

و من المتأخّرين من يجعل الموثّق معارضا مع البواقي لا قرينة، و لأجله يحكم بالتخيير في بعض الصور «1»، كما هو الحكم عند التعارض و عدم المرجّح.

هذا على ما ذكرنا من ثبوت الإجماع على عدم البطلان مطلقا أو عدم ثبوت وجوب المتابعة حتّى في المقام.

و من المتأخّرين من لم يثبت عنده الإجماع لتوهّم الخلاف من المبسوط «2»، و ظنّ ثبوت عموم وجوب المتابعة.

فمنهم من عمل بالأخبار في صورة النسيان ظنّا اختصاصها به و حكم بالبطلان أو احتمله في العمد «3».

و منهم من ترك الأخبار للتعارض و استشكل في المسألة، مع احتماله البطلان مطلقا و أمره بالاحتياط «4».

و منهم من ترك الأخبار لما ذكر و لكن سلّم عدم ثبوت وجوب المتابعة في حقّ الناسي، فحكم بالاستمرار له و بالبطلان للعامد. و هو الظاهر من بعض عبارات المحقّق الأردبيلي «5».

هذا كلّه على عدم الفصل بين الهويّ و الرفع، و لا بين الركوع و السجود هويّا أو رفعا.

و من المتأخّرين من فصّل بين الأوّلين أو احتمل الفصل بينهما، فحكم في الثاني بالعود وجوبا أو استحبابا أو مخيّرا- على ما أدّاه إليه نظره من التعارض- مطلقا أو في صورة النسيان، على ما رأى من إطلاق الأخبار أو اختصاصها.

و حكم في الأوّل بالتفصيل بين العمد و النسيان بحمل الرواية الأولى على صورة النسيان،

مع الحكم بالبطلان في العمد لظنّه وجوب المتابعة مطلقا إلّا ما

______________________________

(1) الذخيرة: 398، الكفاية: 31.

(2) راجع ص 100.

(3) كما هو ظاهر الذكرى: 275.

(4) انظر الذخيرة: 398.

(5) انظر مجمع الفائدة 3: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 105

أخرجه الدليل، أو بالاستمرار فيه لعدم ثبوت إطلاق وجوبها. و قد يترك الرواية الأولى لعدم صحتها و يعمل في جميع صور العمد بالبطلان أو الاستمرار «1».

و منهم من احتمل الفصل بين الأخيرين أيضا، فاحتمل اختصاص مقتضى الرواية الأولى بالهويّ إلى الركوع و مقتضى الأخيرة بالرفع منه.

و لذلك حصلت عندهم في المسألة احتمالات غير عديدة و إشكالات، كما يظهر طرف منها من الرجوع إلى المنتهى و المدارك و الذخيرة و شرح الإرشاد للأردبيلي «2» و بعض كتب الشهيدين «3» و غيرها «4». و للناس فيما يعشقون مذاهب.

و التحقيق في المسألة- بعد أن يعلم أوّلا أنّ الحقّ أصالة وجوب الاستمرار لما ذكرنا أوّلا، و أنّه لا فرق بين الركوع و السجود هويّا و لا رفعا لعدم الفرق بينهما قطعا فيتعدّى حكم أحدهما في المقام إلى الآخر بالتنقيح المناط القطعي، مضافا إلى عدم القول بالفصل بينهما جزما، و تشكيك مثل صاحب الذخيرة لا يقدح في ثبوت الإجماع المركّب أصلا، و لكن لم يثبت الإجماع المركب بين الهوي و الرفع كما يظهر من المنتهى و غيره، و أنّ الموثق من الأخبار حجّة كالصحيح يصلح قرينة أو معارضا للبواقي، و أنّ تخصيص الأخبار بالنسيان تخصيص بلا بيان بل المتّجه اتّباع إطلاقها:

أنّ المتقدّم في الرفع سواء كان عمدا أو سهوا يتخيّر بين العود للأخبار الأربعة المتوسّطة، و بين الاستمرار للخبر الأخير بجعله قرينة لعدم إرادة الوجوب منها مع استحبابه سيّما في صورة النسيان لاشتهار

الرجحان.

و كذا المتقدّم في الهوي مع ظنّ تقدّم الإمام، لثبوت جواز الاستمرار بالأصل المذكور، و العود بالرواية الأولى فإنّ مفادها ليس إلّا جواز العود. و يجب

______________________________

(1) انظر الحدائق 11: 142.

(2) المنتهى 1: 379، المدارك 4: 328، الذخيرة: 398، مجمع الفائدة و البرهان 3: 307، 308.

(3) الشهيد الأول في الذكرى: 275، الشهيد الثاني في روض الجنان: 374.

(4) كالحدائق 11: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 106

الاستمرار في سائر صور الهوي، للأصل المذكور، سواء كان من العمد أو النسيان.

و يوافقنا فيما ذكرناه- من العود في الرفع و الاستمرار في الهويّ- الفاضل في المنتهى «1»، إلّا أنّه قوّى ثانيا العود في الهويّ نسيانا للرواية الأخيرة، و خصّصناه بصورة المظنّة، لأنّها يمكن أن تعدّ عمدا و أن تجعل من السهو، فإنّها عمد من وجه و سهو من آخر فتتردّد بينهما. فالحكم بإلحاق جميع أفراد إحدى الصورتين بخصوصها به مشكل، و إلحاق الظانّ مطلقا بالناسي- كما في الدروس و البيان و الروضة «2»- غير واضح الدليل جدّا.

و أمّا المتقدّم في القيام فكما في الرفع يكون مخيّرا بين الأمرين مطلقا، و ظهر وجهه ممّا ذكرنا أوّلا.

ب: لو خالف المتقدّم المذكور وظيفته

فعاد مع وجوب الاستمرار عليه- و هو على ما اخترناه لا يتحقّق إلّا في أكثر صور التقدّم في الهويّ الّذي يجب عليه فيها الاستمرار، لأنّه مخيّر في البواقي- فالوجه بطلان صلاته؛ لزيادته في الصلاة الركن من دون مجوّز. و كذا فيما يجب عليه الاستمرار غير ما ذكرنا على القول به؛ لما ذكر.

أو كان العود واجبا عليه و استمرّ كما في السهو على المشهور؛ لعدم الاعتداد بما فعله أوّلا فيفوت جزء من الصلاة. و دعوى أنّ التدارك لقضاء حقّ المتابعة لا لكونه جزءا من الصلاة

ممنوعة، غايته احتمال الأمرين فلا يعلم امتثال هذا الجزء.

ج: لو تقدّم عن الإمام بتمام فعل أو فعلين ركن أو غيره

، كأن يركع قبل الإمام و يتمّ ركوعه و يرفع رأسه و يهوي للسجود قبل دخول الإمام في الركوع، أو يقوم قبله و يدخل في الركوع قبل قيام الإمام، فحكم في المنتهى بصحّة صلاته و ايتمامه و جعل حكمه حكم المتقدّم في بعض الفعل، و حكى عن الشافعي بطلان

______________________________

(1) المنتهى 1: 379.

(2) الدروس 1: 221، البيان 238، الروضة 1: 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 107

الصلاة بالتقدّم بركنين «1».

و الحقّ وجوب البقاء عليه فيما هو فيه حتّى يلحقه الإمام؛ للأصل المذكور.

إلّا إذا تقدّم بقدر يوجب البقاء عليه محو صورة الصلاة فيبطل ايتمامه. و هل تبطل صلاته حينئذ أم لا؟ فيه تفصيل يذكر.

د: لو تأخّر المأموم سهوا أو عمدا عن الإمام بقدر فعل أو أكثر

، ركن أو غيره، كأن يجلس للتشهّد الأوّل حتّى يدخل الإمام في الركوع أو رفع رأسه أيضا، أو يبقى قائما حتّى يرفع الإمام رأسه من الركوع، أو راكعا حتّى يسجد، أو ساجدا حتّى يتشهّد، صحّت صلاته و اقتداؤه، كما صرّح به الشهيد في الذكرى «2» و المحقّق الثاني في الجعفرية. و ظاهر الأوّل اتّفاقنا عليه. و عن التذكرة «3» التوقّف و إن يظهر منه الميل إلى الصحّة أيضا، و استبعد بعض المتأخّرين في توقّفه.

لنا: ثبوت الصحّة للصلاة و الاقتداء، و الأصل بقاؤهما حتّى جاء المزيل، و هو غير معلوم؛ إذ ليس إلّا تحقّق القدوة، و مثل ذلك التأخّر لا ينافيها؛ أو وجوب عدم التأخّر عنه بركن أو أكثر- كما قيل «4»- و هو ممنوع جدّا، و لو سلّم فيختصّ بصورة العمد و عدم العذر، و لو سلّم فإيجاب تركه لبطلان الصلاة أو القدوة ممنوع، غايته أنّه ترك واجبا و كونه جزءا للصلاة أو القدوة أو شرطا لأحدهما ممنوع غايته؛ أو ارتكب محرّما

هو التأخّر، و إبطاله لأحدهما غير ثابت، لكونه خارجا، و لا يستلزم وقوع فعل من الصلاة منهيّا عنه، لأنّ النهي إنّما تعلّق بالتأخّر و الفعل الموجب له، و أمّا ما بعده ممّا يفعله للالتحاق بالإمام فلا، فلو بقي قائما حتى يرفع الإمام رأسه يكون هذا البقاء أو القيام الزائد منهيا عنه و هو لم يكن مأمورا به، و أمّا الركوع فهو ليس تأخرا بل هو التحاق.

______________________________

(1) المنتهى 1: 379.

(2) الذكرى: 276.

(3) التذكرة 1: 185.

(4) الحدائق 11: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 108

مضافا في صورة السهو إلى صحيحة عبد الرحمن: عن رجل يصلّي مع الإمام يقتدي به، فركع الإمام و سها الرجل و هو خلفه لم يركع حتّى رفع الإمام رأسه و انحطّ للسجود، أ يركع ثمَّ يلحق الإمام و القوم في سجودهم أو كيف يصنع؟

قال: «يركع ثمَّ ينحطّ و يتمّ صلاته معهم، و لا شي ء عليه» «1».

و في صورة الاضطرار إلى صحيحته الأخرى: في رجل صلّى جماعة يوم الجمعة فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة لم يقدر على أن يركع و لا أن يسجد حتّى رفع القوم رؤوسهم، أ يركع ثمَّ يسجد ثمَّ يقوم في الصفّ؟ قال:

«لا بأس» «2».

ثمَّ إنّه هل يجوز التأخّر كذلك عمدا كما هو ظاهر من ذكر، أو لا كما صرّح به بعض مشايخنا الأخباريين و نقله عن المدارك أيضا؟ «3».

الحقّ هو الأوّل؛ للأصل السالم عن المعارض.

احتجّ المخالف بصحيحة معاوية بن وهب «4» المصرّحة بجواز ترك المسبوق القراءة لعدم إمهال الإمام إيّاه حتى يتمّها، و صحيحة زرارة «5» المصرّحة بجواز ترك المسبوق السورة لدرك الإمام.

و يجاب أوّلا: باحتمال عدم وجوب إتمام القراءة و السورة هنا لدرك فضيلة

موافقة الإمام و اختصاص الوجوب بغير هذه الصورة، مع أنّ في وجوب السورة حينئذ مطلقا كلاما يأتي.

______________________________

(1) التهذيب 3: 55- 188، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 1.

(2) الفقيه 1: 270- 1234، التهذيب 3: 161- 347، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1.

(3) اختاره في الحدائق 11: 146، لكنّه لم ينقله عن المدارك و إنا لم نجد القول فيه.

(4) التهذيب 3: 47- 162، التهذيب 3: 274- 797، الاستبصار 1: 438- 1687، الوسائل 8:

388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 5.

(5) الفقيه 1: 356- 1162، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1: 436- 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 109

و ثانيا: بعدم تصريح الروايتين بما لا يدركه المأموم مع الإمام لو أتمّ المأموم القراءة أو السورة، فلعلّ المراد أنّ الإمام يخرج من الصلاة لو قرأ الحمد أو السورة و هو غير المسألة.

نعم، يتّجه تقييد جواز التأخّر بما لم يكن كثيرا كأفعال كثيرة، لاحتمال إخلال ذلك عرفا بصدق الاقتداء. و لذا قيّد فخر المحقّقين في شرح الإرشاد جواز التأخّر حتّى فرغ الإمام عن فعل يصدق معه المتابعة.

و كذا يجب تقييد جواز التأخّر عن الركوع بما إذا أدرك جزءا من الصلاة مع الإمام قبله، و إلّا فلو أدرك الإمام و هو راكع فلا يدرك الركعة إلّا بالركوع معه، كما مرّ في بحث صلاة الجمعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 110

المقام الثاني في آداب صلاة الجماعة، أي مستحبّاتها و مكروهاتها
أمّا المستحبّات فأمور:
منها: أن يقف المأموم عن يمين الإمام محاذيا له أو متأخرا عنه قليلا إن كان رجلا واحدا

و خلفه إن كان اثنين فصاعدا، إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا في أصل رجحانه «1»، فهو الدليل فيه.

مضافا إلى المستفيضة من النصوص، كصحاح زرارة «2»، و محمّد «3» و إبراهيم بن

ميمون «4»، و روايات أبي البختري «5»، و الحسين بن سعيد «6»، و المدائني «7»، و المرويات في العلل «8»، و فقه الرضا «9»، و قرب الإسناد «10»، و المجالس للصدوق «11».

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 554، و التذكرة 1: 171، و الرياض 1: 234.

(2) الكافي 3: 271 الصلاة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 24- 82 الوسائل 8: 286 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.

(3) الفقيه 1: 252- 1139، الوسائل 8: 297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 3.

(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 57 ح 3، الفقيه 1: 257، 1167، التهذيب 3: 268- 767، الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 6.

(5) التهذيب 3: 56- 193، قرب الإسناد: 156- 575، الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 2.

(6) الكافي 3: 387 الصلاة ب 62 ح 10، الوسائل 8: 344 أبواب صلاة الجماعة 24 ح 1.

(7) الفقيه 1: 258- 1174، التهذيب 3: 26- 90، الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 2.

(8) علل الشرائع: 325- 1، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 10.

(9) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 470 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.

(10) قرب الإسناد: 114- 395، الوسائل 8: 344 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 12.

(11) لم نجد الرواية في أمالي الصدوق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 111

و في روايتي المدائني و ابن سعيد: أنّه إذا وقف في اليسار و الإمام علم به في الصلاة يحوّله إلى يمينه.

و على الأظهر الأشهر بل الإجماع المحقّق- لعدم انقداحه بمخالفة من شذّ و ندر- و المحكي عن ظاهر الخلاف

«1» و في صريح المنتهى «2»، في عدم وجوبه.

للإجماع المذكور، و الأصل، و الإطلاقات السالمة عن المعارض رأسا، إذ ليس إلّا ما مرّ من الأخبار، و هي بأسرها خالية عن الدالّ على الوجوب لورودها بنحو الجمل الخبرية الّتي لا تفيد عند المتأمّل أزيد من الرجحان، إلّا واحدة منها «3» آمرة للصبي بالقيام إلى الجنب. و هي غير ناهضة؛ لعدم تعلّق الوجوب بالصبي قطعا.

بل في روايتي المدائني و ابن سعيد دلالة على انتفاء الشرطية قطعا، و إلّا لبطلت صلاة الواقف على اليسار أوّلا و لم يفد التحويل في الأثناء. و به يسهل الأمر على من لا يجري الأصل في الأجزاء و الشروط أيضا، إذ ينتفي الاشتراط بهذه الرواية المنجبرة، و الوجوب التعبدي بالأصل.

مع أنّ في صحيحة الكناني: عن الرجل يقوم في الصفّ وحده، فقال: «لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد» «4» دلالة على نفي الوجوب أيضا. و حملها على ما بعد [من] «5» الصفوف خاصّة- كما في الحدائق «6» لا وجه له، لإطلاقها.

ثمَّ على فرض دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب لا تصلح لإثباته؛ لشذوذه، و مخالفته الشهرة القديمة و عمل أرباب أصولها.

______________________________

(1) الخلاف 1: 554.

(2) المنتهى 1: 376.

(3) و هي صحيحة إبراهيم بن ميمون المذكورة آنفا.

(4) التهذيب 3: 280- 828، علل الشرائع: 361- 1، الوسائل 8: 406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.

(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(6) الحدائق 11: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 112

خلافا للمحكي عن الإسكافي فقال بالوجوب «1»، و قوّاه شيخنا صاحب الحدائق؛ لما مرّ بجوابه.

و لو كان المأموم امرأة وجب تأخّرها إن قلنا بتحريم المحاذاة. و إلّا- كما هو المختار- استحبّ ذلك و إن كانت واحدة؛

لروايتي أبي العباس «2» و ابن بكير «3» و غيرهما من الروايات الغير الدالّة شي ء منها على الوجوب لمكان الخبرية، سوى واحدة آمرة بإقامة الغلمان و لو كانوا عبيدا بين أيديهنّ «4». و عدم وجوب ذلك ظاهر؛ إذ لا صلاة على الصبي. و الوجوب الشرطي أو التخييري ليس بأولى من الاستحباب، فالاستدلال بها على الوجوب غير سديد.

و منها يظهر ضعف الاستدلال بما في صحيحة علي من قيام امرأة بحيال إمام تصلّي عصرها مؤتمّة- إلى أن قال-: «و تعيد المرأة صلاتها» «5». فإنّها ليست صريحة في وجوب الإعادة.

و أضعف منها الاستدلال بصحيحة الفضيل: «المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة و التطوّع و تأتمّ به في الصلاة» «6».

فإنّها لا وجه لدلالتها إلّا بمفهوم اللقب الذي هو من أضعف المفاهيم.

فالقول بالوجوب- كما عن جملة من كتب الفاضلين «7»- ضعيف. مع أنّ في إرادتهما الوجوب نظرا، و لو كانت فلعلّها لقولهما بحرمة المحاذاة. و فتواهما

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 160.

(2) الكافي 3: 376 الصلاة ب 57 ح 1، التهذيب 3: 267- 757 الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5.

(3) التهذيب 3: 31- 112، الاستبصار 1: 426- 1645، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.

(4) الفقيه 1: 259- 1179، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 9.

(5) التهذيب 3: 49- 173، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلّي ب 9 ح 1.

(6) التهذيب 3: 379- 1579، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1.

(7) المعتبر 2: 426، المختصر النافع: 47، نهاية الأحكام 2: 118، المنتهى 1: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 113

بالكراهة في مواضع أخر لا تنافيه، لإمكان تغيّر الرأي.

فلا يكون وجوب التأخّر في الجماعة خاصة قولا. و على هذا فيتمّ المطلوب بالإجماع المركّب، لعدم القول بالفرق بين الجماعة و الانفراد، إلّا أنّ مع احتمال تفرقة الفاضلين يشكل التمسّك بالإجماع المركّب.

ثمَّ إن كانت المرأة واحدة يستحبّ لها مع التأخّر أن تقف على يمين الإمام؛ لصحيحة هشام: «الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه يكون سجودها مع ركبتيه» «1».

و رواية الفضيل: أصلّي المكتوبة بأمّ علي؟ قال: «نعم، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك» «2».

و إن كان المأموم رجلا واحدا مع النساء وقف الرجل عن يمين الإمام و النساء خلفه، كما نصّ به في رواية القاسم بن الوليد «3».

هذا كلّه إذا كان الإمام رجلا. و لو كانت امرأة تؤمّ النساء وقفن معها صفّا واحدا أو أزيد من غير أن تبرز بينهنّ مطلقا، بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها، بل عن المعتبر و المنتهى «4» اتّفاقهم عليه. و هو الحجّة فيه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة «5» الدالّة على الرجحان الغير الناهضة لإثبات الوجوب.

و منها: وقوف الإمام وسط الصفّ،

كما صرّح به الفاضل و الشهيدان «6»؛ لما رواه الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «وسّطوا الإمام و سدّوا الخلل» «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 259- 1178، الوسائل 5: 225 أبواب مكان المصلّي ب 5 ح 9.

(2) التهذيب 3: 267- 758، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.

(3) التهذيب 3: 268- 763، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.

(4) المعتبر 2: 427، المنتهى 1: 377.

(5) الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.

(6) الفاضل في التحرير 1: 52، و الشهيدان في الذكرى: 273، و الروض: 371.

(7) سنن أبي داود 1: 182- 681.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 8، ص: 114

و مثله كاف في مقام المسامحة.

و لا ينافيه المروي في الكافي: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي بقوم و هو إلى زاوية من بيته يقرب الحائط، و كلّهم عن يمينه، و ليس على يساره أحد «1».

لأنّه واقعة في حادثة، فلعلّه لمانع من التوسيط كما في الذكرى «2».

و منها: أن يكون في الصفّ الأوّل أهل الفضل

أعني من له مزيّة و كمال من علم أو عقل أو عمل؛ لحكاية الاتّفاق عليه «3»، و لرواية جابر: «ليكن الّذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم و النّهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه، و أفضل الصفوف أوّلها، و أفضل أوّلها، ما دنا من الإمام» «4».

و النبوي العامي: «ليليني أولوا الأحلام ثمَّ الّذين يلونهم ثمَّ الّذين يلونهم ثمَّ الصبيان ثمَّ النساء» «5».

ثمَّ إنّ هذا الحكم إنّما هو لكلّ أهل الفضل من المأمومين و من دونهم، فيستحبّ للأوّلين المبادرة إلى الصفّ الأوّل و للآخرين تمكينهم منه. إلّا أنّه لمّا دلّ ذيل الرواية الأولى على أفضليّة أوّل الصفوف مطلقا، و كذا ما رواه الصدوق من أنّ: «الصلاة في الصفّ الأوّل كالجهاد في سبيل اللّه» «6» يتعارض المستحبّان في حقّ غير اولي الفضل، إذ المستفاد من صدر الرواية و ما بمعناها استحباب تمكينهم لأهل الفضل في الصف الأوّل، و من ذيلها و ما بمعناها استحباب الاندراج في الصفّ الأوّل لكلّ أحد، إذ لا شكّ أنّ ما ذكر من فضيلة الصفّ الأوّل لا يختصّ

______________________________

(1) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 8، الوسائل 8: 342 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 6.

(2) الذكرى: 273.

(3) كما في الذخيرة: 395.

(4) الكافي 3: 372 الصلاة ب 54 ح 7، التهذيب 3: 265- 751، الوسائل 8: 305 أبواب صلاة الجماعة ب

7 ح 2.

(5) صحيح مسلم 1: 323- 123- 432 (بتفاوت).

(6) الفقيه 1: 252- 1140، الوسائل 8: 307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 115

بأولى الفضل. فالظاهر أنّ هاهنا مستحبّين لا يمكن جمعهما لما دون أهل الفضل في جميع الأوقات، و إذ لم يثبت ترجيح لأحدهما فلهم اختيار أيّ منهما أرادوا.

و في الذكرى: و ليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأوّل؛ لما روي من أنّ: «الرحمة تنتقل من الإمام إليهم، ثمَّ إلى يسار الصفّ، ثمَّ إلى الثاني» «1».

و لا يخفى أنّه لا دلالة له على تخصيص الميامن بالأفضل. و رجحان الأفضل للأفضل معارض بأنّ الأفضل له الفضيلة، فيرجّح ازدياد فضل لمن ليس له ذلك.

نعم يدلّ على أفضلية ميامن الصفّ الأوّل. و هو كذلك. و تدل عليها أيضا رواية سهل: «فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد» «2».

و يظهر من ذلك و من قوله في ذيل الرواية: «إنّ أفضل أوّلها ما دنا من الإمام» أنّ أفضل الميامن ما قرب من الإمام.

و يظهر منهما أيضا تعارض الفضيلتين في أواخر الميامن و أوائل المياسر، فللاولى فضل الميمنة و للثانية فضل القرب من الإمام.

ثمَّ إنّ ما ذكر من أفضلية الصفّ الأوّل إنّما هو في غير صلاة الجنازة، و أمّا فيها فأفضل الصفوف آخرها كما نسب إلى الأصحاب جملة «3»، و دلّت عليه المعتبرة المستفيضة «4»، و بها تقيّد الإطلاقات المتقدّمة.

و منها: إقامة الصفوف و اعتدالها و سدّ الفرج الواقعة فيها

؛ لاستفاضة النصوص العاميّة و الخاصيّة.

فمن الاولى: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسوّي صفوفنا كأنّما يسوّي القداح «5».

______________________________

(1) الذكرى: 273.

(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 54 ح 8، الوسائل 8: 307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.

(3)

الرياض 1: 235، و فيه: و ربما عزي إلى الأصحاب جملة، و لا بأس به.

(4) الوسائل 3: 121 أبواب صلاة الجنائز ب 29.

(5) صحيح مسلم 1: 324- 128، سنن أبي داود 1: 178- 663، سنن النسائي 2: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 116

و قال: «أقيموا صفوفكم» «1».

و قال: «سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصفوف من تمام الصلاة» «2».

و كان يمسح مناكبهم في الصلاة و يقول: «استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» «3».

و من الثانية: صحيحة محمّد: «أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من قدّامي و من بين يديّ» «4».

و المروي في التهذيب: «سوّوا بين صفوفكم و حاذوا بين مناكبكم لئلّا يكون فيكم خلل» «5».

و في بصائر الصفّار: «لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ اللّه بين قلوبكم» «6».

و فيه أيضا: «أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا» «7».

و فيه أيضا: «سوّوا صفوفكم و حاذوا بين مناكبكم» [1]. إلى غير ذلك.

و منها: تقارب الصفوف بعضها من بعض

بأن لا يزيد ما بينها على مقدار مسقط جسد الإنسان؛ لرواية الدعائم المتقدّمة في مسألة تباعد المأموم و الإمام «8».

و منها: أن يمجّد اللّه المأموم بالتسبيح و نحوه إذا فرغ من قراءته قبل الإمام
اشارة

فيما تجوز فيه القراءة من خلف الإمام الغير المرضي أو المرضي، أو يمسك آية

______________________________

[1] لم نجده في البصائر، و لكنه موجود في دعائم الإسلام 1: 155. و فيه: «صلوا» بدل «سوّوا»، راجع مستدرك الوسائل 6: 506 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.

______________________________

(1) سنن أبي داود 1: 178- 662.

(2) صحيح مسلم 1: 324- 124، سنن أبي داود 1: 179- 668.

(3) صحيح مسلم 1: 323- 122.

(4) الفقيه 1: 252- 1139، الوسائل 8: 423 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 5.

(5) التهذيب 3: 283- 839، الوسائل 8: 423 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 4، بتفاوت يسير.

(6) بصائر الدرجات: 419- 2 و 3، الوسائل 8: 424 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 8.

(7) بصائر الدرجات: 420- 5، الوسائل 8: 224 أبواب صلاة الجماعة ب 7 ح 9.

(8) راجع ص 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 117

و يمجّد اللّه و يثني عليه حتّى إذا فرغ الإمام قرأها و ركع معه.

و تدلّ على الأوّل رواية عمر بن أبي شعبة: أكون مع الإمام و أفرغ قبل قراءته، قال: «فأتمّ السورة و مجّد اللّه و أثن عليه حتّى يفرغ» «1».

و على الثاني: موثّقة زرارة: عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: «فأمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه فاقرأ الآية و اركع» «2».

و الأمر فيهما و إن دلّ على الوجوب إلّا أنّه حمل على الاستحباب للإجماع على عدم الوجوب.

و منها: أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف من خلفه

، إجماعا نصّا و فتوى كما قيل «3»؛ له و للأخبار المستفيضة.

منها: رواية ابن عمّار: «ينبغي للإمام أن تكون صلاته على أضعف من خلفه» «4».

و المروي في النهج في عهده للأشتر: «و إذا قمت في صلاتك

فلا تكن منفّرا و لا مضيّعا، فإنّ في الناس من به العلّة و له الحاجة» «5».

و الرضوي: «و إذا صلّيت فخفّف بهم الصلاة» «6».

و لو أحسّ بشغل لبعض المأمومين استحبّ التخفيف أزيد من ذلك، كما يستفاد من صحيحة ابن سنان «7» الواردة في صلاة النبي و سماعه صراخ الصبي،

______________________________

(1) التهذيب 3: 38- 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.

(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 1 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 38- 135، المحاسن:

326- 73، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.

(3) الحدائق 11: 173.

(4) الفقيه 1: 255- 1152 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 274- 795، الوسائل 8: 420 أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 3.

(5) نهج البلاغة 3: 114 (شرح محمد عبده).

(6) فقه الرضا عليه السلام: 143، و 144، مستدرك الوسائل 6: 502 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.

(7) التهذيب 3: 274- 796. الوسائل 8: 419 أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 118

سيّما بزيادة ما في حديث آخر في عدّة الداعي حيث قال صلّى اللّه عليه و آله:

«خشيت أن يشتغل به خاطر أبيه» «1».

و لا شك في بقاء الاستحباب ما لم يعلم حبّ التطويل من جميع المأمومين.

و أمّا إذا علمه فاستثناه بعض الأصحاب «2» نظرا إلى أنّ الظاهر من الأخبار مراعاة حالهم لأغراضهم و حوائجهم و أمراضهم. و لا بأس به، إلّا أنّ ظاهر بعض الأخبار الإطلاق.

و منها: أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم حتّى يتمّ من خلفه صلاته

من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافرا، كما في صحيحة إسماعيل: «لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّى حتّى يقضي من خلفه كلّ ما فاته من الصلاة» «3».

[و صحيحة الحلبي] «4»: «لا

ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلّم حتّى يتمّ من خلفه الصلاة» «5» الحديث.

و البختري: «ينبغي للإمام أن يجلس حتّى يتمّ من خلفه صلاتهم» «6».

و موثّقة سماعة: ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلّم أحدا حتّى يرى أنّ من خلفه قد أتمّوا صلاتهم» «7».

و مقتضى الأخيرة استحباب عدم التكلّم أيضا.

و صحيحة أبي بصير: «أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم و لا يخرج من ذلك الموضع حتّى يتمّ الّذين خلفه الّذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كلّ

______________________________

(1) عدة الداعي: 79، المستدرك 6: 503 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 4.

(2) كالشهيد في البيان: 240.

(3) التهذيب 3: 49- 169، الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 4.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح المتن.

(5) الكافي 3: 341 الصلاة ب 1 ح 1، التهذيب 2: 103- 386، الوسائل 6: 433 أبواب التعقيب ب 2 ح 2.

(6) الفقيه 1: 260- 1189، الوسائل 6: 433 أبواب التعقيب ب 2 ح 1.

(7) التهذيب 2: 104- 390، الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 119

إمام واجب إذا علم أنّ فيهم مسبوقا، فإن علم أنّه ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء» «1».

و مقتضى ذلك و إن كان الوجوب، إلّا أنّه حمل على الاستحباب؛ للإجماع على عدم وجوب الجلوس في مورد الرواية الذي هو المسبوق و إن قيل في الإمام المسافر كما يأتي، و لموثّقة الساباطي: عن الرجل يصلّي بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما قد صلّى ركعة أو أكثر من ذلك، فإذا فرغ من صلاته و سلّم أ يجوز له و هو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل

في صلاته؟ قال: «نعم» «2».

خلافا للمحكي عن السيّد و الإسكافي «3»، فأوجبا انتظار الإمام المسافر لتمام صلاة الحاضرين. و لم ينقل لهما مستند سوى الصحيحة، و هي- كما عرفت- مخصوصة بالمسبوق و معارضة مع الموثّق.

و منها: أن يسمع الإمام من خلفه مطلق القراءة و الأذكار الّتي يجوز الإجهار فيها

ما لم يبلغ العلوّ المفرط، و عدم إسماع من خلفه له شيئا؛ لصحيحة أبي بصير:

«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا ممّا يقول» «4».

و يتأكّد الاستحباب في التشهد؛ لصحيحة البختري: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهّد و لا يسمعونه هم شيئا» «5».

و في صحيحة أبي بصير: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتى أسمعنا، فلمّا انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن

______________________________

(1) الكافي 3: 341 الصلاة ب 1 ح 2، التهذيب 2: 103- 387. الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 3: 273- 790، الوسائل 6: 435 أبواب التعقيب ب 2 ح 7.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 39، و حكاه عن الإسكافي في الروض: 374.

(4) التهذيب 3: 49- 170، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(5) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 5، الفقيه 1: 260- 1189، التهذيب 3: 102- 384 (بتفاوت يسير)، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 120

يسمع تشهّده من خلفه؟ قال: «نعم» «1».

و إنّما قيّدنا بما يجوز فيه الإجهار، لخروج ما لا يجوز فيه الجهر- و هو القراءة في أوليي الظهرين- بما دلّ على إخفات الإمام فيها من الأخبار المتقدّمة في المسائل المتقدّمة في قراءة المأموم، الدالّة على

أنّ الإمام أيضا يخافت في القراءة، سيّما صحيحة [ابن] يقطين المتضمّنة لقوله: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام و صحيحة سليمان بن خالد المذكورة بعدها «2».

و بما لم يبلغ العلوّ المفرط، لأنّه قد يخرج المصلّي عن كونه مصلّيا، و لعدم معهوديّة مثله عن أحد من السلف و الخلف حتى الحجج عليهم السلام.

و أمّا في الركعتين الأخيرتين فلعدم ثبوت وجوب الإخفات فيهما، فلا بأس بالقول باستحباب جهر الإمام فيهما؛ لعموم صحيحة أبي بصير. و لأجل ذلك أفتى بعضهم باستحبابه أيضا، حيث إنّه لا يرى وجوب الإخفات فيهما مطلقا، لا أنّه يوجبه فيهما في غير الإمام و لا يوجبه في الإمام.

و منها: إنّه إذا أحسّ الإمام بدخول أحد في ركوعه يطيل ركوعه بقدري ما كان يركع

انتظارا للداخلين ثمَّ يرفع و إن أحسّ بداخل؛ لروايتي الجعفي «3»، و مروك «4».

و منها: أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من قراءته الفاتحة: الحمد للّه ربّ العالمين

؛ لصحيحة جميل «5»، و غيرها المروي في المجمع «6» و غيره.

______________________________

(1) التهذيب 2: 102- 382، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.

(2) راجع ص 86.

(3) التهذيب 3: 48- 167، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.

(4) الكافي 3: 330 الصلاة ب 26 ح 6، الفقيه 1: 255- 1151، الوسائل 8: 395 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 2.

(5) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 5، التهذيب 2: 74- 275، الاستبصار 1: 318- 1185، الوسائل 6: 367 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 1.

(6) مجمع البيان 1: 31، الوسائل 6: 368 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 121

و منها: أن يكون قيام المأمومين عند قول المؤذّن: قد قامت الصلاة؛

لتصريح روايتي الحنّاط «1» و معاوية بن شريح «2» بذلك من غير معارض، مضافا إلى حكاية الإجماع عن الخلاف في أواسط كتاب الصلاة «3».

و عن المبسوط و الخلاف «4» استحباب قيامهم عند فراغ المؤذّن عن الأذان، و عن بعض آخر عند قول المقيم: حيّ على الصلاة «5»، لوجوه اعتبارية غير صالحة للاستناد.

و أمّا مكروهاتها، فهي أيضا أمور:
منها: أن يقف المأموم وحده في صفّ

، إلّا أن تمتلئ الصفوف فلا يجد موضعا يدخل فيه فإنّه يقف في صفّ وحده من غير كراهة، بالإجماع كما في المنتهى و المدارك «6»؛ له، و لرواية السكوني: «لا تكوننّ في العثكل» قلت: و ما العثكل؟

قال: «أن تصلّي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن الدخول في الصفّ قام حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصفّ فسدت عليه صلاته» [1].

و هي دلّت على الحكمين. و نحوها في الدعائم إلى قوله: «وحدك» «7».

______________________________

[1] التهذيب 3: 282- 838، الوسائل 8: 407 أبواب صلاة الجماعة ب 58 ح 1، و في التهذيب:

العيكل. و قال العلّامة المجلسي- رحمه اللّه- في البحار 85: 117: لم أر العيكل بهذا المعنى في كتب اللغة .. و في بعض النسخ بالثاء المثلثة، و هو أيضا كذلك ليس له معنى مناسب، و لا يبعد أن يكون «الفسكل» بالفاء و السين المهملة، و هو بالضم و الكسر: الفرس الذي يجي ء في الحلبة آخر الخيل. انتهى. انظر النهاية 3: 446 و الصحاح 5: 1790.

______________________________

(1) الفقيه 1: 252- 1137، التهذيب 2: 285- 1143، الوسائل 8: 379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1.

(2) التهذيب 3: 42- 146، الوسائل 8: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.

(3) الخلاف 1: 317.

(4) المبسوط 1: 157، و الخلاف 1: 564.

(5) نقله عنه في المختلف: 160.

(6) المنتهى 1: 377،

المدارك 4: 345.

(7) الدعائم 1: 155، مستدرك الوسائل 6: 498 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 122

مضافا في الثاني إلى المروي في الدعائم: عن رجل دخل مع القوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصفّ غيره و الصفّ الذي بين يديه متضايق، قال: «إذا كان كذلك صلّى وحده فهو معهم» و قال: «قم في الصفّ ما استطعت و إذا ضاق المكان فتقدّم أو تأخّر فلا بأس» «1».

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة الأعرج «2» و موثقته «3»، و لا يخفى أنّهما لا تدلّان إلّا على الجواز الغير المنافي للكراهة.

خلافا في الأوّل للمحكي عن الإسكافي، فحرّم القيام وحده مع وجود موضع في الصفّ «4»؛ لظاهر رواية السكوني.

إلّا أنّ اتّفاق الأصحاب على عدم وجوبه ضعّفها بالشذوذ المخرج لها عن صلاحيّة إثبات الوجوب، سيّما مع معارضتها لعموم صحيحة الكناني: عن الرجل يقوم في الصفّ وحده، فقال: «لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد» «5».

ثمَّ إذا لم يجد موضعا و قام وحده قام حذاء الإمام، كما في الرواية و موثّقة الأعرج. و المراد به أن يكون موقفه بعد الصفوف محاذيا لموقف الإمام.

و منها: التنفّل بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة؛ لصحيحة عمر بن يزيد: عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة» فقال له: إنّ الناس مختلفون في الإقامة، قال: «المقيم الذي تصلّي معه» «6».

______________________________

(1) الدعائم 1: 156، مستدرك الوسائل 6: 497 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 و 3.

(2) التهذيب 3: 51- 179، الوسائل 8: 405 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 1.

(3) الكافي 3:

385 الصلاة ب 62 ح 3، التهذيب 3: 272- 786، الوسائل 8: 406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 3.

(4) نقل عنه الشهيد في الذكرى: 274.

(5) التهذيب 3: 280- 828، علل الشرائع 361- 1 (بتفاوت يسير). الوسائل 8: 406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.

(6) الفقيه 1: 252- 1136، التهذيب 3: 283- 841. الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 123

كذا ذكروه. و لا يخفى أنّ مقتضى الرواية الكراهة حين الشروع في الإقامة لا قوله: «قد قامت الصلاة» و كذا ظاهرها كراهة التنفّل في ذلك الوقت مطلقا و ظاهر كثير من الأصحاب كراهة الابتداء به، و اتّباع الرواية الصحيحة أولى، فيكره مطلق التنفّل عند الشروع في الإقامة بمعنى المرجوحية الإضافية و أقليّة الثواب، فلا تنافيها حرمة قطع النافلة أو كراهتها.

و قد حرّم التنفّل في الوقت المذكور الشيخ في النهاية و ابن حمزة على ما حكي عنهما «1». و لا مستند لهما، إذ الصحيحة لا تفيد أزيد من الكراهة.

و منها: أن يخصّ الإمام نفسه بالدعاء

؛ لمرسلة الفقيه «2».

قيل: الظاهر تخصيص الحكم بالدعاء الذي يخترعه الإمام من نفسه، أمّا لو قرأ بعض الأدعية المأثورة عن الأئمة فيأتي بالكيفية الواردة. و فيه تأمّل.

و منها: التكلّم بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة

، فإنّه و إن كره في غير الجماعة أيضا إلّا أنّه فيها آكد؛ لصحيحة ابن أبي عمير: عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: «نعم، فإذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان» «3».

و زرارة: «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام و أهل المسجد إلّا في تقديم إمام» «4».

و ظاهرهما و إن كان التحريم إلّا أنّه حمل على الكراهة؛ للإجماع على عدم الحرمة، و للجمع بينهما و بين صحيحة حمّاد: عن الرجل أ يتكلّم بعد ما يقيم

______________________________

(1) النهاية: 119، الوسيلة: 106.

(2) الفقيه 1: 260- 1186، الوسائل 7: 106 أبواب الدعاء ب 40 ح 2.

(3) التهذيب 2: 55- 189، الاستبصار 1: 301- 116، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 7.

(4) الفقيه 1: 252- 1138، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 124

الصلاة؟ قال: «نعم» «1».

و منها: أن يأتمّ المسافر للحاضر أو الحاضر للمسافر
اشارة

، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «2». بل عن المعتبر و المنتهى بل جملة من كتب الفاضل «3»، و صريح بعض المتأخّرين: الإجماع عليه.

أمّا الجواز فللأصل، و ظاهر الإجماع و العمومات.

و أمّا المستفيضة المبيّنة لكيفيّة صلاة المسافر المقتدي بالحاضر، كصحيحة الحلبي: في المسافر يصلّي خلف المقيم، قال: «يصلّي ركعتين و يمضي حيث شاء» «4». و نحوها صحيحة حمّاد «5».

و موثّقة عمر بن يزيد: عن المسافر يصلّى مع الإمام فيدرك من الصلاة ركعتين أ يجزي ذلك عنه؟ قال: «نعم» «6».

و رواية محمّد بن علي: عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة

مع المقيمين، قال: «فليصلّ صلاته ثمَّ يسلّم و ليجعل الأخريين سبحة» «7».

و صحيحة محمّد: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، فإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر و الأخريين العصر» «8» إلى

______________________________

(1) التهذيب 2: 54- 187، الاستبصار 1: 301- 1114، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 9.

(2) المدارك 4: 364.

(3) المعتبر 2: 441، المنتهى 1: 373، التذكرة 1: 179، نهاية الإحكام 2: 151.

(4) الكافي 3: 439 الصلاة ب 86 ح 1، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.

(5) التهذيب 3: 165- 357 و 227- 576، الاستبصار 1: 425- 1641، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.

(6) الكافي 3: 439 الصلاة ب 86 ح 2، التهذيب 3: 165- 359، الوسائل 8: 331 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 7.

(7) التهذيب 3: 165- 356 و 227- 575، الاستبصار 1: 425- 1640، الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 5.

(8) الفقيه 1: 287- 1308، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 125

غير ذلك.

فغير جيّد؛ لأنّ هذه الروايات منساقة لبيان حكم آخر غير الجواز، و هو كيفيّة اقتداء المسافر بالحاضر و بالعكس لو اتّفق، ردّا على جماعة من العامّة القائلين بأنّه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام «1»، فليست صريحة الدلالة على الجواز. نعم تصلح للتأييد في تجويز إمامة الحاضر للمسافر بل في تجويز عكسه أيضا بضميمة عدم القول بالفرق.

إلّا أنّه يمكن أن يقال بمنع ظهور الروايات في السؤال عن كيفية الاقتداء خاصّة، بل الظاهر: السؤال عن مطلق ما يلزم المسافر المصلّي خلف

الحاضر الشامل للإجزاء و الكيفية، و مقتضى ترك الاستفصال عموم الحكم الذي ذكره المستلزم للجواز و الصحة، فيتمّ الاستدلال بالروايات أيضا.

و أمّا الكراهة فللشهرة الكافية في مقام التسامح، و صحيحة أبي بصير: «لا يصلّي المسافر مع المقيم، فإن صلّى فلينصرف في الركعتين» «2».

و موثّقة البقباق: «لا يؤمّ الحضري المسافر و لا المسافر الحضري، فإذا ابتلى بشي ء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم، فإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور» «3» إلى آخر ما في صحيحة محمّد.

و الرضوي: «اعلم أنّ المقصّر لا يجوز له أن يصلّي خلف المتمّم، و لا يصلّي المتمّم خلف المقصّر، فإن ابتليت بقوم لم تجد بدّا من أن تصلّي معهم فصلّ ركعتين و سلّم و امض لحاجتك» «4».

______________________________

(1) المغني 2: 130.

(2) التهذيب 3: 165- 358، الاستبصار 1: 426- 1642، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 3.

(3) التهذيب 3: 164- 355 و 226- 574، الاستبصار 1: 426- 1643، الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 163، مستدرك الوسائل 6: 466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 126

خلافا في الأوّل للمحكي عن عليّ بن بابويه، فلم يجوّز إمامة المتمّم للمقصّر و لا عكسه «1»، و نسب إلى المقنعة موافقته له فيهما أيضا «2». و عن ولده فلم يجوّز الأصل في المقنع «3»؛ للروايات الثلاث الأخيرة التي هي أخصّ من العمومات السالفة، بل من الروايات المذكورة، لاختصاص المنع فيها بحال عدم الضرورة كما يدلّ عليه ذيل الموثّقة و الرضوي.

و يردّ: بعدم حجّيتها؛ لشذوذها، و معارضتها مع ظواهر الروايات المتقدّمة عليها.

مضافا إلى تضمّن الاولى للجملة الخبرية الغير الصريحة في الإيجاب، و احتمال الثانية لها أيضا المانع عن الاستدلال بها للوجوب، و ضعف الثالثة بنفسها.

و لظاهر المختلف و النافع و جماعة «4»، و صريح الديلمي «5» في الثاني، فخصّوا الكراهة باقتداء الحاضر بالمسافر؛ للأصل، و بعض الوجوه الاعتبارية، المندفعين بالإجماعات المنقولة و الشهرة المحقّقة و الأخبار الثلاثة المصرّحة. و لضعف روايات المنع، المردود بعدم ضيره في مقام الكراهة، مع أنّ منها الصحيحة و الموثقة اللتين هما بنفسهما حجّة سيّما مع اعتضادهما بالشهرة.

فرع: ظاهر عبارات كثير من الأصحاب كراهة الائتمام المذكور مطلقا

مقصورة كانت الفريضة أم لا؛ لإطلاقات الروايات المتقدّمة.

و عن السيّد و الحلّي و المعتبر و جملة من كتب الفاضل و البيان «6»، بل هو

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 155.

(2) لم نجده في المقنعة، بل نقل في الحدائق 11: 154 عن المفيد كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر و عكسه.

(3) لم نجده في المقنع، و لكن نقله عنه في المختلف 1: 155.

(4) المختلف: 155، و المختصر النافع: 48، و انظر المبسوط 1: 154، و الوسيلة: 105، و المهذب 1: 80.

(5) المراسم: 86.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 1): 39، السرائر 1: 281، المعتبر 2: 442، نهاية الاحكام 2: 151، التحرير 1: 53، و المنتهى 1: 373، البيان: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 127

المشهور- كما قيل «1»- اختصاص الكراهة بالفريضة المقصورة.

و هو الأقوى؛ للأصل، و عدم ظهور الروايات في الإطلاق لاختصاص حكم أذيالها في المقصورة، فلا بدّ إمّا من ارتكاب التخصيص في الصدر أو في موضوع الذيل و هو المستتر في قوله: «فإنّ صلّى» في الاولى، و في: «فإن ابتلى» في الثانية، و في: «إن ابتليت» في الثالثة. و ليس الثاني أولى من الأوّل فلا

يعلم الإطلاق.

و منه يظهر أنّه تدخل في غير المقصورة: الرباعية الّتي يتمّها في أحد المواطن الأربعة كما صرّح به في التذكرة «2».

و منها: أن يكون الإمام متيمّما إذا كان المأمومون متوضّئين أو غاسلين

، على المشهور المنصور؛ لرواية عبّاد: «لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين» «3».

و السكوني: «لا يؤمّ صاحب التيمم المتوضّئين» «4».

و قصورهما عن إفادة الحرمة أوجب القول بالكراهة. مضافا إلى صحيحة جميل «5»، و موثّقة ابن بكير «6»، و حسنته «7»، و رواية أبي أسامة «8»، المجوّزة لها أو

______________________________

(1) البحار 85: 56.

(2) التذكرة 1: 179.

(3) التهذيب 3: 166- 361، الاستبصار 1: 424- 1634، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6.

(4) التهذيب 3: 166- 362، الاستبصار 1: 424- 1135، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5.

(5) التهذيب 3: 167- 365، الاستبصار 1: 425- 1638، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1.

(6) التهذيب 3: 167- 364، الاستبصار 1: 424- 1637، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 2.

(7) التهذيب 3: 167- 366، الاستبصار 1: 425- 1639، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 3.

(8) التهذيب 3: 167- 363، الاستبصار 1: 424- 1636، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 128

النافية للبأس عنها.

خلافا للمحكي عن ظاهر السيّد فحرمها «1». و هو شاذّ مردود بما مرّ.

و لبعض متأخّري المتأخّرين فنفى الكراهة «2»؛ لضعف الروايتين الأوليين سندا، و نفي الكراهة في معارضاتها مع رجحانها عليهما بالأكثريّة و الأصحّية و المخالفة للعامة.

و يردّ الأوّل: بأنّ المقام يتحمّل المسامحة.

و الثاني: بمنع نفي المعارضات الكراهة بل غايته إثبات الجواز، و نفي البأس ليس إلّا نفي العذاب.

و منها: أن يكون الإمام مملوكا

؛ لرواية السكوني: «لا يؤمّ العبد إلّا أهله» «3» القاصرة عن إفادة الحرمة المعارضة مع ما صرّح بالجواز كصحيحتي زرارة «4»، و محمّد «5»، و موثقة سماعة

«6»، و المروي في قرب الإسناد «7».

فالقول بها مطلقا كما عن ابن حمزة «8»، أو إلّا لأهله كما عن المقنع «9»، أو إلّا لمواليه كما عن المبسوط و النهاية «10»، ضعيف.

______________________________

(1) الجمل و العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 39.

(2) الحدائق 11: 227.

(3) التهذيب 3: 29- 102، الاستبصار 1: 423- 1631، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 4.

(4) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.

(5) التهذيب 3: 29- 99، 100، الاستبصار 1: 423- 1628، 1629، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.

(6) التهذيب 3: 29- 101، الاستبصار 1: 423- 1630، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 3.

(7) قرب الإسناد: 156- 575، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 5.

(8) نقل عنه في الحدائق 11: 227.

(9) المقنع: 35.

(10) المبسوط 1: 155. النهاية: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 129

نعم مفهوم بعض الصحاح المذكورة ثبوت البأس إذا كان في المأمومين من هو أفقه منه، و لكن لا قائل بالحرمة حينئذ، فيحمل على الكراهة.

و مقتضى الرواية المذكورة اختصاص الكراهة بالإمامة لغير أهله، فالتخصيص بها أولى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 130

الفصل الرابع: في سائر أحكام صلاة الجماعة و فيه مسائل:
المسألة الأولى: لو علم المأموم كفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو كونه على غير القبلة أو إخلاله بالنيّة بعد الصلاة لم يعدها مطلقا
اشارة

، على الأقوى الأشهر، بل وفاقا لغير من شذّ و ندر، بل بالإجماع في الأوّل كما عن الخلاف «1».

و تدلّ على الجميع: أصالة براءة الذمّة عن الإعادة، لحصول الامتثال المقتضي للإجزاء.

و على الأوّل صريحا و الثاني فحوى بل إجماعا مركّبا: مرسلة ابن أبي عمير:

في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال:

«لا يعيدون» «2».

و المروي في الفقيه عن كتاب القندي و نوادر ابن أبي عمير: في رجل صلّى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتّى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني، قال: «ليس عليهم إعادة» «3».

و على الثالث: صحيحة محمّد: عن رجل أمّ قوما و هو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلّوا، قال: «يعيد هو و لا يعيدون» «4».

و الأخرى: عن الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي

______________________________

(1) الخلاف 1: 551.

(2) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 4. التهذيب 3: 40- 141، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.

(3) الفقيه 1: 263- 1200، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 2.

(4) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 1، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 131

صلاته، فقال: «يعيد و لا يعيد من خلفه و إن أعلمهم أنّه كان على غير طهر» «1».

و رواية ابن أبي يعفور: عن رجل أمّ قوما و هو على غير وضوء، قال: «ليس عليهم إعادة، و عليه هو أن يعيد» «2».

و صحيحة زرارة: سألته عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو غير طاهر، أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: «لا إعادة عليهم، تمّت صلاتهم، و عليه هو الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع» «3».

و الحلبي: «من صلّى بقوم و هو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، و ليس عليهم أن يعيدوا، و ليس عليه أن يعلمهم و لو كان ذلك عليه لهلك» قال، قلت:

كيف يصنع بمن خرج إلى خراسان؟ و كيف يصنع بمن لا يعرف؟

قال: «هذا عنه موضوع» «4».

و موثقة ابن بكير: عن رجل أمّنا في السفر و هو جنب و قد علم و نحن لا نعلم، قال: «لا بأس» «5».

و على الرابع: صحيحة الحلبي: في الأعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة، قال: «يصيد و لا يعيدون فإنّهم قد تحرّوا» «6».

و صحيحة الحلبي: عن رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنّه صلّى بهم إلى غير

______________________________

(1) التهذيب 3: 39- 137، الاستبصار 1: 432- 1668، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 4.

(2) التهذيب 3: 39- 138، الاستبصار 1: 432- 1669، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 7.

(3) التهذيب 3: 39- 139، الاستبصار 1: 432- 1670، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.

(4) الفقيه 1: 262- 1197، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 1.

(5) التهذيب 3: 39- 136 الاستبصار 1: 432- 1667، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 8.

(6) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، التهذيب 3: 269- 771، الوسائل 8: 339 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 132

القبلة، فقال: «ليس عليهم إعادة شي ء» «1» و غير ذلك.

و على الخامس: صحيحة زرارة: رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، فأحدث إمامهم، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم، أ تجزيهم صلاتهم بصلاته و هو لا ينويها صلاة؟ فقال: «لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم- إلى أن قال-: قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها» «2».

خلافا للمحكي عن السيّد في المصباح في الأوّلين دون الثانيين «3»، بل صرّح فيه بعدم الإعادة

في الثالث، فنسبة الخلاف فيه أيضا إليه سهو.

و عن الإسكافي في الأوّلين مطلقا و في الثالث إن علم في الوقت «4».

لفوات الشرط الذي هو أهليّة الإمام، و للنهي عن الصلاة خلف الكافر و الفاسق.

و هما ممنوعان؛ لأنّ الشرط هو الأهليّة بحسب علم المأمومين أو ظنّهم لاستحالة التكليف بالواقع، و لأنّ النهي إنّما هو عن الصلاة خلف من يعلم كفره أو فسقه.

و لخبر العرزمي: «صلّى عليّ عليه السلام بالناس على غير طهر و كانت الظهر، ثمَّ دخل فخرج مناديه: أنّ أمير المؤمنين صلّى على غير طهر فأعيدوا» «5».

و المروي في نوادر الراوندي: «من صلّى بالناس و هو جنب أعاد هو و أعاد الناس» «6».

______________________________

(1) التهذيب 3: 40- 142، الوسائل 8: 375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1.

(2) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 8، الفقيه 1: 262- 1195، الوسائل 8: 376 أبواب صلاة الجماعة ب 39 ح 1.

(3) حكاه عنه في المختلف: 156.

(4) حكاه عنه في المختلف: 156.

(5) التهذيب 3: 40- 140، الاستبصار 1: 433- 1671، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9.

(6) بحار الأنوار 85: 67- 19، و لم نجده في النوادر المطبوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 133

و خبر آخر مروي في الدعائم «1».

و يردّ الأوّل: بكونه باطلا، لمنع عصمته عليه السلام عمّا نسب إليه.

و الثانيان: بالضعف الخالي عن الجابر، مع موافقة الكلّ لمذهب أصحاب الرأي «2»، فيجب حملها على التقية.

و للمحكي في الفقيه عن جماعة من مشايخه في الأوّل، فحكموا بالإعادة فيما لم يجهر بهم من الصلاة و عدمها فيما جهر بهم «3». و ظاهره الميل إليه بل فتواه به، لخبر يدلّ عليه كما يظهر من الفقيه.

و لكنّا لم نعثر عليه.

و للمحكي عن الشيخ في الرابع، فحكم بوجوب إعادة المأمومين مع الاستدبار مطلقا، و في الوقت خاصّة مع الكون إلى يمين القبلة أو شمالها «4».

و عن الحلّي فيه، فحكم بوجوب الإعادة مطلقا في الوقت خاصّة، و نسبه إلى الشيخ أيضا «5».

و عن الإسكافي فأوجب الإعادة عليهم في الوقت مطلقا، و في خارجه إن لم يتحرّوا و تحرّى الإمام، و عليه خاصّة إن لم يتحرّ و تحرّوا «6». مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    134     المسألة الأولى: لو علم المأموم كفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو كونه على غير القبلة أو إخلاله بالنية بعد الصلاة لم يعدها مطلقا ..... ص : 130

الظاهر أنّ مراد الجميع ما إذا تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة كما يدلّ عليه تفصيل الإسكافي أيضا، و على هذا فيخرج عن مفروض المسألة و يدخل في مسألة من صلّى إلى غير القبلة و قد سبق حكمه.

و لا ينافيه الصحيحان، إذ لا دلالة فيهما على كون صلاة المأمومين إلى غير القبلة أيضا، فتبقى أدلّة الإعادة عليهم- مطلقا أو في بعض الصور- خالية عن المعارض.

______________________________

(1) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 485 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2.

(2) المغني 2: 55.

(3) الفقيه 1: 263: ذيل الحديث 1200.

(4) المبسوط 1: 158.

(5) السرائر 1: 289.

(6) نقله عنه في المختلف: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 134

نعم لو كان المراد مفروض المسألة، و هو ما إذا صلّى المأمومون إلى القبلة دون الإمام كما إذا صلّوا في مكان مظلم أو مع حائل كما إذا كان المأمومون نسوة، فالصحيحان يردان عليهم جميعا.

فروع:
أ: لو تبيّن الخلل في أثناء الصلاة ففي جواز الانفراد، أو لزوم الاستئناف قولان.

أقواهما الأوّل؛ للأصل المتقدّم [1]، و

لرواية زرارة: عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء، قال: «يتمّ القوم صلاتهم فإنّه ليس على الإمام ضمان» «1».

ب: صريح صحيحتي زرارة و الحلبي عدم وجوب الإعلام بالحال على الإمام بعد الصلاة.

و لو تذكّر الحدث في الأثناء أو عرض له حدث أو خلل يجب عليه الإعلام إجماعا ظاهرا؛ له، و لبعض الروايات، كمرسلة الفقيه: «ما كان من إمام تقدّم في الصلاة و هو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه، فليجعل ثوبه على أنفه و لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه» «2» الحديث.

و لا ينافيه التعبير بقوله: «لا ينبغي» في صحيحة زرارة الأخيرة، لصدقه على المحرّم أيضا.

ج: حكم سائر الخلل المبطل للصلاة حكم ما مرّ

لو علمه المأموم في صلاة الإمام عمدا منه أو سهوا؛ لفحوى ما مرّ، و الإجماع المركب.

المسألة الثانية: قد عرفت إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام راكعا
اشارة

و فوتها بعدم إدراكه كذلك.

______________________________

[1] و هي أصالة البراءة عن وجوب الإعادة. راجع ص 130.

______________________________

(1) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، الفقيه 1: 264- 1207، التهذيب 3: 269- 772 الاستبصار 1: 440- 1695، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.

(2) الفقيه 1: 261- 1192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 135

و على هذا لو دخل المأموم موضعا تقام فيه الجماعة و قد ركع الإمام و خاف بالالتحاق بالصفّ رفع الإمام رأسه عن الركوع فإنّه يكبّر في مكانه و يركع و يمشي في ركوعه حتّى يلتحق بالصفّ، و لو سجد الإمام قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثمَّ الالتحاق بالصفّ إذا قام، بلا خلاف فيه يعرف كما قيل «1»، بل عن الخلاف و المنتهى «2» الإجماع عليه.

لصحيحة محمّد: عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: «يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتّى يبلّغهم» «3».

و البصري: «إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر و اركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصفّ، و إن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصفّ» «4».

و قد يستدلّ له بصحيحة معاوية: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوما و قد دخل المسجد لصلاة العصر، فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده و سجد سجدتين، ثمَّ قام فمضى حتّى لحق بالصفّ «5».

و في دلالتها نظر؛ لاحتمال أن تكون صلاته بنيّة الانفراد، بل هي كذلك.

فلو دلّت فإنّما تدلّ على جواز المشي إلى القبلة

في الصلاة في الجملة، و هي مسألة أخرى غير ما نحن فيه؛ إذ الكلام هنا في جواز الاقتداء بالإمام قبل الوصول إلى الحدّ المجوّز شرعا؛ فإنّ هنا مسألتين: إحداهما: تقدّم المصلّي من

______________________________

(1) الرياض 1: 240.

(2) الخلاف 1: 555، المنتهى 1: 382.

(3) الفقيه 1: 257- 1166، التهذيب 3: 44- 154، الاستبصار 1: 436- 1681، الوسائل 8: 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.

(4) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 5، الفقيه 1: 254- 1148، التهذيب 3: 44- 155 الاستبصار 1: 436- 1682، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.

(5) الكافي 3: 384 الصلاة ب 62 ح 1، التهذيب 3: 272- 785، 281- 829 الوسائل 8: 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 136

مكانه إمّا لسدّ خلل الصفوف أو ضيق المكان أو إتمام الصفّ أو غيره، و الأخرى:

ما لو كان بين الداخل و بين أهل الصلاة أزيد ممّا يشترط في الاقتداء من المسافة.

و الكلام هنا في الثانية، و الصحيحة لا تدلّ عليها، لعدم كون الإمام عليه السلام مقتديا.

و منه: يظهر عدم صحة الاستدلال بصحيحة محمّد: الرجل يتأخّر و هو في الصلاة؟ قال: «لا» قلت: فيتقدّم؟ قال: «نعم ماشيا إلى القبلة» «1».

و كذا يظهر ما في كلام المنتهى في هذه المسألة حيث قال: و لو فعل ذلك من غير ضرورة و خوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة، لأنّ للمأموم أن يصلّي في الصفّ منفردا أو أن يتقدّم بين يديه، و حينئذ يثبت المطلوب «2». انتهى.

فإنّ ما استدلّ به هو المسألة الاولى، و هي لا تثبت الثانية.

فالمناط هو الصحيحان. و مقتضى إطلاقهما جواز الاقتداء مع خوف

الفوات و لو كان بينه و بين أهل الصلاة مسافة كثيرة.

و لا معارض له أيضا؛ إذ- كما عرفت- دليل مانعيّة التباعد منحصر في الإجماع «3» المنتفي في المقام، بل المشهور هنا خلافه، و إنّما اشترط انتفاء ما لا يجوز من التباعد الفاضل المقداد و بعض آخر «4». و لا وجه له.

مع أنّه لو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطّى مع أنّه لم ينقل الخلاف عنه هنا.

فروع:
اشارة

______________________________

(1) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 2 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 272- 787، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 5.

(2) المنتهى 1: 382.

(3) راجع ص 66.

(4) التنقيح 1: 277، الروض: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 137

أ: قيّد شيخنا الشهيد الثاني المشي حالة الصلاة بغير حالة الذكر الواجب

«1».

و لعلّ منشأه المحافظة على الطمأنينة في موضعها.

و لا يخفى أنّ ظاهر النصوص الإطلاق، و كأنّه يخصّه بأدلّة وجوب الطمأنينة.

و فيه: أنّ انتهاضها على وجوبها مطلقا حتّى في المورد غير معلوم، مع أنّ تقييد هذا الإطلاق بأدلّتها ليس أولى من العكس. فالظاهر جوازه في جميع الحالات.

ب: مقتضى صحيحة محمّد الأولى المشي للالتحاق حال الركوع.

و مقتضى صحيحة البصري تأخير الالتحاق إلى حال قيام الإمام بعد السجود.

و في رواية إسحاق: أدخل المسجد و قد ركع الإمام فأركع بركوعه و أنا وحدي و أسجد، فإذا رفعت رأسي فأيّ شي ء أصنع؟ فقال: «قم فاذهب إليهم، فإن كانوا قياما فقم معهم، و ان كانوا جلوسا فاجلس معهم» «2».

و مقتضاها تأخير الالتحاق إلى حال رفع اللاحق رأسه من السجود فيقوم فيلتحق، و إن لم يقم القوم فيجلس معهم إن كانوا جلوسا.

و مقتضى الجمع التخيير بين الأنحاء الثلاثة.

و لو مشى راكعا و لم يلحق حتّى تمَّ الركوع فالظاهر جواز المشي بعد رفع الرأس عنه قبل السجود ما لم يخف فوت السجود مع الإمام، لعدم المانع.

و لو قام للالتحاق بعد السجود حين جلوس القوم و لم يتمّ حتّى خاف فوت المتابعة في الجلوس جلس أينما بلغ ثمَّ التحق بعد القيام. و لا يبعد جواز الالتحاق ثمَّ الجلوس بنفسه للتشهّد ثمَّ القيام و إن قام الإمام قبل جلوسه.

______________________________

(1) الروض: 376.

(2) الفقيه 1: 257- 1164، التهذيب 3: 281- 830، الوسائل 8: 386 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 138

ج: المغتفر في هذا المقام لإدراكه الركعة هو التباعد.

و أمّا سائر الشرائط كعدم الحائل و عدم علو الإمام فلا دليل على اغتفاره، فلا يجوز الايتمام مع الحائل أو العلو ثمَّ المشي إلى مكان ارتفع فيه المانع بعد الركوع؛ لعموم أدلّة مانعيّتهما، و عدم ما يصلح للتخصيص، فإنّ المتبادر من الأخبار ليس إلّا اغتفار التباعد بل الظاهر من دخول المسجد الوارد في الأخبار عدم مانع آخر، لتساوي سطح المسجد الواحد، و عدم الحائل فيه غالبا في المساجد المتداولة في هذه الأعصار.

د: قد أشرنا هنا إلى مسألة أخرى هو: جواز المشي في الصلاة

إلى القبلة أو الخلف لالتحاق صفّ أو إتمامه أو ضيق مكان أو غير ذلك. و هو كذلك، للأصل، و عدم المانع، حتّى لو عدّ فعلا كثيرا، لعدم ثبوت مبطليّة ذلك بإجماع إلّا إذا انمحت به صورة الصلاة.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد الأخيرة أيضا، و صحيحة علي: عن القيام خلف الإمام ما حدّه؟ قال: «إقامة ما استطعت فإذا قعدت فضاق المكان فتقدّم و تأخّر فلا بأس» «1».

و موثّقة سماعة: «لا يضرّك أن تتأخّر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف فتتأخّر إلى الصفّ الّذي خلفك، و إن كنت في صفّ فأردت أن تتقدّم قدّامك فلا بأس أن تمشي إليه» «2» و غير ذلك.

و مقتضى غير الاولى جواز التأخّر أيضا، فما في الأولى يتحمّل الكراهة.

و الاولى أن لا يكون ذلك حالة الذكر الواجب.

ه: لو كان الداخل قد دخل المسجد من قدّام الإمام جاز له التكبير و المشي قهقرى

إن أمكن ما لم تنمح به صورة الصلاة، للإطلاق.

و: يستحبّ أن يجرّ الماشي في هاتين المسألتين رجليه على الأرض

و لا يتخطّى،

______________________________

(1) التهذيب 3: 285- 799، الوسائل 8: 422 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 1.

(2) التهذيب 3: 280- 825، الوسائل 8: 422 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 139

لمرسلة الفقيه: و روي: «أنّه يمشي في الصلاة يجرّ رجليه» «1».

المسألة الثالثة: لو كان أحد في نافلة فأحرم الإمام للصلاة قال جماعة «2»: إنّه يقطع النافلة
اشارة

إن خاف الفوات، و يدخل الفريضة مع الإمام.

و لو كان في فريضة عدل بنيته إلى النافلة، فيتمّها ركعتين و يقتدي.

أمّا الأوّل فاستدلّ له تارة بأنّ فيه تحصيلا لما هو أهمّ في نظر الشرع، فإنّ الجماعة في نظره أهمّ من النافلة.

و اخرى بفحوى الأخبار الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة، إذ هو في معنى إبطال الفريضة، فإذا جاز ذلك لدرك فضيلة الجماعة جاز إبطال النافلة لدركها بطريق أولى.

و ثالثة بصحيحة عمر بن يزيد «3» المتضمّنة للسؤال عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة».

فإنّها دلّت على أنّه إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوّع، و هو أعمّ من أن يبتدئ به بعد أخذ المقيم في الإقامة أو يحصل الأخذ بعد دخوله في النافلة.

و الكلّ منظور فيه: أمّا الأوّل فلمنع الأهميّة بعد الدخول، حيث إنّ قطع النافلة حرام- على ما مرّ- فالإتمام واجب، و الواجب أهمّ من المستحب.

و أمّا الثاني فلمنع كونه إبطالا للعمل- كما صرّح به في المختلف «4» و الرضوي الآتي في الحكم الثاني- بل هو تبديل، و لا نسلّم أولويّة قطع النافلة منه.

و أمّا الثالث فلمنع كونه تطوّعا بعد الدخول، بل الإتمام واجب.

و الصواب أن يستدلّ له بالرضوي: «و إن كنت في صلاة نافلة و أقيمت

______________________________

(1) الفقيه 1: 254- 1148،

الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 4.

(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 445، و العلامة في المنتهى 1: 383، و صاحب الحدائق 11: 257.

(3) المتقدمة في ص 122.

(4) المختلف: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 140

الصلاة فاقطعها و صلّ الفريضة مع الإمام» «1».

و ضعفه غير ضائر، لانجباره بما صرّح به بعض الأجلّة من قوله في بيان المسألة: من غير خلاف يظهر. بل بما ذكره أيضا من قوله: فالمستند لعلّه الإجماع، بل بما ذكره بعض مشايخنا من نسبته إلى الأكثر. بل بما قاله من أنّ استحباب القطع لعلّه متّفق عليه بين الجماعة «2».

و أمّا الثاني فللإجماع كما عن التذكرة و غيرها «3»، و المعتبرة من النصوص، كصحيحة سليمان بن خالد: عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة، قال: «فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام، و لتكن الركعتان تطوّعا» «4».

و موثقة سماعة: عن رجل كان يصلّي، فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة الفريضة، فقال: «إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلهما تطوّعا و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو» «5» الحديث.

و الرضوي: «و إن كنت في فريضتك و أقيمت الصلاة فلا تقطعها و اجعلها نافلة و سلّم في الركعتين ثمَّ صلّ مع الإمام» «6».

و عن المبسوط جواز قطع الفريضة من غير حاجة إلى العدول كالنافلة أيضا «7»، و قوّاه الشهيد الأوّل في الذكرى و البيان، و الثاني في الروضة «8»، إمّا مع

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 145، مستدرك الوسائل 6: 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

(2) الرياض 1: 241.

(3) التذكرة 1: 184، الذخيرة: 401

و فيه: و هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

(4) الكافي 3: 379، الصلاة ب 6 ح 3، التهذيب 3: 274- 792، الوسائل 8: 404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.

(5) الكافي 3: 380 الصلاة ب 60 ح 7، التهذيب 3: 51- 177، الوسائل 8: 405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 145، مستدرك الوسائل 6: 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

(7) المبسوط 1: 157.

(8) الذكرى: 277، البيان: 130، الروضة 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 141

خوف فوات الجماعة كبعضهم، أو مطلقا كآخر، لوجه اعتباري لا يقاوم أدلّة حرمة إبطال الصلاة، بل الرضوي الأخير المنجبر بالعمل.

فروع:
أ: جواز قطع النافلة هل هو مقيّد بخوف فوات الجماعة

، كما عن الأكثر؟

أو لا، كما عن ظاهر الشيخ و الحلّي و القاضي «1»؟

و على الأوّل، فهل المعتبر خوف فوات الركعة أو الصلاة جملة؟

مقتضى قاعدة حرمة قطع النافلة إلّا فيما ثبت الجواز الأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني، إذ ليس على الجواز دليل تامّ سوى الرضوي المحتاج إلى الانجبار الغير المعلوم في غير حال خوف فوت الصلاة و إن كان بنفسه موافقا للإطلاق.

ب: لا شكّ في أنّ الأمر بالقطع في الأوّل و في النقل في الثاني ليس على الوجوب

، للإجماع.

و هل هو للجواز كما هو ظاهر تعبير بعضهم «2»، أو الاستحباب؟

كلّ محتمل، لأنّ الأمر في الروايات ليس باقيا على حقيقته و كلّ منهما مجازه، و شيوع التجوّز بالاستحباب يعارض كونه في مقام توهّم الحظر. فتأمّل.

ج: العدول من الفريضة هنا هل يباح مطلقا

، أو مع خوف فوات الركعة، أو فوت صلاة الجماعة كليّة؟

مقتضى إطلاق الأخبار الأوّل و لكنّ الاحتياط في الثاني.

و هل يتوقّف جواز العدول على دخول الإمام في الصلاة أو بالشروع في الإقامة أو بإتمامها؟

الأحوط الأوّل، و الأقرب الثالث، لإطلاق الأخبار سيّما الموثقة.

د: لو دخل في ركوع الثالثة من الفريضة فأقيمت الجماعة لم يجز العدول،

لخروجه عن موضع النصوص، و أصالة عدم جواز العدول.

______________________________

(1) النهاية: 118، السرائر 1: 289، المهذب 1: 83.

(2) النهاية: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 142

و لو أقيمت بعد قيامه للثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها، أو قطع الفريضة من أصلها، أولا ذاك و لا هذا بل يبقى مستمرّا، أوجه.

استقرب الفاضل في التذكرة و النهاية «1» و بعض من تأخّر منه «2» الأخير، اقتصارا فيما خالف أصل حرمة قطع الصلاة و عدم جواز العدول على المتيقّن من مورد النص و الفتوى.

و يمكن أن يقال بشمول الصحيحة لمثل هذه الصورة أيضا، فيكون جواز العدول حينئذ أيضا أوجه.

ه: لو عدل إلى النافلة فهل يجوز قطعها

لإدراك الجماعة إمّا مطلقا أو مع خوف فوات الركعة أو الصلاة.

الأقرب: لا، لعدم ثبوت الانجبار للرضوي- الذي هو مستند القطع المحرّم- في النافلة المعدول إليها أيضا، مع أنّ ظاهر الرضوي النافلة الابتدائية حيث قال: «و إن كنت في نافلة و أقيمت الصلاة».

و: لو علم فوات الجماعة أو الركعة مع العدول إلى النافلة

أيضا، كأن يفتتح بطي ء القراءة فريضة الظهر قضاء في الصبح، فافتتح الإمام [الذلق] «3» اللسان فريضة الفجر، فهل يقطع الصلاة مطلقا، أو بعد العدول إلى النافلة، أو يستمرّ على صلاته؟

الظاهر: الأخير، و وجهه ظاهر ممّا مرّ.

ز: لو كانت الفريضة الّتي يصلّيها ثنائية فهل يجوز العدول عنها إلى النافلة

إذا شرع الإمام في الصلاة؟

الظاهر: لا، لخروجه عن مورد الأخبار. و لا يقطعها أيضا، للأصل المتقدّم. بل يستمرّ على صلاته.

______________________________

(1) التذكرة 1: 184، نهاية الاحكام 2: 159.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 3: 331.

(3) في «ه» و «ح»: اللزق، و في «ق» و «س»: اللوق. و الظاهر أنّهما مصحّفان عمّا أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 143

المسألة الرابعة: إذا فات المأموم شي ء من الركعات مع الإمام صلّى ما يدركه
اشارة

و جعله أوّل صلاته و أتمّ ما بقي منها، بإجماعنا كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و روض الجنان و غيرها «1».

خلافا للمحكي في المعتبر عن أبي حنيفة و أتباعه فقالوا: إنّ ما يدركه المأموم يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا. فعندهم يلزم فيما أدركه ما يلزم في الأخيرتين من القراءة أو التسبيح أو السكوت، و ما انفرد به يثبت فيه ما ثبت في الأوليين.

و قد استفاضت رواياتنا في الردّ عليهم.

و على هذا فإن أدرك الثانية يجعلها أوّل صلاته لا يقرأ فيها لقراءة الإمام و يقرأ في ثالثة الإمام التي هي له ثانية.

و إن أدرك الثالثة يقرأ فيها و في رابعة الإمام التي هي لها ثانية.

و إن أدرك الرابعة قرأ فيها و في ثانية التي انفرد بها.

و يدلّ على الأوّل الرضوي: «إذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت للإمام في الثانية التي أدركت، ثمَّ اقرأ أنت في الثالثة للإمام و هي لك ثنتان» «2».

و الدعائمي: في صلاة العشاء الآخرة و قد سبقه بركعة و أدرك القراءة في الثانية فقام [الإمام] في الثالثة: «قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية و اعتدّ بها لنفسه أنّها الثانية» «3».

و على الأوّل و الثالث رواية البصري: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة

من صلاته و هي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلّا

______________________________

(1) المعتبر 2: 446، المنتهى 1: 383، التذكرة 1: 181، روض الجنان: 376 الرياض 1:

241.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 122، مستدرك الوسائل 6: 491 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 5.

(3) الدعائم 1: 191، مستدرك الوسائل 6: 489 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 144

ركعة واحدة قرأت فيها و في التي تليها» «1». الحديث.

و على الثاني: صحيحة البجلي: عن الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: «اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوليان، و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» «2».

و موثقة عمّار بن موسى: عن الرجل يدرك الإمام و هو يصلّي أربع ركعات و قد صلّى الإمام ركعتين، قال: «يفتتح الصلاة فيدخل معه و يقرأ معه في الركعتين» «3».

و الدعائمي: «إذا أدركت الإمام و قد صلّى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أوّل صلاتك، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ، و اجعلها أوّل صلاتك» «4».

و على الأوّل و الثاني: الرضوي: «فإن سبقك بركعة أو ركعتين فقرأ في الركعتين الأوليين من صلاتك الحمد و سورة، فإذا لم تلحق السورة أجزأك الحمد» «5».

و على الثاني و الثالث: صحيحة زرارة: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض، خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه، جعل ما أدرك أوّل صلاته، إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب» إلى أن قال: «و إن أدرك ركعة

قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلّم الإمام

______________________________

(1) الكافي 3: 381، الصلاة ب 61 ح 4، التهذيب 3: 271- 780 الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 3.

(2) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 1، التهذيب 3: 46- 159، الاستبصار 1: 437- 1684، الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.

(3) التهذيب 3: 247- 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 2.

(4) الدعائم 1: 192، مستدرك الوسائل 6: 490 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 4.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 145

قام فقرأ بأمّ الكتاب و سورة، ثمَّ قعد فتشهّد، ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة» «1».

و يظهر من هذه الصحيحة، بل من صحيحة البجلي و الدعائمي المتقدّمتين و رواية أحمد بن النضر: «أيّ شي ء يقول هؤلاء في الرجل الّذي تفوته مع الإمام ركعتان؟» قلت: يقولون: يقرأ فيهما بالحمد و سورة، فقال: «هذا يقلب صلاته، يجعل أوّلها آخرها» قلت: فكيف يصنع؟ قال: «يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة» «2».

أنّ مرادهم عليهم السلام من جعل ما أدرك مع الإمام أوّل الصلاة القراءة فيه، و معنى: «لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» أنّه لا تترك فيه القراءة. بل الظاهر أنّه لا معنى له غير ذلك، إذ بالقراءة تفترق الأوليين عن الأخيرتين فلا يحصل التقليب إلّا بتقليب القراءة.

و على هذا فتدلّ على المطلوب في الجميع: صحيحة الحلبي: «إذا فاتك شي ء مع الإمام فاجعل أوّل صلاتك ما استقبلت منها و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» «3».

و رواية طلحة: «يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أوّل صلاته» «4».

ثمَّ إنّ هذه القراءة للمسبوق هل هي على الوجوب؟ كما

اختاره جماعة من مشايخنا «5»، و حكي أيضا عن أعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين و النهاية و السيّد

______________________________

(1) الفقيه 1: 256- 1162، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1: 436- 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

(2) الكافي 3: 383 الصلاة ب 61 ح 10، الفقيه 1: 263- 1202 (مرسلا)، التهذيب 3:

46- 160 الاستبصار 1: 437- 1686، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 7.

(3) الفقيه 1: 263- 1198، الوسائل 8: 386 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 1.

(4) التهذيب 3: 46- 161، الاستبصار 1: 437- 1685، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 6.

(5) منهم صاحب الحدائق 11: 247، و البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط)، و صاحب الرياض 1:

242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 146

و الحلبي بل الصدوقين و الكليني «1». و إن قال شيخنا في الحدائق: و لم أقف على من صرّح بوجوب القراءة من المتقدّمين إلّا على كلام السيّد و الحلبي «2». و قال صاحب المدارك: و كلام أكثر الأصحاب خال عن التعرّض لذلك «3». و قال في المنتهى:

و نقل عن بعض فقهائنا الوجوب «4»، و هو مشعر بندرة القول به بل عدم كونه قولا لواحد من مشاهيرهم حيث نسبه إلى النقل.

أو على الاستحباب؟ كما ذهب إليه الحلّي، و الفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى و التذكرة و المختلف، و المحقّق الأردبيلي و صاحب المدارك «5».

الحقّ هو الأوّل، للأمر بالقراءة- الّذي هو حقيقة في الوجوب- في صحيحة البجلي، و بجعل ما أدرك مع الإمام أوّل الصلاة- و معناه كما عرفت: القراءة- في صحيحة الحلبي.

و هما كافيان في إثبات المطلوب، فلا يضر كون غيرهما إمّا

ضعيفا أو خاليا عن الدالّ على الوجوب مع أنّه أيضا يؤيّد الوجوب جدّا.

و اختصاص الصحيحة الأولى بحكم الثاني- و هو ما إذا أدرك الركعتين خاصّة- غير ضائر، لعدم القول بالفصل قطعا. مع أنّ التعليل المذكور بقوله:

«فإنّهما لك الأوليان» يجري في الجميع، فيثبت به الحكم فيه، كما بالصحيحة الأخرى أيضا و عموم ما دلّ على وجوب القراءة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 46، الاستبصار 1: 437، النهاية: 115، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 41، الحلبي في الكافي في الفقه: 145، الصدوق في الفقيه 1: 263، و لم نعثر على قول والده كما نسبه في الرياض 1: 242 إلى الصدوق فقط، الكليني في الكافي 3: 381.

(2) الحدائق 11: 242.

(3) المدارك 4: 383.

(4) المنتهى 1: 384.

(5) الحلي في السرائر 1: 286، المنتهى 1: 384، التذكرة 1: 182، المختلف: 159، المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 327، المدارك 4: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 147

و قد يستدلّ أيضا بقوله: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «1».

و فيه نظر، إذ لا يتعيّن أن يكون ذلك في الأوليين. مع أنّ فاتحة الإمام و لو في اولييه كافية في صدق الكلام.

احتجّ من قال بالاستحباب: بالأصل، و عموم ما دلّ على سقوط القراءة خلف الإمام المرضي، المخصّص به عموم موجبات القراءة و المعارض به الأوامر المذكورة، فيدور الأمر بين تخصيص عمومات السقوط أو جمل تلك الأوامر على الندب و لا أولويّة، فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.

مع أنّ قرينة الندبية لها موجودة، و هي انضمامها بما هو للندب قطعا كالتجافي و غيره، و بالأمر بالقراءة في النفس التي هي غير القراءة الحقيقة المختلفة في وجوبها، بل هي غير واجبة إجماعا.

و

يردّ الأصل بما مرّ.

و العموم- لو سلّم- بوجود المخصّص، و هو ما ذكر، فإنّه أخصّ مطلقا من هذه العمومات فيجب التخصيص به. و هو في مثل تلك الصورة أولى من التجوّز بحمل الأمر على الندب إجماعا، كما بيّن في الأصول. و لولاه لانسدّ باب التخصيص بالخاصّ المطلق، إذ ما من خاص إلّا و يحتمل ارتكاب تجوّز البتة.

و أمّا القرينتان المذكورتان فغير صالحتين لما راموه:

أمّا الاولى فلأنّ خروج بعض الأوامر مخرج الاستحباب بقرينة لا يقتضي انسحابه فيما لا قرينة له، و إنّما هو مسلّم إذا كان الأمر الواحد واردا على أمور متعدّدة بعضها كان غير واجب قطعا، و هاهنا ليس كذلك بل الأمر متعدّد. مع أنّه معارض بتضمّن بعض الأخبار لما هو للوجوب قطعا.

هذا كلّه، مع أنّ في صحيحة البجلي التي هي العمدة وقع الأمر بالقراءة فيها في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي، و ظاهر أنّ اشتمال الرواية على أسئلة متعددة عن أحكام متباينة شائع ذائع. مع أنّ في

______________________________

(1) العوالي 1: 169- 2، مستدرك الوسائل 4: 158 أبواب القراءة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 148

استحباب التجافي خلافا أيضا.

و أمّا الثانية فلأنّ معنى القراءة في النفس لا يتعيّن أن يكون هو القراءة القلبيّة، إذ يمكن أن يكون المراد منها الإخفاء بها كما شاع التعبير به عنها في الأخبار، و منها: ما ورد في الصلاة خلف المخالف مع الاتّفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها.

مع أنّ القراءة في النفس بالمعنى الّذي فهموه ليست قراءة حقيقة، و ليس حملها على هذا المعنى و إخراج القراءة عن حقيقتها بأولى من حملها على الإخفاء.

و لو سلّم فيكون مقتضاها وجوب القراءة النفسية أو

استحبابها، و هذا ممّا لم يقل به أحد، و كيف يصير ذلك قرينة على استحباب القراءة اللفظية؟! و لو سلّم استحباب ذلك أو وجوبه فأيّ منافاة بينه و بين وجوب القراءة اللفظية حتّى يصير قرينة على استحبابها في سائر الأخبار؟! ثمَّ الواجب هل هو قراءة الحمد خاصّة- كما يقتضيه استدلال بعضهم بحديث: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»- أو مع السورة؟

الظاهر: الثاني و إن كانت القراءة في صحيحة البجلي مطلقة، لأنّ التعليل المذكور فيها يدل على أنّ المراد منها الحمد و السورة، و كذلك الأمر بجعل الركعتين أوّل الصلاة.

إلّا أن يقال بعدم ثبوت وجوب السورة في مطلق الأوليين حتّى في مثل المسألة، لما عرفت في بحث السورة من انحصار دليل وجوبها برواية مختصّة بصلاة المنفرد الموجبة لانضمام الإمام أيضا بالإجماع المركّب الغير المعلوم تحقّقه في المقام.

و على هذا فعدم الوجوب أظهر بل تكون مستحبة.

و لا ينافيه مفهوم قوله: «أجزأته أمّ الكتاب» في الصحيحة، لجواز كون المراد الإجزاء من الأمر الندبي.

فروع:
أ: لو ضاق الوقت عن قراءة الحمد و السورة

بأن لو قرأهما لم يدرك الإمام في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 149

الركوع اكتفى بالحمد خاصّة، كما صرّح به في صحيحة زرارة. و لكن ذلك على الجواز أو الاستحباب دون الوجوب، لما عرفت سابقا من عدم ثبوت وجوب المتابعة بعدم التأخّر «1».

و مقتضى الأصل و الصحيحة أنّه لو علم عدم إدراك تمام السورة أجزأته الفاتحة، و لو أدرك بعض السورة فليس عليه قراءته.

إلّا أنّ موثّقة الساباطي: عن الرجل يدرك الإمام و هو يصلّي أربع ركعات و قد صلّى الإمام ركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و يدخل معه و يقرأ خلفه في الركعتين، يقرأ في الأولى الحمد و ما أدرك من سورة الجمعة و يركع مع الإمام،

و في الثانية الحمد و ما أدرك من سورة المنافقين و يركع مع الإمام» «2».

تدلّ على استحباب قراءة البعض أيضا. و هو كذلك، لذلك.

و لا تنافيه الصحيحة، لأنّ الإجزاء لا يفيد أزيد من الرخصة. نعم لو أريد الوجوب لحصلت المنافاة، و لكن لا دليل عليه، و لا تثبته الموثّقة أيضا، لمكان الجملة الخبرية، مضافا إلى أنّ متعلّقها قراءة بعض سورة الجمعة و المنافقين، و هو غير واجب البتّة.

و لو ضاق عن قراءة الحمد أيضا فهل يقرأ و إن فاته إدراك الركوع فيقرأ و يلحقه في السجود، أو يترك الفاتحة و يدرك الركوع؟

الحقّ: الأوّل، لوجوب القراءة بما مرّ، و عدم دليل على السقوط أصلا سوى ما يأتي ضعفه.

و قيل بالثاني «3»، لوجوب المتابعة و انفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن.

و لصحيحة ابن وهب: عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هي أوّل صلاة

______________________________

(1) راجع ص 107.

(2) التهذيب 3: 247- 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 2.

(3) الرياض 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 150

الرجل فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال: «نعم» «1» فإنّ المراد بعدم الإمهال عدم درك الركوع.

و مفهوم الشرط في الدعائمي الثاني «2».

و يردّ الأوّل: بعدم ثبوت وجوب هذه المتابعة، كما مرّ في مسألتها.

و الثاني: بعدم دلالته على وجوب ترك الحمد و الالتحاق أوّلا، و عدم تعيّن ما لا يدركه المأموم بإتمام الحمد ثانيا، فلعلّه الركوع أو هو مع السجدتين أو هما مع بقية الصلاة، فلا يثبت شيئا نافعا، و عدم دلالتها على المطلوب إلّا بالتقرير على الاعتقاد ثالثا، و في حجّيتها كلام سيّما مع كون أكثر صلوات أصحابهم عليهم السلام مع المخالفين و

قد صرّحت الأخبار بأنّهم يجعلون أوّل صلاتهم آخرها فلا يقرؤون فيها، فكان في تقريرهم على ذلك الاعتقاد حقنا لدمائهم و حفظا لتقيّتهم، بل في الجواب إشعار بذلك حيث قرّره فيه على القضاء في الآخر الّذي من مذهب العامة و ليس في مذهبنا.

و الثالث: بعدم حجية رواية الدعائم، سيّما مع عدم ثبوت جابر لها أصلا.

ب: لا خفاء في أنّه لو كانت الصلاة إخفاتية يخفت المأموم القراءة

في ذلك المورد. و لو كانت جهريّة ففي وجوب الإخفات كما عن صريح السيّد «3»، أو استحبابه كما هو ظاهر بعضهم «4» قولان.

أظهرهما: الثاني.

أمّا عدم وجوب الجهر فللأصل الخالي عن المعارض، لاختصاص أدّلة وجوب الجهر بغير ذلك المورد كما مرّ في بحثه، و عدم ثبوت الإجماع المركّب بل

______________________________

(1) التهذيب 3: 47- 162، 274- 797، الاستبصار 1: 438- 1687، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 5.

(2) تقدّم في ص 144.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 41.

(4) الرياض 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 151

وجود القول بعدم وجوبه، بل الظاهر: الإجماع على عدم الوجوب، لعدم نقل قول بوجوبه هناك أصلا.

و أمّا عدم وجوب الإخفات فللأصل أيضا مع عدم دليل على الوجوب.

و أمّا استحبابه فلصحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على الجملة الخبرية «1»، و مراعاة ما يستحبّ اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا.

ج: صرّح في الحدائق و بعض آخر من مشايخنا بأنّ وجوب القراءة على المسبوق إذا أدرك الأخيرتين

إنّما هو إذا أدرك الإمام قبل دخوله في الركوع كما ذكره الأوّل «2»، أو قبل تكبيره للركوع كما قاله الثاني «3». و أمّا إذا أدركه بعد ذلك فتتمّ له الركعة و لا قراءة عليه و يكتفي بالقراءة في الركعة اللاحقة لها. و هو كذلك.

و الوجه فيه: أنّ وجوب القراءة إنّما هو إذا أدرك الركعة، و إدراك الركعة إذا كان الإمام في الركوع موقوف على اللحوق معه في الركوع، كما صرّحت به الأخبار الصحاح المستفيضة، المتقدّمة في مسألة إدراك الركعة من صلاة الجمعة، و القراءة حينئذ غير ممكنة، فالأمر بالقراءة مقيّد بغير هذه الحالة.

فقوله في صحيحة البجلي التي هي الأصل في وجوب القراءة: عن الّذي يدرك الركعتين الأخيرتين كيف يصنع بالقراءة؟ قال: «اقرأ فيهما» «4» لا يمكن أن يكون

المراد به الّذي يدركهما و لو مع كون الإمام في الركوع، إذ لا يتحقّق الإدراك حينئذ إلّا بإدراك الركوع و لا تتيسّر القراءة حينئذ غالبا سيّما بملاحظة الأخبار التي وردت في مقدار تطويل الإمام الركوع للمسبوقين «5».

فالمراد منه: الّذي يدركهما و تتيسر له القراءة فيهما قبل ركوع الإمام أو بعد إتمامه أيضا. فلو أدركت يسيرا قبل الركوع يأتمّ و يقرأ و إن لحق بعد إتمام الإمام

______________________________

(1) راجع ص 144.

(2) الحدائق 11: 248.

(3) الرياض 1: 242.

(4) تقدمت في ص 144.

(5) الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 152

الركوع، إذ وجوب إدراكه في الركوع إنّما هو إذا افتتح المأموم الصلاة حال ركوع الإمام. و لو أدركه في الركوع يأتمّ و يركع. و كذا الحال في سائر أخبار القراءة.

و بتقرير آخر: لو أدرك المأموم الإمام في ركوع إحدى الركعتين الأخيرتين أو في تكبيره فلا يخلو إمّا يمكنه شرعا إدراك الركعة، أو لا. و الثاني باطل بالإجماع و الأخبار المستفيضة، فبقي الأوّل. و عليه فإمّا يدركها مع وجوب القراءة عليه بأن لا يلحق في الركوع، أو مع عدم وجوبها. و الأوّل باطل، لصريح الأخبار سيّما ما دلّ على أنّه تجزيه تكبيرة واحدة للتحريمة و تكبيرة الركوع كرواية ابن شريح «1».

فتعيّن الثاني و هو المطلوب. و لا يمكن القول بعدم إدراك الركعة إذا أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره، لمخالفته الإجماع بل المستفيضة من الصحاح.

فإن قلت: مدلول أخبار إدراك الركعة بإدراك الركوع أنّ كلّ من افتتح الصلاة حال ركوع الإمام و ركع معه أدرك الركعة مع أنّه لا تتيسر له القراءة، سواء كان الإمام في الركعتين الأوليين أو الأخريين، و لازمها بل صريحها

عدم وجوب القراءة. و مدلول أخبار القراءة أنّ كلّ مدرك للركعتين الأخيرتين تجب عليه القراءة سواء أدركه في الركوع أو غيره، و لكن في الأوّل لا يمكنه القراءة فيلزمه عدم كونه مدركا للركعة إذا كان ذلك في الركعتين الأخيرتين، فيتعارضان، فما وجه الترجيح؟

قلنا: لا شكّ أنّ وجوب القراءة مقيّد بالإمكان قطعا فلا يشمل ما إذا أدرك الإمام في الركوع إذ لا إمكان حينئذ فلا تعارض. مع أنّه على التعارض تترجّح أخبار إدراك الركعة بالإجماع على إدراكها لو أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره و ركع معه.

د: لو لحق المسبوق في الركعة الثانية يستحبّ له أن يقنت مع الإمام إذا قنت

، كما صرّح به جماعة من الأصحاب «2»، و نصّ عليه موثقة عبد الرحمن بن أبي

______________________________

(1) الفقيه 1: 265- 1214، التهذيب 3: 45- 157، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 328، و صاحب الذخيرة: 401، و صاحب الحدائق 11: 249، و صاحب الرياض 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 153

عبد اللّه «1».

ه: يجب على المسبوق الجلوس إذا جلس الإمام للتشهد،

لوجوب المتابعة في الأفعال التي منها الجلوس و القيام. و تجويز القيام بعد رفع الرأس من السجدة قبل التشهد على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال- كما في الذخيرة «2»- لا وجه له، لأنّه من باب المتابعة في الأفعال. نعم، لا يبعد التأمّل في الوجوب من جهة عدم انتهاض أدلّة وجوب المتابعة لإثبات ذلك أيضا.

و يستحبّ أن يكون حين الجلوس متجافيا مقعيا، وفاقا للأكثر، لقوله في صحيحة البجلي الواردة في المسبوق بركعة: كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال:

«يتجافى و لا يتمكّن من القعود» «3».

و في صحيحة الحلبي: «و من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى و أقعى إقعاء و لم يجلس متمكّنا» «4».

و عن الصدوق وجوبه للروايتين «5». و هما قاصرتان عن إفادته، لخلوّهما عن الأمر.

و: و تستحبّ له المتابعة في التشهد

و إن لم يكن موضعه للمأموم، لموثقة ابني المختار و الحصين: عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام و أدرك الثنتين فهي الاولى له و الثانية للقوم يتشهّد فيها؟ قال: «نعم» قلت: و الثانية أيضا؟ قال:

«نعم» قلت: كلّهنّ؟ قال: «نعم، فإنّما هو بركة» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 315- 1287، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 17 ح 1.

(2) الذخيرة 1: 401.

(3) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 1، التهذيب 3: 46- 159، الاستبصار 1: 437- 1684، الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.

(4) الفقيه 1: 263 بعد حديث 1198، الوسائل 8: 418 أبواب صلاة الجماعة ب 67 ح 2.

(5) الفقيه 1: 263.

(6) التهذيب 3: 56- 196، 3: 281- 832، المحاسن: 326- 72، الوسائل 8: 416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 154

و رواية إسحاق بن

يزيد: يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة و له ثنتان، أ فأتشهّد كلّما قعدت؟ قال: «نعم فإنّما التشهد بركة» «1».

خلافا للمحكي عن جماعة، فمنعوا عن قول التشهد و أثبت بعضهم بدله التسبيح «2».

و لا وجه له بعد دلالة الروايتين عليه سوى ضعفهما الغير الضائر عندنا.

ز: يجوز له الجلوس حال تسليم الإمام

، بل الظاهر استحبابه، لقوله في صحيحة زرارة الواردة في المسبوق «3»: «فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب».

و لا يجب البتة، لخروج السلام عن الصلاة بل يجوز له القيام قبله.

و لو جلس لم يسلّم هو، لما ورد من أنّه به تنقطع الصلاة «4».

ح: إذا جاء محلّ تشهّد المأموم فليلبث قليلا

إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي، ثمَّ يلحقه إجماعا، له و لصحيحة البجلي «5».

المسألة الخامسة: قد عرفت في بحث صلاة الجمعة إدراك المأموم الركعة بإدراكه الإمام قبل رفع رأسه من الركوع.

و لو أدركه بعد ذلك فلا خلاف في عدم إدراكه الركعة، و الأخبار المتقدّمة في البحث المذكور تدلّ عليه، إلّا أنّه تستحبّ له المتابعة.

و التفصيل: أنّه إمّا يكون قبل السجدة، أو بعدها.

______________________________

(1) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 3، التهذيب 3: 270- 779، الوسائل 8: 417 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 2.

(2) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 145، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 560، و ابن حمزة على ما نقله عنه في الذكرى: 278.

(3) المتقدّمة في ص 144.

(4) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(5) المتقدّمة في ص 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 155

فعلى الأوّل يستحبّ له التكبير و الدخول مع الإمام في السجدتين بغير ركوع إن لم يركع، و إن ركع بظنّ الإدراك فلم يدرك هوى إلى السجود، بلا خلاف فيه على الظاهر كما صرّح به جمع «1».

أمّا التكبير فلفتوى الجماعة التي هي كافية في مقام المسامحة.

و قيل: لا يكبّر كما نقله بعض الأجلّة، لأنّه لا اعتداد بهذا السجود. و هو لنفي استحبابه غير صالح.

و أمّا السجود معه فلها، و لرواية المعلّى: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها» «2».

و رواية ربعي و الفضيل: «و من أدرك الإمام و قد رفع من الركوع فليسجد معه و لا يعتدّ بذلك السجود» «3».

و ضعفهما- لو كان- غير ضائر، لوجوه عديدة.

و قد يستدلّ أيضا بفحوى صحيحة محمّد: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال: «إذا أدرك الإمام و

هو في السجدة الأخيرة من صلاة فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام» «4».

فإنّه إذا أدرك الفضل مع درك الإمام في السجدة الأخيرة ففي ما قبلها بالطريق الأولى.

و فيه: أنّه يمكن أن يكون المعنى أنّه إذا بادر أحد إلى صلاة الجماعة و لم يبلغها فله فضل الجماعة إن أدرك الإمام في السجدة الأخيرة و لو لم يدخل معه، و فحواه إدراك الفضيلة بدركه قبل ذلك أيضا لا أنّه يستحبّ الدخول معه. مع أنّه

______________________________

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 334، و صاحبا الحدائق 11: 251، و الرياض 1: 242.

(2) التهذيب 3: 48- 166، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.

(3) التهذيب 3: 48- 165، و فيه: «و قد رفع رأسه ..»، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ذ ج 1.

(4) التهذيب 3: 57- 197، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 156

على فرض إرادة الدخول فالأولويّة ممنوعة، إذ يمكن تجوّز التكبير و النيّة في السجدة الأخيرة من غير استئناف الصلاة دون ما قبلها كما جوّزه بعضهم «1» لعدم زيادة الركن حينئذ.

خلافا للمحكي عن المختلف «2»، فتوقّف في استحباب الدخول معه، لصحيحتي محمّد:

الأولى: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة» «3».

و الأخرى: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل في تلك الركعة» «4».

و أجيب عنهما بالحمل على الكراهة «5»، و لعلّ المراد منها المرجوحيّة الإضافية، و إلّا فهي للاستحباب منافية.

و الأولى أن يجاب بأنّ المنهي عنه فيهما الدخول في تلك الركعة، و عدم جوازه مسلّم، و هو غير مجرّد المتابعة، و تفصح عنه

صحيحة ثالثة لمحمّد: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» «6».

ثمَّ بعد فراغ الإمام من هذه الركعة يستأنف الصلاة بنيّة و تكبيرة مستأنفة، مقتديا بالإمام إن شاء إن لم يكن ركعته الأخيرة، و منفردا إن كانت الأخيرة. فلا يكون ما فعل جزءا من الصلاة وفاقا للأكثر.

لعدم ثبوت التعبّد للصلاة بمثل ذلك، مع وجود المانع و هو حصول الزيادة عمدا في الصلاة و هي لها مبطلة.

______________________________

(1) الذخيرة: 401.

(2) المختلف: 158.

(3) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 2، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.

(4) التهذيب 3: 43- 149، الاستبصار 1: 434- 1676، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.

(5) المدارك 4: 385.

(6) التهذيب 3: 43- 150، الاستبصار 1: 435- 1677، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 157

خلافا للمحكي عن الشيخ و الحلّي «1»- و إن ذكر في الذكرى أنّ كلام الشيخ ليس بصريح في عدم الاستئناف «2»- فينوي في الأوّل للصلاة و لا يستأنف الصلاة قيل: لاغتفار الزيادة في المتابعة «3».

و هو كان حسنا لو كان هناك دليل على كون ما فعل من الصلاة، و لم يوجد شي ء سوى الخبرين، و هما لا يدلّان إلّا على مطلوبيّة السجود مع الإمام، و هي لا تلازم كونه من الصلاة حتّى يستلزم اغتفار الزيادة.

قيل: السكوت عن الأمر بالاستيناف دليل على عدم لزومه، لورود النصّ مورد الحاجة «4».

قلنا: ممنوع، و أيّ حاجة في الأمر بالاستئناف إذا أمر بشي ء مستحبّ قبل الصلاة؟

مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله: «و لا تعتدّ بها» في الرواية الأولى، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة، بل

استدلّ به على الاستئناف.

و لكنّه ضعيف، لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا، فلا ينافي عدم الاستئناف. مع أنّ هذا الاحتمال أولى، لكون المرجع- عليه- مذكورا قبل الضمير صريحا، بخلاف الأوّل لعدم سبق ذكر له قبله إلّا ضمنا.

قيل: قوله: أدركته و أدرك في الروايتين يدلّان على أنّه يدخل في الصلاة فينوي و يكبّر تكبيرة الإحرام، لأن الإدراك كناية عنه، و بعد الدخول فيها يحتاج الخروج إلى الدليل، بل لو احتاج إلى استئناف لوجب بيانه حينئذ «5».

قلنا: لا نسلّم أنّ ذلك معنى الإدراك، ألا ترى قوله في آخر رواية ابن

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 159، الحلي في السرائر 1: 285.

(2) الذكرى: 275.

(3) الرياض 1: 242.

(4) الرياض 1: 243.

(5) الحدائق 11: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 158

شريح: «و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة» «1» و في موثقة الساباطي:

الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: «عليه أن يؤذّن و يقيم و يفتتح الصلاة» «2».

فإنّه لا أذان و لا إقامة و لا افتتاح بعد الدرك بالمعنى الّذي ذكره.

و على الثاني- و هو أن يدركه بعد دخول السجود- فإمّا يدركه قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة، أو بعده.

فعلى الأوّل فالمشهور- كما قيل «3»- أنّ حكمه حكم السابق، لعموم الروايتين، و خصوص رواية ابن شريح و فيها: «و من أدرك الإمام و هو ساجد سجد معه و لم يعتدّ بها».

و المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ: «إذا جئتم إلى الصلاة و نحن سجود فاسجدوا و لا تعتدّوها شيئا» «4».

و لعدم تعقّل الفرق بين ما إذا أدركه قبل السجود و بعده.

و عن شيخنا الشهيد الثاني التخيير حينئذ بين ما ذكر و بين التوقّف في مكانه «5»، و مال إليه

بعض مشايخنا الأخباريين «6». و لا بأس به.

للجمع بين ما ذكر و بين رواية البصري: «و إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه، و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت» «7».

و لا دلالة للخبر على وجوب الإثبات، لعدم صراحة قوله: «فاثبت» في

______________________________

(1) الفقيه 1: 265- 1214، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

(2) الفقيه 1: 258- 1170، التهذيب 3: 282- 836، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان ب 25 ح 5.

(3) الذخيرة: 401.

(4) مجالس الطوسي: 398، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 7.

(5) روض الجنان: 378.

(6) الحدائق 11: 254.

(7) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 4، التهذيب 3: 271- 780، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 159

الأمر، لجواز كونه ماضيا كما يلائمه قوله: قعدت و قمت، و لو سلّم فيجب الحمل على الاستحباب، لعدم وجوب أصل الاقتداء و المتابعة.

و ترجيح الأوّل بالشهرة بل الإجماع و صحّة المستند ضعيف، لمنع الإجماع بل الشهرة- لعدم تعرّض الأكثر لخصوص السجدة، و لو سلّمت فلا تصلح للترجيح- و تكافؤ السندين كما عرفت.

و على الثاني- و هو أن يدركه بعد السجدة الأخيرة- فالمشهور كما قيل «1»: أنّه يكبّر و يجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأوّل أو الأخير.

و تدلّ عليه المقطوعة: «إذا أتيت الإمام و هو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس، فإذا قمت فكبّر» «2».

و رواية البصري المتقدّمة.

و موثّقة الساباطي: في الرجل يدرك الإمام و هو قاعد للتشهد ليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه قال: «لا يتقدّم الإمام و لا يتأخّر الرجل، و لكن يقعد

الّذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته» «3».

و لكن لا دلالة للأخيرين على التكبير إلّا أن يستنبط من قوله في الأخيرة:

«يدخل معه» و قوله: «فأتمّ الصلاة» إلّا أنّ في صلاحيّته للاستناد نظرا.

و رواية ابن شريح، و فيها: «و من أدرك و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة» «4».

و لكن في دلالتها على التكبير و الجلوس نظر. و استنباطهما من إدراك الإمام فيه ما مرّ، و من إدراك الجماعة غير [جائز] «5» إذ لا مانع من درك فضيلة الجماعة

______________________________

(1) الرياض 1: 243.

(2) الفقيه 1: 260- 1184.

(3) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 7، التهذيب 3: 272- 788، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.

(4) راجع ص 158.

(5) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: جماعة، و لم نفهم المراد منها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 160

بالمسارعة إليها و اتّفاق عدم الوصول إلّا بعد السجدة و إن لم يتابع الإمام.

و منه يظهر عدم دلالة صحيحة محمّد المتقدّمة «1».

و مع ذلك تعارض هذه الأخبار على فرض الدلالة موثّقة الساباطي: عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم» «2».

فالقول بالتخيير هناك أيضا أظهر، بل كان تعيّن الأخير أقرب لو لا دعوى الشهرة على الأوّل. و أمّا ترجيح الأوّل بها بل بالإجماع ضعيف، لمنع صلاحيّة الشهرة ما لم يبلغ خلافها حدّ الشذوذ للترجيح، و عدم ثبوت الإجماع.

و عدم معلوميّة القائل بالتخيير هنا غير ضائر، إذ المتبوع هو الدليل دون القائل ما لم يثبت الإجماع على عدم القول بمقتضى الدليل.

ثمَّ لو كبّر و جلس

هل يستأنف النيّة و التكبير للصلاة بعد القيام أو لا؟

الظاهر: الأوّل، لعدم الدليل على استمرار الصلاة، و وجود المانع و هو الزيادة. و جعل قوله: «أتمّ الصلاة» في بعض ما مرّ دليلا و إن كان ممكنا إلّا أنّه يعارضه قوله: «فكبّر» في بعض آخر. و كون الأخير مقطوعا غير ضائر سيّما مع عدم صراحة الأوّل، لإمكان إرادة الشروع في الصلاة و إتمامها من الأوّل.

و دعوى اغتفار المانع غير مسموعة، لعدم الدليل. و اغتفار زيادة الجلوس في المسبوق لا يدل على اغتفاره هنا أيضا.

و لو لم يجلس فهل يجوز له التكبير بنيّة الاقتداء و الاستمرار عليه قائما حتّى يقوم الإمام فيلحقه أو يتمّ صلاته إن كانت الركعة الأخيرة فيتمّها، أم لا؟

الظاهر: الأوّل، لدلالة بعض الأخبار المتقدّمة و غيره عليه، و عدم مانع منه.

المسألة السادسة: يجوز للمأموم بعد الفراغ عن السجدة الأخيرة أن يسلّم
اشارة

______________________________

(1) في ص 155.

(2) التهذيب 3: 274- 793، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 161

قبل الإمام لعذر أو مع نية الانفراد، بلا خلاف ظاهر، بل هو المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك و الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما عن المنتهى «2».

للأصل، و خصوص الأخبار، كصحيحة علي: عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي ء أن يفوت أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: «يسلّم و ينصرف و يدع الإمام» «3».

و أبي المعزى: عن الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام، قال: «ليس عليه بذلك بأس» «4».

و الحلبي: في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد، قال:

«يسلّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ» «5».

و مقتضى إطلاق الأخيرتين الجواز بدون العذر أيضا و إن لم

ينو الانفراد، كما نسبه في روض الجنان و الذخيرة «6» إلى ظاهر الأصحاب و الجماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه.

و هو الأقوى، لما ذكر، و لعدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في الأقوال، فلا ينافي ذلك التقديم الايتمام.

خلافا لظاهر النافع و المحكي عن الذكرى «7»، فاعتبروا العذر أو نيّة الانفراد.

______________________________

(1) المدارك 4: 387، الذخيرة: 402.

(2) راجع المنتهى 1: 384 و 385.

(3) الفقيه 1: 261- 1191، التهذيب 3: 283- 842، قرب الإسناد 207- 803، الوسائل 8:

413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

(4) التهذيب 3: 55- 189، الوسائل 8: 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.

(5) الفقيه 1: 257- 1163، التهذيب 3: 349- 1445، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

(6) في روض الجنان: 379، الذخيرة: 402.

(7) النافع: 48، نقله عن الذكرى في الروض: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 162

و ليس له وجه ظاهرا سوى وجوب المتابعة في الأقوال، و هو ممنوع. أو عدم جواز المفارقة من غير نيّتها في غير تلك الحال، و هو غير مفيد للمطلوب في ذلك المجال.

و يستفاد من إطلاق تلك الأخبار بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال سيّما الثانية: عدم توقّف جواز التقدّم على الإمام و التسليم قبله على كونه بعد السجدة الأخيرة، بل جوازه في أثناء الصلاة مطلقا من غير ضرورة، كما حكي عن الأكثر «1»، بل عن الخلاف و ظاهر المنتهى و صريح التذكرة و النهاية «2»: الإجماع عليه.

و استدلّ له أيضا: بالإجماعات المنقولة.

و بخروج النبي صلّى اللّه عليه و آله عن صلاته جماعة يوم ذات الرقاع و إتمامها منفردا «3».

و بعدم وجوب الجماعة ابتداء فكذا استدامة.

و بأن الغرض من الايتمام تحصيل الفضيلة فتركه مفوّت

لها دون الصحّة.

و بأصالة عدم وجوب استمرار الايتمام.

و في الكلّ نظر:

أمّا الإطلاقات فلظهورها في التقدّم في التسليم خاصّة دون سائر الأفعال، فإنّ ذكر التقدّم فيه خاصّة مشعر بعدم التقدّم في غيره. مع أنّ جواز التقدّم في التسليم لا يدلّ على جواز التقدّم في غيره مع ثبوت وجوب المتابعة ممّا مرّ من أدلّتها سيّما أخبار الفراغ قبل قراءة الإمام.

______________________________

(1) الرياض 1: 243.

(2) الخلاف 1: 552، غير أنه لم يصرح فيه بالإجماع، المنتهى 1: 384، التذكرة 1: 175 نهاية الإحكام 2: 128.

(3) الكافي 3: 456 الصلاة ب 91 ح 2، الفقيه 1: 293- 1337، التهذيب 3: 172- 380، الوسائل 8: 435 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 163

و أمّا الثاني فلعدم حجّيّتها.

و أمّا الثالث فلأنّه لو ثبت فإنّما هو للعذر و لا أقلّ من احتماله. و لا إطلاق له لكونه قضيّة في واقعة.

و أمّا الرابع فلكونه قياسا باطلا في مذهبنا.

و أمّا الخامس فلأنّ الايتمام كما يحصّل الفضيلة يحصّل الصحة أيضا. مع احتمال كون تركه أوّلا مفوّتا لأمر و آخرا لآخر.

و أمّا السادس فلاندفاعه باستصحاب الاشتغال بالصلاة الموقوفة البراءة عنها على الأخذ بالمتيقّن من أحد الأمرين المختلفين في أمور كثيرة- كوجوب المتابعة على الاقتداء، أو القراءة في الأوليين و التسبيح في الأخيرتين على الانفراد- و هو الايتمام.

و لذا ذهب بعضهم إلى عدم جواز المفارقة من دون عذر عن الإمام مطلقا الشامل لما إذا نوى المفارقة أم لا. و هو ظاهر الناصريّات و المبسوط «1»، و قوّاه في الذخيرة و الحدائق «2»، و هو الأقوى.

لا للأخبار الآمرة باستنابة الإمام الّذي عرض له حادث و تصريح بعض الصحاح منها بأنّه لو

لم يستنب لا صلاة لهم «3»، لأنّها- كما يأتي- محمولة على الفضيلة. مع أنّه مع عدم استنابته يكون من الأعذار المسوّغة للمفارقة بالإجماع سيّما إذا لم يمكن الاستنابة، كما إذا لم يوجد غير المأموم الواحد أو كان الجميع فسّاقا.

بل للاستصحاب المذكور، فإنّا نعلم قطعا وجوب أحد الأمرين عليه و ليس بينهما قدر مشترك لم يعلم الزائد عليه، فيجري أصل الاشتغال الغير المندفع إلّا باستمرار الايتمام. و شمول أخبار أحكام المنفرد لمثل ذلك الفرد النادر الملفّق من

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية) 201، المبسوط 1: 160.

(2) الذخيرة: 402، الحدائق 11: 240.

(3) الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 164

الأمرين غير معلوم. فالأقوى وجوبه و عدم جواز نيّة الانفراد إلّا لعذر. و التجويز مع العذر و إن كان أيضا مخالفا للأصل المذكور إلّا أن الإجماع حينئذ قد رفعه.

فروع:
أ: ما مرّ من جواز الانفراد مطلقا أو مع عذر فإنّما هو في الجماعة المستحبّة.

أمّا الواجبة فلا يجوز فيها الانفراد بل يجب الإتمام بدون العذر، و قطع الصلاة معه لو كان مسوّغا له.

ب: حيث جاز الانفراد فإن كان قبل القراءة أتى بها.

و إن كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام، أو إعادة السورة التي فارق فيها، أو استئناف القراءة من أوّلها، أقوال. أقربها الأوّل، للأصل.

و الأولى بالأجزاء ما لو كان الانفراد بعد تمام القراءة قبل الركوع.

ج: هل يجوز عدول المنفرد إلى الايتمام في أثناء الصلاة؟ فيه قولان،

أقربهما العدم وفاقا للذخيرة «1»، لعدم ثبوت التعبّد بمثله، و استصحاب الشغل المتقدّم.

و جوّزه الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «2»، و نفى عنه البأس في التذكرة «3».

د: لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة أخرى يصلّون جماعة، فهل يجوز له أن يخرج نفسه من متابعة إمامه

و يوصل صلاته بصلاة الإمام الآخر؟

فيه وجهان، أقربهما العدم، لما ذكر. و استوجه في التذكرة الجواز «4».

ه: لو زادت صلاة المأموم عن الإمام بأن كان حاضرا أو مسبوقا، فهل يجوز اقتداؤه في التتمّة

بأحد المؤتمين أو منفرد أو إمام آخر؟

______________________________

(1) الذخيرة: 402.

(2) الخلاف 1: 552.

(3) التذكرة 1: 175.

(4) التذكرة 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 165

فيه الوجهان. و الترك أحوط بل الأقرب، لما مرّ.

المسألة السابعة: لو عرض للإمام عارض يمنعه من إتمام الصلاة
اشارة

من تذكّر حدث أو صدوره أو رعاف لم يمكن غسله بدون المنافي، أو وجع شديد لا يتمكّن معه من إتمامها، قطع صلاته و يدع القوم في صلاتهم، إجماعا فيهما فتوى و نصّا.

و من هذه النصوص صحيحة زرارة: عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء. قال: «يتمّ القوم صلاتهم» «1».

ثمَّ فإن لم يمكن استنابة إمام آخر لوحدة المأموم أو عدم حضور من يصلح للإمامة أتمّوا منفردا بمقتضى الصحيحة.

و إن أمكنت الاستنابة يستنيب الإمام من يؤمّهم، بالإجماع و المستفيضة «2».

و لو لم يستنب تقدّم بعضهم و صلّى لهم، لصحيحة علي «3». أو يقدّمون رجلا و يأتمّون به.

و كذا إن مات الإمام أو أغمي عليه.

كلّ ذلك استحبابا و إن كان مقتضى الأمر الواقع في أكثر تلك الأخبار سيّما استنابة الإمام الوجوب، و لكن الإجماع على عدم وجوبه أوجب صرف تلك الأوامر عن مقتضى حقائقها.

و قد يستند في نفي الوجوب إلى الصحيحة المتقدّمة، فإنّها ظاهرة في جواز الإتمام منفردين.

و فيه نظر، لأنّ إتمامهم صلاتهم أعمّ من أن يكون بالايتمام أو الانفراد، فالصارف هو الإجماع.

______________________________

(1) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 3، الفقيه 1: 264- 1207، التهذيب 3: 269- 772، الاستبصار 1: 440- 1695، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.

(2) الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72.

(3) الفقيه 1: 262- 1196، التهذيب 3: 283- 843، الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 8، ص: 166

فروع:
أ: و من موارد استحباب الاستنابة كون الإمام مسافرا و المأمومين حاضرين،

كما صرّح به في موثّقة البقباق «1».

ب: لو مات الإمام في الأثناء أو أغمي عليه استناب المأمومون استحبابا،

كما ورد في الأخبار «2».

ج: تكره استنابة المسبوق،

لورود المنع عنه في بعض الروايات «3»، إلّا أنّه يقصر عن إفادة الحرمة، مع أنّه يدلّ بعض آخر على الجواز أيضا «4»، فلا يثبت سوى الكراهة.

و قد ذكروا للمسألة فروعا كثيرة لا اهتمام بشأنها، لكونها ممّا يندر وقوعها سيّما ما يتعلّق باستنابة المسبوق، فالإعراض عنها و الاشتغال بما هو أهمّ منها أولى و بمحافظة الوقت أحرى.

المسألة الثامنة: الحقّ المعروف من مذهب الأصحاب جواز اقتداء المفترض بمثله

في فروض الصلوات اليومية و إن اختلفت في التسمية أو في الكميّة، بل في المنتهى: إنّه قول علمائنا أجمع «5».

و عن الصدوق الخلاف في الموضعين، فقال: إنّه لا يصلّي العصر خلف من يصلّي الظهر إلّا أن يظنّها العصر، و إنّه يشترط في الصحة اتّحاد الكميّة «6».

و لكن المنقول عنه غير ثابت كما صرّح به بعضهم «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 164- 355، 3: 226- 574، الاستبصار 1: 426- 1643، الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

(2) الوسائل 8: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 43.

(3) راجع الوسائل 8: 378 أبواب صلاة الجماعة ب 41.

(4) راجع الوسائل 8: 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40.

(5) المنتهى 1: 367.

(6) نقله عنه الشهيد الأوّل في الذكرى: 266، و الشهيد الثاني في الروض: 376.

(7) الحدائق 11: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 167

لنا على الحكمين: الإجماع المحقّق لعدم قدح المخالفة المذكورة و لو ثبتت، و عمومات الجماعة.

مضافا في الأوّل إلى صحيحة حمّاد: عن رجل إمام قوم يصلّي العصر و هي لهم الظهر، قال: «أجزأت عنه و أجزأت عنهم» «1».

و موثقة الفضل في اقتداء الحاضر بالمسافر و عكسه، و فيها: «و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر و الأخيرتين العصر» «2».

و صحيحة محمّد في صلاة المسافر خلف الحاضر: «و إن صلّى معهم الظهر

فليجعل الأوليين الظهر و الأخيرتين العصر» «3».

و في الأخير إلى الأخيرتين، و سائر ما يدلّ على جواز اقتداء المسافر بالحاضر و عكسه.

احتجّ للصدوق في الأوّل بوجه اعتباري غير تامّ، و صحيحة علي «4» في اقتداء المرأة عصرها بإمام يصلّي الظهر الغير المثبتة لمطلوبه بوجوه كثيرة.

و كذا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفّل كائتمام من لم يصلّ بمعيد الصلاة، و عكسه كاقتداء الصبي بالبالغ و معيد الصلاة بمن لم يصلّ، بلا خلاف فيهما كما صرّح به غير واحد «5»، بل بالإجماع صرّح في الخلاف و المنتهى «6»، و تدلّ عليهما العمومات السليمة عن المعارض، بل النصوص المذكورة في مواضعها.

و كذا اقتداء المتنفّل بالمتنفّل في الاستسقاء و العيد مع فقد شرائط الوجوب.

______________________________

(1) التهذيب 3: 49- 172، الاستبصار 1: 439- 1691، و فيهما عن رجل يؤمّ بقوم .. الوسائل 8: 398 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 1.

(2) التهذيب 3: 164- 355، 3: 226- 574، الاستبصار 1: 426- 1643 الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

(3) الفقيه 1: 287- 1308، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.

(4) التهذيب 3: 49- 173، الوسائل 8: 399 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.

(5) منهم المحقّق في المعتبر 2: 425 و العلامة في التذكرة 1: 175، و صاحب الرياض 1: 234.

(6) الخلاف 1: 546، المنتهى 1: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 168

كلّ ذلك مع توافق الصلاتين نظما و هيئة، و إلّا فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا، فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة و الكسوفين و العيدين، و لا العكس، لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصّا و فتوى.

المسألة التاسعة: تستحبّ إعادة المصلّي منفردا صلاته جماعة

إذا وجدت الجماعة بعدها، سواء كان

ذلك المنفرد إماما ثانيا أو مأموما، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرّح به جماعة «1»، بل بالإجماع كما حكي مستفيضا «2»، له، و للمستفيضة من الصحاح كصحيحة ابن بزيع: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: إنّي أحضر المساجد مع جيراني و غيرهم، فيأمروني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم- إلى أن قال-: فكتب: «صلّ بهم» «3».

و الحلبي: «إذا صلّيت صلاة و أنت في المسجد و أقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج و إن شئت صلّ بهم و اجعلها سبحة» «4».

و البختري: في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمَّ يجد جماعة قال: «يصلّي معهم و يجعلها الفريضة» «5».

و نحوها صحيحة هشام إلّا أنّه زاد في آخرها: «إن شاء» «6».

و رواية أبي بصير: أصلّي ثمَّ أدخل المسجد فتقام الصلاة و قد صلّيت،

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 367، و صاحب الحدائق 11: 162.

(2) المدارك 4: 341، المعتبر 2: 428، المنتهى 1: 379، التذكرة 1: 175، الرياض 1: 234.

(3) الكافي 3: 380، الصلاة ب 60 ح 5، التهذيب 3: 50- 174، الوسائل 8: 401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 5.

(4) الفقيه 1: 265- 1212، التهذيب 3: 279- 821 (بتفاوت يسير) الوسائل 8: 402 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.

(5) الكافي 3: 379 الصلاة ب 60 ح 1، التهذيب 3: 50- 176، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 11.

(6) الفقيه 1: 251، 1132، الوسائل 8: 401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 169

فقال: «صلّ معهم، يختار اللّه تعالى أحبّهما إليه» «1».

و الساباطي: عن الرجل يصلّي الفريضة ثمَّ يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز له أن يعيد

الصلاة معهم؟ قال: «نعم و هو أفضل» قلت: فإن لم يفعل؟ فقال:

«لا بأس» «2».

و ورود الأمر الدالّ على الوجوب في بعض تلك الأخبار لا ينفع في إثباته، للإجماع على عدم الوجوب. مضافا إلى التصريح بالتخيير النافي للوجوب في بعضها. و ظاهره و إن كان إفادة الإباحة المحضة- كما لا يستفاد ممّا وقع فيه الأمر جوابا عن السؤال عنها أيضا أزيد من ذلك، لاحتمال كون السؤال عن أصل الرخصة- إلّا أنّ التصريح في الأخير بالأفضليّة يثبت الاستحباب. مضافا إلى ورود الأمر في بعضها خاليا عن السؤال أو ذكر التخيير. مع الأمر في البعض بجعلها سبحة فإنّه أيضا قرينة على الاستحباب. مع أنّ الرخصة في الإعادة مستلزمة لاستحباب المعادة، لأنّها عبادة و هي لا تكون إلّا بفضيلة.

و هل تتعيّن في المعادة نيّة الندب- على القول باشتراط نيّة الوجه- أو الوجوب، أو يتخيّر؟

الظاهر: الأوّل كما حكي عن الأكثر «3»، لخروجه بالأولى عن العهدة قطعا، فلا معنى لقصد الوجوب. مضافا إلى الأمر بجعلها سبحه في الصحيحة المتقدّمة، و في الرضوي و فيه بعد ذكر الاستحباب: «صلّ معهم تطوّعا و اجعلها تسبيحا» «4». مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    170     المسألة التاسعة: تستحب إعادة المصلي منفردا صلاته جماعة ..... ص : 168

فا للمحكي عن الشهيدين «5»، فجوّزا بنيّة الفرض أيضا، لصحيحتي

______________________________

(1) الكافي 3: 379 الصلاة ب 60 ح 2، التهذيب 3: 370- 776، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 10.

(2) التهذيب 3: 50- 175، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 9.

(3) الرياض 1: 234.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 125.

(5) نقله عنهما صاحب الرياض 1: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص:

170

البختري و هشام السابقتين الآمرتين بجعلها الفريضة، و رواية أبي بصير السابقة المصرّحة بأنّ اللّه تعالى يختار أحبّهما.

و دلالة الأوليين ليست بواضحة، لاحتمال الفريضة فيها الفائتة دون التي يراد فيها الإعادة، أو المراد أنّه يجعل الصلاة المعادة هي الفريضة التي صلّاها أوّلا دون غيرها من الفرائض، أو المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة و الثانية المعادة هي الفريضة كما يستفاد من الأخبار المعتبرة.

و لا دلالة للأخيرة أصلا، لأنّ اختياره سبحانه للأحبّ و الأفضل لا يجعلها فرضا تصحّ نيّته فيها.

و هل يختصّ استحباب الإعادة بالمنفرد، أو يشمل الجامع أيضا كمن صلّى فريضة جماعة ثمَّ وجدت جماعة أخرى سيّما إذا كانت الثانية متضمّنة لمزيّة أو مزايا؟

فيه قولان ناشئان من إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، بل عمومه الحاصل من ترك الاستفصال، فيشمل الجامع أيضا.

و من ظهورها في المنفرد، لأنّ الظاهر من قوله: «و أقيمت الصلاة» أو:

«فتقام» أو: «ثمَّ يجد جماعة» عدم تحقّقها أوّلا فلا شمول في غير الاولى [1]، و أمّا هي و إن لم تتضمّن مثل تلك العبارة إلّا أنّها ظاهرة في كون صلاتها الاولى في البيت، و الشائع فيه الفرادى.

و ما ذكر في نفي الشمول لغير الاولى ليس ببعيد، و أمّا ما ذكر لنفي شمولها ففيه منع ظهور كونها في البيت.

فلا بعد في القول الثاني، إلّا أنّ الأوّل أحوط، سيّما مع شهرته الجابرة لما روي عنهم من قولهم: «لا تصلّ صلاة في يوم مرّتين» «1».

و كذا الكلام فيما لو صلّى اثنان فرادى، فإنّ في استحباب الصلاة لهما جماعة

______________________________

[1] أي الرواية الاولى، و هي صحيحة ابن بزيع و فيها: «.. و قد صلّيت قبل أن آتيهم».

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 60- 94، سنن البيهقي 2: 302، مسند

أحمد 2: 19، و 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 171

وجهين. أظهرهما العدم، لعدم استفادة هذه الصورة من النصوص، و توقّف العبادة على التوقيف.

المسألة العاشرة: لو علم المأموم نجاسة ثوب الإمام أو بدنه في أثناء الصلاة لم يجب عليه الإعلام

، و لم يجز له ترك الايتمام، وفاقا لطائفة من الأعلام «1»، فتصحّ صلاته.

أمّا الأوّل فللأصل الخالي عن المعارض، المعاضد برواية محمّد: عن رجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي، قال: «لن يؤذنه حتّى ينصرف» «2».

و المروي في قرب بالإسناد: عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلّي فيه و هو لا يصلّي فيه، قال: «لا يعلمه» «3».

و صحيحة ابن سنان: إنّ مولانا الباقر عليه السلام اغتسل و بقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء فقيل له، فقال: «ما [كان] عليك لو سكتّ؟!» «4».

و أمّا الثاني فللاستصحاب، و عمومات صحّة الايتمام الخالية عن المخصّص سوى ما توهم ممّا يذكر فساده.

خلافا في الأوّل للفاضل في جواب المسائل المهنّائية، فأوجب الإعلام من باب الأمر بالمعروف «5».

و ضعفه ظاهر، لأنّ أدلّة الأمر بالمعروف لا تشمله، لعدم توجّه الخطاب إلى الجاهل و الذاهل و الناسي، فلا معروف و لا منكر بالنسبة إليهم. و لو كان من ذلك

______________________________

(1) منهم المحدّث البحراني في الحدائق 11: 242، و نقل في مفتاح الكرامة 3: 473 عن نهاية الإحكام و الموجز الحاوي و كشف الالتباس.

(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 8، التهذيب 2: 361- 1493، الوسائل 31: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 1.

(3) قرب الإسناد 169- 620، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 47 ح 3.

(4) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 15، الوسائل 3: 259 أبواب الجنابة ب 41 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(5) أجوبة المسائل المهنائية: 49.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 8، ص: 172

الباب للزم كون ذلك الجاهل آثما معاقبا، و هو خلاف الإجماع.

و إن أراد من قوله: من باب الأمر بالمعروف، كونه من باب الإرشاد فوجوبه بل رجحانه إنّما يسلّم في الأحكام دون الموضوعات.

و في الثاني للمحكي عن المحقّق الشيخ علي و بعض العلماء البحرانيين «1»، فمنعا من الايتمام و أوجبا الانفراد مبنيّا على صلاة الإمام، لأنّ طهارة الثوب و البدن واجبة في الصلاة و لا تصحّ الصلاة مع العلم بالنجاسة، و صلاة الإمام متّحدة مع صلاة المأموم، فتكون كأنّها في ثوبه أو بدنه.

و فيه: منع الاتّحاد. و كونه بمنزلة كون النجاسة في ثوبه و بدنه ممنوع. مع أنّ الثابت من أدلّة اشتراط الطهارة ليس إلّا اشتراطها في ثوبه و بدنه بنفسه، لا ما هو بمنزلته.

و قد يستدلّ أيضا بأنّ صلاة الإمام فاسدة واقعا صحيحة ظاهرا، و المأموم عالم بفساده الواقعي، فلا يصحّ الايتمام به.

و فيه: منع الفساد واقعا، إذ ليس الفساد إلّا عدم الموافقة للمأمور به، و لا أمر إلّا بالمعلوم.

المسألة الحادية عشرة: يصحّ اقتداء أحد المجتهدين أو مقلّده بالمجتهد الآخر أو مقلّده

و إن علم المأموم مخالفة الإمام له في كثير من أحكام الصلاة و مقدّماتها و شرائطها، وفاقا لبعض الأجلّة.

لأصالة عدم اشتراط الاتّحاد في الفروع مع القدوة.

و إجماع الأمّة، لأنّ بناء السلف و الخلف على ذلك من غير تفتيش عن اجتهاد الإمام و الموافقة و المخالفة في المجتهد، مع عدم ثبوت أصل يقتضي الموافقة، و اقتداء المجتهدين بعضهم ببعض و كذا المقلّدين مع العلم العادي بالاختلاف حتّى فيما تبطل به الصلاة في حقّ واحد دون الآخر، و كذا اقتداء أصحاب الأئمة

______________________________

(1) انظر الحدائق 11: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 173

عليهم السلام و تقرير الأئمة لهم، مع اختلافهم كثيرا في الفروع باختلاف

الأخبار كما يظهر من أصولهم.

و لأنّها صلاة صحيحة عند الإمام و المأموم فالإمام يصلّي صلاة صحيحة باتّفاقهما، فتشمله عمومات الجماعة طرّا من غير مخصّص.

و لا يضرّ بطلان الصلاة في بعض الصور في حقّ المأموم بمعنى أنّه لو فعلها نفسها كذلك مع ما عليه من الرأي عليه تكون باطلة.

لأنّه بطلان فرضي، أي لو فرض صدورها من المأموم كذلك تكون باطلة، فإنّها لم تصدر حينئذ منه بل من الإمام، و الصلاة الواقعة صحيحة عندهما، فلا وجه لعدم جواز الاقتداء، و لذا لو نذر المأموم أن يعطي من صلّى صلاة صحيحة باعتقاد ذلك المأموم درهما يبرأ بإعطائه ذلك الإمام، لأنّ صلاته صحيحة باعتقاد المأموم و إن كان لو صدر مثل ذلك عن المأموم يكون باطلا.

و قيّد بعضهم الصحّة بما إذا لم تكن صلاة الإمام باطلة عند المأموم.

فإن أراد البطلان عنده في حقّ الإمام أيضا، كأن يزعم تقصيره في الاجتهاد أو عدم كون مجتهده جائز الاتّباع مع تقصير المقلّد في معرفة حاله، فهو كذلك و نحن نقول به و وجهه ظاهر.

و إن أراد البطلان عنده في حقّ نفسه لو فعلها كذلك فهو غير صحيح، لما ذكر، و ليست صلاة الإمام صلاة المأموم حقيقة بل و لا بمنزلتها حتّى تكون باطلة في حقّ المأموم حينئذ أيضا.

ثمَّ على ما ذكرنا لو كانت المخالفة فيما لا يجب على المأموم فعله أو تركه بل كان ساقطا عنه، فلا يفعله المأموم و لا شي ء عليه لو فعله الإمام، كما إذا كان مذهب الإمام عدم وجوب السورة و لم يقرأها، أو جواز القران في الفريضة و قرن، أو جواز قراءة العزيمة و قرأها، فلا شي ء على المأموم، و كذا لو رأى المأموم شيئا ناقضا للوضوء

أو الغسل و لم يره الإمام كذلك و بنى على الطهارة السابقة عليه فإنّ الإمام متطهّر عندهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 174

و لو كانت فيما يجب على المأموم فعله و لم يجب عليه البناء فيه على فعل الإمام، فيبني على اجتهاد نفسه أو مجتهده. فلو رأى الإمام جواز المسح بالبلّة الجديدة و لم يجوّزه المأموم يتوضّأ المأموم باجتهاد نفسه. و لو أوجب المأموم رفع اليدين بتكبيرة الإحرام دون الإمام يرفعهما المأموم و إن لم يرفعهما الإمام. و لو أوجب المأموم القنوت دون الإمام يقنت و لو لم يقنت الإمام، و يلحقه في الركوع، و هكذا.

و كذا الكلام في الاجتهاد في الموضوعات، فلو توضّأ بماء مغصوب عند المأموم دون نفسه صحّ الاقتداء، و لو تخالفا في القبلة يتوجّه كلّ منهما إلى قبلته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 175

الباب الثالث في صلاة المسافر

اشارة

اعلم أنّه يجب التقصير في الرباعية خاصّة بإسقاط أخيرتيها في السفر المستجمع لشرائط التقصير الآتية، بإجماع أصحابنا الإمامية، و عليه تواترت أخبارهم.

و كذا لا خلاف في سقوط نوافلها إلّا الوتيرة، فإنّ فيها خلافا قد سبق مع بيان الحق فيه في بحث النوافل.

و كذا يسقط وجوب الجمعة عليه كما تقدّم في بحث صلاة الجمعة.

و لا قصر في غير الرباعية، و لا سقوط لغير نوافلها من النوافل، إجماعا.

ثمَّ الكلام في ذلك المقام تارة في شرائط القصر، و اخرى في أحكامه، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 177

الفصل الأول في شروط القصر
اشارة

و هي أمور:

الأول: المسافة المخصوصة
اشارة

، بإجماع العلماء من الخاصّة و العامّة سوى داود «1» فاكتفى بمجرّد صدق المسافر و الضرب في الأرض. و على اعتبارها إجماع علمائنا كافّة، و حكاية الإجماع عليه متواترة «2»، فهو فيه الحجة. مضافا إلى الأخبار المتكثرة، بل في المعنى متواترة، و إن اختلفوا في تعيين المسافة، كما يبيّن بتحقيق المقال فيه في مسائل:

الأولى: اتّفق جميع أصحابنا على عدم اعتبار الأزيد من ثمانية فراسخ،

فيجب التقصير إذا بلغت المسافة إليها، إجماعا، له، و للمستفيضة كمعتبرة الفضل: «و إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم» «3» الحديث.

و موثقة سماعة: في كم يقصر الصلاة؟ قال: «في مسيرة يوم، و ذلك بريدان، و هما ثمانية فراسخ» «4».

______________________________

(1) المجموع 4: 425.

(2) انظر الانتصار: 51، و الخلاف 1: 567، و السرائر 1: 334، و المعتبر 2: 465، و التذكرة 1:

188، و المدارك 4: 428، و الذخيرة: 405، و الرياض 1: 248.

(3) الفقيه 1: 290- 1320، العلل: 266، ب 182. عيون الأخبار 2: 111، الوسائل 8: 451 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 3: 207- 492، الاستبصار 1: 222- 768، الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 178

و الساباطي: عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ، فيأتي قرية فينزل فيها، ثمَّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستّة، لا يجوز ذلك، ثمَّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافرا حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة» «1».

و المعنى: أنّ الرجل لا يكون مسافرا حتّى يقصد أن يسير من منزله ثمانية

فراسخ، فهذا الشخص يتمّ الصلاة لعدم كونه قاصدا لها، نعم يقصر في الرجوع لتحقّق القصد.

أو المعنى: هذا الشخص لا يكون مسافرا حتى يسير ثمانية فراسخ، فإذا سار الثمانية و لو بدون القصد يكون مسافرا، فقبل ذلك يتمّ الصلاة.

و المعنى الأوّل يوجب جعل سير ثمانية فراسخ بمعنى قصده، و الثاني يوجب تخصيص الأمر بالإتمام بما قبل وصول هذا الرجل الثمانية.

و الأول أظهر، لشيوع إرادة قصد السير من السير في أخبار السفر.

و رواية البجلي، و فيها: كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: «جرت السنّة ببياض يوم» فقلت له: إنّ بياض يوم يختلف- إلى أن قال-: ثمَّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ «2».

و تدلّ الأخيرة من غير معارض على كون ثمانية فراسخ أربعة و عشرين ميلا، كما هو اتفاقي بين الفقهاء، على ما صرّح به غير واحد «3»، بل بين العلماء كافة كما في المدارك «4»، بل عليه كلّ اللغويين كما في المصباح المنير «5».

و تدلّ عليه أيضا مرسلة الفقيه: «لمّا نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له

______________________________

(1) التهذيب 4: 225- 661، الاستبصار 1: 226- 805، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3.

(2) التهذيب 4: 222- 649، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.

(3) انظر المعتبر 2: 467، و التذكرة 1: 188، و كفاية الاحكام: 32، و الحدائق 11: 301.

(4) المدارك 4: 429.

(5) المصباح المنير: 588.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 179

النبي: في كم ذلك؟ فقال: في بريد، قال: و كم البريد؟ قال: ما بين ظلّ عير إلى في ء و عير [1]، فذرعته بنو أمية ثمَّ جزّؤوه على اثني عشر ميلا، فكان كلّ ميل ألفا و خمس

مائة ذراع، و هو أربعة فراسخ» «1».

و رواية المروزي، و فيها: «فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا و ذلك أربعة فراسخ» «2» الحديث.

و على هذا فيدلّ على المطلوب ما تضمنت الأميال من الأخبار أيضا، كموثقة العيص: في التقصير «حدّه أربعة و عشرون ميلا» «3».

و حسنة الكاهلي: في التقصير في الصلاة، قال: «بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا» «4».

و صحيحة زرارة و محمّد، و فيها: «و قد سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب، و هي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان، أربعة و عشرون ميلا، فقصر و أفطر، فصارت سنّة، و قد سمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صام حين أفطر: العصاة» «5». الحديث.

و يستفاد من الأخيرتين و المرسلة المتقدّمة كون أربعة و عشرين ميلا- التي هي ثمانية فراسخ- بريدين أيضا، بل في المرسلة تصريح باتّحاد البريدين و ثمانية فراسخ، كما دلّت عليه موثقة سماعة المتقدمة، و صحيحة زرارة: «التقصير في

______________________________

[1] عير و وعير جبلان بالمدينة انظر: مجمع البحرين 3: 418 و روضة المتقين 2: 638.

______________________________

(1) الفقيه 1: 286- 1303، الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

(2) التهذيب 4: 226- 664، الاستبصار 1: 227- 808، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.

(3) التهذيب 4: 221- 647، الاستبصار 1: 223- 788، الوسائل 8: 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 14.

(4) الفقيه 1: 279- 1269، التهذيب 3: 207- 493، 4: 223- 652 الاستبصار 1:

223- 787، الوسائل 8: 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3.

(5) الفقيه 1: 278- 1266، الوسائل 8: 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح

4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 180

البريد، و البريد أربعة فراسخ» «1». و الأخرى: عن التقصير فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتى ذبابا قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» «2».

و أمّا ما في رواية المروزي: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهبا و جائيا، و البريد ستّة أميال، و هو فرسخان» «3». الحديث.

فمع ما فيها من الحكم المخالف للإجماع من التقصير في فرسخين، و احتمال كون تفسير البريد و ما بعده من الراوي كما في الوافي «4»، لا يعارض ما مرّ لشذوذها، كما صرّح به غير واحد «5»، مع أنّها مرجوحة عما مرّ بوجوه.

و على هذا فيدلّ على المطلوب ما دلّ على التقصير في البريدين أيضا، كصحيحة خزاز: عن التقصير، قال: «في بريدين أو بياض يوم» «6».

و نحوها صحيحة أبي بصير «7».

و مرسلة ابن بكير: في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا آخر له أو ضيعة له اخرى، قال: «إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر، و إن كان دون ذلك أتمّ» «8».

______________________________

(1) الكافي 3: 432 أبواب السفر ب 2 ح 1، التهذيب 4: 223- 653، الاستبصار 1:

223- 790، الوسائل 8: 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 1.

(2) الفقيه 1: 287- 1304، الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14 و 15.

(3) راجع الرقم (3) من الصفحة السابقة.

(4) الوافي 7: 136.

(5) منهم الفيض في الوافي 7: 136، و الحر العاملي في الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ذيل الحديث 4.

(6) التهذيب 3:

210- 506، الاستبصار 1: 225- 802، الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 7.

(7) التهذيب 4: 222- 651، الاستبصار 1: 223- 789، الوسائل 8: 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 11.

(8) التهذيب 4: 221- 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 181

و يستفاد من رواية البجلي المتقدّمة اتّحاد بياض اليوم مع الأميال و الفراسخ، المتحدتين مع البريدين، فتكون لفظة، «أو» في صحيحة خزاز لبيان أفراد كيفية التقدير.

بل يستفاد منها أنّ بياض اليوم هو مسيرة يوم التي حدّ التقصير بها في كثير من الأخبار. فتكون هي أيضا متّحدة مع ثمانية، لذلك و لمعتبرة الفضل، و موثقة سماعة، و صحيحة زرارة و محمد، المتقدّمة جميعا.

و على هذا فيدلّ على المطلوب أيضا ما حدّ التقصير بمسيرة اليوم، كبعض ما مرّ، و صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم، قال:

«يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم و إن كان يدور في عمله» «1».

و قد ظهر من جميع ذلك اتّحاد جميع هذه التقديرات و أنّ مرجعها إلى ثمانية فراسخ.

و أمّا ما يخالفها ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم و ليلة، أو ثلاثة برد، أو مسيرة يومين «2».

فمع قصوره عن المقاومة لما مرّ من وجوه منها الشذوذ فتوى و رواية، بل المخالفة للإجماع، محمولة على التقية، فإنّ لكلّ منها قائلا من العامّة «3».

ثمَّ إنّه يظهر من ذلك ما في كلام بعض المتأخّرين- كالروض و المدارك «4»، و غيرهما «5»- من اعتبار المسافة بمسيرة يوم و التقدير بالفراسخ معا، ثمَّ نفي الإشكال عن الاكتفاء بالسير و التقدير مع موافقتهما، و الاستشكال فيما لو اختلفا،

و ترجيح التخيير تارة بالتقصير ببلوغ المسافة بأحدهما، و تقديم السير أخرى، لأنّه

______________________________

(1) التهذيب 3: 209- 503، الاستبصار 1: 225- 799، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.

(2) انظر الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر 1: ح 5 و 9 و 10.

(3) بدائع الصنائع 1: 93.

(4) الروض: 383، المدارك 4: 430.

(5) كالذخيرة: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 182

أضبط و دلالة النص عليه أقوى، و التقدير ثالثة، لكونه تحقيقا، و الاحتياط بالقصر و الإتمام في مقام الاختلاف رابعة.

و ذلك لأنّ مسيرة يوم أمر مطلق، مختلفة الأفراد قطعا، لتفاوتها باعتبار اختلاف السير في كيفية السير، و نفس سير المراكب، و الأمكنة، و الأزمنة، و الراكب، و الأثقال، و اختلاف الأيام. و الأخبار المقيدة بثمانية فراسخ مقيدة.

و حمل المطلق على المقيّد واجب، فيتعين الحمل على الفراسخ. و أضبطيّة السير ممنوعة. مع أنّ الوارد في الأخبار المتقدّمة ضبط مسيرة يوم أيضا بالفراسخ، فيعلم أنها المراد منها، و إن كان ذلك لأجل علمهم بأنّها الأغلب للعامّة في مسيرة اليوم.

ألا ترى أنّه إذا أمر الشارع بالإطعام بقدر تشبع عامة الناس، ثمَّ عيّنه بالمدّ يحمل عليه؟! و لقد أجاد بعض بعض الأجلّة في شرحه على الروضة [1]، حيث قال- بعد ذكر ما نقلنا عن بعض المتأخّرين-: لا مجال لاعتبار السير إذا خالف التقدير، فإنّ الأخبار الناطقة بالتقدير ممّا لا تحصى كثرة، و الناطقة بالسير لا شكّ أنّها مطلقة بالنسبة إلى الأوّلة، و لا بدّ من حمل المطلق على المقيّد، لا سيّما و بعضها مصرّح بتقييد ذلك المطلق بذلك القيد. هذا، مع أنّ تعليق الحكم الشرعي بالأمر المنضبط أولى من تعليقه بأمر مضطرب، و أنّ التقصير في أقلّ

ذلك مخالف للأصل من وجهين، فإنّ الأصل بقاء حكم الإتمام و عدم التقصير، و الأصل عدم تحقّق الشرط.

فالتقدير بثمانية فراسخ مما لا ينبغي الشك فيه. انتهى.

و على هذا فاللازم الرجوع إلى تعيين معنى الفرسخ بالفحص في الأخبار، فإن تعيّن [و إلّا] «1» فالرجوع إلى اللغة أو العرف.

فإن قلت: التقدير كما ورد بالفراسخ ورد بالبريد و الأميال أيضا، و مع ذلك يظهر من الأخبار اتحاد الثلاثة، فهلّا جعلت الحدّ أحد الأخيرين، و الرجوع إلى

______________________________

[1] الظاهر هو «المناهج السّوية في شرح الروضة البهية» للفاضل الهندي (مخطوط).

______________________________

(1) أضفناه لاستقامة العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 183

الأخبار أو العرف أو اللغة في تعيين معناه؟

قلنا: لأنّ الوارد في الأخبار تفسيرهما بالفراسخ، و تعيين معناهما بها، فيعلم أنّ الفراسخ هي المرجع.

و من ذلك يعلم أنّ بعد تعيين معنى الفرسخ لا يضرّ إجمال معنى الآخرين أو الخلاف فيه، بل و لا مخالفته لغة للمعنى المعلوم للفرسخ، إذ بعد دلالة الأخبار على أنّ البريدين و أربعة و عشرين ميلا هو ثمانية فراسخ، و معلومية معنى الفرسخ، يعلم مراد الشارع من البريد و الميل، و إن كان مخالفا للمعنى اللغوي لهما، غاية الأمر كونه مجازا شرعيا.

نعم، لو لم يعلم معنى الفرسخ، و علم معنى لهما أو لأحدهما، يجب حمل الجميع عليه.

فاللازم الرجوع في وجوب التقصير إلى ثمانية فراسخ.

ثمَّ الفرسخ ثلاثة أميال، إجماعا محققا، و منقولا مستفيضا «1»، لغة و شرعا، كما دلّت عليه الأخبار المتقدمة.

و الميل يقدّر تارة بمدّ البصر من الأرض، و اخرى بالذراع.

و لا يمكن أن يكون المراد به في المقام المعنى الأوّل، لعدم انضباطه البتة، لاختلاف مدّ البصر باختلاف المبصر، و الباصرة، و الأرض، و رقّة الهواء و غلظته، بل

لا يكاد يوجد عشرة أشخاص لم يختلف مدّ أبصارهم غاية الاختلاف، بل يختلف في ثمانية فراسخ بقدر ضعفها.

مع أنّ المراد بمدّ البصر غير ثابت. و ما قيل من أنّه ما يمتاز فيه الراجل عن الراكب لا دليل عليه أصلا، و قد جرّبنا كثيرا من الناس، فمنهم من يميز بينهما في فرسخ، سيّما إذا كان في أرض لها انحدار، و منهم من لا يميّز في ألف ذراع. و مثل ذلك يستحيل أن يكون مناطا للأحكام الشرعية.

فتعيّن الثاني.

______________________________

(1) انظر الانتصار: 51، و الخلاف 1: 568، و الرياض 1: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 184

و عدده أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، لأنه المشهور المعروف بين اللغويين، و الفقهاء، و العرف، كما صرّح به غير واحد «1»، بلا معارض أصلا، إذ ليس إلّا بعض الأخبار المحدّدة له بألف و خمسمائة ذراع «2»، أو ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع «3»، أو بعض كلمات أهل اللغة القائلة بأنّه ثلاثة آلاف ذراع «4»، و ليس الذراع في شي ء منها مقيّدا بذراع اليد، و للذراع إطلاقات كثيرة عند اللغويين، و لها اختلافات، كذراع القدماء، و ذراع المحدّثين، و الذراع الأسود، و بعضها اثنان و ثلاثون إصبعا، و بعضها أربعة و عشرون، و يحتمل أن يكون بعضها غير ذلك.

و بالجملة: لا يعلم مغايرة التحديد بالذراع المطلق للتحديد بذراع اليد، فيمكن أن يكون العدد الّذي حدّدوه به مطلقا هو بعينه أربعة آلاف ذراع اليد، فلا يعلم معارض للمشهور استعماله فيه. فيحمل عليه، لأصالة عدم التعدد في المستعمل فيه، و عدم استعمال الميل- المراد منه الذراع- في الأقلّ من أربعة آلاف ذراع اليد أو الأكثر.

مع أنّ استعمال الفرسخ في اثني عشر ألف ذراع بذراع

اليد مقطوع به، مشهور بين الفقهاء و اللغويين. بل الأزهري- بعد ما صرّح بأنّ الميل عند كلّ من القدماء و المحدّثين أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، و أنّ الاختلاف في الذراع لفظي- قال: و الكلّ متفقون على أنّ الفرسخ ثلاثة أميال «5». و مقتضاه الاتفاق على أنّ الفرسخ اثني عشر ألف ذراع بذراع اليد.

فهذا الاستعمال مما لا ريب فيه، و الاستعمال في غيره غير معلوم، و الأصل في الاستعمال الحقيقة، فيكون الفرسخ حقيقة في ذلك.

______________________________

(1) كالسيد بحر العلوم في رسالة صلاة المسافر المنقولة في مفتاح الكرامة 3: 507.

(2) انظر الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.

(3) انظر الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

(4) المصباح المنير: 588 نقلا عن قدماء أهل الهيئة.

(5) نقله عن الأزهري في المغرب 2: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 185

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك، و قلنا بعدم معلوميّة المراد من الميل، و عدم تعيّنه، يجب الرجوع في معنى الفرسخ- الذي به فسّر البريد و الأميال في الأخبار- إلى العرف، فيراد به ما يطلق عليه الفرسخ عرفا، و هو موافق لاثني عشر ألف ذراع، فإنّا قد سمعنا التقدير كثيرا، و التطابق بين ما يطلق عليه الفرسخ عرفا- أي المسافة المشهورة بالفرسخ- و بين هذا العدد تقريبا، و لم يوجد اختلاف أكثر ممّا يتحقّق بواسطة تفاوت الأذرع و التقريب «1» الحاصل باعتبار تفاوت مبادئ الذراع أو يسير انحراف في الطريق حين المساحة. فلا شكّ في لزوم تحديد الفرسخ بذلك.

ثمَّ إنّهم حدّدوا الذراع بالأصابع، و هي بالشعيرات، و هي بالشعرات.

و هو- مع أنّه ليس مستندا إلى دليل- لا فائدة فيه، إذ الاختلاف المتحقّق من

جهة اختلاف الشعيرات و الشعرات و الأصابع ليس بأقلّ من الحاصل بواسطة الأذرع، فلا يحصل بذلك تحقيق و انضباط أكثر.

فائدة: اعلم أنّه لا شكّ في أنّه لا حدّ حقيقيا للفرسخ لا يزيد عنه و لا ينقص، سواء يرجع فيه إلى العرف أو الأذرع، إذ إطلاق العرف لا يختلف باختلاف عشرة أذرع أو عشرين، بل بنحو من ألف ذراع في ثمانية فراسخ.

و كذا الأذرع، فإنّه و إن كان المرجع في تحديد الذرع إلى مستوى الخلقة، و لكن من ضروريات الحسّ و العيان تفاوت أذرع أكثر الناس، و لو بنصف إصبع أو إصبع، و من اجتماع التفاوت في أربعة فراسخ أو ثمانية ربما بلغ الاختلاف إلى نحو من ألف ذراع. و لا شكّ أيضا في صدق الفرسخ على كلّ من المختلفين.

و على هذا فيكفي في لزوم القصر أو جوازه تحقّق الأقلّ، للصدق. فكلّ ما علم صدق ثمانية فراسخ عليه عرفا، أو صدق ستة و تسعين ألف ذراع عليه يكون محلّ الحكم، و كذا في الأربعة، و لو كان القدر الأقلّ، إذا لم يختلف العرف فيه،

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الظاهر أنّ الأنسب: التقدير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 186

أو كان من أذرع المتعارف من أفراد الناس.

المسألة الثانية: هل هذه الثمانية الموجبة للقصر ثمانية ممتدّة ذهابية، أو أعمّ منها و من الملفّقة من الذهابية و الإيابيّة؟
اشارة

المشهور بين القدماء و المتأخّرين الأول، بل ادّعى جماعة نفي القول بخلافه، و الأخرى الإجماع على بطلان خلافه كما يأتي «1».

و عن العماني الثاني «2»، و اختاره شرذمة من متأخّري المتأخرين «3».

و الحقّ هو الأول، للأصل، و الإجماع كما يأتي بيانه، و ظهور أخبار الثمانية و البريدين و اثني عشر ميلا و مسيرة يوم و نحوها في الممتدّة، بل كونها حقيقة فيه، إذ لا شكّ أنّ الفرسخ و البريد و

ثمانية فراسخ و الأربعة و البريدين و نحوها ألفاظ موضوعة لغة و عرفا لمسافة معينة ممتدّة امتدادا متّصلا في جهة واحدة، فالفرسخ اسم لاثني عشر ألف ذراع مبتدأة من مبدإ منتهية إلى موضع، حقيقة فيه، للتبادر، و صحة السلب، فإنه لو سمع الفرسخ يتبادر منه مسافة ممتدة، و كذا ثمانية فراسخ، و لا يسبق إلى الذهن من الأول ربع فرسخ متكرر أربع مرّات، و لا من الثاني فرسخ متكرر ثمان مرات، و يصحّ سلب الفرسخ من الأوّل و ثمانية فراسخ عن الثاني. و كذا بياض يوم و أربع و عشرون ميلا و البريدان و غيرها، و لا يقال لألف ذراع إنّه فرسخ، حيث يمكن الذهاب و الإياب فيه اثني عشر مرة، و كذا لا يقال له بريد من هذه الجهة، و لذا قال جماعة: إنّ المتبادر هو المسافة الذهابية «4».

و تدل عليه أيضا رواية المروزي المتقدّمة «5»، العاطفة «بريد ذاهبا و بريد جائيا» على البريدين، المقتضي لتغايرهما.

______________________________

(1) انظر، ص 206.

(2) نقله عنه في المختلف: 162.

(3) كالذخيرة: 406، و مفاتيح الشرائع 1: 25، و الحدائق 11: 325.

(4) المدارك 4: 438، الذخيرة: 407، الرياض 1: 249.

(5) في ص 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 187

احتجّ من عمّها بوجوه:

الأوّل: صدق الثمانية و البريدين و نحوهما على الملفّقة.

الثاني: أنّ المراد سير ثمانية فراسخ، و هو أعمّ من سيرها ممتدّة أو ملفّقة، بل صرّح في بعض الروايات بالسير، كموثّقة الساباطي المتقدمة «1»، و قوله في صحيحة أبي ولّاد الآتية: «فإن كنت سرت في يومك الذي خرجت منه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير» «2».

الثالث: الأخبار الآتية الدالة على تحتّم القصر في الأربعة، فهي قرينة على إرادة الملفّقة.

الرابع:

صحيحة زرارة المتقدّمة «3»، المصدّرة بقوله: عن التقصير، فقال:

«بريد ذاهب و بريد جائي».

و هي تدل من وجهين: أحدهما قوله: «بريد ذاهب و بريد جائي» فإنه يدلّ على أنّ الثمانية ملفقة. و ثانيهما: تعليله تقصير الرسول في البريد بأنه إذا رجع كان بريدين.

و صحيحة معاوية بن وهب: أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال: «بريد ذاهبا و بريد جائيا» «4».

و رواية المروزي السابقة.

الخامس: رواية صفوان: عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر؟ قال: «لا يقصر و لا يفطر، لأنّه خرج من منزله،

______________________________

(1) في ص 178.

(2) التهذيب 3: 298- 909، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

(3) في ص 180.

(4) التهذيب 3: 208- 496، 4: 224- 657، الاستبصار 1: 223- 792، الوسائل 8: 456 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 188

و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه، فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار» «1».

دلّت على وجوب التقصير بالأربعة الذهابية و الإيابية، بل يدلّ قوله: «و لو أنّه خرج» بعد قوله: «لأنّه ليس يريد السفر ثمانية فراسخ» على أنّ الأربعة فراسخ ذاهبا و جائيا من أفراد السفر ثمانية فراسخ، فتكون الثمانية أعمّ من الملفقة.

السادس: تعليل وجوب القصر في البريد و الأربعة بأنّه إذا رجع كان سفره ثمانية في حديث العلل و المحاسن، و فيها بعد الأمر بالتقصير في الأربعة:

«هل تدري كيف صار هكذا؟» قلت: لا أدري، قال: «لأنّ التقصير في البريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فلمّا كانوا قد ساروا بريدا و أرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير» «2».

و هذا صريح في إرادة الأعمّ من الملفقة.

و الجواب أما عن الأول: فبمنع الصدق كما مرّ.

و أما عن الثاني: فبمنع أعمية سير الثمانية، فإنّ لفظ الثمانية إذا كانت حقيقة في الممتدّة يكون سيرها حقيقة في سير الممتدّة، لأصالة عدم وضع آخر للهيئة التركيبيّة، و لذا لا يتبادر من قولك: أعطيته ألف درهم، إلّا إعطاء ألف متعدّدة دون المكرّرة، و كذا: رأيت ألف شخص، و قرأت ألف بيت.

مضافا إلى أنّ الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: «التقصير في بريدين أو ثمانية فراسخ» لا يشتمل على لفظ «سير» فكما يمكن أن يكون المراد سير هذه المسافة يمكن أن يكون ذهابها، بل هو المتبادر الظاهر.

______________________________

(1) التهذيب 4: 225- 662، الاستبصار 1: 227- 806، الوسائل 8: 468 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.

(2) العلل: 367 ب 89 ح 1، المحاسن: 312- 29. الوسائل 8: 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11 (بتفاوت يسير).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 189

و الموثّقة صريحة في الممتدّة، إذ لو أراد الملفّقة أيضا لوجب الحكم بالتمام في خمسة فراسخ الثانية، لقصده الذهاب إليها و الإياب، بخصوصه كما هو الظاهر، أو بالعموم الحاصل من ترك استفصال أنّ الخمسة الثانية هل كانت مقصودة بتمامها أوّلا أو لا. مع أنّ مقتضاها حصول السفر بسير ثمانية فراسخ، و لا دلالة لها على وجوب التقصير به، بل غايته أنّ بدونه لا يقصر، فيمكن أن يكون للقصر شرط غيره أيضا ككون السفر ذهابيا.

و

الصحيحة صريحة في أنّ سير البريد ذهابي لقوله بعده «حين رجعت» فلا دلالة لها من حيث إطلاق السير، و أمّا من حيث إيجاب التقصير في البريد فيأتي جوابه.

و أمّا عن الثالث: فبعدم دلالة أكثر أخبار الأربعة على التحتم، و يعارض ما دلّ منها عليه مع الأقوى منها، كما يأتي مفصلا، مع انّها لو تمّت دلالتها لدلّت على التقصير في الأربعة مطلقا و إن لم يكن فيها إياب قبل قطع السفر، فلا تكون قرينة على تلفيق الثمانية، بل تكون معارضة لأخبارها.

و أما عن الرابع: فبأنّه لا يدل على الأزيد من مشروعيّة التقصير و جوازه في بريد ذاهب و بريد جائي، و أنّ علّة المشروعية صيرورتها ثمانية ملفّقة كما يأتي، و لا دلالة فيه على أنّ الثمانية الموجبة أيضا هي أعمّ من الملفّقة، و يمكن أن تكون الثمانية الملفّقة صالحة لعليّة الجواز لا الوجوب.

و أمّا عن الخامس و السادس: فبأنّ الاستناد إليهما إنّما كان صحيحا لو لا ضعفهما بالشذوذ و المعارض، و لكن حكمهما عموما شاذّ، و مع ذلك يعارضان الرضوي الآتي المنجبر بالعموم المطلق، فيجب تخصيصهما بغير محلّ التعارض، كما يأتي في المسألة الرابعة.

فائدة: الفرق بين هذه المسألة، و مسألة تحتّم القصر في الأربعة و عدمه بالعموم من وجه

، فتفترق هذه المسألة عن الآتية فيما إذا لم يكن الذهاب أربعة، كمن يقصد السير من طريق مسافته ثلاثة فراسخ، و العود ممّا مسافته خمسة، و فيما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 190

إذا سافر غير ناو للمسافة حتّى إذا بلغ سبعة فراسخ مثلا، فنوى ذهاب فرسخ و العود، و فيما إذا تردّد في ثلاثة فراسخ ثلاث مرّات، فيقصّر بناء على هذه المسألة دون الآتية. و تفترق الآتية فيما إذا قصد الأربعة، و تعقبها قاطع السفر، فيقصر على المسألة الآتية دون تلك

المسألة.

المسألة الثالثة: الحقّ ضمّ الإياب مع الذهاب في الثمانية المجوّزة للقصر،

سواء بلغ ذهابه أربعة أم لا، بل ذهب فرسخا و رجع سبعة، فيجوز القصر في الثمانية الملفقة و إن لم يجب، للأدلّة الثلاثة الأخيرة من أدلة القائلين بالتلفيق في المسألة المتقدّمة، أمّا أوّلها فلما مرّ من أنّه يدلّ على علّية الضمّ للجواز، و أما الأخيران فلاختصاص شذوذهما و تعارضهما بما في دلالتهما على وجوب القصر دون جوازه.

المسألة الرابعة: ما مرّ كان حكم الثمانية الممتدّة
اشارة

، و قد عرفت أنّ حكمها وجوب التقصير.

و أمّا الأربعة الممتدّة فإمّا يريد الرجوع عنها ليومه، أم لا.

فإن أراد الرجوع ليومه قصّر وجوبا أيضا، على الأصح الموافق للعماني و السيّد و المفيد و الصدوقين و التهذيب و النهاية و المبسوط و الحلّي و الديلمي «1»، و كافّة المتأخّرين، بل هو المشهور كما به صرّح جماعة «2»، بل وفاقا لغير من شذّ و ندر، كما ذكر جمع آخر «3»، بل عن ظاهر الأمالي: أنّه من دين الإماميّة «4».

______________________________

(1) حكاه عن العماني و الصدوقين في المختلف: 162، و السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، و المفيد في المقنعة: 349، و انظر الهداية: 33، و الأمالي: 514، و الفقيه 1: 280 ذيل الحديث 1269، التهذيب 3: 207 ذيل الحديث 495، النهاية: 122، المبسوط 1: 141، الحلي في السرائر 1: 329، الديلمي في المراسم: 75.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 370، و البحراني في الحدائق 11: 313.

(3) انظر الرياض 1: 249.

(4) أمالي الصدوق: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 191

لعموم خبر صفوان المتقدّم «1»، و موثقتي ابني عمّار و بكير، الاولى: في كم أقصّر الصلاة؟ فقال: «في بريد، ألا ترى أنّ أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفات كان عليهم التقصير؟!» «2».

و الثانية: عن القادسية أخرج إليها

أتمّ أم أقصّر؟ قال: «و كم هي؟» قال:

هي الّتي رأيت. قال: «قصّر» «3».

قال في المغرب: القادسية موضع بينه و بين الكوفة خمسة عشر ميلا «4».

دلّت بعمومها على وجوب التقصير في الأربعة الممتدّة، لم يعمل بها في غير الراجع ليومه لأجل المعارض و المضعف- كما يأتي- فبقي الباقي.

و خصوص الرضوي المنجبر ضعفه بما سبق، حيث قال: «فإن كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصّرت، لأنّ ذهابك و مجيئك بريدان» إلى أن قال: «فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ، و لم ترد الرجوع من يومك، فأنت بالخيار إن شئت أتممت و إن شئت قصرت» «5».

و لا يضرّ عدم صراحة قوله «قصرت» في الوجوب، لأنّه يصير صريحا بعد تذييله بما ذيّل به من إثبات الخيار لو لم يرجع، لأنّ التفصيل قاطع للشركة، بل مفهوم الذيل أيضا كاف في نفي الخيار و إثبات الوجوب مع الرجوع في اليوم.

و بذلك يدفع استصحاب وجوب التمام، و يخصّص عموم ما دلّ على أنّه لا قصر في أقلّ من الثمانية.

و قد يستدلّ أيضا بموثقة محمد: عن التقصير، فقال: «في بريد» قلت:

______________________________

(1) في ص 187.

(2) التهذيب 3: 208- 499، الاستبصار 1: 224- 795، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 5.

(3) التهذيب 3: 208- 497، الاستبصار 1: 224- 793، قرب الإسناد 170- 625 بتفاوت، الوسائل 8: 458 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 7.

(4) المغرب 2: 110.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 529 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 192

بريد؟! قال: «إنّه إذا ذهب بريدا و جاء بريدا شغل يومه» «1».

دلّت على أنّ كلّ بريد ذاهبا و

بريد جائيا شاغل لليوم، و أنّ كلّ شاغل لليوم يوجب التقصير، فكلّ بريد ذاهبا و بريد جائيا يوجبه، و ظاهر أنّ البريد الذاهب و البريد الجائي الشاغل ما كان في يوم واحد.

و ذلك حسن، إلّا أنّه لا يدلّ على أزيد من مشروعية التقصير، كما يأتي بيانه.

خلافا للمحكي في الذكرى عن الصدوق في كتابه الكبير، و عن التهذيب و المبسوط، و قواه نفسه «2»، فأثبتوا التخيير بين القصر و الإتمام لمن رجع من يومه في الأربعة، و الإتمام لمن كان غير راجع، جمعا بين روايات الثمانية و الأربعة، و تضعيفا للرضوي المتقدّم ذكره.

و فيه: أنّ وجه الجمع لا ينحصر بالتخيير، بل يمكن بإيجاب القصر مع العود و التخيير بدونه في الأربعة أيضا، و ضعف الرضوي مجبور بما مرّ.

مع أنّ في نسبة ما ذكر إلى المبسوط و التهذيب نظرا، بل الأول صريح في وجوب الإتمام في الأربعة مع العود «3»، و الثاني محتمل له «4»، كما يظهر من كلامه- طاب ثراه- فيهما.

فروع:
أ: مفاد الرضوي و إن كان وجوب التقصير إذا كان العود في اليوم خاصة، إلّا أنّ مقتضى العمومات عموم وجوبه

، سواء كان العود في اليوم أو الليلة، أو الذهاب في الليلة و العود فيها، أو في اليوم، أو كان الذهاب في يوم و العود في آخر، خرج الأخير بما سيأتي من المعارض و الشذوذ، فيبقى الباقي، فيجب التقصير في

______________________________

(1) التهذيب 4: 224- 658، الوسائل 8: 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.

(2) الذكرى: 256.

(3) المبسوط 1: 141.

(4) التهذيب 3: 207 ذيل الحديث 495.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 193

الذهاب و الإياب ليلا، أو الذهاب في أحدهما و الرجوع في الآخر، سواء ذهب في آخر أحدهما و آب في أول الآخر، أو بالعكس.

و يدلّ عليه الإجماع المركّب و تنقيح المناط في بعض هذه

الأقسام أيضا، و لا يضرّ مفهوم ذيل الرضوي السابق في هذه الأقسام، لعدم ثبوت انجباره فيه.

ب: مقتضى الأدلّة التي ذكرنا للمسألة اشتراط ذهاب الأربعة، و العود مطلقا

، فلو ذهب إلى موضع من طريق مسافته ثلاثة فراسخ، و عاد من طريق آخر مسافته خمسة لم يقصر، و لو عكس قصر، و كذا لو ذهب من طريق الأربعة، و عاد من طريق ثلاثة فراسخ.

و من يبني هذه المسألة على ضمّ الإياب مع الذهاب في الثمانية الموجبة يلزمه وجوب القصر في الأولين، و عدم جواز القصر في الأخير.

ج: يشترط في صدق العود و الرجوع أمران:

أحدهما: قصد المنزل الأول، و الثاني عدم البعد عنه حين الإياب بعدا معتدّا به عرفا و لو محرّفا، لعدم صدق الإياب بدون الأمرين، و صحة السلب.

و على هذا فلو ذهب أربعة فراسخ و عاد منه فرسخا غير مريد للرجوع إلى موضعه الأول، بل أراد الإقامة عشرة في رأس الفرسخ، أو العود منه إلى الموضع الثاني، أو الذهاب إلى موضع ثالث لم يكن عود. و كذا لو رجع عن طريق آخر مبعد عن المنزل الأول بعدا معتدّا به غير متقرّب إليه في ذلك اليوم و الليلة.

د: يصدق الرجوع بعد تحقّق الأمرين و لم يدخل في هذا اليوم و الليلة إلى منزله الأول

، بل مكث في رأس فرسخ مثلا ثمَّ دخل في غده، فيقصر حينئذ وجوبا أيضا، سواء أراد الرجوع إلى الأول في هذا اليوم و لم يتيسر، أو أراد الرجوع من الثاني فيه و دخول الأول في الغد.

المسألة الخامسة: إن لم يرد الرجوع ليومه في الأربعة
اشارة

، ففي المنع من التقصير و تحتّم الإتمام مطلقا، أو عكسه كذلك فيجب التقصير و يمنع عن الإتمام مطلقا، أو التخيير كذلك، أو التفصيل بين ما إذا لم يتخلّل بينها و بين العود إقامة العشرة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 194

أو غيرها من القواطع، و بين ما إذا تخلّل، فالتخيير أو تحتم التقصير على الأول و تحتّم الإتمام على الثاني، خمسة أقوال.

الأول للسيد و الحلّي «1»، و نسب إلى المشهور بين المتأخّرين «2»، و هو كذلك.

و الثاني لبعض فضلاء متأخري المتأخرين ناسبا له إلى الكليني «3».

و الثالث للشيخ في النهاية و المبسوط و التهذيب «4»، و المفيد و الصدوقين «5»، و نسب إلى الكليني أيضا «6».

و الرابع للقاضي و الديلمي و ظاهر الوسيلة «7».

و الخامس للعماني «8» و جمع ممّن يقارب عهده عصرنا «9».

دليل الأولين: أخبار إناطة وجوب التقصير بالثمانية و ما بمعناها، الحقيقة في الممتدّة الذهابية

كما مرّ.

و يجيبون عمّا يأتي من أخبار الأربعة بالحمل على مريد العود في اليوم، فبه يجمعون بين الصنفين، مستشهدا له بموثقة محمد المتقدّمة في المسألة السابقة «10»، دلّ التعليل فيها على أنّ القصر في البريد إنّما هو إذا شغل اليوم، و ليس هو إلّا إذا

______________________________

(1) حكاه عن السيد في المعتبر 2: 468، الحلي في السرائر 1: 329.

(2) انظر الحدائق 11: 313.

(3) الحدائق 11: 316 نقله عن بعض مشايخه المحققين عن الفاضل المشار إليه.

(4) النهاية: 122، المبسوط 1: 141، التهذيب 2: 207 ذيل الحديث 495.

(5) المفيد في المقنعة: 349، المختلف: 162 عن الصدوقين، و انظر الفقيه 1: 280، و الهداية: 33 و الأمالي: 514.

(6) الحدائق 11: 316 نقلا عن بعض مشايخه المحققين.

(7) القاضي في المهذب 1: 106، و الديلمي في المراسم: 75، الوسيلة: 108.

(8) حكاه عنه في المختلف: 162.

(9) منهم الذخيرة:

406، و مفاتيح الشرائع 1: 25، و الحدائق 11: 326، و الرياض 1: 257.

(10) راجع ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 195

رجع في يومه. و بما دلّ على أنّ القصر في مسيرة يوم أو بياض يوم، حيث إنّ المستفاد منه أنّ القصر إنّما هو إذا كان يومه سائرا، و هو يتحقّق بأحد الأمرين: مسير ثمانية فراسخ، أو أربعة مع الرجوع في اليوم.

أقول: في كلّ من الاستدلال بأكثر أخبار الثمانية و ما بمعناها، و الجمع و الاستشهاد نظر.

أمّا الأوّل فلأنّ من الأخبار المذكورة ما أناط تحتّم القصر على الثمانية و ما بمعناها كمعتبرة الفضل «1»، و صحيحة زرارة و محمد «2»، و صحيحة ابن يقطين «3»، و منها ما يحتمل ذلك حيث يبيّن الحكم بالجملة الخبرية المحتملة للوجوب، كموثقة سماعة و رواية البجلي «4». و شي ء منهما لا ينافي جواز التقصير في الأقلّ من ذلك فلا ينافي التخيير.

و منها ما يحتاج إلى تقدير، و هو كلّ ما جعل التقصير في البريدين أو مسيرة يوم، أو نحوهما، كحسنة الكاهلي «5»، و صحيحتي الخزاز و أبي بصير «6»، و موثقة العيص «7»، و غيرها، فإنّه لا شك في أنّها لا يستقيم إلّا بتقدير نحو قوله:

شرعيّة التقصير، أو جوازه، أو وجوبه، أو حدّ أحدها، فيحتمل أن يكون بيانا لحدّ الوجوب، فلا ينافي التخيير.

نعم يتمّ استدلالهم بموثّقة الساباطي و مرسلة ابن بكير المتقدّمتين «8».

أمّا الأولى فلدلالتها على انتفاء المسافرة- المراد منها ما يشرع معه التقصير-

______________________________

(1) المتقدمة في ص 177.

(2) المتقدمة في ص 179.

(3) المتقدمة في ص 181.

(4) المتقدمتين في ص 177 و 178.

(5) المتقدمة في ص 179.

(6) المتقدمتين في ص 180.

(7) المتقدمة في ص 179.

(8) في ص 178،

و 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 196

ما لم يسر من منزله ثمانية فراسخ الّتي هي- كما مرّ- حقيقة في الممتدة، و على وجوب الإتمام على السائر ذهابا خمسة أو ستّة، الشامل لمن قصد تلك المسافة أو لا، لترك الاستفصال.

و أما الثانية فلأنّ قوله فيها: «و إن كان دون ذلك أتم» و إن كان متضمّنا للإخبار المحتمل بنفسه للجواز، إلّا أنّ الظاهر من ذكره بعد قوله «قصر» الذي هو للوجوب البتّة أنّ المراد منه الوجوب أيضا. و حمل أحدهما على الوجوب و الآخر على الجواز بعيد. و حملهما على الجواز- حيث إنّه جنس للوجوب أيضا- ينفيه التفصيل القاطع للشركة.

و يدلّ عليه أيضا صدر رواية البجلي السابقة «1»، و هو: إنّ لي ضيعة قريبة من الكوفة، و هي بمنزلة القادسية من الكوفة، فربما عرضت لي الحاجة أنتفع بها، أو يضرّني القعود عنها في رمضان، فأكره الخروج إليها، لأنّي لا أدري أصوم أم أفطر. فقال لي: «فاخرج و أتمّ الصلاة و صم، فإنّي قد رأيت القادسية».

و أما وجه النظر في الجمع فلإباء بعض أخبار الأربعة عنه، و صراحته في غير الراجع ليومه كما يأتي.

و أما في الاستشهاد فلأنّ التعليل يمكن أن يكون للقصر في البريد ذاهبا خاصّة، فيكون معناه أنّه يقصّر في البريد، لأنّه إذا ذهب بريدا و جاء بريدا في يوم شغل يومه، و كلّما كان كذلك يجوز القصر في ذهابه خاصّة أيضا، حيث إنّه لو رجع لكان شاغلا. و أمّا ما دلّ على أنّ القصر في مسيرة يوم و نحوها، فلا يدل إلّا على أنّ قصد هذه المسافة أو سيرها يوجب القصر، لا أنّه يجب أن يكون في يوم واحد.

حجة القول الثاني، و هو تحتّم التقصير مطلقا وجهان:

أحدهما: وجوب القصر في

الثمانية الملفّقة، و لزوم ضمّ الإياب مع الذهاب كما مرّت أدلته.

______________________________

(1) في ص 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 197

و ثانيهما: الأخبار الدالّة على أنّ حدّ التقصير أربعة فراسخ، و هي مع كثرتها على قسمين.

القسم الأول: ما يدلّ على التقصير في أربعة فراسخ، الظاهر في الوجوب عند جماعة، و القاصر عن إفادته على الأظهر، بل لا يدلّ على الأزيد من المشروعية و الجواز، و هو مرسلة الفقيه، و صحيحتا زرارة، و رواية المروزي، المتقدمة كلها في صدر المسألة الاولى «1»، و صحيحة ابن وهب المتقدمة في المسألة الثانية «2»، و موثقة محمّد السالفة في المسألة الرابعة «3»، و مرسلة الخزاز «4»، و هي مثل مرسلة الفقيه، و صحيحته: أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال: «بريد» «5».

و صحيحة الشحام: «يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا» «6».

و صحيحة زرارة الطويلة، الواردة في تقصير النبي بمنى، حين أقام فيه ثلاثا، ثمَّ الخلفاء بعده إلى زمن عثمان و إتمامه، و أمره عليا عليه السلام بالإتمام و استنكافه منه «7». و لا يتوهّم دلالة استنكافه على وجوب التقصير، لجواز أن يكون ذلك لاعتقادهم وجوب الإتمام.

و رواية الهاشمي: عن التقصير، فقال: «في أربعة فراسخ» «8».

______________________________

(1) راجع ص 179.

(2) راجع ص 187.

(3) راجع ص 191.

(4) الكافي 3: 432 الصلاة ب 2 ح 3، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.

(5) الكافي 3: 432 أبواب السفر ب 82 ح 2، التهذيب 3: 207- 495، و 4: 223- 654 الاستبصار 1: 223- 791، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 11.

(6) التهذيب 3: 208- 498، و 4: 223- 655، الاستبصار 1: 224- 794، الوسائل 8: 456

أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 3.

(7) الكافي 4: 518 الحج ب 92 ح 3، الوسائل 8: 456 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 9.

(8) التهذيب 3: 208- 500، الاستبصار 1: 224- 796، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 198

و أبي الجارود: في كم التقصير؟ فقال: «في بريد» «1».

و القسم الثاني: ما يدلّ بظاهره على التحتّم، و هو رواية صفوان المذكورة في المسألة الثانية «2»، و موثّقتا ابني عمار و بكير، المتقدّمتان في المسألة الرابعة «3».

و مرسله ابن أبي عمير: عن حدّ الأميال الّتي يجب فيها التقصير، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدّ الأميال من ظلّ عير إلى ظلّ و عير» «4».

و صحيحة معاوية بن عمار: إنّ أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات، قال:

«ويلهم، أو: ويحهم، و أيّ سفر أشدّ منه؟! لا تتمّ» «5».

و رواية إسحاق بن عمار: في كم التقصير؟ فقال: «في بريد، ويحهم كأنّهم لم يحجّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقصّروا» «6».

و اخرى: عن قوم خرجوا في سفر، فلما انتهوا إلى الموضع الّذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به، و أقاموا ينتظرون مجيئه إليهم، و أقاموا على ذلك أيّاما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم، أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا

______________________________

(1) التهذيب 3: 209- 501، الاستبصار 1: 224-

797، الوسائل 8: 458 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 6.

(2) راجع ص 187.

(3) راجع ص 191.

(4) الكافي 3: 433 أبواب السفر ب 82 ح 4، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 12.

(5) الكافي 4: 519 الحج ب 92 ح 5، الفقيه 1: 286- 1302، التهذيب 3: 210- 507 و 5:

487- 1740، الوسائل 8: 463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.

(6) التهذيب 3: 209- 502، الاستبصار 1: 225- 798، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 199

أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة أقاموا أم انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا» «1».

و رواها في العلل و المحاسن، و زاد فيها: «هل تدري كيف صار هكذا؟» إلى آخر ما مرّ في المسألة الثانية «2».

و صحيحة أبي ولّاد: إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت في يومي ذلك، أقصر الصلاة، ثمَّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر أصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام- إلى أن قال-: فقال: «فإن كنت سرت في يومك الّذي خرجت فيه بريدا لكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير، لأنّك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك، و إن كنت لم تسر بريدا فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صليتها في يومك بالتقصير من قبل أن تريم من مكانك ذلك» «3».

و صحيحة [عمران بن محمد] «4»: إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا، خمسة فراسخ، ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام، فأتمّ الصلاة أو أقصّر؟ قال: «قصّر

في الطريق، و أتمّ في الضيعة» «5».

بحملها على كون الضيعة وطنا للسائل، أو حمل جزئها الأخير على التقية بمعنى حمل الأمر بالإتمام في الضيعة عليها، لكون الملك مطلقا من القواطع عند جماعة من العامة.

أقول: يظهر ما في الوجه الأول مما مرّ في المسألة الثانية.

و أمّا الوجه الثاني، أي أخبار الأربعة، فيرد عليه أنّ القسم الأول منها غير

______________________________

(1) الكافي 3: 433 أبواب السفر ب 82 ح 5، الوسائل 8: 466، أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.

(2) راجع ص 188.

(3) التهذيب 3: 298- 909، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

(4) في النسخ: محمد بن عمران، و الصحيح ما أثبتناه، كما يظهر من المصادر و كتب الرجال.

(5) التهذيب 3: 210- 509، الاستبصار 1: 229- 811، الوسائل 8: 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 200

دالّ على الوجوب، قاصر عن إفادته. نعم يدلّ على مشروعيّة التقصير في الأربعة.

و أمّا القسم الثاني منها فكثير من أخباره غير صالح للاستدلال أيضا، كرواية إسحاق بن عمار الأولى، فإنّها قاصرة عن إفادة الوجوب أيضا، لعدم معلومية سبب الويح، فهو كما يمكن أن يكون إنكارا على الإتمام، يمكن أن يكون على اعتقاد وجوبه، فيكون المعنى: في كم يجوز التقصير؟ فقال: في بريد، ويح لمن لا يجوز فيه. نعم ظاهر صحيحة ابن عمار كون الويح على الإتمام.

و مرسلة ابن أبي عمير، فإنّها و إن كانت دالة على الوجوب إلّا أنّ غايتها وجوب التقصير في الأربعة في الجملة، و لا يدلّ على الوجوب مطلقا و بلا شرط.

ألا ترى أنه يصحّ أن يقال: حدّ السنّ الّذي يجب فيه الصيام سنّ البلوغ، مع أنّ وجوب الصوم

فيه مشروط بدخول الوقت، و الخلوّ عن الحيض و المرض و السفر، و غيرهما. فيصحّ القول بأنّ حدّ وجوب التقصير الأربعة، و إن كان مشروطا بشرط كالرجوع في اليوم، أو المسبوقيّة بقصد الثمانية الممتدّة.

و الحاصل أنّها تدلّ على أنّ كلّ اثني عشر ميلا حدّ يجب فيه التقصير، و يصدق ذلك بوجوبه فيه عند الرجوع ليومه. مع أنّه لا بدّ فيها من تقدير، فكما يمكن أن يكون المعنى: يجب في سيرها التقصير، يمكن أن يكون: في سير خاصّ فيها التقصير، و لا إطلاق في السير فيها حتّى يحكم به.

و رواية إسحاق بن عمار الثانية، و صحيحة أبي ولّاد، فإنّهما أخصّان من المدّعى، لاختصاصهما بسير الأربعة، المسبوق بقصد الثمانية الممتدّة، الراجع عن قصدها بعد سير الأربعة، و الوجوب حينئذ مسلّم، و لا يدلّ على الوجوب في غير ذلك الفرد، و لذا قال بالوجوب فيه من لا يقول به في غيره، كما يأتي.

نعم تبقى خمسة أخرى من أخبار القسم الثاني- و هي: رواية صفوان، و الموثّقتان، و التعليل الوارد في رواية العلل، و صحيحة عمران بن محمد- دالّة على الوجوب ظاهرا.

مستند القول الثالث، و هو التخيير مطلقا

، بعد إبقاء ما دلّ على جواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 201

التقصير أو وجوبه في الثمانية، و القسم الأول من أخبار الأربعة الدالّ على الجواز فيها، على ظواهرها، لعدم المنافاة:

إمّا حمل ما أمر بالإتمام فيما دون الثمانية، و هي الأخبار الثلاثة المتقدّمة أعني موثّقة الساباطي، و مرسلة ابن بكير، و رواية البجلي «1»، و ما أمر بالتقصير في الأربعة، و هي الخمسة المذكورة، على الجواز جمعا، لصلاحيّة كلّ منهما قرينة لذلك الحمل في الآخر.

أو جعل هذين الصنفين متعارضين خاليين عن المرجّح، فيجب المصير إلى التخيير،

لذلك.

مضافا إلى الرضوي المتقدّم في المسألة الرابعة «2».

أقول: يرد على وجه استدلالهم الأول: أنّ الجمع الّذي ذكروه إنّما يحسن مع وجود الشاهد عليه، و لا شاهد. و صلاحيّة كلّ منهما قرينة لحمل الآخر على الجواز ممنوع. نعم، يصلح تجويز الترك قرينة لحمل الدالّ على الوجوب على الاستحباب، و تجويز الفعل قرينة لحمل الدالّ على الحرمة على الكراهة، و أمّا تحتم الطرفين فليس بينهما إلّا التعارض.

و على وجه استدلالهم الثاني أولا: أنّ الرجوع إلى التخيير عند التعارض إنّما هو إذا كان بالتباين أو العموم من وجه، و أمّا إذا كان بالعموم المطلق، فيجب حمل العامّ على الخاصّ قطعا. و ما نحن فيه كذلك، لأنّ موثّقة الساباطي من الأخبار الثلاثة عامّة بالنسبة إلى قصد المسافة و عدمه، و أكثر الأخبار الخمسة خاصّة من هذه الجهة سيّما رواية صفوان، و لا جهة خصوصيّة أخرى للموثقة بالنسبة إليها.

و مرسلة ابن بكير أعمّ مطلقا من جميع الخمسة من جهة شمولها لما دون الأربعة أيضا. مضافا إلى إمكان الخدش في صراحتها في الوجوب، و رواية البجلي عامّة من جهة كون الضيعة وطنا للراوي، و كثير من الأخبار الخمسة خاصّة من

______________________________

(1) راجع ص 178، و 180، و 196.

(2) راجع ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 202

الجهتين، و كذا قوله في معتبرة الفضل: و لا يجب في أقلّ من ذلك [1]، فإنّه أعمّ مما دون الأربعة أيضا.

و ثانيا: أنّا سلّمنا التعارض، و لكن الترجيح مع أخبار الأربعة الخمسة، لموافقتها لعموم الكتاب [2]، فإنّ مقتضاه نفي الجناح عن التقصير فيما يصدق عليه الضرب في الأرض مطلقا، و المورد منه، و أخبار التمام يوجب الجناح فيه، و مخالفتها للعامّة، لأنّ غير شاذّ منهم

يوجبون التمام في المورد «1».

و على وجه استدلالهم الثالث و هو الرضوي: بضعفة المانع عن حجيّته.

دليل القولين الآخرين- و هما التفصيل في تحتم القصر أو التخيير، بين ما إذا تخلّل القاطع و بين ما إذا لم يتخلّل- وجوه:

أحدها: انصراف إطلاق ما دلّ على التقصير في الأربعة نصّا و فتوى إلى مريد الرجوع قبل القاطع، لأنّه الغالب.

و تؤيّده موثّقة محمد المتقدّمة «2»، حيث إنّ فيها- بعد الحكم بالتقصير في بريد بقول مطلق، و تعجّب الراوي عنه- علّل الحكم بأنّه إذا رجع شغل يومه، و هو ظاهر في أنّ الأربعة حيث تطلق يراد بها ما يتعقّبه الرجوع. و نحوها الأخبار الأخرى الدالّة على اعتبار الإياب بنحو قوله: «ذاهبا و جائيا» و مثل ذلك.

و ثانيها: أنّ مع عدم الرجوع يكون ذلك سفرين، كلّ منهما أربعة فراسخ، لا سفر واحد، فالتقصير في كلّ منهما يوجب طرح أخبار الثمانية. بل المتبادر من الثمانية لو لم يكن الذهابية فقط فلا شك في لزوم كونها في سفر واحد، غير متخلّل في أثنائه القاطع.

______________________________

[1] راجع ص 177، و عبارة الرواية: «و إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر».

[2] وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ .. النساء 101.

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 168.

(2) في ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 203

و تنافيه التعليلات الناصّة للتقصير في الأربعة بأنّها تصير مع الرجوع ثمانية، سيّما قوله في رواية العلل: «و أرادوا أن ينصرفوا» «1».

و ثالثها: الرضوي، حيث قال- بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه كما مر-: «و إن عزمت على المقام، و كان سفرك بريدا واحدا، ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك، فلا تقصّر» «2».

هذا، مع أنّ كثيرا من الأخبار التامّة الدلالة على وجوب التقصير في الأربعة، أو المستدلّ

به له، غير شاملة أو غير ظاهرة الشمول لما إذا تخلّل القاطع.

كما دلّ على وجوب تقصير الحاجّ أو أهل مكة في عرفة، لعدم وقوفهم فيها عشرة قطعية، أو ثلاثين متردّدة، إلّا نادرا لا يحمل الكلام عليه.

و كرواية إسحاق بن عمار الأخيرة، لندرة انتظارهم الرجل المذكور متردّدين بأزيد من ثلاثين يوما، بل استبعاده، بل القطع عادة بخلافه، بل المتيقّن إمّا مجيئه أو يأسهم عن مجيئه قبلها.

و كرواية العلل المتضمّنة لإرادة الانصراف، و رواية صفوان المشتملة على قوله «ذاهبا و جائيا» و صحيحة أبي ولّاد المصرّحة بإرادة الرجوع من الطريق.

أقول: يمكن القدح في بعض هذه الوجوه، كمنع الانصراف و الغلبة المذكورتين، و منع إشعار الموثّقة، و كمنع تعدّد السفر بتخلّل القاطع مطلقا، فإنّه لا وجه لتعدّد السفر عرفا بتخلّل العشرة مع نيّة الإقامة دون العشرين بدون النية، أو التسعة مع النية أيضا، و تضعيف الرضوي بعدم ثبوته، مع أنّ في صحيحة عمران دلالة على التقصير في الأربعة مع تخلّل القاطع «3».

ثمَّ أقول: إنّ بما ذكرنا ظهرت أدلّة جميع الأقوال الخمسة، و ما يرد على كلّ

______________________________

(1) راجع ص 188.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 159، مستدرك الوسائل 6: 528 أبواب صلاة المسافر 2: ح 1، و فيه صدر الحديث.

(3) راجع ص 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 204

منها، فيلزم علينا الآن المحاكمة بينها و ترجيح الراجح منها.

فنقول: قد عرفت أنّ ما يدلّ على تحتّم الإتمام فيما دون الثمانية الممتدّة دلالة تامة ينحصر في أخبار ثلاثة معارضة مع جميع أخبار القسمين من أخبار الأربعة، و هي راجحة بالأشهرية رواية جدّا، و الأصحية سندا، فيجب ترجيحها، مضافا إلى ما عرفت من أعمّية الثلاثة مطلقا عن كثير من أخبار الأربعة، فيجب

تخصيصها بها بالحمل على غير قاصد المسافة أو الأربعة، أو المتخلّل له دخول الوطن، و مع ذلك يصرّح الرضوي المنجبر بخلافها. و لو قطع النظر عن جميع ذلك فبعد حصول التعارض يجب الرجوع إلى التخيير.

و منه يظهر ضعف القول بالتمام وجوبا جدّا، و كذا القول بتحتّم القصر مطلقا، لما عرفت من أنّ ما تتمّ دلالته عليه منحصر في روايات خمس، و روايتا صفوان و العلل. و موثّقة ابن عمار- كما عرفت- غير شاملة لما لم يتخلّل القاطع، أو غير ظاهرة فيه.

فلم يبق إلّا عموم موثّقة ابن بكير، و خصوص صحيحة عمران، و لكنّهما غير صالحتين لإثبات الوجوب، لشذوذه جدا، فإنّه لم ينقل قائل به من القدماء و المتأخّرين مطلقا، و لا معروف من متأخّري المتأخّرين، و إنّما نسبه بعض مشايخنا إلى واحد منهم، و أمّا نسبته إلى الكليني فغير واضحة، بل نسب إليه القول المشهور كما مرّ «1»، فالخبر الدالّ عليه شاذّ نادر، بل للإجماع البتّة مخالف.

و مع هذا كلّه لا دلالة في الصحيحة على كون الأمر بالإتمام في الضيعة لأجل تخلّل القاطع، فلعله لأجل التقيّة، حيث كان في الضيعة من المخالفين جماعة، بخلاف الطريق.

فلم يبق إلّا عموم الموثّقة المعارضة بالرضوي المذكور، المخصوص، النافي لوجوب التقصير مع عزم المقام، المنجبر بالشهرة القديمة و الجديدة العظيمة بل الإجماع، فتخصيصها به لازم، و رفع اليد عن ذلك القول أيضا متحتّم، فبقيت

______________________________

(1) راجع ص 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 205

ثلاثة أخرى.

و قد عرفت ضعف ما استدلّوا به للتخيير بعد معارضته لأخبار التحتّم، و قوة أخبار التحتم، فلو خلّيا و أنفسهما لكان الترجيح للأخير، و كان جدّا قويا، إلّا أنّ القول بالتخيير يتقوّى بالرضوي المتقدّم في المسألة

الرابعة المصرّح بالخيار «1»، و هو و إن كان ضعيفا بنفسه، إلّا أنه منجبر بفتوى جماعة من فحول القدماء كالصدوقين و الشيخين و أتباعهما «2»، بل بالشهرة القديمة، كما صرّح به بعض مشايخنا «3»، بل بنقل الإجماع عن أمالي الصدوق عليه «4»، بل به تشعر عبارة التهذيب حيث قال:

على أنّ الّذي نقوله في ذلك: إنّما يجب التقصير إذا كان مقدار المسافة ثمانية فراسخ، و إذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار «5».

و القول بالتحتّم يوهن بندور القول به و شذوذه، كما صرّح به جماعة «6»، و لم ينقل القول به عن الطبقتين الاولى و الثانية إلّا عن العماني «7»، و إنّما هو شي ء ذهب إليه طائفة ممن يقاربنا عهده «8»، و نفى المحقق الأردبيلي القول بتحتّم القصر فيما دون الثمانية لغير مريد الرجوع في يومه «9»، بل في السرائر: الإجماع على جواز التمام، و نفي الخلاف عن حصول البراءة به «10»، و هو المستفاد من المختلف أيضا «11»، و عن شيخنا الشهيد الثاني في رسالته: بطلان لزوم القصر في الأربعة

______________________________

(1) راجع ص 191.

(2) راجع ص 194.

(3) انظر الرياض 1: 257.

(4) أمالي الصدوق: 514.

(5) التهذيب 2: 207.

(6) منهم صاحب الرياض 1: 257، و انظر مفتاح الكرامة 3: 503.

(7) حكاه عنه في المختلف: 162.

(8) راجع ص 194.

(9) مجمع الفائدة و البرهان 3: 361.

(10) السرائر 1: 130.

(11) المختلف: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 206

لغير مريد الرجوع في يومه إجماعا «1»، و كذا صرّح بالإجماع على عدم تحتّم التقصير في الأربعة بعض الأجلة في شرح الروضة، و صرّح بعض مشايخنا بإجماع من عدا العماني على عدم التحتم أولا، و بالإجماع المطلق ثانيا «2».

و لا شك أنّ بذلك يضعّف

أخبار التحتّم جدّا، فإنّ كلا من شهرة القدماء على خلاف خبر، و شذوذ القول بمضمونه ممّا يخرجه عن الحجّية، بل المخرج هنا حقيقة الإجماع، إذ لو لم يثبت الإجماع هنا لم يثبت إجماع لم يقدح فيه مخالفة معروف النسب و لا الشاذّ.

و على هذا فيبقى القول بالتحتّم بلا دليل صالح للحجية، مع أنّه على فرض وجوده يكون في إزائه الرضوي المذكور الّذي بما مرّ مجبور، و هو مع أنّه كاف في نفسه لإثبات التخيير يصلح قرينة لحمل الأوامر فيها على الجواز، سيّما مع ما في دلالة هذه الأوامر على الوجوب من الكلام، من جهة كونها في مقام توهّم الحظر بل مسبوقيّتها به.

مضافا إلى ما عرفت من ظهور أخبار الثمانية و البريدين و نحوهما في الممتدّة، و إلى عدم رجحان أخبار الأربعة عن الرضوي باعتبار موافقة الكتاب، و لا مخالفة العامة، لأنّ التخيير أيضا كذلك، مع أنّ في رجحانها عن أخبار تحتّم الإتمام بالأول أيضا نظرا، لأنّ الضرب في الأرض حقيقة في معنى لا يراد هنا قطعا، و يمكن أن يكون مجازه السفر، و صدقه على السير في الأربعة مطلقا محلّ نظر.

مع أنّ الرضوي أخصّ من الجميع باعتبار اختصاصه بغير مريد الرجوع ليومه، فيجب التخصيص به. و هذا هو وجه ردّ الدليلين الأخيرين لضمّ الإياب مع الذهاب المشار إليه في المسألة الثانية «3».

هذا كلّه مع دلالة جميع أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة على جواز

______________________________

(1) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني): 172.

(2) انظر الرياض 1: 257.

(3) راجع ص 187، و 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 207

القصر من غير ثبوت التحتّم منها «1»، و هي مع كثرتها تشتمل على الصحاح، و يدلّ عليه ما مرّ في

المسألة الثالثة من ضمّ الإياب في الجواز «2».

و على هذا فيكون الترجيح للتخيير البتة، فعليه العمل، و به الفتوى، و هو الأصحّ.

و هل هو ثابت على الإطلاق كما هو ظاهر أكثر القدماء، أو مشروط بعدم تخلّل القاطع؟

الحق هو الأول، لإطلاق أكثر أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة، و بعض أخبار القسم الثاني، من غير معارض سوى الرضوي الدالّ على عدم التقصير مع العزم على المقام «3». و هو- مع ضعفه الغير المجبور في المورد- لا يدلّ على حرمة القصر، فلا ينافي المطلوب، و إن نافى إطلاق تحتّم القصر، و كان منجبرا فيه.

فروع:
أ: و إذا عرفت التخيير فيما دون الثمانية، فهل يتساوى الأمران فيه، أو الأفضل القصر، أو الإتمام؟

الظاهر هو الثاني مع عدم تخلّل القاطع، للأخبار الدالّة على تقصير الرسول في عرفة و ذباب، و عدم رضاء الولي فيها بالإتمام «4»، و ظهور أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة في الرجحان «5»، و لا ينافيه الخيار المثبت في الرضوي «6». و الثالث

______________________________

(1) راجع ص 197.

(2) راجع ص 190.

(3) المتقدم في ص 203.

(4) انظر الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 15، و ص 463 ب 3 من تلك الأبواب ح 1 و 5 و 6.

(5) راجع ص 197.

(6) المتقدم في ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 208

مع تخلّل القاطع، للرضوي الذي هو أخصّ مما ذكر «1»، و ضعفه في مقام السنن غير ضائر.

ب: ذكر جماعة «2» أنّ مبدأ تقدير المسافة من آخر خطّة البلد في جهة المسافة

في الصغير و المعتدل، و آخر محلّته في المتّسع.

و استدل للأول بأنّه المتبادر من إطلاق النصّ و الفتوى. و للثاني بعدم تبادره من الإطلاق، فيرجع إلى المتبادر، كما يرجع في إطلاق الوجه إلى مستوي الخلقة.

أقول: إنّ ما ورد من أنّ التقصير في بريد أو بريدين أو مسيرة يوم أو ثمانية فراسخ أو نحو ذلك، يحتمل أن يكون المراد مبتدأ من البيت أو مبدأ السير أو آخر خطّة البلد، و بالجملة في مبدإ المسافة إجمال.

فإن أراد المستدلّ أنّ المتبادر من ذلك الاستعمال إرادة آخر البلد مطلقا، فلو سلّم فينبغي أن لا يتفاوت حكمه في المعتدل و المتّسع، و لا بلد مذكورا حتّى يقال بانصراف إطلاقه إلى الشائع.

و إن أراد أنّ المتبادر منه إرادة ذلك في المعتدل خاصّة، فهو ممنوع غايته.

نعم الحكم الذي ذكروه في المعتدل من اعتبار البلد موافق للأصل، فيجب اتّباعه قطعا، و لكنّه جار في المتّسع أيضا.

و التحقيق أن يقال: إنّ التقصير في كثير من

الأخبار و إن كان معلّقا على البريد أو البريدين أو نحوهما مجملا، إلّا أنّه في بعض الروايات نحو صحيحة أبي ولّاد «3»، و موثّقة الساباطي «4»، و رواية العلل «5»، معلّق على السير، و معناه معلوم

______________________________

(1) راجع ص 203.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 257، و ابن فهد في المهذب البارع 1: 482. و الشهيد الثاني في الروض: 283.

(3) المتقدّمة في ص 199.

(4) المتقدّمة في ص 178.

(5) المتقدّمة في ص 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 209

لا إجمال فيه، فاللازم منه اعتبار مبدأ السير، كما ذهب إليه بعضهم، و تحمل المجملات أيضا على المبيّن، فهو المعتبر لا غير، سيّما فيما إذا كان المسافر من أهل البوادي و الخيام.

نعم قد ظهر لك في المسألة الاولى أنّ الفرسخ و نحوه أمر تقريبي، سواء رجع فيه إلى العرف أو الأذرع، و لا يتفاوت في صدقه- سيّما في صدق أربعة فراسخ أو الثمانية- اختلاف نحو ألف ذراع بل أكثر، و على هذا فلا يختلف الحكم في البلاد الصغيرة أو المعتدلة، سواء اعتبر المبدأ من البيت الّذي هو مبدأ السير، أو البلد، لصدق المسافة المعتبرة على التقديرين.

و هذا هو السرّ في شيوع اعتبار البلد و تبادره، لا من جهة مدخليّة نفس آخره، و هو السرّ فيما ورد في الأخبار المتقدّمة من نسبة المسافة إلى المدينة في صحيحة زرارة و محمد «1»، و إلى الكوفة و بغداد في روايات أخر، فإنّ مسافة عشرين فرسخا أو بياض يوم لا تختلف في هذه البلاد باختلاف المبدأ لو اعتبر من آخر البلد أو الوسط، و لذا لو علّق حكم على مسافة قليلة كألف ذراع لا يتبادر آخر البلد.

نعم قد يختلف إذا اتّسع البلد كثيرا،

و حينئذ فيكون المرجع هو مبدأ السير، كما هو مقتضى الأخبار المثبتة.

فالتحقيق أن يقال: إنّ المعتبر مبدأ السير تقريبا مطلقا، لكنّه لمّا كان لا يختلف الحكم باعتباره في البلاد المعتدلة يكفي اعتبار مبدأ البلد، و أمّا في المتّسعة فلإمكان الاختلاف يناط حكمها بمبدإ السير.

ج: قال في الذكرى: لو قصد المسافة في زمان يخرج عن اسم المسافر، كشهرين أو ثلاثة أشهر، فالأقرب عدم القصر

لزوال التسمية. و من هذا الباب ما لو قارب المسافر بلده، فتعمّد ترك الدخول فيه للتقصير، فلبث في قرى متقاربة

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 210

بحيث خرج بها عن اسم المسافر، و ظاهر [النظر] «1» يقتضي عدم الترخّص بحال «2».

قال في المدارك بعد ذكر ذلك: و يمكن المناقشة في عدم الترخص في الصورة الثانية بأنّ السفر بعد استمراره ينقطع بأحد القواطع، و بدونه يجب البقاء على حكم القصر. و أمّا ما ذكره من عدم الترخّص في الصورة الأولى فجيّد، لأنّ القصر إنّما يثبت في السفر الجامع لشرائط القصر، فمتى انتفى السفر أو بعض شرائطه قبل انتهاء السفر انتفى التقصير «3». انتهى.

أقول: مبنى كلام الشهيد على اشتراط صدق المسافر في جواز تقصيره، و عدم الصدق في الصورتين. و مبنى كلام صاحب المدارك على الشك في الصدق و عدمه في الصورتين، فيجب استصحاب الحالة السابقة.

و قد يقال في تأييد كلام الشهيد قدس سرّه: إنّ تعلّق الحكم بالمسافر إنّما هو بالأفراد المتعارفة الشائعة، و مثل ذلك ليس منها «4».

ثمَّ أقول: مقتضى بعض الظواهر و إن كان اشتراط السفر، كمفهوم قوله سبحانه وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ [1] و مفهوم ما في بعض الأخبار: «و من سافر قصّر» و تعليق الأمر بالتمام على عدم كونه مسافرا في موثّقة الساباطي، و قوله في رواية صفوان: «لأنّه لا يريد السفر ثمانية فراسخ»

و رواية العلل [2] و نحو ذلك، إلّا

______________________________

[1] الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، لأن الآية المذكورة لم ترد في مسألة القصر، بل وردت في مسألة الرهن (البقرة: 283) و في مسألة التيمّم (النساء: 43، و المائدة: 6). و كأنّ مراده (ره) قوله سبحانه وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ البقرة: 185، الوارد في الصوم، و يدلّ على جواز القصر أيضا كما ثبت في محله.

[2] لا يخفى أنّه علّق الحكم فيها على السير لا على السفر، فراجع ص 188.

______________________________

(1) في النسخ: النصّ، و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(2) الذكرى: 257.

(3) المدارك 4: 432.

(4) انظر الحدائق 11: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 211

أنّه علّق الحكم في بعض روايات أخر بالسير الذي هو أعمّ من صدق السفر.

و منه ينقدح الإشكال في اشتراطه، مع أنّه على فرض اشتراطه فانتفاء صدقه في الصورتين محل نظر، فيحصل الشك في دخولهما تحت الحكم. و لكن ندرة هذين الفردين من أفراد سير المسافة توجب الشك فيه أيضا، فإنّ القرائن الحالية الموجودة حال الخطاب تصرفه عن ظاهره، كما أنّها توجب الشك في دخولهما تحت حكم الحاضر أيضا، فالأظهر فيهما العمل بمقتضى اليقين السابق، كما ذكره في المدارك.

د: البحر كالبرّ في جواز القصر أو وجوبه مع بلوغ المسافة أحد النصابين،

و إن قطعت في ساعة، كما به صرّح جماعة، منهم المنتهى قائلا إنّه لا نعرف في ذلك خلافا «1».

و هو كذلك، لترتّب وجوب القصر على قصد المسافة المتحقّق في المورد. و لا يضرّ قطع المسافة في زمان قليل، لتعارفه في البحر.

ه: إنّما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة

بالاعتبار، أو الشياع، أو القرائن.

و مع الشك يتمّ بلا خلاف، عملا بالأصل، لا أصل عدم بلوغ المسافة، لأنّ القصر تابع لقصدها، و المسافة المقصودة لا يعلم مقدارها، و لا يجري فيها أصل. بل أصل وجوب الإتمام و استصحابه حتّى يعلم وجوب القصر أو جوازه، و استصحاب مشروعيّة الإتمام لو شكّ في بلوغ حدّ مسافة الوجوب.

و في وجوب الاعتبار حين الشك و عدمه وجهان، نظرا إلى وجوب تحصيل البراءة اليقينية الموقوف عليه، و إلى أنّ الواجب عليه التقصير بشرط العلم لا مطلقا، فيكون الواجب عليه مشروطا، و لا يجب تحصيل مقدّمة الواجب المشروط، و الحاصل: أنّ الذمّة مشغولة قبل العلم بالتمام، و قد حصلت البراءة به.

______________________________

(1) المنتهى 1: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 212

و الحق هو الأول مع الإمكان، لشهادة العرف بإرادة الفحص في مثل ذلك، كما مرّ بيانه في مسألة الاجتناب عن الاستقبال، في آداب الخلوة.

و لو عصى و ترك الاعتبار لم تجز له الصلاة، لأنّ المفهوم عرفا وجوب تأخير الصلاة عن الفحص، إلّا أن تركه حتّى ضاق الوقت عنه فيصلّي تماما، للأصل المذكور.

و لو ظهر بلوغ المسافة بعد الاعتبار حينئذ لم تجب الإعادة، للإتيان بالمأمور به المقتضي للإجزاء.

و لو صلّى قصرا أعاد مطلقا، و إن ظهر أنّه مسافة، لأنّ فرضه التمام و لم يأت به، و ما أتى به لم يؤمر به.

و لو سافر مع ظنّ عدم بلوغ المسافة، ثمَّ ظهر

في الأثناء أنّ المقصد مسافة، يجب التقصير حينئذ و إن قصر الباقي عن المسافة، لظهور كونه قاصدا للمسافة أولا، لأنّه كان قاصدا لمسافة معيّنة، غايته عدم علمه بكونه مسافة و علمه حينئذ، فيعلم كونه قاصدا للمسافة أولا. و أمّا اشتراط علمه أولا بأنّ مقصوده مسافة أيضا فلا دليل عليه، و الأصل ينفيه. مع أنّ في مرسلة ابن بكير: «إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر» «1» و هو صادق في المورد.

و لا تجب إعادة ما صلّى تماما قبل ذلك، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها، و الأحوط الإعادة مع بقاء الوقت، بل هو الأظهر فيه.

و هل يقوم الظنّ ببلوغ المسافة مقام العلم؟

ظاهر الدليل: لا، و لو كان حاصلا من شهادة العدل بل العدلين، لأنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ و عدم حجيّته إلّا ما قام عليه دليل، و لا دليل على اعتبار العدل أو العدلين في خصوص المورد أو كليا.

و: لا يضمّ الذهاب مع الإياب في الأربعة، كما كان يضمّ في الثمانية

وجوبا عند جماعة، و جوازا على الأقوى، للأصل، و اختصاص الدليل بالثمانية، و لصريح

______________________________

(1) التهذيب 4: 221- 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 213

صحيحة أبي ولّاد، و رواية إسحاق بن عمار المتقدّمتين «1»، فلا يتخيّر في الثلاثة فما دونها و إن رجع.

ز: لو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر، فإن سلك الأقرب أتمّ

ذهابا و إيابا.

و إن سلك الأبعد لعلّة غير الترخّص قصّر إجماعا، كما صرّح به غير واحد «2».

و كذا إن كان للترخّص، على الأظهر الأشهر، بل عن ظاهر البعض كونه إجماعيا «3»، لصدق قصد المسافة.

خلافا للمحكي عن القاضي فيتمّ «4»، لأنّه كاللاهي بصيده.

و هو ضعيف، لأنّ السفر بقصد الترخّص غير محرّم، للأصل، و القياس فاسد.

و لو ذهب من الأقرب قاصدا للرجوع من الأبعد قصّر في الذهاب على الجواز، و في الرجوع على الوجوب. أمّا الثاني فظاهر. و أمّا الأول فلما مرّ من ضمّ الإياب مع الذهاب جوازا.

و لو عكس قصّر فيهما وجوبا.

و لو كان أبعد المسافتين مسافة جواز التقصير- أي الأربعة إلى ما دون الثمانية- و الأقرب أقلّ من الأربعة، فإن سلك من الأبعد جاز التقصير سواء رجع منه أو من الأقرب، و إن سلك الأقرب أتمّ ذهابا وجوبا إن عاد منه أو من الأبعد مع عدم بلوغ المجموع الثمانية، و جوازا إن بلغ المجموع ثمانية.

ح: لو تردّد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا و جائيا

، فإن بلغ في الرجوع موضع

______________________________

(1) في ص 199.

(2) كالتذكرة 1: 188، و الذخيرة: 407، و الرياض 1: 249.

(3) يظهر ذلك من التذكرة 1: 188.

(4) المهذب 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 214

سماع الأذان و مشاهدة الجدران فالظاهر- كما صرّح به جماعة «1»- عدم الخلاف في عدم القصر، و يدلّ عليه الأصل.

و إن لم يبلغ فالمقطوع به في كلام الأكثر عدم جواز القصر أيضا، لأنّ من هذا شأنه ينقطع سفره بالرجوع، و إلّا لزم القصر لو تردّد في فرسخ ثمان مرّات، و لعدم صدق المسافر عليه شرعا و لا عرفا.

و للتأمّل في الوجهين مجال.

و الأولى أن يقال في الدليل: إنّ الأصل لزوم الإتمام خرج منه قاصد الثمانية أو

الأربعة الّتي لا تكون ملفّقة من الذهاب و الإياب أو تكون ملفّقة منهما فقط من غير أن يضمّ معهما عود ثالث، فيبقى الباقي، و لعموم قوله في مرسلة ابن بكير:

«و إن كان دون ذلك أتمّ» «2».

فالحكم بالتمام فيه لازم، و الخلاف فيه- كما عن التحرير «3»- ضعيف غايته.

و الاحتجاج بثبوت التلفيق باطل، لأنّ الثابت منه- وجوبا كما قيل، أو جوازا كما هو الأصح- تلفيق إياب مع ذهاب كما هو مورد دليله، لا تلفيق التكرار ثلاثا أو أربعا. و هو السرّ في عدم القصر في الفرسخ المتكرر فيه ثمان مرّات، لا عدم صدق السفر كما قيل «4»، و إلّا لما جاز في فرسخ حول بلده يدور في عمله أيضا، لعدم التفاوت.

ط: لو قصد المسافة عرضا لا طولا، كأن يقصد البعد عن بلده فرسخا يدور عليه حول بلده حتى بلغ المسافة، يقصر

، لصدق المسافة، و لقوله في صحيحة ابن يقطين: «و إن كان يدور في عمله» «5» قال في الوافي: معناه: و إن كان

______________________________

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 407.

(2) التهذيب 4: 221- 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.

(3) التحرير 1: 55.

(4) انظر الذكرى: 257، و الحدائق 11: 311. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    215     الشرط الثاني: قصد إحدى المسافتين المذكورتين ..... ص : 215

(5) التهذيب 3: 209- 503، الاستبصار 1: 225- 799، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 215

مسيره يكون في عرض المسافة «1».

ي: لو ذهب إلى منزل من طريق و قصد الرجوع من طريق آخر شبه قوس، لم يقصّر ما لم يبلغ قدر المسافة

الّتي تعدّ في العرف ذهابا من البلد مسافة موجبة أو مجوّزة، إلّا أن يبلغ المجموع ثمانية ملفّقة، فيقصر على الجواز. و الوجه ظاهر مما مرّ.

الشرط الثاني: قصد إحدى المسافتين المذكورتين
اشارة

للوجوب أو الجواز و لو في أثناء الطريق.

فلو قصد الأقلّ أو لم يقصد مسافة لم يجب التقصير أو لم يجز، و إن ذهب أضعاف المسافة. و إن قصدها يجب أو يجوز، و لو لم يقطع بعد المسافة بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا في الحكمين «2». له، و لرواية صفوان المتقدّمة «3»، فيهما. و لا يضرّ الإتيان بالجملة الخبرية، لعدم الفصل. و لموثّقة الساباطي و ذيل مرسلة ابن بكير السالفتين «4»، في الحكم الأوّل. و لصدر الثانية، في الثاني، مضافا إلى الإجماع على اعتبار المسافة، و ليس المراد قطعها إجماعا و نصّا، كما يظهر من أخبار حدّ الترخص و غيرها، و استلزام إرادته عدم القصر في الثمانية الّتي بين الوطنين، و بطلانه ظاهر.

نعم يقصّر في الرجوع إذا بلغ المسافة و قصد الرجوع إلى أولها، إجماعا، لحصول الشرط، و موثّقة الساباطي: عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر، فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به ثمانية فراسخ، كيف

______________________________

(1) الوافي 7: 131.

(2) انظر المعتبر 2: 468، و المنتهى 1: 390، و المدارك 4: 439، و الذخيرة: 407، و الرياض 1: 250.

(3) في ص 187.

(4) في ص 178 و 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 216

يصنع في صلاته؟ قال: «يقصّر و لا يتمّ الصلاة حتى يرجع إلى منزله» «1».

دلّت على وجوب التقصير بعد مضيّ ثمانية فراسخ سواء كان بعد في الذهاب أو العود أو البقاء، خرج الأخير بالإجماع، فيبقى الباقي. كما أنّه يخصّ الأمر بالإتمام في موثّقته

الأخرى المتقدّمة «2» بالانتهاء أو مع الذهاب، على الخلاف.

و كذلك إرادة الرجوع في رواية صفوان تخصّ بحال البقاء، أو يبقى على حاله، لعدم دلالة على حرمة القصر و عدم وجوبه في الأربعة.

و في ضمّ بقية الذهاب مع الإياب ممّا هو أقلّ من المسافة احتمالات:

أولها: عدم الضمّ، فلا يقصر إلّا عند الشروع في الرجوع دون هذه البقية، حكي عن الأكثر «3»، بل ادّعي عليه الإجماع.

و ثانيها: الضمّ، فيقصّر إذا بلغ مجموع البقية و الإياب مسافة، فإذا ذهب ستّة فراسخ بغير قصد، ثمَّ قصد فرسخا ثمَّ الرجوع، يقصّر وجوبا في ذلك الفرسخ الباقي أيضا، و ظاهر الحدائق الميل إليه «4».

و ثالثها: الضمّ بشرط بلوغ الإياب وحده حدّ المسافة، كأن يذهب سبعة فراسخ بغير قصد، ثمَّ قصد فرسخا ثمَّ الرجوع، نقله في الحدائق عن بعض مشايخه المحققين «5».

دليل الأول: عدم ضمّ الإياب مع الذهاب.

و دليل الثاني: لزوم ضمّه معه.

و حجّة الثالث: أنّ مع بلوغ الرجوع حدّ المسافة و قصده الرجوع يصدق قصد المسافة من غير تلفيق، فإنّ التلفيق الباطل إنّما هو ما حصل به نفس المسافة

______________________________

(1) التهذيب 4: 226- 663، الاستبصار 1: 227- 807، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3.

(2) في ص 178.

(3) الرياض 1: 250، و حكى فيه الإجماع عليه.

(4) الحدائق 11: 332.

(5) الحدائق 11: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 217

لا مطلقا، و هي في المقام من دونه حاصلة.

أقول: يرد على الأول: منع عدم الضمّ في جواز القصر.

و على الثاني: منع لزومه.

و على الثالث: أنّ اللازم فيما إذا قصد المسافة القصر عند الشروع في تلك المسافة المقصودة لا مطلقا.

و منه يظهر أنّ الحقّ جواز القصر في البقية إن بلغت مع الإياب

ثمانية فصاعدا، و وجوبه في الإياب خاصّة إن بلغ بنفسه الثمانية.

و تدلّ على الأول أيضا موثّقة الساباطي المذكورة في هذا الشرط، حيث دلّت على جواز القصر حين مضت ثمانية فراسخ و إن بقيت بقيّة. و لا يضرّ اختصاصها بالثمانية، لأنها كانت في السؤال. و لا تعارضها موثّقته المتقدّمة «1»، لما عرفت من إجمال معناها.

فروع:
أ: إذا تمَّ الذهاب ثمانية فراسخ و لم يشرع بعد في الرجوع، لا يجب القصر،

للأصل، و عدم دليل على الوجوب. و لا يجوز أيضا إذا لم يكن قاصدا لمسافة ذهابية قبله لعدم قصد مسافة قبله و لا الشروع فيها بعد، لظاهر الإجماع، و رواية صفوان. و بها يخصّ عموم الموثّقة المذكورة هنا، لاختصاص النهي فيها بحال إرادة الرجوع أي حال البقاء، و عموم الموثّقة له و للعود.

و لو ضمّت بقية معه جاز القصر حينئذ، كما مرّ.

ب: يعتبر في هذا الشرط استمراره إلى حدّ المسافة

، بمعنى أن لا يرجع عن قصده المسافة و لا يتردّد فيه قبل بلوغ المسافة، فلو رجع قبله أو تردّد لم يقصّر، بلا خلاف فيه كما قيل «2»، بل قيل: إنّه إجماع «3».

______________________________

(1) في ص 178.

(2) الرياض 1: 250.

(3) الذخيرة: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 218

لرواية إسحاق بن عمار في منتظر الرفقة، و صحيحة أبي ولّاد المتقدّمتين «1»، و رواية المروزي و فيها: «فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا، و ذلك أربعة فراسخ، ثمَّ بلغ فرسخين، و نيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» «2».

قيل: في دلالة الأخيرتين نظر:

أمّا الأولى فلعدم تصريح فيها بالقصر بعد نيّة الرجوع قبل بلوغ المسافة، و إنّما صرّح فيها بقضاء ما صلّاه بالتقصير لو رجع عن النية قبل بلوغها، و ذلك و إن استلزم الحكم الأول إلّا أنّ الملزوم- و هو وجوب قضاء ما صلّاه مطلقا- باطل إجماعا، مخالف لصريح صحيحة زرارة المتضمّنة لقوله «تمّت صلاته و لا يعيد» «3» فيبطل اللازم، إذ لا بقاء للدلالة التبعية بعد فساد متبوعها. و لا يتوهّم دلالة قوله «فإن كنت سرت ..» بالمفهوم

على المطلوب، لأنّ مع تعقيبه بقوله «و إن كنت لم تسر ..» لم يبق له مفهوم غيره عرفا.

و أمّا الثانية فلأنّ محلّ دلالتها إمّا قوله «فعليه التمام» أو أمره بعده بإعادة الصلاة، و الأول لا يفيد، لأنّ الإتمام لعلّه لقصد المقام دون نيّة الرجوع، و كذا الثاني، لما مرّ في السابقة.

أقول: وجوب قضاء الصلاة مطلقا و إن كان مخالفا للإجماع، إلّا أنّ وجوبه في الوقت خاصّة ذكره الشيخ في الاستبصار «4»، و استحبابه مطلقا ممّا اختاره

______________________________

(1) في ص 198، و 199.

(2) التهذيب 4: 226- 664، الاستبصار 1: 227- 808، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.

(3) الفقيه 1: 281- 1272، التهذيب 4: 227- 665، 3: 230- 593، الاستبصار 1:

228- 809، الوسائل 8: 521 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.

(4) الاستبصار 1: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 219

بعضهم «1»، و ليس ببعيد كما يأتي، و كلّ منهما أيضا يستلزم المطلوب. مع أنّ في آخر الصحيحة الاولى: «و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك» و هو أيضا مثبت للمطلوب.

ج: لو صلّى قبل نيّة الرجوع قصرا، ثمَّ رجع عن قصد المسافة قبل بلوغها، تستحبّ إعادة الصلاة المقصورة

، لصحيحة أبي ولّاد، و رواية المروزي. و لا تجب، لمعارضتهما مع صحيحة زرارة السابقة، الموجبة لحمل الأوليين على الاستحباب لأجل كونها قرينة له، أو حملهما على التخيير المستلزم للرجحان في العبادات، مع أنّ الرواية عن إفادة الوجوب قاصرة.

د: المعتبر- كما صرّح به في روض الجنان «2»، و غيره «3»- قصد المسافة النوعيّة لا الشخصية

. فلو نوى السفر إلى أحد البلدين أو البلدان مع بلوغ كلّ مقدار المسافة كفى، بشرط اتّحاد أصل الطريق الخارج من بلده، لصدق قصد المسافة، و صدق أنّ بينه و بين ما يؤمّ بريدان، كما صرّح به في مرسلة ابن بكير «4».

و كذا لو قصد مسافة معيّنة، فسلك بعضها، ثمَّ رجع إلى قصد موضع آخر تكون نهايته إلى محلّ الرجوع عن القصد مسافة إجماعا.

و كذا لو كان بحيث تكون نهايته مع ما مضى مسافة، على الأظهر، فإنّه يمضي على التقصير أيضا، للاستصحاب، و صدق السفر إلى المسافة المقصودة و إن تغيّر شخصها الّذي لا دليل على اعتباره أصلا، مع اختصاص ما دلّ من النصّ و الفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عن قصده- بحكم التبادر بل في بعضه التصريح- بغير محلّ البحث، و هو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.

______________________________

(1) كصاحب المدارك 4: 440، الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) روض الجنان: 385.

(3) كالرياض 1: 250.

(4) المتقدّمة في ص 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 220

و احتمل بعضهم «1» عدم التقصير في الأخير، لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها، و عدم بلوغ المقصود الثاني مسافة.

و يردّ: بمنع بطلان الاولى إن أريد مطلق المسافة، إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها، فيرجع إلى استصحاب وجوب القصر، و منع مدخليّة الشخص في الحكم

إن أريد بطلان الشخص.

ه: قد عرفت وجوب التمام لو رجع عن عزم السفر قبل بلوغ المسافة،

و المراد بها مسافة جواز التقصير و هي الأربعة. أمّا لو بلغ الأربعة فلا يجب الإتمام- على ما اخترناه من التخيير- قطعا، لبلوغه المسافة التخييرية، و لاختصاص الإجماع و الأخبار المتقدّمة الآمرة بالإتمام لو نوى الرجوع بما قبل الأربعة.

و هل يتخيّر في هذه الصورة أيضا، أو يجب القصر و لو في الإياب أيضا ما لم يقطع سفره في الأربعة؟

اختار الشيخ في النهاية الثاني «2»، و نفى عنه البعد بعض مشايخنا «3»، مع أنّ مذهبهما في الأربعة إذا قصدت في مبدأ السفر من غير إتمام الثمانية عدم وجوب القصر ما لم يرجع ليومه، بل جوازه.

و وجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتّم القصر في الثاني، من ثبوته و استصحاب وجوبه، بخلاف الأول، فإنّه حصل موجب القصر الاتفاقي- و هو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر- في الأول دون الثاني، إذ المسافة المقصودة فيه أولا إنّما هي الثمانية الملفّقة من الذهاب و الإياب.

و هو قوي جدّا، للاستصحاب المتقدّم، و الأمر في رواية إسحاق و صحيحة أبي ولّاد بالقصر مع بلوغ الأربعة في المورد «4»، و سائر أخبار تحتّم القصر في

______________________________

(1) الشهيد الثاني في روض الجنان: 385.

(2) النهاية: 125.

(3) انظر الرياض 1: 250.

(4) راجع ص 198، و 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 221

الأربعة «1»، الخالية في المورد عن الشذوذ و مخالفة الإجماع و معارضة الرضوي «2»، فيجب اتّباعها.

و: هل اللازم في قصد المسافة العلم العادي و الجزم، أو يكفي الظنّ

مطلقا، أو إذا كان قويا؟

الأول للأكثر، للأصل. و استقوى في الروضة الأخير «3».

و اللازم الرجوع إلى العرف في القصد و الإرادة المذكورتين في الأخبار، كمرسلة ابن بكير و رواية صفوان و غيرهما، و سيأتي بيانه عند تحقيق قصد إقامة العشرة.

ز: التابع للمسافر- كالعبد و الزوجة و الخادم و الأجير و الأسير- في حكم المتبوع

إذا علموا غرضه، فيقصّرون إن جزموا على المتابعة و علموا جزم متبوعهم المسافة، لاستلزامه قصدهم المسافة الموجب للتقصير و فقد المعارض.

و إن لم يكونوا عازمين على المتابعة، بل قصدوا الرجوع لو تمكّنوا منه بالعتق أو الطلاق، أو ولّوا بالنشوز و الإباق، فظاهر جماعة التقصير مطلقا، بل كلام المنتهى يشعر بكونه اتفاقيا عند الفريقين في الأولين، و عند الإمامية في الأسير «4».

و قال في نهاية الإحكام بالإتمام، لعدم القصد «5».

و فصّل الشهيد فقال: إن لم يحتمل التمكّن منه قبل المسافة عادة و لم تظهر أمارة التمكّن لهم قصّروا وجوبا أيضا، لكونهم قاصدين للمسافة بالعلم العادي، و لو احتمل ذلك بظهور أماراته أتّموا «6». و هو الصحيح.

أمّا القصر في الأوّل فلما مرّ. و لو كان ذلك منافيا للقصد لكان عزم كلّ

______________________________

(1) راجع ص 198.

(2) المتقدم في ص 191.

(3) الروضة: 1: 371.

(4) المنتهى 1: 391.

(5) نهاية الأحكام 2: 171.

(6) الذكرى: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 222

مسافر للرجوع قبل المسافة لو مرض أو قطع الطريق أو نحو ذلك مخلا للقصد و لو لم تظهر أماراته، فلا يقصّر أحد لكون كلّ أحد عازما على ذلك. و بالجملة هو يعزم جزما عاديا على المسافة و هو المناط للتقصير.

و أما الإتمام في الثاني فلعدم القصد. و أصالة عدم التمكّن و بقاء الاستيلاء لا تفيد، لأنّ الحكم منوط بالقصد و هو لا يختلف بالأصل و الاستصحاب، و لذا [يتم] «1» طالب

الآبق و مستقبل المسافر إذا احتمل الوصول قبل المسافة مع أنّ الأصل عدم الوصول.

ح: المكره في السفر كالتابع إذا لم يسلب الإكراه الاختيار.

و لو سلبه كأن تشدّ يداه و رجلاه و حمل إلى السفر و علم حمله إلى المسافة فقد يختلج بالبال فيه الإشكال، إذ القصد إنّما يكون على العمل و لا يصدر عنه عمل حتّى يكون قاصدا له، و لعدم شمول كثير من أخبار القصر لمثله، و عدم تبادره من شي ء من أخباره، و إجمال نحو قلوه «التقصير في بريدين» لاحتمال إرادة قصد بريدين أو سيره، و مثل ذلك لا يقصد و لا يسير، إلّا أنّ الظاهر الإجماع على وجوب القصر عليه.

و يمكن الاستدلال له أيضا بقوله سبحانه وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «2» فإنّ ذلك كائن في السفر و إن لم يكن مقصودا له، و لا معارض له، فيجب عليه التقصير أيضا.

الشرط الثالث: أن لا ينقطع سفره في أثناء الطريق
اشاره

بأحد القواطع، فلو انقطع أتمّ.

و هذا الشرط تارة يكون لأصل شرعيّة التقصير، و الأخرى لاستمراره.

فعلى الأول يكون المراد أنّه يشترط في شرعيّة التقصير أن ينوي مسافة لا ينقطع سفره في أثنائها قبل وصوله حدّ مسافة التقصير. فلو نوى مسافة منقطعة في الأثناء بأحد القواطع لا يجوز له التقصير لا في الطريق و لا في المنزل.

______________________________

(1) في جميع النسخ: لا يتمّ، و هو سهو كما يظهر بالتأمل.

(2) البقرة: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 223

و على الثاني يكون المراد: أنّه يشترط في استمرار التقصير أن لا ينقطع سفره في أثنائه بعد بلوغ المسافة بأحد القواطع. فلو انقطع يتمّ حين الانقطاع هذه إلى أن يستأنف قصد مسافة جديدة، و يقصّر قبله.

و مراد الأكثر في هذا المقام حيث ذكروا هذا الشرط هو المعنى الأول، و لذا لم يذكروا في القواطع هنا تردّد ثلاثين يوما، لأنّه في الأول غير متصوّر،

إذ لا معنى لعزم التردّد في الأثناء ثلاثين يوما، بل اقتصروا على عدم عزم دخوله الوطن أو موضعا يعزم فيه إقامة العشرة.

و امّا المعنى الثاني فقد ذكروه في مطاوي أحكام السفر، لأنّه ليس حقيقة من شروط التقصير بل شرط استمراره.

و نحن نذكر هنا الأمرين في مقامين:

المقام الأول: في بيان ما يتعلّق بهذا الشرط بالمعنى الأول.
اشارة

فنقول: إنّه يشترط في شرعيّة التقصير- جوازا أو وجوبا- أن لا يقصد الدخول في وطن له في أثناء المسافة الشرعية، و لا يعزم على إقامة العشرة في موضع في أثنائها. فلو قصد أحد الأمرين لم يجز له القصر في الطريق إن كان الوطن أو الموضع في خلال الأربعة، و لم يجب إن كان ما بينها و بين الثمانية، و كذا في نفس الوطن أو ذلك الموضع، و لا في ما بعد ذلك الموضع ما لم ينو مسافة جديدة بعده، و لا يكفي في القصر انضمام ما بقي من المسافة بعد الانقطاع إليها قبله، و كذا لا يقصّر في المسافة، بلا خلاف في الجميع كما صرّح به غير واحد «1»، بل بالإجماع كما نقله جماعة «2».

و استدلّ له بالأخبار المستفيضة الآتية المصرّحة بانقطاع السفر بوصول أحد الموضعين و وجوب الإتمام فيه. و هو غير واف بتمام المدّعى، لأنّه لا يثبت إلّا وجوب التمام في نفس أحد الموضعين، أمّا قبله و بعده فلا.

______________________________

(1) كصاحبي المدارك 4: 441، و الرياض 1: 250.

(2) منهم العلامة في التذكرة 1: 190، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 224

و لذا استدلّ لهما بعضهم «1» بالإجماعات المنقولة.

و بأنّ ما دلّ على القصر في المسافة يدل عليه إذا كانت المسافة سفرا واحدا، و هي هنا تسار في سفرين.

و باستصحاب وجوب التمام

الثابت في البلد في الأول و في أحد الموضعين في الثاني، مدّعيا أنّه ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها، لاختصاصه- بحكم التبادر- بغيرها.

أقول: يضعّف الأول: بعدم حجية الإجماع المنقول.

و الثاني: بمنع تعدّد السفر عرفا، فإنّه لا وجه لكون المسافة المتخلّلة في أثنائها إقامة تسعة أيام و نصف سفرا واحدا و إقامة عشرة أيام سفرين عرفا، و كذا لا يفرّق العرف بين ما إذا مرّ بمنزلة الّذي يتوطّنه سيّما إذا مرّ راكبا سيما عن حواليه، و بين ما إذا لم يمرّ.

و الثالث: بعدم إمكان منع شمول أكثر أخبار التقصير لمثل ذلك، بل الظاهر شمول الأكثر، سيّما على القول بكون مطلق الملك وطنا حيث إنّه يكثر أفراده أيضا. و تسليم شمولها للمقيم في الأثناء تسعة أيام و منعه للمقيم عشرة لا وجه له.

و لذا قال في الذخيرة- بعد ذكر هذا الحكم و قوله: لا أعرف فيه خلافا- لكن إقامة حجّة واضحة عليه لا تخلو عن إشكال «2»، و هو كذلك.

إلّا أن يستدلّ للإتمام في المسافة التي بعد المنزل بعموم التعليل بقوله: «لأنّه خرج من منزله لا يريد السفر ثمانية فراسخ» في رواية صفوان السابقة «3»، و له في الّتي قبل ما يريد الإقامة فيه عشرة أيام بعموم نحو صحيحة الخزّاز: «إن حدث

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 250.

(2) الذخيرة: 408.

(3) في ص 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 225

نفسه بإقامة عشرة أيام فليتمّ الصلاة» «1» خرج عنه ما خرج فيبقى الباقي و منه المورد، و لتمام المطلوب بالإجماع المركب.

فروع:
أ: لو لم يقصد أولا الوطن المتخلّل أو إقامة العشرة و عزم عليه في الأثناء،

كأن يقصد سفرا له طريقان يشتركان في بعض الطريق، أحدهما مارّ بوطنه دون الآخر، فعزم أولا

الآخر و سلك الطريق المشترك، ثمَّ رجع عن قصده و سلك في الباقي ما يمرّ بالوطن، أو لم يكن قاصدا لإقامة العشرة في رأس ثلاثة فراسخ مثلا، ثمَّ عزم عليها بعد الوصول إلى رأس الثلاثة، فلا شكّ في لزوم القصر ما لم يقصد الطريق المارّ بالوطن و لا الإقامة، و وجهه ظاهر. و كذا في لزوم الإتمام فيما بعد الوطن أو موضع الإقامة لو لم يكن مسافة مستأنفة، لما مرّ.

و أما فيما بعد قصد الوطن أو الإقامة و قبل دخول الوطن أو موضع الإقامة لو حصل القصد قبل الوصول إليهما ففيه إشكال.

و الظاهر هو الإتمام، لعموم صحيحة ابن يقطين: عن رجل خرج في سفر، ثمَّ تبدو له الإقامة و هو في صلاته، قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة» «2».

و نحوها رواية سهل «3»، إلّا أنّها خالية عن قوله «و هو في صلاته» فتأمّل.

ب: لو تردّد أولا في سلوك الطريق المارّ إلى الوطن

أو إقامة العشرة في موضع من أثناء المسافة و احتملهما احتمالا غير بعيد، لا يقصّر أصلا، لعدم قصد المسافة الموجبة للتقصير و هي الغير المتخلّلة للإقامة.

ج: حكم التوقّف مع التردّد ثلاثين يوما عند احتماله في أول السفر

أو

______________________________

(1) الكافي 3: 436 الصلاة ب 84 ح 3، التهذيب 3: 219- 548، الاستبصار 1: 238- 849، الوسائل 8: 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.

(2) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 8، الفقيه 1: 285- 1299، التهذيب 3: 224- 564، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 3: 224- 565، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 226

حصوله من غير قصد في أثناء المسافة حكم إقامة العشرة و تخلّل الوطن في الأثناء، فيتمّ في الأول مطلقا، و في الثاني فيما بعد موضع التوقّف لو لم يكن مسافة، بل الإتمام فيه أظهر من الأولين، لكون ذلك من الأفراد النادرة كثيرا، فيشكّ في شمول إطلاقات التقصير له.

ثمَّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه هنا ما تقدّم في صدر المقام من عدم تصوّر قطع السفر بتردّد ثلاثين يوما في هذا الشرط، لأنّ ما مرّ إنّما هو في عزم تخليل القاطع في بدء السفر، و ما ذكرناه إنّما هو في احتماله فيه أو حصوله في الأثناء.

المقام الثاني: في بيان ما يتعلّق بهذا الشرط بالمعنى الثاني.
اشاره

فنقول: إنّه يشترط في جواز التقصير- جوازا أو وجوبا- أن لا ينقطع سفره بوصوله إلى الوطن، و لا إلى موضع ينوي فيه الإقامة عشرة أيام، و أن لا يبقى متردّدا في بلد في الأثناء ثلاثين يوما.

فهذه ثلاثة قواطع للسفر، يجب على المسافر الإتمام بحصول كلّ واحد منها، نذكرها في ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: في بيان الوصول إلى الوطن.
اشارة

فنقول: إنّ انقطاع السفر به و وجوب الإتمام معه في الجملة مجمع عليه، و في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى- الآتية طائفة منها- تصريح به.

و مقتضى إطلاق بعضها- كصحيحة ابن بزيع الآتية في بيان الوطن «1»، و موثّقة إسحاق و رواية المحاسن الآتيتين في حدّ الترخص للعائد من السفر «2»- شمول الحكم للواصل إلى البلد مطلقا، مجتازا كان أم غير مجتاز، نزل منزلة أم لم ينزل.

خلافا للإسكافي و الحلبي، فأوجبا القصر على المجتاز.

قال الأول: من وجب عليه التقصير في سفره، فنزل منزلا أو قرية ملكها

______________________________

(1) انظر ص 232.

(2) انظر ص 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 227

أو بعضها، أتمّ و إن لم يقم المدة التي توجب التمام على المسافر. و إن كان مجتازا بها غير نازل لم يتمّ «1».

و قال الثاني: و إن دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام «2». حيث شرط النزول في المصر فيتمّ غير النازل.

و العمومات المذكورة تردّهما، مع أنّه يمكن أن يكون خلاف الإسكافي فيما له ملك من غير أن يكون وطنا شرعيّا أو عرفيا، فيكون موافقا للمشهور في المجتاز عن الملك مخالفا له في غير المجتاز.

و منهم من جعل قول الحلبي قولا غير قولي الإسكافي و المشهور، فأرجع الضمير في قوله: «فيه» إلى الوطن، و حمل الوطن على داره في المصر، فعزا إليه أنّه لو

لم يكن مجتازا و دخل دارا غير داره في المصر يقصّر.

و فيه: أنّ رجوع الضمير إلى المصر هو الظاهر، مع أنّ المراد من الوطن يمكن أن يكون التوطّن فينحصر المرجع بالمصر.

و كيف كان فالقولان شاذّان مردودان بما ذكر، و ينقطع السفر بالوصول إلى الوطن مطلقا.

و اللازم هنا تحقيق الوطن القاطع للسفر و أنّه ما هو؟
اشارة

فنقول: اختلفوا في الوطن أي الموضع الّذي يجب الإتمام و الصيام بمجرّد الوصول إليه و لو لم ينو فيه إقامة العشرة على أقوال:

الأول: أنّه ما له فيه ملك مطلقا. و هذا القول ظاهر الإسكافي، قال: من وجب عليه التقصير في سفره، فنزل منزلا أو قرية ملكها أو بعضها، أتمّ و إن لم يقم المدة الّتي توجب التمام على المسافر. و إن كان مجتازا بها غير نازل لم يتمّ.

الثاني: أنه ما له فيه ملك مطلقا مع استيطان ستّة أشهر مطلقا. و هو

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 170.

(2) الكافي في الفقه: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 228

صريح المبسوط و السرائر و الشرائع و الإرشاد «1»، بل سائر كتب الفاضل و من تأخّر عنه كما في المدارك «2»، بل هو المشهور بين المتأخّرين كما في الذخيرة و الحدائق «3»، بل عن روض الجنان و التذكرة: الإجماع على كفاية الستّة أشهر مطلقا «4». و قال بعض الأجلّة: لا أعرف فيه خلافا إلّا من الصدوق على وجه.

و مراد هؤلاء إن كان من الاستيطان الإقامة و الإسكان- كما هو الظاهر- يكون شرط الوطن عندهم أمرين: الملك و إقامة ستة أشهر. و إن كان إسكانا يعدّ وطنا عرفا يكون الشرط أمورا ثلاثة: الأمران، مع التوطّن العرفي في ستّة أشهر.

ثمَّ مقتضى ذلك القول اشتراط دوام الملك في حال الصلاة، و حصول الاستيطان المذكور و لو في

وقت.

الثالث: أنّه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه ستّة أشهر، فهو أخصّ من سابقة باعتبار المنزل دون مطلق الملك إن قلنا إنّ مرادهم بالمنزل المملوك، و إلّا فيكون أعمّ من وجه منه من هذه الجهة. اختاره في النافع و الروضة «5».

الرابع: أنه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه ستّة أشهر في السنة.

و هو مذهب الصدوق في الفقيه «6». و هو أخصّ من سابقة باعتبار الستّة أشهر، فإنّها في السابق مطلقة، و في ذلك مقيّدة بالسنة، و ظاهره أن تكون الستّة أشهر من سنة، فلا تكفي الستّة من سنين متعدّدة، بخلاف الأول. و قد فهم بعضهم منه ستّة أشهر من كلّ سنة «7»، و هو بعيد من ظاهره، بل هو غير مستقيم.

الخامس: أنّه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه فعلا، فهو أعمّ من

______________________________

(1) المبسوط 1: 136، السرائر 1: 331، الشرائع 1: 133، الإرشاد 1: 274.

(2) المدارك 4: 443.

(3) الذخيرة: 408، الحدائق 11: 359.

(4) روض الجنان: 386، التذكرة 1: 190.

(5) المختصر النافع: 51، الروضة 1: 372.

(6) الفقيه 1: 288.

(7) انظر الذخيرة: 408، و الحدائق 11: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 229

سابقيه باعتبار الاستيطان، فإنّه فيه مطلق، و فيهما مقيّد بستة أشهر، و يحتمل الاتّحاد باعتبار تفسير الاستيطان في بعض الصحاح الآتية بذلك، و أخصّ منه من جهة فعلية الاستيطان. و هو ظاهر الشيخ في النهاية «1»، و القاضي في الكامل، حيث عبّرا بقولهما: كان له فيها موضع يستوطنه و ينزل فيه. و لا شكّ أنّ ظاهره الفعلية.

السادس: ما يكون له فيه وطن مطلقا. و هو مذهب الحلبي «2»، و ظاهره أنّه ما كان وطنا له فعلا، و الظاهر اتحاده مع

السابق، لعدم انفكاك الوطن عن المنزل، سيّما إذا لم يشترط في المنزل الملكية.

السابع: ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه عرفا. اختاره في الذخيرة و الكفاية «3»، و بعض آخر من متأخّري المتأخّرين «4»، فإن كان مراد سابقة من الوطن العرفي يتّحد معه، كما يتّحدان مع سابقهما إن كان مراده من الاستيطان ذلك، و إن كان سكنى ستّة أشهر حصل الاختلاف.

الثامن: أن يكون له فيه ملك أقام فيه ستّة أشهر، أو يكون وطنا له عرفا، و حاصله كفاية أحد الوطنين الشرعي أو العرفي. اختاره بعض متأخّري أصحابنا، و صرّح بعض مشايخنا بعدم الخلاف نصّا و فتوى في كفاية الأخير.

و محصّل الأقوال: أنّ بناء الأقوال الأربعة الأولى على الوطن الشرعي و إن اختلفوا فيما يتحقّق به، و بناء الخامس و السادس يحتمل أن يكون على الشرعي و على العرفي، و بناء السابع على العرفي، و بناء الثامن على كلّ منهما.

حجة الأول: المستفيضة من الأخبار، مثل صحيحة عمران بن محمد

______________________________

(1) النهاية: 124.

(2) الكافي في الفقه: 117.

(3) الذخيرة: 408، الكفاية: 34.

(4) كالعلامة المجلسي (ره) في البحار 86: 37 و نقله في الحدائق 11: 371 عن بعض مشايخه المحققين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 230

المتقدمة «1»، و صحيحة الهاشمي: عن رجل سافر من أرض إلى أرض و إنما نزل قراه و ضيعته، قال: «إذا نزلت قراك و ضيعتك فأتمّ الصلاة، و إن كنت في غير أرضك فقصّر» «2».

و موثقة الساباطي: في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار، فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها» «3».

و رواية البزنطي:

عن الرجل يخرج إلى ضيعته و يقيم اليوم و اليومين و الثلاثة، أ يقصّر أو يتمّ؟ قال: «يتمّ الصلاة كلّما أتى ضيعة من ضياعه» «4».

و رواية موسى بن الخزرج: أخرج إلى ضيعتي، و من منزلي إليها اثنا عشر فرسخا، أتمّ الصلاة أم أقصّر؟ قال: «أتمّ» «5» يعني في الضيعة.

أقول: كانت الحجة تامة لو لا تعارضها مع غيرها، و لكنّه تعارضها مستفيضة أخرى، كرواية موسى بن حمزة: إنّ لي ضيعة دون بغداد، فأخرج من الكوفة أريد بغداد، فأقيم في تلك الضيعة، أقصّر أم أتمّ؟ قال: «إن لم تنو المقام عشرا فقصّر» «6».

و رواية ابن سنان: «من أتى ضيعته ثمَّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر، و إن

______________________________

(1) في ص 199.

(2) الفقيه 1: 287- 1309، التهذيب 3: 210- 508، الاستبصار 1: 228- 810، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2.

(3) التهذيب 3: 211- 512، الاستبصار 1: 229- 814، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 5.

(4) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 3، التهذيب 3: 214- 523، الاستبصار 1: 231- 823، الوسائل 8: 497 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 17.

(5) التهذيب 3: 210- 510، الاستبصار 1: 229- 812، الوسائل 8: 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 15.

(6) التهذيب 3: 211- 514 الاستبصار 1: 230- 816، المحاسن 371- 131، الوسائل 8:

499 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 231

أراد المقام عشرة أيام أتمّ الصلاة» «1».

و مرسلة التهذيب: «إنّه صلّى في ضيعته فقصّر في صلاته» «2».

و الصحاح الثلاث لابن يقطين:

الاولى: عن الرجل يمرّ ببعض الأمصار، له بالمصر دار، و ليس المصر وطنه، أ يتمّ الصلاة

أم يقصّر؟ قال: «يقصّر الصلاة، و الضياع مثل ذلك إذا مرّ بها» «3».

و الثانية: إنّ لي ضياعا و منازل بين القرية و القرية الفرسخان و الثلاثة، قال:

«كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» «4».

و الثالثة: الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به أ يتمّ أم يقصّر؟ فقال: «كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، فليس لك أن تتمّ فيه» «5».

و صحيحة سعد: عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها، قال:

«إن كان ممّا سكنه أتمّ الصلاة فيه، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر» «6».

و صحيحة الحلبي: في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل [له] في الطريق، يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال: «يقصّر، إنّما هو المنزل الذي توطّنه» «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 211- 513، الاستبصار 1: 229- 815، الوسائل 8: 499 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 6.

(2) التهذيب 3: 213- ملحقة بحديث 520، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ذ ح 11.

(3) التهذيب 3: 212- 516، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 7.

(4) التهذيب 3: 213- 519، الاستبصار 1: 230- 820. الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 10.

(5) التهذيب 3: 212- 515، الاستبصار 1: 230- 817، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6.

(6) التهذيب 3: 212- 518، الاستبصار 1: 230- 819، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 9.

(7) التهذيب 3: 212- 517، الاستبصار 1: 230- 818، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 8، و ما بين المعقوفين من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 232

و صحيحة ابن بزيع: عن الرجل يقصّر في ضيعته، قال: «لا بأس ما لم

ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فقلت: و ما الاستيطان؟

فقال: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى يدخلها» «1».

و هذه الأخبار أكثر من الأولى. و طائفة منها تعارضها بالتباين كالروايتين الأوليين و المرسلة الأخيرة. و أكثرها أخصّ منها مطلقا من جهة اشتراط الاستيطان و السكنى. مضافا في صحيحتي الحلبي و ابن بزيع من جهة اشتراط المنزل أيضا.

هذا إذا حمل مطلق المنزل على المملوك، و إلّا فيكون التعارض مع الصحيحتين بالعموم من وجه، و مع البواقي- كما مرّ- بالعموم المطلق، فيجب تخصيص الأخبار الأولى بما نوى فيه العشرة، كما هو مقتضى الروايات الثلاث المعارضة للأولى، و بما فيه منزل يستوطنه، كما هو مقتضى البواقي، سيّما مع ندرة القائل بمضمونها و موافقته لمذهب جمع من العامة.

و منه يظهر سقوط ذلك القول جدّا.

دليل القول الثاني على اعتبار الملك: صحيحة الهاشمي، و مفهوم رواية البزنطي.

و على كفاية مطلقه من غير حاجة إلى المنزل: جميع الروايات الأربع الاولى، و صحيحة سعد المكتفية بالضيعة و السكنى فيها.

و على اعتبار الاستيطان: الصحاح الستّ الأخيرة.

و على اعتبار ستّة أشهر: اعتبارها في تحقّق الاستيطان شرعا، للصحيحة الأخيرة.

أقول: ما استدلّوا به للجزء الأول و إن لم تعارضه الروايات التسع الأخيرة،

______________________________

(1) الفقيه 1: 288- 1310، التهذيب 3: 213- 520، الاستبصار 1: 231- 821، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 233

إذ لا تدلّ الأربع الأولى منها إلّا على عدم كفاية مطلق الملك و هو لا ينافي اعتباره، و كذا السابعة.

و أمّا الخامسة فهي أيضا كذلك، إلّا أن يعتبر مفهوم الوصف في قوله: «كلّ منزل

من منازلك لا تستوطنه» و جعل المنزل أعمّ من المملوك و غيره، و الأول ممنوع، و الثاني محلّ خدشة و كلام.

و المستفاد من قوله: «فليس لك أن تتمّ فيه» تفريعا على قوله: «فليس لك بمنزل» في السادسة انتفاء الإتمام بانتفاء المنزل، لا وجوده مع وجوده مطلقا حتّى إذا لم يكن المنزل مملوكا، فلا ينافي اعتبار الملك أيضا.

و أمّا الثامنة فإنّما تفيد عدم اعتبار الملك إذا جعل المنزل أعمّ من المملوك، و جعلنا مرجع ضمير «هو» ما يتمّ الصلاة فيه. و الأول قد عرفت أنه محلّ كلام، و الثاني ممنوع، لاحتمال أن يكون المرجع ما يتوقف عليه الإتمام، فيدلّ على اشتراط منزل و هو لا ينافي اشتراط الملك أيضا.

مع أنّ فيها احتمالا آخر بعيدا، لجواز أن يكون المرجع المنزل الّذي في الطريق، فيكون المعنى: قال: يقصّر في ذلك المنزل، لأنّه المنزل الّذي يسكنه، لا الّذي يتمّ فيه الصلاة.

و أمّا التاسعة فموضوعها ما فيه الملك، حيث إنّ السؤال فيها عن الضيعة، و قيّدها في الجواب أيضا بقوله «فيها» أي في الضيعة في موضعين.

و لا يضرّه أيضا ما قيل من أنّ المذكور في الصحيحة و الرواية «أرضك» و «ضيعته» و يكفي في تحقّق الإضافة مطلق الانتساب و الاختصاص و لو بالاستئجار أو الاستيعار أو الاستيداع، فلا يفيدان اعتبار الملكية.

لأنّا نقول: إنّ المتبادر من أرض الشخص و ضيعته و قريته ما يكون ملكا له، و لا يصحّ السلب عن المملوك، و هما أمارتان للحقيقة. و لا يتبادر غيره من الأرض المستأجرة و نحوها، و يصحّ السلب عنها، و هما أمارتان للمجاز، و يجب حمل اللفظ على حقيقته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 234

و لا ما قيل من أنّ

ما فسّره اللغويون به الوطن لا يتضمّن الملك أصلا، و لا يعتبره أهل العرف أيضا «1».

لأنّا نقول: ليس المراد اعتباره في معنى الوطن عرفا أو لغة بل و لا شرعا بل نقول: إنّ المستفاد من الأخبار اعتبار الملك في إتمام الصلاة و إن اعتبر غيره فيه أيضا.

إلّا أنّه تعارضه الأخبار المستفيضة من الصحاح و غير الصحاح الآتية، المصرّحة بوجوب الإتمام في الدار و البيت و المنزل و الأهل و أنّ أهل كلّ بلد يتمّون فيه، بالعموم من وجه، و الترجيح للأخبار الآتية من جهة الأكثريّة و المخالفة للعامّة، لأنّهم يقولون بالإتمام في الملك دون غيره فعندهم يشترط الملك، و الموافقة لمفهوم قوله سبحانه وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ «2» إذ من يدخل وطنه العرفي الّذي لا ملك له فيه ليس على سفر.

هذا كلّه مع أنّ قوله «و إن كنت في غير أرضك» في الصحيحة لا يمكن إبقاؤه على حقيقته، و إلّا لوجب كونه في نفس الموضع المملوك دون غيره كالمسجد، و هو باطل إجماعا غير مراد قطعا، فلا بدّ من تجوّز إمّا في الكون في الأرض بأن يراد القرب منها، أو الكون في حواليها و نحوهما، أو في لفظ «أرضك» بأن يراد ماله علاقة فيها من نحو ملك أو توطّن أو منزل، كما يقال: أرض العدوّ و أرض الحبيب، و لم يتعيّن المجاز، فلا يمكن الاستناد إليه في الاشتراط.

و منه يظهر ما في الاستناد إلى مفهوم رواية البزنطي أيضا، مع أنّ اعتبار مفهومها أيضا محلّ نظر، إذ ليس من المفاهيم المعتبرة.

و منه يظهر سقوط الجزء الأوّل من ذلك القول و عدم اشتراط الملك أصلا.

و أمّا ما استدلّوا به للجزء الثاني فيرد عليه: أنّه

تعارضه صحيحة ابن بزيع المشترطة للمنزل، بل صحيحة الحلبي الدالّة على اشتراطه، بالخصوص المطلق،

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(2) البقرة: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 235

فيجب تخصيصه بهما قطعا. بل يعارضه كلّ ما دلّ على اشتراط الاستيطان و الأهل، لعدم انفكاك صدقهما عن وجود المنزل، سواء أريد الوطن العرفي أو الشرعي. بل و كذلك الّتي اشترطها في صحيحة سعد. فهي أيضا من أدلّة المخالفين في ذلك الجزء.

و منه يظهر سقوط ذلك الجزء أيضا و أنّه لا مناص عن اعتبار المنزل أيضا.

و أمّا ما استدلّوا به على الجزء الثالث من اعتبار الاستيطان فهو كذلك، لدلالة أكثر الأخبار المذكورة عليه.

و أمّا ما استدلّوا به على الجزء الرابع، و هو كفاية استيطان ستّة أشهر واحدة و لو ماضية في سوالف الأيام و تحقّق الاستيطان به، فيتمّ الصلاة مع تحقّق ذلك و لو ترك المنزل و الاستيطان فيه حينئذ للصحيحة الأخيرة، فيرد عليه: أنّ قوله «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر» ليس باقيا على معناه الحقيقي الاستقبالي مجرّدا، لعدم العلم بالمستقبل، إلّا أن يضمّ معه القصد و العزم، فيكون إمّا بمعنى أقام، أو يعزم و يريد أن يقيم.

فهو على ذلك يحتمل معنيين:

الأول: أن يكون المعنى: منزل أقام فيه ستّة أشهر.

و الثاني: أن يكون المعنى: يعزم على إقامة ستّة أشهر.

و كلّ من المعنيين ممّا يصلح إرادته منه، بل الثاني أوفق بقوله «يستوطنه» المتبادر منه الفعلية، أي فعلية القصد و إن لم تكن الإقامة فعلية حتّى يلائم قوله «ما لم ينو ..».

و ليس الثاني مخالفا للإجماع، لاحتمال كونه مراد أرباب القولين الرابع و الخامس، و إن كان حمله على المعنى الاستقبالي مطلقا من غير تفسيره بالعزم

أي عزمه بأن يقيم في الزمان المستقبل و لو في برهة من الأزمنة الآتية- كما قيل- مخالفا له.

و على هذا فتكون الصحيحة مجملة غير صريحة في كفاية الماضي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 236

و قد يقال بدلالة قوله «توطّنه» و «سكنه» في الصحيحة بضميمة هذه الصحيحة عليه.

أو يقال: دلّتا على كفاية التوطّن و السكنى الماضيين مطلقا، خرج ما دون ستّة أشهر بالإجماع، فيبقى الباقي.

و يرد على الأول: أنّ لفظ «توطّنه» يمكن أن يكون بصيغة المضارع من باب التفعل محذوفة منها إحدى التاءين، أو من باب التفعيل من دون حذف.

و على الثاني: أنه ليس المراد بقوله: «سكنه» معناه اللغوي قطعا، و مجازه يمكن أن يكون جعله مسكنا عرفا أو وطنه أو نحو ذلك، فلا يفيد شيئا.

و توهّم استدلالهم في كفاية الماضي بعدم اشتراط مبدأ الاشتقاق في صدق المشتق و نحوه خطأ، إذ الخلاف في المشتقات ليس في صيغ الماضي و المضارع، و الألفاظ الدالّة على اشتراط الوطن هنا منهما، و لم يذكر الوطن إلّا في لفظ بعض السائلين فيما لا يترتّب عليه حكم.

و من ذلك يظهر سقوط هذا القول كسابقه أيضا.

دليل الثالث أمّا على لزوم المنزل: فدلالة الأخبار عليه، و اشتراط صدق الاستيطان به.

و أمّا على لزوم الاستيطان و تحقّقه بستّة أشهر فما مرّ.

و الجزء الأوّل تامّ لا بحث عليه، و كذا اشتراط الاستيطان.

و أمّا الاكتفاء بستّة أشهر و لو ماضية فقد عرفت ما فيه.

حجة الرابع أمّا على اعتبار المنزل و الاستيطان ستّة أشهر فما مرّ.

و أمّا على اعتباره في السنة، فإن أريد به اشتراط كون الستّة في سنة، و لا تفيد الستّة المتفرقة في السنين المتعدّدة بأن يقيم في كلّ سنة شهرا أو أقلّ،

و كان مرادهم ستّة أشهر في سنة و لو من السنين الماضية، فدليلهم على اعتبار كونها في السنة: أنّ المتعارف في ذكر الشهور كونها منسوبة إلى السنين، فيقال: إنّه أقام شهرا أي من السنة. و على كفاية الماضي: ما مرّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 237

و إن أريد إقامة ستّة أشهر من كلّ سنة فدليلهم: ورود اعتباره بصيغة المضارع المفيدة للتجدّد الاستمراري، فلا بدّ من استمرارها في كلّ سنة.

فإن كان مرادهم الأول، فاكتفاؤهم بالسنة الماضية و إن كان مردودا بما مرّ، و لكن اشتراطهم كون الستّة في السنة صحيح، بل الظاهر اعتبار كونها فيما دون السنة أيضا، إذ الستّة أشهر و إن صدقت على المتحققة في السنة أو الأكثر إلّا أنّ الظاهر من استيطان ستّة أشهر و سكون ستّة أشهر و نحوهما كونها متوالية، و لذا لو قال أحد: كنت ستّة أشهر في البلد الفلاني، و أقمت فيه كذا، تتبادر منه المتوالية.

و إن كان مرادهم الثاني، ففيه أولا: أنّ تقييد التجدّد بكلّ سنة أي بتجدّد إقامة ستّة أشهر في كلّ سنة تقييد بلا دليل، و إرادة تجدّد إقامة كلّ ستّة أشهر تفيد دوام الإقامة، و لا يقول به أحد.

و ثانيا: أنّه إن أريد من التجدّد الاستمراري تجدّدها مستمرّا دائما، فدلالة المضارع عليه غير مسلّمة، و إن أريد حصوله كذلك متكررا عرفا، فهو مسلّم و لكنّه غير التكرر كلّ سنة.

و ثالثا: أنّ المسلّم لزوم تكرّر المبدأ خاصّة دون متعلّقه، و لذا لو قال أحد:

فلان يكرم العلماء، يستفاد منه تكرّر الإكرام و لو بواسطة تعدّد العلماء، لا تكرّر إكرام العلماء حتّى يلزم إكرام كلّ عالم متكرّرا، فاللازم هنا تكرّر الإقامة و لو بتوسّط تعدّد أيّام ستّة

أشهر أو شهورها، و لا يلزم تكرّر إقامة ستّة أشهر.

و رابعا: يمنع كون مطلق صيغة المضارع مفيدا للتجدّد الاستمراري، و لذا لو قال أحد: إذا جاءك من يبيع حنطة فاشتر منه، يجب الاشتراء إذا تراه يبيع و لو مرّة، و هو أمر يختلف باختلاف القرائن و الموارد.

و التحقيق أنّه استعمل في المعنيين، و كونه حقيقة في التجدّد الاستمراري غير مسلّم جدّا.

حجة الخامس و السادس على اعتبار المنزل: ما تقدّم ذكره.

و على اعتبار الاستيطان بمعنى أن يقيم فيه ستّة أشهر أي يعزم على ذلك

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 238

صحيحة ابن بزيع بأحد معنييها، إن كان مرادهم من الاستيطان ذلك، و سائر الأخبار المتقدّمة المتضمّنة للاستيطان، و ما يأتي من الأخبار الدالّة على الإتمام في الأهل مع ضميمة رفع اليد عن الصحيحة لإجمالها، أو حملها على ما لا ينافي ذلك، إن كان مرادهم بالاستيطان العرفي.

و هو كان صحيحا لو لا إيجابه لطرح الصحيحة رأسا أو حملها على ما يوجب إخراجها عن ظاهرها.

حجة السابع: ما مرّ من الأخبار المتضمّنة للاستيطان، المحمولة على المعنى العرفي بعد عدم ثبوت معنى له شرعا أمّا لإجمال الصحيحة أو حملها على ما لا ينافيه، و الأخبار الدالة على إتمام أهل كلّ بلد فيه أو في الأهل، كصحيحة زرارة:

«من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكة» «1».

و موثّقة إسحاق: عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال:

«نعم» «2».

و اخرى فيها: «بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله» «3».

و صحيحة إسماعيل بن جابر: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة» «4» الحديث.

و معنى أهل

بلد: المتوطّن فيه، كما أنّ الظاهر من أهله: وطنه الذي فيه أهله.

______________________________

(1) التهذيب 5: 488- 1742، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.

(2) التهذيب 5: 487- 1741، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 6.

(3) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 5، الفقيه 1: 284- 1291، التهذيب 3: 222- 555، الاستبصار 1: 242- 863، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.

(4) الفقيه 1: 283- 1288، التهذيب 3: 163- 353، 3: 222- 558، الاستبصار 1:

240- 856، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 239

أقول: هذا القول كان حسنا لو لا ما ذكر من رفع اليد عن الحسنة «1»، أو حملها على خلاف ظاهرها.

حجة الثامن أمّا على اعتبار الوطن العرفي و كفايته: فهذه الأخبار الأخيرة.

و أمّا على اعتبار الوطن الشرعي و هو ما أقام فيه ستّة أشهر: فالصحيحة المذكورة مع عدم تعارض بينهما كما يأتي.

و هو كان حسنا لو لا احتمال الصحيحة للمعنى الثاني المتقدّم.

و من هذا ظهر أدلّة جميع الأقوال و ما يرد عليها.

ثمَّ أقول لتحقيق الحال و بيان الحقّ من الأقوال:

إنّه قد ظهر لك مما مرّ ذكره بطلان كفاية الملك أو اشتراطه، و كذا ظهر عدم وضوح دليل على الاكتفاء بإقامة ستّة أشهر ماضية مطلقا، أو في السنة، أو اشتراط استيطانها في كلّ سنة مع الملك أو المنزل.

و منه ظهر سقوط جميع الأقوال الأربعة الاولى، بل الخامس و السادس على إرادتهما إقامة ستّة أشهر و لو فعلا بمعنى قصدها و العزم عليها.

و أمّا إن أرادا الاستيطان العرفي فقد عرفت دلالة أخبار الأهل على كفايته، بل سائر أخبار

الاستيطان لو لا الصحيحة، فلا مناص عن القول بكفايته، فهما يتمّان من هذه الجهة، إلّا أنّ عدم اعتبار غيره و عدم كفايته محلّ نظر، لأنّ الصحيحة و إن كانت مجملة باعتبار احتمال المعنيين، و لكنّه لا إجمال فيها من جهة القدر المتيقّن منهما و هو المعنيان معا، فإنّه تثبت منهما كفاية إقامة ستّة أشهر في الزمان الماضي، و قصدها و العزم عليه في المستقبل، سواء صدق معه التوطّن العرفي أم لا، فتركها و عدم اعتبارها أصلا ممّا لا وجه له.

و منه يظهر سقوط هذين القولين على ذلك المعنى، و كذا القول السابع من جهة عدم اعتبار الاستيطان بهذا المعنى أي المعنى الشرعي، و إن كانت الثلاثة صحيحة باعتبار الاكتفاء بالوطن العرفي.

______________________________

(1) كذا في النسخ الأربع، و الظاهر أن الصحيح: الصحيحة، و هي صحيحة ابن بزيع المذكورة آنفا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 240

فبقي القول الثامن المعتبر للوطنين العرفي و الشرعي، و هو الحقّ المطابق للجمع بين الأخبار، إلّا أنّ في تفسيره الوطن الشرعي بما أقام فيه ستّة أشهر و لو ماضية ما عرفت من عدم صراحة الصحيحة فيها، و أنّ القدر الثابت منها تحقّق الاستيطان الشرعي بتحقّق المعنيين جميعا بأن أقام ستّة أشهر في الزمان المتقدّم على حال الصلاة، و العزم على إقامتها بعد حال الصلاة أيضا متّصلة بها، أو غير متّصلة بشرط تحقّق العزم في الحال.

فالحقّ أن يقال بكفاية أحد الأمرين في انقطاع السفر:

أوّلهما: ما كان أهلا و وطنا عرفا، و المراد بالوطن العرفي مكان اتّخذه مسكنا، و هو يحصل بقطع العلاقة عن غير ذلك المكان و إرادة الاستقرار و الاستمرار و الكون في ذلك المكان، و الشروع في الاستقرار و التمكن و

إن لم يستمرّ بعد إلّا زمان قليل، بل لا يشترط قطع العلاقة الكليّة عن الغير أيضا.

و اعتبار ذلك المعنى ليس لأخبار الاستيطان المتقدّمة، لاحتمال إرادة الاستيطان الشرعي منها بل هو الظاهر، بل لأخبار الأهل الأخيرة، فإنّ كلّ ما كان وطنا و مسكنا عرفا و يعدّ وطن شخص، يصدق على هذا الشخص أنّه أهله و أنّه دخل على أهله.

و الثاني: ما كان وطنا شرعيا، و القدر المتيقّن منه ما تحقّق معه إقامة الستّة أشهر الماضية و العزم على إقامتها في الآتية، فيكفي كلّ من هذين المعنيين.

و لا تعارض بين أخبار الأهل و الصحيحة، لعدم المنافاة و التعارض بين كفاية كلّ من الأمرين.

و لا يتوهّم معارضة مفهوم الحصر في الصحيحة مع أحاديث الأهل، حتّى يدلّ على أنّه لا يقصّر فيما لم يكن له فيه منزل يقيم فيه ستّة أشهر و إن كان وطنا عرفا.

و معارضة مفهوم الغاية في موثّقة إسحاق الثانية من أخبار الأهل مع الصحيحة، لدلالته على أنّه ما لم يدخل أهله يقصّر و إن دخل الوطن الشرعي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 241

لاندفاع الأول بأنّه قد عرفت عدم تعيين خصوص معنى للصحيحة، و أمّا ما انتفى فيه المعنيان فلم يقم فيه ستّة أشهر و لم يقصد إقامتها بعد ذلك أيضا لا يكون البتة وطنا عرفا حتّى يحصل التعارض.

و الثاني بمنع عدم صدق أهله على الوطن الشرعي بالمعنى الّذي ذكرنا، فإنّ أهل كلّ شخص ليس غير عياله و عشيرته، و كنّي هنا به عن وطنه، فيمكن أن يراد به الوطن الشرعي أيضا.

ثمَّ لا يخفى أنّه يشترط وجود المنزل على كلّ من الوطنين، و وجهه ظاهر.

و لا يتوهّم كفاية مطلقه من غير اعتبار الوطنية من جهة

دلالة أخبار كثيرة على الإتمام في المنزل و البيت و الدار، إذ لا شكّ أنّه يجب تقييدها بالوطن، لأخباره الّتي هي منها أخصّ، خصوصا صحيحة ابن يقطين الثالثة «1».

فروع:
أ: اللازم في الموطن العرفي صدق كونه من أهله

، فلو كان قبل ذلك، كأن يكون أول أمره و أراد حينئذ السكنى فيه دائما، و لكنّه لم يدخل بعد تحت اسم أهله، لا يجوز له الإتمام فيه، بل يرجع إلى قواعد السفر، للاستصحاب، و عدم صدق الأهل الّذي هو مناط الوطن العرفي، و لا ثبوت الوطن الشرعي. نعم لو مضى على ذلك ما يصدق معه الوطن الشرعي أتمّ.

ب: لا تشترط في المنزل الملكية،

لصدق المنزل على المستأجرة و المعارة و نحوهما، و المنزل أعمّ من المملوك و غيره. نعم في بعض الأخبار قيّد بمنزل له أو منزله أو بيته أو داره، و المتبادر من هذه اللام و الإضافة الاختصاص دون الملكية.

و منه يظهر عدم الاكتفاء بالوقوف العامّة، كما صرّح به في الذخيرة «2»، لعدم تبادر هذا النوع من الاختصاص. و أمّا الخاصّ به فلا شكّ في دخوله فيه، كما نقله

______________________________

(1) المتقدمة في ص 231.

(2) الذخيرة: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 242

في الذخيرة عن جماعة من الأصحاب «1»، و الظاهر أنّه لا تشترط الخصوصيّة به، بل إذا كان وقفا على محصور هو منهم كان كافيا أيضا.

ج: هل يجب التتابع و التوالي في الأشهر؟

قال في الذخيرة: الظاهر لا، و نسبه إلى جماعة «2»، و ممّن نفاه الفاضل و الشهيدان «3»، للعموم، و أصالة عدم الاشتراط.

و عن ظاهر المعتبر اعتباره «4»، و قوّاه بعض الأجلّة قال: لأنّه المتبادر، و العموم الّذي ادّعوه ممنوع.

أقول: و هو الأظهر عندي في تحقّق الوطن الشرعي، للتبادر الذي ادّعاه كما مرّت إليه الإشارة «5»، و لا أقلّ من الشك في صدق ستّة أشهر بالمتفرقة سيّما في خلال السنين المتكثرة، فلا يعلم ترتّب ما يترتّب عليه من الحكم.

د: اللازم في صدق إقامة الستّة أشهر المتوالية الإقامة العرفية

، فلا يضرّ الخروج في بعض الأيام إلى حدود البلد، بل لا يبعد عدم الضرر في الخروج إلى أكثر منها مع العود سريعا بحيث لا يضرّ في تحقّق الإقامة، و تأتي زيادة تحقيق له في بيان معنى إقامة العشرة.

ه: لا تشترط الإقامة في الستّة أشهر في خصوص المنزل، بل تكفي الإقامة في بلده

، لأنّه معنى الإقامة في المنزل شرعا، إلّا أن لا يدخل المنزل أصلا أو في الأغلب، فإنّه يشكّ في الصدق حينئذ فيرجع إلى الأصل.

و: هل يشترط في الإقامة في ستّة أشهر كون هذه المدّة كلّها ممّا يتمّ فيه الصلاة

لأجل الإقامة؟

______________________________

(1) الذخيرة: 408.

(2) الذخيرة: 408.

(3) الفاضل في المنتهى 1: 393، الشهيد الأول في الذكرى: 257، الشهيد الثاني في روض الجنان:

386.

(4) انظر المعتبر 2: 469.

(5) راجع ص 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 243

أو يكفي الإتمام و لو لأجل البقاء ثلاثون يوما متردّدا أو الإتمام سهوا أو لكونه كثير السفر أو عاصيا بسفره؟

الظاهر الأول، لا لأجل اشتراط إتمام الصلاة فيه لعدم دليل عليه، بل لأجل عدم صدق العزم على إقامة ستّة أشهر بدون ذلك.

نعم يشكل ذلك في الستّة أشهر الماضية حيث تصدق إقامتها و لو لم يكن ناويا لها، و الظاهر عدم الاشتراط فيها، للأصل.

ز: المراد بكون شخص أهل بلد: كونه أهله و من قاطنيه عرفا في الحال،

فلا تكفي الأهليّة السابقة المسلوبة عرفا حينئذ، و لا تكفي النسبة المتحقّقة باعتبار التولّد و نشوء الآباء و الأجداد.

ح: لا شكّ في إمكان تعدّد الوطن الشرعي

، و كذا الظاهر إمكان تعدّد العرفي أيضا، فإنّه إذا كان لأحد منزلان في بلدين، يقيم في كلّ منهما بعض السنة و ينوي الاستدامة على ذلك يقال: إنّه من أهلهما و متوطّن فيهما.

ط: يمكن التوطّن في مكان عرفا

و زواله بعد مدة.

المسألة الثانية: في بيان قطع السفر بالوصول إلى موضع ينوي الإقامة فيه عشرة
اشارة

و وجوب الإتمام فيه.

و هو ثابت بإجماعنا، و الضرورة من مذهبنا، و المتواترة من أخبارنا.

منها: صحيحة زرارة: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّرا و متى ينبغي له أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك» «1».

و منصور: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، فإن تركه

______________________________

(1) الكافي 3: 435 الصلاة ب 84 ح 1، التهذيب 3: 219- 546، الاستبصار: 237- 847، مستطرفات السرائر: 72- 5، الوسائل 8: 500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 244

رجل جاهلا فليس عليه شي ء» «1».

و الخزّاز: عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيام، قال: «فليتمّ الصلاة، و إن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوما، ثمَّ ليتمّ و إن كان أقام يوما أو صلاة واحدة» فقال له محمد: بلغني أنّك قلت: خمسا، فقال: «قد قلت ذاك» «2».

و ابن وهب: «إذا دخلت بلدا و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غدا أخرج و بعد غد، و لم تجمع على عشرة، فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر فأتمّ الصلاة» «3».

و علي: عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان أ عليه صوم؟ قال: «لا حتّى يجمع على مقام عشرة

أيام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيام صام و أتمّ» «4».

و رواية أبي بصير: «إذا قدمت أرضا و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم و أتمّ، و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك و بين شهر، فإذا بلغ الشهر فأتمّ الصلاة و الصيام و إن قلت: أرتحل غدوة» «5» إلى غير ذلك.

و مقتضى صريح الثلاثة الأخيرة و مفهوم البواقي أنّه لو نوى دون العشرة قصّر و لو كان خمسة أيام أو أكثر، كما هو الأقوى الأشهر، بل عليه عامّة أصحابنا

______________________________

(1) التهذيب 3: 221- 552، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.

(2) الكافي 3: 436 الصلاة ب 84 ح 3. التهذيب 3: 219- 548، الاستبصار 1: 238- 849 الوسائل 8: 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.

(3) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(4) الكافي 4: 133، الصيام ب 53 ح 2، الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.

(5) الكافي 4: 133 الصيام ب 53 ح 2، الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 245

كما عن المنتهى «1».

خلافا للإسكافي، فيتمّ في خمسة «2»، لذيل صحيحة الخزّاز المتقدّمة، القاصرة عن إفادة الحكم، لشذوذها و معارضتها مع ما هو أكثر و أصحّ و أصرح و أشهر منها، مع ما فيها من الاحتمالات الّتي ذكروها من الحمل على التقية، أو الاستحباب، أو التخصيص بالحرمين، أو إرجاع الإشارة في قوله «ذاك» إلى الإتمام في العشرة.

فروع:
أ: لا فرق في موضع الإقامة بين كونه قرية أو بلدا أو بادية،

و لا بين العازم على السفر بعد المقام و

غيره، لإطلاق الفتاوى و النصوص. نعم يشترط في البادية أن يقصد الإقامة في موضع معيّن منها ممّا يعدّ موضعا واحدا عرفا، كمجتمع الخيام أو قطعة أرض معيّنة، و لم يثبت الحكم في أزيد من ذلك، كما يظهر وجهه ممّا نذكره في بيان معنى إقامة البلد.

ب: المراد بنيّة الإقامة تحقّق قصد المقام في نفسه

، كما دلّت عليه الأخبار المتقدّمة، و على هذا فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا، أو علّقها على قضاء حاجة يعلم عادة توقف انقضائها على العشرة، أو على شرط فوجد الشرط، و لكنه يقصّر قبل وجوده.

و بالجملة المناط إرادة الإقامة، و هي تحصل بأحد الأمرين:

الأول: قصد الإقامة إلى حصول وصف، بشرط العلم بعدم حصوله قبل العشرة عادة. و لا يكفي الظنّ هنا، لعدم صدق قصد العشرة.

و ثانيهما: قصد الإقامة إلى خصوص العشرة فصاعدا.

و لا بدّ هنا من عدم الالتفات إلى احتمال حصول المانع، أو الالتفات إليه مع ظنّ عدم حصوله و لو بالاستصحاب، في المانع الغير الموجود. و أما المانع

______________________________

(1) المنتهى 1: 396، و فيه: ذهب إليه علماؤنا أجمع.

(2) حكاه عنه في المختلف: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 246

الموجود فلا بدّ مع الالتفات إليه من العلم بارتفاعه، و لا يكفي الظنّ به، و كذا وجود المقتضي.

كلّ ذلك لدوران الصدق العرفي مداره، فمن دخل بلدا و أراد إقامة عشرة يتمّ و لو كان بحيث لو بلغ خبر موت والده أو زوجته لا يقيم، لأنّ أمثال ذلك لا يضرّ في صدق القصد و العزم العرفيين، و إلّا لم يكن مقام يتمّ فيه لإقامة العشرة.

ج: لا شكّ في اشتراط التوالي في الأيام العشرة لتحقّق إقامة عشرة أيام،

لأنّه المتبادر، بل هو اتّفاقي. فلو أقام خمسة ثمَّ خرج و سافر أيّاما ثمَّ أقام خمسة أخرى لم يكن كافيا إجماعا، و يجب أن تكون أيام الإقامة في بلد متتالية.

نعم اختلفوا في أنّه هل يشترط في تحقّق الإقامة في موضع عدم الخروج منه أصلا، أو لا بل لا يضرّ فيه الخروج عنه في زمان يسير؟ و لو سلّم اشتراط عدم الخروج منه فهل يشترط عدم الخروج عن حدّ ترخصه، أو عدم البلوغ

حدّ المسافة؟

و الحاصل أنّه لا شكّ في تعليق الحكم على إقامة العشرة المتتالية في بلد، إنّما الكلام في معنى الإقامة في بلد.

فقيل: معناها أن لا يخرج عن محلّ الإقامة إلى حدّ الترخّص فما فوقه، كما عن الشهيدين «1».

و قيل: أن لا يخرج إلى المسافة فما فوقها، فلا يضرّ فيها أن يخرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه و ليلته، كما عن فخر المحققين «2».

و قيل: يناط ذلك إلى العرف، فيشترط فيه انتفاء ما يضرّ عرفا بإقامة البلد عرفا، و لا يشترط غير ذلك كما ذهب إليه جمع من أفاضل المتأخرين «3».

______________________________

(1) الشهيد الأول في البيان: 160، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 49، و نتائج الأفكار (الرسائل):

190.

(2) نقله عنه الشهيد الثاني في نتائج الأفكار (الرسائل): 191.

(3) انظر المدارك 4: 460، و البحار 86: 43، و الذخيرة: 411، و الحدائق 11: 346، و الرياض 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 247

دليل الأول: أنّ معنى الإقامة في البلد أن لا يخرج عن حدود ذلك البلد، و المستفاد من الأخبار أنّ الحدود الشرعية لكلّ بلد منتهى سماع أذانها و رؤية بيوتها و جدرانها، و هو الّذي يحصل به الترخّص من جميع أطرافها، فما دام يكون فيما دون حدّ الترخّص يكون في البلد، و إذا تجاوز عنه يكون خارجا عنه.

أو يقال: ليس المراد بالإقامة معناها اللغوي، و لم تثبت فيه حقيقة شرعية، فيقتصر فيه على موضع الإجماع، و هو ما لم يتجاوز حدّ الترخّص.

أو يقال: معنى الإقامة في البلد الإقامة فيه عرفا، و عدم الخروج عن حدّ الترخّص عن بلد أقام فيه عرفا، دون ما تجاوز عنه.

و يرد على الأوّل: منع كون الحدود لبلد هو حدّ

الترخص. و اعتباره في كلّ من الخروج و الدخول من السفر لا يستلزم اعتباره في معنى الإقامة أو البلد أو الموضع، فإنّه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي مستفاد من اللفظ المترتّب عليه الحكم الشرعي. و تقديم الشرع على اللغة أو العرف إنّما هو فيما إذا أفاد الشرع حقيقة شرعية لذلك اللفظ الّذي نيط به الحكم، دون ما إذا أفاد شرطا شرعيا لحكم في بعض الموارد كما نحن فيه، فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع اعتبار حدّ الترخص حال خروج المسافر و دخوله في القصر و الإتمام، لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الترخّص للفظها.

و على الثاني: منع عدم إرادة المعنى اللغوي عن الإقامة في موضع، بل هو المراد، و هو ما يصدق عليه ذلك عرفا فإنّه لا يعلم للإقامة في موضع لغة معنى سوى ما يفهمه العرف، و على هذا فلا حاجة إلى الاقتصار على موضع الإجماع، بل يرجع إلى العرف، مع أنّ أصل الإجماع الذي ادّعاه ممنوع.

و على الثالث: أنّ بعد الإناطة إلى العرف لا يتفاوت فيه التجاوز عن حدّ الترخص بقليل أو عدم البلوغ إليه كذلك، و الحاصل أنّه لا وجه لإناطة العرف بخصوص حدّ الترخص.

دليل الثاني: أنّ الإقامة إنّما تنقطع بالسفر الشرعي، و السفر إلى ما دون

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 248

المسافة ليس سفرا شرعيا فلا يقدح في اتّصال الإقامة. و بعبارة أخرى: المراد بالإقامة ترك السفر، فلا ينافي قصد ما دون المسافة فيه.

و رواية الحضيني: استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام و التقصير، قال: «إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتمّ الصلاة» فقلت له: إنّي أقدم مكة قبل

التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، قال: «انو مقام عشرة أيام و أتمّ الصلاة» «1».

و لا ريب أنّ القادم بيومين أو ثلاثة قبل التروية من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة، و لا يتمّ معه الحكم بالتمام إلّا على هذا القول.

و صحيحة ابن مهزيار و فيها: «إذا توجّهت من منى فقصّر الصلاة، فإذا انصرفت عن عرفات إلى منى و زرت البيت و رجعت إلى منى فأتمّ الصلاة تلك الثلاثة الأيام» «2».

فإنّ إتمام الصلاة في منى في الأيام الثلاثة لا يتمّ إلّا على عدم ضرر ما دون المسافة في قصد الإقامة، لأنّه بعد الثلاثة يقصد مكة.

و صحيحة زرارة: «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتمّ الصلاة، و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتّى ينفر» «3».

فإنّ إتمام الصلاة في منى لا يتمّ إلّا على القول المذكور، و لذا قال في الوافي بعد ذكر الرواية و الكلام فيها: إلّا أن يقال إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة، و عليه الاعتماد «4». انتهى.

و ظاهره- كما ترى- موافقته لهذا القول لأجل هذه الروايات.

______________________________

(1) التهذيب 5: 427- 1484، الاستبصار 2: 332- 1180، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.

(2) التهذيب 5: 428- 1487، الاستبصار 2: 333- 1183، الوسائل 8: 537 أبواب صلاة المسافر ب 27 ح 3.

(3) التهذيب 5: 488- 1742، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.

(4) الوافي 7: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 249

و يرد على الأول: منع توقّف انقطاع الإقامة بالسفر الشرعي، بل ينقطع عرفا بغيره أيضا.

و حمل الإقامة على ترك السفر الشرعي لا يوافق حقيقة لغوية و لا شرعية و لا عرفية.

و على الرواية الأولى: أنّها معارضة مع الصحيحتين الأخيرتين، فإنّهما تدلّان على أنّ قصد عرفات يوجب التقصير و يهدم قصد الإقامة، فهما حجّتان على المستدلّ لو قال بعدم كون أربعة فراسخ مسافة، و لا تصلح حجّة له لو قال بكونها مسافة. مع أنّ لزوم خروج كلّ من يرد مكة إلى عرفات ممنوع، و من أين علم خروج الراوي؟

و على الأخيرتين: أنّهما صرّحتا بهدم الإقامة الأولى بقصد عرفة و لم يعلم أنّ الحكم بالتمام فيهما لمن يأتي منى لأجل قصد إقامة مستأنفة قبل الإتيان بمنى ثانيا بمكة، لخلوهما عن هذا التقييد، و ليس منه فيهما عين و لا أثر، بل مقتضاهما التمام و لو لم يقصد الإقامة المستأنفة أيضا.

و دعوى أكثريّة عزم الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج- كما في الوافي- «1» ممنوعة جدا، سيّما في زمان الإمام لأهل مدينة و نحوهم.

بل الأخيرة صريحة في أنّه ليس لذلك، لجعلها غاية التمام النفر المستلزم لعدمه بعد النفر و دخول مكة مع أنّه لو كان السبب ذلك لوجب التمام بعد النفر في مكة أيضا، و حمل النفر على النفر إلى بلده يوجب بطلان الإتمام للقصد في مكة إجماعا.

و منه يظهر تقييد الصحيحة الأولى بما قبل النفر أيضا و تخرجان بذلك عن مفروض المسألة، غاية الأمر أنّه لا يكون سرّ الإتمام في منى فيهما معلوما لنا، فلا تفيدان لنا في المسألة شيئا.

و يمكن أن يكون الإتمام لقصد إقامة مستأنفة بعد النفر من منى في مكة، حتّى تكون أيام منى محصورة بين قصد إقامتين بأن لا تضرّ مسافة التخيير في

______________________________

(1) الوافي 7: 154.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 250

ذلك.

و دليل الثالث: أنّه لم يرد نصّ في معنى إقامة الأرض و البلد، فيرجع فيه إلى ما تعدّ إقامة البلد عرفا، لأنّه الحاكم في أمثال ذلك. و فرّعوا عليه أنّه لو نوى ما يقال له في العرف: إنّه إقامة ذلك البلد، فهو يكفي و إن انضمّ إليه التردّد إلى البساتين المتّصلة بالبلد و المحلّات الخارجة عن سوره، الغير المنفصلة عن البلد عرفا، ما لم يصل إلى موضع بعيد يخرجه عن المقيمين في البلد.

و بالجملة ليس معنى الإقامة و لا البلد و نحوه أمرا تحقيقيّا، بل هما أمران عرفيان، فالإقامة هي عدم الخروج عرفا، و قد لا يضرّ الخروج في دقيقة أو ساعة في إقامة مدّة طويلة، و البلد و نحوه هو ذلك الموضع عرفا و قد لا يضرّ البعد عن بيوته بنصف ميل و نحوه فالمناط فيهما العرفيان.

و الظاهر عدم الخروج عن إقامة بلد بالتردّد إلى بساتينه و مزارعة، المتّصلة به القريبة منه المعدودة عند أهل البلد من بساتين البلد و مزارعه، ما لم تعدّ في العرف موضعا على حدة مقابلا لذلك البلد، فيقال: هذا في البلد، و هذا في الموضع الفلاني و هذا بستان البلد، و هذا بستان القرية الفلانية.

أقول- و من اللّه التوفيق-: إنّ لنا لفظين، أحدهما: الإقامة، و ثانيهما:

موضع الإقامة من الأرض أو البيت أو المكان أو البلد أو نحوها، و ليس شي ء منهما مبيّنا شرعا، فيجب في تعيين معناهما الرجوع إلى العرف. و لكن اللفظ الأول واحد في الأخبار و هو لفظ الإقامة، و أمّا الثاني فيجب أولا تعيين المضاف إليه للإقامة ثمَّ الرجوع في استخراج معناه إلى العرف، فإنّ إقامة البيت غير إقامة المحلّة، و

هي غير إقامة البلد و القرية، و هي غير إقامة الرستاق و المملكة و هكذا.

فنقول أولا لبيان ذلك: إنّ أخبار الإقامة منها ما لم يذكر فيه محلّ الإقامة و ما يقيم فيه، بل يتضمّن حكم الإقامة مطلقة كصحيحة الخزّاز و نحوها، و منها ما يتضمّن الإقامة بأرض كصحيحة زرارة و رواية أبي بصير، و منها ما يتضمّن الإقامة بمكان كصحيحة علي، و منها ما يتضمّن الإقامة بالبلدة كصحيحتي منصور و ابن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 251

وهب المتقدّمتين «1»، و صحيحة أبي ولّاد و غيرها الآتية في مسألة الإتمام في المواطن الأربعة «2» و غير ذلك.

و الصنف الأول مجمل من حيث محلّ الإقامة، و الثانيان شاملان لإقامة البيت و المحلّة و البلد و الرستاق و المملكة و نحوها، و لا شكّ في تفاوت حكم الخارج بقصد كلّ منها، إلّا أنّ الصنف الأخير أخصّ مطلقا من الجميع، فيجب الحمل على إقامة البلدة و نحوها من القرية، لأنّها أيضا بحكمها إجماعا، حملا للمطلق على المقيّد، و المجمل على المبيّن.

و حمل الإقامة على ترك السفر حتّى لا يحتاج إلى المضاف إليه لا دليل عليه، لأنّه ليس معنى الإقامة لغة و لا شرعا و لا عرفا، مع أنّ ناوي الإقامة مسافر عرفا أيضا، و أيضا نرى أنّه لو كان يقول: من أقام في بيت عشرة أيام يتمّ، كان يختلف حكمه مع قوله: من أقام في محلّة أو أقام في بلد، و لو كان المراد ترك السفر لم يختلف البتة، و يحصل من ذلك أنّ متعلّق حكم الإتمام هو قصد إقامة البلد أو القرية أو المصر أو المدينة أو نحوها.

و على هذا فلا بدّ من الرجوع في معنى المضاف

و المضاف إليه إلى العرف.

و معنى الأول عرفا واضح، و هو التوقّف في ذلك الموضع و عدم الخروج منه، و هو يختلف باختلاف المدة، فلو قال: أقم في البيت الدقيقة الفلانية، يعصى بالخروج منه بنصف دقيقة، و لو قال: أقم فيه شهرا، لا يعصى بالخروج إلى حواليه دقيقة عرفا على الظاهر، بل و لا ساعة أو ساعات إذا لم يبعد المسافة كثيرا.

و أمّا الثاني فلا شكّ في صدقه على ما أحاط به سور البلدة أو القرية أو ما تجمعه حدود بنيانها و دورها، و لكن قد يقتصر على ذلك في العرف كما يقال لمن أقام عند درب بغداد: ما دخل بغداد و اجتاز منها، و لذا لو نذر أحد أن لا يدخل بغداد لا يحنث لو ذهب إلى قرب سوره.

______________________________

(1) راجع ص 243، و 244.

(2) انظر ص 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 252

و قد استعمل ذلك في بعض الأخبار الآتية في بيان حدّ الترخص، بل هذا هو الاستعمال الأكثري كما يستفاد من الأخبار أيضا، و لذا اعتبروا ابتداء المسافة من خارج البلد بهذا المعنى، و لذا يصحّ أن يقال: فلان خرج من البلد، إذا تجاوز عن دربه و سوره.

و قد يتجاوز عن ذلك فيستعمل فيما ذكر و في حدوده المتّصلة به و بساتينه، كما مرّت الإشارة إليه.

و قد يتجاوز عن ذلك أيضا فيستعمل في بلدة و قرأها و قرية و مزارعها البعيدة، فيقال: فلان ساكن بغداد، و إن سكن بعض قرأها.

و نحن لا نعلم المراد من البلدة و القرية التي أضيفت إليها الإقامة، و لا شكّ أنّ ذلك ليس منوطا إلى قصد المقيم حتّى لو نوى المقام بالبلدة بالمعنى الأخير لم يضرّ الخروج

إلى قرأها البعيدة التي منها إليها عشرة فراسخ و أكثر و يكون المجموع في حكم الوطن، بل القدر الثابت أنّ قصد الإقامة في البلدة و القرية موجب للإتمام، و البلدة تستعمل في معان، و القدر المعلوم أنّ قصدها بالمعنى الأول- و هو ما جمعته الدور و البنيان و حفّته السور و الجدران- يوجب الإتمام قطعا، و الباقي غير معلوم لنا، فلا يعلم تعلّق الحكم به أيضا.

فإن قلت: معنى البلدة في إقامة البلدة مركّبة غير معناها مفردة.

قلنا- مع أنّه خلاف الأصل للعلم بالمعنى التركيبي لغة-: إنّه لو قال: أقم في داخل السور، فهل يفهم جواز التجاوز عنه؟ بل لا شكّ في عدم جوازه، فإذا احتمل كون المراد بالبلدة ذلك المعنى كيف يتفاوت معنى إقامة البلدة؟! نعم في معنى الإقامة عشرة أيام عرفا توسّع لا يضرّ الخروج ساعة أو ساعتين أو ساعات حتّى لو قال: أقم داخل السور عشرة أيام، لم يضرّ هذا القدر من الخروج إذا لم يبعد المسافة كثيرا، و هو توسّع في معنى الإقامة مختلف باختلاف مدّته قصرا و طولا أو في معنى عشرة أيام، لا في معنى البلدة.

و من هذا يظهر أنّ ما نقله في الحدائق ناسبا له إلى الغفلة، و هو أنّه اشتهر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 253

في هذه الأزمنة المتأخّرة أنّ من أقام في بلدة أو قرية مثلا فلا يجوز له الخروج من سورها المحيط بها أو عن حدود دورها و بنيانها «1»، هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، و عليه الفتوى و الاعتماد. و لا يتوهّم أنّ ذلك قول مغاير للقول الثالث، بل هو عينه، إلّا أنّا نقول: إنّ هذا هو المعنى العرفي لإقامة البلد.

نعم لا يضرّ خروج ساعة أو

ساعتين أو نحو ربع يوم إلى حوالي البلد، لا لصدق البلد على الحوالي، بل لعدم منافاته لصدق الإقامة عشرة حتّى لو قال:

أقم داخل السور عشرة أيام، لم يضرّ ذلك أيضا.

و بهذا ينضبط أمر الإقامة، و إلّا فيحصل الاضطراب في الرستاق القريبة القرى و في نحو ذلك.

فاللازم في قصد الإقامة قصد التوقّف في مجتمع البنيان و الدور من بلد عرفا، و عدم الخروج منها خروجا عرفيا لا بنحو عشرة أقدام و عشرين و نحوهما ممّا لا يخلّ بالإقامة من خروج زمان يسير.

و حمل الإقامة على ترك السفر الشرعي كان معنى حسنا منضبطا لو كان على إرادته و الحمل عليه دليل، و لكن لا دليل عليه أصلا.

د: قال في المنتهى: لو عزم على إقامة طويلة في رستاق

ينتقل فيه من قرية إلى قرية، و لم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدّة التي يبطل حكم السفر فيها، لم يبطل حكم السفر، لأنّه لم ينو الإقامة في بلد بعينه، فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل «2».

قال في المدارك: و هو حسن «3» و تبعه جمع آخر «4».

و هو كذلك، و وجهه واضح، فإنّ الثابت هو تعلّق الإتمام على من قصد

______________________________

(1) الحدائق 11: 344.

(2) المنتهى 1: 398.

(3) المدارك 4: 461.

(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 412، و العلامة المجلسي في البحار 86: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 254

الإقامة في قرية دون رستاق أو مملكة. و على هذا فيضرّ في قصد الإقامة قصد الخروج إلى قرية أخرى و لو كانت قريبة جدّا، و لا يضرّ الخروج عن دورها بقليل أو في زمان يسير.

ه: لو نوى المسافر الإقامة في بلدة و أقام العشرة أو صلّى فيها صلاة تامّة، ثمَّ بدا له الخروج

، فإن كان إلى المسافة فحكمه واضح.

و إن كان إلى ما دونها: فإمّا لا يريد العود إلى موضع الإقامة، أو يريده.

فإن لم يرد: فإمّا يقصد المسافرة من ذلك الموضع بغير قصد إقامة في الموضع الثاني فيقصّر، أو يقصد فيه الإقامة، فيتمّ في ذلك الموضع و الطريق إن لم يبلغ الأربعة، و يتخيّر في الطريق إن بلغها، و الكلّ ظاهر.

و إن أراد العود: فإمّا يكون بعد قصد إقامة في ذلك الموضع الثاني أو قبله.

فإن كان بعده يتمّ في الطريق ذهابا و إيابا وجوبا مع عدم كونه أربعة، و تخييرا مع كونه أربعة، و في ذلك الموضع و الموضع الأول وجوبا إن أراد قصد إقامة مستأنفة في الموضع الأول، و يقصّر حين الخروج من ذلك الموضع الثاني في الطريق و في الموضع الأول إن لم يرده.

و إن كان قبله: فإمّا بلغ

المسافة أربعة، أم لا.

فإن بلغ: فإن أراد العود ليومه يقصّر في الطريق ذهابا و إيابا و في ذلك الموضع وجوبا و كذا في محلّ الإقامة مع عدم قصد إقامة جديدة فيه.

و إن لم يرد العود ليومه بل عاد بعد يوم و نحوه: فإن قصد إقامة مستأنفة بنى على ضمّ الإياب مع الذهاب في وجوب القصر أو جوازه أو عدم الضم أصلا، و المشهور هنا الأخير، و قيل: بلا خلاف ظاهر، بل قيل: إنّه إجماع «1». و الحقّ الثاني، لما مرّ في المسألة الثالثة من الشرط الأول «2»، بل الأول، لعدم معلوميّة

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 260.

(2) راجع ص 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 255

شذوذ القول بالضمّ هنا.

و لو لم يقصد إقامة مستأنفة فالمشهور وجوب القصر بالخروج عن الموضع الأول، و نسب إلى الشيخ و الحلّي و الفاضل «1». و قيل باختصاصه بحال الإياب فيتمّ في الذهاب، حكي عن الشهيدين «2»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر أيضا، بل نسب القول بالتمام مطلقا- حتى في الإياب- إليهم.

و على هذا فهو قول ثالث، و أفتى به الفاضل في جواب المسائل المهنائية «3».

و هنا قول رابع و هو القصر ذاهبا و جائيا و في الموضعين، إلّا إذا قصد إقامة جديدة أو أراد تكميل الإقامة الاولى، نسب إلى ظاهر المختلف «4».

و قد يحكى قول خامس ينسب إلى البيان، و هو الفرق في العود بين عدم إقامة أصلا و بين الإقامة في الجملة و إن كان دون العشرة، فيقصّر ذاهبا و جائيا في الأول و عائدا خاصّة في الثاني «5».

دليل الأولين: ضمّ الذهاب مع الإياب، و إطلاقات وجوب القصر على المسافر، خرج موضع الإقامة حال الإقامة فيبقى الباقي.

و دليل الثاني:

عدم ضمّه، و كون الأصل في الصلاة التمام كما يستفاد من الغلبة، و استصحاب حال المكلف، خرج حالة الإياب لقصد المسافة، فبقي الباقي.

و دليل الثالث: ذلك الأصل، و كون محلّ الإقامة بمنزلة الوطن.

و دليل الأخيرين: اعتبارات ضعيفة.

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 138، الحلي في السرائر 1: 346، الفاضل في المنتهى 1: 398، و القواعد 1: 50.

(2) الشهيد الأول في الدروس 1: 214، الشهيد الثاني في نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني):

186.

(3) أجوبة المسائل المهنائية: 131.

(4) المختلف: 171.

(5) البيان: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 256

و إذ قد عرفت أنّ الحق الضمّ في جواز القصر تعرف أنّ القوّة مع جواز القصر ذهابا و ما دام في الموضع الأول، له و لجواز القصر في الأربعة مطلقا، و وجوبه إيابا. بل الظاهر الأقوى الوجوب في الذهاب في هذه المسألة أيضا، لما عرفت من أنّ رفع اليد عن أدلّة وجوب الضمّ إنّما كان لشذوذها، و هو في المسألة مفقود، و لما مرّ من إطلاقات قصر المسافر، و لما يأتي ممّا يدلّ على القصر فيما دون الأربعة.

و أصالة التمام في كلّ صلاة ممنوعة، و لو سلّمت فبما مرّ مدفوعة، و كون محلّ الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام لا دليل عليه، و عموم المنزلة التي ادّعي مما لا ينبغي الركون إليه.

و إن لم يبلغ المسافة أربعة فمع قصد إقامة مستأنفة في محلّ الإقامة لا يقصّر مطلقا، إذ لا موجب له.

و مع عدم قصدها فكالأربعة، فيقصّر ذهابا و إيابا و في الموضعين، باعتبار ضمّ الإياب مع الذهاب هنا وجوبا، و تدلّ عليه بالتصريح صحيحة أبي ولّاد الآتية في حكم الصلاة في المواطن الأربعة «1»، و رواية الجعفري الآتية في الفرع التاسع

«2».

و لا يخفى أنّ المراد بعدم قصد الإقامة المستأنفة في محلّ الإقامة هنا عدم قصدها في ذلك السفر مطلقا و لو بعد التردّد إلى الموضع الثاني مرّات. فلو قصدها و لو بعد التردّد يتمّ ذهابا و إيابا و في الموضعين وجوبا، كمن قصد الإقامة في بغداد ثمَّ أراد الذهاب إلى الكاظمين عليهما السلام، فإن لم يرد إقامة ثانية في بغداد أصلا في هذا السفر يقصّر وجوبا ذهابا و إيابا و في الموضعين. و إن أراد إقامة ثانية فيها و لو بعد التردّد إلى الكاظمين مكرّرا بأن تكون تلك التردّدات محصورة

______________________________

(1) انظر ص 307.

(2) انظر ص 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 257

بين قصد إقامتين يتمّ في الجميع وجوبا، لما ذكرنا سابقا من أنّ الثابت ضمّ إياب واحد مع الذهاب لا التردّد مكررا.

هذا إذا لم تكن المسافة بين الموضعين أربعة، و إلّا فكما عرفت يجب القصر مع قصد الإقامتين في طرفي التردّدات.

و: اليوم و إن كان حقيقة فيما بين الطلوعين إلّا أنّه يدخل هنا الليالي إجماعا

، لا بمعنى اشتراط عشرة ليال أيضا، بل بمعنى أن يقيم في الليالي المتخلّلة بين العشرة أيام، فلو أقام الأيام و خرج الليالي لم يكن إقامة عشرة إجماعا، و لكن لو دخل أوّل طلوع الشمس من يوم و خرج أول غروبها من العاشر كفى و إن لم يقم إلّا تسعة ليال، للإجماع أيضا و صدق إقامة العشرة.

ز: تجب إقامة عشرة أيام تامة

، لأنّها مقتضى اللفظ، فلو نقص عنها بعض يوم و لو نصف ساعة لم يكن إقامة العشرة.

و يظهر من بعضهم احتساب يوم الدخول و الخروج منها و لو كانا بعض يوم «1».

و لا وجه له، و الصدق العرفي الذي ادّعاه ممنوع.

و لو دخل في أثناء يوم و خرج في أثناء يوم آخر ففي احتسابهما أربعة أوجه بل أقوال:

الأول: عدم احتسابهما مطلقا لا يوما و لا يومين و اشتراط عشرة تامّة غيرهما، اختاره في المدارك «2».

و الثاني: احتسابهما يوما واحدا بالتلفيق، استقر به في الذكرى و روض الجنان و البحار «3»، و بعض مشايخنا «4».

______________________________

(1) نقله في الحدائق 11: 347 عن بعض مشايخه المحققين.

(2) المدارك 4: 460.

(3) الذكرى: 256، روض الجنان: 386، البحار 86: 43. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    258     ح: لو حصل له قصد الإقامة عشرة في أثناء صلاة مقصورة يتم الصلاة، ..... ص : 258

(4) الرياض 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 258

و الثالث: احتسابهما يومين مطلقا، فيتمّ العشرة بهما و بثمانية أخرى، يظهر من بعضهم القول به.

و الرابع: احتسابهما يومين إن دخل قبل الزوال كثيرا و خرج بعده كذلك، و لو عكس أو دخل و خرج عند الزوال فيسقطهما أو يلفق «1».

و الحق هو الأول، لأنّ اليوم حقيقة في

ذلك الزمان الممتدّ المتصل تاما، و لا يصدق على نصف من يوم و نصف من آخر أو غير معلوم صدقه عليه، فما لم يتحقّق هذا الزمان الممتدّ عشر مرّات لم يعلم صدق عشرة أيام. و التلفيق مطلقا أو احتساب الناقص كذلك خلاف الأصل و الحقيقة، فيحتاج إلى دليل.

و مستند المخالفين و دفعه ظاهر، و أقوى اعتمادهم على الصدق العرفي الممنوع جدّا.

ح: لو حصل له قصد الإقامة عشرة في أثناء صلاة مقصورة يتمّ الصلاة،

بلا خلاف ظاهر، بل من بعضهم الإجماع عليه «2»، و تدلّ عليه صحيحة ابن يقطين: عن رجل خرج في سفر ثمَّ تبدو له الإقامة و هو في صلاته، قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة» «3».

و نحوها حسنة سهل بن اليسع «4».

ط: إن رجع ناوي الإقامة عن قصده فإن لم يصلّ صلاة تامّة رجع إلى التقصير

، و إن صلّى صلاة تامّة و لو واحدة أتمّ سائر ما يصلي في ذلك المقام و لو صلاة واحدة، بلا خلاف في شي ء من الحكمين، بل عن جماعة الإجماع عليه «5».

______________________________

(1) كما يظهر ذلك من بعض مشايخ صاحب الحدائق، انظر الحدائق 11: 347.

(2) التذكرة: 193.

(3) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 8، الفقيه 1: 285- 1299، التهذيب 3: 224- 564، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.

(4) التهذيب 3: 224- 565، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.

(5) منهم صاحب المدارك 4: 463 و الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 259

و تدل عليه صريحا صحيحة أبي ولّاد الآتية في حكم الصلاة في المواطن الأربعة «1»، و الرضوي المنجبر «2»، و هو أيضا بمعناها.

و أما رواية الجعفري: لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكة، فأتممت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل، فلم أجد بدّا من المصير إلى المنزل، و لم أدر أتمّ أم أقصّر، و أبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكة، فأتيته فقصصت عليه القصة، فقال: «ارجع إلى التقصير» «3».

فهي غير منافية لما ذكر، لأنّ المراد الرجوع إلى التقصير بعد الخروج من مكة، و هو كذلك ما لم يقصد إقامة جديدة.

و ظاهر قوله في الصحيحة: «حتى بدا لك أن لا تقيم» أنّ الموجب للرجوع إلى التقصير قبل الصلاة هو قصد

عدم الإقامة. فلو حصل له التردّد بعد القصد لا يقصّر، لعمومات التمام في موضع قصد فيه الإقامة، و استصحاب وجوب التمام. و لا تعارضها عمومات قصر المتردّد، لظهورها فيمن كان كذلك ابتداء.

و كذا ظاهرها أنّ الموجب للرجوع هو قصد عدم الإقامة سواء قصد المسافة أو ما دونها، فيقصّر لو كان رجوعه قبل الصلاة إلى قصد ما دون المسافة، وفاقا لجماعة «4»، و خلافا لآخرين لوجه ضعيف «5».

ثمَّ إنّ الحكم بالإتمام فيها وقع معلّقا بالصلاة، فلا يكفي الصوم الواجب و لو أتمّه قبل الرجوع، لعموم الصحيحة.

و قيل: يكفي إن رجع بعد الزوال «6»، لما دلّ من العمومات على وجوب

______________________________

(1) انظر ص 307.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 540 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.

(3) الفقيه 1: 283- 1286، التهذيب 3: 221- 554، الاستبصار 1: 239- 852، الوسائل 8: 509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.

(4) كالعلّامة المجلسي في البحار 68: 44، و صاحبي الرياض 1: 260، و الحدائق 11: 405.

(5) كالشهيد الثاني في الروض: 314، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 412.

(6) التنقيح 1: 294، روض الجنان: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 260

المضيّ في الصوم إذا سافر بعد الزوال «1»، فإذا صحّ فلا بدّ أن لا تبطل إقامته، و إلّا فيلزم وقوع الصوم في السفر.

و فيه أولا: أنّ شمول العمومات لما نحن فيه ممنوع، لأنّها الظاهرة فيمن سافر من المكان الذي يتحتّم فيه الصوم. و ثانيا: أنّ بطلان وقوع الصوم مطلقا في السفر أيضا ممنوع، إنّما هو إذا كان مجموعه حاصلا في السفر.

و قيل: يكفي مطلقا، لصحة الصوم قبل الزوال، فتكون إقامته صحيحة، و إلّا لزم جواز الصوم في السفر

«2».

و فيه: أنّه مراعى بعدم الرجوع أو بإتمام فريضة تامة للصحيحة، و ذلك واسطة بين الصحة الحتمية و البطلان الحتمي، فالصوم صحيح ما لم يرجع أو يصلّي فريضة تامة.

و كذا علّق الحكم على وقوع الصلاة، فلا يكفي مضيّ زمانها مع تركها عمدا أو سهوا أو لإغماء أو جنون.

و على إتمامها، فلا يكفي بعض الصلاة، فلو رجع عن العزم في أثناء الصلاة يقصّرها، وفاقا لجماعة «3».

و قيل: لا يرجع لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه «4».

و قيل: يرجع إن لم يتجاوز محلّ القصر، و إن تجاوز لم يرجع، لاستلزامه إبطال العمل- المنهي عنه- لو رجع، فيتمّ ثمَّ يصدق أنّه صلّى صلاة تامة «5».

و فيه: منع إنّه إبطال، بل هو بطلان. سلّمنا و لكن لا نسلّم النهي عن الإبطال هنا.

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 185، أبواب من يصح منه الصوم ب 5.

(2) العلامة في التذكرة 1: 193، و التحرير 1: 56، القواعد 1: 50، و نهاية الأحكام 2: 185.

(3) انظر المنتهى 1: 498، و المدارك 4: 483، و الذخيرة: 412، و الحدائق 11: 425.

(4) كما في المبسوط 1: 139، و المهذب 1: 108، و عن ابن الجنيد في المختلف: 169.

(5) كما في نهاية الأحكام 2: 185، و المختلف: 169، و التذكرة 1: 193، و التحرير 1: 56، و الدروس 1: 211، و البيان: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 261

و على كون الصلاة فريضة، فلا تكفي النافلة التي تسقط في السفر.

و أن تكون الصلاة بتمام، فلا تكفي الفريضة الغير المقصورة، و لا المقصورة إذا أتممت لشرف البقاع.

و يمكن الخدش فيه بأنّ من صلّى المغرب أو الصبح مثلا يصدق أنّه صلّى فريضة بتمام، و تقييدها بالمقصورة لا دليل

عليه، و تبادر أنّ الإتمام لنيّة الإقامة ممنوع. نعم يتبادر أن تكون الصلاة تامّة مع الاختيار و القصد، فلو تمَّ المقصورة بغير نيّة الإقامة سهوا لم يكن كافيا. و بالجملة مقتضى الصحيحة كفاية الصلاة التامة الواقعة بقصد المكلّف كيف ما كان، و التقييد بتامّة مخصوصة لا دليل عليه.

و على هذا فلو ترك الصلاة حتى مضى وقتها بنيّة الإقامة، ثمَّ قضاها تامة ثمَّ رجع لا يقصر.

ثمَّ إنّه بعد إيقاع الصلاة الواحدة تامة لو رجع، كما يصلّي باقي الصلوات تامة يصوم أيضا، لمفهوم قوله: «إذا قصّرت أفطرت» «1» و يجبر عدم دلالته على الوجوب بالإجماع المركب.

المسألة الثالثة: في بيان قطع السفر بالتردّد شهرا في موضع

، بمعنى أنه لو تردّد في الإقامة عشرة في موضع قصّر ما بينه و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر أتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، بلا خلاف فيه، بل عليه الإجماع في كلمات جملة من الأصحاب «2»، بل هو إجماعي محققا، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها، منها: صحاح زرارة و الخزّاز و ابن وهب و رواية أبي بصير المتقدّمة «3»، و صحيحة أبي ولّاد الآتية في بيان حكم المواطن الأربعة «4».

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4.

(2) كصاحب المدارك 4: 463.

(3) في ص 243، 244.

(4) انظر ص 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 262

و هل المعتبر الشهر الهلالي الحاصل برؤية الهلال إلى رؤيته، كما هو الوارد في أكثر الروايات المتضمنة للفظ الشهر؟

أو الثلاثون يوما كما في صحيحة الخزاز؟

أطلق الأكثر الأول تبعا لأكثر الروايات.

و قال الفاضل و الشهيدان بالثاني «1»، حملا للمجمل على المبين أو المطلق على المقيد.

و الحق هو الثاني، لا لما ذكر، لمنع كون الشهر مجملا أو مطلقا، بل الظاهر

كونه حقيقة شرعا في الهلالي.

بل لأنّ الحكم بالإتمام إذا تمَّ الشهر في رواياته عامّ يشمل ما قبل تمام الثلاثين و ما بعده، و صحيحة الخزّاز خاصّة بالنسبة إلى الأول، فيجب التخصيص بها، و يدلّ عليه استصحاب حكم القصر أيضا إلى أن يعلم حصول سبب التمام. و منه يعلم وجوب البناء على الثلاثين أيضا لو قلنا بتعارض الروايات.

و حكم الخروج إلى ما دون المسافة هنا و تلفيق اليومين كما مرّ في إقامة العشرة بعينه.

الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغا غير محرّم
اشارة

، بلا خلاف بين الأصحاب كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع كما صرّح به جماعة منهم المحقّق في المعتبر و الفاضل في جملة من كتبه «3»، بل هو إجماع محقّقا، له، و للمستفيضة من الأخبار كصحيحة ابن مروان: «من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون رجلا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسولا لمن يعصي اللّه، أو في طلب شحناء أو

______________________________

(1) الفاضل في التذكرة 1: 190، الشهيد الأول في الذكرى: 256، الشهيد الثاني في الروض:

378.

(2) الذخيرة: 409.

(3) المعتبر 2: 470، و انظر المنتهى 1: 392، و التذكرة 1: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 263

سعاية أو ضرر على قوم مسلمين» «1».

و رواية ابن بكير: عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال: «لا: إلّا أن يشيّع الرجل أخاه في الدين، و إنّ التصيّد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه» «2».

و موثّقة عبيد: عن الرجل يخرج إلى الصيد يقصر أم يتمّ؟ قال: «يتمّ لأنّه ليس بمسير حقّ» «3».

و مرسلة الفقيه: «لا يقصر الرجل في شهر رمضان إلّا بسبيل حق» «4».

و صحيحة حمّاد و فيها في باغي الصيد و السارق: «و ليس لهما أن يقصرا في

الصلاة» «5».

و زرارة: عمن يخرج عن أهله بالصقور و البزاة و الكلاب مسيرة الليلة أو الليلتين و الثلاث هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال: «إنّما خرج في لهو لا يقصر» «6».

و موثّقة سماعة: «و من سافر قصّر الصلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلا مشيّعا لسلطان جائر أو خرج إلى صيد» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 129 الصيام ب 50 ح 3، التهذيب 4: 219- 640، بتفاوت يسير، الوسائل 8:

476 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.

(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 4، التهذيب 3: 217- 536، الاستبصار 1: 235- 841، الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7.

(3) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 8، التهذيب 3: 217- 537، الاستبصار 1: 236- 841، الوسائل 8: 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.

(4) الفقيه 2: 92- 410، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 1.

(5) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 7، التهذيب 3: 217- 539، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 3: 218- 540، 4: 220- 641، الاستبصار 1: 236- 842، الوسائل 8: 478 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 1.

(7) التهذيب 3: 207- 492، 4: 222- 650، الاستبصار 1: 222- 786، الوسائل 8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 264

و رواية أبي سعيد الخراساني: في رجلين سألاه عن التقصير- إلى أن قال-:

و قال للآخر: «وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان» «1».

و رواية إسماعيل بن أبي زياد: «سبعة لا يقصرون الصلاة» إلى أن قال:

«و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و

المحارب الّذي يقطع السبيل» «2».

ثمَّ إنّ صريح هذه الأخبار عدم التقصير في السفر الّذي تكون غايته حراما أي يقصد بسفره أمرا محرّما. و لا ريب فيه.

و مقتضى فتاوى الأصحاب و الإجماعات المنقولة الإتمام فيه و فيما إذا كان السفر نفسه معصية حراما أيضا و إن لم تكن غايته كذلك كالناشزة المسافرة إلى صلة الأرحام، و قد صرّح بذلك جماعة «3».

و استدلّوا له بعموم صحيحة ابن مروان، و عموم التعليل في الروايتين المتعقّبتين لها، و بالاستثناء في المرسلة، و بأنّ التقصير تخفيف من اللّه سبحانه و رحمة منه و تعطّف لموضع سفره و تعبه و نصبه و اشتغاله بظعنه و إقامته كما صرّح به في مرسلة الفقيه «4»، و لا شكّ أنّ التخفيف و الرحمة و التعطّف للعاصي لا يناسب الحكمة، و بأنّ المنع عن التقصير لمن غاية سفره معصية يقتضي منعه لمن نفس سفره معصية بالطريق الأولى.

أقول: تحقيق المقال إنّ السفر الّذي يعصى فيه على أقسام أربعة:

الأول: أن تكون غايته معصية أي يكون المقصود منه كلا أو جزءا معصية، بمعنى أن يكون سفره لأجل الوصول إلى المعصية.

______________________________

(1) التهذيب 4: 220- 642، الاستبصار 1: 235- 838، الوسائل 8: 478 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 6.

(2) الفقيه 1: 282- 1282، التهذيب 4: 218- 635، الاستبصار 1: 232- 826، الوسائل 8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5.

(3) منهم صاحب المدارك 4: 446، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 409، و صاحبا الرياض 1:

252، و الحدائق 11: 381.

(4) الفقيه 1: 290- 1320، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 265

و الثاني: أن لا تكون الغاية حراما

و لكن يكون أصل السفر منهيّا عنه شرعا ذاتا، خصوصا كالفرار من الزحف، أو عموما كالإباق من المولى، و النشوز عن الزوج، و سفر الولد بدون إذن الوالد، و سلوك السبيل المخوف، أو مع المرض المضرّ معه السفر و نحو ذلك.

و من هذا القسم ما كان السفر تصرّفا في ملك الغير فإنّه يكون هذا السفر منهيّا عنه، لأنّ النهي عن تصرّف ملك الغير نهي عن جميع أفراد التصرّف منها الحاصل بسبب السفر، كالسفر بركوب الدابة المغصوبة، فإنّ الحركة السفرية عين التصرّف في الدابة، و كالسفر بالنعل الغصبي.

و الثالث: أن لا يكون الغاية محرّمة و لا السفر منهيّا عنه ذاتا و أصالة، و لكن كان مستلزما لمحرّم و علّة و سببا له حتّى يكون السفر محرّما بالتبع، و من هذا القسم ما كان ضدّا خاصا لواجب مضيّق يستلزم السفر تركه.

و الرابع: أن لا يكون الغاية محرّمة و لا السفر علّة لمحرّم، و لكن تصاحبه المعصية و لا ينفكّ فيه عن معصية، كأن يكون مشغولا بغيبة شخص أو بالملاهي الّتي كان مشغولا بها في الحضر أيضا.

و لا شكّ في عدم الترخّص في كلّ ما كان من القسم الأوّل، و الإجماع عليه منعقد و الأخبار به ناطقة.

كما أنّه لا شكّ في الترخّص في ما كان من القسم الرابع، لعمومات السفر، و كونه جائزا قطعا، و أصالة عدم حرمته.

و إنّما وقع الخلاف في الثانيين عن ثاني الشهيدين «1»، فرخّص فيهما أيضا، لاختصاص الأخبار بالأوّل.

و ممّن لحقه من فرّق بين القسمين فلم يرخّص في الثاني و رخّص في الثالث «2»، نظرا إلى عدم جعله الحرام التبعي معصية، أو عدم قوله بكون مسبّب

______________________________

(1) في روض الجنان: 388.

(2) المدارك 4: 447، الذخيرة:

409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 266

الحرام و ملزومه حراما، أو عدم جعله الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه الخاص، كما قال بكل بعض من لا حظّ له من التحقيق.

و ظاهر الأكثر بل صريحهم- كما عرفت- و مقتضى إطلاقات إجماعاتهم المنقولة عدم الترخّص فيهما أيضا، لما نقلنا عنهم من الوجوه.

أقول: بعض ما ذكروه من الوجوه و إن كان محلّ نظر كعموم صحيحة ابن مروان، إذ عمومها إنّما هو لو جعلت لفظة: «في» بمعنى المصاحبة أو الباء، و أمّا لو جعلت للتعليل أو السببيّة أو بمعنى: «إلى» فلا يكون لها عموم. و كعدم ملاءمته لعلّة شرعيّة التقصير، فإنّ مقتضاها وجود المعلول كلّما وجدت العلّة و أمّا انتفاؤه مع انتفائها فإنّما هو يقتضيه الأصل الّذي لا أثر له هنا مع وجود إطلاقات الترخّص. و كالقياس بالطريق الأولى، فإنّه موقوف على العلم بالعلّة و هو هنا محل كلام.

إلّا أنّ إثبات المطلوب بعموم التعليل الوارد في الرواية و الموثّقة حسن سيّما الموثّقة، إذ لا شك أنّ الحقّ هنا إنّما هو بمعنى الحقيق و اللائق أو الواجب، و كلّ ما كان فليس السفر المحرّم بنفسه أصلا أو تبعا منه، لأنّ المنهي عنه كيف ما كان لا يكون حقّا، بل بأيّ من المعاني الصالحة للمقام من معانيه أخذ لا يكون المحرّم منه قطعا.

و منه يظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا.

و يدلّ عليه أيضا الرضوي المنجبر بما مرّ: قال: «في أربعة مواضع لا يجب أن تقصر: إذا قصدت مكّة و مدينة و مسجد الكوفة و الحيرة، و سائر الأسفار التي ليست بطاعة مثل طلب الصيد و النزهة و معاونة الظالم، و كذلك الملّاح و الفلّاح و المكاري» «1».

و لا شكّ أنّ كلّ سفر

منهي عنه و لو تبعا ليس بطاعة، و التمثيل بما مثّل لا يوجب التخصيص، و أصرح منه ما قاله بعد كلام: «و لا يحلّ التمام في السفر إلّا

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 544 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 267

لمن كان سفره للّه جلّ و عزّ معصية أو سفرا إلى صيد».

و تعضده إطلاقات الفتاوى و الإجماعات المنقولة بل المحقّق على الظاهر أيضا، و عدم مناسبة علّة الترخص له، و مظنونيّة علّة عدم إتمام من غاية سفره الحرام، فلا ينبغي الريب في ثبوت الحكم للقسمين أيضا.

فروع:
أ: مقتضى إطلاق أكثر الروايات المتقدّمة و إن كان عدم الترخّص في الصلاة و لا الصوم للصائد مطلقا

، إلّا أنّه خصّ بما إذا كان الصيد للّهو، دون ما إذا كان لقوته و قوت عياله مع الحاجة إليه، بلا خلاف فيه على ما صرّح به جماعة «1»، بل بالإجماع كما عن المنتهى و التذكرة «2»، و دون ما إذا كان للتجارة إجماعا أيضا في الإفطار، و على الأشهر بين المتأخّرين بل كما قيل: عليه كافتهم «3»، وفاقا للمحكي عن السيّد و العماني و الديلمي «4» من المتقدّمين، في قصر الصلاة أيضا.

إمّا جمعا بين ما ذكر و بين صحيحة ابن سنان: عن الرجل يتصيّد، قال:

«إن كان يدور حوله فلا يقصر، و إن كان تجاوز الوقت فليقصر» «5» أي بلغ حدّ الرخصة.

بشهادة صحيحة زرارة و رواية إسماعيل بن أبي زياد المتقدمتين، بل التعليل المذكور في موثقة عبيد أيضا.

أو لرفع اليد عن المتعارضين للتعارض و بقاء ما مرّ ممّا اختص بالمنع عن التقصير في صيد اللهو بلا معارض مقاوم.

______________________________

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1 288، و صاحب المدارك 4: 448، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 409، و صاحب الرياض

1: 252.

(2) المنتهى 1: 392، التذكرة 1: 192.

(3) الرياض 1: 252.

(4) السيد في الانتصار: 51، المختلف: 161 عن العماني، الديلمي في المراسم: 74.

(5) التهذيب 3: 218- 541، الاستبصار 1: 236- 843، الوسائل 8: 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 268

مضافا فيما إذا كان للقوت إلى مرسلة محمّد بن عمران: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصر أو يتمّ؟ قال: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و يقصر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة» «1».

و الرضوي: «و إذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم» «2».

بل هما يدلّان على التقصير في التجارة أيضا، إذ الصيد للقوت أعمّ من أن يتقوّت به نفسه أو يتّجر به للقوت. هذا مع ما ورد في الصحاح و غيرها: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» «3».

خلافا في الصلاة فيما إذا كان الصيد للتجارة فيتمّها للمحكي عن المفيد و نهاية الشيخ و المبسوط و عليّ بن بابويه و القاضي و ابن حمزة و الحلّي «4»، بل أكثر القدماء كما قيل «5»، بل ادّعى الأخير الإجماع عليه، و ادّعى بعض مشايخنا عليه الشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع، بل قال: لم ينقل مخالف فيه من القدماء عدا السيّد و من مرّ، و هم لم ينصّوا على المسألة بل حكموا بالقصرين في السفر المباح و بتلازم القصرين، فلعلّهم أرادوا التخصيص «6».

و هو الأظهر، لمرسلة المبسوط حيث قال: و إن كان للتجارة دون الحاجة

______________________________

(1) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 10، الفقيه 1: 288- 1312، التهذيب 3: 217- 538، الاستبصار 1: 236- 485، الوسائل

8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

(3) كما في صحيحة معاوية بن وهب، انظر: الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(4) المفيد في المقنعة: 349، النهاية: 122، المبسوط 1: 136، المختلف: 161 عن علي بن بابويه القاضي في المهذب 1: 106، ابن حمزة في الوسيلة: 109، و لكن الموجود فيها لزوم التقصير في الصلاة دون الصوم، الحلي في السرائر 1: 327.

(5) الرياض 1: 252.

(6) الرياض 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 269

روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم «1».

و مرسلة السرائر حيث قال: و روى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم «2».

و الرضوي: «و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و القصر في الصوم» «3».

و ضعفها غير ضائر، لأنّ ما مرّ من دعوى الإجماع و الشهرة بل تحققها «4» لها الجابر، مع أنّ المبسوط و السرائر من الكتب المعتبرة و المروي فيهما لا يخلو عن اعتبار و حجيّة سيّما مع ظهور الأوّل و صراحة الثاني في كون الرواية مجمعا عليها. و لا يوجب دعوى الشهرة المتأخّرة بل و لا المطلقة- كما عن التذكرة «5»- و هنا في حجّية ما انجبر بالشهرة القديمة، لعدم التعارض. و لا يعارضها شي ء ممّا مرّ، لأعمّيتها عنها مطلقا فيخصّ بها.

و هل المراد بالتجارة الّتي قلنا فيها بإتمام الصلاة مطلق التكسب و البيع و لو كان لأجل القوت، أو المراد بها ما لم يكن للقوت و لو بالمعاوضة و المبايعة بل كان الغرض زيادة المال؟

الظاهر:

الثاني: لمقابلة التجارة في مرسلة المبسوط بقوله: «دون الحاجة» و احتمال ذلك في مرسلة السرائر أيضا، لعدم معلومية المرجع، بل لعدم ثبوت الانجبار المتوقّف حجّية الأخبار عليه فيما إذا كان للحاجة و لو بالمعارضة.

و هنا روايتان أخريان:

إحداهما: الرضوي المذكور في كتاب الصوم قال: «و صاحب الصيد إذا

______________________________

(1) المبسوط 1: 136.

(2) السرائر 1: 327.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

(4) في «ه» و «ح»: تحققهما.

(5) لم نجدها في التذكرة، لكن نقلها عنها في الرياض 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 270

كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و إذا كان للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصوم» «1».

و ثانيتهما: المروي في كتاب النرسي، قال في حكم الصائد: «فإن كان ممّن يطلبه للتجارة و ليست له حرفة إلّا من طلب الصيد فإنّ سعيه حقّ و عليه التمام في الصلاة و الصيام، لأنّ ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الّذي يدور في الأسواق في طلب التجارة و المكاري و الملّاح» «2».

و مقتضى الأوّل عدم ترخّص التاجر بالصيد في شي ء من الصلاة و الصوم، و مقتضى الثاني التفصيل فيه بين ما إذا كان الصيد حرفته و عمله و عدمه.

و لكنّهما ضعيفان، و لقول الفرقة مخالفان، فلا يصلحان لإثبات حكم.

ب: كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة أيضا

، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخّص حينئذ و بالعكس، بلا خلاف يعلم من الأصحاب في الموضعين كما في الذخيرة «3».

و يشترط على الثاني كون الباقي مسافة، ذهابا على ما قيل «4»، لأنّه ابتداء السفر المسوّغ للقصر، و لاستصحاب الإتمام. و لو كان مع العود مسافة جاز قصره في بقية الذهاب، كما مرّ وجهه

في المسائل المتقدّمة.

و على الأوّل لو عاد ثانيا إلى قصد الطاعة فإن كان الباقي مسافة- و لو كان مع ضمّ العود- جاز القصر قطعا، بل وجب لو كان العود في اليوم، كما أنّه لو كان كذلك بنفسه وجب أيضا كذلك.

و لو لم يكن بنفسه مسافة فعن القواعد «5» عدم وجوب القصر و عدم ضمّ ما

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 208، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

(2) كتاب زيد النرسي (الأصول الستة عشر): 50، مستدرك الوسائل 6: 532 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 1.

(3) الذخيرة: 409.

(4) الرياض 1: 252.

(5) القواعد 1: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 271

قبل المعصية مع ما بعده، للأصل.

و عن الذكرى و ظاهر المعتبر و المنتهى وجوبه «1»، بل هو ظاهر الصدوق و الشيخ في المبسوط و النهاية و السرائر «2»، لإطلاق مرسلة السيّاري: «إنّ صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتمّ، فإذا رجع إليها قصر» «3».

و عن التذكرة و النهاية و التحرير و المسالك و روض الجنان: التردّد «4».

و الأظهر: الثاني، لأنّه قصد أوّلا الثمانية فكان عليه القصر في جميع هذه المسافة، خرج عنه ما خرج لقصد المعصية، فيبقى الباقي.

و منه يظهر القصر لو لم يكن الباقي مع ما قبل قصد المعصية مسافة أيضا إذا كان المجموع مسافة. فتأمل.

ج: لو انتهى سفره عصيانا و أراد العود إلى منزله فإن كان سائغا قصر

، لأنّه مسير حقّ. و إلّا لم يقصر كما إذا قصد بالعود تصرّفا في مال الغير أو ظلما أو حكومة باطلة.

د: قد عرفت أنّ السفر الموجب للإتمام هو ما كان منهيّا عنه،

سواء كان لأجل أنّ المقصود منه المعصية أو نفس السفر معصية ذاتا أو تبعا لسببيته لمعصية، و أنّه لا يتم لو كانت المعصية مقارنة للسفر لا مسبّبة عنه.

و سفر المعصية ذاتا ما تعلّق به النهي خصوصا أو عموما كما عرفت، و تبعا ما تعلّق به النهي بتبعيّة غيره، و هو يكون بكونه ضدّا خاصّا لواجب أي كان مانعا عن فعل واجب مضيّق، أو ملزوما لحرام لزوما عقليا أو عاديا، أو سببا له سببيّة

______________________________

(1) الذكرى: 258، المعتبر 2: 470، المنتهى 1: 392.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 288، المبسوط 1: 142، النهاية: 124، السرائر 1: 343.

(3) التهذيب 3: 218- 543، الاستبصار 1: 237- 846، الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 6.

(4) التذكرة 1: 191، نهاية الإحكام 2: 181، التحرير 1: 56، المسالك 1: 49، روض الجنان:

388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 272

عقلية أو عادية بمعنى أنّه يوجب من وجوده الوجود.

و لا يحرم غير ذلك و إن قارن السفر أو كان مشروطا بالسفر، إذ شرط الحرام ليس بحرام، فلا يحرم السفر المستصحب فيه دابّة الغير من غير ركوبها و لو حملت عليه الآلات، أو الخمية المغصوبة، أو الّذي ينزل فيه منزلا مغصوبا، أو يتضرّر به الغير إذا لم يكن التضرر لازما عقليا أو عاديا للسفر بل كان بإرادة المكلّف، و نحو ذلك.

و بالجملة: المناط في الإتمام العصيان بالسفر دون العصيان في السفر.

و معنى العصيان بالسفر كون السفر معصية، و المناط في كونه معصية كونه بخصوصه منهيا عنه أو من أفراد المنهي عنه، أو

ملزوما و سببا لحرام لزوما و سببية عقلية أو عرفية بحيث لا يمكن تخلّفه عنه عقلا أو عادة، لا أن يكون لأجل اختيار المكلّف و إن كان ذلك الحرام ترك واجب.

ه: لو كان المسافر سفر المعصية مكرها على السفر

إكراها يزيل الحظر كما فيه خوف على النفس أو المال المحترم أو العرض و نحو ذلك يجب عليه التقصير، إذ مع ذلك لا يكون السفر منهيا عنه و لو كان ارتكاب المعصية في السفر اختياريا غير مكره عليها.

و لو كان مكرها على المعصية دون السفر بمعنى أن علم أنّه لو سافر يكره على المعصية كالركوب على الدابة المغصوبة أتمّ، لكون السفر معصية لوجوب ترك هذه المعصية الموقوف على ترك السفر، فيكون تركه واجبا فيكون فعله حراما. و ما يقول من أنّ الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار يريد منه أنّه ينافي الاختيار حال الامتناع لا مطلقا.

و: لو كان سفر المعصية مكرهة و لكن كان الإكراه على نفس السفر دون وقته، كأن يتمكّن من التأخير يوما أو بعض يوم و لو بتمارض و نحوه وجب التأخير.

و لو سافر قبل ما لا يتمكّن من التأخير إليه يجب عليه الإتمام إلى وصول زمان لا يتمكّن من التأخير عنه، إذ ليس مكرها حال السفر لو قدّم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 273

ز: الشاك في صدور المعصية في السفر و عليّته لها يقصر

، لعدم عصيانه بالسفر. بل و كذا الظانّ.

ح: التابع للغير كالخادم و العسكر إن علم بصدور معصية موجبة لعدم الترخص عنه أي معصية تجعل السفر معصية و لو تبعا لمتبوعه، يتمّ

إذا لم يكن مكرها على السفر.

الشرط الخامس: أن لا يكون السفر عمله و صناعته،
اشارة

فإن كان كذلك لم يقصر صلاة و لا صياما، بلا خلاف إلّا عن العماني «1»، بل بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و السرائر و التذكرة و نهاية الإحكام «2»، له، و للمستفيضة كصحيحة زرارة: «أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر:

المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الأشتقان، لأنّه عملهم» «3».

و مرفوعة ابن أبي عمير المرويّة في الخصال: «خمسة يتمّون، في السفر كانوا أو الحضر: المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الأشتقان و هو البريد، و الملّاح، لأنّه عملهم» «4».

و الرضوي: «و الذي يلزمه التمام للصلاة و الصوم في السفر: المكاري، و البريد، و الراعي، و الملّاح، و الرابح، لأنّه عملهم» «5».

و صحيحة هشام: «المكاري و الجمّال يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان» «6».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف 163.

(2) الانتصار: 53، الخلاف 1: 576، السرائر 1: 336، و لم نعثر على ادّعاء الإجماع في التذكرة و نهاية الاحكام.

(3) الكافي 3: 436 الصلاة ب 85 ح 1، الفقيه 1: 281- 1276، التهذيب 3: 215- 526، الخصال: 252- 122، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.

(4) الخصال: 302- 77، الوسائل 8: 487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 12.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 208، مستدرك الوسائل 7: 378 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 ح 1.

(6) الكافي 4: 128 الصيام ب 50 ح 1، التهذيب 4: 218- 634، الوسائل 8: 484، أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 274

و محمّد بن جزك: إنّ لي جمالا و لي قوّاما عليها و لست أخرج

فيها إلّا إلى طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع، فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل، أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه السلام: «إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كلّ سفر إلّا إلى مكّة فعليك تقصير و فطور» «1».

و محمّد: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمّال» «2».

و رواية إسحاق: عن الملّاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتهم معهم» «3».

و قريبة منها مرسلة الجعفري «4».

و رواية إسماعيل بن أبي زياد: «سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الّذي يدور في جبايته، و الأمير الّذي يدور في إمارته، و التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الّذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر» «5» إلى غير ذلك.

و تحقيق الكلام في ذلك المقام برسم مسائل:

الأولى: اعلم أنّ الحكم في تلك الأخبار و غيرها معلّق على أشخاص
اشاره

______________________________

(1) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 11، الفقيه 1: 282- 1280، التهذيب 3: 216- 534، الاستبصار 1: 234- 835، الوسائل 8: 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 4.

(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 2، الفقيه 1: 281- 1277، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.

(3) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 9، التهذيب 3: 215- 527، الاستبصار 1: 233- 829، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5.

(4) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 5، الوسائل 8: 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 6.

(5) الفقيه 1: 282- 1282، التهذيب 3: 214- 524، 4: 218- 635، الاستبصار 1:

232- 826، الوسائل 8:

486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 275

معيّنين، و هم بعد ردّ المترادفة منها بعضها إلى بعض عشرة: المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الأشتقان، و الملّاح، و البريد، و الأعراب، و الجابي، و الأمير، و التاجر.

و قد يستفاد العلّة من بعض هذه الأخبار أيضا كاستفادة كون السفر عملا لهم من التعليل في الثلاثة الاولى، و استفادة الاختلاف و عدم المقام من الوصف المشعر بالعلّية في صحيحة هشام، و الإلزام و الخروج في كلّ سفر من الشرط المشعر بالعليّة في صحيحة ابن جزك، و كون بيوتهم و منازلهم معهم من التعليل في رواية إسحاق، و كثرة الدوران و السفر أي التكرر المستفاد من صيغة المضارع الدالّة على التجدّد الاستمراري في رواية إسماعيل من اشتراك الجميع في هذا الوصف، و غير ذلك ممّا قد يستنبط من تلك الأخبار.

و لذا ترى الأصحاب مختلفين في التعبير عن المسألة و عنوانها:

فمنهم من يعنونها بالأشخاص على اختلاف منهم في تعدادهم. فعلّق الصدوق الحكم في المقنع و الأمالي على خمسة: المكاري، و الكريّ، و الاشتقان، و الراعي، و الملّاح «1». و الفاضلان على الخمسة المذكورين في رواية إسماعيل «2».

و ابن حمزة على ثمانية هم بزيادة المكاري، و الملّاح، و البريد «3». و البيان على تسعة هؤلاء بزيادة الجمّال «4». و هكذا.

و منهم من عنونها بالعلّة المنصوصة، فعلّقه على من كان السفر عملا و حرفة له «5».

و منهم من عنونها بكثير السفر كجماعة «6».

______________________________

(1) لم نجده في المقنع بل وجدناه في الهداية: 33 و فيه بدل الاشتقان: البريد، الأمالي: 514.

(2) المحقق في المعتبر 2: 472، و العلامة في التذكرة 1: 191.

(3) الوسيلة: 108.

(4) البيان: 264.

(5)

كما في الحدائق 11: 390، و الرياض 1: 252.

(6) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 211، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 373، و صاحب المدارك 4: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 276

و منهم من عنونها بمن يكون سفره أكثر من حضره، كالشيخين و السيّد و الديلمي و الحلّي و الشرائع و القواعد و التحرير و الإرشاد و التبصرة «1»، بل ادّعى على ذلك العنوان الإجماع. إلى غير ذلك.

و لعلّ نظر الأوّلين إلى عدم دليل تامّ على غير خصوص هؤلاء المعدودين في النصوص: أمّا كون السفر عملا لهم فلأنّه إنّما يتمّ لو ارجع الضمير المنصوب إلى السفر، و هو غير متعيّن، لإمكان إرجاعه إلى مبادئ الأوصاف المذكورة في الروايات. و أمّا العنوانان الأخيران فلعدم ذكر منهما في شي ء من الأخبار.

و نظر الثاني إلى العلّة المنصوصة.

و نظر الأخيرين إلى استفادة هذين العنوانين من تعليق الحكم على هؤلاء الأشخاص لأنّهما الوصف المشترك بينهم.

أقول: لا يخفى أنّ التعبير عن المسألة بالعنوانين الأخيرين و إن لم يكن جيّدا لعدم دليل عليهما سوى العلّة المستنبطة الّتي هي عندنا ليست بحجّة، و أمّا العنوان المتقدّم عليهما و هو كون السفر عملا و شغلا و حرفة له فهو ممّا نصّت عليه الروايات، و إرجاع الضمير إلى السفر هو الظاهر المتبادر منها بل لا مرجع له غيره في الكلام مذكورا، و الإرجاع إلى غير المذكور خلاف الأصل و الظاهر، فلا مفرّ من اعتباره و صحة عنوان المسألة به. و كذا يلزم عنوان آخر أيضا، و هو عدم كونهم ممّن منازلهم معهم كما علّل به في الرواية و المرسلة، و هما ليسا بمتّحدين، إذ الظاهر عدم عدّ السفر شغلا و لا حرفة

للذين منازلهم معهم.

و أمّا العنوان بالأشخاص و إن كان صحيحا إلّا أنّ بعد ملاحظة التعليلين يكون أخصّ من مناط الحكم و متعلّقه، إذ لا ينحصر من يكون السفر عمله لهؤلاء

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 348، و الشيخ في النهاية: 122، السيد في الانتصار: 53، الديلمي في المراسم: 74، الحلي في السرائر 1: 338، الشرائع 1: 134، القواعد 1: 50، التحرير 1:

56، الإرشاد 1: 275، التبصرة 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 277

الأشخاص، إلّا أنّ الغالب في هذه الحرفة أنّه لا يخرج عن واحد من هؤلاء و إن أمكن فرض غيرهم أيضا نادرا إلّا أنّه غير شائع. و يمكن أن يكون نظر المكتفين بالأشخاص إلى ذلك أيضا، و لكنّ الأولى العنوان بمقتضى العلّتين.

فإن قلت: لا شكّ أنّ من يكون السفر عمله أعمّ من هؤلاء الأشخاص من وجه، و كذلك هؤلاء أعمّ منه من وجه، إذ من له دوابّ اشتراها للبيع أو شغل آخر إذا كاراها مكرّرا يصدق عليه المكاري و إن لم يقصد التحرّف به، و كذا يطلق البريد على من سافر مرّات في الرسالة و إن لم يتخذ ذلك شغلا له، و على هذا فالأولى العنوان بهما معا كما فعله جماعة.

قلنا: لو سلّمنا أنّ ذلك الاستعمال على عنوان الحقيقة نقول: إنّ تعليل إتمامهم بأنّ سفرهم لأجل أنّه عملهم يخصّصهم بذلك.

نعم، يشكل الأمر فيما لم يذكر فيه تلك العلّة، و هو الجابي و الأمير و التاجر، إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ قوله: «يدور» في هؤلاء الثلاثة ليس باقيا على معناه الاستقبالي فالمراد إمّا أن يكون من شأنه ذلك أو قصده ذلك أو من عمله ذلك، و على التقادير يتوقّف على التحرّف به. و لو سلّم

فيكون محتملا للمجموع مجملا فلا يثبت الحكم في غير من كان ذلك عمله. و منه يظهر أنّ جعل أحد هؤلاء قسيما و مقابلا لمن يكون السفر عمله غير جيّد.

فروع:
أ: يشترط في صدق المناط المذكور و هو كون السفر شغلا و عملا له أمران:

أحدهما: اتّخاذ السفر لأجل بعض تلك الحرف شغلا لنفسه، أي قصد التصنع و الاستحراف و الاشتغال به و البناء على ذلك، فلو لم يقرّره و لم يتخذه حرفة له لا يتمّ و لو سافر أزيد من عشرين سفرا.

و ثانيهما: التكسب به أي الشروع في العمل و تحقّق السفر و صدوره عنه، فإنّ قاصد الكراء و غيره و الموطّن نفسه عليه ما لم يشتغل بالسفر لا يقال: إنّه حرفته، بل يقال: إنّه مريد له، و إن استعمل اللفظ في حقّه يكون من باب مجاز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 278

المشارفة.

ب: لا يشترط في صدق المناط المذكور كون العمل ممّا لا يتأتّى إلّا بالسفر

كالمكاري و الملّاح و البريد، بل يكفي في الصدق قصده على أن يسافر بالعمل.

بيان ذلك: إنّ الأعمال على قسمين.

أحدهما: ما يكون السفر جزءا لمفهومه و داخلا في حقيقته كالثلاثة المذكورة.

و ثانيهما: ما ليس كذلك بل يمكن في السفر و الحضر، كالطبيب و الجرّاح و التاجر و البيطار و الراثي و الواعظ و نحوها.

فما كان من الأوّل يكفي فيه قصد الشغل و الشروع، و ما كان من الثاني يشترط فيه مع ذلك قصد اتخاذ ذلك شغلا له في السفر أي يوطّن نفسه على المسافرة إلى البلاد المختلفة لذلك و قرّر شغله في المسافرة.

لا يقال: الظاهر من كون السفر عمله هو ما كان من الأوّل، إذ الشغل و العمل في الثاني ليس إلّا التجارة و الطبابة و نحوهما غاية الأمر أنّهما تقارنان السفر فليس السفر شغلا و عملا.

لأنّا نقول: الشغل و العمل ليس شيئا معيّنا لا يختلف، فكما أنّ التجارة شغل و الطبابة شغل، كذلك التجارة السفرية و الطبابة السفرية أيضا شغل، و لا شك أنّ السفر جزء حقيقة ذلك الشغل.

ج: إذ قد عرفت أنّه يحصل صدق المناط المذكور بالاتّخاذ و القصد و الشروع

يعلم أنّه لا يتوقّف إتمام من هذا شأنه على تكرّر سفر، بل يتمّ في السفر الأوّل، كما هو ظاهر جماعة من المعنونين لهؤلاء الأشخاص، و صريح بعض من عنون بالعنوان المذكور «1».

إلّا أنّه لما يشترط في إتمام بعض هؤلاء عدم إقامة العشرة- كما يأتي- فيجب مع الصدق تحقيق هذا الشرط أيضا لا لأجل اشتراط التكرار. فلو دخل أحد منزله

______________________________

(1) كالحلي في السرائر 1: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 279

أو بلدا آخر من سفر ثمَّ قرّر نفسه على الكراء و اشترى دوابا و خرج قبل العشرة أيضا يتمّ و لو خرج بعدها يقصر.

نعم، لو عنونت

المسألة بأحد العنوانين الأخيرين فالظاهر توقّف الإتمام على التكرّر، لعدم صدق كثير السفر و لا أنّ سفره أكثر من حضره بدون التكرّر. و لكن يرد حينئذ أنّ صدق العنوانين بالثلاثة ممنوع، و اشتراط الزائد عليها بالإجماع مدفوع، فيبقى اشتراط الثلاثة أو الاثنين بلا دليل، و ليس من قبيل اللفظ العام حتّى يبقى غير ما خرج بالدليل.

و لو كان العنوان أحد هؤلاء فإن كان المراد بهذه الألفاظ أهل حرفتها كما يستعمل كثيرا في الحرفة فلا يحتاج إلى التكرّر، و إن كان ذوي ملكاتها كما هو أيضا من الاستعمالات الشائعة فالظاهر التوقّف على التكرّر بل أزيد ممّا ذكروه من ثلاثة أسفار، و إن لم يعلم المراد فالواجب في غير المتكرّر الرجوع إلى عمومات القصر في السفر إلّا أنّها حينئذ تكون عمومات مخصّصة بمجملات فلا تكون حجّة في موضع الإجمال و يرجع إلى أصل التمام.

و هنا احتمال ثالث و هو إرادة المتلبس بالمبدإ أيضا، و عليه أيضا يكفي المرّة في مثل المكاري و البريد الخاليين عن المبالغة.

قيل: لو جعل العنوان و المناط كون السفر عملا أو أحد هؤلاء و لو بمعنى المتحرّف بهذه الحرفة يلزم التكرر أيضا و لو لم نقل باشتراط في الصدق، للزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع المتبادر منها و ليس هو إلّا من تكرّر منه السفر ثلاثا فصاعدا لا من يحصل منه في المرّة الاولى «1».

و فيه: منع التبادر أولا، و لو سلّم فلا تفاوت بين المرة الاولى و الثالثة في عدم التبادر و الغلبة و هم لا يشترطون أزيد من الثلاثة، فإذا لم يحمل على الغالب فيحمل على الحقيقة.

المسألة الثانية: يشترط في وجوب التمام على من ذكر عدم إقامته عشرة أيّام
اشاره

______________________________

(1) الرياض 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 280

في بلده و لا

بلد آخر، فلو أقام كذلك قصر، على المعروف من مذهب الأصحاب، بل هو مقطوع به عندهم، و عن المعتبر نفي الخلاف فيه «1».

لا للتقييد بالّذي يختلف و ليس له مقام، في صحيحة هشام المتقدمة «2»- كما قيل- حيث إنّ المراد بالإقامة فيها الإقامة عشرة بشهادة التتبع، مع أنّ الإقامة دونها حاصلة لكلّ كثير السفر لصدقها على نحو يوم بل ساعة و لا يخلو منها أحد، فيوجب التقييد عدم وجود كثير السفر الّذي يلزمه التمام «3».

إذ لو تمَّ ذلك لكان بمفهوم الوصف و هو غير معتبر، سيّما مع جواز كون الشرط واردا مورد الغالب كما هو الأكثر في المكاري، على أنّه يمكن أن يكون المراد بالمقام محل الإقامة العرفية الّتي صدقها على إقامة العشرة غير معلوم.

بل لمرسلة يونس: عن حدّ المكاري الّذي يصوم و يتمّ، قال: «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الّذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار» «4».

و رواية ابن سنان: «المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ بالليل و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر» «5».

و نحوها صحيحته إلّا أنّه زاد فيها بعد قوله: «أو أكثر»: «و ينصرف إلى منزله

______________________________

(1) المعتبر 2: 472.

(2) في ص 273.

(3) الرياض 1: 253.

(4) التهذيب 4: 219- 639، الاستبصار 1: 234- 837، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.

(5) التهذيب 3: 216-

531، الاستبصار 1: 234- 836، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 281

و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر» «1».

و لا يضرّ ضعف الأوليين سندا لو سلّم.

لكونه مجبورا بالشهرة العظيمة و موافقة عمل الأصحاب و نفي الخلاف فيه في كثير من العبارات.

و لا تعارض مفهوم الشرطية الاولى في حكم العشرة التامة مع مفهوم الثانية فيه، حيث يدل الأول على التقصير و الثاني على التمام.

لعدم اعتبار المفهومين من وجهين: أحدهما: أنّ مع ذكر المقدّمتين كلّ في مقابل الآخر يكون مفهوم كلّ هو الآخر عرفا دون غيره. و ثانيهما: أنّ إقامة العشرة التامة بحيث لا يزيد عليها و لا ينقص نادرة جدا فلا يلاحظ في المفاهيم. و على هذا فيكون حكم التامة غير معلوم من هذه الرواية فيستنبط من الإجماع المركّب أو من الروايتين الأخيرتين.

و لا ما قيل من أنّ المراد بالإقامة عشرة فيها إن كان المنوية يكون الحكم في بلده مخالفا لفتوى الأصحاب لعدم اشتراط النية فيه، و إن كان الأعم يكون الحكم في غير البلد كذلك لاشتراط النية فيه «2».

إذ نختار الأوّل أوّلا غير كون حكم الإقامة المنوية في البلد ذلك ليس مخالفا لفتواهم، بل عدم كون حكم غير المنوية كذلك مخالف لها و الرواية غير دالّة عليه، فلا تكون الرواية مخالفة و يستفاد حكم غير المنوية في بلده من الخارج، و الثاني ثانيا و يكون حكم العشرة الغير المنوية في غير البلد مغايرا- لو سلّم- من باب تخصيص العام، و العام المخصّص حجّة في الباقي.

و لا اشتمال الثانيتين على ما لم يفت به أصحابنا كما قال في الوافي «3».

إذ خروج جزء من الخبر عن

الحجيّة بدليل لا يقدح في حجّية باقيه، مع أنّ

______________________________

(1) الفقيه 1: 281- 1278، الوسائل 8: 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 5.

(2) الرياض 1: 253.

(3) الوافي 7: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 282

عدم فتواهم به ممنوع كما يأتي.

و لا اشتمال الثالثة على تعليق القصر على إقامتين: إقامة في البلد الّذي يذهب إليه، و إقامة في منزله الّذي ينصرف إليه، و هو ممّا لم يقل به أحد.

لأنّ لفظة الواو في قوله: «و ينصرف» إمّا بمعنى أو، أو للجمع في الحكم بقرينة الإجماع و الروايتين المتقدّمتين. مع أنّ عدم قول أحد به ممنوع، كيف؟! و نفى عنه البعد في الذخيرة و قال: استوجهه بعض أفاضل المتأخّرين «1». و لكنّه لا يقدح في انعقاد الإجماع و لأجله يجب حمل الرواية على ما ذكرنا، و لا يتطرق الخدش في الاستدلال بالصحيحة، كما أنّه لا يتطرق باحتمال أن يراد منها القصر في السفر المتقدّم على الإقامة أيضا، فإنّه يتوقّف على حمل قوله: «كان له مقام» على إرادة المقام و هو تجوّز، و مع ذلك مخالف لفهم الأصحاب و إجماعهم.

فروع:
أ: ليس اشتراط هذا الشرط لإيجاب إقامة العشرة سلب العنوان،

لعدم إيجابه له أصلا حتّى لو جعل العنوان كثير السفر، إذ لا يتفاوت ذلك في إقامة تسعة أيام أو عشرة، بل هو تعبّد محض يتعبّد به لأجل الروايات، إلّا أن يجعل كثير السفر اصطلاحا فيمن يجب عليه الإتمام في سفره فعلا.

ب: قالوا: إن كانت إقامة العشرة في بلده لم يحتج إلى نيّتها

، و إن كان في بلد آخر يشترط فيها النية.

و لم أقف في هذه الأخبار على ما يدلّ على الفرق بين بلده و غير بلده في كون العشرة منوية و غير منوية، فإنّا لو حملنا مقام عشرة و إقامة عشرة الواردين في الروايات على المنوية فالكلام فيهما سواء و إخراج بلده يحتاج إلى دليل، و إن أبقيناهما على الإطلاق فيحتاج إقحام النية في غير البلد إلى دليل.

و قد يستند في ذلك إلى دعوى روض الجنان الإجماع على عدم اعتبار العشرة

______________________________

(1) الذخيرة: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 283

المتردّدة في غير البلد «1»، و كذا ادّعاه العلّامة المجلسي كما حكي عنه «2».

و إلى أنّ اعتبار هذه الإقامة للإخراج عن كثير السفر و هو يحصل بقطع السفر، و العشرة الغير المنوية في بلده سفر أيضا.

و يضعف الأوّل: بعدم حجيّة الإجماع المنقول.

و الثاني: بمنع كون الاعتبار لما ذكر بل هو تعبّدي.

نعم لو ثبت الإجماع على ذلك لكان متّبعا، و في ثبوته كلام، كيف؟! و ظاهر إطلاق كلام النافع «3» تساوي البلدين و عدم اشتراط النية في شي ء من الإقامتين، و نسب بعضهم «4» إلحاق العشرة المنوية بالعشرة البلدية إلى الفاضلين و من تأخّر عنهما المشعر بعدم ذكر لها فيما تقدم عليهم فكيف يثبت الإجماع؟! فالقول بكفاية إقامة العشرة مطلقا و لو في غير بلده قويّ غايته.

و منه يظهر إلحاق الثلاثين المتردّدة و العشرة بعدها بطريق أولى،

كما اختاره ابن فهد في المهذّب و جعله المشهور «5»، و قوّاه المحقّق الشيخ علي «6». بل و كذلك لو قلنا باشتراط النية في العشرة، إذ لو قلنا به لكان للإجماع المنتفي في الثلاثين و العشرة الملحقة بها، سيّما مع ما ورد في بعض الروايات من تنزيل الثلاثين المتردّدة منزلة الإقامة في الوطن «7».

ج: يشترط في العشرة التوالي

بمعنى عدم الخروج في أثنائها إلى المسافة، إجماعا. و لا يشترط التوالي بمعنى عدم الخروج إلى حدود البلد بحيث يعدّ جزءا منه عرفا و هو ما دون حدّ الترخص، بل ما لا يخرج عن حدود مجتمع حيطان البلد

______________________________

(1) روض الجنان: 391.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 253.

(3) النافع: 51.

(4) كالمحقّق السبزواري في الذخيرة: 410، و صاحب الحدائق 11: 395.

(5) المهذب البارع 1: 486.

(6) جامع المقاصد 2: 513.

(7) الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 284

كذلك.

و في اشتراطه بمعنى عدم الخروج إلى ما يخرج عن حوالي البلد و يقصر عن المسافة خلاف.

فمنهم من اشتراطه مطلقا «1».

و منهم من لم يشترطه كذلك «2».

و منهم من فصّل، فقال بالأوّل في غير بلده و بالثاني في بلده «3».

و منهم من فرّق بين الخروج في جزء يسير من اليوم بحيث لم يكن منافيا لصدق الإقامة عرفا و في الأكثر المنافي له.

ثمَّ من يقول بعدم اشتراطه إمّا يقول بكون المدة الّتي يكون خارجا محسوبا من العشرة، أو يلفّق فيجمع ما قبلها مع ما بعدها و يسقط الزائد.

و الحقّ الاشتراط مطلقا، لتعليق الحكم في الأخبار و الفتاوي على إقامة العشرة، و المتبادر منها المتتالية، و لا أقلّ من احتمالها الموجب لبقاء الحكم الثابت بالعمومات إلى أن يعلم المخصّص. و لا أعرف

وجها لكون الخروج إلى ثمانية فراسخ منافيا للتتالي العرفي دون سبعة و نصف. و صدق اسم العشرة على غير المتتالية غير كاف، لأنّ المناط صدق إقامة العشرة و هو في غير المتتالية غير معلوم.

و منه يظهر دفع النقض بنذر صوم عشرة حيث لا يشترط فيه التتابع.

و أمّا الاحتجاج بأصالة البراءة عن التتالي فضعيف غايته و معارض بالاستصحاب.

د: اعلم أنّ الروايات المتضمنة للتقصير بعد إقامة العشرة

مختصّة

______________________________

(1) كما في البيان: 266، و الروضة 1: 373، و المدارك 4: 452.

(2) كما في الوافي 7: 154، و شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط). و حكاه في الرياض عن فخر المحققين 1: 259.

(3) كما يستفاد من مجمع الفائدة و البرهان 3: 409، و البحار 86: 42، و الحدائق 11: 346، و الرياض 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 285

بالمكاري، و نقل في الشرائع و النافع قولا بالاختصاص به أيضا «1»، و قوّاه بعض الأجلّة «2» اقتصارا في تخصيص العمومات بمورد النصّ.

و المشهور التعدّي إلى كلّ من العنوانات السابقة، و استدلّ له بأنّه قد عرفت أنّ المناط في الإتمام اتّخاذ السفر عملا من غير خصوصية للمكاري، و سبب التقصير هنا انقطاع المناط بإقامة العشرة، و هو متحقّق في الجميع.

و فيه: منع كون ما ذكر سببا كما مرّ.

و قد يستند فيه إلى الاتّفاق. و هو ممنوع جدّا.

فالأقوى الاختصاص به. بل لا يتعدّى إلى الملّاح و الأجير أيضا، لعدم إطلاق المكاري عليهما.

ه: إذا وجب التقصير و الإفطار على المكاري بإقامة العشرة فلا شكّ في وجوبه في السفر الأوّل

لأنّه أقلّ ما يحصل به الامتثال، و لا في العود إلى التمام في الثالث للإجماع، و إنّما وقع الخلاف في الثاني.

فذهب الحلّي و جماعة «3» إلى الإتمام فيه، و لعلّه الأشهر، و هو الأظهر، اقتصارا فيما خالف العمومات الدالّة على وجوب التمام- المقيّد بالتأبيد و العموم بمثل قوله: سواء كانوا في الحضر أو السفر، و بالتعليل بأنّه عملهم، و بالنكرة المنفية مثل: ليس عليهم تقصير، و نحو ذلك- على هؤلاء على المتيقّن، و ليس إلّا السفر الأوّل.

لا يقال: إطلاق النص بالتقصير يقتضيه مطلقا، خرج الثابت بالإجماع فيبقى الباقي.

لأنّا نقول: لا إطلاق هنا مفيد للعموم، بل حكم بوجوب التقصير المتحقّق امتثاله بالتقصير مرّة واحدة كما في

قولك: تجب الصلاة، فإنّ إيجاب الماهية يقتضي

______________________________

(1) الشرائع 1: 134، النافع: 51.

(2) الرياض 1: 253.

(3) السرائر 1: 340، و انظر المختلف: 163، و المدارك 4: 453، و الذخيرة: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 286

إيجاب فرد منها لا جميع الأفراد. مع أنّه لو كان كذلك لم يجز التقييد بهذا القدر حتّى لا يبقى إلّا اثنان للإجماع على التمام في الثالث.

خلافا للمحكي عن الشهيد فحكم [بالقصر] «1» إلى الثالث، لزوال الاسم بالإقامة فيكون كالمبتدئ. «2».

و يضعّف بمنع الزوال.

ثمَّ المراد بالسفر الثاني الذي يتمّ فيه هل هو ما ينشئه بعد ذهابه إلى مقصوده في الأوّل سواء كان عودا إلى مبدئه للسفر الأوّل أو إنشاء لسفر آخر، أو الثاني خاصة، أو ما ينشئه بعد العود إلى المبدأ؟

الظاهر: الأوّل، لما مرّ من الاقتصار على المتيقّن.

المسألة الثالثة: لو أقام من السفر عمله في أحد البلدان أقلّ من عشرة كان باقيا على حكم الصيام و التمام في الليل و النهار

، على المشهور سيّما بين المتأخّرين، و عن السرائر دعوى الإجماع عليه «3»، للعمومات المتقدّمة المتضمّنة لأنّ كثير السفر يجب عليه الإتمام، خرج من أقام العشرة بالإجماع و النص فبقي غيره.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «4»، فجعل الخمسة كالعشرة مطلقا. و لا دليل عليه ظاهرا.

و للمحكي عن المبسوط و النهاية و القاضي و ابن حمزة «5»، فجعلوها كالعشرة في تقصير صلاة النهار خاصة دون الليلية و الصيام، لصحيحة ابن سنان و روايته المتقدّمتين «6».

______________________________

(1) في النسخ بالإتمام، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) الذكرى: 258.

(3) السرائر 1: 341.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 260.

(5) المبسوط 1: 141، النهاية: 122، القاضي في المهذب 1: 106، ابن حمزة في الوسيلة: 108.

(6) في ص 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 287

و ردّ بكون الروايتين متروكتين، لتضمنّهما ثبوت الحكم في الأقلّ من الخمسة أيضا الصادق على ثلاثة و أربعة بل

يوم أو بعض يوم، و لم يقل به هؤلاء الجماعة.

و معارضتين مع النصوص المتقدّمة و مع ما ورد في بعض الصحاح من أنّه «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» «1».

و يجاب عن الأوّل: بأنّ ذلك غير ضائر في الحجيّة، لأنّه يكون كالعام المخصّص، مع أنّه نفى في الذخيرة البعد عن القول بمضمونها و قال: إنّ ظاهر الإقامة يقتضي قدرا معتدّا به، فلا يصدق على يوم واحد أو بعض يوم و المتيقّن منه المساواة بين الخمسة و ما قاربها، و العمل به غير بعيد- إلى أن قال طاب ثراه-:

و بالجملة فالمتّجه عندي العمل بمضمون الخبر كما قاله بعض أفاضل المتأخّرين.

ثمَّ ذكر- في بيان انتفاء الشهرة القديمة على خلافه- أنّ مخالفة من تقدّم على الشيخ بمضمون الرواية غير واضح، بل إيراد الصدوق لها يقتضي عمله بها «2».

و عن الثاني: بأنّ التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، و حمل العام على الخاص لازم.

و من ذلك تظهر قوّة قول الشيخ و تابعيه، بل ما نفى عنه البعد في الذخيرة.

إلّا أن دليلهم عن إفادة وجوب التقصير بالنهار قاصر لمكان الجملة الخبرية، و إثبات الوجوب بالإجماع المركب مشكل، و على هذا فلو أتمّ في النهارية أيضا ما لم يقم العشرة كان أحوط.

المسألة الرابعة: استفاضت الروايات على وجوب التقصير على المكاري و الجمّال
اشاره

إذا جدّ بهما السير.

ففي صحيحة محمّد: «المكاري و الجمّال إذا جدّ بهما فليقصرا» «3».

______________________________

(1) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(2) الذخيرة: 410.

(3) التهذيب 3: 215- 528، الاستبصار 1: 233- 830، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 288

و في صحيحة البقباق: عن المكارين الّذين يختلفون، فقال: «إذا جدّوا

السير فليقصروا» «1».

و في مرسلة الكافي: «المكاري إذا جدّ به السير فليقصر» ثمَّ قال: و معنى جدّ به السير يجعل منزلين منزلا «2».

و في مرسلة عمران: «الجمّال و المكاري إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين و يتمّا في المنزل» «3».

و في المروي في كتاب عليّ بن جعفر: عن المكارين الّذين يختلفون إلى النيل هل عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «إذا كان مختلفهم فليصوموا و ليتمّوا الصلاة، إلّا أن يجدّ بهم السير فليقصروا و ليفطروا» «4».

و معنى الجدّ بالسير الإسراع فيه و الاهتمام بشأنه، يقال: جدّ بسيرة إذا اجتهد فيه، كذا في مجمع البحرين «5»، و هو المعنى المتفاهم عرفا، و إليه ينظر تفسير الكليني له بأنّ معناه أن يجعل منزلين منزلا، و هو الموافق لما ذكره بعض آخر من أنّ أظهر معانيه إرادة المشقة الشديدة الخارجة عن معتادهم.

و أمّا تفسيره بأنّ يستمرّ بهم السير مثل سفر الحج و الزيارة، أو حصل لهم السفر بعد الإقامة مأخوذا من التجديد فهما مخالفان للظاهر جدّا كسائر ما قيل في تفسيره، و الظاهر ما ذكرنا في معناه.

و عمل بها الكليني و الشيخ في التهذيب على الظاهر «6»، و جماعة من

______________________________

(1) التهذيب 3: 215- 529، 4: 219- 638، الاستبصار 1: 233- 831، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 2.

(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 2، الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 4.

(3) الفقيه 1: 282- 1279، التهذيب 3: 215- 530، الاستبصار 1: 233- 832. الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 3.

(4) مسائل علي بن جعفر: 115- 46، الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 5.

(5) مجمع

البحرين 3: 21.

(6) الكليني في الكافي 3: 437 ذيل الحديث 2، الشيخ في التهذيب 3: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 289

المتأخّرين منهم المدارك و المنتقى و المحدّث الكاشاني و الفاضل الهندي و صاحبا الذخيرة و الحدائق «1»، و أفتى بها بعض أفاضل معاصرينا.

و هو الصحيح، إذا لا مجال في ترك روايات معتبرة ظاهرة المعنى بلا معارض مساو أو أخصّ، فبها العمومات تخصّص. و جعلها مجملة لاختلاف الأصحاب في تنزيلها بعد تفسير اللغوي و المحدّث و الفقيه و الفهم العرفي باطل جدّا.

و هل التقصير عليهم في الطريق و المنزل معا كما هو مقتضى إطلاق أكثر الروايات المذكورة، أو في الطريق خاصة كما تدل عليه المرسلة؟

الأظهر الثاني، لكون المرسلة مقيّدة، و يجب حمل المطلق على المقيّد.

و قيل بالأوّل، لضعف المرسلة، و إجمالها لاحتمال أن يكون المراد من: «ما بين المنزلين» المنزل الذي يخرج منه و المنزل الذي يذهب إليه يعني مبدإ سفره و منتهاه «2».

و كلاهما ممنوعان، بل الرواية معتبرة و مفادها واضح و ما ذكره تقييد بلا مقيد.

فرعان:
أ: هذا الحكم أيضا كالحكم بالتقصير بعد إقامة العشرة مختصّ بالمكاري و الجمّال

، لاختصاص الأخبار.

ب: تقصيرهما إنّما هو في منزل جدّ به السير

، فإذا انتفى و عادا إلى السير المعتاد في منزل آخر يتمّان.

المسألة الخامسة: لو أنشأ من عمله السفر سفرا آخر

غير ما هو صنعته كسفر الحج أو الزيارة أو صلة الرحم قبل إقامة العشرة في منزل، فهل يقصر أو يتمّ؟

______________________________

(1) المدارك 4: 456، المنتقى 2: 177، المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 24، الذخيرة:

410، الحدائق 11: 393.

(2) الذخيرة: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 290

قيل بالأوّل «1»، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالسفر الذي يتم هؤلاء هو السفر الّذي كان عملهم، و يشعر به التعليل بذلك.

و لروايتي إسحاق بن عمّار، إحداهما: عن الّذين يكرون الدواب يختلفون كلّ الأيام، أ عليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: «نعم» «2».

و الأخرى: عن المكارين الّذين يكرون الدواب و قلت: يختلفون كلّ أيام، كلّما جاءهم شي ء اختلفوا، فقال: «عليهم التقصير إذا سافروا» «3».

وجه الاستدلال: إمّا أنّ الظاهر من السفر في الروايتين غير السفر الّذي يعملون فيه، أو أنهما دلّتا على وجوب التقصير في كلّ سفر، خرج ما كان صنعتهم بما مرّ فيبقى الباقي.

و قيل بالثاني، لعدم دليل صالح للخروج عن مقتضى الأدلّة العامة «4».

و هو الأقوى، لذلك.

و يضعّف الظهور الّذي ادعاه الأوّلون بالمنع. و لا إشعار للتعليل به أيضا، لأنّ عليّة كون السفر عملا للإتمام في السفر لا تدلّ على أنّه فيما كان يعمل به أصلا، لجواز أن تكون عمليّته علّة للإتمام في كلّ سفر.

و الروايتان أمّا على التقريب الأوّل فبأنّ ظهورهما في السفر الّذي ادّعوه لا وجه له أصلا.

و أمّا على التقريب الثاني فبأنّه إنّما يتمّ لو كانت أخبار إتمامهم في السفر مخصوصة بالسفر الّذي يعملون فيه، و لكنّها عامة كهاتين الروايتين، فتتعارضان بالتساوي، و لا شاهد على ذلك الجمع، فترجّح عليهما، لكونها أشهر رواية

______________________________

(1) الذكرى:

258.

(2) التهذيب 3: 216- 532، الاستبصار 1: 233- 833، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.

(3) التهذيب 3: 216- 533، 4: 219- 637، الاستبصار 1: 234- 834، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 3.

(4) الرياض 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 291

و اعتضادها بالإجماع، و شذوذ الروايتين جدّا.

الشرط السادس: الخروج إلى حدّ الترخّص
اشارة

و فيه مسألتان.

المسألة الأولى: يشترط في التقصير البلوغ إلى حدّ الترخص
اشارة

، وفاقا للأكثر، بل بلا خلاف إلّا عن شاذّ، بل بالإجماع المحكي «1» بل المحقّق، له، و للمعتبرة المستفيضة الآتية.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق «2»، فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية بل اكتفى بنفس الخروج من البلد، لمرسلة الفقيه: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه» «3».

و نحوه الرضوي «4».

و الموثّق: «أفطر إذا خرج من منزله» «5».

و يردّ- مع شذوذ الجميع و ضعف سند الثاني- بكونه أعمّ مطلقا ممّا يأتي، فيجب تخصيصه به، بل الظاهر أنّ المخصّص هو المراد، و أنّ إطلاق الرضوي مسبوق بما يأتي من التخصيص.

ثمَّ إنّهم اختلفوا في حدّ الترخص، فالمشهور بين القدماء- و قيل:

مطلقا «6»- أنّه أحد الأمرين من خفاء جدران البلد أو أذانه، بمعنى كفاية أحد الأمرين في لزوم القصر، و لزومه بتحقّق أحدهما كما هو المحتمل. أو بمعنى التخيير بينهما أي جواز القصر بتحقّق كلّ واحد منهما كما صرّح به بعضهم بقوله

______________________________

(1) الرياض 1: 254.

(2) حكاه عنه في المختلف: 163.

(3) الفقيه 1: 279- 1268، الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 530 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

(5) التهذيب 4: 228- 669، الاستبصار 2: 98- 319، الوسائل 1: 187، أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.

(6) الحدائق 11: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 292

بعد ذكر الأمرين: مخيّرا بينهما «1» و عليه يدلّ كلام صاحب الذخيرة حيث عبّر عن هذا القول بالقول بالتخيير «2».

و أكثر المتأخّرين تبعا للسيّد و الشيخ في الخلاف «3» على أنّه الأمران معا، فلا يجوز القصر إلّا بتحققهما معا.

و عن المقنع أنّه الأوّل «4».

و عن المفيد

و الديلمي و الحلّي أنّه الثاني «5».

و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المورد، و هي صحيحة محمّد:

الرجل يريد السفر متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت» «6».

و ابن سنان: «إذا كنت في الموضع الّذي تسمع الأذان فأتمّ، و إذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفر فمثل ذلك» «7».

و موثقة إسحاق بن عمّار المروية في العلل، و فيها: «أ ليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم؟» «8».

و الرضوي: «و إن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك، و إن كنت في شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر إلى السفر أفطرت إذا غاب عنك أذان مصرك» «9».

______________________________

(1) الرياض 1: 254.

(2) الذخيرة: 411.

(3) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، الخلاف 1: 572.

(4) المقنع: 37.

(5) المفيد في المقنعة: 350، الديلمي في المراسم: 75، الحلي في السرائر 1: 331.

(6) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 1، الفقيه 1: 279- 1276، التهذيب 2: 12- 27، 3:

224- 566، 4: 230- 676، الوسائل 8: 470 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.

(7) التهذيب 4: 230- 675، الاستبصار 1: 242- 862، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.

(8) علل الشرائع: 367- 1 الوسائل 8: 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11.

(9) فقه الرضا عليه السلام: 159، مستدرك الوسائل 6: 529 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 293

و المروي في المحاسن: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» «1».

فتعارض منطوق الصحيحة الاولى مع منطوق الشرطية الاولى في الثانية و منطوق الرواية الأخيرة و مفهوم

الرضوي بالعموم من وجه، و مفهومها مع منطوق الشرطية الثانية في الثانية و منطوق الرضوي و مفهوم الرواية الأخيرة كذلك.

فبناء القول الأوّل بالمعنى الأوّل على العمل بالإتمام فيما أجمعت عليه الروايات و هو ما لم يختف الجدران و لا الأذان، و بالتقصير فيما أجمعت عليه أيضا و هو ما اختفى الجدران و الأذان معا، و رفع اليد عن الروايات في موضع التعارض و هو ما اختفى فيه أحدهما و الرجوع إلى العمومات الدالّة على التقصير الغير المعلوم خروج المورد عنه كالعمومات المتقدّمة في دليل والد الصدوق و غيرها ممّا يدلّ على وجوب التقصير على المسافر بقول مطلق.

و بناء هذا القول بالمعنى الثاني الرجوع في مورد التعارض و عدم المرجّح إلى التخيير كما هو القاعدة في المتعارضين.

و بناء القول الثاني على الجمع بين المتعارضين بتخصيص كلّ منهما بالآخر، أو على رفع اليد عنهما في موضع التعارض و الرجوع فيه إلى مقتضى الأصل و استصحاب بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص، و ليس بثابت بأحدهما.

و بناء القولين الآخرين- كما قيل «2»- على ترجيح أحد المتعارضين و طرح الآخر من البين.

أقول: لا يخفى أنّ تخصيص كلّ منهما بالآخر كما هو مبنى القول الثاني لا وجه له أصلا، و لذا لا يعملون بذلك في مواقع التعارض مع أنّه ممكن في جميع ما إذا كان بالعموم من وجه، و ليس هو من مقتضى متفاهم العرف، و لا شاهد آخر عليه أيضا، و كذا [المبنى] «3» الآخر من الرجوع إلى الاستصحاب فإنّه إنّما هو لو لا

______________________________

(1) المحاسن: 371- 127، الوسائل 8: 473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 7.

(2) الرياض 1: 254.

(3) في النسخ: المعنى، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 8، ص: 294

اندفاعه بالعمومات و الإطلاقات المذكورة و إلّا فاللازم الرجوع إليها.

و منه يظهر سقوط ذلك القول البتة.

و كذا القولان الآخران، إذا لا وجه لردّ أحد المتعارضين مع تساويهما في استجماع شرائط الحجيّة.

فلم يبق إلّا القول الأوّل و هو الصحيح المعقول، لأنّه إن قلنا بأنّ مراد القائلين به هو المعنى الأوّل و ليس في المسألة قول بالتخيير بالمعنى الّذي ذكرناه- أي كون المسافر مخيّرا في جعل حدّ الترخص كلا منهما شاء- فيتّجه هذا القول البتّة، إذ بعد الاتّفاق على انتفاء التخيير في موضع التعارض يرفع اليد عن المتعارضين و يرجع إلى العمومات.

و إن كان مرادهم المعنى الثاني و لم يكن التخيير منافيا للإجماع اتّجه ذلك القول جدّا أيضا، لأنّه المناص عند التعارض.

فإن قيل: هذا إنّما يتمّ على ما ادّعيت من تساوي المتعارضين في شرائط الحجية، و ليس كذلك، لأنّ من جملة الشرائط عدم الإجمال، و الصحيحة الأولى مجملة من وجهين:

أحدهما: أنّ المذكور فيها: «توارى عن البيوت» و لا معنى للتواري عن البيت إلّا بتقدير الأهل حتى يكون من باب مجاز الحذف، أو المراد تواريه عن البيوت كما فهمه الأصحاب و هذا أيضا مجاز، و ليس أحد المجازين أولى من الآخر و بين مقتضاهما بون بعيد، فإنّ الإنسان يتوارى عن أهل البيت ببعد ميل و لا يتوارى البيت عنه بفرسخ.

و ثانيهما: أنّه على التقديرين يمكن أن يراد تواري الشبح كما قيل «1»، أو الهيئة بأن يتميّز هذا البيت أنّه بيت فلان و جداره من الطين أو اللبنة أو الحجر أو الجصّ، و هذا الشخص أنّه راكب أو راجل قصير أو طويل زيد أو عمرو، و لا دليل

______________________________

(1) الرياض 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 8، ص: 295

على تعيين أحدهما، و بينهما أيضا تفاوت فاحش، و ليس كذلك روايات الأذان، إذ ليس المراد به مجرّد الصوت لأنّه ليس أذانا بل تمييز الكلمات بحيث يفهم أنّه يؤذّن و هو أمر لا يتفاوت.

و على هذا فتخرج الاولى عن الحجيّة و تبقى أخبار الأذان كما هو القول الأخير.

قلنا: أمّا الوجه الأول ففيه: منع التفاحش بين المقتضيين، لأنّ المراد بتواري البيوت كما صرّحوا به تواريها من حيث إنّها بيوت و لا اعتبار بظهور المنارات و القباب و السور و أمثالها، و تواري البيت لا يتفاوت كثيرا مع تواري الشخص سواء أريد فيهما الشبح أو الهيئة، لأنّ شبح الشخص يرى من فرسخ بل فرسخين كشبح البيت، و كذا الهيئة فإنّ كل موضع يمتاز البيت أنّه من لبنة أو حجر أو بيت زيد أو عمرو يمتاز الشخص أيضا، فلا إجمال من هذه الجهة، و لو كان تفاوت فليس بأكثر من التفاوت الحاصل بتفاوت سماع الأذان.

و أمّا الوجه الثاني ففيه: أنّه و إن احتمل التواري كلا من الأمرين إلّا أنّه مع احتمالهما و عدم المعيّن يجب الأخذ بالقدر المشترك و هو تواري الصورة و الهيئة عملا بعمومات القصر في السفر، و لأنّ الشبح ممّا لا يتوارى في بعض المواضع الخالية عن الموانع في أزيد من فرسخين أو ثلاثة فراسخ، و الإتمام في مثله خلاف الإجماع و تنافيه أخبار الأذان أيضا بل يعلم منها عدم إرادته قطعا فلا إجمال من هذه الجهة أيضا.

بل منه يعلم وجه آخر لرفع الإجمال الأوّل، إذ بعد الحمل على الهيئة يتقارب المعنيان كما أشرنا إليه.

و من ذلك يعلم ضعف ما قيل في وجه ترجيح مجاز الحذف من أنه أقرب إلى أخبار الأذان، بل

يظهر عدم الاختلاف بين أخبار البيوت و الأذان أيضا، و لا يضرّ التفاوت اليسير فإنّه حاصل على كلّ من الأمرين بخصوصه أيضا، و مع ذلك مدار أمثال هذه الأمور في الشرع على التقريب كما هو كذلك عرفا أيضا، و على هذا قلنا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 296

الاكتفاء بأحد الأمرين من هذه الجهة أيضا.

و قد تلخّص ممّا ذكرنا جواز الاكتفاء بكلّ من الأمرين كما هو مقتضى القول الأوّل بالمعنى الثاني إمّا لأجل أنّ التخيير هو المرجع عند التعارض أو التقارب الأمرين. و الأحوط القصر مع تحقّق أحدهما حذرا عن مخالفة المعنى الأوّل للقول الأوّل.

فروع:
أ: المراد بالتواري عن البيوت أو تواريها عنه التواري من جهة البعد

و السير في الأرض، لا التواري كيف اتّفق و لو لأجل حائل أو و هدة و إن ترى بعده كما توهّم، لأنّه المتبادر منه في المقام، لأنّ المراد بيان قاعدة كليّة و وضع ضابطة جلية يترتب عليها حكم التقصير و التمام، و الحائل الّذي قد يكون و قد لا يكون و قد يقرب و قد يبعد فلا يصلح لأن يكون ضابطا كليّا، و كذا خفاء الأذان.

ب: يكفي سماع الأذان في آخر البلد و رؤية آخر البيوت من البلد في عدم لزوم التقصير

، فالواجب خفاء أذان آخر البلد و تواري آخر بيوتها، لأنّ الحكم في الأذان معلّق على أذان المصر فيجب أن لا يسمع شي ء من أذانه، و أذان آخر البلد أذان مصر أيضا، و في البيوت معلّق على الجمع المحلّى المفيد للاستغراق فيجب خفاء جميع البيوت الذي لا يتحقّق إلّا بخفاء آخر بيت منه، سواء في ذلك القرية و البلد الصغير و المعتدل و الكبير.

و أمّا ما قيل من أنّه إذا اتّسع خطّة البلد حيث خرجت عن العادة فيعتبر بيوت محلّتها و كذا أذانها «1»، فلا أعرف له وجها و ليس له عندي وقعا، لإطلاق المصر و البيوت، مع أنّ المصر يطلق غالبا على البلاد المتّسعة و لذا يقال للبصرة و الكوفة المصرين. و أمّا القول بأنّ إرادة المحلّة موافقة في البلاد المتّسعة لإطلاق الأدلّة و فهم العرف فممنوع غايته.

ج: قد أشرنا أنّ المراد خفاء البيت من حيث إنّه بيت،

و المتبادر منه خفاء

______________________________

(1) كما في روض الجنان: 392، و المدارك 4: 458.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 297

الهيئة و الصورة و عدم تمييز البيوت و أوصافها بعضها عن بعض، و أنّه مقتضى الأصل. و كذا المراد خفاء الأذان من حيث إنّه أذان و عدم تمييز فصول الأذان.

فلا عبرة بسواد المدينة و شبحها و لا بأعلام البلد و مناراتها و قبابها و بساتينها و أشجارها.

د: قالوا: المعتبر الأذان المتوسّط أي المتعارف في الإعلامي و الأرض المتوسّطة و الحاسّتان المتوسّطتان

و لو احتاج إلى التقدير في البلد المنخفض و المرتفع و مختلف الأرض و عادم الأذان و الأعمى و الأصمّ.

و هو كذلك، لأنّها المتبادر من الإطلاق و المحمول عليها الألفاظ عند الاستعمال الإطلاقي.

ه: اعلم أنّ هذا الشرط إنّما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا

، دون نحو الهائم و العاصي بسفره إذا زال مانعهما، فإنّهما يقصّران متى زال المانع و شرعا بعده في السير، للعمومات، مع اختصاص ما دلّ على هذا الشرط بمن ذكرناه، مضافا إلى خصوص المعتبرة المتضمّنة لأنّهما يقصران حين زوال المانع.

و هل البلد الّذي أقام فيه عشرة أو ثلاثين متردّدا في حكم بلده أم لا؟

فيه وجهان- كما قيل «1»- من جهة كونه بمنزلة الوطن في الأحكام، و من جهة عدم الدليل بالخصوص. و ربما يقال: إنّ التواري من البيوت في صحيحة محمّد «2» يشملهما أيضا.

و لا يخفى أنّ كونه بمنزلة الوطن في جميع الأحكام غير ثابت و عموم المنزلة ممنوع، و شمول الصحيحة غير واضح لأنّها تبيّن حكم من يريد السفر و هو ظاهر فيمن لم يكن مسافرا قبله و ذلك مسافر. و لا يفيد استصحاب الإتمام للأوّل، لأنّ إطلاقات قصر المسافر تدفعه. و لا يتوهّم معارضتها مع إطلاقات الإتمام في محلّ الإقامة، لعدم كون الخارج فيه، كما مرّ في بحث إقامة العشرة.

______________________________

(1) الحدائق 11: 354. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    298     المسألة الثانية: المشهور - بل عن الذكرى أنه يكاد أن يكون إجماعا - أنه كما يعتبر هذا الشرط أي الوصول إلى حد الترخص في بدء السفر و الذهاب كذا يعتبر في آخره ..... ص : 298

(2) المتقدمة في ص 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 298

و: قد ورد في روايتي الخدري «1» و عمرو بن سعيد «2» أنّ النبيّ و الوليّ كانا إذا سافرا يقصّران في فرسخ

. و هو لا ينافي ما مرّ من حدّ الترخص لأنّه فعل، فلعلّهما أخّرا الصلاة استحبابا أو لجهة أخرى.

المسألة الثانية: المشهور- بل عن الذكرى أنّه يكاد أن يكون إجماعا «3»- أنّه كما يعتبر هذا الشرط أي الوصول إلى حدّ الترخّص في بدء السفر و الذهاب كذا يعتبر في آخره
اشاره

و الإياب، فيقصّر في العود من السفر إلى أن ينتهي إلى أحد الأمرين المتقدمين، فإذا انتهى يتمّ و لو لم يدخل البلد فضلا عن المنزل، لذيل صحيحة ابن سنان المتقدّمة «4»، مضافا إلى إطلاق ما دلّ على وجوب التمام على من كان في الوطن، و اشتراط القصر بالسفر و لا يصدق عرفا على من بلغ هذا الحدّ.

و ذهب والد الصدوق و السيّد و الإسكافي «5» إلى عدم اعتبار هذا الشرط في الإياب فيقصّر حتى يدخل منزله، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين «6»، و هو محتمل المقنعة و النهاية و الجمل و المبسوط و الخلاف و ابن حمزة و سلّار «7» حيث لم يتعرّضوا لحال العود، و في المعتبر «8» نسبة القول بموافقة الإياب للذهاب إلى المبسوط و النهاية، و ليس فيهما ما يدلّ عليه.

______________________________

(1) التهذيب 4: 224- 659، الاستبصار 1: 226- 803، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 4.

(2) التهذيب 4: 224- 660، الاستبصار 1: 226- 804، الوسائل 8: 471 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 2.

(3) الذكرى: 258.

(4) في ص 292.

(5) المختلف: 164 عن والد الصدوق و الإسكافي، السيد في جمل العلم و العمل: 77.

(6) الحدائق 11: 412.

(7) المقنعة: 55، النهاية: 123، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 221، المبسوط 1: 136، الخلاف 1: 222، ابن حمزة في الوسيلة: 149، سلار في المراسم: 75.

(8) المعتبر 2: 474.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 299

لصحيحة العيص: «لا يزال المسافر مقصّرا حتّى يدخل بيته» «1».

و الأخرى: و فيها: «لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته» «2».

و

صحيحة معاوية بن عمّار: «أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا» «3».

و في صحيحة أخرى في أهل مكة: «و إذا زاروا و رجعوا إلى منازلهم أتمّوا» «4».

و الصحيح المروي في المحاسن: «المسافر يقصّر حتى يدخل المصر» «5».

و موثقة الساباطي و فيها: «و لا يتمّ الصلاة حتى يرجع إلى منزله» «6».

و إسحاق: عن الرجل يكون مسافرا ثمَّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا حتى يدخل أهله؟ قال: «بل يكون مقصّرا حتى يدخل أهله» «7».

و ابن بكير: عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة له بها دار و منزل، فيمرّ بالكوفة و إنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال:

«يقيم في جانب المصر و يقصّر» قلت: فإن دخل؟ قال: «فعليه التمام» «8».

______________________________

(1) التهذيب 3: 222- 556، الاستبصار 1: 242- 864، الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 4.

(2) التهذيب 3: 162- 352، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.

(3) الكافي 4: 518 الحج ب 92 ح 1، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 7.

(4) التهذيب 5: 488- 1743، بتفاوت فراجع، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 4.

(5) المحاسن: 371- 126، الوسائل 8: 473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 8.

(6) التهذيب 4: 226- 663، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 5، الفقيه 1: 284- 1291، التهذيب 3: 222- 555، الاستبصار 1: 242- 863، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.

(8) الكافي 3:

435 الصلاة ب 84 ح 2، التهذيب 3: 220- 550، قرب الإسناد: 172- 630 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 300

و الإيراد على بعض هذه الأخبار بأنّه حكم بالقصر للمسافر، و نحن لا نسلّم أنّ الداخل في موضع سماع الأذان مسافر، باطل جدّا، لأنّه قبل دخوله فيه مسافر قطعا فحكم له بالقصر حتى دخل البيت أو المنزل.

و حمل البيت و المنزل في بعض هذه الأخبار على ما بحكمهما و هو ما دون الترخّص، بعيد جدّا بل خلاف الأصل، مع أنّه لا يمكن حمل غير الصحيحتين الأوليين و الموثقة الأولى على ذلك أصلا سيّما في الموثقة الثانية المتضمنة لدخول البلد و الحكم فيها مع ذلك بالقصر إلى دخول الأهل.

و حملها على أنّ الحكم به معه إنّما هو لسعة الكوفة يومئذ، فلعلّ البيوت الّتي دخلها لم يبلغ حدّ الترخيص المعتبر في مثلها و هو آخر محلّته.

مردود أوّلا: بما مرّ من عدم التفرقة بين البلد الكبير و المعتدل.

و ثانيا: بعموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال خصوصا مع قوله بعد الحكم بالتقصير: «حتّى يدخل أهله».

و ثالثا: بأنّه ورد في موثّقة غياث بن إبراهيم: أنّ مولانا الباقر عليه السلام كان يقصّر الصلاة حين يخرج من الكوفة في أوّل صلاة تحضره «1»، دلّت على أنّ قصر الصلاة كان بعد الخروج من الكوفة، إلّا أنّ ذلك إنّما يتمّ لو جعل الحين ظرفا للتقصير، و يحتمل أن يكون ظرفا للخروج فلا يتمّ التقريب فيها، مضافا إلى أنه يمكن أن يكون بيته عليه السلام في أواخر البلد.

و الخدش فيها بورودها مورد الغالب من أنّ المسافر إذا بلغ حدّ الترخّص يسارع إلى أهله

من غير مكث للصلاة كما هو المشاهد غالبا من العادة، فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحلّ البحث، كلام شعري لا ينبغي الإصغاء إليه.

أقول: هذه الأخبار و إن كانت مستفيضة مشتملة على عدّة من الصحاح،

______________________________

(1) التهذيب 3: 235- 617، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 301

إلّا أنّها مع احتمال موافقتها لمذهب العامة- كما حكي عن الوسائل «1» يرد عليها أنّ غير الأخيرتين منها أعمّ مطلقا من صحيحة ابن سنان «2»، إذ مدلولها وجوب قصر المسافر قبل دخول البيت أو المنزل أو المصر مطلقا سواء بلغ موضع سماع الأذان أم لا، و مدلول الصحيحة وجوب الإتمام في بعض خاصّ منه و هو ما بعد سماع الأذان فيجب تخصيصها به، بل و كذلك الموثّقة الأخيرة لأعميّة جانب المصر عن موضع سماع الأذان.

و لا يضرّ عموم الصحيحة باعتبار الممثّل له، حيث إنّ له أيضا فردين:

وجوب القصر عند عدم سماع الأذان، و الإتمام عند سماعه، بل إجمالها لتعدّد ما يحتمل التشبيه به فلعلّ التشبيه في الأوّل خاصّة بجعل المشار إليه هو الجزء الأخير و هو قوله: «إذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع الأذان فقصّر».

لبعد ذلك الاحتمال جدّا و ظهور إرادة التشبيه في الحكمين، مع أنّه يثبت المطلوب مع تخصيص التشبيه بالجزء الأخير أيضا، إذ الجزء الأخير ليس هو وجوب القصر في موضع لا يسمع الأذان خاصّة بل جملة شرطيّة لها منطوق و مفهوم، فيدلّ بالمفهوم على عدم القصر إذا لم يكن في موضع لا يسمع الأذان.

و منه تظهر تماميّة دلالة الصحيحة على ما في بعض النسخ الغير المشهورة منها من إسقاط الشرطية الاولى في حكم

الذهاب، لكفاية الثانية في ذلك أيضا، مع أنّ اشتهار النسخة المتضمنة للشرطين سيّما مع تقدم الإثبات على الإسقاط كاف في المطلوب.

فلم يبق إلّا الموثّقة الاولى، و هي غير صريحة بل و لا دالّة على المطلوب لعدم تصريح فيها على كون الرجل من أهل الكوفة إلّا أن يتمسّك بعمومها الحاصل من ترك الاستفصال الواجب تخصيصه بالصحيحة أيضا لأخصّيتها مطلقة.

مع أنّها معارضة في ذلك الحكم مع الصحيحة المحاسنيّة المنجبرة في هذا

______________________________

(1) الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ذيل الحديث 6.

(2) المتقدمة في ص 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 302

الحكم و الموثقة الثانية، الدالّتين على وجوب التمام بدخول الكوفة و المصر و إن لم يدخل البيت، و مع صحيحة ابن بزيع المذكورة في بيان الوطن الدالّة على التمام بدخول الضيعة «1».

و من ذلك ظهر قوة القول المشهور.

نعم، يشكل الحكم فيما إذا كان مجتازا عن وطنه و لم يدخل بلده و نزل في جانبه في موضع سمع الأذان، من حيث إنّ صدق القدوم من السفر حينئذ غير معلوم، فلا يكون حكمه مستفادا من الصحيحة و لا من رواية أخرى، فيكون عموم الموثقة خاليا عن المعارض المعلوم. إلّا أن يتمسّك بعدم الفرق بين خارج البلد و داخله المعلوم حكمه بالأخبار الثلاثة المذكورة آنفا. إلّا أنّ ثبوته مشكل، و أمر الاحتياط بالقصر و الإتمام هنا واضح.

و هل يعتبر في الإتمام هنا أيضا الأمران من خفاء البيوت و الأذان كما هو المشهور، بل قيل: بلا خلاف إلّا عن بعض المتأخرين «2»؟

أو الأذان خاصّة كما عزي إلى الشرائع و التحرير «3»، لاختصاص الصحيحة به، و عدم دليل تامّ غيرها على حكم العود يشمل البيوت أيضا إلّا ما قيل من

عمومات الإتمام في الوطن «4» المعارض لما دلّ على وجوب القصر حتى يدخل البيت، أو عدم القول بالفرق الممنوع جدّا؟

نعم يسهل الأمر على ما ذكرنا من تلازم الأمرين غالبا، لإرادة خفاء الهيئة و الكلام، و هما متقاربان.

فرع: هل يعتبر ذلك في بلد يراد فيه إقامة عشرة أيّام قبل الوصول إليه، أم لا؟

______________________________

(1) الفقيه 1: 288- 1310، التهذيب 3: 213- 520، الاستبصار 1: 231- 821، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.

(2) الرياض 1: 255.

(3) الشرائع 1: 134، التحرير 1: 56.

(4) الرياض 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 303

الظاهر الثاني، لاستصحاب وجوب التقصير، و إطلاق كثير من الأخبار بلا معارض في المقام. و كون بلد الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام ممنوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 304

الفصل الثاني في بيان سائر أحكام صلاة القصر
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجب القصر بحذف أخيرتي الرباعية
اشاره

عزيمة لا رخصة، بالضرورة من مذهب الإماميّة، و عليه أكثر العامة «1»، و النصوص به من طرقهم مستفيضة «2».

فلا يجوز التمام إلّا في أحد المواطن الأربعة: مكة و المدينة و جامع الكوفة و حائر الحسين عليه السلام، فيجوز فيها الأمران، بلا خلاف إلّا من شاذّ يأتي، بل بالإجماع كما عن غير واحد من الأصحاب «3»، و جعله بعضهم من منفردات الإماميّة «4».

لظاهر الإجماع، و الأمر بالإتمام في المستفيضة و بالقصر في الأخرى.

فمن الأوّل: رواية إبراهيم بن شيبة الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين «5»، و عثمان بن عيسى الآمرة بإتمام الصلاة فيهما و لو صلاة واحدة «6».

______________________________

(1) انظر بداية المجتهد 1: 166، و احكام القرآن للجصاص 2: 253، و بدائع الصنائع 1: 91.

(2) صحيح مسلم 1 478 ب صلاة المسافر، صحيح البخاري 2: 53 ب التقصير.

(3) السرائر 1: 346، الوسائل 8: 534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ذيل الحديث 34.

(4) روض الجنان: 397.

(5) الكافي 4: 524 الحج ب 59 ح 1، التهذيب 5: 425- 1476، الاستبصار 2: 330- 1172، الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 18.

(6) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 2، التهذيب 5: 425- 1477، الاستبصار 2: 330- 1173، الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 305

و صحيحة البجلي «1» و رواية عمر بن رياح «2» الآمرتان بالإتمام في مكة و مدينة، و صرّح في أولاهما بقوله: «و لو صلاة واحدة» و في الثانية: «أمرّ على المدينة».

و صحيحة مسمع الآمرة بالإتمام في مكة يوم تدخله «3».

و رواية أبي شبل الآمرة بإتمام الصلاة في قبر الحسين عليه السلام و

نسبة التقصير فيه إلى الضعفة «4».

و رواية القندي الآمرة بالإتمام في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين عليه السلام «5».

و رواية قائد الحنّاط المرويّة في كامل الزيارة لابن قولويه الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين و لو مررت مارّا «6».

و رواية سماعة بن مهران المرويّة في البحار عن كتاب عبد اللّه بن يحيى الكاهلي الآمرة بالإتمام في الحرمين مكة و المدينة «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 426- 1481، الاستبصار 1: 331- 1177، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5.

(2) التهذيب 5: 426- 1479، الاستبصار 2: 330- 1175 الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر 25 ح 8.

(3) التهذيب 5: 426- 1480، الاستبصار 2: 331- 1176، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 7.

(4) الكافي 4: 587 الزيارات ب 23 ح 6، التهذيب 5: 431- 1496، الاستبصار 2:

335- 1193، الوسائل 8: 527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 12.

(5) التهذيب 5: 431- 1499، الاستبصار 2: 335- 1192، الوسائل 8: 527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13.

(6) كامل الزيارات: 250- 9، الوسائل 8: 532 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 31.

(7) كتاب عبد اللّه بن يحيى الكاهلي (الأصول الستة عشر): 115. البحار 86: 65- 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 306

و روايات حذيفة «1» و أبي بصير «2» و عبد الحميد «3» المجوّزة لإتمام الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول و مسجد الكوفة و حرم الحسين عليه السلام.

و رواية ابن أبي البلاد المجوّزة له في المسجد الحرام و مسجد الرسول و عند قبر الحسين عليه السلام «4»- و إنّما لم نجعلها آمرة لاشتمالها على الجملة الخبرية.

و صحيحتا ابن عمّار «5» و مسمع

«6» المصرّحتان بأنّ من المذخور الإتمام في الحرمين.

و صحيحة حمّاد المصرّحة بأنّ من مخزون علم اللّه الإتمام في حرم اللّه و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين عليهم السلام «7».

و مرسلة الفقيه المصرّحة بأنّ من الأمر المذخور الإتمام بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر «8».

و من الثاني: صحيحة ابن بزيع الآمرة بالتقصير في مكة و المدينة ما لم يعزم

______________________________

(1) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 3، التهذيب 5: 431- 1498، الاستبصار 2:

335- 1195، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 23.

(2) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 2، التهذيب 5: 432- 1500، الاستبصار 2:

335- 1196، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 25.

(3) الكافي 4: 587 الزيارات ب 23 ح 5، التهذيب 5: 431- 1497، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 14.

(4) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 4، كامل الزيارات: 249- 2، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 22.

(5) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 5، التهذيب 5: 429- 1490، الاستبصار 2: 334- 1187، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 20.

(6) التهذيب 5: 426- 1478، الاستبصار 2: 330- 1174، الوسائل 8: 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.

(7) التهذيب 5: 430- 1494، الاستبصار 2: 334- 1191، الوسائل 8: 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.

(8) الفقيه 1: 283- 1284، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 307

على مقام عشرة «1».

و صحيحة ابن وهب المروية في العلل المشتملة على أنّ مكة و

المدينة كسائر البلدان، و المتضمنة لأنّ الأمر بالإتمام في المدينة بعد خمسة أيّام لأنّ أصحابكم كانوا [يقدمون] و يخرجون من المسجد عند الصلاة «2».

و صحيحة ابن عمّار الآمرة بالتقصير في مكّة ما دام محرما «3».

و صحيحة أبي ولّاد الحنّاط: إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟

فقال: «إن كنت [حين] دخلت المدينة صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتّى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيّتك المقام و لم تصلّ صلاة فريضة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشرا فقصّر ما بينك و بين شهر فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» «4».

و رواية عليّ بن حديد الناطقة بأنّه لا يكون الإتمام في الحرمين إلّا أن تجمع على إقامة عشرة «5».

و صحيحة ابن وهب المتضمّنة بعد السؤال عن التقصير عن الحرمين لقوله:

«لا تتمّ حتّى تجمع على مقام عشرة أيّام» و لأنّ الأمر بالتمام كان لأجل أنّ

______________________________

(1) الفقيه 1: 283- 1285، التهذيب 5: 426- 1482، الاستبصار 2: 331- 1178، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.

(2) علل الشرائع: 454- 10، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 27، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: يصلون و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(3) التهذيب 5: 474- 1668، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 3.

(4) التهذيب 3: 221- 553، الاستبصار 1: 238- 851، الوسائل 8: 508 أبواب صلاة المسافر

ب 18 ح 1. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(5) التهذيب 5: 426- 1483، الاستبصار 2: 331- 1179 الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 308

الأصحاب كانوا يصلّون و يخرجون و يراهم الناس كذلك «1».

و رواية الحضيني المتضمّنة بعد الاستيمار في الإتمام و التقصير لقوله: «إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام و أتمّ الصلاة» «2».

وجه الاستدلال: أنّه تعارض الفريقان من الأخبار، فيجب الجمع بينهما بالحمل على التخيير إمّا لأنّه المرجع عند التعارض و عدم الترجيح، أو لشهادة الأخبار بذلك كرواية عليّ بن يقطين: عن التقصير بمكة فقال: «أتمّ، و ليس بواجب، إلّا أنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي» «3».

و ابن المختار: إنّا إذا دخلنا مكة و المدينة نتم أو نقصر؟ قال: «إن قصرت فذاك، و إن أتممت فهو خير تزداد» «4».

و رواية عمران: أقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال: «إن قصرت فلك، و إن أتممت فهو خير و زيادة الخير خير» «5».

و صحيحة ابن يقطين في الصلاة بمكة: «من شاء أتمّ و من شاء قصّر» «6».

مضافا إلى أنّ روايتي أبي بصير و عبد الحميد و ما تعقّبهما من روايات الصنف الأوّل غير دالّة على وجوب الإتمام، كما أنّ رواية عليّ بن حديد و ما تعقّبها من

______________________________

(1) التهذيب 5: 428- 1485، الاستبصار 2: 332- 1181، الوسائل 8: 534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34.

(2) التهذيب 5: 427- 1484، الاستبصار 2: 332- 1180، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.

(3) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 3، التهذيب 5: 429- 1488، الاستبصار 2: 333- 1184.

الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب

25 ح 19.

(4) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 6، التهذيب 5: 430- 491، الاستبصار 2: 334- 1188، الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 16.

(5) التهذيب 5: 430- 1493، 5: 474- 1669، الاستبصار 2: 334- 1190، الوسائل 8:

526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 11.

(6) التهذيب 5: 430- 1492، الاستبصار 2: 334- 1189، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 309

الصنف الثاني لا تدلان على وجوب التقصير بل غايتهما الجواز الغير المنافي للتخيير.

خلافا للصدوق في الفقيه و الخصال «1»، فقال بمساواة هذه المواضع لغيرها في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع، و تبعه القاضي على ما حكي عنه «2»، بل الاستبصار و التهذيب على احتمال «3».

للصنف الثاني من الأخبار بترجيحه على الصنف الأوّل باعتبار كونه أخصّ مطلقا منه، لعموم الأوّل بالنسبة إلى قصد العشرة و عدمه و اختصاص الثاني بقصدها، و باعتبار كون الأوّل صادرا للتقية كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب، و باعتبار موافقة الثاني لعمومات القصر، فبعد تعارضهما و عدم الترجيح- لو فرض- يرجع إليها، و لعلّه يحمل الصنف الثالث على التخيير بين الإتمام و القصر باعتبار التخيير بين قصد الإقامة و عدمه.

و يردّ الاعتبار الأوّل- مضافا إلى بعد ذلك التخصيص في تلك الأخبار- بأنّه غير جار فيما أمر بالتمام بمجرّد المرور كما في روايتي قائد و ابن رياح، أو يوم الدخول كما في صحيحة مسمع، أو و لو صلاة واحدة كما في صحيحة البجلي و رواية عثمان.

و الثاني: بأنّه إن أراد أنّ الصنف الأوّل موافق للعامة و يصير لأجله مرجوحا ففيه: أنّه ليس كذلك، لأنّ إيجاب التمام

على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا لأحد من العامة لأنّهم ما بين موجب للقصر مطلقا و هم أكثرهم و منهم أبو حنيفة «4»، و مخيّر بينه و بين الإتمام كذلك و هو الشافعي و غيره «5».

و إن أريد أنّ الأمر بالتمام كان لاتّقاء الأصحاب عن إتمام الصلاة قبل

______________________________

(1) الفقيه 1: 283، الخصال: 252.

(2) المهذب 1: 109.

(3) الاستبصار 2: 332، التهذيب 5: 427 و 428.

(4) حكاه عن أبي حنيفة في بداية المجتهد 1: 166، و أحكام القرآن للجصاص 2: 252.

(5) الام 1: 179، و انظر المغني و الشرح الكبير 2: 108، و بداية المجتهد 1: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 310

الناس كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب المتقدّمتان ففيه- مضافا إلى أنّ المذكور في إحداهما أنّ الأمر بالتمام بعد خمسة أيّام لذلك، حيث إنّ الإتمام بعدها مذهب الشافعي «1»، و منه يظهر تقييد الأخرى بذلك أيضا فلا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام مع المرور و يوم الورود و صلاة واحدة-: أنّ غاية ما تدلّان عليه أنّ الأمر بالتمام و إلزامه إنّما هو للتقيّة عن تخلّفهم عن الناس في الصلاة لا عن مخالفتهم في القصر و الإتمام و لا في تجويز الإتمام دون تجويزه.

مع أنّهما معارضتان مع ما يدلّ على أنّ الأمر بالتمام ليس للتقية بل هو مخالف للعامة، كما في صحيحة البجلي: إنّ هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين و ذلك من أجل الناس، قال: «لا، كنت أنا و من مضى من آبائي إذا وردنا مكّة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس» «2».

و نحو ما يدلّ على أنّ الإتمام من الأمور المخزونة أو المذخورة كما في المستفيضة من الأخبار المتقدّمة، فإنّ

المخزون إنّما يكون فيما يخالف العامة.

و مع ذلك يدلّ أكثر تلك الأخبار على أنّ التمام أمر مخصوص بتلك الأماكن و لا وجه لتخصيص التقية بها، لأنّ العامة إنّما يخيّرون بين القصر و الإتمام أو يوجبون القصر و هو مذهب أبي حنيفة.

و منه يظهر أنّ حمل أوامر التقصير على التقية أولى- كما صرّح به جماعة من أصحابنا «3»- لاتّفاقهم على جواز القصر مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما و حديثا.

و على هذا يكون الترجيح من هذه الجهة لأخبار التمام و التخيير، مضافا إلى الترجيح باعتبار الأشهرية رواية و فتوى.

______________________________

(1) الام 1: 186، و حكاه عنه في بداية المجتهد 1: 169.

(2) التهذيب 5: 428- 1486، الاستبصار 2: 332- 1182، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 6.

(3) كصاحبي الحدائق 11: 452، و الرياض 1: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 311

فإن قيل: يستفاد من الأخبار اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب و هو أولى بالترجيح، ففي صحيحة ابن مهزيار: إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير في الحرمين، فمنها أن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيّام فصرت إلى التقصير، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك. فكتب إليّ بخطّه: «قد علمت- يرحمك اللّه- فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما بالصلاة» إلى أن قال: فقلت:

أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و

المدينة» «1».

و في المروي في كامل الزيارة لابن قولويه، عن سعد بن عبد اللّه قال: سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين عليه السلام و الّذي روي فيها، فقال: أنا أقصّر و كان صفوان يقصّر و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصرون «2».

قلنا: لا تدلّ هذه الأخبار على اشتهار وجوب التقصير- و هو المضعف لأخبار التمام و المعارض لاشتهار جوازه- بل غاية ما تدلّ عليه اشتهار فعله، فلعلّه كان مع تجويز التمام أيضا، و إنّما اختاروا ذلك الفرد لمصلحة من تقيّة و نحوها، حيث إنّ الفرق بين الأماكن من مذهب الشيعة أغرب من حتم التقصير، فهذه أيضا مخالفة جديدة للناس و القصر كان معروفا من مذهبهم.

مضافا إلى أنّ خبر كامل الزيارة ضعيف لا يصلح لإثبات شي ء، بل الصحيحة أيضا و إن كانت حجّة إلّا أنّ ثبوت حجّيتها إنّما هو في إثبات الأحكام الشرعية دون غيرها. مع أنّها و إن تضمّنت شهرة التقصير إلّا أنّها تتضمّن حبّ

______________________________

(1) الكافي 4: 525 الحج ب 95 ح 8، التهذيب 5: 428- 1487، الاستبصار 2: 333- 1183 الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.

(2) كامل الزيارات: 248- 7، المستدرك 6: 545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 312

الإمام للتمام، و العبرة به لا بغيره. هذا مع أنّ صدرها ظاهر في رجحان التمام عند راويه كما أنّ في رواية عليّ بن حديد: أنه كان ممّن يتم و أنّ ابن جندب كان يتمّ و أنّه كان محبّتي أن يأمرني بالإتمام «1».

هذا مع أنّه لو سلّم ثبوت اشتهار القصر عندهم فلا

شك أنّه لا يبلغ حدّ الإجماع، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا في زماننا و ما تقدّم عليه إلى قرب زمان الإمام بحيث كاد أن يكون إجماعا، بل هو إجماع صريحا كما في عبارة جماعة من أصحابنا.

و الاعتبار الثالث «2» بأنّ الرجوع بعد التعارض إلى العمومات إنّما هو إذا لم يكن مرجع آخر، و هو هنا موجود، و هو الصنف الثالث من الأخبار المصرّحة بالتخيير.

و حمله على ما مرّ خلاف الظاهر جدّا بل خلاف مقتضى الأصل و حقيقة اللفظ كما لا يخفى.

مع أنّ المرجع الثابت شرعا عند التعارض أيضا هو التخيير فلا وجه لرفع اليد عنه.

هذا كلّه مع أنّ الرجوع إلى وجوه الترجيح إنّما هو إذا لم يكن في المورد ترجيح خاصّ من الإمام، و هو في المسألة موجود و هو ما ورد في صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة بعد السؤال عن الاختلاف في المسألة من الجواب بأفضلية الإتمام.

فإن قلت: قد ورد هذا السؤال في رواية عليّ بن حديد أيضا و أجاب بأنّه لا يكون الإتمام ما لم يجمع العشرة.

قلت: مع أنّ الصحيحة أقوى من الرواية سندا و اعتضادا بالعمل، مرويّة عن أبي جعفر الثاني و الرواية عن الرضا عليه السلام، و الترجيح للأخير الأحدث.

______________________________

(1) تقدمت في ص 307.

(2) أي: و يردّ الاعتبار الثالث ..، راجع ص 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 313

ثمَّ إنّ هاهنا خلافا آخر محكيّا عن السيّد و الإسكافي «1»، و هو لزوم التمام في المواطن المذكورة، للصنف الأوّل من الأخبار المتقدّمة، و لقوله سبحانه في المسجد الحرام سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ «2».

و الجواب عن الآية بعدم الدلالة، و عن الأخبار بأنّه كان صحيحا لو لا معارضة الصنفين الآخرين و تصريح

بعضها بعدم وجوب الإتمام، مع أنّه قول شاذ نادر، بل كونه مذهبا لمن حكي عنه غير ظاهر، لاحتمال إرادته الاستحباب كما عن السرائر «3».

فروع:
أ: بعض هذه الأخبار و إن اختص بالحرمين إلّا أنّ كثيرا منها كما عرفت يتضمّن الإحرام الأربعة

، و بذلك صرّح في الرضوي أيضا قال: «في أربعة مواضع لا يجب أن تقصر: إذا قصدت مكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحيرة «4»» «5».

و مع ذلك انعقدت الشهرة على الأربعة فلا مناص عن الحكم في الجميع.

ب: قد وقع الخلاف في تحديد محلّ التخيير من المواطن الأربعة إلى أقوال:

الأوّل: ما حكي عن المبسوط و النهاية «6» على وجه، و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و المحقّق في كتاب له في السفر «7»، و هو محتمل السيّد و الإسكافي «8» حيث عبّرا بالمشاهد، و هو: أنّه البلدان الأربعة.

______________________________

(1) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، عن الإسكافي في المختلف: 168.

(2) الحج: 25.

(3) السرائر 1: 343.

(4) كذا في النسخ و المصدر، و لعلّه مصحّف الحير أو الحائر.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 544 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.

(6) المبسوط 1: 141، النهاية: 124.

(7) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 93، و حكى الشهيد عن المحقق في الذكرى: 256.

(8) حكاه عنهما في المختلف: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 314

و الثاني: ما نسب إلى الأوّلين على وجه آخر، و الخلاف و المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و التحرير و ظاهر الإرشاد و التبصرة و النفلية «1»، و هو: أنّه البلدان مكة و المدينة، مع جامع الكوفة و الحائر.

و الثالث: ما عزي إلى التهذيب و الاستبصار «2»، و هو: أنّه البلاد الثلاثة:

مكّة و المدينة و الكوفة، مع الحائر، و اختاره في الذكرى «3».

و الرابع: ما قاله السيّد في الجمل و الإسكافي «4»، و هو: أنّه بلد مكّة و مسجد الرسول و مسجد الكوفة و المشاهد.

و الخامس: ما اختاره

في السرائر و المختلف و اللمعة و الدروس و البيان «5»، و الشهيد الثاني في كتبه «6»، و هو: أنّه المساجد الثلاثة و الحائر.

دليل الأوّلين: أمّا على تحديد الأوّلين بالبلدين فللتصريح بهما في كثير من الأخبار المتقدّمة، و بالحرمين المفسّرين في صحيحة ابن مهزيار بالبلدين «7»، و في صحيحة ابن عمّار: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ مكّة حرم اللّه، و إنّ المدينة حرمي، و إنّ ما بين لابتيها حرم» «8».

و أمّا على تحديد الثالث بالبلد فللتصريح به في رواية القندي السابقة «9»،

______________________________

(1) المبسوط 1: 141، النهاية: 124، الخلاف 1: 576، المعتبر 2: 476، الشرائع 1: 135، النافع: 51، المنتهى 1: 294، التحرير 1: 55، الإرشاد 1: 276، التبصرة: 41، النفلية: 38.

(2) التهذيب 5: 432، الاستبصار 2: 336.

(3) الذكرى: 256.

(4) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، عن الإسكافي في المختلف: 168.

(5) السرائر 1: 342، المختلف: 167، اللمعة (الروضة البهية 1): 375، الدروس 1: 209، البيان: 159.

(6) الروضة 1: 375، المسالك 1: 49، روض الجنان: 397.

(7) راجع ص 311.

(8) الكافي 4: 564 الزيارات ب 11 ح 5، التهذيب 6: 12- 23، الوسائل 14: 362 أبواب المزار ب 17 ح 1.

(9) في ص 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 315

و في صحيحة حمّاد السابقة المصرّحة بالإتمام في الإحرام الأربعة: حرم اللّه، و حرم رسوله، و حرم أمير المؤمنين، و حرم الحسين «1».

و نطقت الروايات بأنّ الكوفة حرم أمير المؤمنين، ففي رواية حسّان بن مهران عن أمير المؤمنين عليه السلام: «مكة حرم اللّه، و المدينة حرم رسول اللّه، و الكوفة حرمي» «2».

و في رواية خالد القلانسي: «الكوفة حرم اللّه و

حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين» «3».

و في الموثّق المروي في الأمالي: «مكة حرم اللّه، و المدينة حرم محمّد رسول اللّه، و الكوفة حرم علي بن أبي طالب» «4».

و أمّا على التحديد الرابع بالبلد فلصحيحة حمّاد المصرّحة بالإتمام في حرم الحسين عليه السلام، و البلد حرمه قطعا إذ ورد في بعض الروايات: «إنّ حريم الحسين خمسة فراسخ» «5».

و في مرسلة محمّد بن إسماعيل البصري: «فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر» «6».

و نحوه المروي في كامل الزيارة «7»، و صحيفة الرضا عليه السلام.

و لذا وقع الخلاف في أنّ حرم الحسين خمسة فراسخ أو أربعة أو فرسخ، و قال

______________________________

(1) راجع ص 306.

(2) الكافي 4: 563 الزيارات ب 11 ح 1، التهذيب 6: 12- 21، الوسائل 14: 360 أبواب المزار ب 16 ح 1.

(3) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 1، التهذيب 6: 31- 58، الوسائل 5: 256 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 12، و 13.

(4) أمالي الطوسي: 682 و فيه: مكة حرام إبراهيم، البحار 97: 399- 43.

(5) التهذيب 6: 71- 132، كامل الزيارات: 272- 3، الوسائل 14: 510 أبواب المزار ب 67 ح 1.

(6) التهذيب 6: 71- 133، الوسائل 14: 510 أبواب المزار ب 67 ح 2.

(7) كامل الزيارات: 271- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 316

الشيخ نجيب الدين «1»: و الكلّ حرم و إن تفاوتت في الفضيلة.

و لا يعارض ما ذكرنا الأخبار المتضمّنة لذكر المساجد و الحائر بخصوصها، إذ استحباب الإتمام أو التخيير فيها لا يمنع منه في غيرها و لا دلالة فيها على النفي في غيرها، غاية الأمر أن ينزّل الاختلاف على التفاوت في الفضل بحسب التفاوت في الشرف، بل مقتضى

ما ذكر استحباب الإتمام في الإحرام الأربعة كما نصّ عليه ابن حمزة و ابن سعيد «2».

و دليل الثاني: أمّا في تحديد الأوّلين بالبلدين فما مرّ من التفسير في الأخبار الصحيحة.

و أمّا في تحديد الثانيين بالمسجد و الحائر فللاقتصار فيهما على القدر المتيقّن، حيث إنّ الروايات المفسّرة للحرمين بما مرّ ضعيفة سندا.

و دليل الثالث على تحديد الأوّلين: ما مرّ. و على الثالث بالبلد فلرواية القندي «3»، و عدم الفصل بين حرم الرسول و حرم أمير المؤمنين، قال في التهذيب:

لم يفرّق أحد بين الحرمين «4»، و على الرابع بالحائر الاقتصار على المتيقّن.

و دليل الرابع: التصريح في الأخبار بخصوص مكة، و الاقتصار في البواقي على المتيقّن.

و دليل الخامس: الاقتصار في الجميع على المتيقّن، و جعل التعبير في بعض الأخبار بالمساجد و الحائر قرينة على إرادتها من الحرم.

أقول: بعد ما عرفت من عدم التعارض بين ما ذكر المساجد و الحائر بخصوصها و بين ما ذكر البلد أو الحرم يعرف ضعف الاستدلال على التخصيص بهذه الأخبار، و كذا يظهر ضعف التمسّك بالاقتصار على المتيقّن بحصول التيقّن

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 256.

(2) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 93.

(3) المتقدمة في ص 305.

(4) التهذيب 5: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 317

بالأخبار المذكورة. و ضعف سند بعضها بعد وروده في الكتب الأربعة و غيرها من الكتب المعتبرة غير ضائر.

فأقوى الأقوال هو الأوّل، بل لو لا الشهرة العظيمة لقلنا بالتخيير في مجموع الإحرام الأربعة كما قاله ابنا حمزة و سعيد.

و منه يظهر جواز الإتمام في تمام بلدة كربلاء و المدينة و مكة الموجودة اليوم، لكونها جزءا من الحرم، أمّا مكة فظاهر، و أمّا المدينة

فلما صرّح بأنّ ما بين لابتيها حرم الرسول، و أمّا كربلاء فلما عرفت من أنّ حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ، فلا حاجة إلى بيان تحديد البلاد الثلاثة في زمان الأئمة عليهم السلام.

نعم، لمّا لم يرد تحديد في الكوفة فيقتصر فيها على ما تيقّن دخوله في البلد في زمان عمارته، و كذلك المساجد و الحائر على القول بالاختصاص، و قد وردت في بيان التغيير في المساجد و عدمها أخبار لا يهمّنا ذكرها. و منهم من تعدّى في الكوفة إلى الغري و النجف أيضا «1». و لا دليل تامّا عليه.

ج: مقتضى الأصول و الأصول المخالفة لها بإثبات التمام في المواطن الأربعة اختصاصه بالصلاة

و عدم التعدية إلى الصوم كما عليه الأصحاب، بل هو إجماع ظاهرا كما قيل «2».

و تشعر به أيضا رواية عثمان بن عيسى حيث سئل فيها عن إتمام الصلاة و الصيام، فأجاب عن الصلاة خاصة على ما في أكثر النسخ من تأنيث الضمير «3».

بل تدلّ عليه صحيحة البزنطي: عن الصيام بمكة و المدينة و نحن [في] سفر، فقال: «فريضة؟» فقلت: لا و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال:

«تقول: اليوم و غدا؟» قلت: نعم، فقال: «لا تصم» «4».

______________________________

(1) كما يظهر من المبسوط 1: 141.

(2) الرياض 1: 256.

(3) راجع ص 304.

(4) التهذيب 4: 235- 690، الاستبصار 2: 102- 332، الوسائل 10: 202 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 318

فإنّ المنع عن التطوع يستلزمه في غيره بطريق أولى.

و أمّا ما في بعض الروايات من قوله: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» «1» فيمكن أن يكون المراد به الحتم على القصر إمّا لأنّه الغالب- كما قيل «2»- أو لاحتمال الجملة الخبرية له.

د: لا يلحق غير المواطن الأربعة بها،

للأصل.

خلافا للسيّد و الإسكافي فطرّدا حكمها في جميع المشاهد الشريفة «3»، لشرف المكان، و التعليل المستفاد من قوله: «قد علمت يرحمك اللّه ..» في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة «4».

و يردّ الأوّل: بمنع كونه علّة تامة.

و الثاني: بأنّه يحتمل أن تكون العلّة فضل الصلاة على مطلق غيرهما كما هو المصرّح به فيها دون مطلق فضل الصلاة، أو فضلها على بعض ما هو غيرهما و لم يعلم ذلك في سائر المشاهد.

و قد يتوهّم دلالة الرضوي عليه حيث قال: «إذا بلغت موضع قصدك من الحج و الزيارة و المشاهد و غير ذلك مما قد

بيّنته لك فقد سقط عنك السفر و وجب عليك الإتمام».

و هو غلط، لأنّ صدره هذا: «و السفر الّذي يجب فيه التقصير في الصوم و الصلاة هو سفر في الطاعة، مثل الحج و الغزو و الزيارة و قصد الصديق و الأخ و حضور المشاهد و قصد أخيك لقضاء حقه و الخروج إلى ضيعتك أو مال تخاف تلفه أو متجر لا بدّ منه، فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير، و إن

______________________________

(1) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(2) البحار 86: 91.

(3) راجع ص 314، الرقم (4).

(4) في ص 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 319

كان غير هذه الوجوه وجب عليك الإتمام، و إذا بلغت» «1» إلى آخر ما مرّ.

فقوله: «و غير ذلك ممّا قد بيّنته» إشارة إلى جميع الأسفار المذكورة، و ظاهر أنه لم يرد الإتمام فيها فالمراد [من] «2»: «إذا بلغت موضع قصدك» أنّه إذا انتهى سفرك و دخلت موضع قصدك الإقامة فيه.

ه: صرّح جماعة بأنّه لا يعتبر في الصلاة في تلك المواطن التعرض لنية القصر أو الإتمام «3».

فإن أرادوا أنّه لا يتعيّن عليه أحدهما بنيته، فلو نوى الإتمام جاز له الرجوع إلى القصر ما لم يتجاوز المحلّ و لا يتعيّن عليه المضي على الإتمام، و كذا لو نوى القصر جاز له العدول إلى التمام ما لم يسلّم على الركعتين، فهو صحيح.

و كذا إن أرادوا أنّه لو لم يلتفت أوّلا إلى أحدهما و نوى الصلاة ثمَّ عيّن أحدهما في النية قبل إتمام الصلاة، أو لم يعيّن أحدهما أيضا بل أتمّ أو قصّر مستصحبا لنية الصلاة، لتعيّن الفعل بما يفعله من القصر أو الإتمام.

و إن أرادوا الإطلاق حتّى أن يصحّ لو دخل بنية الإتمام ثمَّ سلّم على الركعتين

ساهيا أو بنيّة القصر ثمَّ صلّى الركعتين الأخيرتين ساهيا، فالحكم بالصحة مشكل، و إن أمكن القول بها حينئذ أيضا للأصل، إلّا أن يستشكل بعدم قصد التقرب في الركعتين الأخيرتين حينئذ إن نوى أوّلا القصر، و الأحوط عدم الاجتزاء بما فعل حينئذ.

و قد يقال باعتبار النية لتغاير الماهيتين.

و فيه: عدم استلزام التغاير مطلقا لوجوب التعيين في النية سيّما مع حصول التعيين بما يلحقه من الأجزاء.

و: قد صرّح جماعة من المتأخّرين منهم الشهيد في الذكرى و الأردبيلي

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 160، مستدرك الوسائل 6: 531 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 2.

(2) أضفناه لاستقامة المعنى.

(3) انظر المعتبر 2: 150، و المدارك 4: 470، و البحار 86: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 320

و السبزواري و المجلسي و الكاشاني و غيرهم «1» بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن سواء اختار القصر أو الإتمام.

و هو كذلك، للتحريض و الترغيب على كثرة الصلاة فيها، و لما في بعض الأخبار المتقدّمة أنّ الزيادة في الصلاة خير و زيادة الخير خير «2»، و في بعض آخر:

صلّ النافلة ما شئت «3».

و يدلّ عليه أيضا ما في بعض الروايات من أنّه لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة «4».

و يدل عليه أيضا ما روي في كامل الزيارة: عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه السلام و مشاهد النبي و الحرمين تطوّعا و نحن نقصّر، قال: «نعم، ما قدرت عليه» «5».

و فيه أيضا: عن التطوع عند قبر الحسين و بمكة و المدينة و أنا مقصّر، قال:

«تطوّع عنده و أنت مقصّر بما شئت» «6».

و لا تعارض شيئا منها أخبار سقوط النوافل في السفر «7»، لاحتمال اختصاصها بما إذا تعيّن القصر و تحتّم فإنّها مصرّحة بأنه لا نافلة مع الركعتين.

ز: لو فاتت صلاة في هذه المواضع فالظاهر بقاء التخيير في قضائها

و إن لم

______________________________

(1) الشهيد في الذكرى: 26، و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 427، و السبزواري في الذخيرة: 413، و المجلسي في البحار 86: 91، و الكاشاني في المفاتيح 1: 34، و انظر الحدائق 11: 469.

(2) راجع ص 308.

(3) التهذيب 5: 426- 1483، الاستبصار 2: 331- 1179، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

(4) الفقيه 1: 285- 1293، التهذيب 2: 16-

44، الاستبصار 1: 221- 780، الوسائل 4:

82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 4.

(5) كامل الزيارات: 246- 1، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 1.

(6) كامل الزيارات: 247- 2، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 2.

(7) الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 321

يقض فيها، لعموم قوله: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» «1». و لأصالة عدم التعيين.

و لا يتخير في هذه الأماكن في قضاء ما فاتته في غيرها، لما مرّ، و لاختصاص التخيير بحكم التبادر بالصلوات الأدائية.

ح: الأفضل في المواطن الأربعة الإتمام،

كما يستفاد من الأخبار المذكورة تصريحا و تلويحا.

المسألة الثانية: لو أتمّ من يجب عليه التقصير عالما بوجوب التقصير عامدا في الإتمام تجب عليه الإعادة
اشاره

مطلقا سواء كان في الوقت أو خارجه. و الظاهر أنّه متّفق عليه بين الأصحاب، و نقل في التذكرة اتّفاقهم عليه أيضا «2».

و يدلّ عليه عدم صدق الامتثال، و صحيحة زرارة و محمّد: رجل صلّى في السفر أربعا، أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعا أعاد، و إن لم يكن قرئت [عليه] و لم يعلمها فلا إعادة عليه» «3».

و صحيحة الحلبي: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر، فقال:

«أعد» «4».

و ظهورها في النسيان لكون الحلبي أجلّ شأنا من أن يفعل ذلك عمدا غير ضائر، إذ وجوب الإعادة مع النسيان يستلزمها مع العمد بالطريق الأولى.

و مفهوم صحيحة ليث المرادي: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر، فإن صامه بجهالة لم يقضه» «5».

و في المروي في الخصال: «و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته لأنّه قد زاد

______________________________

(1) عوالي اللئالي 2: 54- 143، و ج 3: 107- 150.

(2) التذكرة 1: 193.

(3) التهذيب 3: 226- 571، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(4) التهذيب 2: 14- 33، الوسائل 8: 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.

(5) الكافي 4: 128 الصيام ب 50 ح 3، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 322

في فرض اللّه عزّ و جلّ» «1».

و الرضوي «و إن كنت صلّيت في السفر صلاة تامّة فذكرتها و أنت في وقتها فعليك الإعادة، و إن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي ء عليك، و إن أتممتها بجهالة فليس

عليك فيما مضى شي ء و لا إعادة عليك إلّا أن تكون قد سمعت الحديث» «2».

و ضعفه غير ضائر، لانجباره بالشهرة العظيمة.

و إن لم يكن عامدا فإمّا يكون جاهلا أو ناسيا، فهاهنا مقامان.

المقام الأوّل: أن يكون جاهلا.

فالحقّ المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الإعادة مطلقا لا في الوقت و لا في خارجه، بل عليه الإجماع عن ظاهر جملة من عبارات الأصحاب «3»، لصحيحتي زرارة و محمّد و ليث المتقدّمة.

خلافا للعماني «4» فيعيد مطلقا، للأصول، و إطلاق صحيحة الحلبي و رواية الخصال المتقدّمتين.

و يجاب عن الجميع بأعمّيته ممّا مرّ مطلقا فيجب تخصيصه به، مضافا إلى ظهور صحيحة الحلبي في الناسي.

و للمحكي عن الإسكافي و الحلبي «5» فيعيد في الوقت خاصة، لإطلاق صحيحة العيص: عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة، فقال: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا» «6».

______________________________

(1) الخصال: 604، الوسائل 8: 508 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 8.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 539 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.

(3) حكاه في الرياض 1: 257.

(4) حكاه عنه في المختلف: 164.

(5) عن الإسكافي في المختلف: 164، الحلبي في الكافي في الفقه: 116.

(6) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 6، التهذيب 3: 169، 372، 3: 225- 569، الاستبصار 1: 241- 860، الوسائل 8: 505 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 323

و يجاب عنه: بأنّها و إن كانت أعمّ من وجه من صحيحة زرارة و محمّد باعتبار اختصاص الاولى بالإعادة في الوقت و اختصاص الثانية بالجاهل، إلّا أنّها أعمّ مطلقا من الرضوي المنجبر الناصّ بعدم الإعادة في الوقت باعتبار التفصيل

القاطع للشركة فيجب تخصيصها به.

بل نقول: إنّه يجمع بين الصحيحتين أيضا بتخصيص الاولى بالناسي بشهادة الرضوي.

هذا إذا حملنا الإعادة على اللغوية، و لو حملناها على مصطلح الأصوليين لكانت أعم مطلقا من صحيحة زرارة و محمّد أيضا و يجب تخصيصها بها.

هذا مضافا إلى ندرة هذا القول و شذوذه الموجب لخروج ما يدلّ عليه من الحجيّة.

فرعان:
أ: هل الحكم يختص بالجاهل بوجوب التقصير عن أصله، أو يتعدّى إلى الجاهل ببعض أحكام السفر

ككثير السفر المنقطع كثرة سفره بالإقامة أو العاصي بسفره الراجع عن العصيان في الأثناء و نحوهما؟

الظاهر: الأوّل وفاقا لأكثر من صرّح بالمسألة، للأصل، و اختصاص الصحيحة به، بل دلالة عموم قوله: «إن كان قرئت عليه ..» على الإعادة في غير الجاهل بالأصل.

و بذلك يخصّ عموم الجهالة لو قلنا به في صحيحة ليث و الرضوي، مع أنّ الرضوي ضعيف غير مجبور في المورد.

فتوقّف الفاضل في النهاية لا وجه له «1»، و كذا ما نقله في الحدائق «2» عن بعض مشايخه المحقّقين في شرحه على المفاتيح من معذورية الجاهل في جميع ما يتعلّق بالقصر و الإتمام، لعدم الدليل.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 2: 184.

(2) الحدائق 11: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 324

و الاشتراك في العلّة و هو الجهل يضعّف بعدم معلومية كونه فقط علّة، و لذا لا يعذرونه في غير المورد.

ب: لو صلّى من فرضه التمام قصرا جهلا أعاد وجوبا وقتا و خارجا

، لعدم صدق الامتثال.

و نسب في الحدائق «1» إلى بعض مشايخه القول بالصحة و بالمعذورية هنا مطلقا أيضا، لصحيحة منصور: «إذا أتيت بلدة و أزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة، فإن تركه [رجل] جاهلا فليس عليه الإعادة» «2».

و صحيحة محمّد بن إسحاق: عن امرأة كانت معنا في السفر و كانت تصلّي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية، قال: «ليس عليها قضاء» أو: «إعادة» «3» على اختلاف الروايات.

و لا يخفى أنّ الثانية- مع اختصاصها بصلاة المغرب- شاذّة كما صرّح به الشيخ و لم ينقل القول بمدلولها عن متقدّم و لا متأخّر، و نسبة الذخيرة «4» القول بمعذورية المقصّر في موضع التمام إلى الجامع غير ثابت فطرحها أو تأويلها لازم.

و أمّا الأولى و إن عمل بمدلولها صاحب الجامع كما في الحدائق و استوجهه بعينه، و استحسن العمل بها في موردها

في الذخيرة «5»، إلّا أنّها مخصوصة بما لو قصّر جهلا بعد نيّة الإقامة الموجبة للتمام، فالتعدّي إلى غير هذه الصورة لا وجه له. نعم لا بأس في العمل بها في هذه الصورة المخصوصة، لعدم وجود معارض لها. و الأحوط القضاء حينئذ أيضا، لعدم نسبة القول بمضمونها إلى غير من ذكر.

______________________________

(1) الحدائق 11: 436.

(2) التهذيب 3: 221- 552، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) الفقه 1: 287- 1306، التهذيب 3: 226- 572، 3: 235- 618، الاستبصار 1:

220- 779، الوسائل 8: 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 7.

(4) الذخيرة: 414.

(5) الحدائق: 11: 436، الذخيرة: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 325

المقام الثاني: أن يكون ناسيا للقصر فأتمّ نسيانا.

و هو يعيد في الوقت خاصة لا مع خروجه، على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في ظاهر التذكرة «1»، و عن صريح الانتصار و الخلاف و السرائر «2»، و في الأخير زاد دعوى تواتر الأخبار عليه، و نحن لم نقف منها إلّا على الرضوي الدالّ على المطلوب صريحا كما تقدّم، و صحيحة العيص السابقة المثبتة له إطلاقا أو عموما، و رواية أبي بصير: عن الرجل ينسى فصلّى في السفر أربع ركعات، قال:

«إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى يمضي اليوم فلا إعادة عليه» «3».

و هذه الأخبار كافية في المقام.

و لا يضرّ ضعف الأوّل و لا شمول الثاني للعامد و الجاهل أيضا، لانجبار الأوّل بما ذكر، و اختصاص عموم الثاني بغيرهما بما سبق فيهما.

كما لا يضرّ ما أورد على الثالث من أنّ المراد بذلك اليوم إن كان بياض النهار خاصة يكون حكم العشاء مهملا، و

إن كان النهار و الليل كان مخالفا للمشهور.

لأنّا نقول: إنّ مقتضى الحقيقة الأوّل و الإشارة ليوم الفعل أي في اليوم الّذي فعل كذا، و لا يجب بيان حكم جميع الصلوات في جميع الروايات غاية الأمر استفادة حكم صلاة العشاء من غير تلك الرواية من الأخبار أو الإجماع المركّب، مع أنّ كون التعبير ب: «ذلك اليوم» كناية عن الوقت ممكن كما قيل «4».

خلافا للمحكي عن والد الصدوق و المبسوط [1]، فقالا: يعيد مطلقا،

______________________________

[1] حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 164، و قال في المبسوط 1: 138: إذا صلّى المسافر فسها فصلّى أربعا بطلت صلاته، و لكن قال في ص 137: و من نسي في السفر فصلّى صلاة مقيم لم يلزمه

______________________________

(1) التذكرة 1: 193.

(2) الانتصار: 52، الخلاف 1: 586، السرائر 1: 328.

(3) الفقيه 1: 281- 1275، التهذيب 3: 169- 373، 3: 225- 570، الاستبصار 1:

241- 861، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.

(4) الحدائق 11: 433.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 326

لإطلاق صحيحة الحلبي السابقة أو عمومه الحاصل من ترك الاستفصال.

و أجيب تارة بالحمل على العامد، و اخرى بالتقييد بالوقت.

و ردّ الأوّل باستبعاده عن مثل الحلبي، و الثاني بأنّ السؤال عن الترك في السفر و الجواب بعد السفر، فهو خارج الوقت قطعا.

و يمكن دفعه بأنّه إذا حملت على السؤال عن الواقعة الحادثة، و لو حملت على المفروضة- كما هو الشائع في الأخبار- فلا يرد شي ء منهما.

و الأولى أن يجاب أنّها معارضة في خارج الوقت مع ما مرّ، و هو راجح بالأشهرية رواية و فتوى و الأصرحية و الأحدثية، لأنّ الرضوي متأخّر.

و للمقنع، فيعيد إن ذكر في يومه، فإن مضى اليوم فلا إعادة «1»،

لرواية أبي بصير المتقدّمة.

فإن أراد باليوم الوقت- كما احتمله بعضهم «2»- فلا خلاف، و إن أراد الأعم فلا دلالة للرواية على مطلوبة لأنّها إمّا ظاهرة في المشهور أو مجملة، فلا تفيد.

و لا يلحق من نسي الإتمام الواجب عليه فقصّر بذلك، للأصل، و خصوص الرضوي: «و إن قصّرت في قريتك ناسيا ثمَّ ذكرت و أنت في وقتها أو غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها» «3».

و الظاهر عموم حكم الناسي لجميع من فرضه القصر فأتمّ سواء كان ناسيا للحكم أو للسفر أو لبعض أحكام السفر كالمكاري المقيم عشرة، لإطلاق الروايات.

المسألة الثالثة: لو دخل الوقت في الحضر و كان المصلّي قادرا على الصلاة

______________________________

الإعادة إلّا إذا كان الوقت باقيا فإنه يعيد.

______________________________

(1) المقنع: 83.

(2) انظر الحدائق 11: 433.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 327

تماما و لم يصلّ و سافر قبل خروج الوقت بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا، قصّر اعتبارا لحال الأداء، على المنصور المشهور كما صرّح به جماعة «1»، و عن السرائر الإجماع عليه «2»، و هو مذهب السيّد في المصباح و عليّ بن بابويه و المفيد و الحلّي و المحقّق «3».

للعمومات الكثيرة الكتابية و الخبرية، و خصوص صحيحة إسماعيل بن جابر: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال:

«صلّ و أتمّ الصلاة»، قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتّى أخرج، فقال: «صلّ و قصّر و إن لم تفعل فقد خالفت- و اللّه- رسول اللّه» «4».

و صحيحة محمّد: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، قال:

«إذا خرجت فصلّ ركعتين» «5».

و رواية الوشّاء: «إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتمّ، فإذا خرجت بعد الزوال فقصّر العصر» «6».

دلّت

على وجوب قصر العصر بالخروج بعد الزوال و إن دخل وقته.

و الاحتجاج بهذه الرواية للقول الثاني- كما فعله بعضهم «7»- غريب، إذ

______________________________

(1) لم نعثر عليه.

(2) السرائر 1: 333.

(3) كما نقله الحلي في السرائر 1: 334، و حكاه عن علي بن بابويه و المفيد في المختلف: 165، الحلي في السرائر 1: 334، المحقق في المعتبر 2: 480.

(4) الفقيه 1: 283- 1288، التهذيب 3: 163- 353، 3: 222- 558، 2: 13- 29، الاستبصار 1: 240- 856، الوسائل 8: 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.

(5) الكافي 3: 434 الصلاة ب 82 ح 1، الفقيه 1: 279- 1267، التهذيب 3: 224- 566، الوسائل 8: 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 1.

(6) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 2، التهذيب 3: 161- 348، الاستبصار 1: 240- 854، الوسائل 8: 516 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 12.

(7) كالعلامة (ره) في المختلف: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 328

ليس فيها إلّا الأمر بإتمام الظهر، و لكنّه إنّما هو حال كونه في المصر حين إرادة السفر في العصر.

و الرضوي: «و إن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة و لم تصلّ حتّى خرجت فعليك بالتقصير، و إن دخل عليك وقت الصلاة و أنت في السفر و لم تصلّ حتّى تدخل أهلك فعليك التمام» «1».

خلافا للمحكي عن العماني و المقنع و الفاضل في جملة من كتبه و فخر المحقّقين و المسالك و الروضة و نسبه في روض الجنان إلى المشهور بين المتأخّرين «2»، فيجب عليه الإتمام.

للاستصحاب، و تحصيل البراءة اليقينية، و صحيحة محمّد: عن رجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في

الطريق قال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا» «3».

و رواية النبّال: «لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري و غيرك، و ذلك أنّه قد دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج» «4».

و موثقة الساباطي: إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ يخرج في سفر قال:

«يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمَّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضره الاولى» و سئل: فإن خرج بعد ما حضرت الاولى، قال: «يصلّي

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 162- 163، مستدرك الوسائل 6: 541 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.

(2) المختلف: 165 عن العماني، المقنع: 37، الفاضل في المختلف: 165 و نهاية الإحكام 2:

164، و التحرير 1: 57، فخر المحققين في الإيضاح 1: 158، المسالك 1: 50، الروضة 1:

376، روض الجنان: 389.

(3) الفقيه 1: 284- 1289، التهذيب 3: 222- 557، الاستبصار 1: 239- 853، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.

(4) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 3، التهذيب 3: 161- 349، الاستبصار 1: 240- 855، الوسائل 8: 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 329

[الأولى] أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير و هي ركعتان لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر» «1».

و المروي في مستطرفات السرائر عن كتاب جميل: في رجل نسي الظهر و العصر في السفر حتّى دخل أهله، قال: «يصلّي أربع ركعات» و قال لمن نسي الظهر و العصر و هو مقيم حتّى يخرج

قال: «يصلّي أربع ركعات في سفره» و قال: «إذا دخل على الرجل وقت صلاة و هو مقيم ثمَّ سافر صلّى تلك الصلاة الّتي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره» «2».

و المروي في البحار عن كتاب محمّد الحضرمي: إذا خرج الرجل مسافرا و قد دخل وقت الصلاة كم يصلّي؟ قال: «أربعا» قال، قلت: فإن دخل وقت الصلاة و هو في السفر؟ قال: «يصلّي ركعتين قبل أن يدخل أهله، و إن وصل المصر فليصلّ أربعا» «3».

و للمحكي عن الصدوق في الفقيه و نهاية الشيخ و موضع من المبسوط «4»، فقالا بالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأوّل وسعته فالثاني.

للجمع بين الفريقين، و موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و مرسلة الحكم بن مسكين: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 18- 49، الاستبصار 1: 222- 785، الوسائل 4: 85 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 23 ح 1. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) مستطرفات السرائر: 46- 5، الوسائل 8: 516 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 13 و 14.

(3) البحار 86: 55- 18.

(4) الفقيه 1: 284 ذيل الحديث 1289، النهاية: 123، المبسوط 1: 141.

(5) التهذيب 3: 223- 559، الاستبصار 1: 240- 857، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.

(6) الفقيه 1: 284- 1290، التهذيب 3: 223- 560، الاستبصار 1: 241- 858، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 330

و كون موردهما صورة دخول الوقت في السفر و إيقاع الصلاة في الحضر

لا يضرّ، لاشتراك العلّة المستفادة من التفصيل بين عدم خوف الخروج و خوفه.

و للمحكي عن الخلاف، فخيّر مع استحباب التمام «1»، و نسبه بعضهم إلى الإسكافي أيضا و لكن من غير استحباب التمام، و احتمله في كتاب الحديث «2».

للجمع بين روايات المسألة، و لأنّه القاعدة بعد التعادل و عدم الترجيح، و لصحيحة منصور: «إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتّى يدخل أهله فإن شاء قصّر و إن شاء أتمّ، و الإتمام أحبّ إليّ» «3».

و ظاهر الذخيرة و بعض آخر التوقّف بين القولين الأوّلين «4»، لتعارض الصحيحين فيهما و احتمال حمل كلّ منهما على الآخر.

أقول: لا يخفى أنّه لو سلّم تعارضهما و تكافؤهما من جميع الوجوه يلزم المصير إلى التخيير، لأنّه القاعدة عند المجتهدين عند التعادل.

و منه يظهر سقوط الخلاف الأخير.

كما يسقط القول المتقدّم عليه بقصور أدلّته جدّا.

أمّا الأوّل فلعدم انحصار وجه الجمع بذلك كما يأتي، مع أنّه ينافي ذلك الجمع ما في صحيحة ابن جابر المتقدّمة من الحلف باللّه أنّه لو لم يقصّر فقد خالف رسول اللّه.

و أمّا الثاني فلأنّ الرجوع إلى التخيير إنّما هو بعد اليأس عن الترجيح، و لا يأس هنا كما يأتي، مع أنّه لا يقتضي استحباب التمام.

و أمّا الثالث فلأنّ مورده المسألة الآتية، أعني القدوم عن السفر، دون ما

______________________________

(1) الخلاف 1: 578.

(2) التهذيب 3: 223 ذيل الحديث 560.

(3) التهذيب 3: 223- 561، الاستبصار 1: 241- 859، الوسائل 8: 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9.

(4) الذخيرة: 415، و انظر الحدائق 11: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 331

نحن فيه، و تلازمهما حكما غير معلوم. مع أنّها في موردها أيضا غير تامّة كما

يأتي.

مع تجويز إرادة أنّه إن شاء صلّى في الطريق فقصّر و إن شاء صلّى في الأهل فأتمّ، كما حمله عليها الفاضل «1»، و يقربها صحيحة محمّد: في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتمّ، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصّر» «2».

و احتماله التقية، لأنّه- كما نقله في الحدائق عن بعض مشايخه «3»- مذهب بعض العامة.

و يظهر من بعض ما ذكر قصور دليل القول المتقدم على ذلك القول أيضا، لعدم انحصار الجمع بما ذكراه، و ورود الموثّقة في عكس المسألة، و عدم دلالة الشرط على كونه فقط هو العلّة فلعلّه علّة في مورد الموثّقة فإنّ الشرط مغاير للسبب، هذا مع احتمالها ما دلّت عليه صحيحة محمّد السابقة من التفصيل بين الصلاة في الطريق و المنزل بل ذلك الاحتمال مساو مع الاحتمال الآخر، لعدم دلالتها على الأزيد من إرادة القدوم لا حصوله.

و منه يظهر سقوط ذلك القول أيضا فبقي القولان الأوّلان.

و قد يرجّح الثاني بكون أخباره أخص مطلقا من أخبار الأوّل، إذ أخبار الأوّل أعم من أن يدخل وقت الصلاة و يمضي كاملة الشرائط في الحضر ليحصل استقرارها في الذمة- كما هو محلّ البحث و محطّ أنظار أرباب القول الأوّل- أو يدخل الوقت من غير أن يمضي ذلك المقدار، و أخبار الثاني مخصوص بالأوّل ضرورة عدم وجوب التمام لو لم يمض هذا القدر فيجب تخصيص الأوّل بالثاني.

مع أنّ صحيحة محمّد مخصوصة بنفسها بذلك، لأنّه الظاهر من قوله: «حين تزول

______________________________

(1) المختلف: 165.

(2) التهذيب 3: 164- 354، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.

(3) الحدائق 11: 480.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 332

الشمس».

و فيه- بعد منع خصوصيّة أخبار الثاني من هذه الجهة، لأنّها أيضا أعمّ من الخروج قبل مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط، و الاختصاص بدليل من خارج لا يقتضي خصوصية الخبر-: أنه لو سلّم عموم الأوّل من هذه الجهة فلا شك أنّ الثاني أيضا عام من جهة الخروج عن محل الترخّص و عدمه، فيتعارضان بالعموم من وجه دون المطلق، بل يظهر من ذلك أنّ الأوّل أخص مطلقا لأنّ إخباره صريحة في دخول الوقت في المنزل، و لا شكّ أنّ الخروج إلى محل الترخّص بعد دخول الوقت في المنزل يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالبا بل و أكثر، و لا أقلّ من إحداهما قطعا، مع أنّ قوله في صحيحة ابن جابر: «فلا أصلّي حتّى أخرج» كالصريح في تمكّنه قبل الخروج من الصلاة.

مع أنّ التخصيص المذكور لا يلائم تأكيد الحكم بالقسم في الصحيحة، لأنّ الظاهر منه رفع ما يتوهّم من وجوب التمام أو جوازه، و ليس هو إلّا بعد مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط.

و على هذا فيكون الأوّل أخصّ مطلقا من الثاني فيجب تخصيصه به، مضافا إلى ترجيح الأوّل بموافقة عموم قوله سبحانه وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ «1» و بالأحدثية، لاشتماله على الرضوي و رواية الوشّاء عن الرضا عليه السلام، و هما من المرجّحات المنصوصة، و بنقل الإجماع، و الأشهريّة فتوى كما صرّح به جماعة منهم المحقّق «2»، بل رواية لعدم تماميّة غير صحيحة محمّد حجّة للقول الثاني:

أمّا رواية النّبال فلعدم معلوميّة محل الخروج، فلعلّ موضع تكلّمه عليه السلام- أي الشجرة- كان ما دون حدّ الترخّص، و لعلّه كان هناك شجرة معهودة و أراد أنّا لم نخرج عن حدّ الترخص و نريد الصلاة

حينئذ فيجب علينا الأربع بخلاف الباقين فإنّهم قد تجاوزوا، و حمل الشجرة على مسجد الشجرة لا دليل

______________________________

(1) النساء: 101.

(2) النافع: 52، المعتبر 2: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 333

عليه.

و أمّا الثلاثة المتعقّبة لها فلعدم دلالتها على الوجوب، مضافا إلى تفرقة الموثقة بين وقتي الفضيلة و الإجزاء أو الإجزاء و الاختيار، و هي في أحد حكميها موافقة للقول الأوّل و في الآخر للثاني فلا ترجيح لجعلها دليلا على الثاني.

و ضعف الأخيرتين سندا. فتبقى أدلّة القول الأوّل سليمة عن المعارض المقاوم. و بها يخرج عن الاستصحاب أيضا.

و قد يدفع أيضا بأنّه إن أريد استصحاب نفس الحضر فهو قد انقطع، و إن أريد استصحاب حكمه فتعلّق الإتمام به عينا ممنوع، و مخيّرا في إيقاعها في أجزاء الوقت يستلزم تخييره بين ما يستتبعه كلّ جزء، فقد يصير تكليفه الصلاة بالتيمم و غير ذلك «1».

و فيه: أنّ المستصحب هو وجوب التمام التخييري بين أجزاء الزمان، و هو و إن استلزم التخيير بين ما يستتبعه و لكن الشك فيما يستتبعه.

و أمّا الاستدلال بحصول اليقين بالتمام ففساده ظاهر، لأنّ القصر و الإتمام ماهيتان مختلفتان.

و من ذلك يظهر سقوط القول الثاني أيضا، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله في صحيحة محمّد: «يدخل من سفره» أي يشرف عليه و كأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على ذلك، و كذلك المراد من: «خرج إلى سفره» أراد الخروج و أشرف عليه.

المسألة الرابعة: لو دخل عليه الوقت في السفر و لم يصلّ حتى دخل منزله فالمشهور بين المتأخّرين بل مطلقا- كما قيل- وجوب الإتمام

، و هو الأقوى، فيعتبر أيضا حال الأداء، و به قال جمع ممّن قال في المسألة السابقة باعتبار حال الوجوب، أو توقّف كالفاضل و الشهيدين و صاحب الذخيرة «2».

______________________________

(1) انظر: غنائم الأيام: 118.

(2) الفاضل في المختلف: 167، و الشهيدين في البيان:

264، و الروض: 398، الذخيرة: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 334

لصحيحة إسماعيل و الرضوي و صحيحة محمّد الثالثة المتقدّمة جميعا «1»، و صحيحة العيص: عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال: «يصلّيها أربعا» و قال: «لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته» «2».

و يدلّ عليه أيضا مفهوم الغاية في الأخبار المتكثرة من الصحاح و غيرها الناطقة بأنّ المسافر يقصّر حتى يدخل بيته أو أهله أو منزله «3».

و الأقوال المخالفة في هذه المسألة أيضا كسابقها.

فقيل: يقصّر، و لكنه مجهول القائل بل غير معلوم الوجود إذ نقله الشهيد في الذكرى، و في كلامه دلالة واضحة على أنّ فيه سهوا منه أو من النسّاخ «4».

و قيل بالتخيير «5».

و قيل باعتبار المواسعة و المضايقة «6».

دليل التقصير: صحيحة محمّد الثانية «7».

و لا دلالة لها، إذ المذكور فيها: «يدخل من سفره» بصيغة المضارع و لا دلالة لها على حكم بعد الدخول.

و رواية زرارة «8» في قضاء هذه الصلاة لو لم يفعلها في المنزل أيضا.

و هي خارجة عن المقصود، لمنع التلازم بين حكم الأداء و القضاء لو سلّم في القضاء.

______________________________

(1) في ص 327 و 328 و 331.

(2) التهذيب 3: 162- 352، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.

(3) الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7.

(4) الذكرى: 256.

(5) حكاه عن ابن الجنيد في الذكرى: 256.

(6) كما في النهاية: 123.

(7) المتقدمة في ص 328.

(8) الآتية في ص 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 335

و حجّة التخيير: صحيحة منصور السالفة «1».

و هي كانت دالة لو قال: فسار حتّى دخل أهله، إلّا أنّ فيها: «حتى يدخل أهله» فلا دلالة لها على وصول

المنزل، و لا شك أنّه في الطريق مخيّر بين أن يقصّر بأن يصلّي في الطريق أو يتم بأن يدخل المنزل.

و مستند التفصيل: موثقة إسحاق بن عمّار و مرسلة الحكم المتقدّمتان «2».

و فيهما: أنّهما كانتا تدلّان لو كان: «قدم» بدل: «يقدم» و أمّا مع قوله:

«يقدم» فلا يدل، لأنّه بعد في الطريق و لا شك في أنّه مع خوف الفوات يجب عليه التقصير بالإتيان بالصلاة في السفر قطعا.

المسألة الخامسة: لا شكّ في أنّ المعتبر في القصر و الإتمام حال الفوات

دون الفعل، و في المدارك: أنّه مذهب العلماء كافّة إلّا من شذّ «3» أي من العامة.

و تدل عليه- مع الإجماع- صحيحة زرارة: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، فقال: «يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فيقضي في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «4».

و روايته: «إذا نسي الرجل صلاته أو صلّاها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر، فذكرها، فليقض الّذي وجب عليه لا يزيد على ذلك و لا ينقص، و من نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، و إن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما» «5».

______________________________

(1) في ص 330.

(2) في ص 329.

(3) المدارك 4: 304.

(4) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 7، التهذيب 3: 162- 350، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

(5) الفقيه 1: 282- 1283، التهذيب 3: 225- 568، الوسائل 8: 269 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 336

و لو اختلف حال الوجوب و حال الفوات، كمن دخل عليه الوقت في الحضر فسافر قبل الصلاة و نسيها أو عكس ذلك، فالمشهور اعتبار حال

الفوات لا حال الوجوب، فيقضي- على المختار في المسألتين السابقتين- قصرا في الاولى و تماما في الثانية، للصحيحة المتقدّمة، و عموم قوله: «فليقض ما فاته كما فاته» و لبعض الوجوه الاعتبارية الضعيفة.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق و السيّد «1»، و الشيخ و الإسكافي و الحلّي «2» مدّعيا عليه الإجماع.

و تدلّ عليه رواية زرارة: عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر، فأخّر الصلاة حتّى قدم، فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر فكان ينبغي أن يصلّي عند ذلك» «3».

و هي صريحة في مطلوبهم و مع ذلك معتبرة، و بنقل الإجماع و فتوى الأعيان مجبورة، و أخص مطلقا ممّا مرّ، فرفع اليد عنها بالمرة لا وجه له.

و ردّها بأنّها مبنيّة على اعتبار حال الوجوب لا الأداء في حال الأداء و هو باطل «4»، كلام سخيف في غاية السخافة.

إلّا أنّها مخصوصة بأحد شقيّ المسألة، و مع ذلك دلالتها على الوجوب غير واضحة لمكان الجملة الخبرية، فغايتها إثبات الرجحان، إلّا أن يجبران بالإجماع المركب، مضافا في الأوّل إلى عموم العلّة ظاهرا، و لكن في ثبوت ذلك الإجماع تأمّلا، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك، و هو بالقصر و الإتمام معا، أو اعتبار حال

______________________________

(1) حكاه عنهما في السرائر 1: 335.

(2) الشيخ في التهذيب 3: 163، و حكى المحقق في المعتبر 2: 480 عن الإسكافي، و الحلي في السرائر 1: 335.

(3) التهذيب 3: 225- 567، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 3.

(4) انظر: غنائم الأيام: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 337

الفوات كما هو المشهور،

حيث إنّ صراحة الرواية المخالفة في وجوب خلافه غير معلومة.

المسألة السادسة: يستحبّ جبر الصلوات المقصورات بذكر التسبيحات الأربع

المشهورة في عقيبها ثلاثين مرّة، لرواية المروزي: «يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر، ثلاثين مرة» «1».

و ظاهر الرواية و إن كان الوجوب إلّا أنّه لا قائل به، فيحمل على مطلق الثبوت أو تأكّد الاستحباب.

اللّهم اجبر تقصيراتنا بعفوك يا جبّار، و اغفر خطيئاتنا برحمتك يا غفّار.

هذا آخر كتاب الصلاة من كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة، و بتمامه تمَّ المجلّد الثاني، و الحمد للّه على توفيقه للإتمام، و الصلاة على سيّد الأنام و آله الغرّ الأماجد الكرام.

كتبه مؤلّفه الفقير المعترف بكثرة الخطايا و التقصير أحمد بن محمّد مهدي النراقي تجاوز اللّه عن سيّئاتهما. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    7     كتاب الزكاة ..... ص : 7

كان الفراغ ببلدة كاشان في يوم الجمعة عاشر شهر شعبان المعظّم من السنة الرابعة و الثلاثين بعد المائتين و الألف من الهجرة النبوية على هاجرها ألف صلاة و تحيّة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 230- 594، الوسائل 8: 523 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.