مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 06

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة المقصد الثاني في ماهية الصلاة و أفعالها بأقسامها]

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الباب الثالث في الصلوات الواجبة غير اليومية

اشارة

و هي عدّة صلوات تذكر في مطالب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 7

المطلب الأوّل في صلاة الجمعة
اشارة

و الكلام إمّا في حكمها، أو شرائطها، أو من تجب عليه، أو كيفيّتها، أو وقتها، أو لواحقها، فهاهنا ستة أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 9

البحث الأوّل في حكمها
اشارة

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: صلاة الجمعة واجبة في الجملة، بإجماع الأمّة، بل الضرورة الدينيّة.

و تدلّ عليه- مضافا إليهما- السنّة المتواترة «1».

بل الآية الشريفة «2»- على ما ذكره الأكثر- و إن كان فيه نظر على الأظهر؛ لعدم صراحتها في صلاة الجمعة، لعموم الذكر، و عدم المخصّص إلّا ما قيل: من اتّفاق المفسرين «3».

و إشعار المروي في العلل: «إذا قمت إلى الصلاة فأتها سعيا- إلى أن قال:- فإنّ اللَّه عز و جل يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ و معنى فاسعوا هو الانكفاء» «4».

و عدم وجوب السعي إلى غيرها حين النداء، بل و لا استحبابه مترتبا عليه.

و الأوّل ممنوع

، كيف؟! و فسّره في الكشّاف و تفسير البيضاوي بمطلق الصلاة «5». و بعض المفسّرين منّا بالحجج عليهم السلام. و عن صاحب التيسير «6» عن المفسرين: أنّ المراد إمّا الصلاة، أو الخطبة، أو سماع الوعظ. و قال بعض المفسّرين إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فبادروا

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1.

(2) الجمعة: 8.

(3) انظر: رسائل الشهيد الثاني: 51، و روض الجنان: 284.

(4) العلل: 357- 1، الوسائل 5: 203 أبواب أحكام المساجد ب 7 ح 1، و فيه (الانكفات).

(5) الكشّاف 4: 535، تفسير البيضاوي 5: 133.

(6) في النسخ المخطوطة: التفسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 10

إلى وظائفه من الغسل و قصّ الأظافر و الشّوارب و التطيّب و التنوير و حلق الرأس، و غير ذلك «1» و لو سلّم فلا دليل على حجيّته، كيف؟! مع أنّ أكثرهم من أهل الخلاف؛ و لا أدري من لا يقبل الإجماعات المتواترة من العلماء على عدم الوجوب العيني، كيف يقبل دعوى اتّفاق المفسرين!؟

و الثاني غير مشعر

؛

لصحّة تعليل رجحان السعي إلى الصلاة- التي هي من أفراد الذكر- بأمر اللَّه سبحانه بالسعي إلى مطلقه.

بل في المروي في الكافي إشعار على خلافه، حيث قال: قلت له: قول اللَّه عز و جل فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال: «اعملوا و عجّلوا فإنّه يوم مضيّق على المسلمين» «2» الحديث.

فإنّ ظاهره الأمر بالتعجيل إلى مطلق العمل.

و الثالث: بعدم لزوم حمل الأمر على الوجوب

؛ لأنّ ارتكاب التجوّز في الذكر ليس بأولى منه في السعي، فيحمل على الاستحباب و يكون ترتّبه على النداء لكثرة ما رغب فيه من الوظائف و الأعمال فيما بعد الزوال.

مع أنّ إرادة الأذان عند الزوال من النداء غير معلومة؛ لجواز أن يراد به أذان الفجر، الذي هو أيضا للصلاة من يوم الجمعة- كما نقل بعض المتأخّرين في رسالته في صلاة الجمعة عن بعض المفسرين، و هو ظاهر من حمل الذكر على وظائف يوم الجمعة كما مرّ- لعدم دليل على إرادة الصلاة المعهودة، سيّما عند نزول الآية.

فيكون إشارة إلى ما ورد في الروايات من كثرة أعمال يوم الجمعة، حتى إنّ أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه و آله كانوا يتجهّزون للجمعة يوم الخميس لأنّه يوم

______________________________

(1) قد روي بهذا المضمون رواية في تفسير القمي 2: 367.

(2) الكافي 3: 415 الصلاة ب 71 ح 10، الوسائل 7: 353 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 11

مضيّق، لكثرة وظائفه و أعماله «1».

سلّمنا أنّ المراد بالذكر صلاة الجمعة، و لكن لا تدلّ الآية على وجوبها إلّا بعد ثبوت ترجيح التجوّز في مادّة فاسعوا على التجوّز في الهيئة؛ ضرورة عدم وجوب السعي الذي هو السير بالتعجيل.

المسألة الثانية: إذا عرفت أنّها واجبة في الجملة، فاعلم أنّه لا خلاف عندنا في وجوبها عينا
اشارة

على كلّ من استجمع الشرائط الآتية، مع حضور

الإمام المعصوم، أو من ينصبه بخصوصه- عموما أو لصلاة الجمعة- و تمكّنه من إقامتها، و إنّما الخلاف في صورة عدم حضوره و لا حضور منصوبه المذكور، أو عدم تمكّنه- كزمان الغيبة- في انتفاء الوجوب العيني، و ثبوته.

فالأوّل مختار كلّ من شرط في وجوبه أو جوازه، الإمام أو نائبه، أو جعله منصب الإمام.

و منهم: العماني و المفيد في الإرشاد «2»، و الشيخ في الخلاف و المبسوط و الجمل و النهاية و المصباح و التبيان «3»، و السيد في الناصريّات في المسألة الحادية عشرة و المائة و الميافارقيات «4»، و الفقه الملكي، و الديلمي في المراسم و رسالته و القاضي و الكفعمي «5»، و الوسيلة و السرائر و الغنية و المجمع و الجامع و المعتبر و الشرائع

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 353 أبواب صلاة الجمعة ب 31.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 108، الإرشاد: 347.

(3) الخلاف 1: 626، المبسوط 1: 143، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190، النهاية: 103، المصباح: 324، التبيان 10: 8.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 203 قال في المسألة الحادية عشرة بعد المائة: و الذي يذهب إليه أصحابنا في صلاة العيدين بأنّهما فرض على الأعيان مع تكامل الشروط التي يلزم معها صلاة الجمعة مع حضور السلطان العادل. منه رحمه اللَّه تعالى. الميافارقيات (رسائل السيّد المرتضى) المجموعة الأولى: 272.

(5) المراسم: 77، القاضي في المهذب 1: 100، الكفعمي في المصباح: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 12

و النافع «1»، و الموجز و شرحه للصيمري، و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و القواعد و النهاية و المختلف «2»، و الإيضاح و المهذّب و التنقيح «3»، و الذكرى و النكت و الدروس و البيان و اللمعة «4»،

و روض الجنان و الروضة و شرح القواعد للمحقق الثاني «5».

و جماعة من المتأخرين منهم: المحقق الخوانساري و والده، و الشيخ البهائي، و سلطان العلماء، و المدقّق الشيرواني، و مولانا خليل القزويني، و المولى عبد اللَّه الشوشتري، و رفيع الدين النائيني، و صالح الجيلاني، و الفاضل الهندي «6»، و التوني، و الكاظمي، و والدي العلامة أخيرا، و أكثر مشايخنا «7»، و معاصرينا «8».

و هو ظاهر الكراجكي، و محتمل الحلبي «9»، و نسبه صريحا في الإيضاح و النكت و البيان و روض الجنان إلى الأخير «10».

بل هو ظاهر الشيخين الجليلين الصدوق و الكليني «11»، بل مذهب كافة

______________________________

(1) الوسيلة: 103، السرائر: 1: 290 و 1: 303، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان 5: 288، الجامع للشرائع: 94، المعتبر 2: 279، الشرائع 1: 94 و 98، المختصر النافع: 35 و 36.

(2) المنتهى 1: 317 و 336، التذكرة 1: 144 و 145، التحرير 1: 43 و 185، مجمع الفائدة و البرهان 2: 333 و 360، القواعد 1: 36، نهاية الإحكام 1: 14، المختلف: 109.

(3) الإيضاح 1: 119، المهذب البارع 1: 413، التنقيح 1: 231.

(4) الذكرى: 230، الدروس 1: 186، البيان: 188، اللمعة (الروضة 1): 299.

(5) روض الجنان: 290، الروضة 1: 299 و 301، جامع المقاصد 1: 371.

(6) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 241 و 244 و 245.

(7) كالسيّد بحر العلوم في الدرّة النجفية: 165، و صاحب كشف الغطاء: 252، و صاحب الرياض 1: 184 و 190.

(8) كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 100، و صاحب مفتاح الكرامة 1: 72.

(9) الحلبي في الكافي في الفقه: 151.

(10) الإيضاح 1: 119، البيان: 188، روض الجنان: 291.

(11) انظر ص 16.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 6، ص: 13

القدماء ظاهرا، حيث لم ينقل أحد مع بذل جهد طائفة من المتأخرين في نقل الأقوال في هذه المسألة و الفحص عن القائل بالوجوب العيني إلّا عن ثلاثة أو أربعة منهم «1»؛ و هو أيضا ليس كذلك كما يأتي.

و توهّم عدم صراحة كلام العماني و إرشاد المفيد و الخلاف- كما اتّفق لبعض المتأخرين- فاسد غايته:

لتخصيص الأوّل فرضية الحضور إلى صلاة الجمعة بالبلد الذي فيه الإمام، أو المكان الذي فيه امراؤه، و لو لا انتفاء الوجوب بدونه لما كان للتخصيص وجه.

و استدلال الثاني على وجوب وجود الإمام في كلّ عهد بأن يجمع الجمعات و العيدين، و لو وجب مع غيره أيضا، لما كان للدليل معنى. و ذكره بعض أمور أخر قد تصدر من الفقهاء أيضا، ممنوع؛ إذ كلّ ما ذكره بعمومه الذي هو مقتضى ألفاظه لا يمكن صدوره إلّا من إمام مبسوط اليد.

و تصريح الثالث بعدم انعقاد الجمعة بدون الإمام أو أميره، و بأنّه لم يفعله من زمان النبي إلى زماننا غيرهما، و بأنّ الإماميّة أجمعوا على اشتراط الإمام فيه بقول مطلق.

و أمّا ما ذكره في أثناء كلامه من أنّ ما روي من جواز الجمعة لأهل القرى و السواد فهو مأذون فيه فجرى مجرى نصب الإمام.

فهو توجيه للأخبار المروية بحملها على الاستحباب؛ لحصول ما يجري مجرى النصب و إن لم يحصل حقيقة النصب الّذي هو شرط الوجوب. ففي الحقيقة هو تأويل لتلك الأخبار، و هو لا يدل على أنّه فتواه، كما ارتكب في التهذيب كثيرا، مع أنّه لو كان فتواه أيضا لم يضر، هذا.

ثمَّ إنّه على اشتراط الإمام أو نائبه- في وجوبها أو جوازها- الإجماع في كثير من كلمات الأصحاب، كما في الخلاف و

السرائر و الغنية و كلام القاضي و الديلمي

______________________________

(1) انظر ص 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 14

و المعتبر و المنتهى و التحرير و النهاية «1»، و ثلاثة مواضع من التذكرة «2»، و مثلها من الذكرى «3»، و موضعين من شرح القواعد للمحقق الثاني «4»، و مثلهما من رسالته و كنز العرفان و روض الجنان و الروضة «5»، و شرحي الألفيّة و الجعفريّة، و عيون المسائل للسيّد الداماد، و الرسالتين للفاضل التوني و المحقق الخوانساري، بل جعل ثانيهما القول بالوجوب بدون الإمام بدعة مخترعة.

و في شرح الهندي على الروضة نفي الشك عن وقوع الإجماع على اشتراط الوجوب العيني بالإمام عليه السّلام، و دعوى تواتر الأخبار بالإجماع، بل قيل:

قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا رادّ له في الأصحاب «6». و صرّح الأردبيلي في شرح الإرشاد بأنّ القول بالوجوب العيني في زمان الغيبة قول مع عدم الرفيق «7»، إلى غير ذلك.

و التشكيك في دعاوي الفاضل الإجماع- لمنعه إيّاه في المختلف «8»- ليس في محلّه قطعا؛ لأنّ الممنوع فيه الإجماع على اشتراطه في مطلق الوجوب الشامل للتخييري أيضا، لا خصوص العيني.

و كذلك لا يضرّ في هذه الدعاوي ذهاب طائفة من المدّعين إلى التخيير في زمن الغيبة «9»؛ إذ لا منافاة بين التخيير و نفي العينية. و استلزام الاشتراط لانتفاء المشروعية- لو سلّم- لا يوهن في دعوى الإجماع؛ لاحتمال الغفلة عن الملازمة أو

______________________________

(1) راجع ص 11.

(2) التذكرة 1: 144 و 145 و 443.

(3) الذكرى: 230 و 231.

(4) جامع المقاصد 2: 371 و 379.

(5) كنز العرفان 1: 168، روض الجنان: 290، الروضة 1: 30.

(6) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 60 عن عيون المسائل للمحقق الداماد.

(7) مجمع الفائدة و

البرهان 2: 363.

(8) المختلف: 109.

(9) انظر ص 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 15

ثبوت مطلق المشروعية بدليل آخر.

و الثاني لشيخنا الشهيد الثاني «1»، و تبعه أولاده «2»، و تلاميذه «3»، و جماعة ممّن تأخر عنهم، كالمجلسيين «4»، و صاحب الذخيرة «5»، و أكثر الأخباريين اللاحقين لهم «6»، و إليه كان يذهب والدي العلامة أوّلا، و ألّف فيه رسالة مبسوطة لم أر أحسن منها، و قد كتب عليها التصديق جمع من الأخباريين من معاصريه.

و نسب هذا القول إلى ظاهر المفيد في الإشراف و الحلبي في الكافي، و الصدوق في الهداية و المقنع و الأمالي بل الفقيه، و الكليني «7»، و أبي الفتح الكراجكي و عماد الدين الطبرسي «8».

أقول:

ظاهر الأوّلين و إن كان ذلك. إلّا أنّ ذهاب الأوّل إلى خلافه في الإرشاد بل المقنعة «9»، حيث شرط كون الإمام مأمونا، و ليس إلّا المعصوم أو نائبه. و قال أيضا: صادقا في خطبته، و لا يعلم ذلك إلّا من الإمام أو من ينصبه.

و تركه لصلاة الجمعة- و إلّا لنقل قطعا و لم يخف على تلامذته المدّعين للإجماع على حرمته- مع وفور الشيعة في عهده، و رفعه ستر التقية، و مجادلته في المذهب مع المخالفين، و تصريحه في كتبه بما ينافي التقية، و تسلّط سلاطين الديالمة الذين هم من الشيعة في بلده.

______________________________

(1) رسائل الشهيد: 51.

(2) منهم صاحب المدارك 4: 21، و نقل في الحدائق 9: 389 عن الحسن بن الشهيد في الاثني عشرية و عن ابنه محمّد في شرحها.

(3) منهم الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي، نقله عنه في الحدائق 9: 387.

(4) روضة المتقين 2: 574، بحار الأنوار 86: 146.

(5) الذخيرة: 308.

(6) كالفيض الكاشاني في المفاتيح

1: 17، و البحراني في الحدائق 9: 355.

(7) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 3): 25، الكافي في الفقه: 151، الهداية: 34، المقنع:

45، الأمالي: 513، الفقيه 1: 267، الكافي 3: 418 عنوان الباب.

(8) حكاه عنهما في الحدائق 9: 381 و 382.

(9) الإرشاد: 347، المقنعة: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 16

مضافا إلى ما قيل: من أنّ نسبة كتاب الإشراف إلى المفيد غير ثابتة، و في الإجازات غير منقول، و لم ينقل إلّا في الرسالة المنسوبة إلى الشهيد الثاني و من تبعه بعده.

و نسبة خلافه إلى الثاني في الإيضاح و النكت و البيان «1».

ممّا «2» يقدح في النسبتين جدّا؛ لعدم ثبوت الكتابين بعينهما منهما بأقوى ممّا يخالفهما، أو يحكم لهما بالقولين معا.

مع أنّ ما نقل عن الحلبي في المختلف «3» لا يدلّ إلّا على انعقاد الجمعة بإمام الجماعة أيضا، لا وجوبه. و أمّا ذيل كلامه الظاهر في ذلك فهو غير مذكور، و إنّما ذكر في الرسالة المنسوبة إلى الشهيد الثاني «4».

و أمّا البواقي فلا ظهور لكلماتهم في هذه النسبة أصلا:

أمّا الهداية و المقنع، فلتصريحهما باشتراط الإمام، و سيأتي ظهوره في المعصوم، سيّما في الأوّل، حيث عطف عليه قوله: و قاضيه، و لا أقلّ من احتماله.

و أمّا الأمالي، فلعدم ذكره فيه إلّا وجوب الجمعة، و هو ممّا لا كلام فيه، كما يقولون بوجوب الجهاد أيضا، بل يعدّونه من فروع الدين، مع أنّه مشروط بالإمام.

و منه يظهر عدم ظهور كلام الفقيه أيضا، مع أنّه ذكر فيه صحيحة محمّد الآتية المتضمّنة لذكر الإمام و قاضيه «5»، و سائر أخبار اشتراط الإمام، و أخبار من يخطب، و سيأتي إجمالها، و نقل في ذلك الباب صحيحة عبد الرحمن: «لا بأس أن يدع

الجمعة في المطر» «6» و لا شك أنّ هذا ليس شأن الواجب، و حمله على ما يستلزم

______________________________

(1) الإيضاح 1: 119، البيان: 188.

(2) خبر لقوله: إلّا أنّ ذهاب الأوّل ..

(3) المختلف: 108.

(4) رسائل الشهيد: 79.

(5) انظر: ص 24.

(6) الفقيه 1: 267- 1221، التهذيب 3: 241- 645، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 17

الحرج لا وجه له. و كذا كلام الكليني.

مع أنّ الصدوق لو أوجبها لما تركها مع ما له من العزّ و الاحترام عند سلاطين الشيعة و وزرائهم، و لو فعلها لنقل البتة، و لم يقل الشيخ: إنّ إلى زماننا هذا لم يصلّها إلّا الخلفاء و الأمراء «1».

و أمّا الكراجكي، فلتصريحه باشتراط الإمام المرضي المتمكّن. و شيوع إطلاق الإمام المرضي على الإمام المعصوم- كما صرّح به المحقق الخوانساري- واضح، و لا أقلّ من الاحتمال؛ مع أنّ كتاب تهذيب المسترشدين الذي نقل عنه ليس موجودا و لم ينقل عبارته إلّا في الرسالة الشهيدية التي أنكر جماعة كونها منه، و نقل بعض العلماء عن صاحب المعالم إنكار الرسالة، و لا بعد فيه، كما يظهر لمن تأمل فيها و في سائر ما ذكره الشهيد الثاني في سائر كتبه في صلاة الجمعة.

و أمّا الطبرسي، فلعدم ذكره إلّا وجوب الجمعة عند الإمامية، و كونهم أشدّ إيجابا لها من المخالفين، و لا دلالة له على عدم اشتراط الإمام بوجه أصلا.

و من هذا يظهر سرّ ما ذكرناه سابقا، من عدم ظهور مخالف من القدماء في انتفاء الوجوب العيني.

و قد نسب بعض الأخباريين القول بالوجوب إلى جماعة من المتأخرين، استنادا إلى مواظبتهم على هذه الصلاة «2»، مع أنّه لا دلالة لها عليه

أصلا.

و الحقّ هو الأوّل.

لنا

: اشتراط الوجوب العيني بالإمام المعصوم أو نائبه الخاص، و إذا انتفى الشرط انتفى المشروط. أمّا الثاني فظاهر.

و أمّا الأوّل فلوجوه من الأدلّة:
الأوّل: الأصول،

كأصالة البراءة عن الخطبة و الإصغاء إليها، و الركعتين، عند فقد من ذكر.

______________________________

(1) انظر: الخلاف 1: 627.

(2) كما في الحدائق 9: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 18

و لا يضر لنا هنا معارضتها بمثلها في ركعتي الظهر من القراءة و الركوع و السجود و غيرها ممّا يجب في الركعتين، إذ غاية التعارض الرجوع إلى التخيير فينتفي الوجوب العيني.

و كذا أصالة عدم توقيف الجمعة- على كون ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة- متعارضة مع أصالة عدم توقيف الظهر أيضا، حيث إنّه لا تتحقق الظهر الصحيحة مع الجمعة، و يرجع إلى التخيير.

و أمّا على المختار من أنّها ألفاظ للأعم فتبقى أصالة عدم توقيف الجمعة بلا معارض، حيث إنّه لا يعلم تحقق صلاة الجمعة و لو بالمعنى الأعم إذا لم يكن الإمام أو نائبه كما يأتي، بخلاف الظهر بالمعنى الأعم.

الثاني: الإجماع المحقّق

- المعلوم من تطابق فتاوى الفقهاء جيلا بعد جيل إلى زمن الشهيد الثاني- على الاشتراط، من غير ظهور مخالف، أو إلّا شاذّ نادر، حتّى إنّ صاحب مصائب النواصب «1»- مع شدّة اهتمامه في الردّ على الناصبي الطاعن علينا بترك الجمعة- لم ينقل القول بالوجوب إلّا عن الشهيد الثاني. و حتّى إنّ في المختلف لم ينقل إلّا القول بالحرمة و التخيير «2». و جعل الأردبيلي الشهيد بلا رفيق «3». و الخوانساري الوجوب من البدع المحدثة في هذه الأزمان، مع عموم البلوى في المسألة.

و تكثر دعوى الإجماع عليه بل تواتره، و قد صرّح بالتواتر جماعة «4»، بل قيل:

أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه «5»، و قد نقلنا فيما سبق خمسة أو ستة

______________________________

(1) و هو القاضي نور اللَّه التستري المستشهد في سنة 1019، و ألّف كتابه هذا ردّا على كتاب نواقض الروافض

لميرزا مخدوم الشريفي.

(2) المختلف: 108.

(3) مجمع الفائدة 2: 363.

(4) كما في كشف الغطاء: 251، و الرياض 1: 183.

(5) قاله المحقق الداماد في كتاب عيون المسائل، على ما حكاه في مفتاح الكرامة 3: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 19

و عشرين من دعاوي الإجماع عليه «1»، و عدّ بعضهم أزيد من أربعين دعوى عليه «2»، و في بعضها: أجمع علماؤنا قاطبة، و في آخر: أجمع علماؤنا الإمامية طبقة بعد طبقة من عصر أئمّتنا عليهم السلام إلى عصرنا على انتفاء الوجوب العيني في زمان الغيبة «3»، و في ثالث: غبّ دعوى الإجماع و عمل الطائفة على عدم الوجوب في سائر الأعصار و الأمصار، و في رابع: بلا خلاف بين أصحابنا «4»، و في خامس:

و ذلك إجماع أهل الأعصار، فإنّ من عهد النبي صلّى اللَّه عليه و آله إلى زماننا ما أقام الجمعة إلّا الخلفاء و الأمراء «5». إلى غير ذلك.

مضافا إلى كون ظهوره عندنا بحيث عدّه النواصب من معايبنا، قال صاحب نواقض الروافض: من هفواتهم لزوم ترك الجمعة.

و إلى إطباق علمائنا على تركه إلى زمن الشهيد الثاني مع تمكنّهم من الإتيان به في كثير من الأزمنة، كأزمنة الصفارية، و الديالمة، و سلاطين المغول لا سيّما الجايتو و ما بعده، و أزمنة آل مظفّر، و غيرها، بل في كثير من الأمكنة مطلقا، كسبزوار و قم و الحلّة، سيّما مع عدم تقاعدهم عمّا هو أعظم و أشدّ من ذلك بكثير، حتى ظهر منهم و شاع، كسبّ الشيخين، و تحليل المتعتين، و مسح الرجلين.

و لو لا ثبوت الإجماع في ذلك لما ثبت إجماع في الفروع أصلا و أبدا؛ و لا سيّما مع أنّه لو لا اشتراط الإمام أو منصوبه،

لشاع فعله بدونهما في زمن النبي و الولي و الحسن، حيث إنّهم لم يعيّنوا أميرا لكلّ بلدة بلدة، و قرية قرية، و كان يتخلّل بين عزل المنصوب و قيام الآخر زمان كثير لا محالة، فلو لا الشرط لفعله الفاقدون للمنصوب، و لو فعلوه لم يخف بهذه المثابة جدّا.

______________________________

(1) راجع ص 14.

(2) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

(3) حكاه عن المحقق الثاني في مفتاح الكرامة 3: 60

(4) كما في السرائر 1: 303.

(5) كما في الخلاف 1: 627.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 20

الثالث: المستفيضة من الأخبار:

منها:

رواية حمّاد بن عيسى: «إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالناس، ليس لأحد ذلك غيره» «1».

نفى التجميع عن غير الخليفة عن الرسول، و نائبه الخليفة عنه؛ و تخصيص النفي بحال الخليفة حتى يكون بيانا للحكم حال قدومه خلاف الأصل، كما أنّ عطفه على «جمّع» بحذف العاطف حتى يكون مقيّدا بالشرط كذلك من وجهين «2».

و حملها على التقيّة- لاشتراطها المصر الدال على عدم التجميع في غيره- مدفوع، بأنّ ذكر المصر هنا وارد مورد الغالب فلا اعتبار بمفهومه.

و ضعفها سندا- لو سلّم- مجبور بالشهرة المحققة و الإجماعات المحكيّة.

و منها:

رواية حفص: «ليس لأهل القرى جمعة» «3».

فإنّ نفيها عنهم عموما لا يمكن أن يكون لعدم تمكّنهم من الصلاة جماعة؛ لإمكانها فيها غالبا، كما ورد في بعض الأخبار الآتية أيضا. و لا لعدم وجود قادر على الخطبة؛ لوجوده أيضا في الأغلب، سيّما أدنى الخطبة التي يقدر عليه كلّ من يصلّي و لو بالتلقين، و هو: الحمد للَّه ربّ العالمين، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، حيّ على الفلاح، و سورة خفيفة. فلم يبق إلّا لعدم حضور الإمام عليه السلام أو نائبه، حيث إنّه لا يكون إلّا

في الأمصار، كما هو ظاهر.

و منها:

موثقة ابن بكير- الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-:

______________________________

(1) التهذيب 3: 23- 81، الوسائل 7: 339 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 20 ح 1.

(2) أحدهما حذف العاطف، و الآخر التعليق على الشرط. منه رحمة اللَّه.

(3) التهذيب 3: 248- 679، الاستبصار 1: 420- 1618، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 21

عن قوم في قرية ليس من يجمّع، أيصلّون الظهر يوم الجمعة جماعة؟ قال:

«نعم إذا لم يخافوا» «1».

أي من عدم حضور جماعة المخالفين حيث يقرب قريتهم مصر الجمعة، صرّحت بمغايرة إمام الجمعة لإمام الجماعة. و ليس التغاير في مجرّد القدرة على الخطبة، لتلازم القدرة على الجماعة و على أقلّ الواجب من الخطبة غالبا، بل دائما كما ذكرنا. فلم يبق إلّا العصمة أو النيابة بالإجماع. و لو منع، فيحصل الإجمال في الشرط، الموجب للإجمال في مخصص عمومات الجمعة، و العام المخصص بالمجمل ليس بحجّة.

و منها:

مرسلة الكافي: عن صلاة الجمعة [فقال ]: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» «2».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    22     الثالث: المستفيضة من الأخبار: ..... ص : 20

التقريب ما تقدّم، و معنى قوله وحده أي: بدون الإمام.

و منها:

موثقة سماعة: عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر. يعني إذا كان إمام يخطب، و أمّا إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» «3».

وجه الاستدلال: أنّ من المعلوم أنّ المراد بإمام يخطب ليس من كان مشتغلا بالخطبة، بل

من من شأنه ذلك، و لا يمكن أن يكون المراد شأنه بواسطة القدرة، لما عرفت من التلازم، فلا يكون إلّا باعتبار الصلاحية شرعا، و إطلاق مثل ذلك شائع، و ليس بعد القدرة و سائر ما يشترط في إمام الجماعة ما ينفي الصلوح إلّا فقد

______________________________

(1) التهذيب 3: 15- 55، الاستبصار 1: 417- 1599، قرب الاسناد: 169- 619، الوسائل 7: 327 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 1.

(2) لم نعثر عليها في الكافي و إنّما الموجود فيه موثقة سماعة الآتية، و قال في الرياض 1: 184 و جواهر الكلام 11: 160 إن تلك الموثقة وردت بنحو آخر في نسخة من الكافي، و أوردها أيضا في الوسائل 7: 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8.

(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 4، التهذيب 3: 19- 70، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 22

العصمة أو النيابة، و لو لم نقل بذلك فلا أقلّ من حصول الإجمال، المستلزم لوجوب الاقتصار على المتيقّن.

و منها:

صحيحة زرارة الآتية: «إنّما وضعت الركعتان اللّتان أضافهما النبي يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلّى بقوم يوم الجمعة في غير جماعة فليصلّها أربعا كالظهر في سائر الأيّام» «1».

أي في غير جماعة خاصة كما في شرح الروضة للهندي، أو في غير صلاة الجمعة كما في الوافي «2»، فتكون في الجمعة جماعة معتبرة غير المعهودة، و ليس إلّا مع الإمام، أو يكون مجملا.

و منها:

موثقة البقباق: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر» «3».

و التقريب ما مرّ، مع أنّ في الإتيان

بقوله: «لهم من يخطب» الدالّ على نوع اختصاص دون: فيهم من يخطب، إشعارا بعدم شمول من يخطب لكلّ من يقدر عليه.

و منها:

صحيحة محمّد: عن أناس في قرية، هل يصلّون الجمعة جماعة؟

قال: «نعم، يصلّونها أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب» «4».

وجه الاستدلال ما مرّ أيضا، هذا إذا جعلت لفظة «نعم» تصديقا لما قبلها و يجعل جملة «يصلّونها» مستأنفة، و أريد بالجمعة صلاة الجمعة. و لو جعلت تصديقا لقوله: «يصلّونها» بأن يراد بالجمعة الظهر دلّت الرواية بتقريب آخر مرّ

______________________________

(1) الكافي 3: 271 الصلاة ب 3 ح 1، الفقيه 1: 124- 600، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 6 ح 1.

(2) الوافي 8: 1121.

(3) التهذيب 3: 238- 634، الاستبصار 1: 420- 1614، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 3: 238- 633، الاستبصار 1: 419- 1613 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 23

أيضا، و هو دلالتها على مغايرة إمامي الجمعة و الجماعة.

و منها:

رواية طلحة: «لا جمعة إلّا في مصر تقام فيه الحدود» «1».

و ليس ذلك إلّا فيما كان فيه الإمام أو نائبه. و حمله على التقية لأجل اشتراط المصر، مردود بأنّه لأجل أنّ الإمام أو أميره لا يكون غالبا إلّا فيه؛ على أنّ إرادة مجتمع الناس عنه ممكنة، و كونه مجازا- لو سلّم- لا يضرّ، لأولويّته عن الحمل على التقية.

و منها:

الأخبار المتكثرة المشترطة لصلاة الجمعة بالإمام، كموثقة سماعة، و صحيحة زرارة، و مرسلة الكافي المتقدّمة «2».

و صحيحة زرارة: «لا يكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط، الإمام و أربعة» «3».

و الأخرى:

«صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام» «4».

و صحيحة محمّد: «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين، و معنى ذلك إذا كان إمام عادل» «5».

و الأخرى: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا يجب على أقلّ منهم: الإمام، و قاضيه، و المدعي حقا، و المدعى عليه، و الشاهدان، و الّذي

______________________________

(1) التهذيب 3: 239- 639، الاستبصار 1: 420- 1617، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 3 ح 3.

(2) في ص 21 و 22.

(3) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 4، التهذيب 3: 240- 640، الاستبصار 1:

419- 1612، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 2 ح 2.

(4) المحاسن: 85- 23، أمالي الصدوق: 392- 13، الوسائل 7: 297 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 8.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 2، التهذيب 3: 23- 80، الاستبصار 1: 421- 1620، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 7 ح 2؛ و لا يخفى انّ ذيل الحديث غير مذكور في الكافي و الاستبصار، و إنّما ذكر في التهذيب، و يحتمل قويا كونه من كلام الشيخ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 24

يضرب الحدود بين يدي الإمام» «1».

و صحيحة ابن عمّار في قنوت الجمعة: «إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، فإن كان يصلّي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع» «2».

و المروي في رجال الكشي بسنده المتصل من أصحابنا الإمامية إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمّعوا» «3».

دلّ بالمفهوم على نفي الجواز بدون الإمام، إلى غير ذلك.

دلّت هذه الأخبار على اشتراط وجوب الجمعة بوجود الإمام،

و المتبادر منه حين أطلق: المعصوم، كما صرّح به جماعة منهم التوني و الخوانساري. و لذا ترى جماعة من علماء العرب- منهم الفاضل في المنتهى «4»- قد حملوه عليه، و جماعة أخرى كالعماني و السيّد و الشيخ و الحلي أطلقوه «5» و أرادوا به إمام الأصل. و لذا لو فرض وجود المعصوم في بلد فقال أحد: كان الإمام في بيتي، يتبادر هو قطعا، و أمّا عدم التبادر حينئذ فللقرينة الحالية، و لذا لو قال أحد: رأيت الإمام في المنام يتبادر المعصوم، انظر إلى أنّه لو حكي عن زمان الظهور حكايات فقيل: قال الإمام وجاء الإمام و ذهب الإمام، لم يتبادر غير المعصوم.

و الظاهر- كما صرح به بعضهم «6»- أنّ الإمام لا يطلق على غيره إلّا بالقرينة، فيقال: إمام المسجد، و إمام الصلاة، و إمام البلد، و لذا ترى يطلق على

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1222، التهذيب 3: 20- 75، الاستبصار 1: 418- 1608، الوسائل 7:

305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.

(2) الكافي 3: 427 الصلاة ب 77 ح 2، التهذيب 3: 16- 59، الاستبصار 1: 417- 1603، الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 1.

(3) رجال الكشي 1: 389- 279 الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 11.

(4) المنتهى 1: 317.

(5) حكاه عن العماني في المختلف: 108، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 41، الشيخ في النهاية: 103، الحلي في السرائر 1: 303.

(6) كصاحب مفتاح الكرامة 3: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 25

الاثنا عشرية الإمامية، و لذا ورد في الأحاديث أنّ الإمام إمامان: إمام هدى و إمام ضلالة «1».

و قد أريد منه ذلك في الأخبار بحيث

يثبت منه تبادره عنه في تلك العهود، كما في صحيحة محمّد المتقدّمة «2» حيث أطلقه و أراد به إمام الأصل بقرينة قوله «و قاضيه».

و في رواية ابن سيابة: «و على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين يوم الجمعة إلى الجمعة، و يوم العيد إلى العيد، و يرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة ردّهم إلى السجن» «3».

و في رواية الرقّي: «إنّ الحجّة لا تقوم للَّه على خلقه إلّا بإمام، حتى يعرف» «4».

و رواية إسحاق: «إنّ الأرض لا تخلو إلّا و فيها إمام» «5».

و في صحيحة ابن أبي العلاء: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا» «6».

و في رواية أبي حمزة: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» «7».

و في رواية أبي هراسة: «لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها» «8».

و في رواية يونس: «لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان الإمام أحدهما» «9».

______________________________

(1) الكافي 1: 215 الحجّة ب 25 ح 1.

(2) في ص 23.

(3) التهذيب 3: 285- 852، الوسائل 7: 340 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 21 ح 1.

(4) الكافي 1: 177 الحجّة ب 4 ح 1.

(5) الكافي 1: 178 الحجّة ب 5 ح 2.

(6) الكافي 1: 178 الحجّة ب 5 ح 1.

(7) الكافي 1: 179 الحجّة ب 5 ح 10.

(8) الكافي 1: 179 الحجّة ب 5 ح 12.

(9) الكافي 1: 180 الحجّة ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 26

و في الحديث المشهور: «من مات و لم يعرف إمام زمانه ..» «1».

بل في الآية الشريفة وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً «2».

و قال في حق إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «3».

بل صرّح بعض العلماء

أنّ الإمام في مقابل الرعية.

سلّمنا عدم تبادر مطلق الإمام، و لكن لا شكّ أنّ المراد من الإمام العادل- المذكور في صحيحة محمّد «4»- حيث يطلق في الأخبار هو إمام الأصل، كما لا يخفى على المتتبع في الأخبار.

ففي التهذيب عن الباقر عليه السلام: فيمن قتل ناصبيّا غضبا للَّه تعالى [و لرسوله، أ يقتل به؟] قال: «أما هؤلاء فيقتلونه، و لو رفع إلى إمام عادل لم يقتله به» «5».

و في الكافي و الفقيه عن الصادق عليه السلام: في امرأة قتلت من قصدها بحرام إنّه: «ليس عليها شي ء، و إن قدّمت إلى إمام عادل هدر دمه» «6».

و في الكافي عن الرسول صلّى اللَّه عليه و آله: «ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، و حدّ يقام في أرضه أفضل من مطر أربعين صباحا» «7».

______________________________

(1) المحاسن: 153- 78.

(2) القصص: 5.

(3) البقرة: 124.

(4) راجع ص 23، الهامش رقم (5)، و قد ذكرنا أنّ جملة: «و معنى ذلك إذا كان إمام عادل» يحتمل كونها من كلام الشيخ في التهذيب.

(5) التهذيب 10: 213- 843، الوسائل 29: 132 أبواب القصاص في النفس ب 68 ح 1. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(6) الكافي 7: 291 الديات ب 4 ح 2، الفقيه 4: 75- 232، الوسائل 29: 61 أبواب القصاص في النفس ب 23 ح 1.

(7) الكافي 7: 175 الحدود ب 1 ح 8، الوسائل 18: 12 أبواب مقدمات الحدود ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 27

و في الكافي أيضا، عنه: «لا غزو إلّا مع إمام عادل» «1».

و في التهذيب في باب قتال أهل البغي، عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنّه قال: «إن خرجوا على إمام عادل فقاتلوهم،

و إن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم» «2».

و في التهذيب في باب حدّ السرقة: «إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه، فإذا كان من إمام عادل عليه القطع» «3».

و في المحاسن عن الباقر عليه السلام: «من دان اللَّه بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل فهو غير مقبول» «4».

و في رواية ثواب زيارة الحسين عليه السلام: «من أتى الحسين عارفا بحقّه» إلى قوله: «و عشرين حجّة مقبولة و عمرة مع نبي مرسل أو إمام عادل» «5».

و في رواية أبي بصير: «إنّ اللَّه أجّل و أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل» «6».

سلّمنا عدم تبادر الإمام في إمام الأصل، و لكن لا شك في وجوب الحمل عليه مع القرينة، و أيّ قرينة أقوى و أدلّ ممّا ذكر من فهم الأصحاب، و الإجماعات المنقولة متواترة، و الأخبار المتقدّمة الظاهرة أو المشعرة بذلك، و سائر ما تقدّم.

مع أنّ قوله في صحيحة محمّد: «الإمام و قاضيه» صريح في إمام الأصل، و هذه الصحيحة بنفسها كافية في إثبات المطلوب. و لا يضرّ اشتمالها على غير الإمام ممّن لا نقول باشتراطه؛ لأنّ خروج بعض الحديث بدليل عن ظاهره أو الحجيّة لا

______________________________

(1) الكافي 5: 20 الجهاد ب 5 ح 1، الوسائل 15: 43 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 10 ح 2.

(2) التهذيب 6: 145- 252، الوسائل 15: 80 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 26 ح 3.

(3) التهذيب 10: 628- 510، الوسائل 28: 289 أبواب حد السرقة ب 24 ح 5.

(4) المحاسن: 92- 47.

(5) الكافي 4: 580 الحجّ ب 20 ح 1، الفقيه 2: 346- 1586، التهذيب 6: 46- 101، الوسائل 14: 459

أبواب المزار و ما يناسبه ب 49 ح 1.

(6) الكافي 1: 178 الحجّة ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 28

يوجب خروج الباقي. مع أنّ المحكي عن صاحب نوادر الحكمة و الفقيه و الهداية الفتوى بمضمون الجميع «1».

سلّمنا عدم القرينة، فيكون الإمام مجملا، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن، مضافا إلى أنّه بعد الإجمال- فحيث خصّ وجوب الجمعة به- تخرج أخبار الوجوب في غير موضع الإجماع عن الحجيّة.

فإن قيل:

لا إجمال فيه، بل المراد منه من يقتدى به و يتّبع أو يقصد، و هذا أمر معلوم.

قلنا:

من أين علم انحصار معناه في ذلك لغة حتى يجب الأخذ به فيما لا قرينة فيه، و الأصل يجزي لو لم يعلم استعماله في غير ذلك المعنى أيضا، مع العلم بالوضع لذلك، و قد فسّره في القاموس بمعان، منها: قيّم الأمر المصلح له، و النبي، و الخليفة، و الدليل «2»، و قد فسّر اللغويّون الامّ بالأصل «3»، فيمكن أن يكون مأخوذا منه.

سلّمنا، و لكن لا شك أنّه لم يوضع لكلّ متبّع و مقصود و لو لأمر سهل، كمن قصد رؤيته أو التكلّم معه، أو من يتّبع و يقتدى به في جلوس في مكان، أو التكلّم بكلام و نحو ذلك؛ بل يلزم فيه شي ء آخر إمّا اتّباع أكثريّ بل مع وجوبه، أو غير ذلك، فمن أين ثبت إطلاقه حقيقة في عهد المعصومين على من يتّبع في ركوع و سجود و تسليم؟.

فإن قيل:

استعمل لفظ الإمام في الأخبار في إمام الأصل و الجماعة، و الأصل عدم التجوّز، فيكون للقدر المشترك.

قلنا:

فيكون مجازا في الخصوصيات مع استعماله فيها، فالتجوّز لازم على ذلك أيضا، و هذا ليس بأولى من التجوّز في إمام الجماعة خاصّة.

______________________________

(1) الفقيه

1: 267- 1222، الهداية: 34.

(2) القاموس المحيط 4: 78.

(3) انظر: القاموس المحيط 4: 77، و مجمع البحرين 6: 9، و أقرب الموارد 1: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 29

و منها:

المروي في العلل و العيون: فإن قال قائل: فلم صارت الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين و إذا كان بغير إمام ركعتين و ركعتين؟ قيل: لعلل شتّى- إلى أن قال-: و منها أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل، لعلمه و فقهه و فضله و عدله- إلى أن قال-: فإن قال قائل: فلم جعلت الخطبة؟ قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم عن المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق- إلى أن قال-: و ليس بفاعل غيره ممن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة. فإن قال: فلم جعلت خطبتين؟- إلى أن قال-: و الأخرى للحوائج و الأعذار و الإنذار و الدعاء و ما يريد به أن يعلمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد «1».

جعل عليه السلام أوّلا علّة الركعتين علم الإمام وفقهه و فضله، و ظاهر أنّ مجرّد كونه كذلك في بعض الأوقات لا يصلح علّة للسقوط دائما، فلا بدّ من اشتراط هذه الأوصاف في الإمام، و لا يشترط في إمام الجماعة اتّفاقا، فيكون إمام الجمعة غيره، فهو إمّا الفقيه أو إمام الأصل، لعدم الفصل، ثمَّ بملاحظة ما يلحقه من الكلام يتعيّن الثاني.

و ثانيا علّة الخطبة حصول سبب للأمير، و ليس هو إلّا الإمام أو نائبه الخاص، ثمَّ قال: «و توقيفهم على ما أراد» و ليس هذا شأن كلّ

إمام جماعة. ثمَّ قال: «و ليس بفاعل غيره» ثمَّ قال: «و ما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه».

و إثبات شي ء من العلم و الفقه و الفضل لكلّ إمام جماعة- مع أنّه ممنوع- يجعل العلّة لغوا.

و كون العلل الشرعيّة معرّفات إنّما هي في الأدلّة و الأسباب، دون ما يعلّل به الأحكام، فإنّ الأصل فيها العلّية الحقيقية التامّة.

______________________________

(1) العلل: 264، العيون 2: 109، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 6 ح 3 و 39 ب 25 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 30

و تعميم الأمير لكلّ من يصلح لأمر و لو للأمر بالمعروف، خلاف الظاهر، بل هو جدّا بارد.

و ضعف بعض هذه الأخبار- لو سلّم- بما مرّ مجبور.

و هنا أمور أخر، كلّ منها يؤيّد المطلوب قويّا، بل باجتماعها يحصل العلم به، كعبارة الصحيفة السجّادية في دعاء الجمعة و الأضحى «1».

و ما روي عن أهل البيت عليهم السلام: «أنّ في كلّ جمعة وعيد يتجدّد حزن لآل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم» «2».

فإنّه لو لا أنّ صلاة اليومين من حقّ الإمام فأيّ حقّ يرى في اليومين لا يرى في غيرهما من الأيّام. و تداول إبراز الأمراء عظمتهم و شوكتهم فيهما لا يفيد؛ لأنّ الشوكة ليست حقّا لشخص، مع أنّها ترى في سائر الأيّام أيضا.

فذلك صريح في المطلوب، إلّا أنّه لما كان المرويّ في التهذيب بدون لفظ الجمعة، و إنّما روي معه في طائفة من كتب الأصحاب جعلناه مؤيّدا.

و النبويّين «3»: أحدهما: «أربع إلى الولاة: الفي ء، و الحدود، و الجمعة، و الصدقات» و الآخر: «إنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين».

و استمرار عمل النبيّ و الوليّ و غيرهما

من المتمكّنين في تعيين إمام الجمعة.

و صحيحة زرارة: حثّنا أبو عبد اللَّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم» «4».

و موثقّة عبد الملك: قال: «مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللَّه تعالى»

______________________________

(1) و هي: «اللّهم إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها ..».

(2) التهذيب 3: 289- 870، الوسائل 7: 475 أبواب صلاة العيد ب 31 ح 1.

(3) لم نجدهما في الكتب الحديثية التي بأيدينا، و أورد النبوي الأول في المنتهى 1: 317 عن الجمهور، و أوردهما في الرياض 1: 183 معبّرا عنهما بالنبويين المشهورين.

(4) التهذيب 3: 239- 635، الاستبصار 1: 420- 1615، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 31

فقلت: كيف أصنع؟ قال: «صلّوا جماعة، يعني صلاة الجمعة» «1».

دلّتا على ترك زرارة و عبد الملك لها، و مثلهما لا يتركان الفريضة الكذائية لو لا لها شرط لم يتمكّنا منه، سيّما مع قراءتهما سورة الجمعة، و رواية زرارة أكثر أخبار وجوبها. و لا يمكن أن يكون تركهما للتقيّة؛ لأنّها إن أمكن لهما بدونها فلا معنى للتقيّة، و إلّا فلا معنى للحثّ على ترك التقيّة.

مع أنّ في قول زرارة: حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، دلالة واضحة على المطلوب، إذ لو لا أنّها منصبه لما كان لذلك الظنّ و قوله: «نغدو عليك» وجه، بل كان المناسب أن يقول: حتّى ظننت أنّه يجوز فعلها عقيب الفاسق أيضا.

و أظهر منه قول عبد الملك: فكيف أصنع، حيث تحيّر و اضطرب، و لو لا اشتراط إذن الإمام

لم يكن لذلك وجه. و ظاهر أنّه لم يكن مراده كيف أصنع مع وجود التقيّة، إذ لم يكن جوابه حينئذ «صلّوا جماعة».

و حسنة محمّد و زرارة: «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين» «2».

و نحوها حسنة محمّد، و زاد فيها: «فإن زاد على ذلك فليس عليه شي ء» «3».

و غيرهما ممّا دلّ على أنّها لا تجب على من كان بينه و بينها أزيد من فرسخين؛ فإنّه لو لا كون الجمعة منصب شخص معيّن لم يكن لها موضع معيّن، و لم يكن لنفي وجوبها عمّن بعد عنها بالزائد عن الفرسخين على الإطلاق وجه.

و أيضا: من الأمور البديهيّة وقوع الاختلاف بين الفقهاء في نفس العدالة، و موجباتها، و نواقضها، و الكبائر، و أصالة الفسق و العدالة، بحيث لا يكاد يتحقّق فقيهان متفقان في جميع ذلك. و لا شكّ أنّ الفاقد للمرتبة العليا فاسق عند المشترط

______________________________

(1) التهذيب 3: 239- 638، الاستبصار 1: 420- 1616، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 5 ح 2.

(2) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 2، التهذيب 3: 240- 643، الاستبصار 1:

421- 1620، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 5.

(3) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 3، التهذيب 3: 240- 641، الاستبصار 1:

421- 1619، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 32

لها في العدالة، و الأغلب في البلاد سيّما الكبيرة و ما حواها وجود فقهاء كثيرة، و لا أقلّ من فقيهين، أو وجود مقلّدي فقهاء أخر.

و على هذا فنقول: لو لم يشترط الإمام، و وجب عينا على الأعيان، فلا يخلو إمّا يجب على

الجميع الائتمام بواحد، و لو كان فاسقا عنده، أو لا.

و الأوّل باطل.

و على الثاني فإمّا يجب على الجميع الائتمام بصاحب المرتبة العليا، أو لا.

و الأوّل فاسد؛ للإجماع القطعيّ على عدم اشتراط ذلك الشرط.

و على الثاني فإمّا تجب على كلّ إقامة جمعة مع مقلّديه، أو مع من يقلّد مجتهده في بلد واحد، أو لا.

و الأوّل غير جائز إجماعا، و كذا الثاني؛ للإجماع على عدم الاشتراط بعدم إقامة جمعة ممنّ ليس هو بعادل عنده، فلم يبق إلّا انتفاء الوجوب العينيّ.

و لو قلنا بعدم جواز ائتمام المجتهد أو مقلّده بمجتهد آخر أو مقلّده، المخالف له في بعض مسائل الصلاة- كما اختاره بعضهم- سيّما مع ظهور أنّه لا يتفق مجتهدان متفقان في جميع مسائل الصلاة و مقدّماتها، يصير المحذور أشدّ، و المطلوب أوضح.

و أيضا: من البديهيّات وجود عدول عديدة صالحين لإمامة الجماعة و الخطبة في أكثر البلاد و ما يقربها إلى فرسخين، حتّى نشاهد إقامة قريب من مائة صلاة الجماعة في المدن الكبيرة و قرأها.

و على هذا فنقول: لو وجبت الجمعة عينا، و لم تكن منصبا لمعيّن يجب على الكلّ الحضور إلى جمعته، فإمّا أن يكون بناء أحد هؤلاء العدول على إمامة الجمعة، أم لا.

فعلى الأوّل إمّا يجب على الباقين الحضور إلى جماعته، أم لا.

و الأوّل باطل قطعا؛ ضرورة عدم دليل على أنّ إرادة واحد لها و بناءه يوجب تعيينه و عدم جواز إمامة غيره ممّن هو مثله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 33

و على الثاني- و كذا على عدم بناء واحد منهم على الإمامة- إمّا لا يجب عليهم تعيين إمام لها قبل الزوال، أو يجب.

و الأوّل باطل؛ لأنّه إذا لم يجب عليهم ذلك، فإذا دخل الزوال إمّا

تجب إمامة الجمعة على كلّ هؤلاء العدول، أو على واحد مع عدم إمكان درك الجميع جمعته من رأس الفرسخين أو الفرسخ، بل الأقلّ أيضا سيّما مع عدم الاطّلاع و القسمان باطلان.

و على الثاني، أي وجوب التعيين قبل الزوال- فمع عدم دليل عليه، و استلزامه مفاسد لو اختلفوا في التعيين، و لا دليل على ما يرفع شيئا منها- إمّا يجتمعون على تعيين واحد، أو لا، بل يتركون ذلك الواجب.

فعلى الأوّل إمّا لا يتعيّن شرعا بهذا التعيين، أو يتعين.

و الأوّل باطل؛ لاستلزامه انتفاء فائدة وجوب التعيين، بل عود المحذورات اللازمة على عدم وجوب التعيين.

و إن تعيّن شرعا فإمّا لا تبطل جمعة غيره لو شرع فيها بعد التعيين، أو تبطل.

و الأوّل ينفي فائدة وجوب التعيين، و تعود المحذورات، و الثاني يوجب زيادة شرط في إمام الجمعة لم يقل به أحد.

و إن لم يجتمعوا على التعيين حتّى دخل الزوال، فإمّا تجوز لكلّ منهم إقامة الجمعة، أو لواحد منهم.

و القسمان باطلان كما مرّ.

فلم يبق إلّا عدم وجوب الجمعة إلّا مع من عيّنه اللَّه سبحانه.

و أيضا: من الضروريّات اشتراط العدالة في إمام الجمعة، و على هذا فإمّا يجب على كلّ من في البلد و ما دون الفرسخ من القرى تحصيل العلم بعدالة واحد معيّن شرعا، أو لا.

و الأوّل باطل، سيّما في المدن الكبيرة الكثيرة القرى، كأصبهان و شام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 34

و قسطنطنية و نحوها؛ إذ حصول ذلك ليس اختياريا، سيّما مع اختلاف العلماء في العدالة و منافياتها، فالتكليف به تكليف بغير الاختياريّ.

فتعيّن الثاني، و حينئذ فإذا لم تظهر عدالة الإمام لجماعة بل للأكثر، كما هو الأغلب، فإمّا تجب عليهم إقامة جمعة أخرى، أو تسقط الجمعة عنهم.

و القسمان

باطلان، أمّا الأوّل، فللزوم إقامة جمعتين فيما دون فرسخ، بل في مسجد و هو باطل، سيّما مع عدم العلم ببطلان جمعة اخرى، و أمّا الثاني فظاهر.

فإن قيل:

يجب عليهم الخروج إلى ما فوق الفرسخ.

قلنا

- مع أنّه لا دليل عليه، و أنّه في الأكثر يورث الفتنة-: قد لا يمكن الخروج لحرّ أو برد أو خوف، أو تقام الجمعة أيضا من مجهول لهؤلاء فيما فوق الفرسخ، أو لم ييأسوا من ظهور عدالة الأوّل إلى أوّل الزوال، أو لم يعيّن الإمام إلّا حينئذ، مع أنّ اجتماع جميع هؤلاء على واحد أيضا قد لا يتيسّر، فيلزم خروج جماعات إلى أطراف، إلى غير ذلك من المفاسد. فيلزم أن يكون منصب إمامة الجمعة معيّنا من جانب اللَّه سبحانه.

و الإنصاف أنّ هذه الوجوه من الأدلة القويّة على نفي الوجوب العينيّ في زمن الغيبة.

و ممّا يؤكّد نفيه: أنّه كان النبيّ و الخلفاء بعده يعيّنون لصلاة الجمعة، كما كانوا يعيّنون للأمارة و الحكومة.

و ممّا يؤكّده أيضا: كثرة الأخبار الدالّة على الوجوب بزعم الموجبين، مع ذهاب أكثر المتقدّمين و المتأخّرين إلى نفيه، و عدم العمل بها مع اطّلاعهم على هذه الأحاديث.

و أيضا:

يحكم العرف و العادة بأنّ صلاة الجمعة لو كانت واجبة كصلاة العصر، و سائر الصلوات اليوميّة لشاع ذلك، بحيث لا يشكّ فيه أحد، بل صار من الضروريّات كسائر الصلوات، و لم يكن بهذه المثابة حتّى إنّه لم يفعلها من العلماء الإمامية في قريب من ألف سنة إلى زمن الشهيد الثاني، و لم يشتهر وجوبها،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 35

بل ذهب كثير منهم إلى حرمتها.

فإن قيل:

لعلّ التقيّة كانت مانعة.

قلنا:

هل التقيّة فيه كانت أشدّ منها في أمر المتعة؟ مع كونها مستحبّة، و مع ذلك صار

ضروريّا. و كذا مسح الرجلين، و السجود على الأرض، و عدم جواز التكفير، إلى غير ذلك.

احتجّ المثبتون للوجوب العيني بوجوه:
الأوّل: الآية

. و قد عرفت عدم دلالتها «1»

و الثاني: الاستصحاب

، فإنّ الجمعة كانت واجبة في زمن النبي صلّى اللَّه عليه و آله و خلفائه فيستصحب.

و يردّ أولا:

بمعارضته باستصحاب وجوب الظهر و عدم وجوب الجمعة، فإنّ قبل إيجاب الجمعة كان الظهر واجبا، و الجمعة غير واجبة، فإنّه علم انتفاء لأوّل و ثبوت الثاني إلى زمان تمكّن المعصوم، و لم يعلم فيما بعده، فيستصحب وجوب الأوّل و عدم وجوب الثاني.

و ثانيا:

بمعارضته باستصحاب وجوب الظهر في زمان نزول الجمعة على من لم يتمكّن من حضور جمعة المعصوم.

فإن قلت:

لا ينافي ذلك عند من يشترط المعصوم في عهده لكلّ أحد، و لو لم يتمكّن الحضور إلى جمعته.

قلنا:

فيسقط استصحابك رأسا؛ إذ على هذا يكون الاشتراط في عهده مسلّما، و لا يجري الاستصحاب في الواجب المشروط.

و ثالثا:

بأنّ الأصل في الواجب ما دام الوصف كونه بشرطه، فلا يجري الاستصحاب. إلّا أنّ تمامية ذلك إنّما هي على ما يأتي من عدم تماميّة دلالة الظواهر على وجوب الجمعة مطلقا. و إلّا فلا يتمّ؛ لأنّ الواجب ما دام الوصف لو ثبت

______________________________

(1) راجع ص 9

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 36

بالإطلاق، فالأصل فيه ليس كونه بشرطه.

و رابعا:

بانتفاء الاستصحاب بما مرّ من الأدلّة على الاشتراط.

و قد يجاب عن الاستصحاب أيضا: بتغيّر الموضوع، فإنّ موضوع الوجوب الموجودون في زمانهم، و النزاع في غيرهم.

و يضعّف:

بفرض الكلام في شخص واحد مدرك للزمانين، و يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

الثالث: أصل عدم اشتراط المعصوم

، فإنّه لا خلاف في اشتراط إمام الجماعة، و الشك في اشتراط الزائد، فينفى بالأصل.

و جوابه أوّلا:

أنّه إن أريد إجراء الأصل من دون ملاحظة ما يدّعيه من إطلاقات وجوب الجمعة الآتية، فالأصل مع الاشتراط؛ لأصالة عدم الوجوب بدون الشرط.

و إن أريد إجراؤه بملاحظة الإطلاقات، فهو إنّما يتمّ إن تمّت دلالتها على وجوب

صلاة الجمعة مطلقا، ثمَّ على ثبوت أنّ صلاة الجمعة صادقة على ما يقتدى فيه بغير إمام الأصل، و سيأتي عدم التماميّة.

و ثانيا:

أنّ الأصل إنّما يعمل به إذا لم يكن هناك دليل يخرج عنه، و إنّا قد بينّا الدليل على اشتراط إمام الأصل أو نائبه، و لو منع صراحة ما مرّ فيه فغايته الإجمال، و به تخرج مطلقات وجوب الجمعة عن الحجيّة.

سلّمنا حجيّة المخصّص بالمجمل، و لازمه حجيّة مطلقات الظهر أيضا، كالمروي في الكافي في باب التفويض: إنّ الرسول زاد ركعتين في الظهر و العصر و العشاء، فلا يجوز تركهنّ إلّا في سفر، و لم يرخّص رسول اللَّه لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما، بل ألزمهم إلزاما واجبا، و لم يرخّص لأحد في شي ء من ذلك إلّا للمسافر «1».

و صحيحة زرارة: «عشر ركعات: ركعتان من الظهر، و ركعتان من

______________________________

(1) الكافي 1: 266 الحجّة ب 52 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 37

العصر، و ركعتا الصبح، و ركعتا المغرب، و ركعتا العشاء الآخرة، لا يجوز الوهم فيهن»- إلى أن قال-: «و هي الصلاة التي فرضها اللَّه على المؤمنين في القرآن، و فوض إلى محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات» «1».

و موثّقة سماعة: «إذا زالت الشمس فصلّ ثماني ركعات، ثمَّ صلّ الفريضة أربعا، فإذا فرغت من سبحتك، قصرت أو طوّلت، فصلّ العصر» «2».

و صحيحة محمّد بن أحمد: «إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الصلاة، و بين يديها سبحة، و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصرت، ثمَّ صلّ الظهر» «3» إلى غير ذلك.

فتتعارضان بالعموم من وجه، و يرجع في مورد التعارض إلى التخيير.

الرابع: الروايات العديدة:

كصحيحة زرارة: «فرض اللَّه تعالى

على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة [واحدة] «4» فرضها اللَّه عزّ و جلّ في جماعة، و هي الجمعة» «5».

و صحيحة أبي بصير و محمّد: «إنّ اللَّه فرض في كل سبعة أيام خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة» «6».

و اخرى لزرارة: على من تجب الجمعة؟ قال: «على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم

______________________________

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 12.

(2) التهذيب 2: 245- 976، الاستبصار 1: 249- 895، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 11.

(3) التهذيب 2: 249- 990، الاستبصار 1: 254- 913، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13.

(4) في النسخ: واجبة، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 6، الفقيه 1: 266- 1217، التهذيب 3: 21- 77، الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 1.

(6) الكافي 3: 418 الصلاة ب 73 ح 1، الوسائل 7: 299 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 38

يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» «1».

و ثالثة له قد تقدّمت «2»: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط: الإمام و أربعة».

و رابعة له قد تقدّمت أيضا «3»: «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل ثلاث جمع من غير علّة فقد ترك ثلاث فرائض».

و صحيحة منصور: «يجمّع القوم إذا كانوا

خمسة فما زاد»- إلى أن قال-:

«الجمعة واجبة على كلّ أحد، و لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة» «4».

و صحيحة زرارة أيضا: «الجمعة واجبة على من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة» «5».

و صحيحة عمر بن يزيد: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة» «6».

و صحيحة أخرى لأبي بصير و محمّد: «من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات طبع اللَّه على قلبه» «7» و قريبة منها روايات أخر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 2 ح 4.

(2) في ص 23.

(3) في ص 23.

(4) التهذيب 3: 239- 636، الاستبصار 1: 419- 1610، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 2 ح 7.

(5) التهذيب 3: 240- 642، الاستبصار 1: 421- 1621، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 1.

(6) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 24 ح 2.

(7) التهذيب 3: 238- 632، المحاسن: 85- 22، الوسائل 7: 299 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 39

و النبوي المروي في بعض الكتب: «كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة» «1».

و الآخر: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ اللَّه على قلوبهم» «2».

و الثالث خطبته عليه السلام: «إنّ اللَّه فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي و له إمام عادل، استخفافا بها أو جحودا لها، فلا جمع اللَّه شمله، و لا بارك له في أمره» «3» الحديث.

و صحيحة محمّد المتقدّمة: «تجب الجمعة على من كان منها على رأس

فرسخين، و معنى ذلك إذا كان إمام عادل» «4».

و صحيحة زرارة السابقة أيضا، المصدّرة بقوله: حثّنا أبو عبد اللَّه ..» «5».

و موثّقات البقباق، و سماعة، و عبد الملك المتقدمة جميعا «6»، و غير ذلك ممّا هو بمضمون ما مرّ أو قريب منه.

و الجواب عنها

- مع أنّ بعض هذه الأخبار خطاب مشافهة، و لا يثبت العموم فيها- إمّا بالخصوص أو الكلّية.

أمّا الأوّل:

فأمّا عن الاولى:

فبعدم دلالتها على أزيد من أنّ بعضا من الخمسة و الثلاثين الواجبة من الجمعة إلى الجمعة صلاة الجمعة، و هو أعمّ من أن يكون واحدا منها، أو فردا من واحد، فإنه إذا كانت الجمعة واجبة في بعض

______________________________

(1) المعتبر 2: 277، الوسائل 7: 301 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 22، و قريب منه في كنز العمّال 7: 721- 21092.

(2) صحيح مسلم 2: 591- 865.

(3) سنن ابن ماجه 1: 343- 1081.

(4) راجع ص 23.

(5) راجع ص 30.

(6) راجع ص 22، 21، 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 40

الأوقات، و الظهر في بعض، أو الأوّل على بعض الأشخاص- كما في زمن الغيبة على من يحضر عند الإمام الغائب من أولاده و أصحابه- و الثاني على بعض آخر، فلا محالة تكون الجمعة بعضا من الخمسة و الثلاثين.

و لو لم تصدق البعضيّة على مثل ذلك، لم تصدق على صلاة الجمعة أصلا؛ لعدم وجوبها في شي ء من الأزمنة على قرية ليس فيها من لا يصلح للإمامة، أو طائفة كذلك، و لا على المرأة و المسافر، و المملوك و المريض و غير ذلك.

و الحاصل: أنّا نسلم وجوب الخمسة و الثلاثين صلاة في كلّ جمعة إلى الجمعة على الناس، و أنّ بعضا منها صلاة واجبة تجب فيها

الجماعة، و لكن لا نسلّم أنّ هذا البعض واجب على الكلّ؛ لصدق البعضيّة بوجوبه «1» في الجملة.

بل لا يمكن أن يراد أنه واجب على الكلّ؛ ضرورة عدم وجوبه على كثير من الناس. و لا يمكن أن يقال: خرج ما خرج بالدليل؛ لأنّ هذا إنّما هو على تقدير وجود لفظ عامّ، كأن يقول: منها صلاة واجبة على الكلّ، و ليس كذلك، بل يجب التقدير، فلا يقدّر إلّا ما علم وجوب تقديره، فمن أين يقدّر ما يعمّ فاقد الإمام أيضا؟.

مع أنّ في كثير من النسخ هكذا: «فرض اللَّه تعالى على أولئك الناس» و على هذا، فيسقط الاستدلال رأسا؛ لجواز أن يكون إشارة إلى أهل زمانه عليه السلام.

و أمّا عن الثانية:

فبأنّا نسلّم أنّ بعضا من الخمسة و الثلاثين ممّا يجب على كلّ مسلم أن يشهدها و يحضرها، و لكن بيّن لنا ذلك البعض، هل هو الركعتان الصادرتان من مطلق إمام الجماعة، أو من إمام الأصل؟.

و وجوبه على كلّ مسلم لا يدلّ إلّا على وجوبه عليهم عند تحقق شرائطه، ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال: إنّ الصلوات الواجبة كثيرة، منها ما يجب على كلّ

______________________________

(1) في «ق»: بوقوعه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 41

مسلم، و هو صلاة الزلزلة، مع أنّه قد لا تتحقّق الزلزلة في مائة سنة إلّا مرّة واحدة، و لا تقع في بعض الأصقاع أصلا.

مع أنّ قوله: «كلّ مسلم» متعلّق بقوله: «أن يشهدها» و الشهود يتوقّف على التحقّق، فالمعنى: يجب على كلّ مسلم أن يشهدها لو تحقّقت. و لا نزاع في ذلك.

و تفسير «يشهدها» بأن يفعلها خلاف الحقيقة.

و أمّا عن الثالثة و الرابعة و الخامسة:

فبتعليق الوجوب فيها على الإمام و هو لو لم يكن ظاهرا في إمام

الأصل، يكون محتملا له قطعا، فلا يعلم الوجوب بدونه.

و لا يفيد إطلاق البعض في قوله: «أمّهم بعضهم» في أولاها؛ إذ ظاهر أنّ الإضافة فيه للعهد، إذ هذا البعض هو الإمام الذي ذكره بقوله: «أحدهم الإمام» مضافا إلى احتمال كون الذي من كلام الصدوق.

مع أنّ ما يدلّ على الوجوب في الاولى و هو قوله: «على سبعة نفر» لا عموم فيه، و ما فيه العموم و هو قوله: «فإذا اجتمع ..» لا دلالة فيه على الوجوب.

و في الثانية لا دلالة إلّا على نفي الوجوب على الأقلّ من خمسة، و أمّا الوجوب على كلّ خمسة فلا.

و أمّا عن السادسة:

فبعدم دلالة صدرها على وجوب أصلا؛ لخلوّه عن الدالّ عليه، مع ما فيه من إجمال التجميع، لما يأتي.

و أمّا ذيلها فلم يوجب إلّا الجمعة، و هي حقيقة في اليوم المعهود مجاز في غيره، و المعنى المجازي المراد له عليه السلام غير معلوم لنا، فكما يمكن أن يكون الركعتين مع إمام الجماعة، يمكن أن يكون ما كان مع إمام الأصل، أو ما كان يصلّى في زمان الظهور، و هو ما كان مع الخلفاء و الولاة. و ظهورها في هذا الزمان في مطلق صلاة الجمعة- لو سلّم- لا يفيد؛ لأصالة عدم الظهور في زمان الصدور.

و منه يظهر الجواب عن السابعة أيضا

، مضافا إلى أنّ الوجوب فيها غير باق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 42

على معناه الحقيقي؛ ضرورة عدم الوجوب على كلّ من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة.

و تخصيص الوجوب بمن كان على أقلّ من فرسخين، ليس أولى من التجوّز في الوجوب، مع أنّه لا يلائم تتمّة الحديث حيث قال عليه السلام: «و كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و

آله إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيّام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل».

فإنّ مع التخصيص المذكور لم يكن الرجوع موقوفا على التأخير.

و أمّا عن الثامنة:

فبعدم عموم فيها أصلا؛ لعدم تعيّن المرجع في قوله:

«كانوا» و «ليلبس» عندنا، فلعلّه كان من فيهم إمام الأصل، و إرجاعه إلى المسلمين أو الناس لا دليل عليه، مضافا إلى أنّ عطف ما ليس بواجب قطعا على قوله «فليصلّوا» يوهن في وجوبه أيضا.

و أمّا عن التاسعة و ما بمعناها:

مع ضعف أكثرها سندا، فبعدم الدلالة على الوجوب أصلا؛ إذ قد تحصل من ارتكاب المكروه أو ترك المستحب كدرة في القلب أيضا، و لذا ورد أشدّ من ذلك في ترك بعض المستحبات أيضا، سيّما مع أنّه رتّب الطبع و ما بمعناه على ترك ثلاث جمع المتّصفة بالمتوالية، و سيّما مع التقييد في بعض تلك الروايات بتركها تهاونا بها.

مضافا إلى أنّ إرادة الركعتين مع الخطبتين من لفظ الجمعة- الحقيقة في اليوم- غير معلومة بل إرادتهما مع صدورهما عن الإمام ممكنة، بل يمكن أن يكون المراد غسل الجمعة أيضا.

و منه يظهر الجواب عن العاشرة و الحادية عشرة

، مع أنّهما خاليتان عن العموم جدّا، بل ذكر الودع في الثانية صريح في حصوله، فهو مخصوص بأيّام حياته.

و عن الثانية عشرة:

مع ما مرّ، أنّ فيه قيد الإمام العادل، و قد عرفت ظهوره في المعصوم، و قيد الاستخفاف و الجحود، و هو مسلّم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 43

و أمّا عن الثالثة عشرة:

فبما مرّ أيضا، من قيد الإمام العادل.

و أمّا عن البواقي:

فبأنّها على نفي الوجوب أدلّ، و لذا النافي له بها استدلّ، كما مرّ في

دليل القول الأوّل.

مع أنّ شيئا منها لا يدلّ على الوجوب على الجميع:

أمّا الثلاثة الأولى، فلخلوّها عن لفظ الوجوب، أو الأمر الدالّ عليه، بل أولاها متضمّنة للفظ «الحثّ» الظاهر في الاستحباب.

و أمّا الأخيرة، فلعدم دلالتها على عموم الوجوب، فلعلّه على من كان يتمكّن من الائتمام بإمام الأصل، أو الاستئذان منه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن سائر ما لم يذكر أيضا، فإنّها بين ضعيفة و خالية عن الدالّ على الواجب أو عمّن تجب عليه، و متضمّنة للفظ الجمعة المحتملة لأن يكون تجوّزها ما وقع مع الإمام أو نائبه و نحو ذلك.

و أمّا الثاني

- أي: الجواب عن الجميع كلّيا- فتارة

بعدم حجيّة شي ء منها على فرض الدلالة؛ لمخالفتها الشهرة القديمة الموجبة لخروجها عن الحجيّة.

و اخرى:

بخروجها عن الحجيّة لتخصيصها بما مرّ من الأخبار الدالّة على اشتراط الإمام، أو من يخطب زائدا على من يصلح للجماعة، و قد عرفت احتمالهما لإمام الأصل لو لا تعيّنهما له، و المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في مقام الإجمال قطعا، فيعمل فيه بأصالة عدم الوجوب.

و ثالثة:

بعدم إفادتها لمطلوبهم؛ إذ غايتها وجوب صلاة الجمعة (على كلّ أحد) «1» عينا و هو ممّا لا شكّ فيه، و إنّما الكلام في صلاة الجمعة إنّها ما هي؟.

و الخصم يقول: إنّها ما وقع مع الإمام، أو بإذنه، و لا تفيد هذه الأخبار في ردّه.

أمّا على القول بكون العبادات أسامي للصحيحة فظاهر.

و أمّا على القول بالأعمّ فبعد بيان مقدمة، هي:

______________________________

(1) ما بين القوسين يوجد في «ح» فقط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 44

أنّ أجزاء العبادات على القول بكونها أسامي للأعم على قسمين: ما يعلم انتفاء المسمّى بانتفائه قطعا، كالركوع و السجود بالنسبة إلى الصلاة، و ما يعلم عدم انتفائه بانتفائه كذلك،

كذكر الركوع.

و قد يكون هنا قسم ثالث، و هو: ما يشكّ في كونه ممّا ينتفي المسمّى بانتفائه أم لا، كما إذا لم ينضبط المعنى العرفي في لفظ في زمان، أو انضبط فيه و شكّ في معناه في الزمان السابق و لم تجر أصالة الاتّحاد، كما في ما نحن فيه على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ صلاة الجمعة، لو سلّم فيها الحقيقة المتشرعة في هذا الزمان في الأعمّ ممّا كان مع الإمام.

فما كان من القسمين الأولين فحكمه ظاهر.

و ما كان من الثالث فتجري فيه أصالة عدم الجزئية بواسطة أصالة عدم الوجوب إن لم يكن موقوفا عليه لوجوب سائر الأجزاء، و أصالة الجزئية بواسطة أصالة عدم وجوب السائر بدونه إن كان موقوفا عليه له، كما في ما نحن فيه.

و الحاصل: أنّ الوضع للأعمّ إنّما هو في ما إذا لم يكن الجزء ممّا احتمل كونه سببا للتسمية، و أمّا معه فلا.

ألا ترى أنّه إذا وضع اسم لعبد، ثمَّ تغيّر لون العبد، و اصفرّ بعد الحمرة، لا يتغيّر الموضوع له؟ بخلاف ما إذا وضع لفظ لعبد أحمر من جهة أنه أحمر، فلا يطلق اللفظ بعد زوال الحمرة، و كذا لو شك أنّه هل هو موضوع لمطلق العبد أو للأحمر منه. نعم لا يختلف الإطلاق لو تغيّر حمرة يده مثلا.

فإنّا نعلم أنّ إطلاق الصلاة على الأركان المخصوصة و الأجزاء المعلومة ليس لأجل خصوص السورة أو ذكر الركوع مثلا، و لكن نعلم أنه موضوع لمعنى هما جزءان له، فيختلف في أنّه هل المعنى القدر المشترك أو مع هذا الجزء، فالحقّ القدر المشترك.

و الملخّص:

أنّ النزاع في الوضع للصحيح أو الأعمّ إنّما هو فيما إذا علم وضع لفظ لشي ء أو استعماله

فيه مجازا، و شكّ في أنّ المستعمل فيه أو الموضوع له

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 45

هو بتمام أجزائه أو لا؛ و أمّا لو شكّ في أنّ الموضوع له أو المستعمل فيه هل هو هذا الشي ء لأجل هذا الجزء أو الشرط فلم يقل أحد بأنه للأعم.

و لو شئت التوضيح فانظر إلى لفظ وضع لكتاب، فإنّه لا تتغيّر التسمية لو وجد فيه أغلاط و تروك و لا يقال إنّه موضوع للصحيح، بخلاف ما إذا وضع لفظ له من جهة أنّه صحيح غاية الصحة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّا لو سلّمنا كون صلاة الجمعة حقيقة في الأعم مما كان مع الإمام في هذا الزمان، فلا نسلّمه في زمان الشارع؛ لجواز أن يكون معناه حينئذ ما كان معه، و لم تثبت فيها الحقيقة الشرعية حتّى يحكم باتحادها مع عرف هذا الزمان بأصالة عدم النقل، فلا نعلم أنّها هل هي ما كان مع الإمام أم لا، و لا بعد في ذلك، كما أنّ صلاة الجماعة لا تصدق إلّا مع الائتمام بإمام و لو تحقق جميع الأجزاء من إقامة الصفوف و غيرها، بل قد ينتفي المسمّى بانتفاء أقلّ من ذلك، كمجرد قصد الصلاة، فإنّ بانتفائه ينتفي المسمّى و لو تحقّق جميع سائر الأجزاء.

و الحاصل: أنّه يمكن أن يكون المستعمل فيه ما كان مع الإمام لأجل أنه كذلك، و على هذا فلا يدلّ ما دلّ على وجوب صلاة الجمعة على وجوب ما لا إمام فيه أو نائبه أصلا؛ إذ لا نسلّم أنه صلاة جمعة.

و رابعة:

بأنّه لا دخل لهذه الأخبار بالمطلوب أصلا؛ إذ لا نزاع لأحد في وجوب صلاة الجمعة، بل هو من ضروريات الدين، و لا في عدم اختصاصه بزمان دون

زمان من حيث هو زمان، بل الكلّ قائلون بوجوبها في كلّ زمان من حيث هو هذا الزمان، و إنّما الاختلاف في شرط من شرائطها أنّه هل هو الاقتداء بالمعصوم أو نائبه، أم لا.

و هل الاستدلال بهذه الأخبار على مطلوبكم إلّا كمن استدلّ على عدم اشتراط العدالة في إمام الجماعة بعمومات مرغّبات الجماعة؟ أو كمن استدلّ بعمومات وجوب الحجّ على وجوبه مع سدّ الطريق أيضا؟ ألا ترى أنّا نقول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 46

بوجوب الحجّ إلى يوم القيامة، و لا ينافيه لو فرض سدّ الطريق أو منع التقية عن الحج في ألف سنة.

و الحاصل أنا نقول: إنّ اللَّه سبحانه جعل لنا إماما بعد إمام إلى يوم القيامة، بحيث لم يخل زمانا عنه، و نهى عباده عن الإتيان بما يقتضي غيبته و استتاره، و أمرنا بصلاة معه كذلك؛ و حصول الحرمان عن خدمته بعصيان الأمّة و إيجابه تعطيل واجب مشروط به بسوء أعمالنا لا ينافي دوام وجوبه، و لا أدري ما يقول الموجب في حقّ عدم وجوبها في بلاد التقية- التي هي أكثر بلاد الإسلام- و أزمنتها.

فإن قيل:

لا شكّ أنّ مفاد تلك الأخبار وجوبها في كلّ جمعة و على كلّ مسلم، سواء حضر المعصوم أم لا، و مقتضى الاشتراط اختصاص الوجوب بحال الحضور، فعموم الروايات يدفع الاشتراط.

قلنا:

هذا اشتباه نشأ من الخلط بين شرط الوجوب و شرط الصحّة، و كذا بين كون الشي ء مخصّصا للعامّ أم لا، و كونه من أفراد مخصّصة القطعي أم لا.

بيان ذلك: إنّ الشي ء إن كان شرطا لوجوب شي ء يكون موجبا لتخصيص عمومات وجوبه و مقيّدا لإطلاقاته لا محالة، بخلاف ما إذا كان شرطا لصحته، فإنّه لم يقل أحد بأنّ قوله تعالى

إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا .. مخصّص لقوله سبحانه أَقِيمُوا الصَّلاةَ 2: 43 نعم لما كان انتفاء شرط الصحة مستلزما لانتفاء المشروط الصحيح، فبانتفائه ينتفي التمكّن عن الإتيان بالمطلوب، و وجوبه مخصوص بحال التمكّن قطعا، فيكون انتفاء الشرط من أفراد عدم التمكن الذي خصّ العامّ به عقلا و شرعا قطعا.

و الحاصل: أنّا لا ندعي أزيد من أنّ الائتمام بالمعصوم أو نائبه شرط لصحّة الجمعة، فإذا لم يتمكن المكلف منه فنقول: إنّ عمومات وجوب الجمعة مخصّصة- باعترافك- بحال التمكّن من صحيحها قطعا، و لذا لا يقول بوجوبهها عند فقد إمام عادل أو من يخطب أو العدد اللازم و نحوها، و نحن أيضا لا ندّعي أزيد من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 47

ذلك.

نعم نحن نقول: إنّه يشترط في صحتها الائتمام بالمعصوم، فإذا لم يتمكن منه ينتفي التمكن من الجمعة الصحيحة، و أنت لا تقول به.

فليس النزاع إلّا في انتفاء إمكان الائتمام بالمعصوم، هل هو من أفراد عدم التمكّن من الجمعة المخصوصة عموماتها بغيره قطعا أم لا؟ و ليس ذلك نزاعا في التخصيص أصلا، فلا وجه للتمسك بالعمومات في دفعه.

فنحن و أنتم متفقون في اختصاص العمومات بحال التمكّن من الجمعة الصحيحة، و مختلفون في أنّ حال عدم إمكان الائتمام بالمعصوم هل هي حال التمكن أم لا؟ فأنت تقول بالتمكن، لعدم اشتراط الصحة به، و نحن نقول بعدمه، للاشتراط، و ليس في يدك شي ء يتمسّك به سوى أصالة عدم الاشتراط، و قد عرفت حالها.

و الحاصل: أنّ الأخبار المتقدمة و ما لم يذكر منها بأجمعها- على فرض الحجّية و الدلالة على الوجوب- بين دالّة على وجوب الجمعة في الجملة، أو على وجوبها المطلق، أو على وجوبها على كلّ أحد،

أو وجوبها أبدا.

و الاحتجاج بالأولى إنّما يصحّ في مقابلة من ينفي وجوبها رأسا.

و بالثانية في مقابلة من قال: إنّها واجبة مقيدة، نحو: إن كنت متوضئا فتجب عليك الصلاة.

و بالثالثة في مقابلة من قال: إنّها واجبة على طائفة خاصة، نحو: تجب الصلاة على المتطهرين.

و بالرابعة في مقابلة من قال: إنّها واجبة في زمان، ثمَّ نسخ، أو كان وجوبها مخصوصا ببعض الأزمنة، نحو: تجب الصلاة في زمان النبي.

و نحن لا نقول بشي ء من ذلك، بل نقول: إنّها واجبة مطلقة على كلّ أحد إلى يوم القيامة، و لكنّه مثل الصلاة بالنّسبة إلى الوضوء، حيث خلق اللَّه سبحانه الماء ثمَّ أمر كلّ أحد إلى يوم القيامة بالصلاة، و شرط فيها الوضوء، أي: أمر به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 48

عندها، و نفى صحّتها بدونه، فكذلك جعل اللَّه سبحانه للأمة إماما بعد إمام إلى يوم القيامة و أمر الناس بطاعته و الاجتناب عمّا يوجب غيبته و استتاره. ثمَّ أمر كلّ أحد إلى يوم القيامة بصلاة الجمعة، و شرط فيها الاقتداء بذلك الإمام، و نفى صحتها بدونه.

بل نسبته إلى صلاة الجمعة كنسبة الترتيب في الوضوء بالنسبة إلى الصلاة؛ لاتّفاق الكلّ على اشتراط الإمام، و إنّما النزاع في وصف منه، فكما لا يعقل عن العالم الاحتجاج بأوامر الصلاة على من يقول بوجوب الترتيب في الوضوء، فكذا ها هنا. و هل يصحّ الردّ على الخصم هنا إلّا بنصّ يصرّح بعدم وجوب الترتيب، أو بأصالة عدم وجوبه؟.

و ليس هنا نصّ يصرّح بعدم وجوب الائتمام بالإمام أو نائبه، فلم يبق إلّا أصالة عدم وجوب الائتمام به. و هل يصحّ من فاضل الاستدلال في مقابل ذلك الخصم بالآيات و الروايات؟!.

نعم كما أنّه لو لم يتمكن

أحد من الطهارة المائية، أو من الترتيب فيها، و لم تثبت بدلية التيمم عنها، ينتفي التمكن من الصلاة المأمور بها، و لذا يسقط وجوبها، كذلك نقول: لو لم يتمكّن أحد من الائتمام بالإمام أو نائبه، ينتفي التمكن من صلاة الجمعة المأمور بها، و لذا تسقط. و هذا ليس من باب تخصيص مخصوص بعموماتها، بل هو من التخصيص بالتمكّن و القدرة الثابت باعتراف الخصم شرعا و عقلا فيها و في كلّ أمر.

فليس شي ء ينفع للخصم هنا إلّا أن يقول: إنّه لم يثبت الأمر بالاقتداء بالإمام أو نائبه، و هو أصل عدم اشتراط الصحّة؛ إذ عدم الثبوت لا يفيد بدون ضمّ الأصل. أو يقول: إنّه ثبت الأمر بالاقتداء بغير الإمام، و ليس له شي ء يدلّ على ذلك.

و بعبارة أخرى في أصل الجواب: المراد من هذه الأخبار و معناها:

إمّا وجوب الجمعة في الجملة، فهو مما لا كلام فيه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 49

أو وجوبها بشرائطها مجملة، فلا ينفع لك أصلا؛ إذ الواجب حينئذ الكلام في الشرائط، و ليس لك شي ء في ردّ هذا الشرط إلّا الأصل.

أو وجوبها بشرط عدم شرط، مطلقا أو إلّا بعض الشروط المذكورة، فيكون منافيا لمطلوبك من اشتراط كثير من الشرائط الغير المذكورة فيها، سيّما انتفاء التقية «1» و نحوها، فكيف لا يضرّ ذلك و يضرّ عدم ذكر شرط واحد آخر؟! فإنّ الفريقين قائلان بالوجوب و الكلّ يشترطون شروطا إلّا أنّا نشترط شرطا واحدا آخر، فكيف تصير هذه الأخبار ردّا علينا دون الباقين؟! و كيف يمنع شرط واحد عن الشمول دون شروط كثيرة؟!.

فإن قيل:

سلّمنا جميع ذلك، و لكن نقول: إنّه لا شكّ أنّ بواسطة عدم التمكّن من الشرط في غير زمان النبي و

الولي و قليل من زمان مولانا الحسن عليه السلام و أزمنة ظهور القائم، على القول بالاشتراط ينتفي التمكّن عن صلاة الجمعة المأمور بها، فيسقط وجوبها في جميع تلك الأزمنة التي هي أكثر بكثير من زمان التمكّن، فهل تحسن تلك التسديدات و التعميمات مع وجود مثل هذا التخصيص؟!.

قلنا؛

بعد النقض بأوامر الجهاد و عموماته، و الحدود، و وجود الإمام في كلّ عصر لدفع الشبهات و إقامة الحجج و الردع عن الباطل و نحو ذلك؛ أولا: أنّك تقول باشتراط الإمام العادل و العدد و المذكورة و الحريّة و الحضر و الصحّة، مع أنّه ليس الجامع لجميع هذه الشرائط مساويا للفاقد لها البتة، بل تقول باشتراط انتفاء التقية، و تسند عدم وقوع الجمعة من العلماء في جميع الأزمنة السالفة إلى التقية، مع أنّ التقية كانت قائمة في غير زمان النبي و الولي و قليل من زمان الحسن إلى قريب من هذه الأزمنة في جميع البلاد، بل إلى هذا الزمان في معظم بلاد الإسلام، بل غير شرذمة من ولايات العجم، فكيف لا يضرّ هذا التخصيص لك و يضرّ لنا؟!.

______________________________

(1) في جميع النسخ: انتفاء عدم التقية، و الظاهر زيادة كلمة «عدم».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 50

مع أنّا نقول:

إنّه لا علم لنا بلزوم خروج الأكثر أيضا، لإمكان كون أزمنة ظهور القائم عليه السلام أكثر بكثير من جميع تلك الأزمنة، بل هو الظاهر من الأخبار، بل يحتمل أن تكون في جميع أزمنة الغيبة للإمام بلاد و أصحاب كثيرة يقيمون الجمعة، كما يستفاد من بعض الحكايات «1».

هذا كلّه مع أنّ كل ذلك إذا قلنا بوضع صلاة الجمعة للأعم. و لكن إذا قلنا بالوضع للصحيحة، كما هو مذهب كثير من الأصحاب، أو قلنا

بأنّ خصوص الجمعة اسم لما فعل مع الإمام، كما عن القاضي و بعض آخر، و هو المحتمل، فلا ينفع الاستدلال بالآية و الأخبار أصلا، بل اللازم إبطال هذين الأمرين، و يكون جميع تلك الاستدلالات تطويلا بلا طائل، و سكوتا عمّا يقول الخصم.

و قد يستدل أيضا بروايات أخر بيّنة الوهم لا فائدة في التعرض لها.

المسألة الثالثة [إذا ثبت انتفاء الوجوب العيني للجمعة فهل ينتفي عنها الجواز أيضا؟ أم لا]

و إذا ثبت في المسألة السابقة انتفاء الوجوب العيني للجمعة مع عدم حضور الإمام أو نائبه، فهل ينتفي عنها الجواز أيضا؟ بمعنى تجويز الشارع فعلها بدلا عن الظهر، و معناه الوجوب التخييري، و إلّا فلا معنى للجواز بمعنى تساوي الطرفين مطلقا فيها.

أم لا ينتفي بل تجوز؟.

الأول الأظهر، وفاقا لظاهر المفيد في الإرشاد «2»، و السيد في المواضع الثلاثة المتقدمة «3»، و الشيخ في الجمل «4»، و صريح الحلي و الديلمي و ابن حمزة

______________________________

(1) لعلّه أراد بها حكاية الجزيرة الخضراء، أوردها في البحار 52: 159.

(2) الإرشاد 2: 342.

(3) في ص: 11 و لم يتوهم من قول السيد في الفقه الملكي: و الأحوط، أنّه لا يقول بانتفاء الوجوب، حيث قال: و الأحوط ان لا يصلي الجمعة إلّا بإذن السلطان و إمام الزمان، لأنّها إذا صليت على هذا الوجه انعقدت و جازت بإجماع، و إذا لم يكن فيها إذن السلطان لم يقطع على صحتها و إجزائها. فإنّ آخر كلامه صريح في نفي الجواز، و الاحتياط عنده الدليل سيّما في هذا الكتاب الذي ردّ فيه على العامّة بالاحتياط، و بناؤه فيه على ذلك. منه رحمه اللَّه.

(4) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 51

و القاضي «1»، و الفاضل في المنتهى و موضع من التحرير «2» «3»، و هو أحد احتمالات

كلام العماني و التبيان و الغنية و الموجز و شرحه و المجمع و المراسم «4»، و إليه ذهب الفاضل الهندي من متأخري المتأخرين «5»، و نقله في الحدائق عن بعض علماء البحرين «6»، و اختاره غير واحد من مشايخنا «7».

لاستصحاب وجوب الظهر من وجوه:

أحدها:

أنّه كان واجبا على كلّ أحد قبل إسلام عدد الجمعة بل قبل الهجرة؛ لعدم تشريع الجمعة قبلها. و بتشريعها علم انتفاء وجوبها ما دام حضور الإمام و تمكنه، بالإجماع، و انتفاؤه مع انتفائه غير معلوم فيستصحب وجوبه مع عدم تمكنه.

و لا يعارضه استصحاب وجوب الجمعة مع انتفاء تمكّن الإمام؛ لمعارضته مع استصحاب عدم وجوبها حينئذ الثابت لها قبل التشريع.

و ثانيها:

استصحاب وجوب الظهر بعد تشريع الجمعة على من لم يكن على رأس فرسخين أو أدون من جمعة المعصوم و إن كان له إمام الجماعة و الخطيب، و يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

و ثالثها:

استصحاب وجوب الظهر على هذا الشخص، لو فرض بقاؤه إلى زمان انتفاء تمكّن الإمام، كما كان كذلك، و يتمّ المطلوب بالإجماع على المشاركة أو

______________________________

(1) الحلّي في السرائر 1: 303، حكاه عن الديلمي في الرياض 1: 190، ابن حمزة في الوسيلة:

103، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 123.

(2) المنتهى 1: 317، التحرير 1: 43.

(3) في «س» زيادة: و الشيخ إبراهيم القطيفي.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 108، التبيان 10: 8، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان 5: 288، المراسم: 77.

(5) كشف اللثام 1: 245.

(6) الحدائق 9: 442.

(7) كصاحب الرياض 1: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 52

عدم الفصل.

و رابعها:

استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة، و هو وجوب الظهر على جميع المكلفين، و بعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلّا

بالنسبة إلى بعضهم، و كوننا منهم أول الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.

و الحاصل: أنّ اللَّه سبحانه ما أوجب الجمعة إلّا بعد مدة مديدة من البعثة، و كانت الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلفين في تلك المدة هي الظهر بالضرورة، ثمَّ بعد تلك المدة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين، بالإجماع و الضرورة و الأخبار المتواترة، فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع، و من لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتّى يثبت خلافه، و لم يثبت.

و التوضيح: أنّا نعلم علما ضروريا أنّ الظهر كانت ثابتة قبل تشريع الجمعة على كلّ أحد، و كانت بحيث لو لم تشرع الجمعة كانت واجبة عليهم إلى يوم القيامة، و يعلم أنّ الموجودين في هذا الزمان كانوا يعلمون وجوبها عليهم و على من بعدهم إلّا مع ناسخ أو مسقط، و كانت بعينها كصلاة العصر و الفجر و غيرهما، يعتقدون وجوبها إلّا بناسخ أو مسقط، و يستفاد ذلك من أخبار الظهر المتقدمة أيضا، و تدلّ عليه مرسلة الفقيه: «إنّما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام» «1» فإنّ الوضع فرع الثبوت.

ثمَّ بالإجماع و الأخبار علم سقوط الظهر عمّن أدرك الإمام أو نائبه متمكنا، و لم يعلم سقوطه من غيره فيستصحب، ثمَّ إنّه لم يعلم من أدلّة وجوب الجمعة- كما مرّ- سقوط الظهر عنّا، فيكون واجبا عينيا علينا، فلا تكون الجمعة مشروعة إجماعا؛ إذ شرعيّة الجمعة مسقطة للظهر قطعا.

و يدلّ عليه أيضا أصل الاشتغال، فإنّ كلّ أحد مكلّف بأحد الأمرين من الظهر و الجمعة قطعا، و بعد انتفاء الوجوب العيني للجمعة بما مرّ يكون الظهر مبرئا

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1219، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة

و آدابها ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 53

للذمة قطعا، بخلاف الجمعة؛ لأنّها إمّا جائزة أو محرّمة، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالظهر، فيتعيّن وجوبه، و يستلزمه عدم مشروعيّة الجمعة؛ إذ مع مشروعيتّها لا يتعيّن وجوب الظهر.

و يدلّ عليه أيضا أنّ جوازها متوقف على التوقيف، و الأصل عدمه؛ لأنّ المسلّم من الموقّف ما كان مع الإمام أو نائبه، إذ عرفت احتمال كون الجمعة اسما لما كان معه، مضافا إلى ما مرّ من سقوط إطلاقاتها بعروض الإجمال لها، كما مرّ.

و يدلّ عليه أيضا أنّ جميع ما مرّ من الأخبار المستدلّ بها على الاشتراط أو أكثرها يدلّ على اشتراط الشرعية به، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

خلافا للشيخ في المصباح و المعتبر و الشرائع و النافع و النكت و الروضة و ظاهر الخلاف «1»، و هو مختار والدي العلامة- رحمه اللَّه- أخيرا:

فتجوز الجمعة بمعنى أنّها أحد فردي الواجب مطلقا، فقيها كان الإمام أم لا، بل تستحب، فهي أفضل الفردين.

و نسب إلى نهاية الشيخ و الحلبي و المختلف و التذكرة «2»، و ليس كذلك، و منهم من نسبه إلى المشهور، و فيه نظر.

أمّا الجواز بالمعنى المذكور، فللجمع بين أدلة الاشتراط و عمومات الجمعة.

و لأوامر الجمعة؛ فإنّ مقتضاها الوجوب، و هو أعمّ من العيني أو التخييري، و لمّا انتفى الأوّل بالإجماع أو أدلة الاشتراط أو بالأصل تعيّن الثاني.

و لحصول التعارض بين عمومات الظهر و الجمعة و أصولهما فيرجع إلى التخيير.

و لمرسلة الكافي و موثقة سماعة و صحيحة زرارة المتتالية المتقدمة في أدلة المختار في المسألة السابقة «3»، الدالة على أنّ من صلّى الصلاة يوم الجمعة في جماعة أو مع

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 324، المعتبر 2: 297، الشرائع

1: 98، المختصر النافع 1: 36، الروضة 1: 301، الخلاف 1: 626.

(2) نسب إليهم في غاية المراد كما في مفتاح الكرامة 3: 63.

(3) راجع ص 21 و 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 54

من يخطب لا تجب أربع ركعات فتجب الجمعة، و لما انتفى الوجوب العيني بما مر ثبت التخييري.

و أمّا أفضلية الجمعة، فلصحيحة زرارة، و موثقة عبد الملك المتقدمتين «1»، المصدرة أولاهما بقوله: «حثّنا» و الثانية بقوله: «مثلك يهلك» حيث إنّ ظاهرهما يشعر بأنّ الرجلين كانا متهاونين بالجمعة، و لم يقع من الإمامين إنكار عليهما، فلا تكون واجبة، و لكن ترغيبه إياهما يدلّ على الاستحباب.

و بعض أخبار أخر مرّت، و كانت قاصرة عن إفادة الوجوب، إمّا لاشتمالها على الجملة الخبرية، أو التحذير بما يحذر بمثله في ترك المستحبات.

و المروي في مصباح المتهجد: «إنّي لأحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتّى يتمتّع و لو مرة، و أن يصلّي الجمعة في جماعة» «2».

و روي في أمالي الصدوق أيضا بزيادة قوله: «و لو مرة» بعد قوله «في جماعة» أيضا «3».

و يضعف الأول:

بأنه جمع بلا شاهد.

و الثاني:

بمنع أعميّة الوجوب المستفاد من الأمر؛ لاختصاصه- بحكم التبادر- بالعيني، بل و كذا في مطلق الوجوب، و لأنّ مئال التخيير إلى وجوب شي ء آخر غير الفرد و هو أحدهما لا على التعيين.

سلّمنا الأعمية و لكن غير الإجماع من أدلة الاشتراط يدلّ على اشتراط الوجوب المستفاد من تلك الأوامر، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط سواء كان وجوبا عينيا أو تخييريا.

و الثالث:

بأنه إنما يصحّ لو تمت دلالة أدلّة الجمعة على الوجوب، ثمَّ على عدم ثبوت تخصيص عمومات الجمعة بما مرّ من أدلّة الاشتراط، أو عدم خروجها

______________________________

(1) في ص 30 و 31.

(2) مصباح

المتهجد: 324، الوسائل 21: 14 أبواب المتعة ب 2 ح 7.

(3) لم نجده في الأمالي، و قد نقله عنه في الوافي 8: 1115، و فيه: «و يصلي الجمعة و لو مرة».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 55

عن الحجية بواسطة إجمال دليل الاشتراط.

فإن قلت:

إجماله يوجب الإجمال في أدلة الظهر أيضا.

قلنا:

فيرجع إلى الاستصحابات المتقدمة.

و الرابع

- أي الأخبار الثلاثة-: بما مرّ من تقيّدها بالإمام أو بمن يخطب، مع ما فيها من الإجمال المتقدم ذكره.

و الخامس:

أولا:

بأنه يمكن أن يكون قوله عليه السلام: «إنّما عنيت عندكم» و قوله عليه السلام: «صلّوا جماعة» إذنا لهما أو أمرا بالتجميع مع مأذون سرّا، و لا كلام في الصورتين في الوجوب العيني.

و ثانيا:

بأنّه يمكن أن يكون حثّا على حضور جماعة المخالفين، حيث كان الرجلان من معاريف أصحابهما و كان عدم حضورهما مظنة للضرر، فلا يدلان على جواز التجميع في غير موضع التقية، و هو الذي يظهر من المقنعة، حيث قال:

يجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا، و يستحب مع من خالفهم تقية و ندبا، روى هشام بن سالم عن زرارة قال: «حثنا أبو عبد اللَّه» الحديث.

انتهى «1».

و السادس:

بأنه إنما يتمّ لو تعيّن المراد من صلاة الجمعة، و سلمت تلك الأخبار من التخصيص بأدلة الاشتراط أو الإجمال بها.

و منه يظهر ضعف السابع أيضا.

مضافا إلى أنّ قوله: «في جماعة» مقيّد قطعا، ضرورة اشتراط الجماعة فيها بشروط كالعدالة و العدد و غيرهما، و على هذا فكما يمكن التقييد بهذه الجماعة، يمكن أن تكون مقيدة بجماعة المخالفين، بل هي الغالب في زمانهم عليهم السلام.

و إلى أنه يمكن أن يكون المراد من الجمعة ظهرها؛ لعدم ثبوت الحقيقة

______________________________

(1) المقنعة: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 56

الشرعية،

و لذا أطلقت الجمعة على الظهر في الأخبار، كما في صحيحة البقباق السابقة: «إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات» «1» بل هو الظاهر؛ إذ لو كان المراد صلاة الجمعة لكان التقييد بالجماعة لغوا، و لم يكن وجه لقوله: أحبّ أن يصليها في جماعة، فيكون الخبر تأكيدا لاستحباب الجماعة في ظهر الجمعة.

و إلى وجوب تخصيصها بما إذا كان إمام يخطب، أو مطلق الإمام بموثقة سماعة و مرسلة الكافي المتقدّمتين، فيخص إما بإمام الأصل أو بالمجمل الموجب للخروج عن الحجية.

و لظاهر نهاية الشيخ و المختلف و الذكرى «2»، و [البيان ] «3» و أحد احتمالات كلام العماني و المبسوط و التبيان «4»، بل يحتمله كلام جمع آخر، كالغنية و الموجز و شرحه للصيمري و المجمع و المراسم «5»:

فتجوز من غير ذكر الأفضلية؛ لبعض ما مرّ بجوابه.

و للمحقق الثاني زاعما أنّه مذهب جمهور القائلين بالجواز في زمن الغيبة، بل قال: لا نعلم أنّ أحدا من علماء الإمامية في عصر من الأعصار صرّح بكون الجمعة في حال الغيبة واجبة حتما مطلقا أو تخييرا بدون حضور الفقيه «6»، و هو أحد احتمالات اللمعة و الدروس «7»:

فتجوز مع الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، و لا تجوز بدونه.

أما انتفاء العيني، فللإجماع المنقول «8»، بل المحقق.

______________________________

(1) تقدمت في ص 22 بعنوان موثقة البقباق.

(2) النهاية: 107، المختلف: 109، الذكرى: 231.

(3) في النسخ: التبيان، و الصحيح ما أثبتناه، راجع البيان: 188.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 108، المبسوط 1: 151، التبيان 10: 8.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان: 288، المراسم: 77.

(6) رسائل المحقق الكركي 1: 163.

(7) اللمعة (الروضة 1): 299، الدروس 1: 186.

(8) راجع ص 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 57

و

أمّا ثبوت التخييري، فللأخبار المثبتة للوجوب لها عموما، و الوجوب ماهيّة كلية صادقة على جميع أفرادها.

و أمّا اشتراط الفقيه، فلما دلّ على اشتراط الإمام أو نائبه في مطلق الوجوب الشامل للوجوبين، و النائب شامل للفقيه أيضا.

و بعبارة أخرى: ثبت وجوبها مطلقا مع الإمام أو نائبه، و الوجوب أعمّ من التخييري و العيني، و النائب من الخاصّ و العامّ، و العيني منفي في الغيبة، و النائب الخاص غير موجود، فيتعين التخيير و النائب العام.

و يضعف- بعد منع شمول الوجوب للتخييري كما مرّ- بمنع دليل على كفاية النائب العامّ؛ إذ الأخبار إنّما كانت متضمنة للإمام، و النائب ادخل بالإجماع، و هو في العامّ غير متحقق.

إن قيل:

الفقيه نائب من الإمام بصريح الروايات في جميع ما كان له، و منه الجمعة، فتكون له.

قلنا:

النيابة في الجميع ممنوعة، و لا دليل عليه، و الثابت من الروايات ليس إلّا في الجملة أو في بعض الأمور.

و لظاهر نهاية الإحكام «1»، و أحد احتمالات اللمعة و الدروس، فكالسابق من دون ذكر عدم الجواز بدونه.

و لظاهر التنقيح و المهذب «2»، و صريح المحقق الثاني في حواشي الإرشاد، فكسابقه بزيادة ذكر أفضلية الجمعة.

و للمحكي في شرح الجعفرية للجواد، و يشعر به كلام الذكرى «3»، فالجواز مع الفقيه إن أمكن، و بدونه إن لم يمكن.

و لظاهر الإرشاد و القواعد و جهاد التذكرة بل صلاته «4»، و ظاهر

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 14.

(2) التنقيح 1: 231، المهذب البارع 1: 413.

(3) الذكرى: 231.

(4) الإرشاد 1: 257، القواعد 1: 36، التذكرة 1: 145 و 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 58

الأردبيلي «1»، و التوني، فتردّدوا.

و يظهر أدلة هذه الأقوال، و جوابها مما ذكر.

ثمَّ لا يخفى أنّ ما ذكرنا- من عدم

جواز الجمعة في زمان الغيبة و حرمتها- إنّما هو إذا فعلت بدلا عن الظهر، و أمّا بدون ذلك فهل يجوز فعلها أم لا؟.

صريح النافين لمطلق وجوبها: الثاني؛ إذ عدم جوازها بدلا ليس إلّا لعدم ثبوت توقيفها و تشريعها بدون الشرط، فإنّ الجمعة الموقّفة هي التي تكون بدلا عن الظهر، فتنتفي بانتفاء البدلية قطعا، و العبادة إذا لم تكن موقّفة مشروعة كانت محرّمة، لكونها تشريعا و إدخالا في الدين.

أقول:

من الأمور الضرورية الثابتة بالأخبار المتواترة المنضمّة بالإجماع و الاعتبار: مشروعية الاحتياط، و ثبوته ندبا من الشارع، و تعلق التوقيف به.

و يلزمه كون كلّ ما كان من أفراد الاحتياط مشروعا ندبا موقّفا، و لا شكّ أنّ الإتيان بالجمعة مع الظهر من أفراد الاحتياط؛ لكونها مبرئة للذمّة قطعا، و ليس الاحتياط إلّا ذلك، فتثبت مشروعيّتها ندبا من الاحتياط، فتكون بهذا القصد جائزة و مستحبة.

فإن قيل:

فعلها أيضا يحتمل التشريع، فيكون حراما، فلا يكون موافقا للاحتياط.

قلنا:

التشريع فعل شي ء لم يثبت من الشرع، و فعلها مع الظهر بهذا القصد ثابت بأدلّة الاحتياط، فلا يكون تشريعا، كما في سائر موارد الاحتياط، فإنّها أيضا غير ثابتة من الشرع بخصوصها، و إلّا لم يكن احتياطا، و ثبوتها و استحبابها إنّما هو بمجرّد أدلّة الاحتياط.

و التوضيح: أنّ العبادة التي لم تثبت بخصوصها لا يمكن أن تفعل بقصد أنّها عبادة ثابتة بخصوصها؛ لأنّ القصد ليس أمرا اختياريا، فما لم تثبت لا يمكن ذلك القصد.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 363.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 59

فإذا فعلت فأمّا يؤتى بصورتها لا بقصد عبادة (و لا بأن يظهر للناس أنّها عبادة ثابتة بخصوصها) «1» كالحمية في يوم الفطر بقصد الإمساك، و لا حرمة فيه قطعا؛ للأصل، و عدم الدليل.

أو

يؤتى لا بقصد أنها عبادة ثابتة بخصوصها، و لكن يظهر للناس أنّها عبادة ثابتة بخصوصها، و هذا هو التشريع المحرم.

أو يؤتى بها لاحتمال أن تكون موقّفة واجبة فيما يتأتى فيه هذا الاحتمال، كما في المسألة، فيقصد بها الخروج عن احتمال ترك الواجب، و لا يظهر للناس إلّا أنّ فعلها لذلك. و هذا ليس دليل على حرمته أصلا، بل لا يحتملها، بل مقتضى أدلّة الاحتياط، و قوله: «لكل امرئ ما نوى» «2» حسنه و استحبابه و ترتب الثواب عليه.

و على هذا فيكون فعل الجمعة بهذا القصد مستحبا، و يكون مع الجماعة؛ إذ لا جمعة بدونها، فإنّ ما يحتاط به هو بهذه الهيئة، لا أنّ الركعتين مع الخطبتين مطلقا مستحبة و الجماعة أمر زائد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    60     الشرط الثاني: العدد، ..... ص : 60

على هذا تكون الجمعة مستحبة لا وجوب فيها أصلا، و يكون الواجب هو الظهر و يجوز مع الجماعة أيضا بل يستحب.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

(2) الوسائل 1: 48 أبواب مقدّمة العبادات ب 5 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 60

البحث الثاني في شرائطها
اشارة

أي: ما تتوقّف صحتها عليه، و هي أمور:

الشرط الأول: إمام الأصل، أو نائبه الخاص،

و قد تقدم بدليله.

الشرط الثاني: العدد،

بالإجماع المحقق، و المحكي مستفيضا «1». و أقلّه سبعة في الوجوب العيني، و خمسة في التخييري على الأصح، بمعنى: أنها تجب عينا إذا اجتمعت سبعة، و تخييرا إذا اجتمعت خمسة.

وفاقا للمحكي عن الصدوق و الشيخ و القاضي و ابني حمزة و زهرة «2»، و جماعة من المتأخرين منهم: الهندي و صاحبا الذخيرة و الحدائق «3»، و مال إليه في الذكرى و المدارك «4».

أمّا انتفاء مطلق الوجوب بالنقص عن الخمسة، فبالإجماع، و قوله في بعض الأخبار الآتية: «و لا جمعة لأقلّ من خمسة» أو: «لا تكون جمعة ما لم يكن خمسة» و سائر الأخبار المشتملة على ذكر الخمسة «5».

و أمّا ثبوت العيني بالسبعة، فبالإجماع أيضا، و الأخبار الآتية المصرّحة بالوجوب على السبعة الظاهر في العيني.

______________________________

(1) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 560، التذكرة 1: 146، جامع المقاصد 1: 383، و الرياض 1: 184.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 267، الشيخ في النهاية: 103، و المبسوط 1: 143، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 123، ابن حمزة في الوسيلة: 103، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(3) كشف اللثام 1: 248، الذخيرة: 299، الحدائق 10: 74.

(4) الذكرى: 231، المدارك 4: 29.

(5) انظر: الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 61

و أمّا انتفاء العيني في الخمسة، فلمفهوم الشرط في قوله في صحيحة عمر بن يزيد: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة، فليصلّوا في جماعة» «1».

بل منطوق صحيحة محمّد: «تجب الجمعة على سبعة نفر، و لا تجب على أقلّ منهم» «2» الحديث.

و لا يضرّ اشتماله على اشتراط أشخاص يخالف اشتراطهم الإجماع، أو الشهرة؛ لأنّه محتمل التمثيل، مع أنّ خروج جزء من

الحديث عن الحجية لا يخرج الباقي عنها.

المؤيّدين بصحيحة متقدمة لزرارة: على من تجب الجمعة؟ قال: «على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا، أمّهم بعضهم و خطبهم» «3».

فإنّ في إثباتها الوجوب- الظاهر بل الحقيقة في العيني- للسبعة أولا، و نفيها حقيقة الجمعة- الشاملة للعيني و التخييري- ثانيا عن [الأقل من ] «4» الخمسة، إشعارا بعدم وجوب العيني على الخمسة.

و احتمال كون قوله: «و لا جمعة ..» من كلام الصدوق بعيد غاية البعد.

نعم هو محتمل في قوله: «فإذا اجتمع ..» كما مرّ، و لذا جعلناه أيضا داخلا في التأييد مع حجيّة مفهومه.

مع أنّ جعل الأول أيضا من قول الصدوق لا يسقط التأييد بالرواية؛ إذ الجواب بالسبعة بعد السؤال عمن تجب عليه الجمعة- الظاهر في السؤال عن أقلّ الواجب لعدم حاجة ما سواه إلى السؤال- كاف في التأييد، بل يصلح للاستدلال

______________________________

(1) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.

(2) الفقيه 1: 267- 1222، التهذيب 3: 20- 75، الاستبصار 1: 418- 1608، الوسائل 7:

305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.

(3) الفقيه 1: 267- 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.

(4) أضفناه لاقتضاء المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 62

أيضا.

و يؤيده أيضا الترديد في موثقة أبي العباس: «أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه» «1».

و متعلق الإجزاء هي كون الجمعة مأمورا بها، أي: أدنى ما يجزئ في الأمر السبعة أو الخمسة، بأن يكون أحدهما إجزاء في أحد قسمي الأمر، و الآخر في الآخر، و لا يستلزم تفكيكا. و يكون

أدناه أمّا: خبرا لمبتدأ محذوف، أي هي، أي:

الخمسة أدناه، أو صفة للخمسة، فتكون الخمسة أدنى الأدنى، و بذلك يسلم الخبر عن الخدش دون ما إذا جعلنا المتعلق أحد الوجوبين أو الصحة.

و تؤيده أيضا صحيحة الحلبي: «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» «2».

و مما ذكر ظهر دليل ثبوت التخييري في الخمسة أيضا.

خلافا للمحكي عن القديمين «3»، و المفيد و السيد و الحلي و الفاضلين و المحقق الثاني «4»، بل الأكثر، كما صرّح به جمع ممن تأخر «5»، فأوجبوا على الخمسة عينا.

لإطلاق أوامر الجمعة بالنسبة إلى كلّ عدد، خرجت [ما دون ] «6» الخمسة بالاتفاق، فينفى الزائد بالأصل.

______________________________

(1) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 5، التهذيب 3: 21- 76، الاستبصار 1: 419- 1609، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 1.

(2) الفقيه 1: 331- 1489، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 3.

(3) ابن جنيد و العماني، حكاه عنهما في المختلف: 103.

(4) المفيد في المقنعة: 164، السيد في الانتصار: 53، الحلي في السرائر 1: 290، المحقق في المعتبر 2:

282، و الشرائع 1: 94، العلّامة في نهاية الإحكام 2: 19، و المنتهى 1: 317، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 383.

(5) انظر: المدارك 4: 27، و الذخيرة: 298.

(6) أضفناه لاقتضاء المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 63

و لتعلّق الأمر في الآية بالسعي بالجميع، و أقله ثلاثة، و المنادي و الإمام خارجان عنهم، فأقله الخمسة.

و للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة منصور، و صحيحة زرارة المشتملة على خمسة رهط: الإمام و أربعة، و موثّقة البقباق، المتقدمة كلها «1».

و موثقة ابن أبي يعفور: «لا تكون جمعة ما

لم يكن القوم خمسة» «2».

و المروي في رجال الكشي بسنده المتصل عن النبي: «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا» «3».

و ضعف الكل ظاهر؛ لاندفاع الأصل بما مر، و لخلوّ الجميع عن الدالّ على الوجوب جدا، غايتها الرجحان كما هو الثابت من الجملة الخبرية، مع أنّ دلالة الثانية ليست إلّا بمفهوم ضعيف غايته، و الأخيرتين لا تدلّان إلّا على أنّ مع الخمسة تكون الجمعة، أولهم التجميع، و أين هما من احتمال الوجوب؟!.

ثمَّ لو دلّ بعضها على الوجوب العيني بالخمسة لتعارض مع ما ذكرنا، و كان المرجع أيضا التخيير؛ لأنّه المرجع عند التعارض مهما أمكن، سيّما مع وجود الشاهد له و هو صحيحة زرارة المذكورة «4».

ثمَّ إن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة، بلا خلاف ظاهر بيننا، كما صرّح به غير واحد منّا «5»، بل عن الشيخ جعله قضية المذهب «6».

فلو نقص العدد بعد الدخول في الصلاة و لو بالتكبيرة لم يسقط الوجوب، بل يتمّها الباقي إماما كان أو مأموما أو كليهما؛ لاستصحاب الصحة الخالي عن

______________________________

(1) راجع ص 22 و 23 و 38.

(2) التهذيب 3: 239- 637، الاستبصار 1: 419- 1611، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 8.

(3) رجال الكشي 1: 389- 279، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 11.

(4) في ص 61

(5) انظر: المدارك 4: 29، و الحدائق 10: 77، و الرياض 1: 185.

(6) الخلاف 1: 600.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 64

مكاوحة ما دلّ على اشتراط الوجوب بالعدد «1»، لظهوره- بحكم التبادر، و ندرة النقص بعد الاجتماع و الدخول في الصلاة جدا، بل كأنه لم يتحقق إلى الآن- في الابتداء، بل بل مدلول بعضه عدم تعلق

الوجوب بدون العدد الظاهر أو الصريح في عدم مسبوقيته بالوجوب، و هو غير السقوط.

و تدلّ على عدم السقوط لو نقص العدد بعد تمام الركعة: رواية جابر في صلاة الجمعة: «و من أدرك ركعة فليضف إليها أخرى» «2».

و صحيحة البقباق: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» «3».

و لا يدلّ مفهوما هما على السقوط لو انفضّوا قبل الركعة، كما عن محتمل نهاية الإحكام و التذكرة «4»؛ لعدم ثبوت كون الباقي بعد الانفضاض غير مدرك الركعة إلّا بعد ثبوت اشتراط بقاء العدد في الإدراك.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من الاستصحاب و إن كان عدم الاشتراط و لو نقص عددهم بعد الشروع في الخطبة قبل الصلاة، إلّا أنّه خارج بالإجماع.

الشرط الثالث: الخطبتان،
اشارة

بإجماعنا المحقق، بل إجماع أكثر أهل العلم، على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة «5»؛ له، و للمروي في المعتبر عن جامع البزنطي: «لا جمعة إلّا بخطبة، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» «6» و ضعفه منجبر بالعمل.

المؤيّدين بأخبار أخر متقدمة، كصحيحة محمّد، و موثقتي البقباق

______________________________

(1) و قد يستدل لذلك باستصحاب الوجوب، و فيه نظر، لمعارضته باستصحاب عدمه. منه رحمه اللَّه.

(2) التهذيب 3: 160- 344، الوسائل 7: 347 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 8.

(3) التهذيب 3: 161- 346، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.

(4) نهاية الإحكام 2: 22، التذكرة 1: 147.

(5) انظر: المنتهى 1: 318، و التذكرة 1: 150، و المدارك 4: 30، و الحدائق 10: 81، و الرياض 1: 185.

(6) المعتبر 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 65

و سماعة «1»، الدالّة بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن لهم من يخطب لا يجمّعون.

و جعلها مؤيّدة لما مرّ من الإجمال فيمن

يخطب، و احتمال إرادة الوجوب من الجملة، فيكون مفهومها نفي الوجوب دون الصحة.

و بأخبار أخر تأتي في عدد الخطبة و كيفيتها و آدابها.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب الإتيان بخطبتين إجماعا؛

له، و لصحيحة عمر بن يزيد: «و ليقعد قعدة بين الخطبتين» «2».

فإنّ إيجاب القعود بين الخطبتين يستلزم إيجابهما من باب المقدمة.

المؤيّدين بما تقدم من رواية المعتبر، و ما بمعناها من الروايات السابقة، كصحيحة زرارة، و رواية العلل «3»، و بصحيحة معاوية بن وهب: «الخطبة و هو قائم خطبتان، يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون الفصل بين الخطبتين» «4» و الأخبار الواردة في كيفية الخطبة «5».

المسألة الثانية: يجب في كل منهما الحمد للَّه سبحانه،
اشارة

و الصلاة على النبي و آله، و شي ء من الوعظ، بزيادة قراءة سورة في الأولى خاصة، دون الثانية.

وفاقا للأكثر في الثلاثة الاولى، بل عن الخلاف ظاهر الإجماع عليها «6».

لا لورودها في الأخبار؛ لعدم دلالة شي ء منها في شي ء من الثلاثة على الوجوب، مضافا إلى اشتمال أكثرها على ما ليس بواجب قطعا.

بل لأصل الاشتغال، فإنّ المراد بالخطبة في الأخبار ليس معناها اللغوي

______________________________

(1) راجع ص 21 و 22.

(2) التهذيب 3: 245- 29، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 2.

(3) راجع ص 22 و 29.

(4) التهذيب 3: 20- 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.

(6) الخلاف 1: 616.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 66

قطعا، بل الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها كالمتشرعة الظاهر اتحادهما؛ لأصالة عدم النقل و عدم معلومية صدقها في شي ء من العرفين على أقلّ من ذلك، و صدقها على المتضمن للثلاثة قطعا.

و الحاصل: أنّا نعلم وجوب اشتمالها على الحمد و شي ء آخر من الصلاة أو الوعظ أو كليهما أو أحدهما لا على التعيين، فليس بين الزائد المعلوم قدر مشترك يقيني الوجوب فيعمل فيه بأصل الاشتغال.

و لجماعة منهم: المبسوط و الجمل و

العقود، و المراسم و الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع «1»، و غيرهم، في الرابع؛ لقوله عليه السلام في صحيحة محمّد في الخطبة الأولى بعد ذكر الثلاثة: «ثمَّ اقرأ سورة من القرآن» «2» و للمعتبر و النافع «3»، و جماعة أخرى «4»، في الخامس؛ للأصل الخالي عن معارضة ما مرّ، لاختصاص الأمر بالأولى، و عدم توقف صدق الخطبة على القراءة قطعا.

خلافا لمن زاد في الأولى الثناء و الشهادة بالرسالة أيضا، كالسيد «5»، و في الثانية الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات، و الصلاة على أئمّة المسلمين، كالنافع و حكي عن السيد أيضا «6»؛ لورود الجميع في بعض الأخبار الخالي عن الدالّ على الوجوب جدّا «7»، مضافا إلى جواز اتحاد الثناء مع الحمد، كما عن ظاهر الخلاف «8».

______________________________

(1) المبسوط 1: 147، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190، المراسم: 77، الوسيلة: 103، السرائر 1: 292، الشرائع 1: 95، المختصر النافع: 35.

(2) الكافي 3: 422 الصلاة ب 75 ح 6، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.

(3) المعتبر 2: 284، المختصر النافع: 35.

(4) منهم صاحب المدارك 4: 34، و الذخيرة: 300، و الحدائق 10: 93.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 284.

(6) المختصر النافع: 35، و حكاه عن السيد في المعتبر 2: 284.

(7) انظر: الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.

(8) الخلاف 1: 616.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 67

و فيهما القراءة أيضا، كالمحكي عن الأكثر «1»؛ لدعوى الإجماع في الخلاف «2» المردود بعدم الحجية، مضافا إلى أنّها على مطلق القراءة الشامل للآية أيضا، فلا ينطبق على المدّعى، إلّا مع ما قيل من عدم الفرق بين الخطبتين «3» الممنوع ثبوته جدا.

و لمن نقص الثانية عن

الاولى كالنافع و الحلّي و السيد «4»، أو الثالثة عنهما كما عن الأخير «5»، و عن الثانية خاصة كما عن الثالثة أيضا «6»، أو الرابعة عنهما كما عن الحلبي «7» و لمن اكتفى عن الرابعة بآية تامّة الفائدة، كما عن الخلاف و جماعة «8».

كل ذلك للأصل المندفع بما ذكرنا.

و لمن أوجب الرابعة بين الخطبتين فقط، كما عن الاقتصاد و المهذب و الإصباح و الجامع «9»؛ للصحيح: «يخرج الإمام بعد الأذان، فيصعد المنبر، فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللَّه أحد، ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته» «10».

و هو غير دالّ على مطلوبهم.

______________________________

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 186.

(2) الخلاف 1: 617.

(3) انظر: الرياض 1: 186.

(4) المختصر النافع: 35، السرائر 1: 295، حكاه عن السيد في المعتبر 2: 284.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 284.

(6) حكاه عنه في نهاية الإحكام 2: 34.

(7) الكافي في الفقه: 151.

(8) الخلاف 1: 616، انظر: جامع المقاصد 2: 395 و الذخيرة: 300.

(9) المهذب 1: 103، الجامع للشرائع: 94.

(10) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 68

فروع:
أ: يجب أن يكون الحمد بلفظه،

بلا خلاف ظاهر، بل عن التذكرة الإجماع عليه «1»؛ لظاهر الإجماع.

و هل يتعيّن الحمد للَّه، كما هو صريح جماعة «2»، أو يجزي مثل الحمد للرحمن، أو لرب العالمين، كما عن نهاية الإحكام «3»؟.

الثاني أقوى؛ للأصل. و الأول أحوط كما في الصلاة أيضا، فإنّ الأحوط الإتيان بلفظها.

ب: هل يتعين في الوعظ نوع خاص

من الأمر بالتقوى أو الإطاعة أو التحذير و نحوها؟ الحق لا؛ للأصل.

ج: الأولى زيادة الشهادتين في الاولى،

و الصلاة على أئمّة المسلمين، و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات؛ لورودها في بعض الأخبار «4».

د: قالوا: يجب الترتيب فيحمد أولا، ثمَّ يصلّي، ثمَّ يعظ، ثمَّ يقرأ؛

لظاهر الإجماع، و الموثقة «5».

و في ثبوت الأول كلام، كما في دلالة الثانية؛ للأمر فيها بالتأخير بعد ما لا يجب قطعا، و باعتبار عدم تعيّن الصلاة الواجبة من بين الصلاتين المذكورتين فيها.

______________________________

(1) التذكرة 1: 150.

(2) كالشهيدين في الذكرى: 236، و المسالك 1: 34، و صاحبي الحدائق 10: 94، و الرياض 1:

185.

(3) نهاية الإحكام 2: 33.

(4) كما في الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.

(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243- 655، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 69

ه: الظاهر عدم وجوب العربية في الخطبتين

كما عن المسالك «1»؛ للأصل.

و يؤيده انتفاء الفائدة التي هي علة التشريع لو لم يفهمها العدد. و لو ضمّ خطبة- يفهمها السامعون بأيّ لغة كانت- مع العربية، كان أولى و أحوط.

المسألة الثالثة: يجب تقديم الخطبتين على الصلاة

، وفاقا للمعظم، بل في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «2»، و في المنتهى: لا نعرف فيه مخالفا «3»، و في الوافي: و هذا ممّا لا يختلف فيها أحد فيما أظنّ «4».

لظاهر الإجماع، و للمروي في العلل: فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة؟ قيل: «لأنّ الجمعة أمر دائم ..» «5».

و المستفيضة المصرّحة بأنّ خطبة النبيّ قبل الصلاة «6»، و المشتملة على أنّ الإمام يخطب قبل الصلاة «7».

فإنّ في دلالتها على الوجوب و إن كان نظر، إلّا أنّه يتمّ باستلزام رجحان التقديم لوجوبه بالإجماع المركّب.

خلافا لظاهر الصدوق، في العيون و العلل و الهداية و الفقيه، فذهب إلى تأخّرهما عن الصلاة يوم الجمعة «8»؛ لكونهما بدل الركعتين.

و لمرسلته: «أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان ..» «9».

و الأوّل اجتهاد في مقابلة النصّ.

______________________________

(1) المسالك 1: 34.

(2) المدارك 4: 37.

(3) المنتهى 1: 327.

(4) الوافي 9: 1317.

(5) العلل: 265، الوسائل 7: 333 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 15 ح 4.

(6) انظر: الوسائل 7: 332 أبواب صلاة الجمعة ب 15.

(7) انظر: الوسائل 5: أبواب صلاة الجمعة ب 14 و 25.

(8) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 110، العلل: 265، الهداية: 34، الفقيه 1: 278.

(9) الفقيه 1: 278- 1263، الوسائل 7: 332 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 70

و الثاني ضعيف بالشذوذ، و المعارضة مع أقوى منه و أكثر.

و هل تجب إعادة

الصلاة لو عكس؟.

الظاهر: نعم؛ لوجوب الإتيان بالصلاة بعد الخطبة.

و لو لم يعد عمدا أو لعذر، فهل يبطل ما فعل و تجب الظهر، أم لا؟.

الظاهر: الأوّل؛ لأنّ وجوب الإعادة و لو في الجملة يدلّ على عدم كون ما أتى به موافقا للمأمور به، و لأنّ الأمر بالخطبة قبل الصلاة نهي عن ضدّه الذي هو الصلاة قبل الخطبة، و النهي يوجب الفساد.

المسألة الرابعة: يجوز إيقاع الخطبتين بعد تحقّق الزوال، و قبله على الأظهر،

وفاقا في الأوّل للأكثر، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «1»، و في الثاني، للخلاف و المبسوط «2»، و القاضي و المحقق «3»، و عن الشهيدين الميل إليه «4»، و اختاره جمع من المتأخرين منهم: صاحب الذخيرة و الفاضل الهندي «5»، و نسبه في النافع إلى أشهر الروايتين «6»، بل عن الخلاف: الإجماع عليه «7».

للأصل فيهما.

و ظاهر الإجماع في الأوّل.

و الروايات الدالّة على توقيت الصلاة بأوّل الزوال المستلزم لجواز تقديم الخطبتين عليه «8»، و صحيحة ابن سنان: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل فيقول جبرئيل:

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، و الرياض 1: 187.

(2) الخلاف 1: 620، المبسوط 1: 151.

(3) القاضي في المهذّب 1: 103، المحقق في المعتبر 2: 287، و الشرائع 1: 95.

(4) الشهيد الأول في الذكرى: 236، و البيان: 189، الشهيد الثاني في المسالك 1: 34.

(5) الذخيرة: 311، كشف اللثام 1: 249.

(6) المختصر النافع: 35.

(7) الخلاف 1: 621.

(8) الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 71

يا محمّد- صلّى اللَّه عليه و آله- قد زالت الشمس، فانزل فصلّ» «1» في الثاني.

و تأويل الصلاة في الروايات بها و ما في حكمها- أعني الخطبة-

لكونها بدلا من الركعتين، خلاف الأصل و الظاهر.

كتأويل الخطبة في الصحيحة بالتأهّب لها كما عن التذكرة «2».

أو تأويل الظلّ الأوّل بأوّل الفي ء كما عن المنتهى «3»، أو بما قبل المثل من الفي ء، و الزوال بالزوال عن المثل كما عن المختلف «4».

أو حملها على أنّه إذا أراد تطويل الخطبة كان يشرع فيها قبل الزوال، و لم ينوها خطبة الصلاة، حتى إذا زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة، ثمَّ ينزل فيصلّي.

و لا ينافي المطلوب تصريح الصحيحة بأنّ الصلاة كانت حين تزول الشمس قدر شراك، فلا تكون أوّل الزوال بل بعده؛ لأنّ قدر الشراك كناية عن غاية القلّة. و حمله على طوله أو موضع القدم منه خلاف الظاهر جدّا. مع أنّ النزول عن المنبر بعد الخطبتين و تسوية الصفوف يستدعي هذا القدر من الوقت أيضا، فلا تكون الخطبة إلّا قبل الزوال، بل لا يحصل العلم بالزوال قبله. مع أنّ ما بعد هذا اللفظ من قوله: «في الظلّ الأوّل» و قول جبرئيل: «قد زالت الشمس فانزل» صريح في وقوعها قبله.

و القول «5»: بأنّ الأوّلية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه.

و أنّه لا بدّ من تقدير شي ء مع الظلّ الأوّل، و ليس تقدير ابتدائه مثلا أولى من تقدير انقضائه.

______________________________

(1) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.

(2) التذكرة 1: 151.

(3) المنتهى 1: 325.

(4) المختلف 104.

(5) انظر: جامع المقاصد 2: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 72

و أنّ معنى قول جبرئيل: «أنّه قد زالت»: قدر شراك، بقرينة ما قبله.

ساقط جدّا:

أمّا الأوّل

، فلأنّ الظلّ مستعمل مقابل الفي ء، و الأوّل قبل الزوال، و الثاني بعده، و قد يوصف بالأوّل لتأكيد بيان قبليّة الزوال- كما في

طائر يطير بجناحيه- حيث قد يطلق الظلّ على ما بعد الزوال أيضا.

و أمّا الثاني

، فلمنع الاحتياج إلى التقدير، فإنّ المراد إيقاع الخطبتين قبل الزوال، و أمّا كونه آخر الظل الأوّل أو قبله فلا، بل يحصل المراد بمجرد ظرفيته لهما، و الظرف لا تجب مساواته للمظروف.

و أمّا الثالث

، فلمنع كون المعنى ذلك، بل المراد أنّه قد حصل الزوال.

و إنّما كان يصلي قدر الشراك، لما مرّ من إخبار جبرئيل، و النزول و التقدّم و تسوية الصفوف.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة في الأوّل، فأوجب تقديمهما على الزوال «1»؛ و لعلّه لما مرّ من الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة بمجرد الزوال و تضيّق وقتها.

و هو كان حسنا لو لا الإجماع على جواز الإيقاع بعد الزوال، كما هو المحقّق ظاهرا- لعدم قدح مخالفة واحد فيه- و المصرّح به في كلام جماعة. مضافا إلى أنّ الأمر بفعل في وقت و إرادته مع مقدماته شائعة، خصوصا مثل الخطبة التي هي كجزء من الصلاة.

و للسيّد و العماني و الحلبي و الحلّي و الفاضل «2»، و جمع آخر «3»، و نسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب «4»، و عن روض الجنان و التذكرة شهرته «5»، في

______________________________

(1) الوسيلة: 104.

(2) حكاه عن مصباح السيّد في السرائر 1: 296، و عن العماني في المختلف: 104، الحلبي في الكافي في الفقه: 151، الحلّي في السرائر 1: 296، الفاضل في نهاية الإحكام 2: 35، و المختلف: 104، و التذكرة 1: 151.

(3) كصاحبي الحدائق 10: 11، و الرياض 1: 187.

(4) الذكرى: 236.

(5) روض الجنان: 293، التذكرة 1: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 73

الثاني، فأوجبوا إيقاعهما بعد الزوال.

لأصل الاشتغال.

و ما دلّ على أنّ الخطبة بعد الأذان من الآية «1»

و الرواية «2».

و على أنّ الخطبتين عوض من الركعتين «3»، فإنّ البدل وقته وقت المبدل منه.

و رواية ابن ميمون: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذّنون» «4».

و استحباب التنفّل بركعتين عند الزوال، فلو وقعت الخطبة قبله لزم تخلّل النافلة بينها و بين الصلاة.

و يضعّف الأوّل:

باندفاعه بالإطلاقات و بما مرّ.

و الثاني:

بعدم دلالته على التعيّن و الوجوب، بل غايته الرجحان. مضافا إلى ابتنائه في الآية و الروايات على وجوب كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال، و عدم جواز الأذان للخطبة قبله، و هو- كما قيل «5»- ممنوع. و في الآية على إرادة الأذان للصلاة من النداء، و الخطبة من الذكر، و هما ممنوعان.

و الثالث:

بمنع البدليّة أوّلا، و وجوب الاتّحاد في الوقت ثانيا سيّما إذا علم تغاير الوقتين في الجملة، فإنّهما لو كانا بدلا لكانا عن الركعتين الأخيرتين، فلا يكون وقتهما أوّل الزوال قطعا؛ لوجوب تأخيرهما عن الأوليين، مع أنّه يجوز.

و الرابع:

باحتمال أن يكون القعود بعد الخطبة، مضافا إلى عدم دلالته على الوجوب.

______________________________

(1) الجمعة: 9.

(2) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(3) انظر: الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6.

(4) التهذيب 3: 244- 663، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.

(5) انظر: الذخيرة 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 74

و الخامس:

بجواز اختصاص التنفّل بمن لم يقدّم الخطبة.

المسألة الخامسة: يجب القيام في الخطبتين بلا خلاف،

كما صرّح به جماعة «1»، بل هو مذهب الأصحاب، كما في المدارك «2»، بل إجماعي، كما عن التذكرة و روض الجنان و شرح القواعد «3»؛ لظاهر الإجماع المؤيّد بجملة من

الأخبار، كصحيحتي معاوية بن وهب «4»، و عمر بن يزيد «5»، و المروي في تفسير القمي: عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال: «يخطب قائما إنّ اللَّه تعالى يقول:

وَ تَرَكُوكَ قائِماً.» «6».

و قد يستدلّ له بهذه الأخبار. و في دلالتها على الوجوب نظر.

كما قد يستدل أيضا بما ورد أنّهما صلاة حتى ينزل [الإمام ] «7» فإنّ دلالته إنّما يتمّ على ثبوت عموم المنزلة، أو التشبيه، و هو ممنوع، مع أنّ جميع أجزاء الصلاة لا يجب فيه القيام.

ثمَّ لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته، و صلاة من علم بذلك من المأمومين؛ و يعلم وجهه ممّا سبق، فيما إذا أخّرهما عن الصلاة.

و أمّا من لم يعلمه فصلاته صحيحة، و إن رآه جالسا، و إن انكشف له عدم العذر؛ لإتيانه بما كان مأمورا به له على وجهه حينئذ، و لأنّ المستند التامّ ينحصر في الإجماع المنتفي هنا.

و منه يعلم أنّه يجوز الجلوس مع عدم إمكان القيام؛ للأصل، و اختصاص

______________________________

(1) انظر: مجمع الفائدة 2: 341، و الحدائق 10: 84، و الرياض 1: 186.

(2) المدارك 4: 38.

(3) التذكرة 1: 151، روض الجنان: 285، جامع المقاصد 2: 398.

(4) التهذيب 3: 20- 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.

(5) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.

(6) تفسير القمّي 2: 367، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 16 ح 3.

(7) أضفناه من المصدر، انظر: الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 75

الإجماع بحال الإمكان، فلا تجب الاستنابة.

و هل تجب فيه الطمأنينة؟.

صريح الفاضل و غيره: نعم «1»؛ للتأسي،

و عموم التشبيه و البدلية، و أصل الاشتغال.

و الكلّ ضعيف، يظهر وجهه ممّا سبق. و الأصل ينفيه.

المسألة السادسة: لا شكّ في رجحان اتّحاد الخطيب و الإمام؛

للاحتياط، و المروي في تفسير القمي المتقدّم، و قوله في موثقة سماعة السابقة: «و أمّا إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات» «2».

و في صحيحة زرارة: «لمكان الخطبتين مع الإمام» «3».

و في رواية العلل المتقدّمة بعد بيان علّة الخطبة: «و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة» «4».

و قوله في صحيحة أخرى لزرارة تقدمت: «أمّهم بعضهم و خطبهم» «5».

و للاتّحاد في صلاة النبي و الأئمّة عليهم السلام.

و الأخبار المتضمّنة للنهي عن الكلام و الإمام يخطب «6».

و هل يجب ذلك كما عن الراوندي في أحكام القرآن و المنتهى و التذكرة «7»، لما

______________________________

(1) انظر: التذكرة 1: 151، و المدارك 4: 38، و الذخيرة: 299.

(2) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 4، التهذيب 3: 19- 70، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 3.

(3) الفقيه 1: 124- 600، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 1.

(4) العلل: 265، الوسائل 7: 344 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 6.

(5) الفقيه 1: 267- 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.

(6) الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.

(7) فقه القرآن: 135، المنتهى 1: 324، التذكرة 1: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 76

مرّ كلا أو بعضا. أو لا كما عن نهاية الإحكام «1»، و ظاهر المدارك و الذخيرة:

التردد «2»، للأصل.

الحقّ هو الثاني؛ لما ذكر، و عدم دلالة شي ء ممّا مرّ على الوجوب حتى موثقة سماعة، لجواز أن يراد بالإمام فيها مطلق من يتّبع و لو في أمر أو نهي،

مع ما مرّ من الإجمال في معنى قوله «يخطب».

المسألة السابعة: و يجب الفصل بينهما بجلوس،

على الأشهر الأظهر؛ لقوله عليه السلام في صحيحة عمر بن يزيد: «و ليقعد قعدة بين الخطبتين» «3» المؤيّد بصحيحة ابن وهب السابقة «4».

و التأسي.

و قوله في موثقة سماعة بعد الخطبة الاولى: «ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم» «5».

و في حسنة محمّد- أو صحيحته- بعد ذكر الخطبة و الأمر بالقراءة: «ثمَّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمَّ تقوم» «6».

و في صحيحة محمّد بن النعمان في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد الخطبة الاولى: «ثمَّ جلس قليلا ثمَّ قام» «7».

و في مرسلة الفقيه بعد ذكر الخطبة الاولى: «ثمَّ يجلس جلسة خفيفة ثمَ

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 18.

(2) المدارك 4: 39، الذخيرة: 299.

(3) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.

(4) في ص 74.

(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243- 655، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 2.

(6) الكافي 3: 422 الصلاة ب 75 ح 6، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.

(7) الكافي 8: 173 خطبة الجمعة لأمير المؤمنين عليه السلام ح 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 77

يقوم» «1».

و في حسنة محمّد: «ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللَّه أحد ثمَّ يقوم» «2».

خلافا للمحكي عن ظاهر المهذّب و النهاية، فقالا باستحبابه «3»، و عن النافع و المعتبر و المنتهى فتردّدا في الوجوب «4»؛ للأصل المندفع بما مرّ.

و يستحبّ كون الجلسة خفيفة، و أن تكون بقدر قراءة سورة التوحيد؛ لما مرّ.

و أن يكون حال الجلوس ساكتا؛ لقوله في صحيحة ابن وهب: «يجلس بينهما جلسة لا

يتكلّم فيها».

و حمله على النهي عن التكلّم بالخطبة «5»، خلاف مقتضى عمومه.

و لا يجب ذلك وفاقا لبعضهم «6»؛ للأصل.

و قيل بالوجوب؛ للنهي المذكور «7».

و يردّ بعدم صراحته في الحرمة كما هو شأن الجمل الخبرية.

و في اشتراط الطمأنينة في الجلوس قول «8»، ينفيه الأصل.

و لو خطب جالسا لعذر يفصل بينهما بسكتة عند جماعة «9»، و بضجعة على

______________________________

(1) الفقيه 1: 275- 1261، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 3.

(2) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(3) المهذب 1: 103، النهاية: 105.

(4) النافع: 35، المعتبر 2: 285، المنتهى 1: 327.

(5) كما في جامع المقاصد 2: 399.

(6) كصاحبي الحدائق 10: 88، و الرياض 1: 186.

(7) كما في الذكرى: 236.

(8) كما في التذكرة 1: 151، و الروض: 294، و المدارك 4: 39.

(9) انظر: المنتهى 1: 327، و جامع المقاصد 2: 399، و المدارك 4: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 78

ما احتمله في التذكرة «1».

و لا دليل على شي ء منهما، إلّا أن يستدلّ للأوّل بوجوب الجلسة مع السكوت، و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

و يردّ: بمنع وجوب السكوت، فيجوز الفصل بدعاء و نحوه أيضا. بل لو لا احتمال الإجماع لكان الحكم بعدم وجوب الفصل أيضا قويّا، إلّا أن يدّعى توقّف تحقّق التعدّد بالفصل، و فيه نظر.

المسألة الثامنة: لا تشترط فيهما الطهارة على الأصحّ،

وفاقا للحلّي و النافع و الشرائع و المعتبر و المختلف و التبصرة و الذخيرة و القواعد «2»، و غيرها «3»؛ للأصل و الإطلاقات، الخاليين عن المخرج.

خلافا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و المنتهى و الروضة و روض الجنان و شرح القواعد و

ظاهر التذكرة «4»، و غير واحد من المتأخرين «5».

للتأسي.

و الاحتياط.

و عموم التشبيه أو وجوب الحمل على أقرب المجازات حيث انتفت الحقيقة، في صحيحة ابن سنان: «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» «6».

و اقتضاء وجوب الموالاة بين الخطبة و الصلاة له.

______________________________

(1) التذكرة 1: 151.

(2) السرائر 1: 291، المختصر النافع: 35، الشرائع 1: 95، المعتبر 2: 285، المختلف: 103، التبصرة: 31، الذخيرة: 315، القواعد 1: 37.

(3) انظر: مجمع الفائدة 2: 384، و كشف اللثام 1: 251.

(4) الخلاف 1: 618، المبسوط 1: 147، الوسيلة: 103، المنتهى 1: 327، الروضة 1: 298، الروض: 296، جامع المقاصد 2: 401، التذكرة 1: 151.

(5) كصاحبي المدارك 4: 41، و الرياض 1: 186.

(6) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 79

و قضية البدلية.

و يردّ الأوّل

- على فرض ثبوت كون النبي متطهرا في الخطبة دائما، و هو ممنوع- بعدم وجوبه، كما بيّنا في موضعه.

و كذا الثاني

إن أريد من حيث إنّه احتياط؛ و إن أريد من جهة استصحاب الاشتغال فيعارض باستصحاب عدمه بالطهارة.

و الثالث:

بمنع عمومه، و عدم دليل على الحمل على أقرب المجازات، كما بيّن الحكمان في موضعهما.

مضافا إلى احتمال إرادة المعنى اللغوي من الصلاة؛ لتقدّم الحقيقة اللغوية على المجاز الشرعي. و احتمال عود الضمير إلى الجمعة كما تلائمه الوحدة.

و إن ضعّف الأوّل منهما: بثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة أوّلا، و عدم إمكان إرادة الحقيقة اللغويّة- لعدم كون الخطبة دعاء فقط- ثانيا، و عدم ملائمته لفاء التفريع ثالثا. و الثاني: بانتفاء ذلك الاحتمال؛ لما في الرواية من الغاية، مع معارضة الوحدة بالقرب، و توسّط الضمير بين اسمين،

فتجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة.

و الرابع:

بمنع وجوب الموالاة أوّلا، و منع اقتضائه لاشتراط الطهارة؛ لجواز التطهّر في أثناء الخطبة أو في المسافة بين المنبر و المحراب ثانيا.

و الخامس:

بمنع البدليّة أوّلا، و منع اقتضائها الاشتراك في جميع الأحكام ثانيا، و لذا لم يشترط فيهما القبلة و التسليم و التكبير و نحوها. هذا حكم الحدث.

و لا تشترط الطهارة من الخبث أيضا؛ لما مرّ. و يظهر من بعضهم أنّ عدم اشتراطها مسلّم عند المشترطين للطهارة من الحدث.

و ظاهر المنتهى و بعض آخر اشتراطها «1»؛ لعين ما مرّ بجوابه.

و ممّا ذكر يظهر عدم اشتراط شي ء من الطهارتين في السامعين أيضا، كما هو ظاهر الأكثر، حيث قيّدوا بالخطيب أو الإمام.

______________________________

(1) المنتهى 1: 327، و انظر: البيان: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 80

و يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين الميل إلى اشتراطها فيهم «1»، و هو ضعيف غايته.

المسألة التاسعة: هل يجب على الخطيب رفع الصوت بحيث يسمعها العدد المعتبر فصاعدا، أم لا؟.

تردّد فيه في الشرائع «2»، و هو في موقعه، بل مقتضى الأصل العدم.

و جزم بالوجوب في القواعد و شرحه «3».

لأصل الاشتغال.

و التأسي، فإنّه روي: أنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا خطب رفع صوته كأنّه منذر جيش «4».

و لأنّ المقصود من الخطبة لا يحصل بدونه.

و يردّ الأوّل:

بما مرّ مرارا.

و كذا الثاني

، مضافا إلى منع ثبوت ذلك دائما من النبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الرواية ضعيفة، و لو ثبتت لدلّت على رفع الصوت كثيرا، و هو غير واجب قطعا.

و الثالث:

بمنع انحصار المقصود في فهم الحاضرين، بل لا دليل على كونه مقصودا في التحميد و الصلاة، و هما أيضا من الخطبة. و لو كان المقصود منحصرا فيه لزم رفع الصوت بحيث يسمعه جميع من تجب عليه الجمعة، و لا

يقولون بذلك، بل لا دليل عليه. فما يجعلونه فائدة لحضور الباقين يكون فائدة لمطلق الخطبة.

و كذا فائدته فائدة الخطبة عند تعذّر رفع الصوت بهذا القدر، و فائدته

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 315، و الحدائق 10: 102، و الرياض 1: 186.

(2) الشرائع 1: 95.

(3) القواعد 1: 37، جامع المقاصد 2: 399.

(4) صحيح مسلم 2: 592- 43 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 81

لحضور الأصمّ، و لذا اشترط بعضهم فيهما العربية و لو لم يفهمها العدد «1»، فيمكن أن تكون تعبدا كالصلاة و القنوت بالعربي و الإنصات للقرآن بالنسبة إلى من لا يفهم العربية.

و أمّا رواية العلل المتقدّمة «2» فلا تدل إلّا على أن شرّع الخطبة لأن يكون سبب للأمير للترغيب و التحذير، و مقتضاه أنّه إذا أراد ذلك كان له باعث، و لم يقل أن شرّعها للترغيب و التحذير.

نعم يستحبّ الرفع بحيث يسمع كلّ من يمكن قطعا.

المسألة العاشرة: لا يجب إصغاء العدد و لا الحاضرين للخطبة،

وفاقا للمعتبر و النافع و المبسوط و الذخيرة «3»؛ للأصل، و لأنّ تخصيص الوجوب بالعدد تخصيص بلا دليل، و تعميمه يوجب التكليف بالممتنع إن لم نوجب رفع الصوت على الخطيب بحيث يسمعه الكلّ، و ما لا يقولون به، و لا دليل عليه إن أوجبناه.

خلافا للأكثر كما صرّح به بعض من تأخّر «4».

لبعض ما مرّ.

و للأمر في الآية بالإنصاف و الاستماع للقرآن، «5»، و ورد ورود الآية في الخطبة «6»، و سمّيت قرآنا لاشتمالها عليه.

و للصحيحة المتقدّمة المصرّحة بأنّها صلاة حتّى ينزل الإمام «7».

______________________________

(1) كما في المدارك 4: 35.

(2) في ص 69.

(3) المعتبر 2: 294، النافع 1: 36، المبسوط 1: 148، الذخيرة: 315.

(4) انظر: جامع المقاصد 2: 401، و المدارك 4: 63، و كفاية الأحكام: 21.

(5) الأعراف: 204.

(6) انظر: مجمع

البيان 2: 515، و تفسير الفخر الرازي 5: 102.

(7) راجع ص 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 82

و النصوص الكثيرة الآتية الناهية عن الكلام في أثناء الخطبة «1»؛ لظهور أنّ وجه النهي فيها إنّما هو وجوب الإصغاء.

و بعض الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لقوله: «خطبهم» و «يخطب بهم» فإنّه لا يتحقّق بدون الإصغاء.

و يضعّف ما مرّ:

بما مرّ، سيّما ما ذكروه من انتفاء الفائدة، فإنّ استماع الكلّ- سيّما في المدن الكبيرة مع ذلك الاجتماع العظيم- ممتنع عادة، ففائدة حضور من لا يمكنه السماع- مع وجوب الجمعة عليه قطعا- هي الفائدة في المطلق.

و الثاني:

بمنع ورودها في الخطبة، و ضعف مستنده، و معارضته مع ما عن بعض التفاسير أنّها في الصلاة المكتوبة «2»، و عن تفسير القمي: «أنّها في صلاة الإمام الذي يأتمّ به» «3» و عن التبيان: أنّ فيها أقوالا «4».

و القول بكفاية إطلاقها؛ لشمولها للقراءة في الخطبة، فيتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

مردود بأنّ الإجماع المركّب إنّما يفيد لو كان الإنصات حال القراءة لأجل أنّها جزء من الخطبة، و أمّا لأجل أنّها قرآن فلا إجماع أصلا. مع أنّه على الإطلاق يرد عليه عدم وجوب الإنصات في المطلق، و التخصيص بالبعض ليس أولى من الحمل على الاستحباب.

و الثالث:

بما مرّ، مضافا إلى أنّه لا يدلّ على أزيد على أنّ الخطيب في الصلاة، دون السامعين، سلّمنا و لكن لا يجب الإصغاء في الصلاة.

و الرابع

- بعد تسليم حرمة الكلام-: بمنع انحصار وجهها في الإصغاء، مع أنّ الإصغاء ممكن مع الكلام أيضا، كما أنّ عدمه يكون مع عدمه، و يمكن أن يكون وجهها كونها صلاة كما يقولون هؤلاء به.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.

(2) انظر: مجمع البيان 2: 515.

(3) تفسير

القمي 1: 254.

(4) التبيان 5: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 83

و الخامس:

بمنع توقّف الخطبة لهم على ذلك، فإنّه يصدق بمجرد الخطبة في محضر منهم.

نعم يستحب الإصغاء إجماعا؛ له، و لبعض ما مرّ، و للمروي في الدعائم:

«يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم و يصغون إليه» «1».

المسألة الحادية عشرة: لا خلاف في مرجوحية الكلام للإمام و المأمومين في أثناء الخطبة،
اشارة

و تدلّ عليها المستفيضة: كصحيحة محمّد: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ من خطبته، فإذا فرغ تكلّم ما بينه و بين ما أن تقام الصلاة» «2».

و المرويّات في قرب الإسناد: أحدها:

«يكره الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، و في الفطر و الأضحى و الاستسقاء» «3».

و الثاني:

«إنّ عليّا كان يكره ردّ السلام و الإمام يخطب» «4».

و الثالث:

«و رجل شهدها- أي الجمعة- و الإمام يخطب فقام يصلّي، فقد أخطأ السنة» «5».

و المستفيضة المصرّحة بأنّه: «لا كلام و الإمام يخطب» «6» و أنّه: «لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر» «7».

______________________________

(1) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 22 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 5.

(2) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 2، التهذيب 3: 20- 71، الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 150- 544، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 5.

(4) قرب الإسناد: 149- 539، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 6.

(5) قرب الإسناد: 34- 111، الوسائل 7: 416 أبواب صلاة الجمعة ب 58 ح 1.

(6) انظر: الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.

(7) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 6، ص: 84

و النبوي: «إذا قلت لصاحبك: أنصت، و الإمام يخطب، فقد لغوت» «1».

و هل يحرم ذلك؟ كالمشهور، و منهم: الشيخ في النهاية و الخلاف مدّعيا فيه الإجماع عليها «2».

أو لا؟ كالمبسوط و موضع من الخلاف «3»، على ما قيل «4»- و إن أنكره بعضهم، و هو كذلك، فإنّ كلامه في هذا الموضع الذي صرّح فيه بالكراهة و عدم الحظر إنّما هو في الكلام ما بين الخطبة و الصلاة، كما يظهر من دليله- و المحقق و الذخيرة «5».

ألحقّ هو الأوّل، لا للمستفيضة الأخيرة؛ لعدم دلالتها على الحرمة، مع كون النهي عن الصلاة أخصّ من المدّعى. و لا لقوله: «هي صلاة حتّى ينزل» لما مرّ.

بل لصحيحة محمّد: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن تقام الصلاة» «6».

دلّت بمفهوم الشرط على ثبوت البأس الذي هو العذاب في التكلّم قبل الفراغ.

و المروي في مجالس الصدوق في مناهي النبي: «أنّه نهى عن الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا، و من لغا فلا جمعة له» «7».

و في دعائم الإسلام: عن الصادق عليه السلام: «إذا قام الإمام يخطب،

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 1: 352- 1110، سنن أبي داود 1: 290- 1112، سنن الدارمي 1: 364.

(2) النهاية: 105، الخلاف 1: 615.

(3) المبسوط 1: 148، الخلاف 1: 625.

(4) انظر: المهذّب البارع 1: 409، و الذخيرة: 315، و الحدائق 10: 96.

(5) المحقق في الشرائع 1: 97 و 99، و المختصر: 36، و المعتبر 2: 294، الذخيرة: 315.

(6) الفقيه 1: 269- 1229، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 3.

(7) أمالي الصدوق: 347، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة

ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 85

فقد وجب على الناس الصمت» «1».

و فيه أيضا: عنه عليه السلام: «إنّما جعلت الخطبة عوضا عن الركعتين اللتين اسقطتا من صلاة الظهر، فهي كالصلاة لا يحلّ فيها إلّا ما يحلّ في الصلاة» «2».

و ضعف هذه بالشهرة المحكيّة «3»، بل المحقّقة، بل الإجماع المنقول في الخلاف «4»، منجبر.

احتجّ المخالف: بالأصل الخالي عن المخرج؛ لعدم دلالة بعض ما جعلوه مخرجا حتى صحيحة محمّد، لعدم صراحة ثبوت البأس في الحرمة، و ضعف الباقي.

و بقوله: لا ينبغي و يكره، في الروايات السابقة.

و بعض الروايات العاميّة «5».

و جواب الأوّل ظهر ممّا مرّ.

و يجاب عن الثاني بأعمّية اللفظين، فيشملان الحرام أيضا.

و عن الثالث بعدم الحجية.

فروع:
أ: هل ترك الكلام واجب فقط، أو شرط في صحة الصلاة أيضا؟.

الظاهر الأوّل، بل ادّعي نفي القول بخلافه «6»، بل عن نهاية الإحكام:

______________________________

(1) الدعائم 1: 182، مستدرك الوسائل 6: 22 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 2.

(2) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 2.

(3) انظر: الحدائق 10: 96، و الرياض 1: 189.

(4) الخلاف 1: 615.

(5) انظر: سنن البيهقي 3: 221.

(6) كما في الذخيرة: 315، و الحدائق 10: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 86

الإجماع على عدم البطلان «1»؛ للأصل.

و عن المسالك و روض الجنان: الاشتراط في العدد دون الزائد «2». و الأصل ينفيه.

ب: استحباب الإصغاء و حرمة الكلام هل يختص بالعدد أم يشمل الجميع؟.

الظاهر الثاني؛ لعموم الأدلّة.

و عن التذكرة: الأوّل، إلّا أن يمنع تكلّم غير العدد عن سماع العدد «3».

ج: هل يختصّ الأمران بالمتمكّن عن السماع، أو يعمّ غيره أيضا كالبعيد، و الأصم؟.

المحكي عن بعضهم: الثاني «4».

و هو كذلك في حرمة الكلام، وفاقا للمحكي عن المسالك و روض الجنان و حواشي القواعد و المنتهى «5»؛ للعموم. دون الإصغاء؛ لعدم إمكانه في حقّهما.

د: هل يحرم غير الكلام ممّا يحرم في الصلاة كالالتفات و نحوه، أم لا؟.

الظاهر: الثاني: للأصل.

و قال بعض متأخري الأخباريين بالأوّل «6»، و نقله عن السيد؛ لرواية الدعائم. و يضعّف بالضعف.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 38.

(2) المسالك 1: 35، الروض: 297.

(3) التذكرة 1: 152.

(4) كما في الحدائق 10: 100.

(5) المسالك 1: 297، الروض: 297، المنتهى 1: 331.

(6) انظر: الحدائق 10: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 87

ه: هل تختصّ الحرمة بحال الاشتغال بالخطبة، أو تعمّ حال السكوت بين الخطبتين أيضا؟.

المحكي عن النهاية و التذكرة: الأوّل؛ «1»، للأصل.

و عن المسالك و روض الجنان و ظاهر الروضة: الثاني «2».

و هو الأقوى، لا لقوله: «و هي صلاة حتى ينزل [الامام ]» «3» لما عرفت، و لا لقوله في صحيحة ابن وهب: «يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها» «4» لعدم دلالته على الوجوب، و اختصاصه بالإمام.

بل لمفهوم الشرط في صحيحة محمّد المتقدّمة «5»، و به يندفع الأصل المتقدّم.

و: هل حرمة الكلام تختصّ بغير الإمام؟

كما عن ظاهر نهاية الشيخ و الحلّي و الحلبي و نهاية الإحكام و الدروس و البيان «6».

أو تعمّه أيضا؟ كظاهر الروضة و روض الجنان و المسالك «7» و حواشي القواعد، و بعض آخر «8».

الحقّ هو الأوّل؛ للأصل، و اختصاص الأدلّة بغيره، و يؤيّده بعض الأخبار

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 38، التذكرة 1: 152.

(2) المسالك 1: 35، الروض: 297، الروضة 1: 298.

(3) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(4) التهذيب 3: 20- 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.

(5) في ص 83.

(6) النهاية: 105، الحلي في السرائر 1: 295، الحلبي في الكافي في الفقه: 152، نهاية الإحكام 2:

38، الدروس 1: 187، البيان: 189.

(7) الروضة 1: 298، الروض: 297، المسالك 1: 35.

(8) كالمهذّب البارع 1: 410، و الحدائق 10: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 88

النبويّة الدالّة على تكلّمه في أثناء الخطبة «1».

و للمخالف بعض ما مرّ- مع جوابه- من تنزيلها منزلة الصلاة.

ز: لا بأس بالتكلّم ما بين الخطبة و الصلاة؛

للأصل، و بعض ما تقدّم من الأخبار «2».

المسألة الثانية عشرة: يستحبّ أن يكون الخطيب بليغا

جامعا بين الفصاحة- التي هي خلوص الكلام عن ضعف التأليف و تنافر الكلمات و التعقيد، و عن كونها غريبة وحشية- و بين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من الزمان و المكان و الحاضرين، مع الاحتراز عن الإيجاز المخلّ، و التطويل المملّ؛ ليكون كلامه أوقع في القلوب، و به يحصل من الخطبة المطلوب.

مواظبا على الطاعات، مجانبا عن المحرّمات؛ ليكون وعظه أبلغ تأثيرا، و لا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.

متعمّما متردّيا شتاء و صيفا؛ لرواية سماعة «3»، و صحيحة عمر بن يزيد «4».

معتمدا حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا؛ للأخيرة.

قائما على مرتفع من منبر و نحوه؛ لفعل الحجج، و بعض الأخبار «5».

و أن يكون أذان المؤذّن بعد صعود المنبر، أو جلوسه؛ لرواية ابن ميمون «6»، و رواية الدعائم: «إذا صعد الإمام المنبر جلس، فأذّن المؤذّنون بين يديه، فإذا فرغوا من الأذان قام فخطب» «7».

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 596 و 597 ب 14 و 15.

(2) في ص 84، الهامش 6.

(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243- 655، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة ب 24 ح 1؛ بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 3: 245- 664، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة ب 24 ح 2.

(5) الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(6) التهذيب 3: 244- 663، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.

(7) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 89

و أمّا بعض الروايات الدالّة على تقديم الأذان فلا يفيد أزيد من

الرخصة «1».

و أن يستقبل الناس بوجهه عند الخطبة، و يستقبله الناس؛ لمرسلة الفقيه:

«كلّ واعظ قبلة، و كل موعوظ قبلة للواعظ» يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الإمام، و يستقبلونه حتى يفرغ من خطبته» «2».

و قريبة منها رواية السكوني «3».

و أن يجلس أمام الخطبة؛ لبعض ما مرّ، مضافا إلى نفي الخلاف عنه في بعض العبائر «4».

و أن يسلّم على الناس إذا استقبلهم؛ لمرفوعة عمرو بن جميع «5».

خلافا للخلاف «6»؛ لأصالة البراءة.

و هو كان حسنا لو لا المرفوعة المنجبرة بالشهرة، مضافا إلى ثبوت المسامحة في المقام، و عموم أدلّة استحباب التسليم الشامل للمسألة.

و لذا عن الفاضل في النهاية و التذكرة: استحبابه مرّتين، مرة إذا دنا المنبر يسلّم على من عنده، قال: لاستحباب التسليم لكلّ وارد، و اخرى إذا صعده، فانتهى إلى الدرجة التي يلي القعود «7».

الرابع من الشرائط: الجماعة
اشارة

، فلا تصحّ فرادى، إجماعا من المسلمين، و به استفاضت النصوص، و قد تقدّم شطر منها.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(2) الفقيه 1: 275- 1261، و لا يوجد فيه: في الخطبة .. إلى آخر المرسلة، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 3.

(3) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 9، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    90     المسألة الأولى: تتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام ..... ص : 90

(4) كما في الرياض 1: 187.

(5) التهذيب 2: 244- 662، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 1.

(6) الخلاف 1: 624.

(7) نهاية الإحكام 2: 40، التذكرة 1: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 90

و

هل اشتراطها إنّما هو في الابتداء خاصة؟ كما عن جماعة «1»، بل لعلّهم الأكثر.

أو تشترط استدامة أيضا؟ كما عن المنتهى و البيان «2»، و نسب إلى محتمل الشرائع و القواعد «3».

مقتضى الاستصحاب المتقدّم في العدد: الأوّل، و ظاهر إطلاق بعض الأخبار: الثاني.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى: تتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام

، فلو أخلّوا بها جميعا بطلت صلاتهم. و لو أخلّ بعضهم، فإن كان من العدد بطلت صلاة الجميع أيضا مع علمهم بالإخلال، و صلاة المخلّ خاصة إن لم يعلم الباقي، و إن كان من الزائد بطلت صلاته خاصة مطلقا.

و هل تجب على الإمام نية الإمامة؟ قال الشهيدان: نعم «4». و قيل: فيه نظر، من حصول الإمامة إذا اقتدي به، و من وجوب نيّة كلّ واجب «5».

أقول: و يمكن أن يكون مراد المشترط لنيّة الإمام كونه عالما باقتداء المأمومين به حتى يحصل العلم بالإمامة بالنسبة إليه أيضا. و على هذا، فلا ريب في اشتراطها حتى تشرع صلاته؛ إذ لا ينفكّ ذلك العلم عن النيّة و يستلزمها. فلو لم يعلمه لم تحصل المشروعيّة، و لو علمه حصلت النيّة أيضا.

هذا، مع أنّه لما لم تكن الجمعة منفكّة عن الجماعة لزم قصد القربة بالجماعة

______________________________

(1) انظر: المسالك 1: 34، و كشف اللثام 1: 252، و الحدائق 10: 114، و الرياض 1: 187.

(2) المنتهى 1: 335، البيان: 190.

(3) الشرائع 1: 99، القواعد 1: 37.

(4) الشهيد الأوّل في الذكرى: 234، و البيان: 191، الشهيد الثاني في المسالك 1: 34، و الروض: 285.

(5) كما في الرياض 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 91

أيضا، و هو يتوقّف على قصد الجماعة، فمراد المشترط لنيّة الإمام الائتمام به إن كان مجرّد قصده الإمامة، كان ما قيل صحيحا، و لكن مراده ما هو

المصطلح من النية في العبادات من قصد القربة بها.

و على هذا، فالتنظّر فيها فاسد البتّة، بل يتعيّن القول باشتراطها.

المسألة الثانية: لو لم يدرك المأموم الخطبة و أوّل الصلاة
اشارة

، فإن أدرك الإمام قبل الدخول في الركوع الثاني صحّت جمعته، و يجب عليه الائتمام بركعة و إتمام الأخرى، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في المدارك و غيره «1».

للمستفيضة من الصحاح، و غيرها، منها: صحيحتا البقباق: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» «2».

و صحيحة العزرمي: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة، فأضف إليها ركعة أخرى، و اجهر بها، و إن أدركته و هو يتشهّد، فصلّ أربعا» «3» و غير ذلك.

و أمّا صحيحة ابن سنان: «لا تكون الجمعة إلّا لمن أدرك الخطبتين» «4».

فلمخالفتها لفتوى الطائفة شاذّة، و لموافقتها لعمل جمع من العامّة «5» تحتمل التقية، أو المراد منها نفي الكمال و الفضيلة، أو نفي الحقيقة حيث إنّ حقيقة الجمعة هي الركعتان مع الخطبتين النائبتين عن الأخيرتين، فيكون المراد من أخبار

______________________________

(1) المدارك 4: 17، و انظر: التذكرة 1: 182، و الذكرى: 234.

(2) الاولى: التهذيب 3: 161- 346 الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.

الثانية: الفقيه 1: 270- 1232، التهذيب 3: 243- 657، الاستبصار 1:

422- 1623، الوسائل 7: 345، 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 2 و 4.

(3) التهذيب 3: 244- 659، الاستبصار 1: 422- 1625، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 5.

(4) التهذيب 3: 160- 345 و 243- 658، الاستبصار 1: 422- 1624، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 7.

(5) انظر: الاستذكار 2: 291، و المجموع 4: 558.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 92

الإدراك إدراك ما يجزئ الجمعة.

و كذا إن أدركه في الركوع الثاني،

على الأظهر الأشهر، بل عليه كافة من تأخّر، كما في الذكرى و غيره «1»، و في السرائر نسبه الى باقي الفقهاء غير الشيخ، مدّعيا تواتر الأخبار به «2»، و في الخلاف الإجماع عليه «3».

لأنّ الجمعة تدرك بإدراك الركعة، و إدراكها يتحقّق بإدراك الركوع.

أمّا الأوّل

، فلما تقدم من المعتبرة.

و أمّا الثاني

، فللأخبار المستفيضة كصحيحة الحلبي: «إذا أدركت الإمام و قد ركع، فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع رأسه، فقد أدركت الركعة، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» «4».

و صحيحة سليمان: «في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع، فكبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة» «5».

و مضمرة الشحّام: عن الرجل انتهى إلى الإمام و هو راكع، قال: «إذا كبّر و أقام صلبه، ثمَّ ركع، فقد أدرك» «6».

و رواية ابن شريح: «إذا جاء الرجل مبادرا و الإمام راكع، أجزأته تكبيرة لدخوله في الصلاة و الركوع» «7».

______________________________

(1) الذكرى: 275، و انظر: الذخيرة: 311، و الرياض 1: 183.

(2) السرائر 1: 285.

(3) الخلاف 1: 622.

(4) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 5، الفقيه 1: 254- 1149، التهذيب 3: 43- 153، الاستبصار 1: 435- 1680، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 2.

(5) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 6 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 43- 152، الاستبصار 1:

435- 1679، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.

(6) الفقيه 1: 254- 1150، الوسائل 7: 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3؛ بتفاوت يسير.

(7) الفقيه 1: 265- 1214، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6،

ص: 93

و تدلّ عليه أيضا رواية الجعفي «1»، و مرسلة الفقيه «2»، الواردتان في قدر انتظار الإمام في الركوع.

و صحيحة البصري «3»، الواردة فيمن ظنّ أنّه إن مشى إلى الإمام رفع رأسه من الركوع.

و المروي في الاحتجاج عن الحميري: عن مولانا الصاحب عليه السلام:

«إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة، اعتدّ بتلك الركعة» «4».

خلافا للمحكي عن المقنعة و الشيخ في النهاية و التهذيب و الاستبصار و القاضي «5»، فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع.

لحسنة الحلبي: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة، فقد أدركت الصلاة، و إن أنت أدركته بعد ما ركع، فهي الظهر أربعا» «6».

و قريبة منها صحيحته «7».

و الصحاح الأربع لمحمّد: الاولى: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة، فلا تدخل معهم في تلك الركعة» «8».

و الثانية: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» «9».

______________________________

(1) التهذيب 3: 48- 167، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.

(2) الفقيه 1: 255- 1151، الوسائل 8: 395 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 2.

(3) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 5، الفقيه 1: 254- 1148، التهذيب 3: 44- 155، الاستبصار 1: 436- 1682، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.

(4) الاحتجاج: 488، الوسائل 8: 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 5.

(5) حكاه عن المقنعة في الذخيرة. 312 و لم نجده فيها، النهاية: 114، التهذيب 3: 44، الاستبصار 1: 435، القاضي في المهذّب 1: 103.

(6) الكافي 3: 427 الصلاة ب 78 ح 1، التهذيب 3: 243- 656، الاستبصار 1:

421- 1622، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 3.

(7) الفقيه

1: 270- 1233، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 1.

(8) التهذيب 3: 43- 149، الاستبصار 1: 434- 1676، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.

(9) التهذيب 3: 43- 150، الاستبصار 1: 435- 1677، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 94

و الثالثة: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع، فلا تدخل معهم في تلك الركعة» «1».

و الرابعة: «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة» «2».

و يضعّف هذه الأخبار؛ مضافا إلى قصورها عن المقاومة لما مرّ، لاعتضاده بالشهرة العظيمة، و لاستفاضته و كثرته، و انتفائهما فيها حيث إنّ الأصل في أكثرها محمّد؛ بأنّ ما مرّ أخصّ مطلقا من هذه الأخبار، فيجب تخصيصها به، لاختصاصه بالراكع الغير الرافع رأسه، و شمولها له و لغيره ممن رفع رأسه، كما في حسنة الحلبي، و صحيحته، أولهما و لمن كبّر، فلم يدخل في الركوع أيضا كما في البواقي، فيجب التخصيص بغير الرافع رأسه.

مع أنّ لأعمية غير الأوليين- أي: الصحاح الأربع- وجها آخر أيضا، و ذلك لأنّ مدلولها عدم الدخول و عدم إدراك الصلاة و عدم الاعتداد ما لم يدرك التكبير. و ظاهر أنّه لا يعارض ما دلّ على إدراك الركعة فقط ممّا مرّ؛ لعدم المنافاة.

و إنّما يعارض هذه منضما مع ما دلّ على إدراك الصلاة بإدراك الركعة ممّا مرّ، و هو كان مخصوصا بصلاة الجمعة، فيكون أخصّ مطلقا عن البواقي، فتخصّ به، و يعمل بمدلولها في غير صلاة الجمعة، فإنّ مدلول الثلاثة الاولى ليس زائدا عن مرجوحية الدخول و الاعتداد، و هما و إن لم يمكن ارتكابهما في صلاة الجمعة لوجوب الدخول-

و منه يظهر فساد الجواب بحمل هذه الروايات على الكراهة مطلقا- إلّا أنّهما يجريان في غيرها. و مدلول الأخيرة عدم إدراك الصلاة، و هو أيضا مسلّم؛ لأنّ الثابت ممّا مرّ ليس أزيد من إدراك ما يجزئ عن الجماعة.

______________________________

(1) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 2، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.

(2) التهذيب 3: 43- 151، الاستبصار 1: 435- 1678، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 95

هذا كلّه مضافا إلى أنّ مع التعارض يجب العمل بما مرّ أيضا؛ إذ من المرجّحات المنصوصة تقديم الأحدث، و لا شكّ أنّ رواية الاحتجاج أحدث من الجميع.

فرعان:
أ: مقتضى ما مرّ إدراك الصلاة إذا أدرك الإمام في حدّ الراكع

و لو أخذ في الرفع، كما هو أحد وجهي المسألة.

إلّا أنّ رواية الاحتجاج تفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرك تسبيحة واحدة. و لكن في إفادتها الوجوب نظر، فيمكن أن يراد المرجوحية الإضافية و قلّة الكمال. و مراعاة مدلولها أحوط.

ب: لو شكّ في أنّه حين دخل الركوع رفع الإمام رأسه أم لا صحّت جمعته؛

لاستصحاب ركوع الإمام، و أصالة عدم رفع رأسه. و لا تعارضهما أصالة عدم إدراكه؛ لزوالها بهما.

المسألة الثالثة: لو ركع المأموم في الركعة الاولى مع الإمام، و منعه الزحام عن السجود فيها

، لا يجوز له أن يسجد على ظهر غيره، أو رجله، أو يومئ لها، إجماعا، بل ينتظر حتى يتمكّن من السجود، فإن أمكنه السجود بعد قيام الصفوف سجد، و لحق الإمام في الركوع الثاني وجوبا، و ما حصل له من الإخلال بالمتابعة في الركن مغتفر بالعذر، كما سيأتي في محلّه.

و إن فرغ من السجدة الاولى و قد رفع الإمام رأسه من الركوع الثاني، ففي لزوم الانفراد، أو حذف ما فعل و متابعة الإمام، أو الجلوس حتى يفرغ الإمام من الصلاة ثمَّ الإتيان بالركعة الثانية، أو التخيير بين الأوّل و الثالث، أقوال، و لكلّ وجه، و لعلّ الأخير أوجه.

و إن لم يمكنه السجود حتى يركع الإمام ثانيا لم يركع مع الإمام في الركعة الثانية، بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها، فإذا سجد سجد معه و نوى بهما للركعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 96

الاولى، ثمَّ أتمّ صلاته بركعة أخرى بعد تسليم الإمام، و صحّت صلاته، إجماعا محقّقا، و محكيا في المعتبر و المنتهى و التنقيح و الذكرى و الحدائق «1»؛ له، و لرواية حفص: في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس، فكبّر مع الإمام و ركع، و لم يقدر على السجود، و قام الإمام و الناس في الركعة الثانية، و قام هذا معهم، فركع الإمام، و لم يقدر هو على الركوع في الركعة الثانية من الزحام، و قدر على السجود كيف يصنع؟. فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أمّا الركعة الأولى، فهي إلى عند الركوع تامّة فلمّا لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن

له ذلك، فلمّا سجد في الثانية، فإن كان نوى أنّ هذه السجدة للركعة الأولى، فقد تمّت الاولى، و إذا سلّم الإمام قام، فصلّى ركعة يسجد فيها، ثمَّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان لم ينو أن تكون تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين، و ينوي أنّهما للركعة الاولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها» «2».

و ضعفها- إن سلّم- لم يضرّ؛ للانجبار في هذا الحكم بما مرّ.

و لو لم ينو بهما للأولى بطلت صلاته مطلقا سواء نوى بهما للثانية، أو لم ينو شيئا منهما، وفاقا لنهاية الشيخ و الفاضل «3»، و جماعة «4» فيهما، و للحلّي و القاضي و الفاضلين «5»، و غيرهما «6»، في الأوّل خاصّة بل قيل: إنّه المشهور بين

______________________________

(1) المعتبر 2: 299، المنتهى 1: 333، التنقيح 1: 232، الذكرى: 234، الحدائق 10: 114.

(2) الكافي 3: 429 الصلاة ب 80 ح 9، الفقيه 1: 270- 1235، التهذيب 3: 21- 78، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 17 ح 2.

(3) النهاية: 107، نهاية الإحكام 2: 28.

(4) منهم صاحب الحدائق 10: 117 و 118؛ و نقله في مفتاح الكرامة 3: 158 عن غاية المرام و الموجز و كشف الالتباس.

(5) الحلي في السرائر 1: 300، القاضي في المهذّب 1: 104، المحقق في الشرائع 1: 98، و العلّامة في المنتهى 1: 333.

(6) كالشهيد الأوّل في الدروس 1: 191، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 97

المتأخرين «1».

لعدم إجزائهما للأولى و لا للثانية، بصريح الرواية التي هي في نفسها معتبرة، و مع ذلك بدعوى الشهيد اشتهارها مطلقا «2»،

و غيره اشتهارها بين المتأخرين منجبرة. فلو لم يأت بسجدتين أخريين لزم خلوّ الركعتين عن السجدة رأسا، و إن أتى بهما للأولى، ثمَّ أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا، و إن أتى للثانية نقص من الاولى السجدتين لما مرّ، مضافا إلى أنّ الأعمال بالنيّات فيما إذا نوى بما أتى للثانية.

خلافا في الأوّل للمحكي عن مصباح السيد و المبسوط و الخلاف «3»، بل عن الأخير الإجماع عليه، فلا تبطل، بل يحذف السجدتين، و يسجد أخريين للأولى، و يتمّ الصلاة؛ للإجماع المنقول، و الرواية المنقولة.

و الأوّل مردود: بعدم الحجية، سيّما مع كثرة المخالفة.

و الثاني: بعدم الدلالة؛ لعدم تعيّن أن يكون قوله: «و عليه أن يسجد» معطوفا على جواب الشرط، بل يمكن أن يكون كلاما مستأنفا مؤكّدا لما تقدم، و يكون المعنى: أنّه إذا لم ينو للأولى لم تجزء عنها و لا عن الثانية، بل كان الواجب عليه أن ينوي بهما للأولى، و عليه بعد ذلك ركعة ثانية.

مضافا إلى معارضتها بما يفهم من المبسوط حيث قال: إنّ على البطلان رواية «4»، فإنّه في حكم رواية مرسلة.

و في الثاني للحلّي و البيان و الدروس و روض الجنان و الروضة و المدارك و شرح القواعد و الذخيرة «5»، فحكموا بالصحة؛ لأنّ أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نيّة، بل

______________________________

(1) كما في الحدائق 10: 117.

(2) الذكرى: 235.

(3) حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 299، المبسوط 1: 145، الخلاف 1: 603.

(4) المبسوط 1: 145.

(5) الحلّي في السرائر 1: 300، البيان 194، الدروس 1: 191، الروض: 298، الروضة 1:

298، المدارك 4: 81، جامع المقاصد 2: 430، الذخيرة: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 98

هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية

مخالفة، فهما ينصرفان مع الإطلاق إلى ما في الذمّة.

و يضعّف: بأنّه اجتهاد في مقابلة النص، مضافا إلى أنّ عدم افتقار الأبعاض إلى النية و الانصراف إلى ما في الذمّة إنّما هو في مقام الإتيان بالفعل في محلّه على الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة، لا فيما يحتمل وجهين، كما في المسألة.

و لو زوحم عن ركوع الاولى و سجودها جميعا صبر حتى يتمكّن منهما، ثمَّ يفعلهما، و يلتحق بالإمام إن أمكن قبل رفع الإمام من ركوع الثانية؛ لصحيحة عبد الرحمن «1» و لو زوحم عن ركوعها خاصّة صبر حتى يلحقه في ركوعه الثانية، فيركع معه للأولى، و يتم الصلاة؛ و إن لم يمكن تداركهما قبل رفع الإمام يركع معه، و يسجد في الثانية للأولى، فإن نوى بهما أو بأحدهما للثانية أو أطلق، فكما مرّ.

و إن لم يلحقه أيضا إلّا بعد رفع الرأس من الثانية:

ففي إدراك الجمعة، كجمع من الأصحاب منهم: الذكرى و شرح القواعد «2»، استنادا إلى عموم الصحيحة، و صدق إدراك الركعة، و إطلاقات وجوب الجمعة، و عدم اشتراط استدامة الجماعة.

و عدمه، كبعض آخر «3»؛ للتوقّف على درك ركوع في صدق إدراك الركعة.

قولان، و لعلّ أوّلهما أظهرهما؛ لبعض ما ذكر.

و كذا إن لم يدرك إلّا بعد الرفع من السجدة الأخيرة، فقد يقال بإدراك الجمعة؛ لجميع ما ذكر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 270- 1234، التهذيب 3: 161- 347، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 17 ح 1.

(2) الذكرى: 235، جامع المقاصد 2: 434.

(3) انظر: المعتبر 2: 300، و الروضة 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 99

و قد يقال بعدمه فيعدل إلى الظهر أو يستأنفها على اختلاف القولين.

و لعلّ الأخير أظهر؛ لعدم انطباقه على

الصحيحة، لعدم إمكان القيام في الصفّ هنا لانتفاء حالة قيامهم. و لا على روايات درك الركعة؛ لكونها حقيقة في الركوع، و عدم معلوميّة عدم اشتراط الاستدامة في الجماعة.

المسألة الرابعة: ذكر بعضهم شرائط لإمام الجمعة «1»

، و تحقيق المقال:

أنّا إن قلنا باشتراط الإمام أو نائبه الخاصّ و أنّه لا تجوز الجمعة مع غيره، فالتعرّض لذكر هذه الشرائط ساقط إلّا لذكر شرائط النائب، و هو أيضا ممّا لا فائدة فيه.

و أمّا على سائر الأقوال حتّى على جوازها احتياطا فالتعرّض له لازم، و لكن لا يشترط فيه أمر زائد على ما يشترط في إمام الجماعة إجماعا، سوى الفقاهة عند من يقول باشتراطها في الوجوب التخييريّ «2»، و سوى السلامة عن البرص و الجذام عند الحلّي، فاشترطها في الجمعة دون مطلق الجماعة «3».

أمّا الفقاهة فاشتراطها عند من يقول به ظاهر، و المراد منها معلوم.

و أمّا السلامة عن المرضين، فلا دليل على اختصاص اشتراطها بالجمعة أصلا، فهي بالنسبة إليها كمطلق الجماعة، و يأتي تحقيقه و بيان شرائط إمام الجماعة في بحث الجماعة إنشاء اللَّه.

الخامس من الشروط: الوحدة في مسافة فرسخ
اشارة

، أي لا يكون في هذه المسافة أكثر من جمعة و لا بين الجمعتين أقلّ من هذه المسافة، إجماعا منّا محقّقا، و محكيا مستفيضا فتوى «4»- إلّا عن ابن فهد في الجمعة المندوبة حال الغيبة، فأجاز

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 97، و الحدائق 10: 2، و الذخيرة: 302.

(2) راجع ص 57.

(3) السرائر 1: 280.

(4) كما في الخلاف 1: 628، و التذكرة 1: 149، و الحدائق 10: 128، و الرياض 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 100

في موجزه التقارب فيها «1»- و نصّا:

ففي صحيحة محمّد: «يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال» يعني لا تكون جمعة إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال، و ليس تكون جمعة إلّا بخطبة، قال: «فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء» «2».

و موثّقته: «إذا كان بين

الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء، و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال» «3».

دلّتا بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- بتجميع الطائفتين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال، مضافا إلى نفيهما أقلّ هذه المسافة بين الجماعتين بأن يبقى النفي على ظاهره و حملت الجمعة أو الجماعة على الصحيحة، أو يحمل على النهي تجوّزا.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: هل الوحدة شرط تبطل بانتفائها الجمعة، أو واجب خارج؟.

مقتضى إثبات البأس لتجميع الطائفتين تعلّق النهي المفسد للعبادة بهما فتكون شرطا؛ و كذا مقتضى نفي الجمعة و الجماعة فيما لم يكن كذلك إذا حملت الجملتان على الخبريّة، و إن أمكن الحمل على نفي الكاملة أيضا باعتبار مقارنتها للمنهيّ عنه الخارجيّ و هو الإيقاع في المكان المقارب، و لكن في كونه خارجيّا أيضا نظر بل المنهيّ عنه هو الفرد المخصوص كالصلاة في المكان المغصوب، فالقول بعدم شرطيّة الوحدة و إن كانت واجبة ساقط جدّا.

______________________________

(1) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 253.

(2) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 7، التهذيب 3: 23- 79، الوسائل 7: 314 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 7 ح 1.

(3) الفقيه 1: 274- 1257 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 23- 80، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 101

المسألة الثانية: الشرط هل هو عدم التعدّد الواقعيّ حتّى تبطل الجمعتان معه و لو لم يعلم به شي ء من الطائفتين بل و لو جزمتا بعدم التعدّد، أو الجزم بعدم التعدّد، أو عدم الجزم بالتعدّد؟.

صرّح شيخنا الشهيد الثاني بأنّ الشرط عدم العلم بالتعدّد «1».

و إلى هذا أيضا يشير قول من قال بعدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين بحال السابقة؛ لاستحالة توجّه الخطاب إلى الغافل «2» و ردّه آخر بأنّ خطاب الوضع يستوي فيه الغافل و المتذكّر إلّا أن يكون الخطاب مخصوصا بالمتذكّر، و ليس هناك اختصاص و لا تخصيص.

و مقتضى قول الأوّل: الثالث، و مقتضى الثاني: الأوّل.

و الحقّ هو الثالث، فالشرط هو عدم العلم بالتعدّد، و المانع هو العلم به؛ لأصالة عدم اشتراط الزائد عن الأوّل و لا مانعيّة الزائد عن الثاني، و أصالة عدم تقيّد الإطلاقات بالزائد، الخاليتين عمّا يزيلهما؛ إذ ليس إلّا الإجماع. و حاله ظاهرة. و الخبران، و هما أيضا لا يقيّدان المطلقات بالزائد؛ لأنّ دلالتهما على الاشتراط و المانعيّة بواسطة

مفهوم الجملة الشرطية، و منطوق الجملة المنفيّة.

أمّا الأوّل:

فهو أنّه إذا لم يكن بين الجماعتين ثلاثة أميال ففي تجميع الطائفتين بأس و عذاب، أي إذا كان أقلّ من ثلاثة أميال فيحرم تجميعهما. و لا شكّ أنّه لا يمكن إبقاؤه على مقتضى وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة حتّى يكون المعنى: إذا كان في الواقع أقلّ يحرم ذلك سواء جزمت الطائفتان بانتفاء الواقع أو لم تعلما به و لو بعد الفحص ما أمكن؛ لإيجابه تكليف ما لم يعلم، و اقتضائه إخراج من لم يعلم وقوع جمعة اخرى و لو بعد الفحص- و إن احتملها بل أو ظنّها- بدون مخصّص إن قلنا بعدم وجوب الجمعة عليه حال الاحتمال؛ إذ معه لا يعلم وقوع جمعة أخرى في الأقل واقعا حتّى يكون هو المخصص.

______________________________

(1) روض الجنان: 294.

(2) كما في المدارك 4: 46، و الحدائق 10: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 102

و القول بأنّه لا يحرم حينئذ بل بعد كشف الواقع يكون معاقبا يلزم العقاب على فعل الواجب؛ و بأنّه لا يعاقب و لكن تبطل جمعته يلزم الإبطال بدون دليل إذا كان سببه النهي و الحرمة المنتفيين هنا حينئذ، و لا باعث له غيرهما. فانحصر أن يكون إذا علم أنّ بينهما أقلّ و لو بعد الفحص يحرم، فيكون هو المانع، و الشرط عدمه و أمّا الثاني:

فمع عدم تحصيل معنى لهذه الجملة في الصحيحة؛ إذ لا يظهر معنى لقوله: «إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال» و تكون محتملة.

إمّا تكون الجمعة و الجماعة فيهما باقيتين على إطلاقهما، و تكون الجملة محمولة على الإنشائيّة تجوّزا، فيكون خطابا شرعيّا و حكما اقتضائيا، حالها حال الأوّل.

أو تكون الجملة باقية على خبريّتها، و تقيّد الجمعة و

الجماعة بالصحيحتين، فيكون خطابا وضعيّا، و إخبارا عن الواقع.

و إذ لا مرجّح لأحد الحملين يكون مجملا لا تقيّد به الإطلاقات، و لا تزال به الأصول.

مع أنّه على الحمل على الصحيحتين أيضا يكون كالأوّل؛ إذ الصحّة هي موافقة المأمور به، فيكون المعنى: لا يكون بين جماعتين مأمور بهما أقلّ من ثلاثة أميال، فما كان أقلّ لا يكون من المأمور به.

و لا شكّ أنّه لا يمكن أن يكون المعنى: فما كان أقلّ واقعا سواء جزم بالأكثريّة أم لا ليس مأمورا به؛ ضرورة تحقّق الأمر حينئذ و شمول الإطلاقات له.

بل و كذلك إذا لم يعلم الأقليّة بعد الفحص و إن احتملها؛ لعين ما مرّ. فالمعنى:

فما علم أقليّته لا يكون مأمورا به.

و ممّا ذكر طهر فساد ما حكي عن بعضهم من جعل الحكم هنا من باب خطاب الوضع، و قوله بأنّ خطاب الوضع ممّا يستوي فيه الغافل و المتذكّر؛ فإنّه ليس الأمر هنا من باب خطاب الوضع، و لو كان لكان ممّا يتضمّن الاقتضاء

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 103

و الحكم الشرعيّ، و مثله لا يستوي فيه الغافل و المتذكّر.

هذا كلّه مع أنّه لو كان الشرط عدم التعدّد واقعا أو معلوما و المانع التعدّد الواقعيّ أو عدم العلم بالوحدة، لزم سقوط الجمعة غالبا في المدن الكبيرة على القول بعدم اشتراط الإمام أو نائبه؛ إذ قلّما يحصل العلم بعدم التعدّد، لجواز تجميع خمسة في بيت، إمّا لعدم علمهم بهذا التجميع أو لعدم اعتنائهم بهذه الجمعة.

المسألة الثالثة: لا شكّ أنّ الشرط هو عدم تعدّد الجمعة الصحيحة لو لا انتفاء هذا الشرط

، فلو كانت هناك جمعة فاسدة مع قطع النظر عن هذا الشرط أيضا جازت جمعة اخرى، كما إذا علم تدليس النائب في دعواه إذن الامام و نيابته على القول باشتراط الإمام أو نائبه، أو

فسقه على القول الآخر.

و المناط فسق هذا الإمام عند نفسه و من يقتدي به، فلو كان فاسقا على رأي إمام آخر لا على رأيه أو رأي مجتهده- كأن يرتكب عملا لم يكن كبيرة عنده و كان كبيرة عند الآخر- لم يضرّ.

و كذا إذا كان فاسقا في نفس الأمر و لكن كان عادلا عند من يقتدي به و لو واحدا منهم لم تصحّ جمعة اخرى؛ لصدق تحقق الجمعة الصحيحة.

المسألة الرابعة: هل الشرط هو عدم العلم بوقوع جمعة اخرى مطلقا،

و المانع العلم بوقوعها كذلك، أو عدم العلم بسبق جمعة أو مقارنتها لهذه، و المانع العلم بالسبق أو المقارنة؟.

الحقّ هو الأوّل؛ لإطلاق الروايتين «1». فلو علم كلّ من الطائفتين بتجميع الأخرى بطلت جمعتهما و إن كانت إحداهما سابقة، و لو علم إحداهما دون الأخرى بطلت جمعة العالمين.

المسألة الخامسة: قيل: يعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه،

و إلّا

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 104

فمن نهاية المصلّين «1».

و استشكل فيما لو كان بين الإمام و العدد و بين الجمعة الاولى النصاب فصاعدا و بين بعض المأمومين و بينها أقلّ منه.

فاحتمل بطلان صلاة القريب خاصّة؛ لاستجماع من عداه شرائط الصحة.

و احتمل بطلان صلاة المجموع؛ إذ المجموع جماعة واحدة عرفا.

و الظاهر الأوّل؛ لصدق تحقّق النصاب بين البعيد منهم و بينها.

بل الظاهر ذلك فيما لو صلّيت في المسجد أيضا؛ لعدم دليل على اعتبار الفرسخ من المسجد. إلّا أنّه يأتي في بحث صلاة المسافر أنّ نهاية الفرسخ ليست محدودة حقيقة بل هي أمر تقريبيّ لا يظهر التفاوت فيه في أمثال ذلك.

المسألة السادسة: لو اتّفق وقوع جمعتين في مسافة فرسخ فله صور:
الاولى: أن تسبق إحداهما و لو بالتكبيرة

، قالوا: لا ريب في صحّة السابقة و بطلان اللاحقة، و عن التذكرة: أنّه مذهب علمائنا أجمع «2»، و عن الشهيد الثاني:

أنّ صحّة السابقة إنّما هي إذا لم يعلم بوقوع اللاحقة و إلّا لم تصحّ صلاة كلّ منهما «3»، و عن بعضهم: عدم بطلان السابقة مطلقا و عدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين بحال السابقة «4».

و الحقّ: بطلان الجمعتين مع علم كلّ منهما، و صحتهما مع عدم علم شي ء منهما، و بطلان جمعة العالم خاصّة مع الاختلاف، و يظهر وجهه ممّا سبق.

الثانية: أن تقترنا

، قالوا ببطلانهما جميعا؛ لامتناع الحكم بصحتهما، و لا أولويّة لإحداهما و إن كان إمام إحداهما أرجح من حيث الزهد و الفقه و الراتبيّة؛

______________________________

(1) كما في الروض: 286.

(2) التذكرة 1: 150.

(3) الروض: 294.

(4) كما في كشف اللثام 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 105

لعدم ثبوت الترجيح بذلك في المقام.

و إطلاق كلامهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين ما إذا علم كلّ فريق بالآخر، أم لا، مع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ «1».

و استشكل بعضهم في صورة عدم العلم «2»، و هو في موقعه، بل التحقيق- على ما علم وجهه- أنّ مع علم الفريقين تبطل الجمعتان، و مع جهلهما تصحّ كلتاهما، و مع الاختلاف تبطل جمعة العالم خاصّة.

الثالثة: أن يشتبه الحال

إمّا باعتبار الاشتباه في تحقّق سبق لإحداهما و عدمه، أو باعتبار اشتباه السابقة منهما مع العلم بسبق إحداهما من أوّل الأمر أو بعد العلم بالسابقة، و حكم الكلّ واضح على ما قدّمناه.

ثمَّ على المختار إن بطلت جمعة واحدة دون الأخرى يعيد الأخرى الصلاة جمعة، إن بقي وقتها بالاقتداء بالأولى إن أمكن، أو التباعد من موضع الاولى بقدر النصاب، و ظهرا إن لم يبق وقتها، أو لم يمكن الاقتداء و لا التباعد.

و إن بطلت الجمعتان يعيدها الطائفتان جمعة مجتمعتين على واحدة مع الوقت، و ظهرا بدونه.

و للقوم فيما إذا اشتبه السبق أو السابقة في المعاد أقوال نشأت من حكمهم بصحّة الجمعة السابقة و لو مع العلم بجمعة لاحقة، و بطلان اللاحقة و لو مع عدم العلم، و لا فائدة كثيرة في ذكرها على ما اخترناه.

______________________________

(1) انظر: التذكرة 1: 150، و الروض: 286، و مجمع الفائدة 2: 370.

(2) كما في الذخيرة: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص:

106

البحث الثالث في من تجب عليه الجمعة
اشارة

و يراعى فيه شروط:

الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل، و يجمعهما التكليف

، و لا ريب في اشتراطه في هذه الصلاة و غيرها.

فلا تجب على المجنون حال جنونه و إن كان دوريّا. و لو أفاق وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.

و لا على الصبيّ و إن كان مميّزا؛ نعم تصحّ من المميّز تمرينا و تجزئه عن ظهره كذلك.

الثالث: عدم الأنوثيّة

بالإجماع المحقّق و المحكيّ في المعتبر و المنتهى و التذكرة «1»، و تدلّ عليه الروايات بلا معارض «2».

فلا تجب على المرأة و إن أذن لها زوجها و أمنت من الفتنة، أو كانت من العجائز؛ لعموم ما دلّ على السقوط. و إن استحبّت للعجائز مع الإذن، عند الفاضل في النهاية «3».

و الحقّ وجوبها على المشكل من الخناثي، وفاقا للروض «4»؛ للشك في خروجه عن العمومات و لو من جهة احتمال كونها طبيعة ثالثة

______________________________

(1) المعتبر 2: 289، المنتهى 1: 321، التذكرة 1: 153.

(2) انظر: الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1.

(3) نهاية الإحكام 2: 42.

(4) الروض: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 107

و خلافا للشهيد «1»، بل نهاية الإحكام «2»، بل ظاهر كلّ من اشترط الذكورية «3»؛ للشكّ في ذكوريته التي هي سبب الوجوب.

و يردّ بمنع اشتراط الذكوريّة، بل الشرط عدم الأنوثيّة، فيشكّ في خروجه بعد ما علم دخوله في عنوان كلّ أحد؛ نعم لو لم يخرج عن الطبيعتين جاء فيه الإشكال.

الرابع: الحريّة

، بالإجماع و الأخبار، فلا تجب على العبد مطلقا سواء كان قنّا أو مدبّرا أو مكاتبا لم يؤدّ شيئا، و إن أمره المولى؛ للعمومات.

و الإيجاب حين الأمر- لأنّ السقوط لرعاية حقّ المولى- استنباط مردود.

نعم يمكن القول به حينئذ؛ لوجوب إطاعته، لا لخصوصيّة الصلاة.

الخامس: انتفاء السفر

فلا تجب على المسافر، إجماعا فتوى و نصّا.

قالوا: المراد منه السفر الشرعيّ، فتجب على من لم يقصد المسافة، و ناوي الإقامة عشرة، و المقيم في بلد ثلاثين يوما، و عن المنتهى الإجماع عليه «4» و لا تجب على كثير السفر و العاصي بسفره، و في المنتهى: لم أقف على قول لعلمائنا في اشتراط الطاعة بالسفر في السقوط «5»، و استشكل فيه بعضهم «6» أقول: لا شكّ في عدم ثبوت حقيقة شرعيّة للسفر و المسافر، فيجب الحكم بالسقوط عمّن كان مسافرا عرفا، و في صدقه عرفا على من لم يقصد المسافة نظر، فيكون داخلا تحت عمومات الجمعة، و لكن يصدق على البواقي، فالحكم فيها بالسقوط إلّا من ثبت فيه الإجماع متّجه.

______________________________

(1) الذكرى: 232.

(2) نهاية الإحكام 2: 45.

(3) كالمعتبر و المنتهى راجع الرقم (1) من الصفحة السابقة و جامع المقاصد 2: 385.

(4) المنتهى 1: 322.

(5) المنتهى 1: 322.

(6) انظر: الذخيرة: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 108

و المسافر في أحد المواضع الأربعة مسافر تسقط عنه الجمعة، و إن تخيّر بين القصر و الإتمام في الصلاة.

السادس: انتفاء المرض و العمى

إجماعا نصا و فتوى. و لا ينافيه عدم ذكر الأعمى في بعض الأخبار «1»؛ لأنّ غايته الإطلاق الواجب تقييده بالمقيّد، مع إمكان إدخاله في المريض، و إن كان فيه نظر.

و إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق فيهما بين ما يشقّ معهما الحضور و عدمه، بل صرّح جماعة بالتعميم «2». و اعتبر بعض أصحابنا فيهما التعذّر أو التعسّر «3»، و هو تقييد للنصّ بلا دليل.

السابع: انتفاء العرج

، ذكره الشيخ في عدّة من كتبه «4»، و المحقّق «5»، و جمع آخر من أصحابنا، بل في المنتهى: أنّه مذهب علمائنا أجمع «6»، و عليه الإجماع في شرح القواعد أيضا «7».

و قيّده في التذكرة بالبالغ حدّ الإقعاد و ادّعى عليه إجماعنا «8»، و قيّده بعضهم بحصول المشقّة بالحضور «9» و ليس في الروايات تصريح به سوى ما ذكره السيّد في المصباح قال: و قد يروى: «أنّ العرج عذر» «10».

______________________________

(1) الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1.

(2) كالعلّامة في المنتهى 1: 323، و السبزواري في الذخيرة: 300، و صاحب الرياض 1: 187.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 34، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 386.

(4) كالنهاية: 103، و المبسوط 1: 143، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190.

(5) في الشرائع 1: 96، و المختصر النافع: 36.

(6) المنتهى 1: 323.

(7) جامع المقاصد 2: 386.

(8) التذكرة 1: 153.

(9) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 34، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 386.

(10) نقله عنه في المعتبر 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 109

و ما في كتاب الشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القميّ، قال- بعد ذكر صحيحة زرارة-: و روي مكان «المجنون» «الأعرج»

«1».

و هما و إن كانا كافيين بعد انجبارهما بدعوى الإجماع المتقدّمة، إلّا أن احتمال إرادة المقعد أو ما يشقّ معه الحضور- لا أقلّ- من الإجماع- بل قيل «2»: يشعر به سياق عبارة المنتهى «3»- يضعّف الانجبار في غير ما يشقّ، فتخصيص السقوط به أولى.

الثامن: انتفاء الكبر بالشيخوخة

، فلا تجب على الشيخ الكبير، إجماعا كما في المنتهى «4»؛ للنصوص منها:

صحيحة زرارة: «وضعها عن تسعة: الصغير و الكبير» «5» الحديث.

و خطبة الأمير المنقولة في الفقيه و المصباح: «إلّا على الصبيّ و المريض و المجنون و الشيخ الكبير» «6» الخبر.

و قيّده بعضهم بالبالغ حدّ العجز «7»، و جماعة بالبالغ حدّه أو المشقّة الشديدة «8»، و عبّر بعضهم بالهمّ- بكسر الهاء- أي الشيخ الفاني «9»، و آخر بالكبير المزمن «10»

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 6: 5 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1، نقلا عن كتاب العروس.

(2) الرياض 1: 187.

(3) قال فيه: و لا تجب على الأعرج و هو مذهب علمائنا أجمع، لأنّه معذور بعرج لحصول المشقة في حقه. المنتهى 1: 323.

(4) المنتهى 1: 324.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 6، الفقيه 1: 266- 1217، الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 1.

(6) الفقيه 1: 275- 1262، مصباح المتهجد: 341، الوسائل 7: 297 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 6.

(7) كالعلّامة في القواعد 1: 37.

(8) كما في جامع المقاصد 2: 387.

(9) كالمحقق في الشرائع 1: 96، و الشهيد في الروض 287، و صاحب الرياض 1: 187.

(10) كما في الإرشاد 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 110

و قيل: كلّ ذلك تقييد للنصّ بلا دليل «1».

أقول: الظاهر انفهام بعض هذه المراتب- لا أقلّ من كونه موجبا للمشقّة-

من النصّ، و يؤكّده حصول الكبر و الشيخوخة لغة بالتجاوز عن الستّين مع إتيان من بلغها من الحجج بالجمعة، فالتقييد بإيجابه المشقّة لازمة.

التاسع: انتفاء المطر

، وفاقا للأكثر، بل عن التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين جملة العلماء «2»؛ و تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن: «لا بأس بأن يترك الجمعة في المطر» «3».

و الظاهر أنّ المراد المطر الكثير الموجب لنوع تعسّر لا مطلقا.

و ألحق به بعضهم الوحل، و الحرّ و البرد الشديدين، إذا خاف الضرر معها «4».

و عن السيّد أنّه قال: و روي أنّ من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو معذور «5»، و كذا من كان متشاغلا بجهاز ميّت، أو تعليل والد، و من يجري مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة.

و الظاهر عدم السقوط إلّا بما ورد به النصّ أو أوجب الحرج أو الضرر أو كان واجبا مضيّقا.

العاشر: عدم تباعد الجمعة منه بفرسخين أو بأزيد من فرسخين على اختلاف القولين و الروايتين
اشارة

، فالأوّل

قول الصدوق في المقنع و الفقيه و الأمالي «6»،

______________________________

(1) قاله صاحب الحدائق 10: 151

(2) التذكرة 1: 153.

(3) الفقيه 1: 267- 1221، التهذيب 3: 241- 645، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 23 ح 1؛ و في الجميع: تدع، بدل يترك.

(4) كما في التذكرة 1: 153، و الروض: 287، و الحدائق 10: 151.

(5) نقله عنه في المعتبر 2: 191.

(6) لم نعثر عليه في المقنع، و حكاه عنه في الحدائق 10: 152، و وجدناه في الهداية: 34؛ و هو في الفقيه 1: 266- 1217، و الأمالي: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 111

و ابن حمزة «1»؛ و عليه دلّت صحيحة زرارة، و رواية خطبة الأمير عليه السلام.

و الثاني

مختار الشيخين و السيّد و الحلبيّ و الحلي و الديلميّ و الفاضلين «2»، بل هو الأشهر كما قيل «3»، و عن الخلاف و الغنية و ظاهر المنتهى: الإجماع عليه «4»؛ و عليه دلت صحيحة محمّد «5»، و المرويّات في العلل «6»،

و العيون «7»، و الدعائم «8»، و الأمر في ذلك سهل.

و عن العماني: الوجوب على من إذا غدا من أهله بعد ما يصلّي الغداة يدرك الجمعة «9»، و عن الإسكافيّ: وجوبها على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه «10»، و هو مناسب لسابقة.

و تدلّ عليهما صحيحة زرارة المتقدّمة «11»، و هي بمخالفة الشهرة العظيمة شاذّة، و مع ذلك بجميع ما مرّ معارضة، فحمل الوجوب فيها على الاستحباب متعيّن.

______________________________

(1) الوسيلة: 103.

(2) المفيد في المقنعة: 164، الطوسي في النهاية: 103، حكاه عن السيّد في المعتبر 2: 290، الحلبي في الكافي في الفقه: 151، الحلّي في السرائر 1: 293، الديلمي في المراسم: 77، المحقق في المعتبر 2: 291، و الشرائع 1: 96، العلّامة في القواعد 1: 37، و المختلف: 106.

(3) كما في الرياض 1: 188.

(4) الخلاف 1: 594، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المنتهى 1: 323.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 3، التهذيب 3: 240- 641، الاستبصار 1:

421- 1619، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 6.

(6) العلل: 266 ب 182.

(7) العيون 2: 111، الوسائل 7: 308 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 4.

(8) الدعائم 1: 181، المستدرك 6: 12 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 1.

(9) حكاه عنه في المعتبر 2: 290، و المختلف: 106.

(10) حكاه عنه في المختلف: 106.

(11) في ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 112

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى: قد عرفت سقوط وجوب حضور الجمعة عن المذكورين قطعا، فهل يجوز لهم الحضور و التجميع، و يجزئ ذلك عن ظهرهم أم لا؟.

الظاهر نعم، وفاقا لجماعة «1»؛ لعدم دلالة أخبار الوضع و السقوط على الزائد على وضع الوجوب، حتّى ما صرّح فيه بوضع الجمعة؛ إذ لا معنى لوضع نفسها، بل حكمها، و هو كما يحتمل أن يكون مطلق المشروعيّة

يحتمل الرجحان، فإنّ أدلّة الجمعة منها ما يثبت منه الوجوب، و منها ما لا يدلّ على أزيد من الرجحان و المشروعيّة، و لا يلزم من انتفاء الأوّل انتفاء الثاني.

نعم لو كان أخبار الجمعة منحصرة بما كان صريحا في الوجوب، أمكن أن يقال إنّ بانتفائه و وضعه ينتفي الرجحان؛ لأنّ ثبوته حينئذ يكون تبعيّا، كثبوت الجنس بثبوت فصله، فيرتفع بارتفاع متبوعه، و لكن ليست منحصرة، فيبقى ما دلّ على مطلق مشروعيّته أو رجحانه خاليا عن المعارض.

مضافا في المسافر، إلى المرويّ في ثواب الأعمال و الأمالي: «أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها و حبّا لها، أعطاه أجر مائة جمعة [للمقيم ]» «2».

و في المرأة، إلى صحيحة أبي همام: «إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، و إن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعا أفضل» «3».

المسألة الثانية: غير الصبيّ و المجنون من هؤلاء لو حضروا فهل تجب عليهم حينئذ كلا أو بعضا، أم لا؟.

______________________________

(1) كالشيخ في النهاية: 103، و الحلبي في الكافي: 151، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

560.

(2) ثواب الأعمال: 37، الأمالي: 19- 5، الوسائل 7: 339 أبواب صلاة الجمعة ب 19 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

(3) التهذيب 3: 241- 644، الوسائل 7: 340 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 113

صرّح الشيخ في النهاية بالوجوب «1»، و حكي عن المفيد أيضا «2»، و في المعتبر و النافع و الشرائع: الوجوب في غير المرأة «3»، و في المدارك: أنّه المشهور مطلقا «4»، بل عن ظاهر الغنية الإجماع في غير المرأة «5»، و عن الإيضاح في غيرها و غير العبد و المسافر «6»، و في شرح القواعد: نفي الخلاف عن الوجوب على الأعمى

و المريض و الكبير و الأعرج و من هو على رأس أزيد من فرسخين «7»، و في التذكرة: على المريض و الممنوع للمطر و الخوف «8»، و في المنتهى: على المريض «9»، و في المدارك: نفي الخلاف عنه في البعيد «10».

لعمومات وجوب الجمعة.

و اختصاص ما دلّ على وضعها عنهم- بعد ضمّ بعضها إلى بعض- بإفادة وضع وجوب الحضور عليهم إليها، لا مطلقا، و إلّا لما جاز فعلها لهم بدلا عن الظهر، و هو باطل إجماعا.

و خبر حفص المنجبر بالشهرة المحقّقة و المحكيّة: إنّ اللَّه عزّ و جلّ فرض الجمعة على جميع المؤمنين و المؤمنات، و رخص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها، فلمّا حضروها سقطت الرخصة، و لزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم «11».

______________________________

(1) النهاية: 103.

(2) حكاه عنه في المدارك 4: 54.

(3) المعتبر 2: 292، النافع 1: 36، الشرائع 1: 96.

(4) المدارك 4: 54.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(6) الإيضاح 1: 124.

(7) جامع المقاصد 2: 388.

(8) التذكرة 1: 144.

(9) المنتهى 1: 323.

(10) لم نعثر عليه في المدارك، و حكى في الرياض 1: 188، عن المدارك نفي الخلاف في العبد، و لم نعثر عليه أيضا فيه.

(11) الكافي 3: 429 الصلاة ب 80 ح 9، الفقيه 1: 270- 1235، التهذيب 3: 21- 78، الوسائل 7: 337 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 114

و يؤيّده في المرأة: المرويّ في قرب الإسناد: عن النساء هل عليهنّ من صلاة العيدين و الجمعة ما على الرجال؟ قال: «نعم» «1» بحمله على صورة الحضور.

و يضعّف الأوّل:

بتخصيص العمومات بالمسقطات.

و الثاني:

بالمنع، غايته تصريح بعض ما دلّ على الوضع بوضع لزوم الشهود، و

لكنّه صرّح في بعض آخر بوضع وجوب الجمعة أو نفسها، و لا يدلّ الأوّل على تقييد الثاني أيضا. و جواز الفعل بدلا عن الظهر إجماعا- لو سلّم- لا يدلّ على الوجوب العينيّ.

و الرواية مخصوصة بثلاثة.

فالحكم بالوجوب بالحضور في الثلاثة متّجه. و كذا في البعيد؛ لأنه مع الحضور يخرج من عنوان البعيد و يدخل في العنوان الآخر. و في الأعرج أيضا إذا كان السقوط عنه بواسطة الإجماع أو الانجبار المفقودين في المقام جدّا. بل في المحبوس بالمطر على الظاهر؛ لتبادر أنّ المراد التحرّز عن المطر، فبعد الحضور لا يكون في المطر. و كذا في كلّ من كان السقوط عنه للحرج أو الضرر دون النصّ.

فإن ثبت الإجماع المركّب في البواقي، و هم: الكبير و المريض و الأعمى، فيتمّ الحكم بالوجوب فيهم أيضا، و إلّا فلا.

خلافا لمن لم يوجبها عينا على شي ء منهم كالمدارك «2»؛ لعموم المسقطات و ضعف الروايات.

أو على المرأة و العبد و المسافر كبعضهم؛ لذلك أيضا، و للزوم الاقتصار في تخصيص المسقطات بالمجمع عليه و هو غير الثلاثة.

أو على الأوّلين خاصّة، كبعض آخر؛ لما مرّ مع ظنّ الإجماع على الوجوب

______________________________

(1) قرب الإسناد: 224- 871، الوسائل 7: 338 أبواب صلاة الجمعة ب 18 ح 2.

(2) المدارك 4: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 115

على البواقي.

أو على الاولى خاصّة، كما عن المبسوط «1»، بل نسب إلى الأكثر أيضا.

للأصل.

و الاتّفاق، كما في المعتبر «2».

و اختصاص انجبار الخبر بغيرها.

و إطلاق صحيحة أبي همام المتقدّمة بالكراهة الغير المجامعة للوجوب.

و يردّ الأوّل:

باندفاعه بما مرّ.

و الثاني:

بعدم الحجيّة سيّما مع مخالفة الأجلّة.

و الثالث:

بأن الضعف سندا غير ضائر بعد وجود الرواية في الكتب المعتبرة، مع أنّ دعوى الشهرة في الجميع لها جابرة، مضافا

إلى فتوى الأجلّة و منهم التهذيب و الكافي و المقنعة و النهاية و الإرشاد و التحرير و المنتهى و غيرهم بمضمونها «3».

و الرابع:

بأنّ النقص غير الكراهة المصطلحة، و لذا جمع مع الصلاة أربعا في المسجد أيضا، فيمكن أن يكون هذا واجبا ناقصا أجره عن واجب آخر، و هو الصلاة أربعا في البيت.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن أدلّة الأقوال السابقة عليه أيضا.

المسألة الثالثة: هل ينعقد بهؤلاء عدد الجمعة أم لا؟.

الظاهر عدم الخلاف في غير المرأة و العبد و المسافر، بل ادّعي الاتّفاق في بعضهم في طائفة من العبائر «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 143.

(2) المعتبر 2: 292.

(3) التهذيب 3: 21، الكافي في الفقه: 151، حكاه عن المقنعة في المدارك 4: 54، النهاية 3: 1، الإشارة: 97، التحرير 1: 44، المنتهى 1: 321؛ و انظر: المدارك 4: 54، و الذخيرة: 301.

(4) كما في الإيضاح 1: 124، و جامع المقاصد 2: 388، و الرياض 1: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 116

و وجهه؛ بعد ما عرفت من جواز تجميعهم بل وجوبه مع الحضور، و إطلاق ما دلّ على اشتراط العدد بالنسبة إليهم؛ ظاهر.

و منه يظهر الانعقاد أيضا بالعبد و المسافر، كما هو مذهب الأكثر.

و أمّا المرأة فالظاهر عدم الانعقاد بها، وفاقا للأكثر، بل عن جماعة دعوى الاتّفاق عليه «1».

لاختصاص أدلّة اشتراط العدد بالمسلمين أو الضمير الراجع إلى المذكّر، أو القوم أو الرهط أو النفر.

و اختصاص الأوّلين بالرجال ظاهر، و كذا البواقي؛ لتصريح اللغويّين باختصاصها بالرجال. و منهم من تردّد بين الاختصاص و الاشتراك، و غايته الإجمال الموجب لعدم حجيّة عمومات انعقاد الجمعة في موضع الإجمال. و الجواز و الوجوب لا يستلزمان الانعقاد أيضا كما لا يخفى.

______________________________

(1) كما في المدارك 4: 55، و الذخيرة: 301.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 117

البحث الرابع في كيفيّتها
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: اعلم أنّ صلاة الجمعة كصلاة الصبح كميّة و كيفيّة،

بالإجماع و النصوص.

إلّا أنّه لا يجب فيها الجهر بالقراءة، كما لا يجب الإخفات أيضا؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة.

و مرسلة ابن فضّال: «السنّة في صلاة النهار بالإخفات» «1». غير صريحة في إيجاب الإخفات.

كما أنّ قوله في صحيحتي ابن أبي عمير و محمّد: «و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «2» غير صريحة في إيجاب الجهر.

نعم يستحبّ الجهر فيها؛ لذلك، مضافا إلى فتوى الأصحاب، بل إجماعهم كما في المدارك و غيره «3».

المسألة الثانية: المشهور- كما صرّح به غير واحد «4»- أنّ في الجمعة قنوتين،

أحدهما في الأولى قبل الركوع، و الثاني في الثانية بعده، و عن الخلاف الإجماع

______________________________

(1) التهذيب 2: 289- 1161، الاستبصار 1: 313- 1165، الوسائل 6: 77 أبواب القراءة في الصلاة ب 22 ح 2.

(2) التهذيب 3: 15- 53 و 54، الاستبصار 1: 416- 1597، و 1598، الوسائل 6: 161 و 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8 و 9.

(3) المدارك 4: 10، و انظر: نهاية الإحكام 2: 49، و الذخيرة: 317.

(4) انظر: المدارك 3: 446، و الحدائق 8: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 118

عليه «1».

لصحيحة أبي بصير: سئل عن القنوت يوم الجمعة فقال: «في الركعة الثانية» فقال له: حدّثنا بعض أصحابنا أنّك قلت: في الركعة الأولى، فقال: «في الأخيرة» و عنده ناس كثير، فلمّا رأى غفلة منهم قال: «يا محمّد هو في الركعة الاولى و الأخيرة» قلت: جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال: «كلّ القنوت قبل الركوع إلّا الجمعة، فإنّ الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع» «2».

و صحيحة زرارة و فيها بعد ذكر صلاة الجمعة: «و على الإمام فيها قنوتان، قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع» «3» و موثّقة سماعة: «أمّا الإمام

فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل الركوع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود» «4».

و المرويّين في العلل و العيون في صلاة الجمعة: فإن قال: فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة، و لم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة»؟ «5» الحديث.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافيّ و المفيد و المختلف و المدارك، فقالوا: إنّ قنوتها واحد في الأولى قبل الركوع «6»؛ لظواهر المستفيضة، كصحاح ابن عمّار «7»،

______________________________

(1) الخلاف 1: 631

(2) التهذيب 2: 90- 334، التهذيب 3: 17- 62، الاستبصار 1: 339- 1275، الاستبصار 1: 418- 1606، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 5 ح 12.

(3) الفقيه 1: 266- 1217، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 4.

(4) التهذيب 3: 245- 665، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.

(5) العلل: 260 ب 182، العيون 2: 105، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 5.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 106، المفيد في المقنعة: 164، المختلف: 106، المدارك 3: 447.

(7) الكافي 3: 427 الصلاة ب 77 ح 2، التهذيب 3: 16- 59، الاستبصار 1: 417- 1603، الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 119

و سليمان «1»، و عمر بن يزيد «2»، و موثّقتي أبي بصير «3»، و رواية عمر بن حنظلة «4».

و أكثرها لا يدلّ إلّا على ثبوت القنوت في الاولى، و هو غير مناف للقنوت في الثانية أيضا بدليل آخر، و لا دلالة له على الاختصاص، و ما دلّ منه عليه يحتمل إرادة القنوت المخصوص بصلاة الجمعة.

و للمحكيّ عن الصدوق و الحليّ، فقالا بأنّه

واحد في الثانية «5»، كسائر الصلوات؛ لعمومات القنوت المتقدّمة في محلّه، الواجب تخصيصها بهذه المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة و مخالفة العامّة، كما يستفاد من الصحيحة الاولى.

ثمَّ على المختار من تعدّد القنوت فهل هو ثابت مطلقا، كما عن ظاهر الأكثر، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه «6»، أم يختصّ بالإمام، كما عن جماعة «7».

الظاهر الأوّل؛ لإطلاق جملة من الأخبار المتقدّمة.

احتجّ الثاني بظواهر جملة أخرى منها.

و يجاب بأنّها مثبتة للقنوتين للإمام، لا نافية لهما عن غيره، مع أنّ الظاهر من سياقها أنّ المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد و من يصلّي أربعا، لا المأموم أيضا.

______________________________

(1) التهذيب 3: 16- 56، الاستبصار 1: 417- 1600، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 6.

(2) التهذيب 3: 245- 664، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 11.

(3) الأولى: الكافي 3: 426 الصلاة ب 77 ح 1، التهذيب 3: 18- 64، الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 2.

الثانية: التهذيب 3: 16- 58، الاستبصار 1: 417- 1602، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 7.

(4) الكافي 3: 327، الصلاة ب 77 ح 3، التهذيب 3: 16- 57، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 5.

(5) الهداية: 34، السرائر 1: 299.

(6) الخلاف 1: 631

(7) انظر: المعتبر 2: 244، و التذكرة 1: 128.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 120

البحث الخامس في وقتها
اشارة

أوّل وقتها الزوال بمعنى أن يخطب في الفي ء الأوّل، فإذا زالت الشمس صلّى، أو يخطب أيضا بعد الزوال، على اختلاف القولين كما يأتي، فيكون المراد على الثاني أنّ وقت الصلاة بعد الزوال بقدرهما، أو يبنى على دخولهما في الصلاة، أو يكون المراد وقت الصلاة و مقدماتها، و أنّ

الوقت بالأصالة للصلاة و إن وجب تأخيرها عن الخطبتين، كما أنّ بعد أربع الركعات من الزوال مشترك بين الظهرين، لكن يجب تقديم الظهر على العصر.

ثمَّ إنّ كون أوّل وقتها ما ذكر للإجماع المحكيّ في الخلاف و روض الجنان و شرح القواعد «1»، بل المحقّق عند المحقّق؛ لعدم قدح مخالفة من سيذكر فيه، و الأخبار المتكثّرة من الصحاح و غيرها، كصحاح عليّ و ابن أبي عمير و الفضيل و زرارة و الحلبيّ و ابن سنان و مرسلتي الفقيه و موثّقتي سماعة و الساباطي و رواية القسري، الآتية كثير منها، «2»، و غير ذلك.

و الاستدلال بأصالة عدم المشروعيّة قبل الزوال، و توقّف الوظائف الشرعية على التوقيف ضعيف؛ لاندفاع الأوّل، و حصول الثاني بالمطلقات.

خلافا للمحكيّ في الخلاف عن بعض أصحابنا، و عزاه إلى السيّد أيضا «3»، فيجوز فعلها عند قيام الشمس.

و هو شاذّ جدّا، مع أنّه قال الحلّي بعد نقل هذه النسبة عن الشيخ: و لعلّ

______________________________

(1) الخلاف 1: 620، الروض: 284، جامع المقاصد 2: 366.

(2) في ص 123 و 124 و 125، و رواية القسري في التهذيب 2: 284- 1137، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 3.

(3) الخلاف 1: 620.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 121

شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة، فإنّ الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور «1»؛ و مع ذلك لا دليل عليه سوى روايات عاميّة لا حجيّة فيها «2».

و في آخره أقوال:
الأوّل: صيرورة ظلّ كلّ شي ء- أي الفي ء الزائد- مثله

، و هو المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «3»، إلّا أنّه- كما اعترف به جماعة ممّن تأخّر «4»- لا دليل عليه إلّا ما قالوه من الشهرة، و ما في المنتهى من دعوى الإجماع، و كون النبيّ صلّى اللَّه عليه و

آله أنّه يصلّي في ذلك الوقت «5».

و الأوّلان ليسا بحجّة، سيّما مع مصير جمع من أعاظم القدماء على خلافه «6»، و عدم كون ثانيهما صريحا في دعوى الإجماع على آخر الوقت؛ لما في كلامه من نوع إجمال. قال: و الوقت شرط في الجمعة و هو أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، و هو مذهب علمائنا أجمع، إلّا ما نقله الشيخ قدّس سرّه عن السيّد المرتضى، قال: و في أصحابنا من قال: إنّه يجوز أن يصلّي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصّة و هو اختيار المرتضى. انتهى «7».

و الثالث لا دلالة فيه؛ لأنّ الوقت الذي كان يصلّي النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيه كان ينقص عن ذلك المقدار غالبا، و لم يقل أحد بالتوقيف بذلك الناقص، كذا في الذكرى «8».

______________________________

(1) السرائر 1: 296.

(2) صحيح مسلم 2: 588- 32، سنن أبي داود 1: 284- 1035، سنن ابن ماجه 1: 350.

(3) كالشهيد الثاني في الروض: 284، و السبزواري في الذخيرة: 298.

(4) كالشهيد الأول في الذكرى: 235، و الشهيد الثاني في الروض: 284، و السبزواري في الذخيرة: 298.

(5) المنتهى 1: 318.

(6) انظر: ص 122.

(7) المنتهى 1: 318.

(8) الذكرى: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 122

و هو غير جيّد؛ لأنّ مراد المستدلّ أنّ فعل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في هذا الوقت يدلّ على بقاء الوقت إليه فينفى التضيّق، و ينفى ما زاد عنه بعدم ثبوت التوقيف. و لا يضرّ فعله في الناقص غالبا في ذلك؛ لأنّ فعل النادر كاف في نفي التضيّق، كما أن عدم ثبوت التوقيف كاف في نفي الزائد.

فالصواب أن يردّ بعدم ثبوت فعل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في هذا الوقت

أوّلا، و حصول التوقيف بالمطلقات ثانيا.

و قد يستند تحديدهم هذا إلى أخبار دلّت على أنّها مضيّقة بالنسبة إلى الظهر «1»، و لا بدّ حينئذ من أن ينضبط آخره، و لا ينضبط بقدر الفعل و لا بساعة، فاستنبطوا ممّا دلّ من الأخبار على أنّ وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر سائر الأيام هذا التحديد؛ لأنّ نهاية أوّل وقت الظهر إنّما هو المثل، فغاية ما يؤخّر المتنفّل الظهر أن يؤخّرها عن المثل في الغالب، فإذا جعل ما بعد المثل وقت العصر دلّ على انتهاء وقت الجمعة حينئذ.

و ضعفه ظاهر؛ لمنع عدم الانضباط بقدر الفعل بأن يشرع في أوّل الوقت حتّى يتمّ، و لو سلّم فما الضرر فيه، و منع دلالة جعل ما بعد المثل وقت العصر على انتهاء وقت الجمعة حينئذ، فلعلّه ينتهي قبله بل أو بعده أيضا.

و الثاني: مضيّ قدر الأذان و الخطبتين و الركعتين من أوّل الزوال

، بمعنى وجوب التلبس في أوّل الوقت و إن تفاوت آخره بالنسبة إلى بطء القراءة و سرعتها، و اختصار الخطبة و السورة و القنوت و الأذكار و تطويلها. لا بمعنى أنّ الوقت بقدر ما يمكن من هذه الأمور، حتّى جاز التأخير من أوّل الوقت و الإتيان بأقلّ الواجب بعده. و لا بمعنى أنّ الوقت بقدر أقلّ الواجب منها؛ لمخالفته الإجماع، بل الضرورة.

و هو المحكيّ عن الحلبيّ و ابن زهرة و ظاهر المقنعة و الإصباح و المهذّب «2»،

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 151- 153، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المقنعة: 164، المهذّب 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 123

و قد مال إليه جماعة من المتأخّرين «1»، و عن الغنية الإجماع عليه «2».

للمستفيضة من الصحاح،

كصحيحة ابن أبي عمير: عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: «نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالت الشمس فصلّها» «3».

فإنّ التضيّق لا يكون إلا مع مساواة الوقت للفعل، مضافا إلى الأمر بالصلاة بعد الزوال بلفظة الفاء الدالّة على التعقيب.

و من الأوّل ظهرت دلالة صحيحة الفضيل، و فيها: «و الجمعة ممّا ضيّق فيها، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول» «4».

و زرارة، و فيها: «فإنّ صلاة الجمعة من الأمور المضيّقة، إنّما لها وقت واحد حين تزول» «5».

و من الثاني دلالة صحيحة عليّ، و فيها: «فإذا زالت الشمس فصلّ الفريضة» «6».

و ابن سنان: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة» «7» هذا مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله: «إذا زالت فصلّ الفريضة» الفوريّة؛ لأنّ مقتضاه أنّ وقت تحقّق الزوال صلّها، فيكون ذلك الوقت وقتا للفعل.

و إلى تصريحه في الصحيحة الثانية بأنّ وقتها ساعة تزول. و لا ينافيه لفظ الساعة؛ لأنّها تطلق عرفا على الزمان القليل، لا الساعة النجوميّة.

______________________________

(1) كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 94، و الشهيد الأوّل في الدروس 1: 188، و البيان 187، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 296.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(3) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 4، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 16.

(4) الكافي 3: 274 الصلاة ب 4 ح 2، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 1.

(5) التهذيب 3: 13- 46، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 3.

(6) قرب الإسناد: 214- 840، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ملحق بالحديث 16.

(7) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 2، الوسائل 7: 319

أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 124

و منه تظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا: «وقت صلاة الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقتها في السفر و الحضر واحد، و هو من المضيّق» «1».

و في الثالثة «2» بأنّ لها وقتا واحدا. فإنه لا يكون واحدا لو زاد وقتها عن ذلك؛ إذ لا شكّ أنّ أوّل الوقت فيها أفضل.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: «وقت الجمعة زوال الشمس» «3».

و لمّا لم يسع الزوال للصلاة فزيد ممّا بعد بقدر يسعها.

و ابن سنان: «وقت صلاة الجمعة عند الزوال» «4».

و موثّقة الساباطيّ: «وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس شراك أو نصف» «5».

و سماعة: «وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس» «6».

و رواية إسماعيل: جعل اللَّه لكلّ صلاة وقتين، إلّا الجمعة في السفر و الحضر، فإنّه قال: «وقتها إذا زالت الشمس» «7».

و موثّقة الأعرج: عن وقت الظهر، هو إذا زالت الشمس؟ فقال: «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت» «8».

و يؤيّده الاحتياط، و أصالة الاشتغال، و إجماع المسلمين على المبادرة إليها

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1220، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 12.

(2) أي: مضافا إلى تصريحه في الصحيحة الثالثة ..

(3) الفقيه 1: 269- 1227، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 11.

(4) التهذيب 3: 13- 43، الوسائل 7: 317 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 5.

(5) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.

(6) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 1، التهذيب 3: 12- 41، الوسائل 7: 317

و 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 8 و 14.

(7) مصباح المتهجّد: 324، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 18.

(8) التهذيب 2: 244- 970، الاستبصار 1: 247- 884، الوسائل 4: 145 أبواب المواقيت ب 8 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 125

حين الزوال.

و لا يرد على هذا القول ما قيل: من أنّه لو صحّ لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد، مع أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: «كان يخطب في الظلّ الأوّل فيقول جبرئيل: يا محمّد، قد زالت الشمس، فانزل فصلّ» «1». و هو دليل على جواز التأخير بقدر قول جبرئيل و نزوله.

لأنّ الوقت على هذا القول بقدر ما يسع الخطبتين أيضا، و النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لمّا قدّمهما كانت له الوسعة، مع أنّه ليس المراد الحصر الحقيقيّ بل العرفيّ.

و لا أنّه ينافي الأخبار الدالّة على جواز ركعتي الزوال بعد دخول وقت الفريضة «2»؛ لمعارضتها مع أكثر منها عددا و أصحّ سندا من الروايات الدالّة على وجوب تأخير الركعتين عن الزوال كما يأتي.

و لا مرسلة الفقيه: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة» «3».

لأنّ المراد بالساعة الزمان القليل. و لو أنكرته فيكون مجملة؛ لأنّ النجوميّة من الاصطلاحات الطارئة.

نعم يرد على صحيحة الحلبيّ و ما تأخّر عنها: أنّه لا شكّ أنّه ليس المراد أنّ تمام وقتها الزوال أو عنده أو حينه أو إذا زالت؛ بل المراد أنّه أوّل وقتها. و وقت الفعل ما يجوز فيه فعله لا ما يجب، كما يقال: أوّل وقت الظهر الزوال.

فالاستدلال بها غير سديد، بل بالوجوه المتقدّمة عليها أيضا:

أمّا الوجه المتقدّم عليها من جعل وقتها

واحدا، فلأنّه لا تدلّ الوحدة على الانطباق على الفعل و التضيّق، ألا ترى أنّه جعل لغيرها من الصلوات وقتين، مع

______________________________

(1) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 4.

(2) انظر: الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11.

(3) الفقيه 1: 267- 1223، الوسائل: 318 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 126

أنّ كلا منهما موسّع، و ورد في الأخبار أنّ لصلاة المغرب وقتا واحدا؟! فيمكن أن يكون المراد أنّ لها وقتا واحدا من وقتي الفضيلة و الإجزاء، أو الاضطرار و الاختيار، أو غيرهما، و إن كان ذلك الوقت الواحد متسعا.

و أمّا ما تقدّم على ذلك الوجه من جعل وقتها ساعة تزول، فلما مرّ أوّلا.

و أمّا ما تقدّم عليه فلمنع استفادة الفوريّة؛ إذ ليس معنى قوله: إذا ضربك زيد اضربه، أنّه اضربه حين ضربه؛ لجواز أن يقال: اضربه بعد ساعة، و إذا جاز ذلك التقييد من غير لزوم تجوّز و لم يكن الأمر بنفسه للفوريّة فما الدليل على تقييده بهذا الوقت؟ ألا ترى أنّه يقال: إذا مات زيد فانكح زوجته، و لا تجوّز فيه؟! و يقال: إذا تزوّجت امرأة فأنفق عليها، و ليس المراد أنفق حين التزوّج.

و أمّا ما تقدّم عليه، فللخلاف في إفادة الفاء الجزائيّة للتعقيب، سلّمناه و لكن مفادها تعقيب الجزاء الشرط دون متعلق الجزاء و الجزاء هو وجوب الصلاة لا فعلها؛ لعدم ترتّبه على الشرط. و حصول الوجوب بالزوال مسلّم و لكن ليس فوريّا.

و أمّا ما تقدّم عليه، فلعدم ملازمة بين التضيّق في صلاة الجمعة و توقيتها بهذا القدر؛ لأنّ استعمال الواجب المضيّق فيما انطبق الفعل على الوقت

اصطلاح جديد للأصوليّين، و أمّا العرف و اللغة فلم يعلم ذلك منهما بل هو أمر إضافيّ، و لذا ورد أنّ وقت صلاة المغرب مضيّق و هو من الغروب إلى غروب الحمرة، مع أنّه يتّسع أضعاف صلاة المغرب؛ فإذا جاز الإتيان بصلاة الظهر في سائر الأيّام من الزوال إلى قريب الغروب، و حدّ صلاة الجمعة ما بين الزوال و صيرورة الظلّ مثله يصدق التضيّق عرفا و لغة.

هذا مضافا إلى أنّ صلاة يوم الجمعة في الصحيحة الأولى شاملة لظهرها أيضا.

و قد ورد في موثّقة الأعرج أنّ وقتها عند الزوال، و في بعض الأخبار أنّ وقت الظهر يوم الجمعة مضيّق، و هو محمول على الأفضليّة قطعا، فيمكن أن يكون هي المراد في الصحيحة أيضا. و حمل الصلاة على الجمعة ليس بأولى من حمل التضيّق على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 127

الأفضليّة إلّا أن يراد أولويّة التقيّد و التخصيص من التجوّز إن كان ذلك مجازا.

و من هذا يظهر ضعف كلّ هذه الوجوه أيضا.

إلّا أن يقال: إنّ كلّ واحد واحد و إن كان كذلك، إلّا أنّه يستفاد من تعليل قوله في الصحيحة الأولى: «إذا زالت الشمس فصلّها» بكونها مضيّقة، و تفريع «كون وقتها ساعة تزول» عليه، في الثانية، و ترتّب «وحدة وقته و كونه حين تزول» عليه، في الثالثة، وجوب الفعل حين الزوال و عدم جواز التأخير عنه.

و منه تظهر قوة هذا القول و ضعف سابقة.

[و الثالث قول الحلي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر]

كما يظهر ضعف قول الحلّي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر «1»، و اختاره في الدروس و البيان «2»، و هو محتمل كلام المبسوط «3»؛ لتحقق البدليّة، و أصالة البقاء.

و الأوّل جدّا ممنوع، و الثاني بما مرّ مدفوع.

و أمّا ما في الموثّقة السابقة «4»

من أنّ وقتها إذا زالت الشمس قدر شراك أو نصف.

فلا ينافي ما مرّ؛ لعدم تحقّق الزوال لنا قبل ذلك، مع أنّ مثل ذلك التأخير لا ينافي أوّليّة الزوال عرفا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    128     و الثالث قول الحلي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر ..... ص : 127

منه يظهر عدم منافاة ما في صحيحة [ابن سنان ] «5» أيضا: من أنّ «رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك».

و كذا لا تنافيه رواية الشيخ في المصباح: عن صلاة الجمعة، فقال: «وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة، و إن أبطأت حتّى يدخل الوقت

______________________________

(1) السرائر 1: 296.

(2) الدروس 1: 188، البيان 186.

(3) المبسوط 1: 147.

(4) في ص 124.

(5) في النسخ: زرارة، و لم نعثر على رواية منه بذلك المضمون، و الظاهر أنه سهو، انظر: التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 128

هنيئة فابدأ بالفريضة» «1».

لعدم صراحتها في فعل الركعتين بعد الزوال، بل ما بعده ظاهر في فعله قبله.

و لا مرسلة الفقيه: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن يمضي ساعة» «2».

لجواز أن يكون الانتهاء انتهاء ما يجوز فعل الصلاة فيه و إن وجب الشروع في الأوّل.

[الرابع القول بامتداد الوقت إلى القدمين ]

و كذا ظهر ضعف القول بامتداد الوقت إلى القدمين، كما اختاره بعض متأخّري الأخباريّين «3»؛ لجعل وقت العصر في الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام في الأخبار و مبدأ وقت الظهر القدمين، مضافا إلى ما أشير إليه في قدح مثل هذا الوجه الذي ذكروه للقول الأوّل «4».

فروع:
أ: على ما اخترناه من وجوب الشروع في أوّل الزوال عرفا

فهل لآخره حدّ لا يجوز تطويل الخطبتين و السورة و القنوت و الأذكار إلى أن يتجاوز عنه، أو يجوز التطويل بأيّ قدر شاء؟.

مقتضى الأصل: الثاني، إلّا أن يتجاوز عن حدّ يتعارف التطويل به في الصلوات. بل لا يبعد جواز التطويل بقدر ثبت جوازه من العمومات و لو بلغ إلى المثل بل تجاوز عنه إلى تضيّق وقت العصر؛ للأصل.

______________________________

(1) المصباح: 323، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 17.

(2) تقدّمت في ص 125.

(3) انظر: الحدائق 10: 138.

(4) راجع ص 121

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 129

ب: قالوا: لو خرج الوقت و قد تلبّس بالصلاة

فإن أدرك ركعة في الوقت صحّت جمعته بلا خلاف؛ لصحيحة البقباق: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» «1».

و الأخرى: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعا» «2».

و الروايات المتقدّمة في بحث الوقت المصرّحة بأنّ من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت «3».

و تخصيص بعضها بمن أدرك ركعة من صلاة الإمام فلا يشمل الإمام- مع أنّه غير ضائر للإجماع المركّب- تخصيص بلا مخصّص.

و لو لم يدرك الركعة فذهب جماعة، منهم: الشيخ و المحقّق و الفاضل في القواعد، إلى صحّة الجمعة «4».

لاستصحاب صحّة الصلاة، و كون ما فعل لو ضمّ معه الباقي صحيحا.

و النهي عن إبطال العمل.

و استكماله شرائط الوجوب؛ لظنه سعة الوقت. فيجب الإتمام؛ لمشروعيّة الدخول، و لا يشرع إلّا فيما وجب إتمامه. و انكشاف الضيق لا يصلح لرفع الوجوب.

و يردّ الأوّل:

بما يأتي من دليل البطلان، مع أنّ الصحّة الواقعيّة و كون ما فعل كما ذكر واقعا ممنوع، و بحسب ظنّه لا يفيد.

و الثاني:

بالمنع على الإطلاق، مع أنّ المنهيّ عنه هو الإبطال فيما لم يبطل، و الخصم يدّعي البطلان.

______________________________

(1) التهذيب 3: 161- 346، الوسائل

7: 346 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 6.

(2) الفقيه 1: 270- 1232، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 2.

(3) انظر: الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.

(4) الشيخ في المبسوط 1: 147، المحقق في المعتبر 2: 277، الفاضل في القواعد 1: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 130

و الثالث:

بأنّ استكمال الشرائط بحسب ظنّه لا يوجبه واقعا، نعم يتعبّد بظنّه لو لم يظهر خلافه، و وجوب الإتمام أوّلا ممنوع، بل الواجب عليه الإتمام لو صادف الواقع ظنّه، كما يجب الشروع في الصلاة على ظانّ البقاء. و الحاصل أنّ المشروط بشي ء يجب إتمامه مع بقاء الشرط لا مطلقا.

و بما ذكر يظهر ضعف قول آخر اختاره بعض مشايخنا الأخباريين من الفرق بين المتلبّس بظنّ البقاء فأوجب الإتمام، و بدون ظنّه فلا يجب «1».

و ذهب جمع آخر، منهم: الشهيد، و الفاضل في التحرير، و المحقّق الثاني و صاحبا المدارك و الذخيرة، إلى فوات الجمعة «2».

و هو الحقّ؛ لمفهوم الأخبار المتقدّمة، بل صريح ذيل الصحيحة الثانية، و لأنّ توقيت الفعل بوقت يجعل صحّته مشروطا به، فإذا خرج الوقت انتفى الشرط فينتفي المشروط.

ثمَّ لا يخفى أن الكلام في هذه المسألة على القول بتحديد وقتها بالقدمين أو المثل أو وقت الظهر ظاهر.

و أمّا على قول الحلبيّ «3»- الذي هو المختار- فقد يتوهّم عدم جريان المسألة فيه؛ لعدم تحديد لآخر الوقت، حيث إنّه يجب الشروع بالزوال حتّى يتمّ فلا يشمله قوله: «من أدرك ركعة في الوقت».

و ذلك إنّما كان صحيحا لو كان مراد القائل أنّه يجب الشروع في أوّل الزوال، و يجوز التطويل إلى أيّ قدر شاء؛ بل يحدّ الآخر إمّا بالتعارف، أو القدمين،

أو وقت الظهر، فتشمله الروايات أيضا.

و على هذا، فعلى ما هو الظاهر من جواز التطويل إلى تضيّق وقت العصر و ملاحظة شمول أحاديث الركعة للمضطرّ و المختار، لا يكون فارق بين قولي الحلّي

______________________________

(1) الحدائق 10: 141.

(2) الذكرى: 235، التحرير 1: 43، جامع المقاصد 2: 367، المدارك 4: 16، الذخيرة: 298.

(3) راجع ص 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 131

و الحلبيّ إلّا في مجرّد الإثم بالتأخير عن أوّل الوقت لو كان عن عمد. فتأمّل.

ج: قالوا: لو فاتته الجمعة بفوات الوقت يصلّي الظهر أربعا أداء

إن كان وقته باقيا، و قضاء إن خرج وقته.

أقول:

لا شكّ في أنّه إذا فاتت الجمعة من جهة فوت شرط منها غير الوقت، يجب الظهر قضاء أو أداء؛ لصحيحتي البقباق المتقدّمتين «1»، و حسنة الحلبيّ: «فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا» «2».

و كذا لا شكّ في أنّه لو كان الفوات بفوات الوقت و فات وقت الظهر أيضا، يجب الظهر قضاء؛ لإطلاق ما تقدّم.

و أمّا أداء الظهر بفوات الوقت فلا يكون إلّا على القول المشهور أو القدمين أو الحلبيّ مع انتهاء وقت جواز الاستمرار قبل وقت الظهر، و إلّا فلا يتحقّق وقت فاتت الجمعة بفوات الوقت و أمكن أداء الظهر.

د: لو وجبت الجمعة فصلّى الظهر

فإمّا يكون عمدا أو نسيانا، و على التقديرين إمّا يتمكّن من الجمعة بعده أم لا.

فإن كان عمدا بطلت ظهره مطلقا؛ لأنّه كان منهيا عنه، و لعدم كونه مأمورا به. ثمَّ إن تمكّن من الجمعة وجب السعي إليها؛ لوجوبها عليه. و إلّا أعاد الظهر؛ للعمومات المتقدّمة.

و لو كان سهوا أو نسيانا كأن ينسى وجوب الجمعة أو أنّه يوم الجمعة، فمع التمكّن من الجمعة بعد التذكّر يأتي بها؛ لوجوبها، و عدم إيجاب ما فعل لرفعه.

و مع عدمه صحّ ما فعل؛ لأنّ المأتيّ به موافق لتكليفه حيث إنّ الناسي لا يكلّف بما نسيه فأتى بما كلّف به، و الأصل عدم وجوب غيره.

______________________________

(1) في ص 129

(2) الكافي 3: 427 الصلاة ب 78 ح 1، التهذيب 3: 160- 343، التهذيب 3: 243- 656، الاستبصار 1: 421- 1622، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 132

ه: لو صلّى الظهر وقت الجمعة ثمَّ ظهر عدم التمكّن من الجمعة في وقتها،

فإن كان عمدا بطل ظهره؛ لكونه منهيّا عنه فيعيده ثانيا.

و إن كان سهوا صحّ؛ لأنّه كان مأمورا به واقعا و ظاهرا، و ذلك النسيان لا يوجب ارتفاع الأمر أو فساد الأمر الواجب عليه.

و: لو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعة في أوّل الوقت

و لكن احتمل اجتماعها قبل خروج الوقت، فهل تجوز له صلاة الظهر لعدم اجتماع شرائط الجمعة و أصالة عدم اجتماعها، أم لا تجوز لأنّ مشروعيّة الظهر إنّما هي إذا علم عدم التمكّن من الجمعة؟.

فيها قولان، الظاهر: الأوّل؛ للأصل المذكور، و به يحصل العلم الشرعيّ بعدم التمكّن من الجمعة.

ثمَّ لو صلّى الظهر حينئذ و اجتمعت الشرائط فالأقرب عدم الاجتزاء بالظهر؛ لعدم دليل على سقوط الجمعة.

و قيل بالاجتزاء «1»؛ لسقوط التكليف عنه فيه بفعل الظهر، و امتناع وجوبهما معا.

و يضعّف بمنع المقدّمتين في المورد.

ز: لو صلّى الجمعة و هو شاكّ أو ظانّ في أنّها هل وقعت في وقتها أو وقعت كلّا أو بعضا خارج الوقت، صحّت؛

لاستصحاب الوقت. و إفادته ظنّ البقاء غير ضائر؛ لأنّه قائم مقام العلم هنا شرعا.

و منه يظهر وجوب الشروع في الجمعة لو لم يتلبّس مع ظنّ امتداد الوقت أو الشكّ فيه أيضا، بل ظنّ عدم الامتداد.

ح: لو ظنّ أو تيقّن عدم اتّساع الوقت للجميع،

و لكن ظنّ أو تيقّن اتّساعه

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 2: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 133

للركعة، وجبت الجمعة على الأقرب؛ للأخبار المتقدّمة. بل تجب ما لم يتيقّن عدم اتّساع الوقت لها؛ لأنّ اليقين لا ينقضه إلّا يقين آخر. و تخصيص الأخبار بمن أدرك ركعة مع ظنّ إدراك الجميع- كما قيل «1»- تخصيص بلا دليل.

______________________________

(1) انظر: جامع المقاصد 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 134

البحث السادس في لواحق صلاة الجمعة
اشارة

و فيه مسائل و خاتمة:

المسألة الأولى: يحرم السفر بعد الزوال قبل صلاة الجمعة يوم الجمعة
اشارة

على المستجمع لشرائط وجوبها، إلى غير جمعة البلد و غير مكان تقام فيه جمعة أخرى، إجماعا مصرّحا به في التذكرة و المنتهى و غيرهما «1».

و هو الحجة في المقام، دون غيره مما ذكروه كالنبويّ: «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة، لا يصحب في سفره و لا يعان على حاجته» «2».

و المرويّ في النهج: «لا تسافر في يوم جمعة حتّى تشهد الصلاة، إلّا فاصلا في سبيل اللَّه أو في أمر تعذر به» «3».

و في مصباح الكفعميّ: «ما يؤمن من يسافر يوم الجمعة قبل الصلاة، أن لا يحفظه اللَّه في سفره و لا يخلفه في أهله و لا يرزقه من فضله» «4».

و في الفقيه و الخصال: «يكره السفر و السعي في الحوائج يوم الجمعة، يكره «5» من أجل الصلاة، و أمّا بعد الصلاة فجائز يتبرّك به» «6»

______________________________

(1) التذكرة 1: 144، المنتهى 1: 336، و انظر: المدارك 4: 59، و الذخيرة: 313.

(2) المغني (لابن قدامة) 2: 218، نقلا عن الدار قطني في الافراد.

(3) نهج البلاغة (عبده) 3: 143، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 6، و فيه:

«ناصلا» و المعنى واحد، أي خارجا.

(4) مصباح الكفعمي: 420، الوسائل 7: 406 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 52 ح 5

(5) في الفقيه و الوسائل: بكرة، و ما في المتن موافق للخصال.

(6) الفقيه 1: 273- 1251، الخصال: 393- 95، الوسائل 7: 406 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 135

و فحوى قوله تعالى وَ ذَرُوا الْبَيْعَ «1».

و صحيحة أبي بصير: «إذا أردت الشخوص في يوم عيد و انفجر الصبح و أنت في البلد، فلا

تخرج حتّى تشهد ذلك العيد» «2».

و إذا حرم السفر لتفويت العيد حرم لتفويت الجمعة بطريق أولى.

و أنّه بعد الزوال مأمور بالصلاة، و الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه الخاصّ عند المحققين من العلماء.

لضعف الأوّل أوّلا، و عدم دلالته على الحرمة ثانيا؛ لشيوع ورود مثل ذلك في المكروهات أيضا، مع أنّه لو سلّم تردّد الأمر بين تخصيص اليوم بما بعد الزوال قبل الصلاة، أو الحمل على الكراهة، و ليس الأوّل بأولى، سيّما مع كونه تخصيصا للأكثر.

و هو وجه الضعف في الثلاثة المتعقبة له، مضافا إلى التضمّن للجملة الخبريّة في الأوّل منها، و للفظ الكراهة في الثالث.

و الخامس: بمنع دلالة الفحوى؛ لجواز أن يكون لنفس البيع مدخليّة سيّما مع أنّه ليس مسقطا لوجوب الجمعة بخلاف السفر.

و السادس: بمنع الأولويّة، مضافا إلى عدم دلالته أيضا على الحرمة.

و السابع أوّلا: بمنع الأمر بالجمعة حينئذ إلّا بعد ثبوت حرمة السفر، و هو أوّل الكلام، فإنّه بعد ما ثبت سقوطها عن المسافر فيكون وجوبها مقيّدا بعدم السفر و ما دام حاضرا، فإذا دخل الزوال نقول: إنّها تجب عليه لو لم يسافر، و أمّا معه فلا نسلّم الوجوب. و ثانيا: بمنع كون السفر ضدّا مطلقا؛ لجواز إمكان إقامتها في السفر، فالسفر لا يكون حينئذ ضدّا خاصّا.

قيل:

لا تجب الجمعة على المسافر قطعا، فيكون السفر مجوّزا لتفويت

______________________________

(1) الجمعة: 9.

(2) الفقيه 1: 323- 1480، التهذيب 3: 286- 853، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 136

الواجب، و تجويز تفويت الواجب منفيّ، فجواز السفر منفيّ.

قلنا

- بعد تسليم عدم وجوبها على مثل هذا المسافر أيضا الذي وجب عليه أوّل الوقت-: إنّ بطلان تجويز تفويت الواجب ممنوع، إنّما الباطل تفويته،

و أمّا تجويز التفويت فهو الإتيان بما يسقط وجوبه معه شرعا، و لا دليل على بطلانه.

و قد يردّ الأخير أيضا بأنّه لو حرم السفر لم تسقط الجمعة؛ لوجوبها على العاصي بسفره. فلو حرم السفر لم يحرم السفر، و ما كان كذلك فهو باطل.

و فيه: إنّما يتمّ في صورة إمكان جمعة اخرى، و عدم الحرمة حينئذ مسلّم، و أمّا في صورة عدم الإمكان فالمحرّم يكون هو الفوات دون السفر.

فروع:
[الأول ]

أ: و إذا عرفت أنّ دليل الحرمة منحصر في الإجماع، فلا يحرم فيما لم يثبت الإجماع فيه:

منه:

ما إذا كان السفر واجبا، أو مضطرّا إليه، و يدلّ عليه أيضا المرويّ عن النهج.

و منه:

ما إذا كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يمكن له إدراكها، فلا يحرم حينئذ، وفاقا لجماعة «1».

قيل:

يلزم أن تكون الجمعة واجبة عليه في السفر مع أنّه خلاف النصوص.

قلنا:

لا نسلّم اللزوم؛ لأنّ منع الحرمة حينئذ لانتفاء الإجماع، أو مع إمكان الجمعة لو أراد، لا إمكان الجمعة مطلقا.

و قد يجاب أيضا بلزوم التخصيص في تلك النصوص؛ لأنّ ها هنا حكمين، أحدهما: أنّ كلّ حاضر تجب عليه صلاة الجمعة، و ثانيهما: أنّ كلّ مسافر لم تجب عليه. و هذا قبل السفر حاضر داخل

______________________________

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 313 و الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) و نسبه في المدارك 4: 61 الى المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 421 فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 137

في موضوع الأوّل، و مقتضاه وجوب الجمعة عليه و لو في حال السفر؛ لعدم التقييد، فإذا تركها حال الحضور ثمَّ سافر وجب عليه الإتيان في السفر. فعموم الأوّل اقتضى وجوبها حال السفر على ذلك، و عموم الثاني عدمه. و الترجيح للأوّل؛ للإجماع

على وجوب الجمعة على الحاضر مطلقا من غير أن يكون مشروطا بعدم صدق السفر عليه لاحقا.

و فيه: أنّ الظاهر المتبادر من الوجوب على الحاضر وجوبها عليه ما دام حاضرا، أي أن يفعلها في الحضر.

خلافا لبعضهم فحرمه أيضا «1»؛ لعموم الأخبار. و قد عرفت أنّه لا عموم.

و لاستلزامه تجويزه الدور؛ لأنّ جوازه موقوف على وجوب صلاة الجمعة على هذا المسافر، و هو على حرمة السفر عليه، إذ لا تجب في السفر المباح قطعا، و هي على عدم وجوب صلاة الجمعة إذ لو وجبت لم يحرم، و هو على جواز السفر لوجوبها في السفر المحرّم.

و فيه: منع المقدّمة الأولى أوّلا؛ لما مرّ. و الثانية ثانيا؛ لإمكان تخصيص أدلّة الحرمة بمن لم تجب عليه أوّل الوقت.

و لثالث، فاحتمل التفصيل بالجواز لو كانت الجمعة الأخرى قبل محلّ الترخّص إن أمكن، و عدمه إن كانت فيه «2». و دليله مع جوابه ظاهر.

[و الثاني ]

ب: قال في روض الجنان: و متى سافر بعد الوجوب كان عاصيا، فلا يترخّص حتّى تفوت الجمعة فيبتدئ السفر من موضع تحقّق الفوات، و نسبه إلى الأصحاب «3». و هو كذلك.

[و الثالث ]

ج: لو كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون، يخرج مسافرا في صوب الجمعة؛ لما مرّ من انتفاء الإجماع في محلّ النزاع سيّما إذا كان الخروج قبل زمان

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 35، و صاحب المدارك 4: 61

(2) انظر: الذكرى: 233.

(3) الروض: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 138

تعلّق وجوب السعي. و فيه أقوال أخر لا فائدة في ذكرها.

[و الرابع ]

د: يكره السفر بعد طلوع الفجر يوم الجمعة إلى الزوال، إجماعا، كما في التذكرة و المنتهى؛ له، و لإطلاق الروايات المتقدّمة، خرج منه بعد وقت صلاة الجمعة بالإجماع، فيبقى الباقي.

و مقتضى إطلاقها الكراهة مطلقا سواء كان المسافر ممّن استجمع شرائط الجمعة أو لا. و تقييد بعضها بقوله: «حتّى تشهد الصلاة» لا يوجب تقييد البواقي، كما أنّ تقييد البعض بقوله: «قبل الصلاة» لا يوجب تقييد غيره بما إذا كان هناك صلاة.

ثمَّ لا شكّ أنّ الكراهة للمستجمع إنّما هي قبل الزوال، و بعده يحرم في حال و يباح في أخرى، و كذا غير المستجمع بالنسبة إلى قبل الصلاة و بعد وقت الصلاة.

و أمّا ما بين الزوال و خروج وقت الصلاة فلا يحرم عليه قطعا، فهل يكره أو يباح؟ مقتضى الإطلاقات: الأوّل.

المسألة الثانية: اختلف الأصحاب في الأذان الثاني يوم الجمعة، و في المراد منه

، فذهب في المبسوط و المعتبر في الأوّل إلى الكراهة «1»؛ للأصل. و الحلي «2»، و عامّة المتأخّرين إلى الحرمة؛ لكونه غير متوقّف فيكون بدعة، و لرواية حفص:

«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» «3» و جعله ثالثا باعتبار تقدّم الأذان الأوّل و الإقامة.

و قيل في الثاني: هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر في الوقت سواء كان

______________________________

(1) المبسوط 1: 149، المعتبر 2: 296.

(2) السرائر 1: 295.

(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 5، التهذيب 3: 19- 67، الوسائل 7: 400 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 139

بين يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما «1» و قيّده بعضهم بما إذا كان من مؤذّن واحد قاصد كونه ثانيا «2».

و قيل: إنّه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنّه الثاني باعتبار الإحداث سواء وقع أوّلا بالزمان أو ثانيا

«3».

و قيل: ما يفعل بعد نزول الإمام مضافا إلى الأذان الذي عند الزوال «4».

و قال في المجمع في معنى قوله إِذا نُودِيَ : إذا أذّن لصلاة الجمعة، و ذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة، و لم يكن على عهد رسول اللَّه نداء سواه- إلى أن قال-: فكان إذا جلس الإمام على المنبر أذّن على باب المسجد، فإذا نزل أقام الصلاة، ثمَّ كان أبو بكر كذلك، حتّى إذا كان عثمان و كثر الناس و تباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأوّل على سطح دكّة له بالسوق، و كان يؤذّن عليها، فإذا جلس عثمان على المنبر أذّن مؤذّنه، فإذا نزل أقام الصلاة.

انتهى «5».

و إذا كان الأمر كذلك فالبحث عن المسألة قليل الفائدة.

مع أنّه لا دليل على الحرمة سوى الرواية، و أنّه بدعة.

و الأوّل ضعيف بإمكان إرادة أذان العصر.

و الثاني بعدم اختصاصه بنوع خاصّ من الأذان، بل و لا بالأذان و لا بيوم الجمعة، بل كلّ عبادة فعلت تشريعا بأن يظهر للناس أنّها من الشريعة فهي حرام.

و على هذا يمكن أن يقال في المسألة: إنّ كلّ أذان وقع ثانيا في الوقت من مؤذّن واحد بإظهار أنّه ثان مشروع- بل مؤذنّين بهذا القصد- فهو حرام، و ما عداه

______________________________

(1) كما في الروض: 295، و الرياض 1: 189.

(2) كما في المسالك 1: 35.

(3) كما في مجمع الفائدة 2: 376، و الحدائق 10: 182.

(4) كما في السرائر 1: 295.

(5) مجمع البيان 5: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 140

ليس بحرام و لا مكروه؛ للأصل.

المسألة الثالثة: إذا أذّن لصلاة الجمعة حرم البيع.

لا للآية الكريمة؛ لما عرفت من عدم صراحتها في أذان صلاة الجمعة.

و لا لمرسلة الفقيه: كان بالمدينة إذا أذّن يوم الجمعة نادى مناد: حرم البيع لقوله

تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ «1» حيث إنّ ظاهره عموم ذلك الفعل حتّى في زمان النبيّ و الوليّ، و هما قرّرا المنادي على قوله، و تقريرهما حجّة.

لمثل ما مرّ في الآية، فإنّ تخصيص الأذان بأذان صلاة الجمعة ليس بأولى من ارتكاب التجوّز في الحرمة.

بل للإجماع المحقق و المحكيّ «2»، و كون الأمر بالشي ء مستلزما للنهي عن ضدّه.

و مقتضى الأخير اختصاص الحرمة بمن وجبت عليه الجمعة و في زمان وجبت، كما أنّ الثابت من الأوّل أيضا ليس الزائد عنه.

و كذا مقتضاهما الاختصاص بالبيع المانع عن الصلاة، فلا يحرم العقد المقارن للذهاب إليها، و لا المانع من إدراك الصلاة و لو بعد الأذان.

و كذا مقتضى الثاني حرمته قبل الأذان لو كان مانعا عن الإدراك، بل قبل الزوال لو لا الإجماع على عدمها فيه مطلقا، و كذا حرمة غير البيع من أنواع المعاوضات بل مطلق الشواغل.

و هل يحرم على من لم تجب عليه الصلاة لو كان أحد طرفي المعاوضة و كان الآخر ممّن تجب عليه؟.

قيل: نعم؛ لأنّه معاون على الإثم «3».

______________________________

(1) الفقيه 1: 195- 914، الوسائل 7: 408 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 53 ح 4.

(2) انظر: التذكرة 1: 156، و المدارك 4: 76، و المفاتيح 1: 23، و كشف اللثام 1: 256، و الرياض 1: 190.

(3) كما في نهاية الإحكام 2: 54، و الروض: 296، و المدارك 4: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 141

و فيه نظر؛ لمنع كونه معاونا.

ثمَّ لو وقع البيع أو غيره، فهل ينعقد و يصحّ و إن كان حراما؟.

يبتني على اقتضاء النهي في المعاملة للفساد و عدمه، و لمّا كان الحقّ عندنا هو الأوّل يكون فاسدا.

المسألة الرابعة: إذا لم يكن إمام الجمعة ممّن يصحّ الاقتداء به تخيّر المكلّف

- متى

ألجأته التقيّة أو الضرورة إلى الصلاة معه- بين الصلاة أربعا قبل الفريضة، ثمَّ يصلّي معه نافلة، كما في روايتي الحضرمي «1» و ابن سنان «2»، و بين أن يصلّي معه ثمَّ يتمّها بركعتين بعد فراغه، كما في روايات أخر «3»، و في الأفضل منهما تردّد.

و روي وجه ثالث أيضا، و هو: الصلاة معهم نافلة ثمَّ الصلاة أربع ركعات بعدها «4». و الكلّ جائز.

______________________________

(1) التهذيب 3: 246- 671، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 29 ح 3.

(2) الفقيه 1: 265- 1210، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2 و 3.

(3) الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 29.

(4) كما في الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 6، التهذيب 3: 266- 756، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 29 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 142

خاتمة في سائر آداب يوم الجمعة و سننه
فمنها: الغسل

، و قد مرّ.

و منها: التنفّل للظهرين زائدا على كلّ يوم، بالإجماع في الجملة.
اشارة

و الزيادة عند الأكثر بأربع ركعات حتّى يكون المجموع عشرين ركعة؛ لصحيحة يعقوب: عن التطوّع يوم الجمعة، قال: «إذا أردت أن تتطوّع يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ستّ ركعات ارتفاع النهار، و ستّ ركعات قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، و ستّ ركعات بعد الجمعة» «1».

و صحيحة ابن أبي نصر: عن التطوّع يوم الجمعة، قال: «ستّ ركعات في صدر النهار، و ستّ [ركعات ] قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت الشمس، و ستّ ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون [ركعة] سوى الفريضة» «2».

و روايته: «صلاة النافلة يوم الجمعة ستّ ركعات بكرة، و ستّ ركعات صدر النهار، و ركعتان إذا زالت الشمس، ثمَّ صلّ الفريضة و صلّ بعدها ستّ ركعات» «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 11- 36، الاستبصار 1: 410- 1567، الوسائل 7: 324 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 10.

(2) التهذيب 3: 246- 668، الاستبصار 1: 410- 1569، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 6؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(3) الكافي 3: 427 الصلاة ب 79 ح 1، التهذيب 3: 10- 34، الاستبصار 1: 409- 1565، الوسائل 7: 325 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 143

و في الفقيه- بعد ما نسب مضمون هذه الرواية إلى رسالة أبيه- زاد: و في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: «و ركعتين بعد العصر» «1».

و رواية ابن خارجة: «أمّا أنا فإذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صلّيت ستّ ركعات، فإذا ارتفع النهار صلّيت ستّا، فإذا زاغت

أو زالت صلّيت ركعتين، ثمَّ صلّيت الظهر، ثمَّ صلّيت بعدها ستّا» «2» و في مرسلة رواها الشيخ: «صلّ يوم الجمعة عشر ركعات قبل الصلاة و عشرا بعدها» «3».

و المرويّ في السرائر نقلا من كتاب حريز، عن الباقر عليه السلام: «إن قدرت يوم الجمعة أن تصلّي عشرين ركعة فافعل ستّا بعد طلوع الشمس، و ستّا قبل الزوال إذا تعالت الشمس، و افصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم، و ركعتين قبل الزوال و ستّ ركعات بعد الجمعة» «4».

و في العلل: «إنّما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم» «5».

و ستّ ركعات عند الإسكافي «6»، حتّى يكون المجموع اثنتي و عشرين ركعة.

و يدلّ عليه ما تقدّم من نوادر ابن عيسى، و صحيحة الأشعريّ: عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: «هي ستّ ركعات بكرة،

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- ذ ح 1223.

(2) الكافي 3: 428 الصلاة ب 79 ح 2، التهذيب 3: 11- 35، الاستبصار 1: 410- 1566، الوسائل 7: 325 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 12؛ و بتفاوت في عبارة: ارتفع.

(3) التهذيب 3: 247- 673، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 4.

(4) مستطرفات السرائر: 71- 1، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.

(5) العلل: 266 ب 182، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.

(6) حكاه عنه في المختلف: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 144

و ستّ بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة، و ستّ ركعات بعد ذلك ثمان عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة» «1».

و الأربع المتقدّمة

عند الصدوقين كما في المشهور، إن فرقت النوافل و صلّيت بعضها قبل الفريضة و بعضها بعدها، و إن قدّمت النوافل أو أخّرت فهي ستّ عشرة ركعة كسائر الأيام «2».

و يدلّ عليه الرضويّ: «لا تصلّ يوم الجمعة بعد الزوال غير الفرضين و النوافل قبلهما أو بعدهما، و في نوافل يوم الجمعة زيادة أربع ركعات يتمّها عشرين ركعة، يجوز تقديمها في صدر النهار و تأخيرها إلى بعد صلاة العصر، فإن استطعت أن تصلّي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ستّ ركعات، و إذا انبسطت ستّ ركعات، و قبل المكتوبة ركعتين، و بعد المكتوبة ستّ ركعات، فافعل، و إن صلّيت نوافلك كلّها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخّرتها إلى بعد المكتوبة أجزأك و هي ستّ عشرة ركعة، و تأخيرها أفضل من تقديمها، و إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا تصلّ إلّا المكتوبة» «3».

و ورد في بعض الأخبار أنّها ستّ عشرة مطلقا، ففي صحيحة سليمان بن خالد: النافلة يوم الجمعة، قال: «ستّ ركعات قبل زوال الشمس و ركعتان عند زوالها، و القراءة في الأولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين، و بعد الفريضة ثمان ركعات» «4».

و في صحيحة الأعرج: عن صلاة النافلة يوم الجمعة، فقال: «ستّ عشرة

______________________________

(1) التهذيب 3: 246- 669، الاستبصار 1: 411- 1571، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 5.

(2) الفقيه 1: 267 نقلا عن رسالة أبيه.

(3) فقه الرضا «ع»: 129، مستدرك الوسائل 6: 21 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 3: 11- 37، الاستبصار 1: 410- 1568، الوسائل 7: 324 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 145

ركعة قبل العصر، ثمَّ قال: كان

عليّ عليه السلام يقول: ما زاد فهو خير، و قال إن شاء رجل أن يجعل فيها ستّ ركعات في صدر النهار و ستّ ركعات نصف النهار و يصلّي الظهر و يصلّي معها أربعة ثمَّ يصلّي العصر» «1».

أقول: و لعلّ المشهور لمّا رأوا كراهة التنفّل بعد العصر، و تعارض أدلّتها مع رواية الركعتين بعده، و ترجيح الأوّل بالاشتهار. و رأوا قصور الرضويّ مقاومة لما مرّ، و دلالة لأنّ صدره يصرّح بتجويز تقديم العشرين على الزوال و تأخيرها عن العصر، فغاية ما يثبت من قوله «أجزأك و هي ستّ عشرة ركعة» كفاية الستّ عشرة لو قدّم أو أخّر، و هذا غير التفصيل الذي قاله الصدوق من أنّه في الصورتين يقتصر عليها، و سندا لضعف الرواية، و عدم كون هذا المعنى التفصيليّ الذي تضمّنه من المستحبّات التي تتحمل التسامح. و رأوا عدم منافاة الصحيحين الأخيرين لاستحباب العشرين، لأنّ غاية ما تدلّ عليه الاولى أنّ الستّ عشرة ركعة من النوافل يستحبّ أن يفعل بالترتيب الذي فيها، و الثانية تضمّنت قوله «ما زاد فهو خير».

أسقطوا قولي الإسكافي و الصدوق، و لم يلتفتوا إلى الصحيحين، و قالوا بالعشرين مطلقا. و لا بأس به.

إلّا أنّه لمّا كانت الكراهة في العبادات بمعنى أقليّة الثواب و المرجوحيّة الإضافية لا تدلّ أدلّة كراهة التنفّل بعد العصر على عدم استحباب الركعتين، فلو قيل بهما أيضا مع أقليّة ثوابهما عن سائر الركعات كان حسنا.

ثمَّ إنّه يستحبّ فعل العشرين كلّها قبل الفريضة، وفاقا للنهاية و المبسوط و الخلاف و المقنعة «2»، و كافّة المتأخّرين، بل الأكثر مطلقا، بل في المنتهى: وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 245- 667، الاستبصار 1: 413- 1580، الوسائل 7:

323 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 7.

(2) النهاية: 104، المبسوط 1: 150، الخلاف 1: 632، المقنعة: 165.

(3) المنتهى 1: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 146

لتضافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أوّل الزوال، و الجمع بين الفرضين فيه، و نفي التنفل بعد العصر، و صحيحة علي بن يقطين: عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أم بعدها؟ قال: «قبل الصلاة» «1».

و الرواية: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة» «2».

و خلافا للمحكيّ عن والد الصدوق، فتأخيرها عن الفريضة أفضل «3».

للرضويّ المتقدّم، و رواية ابن مصعب: أيّما أفضل أقدّم الركعات يوم الجمعة أو أصلّيها بعد الفريضة؟ قال: «لا، بل تصلّيها بعد الفريضة» «4».

و سليمان بن خالد: أقدّم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟ قال: «نعم ستّ ركعات» قلت: فأيّهما أفضل أقدّم الركعات يوم الجمعة أم أصلّيها بعد الفريضة؟

قال: «تصليها بعد الفريضة أفضل» «5».

و حملها على ما إذا زالت الشمس و لم يتنفّل- كما قيل «6»- بعيد.

و يضعّف بالشذوذ.

مضافا إلى مناقضة قوله في الاولى «و إذا زالت الشمس ..» لما قبله ممّا يدلّ على أفضليّة التأخير.

و إجمال الروايتين من حيث الركعات هل هي المجموع أو الستّ، و من حيث الفريضة هل هي الأولى أو الفرضين، فلا يصلح استنادا لشي ء منهما.

______________________________

(1) التهذيب 3: 12- 38، الاستبصار 1: 411- 1570، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 3.

(2) أمالي الشيخ 705، الوسائل 7: 329 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 13 ح 5.

(3) حكاه عنه في المختلف: 110.

(4) التهذيب 3: 246- 670، الاستبصار 1: 411- 1572، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 13 ح 3.

(5) التهذيب 3:

14- 48، الاستبصار 1: 411- 1573، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 13 ح 1.

(6) انظر التهذيب 3: 14 ذ. ح 48، و المعتبر 2: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 147

و عن السيّد و الإسكافي و العماني «1»، فيستحبّ ستّ منها بين الظهرين؛ للأخبار المتقدّمة الدالّة عليه.

و ردّ: بمعارضتها مع ما دلّ على أفضليّة الجمع بين الفرضين، و على أنّه إذا زالت الشمس يوم الجمعة لا نافلة، فتبقى صحيحة الأشعريّ «2» خالية عن المعارض.

مضافا إلى أنّها لا تدلّ على أزيد من كون ذلك مستحبّا موجبا للثواب، و لا كلام فيه و إنّما الكلام في الأفضل، و صرّح في صحيحة ابن يقطين بأفضليّة تقديم الكلّ و لا معارض لها، فتتّبع.

ثمَّ المشهور في كيفيّة التقديم: أن يصلّي الست عند انبساط الشمس، و الستّ عند ارتفاعها، و الستّ قبل الزوال، و ركعتان عنده. و هو حسن.

أمّا في توزيع الثماني عشرة، فلدلالة كثير من الأخبار المتقدّمة على فعل الستّ عند الارتفاع و الستّ قبل الزوال بلا معارض. نعم ورد الستّ بعد الطلوع أو البكرة، و هما و إن كانا أعمّين إلّا أنّ الشهرة و ما دلّ على كراهيّة التنفّل ما بين الطلوعين و عند الطلوع و رواية ابن خارجة «3» تعيّن ما ذكروه.

و أمّا في الركعتين، فلتظافر الأخبار به.

ثمَّ المراد ب: عند الزوال فيهما هو حال الزوال، عند ظاهر كلام السيّد و الإسكافي و الحلبيّ «4»، و الشيخ في النهاية و المبسوط «5»، بل المفيد و القاضي «6».

لما ورد في بعض ما مرّ من فعلهما بعد الزوال قبل الفريضة، و في بعضه إذا زالت الشمس.

______________________________

(1) حكاه عنهم في المختلف: 110.

(2) المتقدمة في ص 143.

(3)

المتقدمة في ص 143.

(4) نقل كلام السيد و الإسكافي في المختلف: 110، الحلبي في الكافي في الفقه: 152.

(5) النهاية: 104، المبسوط 1: 150.

(6) المفيد في المقنعة: 165، القاضي في المهذب 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 148

إلّا أنّهما يعارضان ما دلّ على أنّ وقت الفريضة يوم الجمعة أوّل الزوال، و أنّه لا نافلة قبلها بعد الزوال كما مرّ، و المرويّ في السرائر المتقدّم «1»، و المروي فيه أيضا: «إذا قامت الشمس فصلّ ركعتين، و إذا زالت فصلّ الفريضة ساعة تزول» «2».

و فيه أيضا: عن الركعتين اللتين قبل الزوال يوم الجمعة، قال: «أمّا أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة» «3».

و المرويّ في مجالس الشيخ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: و كان لا يرى صلاة عند الزوال إلّا الفريضة، و لا يقدّم صلاة بين يدي الفريضة إذا زالت الشمس «4».

و صحيحة عليّ: عن الزوال يوم الجمعة، قال: «إذا قامت الشمس صلّ الركعتين، فإذا زالت الشمس فصلّ الفريضة» «5».

و رواية ابن أبي عمير في الصلاة يوم الجمعة و فيها: قلت: إذا زالت الشمس صلّيت الركعتين ثمَّ صلّيتها، قال: فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أمّا أنا إذا زالت الشمس لم أبدأ بشي ء قبل المكتوبة» «6».

و المرويّ في قرب الإسناد: «إذا قامت الشمس صلّ الركعتين، فإذا زالت الشمس قبل أن تصلّي الركعتين فلا تصلّهما و ابدأ بالفريضة» «7» إلى غير ذلك.

و لذا ذهب العماني إلى أنّهما قبل الزوال «8» بترجيح هذه الأخبار؛ لأكثريتّها،

______________________________

(1) في ص 143.

(2) مستطرفات السرائر: 54- 6، الوسائل أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 16.

(3) مستطرفات السرائر: 29- 19، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 15.

(4) أمال الطوسي:

704، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 4.

(5) قرب الإسناد: 214- 840 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 16.

(6) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 4، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 16.

(7) قرب الإسناد: 214- 840.

(8) حكاه عنه في المختلف: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 149

و أصرحيّتها، و أوفقيّتها لعمومات المنع من النافلة بعد دخول الفريضة، و غير ذلك.

و جمع جمع من المتأخّرين بينهما بفعلهما عند الزوال قبل تحقّقه «1» بشهادة رواية ابن عجلان: «إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين، فإذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة» «2».

و هو أيضا يرجع إلى مذهب العماني.

و لا يخفى أنّ بعد إيقاع التعارض بين ما ورد في الركعتين بخصوصهما و إسقاطهما، تبقى عمومات: لا نافلة بعد الزوال، و أنّ وقت الفريضة أوّل الزوال، و ما ضاهاهما ممّا تقدّم، خالية عن المعارض، و به تظهر قوة قول العماني، و يتعيّن حال قيام الشمس و الآن المتّصل بالزوال ببعض ما مرّ أيضا.

فرع [ظاهر النصوص و الفتاوى في المسألة]

ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوي عموم استحباب العشرين و تقديمها لمن يصلّي الجمعة أو الظهر. و عن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأوّل «3»، و لا وجه له.

و منها: أن يجهر فيه بالقراءة في صلاة الجمعة و الظهر.

أمّا الأولى فبلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضا «4»؛ و تدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد و فيها: «و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة» «5».

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 191.

(2) الكافي 3: 428 الصلاة ب 80 ح 3، التهذيب 3: 12- 39، الاستبصار 1: 412- 1574، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 10.

(3) نهاية الإحكام 2: 52.

(4) كالمحقق في المعتبر 2: 208، و العلّامة في التذكرة 1: 155، و الشهيد الثاني في الروضة 1:

314، و صاحب الحدائق 8: 189.

(5) التهذيب 3: 245- 664، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 150

و في صحيحة زرارة: «و القراءة فيها بالجهر» «1».

و في صحيحة العرزميّ: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى، و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعا» «2».

و تؤيّده صحيحة محمّد: عن الصلاة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «3».

و نحوها صحيحة جميل «4».

و إنّما جعلنا الأخيرتين مؤيّدتين لاحتمال كون الجملة الإخباريّة إنشاء لبيان الجواز حيث وقعت بعد جملة أخرى مثلها نافية.

و ظاهر صحيحة العرزميّ و إن كان الوجوب، إلّا أنّ عدم قول به بين الأصحاب ظاهرا أوجب شذوذه المانع عن إثبات الزائد عن الاستحباب بها.

و أمّا الثانية، فعلى الأقوى الأشهر، كما صرّح به جمع

ممّن تأخّر «5»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «6»؛ لصحيحة عمران الحلبيّ: عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات، أ يجهر فيها بالقراءة؟ فقال: «نعم» «7».

و حسنة الحلبي: عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا، أجهر بالقراءة؟ فقال: «نعم» «8»

______________________________

(1) الفقيه 1: 266- 1217، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2.

(2) التهذيب 3: 244- 659، الاستبصار 1: 422- 1625، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 5.

(3) التهذيب 3: 15- 54، الاستبصار 1: 422- 1625، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 9.

(4) التهذيب 3: 15- 53، الاستبصار 1: 416- 1597، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8.

(5) انظر: المدارك 4: 89، و الحدائق 8: 189.

(6) الخلاف 1: 633.

(7) التهذيب 3: 14- 50، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 1.

(8) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 5، التهذيب 3: 14- 49، الاستبصار 1: 416- 1593، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 151

و صحيحة محمّد: «صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة» فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: «اجهروا بها» «1».

و رواية محمّد بن مروان: عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السفر؟ قال: «تصلّيها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهرا» «2».

و بهذه الأخبار يخصّص ما لعلّه دلّ بعمومه على الجهر في مطلق الظهر، مع أنّه قد عرفت عدم دليل عليه سوى ما لا يجري هنا.

و لكن في دلالة غير الأخيرتين على الرجحان نظرا؛ لاحتمال إرادة

الجواز.

و أمّا الأخيرتان فمخصوصتان بالسفر، و لذا ترى الصدوق ظاهره الجواز في الظهر في غير ما إذا صلّيت في السفر جماعة و الاستحباب فيه «3».

و هو و إن كان حسنا بمقتضى ظواهر الأخبار إلّا أنّ اشتهار الرجحان مطلقا، بل نقل الإجماع عليه، مع عدم دليل على المنع، كاف في إثبات المطلوب في مقام المسامحة.

خلافا لبعض الأصحاب- على ما نقله في المعتبر قائلا أنّه الأشبه بالمذهب «4»- فمنع من الجهر بالظهر مطلقا، و عن بعض المتأخّرين استقرابه «5»؛ لصحيحتي محمّد و جميل.

و يردّ: بعدم دلالتهما على الحرمة، مضافا إلى احتمالهما التقيّة، كما صرح به جمع من الطائفة «6»، و صحيحة أخرى لمحمّد المتقدمة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 15- 51، الاستبصار 1: 416- 1595، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6.

(2) التهذيب 3: 15- 52، الاستبصار 1: 416- 1596، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 7.

(3) الفقيه 1: 269.

(4) المعتبر 2: 209.

(5) كالشهيد في الذكرى: 193، و الدروس 1: 175، و البيان: 162.

(6) كالشيخ في الاستبصار 1: 417، و صاحب المدارك 4: 90، و السبزواري في الذخيرة: 317، و صاحب الرياض 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 152

و للمحكي عن الحليّ، فمنعه إذا صلّيت فرادى «1»؛ للمروي في قرب الإسناد: عن رجل صلّى العيدين وحده و الجمعة، هل يجهر فيهما؟ قال: «لا يجهر إلّا الإمام» «2».

و يردّ: بعدم الحجيّة أوّلا، و المعارضة مع الأقوى منه ممّا مرّ ثانيا، و عدم الدلالة ثالثا لعدم صراحته في الظهر، إلّا أن يكون «وحده» قيدا للجمعة أيضا و هو غير معلوم، فيكون المعنى: أنّ في الجمعة لا يجهر غير الإمام، و هو كذلك

إذ لا قراءة على غير الإمام.

و الظاهر اختصاص استحباب الجهر بالقراءة في الأوليين؛ لانصراف القراءة إليهما.

و منها: المباكرة إلى المسجد للإمام و غيره

، و أن يكون مع سكينة و وقار، لابسا أفضل ثيابه، داعيا بالمأثور أمام التوجّه إلى المسجد؛ كلّ ذلك للمستفيضة من النصوص «3».

و منها: الاستطابة و التنظيف بأمور:
منها: التنوير

، ففي رواية حذيفة: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يطلي العانة و ما تحت الأليتين في كلّ جمعة» «4».

و في مرفوعة البرقيّ: يزعم الناس أنّ النورة يوم الجمعة مكروهة، فقال:

«ليس حيث ذهبت، أيّ طهور أطهر من النورة يوم الجمعة؟!» «5».

______________________________

(1) السرائر 1: 298.

(2) قرب الإسناد: 215- 842، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10.

(3) كما في الوسائل 7: باب 27 و 42 و 47 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها.

(4) الكافي 6: 507 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 14، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 2.

(5) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 10، الوسائل 7: 366 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 153

و أمّا مرسلة الفقيه: «إنّها يوم الجمعة تورث البرص» «1».

و مرسلة الريّان: «من تنوّر يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومنّ إلّا نفسه» «2».

فمحمولان على التقيّة كما تشعر به المرفوعة.

و يستفاد من الرواية الأولى استحباب التنوير في كلّ سبعة أيّام، بل في روايتي أبي بصير «3»، و خلف بن حمّاد «4»، ما يدلّ على رجحانه كلّ ثلاثة أيّام.

و يتأكّد الرجحان في كلّ خمسة عشر يوما، حتّى روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أحبّ للمؤمن أن يطلي في كلّ خمسة عشر يوما» «5».

و عن الصادق عليه السلام: «السنّة في النورة في كلّ خمسة عشر يوما» «6».

و يشتدّ التأكيد في عشرين حتّى روي: «فإن أتت

عليك عشرون يوما، و ليس عندك فاستقرض على اللَّه» «7».

و يكره شديدا ترك طلي العانة للرجال فوق أربعين يوما، و للنساء فوق عشرين، روي عن الصادق عليه السلام: قال: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يترك عانته فوق أربعين يوما، و لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه و اليوم الآخر أن تدع ذلك منها فوق عشرين يوما» «8».

______________________________

(1) الفقيه 1: 68- 267، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 4.

(2) الفقيه 1: 68- 268، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 38 ح 5.

(3) الكافي 6: 505 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 6، الوسائل 2: 69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 4.

(4) الكافي 6: 505 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 4، الوسائل 2: 70 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 6.

(5) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 8، الفقيه 1: 67- 258، الوسائل 2: 71 أبواب آداب الحمام ب 33 ح 3.

(6) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 9، الفقيه 1: 67- 259، الوسائل 2: 71 أبواب آداب الحمّام ب 33 ح 2.

(7) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 9، الفقيه 1: 67- 259، الوسائل 2: 71 أبواب آداب الحمّام ب 33 ح 2.

(8) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 11، الفقيه 1: 67- 260، الوسائل 2:

139 أبواب آداب الحمام ب 86 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 154

و طلي الإبطين أفضل من حلقهما، كما أنّ حلقهما أفضل من نتفهما كما ورد في الرواية «1».

و

روي عن الصادق عليه السلام: «إنّه من أراد أن يتنور فليأخذ من النورة و يجعله على طرف أنفه و يقول: اللّهم ارحم سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة، فإنّه لا تحرقه النورة» «2».

و يستحبّ بعد النورة الطلي بالحنّاء و روي: «أنّه من دخل الحمّام فاطلى ثمَّ أتبعه بالحناء من قرنه إلى قدمه، كان أمانا من الجنون و الجذام و البرص و الأكلة، إلى مثله من النورة» «3».

و في رواية اخرى «أنّه ينفي الفقر» «4».

و في رواية عبدوس: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام و قد خرج من الحمّام و هو من قرنه إلى قدمه مثل الورد من أثر الحنّاء «5».

و كذا يستحبّ أخذ الحنّاء بالأظافير بعدها، ففي رواية الحكم بن عتيبة:

«إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرها حتّى تشبه أظافير الموتى، فغيّرها بالحنّاء» «6».

بل لا يختصّ بما بعد النورة، ففي المرويّ في الخصال: «أربع من سنن المرسلين: العطر، و النساء، و السواك، و الحنّاء» «7».

و إطلاقه يقتضي استحباب الحنّاء في اليدين و الرجلين أيضا، و قد ورد في

______________________________

(1) كما في الوسائل 2: 136 أبواب آداب الحمام ب 85.

(2) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 13، الوسائل 2: 66 أبواب آداب الحمام ب 29 ح 1.

(3) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47 ح 1، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 1.

(4) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47 ح 3، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 2.

(5) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47 ح 4، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 3.

(6) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47

ح 2، الوسائل 2: 75 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 2.

(7) الخصال: 242- 93، الوسائل 2: 10 أبواب السواك ب 1 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 155

الأخبار أخذ الإمام الحنّاء بيديه «1» و أمّا ما في بعض الأخبار من خلافه «2» فإن دلّ فعلى التقيّة محمول؛ لأنّ تركه من عادة العامّة.

و كذا يستحبّ خضاب اللحية بالحنّاء و بالسواد، و استفاضت بهما الروايات «3».

و منها: غسل الرأس بالخطميّ

، فإنّه روي «أنّ غسل الرأس بالخطميّ في كلّ جمعة أمان من البرص و الجنون» «4» و في رواية ابن سنان: «من أخذ من شاربه و قلم أظفاره و غسل رأسه بالخطميّ في كلّ جمعة كمن أعتق نسمة» «5» و في رواية سفيان السمط: أنّ هذه الثلاث تنفي الفقر و تزيد في الرزق «6» و روي ذلك في الأخير خاصّة أيضا «7» و كذا في غسله بالسدر «8»، و روي: أنّه يجلي به الهمّ و يصرف وسوسة الشيطان سبعين يوما «9».

______________________________

(1) الوسائل 2: 75 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 1.

(2) الوسائل 2: 76 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 4.

(3) الوسائل 2: 88 أبواب آداب الحمام ب 45 و 46.

(4) الكافي 6: 504 الزيّ و التجمّل ب 44 ح 2، الفقيه 1: 71- 290، التهذيب 3:

236- 624، الوسائل 7: 354 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 32 ح 1.

(5) الكافي 6: 504 الزيّ و التجمّل ب 44 ح 4، التهذيب 3: 236- 623، الوسائل 7: 354 أبواب صلاة الجمعة ب 32 ح 2.

(6) الكافي 6: 504 الزيّ و التجمّل ب 44 ح 1، الوسائل 2: 60 أبواب آداب الحمام ب 25 ح 1.

(7) كما في ثواب الأعمال:

19، الوسائل 2: 61

(8) الوسائل 2: 62 أبواب آداب الحمام ب 26 ح 1.

(9) انظر: الوسائل 2: 62- 63 أبواب آداب الحمام ب 26 ح 2 و 4 و 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 156

و منها: حلق الرأس

، فقد روي: أنّ أبا عبد اللَّه عليه السلام كان يحلق في كلّ جمعة «1».

و لو لا ذلك لكفى اشتهاره بين الأصحاب في إثبات استحبابه.

و منها: أخذ الشارب

، ففي مرسلة الفقيه: «أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام» «2».

و في رواية عبد اللَّه بن هلال: «خذ من شاربك و أظفارك في كلّ جمعة، فإن لم يكن فيها شي ء فحكّها، لا يصيبنّك جنون و لا جذام و لا برص» «3».

و في رواية أبي بصير: ما ثواب من أخذ من شاربه و قلم أظفاره في كلّ جمعة؟ قال: «لا يزال مطهّرا إلى الجمعة الأخرى» «4».

و في رواية السكونيّ: «لا يطولنّ أحدكم شاربه، فإنّ الشيطان يتّخذه مخبأ يستتر به» «5».

و في رواية عبد الرحيم القصير: «من أخذ من أظفاره و شاربه كلّ جمعة و قال حين يأخذ: بسم اللَّه و باللَّه و على سنّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لم يسقط منه قلامة و لا جزازة إلّا كتب به عتق نسمة، و لا يمرض إلّا مرضه الذي يموت فيه» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 485 الزيّ و التجمّل ب 34 ح 7، الفقيه 1: 71- 286، الوسائل 2: 107 أبواب آداب الحمام ب 60 ح 7.

(2) الفقيه 1: 73- 306، الوسائل 7: 356 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 5.

(3) الكافي 6: 490 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 3، التهذيب 3: 237- 628، الوسائل 7: 357 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 11.

(4) الكافي 6: 490 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 8، الوسائل 7: 358 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 13.

(5) الكافي 6: 487 الزيّ و التجمّل ب 36 ح 11،

الفقيه 1: 73- 308، الوسائل 2: 114 أبواب آداب الحمام ب 66 ح 3.

(6) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 9، الفقيه 1: 73- 304، التهذيب 3: 237- 627، الوسائل 7: 362 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 35 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 157

و في رواية أبي كهمش بعد ذكر زيادة الرزق بالجلوس بعد صلاة الفجر:

«أ لا أعلّمك في الرزق ما هو أنفع من ذلك؟» قال، قلت: بلى، قال: «خذ من شاربك و أظفارك في كلّ جمعة» «1».

و قريبة منها رواية أخرى و فيها: «و لو بحكّها» «2» إلى غير ذلك.

و يستحبّ أيضا أخذ شعر الأنف، و روي أنّه يحسن الوجه «3».

و قطع الزائد من اللحية عن القبضة، كما ورد في المستفيضة «4». و الظاهر ابتداء القبضة من آخر الذقن كما قيل؛ للأصل، و لأنّه المتبادر.

و منها: تقليم الأظفار كما مرّ

، و في الصحيح: «تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمّن من الجذام و البرص و العمى، و إن لم تحتج فحكّها حكّا» «5».

و في خبر آخر: «فإن لم تحتج فأمر عليها السكّين و المقراض» «6».

و ورد في الأخبار استحبابه يوم الخميس أيضا، ففي رواية خلف: أنا أشتكي عيني، فقال: «ألا أدلّك على شي ء إن فعلته لم تشتك عينك؟» فقلت: بلى، فقال: «خذ من أظفارك في كلّ خميس» قال: ففعلت فما اشتكيت عيني إلى يوم أخبرتك» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 11، الوسائل 7: 359 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 16.

(2) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 12، الوسائل 7: 359 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 17.

(3) الكافي 6: 488

الزيّ و التجمّل ب 37 ح 1، الوسائل 2: 118 أبواب آداب الحمام ب 68 ح 1.

(4) الوسائل 2: 112 أبواب آداب الحمام ب 65.

(5) الكافي 6: 490 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 2، الفقيه 1: 73- 302، الوسائل 7: 355 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 1.

(6) الفقيه 1: 73- 303، الوسائل 7: 355 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 2.

(7) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 13، الوسائل 7: 360 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 158

و في مرسلة الفقيه: «من أخذ من أظفاره كلّ خميس لم يرمد هو و ولده» «1».

و يستحبّ في قصّ الأظافير أن يبدأ بالخنصر الأيسر ثمَّ يختم بالخنصر الأيمن، كما في مرفوعة ابن أبي عمير «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و غيرهما.

و يستحبّ دفن الظفر بعد قطعه، و كذا الشعر و الدم، كما في مرسلة الفقيه «4»، و غيرها.

و منها: الطيب

، فإنّه من أخلاق الأنبياء، و في رواية معمّر: «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كلّ يوم، فإن لم يقدر فيوم و يوم لا، و إن لم يقدر ففي كلّ جمعة و لا يدع» «5».

و الأخبار في الباب أكثر من أن يأتي عليها الكتاب.

و منها يظهر استحباب التطيّب في كلّ يوم.

و ممّا يستحبّ في كلّ يوم أيضا: تسريح اللحية و التمشّط فيها إجماعا، و استفاضت الروايات به، و في مرسلة الفقيه: «من سرّح لحيته سبعين مرّة و عدّها مرّة مرّة لم يقر به الشيطان أربعين يوما» «6».

و روي: «أنّه يجلب الرزق، و يحسّن الشعر، و ينجز الحاجة، و يزيد في ماء الصلب، و يقطع البلغم»

«7».

و روي: «أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يسرّح تحت لحيته أربعين

______________________________

(1) الفقيه 1: 74- 312، الوسائل 7: 360 أبواب صلاة الجمعة ب 34 ح 3.

(2) الكافي 6: 492 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 16، الوسائل 2: 135 أبواب آداب الحمام ب 83 ح 1.

(3) الفقيه 1: 73- 305، الوسائل 2: 135 أبواب آداب الحمام ب 83 ح 2.

(4) الفقيه 1: 74- 317 و 318، الوسائل 2: 128 أبواب آداب الحمام ب 77 ح 3 و 4.

(5) الكافي 6: 510 الزيّ و التجمّل ب 48 ح 4، الفقيه 1: 274- 1255، الوسائل 7: 364 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 37 ح 1.

(6) الفقيه 1: 75- 322، الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 1.

(7) روضة الواعظين: 308، الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 159

مرّة و من فوقها سبع مرّات» «1».

و يستحبّ التمشّط عند كلّ صلاة فريضة و نافلة، كما في رواية أبي بصير «2».

و يبدأ في التسريح من تحت اللحية إلى الفوق، و يقرأ إنّا أنزلناه، ثمَّ يسرّح من الفوق إلى التحت، و يقرأ و العاديات «3».

و يكره التمشّط قائما؛ للمستفيضة من الأخبار، و ورد أنّه يورث الفقر، و يوجب الدين و ضعف القلب «4».

و يستحبّ أيضا السواك و روي: أنّه من سنن المرسلين و أخلاق الأنبياء، و مطهرة للفم، و مرضاة للربّ، و مفرّحة للملائكة، و هو من السنّة، و يجلو البصر، و يشدّ اللثة، و يذهب بالبلغم و بالحفر «5» و هو صفرة الأسنان أو تقشير فيها أو بثرة تحت أصولها «6» و قد مرّ في

بحث الوضوء.

و ممّا يستحبّ في كل ليلة الاكتحال، و استفاضت به الأخبار «7».

و الأفضل أن يكون المجموع وترا بأن يكتحل في اليمنى أربعا و في اليسرى ثلاثا، أو اليمنى ثلاثا و اليسرى ثنتين، أو يكون كلّ واحد وترا، و قد روي كلّ ذلك «8».

و يستحبّ أن يكون ذلك عند المنام، و أن يكون الميل من الحديد، و الكحل من الإثمد، و هو حجر معروف يؤتى به الآن من مكّة، كذا قيل.

______________________________

(1) روضة الواعظين: 308، الوسائل 2: 127 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 3.

(2) تفسير العياشي 2: 13- 25، الوسائل 2: 122 أبواب آداب الحمام ب 71 ح 5.

(3) انظر: الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 4 و 5.

(4) انظر: الوسائل 2: 125 أبواب آداب الحمام ب 74.

(5) انظر: الوسائل 2: 5 أبواب السواك ب 1.

(6) البثر و البثور: خراج صغار، واحدتها: بثرة، و الخراج بضمّ المعجمة و كسرها و خفّة راء: ما يخرج في البدن من القروح و الورم. الصحاح 2: 584، مجمع البحرين 2: 294.

(7) انظر: الوسائل 2: 98 أبواب آداب الحمام ب 54.

(8) انظر: الوسائل 2: أبواب آداب الحمام ب 57 و 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 161

المطلب الثاني في صلاة العيدين: الفطر و الأضحى
اشارة

و الكلام إمّا في حكمها، أو شرائطها، أو وقتها، أو كيفيّتها، أو لواحقها، فهاهنا خمسة أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 163

البحث الأول في حكمها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: صلاة العيدين مشروعة ضرورة و كتابا و سنّة

، قال اللَّه سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «1».

و قال فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «2».

قال في الوافي: قد ورد في الأخبار أنّ الآية الأولى نزلت في زكاة الفطر و صلاة عيد الفطر، و الثانية نزلت في صلاة عيد الأضحى و نحر الهدي و الأضحيّة «3»، انتهى.

و في مرسلة الفقيه: عن قول اللَّه عز و جلّ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال:

من أخرج الفطرة» فقيل له وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: «خرج إلى الجبّانة فصلّى» «4».

و استفاضت الأخبار بمشروعيّتها، بل كونها فريضة كما يأتي.

المسألة الثانية: و هي واجبة في الجملة

، بإجماعنا المحقق و المحكيّ مستفيضا «5»، و أخبارنا المرويّة مستفيضة، بل في المعنى متواترة:

______________________________

(1) الأعلى: 14 و 15.

(2) الكوثر: 2.

(3) الوافي 9: 1283.

(4) الفقيه 1: 323- 1478، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4 و الجبّان و الجبّانة، بالتشديد: الصحراء- الصحاح 5: 2091.

(5) كما في المعتبر 2: 308، و المنتهى 1: 339، و التذكرة 1: 157، و الذكرى: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 164

ففي صحيحة جميل: «صلاة العيدين فريضة، و صلاة الكسوف فريضة» «1».

و في الأخرى: عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس» و قال: «صلاة العيدين فريضة» «2».

و نحوها رواية الشحّام «3».

و مرسلة ابن المغيرة: عن صلاة الفطر و الأضحى، فقال: «صلّها ركعتين في جماعة و غير جماعة، و كبّر سبعا و خمسا» «4».

و في الفقه الرضويّ: «و صلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة» «5».

صحيحة سعد: عن المسافر إلى مكّة و غيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر و الأضحى؟ قال: «نعم إلّا بمنى يوم النحر» «6».

و ابن سنان: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و

ليتطيّب بما وجد و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في الجماعة» «7» و إن كان في الاستدلال ببعض هذه الأخبار نظر يظهر وجهه ممّا يأتي، إلى

______________________________

(1) الفقيه 1: 320- 1457، الاستبصار 1: 443- 1711، الوسائل 7: 483 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 2.

(2) التهذيب 3: 127- 270، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 3: 127- 269، الاستبصار 1: 443- 1710، الوسائل 7: 420 صلاة العيد ب 1 ح 4.

(4) الفقيه 1: 320- 1461، التهذيب 3: 135- 294، الاستبصار 1: 446- 1724، الوسائل 7: 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 1.

(5) فقه الرضا «ع»: 132، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.

(6) الفقيه 1: 323- 1481، التهذيب 3: 288- 867، الاستبصار 1: 447- 1727، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد ب 8 ح 3.

(7) الفقيه 1: 320- 1463، التهذيب 3: 136- 297، الاستبصار 1: 444- 1716، الوسائل 7: 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 165

غير ذلك.

و أمّا ما في صحيحة زرارة: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة» «1».

فالمراد بها مقابل الفرض الثابت بالكتاب، و المعنى أنّ كونها مع الإمام سنّة، فلا ينافي ما مرّ من ثبوتها بالكتاب أيضا.

و هل يختصّ وجوبها بحال حضور الإمام أو من ينصبه، أو يعمّ حال الغيبة أيضا؟

الأوّل مذهب الأكثر، و في الذخيرة: عدم ظهور مصرّح بالوجوب في زمن الغيبة «2»، بل في روض الجنان و شرح الألفيّة الإجماع على انتفائه «3»، و عن الانتصار و الناصريّات و الخلاف و المعتبر و المنتهى و النهاية و التذكرة و غيرها:

الإجماع، أو عدم الخلاف في

اشتراط وجوبها بشروط الجمعة التي منها السلطان العادل عندهم «4».

للمعتبرة المستفيضة المصرّحة باعتبار الإمام، الظاهر في إمام الأصل، أو المحتمل له الموجب لخروج عمومات وجوبها عن الحجيّة في موضع الإجمال كما مرّ، كصحيحة زرارة في صلاة العيدين: «و من لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له، و لا قضاء عليه» «5».

و الأخرى: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلّا مع إمام» «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 320- 1458، التهذيب 3: 134- 292، الاستبصار 1: 443- 1712، الوسائل 7: 419 أبواب صلاة العيد ب 1 ح 2.

(2) الذخيرة: 318.

(3) روض الجنان: 299.

(4) الانتصار: 56، الناصريات (الجوامع الفقيه): 203، الخلاف 1: 251، المعتبر 2: 308، المنتهى 1: 342، نهاية الإحكام 2: 55- 56، التذكرة 1: 157، و انظر: الغنية (الجوامع الفقيه): 561، و التنقيح 1: 234، الرياض 1: 192.

(5) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129- 276، ثواب الأعمال 79، الوسائل 7: 423 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 10.

(6) ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 166

و الثالثة: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه» «1».

و صحيحة محمّد: عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى، فقال: «ليس صلاة إلّا مع إمام» «2».

و أبان: «إنّما صلاة العيدين على المقيم، و لا صلاة إلّا مع إمام» «3».

و موثّقة سماعة: «لا صلاة في العيدين إلّا مع إمام، فإن صلّيت وحدك فلا بأس» «4».

و في الفقه الرضويّ: «فإنّ صلاة العيدين مع الإمام مفروضة و لا تكون إلّا بإمام و خطبة» «5» إلى غير ذلك.

و لا دلالة

بل و لا إشعار في تنكير الإمام و لا في مقابلة الجماعة بالوحدة في جملة منها على كون المراد من الإمام فيها مطلق إمام الجماعة، مع أنّه في بعض منها عرّف باللام.

و مع ذلك معارض بموثّقة سماعة: متى يذبح؟ قال: «إذا انصرف الإمام» قلت: فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة؟ فقال: «إذا استقلّت الشمس» و قال: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلّا مع إمام» «6». حيث أثبتت الجماعة مع نفي الإمام.

مضافا إلى بعض ما مرّ في اشتراط وجوب صلاة الجمعة بهذا الشرط من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    167     المسألة الثانية: و هي واجبة في الجملة ..... ص : 163

____________________________________________________________

(1) التهذيب 3: 128- 273، الاستبصار 1: 444- 1714، ثواب الأعمال 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 3: 128- 275، الاستبصار 1: 444- 1715، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 4.

(3) التهذيب 3: 387- 862، الوسائل 7: 422 أبواب العيد ب 2 ح 7.

(4) الفقيه 1: 320- 1459، التهذيب 3: 128- 274، الاستبصار 1: 445- 1719، ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 5.

(5) فقه الرضا «ع»: 131، مستدرك الوسائل 6: 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1.

(6) التهذيب 3: 287- 861، الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 167

الأصول، و عبارة الصحيفة «1»، و رواية عبد اللَّه بن دينار: «ما من عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلّا و هو يجدّد لآل محمّد فيه حزنا» قلت: و لم ذلك؟ قال: «لأنّهم

يرون حقّهم في يد غيرهم» «2».

و يمكن القدح: أمّا في روايات اعتبار الإمام، فبأنّها ظاهرة في نفي المشروعيّة بدونه و هم لا يقولون به، و الأخبار- كما تأتي- مصرّحة بخلافه، بل الإجماع منعقد على المشروعيّة. و الحمل على نفي الوجوب تجوّز ليس بأولى عن الحمل على نفي الكمال. و أقربيّته عن نفي الحقيقة و وجوب الحمل على الأقرب ممنوع.

و أمّا في عبارة الصحيفة فبعدم الصراحة.

و أمّا في رواية ابن دينار، فبأنّ الحقّ كما يمكن أن يكون اختصاص الوجوب بالحضور بجماعة الإمام، يمكن أن يكون اختصاص الكمال به، فإنّهم إذا رأوا حضور الناس بصلاة المخالف معتقدا أنّه الأكمل يرون حقّهم في يد غيرهم.

و الثاني- كما قيل «3»- لجماعة من متأخّري المتأخرين، و مال إليه في البحار «4»، و استظهره في الكفاية «5»، و اختاره شيخنا صاحب الحدائق، و عزاه الى كل من يقول بوجوب صلاة الجمعة عينا في زمن الغيبة «6» و فيه نظر.

و استدلّوا بالإطلاقات المتقدّمة.

و المروي في ثواب الأعمال: في صلاة العيد: «فأمّا من كان إمامه موافقا لمذهبه و إن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك حتّى تزول

______________________________

(1) راجع ص 30.

(2) الكافي 4: 169 الصيام ب 28 ح 2، الفقيه 1: 324- 1484 رواها مرسلة، التهذيب 3:

289- 870 و فيه عن عبد اللَّه بن ذبيان، الوسائل 7: 475 أبواب صلاة العيد ب 31 ح 1.

(3) في الحدائق 10: 203، و الرياض 1: 193.

(4) البحار 87: 354.

(5) الكفاية: 21.

(6) الحدائق 10: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 168

الشمس» «1».

و أجابوا عن أخبار اعتبار الإمام: بشمولها لإمام الجماعة.

و يردّ: بمنع الإطلاق، فإنّ غاية ما دلّت عليه الأخبار كون صلاة العيد

فريضة، و لا كلام فيه، و أمّا وجوبها على كلّ أحد في كلّ حال فلا. ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال: الجهاد فريضة، مع أنّه ليس بواجب على الإطلاق، و كذا الزكاة مع أنّها مشروطة بشروط.

و اقتران صلاة العيد في بعضها بصلاة الكسوف- الواجبة مطلقا- لا يفيد؛ لأنّ وجوبها مطلقا أيضا بدليل خارج.

و القول بأنّ حمل الطبيعة الكليّة يقتضي اتّصاف كلّ فرد منها بالوجوب- كما في الذخيرة «2»- فاسد جدّا بوجوه شتّى.

نعم ظاهر روايات ابن المغيرة و سعد و ابن سنان «3» الإطلاق، و لكنّها ليست للوجوب قطعا؛ لعدم وجوبها على المنفرد و المسافر إجماعا.

و أمّا المنقول عن ثواب الأعمال فهو من كلام الصدوق لا جزء الرواية، و مع ذلك لا دلالة له على الوجوب مع إمام غير مفترض الطاعة، فيمكن أن يكون الإتيان بها معه من باب الاستحباب، مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون ذلك الإمام منصوب السلطان لصلاة العيد و الجمعة.

أقول: و بما ذكرنا ظهر ضعف مستند الفريقين، و إن كان الحقّ مع الأوّل، لا لما ذكروه، بل للأصل السالم عن المعارض المعلوم في غير موضع الإجماع، فلا تجب إلّا مع الإمام أو منصوبه الخاصّ.

و يؤيّده بل يدلّ عليه: استئذان الناس عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في أن يخلّف رجلا أو يأمره بأن يصلّي لبقيّة الناس و عدم قبوله كما في صحيحة

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 78.

(2) الذخيرة: 318.

(3) راجع ص 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 169

محمّد «1»، و المرويّات عن دعائم الإسلام «2»، و [المحاسن ] «3» و كتاب عاصم بن حميد «4».

المسألة الثالثة: و إذا عرفت عدم وجوبها في زمان الغيبة، فهل تستحبّ مطلقا جماعة أو فرادى كما عن الأكثر؟.
اشارة

أو الأوّل خاصّة؟ كما هو ظاهر الحلّي، بل عليه حمل كلام الأصحاب «5».

أو الثاني كذلك؟ كما عن المقنعة و

المبسوط و التهذيب و الناصريّات و جمل العلم و العمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و الخلاف و الحلبيّ «6»، و جماعة من متأخّري المتأخّرين «7»، و إن جوّز بعض المتأخّرين إرادة هؤلاء جميعا غير الحلبيّ الوحدة عن الإمام «8»، كما قيل في بعض أخبار الجمعة فيشمل الجماعة أيضا. و قيل: مرادهم الفرق بينها و بين الجمعة باستحباب صلاتها منفردة بخلاف الجمعة، كما نصّ به في المراسم «9».

أو لا تستحبّ مطلقا؟ كما عن المقنع و العمانيّ «10».

الحقّ هو الأوّل.

______________________________

(1) التهذيب 3: 137- 302، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 9.

(2) دعائم الإسلام 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 2.

(3) في النسخ: المجالس، و الظاهر هو سهو من النساخ، انظر: المحاسن: 222.

(4) حكاه عنه في البحار 87: 373- 26.

(5) السرائر 1: 315.

(6) المقنعة: 194، المبسوط 1: 171، التهذيب 3: 135، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، الاقتصاد: 270، المصباح: 598، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 74، الخلاف 1: 664، الحلبي في الكافي في الفقه: 154.

(7) كصاحبي المدارك 4: 97، و الحدائق 10: 220.

(8) الرياض 1: 193.

(9) المراسم: 78.

(10) المقنع: 46، حكاه عن العماني في المختلف 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 170

أمّا استحباب الجماعة، فلعمل الأكثر، و دعوى الإجماع صريحا من الحليّ «1»، و ظاهرا من الراونديّ و المختلف «2»، و هما كافيان في مقام الاستحباب.

و تقرير الإمام في موثّقة سماعة الثانية «3»، و عموم رواية الحلبيّ: «في صلاة العيدين، إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»

«4».

و قد يستدلّ أيضا بمرسلة ابن المغيرة السابقة «5».

و فيه: أنّه إنّما يتمّ إذا علم أنّ المقصود بالذات فيها قيد في جماعة و غير جماعة، لا قيد ركعتين. مع أنّه لو لم يحمل على ذلك لكان إطلاقها مخالفا للإجماع؛ لأنّ التخيير المستفاد منه حينئذ مخصوص بصورة فقد الشرائط، و إلّا فمع اجتماعها تجب الجماعة إجماعا، فلا بدّ فيه من مخالفة للظاهر، و هي كما تحتمل أن تكون ما ذكر، تحتمل أن تكون ما مرّ.

و أمّا استحباب الانفراد فللشهرة، و المرسلة، و صحيحة ابن سنان، و موثّقتي سماعة المتقدّمة «6»، و موثّقة الحلبيّ: عن الإمام لا يخرج يوم الفطر و الأضحى، أ عليه صلاة وحده؟ فقال: «نعم» «7».

احتجّ للثاني: بصحيحتي زرارة المتقدّمتين النافيتين للصلاة بدون الإمام في جماعة «8»، بل ما ينفيها بدون الإمام مطلقا.

______________________________

(1) السرائر 1: 316.

(2) المختلف: 113، و حكاه عن الراوندي أيضا.

(3) المتقدّمة في ص 166.

(4) الفقيه 1: 331- 1489، الوسائل 7: 482 أبواب صلاة العيد ب 39 ح 1.

(5) في ص 164.

(6) في ص 164- 166.

(7) التهذيب 3: 136- 299، الاستبصار 1: 444- 1717، الوسائل 7: 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 2.

(8) راجع ص 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 171

و رواية ابن قيس: «إنّما الصلاة يوم العيدين على من خرج إلى الجبّانة، و من لم يخرج فليس عليه صلاة» «1».

و الغنويّ و فيها: أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أ يصلّي في بيته؟

قال: «لا» «2».

و الجواب عن الأوّل بما يأتي، مع أنّه لو حمل الإمام على المعصوم نفي الجماعة أيضا.

و عن الثاني: بأنّه يدلّ على نفي الوجوب عن المنفرد و هو مسلّم، مع أنه نفى الصلاة

عن غير الخارج إلى الجبّانة و إن كانت جماعة، و هو لا يقول به، فالحمل على ما ذكرنا متعيّن.

و عن الثالث: بأنّه محتمل لإرادة نفي الوجوب، حيث إنّه ليس سؤالا عن الوقوع الذي هو حقيقته، و مجازه كما يمكن أن يكون جواز الصلاة يمكن أن يكون وجوبها، مع أنّ المسؤول عنه أعمّ من الجماعة و الانفراد، و التخصيص بالأخير ليس بأولى ممّا ذكرنا.

و للثالث «3»: بروايات نفي الصلاة بدون إمام الأصل، خرج الانفراد بأدلّته فيبقى الباقي.

و بأصالة عدم جواز الجماعة في النوافل لأخبار المنع «4».

و بمفهوم قوله «فإن صلّيت وحدك» في موثّقة سماعة الاولى «5».

و بعدم جوابه بقوله: نعم، و الاكتفاء ببيان وقت الذبح بعد ما سئل فيها

______________________________

(1) التهذيب 3: 285- 851، الاستبصار 1: 445- 1720، الوسائل 7: 423 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 9.

(2) الفقيه 1: 321- 1464، التهذيب 3: 288- 864، الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 8.

(3) أي: احتجّ للقول الثالث، و هو استحباب صلاة العيدين فرادى خاصّة.

(4) انظر: الوسائل 8: 45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 و ص 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.

(5) المتقدّمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 172

عن فعلها جماعة حيث لم يكن إمام الأصل [في موثّقة الثانية] «1».

و الاقتصار على الأمر بالانفراد في صورة عدم شهود جماعة الناس في صحيحة ابن سنان المتقدّمة «2».

و النهي في موثّقة الساباطي: هل يؤمّ الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ قال: «لا يؤمّ بهنّ و لا يخرجن و ليس على النساء خروج» «3». و لا قائل بالفرق بين الإمامة للأهل و غيرهم.

و الجواب عن الأوّل:

بخروج الجماعة أيضا بأدلّتها السابقة.

فإن

قلت:

لو خرج معه الانفراد أيضا، لزم خروج جميع الأفراد، و إلّا لزم ترجيح المرجوح؛ لأظهريّة أدلّة خروج الانفراد و أكثريّتها و أصرحيّتها.

قلت

- مع أنّه يمكن أن يكون المراد بالصلاة وحده صلاتها مع غير الإمام و لو في جماعة، كما مرّ في توجيه قول القائلين بهذا القول، فتشمل أدلّة الانفراد للجماعة أيضا، و تزيد الجماعة بأدلّتها، و لا يلزم ترجيح المرجوح-:

إنّ على تقدير إخراج الانفراد خاصّة أيضا يلزم خروج الأكثر؛ لخروجه و خروج الجماعة مع منصوب الإمام، و لا شكّ أنّهما أكثر بكثير من الصلاة مع إمام الأصل، و هو أيضا غير جائز، فيتعيّن إخراج الكلام عن الحقيقة الّتي هي نفي الصلاة، بل عن حمله على نفي الصحّة أيضا و الحمل على نفي الوجوب أو الكمال، فلا ينافي استحباب شي ء من الجماعة أو الانفراد.

و عن الثاني:

بأنّ أدلّة المنع عن الجماعة في النوافل- لو سلّم شمولها لهذه أيضا- لكانت عامّة بالنسبة إلى ما ذكرنا، فتخصّص به، كما خصّصت صلاة الاستسقاء أيضا.

و عن الثالث:

مع ما ذكر من احتمال شموله للجماعة أيضا، بأنّه مفهوم

______________________________

(1) أضفناه لاقتضاء السياق، راجع ص 166.

(2) في ص 164.

(3) التهذيب 3: 289- 872، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 173

وصف لا حجيّة فيه. و إن كان نظره إلى عموم مفهوم «إن صلّيت» فلا يمكن إبقاء البأس حينئذ على معناه؛ لأنّه لا يقول بثبوت العذاب مع عدم الصلاة.

و عن الرابع:

بمنع كونه سؤالا عن فعلها جماعة، بل هو إخبار عنه كما هو حقيقته. مع أنّه على ما ذكرنا من احتمال شموله للجماعة المنفردة عن الإمام أيضا لما كان اكتفاء ببيان وقت الذبح خاصّة.

و عن الخامس:

مع ما ذكر

من احتمال الشمول، بعدم منافاة استحباب أمر لاستحباب غيره، و عدم وجوب التعرض لكلّ مستحبّ في كلّ خبر، مع أنّ جماعة الناس أعمّ من الواجب و المستحبّ، فيدلّ على استحباب الجماعة أيضا.

و عن السادس:

بجواز أن يكون المراد نفي الجماعة بهنّ إذا اجتمعت الشرائط الموجبة على الرجل، فإنّه يجب حينئذ عليه حضور الجماعة. أو يكون المراد المرجوحيّة الإضافية التي هي أحد مجازات الجملة المنفيّة؛ لجواز أن يكون الخروج إلى الصحراء و شهود عيد الناس أرجح من ذلك. أو نفي تأكّد الجماعة في حقّ النسوة كما عن الذكرى «1»، و يشعر به التعرض في ذيله لخروجهنّ أيضا.

و للرابع «2»: بالنصوص المتقدّمة المتضمّنة لأنّه لا صلاة إلّا مع إمام «3»، و رواية الغنويّ السابقة «4»، و قد مرّ جوابهما.

فرع: المستفاد من إطلاق الأخبار و مقتضى ظواهر كلمات كثير من الأصحاب التخيير بين الجماعة المستحبّة و الانفراد.

و قال في الذخيرة: المشهور بين الأصحاب استحباب هذه الصلاة منفردا مع تعذّر الجماعة «5».

______________________________

(1) الذكرى: 238.

(2) أي: احتجّ للقول الرابع، و هو عدم استحباب صلاة العيدين مطلقا.

(3) راجع ص 166.

(4) في ص 171.

(5) الذخيرة: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 174

فإن أراد الجماعة الواجبة كما هو الظاهر، فلا كلام فيه، و إلّا فلا دليل على هذا التقييد.

ثمَّ من أراد الاحتياط في زمن الغيبة فهل هو في فعلها جماعة كما في الذخيرة «1»، أو فرادى كما قيل «2»، أو في تركها؟

الظاهر هو الأوّل، و يظهر وجهه ممّا في صلاة الجمعة قد مرّ.

______________________________

(1) الذخيرة: 319.

(2) الرياض 1: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 175

البحث الثاني في بيان شرائطها، و من تجب عليه أو تستحبّ

اعلم أنّه لا شكّ في اشتراطها عند وجوبها بشرائط، و إن اختلفوا فيها، فمنهم من صرّح باشتراطها بشرائط الجمعة «1»، و منهم من نقص عنها «2».

و كذا لا شكّ في عدم وجوبها- على القول به- على من لا تجب عليه الجمعة كلا أو بعضا.

و لسقوط القول بوجوبها في هذه الأزمان عندنا لا فائدة مهمّة في التعرض لذلك.

و أمّا استحبابها جماعة أو فرادى، فظاهر الأكثر عدم اشتراطها صحّة أو استحبابا بهذه الشروط، بل تستحبّ بلا قيد، و على كلّ مكلّف تصحّ منه الصلاة.

و يدلّ عليه الأصل، لا أصل العدم- كما قيل- لأنّه مع الاشتراط، بل الأصل الإطلاقي. و هو في الانفراد ظاهر؛ لإطلاق أخباره.

و أمّا الجماعة و إن لم يكن ما يدلّ عليها من الأخبار مطلقة إلّا أنّ فتوى الأكثر و الإجماع المنقول مطلقان، بل و كذا رواية الحلبيّ «3» بالنسبة إلى غير العدد.

فلا ينبغي الريب في عدم اشتراط غير العدد، لا في الصحة و لا في الاستحباب. بل في عدم

اشتراطه أيضا؛ لإطلاق الأوّلين و إن كان ظاهر بعض المتأخّرين اشتراطه مع الاستحباب في الجماعة أيضا.

______________________________

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 169، و الخلاف 1: 664، و الحلي في السرائر 1: 315، و المحقّق في الشرائع 1: 100، و المعتبر 2: 309.

(2) كالعلامة في القواعد 1: 39، و التذكرة 1: 157.

(3) انظر: ص 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 176

و لا يضرّ مفهوم الرواية؛ لاحتمال كون الجملة الخبريّة للوجوب، فيكون المنفيّ في المفهوم عند انتفاء العدد الوجوب. و لا التشبيه بالجمعة فيها؛ لعدم ثبوت عمومه حتّى بالنسبة إلى الشرائط الخارجيّة.

كما لا يضرّ في المسافر: صحيحة أبان المتقدّمة «1»، و الفضيل: «ليس في السفر جمعة و لا فطر و لا أضحى» «2».

و لا في المرأة: موثّقة الساباطيّ السابقة «3»، و صحيحة ابن سنان: «إنّما رخص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرّض للرزق» «4».

و رواية محمّد بن شريح: عن خروج النساء في العيدين، فقال: «لا، إلّا عجوز عليها منقلاها» يعني الخفّين «5».

و لا في المريض: رواية الغنويّ المذكورة «6».

و لا في الخمسة: الرضويّ: «و صلاة العيدين واجبة مثل صلاة الجمعة إلّا على خمسة: المريض، و المملوك، و المرأة، و الصبيّ، و المسافر» «7».

لظهور بعضها في نفي الوجوب، و احتمال بعض آخر له.

و لا في تعدّدها فيما دون الفرسخ: عدم نصب أمير المؤمنين عليه السلام من يصلّي بمن بقي في البلد من الضعفاء، معتذرا بأنّي لا أخالف السنّة «8»؛ لعدم صراحته في الحرمة مع كون الصلاة حينئذ واجبة.

______________________________

(1) في ص 166.

(2) التهذيب 3: 289- 868، الاستبصار 1: 446- 1726، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد ب 8 ح 4.

(3) في

ص 172.

(4) التهذيب 3: 287- 858، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 1.

(5) الكافي 5: 538 النكاح ب 86 ح 1، الوسائل 7: 472 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 3.

(6) في ص: 171.

(7) فقه الرضا «ع»: 132، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.

(8) راجع ص 169. الرقم (1).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 177

و لا بالنسبة إلى الخطبة: المرويّ في العلل و العيون: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة» «1».

و الرضويّ: «صلاة العيد مع الإمام فريضة، و لا تكون إلّا بإمام و خطبة» «2».

و ذكرهم الخطبتين في بيان كيفيّة الصلاة، حيث إنّ ظاهر ذكر شي ء في بيان كيفيّة شي ء جزئيته له أو شرطيته.

لأنّ الجعل في الأولى أعمّ من الشرطيّة، فيصحّ أن يقال: جعل التعقيب بعد الصلاة و الأذان قبلها.

و النفي في الثاني راجع إلى الوجوب أو الكمال، كما مرّ.

و منع ذكر الخطبتين في بيان كيفيّة الصلاة، بل أكثر الأخبار المثبتة لها خالية عنها، و ما تعرّض فيه لها لم يزد على أن قال: الخطبة بعد الصلاة.

هذا كلّه مضافا إلى التصريح بالثبوت- مع انتفاء بعض الشروط- في الأخبار، كصحيحة سعد المتقدّمة المصرّحة بثبوتها للمسافر «3».

و المرويّ في قرب الإسناد: عن النساء هل عليهنّ صلاة العيد؟ قال:

«نعم» «4».

و في الذكرى، عن كتاب إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، بإسناده إلى عليّ عليه السلام: أنّه قال: «لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين، فهو عليهنّ واجب» «5».

الدالّين على ثبوتها للمرأة.

و صحيحة منصور: «مرض أبي يوم الأضحى، فصلّى في بيته ركعتين ثمَ

______________________________

(1) العلل: 265، العيون 2: 110، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد

ب 11 ح 12.

(2) فقه الرضا «ع»: 131، مستدرك الوسائل 6: 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1.

(3) راجع ص 164.

(4) قرب الإسناد: 224- 871 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 473 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 6.

(5) الذكرى: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 178

ضحّى» «1».

و دلالة بعض هذه الأخبار على الوجوب غير مفيد للقائل به؛ لأنّه بين معارض بمثله المانع عن إثباته الحكم، و ضعيف غير صالح لدفع الأصل.

______________________________

(1) الفقيه 1: 320- 1462، التهذيب 3: 136- 300 و 288- 865، الاستبصار 1:

445- 1718، الوسائل 7: 425 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 179

البحث الثالث في وقتها
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: مبدأ وقتها طلوع الشمس من يوم العيد، و منتهاه زوالها فيه

، وفاقا للمشهور، بل في الذخيرة: أنّ الظاهر أنّه اتّفاقيّ «1»؛ و نقل فيه اتّفاقهم عليه عن النهاية أيضا «2»، بل في شرح القواعد و عن التذكرة: الإجماع عليهما «3»، و عن المنتهى علي الثاني «4».

أمّا الأوّل، فللإطلاقات المقتضية لصحّة فعلها في أيّ وقت كان، خرج قبل الطلوع بالإجماع فبقي الباقي. أو لأنّ مقتضى إضافة الصلاة إلى يوم العيد في الأخبار المتضمّنة لانتسابها إليه- و ليس المراد إلّا نسبة الفعل فيه- وقوعها فيه، و الأصل عدم توقيت آخر، خرج ما بين الطلوعين إمّا بالإجماع، أو لعدم صدق المبدأ عرفا إلّا بطلوع الشمس.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح و السرائر، فقالوا: وقتها انبساط الشمس و ارتفاعها «5»؛ للأصل، و الاستصحاب.

و يندفعان بالإطلاق.

______________________________

(1) الذخيرة: 320.

(2) نهاية الإحكام 2: 56.

(3) جامع المقاصد 2: 451، التذكرة 1: 157.

(4) المنتهى 1: 343.

(5) النهاية: 134، المبسوط 1: 169، الاقتصاد: 270، الكافي في الفقه: 153، الغنية (الجوامع الفقهية): 561، الوسيلة (: 111)، السرائر 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 180

و أمّا الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ الطلوع وقت الخروج إليها «1»، فلا تصلح دليلا لشي ء من القولين، و إن تمسّك بعضهم «2» بها للأوّل، سيّما بما تضمّن أنّ «أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا» «3» حيث إنّ الأذان إعلام بدخول الوقت.

و فيه: منع كون الأذان حقيقة فيما ذكر، و إنّما هو إعلام فيمكن أن يكون إعلاما لدخول وقت مقدّماتهما المستحبّة، و يكفي أدنى ملابسة في الإضافة.

و آخر «4» للثاني، حيث إنّه إذا كان وقت الخروج الطلوع يتأخّر وقت الصلاة عنه.

و فيه- مع كونه أخصّ من المدّعى، إذ

قد لا يمتدّ زمان الخروج إلى وقت الانبساط-: أنّها لا تدلّ على عدم جواز الصلاة أوّل الطلوع لمن لا يخرج بوجه.

و أمّا الثاني «5»، فلمثل ما مرّ أيضا، مضافا إلى الاستصحاب، بإخراج ما بعد الزوال و قطع الاستصحاب فيه بالإجماع. بل إلى الإجماع «6»؛ لعدم قدح مخالفة من سيأتي فيه.

و قد يستدلّ لذلك بصحيحة محمّد بن قيس: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار «7» في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل الزوال، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بالإفطار في ذلك

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18 و ص 473 أبواب صلاة العيد ب 29.

(2) كصاحب الرياض 1: 194.

(3) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129- 276، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 261، فتمسّك هو بالأخبار الدالة على أنّ الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة، للقول الثاني، و هو: أول وقتها انبساط الشمس

(5) أي: الجزء الثاني من أصل المسألة، و هو: آخر وقتها زوال الشمس في يوم العيد.

(6) أي: بل مضافا إلى الإجماع.

(7) زاد في الكافي: «و صلّى».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 181

اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد» «1».

قيل: دلّت على الفوات بعد الزوال، و إلّا لما كان للتأخير إلى الغد وجه.

و على الامتداد إليه؛ لظهور الشرطيّتين فيها في سقوط قوله: و صلّى بهم بعد قوله «في ذلك اليوم» في الشرطيّة الاولى، و إلّا للغتا طرّا، فلا وجه للتفصيل بهما بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار «2».

و يرد على الأوّل: أنّ المراد بالفوات بعد الزوال فوات وقتها

مطلقا، لا وقتها في ذلك اليوم فقط، فالصحيح دالّ على خلاف المطلوب. مع أنّ الصلاة في الغد غير معمول به عند المستدلّ، فهذا الجزء في حكم السقوط عنده، فلا يصلح دليلا لشي ء، و دلالته التبعيّة على ترك الصلاة بعد الزوال فرع بقاء متبوعه.

و على الثاني: أنّ مقتضى ذكر الشرطيّتين سقوط شي ء في الشرطيّة الاولى، و أمّا أنّه هو: و صلّى بهم فلا دليل عليه، فلعلّه: و صلّى بهم بعد الزوال، أو:

و سقطت الصلاة، أو: و قضى الصلاة «3». و دعوى الإجماع المركّب هنا باطلة جدّا.

و يحتمل أن يكون قوله: «و أخّر الصلاة» مستأنفة، و كان حكما للصورتين، لا معطوفة على الجزائيّة الثانية، و تكون فائدة التفصيل أمرا غير معلوم لنا سقط من البين.

و عليهما: أنّه لأحد أن يقول: إنّ غاية ما يدلّ عليه، الامتداد إلى الزوال و الفوات به في الصورة المذكورة فيها، فيجوز أن ينتهي بما قبل الزوال، أو يبقى بعد الزوال في غير هذه الصورة، فلا يثبت بها الحكم كليّا. فتأمّل.

خلافا لبعض مشايخنا، فقال بعدم امتداد وقتها إلى الزوال، بل اختصاصه

______________________________

(1) الكافي 4: 169 الصيام ب 27 ح 1، الفقيه 2: 109- 267، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 1.

(2) انظر: الرياض 1: 194.

(3) قد ذكرنا أنّ في الكافي زيادة «و صلّى» في الشرطية الاولى، فلا وجه لهذه الاحتمالات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 182

بصدر النهار «1»، و عزاه إلى ظاهر الشيخين «2».

للأخبار المشار إليها المتضمّنة لأنّه إذا طلعت الشمس خرجوا «3»، و أنّ الغدوّ إلى الصلاة بعد الطلوع «4»، و أنّ الحجج خرجوا بعده «5».

و إطلاق المرفوعة: «إذا أصبح الناس صياما و لم يروا الهلال، و جاء قوم

عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا و ليخرجوا من الغد أوّل النهار إلى عيدهم» «6» خرج عنه أوّل النهار بالإجماع، فيبقى الباقي.

و المرويّ في الدعائم: في القوم لا يرون الهلال، فيصبحون صياما، حتى مضى وقت صلاة العيد من أوّل النهار، فيشهد شهود عدول أنّهم رأوه من ليلتهم الماضية، قال: «يفطرون و يخرجون من غد، فيصلّون صلاة العيد من أوّل النهار» «7».

و يردّ الأوّلان:

بأنّ مقتضاهما دخول الوقت بالطلوع، لا انحصار وقته بالزمان المتّصل به أو القريب منه.

و الثانيان:

بعدم الحجيّة؛ لمخالفتهما الشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، مضافا إلى ضعف ثانيهما في نفسه، و احتمال أوّل النهار فيه نصفه الأوّل لا جزأه الأوّل.

المسألة الثانية: من فاتته صلاة العيد في وقتها فليس عليه قضاء

، سواء كان ممّن وجبت عليه الصلاة أو استحبّت؛ لصحيحتي زرارة المتقدّمتين في البحث

______________________________

(1) الحدائق 10: 227.

(2) المفيد في المقنعة: 194، و الطوسي في المبسوط 1: 169.

(3) راجع ص 180.

(4) انظر: الوسائل 7: 452 و 473 ب: 18 و 29 أبواب صلاة العيد.

(5) انظر: الوسائل 7: 452 و 453 ب: 18 و 19 أبواب صلاة العيد.

(6) الكافي 4: 169 الصيام ب 27 ح 2، الفقيه 2: 110- 468، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 2.

(7) الدعائم 1: 187، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 183

الأوّل «1»، و بهما تخصّص عمومات موجبات قضاء الصلوات الفائتة، مضافا في صورة الاستحباب إلى اختصاصها بالصلوات الواجبة، و عدم تعقّل وجوب قضاء المستحبّ.

و أمّا رواية أبي البختريّ: «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا» «2».

فشاذّة؛ إذ لم يعمل بها إلّا شاذّ في صورة مخصوصة، و مع ذلك بما مرّ معارضة، و لقول جمع من العامّة موافقة «3»، و

لإرادة الظهر محتملة و إن كانت بعيدة.

و من لا يجب القضاء عليه لا يستحبّ أيضا؛ للأصل السالم عن المعارض حتّى فتوى الحلّي «4»، و إن نسب استحباب القضاء إليه «5»، و لكن كلامه ليس صريحا فيه، كما يظهر للمتأمّل فيه «6». و عمومات قضاء النوافل بين ظاهرة و صريحة في اليوميّة، فلا تفيد فيمن تستحبّ له الصلاة.

إلّا إذا كان الفوات لأجل عدم ثبوت العيد إلّا بعد خروج الوقت، فيستحبّ القضاء في الغد، سواء كان ممّن تجب عليه الصلاة أو تستحبّ؛ لصحيحة محمّد بن قيس و المرفوعة و الدعائميّ، المتقدّمة «7»، وفاقا للمحكيّ عن الصدوق و الكلينيّ و الإسكافيّ «8».

______________________________

(1) في ص 165- 166.

(2) التهذيب 3: 135- 295، الاستبصار 1: 446- 1725، الوسائل 7: 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.

(3) انظر: بداية المجتهد 1: 224، و مغني المحتاج 2: 244، و الإنصاف 2: 433.

(4) السرائر 1: 318.

(5) كما في الحدائق 10: 231.

(6) قال في السرائر: و ليس على من فاتته صلاة العيدين قضاء واجب و إن استحبّ له أن يأتي بها منفردا.

(7) في ص 181- 182.

(8) الصدوق في الفقيه 2: 109، الكليني في الكافي 4: 169، حكاه عن الإسكافي في المختلف:

114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 184

و مال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين، بل ظاهرهم الوجوب «1».

و لكن الروايات عن إفادته قاصرة: أمّا غير المرفوعة فظاهر؛ لمكان الجملة الخبريّة، مع ضعف الدعائميّ. و أمّا هي فلأنّها و إن تضمّنت الأمر، و لكن الخروج ليس بواجب إجماعا، فيتردّد بين التجوّز في المادة أو الهيئة، و لا ترجيح.

و لكن الظاهر اختصاص ذلك بعيد الفطر؛ لاختصاص الروايات. و لا يلزم خرق إجماع؛ إذ ظاهر الشيخين الكلينيّ

و الصدوق أيضا الاختصاص «2».

و إلّا إذا كان ممّن تجب عليه و لحق خطبة الإمام، فيستحبّ له الجلوس حتّى يسمع الخطبة، ثمَّ يقوم فيصلّي و إن كان بعد الزوال؛ لإطلاق صحيحة زرارة:

أدركت الإمام على الخطبة، قال: «تجلس حتّى يفرغ من خطبته، ثمَّ تقوم فتصلّي» «3».

و التخصيص بمن تجب عليه للفظ الإمام، و الحكم بالاستحباب لمقام الجملة الخبريّة.

خلافا في الأوّل في صورة وجوب الصلاة لمحتمل المحكيّ في الروضة عن بعضهم، فحكم بالقضاء «4». و قائله كمستنده غير معلوم، إلّا أن يستند إلى عمومات القضاء. و يجاب بما مرّ.

و للمحكيّ عن عليّ بن بابويه، و الإسكافي و المقنعة و الوسيلة، فحكموا بوجوب القضاء إذا لحق الخطبتين «5»؛ للصحيح المتقدّم. و هو على الوجوب غير دالّ، كما أنّ كلام هؤلاء في القضاء غير صريح.

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 320، و الحدائق 10: 231، و الرياض 1: 194.

(2) الكليني في الكافي 4: 169، الصدوق في الفقيه 2: 109.

(3) التهذيب 3: 136- 301، الوسائل 7: 425 أبواب صلاة العيد ب 4 ح 1.

(4) الروضة 1: 307.

(5) حكاه عن علي بن بابويه في الحدائق 10: 231، و عن الإسكافي في المختلف: 114، المقنعة:

200، الوسيلة: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 185

و في الثاني للمحكيّ عن الحليّ «1». و لا مستند له مع أنّ فتواه ليست صريحة في ذلك.

و في الثالث للأكثر، فلم يثبتوا الصلاة في الغد؛ للأصل، و مخالفة الصحيح و الروايات الثلاث لنقل الإجماع على انتفاء القضاء مطلقا، و الشهرة المحقّقة.

و يردّ: بعدم صلاحيّة الإجماع المنقول لمعارضة الخبر سيّما الصحيح منه، و عدم ثبوت تحقّق الشهرة القديمة الموجبة لدخول الخبر في حيّز الشذوذ.

و في الرابع للمشهور، فلم يثبتوا الصلاة إذا كان

فراغ الإمام عن الخطبة بعد الزوال.

لاحتمال كون المراد من الصحيح إن لم تزل الشمس.

و عدم صراحته في القضاء.

و عموم نافيات القضاء هنا.

و يردّ الأوّل:

بأنّ الاحتمال لا يدفع الإطلاق بل العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

و الثاني:

بأنّ مرادنا من القضاء ما يفعل بعد الوقت استدراكا له، سواء ينوي القضاء أم لا.

و الثالث:

بأنّها تنفي وجوبه دون استحبابه.

______________________________

(1) السرائر 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 186

البحث الرابع في كيفيّتها
اشارة

و هي: ركعتان مطلقا، جماعة صلّيت أو فرادى، يكبّر تكبيرة الإحرام لهما ثمَّ يقرأ الحمد و سورة وجوبا، ثمَّ يكبّر خمسا بعد القراءة استحبابا على الأقوى، و يقنت عقيب كلّ منها كذلك، ثمَّ يكبّر و يركع و يسجد، و يقوم للثانية فيقرأ الحمد و السورة وجوبا، ثمَّ يكبّر أربعا استحبابا، و يقنت عقيب كلّ منها كذلك، ثمَّ يكبّر خامسة للركوع، و يتمّ الصلاة.

أمّا كونها ركعتين مطلقا فعلى الأشهر الأقوى؛ لمرسلة ابن المغيرة السابقة «1»، و صحيحة ابن سنان: «صلاة العيدين ركعتان بلا أذان و إقامة، و ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «2» و سائر ما يأتي من الأخبار.

خلافا للإسكافي و عليّ بن بابويه «3»، و التهذيب «4»، فيما إذا لحق خطبتي الإمام، فقالوا: إمّا أربع ركعات بعد استماع الخطبة أمّا بتسليمتين كالأوّل، أو تسليمة كالثاني، أو مخيّرا بينها و بين الركعتين كالثالث، لرواية أبي البختريّ المتقدّمة بردّها «5».

و أمّا النيّة و تكبيرة الإحرام و القراءة وجوبا، فبالإجماع بل الضرورة.

و أمّا زيادة التكبير، فبالأوّل و الأخبار.

______________________________

(1) في ص 164.

(2) التهذيب 3: 128- 271، الاستبصار 1: 446- 1722، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 7.

(3) حكاه عنهما في المختلف: 114.

(4) التهذيب 3: 134.

(5) راجع ص 183.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 6، ص: 187

و أمّا كون الزائد خمسا في الاولى و أربعا في الثانية، فعلى المشهور المنصور، بل عليه الإجماع عن الانتصار و الاستبصار و الناصريّات و الخلاف و السرائر و المختلف «1»؛ للمعتبرة المستفيضة كمرسلة ابن المغيرة السابقة، و صحيحة الشحّام: عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس» «2».

و جميل: عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس» و قال: «صلاة العيدين فريضة» و سألته: ما يقرأ فيهما؟ قال: «و الشمس و ضحاها، و هل أتاك حديث الغاشية، و أشباههما» «3».

و معاوية: عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، و ليس فيهما أذان و لا إقامة، يكبّر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة يبدأ بتكبير و يفتتح الصلاة، ثمَّ يقرأ فاتحة الكتاب، ثمَّ يقرأ و الشمس و ضحاها، ثمَّ يكبّر خمس تكبيرات، ثمَّ يكبّر فيركع فيكون يركع بالسابعة، ثمَّ يسجد سجدتين، ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و هل أتاك حديث الغاشية، ثمَّ يكبّر أربع تكبيرات و يسجد سجدتين و يتشهّد و يسلّم» قال: «و كذلك صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و الخطبة بعد الصلاة» «4».

و الكنانيّ: عن التكبير في العيدين، قال: «اثنتي عشرة تكبيرة، سبع في الاولى و خمس في الأخيرة» «5».

______________________________

(1) الانتصار: 56، الاستبصار 1: 448، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، الخلاف 1:

658، السرائر 1: 316، المختلف 1: 112.

(2) التهذيب 3: 127- 269، الاستبصار 1: 443- 1710، الوسائل 7: 437 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 12.

(3) التهذيب 3: 127- 270، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.

(4) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129- 278، الاستبصار 1:

448- 1733، الوسائل 7:

434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.

(5) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 130- 280، الاستبصار 1: 447- 1728، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 188

و رواية عليّ بن أبي حمزة: في صلاة العيدين، قال: «يكبّر ثمَّ يقرأ، ثمَّ يكبّر خمسا و يقنت بين كلّ تكبيرتين، ثمَّ يكبّر السابعة و يركع بها، ثمَّ يسجد ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ، ثمَّ يكبّر أربعا يقنت بين كلّ تكبيرتين، ثمَّ يكبّر و يركع بها» «1».

و سليمان بن خالد: في صلاة العيدين: «كبّر ستّ تكبيرات و اركع بالسابعة، ثمَّ قم في الثانية فاقرأ، ثمَّ كبّر أربعا و اركع بالخامسة، و الخطبة بعد الصلاة» «2».

و أبي بصير: «التكبير في الفطر و الأضحى اثنتا عشرة تكبيرة، يكبّر في الأولى واحدة، ثمَّ يقرأ، ثمَّ يكبّر بعد القراءة خمس تكبيرات، و السابعة يركع بها، ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ، ثمَّ يكبر أربعا و الخامسة يركع بها» «3».

و يعقوب بن يقطين بل صحيحته: التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ و كم عدد التكبير في الاولى و في الثانية و الدعاء بينهما؟ و هل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: «تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة، يكبّر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثمَّ يقرأ و يكبّر خمسا و يدعو بينها، ثمَّ يكبّر اخرى يركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها، ثمَّ يكبّر في الثانية خمسا، يقوم فيقرأ ثمَّ يكبّر أربعا و يدعو بينهنّ، ثمَّ يكبّر التكبيرة الخامسة» «4».

و إسماعيل الجعفيّ: في صلاة العيدين، قال: «يكبّر واحدة يفتتح بها الصلاة، ثمَّ يقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ يكبّر خمسا يقنت بينهنّ، ثمَّ يكبّر واحدة

______________________________

(1) الكافي 3:

460 الصلاة ب 93 ح 5، التهذيب 3: 130- 279، الاستبصار 1:

448- 1734، الوسائل 7: 434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 3؛ بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 3: 130- 281، الاستبصار 1: 448- 1735، الوسائل 7: 436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 9.

(3) التهذيب 3: 131- 286، الاستبصار 1: 449- 1736، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 7.

(4) التهذيب 3: 132- 287، الاستبصار 1: 449- 1737، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 189

و يركع بها، ثمَّ يقوم فيقرأ أمّ القرآن و سورة، يقرأ في الأولى سبّح اسم ربّك الأعلى، و في الثانية و الشمس و ضحاها، ثمَّ يكبّر أربعا و يقنت بينهنّ، ثمَّ يركع بالخامسة» «1».

و محمّد: عن التكبير في الفطر و الأضحى، فقال: «ابدأ فكبّر تكبيرة، ثمَّ تقرأ، ثمَّ يكبّر بعد القراءة خمس تكبيرات، ثمَّ تركع بالسابعة، ثمَّ تقوم فتقرأ، ثمَّ تكبّر أربع تكبيرات، ثمَّ تركع بالخامسة» «2» إلى غير ذلك.

و لا تنافيه صحيحة محمّد: «الصلاة قبل الخطبتين و التكبير بعد القراءة سبع في الاولى و خمس في الثانية» «3» حيث يستفاد منها أنّ التكبير في الأولى ثمانية، التكبيرة للإحرام و السبع بعد القراءة.

لأنّه إنّما هو إذا جعل «سبع» خبرا للتكبير و ليس كذلك، بل خبره قوله:

«بعد القراءة» و ما بعده جملة مستأنفة تشمل تكبيرة الإحرام أيضا.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين و العمانيّ «4»، فجعلوا التكبير الزائد سبع تكبيرات.

و عن محتمل السيّد و المفيد «5»، بل الديلميّ و الحلبيّ و القاضي و ابن زهرة «6»، فجعلوه ثمان تكبيرات خمسا للأولى و ثلاثا للثانية حيث قالوا: إنّه إذا نهض للثانية

______________________________

(1) التهذيب 3: 132-

288، الاستبصار 1: 449- 1738 و فيه: إسماعيل الجبلي، الوسائل 7:

436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 10.

(2) التهذيب 3: 132- 289، الاستبصار 1: 449- 1739، الوسائل 7: 436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 11.

(3) التهذيب 3: 287- 859، الوسائل 7: 441 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 2؛ بتفاوت يسير.

(4) نسب ذلك إلى ابن بابويه و العماني في المنتهى 1: 340. و في المختلف: 112 أنّ العماني قائل بالمشهور، و نسب إلى ابني بابويه ثمان تكبيرات، و لكن المستفاد من عبارات الفقيه 1: 324، و المقنع: 46، و الهداية: 53 الطريق المشهور أيضا، فراجع.

(5) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، و الانتصار: 56، المفيد في المقنعة: 195.

(6) الديلمي في المراسم: 78، الحلبي في الكافي في الفقه: 153، القاضي في المهذّب 1: 122، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 190

كبّر و قرأ ثمَّ كبّر أربعا يركع بالأخيرة منها، فإن جعلت الأولى تكبيرة القيام يكون الزائد في الثانية ثلاثا، و إن جعلت تكبيرة صلاة العيد يكون موافقا للمشهور.

و مستندهما- كما قيل «1»- غير ظاهر، إلّا أن يستند للثاني إلى ثبوت الخمس للثانية بالأخبار، و لاستحباب التكبير للقيام و الركوع لم يبق إلّا ثلاثا.

و الى موثّقة سماعة و فيها: «ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ، فإذا فرغ من القراءة كبّر أربعا و يركع بها» «2».

و رواية علي بن أبي حمزة المتقدّمة «3»، على ما في بعض نسخ التهذيب، فإنّ فيه في الثانية «ثمَّ يركع بها» بإسقاط قوله «يكبّر».

و يردّ الأوّل: بعدم ثبوت التكبير للقيام، و بدلالة الأخبار على كون الخمس بعد القراءة.

و الثانيتان باحتمال إرادة الأربع الزائدة الواجبة، و لم

يذكر الخامسة لعدم وجوبها، فلا ينافي ثبوت استحبابها بدليل آخر.

و أمّا كون التكبيرات الزائدة في الركعتين بعد القراءة فعلى الحقّ الموافق للأكثر، بل عن الانتصار و الخلاف: الإجماع عليه «4»؛ لأكثر ما مرّ من الأخبار.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و هداية الصدوق، فجعلاه في الأولى قبل القراءة «5»؛ لروايات كثيرة كصحاح ابن سنان «6»، و إسماعيل بن سعد «7»، و هشام

______________________________

(1) الرياض 1: 195

(2) التهذيب 3: 130- 283، الاستبصار 1: 450- 1742، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 19.

(3) في ص 188

(4) الانتصار: 56، الخلاف 1: 658.

(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 111، الهداية: 53.

(6) التهذيب 3: 131- 284، الاستبصار 1: 450- 1740، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 18.

(7) التهذيب 3: 131- 285، الاستبصار 1: 450- 1741، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 191

ابن الحكم «1»، و الكنانيّ «2»، و موثّقة سماعة «3».

و يجاب عنها بمرجوحيتها عن الأخبار المتقدّمة؛ لموافقتها لمذهب العامّة، لأنّهم بين قائل بالتقديم في الركعتين، و نقله في المنتهى عن الشافعيّ، و أبي هريرة، و الفقهاء السبعة، و عمر بن عبد العزيز، و الزهريّ، و مالك، و الليث، و أحمد في إحدى الروايتين، و قائل بالتقديم في الأولى خاصّة، و نقله عن ابن مسعود، و حذيفة، و أبي موسى، و الحسن، و ابن سيرين، و الثوريّ، و أصحاب الرأي، أي أبي حنيفة و أتباعه «4».

مضافا إلى أنّ في الثلاثة الأولى جعل السبع قبل القراءة و هو ممّا لم يقل به أحد؛ لأنّ تكبيرة الركوع بعدها قطعا، فإمّا تحمل هذه السبع على السبع الافتتاحيّة، و أهمل

فيها ذكر تكبيرات العيد تقيّة، أو المعنى: بعض السبع قبل القراءة، و حينئذ فيمكن أن تكون هي تكبيرة الافتتاح.

و للمنقول عن علي بن بابويه، فجعلها قبلها في الركعتين «5». و لم أعثر على مستنده.

و عن السيّد و المفيد و الصدوق و الديلميّ و الحلبيّ و القاضي و ابن زهرة، ففرّقوها في الثانية، فجعلوا واحدة منها قبل القراءة و الباقية بعدها «6».

و هذا إنّما هو على جعلهم الأربعة التي غير تكبيرة الركوع من خصائص هذه

______________________________

(1) التهذيب 3: 284- 847، الاستبصار 1: 450- 1744، الوسائل 7: 438 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 16.

(2) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 130- 280، الاستبصار 1: 447- 1728، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 6.

(3) تقدّمت في الصفحة السابقة.

(4) انظر: المنتهى 1: 342.

(5) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 172.

(6) السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، المفيد في المقنعة: 195، الصدوق في الفقيه 1: 324، الديلمي في المراسم: 78، الحلبي في الكافي في الفقه: 154، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 131، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 192

الصلاة؛ و حينئذ فيردّ قولهم بعدم الدليل و المخالفة لما مرّ.

و أمّا لو جعلت الاولى للقيام، و الثلاثة لصلاة العيد فليست لهم مخالفة مع المشهور في ذلك المقام، و إنّما يكون خلافهم في المقام السابق خاصّة، و قد مرّ جوابه.

و أمّا كون التكبيرات الزائدة على سبيل الاستحباب دون الوجوب، فوفاقا للمحكيّ عن المفيد و التهذيب و الخلاف و في المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و التحرير و الذكرى «1»، و طائفة من متأخّري

المتأخّرين «2».

للأصل السالم عن معارضة الدالّ على الوجوب؛ لورود أكثر الأخبار بالجملة الخبريّة الغير الدالّة عليه سوى مرسلة ابن المغيرة و رواية سليمان بن خالد المتقدّمتين «3».

و الواردة فيهما و إن كانت بلفظ الأمر إلّا أنّهما تعارضان صحيحة زرارة:

عن الصلاة في العيدين فقال: «الصلاة فيهما سواء يكبّر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة، ثمَّ يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات و في الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة و الركوع و السجود، إن شاء ثلاثا و خمسا، و إن شاء خمسا و سبعا، بعد أن يلحق ذلك إلى وتر» «4».

______________________________

(1) حكاه عن المفيد في المقنعة في الحدائق 10: 242، و لم نجده فيها، التهذيب 3: 134، حكاه عن الخلاف في الذخيرة: 321، المعتبر 2: 312، الشرائع 1: 101، النافع: 38، المنتهى 1 341، التحرير 1: 46، الذكرى: 241.

(2) لم نجد فيهم من صرّح بالاستحباب و قال في المدارك 4: 104 إنّ الوجوب أصحّ، و في البحار 78:

351: الاحتياط في الإتيان بهما، و في الكفاية: 21، و كشف اللثام 1: 263، و الحدائق 10:

243: الأقرب الوجوب.

(3) في ص 164، 188.

(4) التهذيب 3: 134- 291، الاستبصار 1: 447- 1732، الوسائل 7: 438 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 193

المؤيّدة برواية الغنويّ: عن التكبير في الفطر و الأضحى، قال: «خمس و أربع، فلا يضرّك إذا انصرفت على وتر» «1».

و الرضويّ: «روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى بالناس صلاة العيد فكبّر في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات، و في الثانية خمس تكبيرات، و قرأ فيهما سبّح اسم ربّك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية» «2».

فإنّ التعليق في الأولى على المشيّة، و

نفي الضرر إذا انصرف على الوتر مطلقا في الثانية، و فعل عليّ عليه السلام في الثالثة، قرائن على عدم إرادة الحقيقة من الأمر في الخبرين، و لولاها لكان التعارض موجبا للرجوع إلى الأصل.

و ترجيح الدالّ على الوجوب لكون الروايات الأخيرة موافقة لمذهب كثير من العامّة- على ما في الاستبصار «3»- غير جيّد؛ إذ لا يعلم هذا الكثير هل كانوا في زمان صدور الرواية أو بعده، و هل كان المخالفون لهم أكثر أم لا.

مضافا إلى عدم إمكان حمل الأمر في المرسلة على حقيقته؛ لقوله: «و غير جماعة» مع عدم وجوب الصلاة فرادى إجماعا فلا يكون تكبيرها واجبا، و الوجوب الشرطيّ مجاز كالندب. و أيضا: أمر بالسبع و الخمس، و فيهما تكبير الركوع الغير الواجب قطعا.

خلافا للسيّد و الإسكافي و الحلّي و الحلبي و الاستبصار و القواعد و شرحه «4»، بل الأكثر كما في المختلف و الذكرى و النكت و روض الجنان و شرح الألفية

______________________________

(1) التهذيب 3: 286- 854، الوسائل 7: 437 أبواب صلاة ب 10 ح 14.

(2) فقه الرضا «ع»: 132- 133، مستدرك الوسائل 6: 126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.

(3) الاستبصار 1: 448.

(4) السيد في الانتصار: 56، و جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44- 45، و الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 112، الحلي في السرائر 1: 316، الحلبي في الكافي في الفقه: 153- 154، الاستبصار 1: 447، القواعد 1: 39، جامع المقاصد 2: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 194

و غيرها «1»، بل ظاهر الاستبصار الإجماع عليه «2»، فأوجبوها لما أشير إليه بجوابه.

و أمّا القنوت فبالإجماع و الأخبار، و أمّا استحبابه فوفاقا لكلّ من قال

باستحباب التكبيرات و بعض من قال بوجوبها؛ للأصل السالم عن معارضة غير الجمل الخبريّة الغير المفيدة للوجوب، مضافا إلى كونه لازم استحباب التكبيرات.

خلافا للمحكيّ عن الأكثر «3»، و عن الانتصار الإجماع عليه «4»؛ لما ذكر بجوابه.

و قد يستدلّ له و لوجوب بعض ما مرّ أيضا بالتأسي و أصل الاشتغال، و جوابهما ظاهر.

و أمّا كونه خمسة في الاولى و أربعة في الثانية، فلصحيحة الكنانيّ المفصّلة «5»، و موثّقة سماعة «6»، و روايتي جابر «7»، و محمّد بن عيسى بن أبي منصور «8»، المصرّحة بأنّ بين كلّ تكبيرتين في صلاة العيد الدعاء، خرج ما بين تكبيرة الافتتاح و غيره بالإجماع، فيبقى الباقي.

و أمّا ما تضمّن ذكر الدعاء بين كلّ تكبيرتين من الخمس و الأربع فلا ينافي ذلك؛ إذ لا منافاة بين استحبابه بين كلّ اثنتين منها و بين استحباب غيره أيضا، مع أنّ إرادة بين كلّ تكبيرتين من الخمس و الأربع و تكبيرة الركوع أيضا ممكنة.

______________________________

(1) المختلف: 112، الذكرى: 241، روض الجنان: 301، و انظر: جامع المقاصد 2: 455، و المدارك 4: 104.

(2) الاستبصار 1: 448.

(3) كما في التنقيح 1: 237، و الروض: 301، و المفاتيح 1: 149، و الرياض 1: 197.

(4) الانتصار: 57.

(5) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 132- 290، الاستبصار 1: 450- 1743، الوسائل 7: 469 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 5.

(6) التهذيب 3: 131- 283، الاستبصار 1: 450- 1742، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 19.

(7) التهذيب 3: 140- 315، الوسائل 7: 468 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 3.

(8) التهذيب 3: 139- 314، الوسائل 7: 468 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6،

ص: 195

فروع:
[الأول ]

أ: يستحبّ التوجّه بالتكبيرات المستحبّة الافتتاحيّة في الصلوات اليوميّة هنا أيضا، كما صرّح به في الذكرى «1»؛ لعمومات استحبابها و إطلاقاتها كما تقدّمت في موضعه.

و قال بعض مشايخنا الأخباريّين بعدم استحبابها؛ للأصل، حيث إنّ المتبادر من الإطلاقات الفرائض اليوميّة.

و اتّفاق أخبار صلاة العيد على عدم ذكر هذه التكبيرات.

و المرويّ في العلل و العيون: فلم جعل سبع في الاولى و خمس في الأخيرة و لم يسوّ بينهما؟ قيل: «لأنّ السنّة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ هنا بسبع تكبيرات، و جعل في الثانية خمس تكبيرات لأنّ التحريم من التكبير في اليوم و الليلة خمس تكبيرات» «2» قال: و قضيّة ذلك عدم الإتيان بالسبع الافتتاحيّة و إلّا للزم الجمع بين العوض و المعوّض عنه «3».

و يردّ: بأنّ الأصل بالإطلاقات مدفوع، و التبادر الذي ادّعاه ممنوع.

و عدم ذكرها في هذه الأخبار لا يدلّ على عدم الاستحباب بعد ذكرها في أخبار أخر، و لذا لا ينكر استحباب تكبيرات السجود و لا بعض مستحبّات أخر، و لا وجوب ذكر الركوع و السجود و نحوها، مع عدم ذكرها في هذه الأخبار.

و رواية العلل لا تدلّ على أنّ السبع عوض عن هذه السبع و إلّا لزم كونها ثمانا؛ لاستحباب تكبيرة الركوع في كلّ صلاة. بل يمكن أن يكون المراد أنّه لمّا كان افتتاح الصلوات بسبع كان المناسب أن تكون التكبيرة الأولى التي هي أيضا

______________________________

(1) الذكرى: 243.

(2) العلل: 270، العيون 2: 114، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 1.

(3) الحدائق 10: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 196

كالافتتاح سبعا حتّى يتوافق الافتتاحان.

[و الثاني ]

ب: لا خلاف في وجوب السورة في الركعتين، و لا في عدم تعيّن سورة،

و لا في أفضليّة السور الثلاث: الأعلى و الشمس و الغاشية.

و إنّما الخلاف في الأفضل منها في كلّ من الركعتين.

فعن الخلاف و السيّد و المفيد و الحلبيّ و القاضي و ابن زهرة و المدارك و غيرهم:

أنّه الشمس في الاولى و الغاشية في الثانية «1»؛ لصحيحتي معاوية و جميل المتقدمتين «2». إلّا أنّ في الثانية زاد «و أشباههما» فليست صريحة في أفضليّتهما، و مع ذلك لم تعيّن فيها وظيفة كلّ ركعة إلّا بترتيب الذكر الضعيف دلالته.

و عن المبسوط و النهاية و المقنع و الفقيه و النافع و القواعد و الإرشاد و جمع آخر:

أنّه الأعلى في الاولى و الشمس في الثانية «3»؛ لرواية الجعفيّ السابقة «4»، و صحيحة الكناني و فيها: «و تقرأ الحمد و سبّح اسم ربك الأعلى، و تكبّر السابعة، و تركع و تسجد، و تقوم، و تقرأ الحمد و و الشمس و ضحاها» «5» الحديث.

و عن عليّ بن بابويه: أنّه الغاشية في الاولى و الأعلى في الثانية «6»، و عن العمانيّ: نحوه في الاولى و الشمس في الثانية «7»؛ للرضويّ: «و اقرأ في الركعة الأولى

______________________________

(1) الخلاف 1: 662، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، المفيد في المقنعة: 194- 195، الحلبي في الكافي في الفقه: 153، القاضي في المهذّب 1: 122، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 561، المدارك 4: 108، و انظر كشف اللثام 1: 258.

(2) في ص 187.

(3) المبسوط 1: 170، النهاية: 135، الهداية: 52، الفقيه 1: 324، النافع: 37، القواعد 1:

38، الإرشاد 1: 259- 260؛ و انظر السرائر 1: 316، و المراسم: 78، و الجوامع للشرائع:

107.

(4) في ص 188.

(5) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 132- 290،

الوسائل 7: 469 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 5.

(6) حكاه عنه في المختلف: 112.

(7) حكاه عنه في المختلف: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 197

هل أتاك حديث الغاشية، و في الثانية و الشمس أو سبّح اسم» «1».

و لا يخفى أنّه لا يوافق تعينّهما في الثانية، نعم المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام في الرضويّ السابق يعيّن الأعلى فيها «2».

أقول:

الظاهر التخيير بين مفاد هذه الأخبار و إن كان القولان الأوّلان أولاها؛ لأشهريتهما و أصحيّة أخبارهما. و كان الأولى منهما ثانيهما؛ لأكثريّة أخباره، فتأمّل.

[و الثالث ]

ج: لا يتعيّن في القنوت لفظ مخصوص وجوبا؛ للأصل و عدم صراحة ما تضمنّه في الوجوب، و صحيحة محمّد: عن الكلام الذي يتكلّم به فيما بين التكبيرتين في العيدين، فقال: «ما شئت من الكلام الحسن» «3».

و يعضده اختلاف الروايات في القنوت المرسوم بينهم.

و ربّما ظهر من عبارة الحلبي وجوب «اللّهم أهل الكبرياء و العظمة» إلى آخره «4»، و هو شاذّ.

و يستحبّ القنوت بالمأثورات و يتخيّر بينها «5».

[و الرابع ]

د: يستحبّ رفع اليدين مع كلّ تكبيرة، كما صرّح به جملة من الأصحاب؛ لرواية يونس: عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كلّ تكبيرة أم يجزيه أن يرفع في أوّل تكبيرة؟ فقال: «يرفع يده مع كلّ تكبيرة» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 131، مستدرك الوسائل 6: 126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.

(2) راجع ص 193 و فيه: «و قرأ فيهما سبّح اسم ربّك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية». و مقتضى الترتيب في الذكر تعيّن الغاشية في الثانية.

(3) التهذيب 3: 288- 863، الوسائل 7: 467 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 1.

(4) الكافي في الفقه: 154.

(5) القنوت المشهور مذكور في مصباح المتهجّد: 598، و ذكره ابن طاوس أيضا في الإقبال: 289.

(منه رحمه اللَّه.

(6) التهذيب 3: 288- 866، الوسائل 7: 474 أبواب صلاة العيد ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 198

[و الخامس ]

ه: يستحبّ رفع اليدين عند كلّ قنوت تلقاء وجهه؛ لبعض ما مرّ في بحث القنوت.

[و السادس ]

و: يستحبّ الجهر بالقراءة فيها للإمام و المنفرد؛ لصحيحة ابن سنان و فيها: «و يجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة» «1».

[و السابع ]

ز: تستحبّ الخطبة لها في الجماعة بالإجماع، كما صرّح به في المعتبر «2»، و هو الحجّة فيه مضافا إلى الأخبار المصرّحة بثبوت الخطبة لها مطلقا القاصرة عن إفادة الوجوب.

منها: المرويّ في العلل و العيون: و إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة لأنّ الجمعة أمر دائم- إلى أن قال-:

و العيد إنّما هو في السنة مرتين و الناس إليه أرغب، و إن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم «3».

و فيه إشعار باختصاصها بصلاة الجماعة، فلا تستحبّ للمنفرد، و الظاهر أنّه إجماعيّ.

و الخطبة فيهما كما في صلاة الجمعة حتّى في التعدّد، إلّا أنّهما هنا بعد الصلاة بالإجماع المحقّق و المحكيّ في طائفة من كلماتهم «4». و النصوص به و بأنّ تقديمهما على الصلاة من بدع عثمان مستفيضة «5».

و يستحبّ للحاضرين استماعهما؛ للنصّ «6».

[و الثامن ]

ح: لو نسي التكبيرات أو القنوت- كلّا أو بعضا- حتّى يدخل في الركوع مضى في صلاته.

______________________________

(1) التهذيب 3: 130- 282، الوسائل 7: 476 أبواب صلاة العيد ب 32 ح 1.

(2) المعتبر 2: 324.

(3) العلل: 265، العيون 2: 110، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 12.

(4) كما في الخلاف 1: 662، و التذكرة 1: 159.

(5) الوسائل 7: 440 أبواب صلاة العيد ب 11.

(6) الدعائم 1: 186، مستدرك الوسائل 6: 146 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 199

أمّا على المختار من استحبابها فظاهر.

و أمّا على القول بالوجوب فلأنّه لا يمكن تداركه في الصلاة؛ إذ بالرجوع إلى موضعه يزيد الركن و هو مبطل، و فعله بعد الركوع موقوف على الدليل، و إعادة الصلاة منفيّة بعموم صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا

من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1».

و هل يقضي المنسيّ بعد الصلاة على الوجوب؟.

قيل: نعم «2»؛ لصحيحة ابن سنان: «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمَّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا» «3».

و قيل: لا «4»، و هو الحقّ؛ للأصل، و ضعف دلالة الصحيحة، للزوم تخصيصها إمّا بالتذكّر في الصلاة قبل فوات المحلّ، أو بغير الركوع و السجودين و تكبيرات الصلوات اليوميّة، لأنّها بين مستحبّة و بين مبطل تركها للصلاة. و الأول أولى بل متعيّن؛ لكون الثاني تخصيصا للأكثر.

و لو زاد التكبير فلا يضرّ على المختار. و على الآخر يبطل مع العمد؛ لأصالة بطلان الصلاة بالزيادة فيها كما مرّ. دون السهو؛ للإجماع على عدم إبطال زيادة غير الركن سهوا.

[و التاسع ]

ط: لو شكّ في عدد التكبير بنى على الأقلّ؛ للأصل. و لو ذكر الإتيان به بعد فعله لم يضرّ على القولين.

[و العاشر]

ى: لا يتحمل الإمام غير القراءة؛ لأصالة عدم السقوط، فيأتي المأموم

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 991، الوسائل 6: 91 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 5.

(2) نسبه في المعتبر 2: 315 و في المدارك 4: 110 إلى الشيخ، و لكن لم نجده فيها بأيدينا من كتب الشيخ، و قال في مفتاح الكرامة 3: 205: و ليس لذلك في الخلاف عين و لا أثر.

(3) الفقيه 1: 228- 1007، التهذيب 2: 350- 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.

(4) كما في المعتبر 2: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 200

بالتكبيرات و القنوتات.

[و الحادي عشر]

يا: لو أدرك المأموم بعض التكبيرات مع الإمام دخل معه، فإذا ركع الإمام أتى بالتكبير و القنوت مخففا، و لحق به في الركوع، و إن لم يمكن ذلك ترك من التكبير و القنوت ما يمنعه من اللحوق، على المختار، و على القول بالوجوب فيحتمل تركه مطلقا أو مع قضائه بعد التسليم، و ترك المتابعة و نيّة الانفراد، و ترك القنوت خاصّة، و بطلان الصلاة. و اللَّه أعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 201

البحث الخامس في سائر ما يتعلّق بهذا الباب
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يستحبّ في صلاة العيدين زيادة على ما مرّ أمور:
منها: أن يصلّي في مكان بارز

- أي غير مسقّف- بالإجماع؛ له، و لصحيحة أبي بصير: «لا ينبغي أن تصلّي صلاة العيد في مسجد مسقّف و لا في بيت، إنّما تصلّي في الصحراء أو في مكان بارز» «1».

و أن يكون مكانا يرى فيه آفاق السماء؛ للمستفيضة من الأخبار «2».

و الأفضل الإصحار بها أي الخروج إلى الصحراء، بالإجماع كما نقله جماعة «3»؛ و هو الدليل عليه، مضافا إلى المعتبرة، كمرفوعة محمّد: «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلّا أهل مكّة فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام» «4».

و صحيحة معاوية: «و ينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا، و يعتم، شاتيا كان أو قائظا، و يخرج إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء، و لا يصلّي على حصير و لا يسجد عليه» «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 322- 1471، الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 2.

(2) الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17.

(3) انظر: المنتهى 1: 344، و الذخيرة: 322، و الرياض 1: 195.

(4) الكافي 3: 461 الصلاة ب 93 ح 10، التهذيب 3: 138- 307، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 8.

(5) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129- 278، الوسائل 7: 440 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 1 و ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 202

و مرسلة الفقيه: عن قول اللَّه عزّ و جل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال: «من أخرج الفطرة» فقيل له وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: «خرج إلى الجبّانة فصلّى» «1» و الجبّانة و الجبّان: الصحراء.

و عن النهاية: لا تجوز إلّا في الصحراء «2». قيل: و لعلّ

مراده تأكّد الاستحباب «3».

و مقتضى المرفوعة و رواية أخرى «4» استثناء مكّة- كما صرّح به أكثر الأصحاب أيضا «5»- فإنّ أهلها يصلّون في المسجد الحرام. و لتكن فيه أيضا تحت السماء؛ للعمومات السابقة.

و ألحق بها الإسكافيّ المدينة؛ للحرمة «6». و عن الحلّي حكايته عن طائفة أيضا «7».

و يردّه العمومات و خصوص رواية المراديّ «8».

و يستثنى أيضا حال الضرورة المانعة عن الخروج، و وجهه ظاهر. بل الموجبة لمشقّة، كمطر أو وحل أو برد أو حرّ أو خوف؛ لعمومات نفي العسر و الحرج، و عدم إرادة اللَّه سبحانه العسر من العباد، و في بعض الأخبار إشعار به أيضا.

و منها: يستحبّ أن يكون الخروج بعد طلوع الشمس

، بالإجماع كما عن

______________________________

(1) الفقيه 1: 323- 1478، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4.

(2) النهاية: 133.

(3) الرياض 1: 195.

(4) الفقيه 1: 321- 1470، الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 3.

(5) انظر المعتبر 2: 316، و الذخيرة: 322، و الرياض 1: 195.

(6) حكاه عنه في المختلف: 115.

(7) السرائر 1: 318.

(8) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 4، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 203

الخلاف «1»؛ لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يخرج بعده كما في بعض الأخبار «2»، و مولانا الرضا عليه السلام خرج بعده «3».

و لصحيحة زرارة: «أذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت خرجوا» «4».

و موثّقة سماعة: عن الغدوّ إلى الصلاة في الفطر و الأضحى، فقال: «بعد طلوع الشمس» «5».

و المرويّ في الإقبال: «لا تخرج من بيتك إلّا بعد طلوع الشمس» «6».

و عن المفيد أنّ وقته قبل الطلوع «7»، و لا مستند له واضحا، و ما مرّ يردّه، و

نسب إلى ظاهر جوامع الجامع للطبرسي أيضا «8»، و لا ظهور له فيه.

و منها: أن يسجد على الأرض دون غيرها ممّا يصحّ السجود عليه

، إظهارا لمزيد التذلّل فيها؛ و عليه تدلّ جملة من الصحاح و غيرها «9».

بل يستحبّ أن يصلّي على الأرض بحيث لا يكون تحته بساط و لا بارية و لا حصير، لصحيحة معاوية و فيها: «لا تصلّينّ يومئذ على بساط و لا بارية» «10» و اخرى و فيها- في صلاة العيد-: «و لا يصلى على حصير و لا يسجد عليه» «11».

______________________________

(1) الخلاف 1: 675.

(2) الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18.

(3) كما في الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

(4) الكافي 3: 459 الصلاة ب 92 ح 10، التهذيب 3: 129- 276، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

(5) التهذيب 3: 287- 859، الوسائل 7: 473 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 2.

(6) الإقبال: 281، الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 2.

(7) المقنعة: 194.

(8) جوامع الجامع: 493.

(9) انظر: الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17.

(10) التهذيب 3: 285- 849، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 10.

(11) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129- 278، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 204

و يدلّ عليه الرضويّ الآتي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    204     و منها: الخروج إلى الصلاة - جماعة أو فرادى - بعد الغسل، متطيبا، لابسا أحسن ثيابه ..... ص : 204

و منها: أن يقول المؤذّن عوض الأذان و الإقامة- فإنّه لا أذان لها و لا إقامة-: الصلاة، بالرفع أو النصب، ثلاثا

، بلا خلاف فيه بين العلماء كما قيل «1»، لصحيحة إسماعيل بن جابر: أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟ قال:

«ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكنّها ينادى: الصلاة، ثلاث مرّات» «2»

إلى غير ذلك.

و عن العمانيّ: أنّه يقال: الصلاة جامعة «3»، و لم نقف على مستنده.

و هل المقصود من النداء الإعلام بالخروج إلى الصلاة فينادي عند الخروج، أو بالدخول فيها فينادي عند القيام إليها؟.

الظاهر تأدّي السنّة بكلّ منهما كما قيل «4».

و الظاهر اختصاص هذا النداء بالجماعة، فلا نداء في الانفراد.

و منها: الخروج إلى الصلاة- جماعة أو فرادى- بعد الغسل، متطيّبا، لابسا أحسن ثيابه

، كما استفاضت به الروايات.

منها:

صحيحة ابن سنان المتقدّمة «5»، و الرضوي: «و إذا أصبحت يوم الفطر اغتسل، و تطيّب، و تمشّط، و البس أنظف ثيابك، و أطعم شيئا من قبل أن تخرج إلى الجبّانة، فإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء، و قم على الأرض، و لا تقم على غيرها» «6».

______________________________

(1) المدارك 4: 113.

(2) الفقيه 1: 322- 1473، التهذيب 3: 290- 873، الوسائل 7: 428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 1.

(3) حكاه عنه في المنتهى 1: 245.

(4) المدارك 4: 113.

(5) في ص 164.

(6) فقه الرضا «ع»: 213، مستدرك الوسائل 7: 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 205

و المروي في الدعائم: «ينبغي لمن خرج إلى العيد أن يلبس أحسن ثيابه، و يتطيّب بأحسن طيبه» «1».

و منها: خروج الإمام حافيا، ماشيا، مشمّرا ثيابه

، لخروج النبيّ و الوصيّ و مولانا الرضا عليه السلام كذلك، كما تدلّ عليه الرواية المرويّة في خروج مولانا عليه السلام في مرو، و فيها: أنّه لما بعث إليه المأمون أن يصلّي العيد، قال: «و إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام» فقال المأمون: اخرج كيف شئت، و أمر المأمون القوّاد و الناس أن يركبوا و يباكروا إلى باب أبي الحسن عليه السلام- إلى أن قال-: فلمّا طلعت الشمس قام فاغتسل و تعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه، و تشمّر، و قال لجميع مواليه: «افعلوا مثل ما فعلت» ثمَّ أخذ بيده عكازا، ثمَّ خرج و نحن بين يديه، و هو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، و عليه ثياب مشمّرة- إلى أن قال-:

فتزعزعت مرو بالبكاء و الضجيج و الصياح لمّا نظروا إلى أبي الحسن عليه السلام، و سقط القوّاد عن دوابهم و رموا بخفافهم «2» الحديث.

و منه يثبت استحباب ذلك للمأمومين أيضا، و تدلّ عليه حكاية الإجماع على الإطلاق عن التذكرة و نهاية الإحكام «3»، و المروي في المعتبر و التذكرة: أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل اللَّه تعالى حرمهما على النار» «4».

و هذا أيضا سبيل اللَّه، كما يدلّ عليه المروي في الدعائم: عن عليّ عليه السلام أنّه كان يمشي في خمس مواطن حافيا و يعلّق نعليه بيده اليسرى، و كان

______________________________

(1) الدعائم 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 130 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 1.

(2) الكافي 1: 488 الحجّة ب 11 ح 7، العيون 2: 147- 21، الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

(3) التذكرة 1: 159، نهاية الإحكام 2: 64.

(4) المعتبر 2: 317، التذكرة 1: 160، و الحديث عامي موجود في مسند أحمد 3: 479.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 206

يقول: إنّها مواطن للَّه فأحبّ أن أكون فيها حافيا، يوم الفطر، و يوم النحر، و يوم الجمعة، و إذا عاد مريضا، و إذا شهد جنازة «1».

بل يستفاد من إطلاق الإجماع و ما بعده استحبابه للمنفرد.

و كذا يظهر من رواية صلاة مولانا استحباب التعمّم لكلّ من الإمام و المأموم، و يدلّ عليه بعض روايات أخر «2».

و منها: الذهاب إلى المصلّى من طريق و العود من آخر

، بل الظاهر استحباب ذلك في كلّ ذهاب و إياب، ففي رواية السكونيّ: إنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا خرج إلى العيدين لم يرجع عن الطريق الذي بدأ فيه، يأخذ في طريق غيره «3».

و في رواية

موسى بن عمر: قلت للرضا عليه السلام: إنّ الناس رووا أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فهكذا كان؟

قال: فقال: «نعم فأنا أفعل كثيرا» ثمَّ قال لي: «أما إنّه أرزق لك» «4».

و نحوه روي في الإقبال، و في آخره: «و هكذا فافعل فإنّه أرزق لك» «5».

المسألة الثانية: يستحبّ أن يطعم قبل خروجه إلى الصلاة في عيد الفطر، و بعد عوده في الأضحى

، بإجماع أصحابنا كما نصّ عليه جماعة «6»، و هو الحجّة فيه، للنصوص المستفيضة، منها: رواية المدائنيّ: «اطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي، و لا تطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام» «7».

______________________________

(1) الدعائم 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 136 أبواب صلاة العيد ب 15 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 7: 440 أبواب صلاة الجمعة ب 11.

(3) الفقيه 1: 323- 1479، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ح 1.

(4) الكافي 5: 314 المعيشة ب 159 ح 41، الكافي 8: 147- 124، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ح 2.

(5) الإقبال: 283، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ذ. ح 2.

(6) منهم المحقق في المعتبر 2: 317، و العلّامة في التذكرة 1: 159، و صاحب المدارك 4: 114.

(7) الكافي 4: 168 الصيام ب 26 ح 2، الفقيه 2: 113- 483، التهذيب 3: 138، 310، الوسائل 7: 444 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 207

و يؤكّده أنّ الصدقة في الفطر قبل الصلاة و في الأضحى بعدها، فاستحبّ فيهما أن يكون الأكل حين أكل المساكين لتشاركهم فيه، و لأنّ في تعجيل الإطعام في الفطر دفعا لهواجس النفس، و في الأضحى يستحبّ الأكل من الأضحيّة و لا يكون إلّا بعد الصلاة.

و يستحبّ في

الأوّل الحلو، لفتوى جماعة- منهم: المبسوط و السرائر و المهذّب و المنتهى و التحرير و التذكرة «1»- به.

و أفضل الحلو التمر أو الزبيب أو السكّر، للمرويّين في الإقبال و الفقه الرضويّ:

الأوّل: «كل تمرات يوم الفطر، فإن حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك» «2».

و الثاني: «و الذي يستحبّ الإفطار عليه يوم الفطر الزبيب و التمر، و أروي عن العالم الإفطار على السكّر» «3».

و في الثاني أضحيته إن كان ممّن يضحى، للأخبار، منها: صحيحة زرارة:

«لا تخرج يوم الفطر حتّى تطعم شيئا، و لا تأكل يوم الأضحى إلّا من هديك و أضحيّتك إن قويت عليه، و إن لم تقو فمعذور» «4».

و أمّا الإفطار بالتربة الحسينيّة فقد ورد في بعض الروايات «5»، و لكن لشذوذه- كما صرّح به في الروضة و غيرها «6»- يشكل تخصيص أخبار الحرمة به «7»، فالترك

______________________________

(1) المبسوط 1: 169، السرائر 1: 318، المهذّب 1: 121، المنتهى 1: 345، التحرير 1: 46، التذكرة 1: 159.

(2) الإقبال: 281، الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 210، مستدرك الوسائل 6: 130 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.

(4) الفقيه 1: 321- 1469، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.

(6) الروضة 1: 308، و انظر: مجمع الفائدة 2: 409.

(7) كما في الوسائل 24: 220 و 226 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 و 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 208

أحوط.

المسألة الثالثة: يرجّح التكبير في العيدين
اشارة

، بالإجماع، و الأخبار المستفيضة بل المتواترة، الآتي ذكر جملة منها.

و لا يجب، بل يستحبّ على الأقوى الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر، و في شرح القواعد: أنّه

قول الأكثر، بل قال بإمكان ادّعاء الإجماع عليه «1»، بل عن المنتهى عليه الإجماع «2».

للأصل، و رواية النقّاش: «أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنّه مسنون» قال، قلت: و أين هو؟ قال: «في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة و في صلاة الفجر و في صلاة العيد، ثمَّ يقطع» قال، قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلّا اللَّه، و اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر «3»، و للَّه الحمد، اللَّه أكبر على ما هدانا، و هو قول اللَّه تعالى وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ- يعني الصيام- وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ » «4».

و صحيحة عليّ: عن التكبير أيّام التشريق أ واجب هو أم لا؟ قال:

«يستحبّ، و إن نسي فلا شي ء عليه» «5».

و المرويّ في مستطرفات السرائر: عن التكبير بعد كلّ صلاة، قال: «كم شئت، إنّه ليس بمفروض» «6».

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 448- 449.

(2) المنتهى 1: 247.

(3) التكبير الثالث لا يوجد في المصادر، و هو موافق لنسخة الوافي 9: 1341.

(4) الكافي 4: 166 الصيام ب 35 ح 1، الفقيه 2: 108- 464، التهذيب 3: 138- 311، الوسائل 7: 455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 2.

(5) التهذيب 5: 488- 1745، قرب الإسناد: 221- 862، الوسائل 7: 461 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 10.

(6) مستطرفات السرائر: 30- 27، الوسائل 7: 465 أبواب صلاة العيد ب 24 ذ. ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 209

و حمل السنة في الأولى على الوجوب النبويّ دون الكتابيّ- مع عدم مناسبته للاستدراك فيه- ينافي ذيلها المصرّح بالوجوب الكتابيّ، كما دلّ عليه بعض نصوص أخر، و صرّح به جمع من المفسرين منهم: التبيان و المجمع و

فقه القرآن للراونديّ «1»، و كذا ينافي قوله سبحانه وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «2» فإنّها أيّام التشريق، و الذكر فيها التكبير كما في الخبر الصحيح «3».

و منه يظهر عدم إمكان حمل الفرض المنفيّ في الأخير على الكتابيّ أيضا، مع أنّه غير ملائم لجعله النفي علّة للتفويض إلى المشيّة.

كما أنّ العدول إلى الجواب بقوله «يستحبّ» في الثانية لا يلائم حمل الاستحباب فيها على المعنى الشامل للوجوب أيضا، بل هو صريح في أنّ المراد به المعنى المصطلح.

نعم يمكن الخدش في دلالة الأخيرة بعدم صراحتها في التكبيرات المطلوبات، فيحتمل المسنون في التعقيب.

خلافا للمنقول في الفطر خاصّة عن متشابه القرآن لابن شهرآشوب «4»، و في الأضحى كذلك مطلقا عن جمل السيّد «5»، و على من كان بمنى عن التبيان و المبسوط و الاستبصار و الجمل و العقود و روض الجنان للشيخ أبي الفتوح و فقه القرآن للراونديّ و القاضي و ابن حمزة «6»، و فيهما عن السيّد و الإسكافيّ «7».

______________________________

(1) التبيان 2: 125، مجمع البيان 1: 277، فقه القرآن 1: 160.

(2) البقرة: 203.

(3) انظر: الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 21.

(4) متشابهات القرآن 2: 177.

(5) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 45.

(6) التبيان 2: 125، المبسوط 1: 170، الاستبصار 2: 299، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

248، فقه القرآن 1: 160، القاضي في المهذّب 1: 261، ابن حمزة في الوسيلة: 112.

(7) السيّد في الانتصار: 57، حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 210

للإجماع، حكاه في الانتصار «1».

و طريقة الاحتياط.

و الأمر به في الآيات الثلاثة الواردة في هذه التكبيرات «2»، كما صرّحت به الروايات و الأخبار كالمرويّ في الخصال: «و

التكبير في العيدين واجب، أمّا في الفطر ففي خمس صلوات يبتدئ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر، و هو أن يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و للَّه الحمد، اللَّه أكبر على ما هدانا، و الحمد للَّه على ما أبلانا، يقول اللَّه عزّ و جلّ:

وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ «3».

و في العيون: «و التكبير في العيدين واجب، في الفطر دبر خمس صلوات و يبدأ في دبر المغرب ليلة الفطر» «4».

و نحوه المرويّ في تحف العقول «5».

و موثّقة عمّار: «التكبير واجب دبر كلّ فريضة أو نافلة أيّام التشريق» «6».

و اخرى: عن الرجل ينسى أن يكبّر أيّام التشريق، قال: «إن نسي حتّى قام من موضعه فليس عليه شي ء» «7».

دلّت بمفهوم الشرط على وجوب شي ء لو لم ينتبه حتى قام من موضعه.

______________________________

(1) الانتصار: 58.

(2) البقرة: 185 وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ البقرة: 203 وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ الحج: 28 وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ .

(3) الخصال: 609، الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 6.

(4) العيون 2: 124، الوسائل 7: 456 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 5.

(5) تحف العقول: 422، الوسائل 7: 456 أبواب صلاة العيد ب 20 ذ. ح 5.

(6) التهذيب 5: 270- 923، الاستبصار 2: 299- 1070، الوسائل 7: 466 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 1.

(7) التهذيب 5: 270- 924، الاستبصار 2: 299- 1071، الوسائل 7: 465 أبواب صلاة العيد ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 211

و رواية حفص: «على الرجال و النساء أن يكبّروا

أيّام التشريق في دبر الصلاة، و على من صلّى وحده و من صلّى تطوّعا» «1».

و صحيحة عليّ المتقدّمة و في ذيلها: عن النساء هل عليهنّ التكبير أيّام التشريق؟ قال: «نعم و لا يجهرن» «2».

و حسنة معاوية: «يكبّر ليلة الفطر و صبيحة الفطر كما يكبّر في العشر» «3».

و يجاب عن الجميع: بتعيّن حمل الدالّ على الوجوب على الاستحباب، بقرينة ما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، المؤيّدة باختلاف النصوص و الفتاوى في كيفيّة التكبير، و بترك عامّة الناس له مع عموم البلوى.

مضافا إلى ردّ الأوّل: بمنع الحجيّة.

و الثاني: بمنع الوجوب.

و آية الفطر: بعدم صراحتها في الأمر إلّا أن يجعل اللام فيها لام الأمر، و هو- كما صرّح به بعض الأجلّة «4»- غير معلوم، و دخولها- كما قيل- على صيغة الخطاب نادر، و بعدم التصريح فيها بالتكبير المراد، فلعلّه هو إجلال اللَّه الواجب في كلّ حال.

نعم فسّره في رواية النقّاش بذلك، و لكن فيها التصريح بعدم الوجوب، و مع ذلك معارضة بالمرويّ في العلل الدالّ على أنّ المراد به التكبيرات الزائدة في الصلاة، حيث قال: فلم جعل التكبير فيها- أي في عيد صلاة الفطر- أكثر منه في غيرها من الصلوات؟ قيل: لأنّ التكبير إنّما هو تعظيم للَّه و تمجيده على ما هدى و عافى، كما قال اللَّه عزّ و جلّ:

______________________________

(1) التهذيب 3: 289- 869، الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 2.

(2) قرب الإسناد: 224- 872، الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 3.

(3) الكافي 4: 167 الصيام ب 35 ح 2، الوسائل 7: 455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 1.

(4) انظر: جامع المقاصد 2: 449، و كشف اللثام

1: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 212

وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ «1».

و الآيتين الأخريين: باختلاف التفاسير و الروايات فيهما، ففي بعضها أنّ المراد بالأيّام المعدودات أيّام التشريق، و بالمعلومات عشر ذي الحجّة المستحبّ فيها التكبير قطعا، و في بعض آخر بالعكس «2». و إذا لم يتعيّن الدالّ على المطلوب، مع عدم صراحة آية الأيّام المعلومات في الوجوب- لعدم تعيّن كونها أمرا- يسقط الاستدلال.

و رواية الخصال و الثلاثة المتعقّبة لها: بأنّه إن ثبت الحقيقة في المعنى المصطلح في الوجوب فكذا في الاستحباب و السنّة الواردين فيما مرّ، فيجب حمل أحد الفريقين على المجاز بقرينة الآخر، و لعدم التعيّن يرجع إلى الأصل. و إن لم يثبت في شي ء منهما فالاستدلال باطل.

مع أنّ التكبير المحكوم بوجوبه في رواية الخصال منفيّ الوجوب في غيرها كرواية النقّاش، حيث لم يذكر فيها بعض الفقرات.

و مع أنّ بقاء الوجوب في رواية عمّار على حقيقته غير ممكن، لتضمّنها النافلة المنفيّ وجوبه عقيبها في صحيحة داود: «التكبير في كلّ فريضة، و ليس في النافلة تكبير أيّام التشريق» «3».

و الروايات المتضمّنة للفظة «على»: باستعمالها في المستحبّ كثيرا.

و الحسنة: بعدم صراحتها في الوجوب.

فروع:
أ: محلّ التكبير أمّا في الفطر فعقيب أربع صلوات:

مغرب العيد،

______________________________

(1) العلل: 269، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 1.

(2) انظر: التبيان 2: 175، و مجمع البيان 2: 299، و ج 7: 81، و البرهان 1: 203. و ج 3: 87، و الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 21، و ج 14- 270 أبواب العود إلى منى ب 8.

(3) التهذيب 5: 270- 925، الاستبصار 2: 300- 1072، الوسائل 7: 467 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6،

ص: 213

و عشائه، و فجره، و صلاة العيد، على المشهور، و تدلّ عليه رواية النقّاش السابقة.

و عن المقنع و الأمالي بل الفقيه «1»: زيادة ظهره و عصره أيضا. و هو الأظهر، لمرسلة الفقيه حيث قال بعد ذكر الرواية المذكورة: و في غير رواية سعيد: في الظهر و العصر.

و الرضويّ: «و كبّر بعد المغرب، و العشاء الآخرة و الغداة، و صلاة العيد، و الظهر، و العصر» «2».

و المرويّ في تفسير العيّاشيّ و فيه: «في الفطر تكبير و لكنّه مسنون: في المغرب، و العشاء، و الفجر، و الظهر، و العصر، و ركعتي العيد» «3».

و لا يضرّ ضعف هذه الروايات، للتسامح، مع أنّ بعضها معتبر.

و لا ينافيه قوله «ثمَّ يقطع» في رواية النقّاش، لجواز كون مجازه معنى مفاده خفّة الاستحباب فيما بعد.

و لا ما مرّ من كونه عقيب خمس صلوات يبدأ من المغرب إلى العصر، لأنّه لا يفيد قصر الاستحباب، و لا يجب ذكر جميع ما يستحبّ في كلّ خبر، فاكتفى فيه بالخمس و هي المغرب و العشاء و الفجر و العيد و الظهر، و يقطع في العصر، إذ هي الفرائض الخمس اليوميّة، و يستفاد الزائد من غيره.

و لا يستحبّ عقيب النوافل غير صلاة العيد تطوّعا في الفطر، للأصل.

و بعض الأخبار المثبتة له- مع ماله من المعارض- مخصوص بأيّام التشريق «4»، و الإجماع المركّب غير ثابت.

______________________________

(1) المقنع: 46، الأمالي: 517، الفقيه 2: 108.

(2) فقه الرضا «ع»: 209.

(3) تفسير العياشي 1: 82- 195، مستدرك الوسائل 6: 137 أبواب صلاة العيد ب 16 ح 4.

(4) انظر: الوسائل 7: 466 أبواب صلاة العيد ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 214

و عن الإسكافي استحبابه. «1»، و لم نقف له على

مستند.

و أمّا في الأضحى فعقيب خمس عشرة صلاة فريضة لمن كان بمنى، و عقيب عشر صلوات مفروضة لمن كان في غيرها. مبدؤهما ظهر يوم العيد، على الحقّ المعروف من مذهب الأصحاب، بل قيل: بلا خلاف أجده «2»، للأخبار المستفيضة الآتية بتحقيقها في كتاب الحجّ إن شاء اللَّه تعالى.

و ظاهر الأكثر اختصاص الاستحباب هنا أيضا بالفرائض، لصحيحة داود المتقدّمة.

و عن الشيخ و الإسكافي: استحبابها عقيب النوافل أيضا «3»، لموثقة عمّار و رواية حفص المتقدمتين «4».

و يردّ بالمعارضة مع ما مرّ، فيرجع إلى الأصل. و حمل ما مرّ على نفي الوجوب غير ممكن، لانتفائه في الفريضة أيضا.

و عن البزنطيّ و الإسكافي و المفيد: استحباب الخروج بالتكبير إلى صلاة العيدين «5»، و استحسنه في المنتهى «6»، و قوّاه بعض الأجلّة «7». و هو الأظهر، لحديث خروج مولانا الرضا عليه السلام «8»، و لما روي عن عليّ عليه السلام: إنّه خرج يوم العيد، فلم يزل يكبّر حتّى انتهى إلى الجبّانة «9».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 115.

(2) الحدائق 10: 289.

(3) الشيخ في الخلاف 1: 670، حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 115.

(4) في ص 210- 211.

(5) حكاه عن جامع البزنطي في المعتبر 2: 320، لم نعثر- فيما بأيدينا من الكتب الفقهية- على ما حكاه عن الإسكافي، المفيد في المقنعة: 202.

(6) المنتهى 1: 348.

(7) كشف اللثام 1: 260.

(8) الكافي 1: 488 الحجّة ب 11 ح 7، عيون أخبار الرضا «ع» 2: 147- 21، الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

(9) المغني لابن قدامة 2: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 215

و التكبير فيهما و إن احتمل مطلقه دون التكبير المخصوص، إلّا أنّه أيضا من أفراد المطلق، فلا

بأس به سيّما مع احتمال إرادته في المقام.

ب: يستحب هذا التكبير للجامع و المنفرد

و الرجال و النساء و الحاضر و المسافر، و بالجملة كلّ مكلّف، للإطلاقات، مع التصريح بالنساء و المنفرد في طائفة من الأخبار «1».

ج: لو نسيه حتّى قام من موضعه سقط

، لموثّقة عمّار السابقة «2».

د: يستحبّ فيه رفع اليد قليلا أو تحريكها

، لصحيحة عليّ: عن التكبير أيّام التشريق هل يرفع فيه اليدين أم لا؟ قال: «يرفع يده شيئا أو يحرّكها» «3».

ه: الظاهر تقديم هذا التكبير على سائر التعقيبات،

كما صرّح به بعض متأخّري المتأخّرين «4»، لما رواه الصدوق عن عليّ عليه السلام: أنّه كان إذا صلّى كلّ صلاة يبدأ بهذا التكبير «5» فتأمّل.

و: قد اختلفت كلمات الأصحاب و أخبار الأطياب في صفة هذا التكبير في العيدين.

فممّا ورد في الفطر ما مرّ في رواية النقّاش و ما سبق في رواية الخصال «6»، و منه أيضا ما هو كالأوّل إلّا في التكبير بين التهليل و التحميد فمرّتان، و منه ما هو كذلك أيضا إلّا فيه فمرّة، و منه ما هو غير ذلك.

و ممّا ورد في الأضحى ما في حسنة زرارة: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلّا اللَّه، و اللَّه أكبر، و للَّه الحمد، اللَّه أكبر على ما هدانا، اللَّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة

______________________________

(1) الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22.

(2) في ص 210.

(3) قرب الإسناد: 221- 861، الوسائل 7: 464 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 5.

(4) حكاه صاحب الحدائق 10: 292، عن بعض المحققين من مشايخه.

(5) الفقيه 1: 328- 1487، الوسائل 7: 460 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 6.

(6) راجع ص 208- 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 216

الأنعام» «1» و منه غير ذلك، و العمل بالكل أحسن.

المسألة الرابعة [كراهة التنفّل قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال،]

المشهور بين الأصحاب- بل في شرح القواعد و عن الخلاف و ظاهر المنتهى: الإجماع عليه «2»- كراهة التنفّل قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال، للمستفيضة من الصحاح، كصحيحة زرارة: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة، و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلى الزوال، فإن كان فاتك الوتر ليلتك قضيته بعد الزوال» «3».

و الأخرى: «ليس في يوم الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة» إلى أن قال:

«و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة» «4».

و ثالثة: «لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتّى تصلّي الزوال في يوم العيدين» «5».

و صحيحة ابن سنان و فيها: «ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «6».

و رواية الهاشميّ: «ركعتان من

السنّة ليس تصلّيان في موضع إلّا بالمدينة، قال: يصلي في مسجد الرسول في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّى، ليس ذلك إلّا بالمدينة» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 516 ب 91 ح 2، التهذيب 3: 139- 313، الوسائل 7: 458 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 2.

(2) جامع المقاصد 2: 457، الخلاف 1: 665، المنتهى 1: 346.

(3) التهذيب 3: 129- 277، الوسائل 7: 419، 420 أبواب صلاة العيد ب 1 ح 2- 3.

(4) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129- 276، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

(5) الفقيه 1: 322- 1474 و فيه: عن حريز، الوسائل 7: 428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 2.

(6) التهذيب 3: 128- 271، ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 7.

(7) الكافي 3: 461 الصلاة ب 93 ح 11، الفقيه 1: 322- 1475، التهذيب 3: 138- 308، الوسائل 7: 430 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 217

و حمل الثلاثة الأولى على نفي التوظيف غير ضائر، إذ يدلّ على أنّه لا صلاة موظّفة من الشارع مشروعة منه قبل صلاة العيد و بعدها، أعمّ من أن يكون توظيفها بالخصوص أو بالعموم، فلا تكون صلاة أصلا، و لا تكون عمومات الصلوات من ذوي الأسباب و غيرها شاملة ليوم العيد.

إلّا أن يكون مراده من التوظيف جعلها وظيفة هذا اليوم، أو وظيفة قبل صلاة العيد أو بعدها، حتّى يكون المعنى: لا صلاة قبل صلاة العيد من حيث إنّها قبلها.

و هذا و إن كان محتملا بحسب الظاهر إلّا أنّه ينفيه قيد «ذلك اليوم» و التفريع بقوله «فإن

كان» في الاولى، و يتعيّن منهما التوظيف بمعنى التوقيف مطلقا، فلا تكون صلاة موقّفة و مشروعة قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال.

و لكن مقتضى ذلك عدم المشروعيّة، فهو الأظهر، كما هو مذهب جماعة من القدماء كما قيل «1»، و هو ظاهر الكلينيّ «2»، و الصدوق في ثواب الأعمال «3»، و المحكيّ عن ابني حمزة و زهرة و الحلبيّ «4».

و اشتهار الكراهة بين المتأخّرين- المعتضد بالإجماع المنقول و أصل البراءة- لا يصلح لردّ الأخبار المعتبرة الموافقة لفتوى جمع من قدماء الطائفة.

و معارضتها مع عمومات النوافل ذوات الأسباب إنّما هي بالعموم من وجه، فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل، و هو معنا، إذ مرادنا عدم ثبوت شرعيّتها دون تحريمها. و الرجوع إلى عمومات الأمر بالصلاة مطلقا فاسد، لأنّها أعمّ مطلقا من الأخبار المانعة فتخصّ بها قطعا. و تقديم التعارض مع الفرقة الأولى تحكّم.

______________________________

(1) الرياض 1: 197.

(2) الكافي 3: 459.

(3) ثواب الأعمال: 78.

(4) ابن حمزة في الوسيلة: 111، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، الحلبي في الكافي في الفقه: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 218

مع أنّه يمكن القول بتعارض الأخبار المانعة مع كلّ من الفريقين بالخصوص المطلق، للتصريح بالمنع عن قضاء الوتر بضميمة الإجماع المركّب.

فالقول باستثناء صلاة تحيّة المسجد- لو صلّيت العيد فيه- للتعارض المذكور ضعيف.

و أمّا ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال من صلاة أربع ركعات بعد صلاة العيد «1»، فيحتمل بعد الزوال. و لو سلّم فهذا يكون مستثنى، كصلاة ركعتين قبلها في مسجد النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، فإنّها أيضا تستثنى بالنصّ المعتضد بعمل الأصحاب من غير تعدّ إلى غيره من الأمكنة الشريفة، لاختصاص النصّ بل تصريحه بعدم التعدّي «2»، فالقول

به ضعيف.

ثمَّ إنّ كراهة التنفّل أو حرمتها تعمّ حال وجوب صلاة العيد و استحبابها، و لمن يصلّيها جماعة أو فرادى، بل لمن لم يصلّها، لإطلاق الأخبار.

المسألة الخامسة: قالوا: يحرم السفر بعد طلوع الشمس من يوم العيد، قبل صلاته لمن وجبت عليه «3»

، و نفى بعضهم الخلاف عنه «4»، و أثبت بعضهم الإجماع عليه «5».

فإن ثبت و إلّا فلا دليل عليه، كما يظهر ممّا ذكرنا في السفر يوم الجمعة.

نعم يكره بعد طلوع فجره قبل الصلاة لمن وجبت عليه أو استحبّت، لفتوى الأصحاب «6»، و صحيحة أبي بصير المتقدّمة في الجمعة، الغير الناهضة

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 77، الوسائل 7: 427 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.

(2) راجع ص 216، الهامش 7.

(3) كما في الشرائع 1: 102، و المدارك 4: 122، و الذخيرة: 320.

(4) كما في الرياض 1: 230.

(5) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(6) منهم الحلي في السرائر 1: 320، و العلّامة في المنتهى 1: 348، و السبزواري في الذخيرة: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 219

لإثبات الزائد من الاستحباب «1»، لاحتمال الجملة فيها الخبريّة.

و لا كراهة فيما قبل الفجر، و لا بعد الصلاة أو الزوال، للأصل.

و كذا يكره نقل المنبر إلى المصلّى لو كان مقام ليس له منبر، بل يعمل للإمام شبيه منبر من طين، بلا خلاف كما في المنتهى «2»، بل بالاتّفاق كما في الذخيرة «3»، بل بالإجماع كما في النهاية و التذكرة و المدارك و شرح القواعد و عن المعتبر و الذكرى «4».

و هو الحجّة فيه، مضافا إلى صحيحة إسماعيل بن جابر و فيها: «و ليس فيهما منبر، المنبر لا يحرّك عن موضعه، و لكن يصنع للإمام شي ء شبه المنبر من طين، فيقوم عليه فيخطب الناس، ثمَّ ينزل» «5».

و هي لمكان الجملة الخبريّة عن إفادة الحرمة قاصرة، فاحتمالها

لأجلها، ضعيف.

المسألة السادسة: إذا اتّفق العيد و الجمعة فالحاضر لصلاة العيد بالخيار

في حضور صلاة الجمعة- عند وجوبها- و عدمه فيصلّي الظهر، على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن بعضهم «6»، للروايات الخاصّيّة «7» و العاميّة «8»، الصحيحة و غيرها.

______________________________

(1) راجع ص 135.

(2) المنتهى 1: 345.

(3) الذخيرة: 322.

(4) نهاية الإحكام 2: 65، التذكرة 1: 159، المدارك 4: 122، جامع المقاصد 2: 458، المعتبر 2: 325، الذكرى: 241.

(5) الفقيه 1: 322- 1473، التهذيب 3: 290- 873 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 476 أبواب صلاة العيد ب 33 ح 1

(6) انظر: الخلاف 1: 673، و المنتهى 1: 348.

(7) كما في الوسائل 7: 447 أبواب صلاة العيد ب 15.

(8) انظر: سنن ابن ماجه 1: 415، و سنن أبي داود 1: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 220

و الظاهر اختصاص التخيير بغير الإمام، و أمّا هو فيجب عليه حضور الجمعة، فإن حضر العدد صلّاها، و إلّا يصلّي الظهر.

و يستحبّ لإمام العيد إعلام المأمومين بذلك، للنصّ، و فعل الحجّة «1»، و فتوى الطائفة «2».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 447 أبواب صلاة العيد ب 15.

(2) كما في المعتبر 2: 326، و المنتهى 1: 349، و الذكرى: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 221

المطلب الثالث في صلاة الآيات
اشارة

و الكلام إمّا في سببها، أو وقتها، أو كيفيتها، أو أحكامها، فهاهنا أبحاث أربعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 223

البحث الأوّل في سببها
اشارة

و هو: ما يوجبها.

أجمع علماؤنا كافّة على وجوب الصلاة لكسوف الشمس، و خسوف القمر.

و ادّعاء الإجماع عليه قد استفاض، بل تواتر، و هو دليله، مضافا إلى النصوص المستفيضة:

ففي صحيحة جميل «1»، و روايتي أبي أسامة «2»، و محمّد بن حمران «3»، و مرسلة المقنعة «4»: «صلاة الكسوف فريضة».

و في رواية عليّ بن عبد اللَّه: «أيّها الناس، إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللَّه» إلى أن قال: «فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا» «5».

و في مرسلة الفقيه: «فإذا انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم» «6».

و في مكاتبة الواسطيّ: إذا انكسفت الشمس أو القمر، و أنا راكب لا أقدر على النزول، قال: فكتب إليّ: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه» «7» إلى غير ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 3: 290- 875، الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 9.

(2) التهذيب 3: 127- 269، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 8.

(3) التهذيب 3: 155- 331، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 7.

(4) المقنعة 209، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 6.

(5) الكافي 3: 208- 7 و 463- 1، التهذيب 3: 154- 329، المحاسن: 313- 31، الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.

(6) الفقيه 1: 341- 1510، الوسائل 7: 491 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.

(7) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346- 1531، التهذيب 3: 291- 878، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 6، ص: 224

و كذا تجب لزلزلة الأرض، و كأنّه أيضا إجماعيّ، كما في شرح الإرشاد «1» بل في المنتهى «2»، و عن الخلاف و المعتبر و التذكرة: الإجماع عليه و كلّ مخوف «3».

نعم، لم يتعرّض الإسكافي و ابن زهرة و الحلبي لها، بل الأخير لم يتعرض لغير الكسوفين «4»، و لكن الأوّلين ذكرا كلّ مخوف سماويّ «5»، و اندراجها تحته محتمل.

و في الحدائق عن المفاتيح حكاية القول باستحباب صلاة الزلزلة «6»، و ليس كذلك، بل حكاه في الرياح و نحوها «7».

و تدلّ على وجوبها لها رواية الديلميّ: «إنّ اللَّه تعالى و كلّ بعروق الأرض ملكا، فإذا أراد اللَّه أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن يحرّك عرق كذا و كذا إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: «صلّ صلاة الكسوف» «8».

و الرضويّ: «و إذا هبّت الريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها صلاة الكسوف، و كذلك إذا زلزلت الأرض فصلّ صلاة الكسوف» «9».

و صحيحة محمّد و العجليّ: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوّف أن تذهب وقت الفريضة، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة، و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت، و احتسب ما مضى» «10».

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 413.

(2) المنتهى 1: 349.

(3) الخلاف 1: 682، المعتبر 2: 329، التذكرة 1: 163.

(4) الحلبي في الكافي في الفقه: 155.

(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 116، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(6) الحدائق 10: 300.

(7) الموجود في المفاتيح 1: 30 حكاية القول باستحباب الصلاة في الزلزلة و الرياح و غيرها من أخاويف السماء. فراجع.

(8) الفقيه 1: 343- 1517، العلل:

556- 7، الوسائل 7: 486 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.

(9) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.

(10) الفقيه 1: 346- 1530، الوسائل 7: 491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 225

فإنّ «بعض هذه الآيات» يشمل الزلزلة أيضا، و قوله «فارجع» يدلّ على وجوبها و إن لم يدلّ قوله «صلّيتها» عليه.

و إن أمكن الخدش في الأوّل: بمنع الشمول، لعدم تعيّن المشار إليه أوّلا، و عدم تحقّق معنى الآية ثانيا. و في الثاني: بأنّ لعلّ وجوبها حينئذ لتتميم العمل، فتأمّل.

ثمَّ مقتضى الأخيرة- إن تمّت دلالتها- وجوب الصلاة لكلّ مخوف سماويّ من ريح عاصف، أو ظلمة عارضة، أو حمرة شديدة، أو صاعقة عظيمة، أو رعد شديد، أو صوت قويّ، كما هو مذهب المفيد و السيّد و الصدوقين و العمانيّ و الإسكافيّ و الحلّي و الديلميّ و القاضي و الخلاف «1»، و جمهور المتأخّرين، بل عن الخلاف إجماع الفرقة عليه «2».

و هو المختار، لما ذكر، و لصحيحة زرارة و محمّد: أرأيت هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ قال: «كلّ أخاويف السماء- من ظلمة أو ريح أو فزع- فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» «3».

و يؤيّده الصحيح المرويّ في الفقيه: «إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات اللَّه تبارك و تعالى» «4» الحديث.

و المرويّ في الدعائم: «يصلّى في الرجفة و الزلزلة، و الريح العظيمة، و الظلمة، و الآية تحدث، و ما كان مثل ذلك، كما يصلّى في صلاة كسوف الشمس

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 210، السيّد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، الصدوق في المقنع: 44 حكاه عن العماني

و الإسكافي في المختلف: 116، الحلي في السرائر 1: 321، الديلمي في المراسم: 80، القاضي في المهذّب 1: 124، الخلاف 1: 682.

(2) الخلاف 1: 682.

(3) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 3، الفقيه 1: 346- 1529، التهذيب 3: 155- 330، الوسائل 7: 486 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.

(4) الفقيه 1: 342- 1513، الوسائل 7: 483 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 226

و القمر سواء» «1».

و إنّما جعلناهما مؤيّدين، مع كون مفهوم التعليل في الأوّل حجّة، و الآية في الثاني- سيّما مع قوله «و ما كان مثل ذلك»- لجميع المطلوب شاملة، و ضعفه بما ذكر مجبورا، لعدم صراحة الجعل في الأوّل و الجملة في الثاني في الوجوب.

و لمثل ذلك لم يستدلّ هنا ببعض ما استدلّ به بعض آخر أيضا. مع كفاية ما ذكر في المطلوب، لكونه صريحا صحيحا، و بعمل معظم الطائفة، و دعوى الإجماع و الشهرة معتضدا.

و لا يضرّ قوله فيه: «حتّى يسكن» حيث إنّه لا يجب فعل الصلاة إلى هذه الغاية.

لأنّ لفظة «حتّى» إمّا للتعليل أو الغاية، و على الثاني إمّا لغاية الوجوب أو الصلاة بمعنى أن يصلّي متّصلا حتّى يسكن، و عدم الوجوب- إن كان قائما- هو على الأخير خاصّة و هو احتماليّ، و بمحضه لا يرفع اليد عن حقيقة الأمر.

فالقول باستحباب الصلاة لغير الثلاثة الأولى كما نقله في الشرائع «2»، أو الترديد في وجوبه له كما فيه و في المعتبر و النافع «3»، أو عدم وجوبه كما هو محتمل من لم يتعرّض له كلا أو بعضا كجماعة من الأصحاب، لا وجه له.

فروع:
[الأول ]

أ: المصرّح به في النصّ المثبت للوجوب هو: المخوّف السماويّ،

أي الناشئ من جهة العلوّ. و شموله للأخاويف الأرضيّة كالصوت الشديد الخارج من الأرض، و الخسف المجرّد عن الزلزلة إن أمكن، و سقوط جبل و نحوها، في الأخبار

______________________________

(1) الدعائم 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.

(2) الشرائع 1: 103.

(3) الشرائع 1: 103، المعتبر 2: 330، النافع: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 227

غير معلوم، و لو سلّم ظهورها في ذلك فإنّما هو في بعض عبارات الفقهاء «1»، فالقول بعدم الوجوب لها- كما هو ظاهر بعض الأجلّة «2»، بل المفيد و الخلاف «3»- متعيّن.

[و الثاني ]

ب: لا صلاة لانكساف سائر الكواكب بعضها ببعض، أو بأحد النيّرين، أو أحدهما ببعضها، وفاقا لنهاية الإحكام و التذكرة و الموجز و الدروس و البيان و الروضة و الجعفريّة و حواشي الإرشاد للمحقق الثاني و الذخيرة و شرح الروضة «4»، للأصل، و عدم النصّ، و خفائه غالبا عن الحسّ، و عدم ترتّب خوف عليه للعامّة.

و خلافا للمحكيّ عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين و الذكرى «5»، لاندراجه تحت الأخاويف.

و ضعفه ظاهر، كيف؟! و لا يطّلع عليه غالبا إلّا بقول المنجّمين الغير المورث للخوف للمعظم.

[و الثالث ]

ج: المذكور في الرواية هو الأخاويف، و لا بدّ لها من خائف و هو غير فهو إمّا خائف مطلقا و لو كان واحدا، أو معظم الناس لو اطّلعوا عليه.

كلّهم فليس مرادا بالإجماع و عدم إمكان العلم.

و لكن الأوّل غير معلوم فيقتصر فيه على الثاني، للأصل، و به صرّح جماعة من الأصحاب «6».

______________________________

(1) كما في المختلف: 116، و مجمع الفائدة 2: 414.

(2) انظر: كشف اللثام 1: 266.

(3) المفيد في المقنعة: 210، الخلاف 1: 682.

(4) نهاية الإحكام 2: 76، التذكرة 1: 165، الدروس 1: 191، البيان: 206، الروضة 1: 311، الذخيرة: 324.

(5) الذكرى: 247.

(6) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 311، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 265، و صاحب الرياض 1: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 228

هذا في غير الثلاثة الأولى، للتنصيص بها بخصوصها، فتجب الصلاة لها و لو لم يوجب خوفا. و النصّ و إن وقع في بعض من غيرها أيضا إلّا أنّه مع درجة في الأخاويف، إلّا في بعض ما لا دلالة له على الوجوب «1».

[و الرابع ]

د: المناط التخويف لو لا العارض. فلو لم يحصل الخوف من بعضها لكثرة وقوعه و تكرّره في بلدة تجب الصلاة، لصدق المناط و الاستصحاب. و بذلك يمكن درج الثلاثة الأولى في الأخاويف أيضا.

______________________________

(1) كالرضوي و المروي في الدعائم، المتقدمين في ص 224- 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 229

البحث الثاني في وقتها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ابتداء وقت صلاة الكسوفين الأخذ في الكسف
اشارة

، بمعنى جواز الشروع في الصلاة حينئذ، و عدم جواز التقديم، بالإجماع، حكاه جماعة «1».

أمّا الثاني فظاهر، و أمّا الأوّل فللأمر بها حين تحقّق الكسوف- الصادق بالشروع- في الأخبار، كرواية عليّ بن عبد اللَّه، و مرسلة الفقيه، و صحيحة محمّد و العجليّ المتقدّمة «2»، و غيرها، و صحيحة جميل: «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف» «3».

و آخرها تمام الانجلاء، على الأقوى، بمعنى أنّه يجوز تأخيرها إلى زمان يتمّ بتمام الانجلاء. و لا يجوز التأخير عنه عمدا، و لو أخّر كان قضاء.

وفاقا في الأوّل للعمانيّ و السيّد و الحلبيّ و الديلميّ و المعتبر و الشرائع و المنتهى و الدروس و الذكرى و شرح القواعد و المدارك و الذخيرة «4»، و شرح الروضة، و مال إليه في البيان و روض الجنان و المسالك «5».

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 352، و الذخيرة: 324، و الرياض 1: 198.

(2) راجع ص 223- 224.

(3) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 4، التهذيب 3: 293- 886، الوسائل 7: 488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.

(4) حكاه عن العماني في المنتهى 1: 352، حكاه عن السيد في المختلف: 117، الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81، المعتبر 2: 330، الشرائع 1: 103، المنتهى 1:

352، الدروس 1: 195، الذكرى: 244، جامع المقاصد 2: 471، المدارك 4: 129، الذخيرة:

324.

(5) البيان: 207، روض الجنان: 303، المسالك 1: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 230

للاستصحاب، و أصالة البراءة عن حرمة التأخير، و رواية ابن أبي يعفور:

«إذا انكسف الشمس و القمر و انكسف كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنه

يجزي الرجل يصلّي وحده» «1».

وجه الدلالة: أنّه لا يعلم كليّة الكسوف أو جزئيّته أبدا، و لا يظنّ غالبا سيّما لعامّة الناس، سيّما عند الأعراب الّذين لا منجّم عندهم قبل الشروع في الانجلاء، فلو تمَّ الوقت به- كما هو القول الآخر- لما كان لهذا التفصيل الوارد في ذلك الحديث مورد و كان لغوا.

و تؤيّده موثّقة الساباطيّ: «إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فإنّ ذلك أفضل، و إن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» «2».

و صحيحة الرهط، و فيها: «صلّاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» «3».

فإنّ الذهاب و الانجلاء حقيقتان في تمام الانجلاء، و لو كان الوقت يخرج قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه.

و صحيحة ابن عمّار: «إن فرغت قبل أن ينجلي فأعد» «4».

و لو كان الوقت يخرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة وجوبا و لا استحبابا.

و إنّما جعلنا الثلاثة الأخيرة مؤيّدة لاحتمال أن يقال: إنّ المراد بانتهاء وقتها بالأخذ في الانجلاء وجوب الشروع و الدخول فيها قبله، و إن جاز التطويل بعد الدخول إلى تمام الانجلاء، و إنّ وجوب الإعادة أو استحبابها قبل تمام الانجلاء لا ينافي وجوب فعلها قبل الأخذ فيه.

______________________________

(1) التهذيب 3: 292- 881، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 2.

(2) التهذيب 3: 291- 876، الوسائل 7: 489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 5.

(3) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 4.

(4) التهذيب 3: 156- 334، الوسائل 7: 498 أبواب صلاة الكسوف ب

8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 231

و دعوى الإجماع على انتفاء الأمرين- كما قيل «1»- مشكلة جدّا، فإنّه غير ثابت البتّة.

خلافا للمحكيّ عن الشيخين و ابن حمزة و الحلّي و النافع «2»، و الفاضل في جملة من كتبه منها القواعد و الإرشاد «3»، و عليه دعوى الشهرة في كلام جماعة «4»، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا «5»، و عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين إلى الإماميّة، مؤذنين بإجماعهم عليه، فقالوا: إنّ آخره الشروع في الانجلاء.

لزوال العذر الموجب.

و حصول ردّ النور.

و صحيحة حمّاد: ذكرنا انكساف القمر و ما يلقى الناس من شدّته، قال:

فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى» «6».

و ضعف الأوّلين ظاهر.

و يضعّف الثالث: بأنّه إنّما يفيد إذا كان هناك دليل على ذهاب الوقت بمطلق الانجلاء، و ليس كذلك، مع أنّه لا يعلم أنّ المراد تساوي الحالتين، في ما ذا و لا يعلم أنّ مراد السائل من الشدّة ما ذا.

و يمكن أن يستدلّ لهم بصحيحة جميل السابقة حيث صرّحت بأنّ «وقتها في الساعة التي تنكسف» و هي تصدق ما دامت لم تشرع في الانجلاء، إذ تنكسف

______________________________

(1) الرياض 1: 198.

(2) الشيخ الطوسي في النهاية: 137، حكاه عن المفيد في المعتبر 2: 33، الحلي في السرائر 1: 322، النافع: 39.

(3) القواعد 1: 39، الإرشاد 1: 261.

(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 36، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 471، و صاحب الرياض 1: 198.

(5) التذكرة 1: 163.

(6) الفقيه 1: 347- 1535، التهذيب 3: 291- 877، الوسائل 7: 488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 232

شيئا فشيئا، و لا تصدق بعده،

بل هو ساعة تنجلي. و ظاهر الكلام الحصر، لحمل الخبر الخاصّ على المبتدأ المعرفة. و الحمل على وقت الوجوب خلاف الظاهر بل الحقيقة.

و يجاب عنها: بأنّ دلالتها على عدم وقت غيرها بعموم مفهوم الحصر، و يجب تخصيصه بما دلّت عليه رواية ابن أبي يعفور من بقاء وقت بعد هذه الساعة أيضا، و ليس إلّا إلى تمام الانجلاء إجماعا.

و إجماعا في الثاني و هو: عدم جواز التأخير عن تمام الانجلاء، على الظاهر.

و هو الدليل عليه- و به يدفع الاستصحاب- مع بعض الأخبار الآتية المتضمّنة لمثل قوله «إذا فاتتك صلاة الكسوف» إذ لو لا توقيته بوقت محدود لم يتحقّق فوت، و ليس بعد تمام الانجلاء حدّ إجماعا.

و صحيحة جميل السابقة الدالّة على انحصار الوقت بالساعة التي تنكسف، خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

و مكاتبة الواسطيّ السابقة «1»، فإنّه لو لا التوقيت لما كان وجه لوجوب الصلاة راكبا.

و تؤيّده أخبار القضاء «2»، المستلزم للتوقيت الغير المتجاوز عن تمام الانجلاء بالإجماع.

و إنّما جعلناها مؤيّدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للقضاء في المعنى المصطلح، و إن كان هو الظاهر من بعض أخبار المقام.

و قد يستدلّ له أيضا بمثل قوله عليه السلام في الأخبار: «إذا انكسفتا أو إحداهما فصلّوا» «3» حيث أوجب الصلاة وقت الانكساف.

و يضعّف: بأنّه يفيد السببيّة دون التوقيت كما في قوله عليه السلام «إذا

______________________________

(1) في ص 223.

(2) الآتية في ص 237- 238.

(3) انظر: الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 233

زالت الشمس فصلّ» و ليس معناه إذا انكسفت فصلّ وقت الكسوف.

فرع:

قد فرّع جماعة من الأصحاب على التوقيت المذكور أنّه لو قصر الوقت عن الصلاة سقطت أداء، لاستحالة التكليف بعبادة

في وقت يقصر عنها. و قضاء، إذ لا قضاء فيما لا يجب أصله «1».

و مقتضى ذلك أنّه لو شرع فيها ابتداء الوقت، ثمَّ تبيّن ضيقه عنها لم يجب الإتمام، بل يقطعها لانكشاف عدم الوجوب.

قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك: و الظاهر أنّ الأدلّة غير دالّة على التوقيت، بل ظاهرها سببيّة الكسوف لإيجاب الصلاة، و مقتضى ذلك عدم تقدير الوجوب بمقدار إدراك الصلاة أو ركعة منها، فإن ثبت إجماع على شي ء من ذلك تعيّن المصير إليه، و إلّا لم يكن معدل عن إطلاق الأدلّة «2». انتهى.

و يظهر ضعفه ممّا ذكرنا من أدلّة التوقيت.

و أضعف منه ما ذكره في الحدائق بعد نقل السقوط بدليل الاستحالة المذكورة من أنّ التعويل على مثل هذه القواعد العقليّة في مقابل إطلاق الأخبار فاسد «3».

فإنّ استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها من البديهيّات التي لا تقبل الارتياب، فإنّه تكليف بما لا يطاق، و لو عزل العقل عن أمثال هذه الأحكام فبأيّ شي ء تثبت حجيّة الأخبار؟.

نعم لو منع التوقيت، لم يكن ظاهر الفساد بهذه المثابة، و رجع إلى كلام الذخيرة، أو أراد عدم ثبوت ترتّب عدم وجوب القضاء أو الفعل بعده على ذلك، كما لا يترتّب على عدم وجوب الحجّ على من مات عام الاستطاعة في الطريق عند

______________________________

(1) انظر: الدروس 1: 195، و مجمع الفائدة 2: 418، و المدارك 4: 130.

(2) الذخيرة: 325.

(3) الحدائق 10: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 234

جماعة، فله أيضا وجه.

ثمَّ أقول:

إنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الصلاة بمجرّد حصول السبب الذي هو الانكساف، سواء اتّسع زمانه زمان الصلاة أم لا، و مقتضى دليل التوقيت وجوب التلبس بالصلاة في الوقت المعيّن، فإن كان الوقت بقدر يفي بتمامها يتمها فيه،

و إلّا فيتمّها فيما بعده، سيّما إذا كان هناك دليل على وجوب الإتمام لو لم يتمّ في الوقت، كما في المورد، لصحيحة زرارة و محمّد الآتية، فيجب التلبّس بالصلاة في ساعة الانكساف.

سلّمنا اقتضاء التوقيت للتمام فيه، فيتعارض الإطلاق و دليل التوقيت في صورة عدم الاتّساع، و تعارضهما بالعموم من وجه، و محلّ التعارض صورة عدم اتّساع الوقت، و اللازم فيها الرجوع إلى المرجّح إن كان، و إلّا فالتخيير، فالحكم بالسقوط و وجوب القطع لا وجه له.

مع أنّ التخيير أو السقوط إنّما يكون إذا لم يكن دليل آخر على الحكم في صورة عدم اتّساع الوقت عموما أو خصوصا، و الدليل الخارجيّ هنا موجود، و هو صحيحة زرارة و محمّد و فيها: «و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي» «1».

فإنّها بعمومها تشمل ما إذا لم يتّسع زمانه الصلاة أيضا، و حكم فيها بوجوب الإتمام.

فإن قيل:

مدلول الصحيحة وجوب الإتمام لو شرع فيها كما هو مختار المنتهى «2»، و أمّا وجوب فعلها لو لم يشرع فمن أين؟.

قلنا:

نحن نقول بوجوب التلبس في الوقت الذي هو الساعة التي

______________________________

(1) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

(2) المنتهى 1: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 235

تنكسف، للأمر في الإطلاقات، و تعيين الوقت في صحيحة جميل «1».

مع أنّ من يقول بوجوب القضاء في صورة العلم باحتراق البعض و الترك حينه، له أن يقول بأنّه لو لم يشرع يجب عليه الفعل بعده، لأدلّة وجوب القضاء.

فإنّه لا يجب فيه وجوب أداء كما في النائم عن اليوميّة. و إطلاق القضاء على ما كان له وقت يسعه البتّة-

يجب فيه أو لم يجب- اصطلاح جديد.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: إنّا لو سلّمنا أنّ التوقيت يقتضي وجوب انطباق تمام الفعل على الوقت، فمقتضى أدلّة التوقيت أنّ التوقيت بهذا الوقت لوجوب الصلاة منحصر بصورة الاتّساع، و عند عدمها أمّا ينتفي التوقيت، أو الوجوب، و لا يعلم أحد الأمرين، فتبقى الإطلاقات بلا معارض معلوم.

فالوجوب مطلقا و لو لم يتّسع زمان الكسوف- كما اختاره في الحدائق «2»، و يميل إليه كلام الذخيرة «3»، و احتمله الفاضلان «4» كما قيل- قويّ جدّا.

و لكن المسألة قليلة الفائدة، لأنّ مثل هذا الكسوف إمّا لا يحسّ به حتّى يعلم و تجب صلاته، أو يحسّ و لا يحسّ بانجلائه التامّ قبل أخفّ صلاة يفعل، فيجب الاستصحاب.

المسألة الثانية: وقت هذه الصلاة في سائر الآيات غير الزلزلة وقتها،

لصحيحة زرارة و محمّد السابقة «5»، فإنّ لفظة «حتّى» فيها إمّا للغاية أو التعليل.

و على كلّ منهما يثبت التوقيت، لدلالتها على انتفاء الوجوب بعد السكون، إمّا بمفهوم الغاية أو العلّة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 229.

(2) الحدائق 10: 309.

(3) الذخيرة: 325.

(4) انظر: المعتبر 2: 341، و نهاية الإحكام 2: 79.

(5) في ص 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 236

و حملها على الأمر بتطويل الصلاة و إعادتها حتّى يسكن يوجب صرف الأمر عن حقيقته، لعدم وجوب ذلك قطعا، فالأمر قرينة على إرادة التعليل، أو كونها غاية الوجوب، و بها تقيّد الإطلاقات لو كانت.

و مقتضى التوقيت وجوب التلبس حين حدوث الآية، فإن و في زمانها بها، و إلّا فيتمّها بعدها كما مرّ.

و أمّا في الزلزلة فلا وقت لها، للأصل، و عدم ثبوت الزائد عن السببيّة عن أدلّتها. فوقتها تمام العمر. و لا يجب الفور- للأصل- و إن استحبّ.

المسألة الثالثة: لو ترك صلاة أحد الكسوفين

، فإن كان كلّيا قضاها مطلقا سواء علم به و تركها عمدا أو نسيانا أو اضطرارا، أو لم يعلم به.

و كذا إن كان جزئيا و علم به حاله.

و إن كان جزئيا و لم يعلمه فلا قضاء عليه.

وفاقا للأكثر في الجميع كما صرّح به جماعة «1»، بل عن جماعة التصريح بعدم الخلاف في الأوّل «2»، بل عن التذكرة «3»، و إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف الإجماع عليه «4»، كما عن السرائر نفي الخلاف في الثاني «5»، مع شمول إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف له، و عن التذكرة نفي الخلاف عن الثالث «6»، بل عن القاضي التصريح بالإجماع فيه «7».

لنا على الأوّل:

عمومات قضاء الفوائت المذكورة في مظانّها. و تخصيص

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 353.

(2) كما في الرياض 1: 199.

(3) التذكرة 1: 143.

(4)

الانتصار: 58، الخلاف 1: 678.

(5) السرائر 1: 321.

(6) التذكرة 1: 163.

(7) انظر: شرح جمل العلم و العمل: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 237

الجميع باليوميّة لا وجه له، و دعوى تبادرها ممنوعة.

مضافا في صورة العلم بالكليّة، إلى فحوى المعتبرة الآتية المثبتة للقضاء في صورة الجهل، و مرسلة حريز: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصلّ فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء من غير غسل» «1».

و الجزء الأخير من موثقّة الساباطيّ الآتية.

و في صورة الجهل بها، إلى ذيل تلك المرسلة، و الأخبار المستفيضة كصحيحة زرارة و محمّد: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم، ثمَّ علمت بعد ذلك، فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء» «2».

و الفضيل و محمّد: أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: «إن كان القرصان احترقا كلّهما قضيت، و إن كان احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه» «3».

و رواية حريز: «إذا انكسف القمر، و لم تعلم به حتّى أصبحت، ثمَّ بلغك، فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك» «4».

و بهذه يقيّد إطلاق موثّقة الساباطيّ: «و إن لم تعلم حتى يذهب الكسوف

______________________________

(1) التهذيب 3: 157- 337، الاستبصار 1: 453- 1758، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 5.

(2) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 6، التهذيب 3: 157- 339، الاستبصار 1:

454- 1759، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 2.

(3) الفقيه 2: 346- 1532، الوسائل 7: 499 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1.

(4) التهذيب

3: 157- 336، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 238

ثمَّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» «1».

و صحيحة عليّ: عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال: «إذا فاتتك فليس عليك قضاء» «2».

و قريبة منها رواية الحلبيّ «3».

و لنا على الثاني:

عمومات القضاء.

و إطلاق صدر مرسلة حريز، و ذيل الموثّقة.

و خصوص مرسلة الفقيه «4»: «إذا علم الكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه».

قيل:

هي و إن اختصّت بالنسيان إلّا أنه يلحق به العمد بالفحوى، مع عدم قائل بالفرق بينهما «5».

و قوله في الرضويّ الآتي: «و إن لم يحترق القرض فاقضها».

خلافا في ذلك للمحكيّ عن جمل السيّد و مصباحه و مسائله المصريّة

______________________________

(1) التهذيب 3: 291- 876، الاستبصار 1: 454- 1760، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 10.

(2) التهذيب 3: 292- 884، الاستبصار 1: 453- 1756، قرب الإسناد: 219- 858، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 7.

(3) التهذيب 3: 157- 338، الاستبصار 1: 453- 1757، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 9.

(4) كذا في النسخ، و لكن لم نعثر عليها فيه، بل وجدناها في الكافي 3: 465 ذ. ح 6، و عنه في الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 3.

(5) انظر: الرياض 1: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 239

الثالثة «1»، و الشيخ في التهذيب، و الحلّي «2»، و قوّاه في الروضة «3»، و رجّحه في

المدارك «4»، فلا قضاء حينئذ، للأصل، و إطلاق صحيحة عليّ و رواية الحلبيّ السابقتين، و ذيلي صحيحتي زرارة و محمّد، و الفضيل و محمّد. و تخصيصهما بحال الجهل لا وجه له، و اختصاص ما قبلهما بها لا يصلح قرينة لاختصاصهما أيضا، و لا يدلّ عليه بوجه أصلا.

و يجيبون هؤلاء عن أدلّة وجوب القضاء حينئذ بعد تضعيف الرضويّ سندا:

بأنّ العمومات مخصصة بما مرّ، لأعميتها مطلقا.

و المرسلة و الموثّق- لاختصاصهما بحال العلم، و شمولهما لاحتراق الكلّ- أعمّان من وجه من ذيلي الصحيحين الأوّلين، لاختصاصهما باحتراق البعض، و لا مرجّح لشي ء من الفريقين، و إن كان أحدهما أرجح سندا و الآخر من حيث الاعتضاد بالشهرة فتوى، إلّا أنّهما مع عدم صلاحيتهما للترجيح على التحقيق متكافئان. و موافقة الذيلين لمذهب العامّة «5»- كما تستفاد عن الانتصار و الخلاف- لا تضرّ بعد مخالفة صدرهما، فيبقى إطلاق الصحيح و الرواية الأخيرين الذي هو أخصّ مطلقا من عمومات القضاء سالما عن معارض ظاهر.

و جعل إطلاق المرسل و الموثّق قريبا من النصّ في احتراق البعض، لندرة احتراق الكلّ، و غلبة انكساف البعض- مع عدم اعتبار أمثال ذلك- لا تفيد، إذ لو صحّ لكان إطلاق الصحيح و الخبر الأخير أيضا بسقوط القضاء قريبا من النصّ فيه.

مضافا إلى أنّ سياق المرسلة ربّما يشير إلى كون موردها خصوص احتراق

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، حكاه عن المصباح في المدارك 4: 135، و عن المسائل المصرية في المختلف: 116.

(2) التهذيب 3: 157، الحلّي في السرائر 1: 321.

(3) الروضة 1: 315.

(4) المدارك 4: 136.

(5) انظر: المغني 2: 280، و الأم 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 240

الكلّ، للأمر بالغسل في صورة العمد،

و نفيه و إثبات القضاء في صورة الجهل، و شي ء منهما لا يوافق المشهور في احتراق البعض.

و أمّا المرسلة الأخيرة فخصوصيتها ممنوعة، لأنّها إنّما هي إذا كان المشار إليه لقوله: «هذا» مجموع الحكمين، و هو غير معلوم، بل الأصل و العرف يقتضي اختصاصه بالأخير، فتكون هذه أيضا أعم من وجه كسابقتيها، و قد عرفت الحال.

أقول:

كلّ ذلك كان مفيدا لو لا انجبار الرضويّ المذكور بما مرّ من الشهرة المحقّقة و المحكيّة مستفيضة، و حكاية نفي الخلاف، و دعوى الإجماع. و أمّا معه فيردّ به دعوى ضعفه، ثمَّ يعارض به الذيلان لتساويهما، فإن رجّحناه بمخالفة العامّة و إلّا فيشتغلان بأنفسهما، و لا يعلم مخصص أو معارض للمرسلتين و الموثّقة، فيعمل بإطلاقهما في الحكم بالقضاء مع العلم، سواء احترق الكلّ أو البعض، مع أنّ ظهور الذيلين في حال الجهل ممّا لا يقبل المنع، سيّما ذيل الثانية، فلا ينافيان المطلوب أصلا.

و لنا على الثالث:

ما استدلّ به المخالف في الثاني. مضافا إلى رواية حريز و الموثّقة الخاليتين عن مكاوحة الرضويّ أيضا، لضعفه الخالي عن الجابر في المقام.

مع أنّ رواية حريز خاصّة مقدّمة على الجميع.

خلافا فيه خاصّة للمحكيّ عن الصدوقين و الإسكافيّ «1»، و الحلبيّ و الديلميّ في ظاهر قوله «2»، و المقنعة و الانتصار و الخلاف «3»، فأوجبوا القضاء فيه، و عن ظاهر الأخيرين الإجماع عليه، له، و للعمومات.

و الرضويّ: «و إن انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت، فإن تركتها متعمّدا حتّى تصبح فاغتسل و صلّ، و إن لم يحترق القرص

______________________________

(1) حكاه عنهم في المختلف: 116.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81.

(3) المقنعة: 211، الانتصار: 58، الخلاف 1: 678.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 241

فاقضها و لا تغتسل» «1».

و يردّ الأوّل:

بعدم الحجيّة، مع احتمال اختصاصه- كما قيل «2»- باحتراق الكلّ، و معارضته بنقل ادّعاء الإجماع على انتفاء القضاء في هذه الصورة عن القاضي «3»، و نفي الخلاف إلّا عن المفيد كما عن ظاهر التذكرة «4».

و الثاني:

بوجوب تخصيصها بما مرّ من الأدلّة الخاصّة المعتضدة بالأصل و الشهرة.

و الثالث:

بضعفة الخالي عن الجابر في المقام بالمرّة، مع معارضته بما هو أخصّ مطلقا منه من رواية حريز السالفة.

المسألة الرابعة: لو ترك صلاة غير الكسوفين و الزلزلة من الآيات جهلا به،

فعن الشرائع و التذكرة و التحرير و البيان «5»، بل نسبه جماعة إلى المشهور «6»، بل قيل: إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا «7»: عدم وجوب القضاء، للأصل، و عدم دليل سوى العمومات المتبادرة منها اليوميّة، مع أنّها إنّما تدلّ على الوجوب على مفوّت الفريضة، و هي ليست فريضة بالنسبة إليه، لامتناع تكليف الغافل، و فحوى ما دلّ عليه في الكسوفين، لكون وجوب صلاتهما أقوى.

و لو كان عن عمد، فعن التحرير و الذكرى: وجوب القضاء «8»، و احتمله في نهاية الإحكام «9».

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 174 أبواب صلاة الآيات ب 9 ح 1.

(2) انظر: الرياض 1: 199.

(3) انظر: شرح جمل العلم و العمل: 136.

(4) التذكرة 1: 163.

(5) الشرائع 1: 103، التذكرة 1: 163، التحرير 1: 47، البيان: 208.

(6) كما في الذخيرة: 325، و الرياض 1: 199.

(7) كما في المدارك 4: 134.

(8) التحرير 1: 47، الذكرى: 244.

(9) نهاية الاحكام 2: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 242

و قوّى في الروضة وجوبه على التقديرين «1»، و مال إليه في الذخيرة «2». و هو قوّى جدّا، للعمومات الشاملة لمثلها أيضا، لعدم ظهور مخصص، و لو لم

يكن واجبا في الوقت، كما يأتي في بحث القضاء.

و أمّا الزلزلة فتجب مدّة العمر، للأمر المطلق، و عدم ثبوت التوقيت فيها.

______________________________

(1) الروضة 1: 315.

(2) الذخيرة: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 243

البحث الثالث في كيفيتها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: هي ركعتان، فيهما عشر ركوعات و قيامات و قراءات، و أربع سجدات

، بعد كلّ خمس ركوعات سجدتان، و قبل كلّ ركوع قراءة.

فينوي، ثمَّ يكبّر للإحرام، فيقرأ وجوبا، ثمَّ يركع فيقوم من غير أن يسجد، فيقرأ، ثمَّ يركع، ثمَّ يقوم و يقرأ و يركع، ثمَّ كذلك، ثمَّ كذلك، و يسجد بعد الركوع الخامس، فيقوم و يفعل كما فعل في الأولى، بالإجماع المحقّق و المحكيّ عن الناصريّات و الانتصار و الخلاف و المعتبر و المنتهى و غيرها «1»، له، و للمستفيضة كصحيحة زرارة و محمّد: «هي عشر ركعات و أربع سجدات، تفتتح الصلاة بتكبيرة، و تركع بتكبيرة، و ترفع رأسك بتكبيرة إلّا في الخامسة التي تسجد فيها، و تقول: سمع اللَّه لمن حمده، و تقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع، و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد فادع اللَّه حتّى ينجلي، و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي، و تجهر بالقراءة» «2» الحديث، كما يأتي.

و صحيحة الحلبيّ: «عن صلاة الكسوف كسوف الشمس و القمر، قال:

عشر ركعات و أربع سجدات، تركع خمسا، ثمَّ تسجد في الخامسة، ثمَّ تركع

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 204، الانتصار: 59، الخلاف 1: 679، المعتبر 2: 334، المنتهى 1: 350، و انظر: التذكرة 1: 162، و الرياض 1: 200.

(2) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 244

خمسا، ثمَّ تسجد في العاشرة» «1» الحديث.

و صحيحة الرهط: «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء، و أشدّها و أطولها كسوف الشمس، تبدأ فتكبّر بافتتاح الصلاة، ثمَّ تقرأ أمّ الكتاب و

سورة، ثمَّ تركع ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الثانية ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الثالثة ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الرابعة ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللَّه لمن حمده، ثمَّ تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين، ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى» «2» الحديث.

و الرضويّ: «إنّ صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات، تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة، ثمَّ تقرأ الفاتحة و سورا طوالا، و طوّل في القراءة و الركوع و السجود ما قدرت، فإذا فرغت من القراءة ركعت، ثمَّ رفعت رأسك بتكبير و لا تقول: سمع اللَّه لمن حمده، تفعل ذلك خمس مرّات، ثمَّ تسجد سجدتين، ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الاولى» «3».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    245     المسألة الأولى: هي ركعتان، فيهما عشر ركوعات و قيامات و قراءات، و أربع سجدات ..... ص : 243

الدعائميّ: «صلاة الكسوف في الشمس و القمر و عند الآيات واحدة، و هي عشر ركعات و أربع سجدات، يفتتح الصلاة بتكبيرة و يقرأ بفاتحة الكتاب و سورة طويلة و يجهر فيها بالقراءة، ثمَّ يركع فيلبث راكعا مثل ما قرأ، ثمَّ يرفع رأسه و يقول: اللَّه أكبر» «4» و ساق الحديث قريبا ممّا مرّ.

و أمّا روايتا أبي البختري و يونس الدالّة أولاهما على أنّ عليّا عليه السلام

______________________________

(1) الفقيه 1: 346- 1533، الوسائل 7: 495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 7.

(2) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف

ب 7 ح 1.

(3) فقه الرضا «ع»: 134، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 1.

(4) دعائم الإسلام 1: 200، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 245

صلّى في الكسوف ركعتين في أربع ركعات و أربع سجدات «1»، و ثانيتهما على أنّ أبا جعفر عليه السلام صلّى حال الخسوف ثماني ركعات «2».

فشاذّتان، و على التقيّة- لموافقتهما للعامّة كما صرّح به جماعة «3»- محمولتان، مع أنّهما سيّما الثانية ليستا صريحتين في أنّ ما فعلاه كان صلاة الكسوف.

المسألة الثانية: تجب القراءة قبل كلّ ركوع كما مرّ، إجماعا.

و كيفيتها أن يقرأ بعد تكبيرة الافتتاح و قبل الركوع الأوّل الحمد و سورة أو بعضها فيركع، فإذا انتصب منه قرأ الحمد ثانيا و سورة أو بعضها إن كان أتمّ السورة في الاولى، و إلّا فلا يقرأ الحمد، بل يقرأ السورة من حيث قطع خاصّة، فيركع، فإذا انتصب يقرأ الحمد و سورة أو بعضها مع تمام السورة في الثانية، و السورة خاصّة من حيث قطعها في الثانية بدونه، و هكذا يفعل إلى أن يتمّ خمس ركوعات، فيسجد بعد الخامسة، فإذا قام من السجود قرأ الحمد و سورة أو بعضها و ركع، فإذا انتصب قرأ كما في الركعة الأولى إلى أن يتمّ خمس ركوعات.

و على هذا فتتعيّن الفاتحة قبل الركوع الأوّل بعد النيّة و قبل السادس بعد القيام من السجود، و أمّا قبل سائر الركوعات فيتخيّر بين قراءة الفاتحة و عدمها، بمعنى أنّه إن أتمّ السورة في الركوع السابق تجب قراءة الحمد، و إلّا فلا.

بلا خلاف من أحد مطلقا في الأوّل أي أصل تعيّن الفاتحتين. و صرّح به في تتمّة صحيحة الحلبيّ المتقدّمة «4» قال: «و إن

شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة، فإذا قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة

______________________________

(1) التهذيب 3: 291- 879، الاستبصار 1: 452- 1753، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 4.

(2) التهذيب 3: 292- 880، الاستبصار 1: 453- 1754، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 5.

(3) كالشيخ في الخلاف 1: 679 و التهذيب 3: 292، و العلامة في المنتهى 1: 350.

(4) في ص 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 246

الكتاب، و إن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف أخرى».

و بلا خلاف من أحد- صريح- في موضع تعيّن الفاتحتين، و تدلّ عليه أيضا الصحيحة المذكورة.

و عن الفاضل:

الاحتمال ضعيفا أنّه إن لم يتمّ السورة قبل الركوع الخامس لا تجب الفاتحة قبل السادس، بل يقرأ من حيث قطع السورة، و لكن قال: تجب الفاتحة في ركوع آخر من الثانية حيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين «1».

و قوّى في الحدائق ذلك الاحتمال بما يأتي من النهي عن قراءة الفاتحة إن لم يتمّ السورة «2».

أقول:

لا يخفى أنّ قوله في الصحيحة «إلّا في أوّل ركعة» أخصّ مطلقا ممّا يأتي، و مقتضاه أنّ النهي إنّما هو في غير أوّل ركعة فيجب التخصيص به.

مع أنّه لا إطلاق أو عموم يدلّ على جواز القطع خلال السورة في الركوع الخامس و الأخذ منه في السادس، و لو كان لكان مقتضاه جواز ذلك في تمام الركوعات، فإيجاب حمد في الثانية يكون مخالفا له، للنهي المذكور.

و بلا خلاف من غير المحكيّ عن الحلّي «3»، و محتمل الروضة «4»، في الثاني، فلم يوجب

الحمد زيادة على مرّة في كلّ من الركعة الاولى و الثانية مطلقا و لو أكمل السورة و أتمّها في كلّ ركوع، بل استحبّها.

و هو محجوج- بعد ظاهر الإجماع المحقّق، و المحكيّ ظاهرا في كلام جماعة «5» كما قيل- بالأمر الدالّ على الوجوب في المعتبرة المستفيضة، منها الصحيحة

______________________________

(1) التذكرة 2: 162.

(2) الحدائق 10: 333.

(3) حكاه عنه في الحدائق 10: 331.

(4) الروضة 1: 12.

(5) كالمحقق في المعتبر 2: 334، و العلامة في المنتهى 1: 350، و صاحب الرياض 1: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 247

المتقدّمة، و منها تتمّة صحيحة زرارة و محمّد «1»: قال، قلت: كيف القراءة فيها؟

فقال: «إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب».

و الصحيحان المرويّان في مستطرفات السرائر و كتاب عليّ بن جعفر و فيهما:

عن القراءة في صلاة الكسوف، قال: «تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب» قال: «فإذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتّى تختم السورة» «2».

و يؤيّده الرضويّ: «و لا تقرأ سورة الحمد إلّا إذا انقضت السورة، فإذا بدأت بالسورة بدأت بالحمد» «3».

ثمَّ إنّه كما أنّ قراءة الحمد بعد إكمال السورة واجبة عزيمة، فهل تركها مع عدم إكمالها أيضا كذلك للنهي، أم تجوز قراءتها أيضا؟.

الظاهر: الثاني، لا لما قيل من أنّ النهي لوروده مورد توهّم الوجوب لا يفيد الحظر، لأنّ الحقّ إفادته له حينئذ أيضا.

بل لعدم النهي صريحا، لوروده بما يحتمل الجملة المنفيّة الغير الصريحة في الحرمة.

ثمَّ إنّ الموجب للفاتحة هل هو ختم السورة في الركوع السابق- إمّا بقراءتها أجمع

فيه أو مع ما قبله، أو بقراءة بعضها الأخير خاصّة إن جاز- أو الابتداء بالأخرى في الركوع الذي فيه أخذا من مبدئها أو أثنائها إن جاز؟.

مقتضى الصحيحين الأخيرين و الرضويّ الأوّل، و مقتضى قوله في الصحيحة الأولى: «حتّى تستأنف أخرى» الثاني.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 243.

(2) مستطرفات السرائر: 54- 7، مسائل علي بن جعفر «ع»: 248- 586، الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13.

(3) فقه الرضا «ع»: 134، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 248

و الأوّل أظهر، لصراحة مقتضية، و إمكان ورود الثاني مورد الغالب من عدم الاستئناف ما لم يختم الأولى، أو محمولا على عدم جواز الاستئناف ما لم يختم السابقة، و عدم جواز الاقتصار على النصف الأخير من السورة من غير قراءة نصفها الأوّل في ركوع هذا النصف أو ما قبله.

هذا حكم الفاتحة.

و أمّا السورة فانعقد الإجماع على وجوبها فيها، و هو الحجّة فيه، دون الأخبار، لخلوّها عن الأمر بها، غايتها تضمنّها الجمل الخبريّة المقترنة بما ليس للوجوب أيضا، و لو كان أمر فهو أيضا مقترن بما ليس للوجوب قطعا، نعم في قوله «فاقرأ من حيث نقصت» في صحيحة زرارة و محمّد نوع دلالة.

و كذا انعقد الإجماع على وجوب سورة تامّة أو بعض سورة قبل كلّ ركوع.

و الظاهر انعقاده على وجوب إتمام سورة واحدة في الركوعات العشر أيضا.

و تدلّ صحيحة زرارة و محمّد على وجوب الأخذ فيما بعده من حيث قطع لو اكتفى بالبعض.

و هذا هو القدر الثابت وجوبه في أحكام السورة، بل لا يبعد وجوب إتمام السورة في كلّ ركعة من الركعتين حتّى لا تخلو ركعة عن

سورة تامّة، أو إتمام سورتين في الركعتين حتّى لا يخلو مجموع الصلاة عن السورتين.

و أمّا ما عدا ذلك فلم يثبت وجوبه، فليعمل فيه بالأصل.

فتجوز له قراءة عشر سور، في كلّ ركعة سورة، و أقلّ منها إلى اثنتين، مخيّرا في كيفيّة التوزيع في الناقص عن العشر، فيقرأ خمسا في ركعة و أربعا أو أقلّ في أخرى، أو واحدة في ركعة و واحدة في أخرى، أو واحدة و بعضها في ركعة و مثلها في الأخرى، و هكذا إلى غير ذلك من الفروع المتكثّرة.

بل تجوز قراءة سورتين أو أزيد و بعض سورة.

نعم لو شرع ابتداء في سورة يجب إتمامها بالترتيب، لأنّه مقتضى وجوب سورة تامّة و وجوب القراءة من حيث قطع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 249

بل مقتضى وجوب إتمام السورتين مع وجوب الأخذ من موضع القطع وجوب إتمام سورتين ابتداء، و كذا مقتضى الأخير عدم جواز رفض سورة كما جوّزه بعضهم «1».

المسألة الثالثة: تستحبّ في هذه الصلاة أمور:
منها: أنّه إن فرغ عن الصلاة قبل تمام الانجلاء جلس في مصلّاه و دعا اللَّه سبحانه و مجّده، أو يعيد الصلاة.

أمّا الأوّل فلصحيحة زرارة و محمد المتقدمة في المسألة الاولى «2».

و المرويّ في الدعائم: صلّى عليّ عليه السلام صلاة الكسوف، فانصرف قبل أن ينجلي، فجلس في مصلّاه يدعو و يذكر اللَّه، و جلس الناس كذلك يدعون و يذكرون اللَّه حتّى تجلّت «3».

و أمّا الثاني فلصحيحة ابن عمّار السابقة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4».

و يدلّ عليهما أيضا الرضويّ: «و إن صلّيت و بعد لم ينجل فعليك الإعادة، أو الدعاء و الثناء على اللَّه تعالى و أنت مستقبل القبلة» «5».

و ظاهر الثالثة و إن كان وجوب الإعادة بخصوصها، كما عن ظاهر السيّد و الحلبيّ و الديلميّ «6»، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريّين «7»، و مفاد الاولى وجوب القعود بخصوصه، و مقتضى الرابعة الوجوب التخييريّ

بينهما، كما هو ظاهر

______________________________

(1) كما في الروضة 1: 312.

(2) راجع ص 243.

(3) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 173 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 7 ح 2.

(4) في ص 230.

(5) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 173 أبواب صلاة الآيات ب 7 ح 1.

(6) السيّد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81.

(7) الحدائق 10: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 250

الصدوق في الفقيه «1»، بل والده في الرسالة «2» و إن نفى القول به في المدارك و الذخيرة «3».

إلّا أنّ ضمّ موثّقة الساباطيّ- المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4»- مع الثالثة يخرجها عن الظهور، و يصير قرينة على إرادة عدم المنع من النقيض عنها.

و حمل الموثّقة على الفراغ من الصلاة الأولى بعيد غايته، و عدم فتوى واحد بمفاد الاولى يمنعها عن الحجيّة و إثبات خلاف الأصل بها، و كذا ضعف الرابعة، فلم يبق إلّا الحكم باستحبابهما مخيّرا.

و منهم من أجاب عن دليل وجوب الإعادة عليه: بمعارضته مع دليل وجوب القعود، و الجمع بينهما يمكن بالتخيير و بالحمل على الاستحباب، و إذ لا قول بالأوّل، فيبقى الثاني. مع أنّه أرجح، لموافقته الأصل «5».

و فيه:

أنّ بعد تحقّق التعارض يتعيّن التخيير، لأنّه حكم المتعارضين الخاليين عن المرجّح، فلا يساويه الحمل على الاستحباب. و هذا التخيير حكم اضطراريّ لمن لا يعلم الترجيح، فلا ضير في عدم القائل به إلّا إذا علم عدم القائل به مع التعارض و عدم الترجيح أيضا، أي علم الإجماع على عدم التخيير مع التعارض أيضا، و هو هنا غير معلوم، بل القائل بالتخيير أيضا موجود.

و قد أنكر الحلّي استحباب

الإعادة أيضا «6»، فإن أراد معيّنة- كما هو المحتمل- فهو كذلك، و إن أراد مطلقا فلا وجه له إلّا على أصله من عدم حجيّة الآحاد.

______________________________

(1) الفقيه 1: 347.

(2) حكاه عنه في المختلف: 117.

(3) المدارك 4: 143، الذخيرة: 326.

(4) راجع ص 230.

(5) انظر: الرياض 1: 200.

(6) السرائر 1: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 251

و منها: أن يطوّل في صلاته بقدر زمان الكسوف تقريبا

المعلوم بالحسّ، أو المظنون بالاستصحاب، بإجماع العلماء كما عن المعتبر «1»، و عن المنتهى لا نعرف فيه خلافا «2»، له، و للموثّقة المتقدّمة، و الرضوي: «و تطوّل في الصلاة حتّى ينجلي» «3» و غير ذلك.

و لو انجلى و بقي شي ء من الصلاة أتّمها، كما مرّ في النصّ، و يخففها، صرّح به في الرضوي قال بعد ما ذكر: «و إذا انجلى و أنت في الصلاة فخفّف».

و المستفاد من الأخبار أشديّة استحباب التطويل في كسوف الشمس.

و مقتضى إطلاق ما ذكر استحباب الإطالة حتى للإمام، و تدلّ عليه أيضا مرسلة الفقيه: انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين، فصلّى بهم حتّى كان الرجل ينظر إلى الرجل ابتلّت قدمه من عرقه «4».

و رواية القداح: «انكسفت الشمس في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، فصلّى بالناس ركعتين، و طوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام» «5».

إلّا أنّ في صحيحة زرارة و محمّد: «يستحبّ أن يقرأ فيهما بالكهف و الحجر إلّا أن يكون إماما يشقّ على من خلفه» «6».

و توافقها العمومات الواردة في صفة صلاة الجماعة الآمرة بالتخفيف و الإسراع لرعاية حال المأمومين.

______________________________

(1) المعتبر 2: 336.

(2) المنتهى 1: 350.

(3) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 166 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 3 ح 3.

(4) الفقيه 1: 341- 1511،

الوسائل 7: 499 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 3: 293- 885، الوسائل 7: 498 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.

(6) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 252

و طريق الجمع تخصيص هذه العمومات بغير صلاة الكسوفين بالأخبار المتقدّمة، و تخصيص تلك الأخبار بغير صورة العلم بكونه شاقّا على من وراءه.

و منها: أن يقرأ السور الطوال

مثل يس و النور و الكهف و الحجر مع سعة الوقت، بالإجماع كما عن الخلاف و المنتهى و غيرهما «1»، و هو الدليل عليه، مع الصحيحة و الرضويّ «2» السابقتين، و رواية أبي بصير: «و يقرأ في كلّ ركعة مثل يس و النور» إلى أن قال: قلت: فمن لم يحسن يس و أشباهها، قال: «فليقرأ ستّين آية في كلّ ركعة» «3».

و الدعائميّ و فيه: «و إن قرأ في صلاة الكسوف بطوال المفصّل ..» «4».

و إنّما قيّدنا بالسعة لما مرّ من الأمر بالتخفيف إذا خرج الوقت، و هو أخصّ من أدلّة التطويل.

و منها: إطالة الركوع و السجود

، لمطلقاتها، و حكاية الإجماع عليها بخصوص المورد في المنتهى «5»، و مثلها كافية في المقام.

و تستحبّ إطالة الركوع بقدر القراءة إجماعا، كما عن الخلاف و الغنية «6»، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى مضمرة أبي بصير: «و يكون ركوعك مثل قراءتك و سجودك مثل ركوعك» «7».

______________________________

(1) الخلاف 1: 679، المنتهى 1: 351، و انظر: المعتبر 2: 337.

(2) المتقدم في ص 244.

(3) التهذيب 3: 294- 890، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.

(4) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 6 ح 2، و تتمّة الرواية: و رتّل القراءة فذلك أحسن.

(5) المنتهى 1: 351.

(6) الخلاف 1: 679، الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(7) التهذيب 3: 294 890، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 253

و استدلّ جماعة بالفقرة الثانية على استحباب كون السجود أيضا مثل القراءة «1».

و فيه نظر، لأنّها تدلّ على استحباب كونها مثل الركوع، و لازمه أنّه لو كان الركوع أخفّ من القراءة أو أطول استحبّ

ذلك في السجود أيضا.

و قد يستدلّ له بقوله في صحيحة زرارة و محمّد: «و يطيل القنوت و الركوع مثل القراءة و الركوع و السجود» «2».

و هو أيضا مخدوش، لأنّه مبنيّ على كون السجود منصوبا، بل عدم ذكر الركوع الثاني كما في بعض كتب الفقه «3»، و أمّا مع خفضه فلا، و كذا مع تكرّر الركوع كما في كتب الحديث، بل يحصل حينئذ إجمال في الحديث لا يمكن الاستدلال به.

و منه يظهر ما في استدلال بعضهم بها على استحباب مساواة القنوت للقراءة «4»، مضافا إلى احتمال كون المراد أنّ مجموع القنوت و الركوع يستحبّ أن يكون كذلك. و لا ينافيه ثبوت استحبابه في الركوع خاصّة، لأنّ للاستحباب مراتب عديدة.

و منها: أن يكبّر عند الرفع من كلّ ركوع سوى الخامس و العاشر، فيقول فيهما، سمع اللَّه لمن حمده

، نصّ على الجميع في صحيح زرارة و محمّد «5»، و المرويّ

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 326.

(2) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

(3) كالرياض 1: 200.

(4) كما في مجمع الفائدة 2: 417.

(5) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 254

في الدعائم «1»، و على الأخير في صحيحتي المستطرفات «2» و الرهط «3»، و بهذه يختص الرضويّ المتقدّم في المسألة الأولى «4»، فالمراد منه عدم التسميع في غير الأخيرة.

ثمَّ إنّ مقتضاه عدم استحباب التسميع في غير الأخيرتين، و به صرّح في صحيحة الحلبيّ المتقدّم بعضها «5»: «و لا تقل سمع اللَّه لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلّا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها».

و أمّا ما في بعض الأخبار من

التسميع عند الانتصاب من ركوع تمّت السورة قبله «6»، فمع أنّه لا يقاوم ما مرّ، و أنّه مبنيّ على الغالب المتعارف من تمام السورة في الأخيرتين، يكون أعمّ مطلقا ممّا مرّ فيخصّ به.

ثمَّ الروايتان الأوليان تتضمّنان التكبير عند الهويّ إلى كلّ ركوع، فهو أيضا مستحبّ. و لم يتعرّض له كثير من الأصحاب، لأنّه معلوم بالقياس إلى سائر الصلوات، و المهمّ بيان ما يختصّ به هذه من بينها.

و منها: أن يقنت بعد القراءة و قبل الركوع في كلّ زوج من الركوعات حتّى يقنت في الجميع خمس قنوتات

، قيل: بلا خلاف «7»، و هو الدليل عليه، مضافا إلى صحيحتي زرارة و محمّد، و الرهط، و رواية ابن أذينة «8»، و الرضويّ، و الدعائميّ.

______________________________

(1) الدعائم 1: 200، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.

(2) مستطرفات السرائر: 45- 7، الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13.

(3) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.

(4) في ص 244.

(5) في ص 244.

(6) لم نعثر عليه في الكتب الحديثية، و رواه الشهيد- رحمه اللَّه- في النفلية ص 37 مرسلا حيث قال:

و روي نادرا عمومه- أي عموم قول سمع اللَّه .. إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.

(7) كما في الحدائق 10: 338.

(8) الفقيه 1: 347- 1534، الوسائل 7: 495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 255

و عن الصدوق و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الإصباح و الجامع و المنتهى و التحرير و النفليّة و البيان و الدروس: جواز الاقتصار في القنوت على ما قبل الخامس و العاشر «1». و لا ريب فيه، لأنّه دعاء مستحبّ، و مع ذلك به خبر مرسل، لقول الصدوق بعد ذكره: لورود الخبر «2».

و الظاهر

كما في المسالك عدم استحباب الجمع بين القنوت في الرابع و الخامس، بل إنّما يستحبّ في الخامس مع تركه قبلها «3»، و عن المبسوط و النهاية و ابن حمزة و البيان: جواز الاكتفاء بالقنوت قبل العاشر «4».

و منها: أن يجهر فيها بالقراءة

، بالإجماع كما عن الخلاف و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة «5»، له، و لصحيحة زرارة و محمّد، و ما روي عن النبيّ و الوليّ أنّهما صليا صلاة الكسوف فجهرا فيها «6».

و عن موضع من التذكرة و نهاية الإحكام: استحباب الإسرار بصلاة كسوف الشمس، لأنّها صلاة نهار لها نظيرة بالليل «7». و يردّه ما مرّ.

و منها: أن يكون بارزا تحت السماء

، لقوله في الصحيحة المذكورة: «و إن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك بيت فافعل».

______________________________

(1) الصدوق في الهداية: 36، النهاية: 137، المبسوط 1: 173، الوسيلة: 113، الجامع للشرائع: 109، المنتهى 1: 351، التحرير 1: 47، النفلية: 37، البيان: 211، الدروس 1: 195. و لا يخفى أن الموجود في النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع هو جواز الاكتفاء بما قبل العاشر فقط كما سيأتي في الرقم (4).

(2) الهداية: 36.

(3) المسالك 1: 37.

(4) المبسوط 1: 173، النهاية: 137، ابن حمزة في الوسيلة: 113، البيان:

211.

(5) الخلاف 1: 681، المعتبر 2: 339، المنتهى 1: 351، التذكرة 1: 163.

(6) سنن أبي داود 1: 309 ح 1188، و روى الشيخ في الخلاف 1: 681 عن عليّ عليه السلام أنّه جهر بالقراءة في الكسوف، و رواها عنه في الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 14.

(7) التذكرة 1: 163، نهاية الإحكام 2: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 256

و لا ينافيه الأمر في جملة من الأخبار بالمبادرة إلى المساجد حينئذ، إذ لم تكن المساجد مسقّفة في الصدر الأوّل، مع أنّ للمسقّف منها أيضا بارزا من فضاء أو سطح. هذا إذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة في المسجد، و إلّا فالأمر أظهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 257

البحث الرابع في أحكامها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تجوز هذه الصلاة جماعة و فرادى

، إجماعا، لروايتي روح و محمّد بن يحيى:

الاولى:

عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ قال: «جماعة و غير جماعة» «1».

و الثانية:

عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة أو فرادى؟ فقال: «أيّ ذلك شئت» «2».

و قوله في صحيحة زرارة و محمّد: «إلّا أن يكون إماما يشقّ على من خلفه».

و يستحبّ أن تكون جماعة، للإجماع المحكيّ عن التذكرة «3»، و غيرها «4»، و العمومات، و هما الحجتان فيه، مؤيّدتين بفعل الحجج إيّاها جماعة «5».

و لا فرق في ذلك بين الكسوف الكليّ و الجزئيّ على المشهور، و لا بين الأداء و القضاء.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين فنفياها في الثاني «6»، و للمفيد ففي الرابع «7»، و مستندهما- كما صرّح به جماعة «8»- غير واضح.

______________________________

(1) التهذيب 3: 292- 882، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 1.

(2) التهذيب 3: 294- 889، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 3.

(3) التذكرة 1: 163.

(4) كالذخيرة: 326.

(5) راجع ص 251. الهامش (4) و (5).

(6) المقنع: 44، و حكاه عنهما في المختلف: 118.

(7) المقنعة: 211.

(8) كصاحب الرياض 1: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 258

نعم في رواية ابن أبي يعفور- المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «1»- فرق بين الكليّ و الجزئيّ في ذلك، إلّا أنّها غير دالّة على المنع عن الجماعة في الجزئيّ، و إنّما غايتها الدلالة على إجزائها فرادى، و هو لا ينافي استحباب الجماعة.

كما أنّها لا تدلّ على وجوب الجماعة في الكليّ، كما قد ينسب إلى ظاهر الصدوقين «2».

نعم يظهر منها تأكّد استحبابها مع الكليّة، و هو كذلك.

المسألة الثانية: إذا حصلت الآية الموقتة في وقت فريضة حاضرة:
اشارة

فإن تضيّق وقت إحداهما تعيّنت للأداء، ثمَّ يصلّي بعدها ما اتّسع وقتها.

و إن تضيّقتا قدّمت الحاضرة.

و إن اتّسع الوقتان تخيّر في

تقديم أيّهما شاء.

بالإجماع في الأوّل، كما صرّح به جماعة، منهم: المدارك و الذخيرة و الحدائق «3»، و إن كان ظاهر كلام الصدوق في الحكم بتقديم الحاضرة شاملا لذلك أيضا «4».

و بلا خلاف في الثاني كما عن الذكرى «5»، بل بالإجماع كما صرّح به بعض الأجلّة في شرح الروضة «6»، و حكي عن التنقيح أيضا «7».

و على الحقّ المشهور في الثالث.

أمّا الأوّل فلاستلزام تجويز تقديم غير المضيّقة منهما تجويز الإخلال بالواجب

______________________________

(1) راجع ص 230.

(2) انظر: الرياض 1: 200.

(3) المدارك 4: 144، الذخيرة: 326، الحدائق 10: 345.

(4) المقنع: 44.

(5) الذكرى: 246.

(6) الظاهر هو الفاضل الهندي في شرحه على الروضة المسمّى ب «المناهج السّوية» و هي مخطوطة.

(7) التنقيح 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 259

لا لضرورة، مضافا إلى الأخبار الآتية على تقدير تضيّق الحاضرة، و أمّا مطلقات تقديم الحاضرة فيأتي جوابها.

و أمّا الثاني فلصحيحة محمّد و العجلي المتقدّمة «1»، و صحيحة محمّد: عن صلاة الكسوف في وقت صلاة الفريضة، فقال: «ابدأ بالفريضة» «2» و الخزّاز: عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس و يخشى فوات الفريضة، فقال: «اقطعوا و صلّوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم» «3».

و محمّد: ربّما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب و قبل العشاء الآخرة، فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة، فقال: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك، ثمَّ عد فيها» «4».

و المرويّ في الدعائم: من وقف في صلاة الكسوف حتّى دخل وقت صلاة، قال: «يؤخّرها و يمضي في صلاة الكسوف حتّى يصير إلى آخر الوقت، فإن خاف فوت الوقت قطعها و صلّى الفريضة» «5».

و بعض هذه الأخبار و إن اختصّ بما إذا دخل في صلاة الكسوف، و لكنّه يثبت الحكم في

غيره بطريق أولى.

و أمّا الثالث فللأصل، و الجمع بين ما دلّ على جواز صلاة الآيات في وقت الفريضة قبلها، كصحيحة محمّد و العجليّ، و رواية معاوية بن عمّار: «خمس صلوات لا يتركن على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الكسوف، و الجنازة» «6».

______________________________

(1) في ص 224.

(2) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 5، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.

(3) التهذيب 3: 293- 888، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 3.

(4) التهذيب 3: 155- 332، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.

(5) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.

(6) الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172- 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4، و في جميع المصادر قدّم قوله: «و صلاة الكسوف» على قوله: «و إذا نسيت ..».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 260

و ما دلّ على وجوب الابتداء بالفريضة، كصحيحة محمّد، و الرضويّ: «و لا تصلّها في وقت الفريضة، فإذا كنت فيها و دخل عليك وقت الفريضة، فاقطعها و صلّ الفريضة، ثمَّ ابن على ما صلّيت من صلاة الكسوف» «1».

فإنّهما دليلان تعارضا، و لا مرجّح، فيصار إلى التخيير.

و توهّم أعميّة الأوّل مطلقا- لشموله قبل وقت الفريضة أيضا- فيجب تخصيصه بالثاني.

مدفوع: بأعميّة الثاني أيضا من جهة شموله لتضيق وقت الفريضة، و اختصاص الأوّل بما إذا لم يتضيّق وقتها، فالتعارض بالعموم و الخصوص من وجه، و الحكم التخيير.

و حمل الأوّل على وقت [الفضيلة] «2»- كما في الحدائق «3»- حمل بلا

دليل، و الاستشهاد له بصحيحتي الخزاز و محمّد عليل، مع أنّه ليس بأولى من حمل الثاني على آخر وقت الإجزاء.

و قد يستدلّ أيضا على التخيير: بأنّهما فرضان اجتمعا، و لا أولويّة لأحدهما، و الجمع محال، و تعيّن أحدهما ينافي وجوب الآخر.

و يمكن منع انتفاء الأولويّة، لأهميّة الفرائض اليوميّة. و منع المنافاة المذكورة كما في الظهرين و العشاءين في الوقت المشترك.

خلافا في الأخير للمحكيّ عن الصدوق في المقنع و الفقيه و رسالة أبيه «4»، و النهاية و مصباح السيّد و المفيد و ابن حمزة و القاضي «5»، و جعله في المبسوط

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 1.

(2) في النسخ: الفريضة، و الصحيح ما أثبتناه.

(3) الحدائق 10: 348.

(4) المقنع: 44، الفقيه 1: 347، حكاه عن الرسالة في المختلف: 117.

(5) النهاية: 137، حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 340، ابن حمزة في الوسيلة: 112، القاضي في المهذب 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 261

أحوط «1»، و اختاره في الحدائق «2»، لما مرّ بجوابه.

فروع:
[الأول ]

أ: إذا اتّسع الوقتان، فهل المستحبّ تقديم صلاة الآية؟ كما هو محتمل المبسوط أوّلا «3»، و ظاهر صحيحة محمّد و العجليّ.

أو الحاضرة؟ كما عن الفاضل «4» و غيره «5»، بل لعلّه المشهور.

الظاهر: الثاني، لأهميّة الحاضرة، و كثرة النصوص التي هي بتقديمها آمرة، مع احتمال كون مجاز الجملة الخبريّة في الصحيحة هو الجواز الخالي عن الرجحان.

[و الثاني ]

ب: لو اجتمعت الآية مع فريضة أخرى، فمع تضيّق إحداهما قدّم، و الوجه ظاهر. و مع تضيّقهما أو اتّساعهما تخيّر من غير ترجيح ما لم يكن موجب و لا مرجّح خارجيّ، و يجب أو يرجّح تقديم ما يوجد مقتضية مع وجوده.

و عن المبسوط و التحرير: رجحان تقديم صلاة الجنازة عليها «6»، كما عن الأخير تقديمها على صلاة العيد مع تساوي الوقتين «7»، و لا يحضرني وجهه.

[و الثالث ]

ج: لو دخل في الآتية بظنّ سعة وقت الحاضرة، ثمَّ تبيّن ضيقها في الأثناء قطعها و صلّى الحاضرة، إجماعا كما صرّح به جماعة «8»، و دلّت عليه أكثر الأخبار السالفة.

ثمَّ بنى على ما قطع، وفاقا للصدوق و السيّد و نهاية الشيخ و المنتهى و التحرير

______________________________

(1) المبسوط 1: 172.

(2) الحدائق 10: 347.

(3) المبسوط 1: 172.

(4) التذكرة 1: 164، نهاية الإحكام 2: 79.

(5) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 243.

(6) المبسوط 1: 172، التحرير 1: 47.

(7) التحرير 1: 47.

(8) كالمعتبر 2: 341، و التذكرة 1: 164، و الذخيرة: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 262

و البيان و الدروس «1»، بل الأكثر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «2»، بل علمائنا كما في المنتهى «3» مؤذنا بإجماعهم عليه.

لا لصحيحتي الخزّاز و محمّد- كما في الذخيرة «4»- لاحتمال إرادة العود إلى أصل الصلاة.

بل لصحيحة محمّد و العجليّ، و الرضويّ المنجبر بما مرّ.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى فيستأنف «5»، و المعتبر فتردّد «6»، لأنّ البناء بعد تخلّل صلاة لم يعهد من الشرع، و لعمومات إبطال الفعل الكثير.

و يضعّف: بأنّ ما ذكر عهد من الشرع، و مخصّص للعمومات. مع أنّه لا عموم يدلّ على إبطال الفعل الكثير بحيث يشمل

المقام.

و لا فرق في وجوب إتمام الآتية بعد الحاضرة بالبناء بين ما إذا خرج وقتها بعد الحاضرة أولا، لإطلاق دليله، مضافا إلى ما مرّ من وجوب إتمام صلاة الكسوف لو خرج وقتها في الأثناء.

ثمَّ مدلول ما ذكر وجوب البناء، و مقتضاه تحريم فعل ما يبطل الصلاة عمدا قبل الاشتغال بالحاضرة أو بعده قبل إتمام الآتية. و لو فعله، أو فعل سهوا ما يبطلها مطلقا يجب الاستئناف قطعا.

و هل الحكم يختصّ باليوميّة، أو يعمّ غيرها من الفرائض أيضا؟.

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 44، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 45، المنتهى 1:

353، التحرير 1: 47، البيان: 209، الدروس 1: 195.

(2) كالشهيد في البيان: 209، و السبزواري في الذخيرة: 326.

(3) المنتهى 1: 353.

(4) الذخيرة: 326.

(5) المبسوط 1: 172، التذكرة 1: 164، نهاية الإحكام 2: 80، الذكرى: 247.

(6) المعتبر 2: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 263

الظاهر: الأوّل، كما صرّح به بعض الأجلّة «1»، لأنّ المتبادر من الصحيحة و الرضويّ اليوميّة فيستأنف في غيرها الآتية.

بل قد يتردّد في جواز القطع في غيرها أيضا، لعموم حرمة إبطال العمل، فيعارض عموم وجوب الفريضة.

و يضعّف: بمنع عموم الأوّل.

[و الرابع ]

د: لو ضاق الوقتان فصلّى الحاضرة و خرج وقت الآتية، فهل يجب عليه قضاؤها أم لا؟.

فعن ظاهر إطلاق المفيد عدمه مطلقا «2»، و عن بعضهم وجوبه كذلك «3»، و عن المعتبر و المنتهى و التحرير و الروضة التفصيل «4»: فالأوّل مع عدم تفريط في تأخير إحدى الصلاتين، و الثاني مع التفريط في تأخير إحداهما.

و منهم من فرق بين التفريط في صلاة الكسوف و الحاضرة «5».

و منهم من تعرّض لتفريط إحداهما دون الأخرى «6».

و الوجه عندي القضاء مطلقا فيما يجب فيه القضاء،

فيجب مع العلم بالكسوف مطلقا، و بدونه إن كان كليّا، لجريان أدلّة هذا التفصيل في المقام بعينه.

فسبب الوجوب موجود، و العارض لا ينافيه، إذ ليس إلّا عدم التقصير في التأخير، بل عدم تحقّق الوجوب أداء في بعض الصور، و هو لا ينافي وجوب القضاء لدليل آخر، كما في صلاة النائم تمام الوقت، و صوم الحائض. فتدبّر.

[و الخامس ]

ه: لو كانت الحاضرة نافلة قدّم الآتية وجوبا مع ضيقها، بلا خلاف

______________________________

(1) انظر: كشف اللثام 1: 267.

(2) المقنعة: 211.

(3) انظر: الذكرى: 247.

(4) المعتبر 2: 341، المنتهى 1: 354، التحرير 1: 47، الروضة 1: 314.

(5) كما في الذخيرة: 327.

(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 473.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 264

ظاهرا كما قيل «1»، و عن المنتهى أنّ عليه علماءنا أجمع «2».

و تدلّ عليه صحيحة محمّد: فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلّينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل، فبأيّهما نبدأ؟ فقال: «صلّ صلاة الكسوف و اقض صلاة اللّيل» «3».

و اختصاصها بصلاة الليل غير ضائر، لعدم القائل بالفرق، و تنقيح المناط القطعيّ، بل طريق الأولويّة، لأفضليّة صلاة الليل عن سائر النوافل.

و كذا مع سعتها على ما يقتضيه إطلاق كلام جماعة «4»، و يدلّ عليه إطلاق صحيحة أخرى لمحمّد: عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة، فقال: «ابدأ بالفريضة» فقيل له: في وقت صلاة الليل، فقال: «صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل» «5».

و لا إشكال فيه على القول بالمنع من النافلة في وقت الفريضة، و أمّا على القول بالجواز ففيه إشكال، سيّما مع ضيق وقت النافلة وسعة الآتية. و لا بعد في العمل بالإطلاق المذكور حينئذ أيضا، إذ غايته تعارض إطلاق النافلة مع ذلك الإطلاق، و رجوع النافلة إلى أصل عدم المطلوبيّة،

و الآتية إلى الإجماع على جواز فعلها.

المسألة الثالثة: لا يجوز أن يصلي الآتية ماشيا أو راكبا، اختيارا

، كما مرّ مشروحا في مسألة الصلاة كذلك.

و يجوز في حال الاضطرار إجماعا، له، و لمكاتبة الواسطي: إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، فكتب: صلّ على مركبك الذي

______________________________

(1) الرياض 1: 202.

(2) المنتهى 1: 454.

(3) التهذيب 3: 155- 332، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.

(4) انظر: الذكرى: 247، و الرياض 1: 202.

(5) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 5، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 265

أنت عليه» «1».

المسألة الرابعة: يشترط في وجوب هذه الصلاة العلم بوجود سببها

، فلا تجب بدونه و إن ظنّ قويّا بالقواعد الرصديّة، للأصل.

و كذا لا اعتبار بشهادة واحد أو أكثر بالعلم بحصوله من القواعد.

و لو شهد بمشاهدته فالأقرب عدم الكفاية ما لم يحصل العلم، و الاكتفاء مع تعدّد العدل أحوط.

و تجب بحصول العلم بالمشاهدة، أو إخبار جماعة عنها، أو غير ذلك، كأن يظنّ بالقواعد و ضمّ معها حصول الظلمة حال كون الشمس تحت غيم لا يوجب بنفسه هذه الظلمة، بل و كذا لو حصل العلم بمحض القواعد المجربة مرارا لأهلها.

و لكن في حصوله بمجردها إشكال، لتخلّف القواعد كثيرا، لاختلاف الآلات الرصديّة، و احتمال اختلالها.

و كذا الحكم في خروج وقت هذه الصلاة بالانجلاء لو غاب القرص قبله تحت غيم أو غرب، فيستصحب البقاء إلى أن يحصل العلم بالانجلاء.

المسألة الخامسة: لو اجتمعت آئيّتان- من الآتية الموقتة- في وقت واحد

، فمع اتّساعه لهما يفعلهما مخيّرا في تقديم أ يتّهما شاء، و لو وسع لإحداهما لا غير فالظاهر التخيير، للأصل.

و قيل بوجوب تقديم صلاة الكسوف، لكون وجوبها إجماعيا «2».

و في إيجاب ذلك للحكم بالوجوب نظر ظاهر.

______________________________

(1) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346- 1531، التهذيب 3: 291- 878، قرب الإسناد: 393- 1377، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.

(2) الذكرى: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 266

و لا يدلّ عليه أيضا قوله في صحيحة الرهط: «و روي أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء، و أشدّها و أطولها كسوف الشمس» «1».

لجواز أن يكون المراد الأشدية في المشقة باعتبار طولها.

و يحتمل قريبا جواز التداخل، فيكتفي بصلاة واحدة للجميع، لما ثبت عندنا من أصالة تداخل الأسباب.

المسألة السادسة: لو شك في عدد الركوعات

فيأتي حكمه في بحث الخلل الواقع في الصلاة. إن شاء اللَّه سبحانه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 267

المطلب الرابع في الصلاة على الأموات
اشارة

و الكلام فيها: إمّا في من يصلّى عليه، أو في من يصلّي عليه، أو في كيفيتها، أو في أحكامها، فهنا أربعة أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 269

البحث الأول في من يصلّى عليه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا تجب الصلاة على غير المسلمين من جميع طوائف الكفار

إجماعا، له، و للأصل.

بل لا تجوز، للأول، و لقوله سبحانه بعد ذكر الكفار و المنافقين وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ «1».

إلّا أنّ في دلالتها نظرا، لاحتمال إرادة الدعاء- الذي هو معنى الصلاة- عنها. و تعديتها ب «على» لتضمنها معنى الترحّم، كما في قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ «2».

بل تتعين إرادة ذلك بملاحظة خبر محمد بن مهاجر: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا صلّى على ميت كبّر فتشهّد، ثمَّ كبّر فصلّى على الأنبياء و دعا، ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين، ثمَّ كبّر الرابعة و دعا للميت، ثمَّ كبّر و انصرف، فلما نهاه اللَّه تعالى عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهد، ثمَّ كبّر فصلّى على النبيين، ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين، ثمَّ كبّر الرابعة و انصراف» «3».

و يدل على عدم الجواز أيضا أنّه نوع مودّة نهي عنها مع الكفار.

______________________________

(1) التوبة: 84.

(2) الأحزاب: 56.

(3) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 3، الفقيه 1: 100- 469، التهذيب 4: 189- 431، العلل: 303- 3، الوسائل 3: 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 270

و منه يظهر أنه لا تجوز الصلاة على المرتدّ الخارج بارتداده عن الإسلام، و المنكر لضروري الدين من دون شبهة محتملة في حقه لصدق الكفر بالرسول.

و كذا لا تجوز الصلاة على النواصب، و الخوارج، و الغلاة، و إن كانوا من المنتحلين للإسلام، بالإجماع، و قول الحسين بن علي عليهما السلام، المروي في الاحتجاج «1»، المتقدم في بحث غسل الميت، و بهما يخرجون عمّا يأتي

مما دلّ على وجوب الصلاة على أهل القبلة أو الأمّة «2»، مع أن صدقهما على الغلاة غير معلوم.

المسألة الثانية: تجب الصلاة على كلّ مسلم
اشارة

- عدا من ذكر- سواء كان شيعة إماميّة، أو غير إمامية، أو غير الشيعة، بالإجماع بل الضرورة في الأول، و على الأظهر الأشهر- كما صرّح به جمع ممّن تأخر «3»- في البواقي، بل عن المنتهى نفي الخلاف «4»، و عن التذكرة الإجماع على وجوبها على كلّ مسلم «5».

لعموم النبوي المشهور: «صلّوا على من قال: لا إله إلّا اللَّه» «6».

و رواية طلحة بن زيد: «صلّ على من مات من أهل القبلة، و حسابه على اللَّه» «7».

و السكوني: «صلّوا على المرجوم من أمّتي، و على القاتل نفسه من أمّتي، و لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة» «8».

______________________________

(1) قال عليه السلام لمعاوية: «لو قتلنا شيعتك، ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا قبرناهم»- الاحتجاج: 297.

(2) انظر: الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 37.

(3) منهم السبزواري في كفاية الاحكام: 22، و صاحب الرياض 1: 202.

(4) المنتهى 1: 447.

(5) التذكرة 1: 44.

(6) الجامع الصغير 2: 98- 5030.

(7) التهذيب 3: 328- 1025، الاستبصار 1: 468- 1809، الوسائل 3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2.

(8) الفقيه 1: 103- 480، التهذيب 3: 328- 1026، الاستبصار 1: 468- 1810، الوسائل 3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 271

و ضعفها- لو كان- منجبر بالعمل، مع أنّ ثانيتها صحّت عن ابن محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، فلا يضرّ وقوع طلحة قبله، مضافا إلى أنّ الشيخ ذكر في فهرسته أنّ كتابه معتمد «1».

خلافا للمحكي عن المفيد و ظاهر التهذيب و الحلبي، فمنعوا

عن الصلاة على غير أهل الحق «2». و الحلّي فلم يوجبها «3». و يعزى إلى الديلمي أيضا «4»، لاشتراطه في الغسل اعتقاد الحق.

للأصل.

و استفاضة النصوص بل تواترها على كفرهم «5»، المستلزم لعدم جواز الصلاة عليهم بالإجماع و الآية المتقدمة و ما بمعناها من الأخبار «6»، و على نصبهم «7»، الموجب له بالأوّل.

و يردّ الأول: بما مرّ.

و الثاني: بمنع الصغرى أولا. و أخبار كفرهم معارضة بروايات إسلامهم، كما مرّ شطر منها في كتاب الطهارة.

و كلّية الكبرى ثانيا. و إثباتها بالإجماع و الآية فاسد: أمّا الأوّل فلوضوح انعقاده على نوع خاصّ من الكفار دون الكلّية. و أمّا الثاني فلما مرّ في معنى الآية، مع دلالة العلة على أنّ المنهي عن الصلاة عليهم هم الكافرون باللَّه و رسوله، و كون المتنازع فيه كذلك ممنوع جدّا، و إن كانوا كفّارا ببعض الحق.

و التوضيح: أنّه لا شك أنّ المراد بالكفر في المقدمتين ليس حقيقته اللغوية،

______________________________

(1) الفهرست: 86.

(2) المفيد في المقنعة: 85، التهذيب 1: 335، الحلبي في الكافي في الفقه 157.

(3) السرائر 1: 356.

(4) المراسم: 45.

(5) الوسائل 1: 13 أبواب مقدمة العبادات ب 1 و أيضا ج 28: 339 أبواب حدّ المرتد ب 10.

(6) الوسائل 3: 69 أبواب صلاة الجنازة ب 4.

(7) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 272

و أما الحقيقة الشرعية فلو سلمناها فإنّما هي في غير أهل القبلة، فالمراد في دليل الصغرى الذي هو الأخبار أحد مجازاته، و في دليل الكبرى الذي هو الإجماع و الآية هو حقيقته الشرعية إن ثبتت، و إلّا فمعناه المجازي أيضا، و اختلاف المعنيين على ثبوت الحقيقة الشرعية معلوم، و على تقدير عدم ثبوتها

محتمل، فلا يثبت الاستلزام المدّعى. بل- لظهور مورد الإجماع، و مقتضى التعليل المذكور في الآية- الاختلاف معلوم على التقديرين.

فإن قيل:

استعمل في دليل الصغرى الكافر في المتنازع فيه، و الأصل في الاستعمال الحقيقة.

قلنا:

بل الاستعمال أعمّ منها.

فإن قيل:

يكفي التجوز أيضا، لأنّ حرمة الصلاة أحد وجوه الشبه، فيثبت المطلوب بعموم التشبيه.

قلنا:

عمومه ممنوع جدا كما بيّنا في موضعه، سيّما مع تبادر بعض أحكام أخر كما في المورد.

سلّمنا أصالة الحقيقة، و لكن الثابت له الحكم في دليل الكبرى غير هذا المعنى بالتقريب المتقدم، فلا يفيد.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن أخبار نصبهم أيضا.

و قد يجاب عن الآية و ما بمعناها: بوجوب تخصيصها بما مرّ من الأخبار الموجبة.

و يضعّف:

بأنّ المعارضة لو سلّمت فبالعموم من وجه، و الترجيح للآية لو دلّت قطعا، إذ كلّ خبر لم يوافق كتاب اللَّه فهو زخرف، سيّما مع موافقته للعامة، بل التقية بل الأصل.

هذا كله مع عدم التقية، و أما معها فتجب قولا واحدا بكيفية يأتي ذكرها إن شاء اللَّه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 273

فرعان:
[الأول ]

أ: لا خلاف بين الأصحاب ظاهرا- كما في الذخيرة «1» و غيرها- في وجوب الصلاة على مرتكبي الكبائر من أهل الحق، و تدل عليه العمومات السالفة، و خصوص صحيحة هشام بن سالم شارب الخمر و الزاني و السارق يصلى عليهم إذا ماتوا؟ فقال: نعم» «2».

[و الثاني ]

ب: في حكم المسلم من يلحق به من المجانين، إجماعا.

المسألة الثالثة: لا تجب الصلاة على أطفال المسلمين ما لم يبلغوا ستّ سنين
اشارة

، و تجب إذا بلغوا هذا الحدّ، على الأظهر الأشهر في الحكمين، بل عن السيد و المنتهى الإجماع عليه «3»، و يشعر به كلام الدروس «4».

أما الأوّل فللأصل، و صحيحة زرارة الواردة في صلاة أبي جعفر عليه السلام على ابن له مات، حيث قال: «ألا إنّه لم يكن يصلّى على مثل هذا» و كان ابن ثلاث سنين «كان علي عليه السلام يأمر به، فيدفن و لا يصلّى عليه، و لكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله» قلت: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال:

«إذا عقل الصلاة و كان ابن ستّ سنين» «5».

دلّت بالمفهوم على عدم الوجوب بانتفاء الوصفين المتحقق بانتفاء أحدهما.

و نحوها مرسلة الفقيه: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: «إذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 328.

(2) الفقيه 1: 103- 481، التهذيب 3: 328- 1024، الاستبصار 1: 468- 1808 و فيه: عن هشام بن الحكم، الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 1.

(3) السيّد في الانتصار: 59، المنتهى 1: 448.

(4) الدروس 1: 111.

(5) الكافي 3: 207 الجنائز ب 73 ح 4، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.

(6) الفقيه 1: 105- 488، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 274

إلّا أنّه يخدشها احتمال إرادة الثبوت من الوجوب، و التمرينية من الصلاة كما ذكروه في سائر أخبار الباب. و لا يحتمل ذلك في الصحيحة بقرينة التفريع في قوله: «فمتى ..».

و قد يستدل أيضا بصحيحة الحلبي: عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟ فقال: «إذا عقل» «1».

و علي: عن الصبي يصلّى عليه

إذا مات و هو ابن خمس سنين؟ قال: «إذا عقل الصلاة صلّي عليه» «2».

و الرضويّ: «و اعلم أنّ الطفل لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة» «3».

بضميمة صحيحة محمد: في الصبي متى يصلّى عليه؟ قال: «إذا عقل الصلاة» قلت: متى يعقل الصلاة و تجب عليه؟ قال: «لستّ سنين» «4».

فإنّ الثلاثة المتقدمة على هذه الصحيحة دلّت على عدم وجوب الصلاة قبل عقل الصلاة، و دلّت هذه على أنّ عقل الصلاة إنّما هو لستّ سنين، فلا تجب قبل الست.

أقول:

يرد عليه أنّه لا شكّ أنّ من الأطفال من يعقلها قبل الستّ، و من لا يعقلها إلّا بعدها، فالصحيحة واردة مورد الغالب.

و أيضا:

من البديهيات أنّه لا يتفاوت الحال في عقلها في يوم أو يومين أو عشرة و نحوها، فلا يكون غير عاقل لها قبل الستّ بأيام يسيرة و يصير عاقلا بكمال الستّ، فالمراد من الصحيحة التقريب، فلا يثبت المطلوب الذي هو عدم

______________________________

(1) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 2، الفقيه 1: 104- 486، التهذيب 3: 198- 456، الاستبصار 1: 479- 1855، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 3: 199- 458، قرب الاسناد: 218- 855، الوسائل 3: 96 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 4.

(3) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 272 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(4) التهذيب 2: 381- 1589، الاستبصار 1: 408- 1562، الوسائل 4: 18 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 275

الوجوب قبل الستّ في كلّ أحد و لو بنحو يوم.

على أنّه يمكن أن يكون المراد من الصحيحة ثبوت العقل و الوجوب معا، أي: وجوب الصلاة التمرينية بمعنى ثبوتها كما

ذكروه في الستّ، فلا ينافي ثبوت العقل المعلّق عليه صلاة الجنازة قبل الست.

خلافا فيه «1» للمحكي عن الإسكافي، فأوجب الصلاة على الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيّا مستهلّا «2».

للنصوص المستفيضة: كصحيحة ابن سنان، و فيها: «و إذا استهلّ فصلّ عليه و ورثه» «3».

و علي: كم يصلّى على الصبي إذا بلغ السنين و الشهور؟ قال: «يصلّى عليه على كلّ حال، إلّا أن يسقط لغير تمام» «4».

و نحوها مرسلة أحمد «5».

و رواية السكوني: «يورّث الصبي و يصلّى عليه إذا سقط عن بطن امّه ما استهلّ صارخا» «6».

و يجاب عنها- مع عدم دلالة غير الاولى على الوجوب-: بأنّها أعمّ مطلقا ممّا مرّ بأجمعها حتى روايات التعليق بالعقل، فيجب تخصيصها به، سيّما مع اعتضاده بالشهرة القوية- التي كادت أن تكون في نفي ذلك إجماعا- و بالأصل،

______________________________

(1) أي في الحكم الأول، و هو: عدم وجوب الصلاة على الطفل ما لم يبلغ ستّ سنين.

(2) حكاه عنه في المختلف 1: 119.

(3) التهذيب 3: 199- 459، الاستبصار 1: 480- 1857، الوسائل 3: 96 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 3: 331- 1037، الاستبصار 1: 481- 1861، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 2.

(5) التهذيب 3: 331- 1036، الاستبصار 1: 480- 1859، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 4.

(6) التهذيب 3: 331- 1035، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 276

و بمخالفته العامة- التي هي مرجّحة له لو تحقق التعارض أيضا- كما صرّح بها جماعة من الأصحاب «1»، و تشهد لها جملة من الأخبار، منها صحيحة زرارة السابقة، و في صحيحة أخرى له- بعد صلاته عليه

السلام على طفل له-: «لم يكن يصلّي على الأطفال، و إنّما كان أمير المؤمنين يأمرهم فيدفنون، و لا يصلّي عليهم، و إنّما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة كراهة أن يقولوا: لا يصلّون على أطفالهم» «2».

و في رواية هشام: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ الناس يكلّمونا و يردّون علينا قولنا: إنّه لا يصلّى على الطفل «3» الحديث.

و عن المفيد و الجعفي و المقنع، فأوجبوا الصلاة على من يعقل الصلاة «4»، و هو بإطلاقه يشمل من لم يبلغ الست أيضا، و إرجاعه إلى المشهور إنّما يصحّ إذا كان دليل على تلازم عقلها و بلوغ الست، و ليس كذلك كما عرفت، فهو قول مخالف على الظاهر للمشهور.

لروايات التعليق على العقل المتقدمة.

و يجاب عنها: بعدم دلالتها على الوجوب بالعقل، غايتها الرجحان، و هو غير المطلوب. سلّمنا و لكنها أعمّ مطلقا من صحيحة زرارة السالفة، فتختص بها قطعا.

و أمّا الثاني «5»، فللإجماع، لعدم قدح مخالفة شاذ- يأتي- فيه أصلا، و لهذه

______________________________

(1) كالشيخ في الاستبصار 1: 480، و العلامة في المختلف 1: 119، و صاحب الحدائق 10:

371.

(2) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 3، التهذيب 3: 198- 457، الاستبصار 1: 479- 1856، الوسائل 3: 98 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 1.

(3) الكافي 3: 209 الجنائز ب 73 ح 8، التهذيب 3: 332- 1039، الوسائل 3: 100 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 3.

(4) المفيد في المقنعة: 229، حكاه عن الجعفي في الذكرى: 54، المقنع: 21.

(5) أي وجوب الصلاة على الطفل إذا بلغ ست سنين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 277

الصحيحة «1» بضميمة الإجماع المركّب، حيث إنّ بها ثبت الوجوب ببلوغ الست مع عقل الصلاة، و

كلّ من يقول بذلك يقول بوجوبها به مطلقا، فإنّ المفيد و تابعيه و إن لم يقولوا بوجوبها به من دون العقل، و لكنّهم لا يقولون بوجوبها به مطلقا، بل بالعقل و إن كان قبل الست.

مضافا إلى أنّ الظاهر عدم انفكاك بلوغ الست عن عقل الصلاة، لثبوت الخطاب التمريني بها فيها، كما ورد في صحيحة الحلبي و فيها: قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: «إذا كان ابن ستّ سنين، و الصيام إذا أطاقه» «2».

و ظاهر أنّه لا تمرين بدون عقلها.

و بذلك تظهر دلالة موثّقة الساباطي أيضا على المطلوب: عن المولود ما لم يجر عليه القلم، هل يصلّى عليه؟ قال: «لا، إنّما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم» «3».

حيث إنّ الخطاب التمريني أيضا قلم لا محالة. بل لا فرق في صدقه بينه و بين التكليفي أصلا، لثبوته من الشرع.

و لا ينافيه حصر الصلاة في الرجل و المرأة الظاهرين في البالغ، لانتفاء الظهور مع شرطية جري القلم، فإنّ المتبادر منها عدم استفادة جري القلم من السابق، و حمل الجملة الشرطية على التأكيد خلاف الظاهر جدّا، فهي قرينة على إرادة المعنى الأعم من الرجل و المرأة.

نعم، الموثّقة مثبتة للرّجحان، و أمّا دلالتها على الوجوب فغير ظاهرة.

خلافا للعماني، فاشترط في الوجوب البلوغ «4»، و تبعه بعض متأخّري

______________________________

(1) أي: صحيحة زرارة المذكورة في صدر المسألة.

(2) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 2، الفقيه 1: 104- 486، التهذيب 3: 198- 456، الاستبصار 1: 479- 1855، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(3) التهذيب 3: 199- 460، الاستبصار 1: 480- 1858، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.

(4) حكاه عنه في المختلف: 119.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 278

المتأخّرين «1»، فقال بوجوبها بالبلوغ، و استحبابها بالعقل للصلاة، و عدم مشروعيّتها قبله.

للموثّقة المذكورة.

و الأصل.

و عدم احتياجه إليها قبله.

و رواية هشام، و فيها: «إنّما يجب أن يصلّى على من وجبت عليه الصلاة و الحدود، و لا يصلّى على من لا تجب عليه الحدود» «2».

و يجاب عن الاولى:

بما مرّ.

و عن الثاني:

باندفاعه بما ذكر.

و عن الثالث:

بالمنع، و انتقاضه بالصّلاة على النبيّ و الأئمّة عليهم السلام، مع أنّه اجتهاد في مقابلة الدليل.

و عن الرابع:

بالضعف بالشذوذ، و مخالفة شهرة القدماء و عمل صاحب الأصل.

فرع:

مقتضى طائفة من الأخبار المتقدّمة عدم استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة، كما حكي القول به عن جماعة منهم: المفيد و الكليني و الصدوق و المبسوط «3»، و مال إليه جمع من متأخري المتأخرين «4»، بل ظاهر الأول انتفاؤه عند آل محمّد عليهم السلام.

______________________________

(1) كالفيض الكاشاني في الوافي 3: 75 أبواب التجهيز ب 91 بالطبع الحجري.

(2) الكافي 3: 209 الجنائز ب 73 ح 8، التهذيب 3: 332- 1039، الوسائل 3: 100 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 3.

(3) المفيد في المقنعة: 231، حكاه عن الكليني في كفاية الأحكام: 22، الصدوق في المقنع: 21، المبسوط 1: 180، لكن عبارته- كما قال المحقق السبزواري (ره) في الذخيرة: 328- مشعرة بنفي استحباب الصلاة عمّن لم يبلغ ستّ سنين، فراجع.

(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 328، و العلّامة المجلسي في البحار 78: 359، و الآقا جمال الخوانساري في شرحه على الروضة: 113، لكن ظاهر عباراتهم نفي الاستحباب أو الميل اليه فيمن لم يبلغ ستّ سنين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 279

و ظاهر طائفة أخرى- مرّت مستندة للإسكافي «1»- رجحانها و استحبابها، كما

حكي عن الأكثر «2».

و مقتضى قاعدة ترجيح المخالف للعامّة من الأخبار العمل بالأولى، فعلى مضمونها الفتوى. و لا تفيد حكاية الشهرة و أدلّة الاحتياط للخروج عن الخلاف، و إن كان المقام متحمّلا للتسامح، لأنّه إنّما هو إذا لم يكن دليل على انتفاء الاستحباب، و هذه الأخبار الراجحة على معارضتها أدلّة عليه.

و فعل الحجّة- الوارد في بعض ما مرّ من الأخبار- للتقيّة و رفع التهمة، كما يستفاد من الرواية.

و استبعاد ذلك لإمكان الاعتذار لترك الصلاة بأعذار و عدم ارتكاب المحرّم.

مدفوع: بأنّ في العذر أيضا مظنّة التهمة، و الحرمة مع عدم قصد المشروعيّة ممنوعة.

المسألة الرابعة: لو وجد بعض الميّت

فإن كان صدرا أو ما فيه الصدر يصلّى عليه وجوبا، وفاقا للمحكي عن النهاية و المبسوط و الخلاف و المقنعة و المراسم و الوسيلة و السرائر و المعتبر و الشرائع و النافع «3»، و جملة من كتب الفاضل «4»، و غيرها، بل هو المشهور، كما هو في طائفة من الكلمات مذكور «5»، بل الظاهر كونه إجماعيّا.

______________________________

(1) راجع ص 275.

(2) انظر: الذخيرة: 328.

(3) النهاية: 40، المبسوط 1: 182، الخلاف 1: 715، المقنعة: 85، المراسم: 46، الوسيلة: 63، السرائر 1: 167، المعتبر 1: 316، الشرائع 1: 37، النافع: 15.

(4) كما في المنتهى 1: 434، و التذكرة 1: 46، و القواعد 1: 19.

(5) المختلف: 46، الحدائق 10: 374، الرياض 1: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 280

فهو الحجّة فيه، لا الأخبار الواردة في المقام، لخلوّها طرّا عن الدالّ على الوجوب، بل غايتها الرجحان.

نعم في رواية طلحة بن زيد: «لا تصلّ على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا، و إن كان البدن فصلّ عليه و إن كان ناقصا من الرأس و اليد و

الرجل» «1».

و لكنها أخصّ من المدّعى، إلّا أن يتمّ بالإجماع المركّب.

و ظاهر بعض المعتبرة رجحان الصلاة على كلّ عضو تامّ «2»، و قيل بوجوبها «3»، و الاستحباب أظهر.

بل الظاهر من بعض الأخبار الاستحباب في كلّ عظم «4»، و لا بأس به.

و يشترط في الصلاة على العضو المنفرد موت صاحبه، إجماعا كما في الذكرى «5»، فلو كان الباقي حيّا لا يصلّى عليه.

المسألة الخامسة: لو اشتبه ميّت المسلم بغيره:

فإمّا لا يكون الميّتان حاضرين، كأن يفقد أحدهما، و كان الموجود مشتبها، فالظاهر عدم وجوب الصلاة على الحاضر، للأصل، فإنّه لا تجب الصلاة على المسلم إلّا مع حضوره.

و إن كانا حاضرين يصلّى عليهما بنيّة الصلاة على المسلم، بمعنى أنّه يتوجّه إليهما، و ينوي المسلم منهما بالصلاة، لإمكان الصلاة عليه بهذا الوجه، فتجب، و لا دليل على اشتراط تعيينه بخصوص شخصه الخارجي في النيّة أيضا، سيّما في مثل ذلك المقام.

______________________________

(1) التهذيب 3: 329- 1029، الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 7.

(2) انظر: الوسائل 3: 137، 138 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 9 و 13.

(3) كما عن الإسكافي في المختلف: 46.

(4) انظر: الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 8.

(5) الذكرى: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 281

و أمّا الصلاة على كلّ واحد واحد بشرط إسلامه- كما قيل «1»- فصحّته غير معلومة، لأجل التعليق في القصد.

و يشكل الأمر فيما لو كثر الموتى بحيث يوجب الجمع تباعد البعض بالحدّ الخارج عن القدر المجوّز، و لا يبعد العفو عن هذا التباعد حينئذ.

المسألة السادسة: الحقّ المشهور وجوب الصلاة على ولد الزنا إذا كان بالغا مسلما

، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، للعمومات المتقدّمة.

خلافا للمحكي عن الحلّي فمنع عنها «3»، لكفره المانع منها.

و في كلّ من الموصوف و الوصف نظر، يظهر وجهه ممّا مرّ.

و لو كان صبيّا فعن الذكرى الاستشكال فيه «4»، لعدم لحوقه بالأبوين حتى يتبعهما أو أحدهما في الإسلام.

و هو كان في موقعه لو كان دليل الصلاة عليه مجرّد الإجماع، أو اللحوق، و لكن العمومات المتقدّمة في الصبي و إطلاقاته تشمل كلّ ما لم يخرج بالإجماع، فتجب الصلاة عليه.

و منه يظهر وجوب الصلاة على لقيط دار الإسلام، بل دار الكفّار إذا احتمل كون

الطفل متولّدا من المسلم. نعم، لا تجب على المتولّد من الكافرين، لأنّ الإجماع أخرجه.

______________________________

(1) انظر: المبسوط 1: 182.

(2) الخلاف 1: 713.

(3) السرائر 1: 357.

(4) الذكرى: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 282

البحث الثاني في من يصلّي على الميّت
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: صلاة الميّت واجبة كفاية على كلّ من علم بموته.

أمّا وجوبها فقد مرّ.

و أما عدم وجوبها على الجميع، فللإجماع بل الضرورة، و للعلم بأنّ المطلوب ليس إلّا إدخال واحدة في الوجود.

و أمّا عدم تعيّنها على أحد بخصوصه، فللأصل، و إطلاقات الأمر بالصلاة المتقدّمة، و نحو صحيحة عليّ- في أكيل السبع إذا بقي عظامه-: «يغسّل و يصلّى عليها و يدفن» «1».

فتكون واجبة كفائية.

و لا ينافيه توجّه الخطاب في بعض الأخبار إلى الولي، لأنّه إمّا على سبيل الأفضليّة العينيّة الغير المنافية للوجوب الكفائي، أو مخصوص بالإمامة فيها، كما يأتي.

مع أنّ الخطاب فيها إلى الولي أو من يأمره، فلو كان للوجوب لكانت واجبة كفاية أيضا على الولي أو مأذونه. و لو عصى و لم يفعل و لم يأذن، تجب حينئذ على سائر الناس كفاية أيضا. فالواجب الكفائي هو الصلاة بإذن الولي سواء فعلها بنفسه، أو بنصب الغير. و إن لم يفعلها و لم يأذن للغير، يكون الواجب الكفائي هو

______________________________

(1) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 1، الفقيه 1: 96- 444، الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 283

الصلاة مطلقا، فيصدق على الصلاة أنّها واجبة كفاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    283     المسألة الثانية: أحق الناس بالصلاة على الميت و أولاهم بها، أحقهم و أولاهم به ..... ص : 283

فإن قيل:

حاصله الوجوب الكفائي على الولي، أو من يأذن له، فما الوجه في الإطلاق؟.

قلنا:

الوجه ما ذكر من الوجوب على غيرهما أيضا لو لم يأذن لأحد، فلا يختصّ الوجوب بهما، فإنّ لازم ذلك عدم براءة أحد علم بموته إلّا بالعلم بصلاة الولي أو مأذونه، أو بصلاته، فلو لم يصلّ عليه يكون الكلّ معاقبا، و

لو فعله أحد يسقط عن الكلّ، و هو معنى الواجب الكفائي و لو لزم أوّلا مراعاة إذن الولي. مع أنّه لا منافاة بين الوجوب الكفائي و الإناطة برأي بعض المكلّفين.

المسألة الثانية: أحقّ الناس بالصلاة على الميّت و أولاهم بها، أحقّهم و أولاهم به
اشارة

، بلا خلاف صريح أجده، و في المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، و أنّ ظاهرهم أنّه مجمع عليه «1»، و في الذخيرة: أنّه في الجملة ممّا لا خلاف فيه «2»، و في الحدائق: نفي الخلاف صريحا في الحكم «3»، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا «4»، مؤذنا بالإجماع عليه، و الظاهر أنّه كذلك، و إن لم يذكره في الكافي، و لكنّه غير قادح في الإجماع، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى مرسلتي ابن أبي عمير و البزنطي: «يصلّي على الجنازة أولى الناس بها، أو يأمر من يحبّ» «5».

______________________________

(1) المدارك 4: 155.

(2) الذخيرة: 334.

(3) الحدائق 10: 382.

(4) المنتهى 1: 450.

(5) الاولى: الكافي 3: 177 الجنائز ب 48 ح 1، التهذيب 3: 204- 483، الوسائل 3: 114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 177 الجنائز ب 48 ح 5، الوسائل 3: 114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 284

و الرضوي: «و يصلّي عليه أولى الناس به» «1».

و الآخر: «أولى الناس بالصلاة على الميّت الولي أو من قدّمه الولي، فإن كان في القوم رجل من بني هاشم فهو أحقّ بالصلاة إذا قدّمه الولي، فإن تقدّم من غير أن يقدّمه الولي فهو غاصب» «2».

و قصور السند مجبور بما مرّ، مع أنّ كلا من المرسلتين بنفسه معتبر، و منهما ما عن المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه قد صحّ.

و استدلوا أيضا بالآية الكريمة «3».

و ردّه جماعة من المتأخّرين بعدم الدلالة

«4». و هو كذلك، لعدم ثبوت إرادة الأولويّة في مثل ذلك أيضا، سيّما مع أنّه لا يبيّن الأولى منهم. و إجراء دليل تعميم المطلقات هنا- كما قيل «5»- باطل، لأنّه الإطلاق المنتفي هنا.

نعم لو تمسّك في أمثالها بالتعميم بالحكمة لجرى هنا أيضا، و لكنّه غير تامّ بلا شبهة، كما بينّاه في موضعه، سيّما إذا كان بعض الموارد أشيع و أظهر، فإنّ الميراث و التربية و التصرف في الأمر و النيابة و نحوها أظهر من نحو الصلاة و التجهيز.

و احتجاج الحجج بالآية في أولوية اولي الأرحام في الميراث و الإمامة لا يدلّ على التعميم أصلا، إذ لعلّه مستند إلى قرينة مخفيّة علينا، أو لأجل ظهورها في الأولويّة فيما للميّت حقّ التصرف فيه و توليته من الحقوق المالية و غيرها، فلا يتعدّى إلى ما لا ظهور لها فيه كالمورد.

مع أنّ الظاهر إجماع الفريقين على إرادة الأولويّة فيما ذكر منها، كما يظهر من

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 184.

(2) فقه الرضا «ع»: 177، مستدرك الوسائل 2: 278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.

(3) وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ - الأنفال: 76.

(4) كصاحب المدارك 4: 156، و السبزواري في الذخيرة: 334.

(5) انظر: الرياض 1: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 285

تتبّع كتبهم، فلذا استدلّ بها الإمام، و لا أقلّ من احتمال كون ذلك مسلّما عند الكلّ مصحّحا لاستدلالهم بها، فالتجاوز عنه باطل.

مع أنّه ورد في بعض الأخبار ما ينافي العموم: روى العيّاشي في تفسيره عن مولانا الباقر عليه السلام: في قول اللَّه سبحانه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ : «إنّ بعضهم أولى ببعض في الميراث، لأنّ أقربهم رحما إليه أولى به» «1».

و في

[كتاب ] «2» ابن الحجّام: عن قول اللَّه عزّ و جل وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ، قال: «نزلت في ولد الحسين عليه السلام» قلت: جعلت فداك، نزلت في الفرائض؟ قال: «لا» قلت: في المواريث؟ قال: «لا» قال:

«نزلت في الإمرة».

ثمَّ هذه الأحقيّة و الأولوية هل هي على سبيل التعيين و اللزوم؟ كما هو محتمل أكثر الكلمات، و ظاهر كثير منها و صريح بعضها، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه في الإمامة، و يشعر به استدلالهم بالآية هنا كاستدلالهم بها في المواريث المراد منها فيها التعيّن قطعا.

أو لا، بل على سبيل الأفضليّة و الاستحباب؟ كما هو محتمل بعض من العبارات أيضا.

الظاهر في بادئ النظر هو: الثاني، للأصل، و الإطلاقات، و عدم دليل على الأحقيّة بمعنى الوجوب، إذ لا دليل عليها سوى:

الآية المردودة دلالتها رأسا، مضافا إلى قصورها عن إفادة الوجوب لو دلّت

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 72- 86، الوسائل 26: 89 أبواب موجبات الإرث ب 8 ح 11.

(2) في النسخ: مكاتبة و لكنّا لم نعثر على مكاتبة منه بذلك المضمون، و الرواية موجودة في البحار 23:

257- 3 عن كنز جامع الفوائد، عن محمّد بن العبّاس. و محمّد بن العبّاس هو ابن الحجّام، له كتب منها: تأويل ما نزل في النبي و آله عليهم السلام، كما قاله الشيخ في الفهرست: 149.

فالصحيح هو كتاب ابن الحجّام، و يشهد له أنّ المصنّف سيذكر الرواية في كتاب الإرث باب مواريث ذوي الأنساب، عن كتاب ابن الحجّام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 286

أيضا.

و الأخبار الأربعة الغير الناهضة لإثبات اللزوم، لمكان الجملة الخبرية في ثلاثة منها، و عدم الزيادة على التصريح بالأولوية الغير الصريحة في الوجوب في الأخيرة.

و الإجماع الغير المعلوم تحقّقه على اللزوم

جدّا، كيف؟! مع أنّه لا دلالة صريحة في أكثر العبارات على إرادة اللزوم، و مع ذلك لم يذكر بعضهم أصل الأولوية «1» كما مرّ، و منهم من نصّ على إشكال إثبات الوجوب: قال المحقق الأردبيلي- بعد تضعيفه الأدلّة-: و بالجملة الحكم بعدم جوازها مطلقا أو جماعة إلّا بإذن الولي، سيّما مع مقابلة هذه الرواية فقط مع الأوامر العامّة في الصلاة على الأموات، و عدم نقل الاستئذان من الخلف، و الأصل الدال على العدم، مع الصعوبة في الجملة، لا يخلو عن صعوبة، إلّا أن يكون اتّفاقيا «2». انتهى. و ظاهر المدارك التردّد «3»، و صرّح بعضهم بأنّ مراد الأصحاب إنّما هو في الجماعة «4»، و خصّه بعضهم بالإمامة «5».

فلا يثبت الإجماع على اللزوم في مطلق الصلاة، بل الجماعة أو الإمامة البتة.

و تقديم الولي على من أوصى الميّت إليه بالصلاة لا يدلّ على ثبوت اللزوم، حيث إنّ المقدّم على الواجب لا يكون إلّا واجبا، لعدم دليل على وجوب العمل بمثل هذه الوصية أيضا، مع أنّ أصل التقديم خلافي كما يأتي.

إلّا أنّ في قوله في الرضوي الأخير: «فهو غاصب» دلالة على الأوّل.

و ضعفه غير ضائر، لتحقّق الجابر كما مرّ. إلّا أنّه مخصوص بالجماعة، لمكان لفظ التقديم.

______________________________

(1) راجع الكافي في الفقه 156.

(2) مجمع الفائدة 2: 456.

(3) المدارك 4: 156.

(4) كما في الذخيرة: 334.

(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 287

فالأظهر الأوّل في إمامة الجماعة، و عدم التقدم بدون إذن الولي، و الثاني في غيرها.

فروع:
أ: صرّح الأكثر بأنّ المراد بأولى الناس بالميّت أولاهم بميراثه،

و عزاه في الذخيرة إلى فهم الأصحاب و عملهم «1»، و نسبه بعض متأخري المتأخّرين إلى الأصحاب «2»، و في المنتهى: أنّه قول علمائنا «3»، مؤذنين بالإجماع عليه، و

في الحدائق: أنّه لا خلاف فيه «4».

و هو كذلك، أمّا على استحباب التقديم، فلما ذكر، فإنّ مثله كاف في المقام حينئذ.

و أمّا على اللزوم، فللتعليل المذكور في المروي في تفسير العيّاشي المتقدّم، المنجبر بما ذكر، و صحيحة الكناسي، المشهورة، الواردة في تفضيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله: «ابنك أولى بك من أمّك «5» و ابن ابنك أولى بك من أخيك» «6» الحديث.

فإنّه قد أثبت فيها الأولويّة المطلقة- المعلّقة عليها الصلاة في الأخبار المتقدمة- للأكثر من المقدّمين في الميراث، و يتمّ المطلوب في الباقي بعدم الفصل.

مع أنّ الأولى بالميراث هو الأولى بالميّت بأيّ معنى أخذ قطعا، إلّا في نادر، كما في الوصي للأب أو الحاكم الشرعي، مع المعتق بل مثل ابن العم، فإنّ كونه أولى منهما به بجميع المعاني غير معلوم.

______________________________

(1) الذخيرة: 334.

(2) كصاحب الرياض 1: 203.

(3) المنتهى 1: 450.

(4) الحدائق 10: 382.

(5) كذا في النسخ، و في المصادر: «ابن ابنك».

(6) الكافي 7: 76 المواريث ب 3 ح 1، التهذيب 9: 268- 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 288

فلا يضرّ عدم استفادة المراد من الأولى من الأخبار المتقدّمة. بل قيل باستفادته منها أيضا «1»، لدلالة تتبّع النصوص على أنّ المراد بالأولى مطلقا المستحق للميراث، كما في المرسل: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضيه أولى الناس به» «2».

فقد أطلق الأولى و أراد الأولى بالميراث.

و لذا ورد في الصحيح مثله مبدلا لفظة «به» بقوله «بميراثه» «3».

و كما في صحيحة الكناسي المتقدّمة.

و لكن فيه نظر، إذ قد ورد في النصوص الأولى مطلقا بمعنى آخر أيضا، قال اللَّه سبحانه النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «4».

و

في الخبر: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: «أ لست أولى بكم من أنفسكم» «5».

و كون المراد به في المرسل ذلك ممنوع، فإنّه لا يقضيه الأب و الجدّ و الام و باقي المستحقين للميراث غير الابن الأكبر، عند الأكثر، و ظاهر أنّه ليس بالأولى بالميراث مطلقا. و منه يعلم أنّ وروده في الصحيح أيضا لا يخلو عن تجوّز. و كذا لا نسلّم أنّ المراد منها في صحيحة الكناسي الأولى بالميراث خاصّة و إن كان كذلك واقعا.

ب: قد ظهر ممّا ذكر أولويّة كلّ طبقة مقدّمة في الإرث على المتأخرة فيها.

و أمّا أهل كلّ طبقة واحدة فقالوا فيهم: الأب أولى من الابن، و الجدّ للأب

______________________________

(1) الرياض 1: 203.

(2) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلاة ب 12 ح 6، نقله عن كتاب غياث سلطان الورى للسيّد ابن طاوس.

(3) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(4) الأحزاب: 6.

(5) تفسير القمي 1: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 289

من الأخ، و المتقرّب بالأبوين من المتقرّب بأحدهما، و بالأب خاصّة من المتقرب بالأم، و العم من الخال. و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل تكرّر نفي الخلاف، بل دعوى الوفاق على الأوّل «1».

فعلى كون الحكم على سبيل الاستحباب يكفي ما ذكر في ثبوته، مضافا- في بعض أفراد المتقرب بالأبوين- إلى التصريح بأولويّته في صحيحة الكناسي، بل في مطلقه إلى عموم تعليل المروي في تفسير العيّاشي.

و أمّا لو بني الحكم على الوجوب فإثبات الحكم بذلك و ببعض التعليلات التي ذكروها في المقام- ممّا لا يقبلونها في غير المقام- مشكل، و لذا استشكل بعض المتأخّرين في الحكم «2».

و الحكم بكون الأكثر نصيبا أولى من الأقلّ مطلقا- لصحيحة الكناسي- فاسد، لأنّ تقديم

بعض من هو أكثر نصيبا فيه لا يدلّ على الكليّة، إلّا بالقياس المردود.

إلّا أنّه يمكن إثباته في جميع أفراد المتقرّب بالأبوين بضمّ الإجماع المركّب إلى الصحيحة. و في الجميع بأصل الاشتغال، لثبوت ولاية من ذكروه إجماعا دون غيره. و احتمال ولاية غيره إنّما يضرّ في هذا الأصل لو أوجبنا اجتماع الأولياء المتعدّدة في الصلاة، و ليس كذلك كما يأتي.

ج: يظهر من بعضهم أنّ مع تعدّد الولي من طبقة يقدّم الأكبر سنّا «3».

فإن ثبت الحكم بشهرة أو نحوها، فيحكم به على استحباب تقديم الولي، و إلّا فلا دليل عليه، كما لا دليل أصلا على المختار من وجوب التقديم.

و قد يستدلّ بصحيحة الصفّار: رجل مات، و عليه قضاء شهر رمضان عشرة أيّام، و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا جميعا، أحد الوليّين خمسة أيّام

______________________________

(1) التذكرة 1: 47، المدارك 4: 157، الذخيرة: 334.

(2) كما في المدارك 4: 158.

(3) كما في الحدائق 10: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 290

و الآخر خمسة؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيّام» «1».

و دلالتها ممنوعة، بل هي تدلّ على ثبوت الولاية لكلّ منهما، و إن كان القضاء على أكبرهما.

د: لا ريب في ثبوت الولاية للأنثى أيضا،

لعموم التعليل المتقدّم، و تصريح الأصحاب، و صحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال: «لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها» «2» الحديث.

و صحيحة الصفّار و فيها: «و إن لم يكن له وليّ من الرجال، قضاه وليّه من النساء» «3».

و إذا اجتمع الذكور و الأنثى في طبقة فحكموا بتقديم الذكر، و نفى عنه الريب بعض من تأخّر «4»، و الحكم به في كلماتهم قد تكرّر، بل عن المنتهى نفي الخلاف عنه «5».

و هو يكفي في المقام- على الاستحباب- مضافا إلى تقديم صحيحة الكناسي الا بن على الأم «6»، بضميمة عدم الفصل.

و أمّا على القول بالوجوب، فدليله الصحيحة مع الضميمة، و الأصل المتقدّم.

______________________________

(1) الكافي 4: 124 الصيام ب 44 ح 5، الفقيه 2: 98- 441، التهذيب 4: 247- 732، الاستبصار 1: 108- 355، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.

(2) الفقيه 1: 259- 1177، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.

(3) لا

توجد إلّا في فقه الرضا «ع»: 212، و رواها عنه في الحدائق 10: 390، و المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1، فالظاهر وقوع السهو في التعبير عنها بصحيحة الصفار.

(4) انظر: المدارك 4: 159.

(5) المنتهى 1: 451.

(6) هذا بناء على ما ورد في المتن من الصحيحة «ابنك أولى بك من أمّك»- تبعا للرياض- و لكنّ الموجود في المصادر: «ابنك أولى بك من ابن ابنك» كما أشرنا إليه سابقا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 291

و حكي القول بمشاركتها مع الورثة «1»، و هو ضعيف.

و قد يظهر من بعضهم تقدّم الذكر و لو تأخّر طبقة، على الأنثى و لو تقدّمت.

و عموم رواية العيّاشي بضميمة الإجماع المركّب يضعّفه.

و تقويته بمفهوم صحيحة الصفّار السابقة، و صحيحة حفص الواردة في القضاء: قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلّا الرجل» «2».

ضعيفة جدّا، لدلالة الأولى على عدم قضاء المرأة مع وجود الولي من الرجال، و يمنع ولايتهم مع وجود المرأة الأقرب. و عدم دلالة الثانية إلّا على اختصاص القضاء بالرجل، و هو لا يدلّ على تقديمه مطلقا، بل يدلّ على أنّه قد تكون المرأة أولى بالميّت مع وجود الرجل، و إن كان القضاء عليه.

ه: الزوج أولى بالزوجة من سائر أقاربها، و إن كانت متمتّعة أو مملوكة،

كما مرّ بدليله في بحث غسل الميّت.

و لا تلحق به الزوجة، للأصل.

و: لو تعدّدت الأولياء فقد يحصل التأمّل في ثبوت ولاية الصلاة لهم،

إذ ليس المراد بالأولى الذي له تولية الصلاة جميعهم، إذ ليس المطلوب إلّا صلاة واحدة، و لا واحدا منهم، لأنّه ليس بأولى من جميع من هو غيره، لوجود المساوي له في الولاية، و إرادة الأولى في الجملة غير معلومة.

و هو كان في موقعه لو انحصر الدليل على أولويّة الأولى بالمرسلين المتضمّنتين للفظ الأولى «3».

و أمّا الرضوي الأخير «4» فهو يثبت الأولويّة للولي الصادق على كلّ واحد.

______________________________

(1) حكاه صاحب المدارك 4: 160.

(2) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(3) راجع ص 283- 284.

(4) راجع ص 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 292

و ضعفه منجبر باشتهار عدم جواز التقدّم إلّا بإذن الولي، و دعوى الإجماع عليه في كلام بعض المتأخّرين، فيثبت تولية الصلاة لكلّ من المتعدّد.

و على هذا فلو لم يكن بينهم اختلاف بأن لا ينازع بعضهم بعضا في الصلاة، أو المأذون فيها، فلا إشكال.

و لو خالفوا فيها فأراد كلّ منهم الصلاة بنفسه، أو في من يصلّي، فأراد كلّ منهم صلاة شخص، فقالوا: يقدّم الهاشمي، ثمَّ الأفقه، ثمَّ الأقرأ، ثمَّ الأسنّ، ثمَّ الأصبح «1»، بمعنى أنّه ينبغي للأولياء الاجتماع على تقديمه.

فإن أرادوا بذلك الأفضليّة كما هو الظاهر، بل صريح الأكثر، فهو كذلك، لاشتهار الحكم الكافي في إثبات الأفضليّة، مضافا في الأوّل إلى الرضوي المتقدّم، و العامي: «قدّموا قريشا و لا تقدّموهم» «2».

و إن أرادوا اللزوم، فلا دليل عليه، لقصور الروايتين عن إثباته سندا و دلالة، و الخلو عن الجابر المعلوم في المقام.

و المناط في الترجيح إنّما هو الصلاة دون الإذن، فلو اختلفت

الأولياء في هذه الصفات و أرادوا نصب الغير لم تعتبر هذه الصفات فيهم، بل تعتبر في المصلّي.

ثمَّ إن اجتمعوا على الأفضل فهو، و إن لم يتّفقوا عليه، و تساووا في الصفات، فقيل: يقرع «3». و الحقّ جواز تقدّم كلّ من الأولياء، أو من أذن له أحدهم، و كفاية صلاته، و يظهر وجهه ممّا مرّ.

ز: لو انحصر الأولى بالميّت في الصغير أو المجنون،

فالظاهر أنّه لا ولاية للصلاة حينئذ لأحد، بل يجوز تقدّم من شاء، إذ المذكور في الأخبار أنّه يصلّي الأولى بالميّت، أو الولي، أو يأمر من يحب، و ظاهر أنّ الصغير و المجنون لا

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 105، و التذكرة 1: 47، و المسالك 1: 37.

(2) الجامع الصغير 2: 253- 6108 و 6109 و 6110.

(3) كما في المبسوط 1: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 293

يصلحان لتعلّق هذا الحكم، فهما خارجان من الأخبار، و غيرهما ليس مصداقا للأولى و الولي حتى يتعلّق به الحكم.

فهما و إن كانا أولى بالميّت- و لذا يقدّمان في الإرث لذلك- و لكن لا يصلحان للحكم، و غيرهما و إن كان صالحا له، و لكن ليس بأولى إلى الميّت، و إن كان أولى إلى الصغير و المجنون، لعدم دليل عليه.

و منه يظهر أنّ الحكم كذلك لو كان الأولى بالميّت غائبا لا يمكن الاستيذان منه قبل فوات الصلاة.

و لو كان مع أحدهما أنثى في مرتبته تقدّم في الصلاة أو الإذن، لأنّها أيضا من الأولياء، و إن كانت تؤخّر عن الذكور لأدلّة غير جارية هنا.

ح: لو مات أحد، و لم يعلم له قريب و لا وليّ غير الحاكم،

فهو أولى الناس به مع وجوده، و عدول المسلمين مع عدمه، فلا تجوز لأحد الصلاة عليه إمامة بدون إذنه، و لو اطّلع الحاكم تجب عليه المبادرة في الصلاة أو الإذن.

ط: لا شكّ في جواز تقدّم من يعلم إذن الولي بالفحوى، لصدق الأمر و التقديم.

و هل يكفي في تحقق الإذن شاهد الحال؟.

فيه نظر، لأنّ المذكور في الأخبار أمر الولي أو تقديمه، و صدقهما في المورد غير معلوم.

إلّا أن يقال: إنّ عدم جواز تقدّم غير الولي أو المأذون منه كان بالرضوي بتوسط الانجبار بما ذكر، و تحقّق الانجبار في المورد غير معلوم، فيجوز له التقدّم.

و لا بأس به.

ي: ظاهر الشرائع و النافع و الذكرى و غيرها: اختصاص التوقّف على إذن الولي بالجماعة «1»،

و نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافّة «2»، و نحوه في

______________________________

(1) الشرائع 1: 105، النافع: 40، الذكرى: 57، و انظر: الرياض 1: 204.

(2) روض الجنان: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 294

الذخيرة «1»، بل صرّح بعضهم بأنّ ذلك في الإمام دون المأموم «2»، و لعلّه أيضا مرادهم من الجماعة.

و هو كذلك، لما عرفت من انحصار الدليل على التوقّف بالرضوي المشتمل على لفظ التقدّم، الظاهر أو المحتمل للإمامة، فينحصر بها. مع أنّ العلم بانجباره أيضا منحصر فيها.

يا: لو تقدّم أحد بدون إذن الولي، فهل فعل حراما فقط، أو تبطل معه صلاته؟.

قد يقال بالأوّل، لأنّ الواجب الذي هو الاستئذان من الولي أمر خارج عن حقيقة الفعل، فلا يبطل بانتفائه.

و فيه: أنّ الواجب هو الاستيذان قبل الصلاة فصلاته قبله ضدّه، و الأمر بالشي ء نهي عن ضده، و النهي يوجب فساد العبادة.

مع أنّ المصرّح به في الرضوي أنّه غاصب، و في كلام كثير من الأصحاب أنّه لا يجوز، و ادّعى عليه بعض مشايخنا الإجماع «3»، فيكون التقدّم و الإمامة حراما البتّة، و ليس المراد منهما إلّا الصلاة مقدّما- إذ ليست الإمامة غير ذلك- فتكون باطلة.

و هل تبطل صلاة المأمومين حينئذ أيضا أم لا؟.

مقتضى الأصل: الثاني، إذ ليست المأموميّة هنا إلّا التأخّر في تكبيرة الإحرام و المتابعة في الأفعال و الأقوال، و لا يتحمل الإمام عن المأموم واجبا تبطل ببطلانه صلاته، غايته متابعته قولا و فعلا مشروعا لمن ليس له قوله و فعله كذلك، و هو لا يوجب البطلان.

______________________________

(1) الذخيرة: 334.

(2) مجمع الفائدة 2: 456.

(3) الرياض 1: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 295

و أمّا ما دلّ على بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، فلا يفيد هنا، لمنع كونها صلاة.

و منه يظهر سقوط الصلاة عن الغير بوقوع صلاة على الميّت

و لو بدون إذن الولي، لأنّها إن كانت فرادى لم يشترط فيها الإذن، و إن كانت جماعة لا ينفك عن مأموم لا يشترط له الإذن أيضا.

يب: إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في أحقيّة الولي بالصلاة

بين ما لو أوصى الميّت بها إلى غيره أم لا. قيل: و لعلّه المشهور «1»، بل عن المختلف نسبته إلى علمائنا «2»، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه.

خلافا للمحكي عن الإسكافي في صورة الوصيّة «3»، لعموم آية النهي عن تبديل الوصيّة «4».

و ردّ: بأنّه معارض بعمومات الآية و الأخبار المتقدّمة. و الترجيح معها، للشهرة.

و يضعّف: بأنّ الآية الثانية- كما مرّ «5»- غير دالّة، و الشهرة للترجيح غير قابلة، و الأخبار مع الكتاب غير مكافئة، فلو تمّت دلالة الآية على لزوم مطلق الوصيّة حتى مثل المسألة لكان الترجيح مع الوصيّة. و يتمّ تحقيقه في بحث الوصايا.

المسألة الثالثة: لا تشترط في المصلّي على الميت وحده العدالة إجماعا

، للأصل و العمومات.

و المشهور اشتراطها في إمام الجماعة فيها و إن كان وليّا، و قيل: بلا خلاف

______________________________

(1) الرياض 1: 203.

(2) المختلف: 120.

(3) حكاه عنه في المختلف: 120.

(4) البقرة: 181.

(5) في ص 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 296

أجده «1»، و عن المنتهى: أنّه اتّفاق علمائنا «2»، له، و لأصالة عدم مشروعيّة الاقتداء بغير ما اتّفقوا عليه، و إطلاق ما دلّ على اعتبارها في إمام الجماعة.

و يمكن القدح في الأوّل: بعدم الحجيّة.

و في الثاني: بأنّ عمومات مشروعيّة الجماعة هنا من غير تقييد- كما يأتي- تثبت الشرعيّة، و تدفع الأصالة.

و في الثالث: بمنع إطلاق يشمل المسألة، لأنّه بين متضمّن للفظ الصلاة الغير الصادقة هنا على الحقيقة، و مطلق لا يعلم صدقه على إمام الصلاة مطلقا، بل تحتمل إرادة إمام الملّة.

و لذا ناقش في اعتبارها المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد، قال بعد ذكر اشتراط العدالة و أنّه محلّ تأمّل: إذ لا دليل على الاشتراط هنا، مع أنّه لا يتحمل شيئا و ليس إلّا تقدّم صورة، إلّا أن يكون إجماعا «3».

و كذا في الذخيرة،

فقال: إنّ للمنازعة فيه مجالا، لعموم النص، و عدم كونها صلاة حقيقة «4».

و مراده من النصّ ليس نصوص صلاة الميّت، لأنّ عمومها لا يكفي في تعميم الإمام، فإنّ جواز صلاة كلّ أحد لا يثبت مشروعيّة الائتمام به و مطلوبيّة متابعته. إلّا أن يقال: إنّ الصلاة تشمل الجماعة أيضا، و مشروعية الصلاة لكلّ أحد و لو جماعة تستلزم مشروعية الاقتداء به. و لكن فيه تأمل.

بل المراد النصّ الدال على الجماعة هنا، كالرضوي الأخير في الهاشمي، حيث يشمل غير العادل منه أيضا «5»، و صحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال:

______________________________

(1) الرياض 1: 204.

(2) المنتهى 1: 451.

(3) مجمع الفائدة 2: 459.

(4) الذخيرة: 335.

(5) راجع ص 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 297

«لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن في الصفّ، تكبّر و يكبّرن» «1».

و إذا ثبت الحكم في المرأة يثبت في الرجل بالإجماع المركّب، و الفحوى.

و منه تظهر قوّة جانب عدم اعتبارها، و إن كان الاعتبار أحوط.

و على هذا فالاحتياط للولي الغير العادل استنابة غيره من العدول، كما أنّ على لزوم اعتبارها يجب عليه ذلك لو أراد الجماعة.

المسألة الرابعة: يستحب للولي و لو كان عادلا تقديم الأكمل منه

- لو وجد- بالهاشمية، للرضويّ المتقدّم.

أو الأعلميّة، للمرسل: «من أمّ قوما و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة» «2».

أو الأسنّية، لبعض الأخبار «3».

بل في مطلق الكمال إذا كان الأكمل في تلك الصفات عادلا.

و في الذخيرة احتمال ترجيح الولي مع اجتماعه الشرائط مطلقا، لاختصاصه بمزيد الرقّة التي هي مظنّة الإجابة من اللَّه سبحانه «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 259- 1177، التهذيب 3: 206- 488، الاستبصار 1: 426- 1648، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.

(2) الفقيه 1:

247- 1102، الوسائل 8: 346 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.

(3) الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.

(4) الذخيرة: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 298

البحث الثالث في كيفيّة الصلاة عليه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب أن ينوي أوّلا صلاة الميّت تقرّبا إلى اللَّه تعالى

، لأنّها عبادة، فتفتقر إلى النيّة.

و لا تجب نيّة الوجوب أو الندب، على ما مرّ في كتاب الطهارة.

و يشترط تعيين الميّت، بأن يقصد الصلاة على هذا الميّت أو هذه الأموات، إذا لم يتعيّن المصلّى عليه من الخارج، حتى يصدق الامتثال و ينصرف الأمر إليه.

و لا تشترط معرفة الميّت، للأصل.

و هل يكفي منويّ الإمام للمأموم إذا لم يتعيّن من الخارج؟ فيه احتمال قوي.

و تجب استدامة النيّة حكما إلى الفراغ.

و على المأموم عند إرادة الائتمام نيّة الاقتداء كغيرها من الصلوات، على احتمال. و في شرح الإرشاد: أنّه ليس بمعلوم الوجوب، لعدم سقوط شي ء «1»، و هو كذلك.

ثمَّ يكبّر خمس تكبيرات، أولاها تكبيرة الإحرام، بالإجماع، و النصوص المستفيضة بل المتواترة معنى من طرقنا كصحيحتي ابن سنان «2»، و صحيحة

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 432.

(2) الأولى: التهذيب 3: 315- 976، الاستبصار 1: 474- 1832، الوسائل 7: 74 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 6.

الثانية: الفقيه 1: 100- 468، التهذيب 3: 330- 1033، الوسائل 7: 76 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 299

إسماعيل بن سعد «1»، و حسنة أبي ولّاد «2»، و روايتي أبي بصير «3»، و روايات الحضرمي «4»، و الجعفري «5»، و ابن زائدة «6»، و غير ذلك مما يأتي بعضها.

و في الرضويّ: «إذا أردت أن تصلي على الميّت، فكبّر عليه خمس تكبيرات» «7».

و إن كان في دلالة بعضها على الوجوب تأمّل، و لكنّه غير ضائر، لكفاية ثبوت مطلق الرجحان في إثبات الإيجاب بالإجماع المركّب.

و أمّا ما يدلّ على الأربع فلما مرّ غير مكافئة، و على التقيّة محمولة، لأنّه مذهب جميع العامّة كما صرّح به عظماء الطائفة «8»، و

استفاضت به أحاديث العترة، منها المروي في العلل: لأيّ علّة تكبّر على الميّت خمس تكبيرات، و يكبّر مخالفونا أربع تكبيرات؟ «9» الحديث.

و في العيون: «فمن قبل الولاية يكبّر خمسا، و من لم يقبل الولاية يكبّر أربعا،

______________________________

(1) التهذيب 3: 192- 439، الاستبصار 1: 477- 1848، الوسائل 3: 74 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5.

(2) التهذيب 3: 316- 980، الاستبصار 1: 474- 1836، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 9.

(3) الاولى: التهذيب 3: 315- 977، الاستبصار 1: 474- 1833، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 8.

الثانية: التهذيب 3: 315- 978، الاستبصار 1: 474- 1834، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 10.

(4) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 5، التهذيب 3: 189- 430، الخصال: 280- 26، المحاسن: 316- 36، العلل: 302- 1، الوسائل 3: 73 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 4.

(5) العلل: 302- 2، الوسائل 3: 73 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 3.

(6) التهذيب 3: 316- 979، الاستبصار 1: 474- 1835، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 11.

(7) فقه الرضا «ع»: 183، مستدرك الوسائل 2: 255 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 2.

(8) كالسيّد في الانتصار: 59، و العلامة في التذكرة 1: 50، و الشهيد في الذكرى: 58.

(9) العلل: 303- 1، الوسائل 3: 77 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 300

فمن أجل ذلك تكبّرون خمسا و من خالفكم يكبّر أربعا» «1».

بل به اعترف علماء العامّة. قال بعض شرّاح صحيح مسلم: إنّما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة، لأنّه صار علما للتشيّع، و قال عبد

اللَّه المالكي في كتابه المسمى بفوائد مسلم: إنّ يزيدا كبّر خمسا، و كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يكبّرها، و هذا المذهب الآن متروك، لأنّه صار علما على القول بالرفض.

مع أنّه يحتمل حملين آخرين:

أحدهما:

الحمل على الصلاة على المنافقين و المتّهمين بالنفاق، كما مرّ في رواية محمّد بن مهاجر «2»، و في صحيحة إسماعيل بن سعد: عن الصلاة على الميّت، فقال: «أمّا المؤمن فخمس تكبيرات، و أمّا المنافق فأربع، و لا سلام فيها» «3».

و في صحيحة هشام بن سالم: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يكبّر على قوم خمسا، و على آخرين أربعا، فإذا كبّر على رجل أربعا فاتّهم بالنفاق» «4».

و في رواية إسماعيل بن همّام: «فأمّا الذي كبّر عليه خمسا فحمد اللَّه تعالى و مجّده في التكبيرة الاولى، و دعا في الثانية للنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و دعا في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و دعا في الرابعة للميّت، و انصرف في الخامسة، و أمّا الذي كبّر عليه أربعا، فحمد اللَّه تعالى و مجّده في التكبيرة الاولى، و دعا لنفسه و أهل بيته في الثانية، و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة، و انصرف في الرابعة فلم يدع

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 81- 20، الوسائل 3: 76 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 16.

(2) راجع ص 269.

(3) التهذيب 3: 192- 439، الاستبصار 1: 477- 1848، الوسائل 3: 74 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5.

(4) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 2، التهذيب 3: 197- 454 و 317- 982، الاستبصار 1:

475- 1839، العلل: 303- 2، الوسائل 3: 72 أبواب صلاة الجنازة ب

5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 301

له، لأنّه كان منافقا» «1».

و الثاني:

أنّ المراد بالأربع الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من الدعاء، فإنّ الخامسة ليس بعدها دعاء، كما تكشف عنه رواية أبي بصير: سأله رجل عن التكبير على الجنائز، فقال: «خمس تكبيرات» ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة فقال: «أربع صلوات» فقال الأوّل: جعلت فداك، سألتك فقلت: خمسا و سألك هذا فقلت: أربعا، فقال: «إنّك سألتني عن التكبيرة، و سألني هذا عن الصلاة» ثمَّ قال: «إنّها خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات» «2».

هذا كلّه مع أنّ الإثبات مقدّم على النفي، فلعلّ راوي الأربع لم يسمع الخامسة، لكونها منفردة عن الدعاء، و كونه بعيدا عن الإمام عليه السلام.

ثمَّ إنّه لا فرق في وجوب التكبيرات الخمس بين كون الميّت مؤمنا أو مخالفا تجب عليه الصلاة، للعمومات المتقدّمة المثبتة للوجوب، و لو بضميمة الإجماع المركّب.

و أمّا ما مرّ من روايات تكبير النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أربعا، فإنّما هو في المنافق، و صدقه على مطلق المخالفين غير معلوم، و إن أطلق عليهم في بعض الأخبار، و لكنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، و المجاز غير منحصر في واحد.

المسألة الثانية: يدعى بين كلّ تكبيرتين بالدعاء إجماعا

، له، و للمستفيضة بل المتواترة معنى من الأخبار «3».

و هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟.

______________________________

(1) التهذيب 3: 317- 983، الاستبصار 1: 475- 1840، الوسائل 3: 64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 9.

(2) التهذيب 3: 318- 986، الاستبصار 1: 476- 1842، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.

(3) انظر: الوسائل 3: 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 302

الحقّ هو الأوّل، وفاقا للأكثر كما صرّح به

جماعة «1»، بل عن ظاهر الخلاف و المنتهى و الذكرى الإجماع عليه «2».

لا لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة.

و لا لوروده في بيان كيفيّة الواجب.

و لا لحمله مع ذلك على الصلاة في رواية أبي بصير السابقة بقوله فيها تارة «أربع صلوات» و اخرى «خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات».

و لا لتوقّف حصول البراءة اليقينيّة عليه كما في الذخيرة «3».

لإمكان القدح في الأوّل: بمنع الأمر به في الأخبار، و غايتها الجمل الخبريّة التي هي أعمّ من الوجوب. مع أنّها لو فرضت دلالتها على الوجوب لم تكن نافعة في المقام، لأنّ هذه الأوامر ليست واردة على مطلق الدعاء، بل على دعوات مخصوصة غير واجبة إجماعا، معارضة بعضها مع بعض في الخصوصيّة، المانع تعارضها عن إيجاب واحد منها.

و منه يظهر وجه القدح في الثاني أيضا، مضافا إلى أنّه إن أريد وروده في بيان الكيفيّة الواجبة للواجب، فلا دليل عليه، و ظهوره فيه ممنوع، و إن أريد مطلق الكيفيّة له- أي الأعم من الواجبة و المستحبة- فلا يفيد.

و منه يظهر القدح في الثالث أيضا. و الحمل و إن كان حقيقة في الحقيقي و هو يوجب اتحاد صلاة الميّت مع ما ذكر فيكون واجبا، إلّا أنّ إرادة الحقيقي هنا غير ممكنة، لأنّ حقيقة الدعاء على الميّت- الذي هو معنى الصلاة لغة- معلومة، و هي مطلق الدعاء عليه، فيكون خصوص الأربع مغايرا للحقيقة.

مع أنّ حقيقة صلاة الميّت لو كانت هي ما يجب شرعا في صلاة الجنائز،

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 451، و السبزواري في الذخيرة: 328، و صاحب الرياض 1:

204.

(2) الخلاف 1: 724، المنتهى 1: 451، الذكرى: 59.

(3) الذخيرة: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 303

لكان المحمول مغايرا للموضوع هنا

قطعا، لوجوب أمور أخر فيها من النيّة و القيام و الاستقبال و غيرها. فلا بدّ من ارتكاب تجوّز إمّا في الحمل أو الموضوع بإرادة المشروع من الصلاة أو الواجب منها أو المستحب، و المقصود غير متعيّن، فالاستدلال به غير تامّ.

و في الرابع: بأنّ المعلوم اشتغال الذمّة به- و هو خمس تكبيرات- علمت البراءة عنه، و الاشتغال بالزائد غير معلوم، فلا يستدعي اليقين بالبراءة.

بل «1» لوقوع الأمر بالصلاة على الميّت مطلقة في أخبار كثيرة، و الصلاة لغة حقيقة في الدعاء فيجب الدعاء له، و بوجوبه تجب الأربع بالإجماع المركّب.

فإن قيل:

الدعاء و إن كان حقيقة لغويّة للصلاة، و لكنّه مجاز شرعي، لحصول الحقيقة الشرعية فيها، فهو معنى مجازي أيضا كالتكبيرات، فلا تتعيّن إرادته.

قلنا:

نعم، كذلك حين ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة. و حصولها في زمان النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم سيّما زمان صدور الأخبار النبويّة- المتقدّم ذكرها في صدر الباب- غير معلوم، فالحمل على الحقيقة اللغويّة لازم، و ليس هو إلّا مطلق الدعاء.

فإن قيل:

تجب في صلاة الميّت التكبيرات و تعدّد الصلوات و أمور أخر أيضا، و هي خارجة عن حقيقتها اللغويّة، فعدم إرادتها معلوم، و المجاز غير متعيّن.

قلنا:

وجوب هذه الأمور لا يستلزم إرادتها من الصلاة، بل الثابت من الأمر بالصلاة ليس إلّا وجوب الدعاء و إن علم وجوب أمور أخر بأوامر أخر.

و يؤكّد ما ذكرنا من إرادة المعنى اللغوي، و كونها هنا بمعنى الدعاء: ما مرّ من رواية محمّد بن مهاجر السالفة «2»، المصرّحة بأنّ بعد ما نهى اللَّه عن الصلاة

______________________________

(1) عطف على قوله: لا لوقوع الأمر به ..

(2) في ص 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 304

على المنافقين بقوله سبحانه وَ لا تُصَلِّ عَلى

أَحَدٍ مِنْهُمْ ترك النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم الدعاء عليهم، و اقتصر بالتكبيرات و الثناء و الصلاة و الدعاء للمؤمنين.

و رواية أبي بصير المتقدّمة «1»، المتضمّنة لقوله: «أربع صلوات» سيّما بعد السؤال عن الصلاة على الميّت.

و تدلّ على المطلوب- بضميمة الإجماع المركّب المذكور- صحيحة ابن أذينة و الفضيل: «إذا صلّيت على المؤمن فادع له، و اجتهد في الدعاء» «2» الحديث.

خلافا لصريح الشرائع و ظاهر النافع، فيستحبّ الدعاء «3»، و هو ظاهر المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد «4».

للأصل.

و الاختلاف العظيم في الدعاء الوارد فيها.

و إطلاق الروايات المتضمّنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات، الواردة في مقام البيان، الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.

و الأصل يدفع بما مرّ.

و الاختلاف إنّما يوهن في الوجوب لو كان المدّعى وجوبه أمرا معيّنا و اختلف فيه، دون ما إذا كان الواجب هو القدر المشترك بين المختلفات، و كان الاختلاف في الخصوصيّات كما في المقام.

و الإطلاق إنّما يفيد لو كان السؤال عن الصلاة. و الظاهر من الروايات المذكورة كون السؤال و الجواب فيها إنّما هو بالقياس إلى خصوص التكبير و مقداره، لكونه محلّ الخلاف بين الخاصّة و العامّة، و لذا لم يذكر سائر الواجبات من النيّة

______________________________

(1) في ص 301.

(2) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 2، التهذيب 3: 196- 450، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 3.

(3) الشرائع 1: 106، النافع: 40.

(4) مجمع الفائدة 2: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 305

و القيام و الاستقبال و غيرها، مع وجوبها إجماعا. مع أنّ بعد التسليم غايتها الإطلاق، فيجب تقييده بما مرّ.

المسألة الثالثة: مقتضى الأمر بالصلاة على الميّت في أوامرها، و الدعاء له في صحيحة ابن أذينة و الفضيل: وجوب ذلك

، أي الدعاء له، فلا مناص عنه.

و لا تضرّه صحيحة زرارة و

محمّد: «ليس في الصلاة على الميّت قراءة و لا دعاء موقّت، تدعو بما بدا لك، و أحقّ الموتى أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبيّ» «1».

لأنّها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، فيجب التخصيص به.

و لا موثّقة يونس: عن صلاة الجنازة أصليّ عليها على غير وضوء؟ فقال:

«نعم، إنّما هو تسبيح و تكبير، و تحميد و تهليل» «2».

لأنّ جهة إثبات هذه الأمور لا تنافي ثبوت الغير أيضا. و أمّا جهة نفي الغير التي هي الملحوظة في الرواية فإنّما هي بالنسبة إلى الركوع و السجود، لأنّ انتفاءهما هو الصالح لعلّية انتفاء الوضوء. و لو سلّم العموم، فتكون أعمّ مطلقا ممّا مرّ أيضا، فتخصّ به.

و لكن لا يتعيّن في الدعاء له لفظ خاصّ، و لا موضع خاصّ، للأصل.

و كذا لا يتعيّن في الدعوات الأربع غير ما ذكر شي ء خاص معنى أو لفظا، وفاقا للإسكافي «3»، و جماعة من المتأخرين، منهم: المدارك و الذخيرة و الحدائق «4»، و نسبه في الأول إلى الأكثر.

للأصل السالم عن المعارض الدالّ على الوجوب جدّا، إلّا الرضوي الآتي

______________________________

(1) التهذيب 3: 189- 429، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 3.

(2) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 1، الفقيه 1: 107- 495، التهذيب 3: 203- 475، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2.

(3) حكاه عنه في الحدائق 10: 405.

(4) المدارك 4: 167، الذخيرة: 329، الحدائق 10: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 306

المتضمّن للأمر «1»، و لكنّه تعلّق بألفاظ و معاني لا يجب جميعها إجماعا، فيحمل على الاستحباب قطعا. و لصحيحة زرارة و محمد و موثّقة يونس المتقدّمتين.

و يؤيده اختلاف النصوص، و عدم توافق بعضها مع بعض في تعيين

الأذكار، مع كثرتها و استفاضتها.

بل هو دليل على المطلوب، حيث إنّ إيجاب الكلّ غير ممكن، و البعض المعيّن تحكّم، و ترجيح بلا مرجّح، و التخيير بينها غير صحيح، لاشتمال الأكثر على معاني و ألفاظ غير واجبة إجماعا. و القدر المشترك بين الجميع ليس إلّا الدعاء المطلق، و هو المطلوب. مع أنّه يثبت بالتخيير الذي هو المرجع عند التعارض أيضا، لأنّ من أفراد المخيّر هنا مطلق الدعاء بعد رفع اليد عن خصوص اللفظ بالإجماع.

خلافا لجماعة «2»، بل نسب إلى المشهور، إمّا مطلقا كما في الذخيرة «3»، أو مقيّدا بكونه بين المتأخرين كبعض آخر «4»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5»، فأوجبوا الشهادتين بعد التكبيرة الاولى، و الصلاة على النبي و آله بعد الثانية، و الدعاء للمؤمنين بعد الثالثة، و للميّت بعد الرابعة.

للشهرة.

و الإجماع المنقول.

و تحصيل اليقين بالبراءة.

و لرواية محمّد بن مهاجر السالفة في أوّل الباب «6»، و رواية إسماعيل بن همّام المتقدّمة في المسألة الاولى «7»، و الرضوي الآتي.

______________________________

(1) انظر ص 308.

(2) كالعلامة في التحرير 1: 19، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 424.

(3) الذخيرة: 328.

(4) انظر: الرياض 1: 204.

(5) الخلاف 1: 724.

(6) راجع ص 269.

(7) راجع ص 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 307

و يردّ الأوّلان:

بعدم الحجيّة.

و الثالث:

بحصولها بالنسبة إلى ما علم به اشتغال الذمّة.

و الروايات:

بعدم الدلالة على الوجوب، و لو تضمّن بعضها قوله: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يفعل كذا» المشعر بالدوام و المواظبة.

مع أنّ أولاها تتضمّن الصلاة على الأنبياء الدالّ على الاستغراق، و هم لا يقولون بوجوبه، و تخالف ما تضمّنته الثانية من الدعاء لنفسه خاصّة.

و ثانيتها تتضمّن التحميد و التمجيد بعد الاولى، و هم لا يوجبونهما، و

تخالف ما تضمّنته الاولى من الشهادة.

و ثالثتها تتضمّن أمورا لا يجب شي ء منها قطعا، و تخالف ما في مواضع أخر من ذلك الكتاب لفظا و معنى.

و مع ذلك كلّه، فهي مع ما مرّ من الأخبار الدالّة على نفي التوقيت- كما مرّ- أو المشتملة على أذكار أخر معارضة. هذا.

ثمَّ إنّه على القول بوجوب الأذكار الأربعة لا يتعيّن فيها لفظ مخصوص، كما نقل التصريح به عن كثير من الأصحاب، بل لعلّه إجماعي، و يدلّ عليه الأصل أيضا، فتجوز تأديتها بأيّ لفظ كان.

المسألة الرابعة: تجوز تأدية الدعاء المطلق- على المختار- و الأذكار الأربعة- على القول بوجوبها- بالفارسيّة

، على الأقوى، و تجوز قراءة الدعوات المأثورة من المكتوب أيضا، للأصل.

و ما يظنّ دليلا لعدم جوازهما- لو كان به قائل هنا- يعلم دفعه ممّا مرّ في مسألتي جواز القراءة في الصلاة عن المصحف، و جواز القنوت بالفارسيّة.

المسألة الخامسة: يستحب الدعاء بالأذكار الأربعة الموزّعة على التكبيرات الأربع

، تأسيّا بما حكي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و اتّباعا للشهرة و الإجماع المحكيّين، و خروجا عن شبهة الخلاف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 308

و تأديتها «1» بما في الرضوي، لأجله، حيث إنّه تفصيل ذلك المجمل، قال:

«و ارفع يديك بالتكبير الأوّل و كبّر و قل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أنّ الموت حق، و الجنّة حق، و النّار حق، و البعث حق، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور. ثمَّ كبّر الثانية و قل: اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و بارك على محمّد و آل محمّد، و ارحم محمّدا و آل محمّد، أفضل ما صلّيت و باركت و رحمت و ترحّمت و سلّمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين، إنّك حميد مجيد. ثمَّ تكبّر الثالثة و تقول: اللّهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات، الأحياء منهم و الأموات، و تابع بيننا و بينهم بالخيرات، إنّك مجيب الدعوات، و وليّ الحسنات، يا أرحم الراحمين.

ثمَّ تكبّر الرابعة و تقول: اللّهم إنّ هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، نزل بساحتك، و أنت خير منزول به، اللّهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا، و أنت أعلم به منّا، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، و إن

كان مسيئا فتجاوز عنه، و اغفر لنا و له، اللّهم احشره مع من يتولاه و يحبّه، و أبعده ممّن يتبرّأ و يبغضه، اللّهم ألحقه بنبيّك، و ارحمنا إذا توفّيتنا يا إله العالمين. ثمَّ تكبّر الخامسة و تقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. و لا تسلّم و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال» «2».

ثمَّ المشهور أنّ هذا التوزيع هو الأفضل.

و عن العماني و الجعفي أنّ الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كلّ تكبيرة «3»، و إن اختلفت عباراتهما في كيفيّة الأدعية، كما ورد في موثّقة سماعة «4».

______________________________

(1) أي: و تستحبّ تأدية الأذكار ..

(2) فقه الرضا «ع»: 177، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

(3) حكاه عنهما في الذكرى: 59.

(4) الكافي 3: 182 الجنازة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 191- 435، الاستبصار 1:

478- 1849، الوسائل 3: 63 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 309

و قيل:

الأولى تكرار الدعاء له «1»، كما ورد في رواية كليب «2»، بل التشهّد و الصلاة على النّبي و آله بعد كلّ تكبيرة، كما في صحيحتي أبي ولّاد «3»، و الحلبي «4».

و لا شكّ أنّه لا بأس بشي ء منها، و يجوز العمل بكلّ منها، بل بغيرها ممّا ورد في الروايات المخالفة لما ذكر، كصحيحة زرارة «5»، و موثّقة عمّار «6»، و غيرهما، و إن اختلفوا في الأفضل، فمن رجّح المشهور فنظره إلى حصول موافقة الاحتياط، و الخروج عن الشبهة به، و من رجّح الأخير فنظر إلى صحّة الرواية و تعدّدها، و من رجّح الجمع بين الجميع في الجميع فكان نظر إلى

الأمرين، و ليس ببعيد، إذ المشهور لا يقول بحرمة الزائد عن الواجب قطعا.

و منه يظهر فساد ما قيل- بعد ذكر تكرار الدعاء بل التشهّد و الصلاة و نقل أولويّتها عن بعضهم-: و لعلّه لصحّة السند، إلّا أنّ الأفضل ما قدّمنا، فإنّ دفع الشبهة و موافقة المشهور مهما أمكن لعلّه أولى «7».

ثمَّ إنّه قد وردت في صحيحة الحلبيّ زيادة: «اللّهم عفوك عفوك» بعد الدعاء المذكور فيها في كلّ تكبيرة، و كذا في موثّقة عمّار في كلّ تكبيرة بعد أدعية مذكورة فيها، و في موضع من الفقه الرضوي في كلّ تكبيرة أيضا بعد أدعية مذكورة فيه «8».

و لا ريب في رجحان ذكره لو دعا بهذه الأدعية، و لا في جوازه، بل رجحانه من حيث هو دعاء بعد كلّ دعاء آخر من الدعوات المتقدّمة. و يحتمل رجحانه

______________________________

(1) كما حكاه في الرياض 1: 205 أيضا.

(2) التهذيب 3: 315- 975، الوسائل 3: 64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 7.

(3) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 3، التهذيب 3: 191- 436، الوسائل 3: 62 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 5.

(4) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 4، الوسائل 3: 61 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 3.

(5) الكافي 3: 183 الجنائز ب 54 ح 2، الوسائل 3: 61 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 2.

(6) التهذيب 3: 330- 1034، الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 11.

(7) الرياض 1: 205.

(8) فقه الرضا «ع»: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 310

بخصوصه أيضا بعد الكلّ، إذ يظنّ من وروده في الروايات الثلاث مع اختلاف الأدعية أنّه راجح برأسه من غير تعلّقه بدعاء. فتأمّل.

المسألة السادسة: إن كان الميّت طفلا يستحبّ أن يقول في دعائه ما في رواية عمرو بن خالد:

عن علي عليه

السلام في الصلاة على الطفل أنّه: «كان يقول: اللّهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا» «1».

و ليس بواجب، لعدم دلالتها على الوجوب، و إن كان مطلق الدعاء- الصادق على ذلك أيضا- واجبا، و لكن لا ينحصر به، بل و لا في السؤال لجعله مصلحا لحال أبيه، لتأتي رفع الدرجة و إعطاء المثوبة في حقّه.

و مقتضى إطلاق الرواية و كلام الأصحاب استحباب ذلك في الصلاة على الطفل الذي تجب الصلاة عليه أيضا، إلّا أنّ في الرضوي: «إنّ الطفل لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة، فإذا حضرت مع قوم يصلّون عليه فقل: اللّهمّ اجعله لأبويه و لنا ذخرا و مزيدا و فرطا و أجرا» «2» و لكنّه لا يدلّ على الاختصاص.

المسألة السابعة: ما مرّ من وجوب الدعاء للميّت

، و استحباب توزيعه على النحو المتقدّم إنّما هو في الصلاة على المؤمن. و أمّا غير المؤمن ممّن تجب الصلاة عليه من المخالف و المستضعف و مجهول الحال، فلا يجب الدعاء له، بل يقول في كلّ منهم بدعائه.

أمّا في المخالف فيقول ما في صحيحة محمّد: «إن كان جاحدا للحق فقل:

اللّهم املأ جوفه نارا، و قبره نارا، و سلّط عليه الحيّات و العقارب» «3» و الجاحد و إن كان أعمّ منه، إلّا أنّه يكفي شموله له.

______________________________

(1) التهذيب 3: 195- 449، الوسائل 3: 94 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 272 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(3) الكافي 3: 189 الجنائز ب 58 ح 5، الوسائل 3: 71 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 311

و أمّا الأدعية التي وردت في بعض الأخبار في المنافق و عدوّ اللَّه و العدوّ

لأهل البيت من الذين لا تجب الصلاة عليهم «1»- فلأنّ صدق الموضوع على كلّ مخالف غير معلوم- خارجة عن محلّ الكلام، و إنّما هي لمن ابتلي بصلاة هؤلاء لعذر، أو المراد بالصلاة فيها مجرّد الدعاء.

و أمّا في المستضعف- و هو من لا يعرف الحق، و لا يبغض أهله على اعتقادهم من غير تقصير- فيقول ما في صحيحة محمّد: «الصلاة على المستضعف و الذي لا يعرف: الصلاة على النبيّ، و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات، تقول: ربّنا اغفر لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ . إلى آخر الآيتين» «2» و الآية الثانية هكذا رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «3».

أو ما في صحيحة زرارة و محمّد: «الصلاة على المستضعف و الذي لا يعرف مذهبه: يصلّى على النبي و آله، و يدعى للمؤمنين و المؤمنات، و يقال: اللّهم اغفر لِلَّذِينَ تابُوا» «4» الآية.

و في صحيحة ابن أذينة و الفضيل: «و إن كان واقفا مستضعفا، فكبّر، و قل: اللّهم اغفر للذين» «5» الآية.

و في صحيحة الحلبي: «إن كان مستضعفا فقل: اللهم اغفر للذين ..» «6» الآية.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 69 أبواب صلاة الجنازة ب 4.

(2) الكافي 3: 186 الجنائز ب 57 ح 1، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 2.

(3) الغافر: 7 و 8.

(4) الفقيه 1: 105- 489، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 2، التهذيب 3: 196- 450، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 3.

(6) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 3، الفقيه 1:

105- 491، الوسائل 3: 68 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 312

و أمّا في المجهول فتقول ما في هذه الصحيحة أيضا: «و إذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللّهم إن كان يحبّ الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه».

و نحوه في الرضوي «1».

و ظاهر الأمر في هذه الأخبار الخالية عن المعارض الوجوب، كما هو مذهب جماعة «2».

و لا يعارض المجهول ما في صحيحة زرارة و محمّد السابقة «المستضعف و الذي لا يعرف مذهبه» لأنّه ليس صريحا في المجهول، لاحتمال كون قوله: «لا يعرف» بصيغة الفاعل، و يكون بيانا للمستضعف، أي: لا يعرف الحقّ الذي هو مذهبه حقيقة.

و قيل بعدم الوجوب في الأول، لأنّ التكبير عليه أربع، و بها يخرج عن الصلاة «3».

و فيه- مضافا إلى أنّه لا يتعيّن وقوع الدعاء وجوبا بعد الرابعة، و إلى أنّه لا ضير في وجوب هذا الدعاء بعد الخروج-: منع كون التكبير هنا أربعا. و أمّا الأخبار الدالّة عليها فكما مرّ واردة في المنافق، و صدقه على كلّ مخالف غير معلوم، فتخصيص المخالف من أخبار الخمس لا دليل عليه، و عدم معلومية التفرقة بين المنافق و المخالف غير ضائر، و إنّما الضائر معلومية عدم التفرقة، و هي غير حاصلة.

و ظاهر تصريحات القوم كون هذه الدعوات في هذه الصلاة بعد الرابعة.

و لا بأس بالقول باستحبابه، لذلك.

المسألة الثامنة: تجب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مرّ أمور:
اشارة

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 252 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.

(2) كالشهيد في البيان: 76، و صاحب المدارك 4: 166، و صاحب الرياض 1: 206.

(3) كما في جامع المقاصد 1: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 313

منها: الاستقبال بلا خلاف

، كما في المدارك و الذخيرة و الحدائق «1»، بل الظاهر أنّه إجماعي، كما يستفاد من كتب الأصحاب و عمل الناس مستمرا من الصدر الأول إلى هذا الزمان.

فهو الحجّة فيه، مضافا إلى استفادته من رواية أبي هاشم الجعفري الواردة في الصلاة على المصلوب أيضا «2»، حيث علّل فيها وجوب القيام على منكبه الأيسر بقوله: «فإنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة» أوّلا، و أمر بالقيام على المنكب المخالف للقبلة الموجب لمواجهة القبلة ثانيا. و قال: «و ليكن وجهك إلى ما بين المشرق و المغرب» ثالثا.

و تؤيده أيضا روايتا جابر و الرضوي الآتيتان في المسألة الثانية من البحث الرابع «3».

و لو تعذر من المصلّي أو الميّت، أو جهلت القبلة سقط وجوبه، للأصل.

و منها: القيام مع القدرة إجماعا

، كما عن الذكرى و في المدارك و الذخيرة و الحدائق «4»، و الظاهر منها و من استمرار عمل الناس عليه أنّه أيضا إجماعي.

و يسقط مع العجز قطعا.

و في الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود القادر احتمالان، أظهرهما الاكتفاء، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع الوفاق، مضافا إلى اشتمال العمومات للعاجز أيضا، فصلاته مشروعة، فيؤدي بها الواجب.

و منها: جعل رأس الميّت إلى يمين المصلّي في غير المأموم مع الإمكان

، بلا خلاف أجده، بل في الذخيرة و الحدائق نفي الخلاف فيه صريحا «5»، و تؤيده- مع الاستمرار المتقدّم- موثّقة عمّار: عن ميّت صلّي عليه، فلما سلّم الإمام فإذا الميّت

______________________________

(1) المدارك 4: 170، الذخيرة: 331، الحدائق 10: 422.

(2) الكافي 3: 215 الجنائز ب 78 ح 2، التهذيب 3: 327- 1021، الوسائل 3: 130 أبواب صلاة الجنازة ب 35 ح 1.

(3) انظر ص 336.

(4) الذكرى: 58، المدارك 4: 171، الذخيرة: 331، الحدائق 10: 423.

(5) الذخيرة: 331، الحدائق 10: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 314

مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه، قال: «يستوي و تعاد الصلاة عليه و إنّ حمل ما لم يدفن، فإذا دفن فقد مضت الصلاة و لا يصلّى عليه» «1».

بل في مفهوم الشرط في قوله: «فإذا دفن فقد مضت» دلالة على المطلوب.

قالوا: و لا بدّ مع ذلك من كون الميّت مستلقيا «2».

و منها: تقارب المصلّي إلى الجنازة بحيث لا يكون متباعدا كثيرا

، ذكره جمع من الأصحاب «3»، و استدلّ بالتأسيّ، و أصل الاشتغال، و عدم صدق الصلاة عليه مع كثرة البعد.

و في الكلّ نظر، إلّا أنّه لم ينقل فيه خلاف، و عليه استمرار العمل من الصدر الأوّل.

قالوا: و المرجع فيه إلى العرف «4».

و عن الذكرى: لا يجوز التباعد بمائتي ذراع «5».

و عن الفقيه القرب بحيث لو هبّت الريح تصل الثوب إلى الجنازة «6». و كأنّ مراده الاستحباب.

و صرّح جماعة «7» باشتراط عدم ارتفاع الجنازة عن موقف المصلّي، و لا انخفاضها كثيرا. فإن ثبت الإجماع، و إلّا ففيه النزاع.

و لا يضرّ الاختلاف الغير البالغ حدّ التفاحش قطعا.

______________________________

(1) الكافي 3: 174 الجنائز ب 45 ح 2، التهذيب 3: 201- 470، التهذيب 3: 322- 1004، الاستبصار 1: 482- 1870، الوسائل 3: 107 أبواب صلاة الجنازة ب

19 ح 1.

(2) كما في الدروس 1: 113، و الذخيرة: 331.

(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 113، و السبزواري في الذخيرة: 331، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 126.

(4) كما في الذخيرة: 331.

(5) الذكرى: 61.

(6) الفقيه 1: 101.

(7) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 308، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 331، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 315

و لا يجب رفع الحائل بين المصلّي و بين الجنازة، للأصل.

و منها: كون الصلاة بعد التغسيل- أو ما في حكمه من التيمّم

عند تعذّره- و التكفين، حيث يجبان، فظاهرهم الاتّفاق عليه، كما في الحدائق «1»، و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «2»، و في المدارك: هذا قول العلماء كافّة «3».

فإن ثبت الإجماع كما هو الظاهر، و إلّا فالأصل و صدق الامتثال يقتضيان العدم.

و كيف كان تصحّ صلاة الجاهل و الناسي قبل ذلك، لعدم ثبوت الإجماع فيهما.

و لو كان الميّت فاقدا للكفن يغسّل فيجعل في القبر، و تستر عورته بلبنة أو نحوها، و يصلّى عليه ثمَّ يدفن، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «4».

لموثّقة عمّار: في قوم كانوا في سفر فإذا هم برجل ميّت عريان، و هم عراة، فكيف يصلّون عليه و هو عريان و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال: «يحفر له و يوضع في لحده و يوضع اللبن على عورته، و يصلّى عليه، ثمَّ يدفن» «5».

و إن أمكن ستر عورته بثوب صلّي عليه قبل الوضع في لحده، لمفهوم مرسلة ابن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام الواردة في قوم يمشون على الشط، فإذا هم برجل ميّت عريان، و ليس للقوم ثوب يوارونه، فكيف يصلّون عليه؟ قال: «إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره

و يضعونه في لحده، يوارون عورته بلبن أو حجار أو تراب، ثمَّ يصلّون عليه، ثمَّ يوارونه في قبره» قلت: و لا يصلّون عليه و هو مدفون بعد ما يدفن؟ قال: «لو

______________________________

(1) الحدائق 10: 425.

(2) المنتهى 1: 456.

(3) المدارك 4: 173.

(4) كالمدارك 4: 173، و الرياض 1: 205.

(5) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 4، الفقيه 1: 104- 482، التهذيب 3: 179- 406، التهذيب 3: 327- 1022، الوسائل 3: 131 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 316

جاز ذلك لأحد لجاز لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، فلا يصلّى على المدفون و لا على العريان» «1».

و هل هو على سبيل الوجوب أو الجواز؟ فيه وجهان، و الأظهر الثاني، للأصل، و قصور الرواية عن الدلالة على الوجوب.

المسألة التاسعة: لا تشترط في هذه الصلاة الطهارة من الحدث

، بالإجماع المصرّح به في جملة من الكتب، كالخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و الروضة «2»، و المستفيضة من الأخبار، كصحيحة محمّد «3»، و موثّقة يونس «4» و الرضوي «5»، معلّلا في بعضها بأنّه إنّما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل، و في آخر بأنّه ليس بالصلاة إنّما هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود، و الأخبار المصرّحة بجواز هذه الصلاة من الحائض، كصحيحة محمّد «6»، و موثّقة سماعة «7»، و روايات عبد الحميد «8»، و عبد الرحمن «9» و ابن المغيرة «10»،

______________________________

(1) التهذيب 3: 328- 1023، المحاسن: 303- 12، الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 2.

(2) الخلاف 1: 724، التذكرة 1: 49، المنتهى 1: 455، الذكرى: 60، الروض: 309، الروضة 1: 139.

(3) الكافي 3: 178 الجنائز

ب 49 ح 4، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.

(4) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 1، الفقيه 1: 107- 495، التهذيب 3: 203- 475، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 3.

(5) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.

(6) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 4، الفقيه 1: 107- 496، التهذيب 3: 204- 479، الوسائل 3: 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.

(7) الفقيه 1: 107- 497، التهذيب 3: 204- 481، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 5.

(8) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 3، التهذيب 3: 203- 476، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.

(9) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 3، التهذيب 3: 203- 478، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 3.

(10) التهذيب 3: 204- 482، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 317

و الرضوي «1».

و لا من الخبث، كما صرّح به بعض الأصحاب «2»، للأصل السالم عن المعارض، المؤكّد بإطلاقات أخبار جواز صلاة الحائض، مع عدم انفكاكها عن الخبث غالبا.

و لا ستر العورة، للأصل المذكور، وفاقا للفاضل «3»، و خلافا للذكرى «4»، لوجه غير وجيه.

و لا قراءة فيها واجبا إجماعا، كما عن الخلاف و الروض «5»، للأصل، و صحيحة محمّد و زرارة و موثّقة يونس، المتقدّمتين في المسألة الثالثة «6».

و أمّا ما في رواية القداح من «أنّ عليا كان إذا صلّى على ميّت يقرأ بفاتحة الكتاب» «7».

و رواية ابن سويد: في الصلاة على الميّت

«يقرأ في الأولى بأمّ الكتاب» «8».

فلا يدلّان على الوجوب و غايتهما الاستحباب، و لا بأس به إن لم يكن عدمه إجماعيا كما ادّعاه في الروض بل الخلاف «9»، و لكنّ الظاهر من الذكرى عدم ثبوته «10»، بل ظاهر المنتهى جواز قراءة الفاتحة، حيث قال في الجواب عن الرواية

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 278 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.

(2) انظر: روض الجنان: 309.

(3) المنتهى 1: 451، التحرير: 19.

(4) الذكرى: 58.

(5) الخلاف 1: 723، الروض: 309.

(6) راجع ص 305.

(7) التهذيب 3: 319- 988، الاستبصار 1: 477- 1845، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 4.

(8) التهذيب 3: 193- 440، الاستبصار 1: 477- 1844، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 5.

(9) الروض: 309، الخلاف 1: 723.

(10) الذكرى: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 318

بأنّ وقوعه مرّة لا يدلّ على الوجوب، و نحن لم نوظّف فيها شيئا، بل المستحب الشهادة، و معناها موجود في الفاتحة فجاز أن يقرأها «1».

و لا ينافيه الصحيح و الموثّق المذكوران، لاحتمالهما نفي الوجوب. بل هو الظاهر من الصحيح، حيث إنّ النفي تعلّق بها و بالدعاء الموقّت، مع أنّه مستحب إجماعا، و حمل الروايتين على التقيّة إنّما هو إذا كان لهما معارض ينافيهما. و الأحوط الترك.

و لا تسليم كذلك، إجماعا أيضا كما عن السيّد و الخلاف و الذكرى و الروضة «2».

و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار كصحيحتي الحلبي «3»، و الأشعري «4»، و رواية الحلبي «5»، و المرويّين في الفقه الرضوي «6»، و تحف العقول «7»، النافية جميعا التسليم في صلاة الميّت، و بإزائها روايات دالّة بظاهرها على الاستحباب «8»، و الكلام فيه هنا

كالكلام فيه في القراءة.

و هل يشترط فيها ترك ما يجب تركه في سائر الصلوات- غير الحدث و الخبث- من التكلّم و الالتفات و الفعل الكثير و القهقهة و غيرها؟.

______________________________

(1) المنتهى 1: 452.

(2) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 52، و الانتصار: 59، الخلاف 1: 724، الذكرى: 60، الروضة 1: 139.

(3) الكافي 3: 185 الجنائز ب 55 ح 3، التهذيب 3: 192- 438، الاستبصار 1:

477- 1847، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 3: 192- 439، الاستبصار 1: 477- 1848، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 1.

(5) الكافي 3: 185 الجنائز ب 55 ح 2، التهذيب 3: 192- 437، الاستبصار 1:

477- 1846، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 3.

(6) فقه الرضا «ع»: 184، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 1.

(7) تحف العقول: 418، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 5.

(8) كموثقة عمّار و رواية يونس. انظر الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 10 و 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 319

ظاهر المدارك و الذخيرة بل صريحهما الاستشكال «1». و هو في موقعه، لعدم الدليل، و عدم ثبوت الإجماع بل و لا نقله، و الأصل هو المناص، و الاحتياط أولى.

المسألة العاشرة: تستحب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مرّ أمور:
منها: وقوف المصلّي عند وسط الرجل و صدر المرأة على المشهور

، بل عن الغنية الإجماع عليه «2»، لرواية ابن المغيرة: «من صلّى على امرأة فلا يقوم في وسطها، و يكون ممّا يلي صدرها، و إذا صلّى على الرجل، فليقم في وسطه» «3».

و في الرضوي: «إذا أردت أن تصلّي على الميّت، فكبّر عليه خمس تكبيرات، يقوم الإمام عند وسط الرجل و صدر المرأة»

«4».

و عن الاستبصار الوقوف عند رأس المرأة و صدر الرجل «5»، لرواية موسى ابن بكر: «إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها، و إذا صلّيت على الرجل فقم عند صدره» «6».

و عن الخلاف و والد الصدوق عكس ما في الاستبصار «7»، لنقل الأوّل الإجماع عليه.

و في رواية جابر: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقوم من الرجل بحيال السرّة و من النساء أدون من ذلك قبل الصدر» «8».

______________________________

(1) المدارك 4: 172، الذخيرة: 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    320     منها: وقوف المصلي عند وسط الرجل و صدر المرأة على المشهور ..... ص : 319

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(3) الكافي 3: 176 الجنائز ب 47 ح 1، التهذيب 3: 190- 433، الاستبصار 1:

470- 1818، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1.

(4) فقه الرضا «ع»: 183، مستدرك الوسائل 2: 255 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 2.

(5) الاستبصار 1: 471.

(6) الكافي 3: 177 الجنائز ب 47 ح 2، التهذيب 3: 190- 432، الاستبصار 1:

470- 1817، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.

(7) الخلاف 1: 730، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 119.

(8) التهذيب 3: 190- 434، الاستبصار 1: 471- 1819، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 320

و استظهر بعض مشايخنا الجمع بين الأخبار الثلاثة بالتخيير «1».

و الوجه التخيير بين الكلّ، جمعا. و عدم ظهور قائل بما حكي عن الخلاف علينا لا يضرّ، لأنّ الإجماع المنقول يكفي في إثبات الاستحباب. نعم عن المقنع إطلاق الوقوف على الصدر «2»، و مستنده غير واضح.

و مقتضى ظاهر أكثر

الأخبار الوجوب، إلّا أنّ الإجماع أوجب الصرف عنه.

و العموم «3»، إلّا أنّ تعسّره بل تعذّره عند التعدّد، و استمرار العمل على خلافه أوجب التخصيص بالإمام و المنفرد. و لو اقتصر على ما إذا كثر المأمومون لكان أولى، فيقف المأموم الواحد أو الاثنان خلف الإمام مقام الاستحباب، و يدلّ عليه ما سيأتي من استحباب وقوف المأموم الواحد خلف الإمام، فالتخصيص بالأوّلين مطلقا ليس بحسن.

ثمَّ إنّ لاستحباب هذا الوقوف قالوا: إذا تعدّدت الجنائز المختلفة بالذكورة و الأنوثة جعل وسط الأوّل محاذيا لصدر الثانية «4».

و لكنّ الأخبار الواردة عند التعدّد لا تساعده «5»، بل منها ما صرّح بوضع المرأة عند رجلي الرجل، و منها ما صرّح بوضع رأسها على أليتيه أو وركه. و الأخيران أخصّان من الأوّل، و المجموع ممّا مرّ، لشمولهما الوحدة و التعدّد، و الاختلاف و عدمه، و العمل بالخاصّ مقدّم.

و منها: أنّه إذا اجتمعت الجنائز المختلفة

جعل الرجل ممّا يلي الإمام و المرأة

______________________________

(1) انظر: الحدائق 10: 427.

(2) المقنع: 21.

(3) عطف على الوجوب، أي: مقتضى ظاهر أكثر الأخبار العموم.

(4) كما في المختصر النافع: 40، و كشف اللثام 1: 126، و الرياض 1: 205.

(5) انظر: الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 321

إلى القبلة لصحيحتي محمّد «1»، و الحلبي «2»، و مرسلة ابن بكير «3».

و عليها يحمل ما تضمّن تقدّم الرجال و تأخّر النساء أو عكسه، بحمل الأوّل على التقدّم بالنسبة إلى الإمام، و الثاني بالنسبة إلى القبلة، حملا للمجمل على المفصّل، و تقديما للنصّ على المحتمل.

و أمّا رواية الحلبي المتضمّنة لعكس ما ذكر «4»، فمع إمكان التكلّف فيها و إرجاعها إلى الأوّل، شاذّة، و لدعوى الإجماع المتكرّرة مخالفة، فهي بالنسبة إلى ما مرّ مرجوحة، سيّما

مع أكثريّته عددا و أصحيّته سندا.

و الصبي في قبلة الرجل و المرأة في قبلته، لمرسلة ابن بكير.

و مقتضى إطلاقها تقديم الصبي على المرأة بالنسبة إلى الإمام و إن لم يبلغ الستّ حيث يصلّى عليه- إمّا لضرورة أو للقول باستحبابها أو وجوبها- كما عن الصدوقين «5».

و منهم من خصّه بالبالغ ستّا، و جعل غيره ممّا يلي قبلة النساء، لوجه اعتباري «6» لا يصلح مقيّدا لإطلاق الرواية و لو كان في مقام الفضيلة.

كما لا يصلح له عدم ثبوت استحباب الصلاة عليه، لأنّه قد تدعو إليها

______________________________

(1) الكافي 3: 175 الجنائز ب 45 ح 4، التهذيب 3: 323- 1005، الاستبصار 1:

471- 1822، الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 1.

(2) التهذيب 3: 323- 1006، الاستبصار 1: 471- 1823، الوسائل 3: 128 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.

(3) الكافي 3: 175 الجنائز ب 45 ح 5، التهذيب 3: 323- 1007، الاستبصار 1:

472- 1824، الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.

(4) التهذيب 3: 323- 1008، الاستبصار 1: 472- 1825، الوسائل 3: 127 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 7.

(5) المقنع: 21، و نقل عن والده في الفقيه 1: 107.

(6) قال الشهيد الثاني في روض الجنان ص 309: .. لتكون الصلاة عليه مندوبة فيتأخّر عمّن تجب عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 322

الضرورة.

و دعوى الندرة فيها فلا يشملها الإطلاق ضعيفة، لأنّ في زمان صدور الخبر و مكانه الندرة ممنوعة، لكثرة المخالطة مع العامّة، كما تشعر به صلاتهم عليهم السّلام على أطفالهم، كما مرّ.

و لا إيجابه «1» بعد من تجب الصلاة عليه عن الإمام أو عمّن تجب الصلاة عليه «2»، لأنّ مضرّة مثل هذا القدر من

التباعد غير ثابتة، مع أنّ دليلها ليس إلّا الإجماع المنتفي في موضع النزاع.

فالقول بالتخصيص ضعيف.

و أضعف منه إطلاق العكس، كما في النافع و النهاية «3»، لعدم ظهور مستنده بالمرّة، مع مخالفته لإطلاق المرسلة و دعوى الإجماع عن شيخ الطائفة «4».

و منها: وقوف المأموم و لو كان واحدا خلف الإمام

، بخلاف غيرها من الصلوات، فإنّ المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام.

و إذا كان مع الرجال نساء وقفن خلفهم. و إن كانت فيهنّ حائض انفردت عن جميعهنّ.

كلّ ذلك للنصوص «5»، و فتوى الأصحاب.

إلّا أنّ في المنتهى احتمل في الحائض انفرادها عن الرجال خاصّة، لتذكير الضمير في النصوص «6».

______________________________

(1) عطف على عدم ثبوت استحباب، أي: و لا يصلح دليلا لجعل الصبيّ ما دون الستّ في قبلة النساء إيجابه ..

(2) انظر: الرياض 1: 206.

(3) النافع: 41، النهاية: 144.

(4) الخلاف 1: 722.

(5) انظر: الوسائل 3: أبواب صلاة الجنازة ب 22 و 28.

(6) المنتهى 1: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 323

و يردّه إطلاق الوحدة و البروز في موثّقة سماعة: عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة، قال: «نعم و تصلّي عليها و تقوم وحدها بارزة عن الصفّ» «1».

و لا يضرّ عدم شمول سائر النصوص لجمعها مع النساء من جهة تذكير الضمير.

و منها: كون المصلّي متطهّرا

، للشهرة بل الإجماع، و رواية عبد الحميد: الجنازة تخرج بها و لست على وضوء، فإن ذهبت أتوضّأ فاتتني الصلاة، أ يجزيني أن أصلّي عليها على غير وضوء؟ قال: «تكون على طهر أحبّ إليّ» «2».

و أمّا الرضوي: «و قد كره أن يتوضّأ إنسان عمدا للجنازة، لأنّه ليس بالصلاة، إنّما هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود» «3».

فلا يضرّنا، لأنّ الكراهة لا يمكن أن تكون بالمعنى المصطلح، لاستحالة تحقّقه في العبادة، فهي إمّا بمعنى الحرمة، أو عدم المشروعيّة، أو المرجوحيّة الإضافيّة. و الأوّلان لا يثبتان به، لضعفه. و الثاني يؤكّد المطلوب. و أمّا الحمل على قصد الوجوب من العمد، ففيه ما لا يخفى من البعد.

و منها: نزع النعلين

، بلا خلاف أجده، و نسبه في المدارك و الذخيرة إلى مذهب الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع «4».

و هو الحجّة فيه، مضافا إلى رواية سيف بن عميرة: «و لا يصلّى على الجنازة بحذاء، و لا بأس بالخفّ» «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 107- 497، التهذيب 3: 204- 481، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 5 و في المصادر: «تتيمم و تصلي ..».

(2) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 3، التهذيب 3: 203- 476، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.

(4) المدارك 4: 178، الذخيرة: 332.

(5) الكافي 3: 176 الجنائز ب 46 ح 2، التهذيب 3: 206- 491، الوسائل 3: 118 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 324

و مرسلة المقنع: «لا يجوز للرجل أن يصلّي على جنازة بنعل حذو» «1».

و نحوه الرضوي «2»،

إلّا أنّه عبّر بقوله: «و لا يصلّي».

و لضعف الرواية سندا و قصورها دلالة على الحرمة حتى الوسط- لاحتمال إرادة تساوي الطرفين من الجواز- لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب الترك، فالقول بالمنع- كما عن المقنع- ضعيف.

و استحباب نزع الحذاء إمّا يشمل جميع النعال حتى العجميّة و نحوها، أو يدلّ على استحباب نزعها أيضا بالفحوى، أو عدم الفارق، فيستحبّ نزعها أيضا.

و يستثنى الخفّ، لما مرّ.

و صرّح جماعة باستحباب التحفّي «3»، و استدلّوا عليه ببعض الوجوه الضعيفة، إلّا أن يحكم به بفتواهم، حيث إنّ المقام يتحمّل المسامحة.

و منها: رفع اليدين بالتكبيرات الخمس أجمع

، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا، في الاولى «4»، و وفاقا للمحكي عن والد الصدوق «5»، و التهذيب و الاستبصار «6»، و المعتبر و الشرائع و النافع «7»، و المنتهى و الإرشاد و غيرهما من كتب الفاضل «8»، و ظاهر المدارك و شرح الإرشاد و الذخيرة و الحدائق «9»، و جمع آخر من

______________________________

(1) لم نعثر عليها في المقنع المطبوع، و لكن نقلها عنه في الذكرى: 61.

(2) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 3: 281 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.

(3) كما في المعتبر 2: 355، و التذكرة 1: 49، و المدارك 4: 178.

(4) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 564، و المعتبر 2: 355، و جامع المقاصد 1: 426.

(5) حكاه عنه في الرياض 1: 206.

(6) التهذيب 3: 195، الاستبصار 1: 479.

(7) المعتبر 2: 355، الشرائع 1: 106، النافع: 41.

(8) المنتهى 1: 455، الإرشاد 1: 262، و انظر: التذكرة 1: 49، و التحرير 1:

19.

(9) المدارك 4: 179، مجمع الفائدة 2: 449، الذخيرة: 333، الحدائق 10: 440.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 325

المتأخرين «1»، بل ادّعي عليهم شهرتهم، في البواقي «2».

لصحيحة العرزمي:

«صلّيت خلف أبي عبد اللَّه عليه السلام خلف جنازة، فكبّر خمسا يرفع يديه في كلّ تكبيرة» «3».

و بمضمونها رواية محمّد بن خالد «4».

و رواية يونس عن مولانا الرضا عليه السلام: إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبيرة على الميّت في التكبيرة الاولى، و لا يرفعون فيما بعد ذلك، فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كلّ تكبيرة؟ فقال: «ارفع يديك في كلّ تكبيرة» «5».

خلافا للمحكي عن المفيد و السيّد و النهاية و المبسوط و الحلّي «6»، بل نسبه جماعة إلى الأكثر «7»، و عن الغنية و السرائر و شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه «8»، فقالوا: إنّه في غير الاولى غير مستحبّ.

لموثّقة غياث: «عن علي عليه السلام أنّه لا يرفع يده في الجنازة إلّا مرّة واحدة، يعني في التكبير «9».

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 1: 426، و الرياض 1: 206.

(2) كما في الرياض 1: 206.

(3) التهذيب 3: 194- 445، الاستبصار 1: 478- 1851، الوسائل 3: 92 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 3: 195- 447، الاستبصار 1: 478- 1850، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 2.

(5) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 5، التهذيب 3: 195- 446، الاستبصار 1:

478- 1852، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.

(6) المفيد في المقنعة: 228، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 52، النهاية:

145، المبسوط 1: 185، الحلي في السرائر 1: 356.

(7) كما في المدارك 4: 178، و الذخيرة: 333، و الرياض 1: 206.

(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، السرائر 1: 356، شرح جمل العلم: 158.

(9) التهذيب 3: 194- 443، الاستبصار 1: 479- 1854، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة

الجنازة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 326

و بمضمونها رواية الورّاق «1».

و يؤيّده الرضويّان المصرّحان برفع اليد في التكبيرة الاولى «2».

و يردّ، بعد الجواب عن الرضويّين بعدم الدلالة إلّا بمفهوم الوصف الذي ليس بحجّة، سيّما مع احتمال كون الرفع في تكبيرة الإحرام آكد و أشد استحبابا، أنّ الفعل مقدّم على الترك عند التعارض، سيّما إذا كان الترك بالفعل الذي لا يعارض القول، سيّما في مقام الاستحباب الذي يجوز تركه و لو دائما، سيّما إذا كان موافقا لعمل أكثر العامّة، بل رؤسائهم كأبي حنيفة و مالك و الثوري «3»، بل الجميع في ذلك العهد، كما يستفاد من رواية يونس، سيّما إذا كان رواية الفعل متأخّرة عن الترك حيث إنّ رواية يونس عن الرضا عليه السلام و البواقي عن الصادق عليه السلام، و الأخذ بالأحدث من المرجّحات المنصوصة.

و منه ظهر أنّ أدلّة الاستحباب عن المعارض خالية، و لو سلّم فهي راجحة.

فترجيح المخالف بموافقة الشهرة و حكاية الإجماع ضعيف، كيف؟! مع أنّهما بنفسهما ليستا بحجّة، و الشهرة المرجّحة إنّما هي في الرواية، و هي هنا مفقودة، بل ليست إلّا الفتوى، و مع ذلك ليست هي أيضا إلّا المحكيّة.

و منها: وقوف المصلّي موقفه حتى ترفع الجنازة

، للشهرة، و روايات حفص «4»، و يونس «5»، و الرضوي «6».

و في الأخير: «و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال».

و مقتضى إطلاقاتها شمول الحكم للإمام، و المأموم، و المنفرد.

______________________________

(1) التهذيب 3: 194- 444، الاستبصار 1: 478- 1853، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.

(2) فقه الرضا «ع»: 177 و 183، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

(3) انظر: بدائع الصنائع 1: 314، و بداية

المجتهد 1: 235.

(4) التهذيب 3: 195- 448، الوسائل 3: 94 أبواب صلاة الجنازة ب 11 ح 1.

(5) التهذيب 3: 318- 987، الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 10.

(6) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 327

فلا يخصّص بالأوّل، كما عن الإسكافي و الشهيد «1»، من غير وضوح المستند.

نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثني منهم أقلّ ما يمكن به رفع الجنازة قطعا، و وجهه ظاهر.

و منها: كون المصلّين عليه كثيرا

، للشهرة، و أقربيّة دعائهم إلى الاستجابة، و رجاء مجاب الدعوة فيهم، و النبوي: «من صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب» «2».

و استدلّ عليه أيضا بروايات لا تفيد أزيد من مطلوبيّة شفاعة أربعين رجلا من المؤمنين كما في الصحيح «3»، أو ممّن لا يشرك باللَّه، أو مائة كما في روايات عاميّة «4»، أو دعائهم له «5».

و هي أعمّ من المطلوب، و لكنّها لا بأس بها في مقام التسامح، سيّما مع عدم العلم بوقوع الدعاء غالبا إلّا مع الصلاة.

و لا يضرّ اختصاص العدد فيها، لأنّ رجاء حصول وصف الإيمان و عدم الشرك في العدد مع التجاوز أقرب.

و منها: الصلاة في المواضع المعتادة لذلك

، ذكره جملة من الأصحاب «6»، و علّلوه بأنّه ليكون طريقا إلى تكثير المصلّين، حيث إنّ السامع موته يقصدها للصلاة عليه فيها.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 64، الشهيد في الذكرى: 64.

(2) كما في سنن أبي داود 3: 202- 3166، و سنن الترمذي 2: 246- 1033.

(3) انظر: الوسائل 3: 285 أبواب الدفن ب 90.

(4) انظر: صحيح مسلم 2: 654- 947 و 655- 949.

(5) انظر: الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18.

(6) كصاحب المدارك 4: 182، و السبزواري في الذخيرة: 331، و صاحب الحدائق 10: 448.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 328

المسألة الحادية عشرة: تجوز صلاة الجنازة في المساجد كلّها، مع عدم العلم بإيجابها تلوّثها

، بلا خلاف أجده، و في الذخيرة: الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب «1»، و نفى الريب عنه في المدارك «2».

لصحيحة الفضل: هل يصلّى على الميّت في المسجد؟ قال: «نعم» «3».

و نحوها موثّقته «4»، و رواية محمّد «5».

و لكنّها مكروهة مطلقا، وفاقا للأكثر، كما صرّح به في المدارك و الذخيرة و الحدائق «6»، للشهرة المحكيّة «7» الكافية في المقام، و رواية أبي بكر العلوي، و فيها- بعد إخراجه عن المسجد حيث أراد صلاة الجنازة فيه-: «يا أبا بكر، إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد» «8».

و النبوي: «من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي ء له» «9».

و ضعفهما- لو كان- لا يضرّ في مقام التسامح، سيّما مع الانجبار بالشهرة.

خلافا للمدارك، فنفى الكراهة مطلقا، للأصل، و ضعف الرواية «10».

و الجواب ظاهر.

______________________________

(1) الذخيرة: 332.

(2) المدارك 4: 182.

(3) الفقيه 1: 102- 473، التهذيب 3: 320- 992، الاستبصار 1: 473- 1829، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.

(4) التهذيب 3: 325- 1015، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.

(5)

التهذيب 3: 325- 1014، الاستبصار 1: 473- 1830، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.

(6) المدارك 4: 182، الذخيرة: 332، الحدائق 10: 448.

(7) انظر: الذخيرة: 332.

(8) الكافي 3: 182 الجنائز ب 53 ح 1، التهذيب 3: 326- 1016، الاستبصار 1:

473- 1831، الوسائل 3: 123 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 2.

(9) سنن أبي داود 3: 207- 3191 بتفاوت يسير.

(10) المدارك 4: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 329

و للمحكي عن الإسكافي، فخصّ الكراهة بالمساجد الصغار دون الجوامع «1».

و لعلّه لأنّ الجوامع من المواضع المعتادة.

و الإطلاق مع عدم نصّ على خصوص تلك المواضع، و استناد استحباب الصلاة فيها إلى علّة غير صالحة للتقييد، يردّه. و اللَّه أعلم.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 330

البحث الرابع في سائر أحكامها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا في تكرار الصلاة على الميّت الواحد:

فالمعظم على الجواز، إمّا مع الكراهة مطلقا، كما هو المشهور على ما ذكره في المختلف و غيره «1»، بل عن الغنية الإجماع عليه «2».

أو جماعة دون فرادى، كما عن الحلّي «3».

أو ممّن صلّى عليه مرّة خاصّة مطلقا، دون من لم يصلّ عليه، كما عن ظاهر الخلاف «4»، بل نسبه في الذكرى إلى ظاهرهم احتمالا «5».

أو منه بشرط أن لا يكون إماما كما في المدارك «6».

أو منه مطلقا أو مع منافاته للتعجيل أيضا، كما عن الشهيد الثاني «7».

أو الثاني و إذا خيف على الميّت أيضا، كما عن قول للفاضل «8».

أو إذا خيف عليه خاصّة، كما عن قول آخر له «9».

______________________________

(1) المختلف: 120، و انظر الحدائق 10: 449.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(3) السرائر 1: 360.

(4) الخلاف 1: 726.

(5) الذكرى: 55.

(6) المدارك 4: 185.

(7) روض الجنان: 310، قال فيه: و الظاهر أنّ المراد: من المصلّى الواحد أو مع منافاة التعجيل.

(8) حكاه عنه في روض الجنان: 310. فقيّد الكراهية بأمرين: منافاة التعجيل، و الخوف على الميّت.

(9) التذكرة 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 331

و احتمل في الاستبصار استحبابه مطلقا «1».

و ظاهر شرح الإرشاد للأردبيلي عدم مشروعيّته كذلك «2».

و لا يخفى أنّ مقتضى الأصل الأخير.

و لا تدفعه عمومات الأمر بالصلاة مطلقا، أو بالصلاة على الميّت، أو إطلاقاتهما، لاختصاص الاولى بما ثبتت فيه الحقيقة الشرعيّة، و هو ذات الركوع و السجود. و الثانية بالواجبة المنتفية هنا إجماعا، لأنّه حقيقة الأمر، و لا يحضرني الآن عامّ أو مطلق صريح في مطلق الرجحان أو الجواز في صلاة الميّت.

و لا المستفيضة المتضمّنة لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم «3»، لأنّ المستفاد من أكثرها

أنّ المكرّر كان الدعاء لا التكبيرات المتخلّل بينها الأدعية، و أنّها وقعت من الأمير و أهل البيت خاصّة.

إلّا أنّه يندفع بما ورد في خصوص التكرار، كموثّقتي عمّار و يونس: الاولى:

«الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب، و إن كان قد صلّي عليه» «4».

و الثانية: عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر، أصلّي عليها؟ قال: «إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ عليها» «5».

و الأخبار المستفيضة المشتملة على الصحيح المصرّحة بصلاة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على سهل بن حنيف خمس صلوات، في كلّ صلاة خمس تكبيرات، صلّى عليه، ثمَّ مشى، ثمَّ وضعه، فصلّى عليه إلى تمام الخمس «6». و في

______________________________

(1) الاستبصار 1: 485.

(2) مجمع الفائدة 2: 453.

(3) انظر: الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.

(4) التهذيب 3: 334- 1045، الاستبصار 1: 484- 1874، الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19.

(5) التهذيب 3: 334- 1046، الاستبصار 1: 484- 1875، الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 20.

(6) انظر: الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 332

بعضها: «أنّه كلّما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم نصلّ على سهل، فوضعه، فكبّر عليه خمسا حتى صلّى عليه خمس مرّات» «1».

و الواردة في صلاة النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم على عمّه حمزة سبعين تكبيرة «2».

و أكثرها و إن كانت محتملة لغير المطلوب بأن يصلّي صلاة واحدة مشتملة على هذا العدد، إلّا أنّ في المروي في العيون و صحيفة الرضا عليه السلام: أنّه كبّر على حمزة أوّلا خمس تكبيرات، ثمَّ شركه مع كلّ شهيد يصلّي عليه بعده حتى تمَّ العدد «3».

و مع هذه

الأخبار المعتضدة بغاية الاشتهار بل الإجماع لا ينبغي الريب في المشروعية و الجواز.

و لا تنافيه روايتا وهب و إسحاق: الاولى: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى على جنازة، فلما فرغ جاء أناس فقالوا: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم- لم ندرك الصلاة عليها، فقال: لا يصلّى على جنازة مرّتين، و لكن ادعوا له» «4».

و نحوها الثانية «5».

و المروي في قرب الإسناد: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاءه قوم لم يكونوا أدركوها، فسألوا الرسول أن يعيد الصلاة

______________________________

(1) الكافي 3: 186 الجنائز ب 56 ح 3، الفقيه 1: 101- 470، التهذيب 3: 197- 455، الوسائل 3: 81 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 5.

(2) كما في الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 45- 167، الوسائل 3: 82 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 7.

(4) التهذيب 3: 332- 1040، الاستبصار 1: 485- 1879، الوسائل 3: 87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 24.

(5) التهذيب 3: 324- 1010، الاستبصار 1: 484- 1878، الوسائل 3: 87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 333

عليها، فقال لهم: قد قضيت الصلاة عليها، و لكن ادعوا لها» «1».

لعدم صراحتها في الحرمة أو عدم المشروعيّة- لمكان الجملة الخبريّة- و عدم منافاة قضاء الصلاة لجواز صلاة أخرى، فيحتمل الحمل على الكراهة.

و الإيراد:

بأنّ الكراهة بالمعنى المصطلح هنا- لكونها عبادة قطعا- منفيّة.

و بمعنى أقلّية الثواب أو المرجوحيّة الإضافية غير ممكنة، إذ ليس ما يضاف إليه إلّا الفرد الآخر من هذه الطبيعة أي الصلاة على الميّت

الذي لم يصلّ عليه، و لا معنى للنهي عن عبادة و تفويتها لقلّة ثوابها و مرجوحيّتها بالنسبة إلى غيرها الذي فات و لا تحقّق له.

مدفوع:

بأنّه لا يجب أن يكون المضاف إليه فردا من هذه الطبيعة، بل يمكن أن يكون من غيرها ممّا لا يمكن اجتماعها مع المضاف و هو هنا التعجيل، فيمكن أن يكون المراد بيان ترجيحه على التكرار، فينبغي التقديم عليه لو كان سببا لتفويته كما هو الأغلب.

و من هنا ظهر مستند الكراهة أيضا، و إطلاقه يقتضي الكراهة مطلقا، كما هو المشهور، فهي الحقّ المنصور.

و لا يضرّ اختصاص المورد بمن لم يدرك الصلاة، لأنّ العبرة بعموم الجواب لا خصوص السؤال. مع أنّه لا قائل بالفرق بهذا النحو، فيدلّ على الكراهة لمن صلّى، بالإجماع المركّب، بل بدلالة الفحوى.

و لا ينافيها ما مرّ من فعل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الولي مع جنازة حمزة و سهل، لأنّ الفعل لا يعارض القول. مع أنّه لا معارضة هنا، لجواز ارتكابهما المكروه بهذا المعنى قطعا و لو خمس مرّات، بل ألف مرّة، لعدم محذور فيه بالمرّة، سيّما مع احتمال وجود أمر هناك يوجب إحراز ثواب و رجحان أكثر ممّا يفوّته التكرار، من إظهار شرف شخص معيّن، أو استمالة قلب أهله، أو ترغيب الغير إلى التشبّه به، أو مكافاة لسعي منه، أو غير ذلك.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 88- 293، الوسائل 3: 84 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 334

و لذا استدلّ بعضهم به لانتفاء الكراهة في مثل حمزة و سهل ممّن له مزيّة.

و لكنّه يضعّف بأنّه إنّما يتمّ لو علم أنّ العلّة مطلق المزيّة، و هو غير معلوم، بل ظاهر

بعض الروايات في سهل أنّه لمزايا خاصّة، حيث علّله بكونه جامعا لمناقب خمسة «1».

دليل المخالف:

للأوّل:

تكرار الصحابة صلاة النبي فرادى.

و فيه مع ما مرّ:

أنّ الانفراد غير معلوم، بل المذكور في الأخبار أنّه كلّما دخل قوم صلّوا عليه، أو صلّوا عليه فوجا فوجا، أو عشرة عشرة، مع أنّ صلاة حمزة و سهل كانت جماعة البتة.

و للثاني:

اختصاص روايتي الجواز «2»- ظاهرا كاولاهما، أو صريحا كثانيتهما- بمن لم يصلّ، فبهما يقيّد إطلاق روايات المنع الدالّة على الكراهة، أو المحمولة عليها للاتّفاق على الجواز.

و فيه،

مع منع ظهور اولى الروايتين فيمن لم يصلّ، و خروج من صلّى في الجملة أيضا بروايات تكرار الصلاة على حمزة و سهل، و عدم معارضة بين الجواز و الكراهة، أنّ دلالة روايات المنع على كراهة صلاة من لم يصلّ صريحة غير قابلة للتخصيص بغيرها، إلّا أن يقال بتعارض روايتي الجواز مع روايات المنع فيمن لم يصلّ، فلا يحكم فيه بالجواز، فيرجع فيه إلى دليل آخر، و هو انتفاء الزائد عن الكراهة بالإجماع، و تبقى الكراهة فيمن صلّى خالية عن المعارض، فيجاب حينئذ بغير الأخير من الأجوبة الثلاثة السابقة عليه.

و للثالث:

ما مرّ بإخراج الإمام بروايات صلاة سهل.

و جوابه يظهر ممّا مرّ.

و للثلاثة المتعقّبة له:

إخراج المخوف عليه من الأموات أو المنافية للتعجيل

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 18.

(2) و هما موثقّتا عمّار و يونس، راجع ص 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 335

من الصلاة، عن روايات الجواز أيضا، بأدلّة استحباب رفع الخوف عليه و التعجيل في أمره «1».

و جوابه ظاهر.

و للسابع:

ظاهر الجملة الخبريّة في روايتي الجواز، و عمل النبي و الولي.

و يردّ:

بعدم صراحة الجملة فيهما في الرجحان، فلعلّ مجازها الجواز، سيّما الجواز

في هذا المقام المتضمّن للرجحان في الترك. و عدم معلومية الوجه في عمل الحجّتين، فلعلّه أمر لا يجري في غير الموردين.

و للثامن:

ضعف روايات الطرفين، فتبقى أصالة عدم مشروعية الزائد عن المجمع عليه، و هو القدر الواجب كفاية.

و انتفاء الوجوب له قطعا، و الاستحباب إجماعا، و الإباحة و الكراهة المصطلحة عقلا، و بمعنى المرجوحيّة الإضافية شرعا، لتوقّفها على وجود بدل شرعي له من أفراد طبيعته، فلم يبق إلّا الحرمة.

و يردّ الأوّل:

بمنع ضعف الروايات أوّلا، و عدم ضيره بعد الانجبار ثانيا.

و الثاني:

بمنع انتفاء مطلق الاستحباب، بل هو ثابت إجماعا و إن كان أقلّ ثوابا ممّا يقارنه غالبا- و هو التعجيل- و هو معنى الكراهة في المقام.

المسألة الثانية: من أدرك مع الإمام بعض التكبيرات و فاته البعض دخل معه في الصلاة عليه، و أتمّ ما بقي منها
اشارة

، بلا خلاف بين العلماء كما عن المنتهى «2»، بل بالإجماع كما عن الخلاف «3» للمستفيضة من الصحاح و غيرها، منها: صحيحة الحلبي: «إذا أدرك

______________________________

(1) انظر: الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.

(2) المنتهى 1: 455.

(3) الخلاف 1: 725.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 336

الرجل التكبيرة و التكبيرتين من الصلاة على الميّت فليقض ما بقي منها متتابعا» «1».

و العيص: عن الرجل يدرك من الصلاة على الميّت تكبيرة، قال: «يتمّ ما بقي» «2».

و قريبة منها رواية زيد الشحام «3».

و رواية خالد القلانسي: في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين، فقال: «يتمّ التكبير و هو يمشي معها، فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر، فإن كان أدركهم و قد دفن، كبّر على القبر» «4».

و جابر: أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر، قال: «تقضي ما فاتك» قلت:

أستقبل القبلة؟ قال: «بلى و أنت تتبع الجنازة» «5».

و الرضوي: «إذا فاتك مع الإمام بعض التكبير و رفعت الجنازة فكبّر عليها تمام الخمس و

أنت مستقبل القبلة» «6».

و المروي صحيحا في كتاب المسائل لعلي: عن رجل يدرك تكبيرة أو اثنتين على ميّت كيف يصنع؟ قال: «يتمّ ما بقي من تكبيرة و يبادره دفعة، و يخفّف» «7».

و لا تنافيها رواية إسحاق بن عمّار: «إنّ عليا عليه السلام كان يقول: لا

______________________________

(1) الفقيه 1: 102- 471، التهذيب 3: 200- 463، الاستبصار 1: 482- 1865، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.

(2) التهذيب 3: 199- 461، الاستبصار 1: 481- 1861، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 2.

(3) التهذيب 3: 200- 464، الاستبصار 1: 481- 1863، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 3.

(4) التهذيب 3: 200- 462، الاستبصار 1: 481- 1862، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 5.

(5) التهذيب 3: 325- 1012، الاستبصار 1: 484- 1877، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 4.

(6) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 274 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 1.

(7) مسائل علي بن جعفر: 117- 53، الوسائل 3: 140 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 337

يقضى ما سبق من تكبيرة الجنائز» «1».

لاحتمال إرادتها نفي الوجوب. و هو كذلك، لانتفاء وجوب أصله بعد سبق الغير إلى الصلاة.

مع أنّها- على ما في أكثر النسخ- ليست نصّا في المسألة، لجواز كون فعل النفي مبنيّا للمفعول و «سبق» مبنيّا للفاعل، دون العكس كما هو الظاهر لو حملت الرواية على المسألة.

و على هذا، فإمّا أن يكون مراده عليه السلام ذكر أنّ ما سبق من صلوات الجنائز على الأموات قبل أيّام خلافته بالتكبيرات الأربع كما يفعله المخالفون، أو بدون إذن

الولي لتقيّة و نحوه لا يقضى، بل يكتفى بما سبق، أو يكون مراده أنّ صلاة الجنائز ليست كسائر الصلوات، حيث يقضي إذا ظهر الخلل فيها بعد انقضائها في الجملة، بل ما سبق لا يقضى أصلا.

نعم ما في بعض النسخ الآخر من قوله: «ما بقي» مكان قوله: «ما سبق» يكون صريحا في المسألة.

مضافا إلى أنّه مع التعارض أيضا فالترجيح لما تقدّم بالاشتهار رواية و فتوى، و الأصحيّة سندا.

و حملها على إرادة نفي الدعاء- كما عن التهذيبين «2»- بعيد جدّا.

ثمَّ إنّهم ذكروا كما قيل: أنّه يأتي بالتكبيرات الباقية متتابعة أي من غير تخلّل الدعاء بينها، في صورة إيجاب الاشتغال بالدعاء حصول المنافي من بعد الميّت، أو الانحراف عنه، أو عن القبلة. و استدلّوا له بإطلاق الصحيحة الاولى.

و اختلفوا في صورة التمكّن منه بدون المنافي، فقال في الشرائع و النافع و الإرشاد و الذخيرة و الحدائق و غيرها بالتتابع حينئذ أيضا «3»، لإطلاق الصحيحة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 200- 465، الاستبصار 1: 481- 1864، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 6.

(2) التهذيب 3: 200، الاستبصار 1: 482.

(3) الشرائع 1: 107، النافع: 41، الإرشاد 1: 263، الذخيرة: 336، الحدائق 10: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 338

و عن الفاضل في بعض كتبه «1»، و الذكرى و روض الجنان و الروضة «2»:

تخصيص التتابع بالصورة الاولى، و نسبه في البحار إلى الأكثر، حيث قال: و قال الأكثر: إن أمكن الدعاء يأتي بأقلّ المجزي، و إلّا يكبّر ولاء من غير دعاء «3».

انتهى.

قيل:

لعموم ما دلّ على وجوب الدعاء، خرج منه صورة الضرورة بالنصّ و الإجماع «4».

و ردّ:

بأنّ الوجوب كفائي إجماعا، فلا تشمل أدلة الوجوب لموضع النزاع.

و أجيب عنه:

بأنّ هذا يتمّ لو

كان متعلّق الوجوب الكفائي هو نفس الدعاء لا الصلاة. و ليس كذلك بل المتعلّق هو الصلاة، و ليس الكلام فيها، بل في وجوب الدعاء، و هو في حقّ من دخل في الصلاة عيني، للأمر به الذي هو حقيقة فيه، و لا إجماع على كفائيّته «5».

و فيه:

منع عينيّة وجوب الدعاء على من دخل في الصلاة.

قوله:

للأمر به.

قلنا:

إن أريد به الأمر المتعلّق به بعد دخوله في الصلاة بخصوصه من غير اشتمال على الأمر بالدخول في الصلاة، فليس هناك أمر كذائي. و إن أريد الأمر المتعلّق به في ضمن ما تضمّن الأمر بالدخول في التكبير و بعد الأمر به، فشموله لمثل ذلك الشخص يتوقّف على حمل الأمر الأوّل بالتكبير على الوجوب و الاستحباب أو مطلق الرجحان، و الأوّل غير جائز، و الثاني مجاز، و هو ليس بأولى من تخصيص ذلك الأمر و ما بعده- من الأمر بالدعاء و التكبيرات الباقية- بالصلاة

______________________________

(1) كالتذكرة 1: 51.

(2) الذكرى: 63، الروض: 313، الروضة 1: 142.

(3) البحار 78: 363.

(4) الرياض 1: 208.

(5) الرياض 1: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 339

الأولى، أي: نفس الصلاة الغير المسبوقة بغيرها.

إلّا أن يقال بمنع سقوط الوجوب الكفائي ما لم تتمّ الصلاة الأولى، فالأمر الأوّل باق على حقيقته التي هي الوجوب، و شامل لمثل هذا الشخص أيضا، و كذا باقي الأوامر، خرج منها من أدرك الجنازة بعد تمام الصلاة. و الحاصل: أنّ الأوامر مطلقة شاملة للكل، فيجب على الجميع، و المسلّم سقوطه إنّما هو عمّن لم يدخل الصلاة إلّا بعد تمام صلاة.

و يجاب حينئذ: بأنّ عموم ما دلّ على وجوب الصلاة الشامل للدعاء أيضا- كما مرّ- معارض بعموم الصحيحة الآمرة بالتتابع، بالعموم و الخصوص من وجه. فكما يمكن

تخصيص الثاني بغير حال الضرورة، يمكن تخصيص الأوّل بغير مثل ذلك الشخص، و لا ترجيح.

و منع العموم في الصحيح، بل غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكّن من الدعاء كما هو الغالب.

مردود أوّلا: بدلالته على العموم عرفا و إن كان فيها كلام لغة.

و ثانيا: بورود مثل ذلك في الأوّل أيضا، لأنّه أيضا مطلق فينصرف إلى غير من دخل في الأثناء كما هو الغالب.

و ثالثا: بمنع غلبة عدم التمكّن من الدعاء المخفّف، سيّما إذا أدرك تكبيرتين أو ثلاثا.

بل لنا أن نقول بكون التعارض بالعموم المطلق، و أنّ الصحيحة أخصّ مطلقا، لاختصاصها بالداخل في الأثناء، و أعميّة العمومات. و أخصيّتها إنّما هي لو سلّمنا الإجماع على خروج صورة الضرورة منها، و هو غير ثابت. بل نقول: إنّ وجوب الاستقبال و عدم انحراف الميّت و نحوهما، إنّما كان ثبوته بالإجماع، و تحقّقه بالنسبة إلى الجميع- حتى في موضع يوجب ترك الدعاء الواجب بالأخبار، و في موضع رفعت الجنازة في الأثناء- غير مسلّم، فخصوصيّة العمومات ممنوعة، و لازمة تخصيصها بالصحيحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 340

إلّا أنّه يمكن أن يقال بعدم معارضة الصحيحة للعمومات أصلا، لأنّها إنّما هي إذا أرجعنا الضمير في قوله: «منها» إلى التكبيرة و هو ممنوع، بل يحتمل رجوعه إلى الصلاة، بل هو الأولى، للأقربيّة، فيكون المأمور به إتمام ما بقي من الصلاة متتابعا أي: من غير فصل خارجي، و لعلّ تقييده لدفع توهّم جواز تأخير الباقي بعد رفع الجنازة إلى استقرارها، فيكون هذا قريبا من المعنى المصرّح به في سائر الأخبار من الإتمام ماشيا و تابعا للجنازة.

و ربّما يشعر بإرادة هذا المعنى قوله في الصحيحة المرويّة عن المسائل: «يبادره دفعة و يخفّف» «1».

بل يمكن

أن يكون المعنى: حال كونه- أي المصلّي- متتابعا للجنازة، فيتّحد مع باقي الأخبار معنى.

و على هذا، فيكون القول الثاني هو الأقوى، و تؤكّده رواية القلانسي السابقة «2» حيث إنّه لو وجب الولاء في التكبيرات كما هو مقتضى الصحيحة- لو حملت على هذا المعنى- لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة قطعا.

فرعان:
أ: هل يدعو هذا الشخص بعد التكبير الذي أدركه مع الإمام دعاء الإمام،

و يدعو فيما بقي بما هو وظيفة هذا التكبير و لو أوجب التكرار، استحبابا أو وجوبا، على اختلاف القولين؟.

أو يدعو فيما أدركه دعاء الإمام و فيما بقي ما فاته من الدعاء؟.

أو يدعو في كلّ تكبير بما هو وظيفته و لو أوجب عدم متابعة الإمام فيه؟.

الظاهر- كما صرّح به في المنتهى من غير نقل خلاف فيه «3»- الأخير،

______________________________

(1) راجع ص 336.

(2) في ص 336.

(3) المنتهى 1: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 341

لعمومات توظيف الأدعية، و عدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في المقام.

ب: مقتضى رواية القلانسي أنّه لو رفعت الجنازة و قبل الإتمام يمشي معها،

و يتمّ، و مقتضى الروايتين المتعقّبتين لها أنّه يتمّها مستقبل القبلة. فلو أمكن الجمع بينهما فلا إشكال، و إلّا فالظاهر ترجيح المشي مع الجنازة مواجهتها.

المسألة الثالثة: لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة شيئا من التكبيرات و لا الأذكار

، و الظاهر الإجماع عليه كما قيل أيضا، و هو أيضا مقتضى الأصل.

نعم تجب متابعته في التكبيرات، اتّباعا لظاهر الإجماع، و تحقيقا لمعنى الاقتداء.

و لو سبق بتكبيرة أو أزيد سهوا أو ظنا أنّ الإمام قد كبّر لم تبطل الصلاة، للأصل، و الإجماع.

و قالوا باستحباب الإعادة مع الإمام «1».

و لا بأس بالقول به، لقولهم، و إلّا فلا دليل عليه. و الحمل على السبق في الركوع و السجود قياس باطل.

و لو سبق عمدا قيل: يأثم و يستمرّ حتى يلحقه الإمام «2». و استجود في المدارك وجوب إعادة التكبير مع الإمام، و احتمل بطلان الصلاة أيضا «3». و لا وجه له، إذ غايته النهي عنه، و لم يثبت بطلان هذه الصلاة بمثله.

المسألة الرابعة: النقيصة في التكبيرات الخمس تبطل الصلاة و لو سهوا

، لعدم صدق الامتثال. إلّا أن يتداركها قبل بطلان الصورة.

و الزيادة لا تبطلها مطلقا، للخروج عن الصلاة بالخامسة.

و لو شكّ في عدد التكبيرات بنى على الأقلّ، للأصل. و لو أتى به ثمَّ تذكّر

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 107، و التذكرة 1: 52.

(2) الذكرى: 63.

(3) المدارك 4: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 342

سبقه لم يضرّ.

المسألة الخامسة: لو دفن من تجب الصلاة عليه بغير صلاة تجب الصلاة عليه في القبر

، ما دام الميّت باقيا و لو استصحابا، بحيث لو كان على تلك الحال خارجا يصلّى عليه، فيصلّى على قبره كما كان يصلّى على جنازته، وفاقا لجماعة منهم المحقّق الأردبيلي، و الفاضل السبزواري «1».

لاستصحاب الوجوب.

و أصالة عدم تقييده و اشتراطه بما قبل الدفن.

و أصالة جواز التأخير عنه. و لا تعارضها أصالة عدم الوجوب بعده، لمعارضتها مع أصالة عدم الوجوب قبله بخصوصه أيضا.

و لعمومات وجوب الصلاة عليه السالمة عن مكاوحة ما يصلح للمعارضة و الاستثناء.

و أمّا بعض الأخبار التي يتوهّم منافاته لها، كموثّقتي عمّار و يونس، المتقدّمتين في المسألة الاولى «2»، و موثّقتي عمّار و مرسلة ابن أسلم، المتقدّمة في المسألة الثامنة من البحث السابق «3»، و رواية ابن ظبيان: «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه» «4».

فليس كذلك، لعدم التعارض.

أمّا الاولى،

فلأنّ مفهومها أنّه لا يصلّى عليه مطلقا أي حتى و إن كان قد صلّي عليه بعد الدفن، لا أنّه لا يصلّى عليه أصلا. مع أنّه لا دلالة له على الحرمة في الأوّل أيضا، لجواز إرادة انتفاء الرجحان المطلق، حيث إنّه يكره تكرار

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 450، كفاية الأحكام: 22.

(2) راجع ص 331.

(3) راجع ص 315.

(4) التهذيب 1: 461- 1504، التهذيب 3: 201- 469، الاستبصار 1: 482- 1869، المقنع:

21، الوسائل

3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 343

الصلاة.

و أمّا الثانية،

فلظهور قوله فيها: «لم أدركها» في وقوع الصلاة عليها أوّلا، و لذا علّق الصلاة ثانيا على المشيّة، فهي أيضا كسابقتها تنفي تكرار الصلاة بعد الدفن. و مع ذلك فغايتها نفي ضرب من الاستحباب، إذ المراد بقوله: «صلّ» ليس حقيقته- للتعليق المذكور- و مجازه كما يمكن أن يكون مطلق الاستحباب، يمكن أن يكون تأكده.

و أمّا الثالثة،

فلدلالتها على كفاية الصلاة مقلوبا إذا علم بعد الدفن، و هو لا يدلّ على عدم وجوبها لو لم يصلّ عليه أصلا.

و أمّا الرابعة،

فلأنّ غايتها رجحان كون الصلاة قبل الدفن، و أين هو من سقوطها لو لم يصلّ عليه؟ بل وجوب التقدّم أيضا بدليل لا يدلّ على سقوطها لو لم يتقدّم.

و منه يظهر عدم دلالة الخامسة أيضا.

و أمّا السادسة،

فلأنّها إنّما هي في إقامة الصلاة عند القبور لا صلاة الميّت.

نعم هنا روايتان، ظاهرهما التعارض:

إحداهما:

قوله في ذيل الخامسة: قلت: و لا يصلّون عليه و هو مدفون؟

إلى آخره.

و الثانية:

صحيحة زرارة و محمّد: «الصلاة على الميّت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء» قلت: فالنجاشي لم يصلّ عليه النبي؟ قال: « [لا] إنّما دعا له» «1».

و ظاهر أنّهما لا تصلحان لمعارضة ما مرّ، لشذوذهما جدّا، لدلالتهما على المنع مطلقا، و لا قائل به من الأصحاب، و إن حكي عن بعضهم القول به محدودا بحدّ

______________________________

(1) التهذيب 3: 202- 473، الاستبصار 1: 483- 1873، الوسائل 3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 344

يأتي ذكره.

و مع ذلك فهما موافقتان للمحكي عن أبي حنيفة «1»، و على فتاواه أكثر العامّة، و معارضتان لأكثر منهما من المعتبرة

الدالّة على جواز الصلاة بعد الدفن، و أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى بعده.

كرواية القلانسي المتقدّمة «2».

و صحيحة هشام: «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميّت بعد ما يدفن» «3».

و رواية مالك: «إذا فاتتك الصلاة على الميّت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» «4».

و عمرو بن جميع: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم إذا فاتته الصلاة على الميّت صلّى على القبر» «5».

و روي: أنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى على قبر مسكينة دفنت ليلا «6».

و الرضوي: «فإن لم يلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميّت فلا بأس أن يصلّي بعد ما دفن» «7».

و الترجيح لها، للأشهريّة رواية، و الأبعديّة عن فتاوى العامّة، و الاعتضاد بعمل الطائفة، و به يثبت الجواز، و هو أيضا دليل آخر على الوجوب بضميمة

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 238.

(2) في ص 336.

(3) التهذيب 1: 477- 1530، التهذيب 3: 200- 466، الاستبصار 1: 482- 1866، الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.

(4) الفقيه 1: 103- 475، التهذيب 3: 201- 467، الاستبصار 1: 482- 1867، الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 2.

(5) الفقيه 1: 103- 476، التهذيب 3: 201- 468، الاستبصار 1: 482- 1868، الوسائل 3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 3.

(6) انظر: سنن النسائي 4: 40.

(7) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 274 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 345

الإجماع المركّب.

هذا مع احتمال حملهما على معنى آخر، بأن يكون السؤال في ذيل الخامسة عن جواز تقديم دفن من ذكر على الصلاة

اختيارا، فيكون المراد أنّه هل يجوز أن يدفن أوّلا ذلك الشخص، ثمَّ يصلّى عليه؟ فيكون المنع متعلّقا به، و لا يثبت المنع عن الصلاة لو دفن أوّلا اضطرارا، بل و لا اختيارا. و يجري ذلك المعنى في مرسلة أخرى لابن أسلم لا تتضمّن الصدر المذكور أيضا «1»، إذ الظاهر اتّحاد الروايتين.

و يكون قوله: «بعد ما يدفن» في الصحيحة خبرا للصلاة، و يكون قوله:

«إنّما هو» علّة له، يعنى: إنّ الصلاة تكون بعد الدفن، لأنّ صلاة الميّت دعاء، يجوز في كلّ وقت، و صلاة النبي أيضا لم تكن إلّا هذه الصلاة دون الصلاة الحقيقيّة.

و الإيراد بأنّ اختصاص الصلاة بما بعد الدفن ممّا لم يقل به أحد، مشترك، إذ اختصاص ما بعد الدفن بالدعاء الخالي عن التكبير، و عدم جواز غيره أيضا كذلك، و التأويل يجري على المعنيين.

و منه يظهر وجه ما ذكرنا من سلامة العمومات المذكورة عن المعارض، مع أنّه لو سلّمت المعارضة، فتكون بالعموم من وجه، فلو لا ترجيح العمومات بما ذكرنا في مورد التعارض و هو: من لم يصلّ عليه حتى يدفن، لوجب الرجوع إلى الاستصحاب، و مقتضاه أيضا وجوب الصلاة على من لم يصلّ عليه، و تخصيص الروايتين و ما بمعناهما- لو كان- بمن صلّي عليه.

مع أنّهما فيه أيضا معارضتان بما مرّ، و الترجيح له كما عرفت. بل لو لا الترجيح أيضا لكان المرجع استصحاب الجواز، و إن كان مع الكراهة كما مرّ.

فالحقّ الجواز له أيضا مطلقا، كما عن علي بن بابويه و العماني «2». و قرّبه الشهيد في

______________________________

(1) التهذيب 3: 201- 471، الاستبصار 1: 483- 1871، الوسائل 3: 106 أبواب صلاة ب 18 ح 8.

(2) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة: 333،

و عن العماني في المختلف: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 346

البيان «1»، و اختاره في الذخيرة «2»، بل هو ظاهر المحكي عن المعتبر و المنتهى «3».

خلافا في الأوّل «4» للأخيرين و المدارك، فقالوا بعدم الوجوب «5»، و إن جوّزوها لوجه اعتباري لا وجه له.

و في الثاني «6» للمحكي عن المختلف، فمنع عنه مطلقا «7»، و لعلّه للجمع بين أخبار الجواز و روايات المنع بتخصيص الثانية بمن صلّي عليه.

و هو كان حسنا، لو كان له شاهد. مع أنّه غير جار في رواية القلانسي «8»، لتصريحها بصلاة الجماعة عليه. بل- كما قيل «9»- في غيرها أيضا، لتبادر صورة الصلاة عليه منها.

و عن الشيخين و القاضي و الحلّي و الكيدري و ابني حمزة و زهرة و الشرائع و الإرشاد «10»، و غيرها، بل الأكثر كما في الذخيرة و المدارك، و عن الذكرى و الروضة «11»، فقيّدوا الجواز بيوم و ليلة، بل ظاهر بعض هؤلاء شمول التحديد لمن لم يصلّ عليه أيضا.

______________________________

(1) البيان: 77.

(2) الذخيرة: 333.

(3) المعتبر 2: 358، المنتهى 1: 449.

(4) أي: الصلاة بعد الدفن على من لم يصلّ عليه.

(5) المنتهى 1: 450، المعتبر 2: 358، المدارك 4: 188.

(6) أي: الصلاة بعد الدفن على من صلّي عليه.

(7) المختلف: 120.

(8) المتقدمة في ص 336.

(9) الرياض 1: 207.

(10) المفيد في المقنعة 231، الطوسي في النهاية: 146، القاضي في المهذب 1: 132، الحلي في السرائر 1: 360، حكاه عن الكيدري في الذكرى: 55، ابن حمزة في الوسيلة: 120، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الشرائع 1: 107، الإرشاد 1: 262.

(11) الذخيرة: 333، المدارك 4: 187، الذكرى: 55، الروضة: 1: 142 و فيها: على أشهر القولين.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 6، ص: 347

و عن الديلمي فقيّده بثلاثة أيّام «1».

و عن الإسكافي فيما لم تتغيّر صورته «2».

و في المدارك، فنفى البعد عن التقدير بيوم الدفن «3».

و لا مستند لشي ء منها كما اعترف به في المعتبر و المنتهى لغير الأخير «4»، مع أنّه يحتمل أن يكون مرادهم تحديد الجواز الخالي عن الكراهة و يكون بعده مكروها، فلا يكون لهم خلاف في أصل الجواز.

إلّا أنّ الظاهر من إثباتهم الكراهة للتكرار مطلقا أوّلا، ثمَّ تحديدهم الجواز بذلك أنّهم يحرّمونه بعده.

و لذا نسب جماعة «5» إليهم بعده الحرمة، و أثبت بعضهم لأجل ذلك لها بعده الشهرة «6».

و كيف كان فعدم المستند يردّه، و الجمع بين الأخبار به فرع شاهد عليه.

و قد يجمع بينها بحمل أخبار الجواز على مجرّد الدعاء بشهادة صحيحة زرارة المتقدّمة و غيرها.

و هو كان حسنا لو كانت مقاومة لما مرّ، و قد عرفت عدمها، فاللازم طرحها، أو حملها على ما ذكرنا من المحامل، أو على مرتبة من الكراهة.

المسألة السادسة: لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة على الأخرى

، فعن

______________________________

(1) المراسم: 80.

(2) حكاه عنه في المختلف: 120.

(3) المدارك 4: 188.

(4) المعتبر 2: 359، المنتهى 1: 450.

(5) منهم صاحب المدارك 4: 187، و الآقا جمال الخوانساري في الحواشي على الروضة: 123، و صاحب الحدائق 10: 459.

(6) كما في الرياض 1: 208. و مرجع الضمير في «لها» الحرمة، و في «بعده» التحديد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 348

الصدوقين و الشيخ و الفاضلين «1»، بل- كما قال جماعة «2»- هو المشهور: أنّه يتخيّر المصلّي بين إتمام الصلاة على الاولى و استينافها للثانية، و بين قطع الاولى و الصلاة عليهما معا.

و عن الإسكافي «3» تخييره بين أن يجمع بينهما بأن يتمّ على الثانية خمسا مشتركا معها الاولى في الجميع

فتزيد تكبيرات الاولى عن الخمس، و بين أن يتم الخمس للأولى مشتركا للثانية معها فيما بقي، ثمَّ يومئ برفع الاولى، و يتمّ ما بقي إلى الخمس للثانية، و هو المحكي عن ظاهر التهذيبين «4»، بل عن جماعة من المتأخرين «5».

احتج للأوّل تارة بصحيحة علي: في قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين، و وضعت معها اخرى، قال: «إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، و إن شاؤوا رفعوا الاولى و أتمّوا التكبير على الأخيرة» «6».

و اخرى بالرضوي المنجبر ضعفه بدعوى الشهرة: «و إن كنت تصلّي على الجنازة و جاءت الأخرى، فصلّ عليهما صلاة واحدة خمس تكبيرات، و إن شئت استأنفت على الثانية» «7».

و للثاني بالصحيحة.

و في الكلّ نظر: أمّا الأخير فلأنّه إنّما يتم لو لم يتعيّن المصلّى عليه بالنيّة،

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 21، و حكاه عن والده في الذكرى: 63، الشيخ في النهاية: 147، المحقق في المعتبر 2: 360، العلامة في المنتهى 1: 458.

(2) كصاحب الحدائق 10: 467، و صاحب الرياض 1: 209.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 64.

(4) التهذيب 3: 316، الاستبصار 1: 474.

(5) كالشهيد في الذكرى: 63، و المجلسيّين في روضة المتقين 1: 432، و البحار 78: 364، فراجع.

(6) الكافي 3: 190 الجنائز ب 59 ح 1، التهذيب 3: 327- 1020، الوسائل 3: 129 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.

(7) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 285 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 349

و إلّا- كما هو الواقع- فيمكن أن يكون معنى الفقرة الاولى: إن شاؤوا تركوا الأولى باقية في مكانها بعد تمام الصلاة عليها حتى يصلّى على الأخيرة إمّا صلاة مستأنفة،

كما هو أحد الاحتمالين، أو منضمّة بعضها مع ما بقي من الاولى فتشترك الثانية مع الاولى فيما بقي منها، و لا تشترك الاولى مع الثانية فيما زيد لها، كما هو الاحتمال الآخر.

و مع ذلك يمكن أن يكون المراد بإتمام التكبير على الأخيرة استئناف الصلاة لها، لا ضمّ الباقي مع ما أدركته من الاولى، فيكون المراد من الصحيحة التخيير بين رفع الاولى و تركها بعد إتمام صلاتها.

و منه يظهر وجه النظر في الأوّل أيضا، مضافا إلى احتمال مذهب الإسكافي في الصحيحة أيضا، و عدم دلالتها على القطع بوجه.

و أمّا في الثاني فلاحتمال أن يكون المراد منه بيان تجويز التشريك و التفريق، مع بيان أولوية تقديم المتقدّمة من الجنائز مع التفريق، فيكون المعنى: إن كنت تريد الصلاة على جنازة حاضرة فجاءت الأخرى، فأنت بالخيار بين التشريك، و بين أن تصلّي بالأولى ثمَّ بالثانية. و هذا المعنى و إن احتاج إلى حمل قوله «تصلّي» على إرادتها و لكنّ المعنى الذي راموه أيضا يحتاج إلى إرادته عليه السلام ترك الصلاة بالأولى، و إسقاط ما تقدّم من التكبير، و هو خلاف الظاهر.

فالصواب أن يستدلّ للقول الأوّل بالأصل. فيقال بجواز القطع و الصلاة عليهما معا، لأصالة عدم حرمته. و دليل حرمة إبطال العمل- لو تمَّ- لم يجر هناك.

و جواز الإتمام و الاستيناف للثانية، لأصالة عدم وجوب التعجيل لها، و لا القطع، و لا التشريك.

و لعلّ هذا مراد الفاضل في المنتهى حيث استدلّ بأنّ مع كلّ من شقّي التخيير تحصل الصلاة و هو المطلوب «1».

و أمّا احتمال جمعهما إلى أن يتمّ الخمس للثانية كما هو مذهب الإسكافي،

______________________________

(1) المنتهى 1: 458.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 350

فيردّه إيجاب زيادة صلاة الأولى عن

خمس تكبيرات، و هي باطلة بالأخبار المصرّحة بأنّ صلاة الميّت خمس تكبيرات. و احتمال جمعهما فيما بقي من تكبيرات الاولى و تفريد الثانية بالباقية، فيردّه عدم القائل.

المسألة السابعة: إذا تعدّدت الجنائز يجوز تخصيص كلّ منها بصلاة.

و يجوز تشريك الجميع، للأصل، و الإجماع، و الروايات الواردة في كيفيّة ترتيب الجنائز «1».

و حينئذ فينوي الجميع، و يشرك بينهم في الأذكار فيما يتّحد لفظه، و يراعي الجميع في المختلف، فلو كان منهم مؤمن و طفل و مجهول، راعى وظيفة كلّ واحد منهم، و مع اتّحاد الصنف يراعي تثنية الضمير و جمعه و تذكيره و تأنيثه، أو يذكر مطلقا مؤوّلا بالميّت، أو يؤنّث كذلك مؤوّلا بالجنازة، و لعلّ الأوّل أولى.

المسألة الثامنة: يشترط في وجوب الصلاة على الميّت وجوده إجماعا

، و تدلّ عليه روايات انتفاء الصلاة على اللحم المجرّد و نحوه «2». فلا يصلّى على الرميم لو لم يصلّ عليه أوّلا، و ما أكله السبع، و الغريق في البحر و نحوها.

المسألة التاسعة: يجوز إيقاع هذه الصلاة في كلّ وقت من غير كراهة

، و لو كان من الأوقات المكروهة فيها الصلاة، للأصل، و الإجماع المحقّق، و المحكي عن الخلاف و المنتهى و التذكرة و غيرها «3»، و النصوص المستفيضة كصحيحتي الحلبي «4»،

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32.

(2) انظر: الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38.

(3) الخلاف 1: 721، المنتهى 1: 458، التذكرة 1: 51، و انظر المدارك 4: 188.

(4) التهذيب 3: 321- 999، الاستبصار 1: 470- 1815، الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 351

و محمّد «1»، و روايته «2»، و المروي في العلل «3»، و العيون «4»، و غيرها.

و أمّا رواية الحلبي: «تكره الصلاة على الجنائز حتى تصفرّ الشمس و حين تطلع» «5».

فلا تصلح معارضة لما مرّ، لوجوه عديدة، منها كونها موافقة للعامّة «6».

و لو زاحمت هذه الصلاة فريضة حاضرة فمع ضيق وقت إحداهما- و لو بمثل الخوف على الجنازة- وسعة الأخرى يقدّم المضيّق وقتها بلا خلاف، و الوجه ظاهر.

و لو تضيّقتا معا: ففي وجوب تقديم الحاضرة، كظاهر الحلّي و الشرائع و النافع و المدارك «7»، و جماعة أخرى «8»، بل حكي عليه الشهرة «9».

أو صلاة الجنازة، كما عن ظاهر المبسوط «10».

قولان، و لعلّ الأول أقرب، لتقدّم الفريضة على السنّة، و كون الصلاة في الدين هي العمدة.

و لو اتسعتا فلا تقديم لأحدهما وجوبا قطعا.

______________________________

(1) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 2، التهذيب 3: 321- 998، الاستبصار 1:

470- 1814، الوسائل

3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.

(2) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 1، التهذيب 3: 321- 997، الاستبصار 1:

470- 1813، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 3.

(3) العلل: 268، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4.

(4) العيون 2: 113، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4.

(5) التهذيب 3: 321- 1000، الاستبصار 1: 470- 1816، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5.

(6) انظر: بداية المجتهد 1: 242.

(7) الحلي في السرائر 1: 360، الشرائع 1: 107، النافع: 41، المدارك 4: 189.

(8) منهم العلّامة في المنتهى 1: 458، و الشهيد في الدروس 1: 114، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 132.

(9) الرياض 1: 208.

(10) المبسوط 1: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 352

و في أفضليّة تقديم الحاضرة أو الجنازة روايتان خاصّتان «1»، أولاهما معتضدة بعمومات فضيلة أوّل الوقت، و ثانيتهما بعمومات استحباب تعجيل التجهيز.

و الوجه التخيير، و إن كان الأوّل أظهر، لما مرّ من كون الحاضرة فريضة عمدة و صلاة الجنازة سنّة.

______________________________

(1) الوسائل 3: 123 أبواب صلاة الجنازة ب 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 353

الباب الرابع في الصلوات النوافل الغير اليوميّة

اشارة

و هي كثيرة مضبوطة في كتب الأدعية لا حصر لها، فإنّ الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقلّ، و من شاء استكثر، إلّا أنّا نذكر هنا ممّا ذكره الأصحاب أربع صلوات

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 355

الأولى صلاة الاستسقاء
اشارة

و هو: طلب السقي أو السقيا أو الإسقاء، و هو كان مشروعا في الملل السابقة، كما يستفاد من الكتاب «1» و السنة، و إن لم يستفد منهما كونه بالصلاة أو مجرّد الدعاء بلا صلاة، حيث إنّ الطريقين ثابت في ملّتنا. أمّا الأخير فبإجماع الفريقين، و ورود دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كذلك في بعض أخبارنا «2»، و هو- كما قيل «3»- أدنى الاستسقاء.

و أوسطه الدعاء عقيب صلاة أو في أثنائها، حيث إنّه أقرب إلى الإجابة.

و أفضله الاستسقاء بالصلاة، فتستحبّ عند غور الأنهار، و فتور الأمطار و حبسها عرفا، بإجماعنا المحقّق و المصرّح به في كلمات جماعة «4»، بل إجماع كلّ من يحفظ عنه العلم غير أبي حنيفة، فإنّه قال بمجرّد الدعاء «5»، و مع ذلك النصوص به مستفيضة بل متواترة معنى.

و الكلام إمّا في كيفيّتها، أو مستحبّاتها.

أمّا الأولى: فهي ركعتان بالإجماع، و النصوص، ففي موثّقة ابن بكير:

في الاستسقاء، قال: «يصلّي ركعتين، و يقلّب رداءه الذي على يمينه، فيجعله على يساره، و الذي على يساره على يمينه، و يدعو اللَّه فيستسقي» «6».

و رواية طلحة: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى للاستسقاء

______________________________

(1) وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ .. البقرة: 60.

(2) انظر: الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(3) الروضة 1: 319.

(4) كالعلامة في التذكرة 1: 167، و صاحب الرياض 1: 209.

(5) انظر: بداية المجتهد 1: 215.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة    ج 6    356     الأولى صلاة الاستسقاء ..... ص : 355

(6) التهذيب 3: 148- 321، الوسائل 8: 9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 356

ركعتين و بدأ بالصلاة قبل الخطبة، و كبّر سبعا و خمسا، و جهر بالقراءة» «1».

و مرسلة الفقيه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يصلّي للاستسقاء ركعتين، و يستسقي و هو قاعد، و قال، بدأ بالصلاة قبل الخطبة، و جهر بالقراءة» «2».

و صحيحة هشام: عن صلاة الاستسقاء، قال: «مثل صلاة العيدين، يقرأ فيها، و يكبّر فيها، كما يقرأ و يكبّر فيهما، يخرج الإمام، فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللَّه، و يمجّده، و يثني عليه، و يجتهد في الدعاء، و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّي مثل صلاة العيدين بركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلّم الإمام، قلّب ثوبه، و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كذلك صنع» «3» إلى غير ذلك.

و يستفاد من صريح بعض هذه الأخبار، و من مماثلتها للعيدين في الأخيرة أنّه يكبّر فيها سبعا و خمسا كما في العيدين، كما عليه إجماع علمائنا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «4»، و تدلّ عليه روايات أخر أيضا، منها رواية ابن المغيرة: يكبّر في صلاة الاستسقاء كما يكبّر في العيدين، في الأوّل سبعا، و في الثانية خمسا، و يصلّي قبل الخطبة، و يجهر بالقراءة، و يستسقي و هو قاعد «5».

و كذا تظهر من

المماثلة المذكورة المماثلة في القراءة و ما يقرأ فيها من السورة استحبابا، و إن جاز كلّ سورة. و القنوتات، كما عليه الإجماع، لأنّها- كالتكبيرات-

______________________________

(1) التهذيب 3: 150- 326، الاستبصار 1: 415- 1748، الوسائل 8: 10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.

(2) الفقيه 1: 338- 1505، الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 6 و 7.

(3) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 2، التهذيب 3: 149- 323، الاستبصار 1:

452- 1750، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1.

(4) الخلاف 1: 658، التذكرة 1: 167، الذخيرة: 346، الحدائق 10: 484.

(5) الكافي 3: 463 الصلاة ب 94 ح 4، الوسائل 8: 6 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 357

من الأحكام الشائعة الظاهرة للعيدين المنصرفة إليها المماثلة المطلقة قطعا، كما عليه الإجماع أيضا.

إلّا أنّهم صرّحوا بأنّه ينبغي أن يكون القنوت هنا بطلب الرحمة و توفير المياه، و لا يتعيّن فيه دعاء خاصّ، بل يدعو بما تيسّر له و أمكنه، و إن كان أفضل ذلك الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة، فإنّهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.

و ربّما يقال: إنّ مقتضى المماثلة شمولها للوقت أيضا، فيخرج ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، كما نصّ عليه الشهيدان «1»، و عن العماني و الحلبي «2»، و نسبه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب «3»، و في المختلف إلى ظاهر الشيخين «4»، حيث إنّهما لم يتعرّضا لوقتها، إلّا أنّهما حكما بمساواتها للعيد «5».

و أنت خبير أنّه ليس بظاهر، إذ المتبادر من المساواة و المماثلة المساواة في الكيفيّة لا الأمور الخارجيّة.

و منه يحصل الخدش فيما استظهره في الذكرى أيضا، إذا الظاهر-

كما صرّح به بعض الأجلّة «6»- أنّها وجهه، و إلّا فالأكثر- و منهم: الصدوق و الحلّي و الديلمي و الفاضلان- لم يتعرّضوا لوقتها.

و كذلك يحصل الخدش في استفادة المماثلة في الوقت من الصحيحة، و من رواية مرّة مولى خالد: «ثمَّ يخرج كما يخرج يوم العيدين» «7».

و منه بضميمة الأصل و الإطلاق يظهر أنّ الأقوى عدم التوقيت فيها، كما

______________________________

(1) الشهيد الأوّل في البيان: 220، الشهيد الثاني في الروضة 1: 319.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 126، الحلبي في الكافي في الفقه: 162.

(3) الذكرى: 251.

(4) المختلف: 126.

(5) انظر: المقنعة 207، الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 29، المبسوط 1: 134، الانتصار: 271.

(6) كشف اللثام 1: 270.

(7) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 148- 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 358

عن المعتبر و النهاية و التذكرة التحرير و الدروس «1» و جمع آخر «2»، بل عن النهاية و التذكرة الإجماع عليه «3».

إلّا أنّ في الأخير: أنّ الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال، لأنّ ما بعد العصر أشرف.

و ضعفه ظاهر، كما حكي عن الإسكافي و الحلّي من التوقيت بما بعد الفجر «4».

و أمّا مستحبّاتها و سننها- مضافة إلى ما استفيد مما مرّ- أمور:
منها: أن يصوم الناس ثلاثا متوالية، و الخروج يوم الثالث

، بلا خلاف فيه ظاهر، كما قيل «5»، له، و للنصوص. منها: رواية حمّاد السراج و فيها: «ليس الاستسقاء هكذا فقل له: يخرج فيخطب الناس، و يأمرهم بالصيام اليوم و غدا، و يخرج بهم اليوم الثالث و هم صيام» «6» الحديث.

و منها: أن يكون الخروج يوم الاثنين

، وفاقا للصدوق و الشيخ و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «7»، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «8»، بل قيل «9»: إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لغير الاثنين، إلّا أبا الصلاح و من بعده.

______________________________

(1) المعتبر 2: 364، نهاية الإحكام 2: 104، التذكرة 1: 168، التحرير 1: 47، الدروس 1: 196.

(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 270، و صاحب الحدائق 10: 485.

(3) نهاية الإحكام 2: 104، التذكرة 1: 168.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 126، و أمّا الحلّي فلم يعيّن لها وقتا، انظر: السرائر 1: 325.

(5) انظر: التذكرة 1: 167.

(6) التهذيب 3: 148- 320، الوسائل 8: 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.

(7) الصدوق في المقنع: 47، الشيخ في النهاية: 138، القاضي في المهذب 1: 144، الحلي في السرائر 1: 325، ابن حمزة في الوسيلة: 113.

(8) منهم صاحب الرياض 1: 209، و انظر: مفتاح الكرامة 3: 249.

(9) الرياض 1: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 359

لرواية مرّة، و فيها: قلت له: متى يخرج جعلت فداك؟ قال: «يوم الاثنين» «1».

و المروي في العيون: متى تفعل ذلك؟ و كان يوم الجمعة، فقال: «يوم الاثنين، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أتاني البارحة في منامي، و معه أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: يا بنيّ، انتظر يوم الاثنين فابرز إلى الصحراء و استسق ..» «2» الحديث.

و عن المفيد في

المقنعة و الحلبي: أنّهما لم يذكرا سوى الجمعة «3»، و لعلّه لشرفه، و ما ورد من تأخير قضاء الحوائج إليه «4»، و ذمّ الاثنين، و النهي عن طلب الحوائج فيه «5».

و خيّر أكثر المتأخّرين بين اليومين «6»، لما ذكر، و للنصّ، و هما كانا حسنين لو لا النصّ الخاصّ الواجب تقديمه- سيّما مع الاعتضاد بعمل الأكثر- على العام.

و عن صريح الذكرى و الدروس و البيان و ظاهر التحرير و الشرائع و النفلية:

الترتيب بينهما بتقديم الاثنين «7»، فإن لم يتّفق فالجمعة.

______________________________

(1) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 3: 148- 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

(2) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 165- 1، الوسائل 8: 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.

(3) لا يوجد في المقنعة: 207- 208، بل صرّح الشهيد ره في الذكرى: 250، بانّ المفيد ره لم يعيّن وقتا للخروج، الحلبي في الكافي: 162.

(4) انظر: الوسائل 7: 381، 383 أبواب صلاة الجمعة ب 40 و 41 ح 20 و 1.

(5) كما في الوسائل 11: 351 أبواب آداب السفر الى الحج ب 4 ح 1 و 2 و 3.

(6) كالمحقق في المعتبر 2: 362، و العلّامة في القواعد 1: 40، و الشهيد في اللمعة (الروضة 1):

319، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 324، و العلامة المجلسي في البحار 88: 312، و صاحب الحدائق 10: 485.

(7) الذكرى: 250، الدروس 1: 196، البيان: 218، التحرير 1: 47، الشرائع 1: 109، النفلية:

44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 360

و عن العماني و الإسكافي و الديلمي: أنّهم لم يعيّنوا لها وقتا «1».

و منها: الإصحار بها إجماعا

، كما عن المعتبر و المنتهى و الذكرى و

غيرها «2»، للتأسي، و الأخبار، كرواية العيون السابقة، و رواية أبي البختري: «مضت السنّة أنّه لا يستسقى إلّا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء، و لا يستسقى في المساجد إلّا بمكّة» «3».

و ذكر بعضهم: أنّه لو حصل مانع من الصحراء كخوف و شبهه، صلّيت في المساجد «4». و لا بأس به.

و منها: أن يخرجوا حفاة، نعالهم بأيديهم

، لأنّه أبلغ في التذلّل و الانكسار، و للأمر بالمشي كما يمشي في العيدين.

في ثياب بذلة، للتذلّل، و التأسي، كما ذكره الفاضل في التذكرة و النهاية «5».

في تواضع و تخشّع و استكانة و سكينة و وقار، كما مرّ في بعض الأخبار.

مطرقين، مكثرين لذكر اللَّه و الاستغفار من ذنوبهم و سيّئات أعمالهم، قال اللَّه سبحانه اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ 11: 52 .. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً 11: 52 «6».

و منها: أن يكون المؤذّنون بين يدي الإمام، و في أيديهم غيرهم

، كما في رواية مرّة.

و أن يخرج المنبر بخلاف العيد، لهذه الرواية أيضا، و في الرضوي: «يخرج

______________________________

(1) حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف: 125، الديلمي في المراسم: 83.

(2) المعتبر 2: 362، المنتهى 1: 355، الذكرى: 251، و انظر: الرياض 1: 209.

(3) التهذيب 3: 150- 325، قرب الإسناد: 137- 481، الوسائل 8: 10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.

(4) كما في الذكرى: 251.

(5) التذكرة 1: 168، نهاية الإحكام 2: 103.

(6) هود: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 361

الإمام، و يبرز تحت السماء، و يخرج المنبر و المؤذّنون أمامه» «1».

و منها: أن يستصحبوا الشيوخ، سيّما أبناء الثمانين، و العجائز، و الأطفال، و البهائم

، لتصريح الأصحاب، و لأنّهم أقرب إلى الرحمة، و مظنّة الرقّة، و أسرع إلى الإجابة.

و في النبوي: «إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر» «2».

و في آخر: «لو لا أطفال رضّع، و شيوخ ركّع، و بهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا» «3».

و في الرضوي في جملة الخطبة المذكورة فيه هنا: «اللّهم ارحمنا بمشايخ ركّع، و صبيان رضّع، و بهائم رتّع، و شبّان خضّع» «4».

و في بعض خطب الاستسقاء: «اللّهم ارحم أنين الآنّة، و حنين الحانّة، اللّهم ارحم تحيّرها في مراتعها، و أنينها في مرابضها» «5».

و في بعض الروايات: خروج سليمان بن داود إلى الاستسقاء، و رجوعه لدعاء النملة «6».

و زاد بعضهم التفريق بين الأطفال و أمّهاتهم، ليكثروا من الضجيج و البكاء، و ليكون ذلك سببا لإدراك الرحمة «7».

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(2) مسند أحمد 2: 89.

(3) سنن البيهقي 3: 345، الجامع الصغير 2: 443، باختلاف يسير.

(4) فقه الرضا «ع»: 154، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب

صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(5) الفقيه 1: 335- 1504، نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 225 ح 111، مستدرك الوسائل 6:

199 أبواب صلاة الاستسقاء ب 11 ح 2.

(6) كما في الفقيه 1: 333- 1493، الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 5.

(7) انظر: المختصر النافع: 41، و الذخيرة: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 362

و منها: أن يكون الخارجون من المسلمين خاصّة

، كما ذكره جماعة «1»، فيمنع الكفّار بأصنافهم عن الحضور معهم.

و عن الحلّي زيادة المتظاهرين بالفسق و المكر و الخداعة من أهل الإسلام أيضا «2».

و علّل في المنتهى بأنّهم أعداء اللَّه، و مغضوب عليهم، و قد بدّلوا نعمة اللَّه كفرا، فهم بعيدون عن الإجابة، و قال اللَّه سبحانه وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ 13: 14 «3».

ثمَّ ذكر ما ورد في دعاء فرعون حين غار النيل، كما ورد في رواياتنا «4»، و رجّح عدم المنع «5» و في الحدائق: و يعضده خروج المنافقين مع النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و كذا خروج المنافقين مع الرضا عليه السلام «6»، و يعضده أيضا ما ورد من أنّ اللَّه عزّ و جل ربّما حبس الإجابة عن المؤمن، لحبّ سماع دعائه، و عجّل الإجابة للكافر، لبغض سماع صوته «7»، على أنّهم يطلبون ما ضمّنه اللَّه تعالى لهم من رزقهم، و هو سبحانه لا يخلف الميعاد «8».

و منها: أن يصلّى جماعة

، للتأسي و ظواهر الأخبار، بل قيل: إنّ ظواهرها

______________________________

(1) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 135، و القاضي في المهذب 1: 145، و المحقّق في النافع: 41، و الشهيد في الذكرى: 251، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 270.

(2) السرائر 1: 325.

(3) الرعد: 14.

(4) الفقيه 1: 334- 1502.

(5) المنتهى 1: 355.

(6) انظر: الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 2.

(7) كما في الوسائل 7: 61 أبواب الدعاء ب 21.

(8) الحدائق 10: 488.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 363

متّفقة على الجماعة، و ليس هناك خبر يدلّ على جوازها فرادى «1».

و هو و إن كان كذلك، إلّا أنّ إجماعنا- كما صرّح به جماعة «2»- المؤيّد بقضيّة التشبيه بالعيدين كاف

في إثباته.

و منها: أن يقلّب رداءه بأن يجعل الذي على يمينه على يساره، و بالعكس

، للنصوص المستفيضة، كموثّقة ابن بكير، و صحيحة هشام المتقدّمتين «3».

و في رواية مرّة: «يصلّي بالناس ركعتين بغير أذان و لا إقامة، ثمَّ يصعد المنبر، فيقلّب رداءه، فيجعل الذي على يمينه على يساره، و الذي على يساره على يمينه، ثمَّ يستقبل القبلة، فيكبّر اللَّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يمينه، فيسبّح اللَّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته، ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يساره، فيهلّل اللَّه مائة تهليلة، رافعا بها صوته، ثمَّ يستقبل الناس، فيحمد اللَّه تعالى مائة تحميدة، ثمَّ يرفع يديه، فيدعو ثمَّ يدعون» «4» الحديث.

و مرفوعة [محمّد بن سفيان ] «5»: عن تحويل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رداءه إذا استسقى، فقال: «علامة بينه و بين أصحابه، يحوّل الجدب خصبا» «6».

و في الرضوي: «ثمَّ يسلّم، و يصعد المنبر، فيقلّب رداءه» إلى أن قال:

«ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة» «7» الحديث.

______________________________

(1) الحدائق 10: 495.

(2) انظر: المنتهى 1: 356، و المدارك 4: 314، و الرياض 1: 228.

(3) في ص: 355- 356.

(4) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 3: 149- 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

(5) في النسخ: محمد بن سنان، و الصحيح ما أثبتناه كما يظهر من المصادر و كتب الرجال.

(6) التهذيب 3: 150- 324، الوسائل 8: 9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 2، و رواها في الفقيه 1: 338- 1506 مرسلة.

(7) فقه الرضا «ع»: 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 364

ثمَّ إنّ التقليب على الوجه المذكور يتوقّف على أحد القلبين: إمّا جعل الأسفل الأعلى، أو الظاهر

الباطن، فيتخيّر بينهما. و أمّا جمع الثلاثة- كما في بعض كتب أصحابنا «1»- فغير ممكن، و لعلّ مراده الجمع بالإتيان بهما معا و لو في زمانين، تحصيلا للاحتمالين، لا في آن واحد.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الموثّقة استحباب ذلك للإمام و المأموم كما نصّ عليه في الخلاف و المبسوط «2»، و اختاره في الذكرى و البيان و روض الجنان و المسالك «3».

خلافا لجماعة «4»، فخصّوه بالإمام، و حكي عن الخلاف أيضا «5»، و هو خطأ «6»، لتقييد ما في الروايات به، و وجوب حمل المطلق على المقيّد.

و يضعف: بأنّه إنّما هو مع التنافي، و لا منافاة بين المطلق و المقيّد، إلّا على اعتبار مفهوم اللقب، و هو ضعيف جدّا.

و هل يقلّب مرّة؟ كما هو ظاهر الأكثر، للأصل و الإطلاق.

أو مرّتين؟ كما احتمله بعضهم، مرّة بعد السلام، لصحيحة هشام «7»، و اخرى بعد صعود المنبر، لرواية مرّة، و الرضوي.

______________________________

(1) الروضة 1: 319.

(2) الخلاف 1: 688، المبسوط 1: 135، و انظر الهامش (6).

(3) الذكرى: 251، البيان: 219، روض الجنان: 325، المسالك 1: 39.

(4) كالمفيد في المقنعة: 208، و الديلمي في المراسم: 83، و المحقق في الشرائع 1: 109.

(5) حكاه عنه في الحدائق 10: 489.

(6) قال في الخلاف: تحويل الرداء يستحب للإمام، سواء كان مقوّرا أو مربعا، و به قال مالك و أحمد.

و قال الشافعي: ان كان مقوّرا حوّله، و إن كان مربّعا فيه قولان: أحدهما يحوّله و الآخر يقلّبه.

و يفعل مثل ذلك المأموم. و قال محمّد: يقلّبه وحده دون المأموم. انتهى. و الظاهر أنّ الماتن قد نظر إلى جملة: و يفعل مثل ذلك المأموم، و لكنه من قول الشافعي،- انظر: مغني المحتاج 1: 325 و الامّ 1: 251-

فتظهر صحّة ما حكي عن الخلاف من القول بالاختصاص.

(7) المتقدمة في ص 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 365

أو ثلاث مرّات؟ كما عن المفيد و الديلمي «1»، و [القاضي ] «2»، و لا مستند لهم ظاهرا إن أرادوا متتالية، كما هو ظاهر المحكي عنهم أنّهم يجعلونها بعد الخطبة «3».

نعم إن أريد واحدة بعد السلام، و اخرى قبل الخطبة، و الثالثة بعدها، أمكن الاحتجاج للأولين بما مرّ، و للثالثة بالمرفوعة حيث إنّ معنى «إذا استسقى»:

إذا فرغ منه. إلّا أنّه يضعّف بأنّ الظاهر منه إذا أراد الاستسقاء، و أو اشتغل به، فيكون قبل الخطبة.

و منه- مضافا إلى كون ذلك كلام السائل- يظهر ضعف زيادة الثالثة.

و كذا يظهر ضعف زيادة الاولى بعدم دلالة الصحيحة على أنّه كان بعد التسليم فورا، مع أنّه لا يراخى محسوسا كثيرا بينه و بين صعود المنبر، فيحمل المجمل على المبيّن، فلا يستحبّ إلّا مرّة بعد صعود المنبر قبل الاشتغال بالدعاء، كما تدلّ عليه رواية مرّة و الرضوي.

و منها: أنّه إذا صعد الإمام المنبر و حوّل الرداء يستقبل القبلة، و يكبّر اللَّه

مائة مرّة، ثمَّ يلتفت إلى يمينه و يسبّح مائة، ثمَّ إلى يساره و يهلّل مائة، ثمَّ يستقبل الناس، و يحمد اللَّه مائة، رافعا صوته في الأذكار.

كلّ ذلك للشهرة المتأخّرة، و رواية مرّة، و إن لم يذكر فيها رفع الصوت في التحميد، و لكن تكفي في إثباته فتاواهم.

و لبعض القدماء أقوال أخر في الأذكار «4»، لا مستند لها، و المتّبع ما في الرواية.

قالوا: و يتابعه المأمومون في الأذكار «5»، و زاد بعضهم في رفع الصوت

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 208، الديلمي في المراسم: 83.

(2) في جميع النسخ: الحلي، و لم نعثر عليه في السرائر، و الظاهر أنّه سهو، كما يظهر من كشف اللثام 1: 269، و الحدائق 10:

489، راجع المهذب 1: 144.

(3) انظر: الحدائق 10: 489.

(4) كالقاضي في المهذّب 1: 144، و الديلمي في المراسم: 83.

(5) كما في الكافي في الفقه: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 366

أيضا «1». و لا بأس به، لأنّه مقام التسامح.

و أمّا التحويل إلى الجهات فلم أعثر على مصرّح بالمتابعة فيه، و الأصل ينفيه.

ثمَّ مقتضى الرواية المذكورة كون الأذكار قبل الدعاء. فإن كان المراد بالخطبة أيضا هو ذلك الدعاء كما صرّح به جماعة «2»، فثبت منه تقدّم الأذكار على الخطبة أيضا، كما عن العماني و الشيخ و ابن حمزة «3»، و جمهور المتأخرين، و إلّا فثبت منها و من مرسلة الفقيه الرواية لخطبة مولانا أمير المؤمنين «4»، حيث إنّه يعقّب الدعاء فيها للحمد و الصلاة بلا فصل بضميمة أصالة عدم دعائه بغير بذلك، فتأمّل.

و منها: أن يخطب بالناس

، بالإجماع و النصوص.

و هل المراد بالخطبة هنا هو الدعاء فقط، و إن جاز أو استحبّ تصديره بالحمد و الصلاة؟ كما صرّح به بعض مشايخنا «5»، و يدلّ عليه عدم ذكر خطبة في رواية مرّة، بل ذكر أنّه بعد السلام يصعد المنبر، ثمَّ يذكر، ثمَّ يدعو، و كذا في الرضوي المشتمل على عبارات الدعاء أيضا «6».

أو ما يشمل على الحمد و الصلاة و الوعظ و الدعاء؟.

أو مع خروج الدعاء عنها؟ كما عن الذكرى «7».

كل محتمل، لجواز استعمال الخطبة في الدعاء مجازا، كما أنّها في الحمد

______________________________

(1) كما في الكافي في الفقه: 163.

(2) انظر: روض الجنان: 325، و الحدائق 10: 491.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 125، الشيخ في المبسوط 1: 135، ابن حمزة في الوسيلة: 113.

(4) الفقيه 1: 335- 1504، و المتقدمة في ص 361.

(5) انظر: الحدائق 10: 491 و 493.

(6) فقه الرضا

«ع»: 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(7) الذكرى: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 367

و الصلاة و الوعظ أيضا كذلك، و لعدم دلالة عدم ذكرها في بعض الروايات بخصوصها على اتّحادها مع الدعاء.

و الظاهر من رواية خطبة أمير المؤمنين عدم اشتراط تضمّنها الوعظ.

و الأولى اشتمالها على الحمد و الصلاة و الوعظ و الدعاء، و تقديم الثلاثة الأولى على الأخير.

و هل تتعدّد الخطبة فيه كما في العيدين؟ كما في الذكرى «1»، لقوله في الصحيحة: «يصلّي بمثل صلاة العيدين بركعتين» «2».

أولا، بل تكفي الخطبة الواحدة؟ كما ذكره بعض مشايخنا «3»، للإطلاق، و وحدة الخطبة المرويّة.

و هو الأظهر، لذلك، و التشبيه إنّما هو في الصلاة، و الخطبة خارجة عنها.

ثمَّ الخطبة هنا بعد الصلاة بإجماعنا المحقّق، و المحكي مستفيضا «4»، كالنصوص «5». و ما دلّ على أنّها قبل الصلاة شاذّة «6»، و للحمل على التقيّة- كما قيل «7»- محتملة.

و مقتضى الأصل عدم شرطية الخطبة و لو كان المراد منها الدعاء في الصلاة، فتجوز الصلاة بقصد الاستسقاء منها بلا دعاء.

و كذا تختصّ الخطبة و الأذكار بما إذا صلّيت جماعة، لأنّه الوارد في الأخبار، فالمنفرد يصلّي و إن شاء يدعو.

و منها: أن يبالغوا في الدعاء

، و إن تأخّرت الإجابة أعادوا الخروج، بالإجماع

______________________________

(1) الذكرى: 251.

(2) راجع ص 356.

(3) انظر: الحدائق 10: 494.

(4) الخلاف 1: 687، السرائر 1: 326، التذكرة 1: 168، المفاتيح 1: 35، الرياض 1: 210.

(5) الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.

(6) و هي رواية إسحاق بن عمّار، راجع الوسائل 8: 11 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 2.

(7) كما في الوسائل 8: 12 ذيل الحديث 2، و الرياض 1: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 6، ص: 368

كما عن المنتهى «1»، لأنّ اللَّه يحبّ الملحّين في الدعاء، و لأنّ الحاجة باقية فكان طلبها مشروعا. و يبنون على الصوم الأول إن لم يفطروا بعده، و إلّا فيستأنفون الصوم استحبابا.

و منها: قول المؤذّن قبل الصلاة: الصلاة، ثلاثا، كما في العيدين

، لتصريحهم به. لا للتشبيه بصلاة العيد كما قيل، لعدم دلالته عليه. و لا أذان فيها و لا إقامة بالإجماع و النص «2».

و منها: أن يجهر فيها بالقراءة

، للنصوص المستفيضة «3». و أضافوا إليها القنوتات أيضا، و لا بأس به.

و منها: أن يكون الدعاء و الخطبة قاعدا

، كما تدلّ عليه المرسلة المتقدّمة في صدر البحث «4»، و رواية ابن المغيرة السابقة «5»، و غيرها.

و لم أعثر على أحد من الأصحاب عدّ ذلك من المستحبّات، بل- كما قيل «6»- ظاهر كلامهم القيام حال الاستسقاء. و لم أر له وجها سوى التشبيه بالعيدين، و فيه ما فيه. و حمل ما في الروايتين على العذر ينفيه إشعارهما بالاستمرار.

______________________________

(1) المنتهى 1: 356.

(2) كرواية مرّة، السابقة في ص 363.

(3) الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.

(4) راجع ص 356.

(5) راجع ص 356.

(6) الحدائق 10: 495.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 369

الثانية صلاة التسبيح و تسمى بصلاة جعفر عليه السلام، و صلاة الحباء
اشارة

و استحباب هذه الصلاة ثابت بإجماع علماء الإسلام، كما صرّح به جمع من الأعلام «1»، و استفاضت به نصوص أئمّة الأنام، و ثوابها عظيم، و أجرها جسيم، كفّارة للآثام.

ففي الصحيح: «متى ما صلّيتهنّ غفر اللَّه لك ما بينهنّ، إن استطعت كلّ يوم، و إلّا فكلّ يومين، أو كلّ جمعة، أو كلّ شهر، أو كلّ سنة، فإنّه يغفر لك ما بينهما» «2».

و في صحيحة ابن أبي البلاد: أيّ شي ء لمن صلّى صلاة جعفر؟ قال: «لو كان عليه مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا لغفرها اللَّه له» قلت: فهذه لنا؟! قال: «فلمن هي إلّا لكم خاصّة؟!» «3».

و في رواية أبي بصير: «إن أنت صنعته كلّ يوم كان خيرا لك من الدنيا و ما فيها، و إن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما، أو كلّ جمعة، أو كلّ شهر، أو كلّ سنة غفر لك ما بينهما» «4».

و في رواية إبراهيم بن عبد الحميد: قلت: فما ثوابها؟ قال: «لو كان عليه مثل رمل عالج ذنوبا غفر له» «5».

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 359، و

المجلسي في البحار 88: 212.

(2) التهذيب 3: 186- 420، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.

(3) الفقيه 1: 348- 1539، التهذيب 3: 186- 421، ثواب الأعمال: 40، الوسائل 8: 54 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 2.

(4) الكافي 3: 465 الصلاة ب 96 ح 1، الوسائل 8: 49 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 1.

(5) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ذ. ح 1، التهذيب 3: 187- 423، المقنع: 43، الوسائل 8:

54 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 370

و في رواية الثمالي: «إذا أنت صلّيتها لو كنت فررت من الزحف و كان عليك مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا غفرت لك».

و في آخرها: «و يكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة، الحسنة منها مثل جبل احد و أعظم» «1».

و في رواية إسحاق: من صلّى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لجعفر؟ قال: «إي و اللَّه» «2».

و في الفقه الرضوي: «من صلّى صلاة جعفر كلّ يوم لا تكتب عليه السيّئات، و تكتب له بكلّ تسبيحة فيها حسنة، و ترفع له درجة في الجنة» إلى أن قال: «فإنّك إن صلّيتها محي عنك ذنوبك، و لو كانت مثل رمل عالج، أو مثل زبد البحر» «3» إلى غير ذلك.

و هي: أربع ركعات، بالإجماع نصّا، و فتوى.

بتسليمتين، على الحق المشهور، كما صرّح به في الذكرى و غيره «4». بل الظاهر كونه إجماعيا، إذ لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن المقنع «5»، مع أنّه قال في البحار بعد نقل كلام المقنع و الذكرى: لا دلالة في عبارة

المقنع، إلّا من حيث إنّه لم يذكر التسليم، و لعلّه أحاله على الظهور، كما في التشهّد و القنوت و غيرهما «6».

انتهى.

إلّا أنّه قال في المقنع- على ما نقله في المختلف-: و روي أنّها بتسليمتين «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 347- 1536، الوسائل 8: 51 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.

(2) الكافي 3: 467 الصلاة ب 96 ح 7، الفقيه 1: 349- 1540، التهذيب 3: 188- 426، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 155، مستدرك الوسائل 6: 224 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.

(4) الذكرى: 249، و انظر: أيضا المختلف: 127.

(5) لم نعثر عليه في المقنع، و الموجود فيه: صلّ أربع ركعات (ص 43) و قد حكى الخلاف عنه في المختلف: 127.

(6) البحار 88: 212.

(7) المختلف: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 371

و هو يشعر بما في الذكرى.

و كيف كان فخلافه غير قادح في الإجماع، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى مرسلة المقنع المذكورة المنجبرة.

و رواية الثمالي، و فيها بعد ذكر كيفيّة الركعتين الأوليين: «ثمَّ تتشهّد، و تسلّم، ثمَّ تصلّي ركعتين أخراوين، تصنع فيهما مثل ذلك، ثمَّ تسلّم» «1».

و الرضوي و فيه بعد ذكر الركعتين: «ثمَّ تشهّد و تسلّم، فقد مضى لك ركعتان، ثمَّ تقوم، و تصلّي ركعتين أخريين على ما وصفت لك» الحديث «2».

يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة «الزلزلة» و في الثانية «و العاديات» و في الثالثة «النصر» و في الرابعة «التوحيد».

اختاره الصدوق و السيد و الإسكافي و القاضي و الحلبي و الديلمي «3»، بل هو المشهور، كما صرّح به جماعة، و عليه كافّة المتأخّرين، لروايتي إبراهيم بن عبد الحميد «4»، و المفضّل بن عمر «5».

و عن

عليّ بن بابويه العكس في الأوليين «6»، للرضوي: «يقرأ في أولاهما فاتحة الكتاب و العاديات، و في الثانية: إذا زلزلت، و في الثالثة: إذا جاء نصر اللَّه، و في الرابعة: قل هو اللَّه أحد، و إن شئت كلّها بقل هو اللَّه أحد» «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 347- 1536، الوسائل 8: 51 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.

(2) فقه الرضا «ع»: 156، مستدرك الوسائل 6: 224 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.

(3) الصدوق في المقنع: 43، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 43، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 127، القاضي في المهذّب 1: 149، الحلبي في الكافي: 161، الديلمي في المراسم: 85.

(4) المتقدمة في ص 369.

(5) مصباح المتهجد: 275.

(6) حكاه عنه في المختلف: 127.

(7) فقه الرضا «ع»: 155، مستدرك الوسائل 6: 228 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 372

و عن العماني: العكس في الوسطيين «1». و عن المقنع: التوحيد في الجميع «2».

و لم نقف لهما على مستند.

و في صحيحة بسطام «3»، و رواية ابن المغيرة «4»: أنّه يقرأ في كلّ ركعة بالتوحيد، و الجحد.

و في صحيحة ابن أبي البلاد «5»: الزلزلة، و النصر، و القدر، و التوحيد.

و الظاهر أنّ المراد الترتيب في هذه السور بالنسبة إلى الركعات.

و الظاهر التخيير بين كلّ ما روي، و إن كان المشهور أولى.

و يجوز التوحيد في الجميع، للرضوي المتقدّم. بل كلّ سورة، لإطلاق رواية الثمالي، و عدم دلالة غيرها على الشرطيّة.

ثمَّ بعد الفراغ من القراءة في كلّ ركعة يقول قائما: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، خمس عشرة مرّة، ثمَّ يركع و

يقولها عشرا، ثمَّ يرفع رأسه و يقولها عشرا قائما، ثمَّ يسجد و يقولها عشرا في السجدة، ثمَّ يرفع رأسه و يقولها كذلك جالسا، ثمَّ يسجد و يقولها كذلك ساجدا، ثمَّ يرفع رأسه و يقولها كذلك جالسا، فيكون الجميع ثلاث مائة تسبيحات أربع، في كلّ ركعة خمس و سبعون، و ألف و مائتا ذكر، في كلّ ركعة ثلاث مائة.

بالإجماع نصّا و فتوى في ما عدا محلّ التسبيح الذي قبل الركوع، و ترتيب الأذكار الأربعة، و التسبيح الذي بعد السجدة الثانية من الركعتين الاولى و الثالثة.

و على الحق المشهور قديما و حديثا- بل ظاهر الإجماع- فيها أيضا.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 127.

(2) المقنع: 43.

(3) التهذيب 3: 186- 420، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.

(4) الفقيه 1: 348- 1538، الوسائل 8: 53 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 373

لصحيحة بسطام، و رواية أبي بصير، و الرضوي في الجميع، مضافة إلى رواية الثمالي في الأخير.

و ظاهر الصدوق في الفقيه «1»: التخيير في الأوّلين «2»، بين ما ذكر و بين ما في رواية الثمالي: «تفتتح الصلاة، ثمَّ تكبّر خمس عشر مرّة تقول: اللَّه أكبر و سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه. ثمَّ تقرأ الفاتحة ثمَّ سورة و تركع، و كذا في سائر الركعات».

و عن العماني: كون التسبيح بعد السجدة الثانية في الركعتين بعد القيام قبل القراءة «3». و لا مستند له.

و العمل على المشهور، لاشتهاره رواية و فتوى، بل كونه مجمعا عليه.

فروع:
أ: الحق المشهور جواز احتساب هذه الصلاة من النوافل الليليّة و النهاريّة

الأدائيّة و القضائيّة، لروايتي ذريح «4»، و رواية أبي بصير «5»، و في العيون: إنّ مولانا الرضا عليه السلام

كان يصلّي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر و يسلّم في كلّ ركعتين، و يقنت في كلّ ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد التسبيح، و يحتسب بها من صلاة الليل «6».

و في الذكرى عن بعض الأصحاب جواز جعلها من الفرائض أيضا «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 348.

(2) أي: محلّ التسبيح الّذي قبل الركوع، و ترتيب الأذكار الأربعة.

(3) حكاه عنه في المختلف: 127.

(4) الاولى: التهذيب 3: 187- 422، الوسائل 8: 57 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 2، الوسائل 8: 58 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 3.

(5) الفقيه 1: 349- 1542، الوسائل 8: 58 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 5.

(6) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 178- 5، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 24.

(7) الذكرى: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 374

و ظاهره قبوله. و إليه مال بعض المحققين من متأخري المتأخرين.

و ربّما يدلّ عليه إطلاق قضاء الصلاة في إحدى روايتي ذريح. و يثبته أيضا جواز هذه الأذكار في الصلاة قطعا.

و ردّه بعض مشايخنا الأخباريين بإيجابه التغيير الفاحش في الفريضة، مع أنّ العبادات توقيفية «1».

و فيه: منع التغيير، و ثبوت التوقيف بجواز كلّ ذكر و دعاء في الصلاة.

ب: يستحبّ القنوت فيها في الركعتين الثانية و الرابعة قبل الركوع بعد القراءة و التسبيح إجماعا،

للعمومات، و خصوص روايتي العيون «2»، و الاحتجاج «3».

إلّا أنّ في الأخيرة: «و القنوت فيها مرّتان في الثانية قبل الركوع، و في الرابعة بعده».

و لم أر قائلا به، و العمل على الأول.

ج: إذا كانت له حاجة يستعجل بها يصلي الأربع ركعات مجرّدة عن التسبيح،

ثمَّ يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه، كما صرّح به في روايتي أبي بصير «4»، و أبان «5». و مقتضى إطلاقهما أنّه لا يشترط قصد تعيين المحل ممّا يقضي.

و لو عرضت الحاجة في الأثناء فهل يجوز تجريد الباقي و قضاء ما بقي؟

الظاهر نعم، لفحوى الروايتين.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 10: 507.

(2) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 178- 5، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض نوافلها ب 13 ح 24.

(3) الاحتجاج: 491، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 4 ح 1.

(4) الفقيه 1: 349- 1543، الوسائل 8: 60 أبواب صلاة جعفر ب 8 ح 2.

(5) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 3، التهذيب 3: 187- 424، الوسائل 8: 59 أبواب صلاة جعفر ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 375

د: لو صلّى ركعتين فعرضت له حاجة جاز ان يذهب إلى حاجته،

ثمَّ يصلّي الباقيتن، كما صرّحت به صحيحة ابن الريّان «1». و مقتضى مفهومها أنّه لو لم يكن هاهنا أمر لا بدّ منه يصلّي الأربع في مقام واحد، و هو الأحوط.

ه: لو سها عن بعض التسبيحات أو كلّها في محلّ، و تذكّر في محل آخر من هذه الصلاة قضاه فيه،

رواه الشيخ في كتاب الغيبة، و الطبرسي في الاحتجاج، عن مولانا الصاحب عليه السلام، و فيه بعد السؤال عن سهو التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، و تذكّره في حالة اخرى من هذه الصلاة: «إذا سها في حالة من ذلك، ثمَّ ذكر في حالة اخرى، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره» «2».

و مقتضى إطلاق الجواب القضاء لو تذكّر بعد الصلاة أيضا.

و: قد تكرّر في الأخبار أنّه يجوز فعلها في أيّ وقت شاء من ليل أو نهار،

سفر أو حضر، إلّا أنّه ورد في التوقيع المروي في كتاب الاحتجاج: أنّ أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة «3».

ز: يستحبّ أن يقول في آخر سجدة من صلاة جعفر بعد التسبيح ما في مرفوعة السراد:

يا من لبس العزّ و الوقار، يا من تعطّف بالمجد، و تكرّم به، يا من لا ينبغي التسبيح إلّا له، يا من أحصى كلّ شي ء علمه، يا ذا النعمة و الطول، يا ذا المنّ و الفضل، يا ذا القدرة و الكرم، أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، و منتهى الرحمة من كتابك، و باسمك الأعظم الأعلى، و كلماتك التامّات، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تفعل بي كذا و كذا «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 349- 1541، التهذيب 3: 309- 957، الوسائل 8: 59 أبواب صلاة جعفر ب 6 ح 1.

(2) الغيبة: 230، الاحتجاج: 482، الوسائل 8: 61 أبواب صلاة جعفر ب 9 ح 1.

(3) الاحتجاج: 491، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 4 ح 1.

(4) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 5، الفقيه 1: 349- 1544، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 376

أو بما في رواية المدائني «1»، و هو أيضا قريب ممّا ذكر.

و يتخيّر بينهما، و يجوز الجمع أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 467 الصلاة ب 96 ح 6، التهذيب 3: 187- 425، الوسائل 8: 55 أبواب صلاة جعفر ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 377

الثالثة ألف ركعة نافلة شهر رمضان زيادة على النوافل المرتّبة

فإنّها مستحبّة على الأشهر رواية و فتوى، بل عليه الإجماع عن السيد و الحلّي و الديلمي «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق «2»، و في الخلاف عن قوم من أصحابنا «3»، و لطائفة من الأخبار «4».

و هما مردودان بالشذوذ، مع أنّ ظاهر الصدوق في الفقيه الجواز المستلزم للاستحباب «5»، فيكون الجواز إجماعيّا، و به ينتفي اعتضاد الأخبار المانعة بأدلّة الاحتياط، مع أنّه لا تستفاد منها

الحرمة أيضا، و تبقى روايات الاستحباب «6» الراجحة بالاشتهار و الانجبار بعمومات مرغّبات الصلاة «7» خالية عن المعارض، مع إمكان التأويل في المانعة بوجوه عديدة.

ثمَّ في كيفيّة توزيع الألف على الشهر صورتان قال بكلّ منهما طائفة، و نسب في المنتهى واحدة منهما، و في الذكرى الأخرى- كما حكي- إلى أكثر الأصحاب «8».

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 56، الحلي في السرائر 1: 310، الديلمي في المراسم: 82.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 210.

(3) الخلاف 1: 351.

(4) انظر الفقيه 2: 88- 395 و 396، الوسائل 8: 42، 43 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1 و 2،

(5) الفقيه 2: 89.

(6) انظر: الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.

(7) انظر: الوسائل 4: 38 أبواب أعداد الفرائض ب 10، و أيضا: دعائم الإسلام 1: 133.

(8) المنتهى 1: 358، الذكرى، 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 378

إحداهما:

أن يصلّي في كلّ ليلة من الشهر عشرين ركعة، ثمان بعد المغرب، و اثنتي عشرة بعد العشاء، أو بالعكس، و يزيد في العشر الآخر في كلّ ليلة عشر ركعات بعد العشاء، و في الليالي الثلاثة القدريّة مائة زائدة على وظيفتها.

ثانيتهما:

ما ذكر، إلّا أنّه يقتصر في الليالي الثلاثة على المائة، فيبقى ثمانون ركعة يوزّعها على الجمعات الأربع فيصلّي في كلّ يوم جمعة عشرا، أربعا بصلاة علي عليه السلام، يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد خمسين مرّة، و أربعا بصلاة جعفر- كما مرّت- و ركعتين بصلاة فاطمة عليها السلام، يقرأ بعد الحمد في الأولى القدر مائة مرّة، و في الثانية التوحيد كذلك، و عشرين في ليلة الجمعة الأخيرة بصلاة علي، و عشرين في عشيّتها ليلة السبت بصلاة فاطمة عليها السلام.

و على الطريقتين

دلّت الروايات «1»، و التخيير طريق الجمع بينهما.

و لو اتّفقت عشيّة الجمعة الأخيرة ليلة العيد قال الشهيد الثاني: يصلّي وظيفتها في آخر ليلة ست منها «2». و يدلّ عليه إطلاق رواية مفضّل «3»، فما قيل:

إنّ دليله غير معلوم «4»، ليس بجيّد.

و لو اتّفق في الشهر خمس جمعات ففي كيفية التقسيط احتمالات، بل أقوال، أظهرها سقوط وظيفة الجمعة الأخيرة، لإعطاء كلّ جمعة حقّها. و يحتمل تخييره في تعيين الجمعة المسقطة حقّها.

و لو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة الثلاثين، و لا يشرع قضاؤها و إن نقصت الألف، إذ لا تكليف بعبادة موقّتة لم يخلق وقتها.

و لا يصلّي ليلة الشك أوّل شهر رمضان. و هل يقضيها إذا ثبتت الرؤية؟

______________________________

(1) الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.

(2) المسالك 1: 39.

(3) التهذيب 3: 66- 218، المقنعة: 170، الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.

(4) انظر: مجمع الفائدة 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 379

الظاهر ذلك، لعمومات قضاء النوافل «1»، و منه يظهر استحباب قضاء كلّ ما فات منها.

و لا فرق في استحباب هذه النوافل بين الصائم و غيره، للعمومات.

و عن الحلبي التخصيص بالأوّل «2». و مستنده غير ظاهر.

______________________________

(1) كما في الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57.

(2) الكافي في الفقه: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 380

الرابعة صلاة يوم الغدير

و استحبابها مشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، و تدلّ عليه رواية العبدي و غيرها.

و كيفيّتها على ما في هذه الرواية قال بعد ذكر فضائل هذا اليوم المبارك:

«و من صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل اللَّه عزّ و جلّ، يقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد،

و عشر مرّات قل هو اللَّه أحد، و عشر مرّات آية الكرسي، و عشر مرّات إنّا أنزلناه، عدلت عند اللَّه عزّ و جل مائة ألف حجّة و مائة ألف عمرة، و ما سأل اللَّه عزّ و جل حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلّا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة» إلى أن قال: «و ليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين أن تقول: ربّنا إنّنا سمعنا» إلى آخر الدعاء.

و هو طويل مذكور في التهذيب، و المصباح «1».

و أنكرها الصدوق حاكيا له عن شيخه ابن الوليد أيضا، لضعف الرواية «2».

و يضعف:

بأنّه مقام المسامحة، مع أنّها بما ذكرنا منجبرة، و بروايات أخر معتضدة، فهو ضعيف، كما حكي عن الحلبي من استحباب الجماعة و الخطبتين و الخروج إلى الصحراء فيها «3»، كما يأتي في بحث الجماعة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 143- 317، مصباح المتهجّد: 680، الوسائل 8: 89، 90 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 3 ح 1 و 2.

(2) الفقيه 2: 55.

(3) الكافي في الفقه: 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 381

و الأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة كما عليه جماعة «1». و قد تقدّم القدر على آية الكرسي، و قيل: به رواية «2».

______________________________

(1) كما في النهاية: 142، و المراسم: 82، و المختلف 1: 128.

(2) انظر: السرائر 1: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 5

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.