مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 05

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

[تتمة كتاب الصلاة]

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 5

المقصد الثاني في ماهيّة الصلاة و أفعالها بأقسامها

اشاره

و الكلام فيها: إما في الصلوات الواجبة أو المستحبة، و على التقديرين إمّا في اليوميّة أو غيرها، فهاهنا أبواب أربعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 7

الباب الأول في أفعال الصلوات الواجبة اليومية

اشاره

و هي: إمّا واجبة أو مندوبة، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 9

الفصل الأول في أفعالها الواجبة
اشارة

و هي بكليّتها: النيّة، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهد، و التسليم، نذكرها بأحكامها في ثمانية أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 11

البحث الأول في النيّة
اشارة

و هي جزء عند طائفة [1]، و شرط عند آخرين [2]، و ظاهر بعضهم التردّد في كونها شرطا أو جزءا [3]، و هو في موقعه جدّا، و الفائدة في تحقيقه قليلة كثيرا، فالإعراض عنه أولى.

و المعتبر فيها القصد إلى الفعل تقرّبا إلى اللَّه سبحانه- كما مضى في بحث الوضوء تفصيلا و دليلا- منضمّا معه ما يعيّنه، و يميّزه إذا لم يكن هناك مميّز خارجي، و كانت الصلاة المأمور بها متعدّدة، كأن تكون الذمّة مشغولة بصلاة واجبة و مندوبة، أو أداء و قضاء، أو إجارة و نذر و غير ذلك، لأنّ ترتّب ما يستتبعه أحدهما فعلا أو تركا على ما فعله الذي عليه يتوقّف البراءة و الإجزاء، بل صدق الامتثال، يتوقّف على مرجّح، و ليس إلّا القصد بالفرض فيجب.

و القول بأن ما فعله لا مع القصد المميّز موافق لكل منهما فيكون صحيحا، إذ ليست الصحة إلّا موافقة المأمور به- كما مرّ في الوضوء- و هي ترادف الإجزاء المستلزم للبراءة.

يردّ بعدم معقولية البراءة عن واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين آثارا و توابع، و لا الإجزاء عنه، و لازمه إما عدم تلازم البراءة و الصحة، أو عدم كون الصحة موافقة المأمور به مطلقا بل موافقة المأمور به المعيّن.

مع أن لنا أن نقول: إن الأمر بكل من الشيئين- المختلفين آثارا الغير

______________________________

[1] كالشهيد في البيان: 150.

[2] منهم المحقق في المعتبر 2: 149، و العلامة في المنتهى 1: 266، و صاحب المدارك 3: 309.

[3] كالمحقق في المختصر النافع: 29،

و الكركي في جامع المقاصد 2: 217. و الشهيد الثاني في المسالك 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 12

المتميّزين إلّا بالقصد- يستلزم الأمر بقصد المميّز قطعا، تحصيلا للامتثال و الإجزاء و البراءة، فالخالي عن ذلك القصد لا يكون موافقا لتمام المأمور به، فلا يكون صحيحا.

مع أن لزوم قصد المميّز في مثل ذلك قد يستفاد من الأخبار أيضا، كالأخبار الآمرة بتقديم فريضة الصبح مثلا على نافلته «1»، أو التهجّد بعد طلوع الصبح أو الحمرة «2»، و نحوها، فإنه لا يحصل التقديم و التأخير إلّا بواسطة القصد.

و كالأخبار الواردة في العدول من صلاة إلى أخرى، يصرّح به موثّقة عمّار: في الرجل يريد أن يصلّي ثماني ركعات فيصلّي عشر ركعات أ يحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال: «لا، إلّا أن يصلّيها عمدا، فإن لم ينو ذلك فلا» «3».

فإن قيل: قد مرّ في بحث الوضوء جواز انطباق ما فعل بلا قصد المميّز على واحد معيّن باختيار المكلّف بعد الفعل، فلا يثبت لزوم قصده أولا.

قلنا: الجواز لا يستلزم التعيّن و التحقق، و الأصل بقاء الاشتغال و عدم البراءة الحاصل قبل القصد المتأخر، و لا دليل على حصول البراءة بذلك القصد قطعا، و تجويز ذلك عقلا لا يفيد في دفع الاستصحاب، فيجب ضمّ القصد حال الفعل.

و هل يجب ضمّه في ابتداء الفعل، أو يكفي الانضمام في الأثناء- كأن يدخل في صلاة متردّدا بين أن يتنفّل بها للصبح أو يؤدّي فريضتها ثمَّ قصد إحداهما في الأثناء-؟.

الظاهر: الثاني، إذ ما بعد النيّة يكون من المنويّ قطعا و ينصرف ما قبلها

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51.

(2) انظر: الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48.

(3) التهذيب 2: 343- 1421، الوسائل

6: 7 أبواب النية ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 13

إليه أيضا، و ذلك لأنّ وجود المركّب من أجزاء- كفريضة الصبح مثلا- ليس إلّا تحققه في الخارج منضمّة الأجزاء بعضها مع بعض، و قد تحقّق ذلك، فيكون آتيا بالمأمور به، فيكون ممتثلا، و به يدفع الأصل و الاستصحاب المتقدّمان.

نعم لما كان يلزم انصرافه إلى هذا المركّب بخصوصه قطعا يجب وجود ما يعيّنه، و قصد الباقي معيّن قطعي له، و كذا ضمّ الباقي مع ما تقدّم، بخلاف النية اللاحقة للمجموع فإن كونها معيّنة ليس قطعيا.

نعم يشترط عدم مانع من انصراف المتقدّم إلى المنوي، كقصده أوّلا لغيره، فإنه لا يفيد حينئذ، كما يأتي في مسألة أصالة عدم جواز العدول، و ستأتي زيادة تحقيق للمقام في مسألة قصد السورة قبل البسملة.

و لو كان هناك مميّز خارجي كان كافيا في الترجيح و لم يحتج إلى قصد، بل مع وجود المميّز الخارجي لا يكون المنوي و المقصود إلّا ذلك المميّز و إن لم يخطره بباله مفصّلا، لعدم إتيان العاقل بفعل بلا قصد، فإذا فعله مع المميّز يكون المقصود في خزينة خياله هو المميّز- بالفتح- البتة.

ثمَّ إنّ المميّز كما يكفي وجوده أولا، كذلك يكفي لحوقه في الأثناء، فلو شرع في صلاة متردّدا بين صلاة الآيات و الظهر مثلا و ضمّ بعد قراءة الفاتحة تتمّة صلاة الآيات كانت صحيحة، نعم لو قصد الظهر أولا لم يفد ذلك بل يبطل به، و ظهر وجهه ممّا مرّ، و يأتي في بحث السورة.

و كذلك لم يحتج إلى قصد المميّز إذا لم يكن في المأمور به تعدّد حتى يحتاج إلى مميّز.

و القول بأنّ عدم التعدّد بحسب الشريعة لا يوجب عدمه مطلقا، فإنّ

صلاة الظهر مثلا و إن لم تكن شرعا إلّا واحدة واجبة و لكن يمكن وقوعها على جهة الندب بحسب قصد المكلّف إمّا عمدا أو سهوا أو جهلا، و كذا إذا لم يكن في الذمة قضاء صلاة الظهر شرعا و لكن يمكن وقوعها بحسب قصده قضاء، و لا ريب أنها بهذه الجهة غير مأمور بها في الشريعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 14

مردود بأنّ غير المأمور به من الأفراد خارج بقصد القربة، مع أنّ مثل هذه الأفراد غير محصورة، فكلّما اعتبر مميّز يكون له فرد آخر غير مأمور به أيضا.

و لا يعتبر في النيّة شي ء سوى ما ذكر و لو كان الوجه، أو الأداء و القضاء، أو القصر و الإتمام، أو نحو ذلك، للأصل، و عدم الدليل، إلّا إذا توقف التميز عليه فيجب لما ذكر.

و ابتداء وقتها الشروع في مقدّمات الصلاة، و يتضيّق عند أول جزء من التكبير بحيث يكون آخر جزء منها عند أول جزء منه.

و تجب استدامتها حكما إلى آخر الصلاة، كما مرّ تحقيق جميع ذلك في الوضوء.

فروع:

أ:

لو نوى قطع الصلاة و لم يقطع لم تبطل صلاته، وفاقا لجماعة منهم: المبسوط و الخلاف و الشرائع «1»، لأصالة عدمه، و عدم كونها مبطلة، فإنّه حكم وضعي يحتاج إلى ثبوت الوضع، و استصحاب الحالة الثابتة لما فعل من الأجزاء، و حرمة القطع.

و خلافا للمحكي عن كثير من المتأخرين، منهم الفاضل في المختلف و القواعد بل كثير من كتبه «2».

لاشتراط الاستدامة الحكمية المنافية لنيّة القطع.

و وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة الغير الحاصلة مع تلك النيّة.

و عدم صدق الامتثال العرفي معها.

و إيجابها خروج ما فعله من الأجزاء عن الجزئية للصلاة و صيرورته لغوا

______________________________

(1) المبسوط 1: 102، الخلاف

1: 307، الشرائع 1: 79.

(2) المختلف: 91، القواعد 1: 31، التحرير 1: 37، نهاية الإحكام 1: 449، المنتهى 1:

267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 15

فاسدا فلا يرجع بعده إلى الصحة.

و يجاب عن الأول: بأنّ الثابت من دليل الاستدامة ليس إلّا وجوب البقاء على حكم النيّة عند ما يفعل من أجزاء الصلاة، فلا يضرّ عدمها في حالة لا يشتغل فيها بشي ء من الصلاة.

و عن الثاني: بحصول اليقين بالبراءة شرعا بعد عدم الدليل على وجوب الزائد على ما أتى به.

و عن الثالث: بمنع منافاة تلك النيّة لصدق الامتثال، فإنّه لو أمر المولى عبده بفعل ففعله امتثالا له يعدّ ممتثلا و لو نوى في الأثناء ترك الفعل ثمَّ ندم عن ذلك القصد و أتمّ الفعل بقصد الإطاعة.

و عن الرابع: بمنع تأثير هذه النية في ما فعل و عدم فساده بها إلّا مع إيجابها بطلان الصلاة، و هو أول الكلام.

و هل يختصّ عدم البطلان بها بصورة عدم الإتيان بشي ء من أفعالها الواجبة قبل تجديد النيّة؟

صريح بعضهم نعم، لعدم الاعتداد به لخلوّه عن النيّة، و استلزام إعادته الزيادة في الصلاة [1].

أقول: هذا إنّما يتمّ فيما تستلزم زيادته البطلان، فلا يجري فيما ليس.

كذلك، كذكر الركوع و السجود، و التسبيحات في الركعتين الأخيرتين، و السورة في الصلاة المستحبة، بل في كثير من الأفعال- كالركوع و السجود- إذا خصّصنا الزيادة المبطلة بما إذا كانت بقصد الصلاة.

نعم يتجه البطلان في مثله أيضا إذا كان ما فعله قبل تجديد النيّة فعلا كثيرا مبطلا للصلاة.

و كذا الحكم لو نوى القطع بعد ذلك، فلا تبطل إلّا مع الإتيان بشي ء

______________________________

[1] كما في المدارك: 3: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 16

يوجب زيادته البطلان، أو الفعل الكثير

المبطل بعد تلك النيّة و قبل التجديد.

و كذا لو علّق القطع على أمر قطعي الثبوت و لم يوجد بعد.

و لو علّقه على أمر محال أو ممكن الثبوت الموجب لجواز القطع شرعا فلا تبطل قبل وجوده أصلا، بل و كذا غير الموجب له، و أما بعد الوجود فمع رفض تلك النيّة فلا بطلان أيضا، و مع البقاء عليها فكنيّة القطع.

و الشكّ و التردّد في القطع في جميع ما مرّ كالقطع.

ب:

الأصل عدم جواز العدول من صلاة إلى أخرى مطلقا، إذ مقتضى العدول جعل ما تقدّم عليه بالنيّة السابقة- الموافق للأمر المنوي بسبب نيّته، المجزي عن الأمر التبعي بأجزائه لو لا طروّ المفسد، لما عرفت من حصول التعيين بالنية- موافقا لأمر آخر و خارجا عن الأمر الأول، و لا شك أن الأصل و الاستصحاب يقتضيان عدمه، إذ الأصل عدم امتثال الأمر الآخر و عدم تأثير النيّة المتأخرة في الموافقة، و المستصحب كفايته عن الأمر الأول، و أيضا: الاشتغال اليقيني مستصحب حتى تحصل البراءة اليقينيّة، و لا تحصل مع العدول في النيّة.

ثمَّ مقتضى ذلك الأصل، الحكم بعدم جواز العدول و عدم كونه مؤثرا إلّا في موضع ثبت فيه العدول، و قد ثبت في مواضع يجي ء بيانها في محالّها، فيحكم فيها به و ينفى عن غيرها.

ج:

لا يشترط القيام و لا سائر الشرائط في النيّة، للأصل، و عدم ثبوت الجزئية.

إلّا أن لاشتراطها في التكبيرة، الواجبة مقارنة النية لها و لو مجرد الحكمية، تنتفي في المسألة الفائدة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 17

البحث الثاني في تكبيرة الإحرام
اشارة

و هي جزء للصلاة، واجبة بالإجماع و المستفيضة من الأخبار «1»، بل ركن فيها تبطل بتركها، إجماعا منّا و من أكثر العامّة، له، و لأصالة الركنية بهذا المعنى

لكل جزء من الأجزاء الواجبة للمأمور به، لإيجاب تركه و لو جهلا أو سهوا عدم الإتيان به، و مخالفته الموجبة لعدم تحقق الامتثال و إن لم يكن المكلف مقصّرا في بعض الصور، فإنّ عدم التقصير لا يستلزم الامتثال جزما، غاية الأمر عدم المؤاخذة في نسيانه.

و للصحاح المستفيضة المصرّح جملة منها بفساد الصلاة بتركها نسيانا «2» المستلزم له مع العمد بالأولوية.

و ما في شواذّها- ممّا ينافي بظاهره ذلك- من عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا كما في بعض «3»، أو إذا كبّر للركوع ليجتزئ به عنها كما في آخر «4»، أو قضائها قبل القراءة أو بعدها كما في ثالث «5»، أو قبل الركوع و إلّا فيمضي كما في رابع «6».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 و ص 12 ب 2.

(2) انظر: الوسائل 6: 12 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2.

(3) الفقيه 1: 226- 999، التهذيب 2: 144- 565، الاستبصار 1: 352- 1330، الوسائل 6: 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9.

(4) الفقيه 1: 226- 1000، التهذيب 2: 144- 566، الاستبصار 1: 353- 1334، الوسائل 6: 16 أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 2.

(5) الفقيه 1: 226- 1001، التهذيب 2: 145- 567، الاستبصار 1: 352- 1331، الوسائل 6: 14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.

(6) التهذيب 2: 145- 568، الاستبصار 1: 352- 1332، الوسائل 6: 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 18

لا يصلح لمعارضتها، لشذوذه المخرج له عن الحجيّة، و لموافقته للمنقول عن جملة من المخالفين منهم الزهري و الأوزاعي و الحكم و الحسن و قتادة و ابن المسيب «1»، فيحتمل التقية.

مع احتمال الحمل على

غير تكبيرة الإحرام من تكبيرات الافتتاح، بل تعيّنه، لعمومها بالنسبة إليه، أو على صورة عدم اليقين بالترك، و إرادة نسيان الفعل و عدمه من النسيان المصرّح به.

و أما الركنية بمعنى البطلان بزيادتها أيضا عمدا أو سهوا فإثباتها بالأصل المتقدم، كما ذكره بعضهم و أصرّ عليه «2»، فغير صحيح، لأنّ زيادة شي ء لا توجب عدم موافقة ما أتى به للمأمور به، و الأصل عدم شرطية عدم الزيادة.

نعم تثبت أصالتها في جميع أجزاء الصلاة- التي منها التكبيرة- بحسنة زرارة و بكير: «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» «3» و رواية أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «4».

و تخصيصهما بزيادة الركعة- كما قيل «5»- لا وجه له، و عدم إمكان إبقائهما على إطلاقهما لا يوجب التقييد بما لم يعلم تقييده به بل يقيّد بالقدر المعلوم.

مع أن الظاهر الإجماع على أن ما تبطل الصلاة بتركه سهوا تبطل بزيادته أيضا، فالترديد في إبطال زيادة التكبيرة- كما في المدارك «6»- باطل.

______________________________

(1) حكاه عنهم في المغني و الشرح الكبير 1: 541.

(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194- 763، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.

(4) التهذيب 2: 194- 764، الاستبصار 1: 376- 1429، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

(5) انظر: الذخيرة: 359.

(6) المدارك 3: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 19

و بما ذكر يخصص عموم قوله في صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»

«1».

و ستجي ء زيادة تحقيق لذلك في بحث الخلل.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: صورتها أن يقول: «اللَّه أكبر»

مرتّبا بين الكلمتين بتقديم الأولى على الثانية، مواليا بينهما غير فاصل و لو بسكوت أو لفظ آخر (و لو) [1] من الأسماء الحسنى، و لا مبدّلا حرفا منهما بغيره و لا كلمة بغيرها و لو كان بمعناها، و لا مغيّرا لهيئتها و لو بتعريف أكبر.

فلو خالف واحدا ممّا ذكر لم تبرأ ذمّته إجماعا كما عن الانتصار و الناصريّات و المنتهى و الغنية «2»، لاستصحاب الاشتغال بالتكبير المصرّح به في الأخبار، المتحقق يقينا بما ذكر بالإجماع، و بصحيحة حمّاد «3»، و مرسلة الفقيه «4» المصرّحتين بهذه الهيئة، الغير المعلوم تحققه بغير ما ذكر، لعدم إرادة المعنى الحقيقي المعلوم من لفظ التكبيرة هنا، و عدم ثبوت الحقيقة فيما يشمل جميع ما يؤدي المعنى، و الإجمال في المجاز المراد في المقام.

خلافا في الأخير للمحكي عن الإسكافي «5»، فجوّز التعريف على كراهة، لعدم تغيّر المعنى.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 1.

(2) الانتصار: 40، الناصريات (الجوامع الفقهية): 196، المنتهى 1: 268، الغنية (الجوامع الفقهية): 557.

(3) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 961، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 1: 200- 921، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11.

(5) نقله عنه في المنتهى 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 20

و يردّ باحتمال مدخليّة اللفظ، فلا يقطع بالبراءة بدونه.

و لأجل ما ذكر يحكم بعدم حصول البراءة مع وصل همزة «اللَّه» أو «أكبر» أو مدّ الاولى و لو لم

يقصد الاستفهام، أو إشباع فتحة الثانية بحيث يظهر منه الألف، أو فتحة الباء، أو مدّ الألف الثانية في «اللَّه» أو إظهار إعراب «أكبر» و إن كان بعضها موافقا للغة العرب.

خلافا في الأول للمنقول عن بعض المتأخرين [1] فجوّز الوصل حين تلفّظ المصلّي قبلها بما يوصلها به، عملا بظاهر القانون العربي.

و يردّ بأن الموافقة له لا تدل على جوازه و تعلق الأمر تخييرا به أيضا.

و قد يستدل لتوقف البراءة على الاقتصار بجميع ما ذكر من غير تغيير أصلا:

بأنه المعهود المنقول عن الشارع فلا يجوز التعدّي، لتوقيفيّة العبادة.

و فيه: أنه إن أريد أنه ورد عنه الأمر به بخصوصه، فلا نعرف فيه نقلا، و إن أريد أنه تلفّظ كذا، فلا يدل ذلك على التعيين لاحتمال كونه أحد أفراد المخيّر.

مع أنه من أين عهد عنه أنه لم يدرج همزة «اللَّه» مع تكلّمه عليه السلام قبله بأدعية التكبيرات، أو لم يمدّ ألفه الثانية قليلا، أو لم يشبع فتحة «أكبر» و ما الذي يدلّ على ذلك؟.

و هل تجوز زيادة ما لا يوجب تغييرا في التكبيرة و لو بظهور إعرابها أصلا كقوله: اللَّه أكبر و أجلّ و أعظم، أو اللَّه أكبر من كل شي ء، أو اللَّه أكبر تعالى و تقدّس؟.

صريح بعضهم عدم الجواز [2].

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه، و نقل في روض الجنان: 259، و كشف اللثام 1: 213 عن بعض المتأخرين أيضا.

[2] كما في جامع المقاصد 2: 237، و شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 21

و لا أرى له وجها وجيها، لحصول التكبيرة بالنحو المجمع عليه، و عدم كون الزيادة بنفسها مبطلة و لا موجبة للتغيير في التكبير.

المسألة الثانية [الأخرس ينطق على قدر الإمكان ]

الأخرس الذي سمع التكبيرة و أتقن ألفاظها و لا يقدر

على التلفظ بها، و من بحكمه من العاجز عن النطق لعارض، ينطق على قدر الإمكان.

و مع العجز عن النطق أصلا يقصد هذا اللفظ مع الإشارة بالإصبع، بلا خلاف في اعتبارها- كما صرّح به بعضهم «1»- من دون ضمّ شي ء معها، كما عن المبسوط و المعتبر و المنتهى و التحرير «2».

أو منضمّا معها عقد القلب بمعناها المطابقي أو غيره من كونها ثناء على اللَّه سبحانه، كما في الشرائع و النافع «3»، و عن الإرشاد و النهاية [1].

أو هو مع تحريك اللسان، كما في القواعد و البيان و شرح الجعفرية و روض الجنان «4».

و لا دليل على شي ء منها إلّا ما مرّ في الأول من حكاية نفي الخلاف.

و ما قيل للثاني من أنه لولاه لما تشخصت الإشارة [2].

و للثالث من وجوبه على غير الأخرس [3]، و ما لا يدرك كله لا يترك كله «5»، و الميسور لا يسقط بالمعسور «6».

______________________________

[1] الإرشاد 1: 252، النهاية: 75 و قال فيها: و قراءة الأخرس .. إيماء بيده مع الاعتقاد بالقلب.

[2] كما في الرياض 1: 154.

[3] كما في نهاية الإحكام 1: 455 و 479، و جامع المقاصد 2: 238، و روض الجنان: 259، و كشف اللثام 1: 213.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 154.

(2) المبسوط 1: 103، المعتبر 2: 154، المنتهى 1: 268، التحرير 1: 37.

(3) الشرائع 1: 79، المختصر النافع 1: 29.

(4) القواعد 1: 32، البيان: 155، روض الجنان: 259.

(5) عوالي اللئالي 4: 58.

(6) عوالي اللئالي 4: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 22

و للطرفين من رواية السكوني: «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1».

و يردّ الأول: بعدم حجيته.

و الثاني: بأنه فرع وجوب

الأول، مع أن التشخص يحصل بالقصد إلى اللفظ الذي هو غير عقد القلب بالمعنى، و منه يظهر بطلان ما قيل من أنه ممّا لا بدّ منه فيتحد قول من ذكره مع قول من تركه «2».

و الثالث: بعدم الدلالة كما هو مبيّن في موضعه.

و الرابع: بخروجه عن المفروض، و دلالته عليه بالفحوى أو تنقيح المناط ممنوعة.

فالقول بسقوط التكبيرة عنه- كما احتمله في المدارك «3»- قريب، إلّا أن اعتبار ما ذكره الأصحاب سيّما الأول بل مع الثاني أولى و أحوط.

و غير الأخرس العاجز عن التلفظ بخصوص هذا اللفظ- و إن قدر على غيره- يتعلّمه ما أمكن إجماعا، لتوقف الواجب عليه.

و مع تعذّر التعلّم فالمشهور- بل المدّعى عليه إجماع علمائنا «4»- أنه يتلفظ بترجمته بلغته، أو مطلقا مع المعرفة بها. و لا يتعيّن عند الأكثر [1] السريانيّة و العبرانيّة، و لا الفارسيّة بعدهما- و إن قيل بتعيّن الثلاثة مرتبا بينها «5»- لعدم وضوح مستنده.

______________________________

[1] منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 455، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 256، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 267، و صاحب الرياض 1: 154.

______________________________

(1) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 17، التهذيب 5: 93- 305، الوسائل 12: 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.

(2) كما في الرياض 1: 154.

(3) المدارك 3: 321.

(4) انظر: مجمع الفائدة 2: 195، و المدارك 3: 320، و الرياض 1: 154.

(5) نقله في مفتاح الكرامة 2: 338 عن الموجز الحاوي و كشف الالتباس و المقاصد العلية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 23

و استدل لأصل الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينية.

و إبراز المعاني بالألفاظ المعروفة، و بتعذّر تلك الألفاظ يجب إبراز المعاني بما أمكن، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

و

يردّ الأول: بحصول البراءة اليقينية عمّا قطع بالاشتغال به، و أصالة عدم الاشتغال بغيره.

و الثاني: بعدم الدلالة، مع احتمال كون الواجب هو التلفظ بهذا اللفظ خاصة من غير التفات إلى المعنى و إن كان بعيدا، و لذا احتمل بعض المتأخرين.

سقوط التكبيرة حينئذ «1». و هو حسن لو لا الإجماع على خلافه، و لا شك أن متابعة المشهور أحوط.

و الظاهر أن الاكتفاء بالترجمة إنما هو مع ضيق الوقت إلّا إذا قطع بعدم إمكان التعلّم مع السعة فيجوز فيها أيضا، و لعلّه مراد من خصّه بالضيق مطلقا بناء على تعارف حصول المعرفة بالسعي.

و في وجوب التلفظ بالمرادف العربي لو أمكن و الاكتفاء في الترجمة بما يتعذر تعلمه- لو علم البعض- احتمال.

المسألة الثالثة [المصلي مخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبع ]

المشهور- كما نصّ عليه جماعة [1]، بل بلا خلاف بين أصحابنا كما صرّح به بعضهم [2]، بل به قال أصحابنا كما في المنتهى «2» مؤذنا بالإجماع عليه، بل بالإجماع كما عن ظاهر الذكرى «3»- أن المصلي مخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبع التي يستحب التوجه بها، لإطلاق النصوص

______________________________

[1] منهم صاحب الحدائق 8: 21.

[2] منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 127، و المجلسي في البحار 81: 357.

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 320.

(2) المنتهى 1: 268.

(3) الذكرى: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 24

باستحباب السبع من دون تصريح بتعيين تكبيرة الإحرام منها «1»، مع أنّها واحدة منها إجماعا، و لأن تكبيرة الإحرام ليست بخارجة منها إجماعا، و لا مجموعها كذلك، و لا واحدة معيّنة منها، لأصالة عدم التعيين، و لبطلان الترجيح من غير مرجّح، فيكون واحدا لا بعينه.

و صرّح بعض مشايخنا المحدّثين بتعيين الاولى منها لها «2»، و هو ظاهر الوافي «3»، و المنقول عن

البهائي في بعض حواشيه، و السيد نعمة اللَّه الجزائري «4»، لصحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثمَّ ابسطها بسطا، ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات» إلى أن قال: «ثمَّ تكبّر تكبيرتين» الحديث «5».

فإنّ الافتتاح لا يطلق حقيقة إلّا على تكبيرة الإحرام، و ما يقع قبلها ليس من الافتتاح في شي ء و إن سمّي ما عداه تكبيرات الافتتاح بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح.

و صحيحة زرارة، الواردة في علّة استحباب السبع بإبطاء الحسين عليه السلام عن الكلام، و فيها: «فافتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الصلاة فكبر الحسين، فلمّا سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تكبيره أعاد، فكبّر الحسين عليه السلام، حتى كبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله سبع تكبيرات و كبّر الحسين عليه السلام، فجرت السنّة بذلك» «6».

فإنها تدل على أنّ التكبير الأول هو تكبيرة الإحرام، لإطلاق الافتتاح

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 20 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7.

(2) كما في الحدائق 8: 21.

(3) الوافي 8: 638.

(4) نقله عنهما صاحب الحدائق 8: 21.

(5) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67- 244، الوسائل 6: 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(6) الفقيه 1: 199- 918، علل الشرائع: 332- 2، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 25

عليها، و كون العود إلى البواقي لتمرين الحسين عليه السلام.

و صحيحته الأخرى، الآمرة بإعادة الصلاة بنسيان أوّل تكبيرة من الافتتاح «1»، و لو لا أنه تكبيرة الإحرام لما تعاد الصلاة بنسيانه.

و الثالثة، الواردة في صلاة الخوف، و فيها: «و لكن يستقبل بأول تكبيرة حين يتوجّه» «2».

و يردّ الأوّلان: بمنع كون الافتتاح

حقيقة في تكبيرة الإحرام، بل يطلق على الجميع، و على خصوص تكبيرة الإحرام مجازا.

و قد أطلق على الجميع كثيرا، كما ورد في بعض الأخبار أنه: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا» «3».

و في بعض الصحاح: الافتتاح؟ قال: «تكبيرة تجزيك» قلت: فالسبع؟

قال: «ذلك الفضل» «4».

و في آخر: «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كلّه» «5».

و في الموثق: «استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» «6».

و يكون إطلاق الافتتاح على الاولى باعتبار كونها افتتاحا لمطلوبات الصلاة

______________________________

(1) التهذيب 2: 145- 567، الاستبصار 1: 352- 1331، الوسائل 6: 14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.

(2) الفقيه 1: 295- 1348، التهذيب 3: 173- 383، الوسائل 8: 441 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 8.

(3) التهذيب 2: 66- 239، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

(4) التهذيب 2: 66- 241، علل الشرائع: 332- 3، الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 2.

(5) التهذيب 2: 66- 242، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.

(6) التهذيب 2: 287- 1152، الخصال: 347- 17، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 26

التي منها التكبيرات و دعواتها، و على الأخيرة باعتبار كونها افتتاحا لواجباتها.

و الثالثة: بأنها إنما تفيد لو كان المعنى: ينسى أول التكبيرات من تكبيرات الافتتاح، و لكن يمكن أن يكون المعنى: ينسى أول تكبيرة من التكبيرات الداخلة في الصلاة، و هي التي من الافتتاح أي بعضه حيث إنه يحصل به و بالنية، أو التي لأجله حتى تكون

لفظة: «من» بمعنى اللام، أو المسببة عن الافتتاح حتى تكون سببيّة.

و الرابعة: بمنع الدلالة، إذ لا يثبت منها إلّا رجحان الاستقبال، و هو ثابت في غير تكبيرة الإحرام أيضا.

مضافا إلى ما في الاولى من أن المراد بقوله فيها: «افتتحت» ليس بالتكبيرة قطعا، للأمر بسبع تكبيرات بعده متراخيا، فمعناه: أردت الافتتاح، فلا يفيد شيئا.

و في الثانية أنّ افتتاحه صلّى اللَّه عليه و آله بالأولى لا ينافي التخيير، و ليس المراد بجريان السنّة بذلك جريانها بجعل الاولى افتتاحا بل بالسبع، و أيضا المستفاد منها أنّ السبع لم تكن مشروعة بعد فكانت الاولى افتتاحا قطعا و تكون خارجة عن المقام. و الاستصحاب- كما قيل «1»- لا يفيد، إذ المشروع قبل ذلك كما كان أولا كان آخرا أيضا، للانحصار فيه. و استصحاب فعل النبي لا معنى له.

و مع ذلك كلّه يعارضها الرضوي: «و اعلم أن السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة الإحرام، و بها تحرم الصلاة» «2».

فإنها تدلّ على تعيّن الأخيرة للإحرام كما حكي عن ظاهر المراسم و الكافي و الغنية «3».

إلّا أنه- لضعفه- عن إثبات الحكم قاصر، و انجباره بعمل القوم غير

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) فقه الرضا (ع): 105 بتفاوت يسير.

(3) المراسم: 70، الكافي في الفقه: 122، الغنية (الجوامع الفقهية): 559.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 27

ظاهر، بل نقل الاشتهار على التخيير المنافي له متواتر «1»، نعم لثبوت التسامح في أدلّة الفضل لإثباته صالح.

فالقول بالتخيير لما مرّ، مع أفضلية جعلها الأخيرة كما عن المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الذكرى و الروضة و روض الجنان و شرح القواعد «2»، لأجل الرضوي، و للخروج عن خلاف من ذكر، أقوى.

المسألة الرابعة: يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة،

من الطهارة و الستر و القيام

و الاستقبال، فلا تجزي التكبيرة لو كبّر مع انتفاء واحد مما ذكر، لأن ذلك مقتضى الجزئيّة و الركنيّة الثابتتين بالإجماع و غيره.

مضافا في اشتراط القيام- الموجب لعدم الإجزاء و لو كبّر هاويا إلى الركوع- إلى الموثّقة: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يفتتح صلاته و يقوم، فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتدّ بافتتاحه و هو قاعد» «3».

و مفهوم الصحيحة: «إذا أدرك الإمام و هو راكع فكبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة» «4».

خلافا للمحكي عن المبسوط و روض الجنان فقالا: إن كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته «5».

و استدل له بأصالة عدم البطلان، و احتياجه إلى الدليل.

______________________________

(1) راجع ص 23.

(2) المبسوط 1: 104، الاقتصاد: 261، مصباح المتهجد: 33، الذكرى: 179، الروضة 1:

281، روض الجنان: 260، جامع المقاصد 2: 239.

(3) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 13 ح 1.

(4) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 6، التهذيب 3: 43- 152، الاستبصار 1: 435- 1679، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.

(5) المبسوط 1: 105، روض الجنان: 258 و 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 28

و يردّ بوجوده كما عرفت.

و قد يردّ بتوقيفيّة العبادة، و توقّف الصحة على الدلالة، و استصحاب عدم البراءة «1»، و فيه نظر.

المسألة الخامسة: يستحب للإمام الجهر بها إجماعا،

لصحيحة الحلبي:

«إذا كنت إماما يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها، و تسرّ ستّا» «2» و نحوها غيرها «3».

و لا يضرّ عدم تصريحها بتكبيرة الإحرام، لأن الإجماع على أنّ ما يجهر بها

من السبع هو تكبيرة الإحرام يجعلها صريحة فيها، مع أنّ الواحدة التي تجزي ليست إلّا هي.

و عموم موثقة أبي بصير: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و للمأموم أن لا يسمع الإمام شيئا ممّا يقول» «4» خرج منه ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

و يستفاد من الأخيرة ما صرّح به بل بعدم الخلاف فيه- الذي هو أيضا حجة مستقلة فيه لتحمّل المقام للمسامحة- جماعة منهم المنتهى «5»، من استحباب إسماع الإمام جميع المأمومين إيّاها.

و هو كذلك، لذلك. إلّا أنه يجب استثناء من يفتقر من المأمومين إسماعه إلى العلوّ المفرط، لما دلّ على المنع منه في الصلاة «6».

______________________________

(1) انظر: كشف اللثام 1: 214، و الرياض 1: 155.

(2) التهذيب 2: 287- 1151، الخصال: 347- 18، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1 و 3.

(3) انظر: الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12.

(4) التهذيب 3: 49- 170، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(5) المنتهى 1: 269.

(6) انظر: الوسائل 6: 96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 29

و كذلك يستفاد منها حكم آخر صرّح به الأكثر [1]، و هو استحباب الإسرار بها للمأموم.

و أما غيرهما فيتخير، لإطلاق النصوص، و أصالة البراءة عن أحد الأمرين.

خلافا للمحكي عن الجعفي، فأطلق استحباب رفع الصوت بها «1».

و لا مستند واضحا له عدا إطلاق بعض النصوص بأنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان يكبّر واحدة يجهر بها و يسرّ ستّا «2».

و لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه، فيحتمل وقوعه جماعة كما هو الغالب في صلاته.

المسألة السادسة: و يرفع المصلّي بها يديه إجماعا محقّقا و منقولا «3»،

له، و للمستفيضة من الصحاح و غيرها.

فمن الأولى صحيحة ابن عمّار:

رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا «4».

و الجمّال: رأيت أبا عبد اللَّه إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه «5».

و ابن سنان: يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح «6».

و حمّاد: ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه «7».

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 3: 324، و صاحب الحدائق 8: 36، و صاحب الرياض 1: 155.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 179.

(2) الخصال: 347- 16، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 2.

(3) كما في الخلاف 1: 319، و المعتبر 2: 156.

(4) التهذيب 2: 65- 234، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 2: 65- 235، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 1.

(6) التهذيب 2: 66- 236، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 3.

(7) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 30

و من الثانية مرسلة الفقيه، و فيها: «و ارفع يديك بالتكبير إلى نحرك، و لا تجاوز بكفيك أذنيك حيال خدّيك، ثمَّ ابسطهما بسطا و كبّر ثلاث تكبيرات- إلى أن قال-: ثمَّ كبّر تكبيرتين في ترسّل ترفع بهما يديك» الحديث «1».

و حسنتا زرارة، إحداهما: «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك و لا ترفعهما كلّ ذلك» «2».

و الأخرى: «إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك، و لا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خدّيك» «3».

و رواية ابن حازم: رأيت أبا عبد اللَّه افتتح الصلاة، فرفع يديه حيال وجهه

و استقبل القبلة ببطن كفيه «4».

و الرضوي: «فإذا افتتحت الصلاة فكبّر و ارفع يديك بحذاء أذنيك، و لا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك» «5».

استحبابا بالإجماع المصرّح به في أمالي الصدوق و المنتهى و شرح القواعد «6»، بل في كلام جماعة كما قيل «7»، و صريح الأخير أنه إجماع المسلمين.

لا لأجل معارضة الدالّ على الوجوب من الأخبار مع صحيحة علي: «على الإمام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» «8» حيث إنها تدلّ على نفي الوجوب على غير الإمام المستلزم لنفيه مطلقا بالإجماع المركّب.

______________________________

(1) الفقيه 1: 197- 917.

(2) الكافي 3: 309 الصلاة ب 20 ح 1، الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 1.

(3) الكافي 3: 309 الصلاة ب 20 ح 2، الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 2: 66- 240، الوسائل 6: 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.

(5) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(6) أمالي الصدوق: 511، المنتهى 1: 269، جامع المقاصد 1: 240.

(7) انظر: الرياض 1: 155.

(8) التهذيب 2: 287- 1153، قرب الاسناد: 208- 808، الوسائل 6: 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 31

لدلالتها على الوجوب على الإمام المستلزم لوجوبه مطلقا أيضا بما ذكر.

و القول «1» بأنها نصّ في رفع الوجوب على غير الإمام، و ظاهر في وجوبه عليه لجواز إرادة شدة الاستحباب منه، و صرف الظاهر إلى النصّ لازم حيث لا يمكن الجمع بينها بإبقاء كلّ منهما على حاله هنا للإجماع المركب.

مردود بمنع النصوصية في الأول، لجواز إرادة خفّة الوجوب منه، فإنّ

للوجوب مراتب كالاستحباب.

بل «2» لضعف الدال على الوجوب منها بشذوذ القول به جدّا كما في الجميع، أو بعدم ثبوت الحجية كما في الرضوي، مع القصور عن إفادة الوجوب دلالة أيضا باعتبار عدم اشتمال الحجّة منها غير المرسلة و إحدى الحسنتين على الأمر المفيد للوجوب، و هما و إن اشتملتا عليه إلّا أنّ إطلاقهما بالنسبة إلى جميع التكبيرات السبع- بل تصريح الاولى بها- و عدم القول بوجوب الرفع في غير واحدة منها، يوجب دوران الأمر بين حمل الأمر على الاستحباب أو تقييد التكبير بالإحرام، و لا ترجيح بينهما عندنا، مع أنّ الأول في الأولى- لما قلنا- متعيّن، مضافا إلى مفهوم الحصر في الرضوي الآتي في تكبيرة الركوع «3».

خلافا للانتصار فأوجبه «4».

لادّعائه الإجماع عليه الذي هو في نفسه عندنا ليس بحجّة، سيما مع معارضته مع الإجماعات العديدة و مخالفته لفتوى معظم الطائفة.

و لظاهر بعض الأخبار المتقدّمة بجوابه.

و لقوله سبحانه فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «5» بملاحظة الأخبار المفسّرة للنحر

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 155.

(2) عطف على قوله: لا لأجل معارضة ..

(3) لعلّ مراده (ره) رواية علل الفضل المنقولة عن الرضا عليه السلام، انظر ص 216.

(4) الانتصار: 44.

(5) الكوثر: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 32

فيها برفع اليدين بالتكبير في الصلاة «1».

و يجاب عنه- مع خلوّ الحجّة من تلك الأخبار عن التفسير بالرفع في الصلاة- بمعارضتها مع ما يفسّره بغير ذلك، و هو مرسلة حريز: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: «النحر هو الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه و نحره» «2».

و إمكان تفسير الآية بالأمرين- كما قيل «3»- لكون القرآن دلولا ذا وجوه فلا تعارض، كلام خال عن التحصيل، لأن المراد أنّه يمكن حمله على معان كثيرة،

لا أن يستدل بالجميع.

إلى «4» أن يصل أسفل الوجه قليلا، كما في الصحيحة الاولى، و هو الموافق للنحر المصرّح به في المرسلة، فيتحد ذلك مع قول من ندب الإيصال إلى المنحر «5»، بل و كذا المنكب «6»، لأنهما أسفل الوجه.

أو يصل حيال الوجه، لأكثر الروايات المتقدّمة، و هو شحمتا الأذنين المذكورة في بعض الروايات «7»، المصرّح بها في طائفة من العبارات كما هو المعلوم و تدل عليه الحسنة الأخيرة أيضا من حيث التفسير بقوله «أي حيال خدّيك».

مخيرا بين الغايتين و إن كان الأولى بل الأقوى تعيين الأخيرة، لكون رواياتها أخص من مفهوم الغاية في رواية المنحر الدال على عدم الرفع زائدا عليه، سواء بلغ إلى الحدّ أو تجاوز عنه، فيحمل الأخيرة على الاولى، و هو منتهى الرفع اتفاقا نصّا و فتوى، فيكره ما زاد عليه كما صرّح به في طائفة من الأخبار «8».

______________________________

(1) انظر: مجمع البيان 5: 550.

(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 3.

(3) انظر: الحدائق 8: 45.

(4) تحديد لرفع اليد.

(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في الذكرى: 179.

(6) الصدوق في الفقيه 1: 198.

(7) انظر: الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 و ص 31 ب 10.

(8) انظر: الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 33

مضمومتي الأصابع كلّها، كما عليه الأكثر، و منهم الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «1».

أو ما عدا الإبهام، كما في السرائر «2»، و عن الإسكافي و السيّد و المفيد و القاضي «3».

أو ما عدا الخنصر.

و يدل على الأول ما في صحيحة حمّاد في وصف صلاة الصادق عليه السلام حيث

قال: فقام مستقبل القبلة منتصبا، فأرسل يديه على فخذيه قد ضمّ أصابعه «4» باستصحاب تلك الحالة إلى الرفع.

و على الثاني ما في الذكرى «5» من أنه منصوص، و مثله كاف في المقام.

و على الثالث ما في البحار عن كتاب زيد النرسي، عن أبي الحسن الأول:

أنه رآه يصلّي، فكان إذا كبّر في الصلاة ألزق أصابع يديه، الإبهام و السبابة و الوسطى و التي تليها، و فرّج بينها و بين الخنصر «6».

و يردّ الأول باندفاع الاستصحاب بما للثاني ذكر.

و الآخر بأنه مخالف للإجماع لاتفاقهم على استحباب ضمّ الخنصر، فبقي الثاني و هو الأقوى.

مستقبلا للقبلة بباطن كفّيه، لخبر منصور المذكور «7».

______________________________

(1) الخلاف 1: 321.

(2) السرائر 1: 216.

(3) نقله عن الإسكافي و السيد في المعتبر 2: 156، المفيد في المقنعة: 103، القاضي في المهذب 1:

92.

(4) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(5) الذكرى: 179.

(6) البحار 81: 225- 12.

(7) في ص 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 34

مبتدئا بالرفع بابتداء التكبير، منتهيا له بانتهائه على المشهور، بل في المعتبر و المنتهى «1» الإجماع عليه، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى أنه مقتضى الرفع حين الافتتاح كما في الصحيحين الأول و الثالث «2»، إذ لو تقدّم أحدهما على الآخر لم يتّحدا في الحين. بل هو مقتضى الصحيح الثاني «3» الدال على كون الرفع وقت التكبير، و الحسن الأول «4» المصرّح بالرفع في الافتتاح، و المرسلة «5» المصرّحة بالرفع بالتكبير.

و لا ينافيه الحسن الآخر و الرواية المتعقبة له «6» الظاهران في كون الرفع بعد التكبير، لوجوب جعل الفاء فيهما بمعنى الواو كما في الرضوي «7»، للإجماع على

خلافه، مع كون ما ذكرنا صالحا للقرينة له.

نعم ظاهر المرسل المنافاة، لاقتضائه- لمكان ثمَّ- لكون التكبير بعد الرفع قبل الإرسال، كما هو القول الثاني في المسألة «8»، أو مقارنا له كما هو القول الآخر «9».

و يدفعها وجوب إخراج لفظة: «ثمَّ» عن معناها الحقيقي الذي هو التعقيب المقيّد بالمهلة بالإجماع، لعدم استحباب الإمهال، سيّما إمهال بعد إمهال. و مجازها كما يمكن أن يكون التعقيب المطلق يمكن أن يكون المعيّة ليكون بمعنى لفظة الواو، فلا يعلم المنافاة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 200، المنتهى 1: 285.

(2) المتقدمين في ص 29.

(3) المتقدم في ص 29.

(4) المتقدم في ص 30.

(5) المتقدمة في ص 30.

(6) المتقدمان في ص 30.

(7) المتقدم في ص 30.

(8) نسبه في التذكرة 1: 113 إلى ظاهر الشافعي.

(9) حكاه عن البعض في نهاية الإحكام 1: 457، التذكرة 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 35

ثمَّ إنّ ظاهر بعض الأخبار- سيّما الواردة في رفع اليد للركوع و السجود «1»- كون رفع اليدين بنفسه مستحبا غير موقوف على التكبير، كما صرّح به بعض الأصحاب أيضا «2».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2.

(2) كصاحب الحدائق 8: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 36

البحث الثالث في القيام
اشارة

و هو واجب في الفرائض حال تكبيرة الإحرام و القراءة و قبل الركوع و بعده، إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدين- إلّا فيما مرّ فيه الخلاف في التكبيرة «1»- و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى الروايات المتكثّرة التي منها الصحيحة الواردة في صلاة الصادق عليه السلام في مقام تعليم حمّاد، المشتملة على القيام في جميع تلك الحالات، المتضمّنة لقوله: «يا حمّاد هكذا صلّ» «2» الموجب لوجوب كل ما اشتمل عليه، إلّا ما قام الدليل على استحبابه.

و

العامي المنجبر و هو قوله عليه السلام لرافع: «صلّ قائما» «3» الموجب له في غير ما أخرجه الدليل من أجزاء الصلاة.

و صحيحة جميل: ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟- إلى أن قال-: «إذا قوي فليقم» «4» و التقريب ما مرّ.

و الاستدلال بقوله سبحانه وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «5» بملاحظة انتفاء الوجوب المدلول عليه بالأمر في غير الصلاة ضرورة. و قوله تعالى:

______________________________

(1) راجع ص 27.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) مسند أحمد 4: 426.

(4) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 3، التهذيب 2: 169- 673، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 3.

(5) البقرة: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 37

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً «1» بملاحظة ما ورد في تفسيره كحسنة أبي حمزة في هذه الآية، قال: «الصحيح يصلّي قائما، و قعودا: المريض يصلّي جالسا» الحديث «2».

و قريب منها غيرها «3». و بما ورد في الصحاح من قوله: «من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «4».

غير جيّد، لعدم أولويّة تخصيص القنوت في الأول بالصلاة عن حمل الأمر على الاستحباب، و عدم دلالة الثاني على الوجوب و على تعيين القيام أيضا، و الثالث على القيام فإنّ إقامة الصلب أعمّ منه لتحققها مع الجلوس أيضا إذا لم ينحن فيه، و لذا أمر في صحيحة زرارة «5» بها حين الركوع أيضا، مع أنهما على فرض الدلالة لا تفيدان إلّا في الجملة، فتأمّل «6».

و الأصل فيه الركنيّة مطلقا، لما مرّ في التكبيرة، خرج منه المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصه

بالدليل الخارجي.

و قيل بركنيته في الجملة «7». و قيل: في حال التكبيرة و المتصل بالركوع «8».

و قيل: تابع لما وقع فيه «9»، ينقسم بانقسامه في الركنية و الوجوب و الاستحباب «10».

و مئال الكل واحد، فلا تترتب على ما ذكرنا من الأصل ثمرة، لاتفاقهم على

______________________________

(1) آل عمران: 191.

(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176- 396، الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.

(3) انظر: الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1.

(4) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 4، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 2.

(5) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(6) إشارة إلى إمكان استنباط الأصل منهما. منه رحمه اللَّه تعالى.

(7) كما في الحدائق 8: 60.

(8) كما في المفاتيح 1: 120، و الرياض 1: 156.

(9) كما في جامع المقاصد 2: 199، و المدارك: 326، و كفاية الأحكام: 18.

(10) اتصافه بالاستحباب انما هو في حال القنوت، و القول بأنه متصل بالقراءة فهو في الحقيقة قيام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 38

البطلان بتركه عمدا في جميع ما ذكر، و سهوا في حال التكبيرة و قبل الركوع، و بزيادته عمدا في غير موضعه، و على عدم البطلان بنقصانه في القراءة و أبعاضها نسيانا، و بزيادته في غير المحل سهوا.

و منه يظهر تخلف مقتضى الأصل في غير حال التكبيرة و القيام المتّصل بالركوع، و بقاؤه و الحكم بالركنية في الحالين، و ثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.

و القول بأن تركه في الحالة الأخيرة مقترن بترك الركوع و معه يستغنى عن القيام، لأنّ

ترك الركوع مستقل في الإبطال.

باطل، لمنع قوله: مقترن بترك الركوع، إذ لا تلازم بين ترك القيام قبل الركوع و تركه، للتخلف فيما لو أتى به عن جلوس، لأنه ركوع حقيقة و عرفا، و لا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلّا ترك القيام. إلّا أن يمنع كون الإتيان بالركوع عن الجلوس ركوعا حقيقة كما هو الظاهر، فإنّ الظاهر اعتبار الانحناء عن القيام فيه كما يأتي.

و أما النيّة فلعدم ثبوت جزئيتها للصلاة فلا يعلم وجوب القيام فيها، مع أن النيّة هي الحكمية الواجب تحققها مع التكبيرة الواجب معها القيام قطعا فلا ثمرة في الكلام في قيام النيّة.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: حدّ القيام الواجب ما يصدق عليه القيام عرفا،

لأنه المرجع في تعيين المعاني.

______________________________

واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب و بعضه بالاستحباب باطل، لأنه أمر ممتدّ يقبل الانقسام، و قد يقال: ان القيام المتصل بالركوع مع ما للقراءة أمر واحد، و هو باطل لإمكان التخلف كما في ناسي القراءة و الجالس بها سهوا أو الساكت بعدها، مع أنه فرق بين الكلي و جزئيّة كالوقوف بعرفة فإنه ركن و استيعابه واجب. منه رحمه اللَّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 39

و هو يتحقق بانتصاب فقار الظّهر عرفا المتحد مع إقامة الصلب كذلك أيضا، لشهادة العرف، و للأمر بالانتصاب في مرسلة الفقيه بقوله: «و قم منتصبا» «1» و الرضوي المنجبر: «و انصب نفسك» «2». و المروي في قرب الإسناد الآتي في بحث طمأنينة الركوع «3».

و لنفي الصلاة عمّن لا يقيم صلبه في المعتبرة.

و لصحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللَّه أكبر، ثمَّ اركع» «4». و لا قائل بالفصل في حالات القيام.

و لانتصاب الصادق عليه السلام كما في صحيحة حمّاد «5» و أمره بالصلاة هكذا.

و إن كان في دلالة

الأخيرين نظر، لعدم وجوب القول في الأول، و اشتمال الثاني على غير الواجب الموجب للتجوّز إمّا في قوله: «هكذا» أو في «صلّ».

و إذا ظهر وجوب الانتصاب فلا يجوز الانحناء و لو لم يصل حدّ الركوع، و لا الميل إلى أحد الجانبين، إلّا إذا كان قليلا جدّا بحيث لا ينافي صدق الانتصاب بإقامة الصلب في العرف.

و أما إطراق الرأس فهو غير مناف له و لا لصدق القيام، فهو ليس بمخلّ و إن كان الأولى تركه، لفتوى جماعة «6» بأولويّته، مضافا إلى تفسير قوله سبحانه:

______________________________

(1) الفقيه 1: 197- 917 عن الصادق عليه السلام، و رواه في موضع آخر (ص 180- 856) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، و في الوسائل 5: 488 أبواب القيام ب 2 ح 1.

(2) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(3) انظر: ص 199.

(4) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 36.

(6) منهم صاحب المدارك 3: 328، و صاحب الحدائق 8: 65، و صاحب الرياض 1: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 40

وَ انْحَرْ «1» بإقامة الصلب و النحر في الخبر «2»، و إن لم تخل دلالته عن نظر.

و عن الحلبي «3»: استحباب إرسال الذقن إلى الصدر المستلزم للإطراق، و لعلّه لكونه أقرب إلى الخضوع المأمور به، و لا بأس به.

المسألة الثانية [لا يجوز الاعتماد على شي ء بحيث لو رفع السناد لسقط]

الأشهر- بل عليه عامة من تأخر عدا من ندر كما قيل «4»، بل عن المختلف «5» الإجماع عليه- وجوب الاستقلال مع الاختيار، بمعنى عدم الاعتماد على شي ء بحيث لو رفع السناد لسقط.

للتأسّي.

و الإجماع المنقول.

و توقف

القطع بالبراءة عليه.

و قوله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «6».

و صحيحة ابن سنان: «لا تستند بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار إلّا أن تكون مريضا» «7».

و مفهوم المروي في دعوات الراوندي: «فإن لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة و ليصلّ قائما» «8».

______________________________

(1) الكوثر: 2.

(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 3.

(3) الكافي في الفقه: 142.

(4) انظر: الرياض 1: 156.

(5) المختلف: 100.

(6) عوالي اللئالي 1: 197- 8، صحيح البخاري 1: 162، سنن الدارقطني 1: 273.

(7) التهذيب 3: 176- 394، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 2، و فيهما: لا تمسك بخمرك. و الخمر بالخاء المعجمة و الميم المفتوحتين: ما واراك من شجر. منه رحمه اللَّه تعالى.

(8) دعوات الراوندي: 213- 576، المستدرك 4: 117 أبواب القيام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 41

و المرويّ في قرب الإسناد: عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط، فقال: «لا» «1».

و صحيحة حمّاد الواردة في تعليمه.

مضافا إلى أن المتبادر من القيام المأمور به إنما هو الخالي عن السناد، كما صرّح به المحقّق الثاني حيث قال: إنّ المتبادر من أوامر القيام وجوب قيام المصلّي بنفسه، و لا يعدّ المعتمد على شي ء قائما بنفسه «2». و هو الظاهر من المنتهى «3»، و غيره «4».

و لذا ترى أنّ راكب الخيل المعتمد على السرج مع انتصاب فقار الظّهر لا يقال: إنه قائم، مع وجود جميع صفات القائم فيه سوى الاعتماد على الرجلين، و كذا من تعلّق بشي ء و لم يعتمد على رجليه و إن كانتا على الأرض،

فهو حقيقة فيه مجاز في غيره، كما هو الظاهر من فخر المحقّقين حيث قال: و القيام:

الاستقلال «5».

خلافا للمحكي عن الحلبي «6»، و قوّاه جماعة من متأخري المتأخرين منهم شيخنا صاحب الحدائق «7» فقالوا بجواز الاستناد و لو مع الاعتماد مع كراهته، للأصل، و لصحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علّة؟ فقال: «لا بأس» و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض ليستعين به على القيام من غير ضعف و لا

______________________________

(1) قرب الإسناد: 171- 626، الوسائل 5: 487 أبواب القيام ب 1 ح 20.

(2) جامع المقاصد 2: 203.

(3) المنتهى 1: 265.

(4) كالمختلف: 100.

(5) إيضاح الفوائد 1: 99.

(6) الكافي في الفقه: 125.

(7) الحدائق 8: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 42

علّة؟ فقال: «لا بأس» «1».

و موثقة ابن بكير: عن الرجل يصلّي متوكئا على عصا أو على حائط، فقال:

«لا بأس أن يتوكأ على عصا أو على حائط» «2».

و رواية ابن يسار: عن الاتكاء في الصلاة على الحائط يمينا و شمالا، فقال:

«لا بأس» «3».

و الاتكاء إنما يطلق حقيقة على ما فيه اعتماد، كما صرّح به أهل اللغة «4».

و أجيب عنها بأنها أعمّ مطلقا من أدلّة الأول باعتبار اختصاص أدلّته بالفرض- بالإجماع- و بالاستناد الموجب للسقوط برفع السناد كذلك، و عموم هذه بالاعتبارين، مع اختصاص الأول بغير المريض أيضا إجماعا و عموم أكثر الثاني بل غير ذيل الصحيحة بالنسبة إليه، و أمّا صدرها فلعدم معلومية رجوع القيد إلى غير الجملة الأخيرة يكون قوله: «من غير مرض

و لا علّة» قيدا لوضع اليد دون الاستناد، فيجب تخصيصها بها.

مضافا إلى أنّ هذه الأخبار لشذوذها، كما يستفاد من كلام فخر المحققين «5»، و الصيمري «6»، و غيرهما «7»، بل من كلام الأكثر- حيث لم يسندوا الخلاف إلّا إلى الحلبي القائل بالكراهة، مع احتمال إرادته الحرمة منها كما هي شائعة في كلام القدماء- مضافا إلى ضعف سند بعضها، ليست بحجّة.

و على فرض الحجية و التعارض فالترجيح مع أخبار الأول، لموافقة الشهرة

______________________________

(1) الفقيه 1: 237- 1045، التهذيب 2: 326- 1339، قرب الإسناد: 204- 792، الوسائل 5: 499 أبواب القيام ب 10 ح 1، مسائل علي بن جعفر: 235- 547.

(2) التهذيب 2: 327- 1341، قرب الإسناد: 171- 626، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 2: 327- 1340، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 3.

(4) مجمع البحرين 1: 454، معجم مقاييس اللغة 6: 137، لسان العرب 1: 200.

(5) إيضاح الفوائد 1: 99.

(6) نقله عنه في الرياض 1: 156.

(7) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 43

و الكتاب و السنّة النبويّة، و مخالفة العامّة كما صرّح به فخر المحقّقين، و الكل من المرجّحات المنصوصة.

هذا مع أن نفي البأس في تلك الأخبار عن الاستناد يقتضي نفي الكراهة التي هي أيضا نوع بأس، و لا يقول به المجوّز، و هو أيضا وجه آخر لضعف تلك الأخبار و عدم حجيتها.

و يردّ هذا الجواب:

أولا: بأنّ تماميته إنما هي على فرض تمامية أدلة القول الأول، و هي ممنوعة.

لما في الأول من منع وجوب التأسي.

و في الثاني من عدم حجية الإجماع المنقول.

و في الثالث من حصول القطع بالبراءة بحصول القيام المأمور به، و هو

يحصل مع عدم الاستقلال أيضا كما يأتي، و الأصل عدم وجوب الزائد.

و في الرابع من عدم معلومية كيفية صلاته صلّى اللَّه عليه و آله، فلعلّه كان مستندا على شي ء.

و في الخامس من احتمال كون قوله: «لا تستند» نفيا فلا يفيد التحريم، و دعوى ظهوره فيه ممنوعة، مع أنه لو سلّم لأوجب تخصيص الصلاة بالفريضة و هو ليس بأولى من التجوّز في الظهور المذكور.

و منه يظهر ما في السادس و السابع.

و في الثامن مما مرّ في المسألة الاولى.

و في التاسع من منع التبادر المذكور، لعدم صحة سلب القائم عمّن كان منتصبا و إن كان معتمدا على شي ء، و لذا لا يقال لمن قام معتمدا على عصاه: إنه ليس بقائم، و كذا من اعتمد منتصبا على جدار.

و أما راكب الخيل فعدم صدق القائم عليه لوضع مقعده على السرج، و لا شك في أن صدق القيام يتوقف على عدم وضع المقعد على شي ء، مع أنّ صريح المروي في الدعوات المتقدّم إطلاق القائم على المعتمد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 44

و ثانيا: بأنّ عموم أدلّة الثاني باعتبار الاستناد و الاتكاء ممنوع، بل المتبادر منهما هو الذي يسقط مع رفع السناد.

و شذوذها المخرج إيّاها عن الحجية غير معلوم، كيف؟! و لم يتعرض للاستقلال في كثير من كتب القدماء منها نهاية الشيخ و سرائر الحلّي.

و موافقة الشهرة ليست من المرجحات المعتبرة.

و مطابقة الكتاب ممنوعة، لعدم دلالته على القيام فضلا عن الاستقلال.

و مخالفة العامة غير ثابتة، إذ لم يثبت جواز الاعتماد منهم، و لم يصرّح فخر المحققين به و إنما حمل روايات الجواز على التقية، فلعلّه لما ورد من أن إيقاع الاختلاف بين الشيعة من باب التقية.

و البأس هو الشدّة و

العذاب كما صرّح به أهل اللغة «1»، فنفيه لا ينفي إلّا الحرمة.

و ممّا ذكر ظهر قوّة القول الثاني، و لكن الاحتياط في الأول، و هو طريق النجاة و مطلوب في كلّ الحالات سيّما في الواجب من الصلاة.

و على أيّ حال فالظاهر جواز الاستناد و الاعتماد على شي ء في حال النهوض ليستعين به عليه، كما صرّح به بعض مشايخنا «2»، و دلّ عليه الأصل و صحيحة علي.

و حكي عن بعضهم عدمه «3»، و لا دليل له.

المسألة الثالثة [يجب الاعتماد حال القيام على الرجلين ]

قد صرّح جمع من الأصحاب- منهم: المحقّق الثاني في شرح القواعد و الجعفرية و الشهيد في الدروس و صاحب المدارك «4»- بوجوب الاعتماد

______________________________

(1) انظر: مجمع البحرين 4: 50، و لسان العرب 6: 6.

(2) كصاحب الحدائق 8: 66.

(3) كما في جامع المقاصد 1: 203.

(4) جامع المقاصد 2: 202، الدروس 1: 169، المدارك 3: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 45

حال القيام على الرجلين، و نسبه في البحار إلى المشهور «1».

لتوقف القطع بالبراءة عليه، و التأسي بصاحب الشرع، و عدم الاستقرار الواجب بدونه، و كونه متبادرا من القيام، و الرضوي: «و لا نتّكئ مرّة على رجلك و مرّة على الأخرى» «2».

و يردّ الأول بحصوله بأصالة عدم الوجوب، و الثاني بمنع الوجوب و عدم الثبوت من صاحب الشرع، و الثالث و الرابع بالمنع، و الخامس بالضعف و المعارضة مع ما يأتي.

خلافا للمحكي عن النفليّة و الذكرى «3»، و صرّح به بعض مشايخنا المحدّثين «4». بل هو ظاهر الأكثر، و منهم الفاضلان حيث لم يتعرّضا له بوجه، بل هو ظاهر من لم يمنع الاعتماد في القيام، لأنه مناف للاعتماد على الرجلين.

و هو الأظهر، للأصل، و صحيحة أبي حمزة: رأيت عليّ بن الحسين عليهما

السلام في فناء الكعبة في الليل و هو يصلّي، فأطال القيام حتى جعل مرّة يتكئ على رجله اليمنى و مرّة على رجله اليسرى «5».

و هل يجوز رفع إحدى الرجلين؟.

صريح جماعة عدمه «6»، بل صرّح في الحدائق بأنه لا خلاف في بطلان الصلاة به، و باتفاق الأصحاب على وجوب القيام على الرجلين، و استدل له بوقوعه على خلاف الوجه المتلقّى من صاحب الشريعة أمرا و فعلا «7».

______________________________

(1) البحار 81: 342: المشهور وجوب الاعتماد على الرجلين. منه رحمه اللَّه تعالى.

(2) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 118 أبواب القيام ب 2 ح 1.

(3) النفلية: 20 و الذكرى: 182: استحباب عدم الاعتماد على الرجل الواحدة. منه رحمه اللَّه تعالى.

(4) كصاحب الحدائق 8: 63.

(5) الكافي 2: 579 الدعاء ب 60 ح 10، الوسائل 5: 490 أبواب القيام ب 3 ح 1.

(6) لم نعثر على من صرّح بذلك إلا صاحب الحدائق (ره)، نعم يمكن أن يستفاد من حكمهم بوجوب الاعتماد على الرجلين. راجع الهامش (4) ص 44.

(7) الحدائق 8: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 46

و يمكن أن يستدل له بالرضوي المتقدّم المنجبر بدعوى نفي الخلاف، بل عمل الأصحاب الخالي عن المعارض المعلوم في المقام، لعدم معلوميّة كون اتكاء السجّاد على ذلك النحو، و بأنه الفرد النادر من القيام الغير المنصرف إليه عند الإطلاق.

و أمّا ما في قرب الإسناد للحميري من أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي و هو قائم، فرفع إحدى رجليه حتى أنزل اللَّه تعالى طه ما أَنْزَلْنا إلى آخره «1»، الموجب لجوازه بالاستصحاب حيث إنه لم يدل على انتفاء الجواز بنزول الآية.

فلضعفه غير صالح للحجية، و مع ذلك معارض بما روي

أيضا في تفسير الآية المذكورة: «أنه صلّى اللَّه عليه و آله كان يقوم على أصابع رجليه في الصلاة حتى تورّمت قدماه فأنزل اللَّه تعالى: طه» إلى آخره «2».

و لأجل ذلك التعارض مع ضعف الرواية الثانية أيضا لا يمكن أن يستدل على جواز القيام على الأصابع بها أيضا، فهو أيضا غير جائز، لعدم انصراف القيام المطلق إليه، بل ينصرف إلى ما هو الشائع المعتاد من القيام على الرّجلين.

و لأجل ذلك الانصراف يحكم أيضا بعدم جواز تباعد الرّجلين فاحشا بحيث يخرج عن المعتاد، بل الظاهر كما صرّح به بعضهم «3» خروجه بذلك عن حدّ القيام، بل يمكن أن يستدل عليه أيضا ببعض الأخبار الدالة على أن غاية التباعد بينهما قدر شبر «4».

ثمَّ الظاهر أنّ غير الجائز من رفع إحدى الرّجلين أو القيام على الأصابع هو ما كان بقدر معتدّ به، فلو فعل واحدا منهما يسيرا في آن يسيرة لم يضرّ.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 171- 626، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 3 ح 4.

(2) انظر: تفسير القمي 2: 57، الوسائل 5: 490 أبواب القيام ب 3 ح 3.

(3) انظر: الحدائق 8: 65.

(4) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 47

ثمَّ لو تجاوز عن اليسير فهل تبطل به الصلاة أم ارتكب المحرّم خاصة؟.

مقتضى ما ذكرنا- من انصراف القيام الذي هو جزء الصلاة إلى غيره- البطلان، لعدم موافقته المأمور به.

و كذا لو ترك الاستقلال بناء على وجوبه لأجل كونه حقيقة القيام كما قيل «1»، و أما على وجوبه لا لأجل ذلك ففي البطلان به إشكال، لأصالة عدم جزئيته للصلاة بل يكون واجبا فيها، فتأمّل.

المسألة الرابعة: لو عجز عن الاستقلال- على القول بوجوبه- صلّى معتمدا

إجماعا، له، و لصحيحة ابن سنان «2» بضميمة

عدم الفصل بين أنواع العجز و استصحاب جواز الاعتماد له بعد رفع المرض و وجود الضعف، و لعمومات جواز الاستناد الخارج عنها صورة التمكن بالدليل.

و قد يستدل باستصحاب وجوب غير الاستقلال من هيئات القائم، و بنحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «3».

و هما يتمّان على تقدير عدم كون الاستقلال مأخوذا في معنى القيام و إلّا فلا، كما بيّنّا وجهه في كتاب عوائد الأيّام «4».

و لو عجز عن الانتصاب، أو الاعتماد على الرّجلين على وجوبه، أو عن القيام عليهما، أو تقاربهما، صلّى منحنيا مقدّما أقلّ الانحناء على الأكثر، معتمدا على رجل واحدة قائما عليها، مساعدا بينهما مقتصرا فيه على أقلّ ما يمكن، لظاهر الإجماع في الجميع، و إلّا فلا دليل تامّا غيره عليه بعد ما عرفت من كون هذه الأمور مأخوذة في معنى القيام المأمور به، نعم لولاه لدلّ عليه الاستصحاب،

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 99 و 156.

(2) التهذيب 3: 176- 394، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(4) عوائد الأيام: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 48

و نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور».

و لو تعارض بعض هذه الأمور مع بعض تخيّر على الأظهر، و قد يقدّم الانتصاب لقوله: «لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «1».

و فيه: أنه يعارض أدلة وجوب غيره الموجب لانتفاء الصلاة بانتفائه، فتأمل.

و لو عجز عن بعض هذه الأمور أو كلّها في بعض الحالات دون بعض أتى بها في حال المكنة إجماعا، له، و لما يأتي في القيام.

المسألة الخامسة: و لو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه،

بلا خلاف كما صرّح به جماعة «2»، لثبوت وجوب القيام في جميع مواقعه بالإجماع، و لما دلّ على وجوبه في كل موقع بخصوصه، و الأصل عدم

ارتباط بعضه و لا اشتراطه ببعض، فلا يسقط وجوبه في شي ء من مواقعه بسقوطه في بعض آخر.

و يدل عليه أيضا عموم صحيحة جميل: ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعدا؟ فقال: «إن الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم» «3».

و على هذا فيقوم عند التكبيرة و يستمرّ قائما إلى أن يعجز فيجلس.

و لو قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة و الركوع معا.

ففي أولويّة القيام قارئا ثمَّ الركوع جالسا كما عن نهاية الإحكام «4».

أو لزوم الجلوس ابتداء ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع حتى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    49     المسألة الخامسة: و لو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه، ..... ص : 48

____________________________________________________________

(1) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 4، التهذيب 2: 78- 290، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 261، و صاحب الحدائق 8: 66، و صاحب الرياض 1:

156.

(3) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 3، التهذيب 2: 169- 673، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 3.

(4) نهاية الإحكام 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 49

يركع من قيام، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و المهذّب و الوسيلة و الجامع «1»، مع احتمال إرادة تجدّد القدرة في الثلاثة الأخيرة.

وجهان، أوجههما الأول، لأنه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه فيجب، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا فيأتي بالممكن.

و للثاني: أنّ الركوع عن قيام- للركنية- أهم من إدراك القراءة قائما، و أنه ورد في النصوص: أنّ الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحتسب

له صلاة القائم «2».

و يضعّف الأول: بأنه غير صالح لتجويز ترك واجب، و الثاني: بأنه مختصّ بما إذا كان الجلوس جائزا إجماعا، و الكلام بعد فيه.

و لو عجز عن الركوع و السجود دون القيام لم يسقط عنه بالإجماعين، لعدم المقتضي- فإنّ كلا منهما واجب برأسه فلا يسقط بتعذر غيره- و لصحيحة جميل السابقة، فيقوم، و يركع و يسجد بما هو وظيفة العاجز عنهما.

و لو تعارض القيام مع الركوع و السجود بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود و لا الانحناء للركوع، ففي لزوم القيام و الاكتفاء عنهما بالإيماء، و الجلوس و الإتيان بهما، وجهان، أقواهما بل المدعى عليه الاتفاق في كلام جماعة «3»: الأول، لما مرّ في تعارض قيام القراءة و قيام الركوع.

المسألة السادسة: لو عجز عن القيام بجميع أنحائه في جميع صلاته صلّى جالسا،
اشارة

و كذا فيما يعجز فيه عن القيام في صورة التمكن عنه في بعض الأجزاء،

______________________________

(1) النهاية: 128، المبسوط 1: 100، السرائر 1: 348، المهذب 1: 111، الوسيلة: 114، الجامع للشرائع: 79.

(2) انظر: الوسائل 5: 700 أبواب القيام ب 9.

(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 265، و صاحب الحدائق 8: 67، و صاحب الرياض 1: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 50

إجماعا محققا، و محكيا مستفيضا «1»، بل ضرورة كما قيل «2».

و هو فيه الحجّة، مضافا إلى أصالة بقاء التكليف بغير القيام من أفعال الصلاة الغير الممكن تحققه إلّا بالجلوس، و المستفيضة كصحيحة جميل، و حسنة أبي حمزة «3»، و مرسلة محمّد بن إبراهيم «4»، و المراسيل الثلاث للفقيه «5»، و غيرها.

و حدّ العجز المسوّغ له- على الأصحّ الأشهر بل عليه عامة من تأخر- عدم التمكن من القيام عادة الموكول معرفته إلى نفسه، لأنه المفهوم من عدم الاستطاعة المعلّق عليه الحكم في

بعض الأخبار.

مضافا إلى تصريح بعض المعتبرة به كصحيحة جميل السابقة، و صحيحة ابن أذينة: ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائما؟ قال: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، قال: ذاك إليه هو أعلم بنفسه» «6».

و قريبة منها موثّقة زرارة، إلّا أنّ في آخرها: «هو أعلم بما يطيقه» «7» بدل قوله: «هو أعلم بنفسه».

و في حكم عدم التمكن المشقّة العظيمة التي لا يتحمّل مثلها عادة، أو

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 159، و المنتهى 1: 265، و كشف اللثام 1: 210، و الحدائق 8: 67.

(2) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176- 396، الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.

(4) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الفقيه 1: 235- 1033، التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.

(5) الفقيه 1: 235- 1033 و 236- 1037، 1038، الوسائل 5: 484، 485 أبواب القيام ب 1 ح 13، 15، 16.

(6) الكافي 4: 118 الصيام ب 39 ح 2، التهذيب 3: 177- 399، الوسائل 5: 494 أبواب القيام ب 6 ح 1.

(7) الفقيه 2: 83- 369، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 51

خوف حدوث مرض أو زيادته، أو بطء برئه، أو عسر علاجه، لأدلة نفي العسر و الضرر «1».

خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه، فقال بأنّ حدّه أن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة «2».

و للشيخ في النهاية، فقال بأنّ حدّه الأمران: أمّا علمه من نفسه أنه لا يتمكن منها قائما، أو لا يقدر على المشي

زمان صلاته «3»، لرواية المروزي:

«المريض إنما يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائما» «4».

و ردّ بالضعف في السند، لجهالة الراوي.

و المخالفة للاعتبار، فإنّ المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة و لا يتمكن من المشي بمقدار زمانها، و قد يكون بالعكس.

و يردّ الأول: بعدم قدح ذلك في الحجية.

و الثاني: بعدم اعتبار الاعتبار بعد نصّ الأطهار، و إن هو إلّا اجتهاد في مقابلة النص، فيجوز تجويز الشارع الجلوس بعد بلوغ المصلّي إلى هذا الحدّ و إن قدر على القيام.

نعم تردّه المعارضة مع مثل رواية محمّد بن إبراهيم: «المريض يصلّي قائما، و إن لم يقدر على القيام صلّى جالسا» «5» و نحوه مرسلة الفقيه «6» بتبديل: «و إن لم

______________________________

(1) البقرة: 185، الحج: 78، و انظر: الوسائل 25: 427 أبواب إحياء الموات ب 12.

(2) المقنعة: 215.

(3) النهاية: 129.

(4) التهذيب 3: 178- 402، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 4.

(5) الفقيه 1: 235- 1033، التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.

(6) الفقيه 1: 236- 1037، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 52

يقدر» بقوله: «فإن لم يستطع».

فإنه يدل منطوقا و مفهوما على وجوب القيام مع التمكّن و إن لم يقدر على المشي أصلا.

فيعارض تارة منطوق الأول- الدالّ على الجلوس مع القدرة على القيام إذا لم يتمكّن من المشي- مع منطوق قوله في الثاني: «يصلّي قائما» و مفهوم قوله فيه:

«و إن لم يقدر»- الدالّ على القيام مع القدرة عليه- بالعموم من وجه، لأنّ عدم التمكّن من المشي الذي هو موضوع الأول أعمّ من التمكّن

من القيام ساكنا و من عدمه، و التمكّن من القيام الذي هو موضوع الثاني أعم من التمكن من المشي و عدمه.

و محل التعارض هو التمكّن من القيام ساكنا، فيدل الأول على الجلوس معه و الثاني على القيام.

فإن رجّحنا الثاني بالشهرة فتوى و رواية و اعتبار روايتها سندا فهو، و إلّا فيرجع إلى عمومات وجوب القيام و استصحابه، فيجب تقديم الثاني بهذا الاعتبار، و يحكم بوجوب الصلاة قائما ساكنا بعد القدرة عليه و إن لم يقدر على المشي بقدرها.

و يعارض تارة أخرى مفهوم الأول- الدالّ على عدم الجلوس مع التمكّن من المشي- مع منطوق الثاني- الدالّ على الجلوس مع عدم التمكّن على القيام على أن يجعل القيام حقيقة فيما معه السكون- بالعموم من وجه أيضا، لأنّ التمكّن من المشي أعمّ من التمكّن من القيام السكوني و من عدمه، كما أنّ عدم التمكن من القيام- على الجعل المذكور- أعمّ من التمكّن من المشي و عدمه.

و محل التعارض هو التمكن من المشي دون القيام السكوني، فالأول يدلّ على عدم الجلوس فيه و الثاني على الجلوس.

فإن رجّحنا الثاني بأكثرية الرواية يتعيّن الجلوس، و إن لم نجعلها من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 53

المرجّحات- كما هو الحقّ- فمقتضى القواعد وفاقا لبعض مشايخنا المحقّقين «1» التخيير بين الصلاة ماشيا- كما عن ابن نما و الفاضل و الشهيد الثاني «2»- و جالسا كما عن المحقّق الثاني «3».

و لكن هذا على جعل القيام حقيقة في المستقر، و كذا إذا تردّدنا في اختصاصه به أو أعميّته فيستصحب وجوب الهيئة القياميّة المتحققة في ضمن المشي أيضا، و يعارضه استصحاب وجوب الاستقرار المتحقق مع الجلوس فيحكم بالتخيير.

و لو قلنا بأنه أعمّ منه و ممّا في

ضمن المشي- كما هو الظاهر و مقتضى الاستعمال في قول العرف: يمشي جالسا و يمشي قائما- فلا يكون بينهما تعارض من هذه الجهة كما لا يخفى، و يكون الحكم للأول، و تتعيّن الصلاة ماشيا كما هو المحكي عمّن ذكر، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين «4».

و لا يعارضه دليل وجوب الاستقرار، لعدم دليل عليه سوى الإجماع، و هو منفي في المقام، و استصحابه لا يعارض الخبر.

و تؤكّده حينئذ أدلة وجوب القيام أيضا.

و منه يظهر أنّ الأحوط الصلاة ماشيا، لكونها إمّا معيّنة أو أحد فردي المخيّر.

و الأتمّ منه احتياطا الجمع.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ حدّ العجز- الموجب للجلوس في الصلاة- على كون القيام أعم ممّا معه الاستقرار: ما هو المشهور من عدم التمكّن من القيام بحسب علمه.

و على اختصاصه بما فيه الاستقرار هو: عدم التمكّن منه و من المشي، كما هو قول كلّ من جوّز الصلاة ماشيا مع العجز عن الاستقرار، و يحتمله كلام النهاية

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الفاضل في التذكرة 1: 110، الشهيد الثاني في المسالك 1: 29.

(3) جامع المقاصد 2: 205.

(4) صاحب الحدائق 8: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 54

بجعل لفظة: «أو» بمعنى الواو «1»، بل كلام المفيد «2» بجعل العجز عن المشي بهذا المقدار كناية عن العجز عن القيام مستقرا، لتلازم العجزين و القدرتين غالبا كما نبّه عليه في الذكرى «3».

فرعان:

أ: مقتضى ما تقدم من وجوب القيام بقدر الإمكان- الثابت بالأصل و صحيحة جميل «4»- أنه لو تمكّن من القيام قبل القراءة أو في أثنائها أو بعدها وجب. و هو كذلك، لذلك، و عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه أيضا «5».

و لا تجب الطمأنينة في الأخير، وفاقا للمحكي عن

جماعة منهم: الفاضل في النهاية و القواعد و التحرير «6»، و الصيمري «7»، للأصل، و عدم وجوبها أولا حتى يستصحب. و ما كان واجبا أولا إنما كان لأجل القراءة، لأصالة عدم الوجوب بنفسها.

و قد يحتمل الوجوب، لأصل الاشتغال، المندفع بالإتيان بما ثبت به الاشتغال.

و لاستصحاب وجوبها السابق على العجز، المندفع بمنعه، و كونها لازمة للقراءة لا يدلّ على وجوبها بنفسها، و الوجوب التبعي يسقط بسقوط متبوعه.

و لضرورة تحقّق سكون بين الحركتين المتضادّتين الصعودية و الهبوطية، المردودة بأنها غير محلّ النزاع، لأنه سكون حقيقة لا يلزم الإحساس به، و الكلام

______________________________

(1) راجع ص 51- 52.

(2) راجع ص 51.

(3) الذكرى: 180.

(4) المتقدمة في ص 48.

(5) المنتهى 1: 265.

(6) نهاية الاحكام 1: 442، القواعد 1: 31، التحرير 1: 37.

(7) نقله عنه في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 55

فيما يحسّ به، مع أنه لو صحّ لدلّ على الوجوب العقلي دون الشرعي.

و كذا مقتضى الأصل و الصحيحة وجوب القيام للسجود لو تمكّن منه بعد الركوع، و وجوب الطمأنينة في هذا القيام و عدمه مبني على وجوبها أولا و عدمه.

و كذا مقتضى الأصل وجوب الركوع مع القيام الانحنائي لو تمكّن منه بعد القراءة دون الانتصاب، لثبوت وجوبه كذلك، و أصالة عدم الارتباط فيستصحب.

و لا تجب في شي ء مما ذكر إعادة ما تقدّم عليه جالسا من القراءة أو الركوع، لأصالة الصحّة و البراءة.

ب: يركع الجالس بما يصدق عليه الركوع، و هو مبرئ للذمة، للأصل.

و قد ذكروا في ركوع الجالس وجهين:

أحدهما: أن ينحني فيه بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم.

و ثانيهما: أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده، و أدناه أن ينحني بحيث يحاذي جبهته

قدّام ركبتيه.

و الظاهر أن كلّا منهما محصّل ليقين البراءة.

و عن بعض كتب الشهيد «1» إيجاب رفع الفخذين من الأرض، استنادا إلى وجوبه حال القيام، و الأصل بقاؤه.

و فيه: أنه غير مقصود فيه لأجل الركوع، بل إنما هو تابع للهيئة الواجبة في تلك الحالة المنفيّة هنا قطعا.

المسألة السابعة: لو عجز عن القعود مطلقا و لو مستندا صلّى مضطجعا

______________________________

(1) الدروس 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 56

بالإجماع المحقّق، و المحكي في المعتبر و المنتهى و المدارك و الحدائق «1»، و غيرها «2»، له، و للمستفيضة كحسنة أبي حمزة: في قول اللَّه عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً «3» قال: «الصحيح يصلّي قائما، و قعودا: المريض يصلّي جالسا، و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالسا» «4».

و موثّقة سماعة: عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: «فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه، و لن يكلّف اللَّه ما لا طاقة له به» «5».

و مرسلة الفقيه: «المريض يصلّي قائما، فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه» «6».

و موثّقة الساباطي: «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا، كيف قدر صلّى، إمّا أن يوجّه فيومئ إيماء» و قال: «يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده و ينام على جنبه الأيمن ثمَّ يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن، فكيف ما قدر، فإنّه له جائز، و يستقبل بوجهه القبلة ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» «7».

و المرويّ في الدعائم: «فإن لم يستطع أن يصلّي جالسا، صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن و

وجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن، صلّى

______________________________

(1) المعتبر 2: 160، المنتهى 1: 265، المدارك 3: 330، الحدائق 8: 75.

(2) كالذخيرة: 262، كشف اللثام 1: 211، و الرياض 1: 157.

(3) آل عمران: 191.

(4) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176- 396، الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 3: 306- 944، الوسائل 5: 482 أبواب القيام ب 1 ح 5.

(6) الفقيه 1: 236- 1037، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 15.

(7) التهذيب 3: 175- 392، الوسائل 5: 483 أبواب القيام ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 57

مستلقيا و رجلاه ممّا يلي القبلة يومئ إيماء» «1».

و بهذه الروايات يخصّص ما دلّ على الاستلقاء بعد الجلوس مطلقا كمرسلتي محمّد بن إبراهيم و فيها: «فإن لم يقدر على ذلك صلّى قاعدا، فإن لم يقدر صلّى مستلقيا» «2».

و قريبه منها مرسلته الأخرى «3».

و المروي في العيون و فيه: «فإن لم يستطع جالسا فليصلّ مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء» «4».

فالروايات- لكونها دالة على عدم الاستلقاء إلّا بعد العجز عن الاضطجاع- أخصّ مطلقا من الثلاثة الأخيرة فتخصص بها.

مضافا إلى أنّ عمومها موافق للمنقول عن جماعة من العامة كابن المسيب و أبي ثور و أصحاب أبي حنيفة «5»، و مخالف لعمل علمائنا، بل لإجماعهم، بل و للكتاب بملاحظة التفسير الوارد فيه، فلو لا تخصيصها لكان طرحها متعيّنا.

و يتخيّر بين الجنبين، وفاقا للمحكي عن موضع من المبسوط و ظاهر الشرائع و النافع و التذكرة و نهاية الإحكام و الإرشاد و اللمعة و المدارك «6»، للأصل، و إطلاق الأوليين الخالي عن الدافع كما يأتي، مع

أفضليّة تقديم الأيمن لما سنذكر.

و خلافا للأكثر، فقالوا بتعيّن الأيمن.

إمّا مطلقا و مع تعذّره يستلقي كجماعة، لرواية الدعائم.

______________________________

(1) الدعائم 1: 198، مستدرك الوسائل 4: 116 أبواب القيام ب 1 ح 5.

(2) الفقيه 1: 235- 1033، التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.

(3) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث 13.

(4) عيون اخبار الرضا 2: 67- 316، الوسائل 5: 486 أبواب القيام ب 1 ح 18.

(5) المغني و الشرح الكبير 1: 815.

(6) المبسوط 1: 100، الشرائع 1: 80، المختصر النافع: 30، التذكرة 1: 110، نهاية الإحكام 1: 440، الإرشاد 1: 252، اللمعة (الروضة 1): 251، المدارك 3: 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 58

أو مقدّما على الأيسر، فلا يجوز الأيسر إلّا مع تعذّر الأيمن «1» كما عن الجامع و السرائر «2»، للمرسلة و الموثقة مع ضعف الرواية.

و يردّ الجميع بعدم الدلالة على الوجوب و التعيّن، للخلو عن الدالّ عليه فلا يفيد، غايته الرجحان، و هو مسلّم، لأجل ذلك و للإجماع المنقول عن المعتبر و المنتهى «3» على تعيّن الأيمن المثبت للرجحان، للمسامحة فيه، حيث لا حجّيّة في حكاية الإجماع.

و أما دعوى تبادر الأيمن من إطلاقهما فمن أغرب الدعاوي.

و يجب أن يكون حينئذ مستقبلا للقبلة بمقاديم بدنه كالملحد، للموثّق، و رواية الدعائم، و عدم دلالتهما على الوجوب لا يضرّ في المورد، للإجماع المركّب.

المسألة الثامنة: لو عجز عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن يصلّي مستلقيا

على قفاه بالإجماع و النصوص المتقدّمة. مستقبلا للقبلة بباطن كفّيه كالمحتضر، لروايتي الدعائم و العيون المتقدّمتين، المنجبرتين بالعمل في المورد.

ممدودة رجلاه، لأنه مقتضى كون بطنهما إلى القبلة.

و قيل: الأولى أن يجعل تحت رأسه شيئا يصير وجهه مواجها

للقبلة «4».

و لا بأس به.

المسألة التاسعة: القائم و الجالس إذا لم يتمكّنا من الانحناء الواجب،

فإن تمكّنا من أقلّ ما يصدق عليه أسماء الركوع و السجود حيث إنهما انحناء بقدر

______________________________

(1) منهم الطوسي في المبسوط 1: 110، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 561، و العلامة في المنتهى 1: 265.

(2) الجامع للشرائع: 79، السرائر 1: 349.

(3) المعتبر 2: 160، المنتهى 1: 265.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 59

يصدق عليه الاسم، مع وضع الجبهة على شي ء في الثاني، من غير مدخلية فيه لعدم تفاوت موضعي الجبهة و القدم و لا لسائر الشرائط في الصدق و لذا أطلق السجدة على مثل ذلك في الصحيحة و الموثّقة الآتيتين، وجب، لمطلقات الأمر بالركوع و السجود، و ضرورة تقييد ما أوجب الزيادة بالإمكان.

و يجب في السجدة أن يرفع شيئا يضع جبهته عليه بلا خلاف فيه- على الظاهر- المصرّح به في جملة من العبارات «1»، بل عن ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه «2»، لموجبات وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه «3»، و لمرسلة الفقيه، المؤيدة بصحيحة زرارة و موثقتي أبي بصير و البصري:

الاولى:

شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال: «ليومئ برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء» «4».

و الثانية:

«المريض يسجد على الأرض أو على مروحة أو على مسواك يرفعه، و هو أفضل من الإيماء» «5».

و لا تنافي الأفضليّة للوجوب، إذ يراد أنّ ثواب ذلك حين وجوبه أكثر من ثواب ذاك حين وجوبه أيضا.

و الثالثة:

عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه؟ قال: «لا، إلّا أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها» «6».

______________________________

(1) انظر: مجمع

الفائدة 2: 191، و الذخيرة: 263، و الحدائق 8: 84.

(2) المعتبر 2: 161، المنتهى 1: 265.

(3) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.

(4) الفقيه 1: 238- 1052، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 11.

(5) الفقيه 1: 236- 1039، التهذيب 2: 311- 1264، الوسائل 5: 364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 و 2.

(6) التهذيب 3: 177- 397، الوسائل 5: 483 أبواب القيام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 60

و الرابعة:

«و يضع في الفريضة بوجهه على ما أمكنه من شي ء» «1».

و بها تقيّد مطلقات الإيماء بالرأس للسجود في المريض، فيخصّ بصورة عدم إمكان الرفع.

و هل يجب ازدياد الانخفاض في السجود مهما أمكن بعد التجاوز عن اللبنة ما لم يصل حدّا يسلب اسم السجود؟.

فيه نظر، و الاحتياط معه.

و لو تعذّر الوضع سقط و هل يسقط معه الانحناء؟.

مقتضى القاعدة ذلك، إذ لا سجدة بدون الوضع، و أمر الاحتياط واضح.

و لو تعذّر الانحناء الذي يصدق معه الركوع و السجود يومئ بالرأس لهما إجماعا، للمرسلة المتقدّمة و غيرها، و بها تقيّد مطلقات الإيماء فيحمل على الإيماء بالرأس مع إمكانه.

و هل يجب عليهما الانحناء للركوع و السجود إذا لم يصل حدّا يصدق معه الركوع أو السجود؟.

الأصل يقتضي العدم، و إثباته بنحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «2» باطل، إلّا أن يدّعى الإجماع عليه فيتّبع إن ثبت.

و الظاهر أنه يجب مع الإيماء للسجود وضع الجبهة على شي ء يرفعه، لموثّقة سماعة المتقدّمة «3» بضميمة الإجماع المركّب المؤيّدة بالصحيحة، و الموثقتين السابقتين.

و قيل: لا، للأصل، و خلوّ كثير من الأخبار و الفتاوي عنه.

______________________________

(1) التهذيب 3: 308- 952، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب

14 ح 1.

(2) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(3) في ص 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 61

و يندفعان بما مرّ.

و هل يجب جعل السجود حينئذ أخفض من الركوع؟.

ظاهر الأكثر نعم، بل قيل: إنّه قطعي «1»، لما يأتي في المضطجع و المستلقي بضميمة عدم الفرق.

و فيه: أنّ ما يأتي فيهما غير دالّ على الوجوب، بل غايته الرجحان و هو مسلّم.

و لو لم يتمكّنا من الإيماء بالرأس يومئان بالعين لهما بالإجماع، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى وجوب الركوع و السجود عليهما إجماعا و عدم القول بالإتيان بهما بوضع آخر، و بعض مطلقات إيماء المريض.

و يضعان شيئا على الجبهة وجوبا، لما مرّ.

و المضطجع إن تمكّن من السجود بوضع الجبهة على الأرض وجب، لأدلّته، و استصحابه، و اختصاص أدلّة الإيماء بحال عدم الإمكان كما هو الغالب في غير الجالس، و يشعر به قوله: «و لن يكلّف اللَّه ما لا طاقة له به» في ذيل موثّقة سماعة «2».

و إن لم يتمكّن منه يومئ- هو و المستلقي- بالرأس مع إمكانه، لإطلاق المرسلة المتقدّمة «3»، و المرسلة الأخرى و فيها: «إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه و إلّا فوجّهوه إلى القبلة، و مروه فليومئ برأسه، و يجعل السجود أخفض من الركوع» «4».

و بدونه يومئان بالعين، لمرسلة محمّد بن إبراهيم: في المستلقي، قال: «فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ يسبّح، ثمَّ يفتح عينيه، و يكون فتح عينيه رفع رأسه

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 157.

(2) المتقدمة في ص 56.

(3) في ص 56.

(4) الفقيه 1: 236- 1038، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 62

من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ يسبّح، فإذا سبّح

فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود» «1».

و قريبة منها مرسلته الأخرى «2».

و هما و إن كانتا مطلقتين و لكن يجب تقييدهما بعدم إمكان الإيماء بالرأس، للمرسلتين المتقدّمتين المقيّدتين بحال الإمكان قطعا، فيكون أخصّ منهما. و لا يضرّ ورود الأخيرتين في المستلقي، لعدم الفصل. و لا عدم دلالتهما على الوجوب، لذلك.

و في وجوب وضع شي ء على الجبهة في السجود و جعله أخفض من الركوع في حالتي الإيماء بالرأس و العين، وجهان.

الأظهر: الأوّل في الأوّل، لموثّقة سماعة في المضطجع- مع عدم الفصل في المستلقي- المؤيّدة بسائر الأخبار المتقدّمة. و في الثاني: الثاني، للأصل، و عدم الدافع، إلّا قوله: «و يجعل سجوده أخفض من الركوع» في إحدى المراسيل المتقدّمة «3».

و هو- مع اختصاصه بالإيماء بالرأس و عدم ثبوت عدم الفاصل بل ثبوت وجوده- لا يثبت الوجوب. و ورود: «ليجعل» في بعض النسخ لا يفيد، لوروده في الأكثر بقوله: «و يجعل».

و الظاهر أنّ الأعمى العاجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعصر العينين، لعدم سقوط الركوع و السجود عنه إجماعا، و عدم قول بغير هذا النحو.

المسألة العاشرة: من عجز في الأثناء عن حالة انتقل إلى ما دونها

بلا خلاف

______________________________

(1) التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث: 13.

(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث 13.

(3) و هي مرسلة الفقيه، راجع ص 56 الهامش (6)، و قد ورد فيها «جعل» بصورة الماضي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 63

فيه ظاهرا، بل صرّح بنفيه بعضهم «1»، و يدلّ عليه كثير من الأخبار المتقدّمة المصرّحة بمثل قوله: فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه، و هكذا، فمتى عجز عن القيام منتصبا انحنى،

و عن الانحناء جلس، و عنه اضطجع، و عنه استلقى.

ثمَّ لو كان العجز عن القيام قبل القراءة أو في أثنائها، فهل يقرأ حال الانتقال أم يؤخّرها إلى الجلوس؟

المشهور: الأول، للاستصحاب، و للمحافظة على القراءة في المرتبة العليا مهما أمكن، و حالة الهويّ أعلى من القعود.

و قيل بالثاني «2»، لاشتراط القراءة بالاستقرار كما ينبّه عليه رواية السكوني:

«في المصلّي يريد التقدّم، قال: يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم ثمَّ يقرأ» «3».

و يضعّف بمنع كون الاستقرار من شرائط القراءة و وجوبه فيها- و الرواية واردة في مورد خاص- بل هو من واجبات الصلاة المنتفية هنا قطعا و كان لازم وجوبه لها مقارنته للقراءة أيضا، و الحاصل أنّ وجوبه حال القراءة إنّما كان لأجل الصلاة و هو منتف هنا، لا لأجل القراءة.

كما يضعّف دليل الأول بأنّ الاستصحاب لا يدل على وجوب القراءة، لعدم وجوبها أوّلا متّصلا بل كان يجوز يسير فصل، و قد يحصل الانتقال في آن يسيرة لا تنافي توالي القراءة عرفا.

و وجوب المحافظة عليها في المرتبة العليا مطلقا ممنوعة، نعم يجب كونها في حال القيام مهما أمكن، و ليس تمام حالة الهويّ و الانتقال قياما.

فإن كان مراد المشهور الجواز فهو كذلك، و يدل عليه الأصل و الاستصحاب، و إن أريد الوجوب فهو فيما يصدق عليه القيام كذلك، و أمّا بعده

______________________________

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 192، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 122.

(2) كما في مجمع الفائدة 2: 192، و المدارك 3: 334.

(3) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 24، التهذيب 2: 290- 1165، الوسائل 6: 98 أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 64

من حالات الهويّ فلا.

و

إن كان العجز بعد القراءة قبل الركوع فمع العجز عن الانحناء مطلقا يركع جالسا.

و مع التمكّن من الانحناء و الطمأنينة فيه و الذكر، ينحني مطمئنّا ذاكرا فيه للركوع، ثمَّ يجلس فيسجد.

و إن تمكّن من الانحناء دون الطمأنينة و الذكر، ينحني للركوع و يهوي منحنيا حتى يجلس كذلك، فيذكر فيه من غير فصل الجلوس منتصبا، لئلّا يزيد في الركن، حيث إنّ الطمأنينة و الذكر خارجان عن حقيقة الركوع. و كذا إذا لم يتمكّن من الذّكر خاصة.

و منه يظهر حال تجدّد العجز بعد الانحناء أيضا.

و إن لم يتمكّن من وصل الانحناءين ففي الاكتفاء بالانحناء قائما للركوع و سقوط الطمأنينة و الذكر، أو الركوع جالسا، أو قائما منحنيا ثمَّ الجلوس منتصبا ثمَّ الانحناء فيه لدرك الطمأنينة و الركوع، أوجه.

المسألة الحادية عشرة: من تجدّد له الاقتدار على الحالة العليا من الدنيا انتقل إليها

بالإجماع، له، و لصحيحة جميل المتقدّمة «1» بضميمة الإجماع المركّب.

و يترك القراءة حتى ينتقل إليها وجوبا، لقدرته على دركها فيها، فلا يجزي الأدون منها إلّا إذا احتاج الانتقال إلى زمان ينتفي فيه التوالي في القراءة.

و يبني على ما قرأ في الدنيا، لاقتضاء الأمر للإجزاء.

و لو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة وجب الانتقال منحنيا إلى حدّ الراكع من غير أن ينتصب، لئلّا يزيد في الركن أو ينقص في الواجب.

و لو خفّ بعد الركوع قام ثمَّ سجد ليسجد عن قيام، و فيه تأمّل.

و هكذا من الصور المتصورة في هذه المسألة و المسألة السابقة.

المسألة الثانية عشرة: يستحب أن يكون نظر المصلّي قائما حال قيامه إلى موضع سجوده

______________________________

(1) في ص 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 65

بالإجماع، لصحيحة زرارة «1»، و غيرها.

و أن تكون يداه على فخذيه بحذاء ركبتيه كما في صحيحة زرارة، و حمّاد «2».

المسألة الثالثة عشرة: يستحب أن يتربّع الجالس حال قراءته

بأن ينصب فخذيه و ساقيه، رافعا أليتيه عن الأرض.

لا لرواية حمران: «كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنّى رجليه» «3».

للإجمال في المراد من التربّع الذي ذكره، حيث إنّه يستعمل في معان.

منها: ما مرّ، و هو الذي ذكره الفقهاء في هذا المقام.

و منها: أن يقعد على وركيه و يمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه و قدمه إلى جانب شماله، و اليسرى بالعكس، ذكره في المجمع «4».

و منها: ذلك إلّا أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، فسّره به أبو الحسن عليه السلام في رواية رواها الكشّي في ترجمة جعفر بن عيسى «5».

و منها: الأعم من الجميع بل من غيره أيضا، ذكره القاموس حيث قال:

و تربّع في جلوسه: خلاف جثا و أقعى «6».

و لا يعلم المراد من التربّع الوارد في الرواية، و حكاية الواقعة لا تفيد العموم.

و مع ذلك معارض ببعض روايات أخر:

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، أمالي الصدوق: 337- 13، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، بتفاوت في بعضها.

(3) الفقيه 1: 238- 1049، التهذيب 2: 171- 679، الوسائل 5: 502 أبواب القيام ب 11 ح 4.

(4) نقله في مجمع البحرين 4: 331 عن المجمع، أي مجمع البحار للشيخ محمد طاهر الصديقي المتوفّى 981.

(5) رجال الكشي 2: 790.

(6)

القاموس المحيط 3: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 66

منها: ما رواه في الكافي في جلسة الطعام و فيها: «و لا يضع إحدى رجليه على الأخرى، و لا يتربّع فإنها جلسة يبغضها اللَّه و يبغض صاحبها» «1».

و منها: رواية أخرى في جلسة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: و لم ير متربّعا قطّ «2».

بل «3» لتصريح بعض الفقهاء منهم الثانيان «4» باستحباب التربع بهذا المعنى، بل تصريح المنتهى بالإجماع على استحبابه «5»، و فيه و إن لم يفسّره بهذا المعنى و لكنه استدل له بأنه أقرب إلى هيئة القائم، و هو صريح في أنه المراد.

و لا يعارضه الخبران المذكوران، لما عرفت من الإجمال، مضافا إلى تعارضهما مع غيرهما من جلوس الصادق عليه السلام و أكله متربّعا «6».

و أن يثنّي رجليه حال ركوعه، بأن يفترشهما تحته و يقعد على صدرهما، بالإجماع كما عن الخلاف «7»، له، و لرواية حمران المتقدّمة.

و أن يتورّك حال تشهّده وفاقا للشيخ «8»، و جماعة من الأصحاب «9»، و لعموم

______________________________

(1) الكافي 6: 272 الأطعمة ب 23 ح 10، الوسائل 24: 257 أبواب آداب المائدة ب 9 ح 2، و فيه بتفاوت يسير.

(2) الكافي 2: 661 العشرة ب 21 ح 1، الوسائل 12: 106 أبواب أحكام العشرة ب 74 ح 1.

(3) عطف على قوله: لا لرواية حمران ..

(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 206، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 29.

(5) المنتهى 1: 266، و فيه ادعاء الإجماع على عدم الوجوب لا على الاستحباب، فراجع.

(6) الكافي 6: 272 الأطعمة ب 23 ح 9، الوسائل 24: 249 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 3، و فيه بتفاوت يسير.

(7) لم نعثر عليه

في الخلاف، و قال في الرياض: و في الخلاف الإجماع على أفضلية التربّع، و في المدارك الإجماع عليها فيه و في تثنية الرجلين. راجع الرياض 1: 157.

(8) المبسوط 1: 100، الخلاف 1: 363.

(9) منهم الكركي في جامع المقاصد 2: 207، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 192، و صاحب المدارك 3: 335، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 67

ما دلّ على استحبابه فيه «1» و عدم المخصّص.

خلافا لظاهر الشرائع و النافع فتردّد «2»، و لعلّه لإطلاق الرواية السابقة.

و يدفعه أنّ الظاهر من قوله: «صلّى جالسا» ما يقابل القيام في حالة الاختيار.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(2) الشرائع 1: 81، المختصر النافع: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 68

البحث الرابع في القراءة
اشاره

و هي واجبة بإجماع الأمة إلّا من شذّ من العامة «1»، و عليه عمل النبي و الأئمة، و هما الأصل فيه بعد المستفيضة «2».

و الحقّ المشهور عدم ركنيّتها، بل عليه الإجماع عن الخلاف «3»، لدلالة الأخبار على عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا كصحيحة محمّد: «إنّ اللَّه عزّ و جلّ فرض الركوع و السجود، و القراءة سنّة، فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة، و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته» «4».

و قريبة منها صحيحة زرارة «5».

و صحيحته الأخرى: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» ثمَّ قال: «القراءة سنّة، و التشهد سنّة، فلا ينقض السنّة الفريضة» «6».

و موثّقة منصور: إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلى، قال: «فقد تمّت صلاتك

______________________________

(1) حكاه عن الحسن بن صالح

بن حي في الخلاف 1: 327، و كذا حكاه النووي في المجموع 3:

330.

(2) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

(3) الخلاف 1: 334.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 1، التهذيب 2: 146- 569، الاستبصار 1:

353- 1335، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 2.

(5) الفقيه 1: 227- 1005، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 1.

(6) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 6: 91 أبواب القراءة ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 69

إذا كان نسيانا» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

خلافا للمحكي في المبسوط عن بعض الأصحاب «2» و في التنقيح عن ابن حمزة «3» فقالا بالركنيّة.

لعمومات نفي الصلاة بانتفاء الفاتحة «4».

و كون القراءة فريضة، لدلالة قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ «5» بضميمة الإجماع على عدم وجوب القراءة في غير الصلاة عليه، و كلّ ما كان فريضة فهو ركن كما صرّح به جماعة «6»، و تشير إليه الصّحاح الثلاثة المتقدّمة.

و يضعّف الأول: بوجوب تخصيص العام بالخاص.

و الثاني: بمنع الفريضة أولا، كما صرّح به في الصّحاح الثلاثة، و منه تبطل دلالة الآية، لأنّهم عليهم السلام أعلم بمواقعها، مع أنّ فيها محلّ كلمات أخر، منها عدم أولويّة تخصيص عموم: «ما تيسّر» بالحمد و السورة، و تقييد إطلاق القراءة بحالة الصلاة، عن حمل الأمر على الاستحباب.

و منع الكليّة ثانيا، و الصحاح لا تدلّ على أزيد من أنّ السنّة ليست بركن، و أمّا أنّ كلّ فريضة ركن فلا.

و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى: تتعيّن قراءة الحمد في الفريضة

بالإجماع المحقّق و المحكي

______________________________

(1) الكافي 3: 348 الصلاة ب 35 ح 3، التهذيب 2: 146- 570، الوسائل 6: 90 أبواب القراءة ب 29 ح 2.

(2)

المبسوط 1: 105.

(3) التنقيح 1: 197.

(4) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

(5) المزمل: 20.

(6) منهم صاحب الحدائق 8: 92، و قال الوحيد في شرح المفاتيح (المخطوط): كل جزء من أجزاء العبادة يكون الأصل ركنيته لها حتى يثبت من الشرع عدم الركنية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 70

مستفيضا «1»، له، و لعمل الحجج «2»، و المستفيضة من النصوص.

منها: صحيحة محمّد: عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال:

«لا صلاة له إلّا أن يقرأها في جهر أو إخفات» «3».

و رواية أبي بصير: عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال:

«فليقل: أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع، فإنّه لا قراءة حتى يبتدئ بها في جهر أو إخفات، فإنه إذا ركع أجزأه» «5».

و المروي في كتاب المجازات النبويّة: «كلّ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهو خداج» «6» إلى غير ذلك.

و كذا في النافلة على الأشهر الأقرب، للصحيحة المتقدّمة، و الرواية الأخيرة المنجبرة، و لأنّ الصلاة كيفية متلقاة من الشارع فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل.

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 327، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، التذكرة 1: 114، الحدائق 8:

91.

(2) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(3) التهذيب 2: 146- 573، الاستبصار 1: 354- 1339، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 27 ح 4.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة 28 ح 1.

(5) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(6)

المجازات النبوية: 111- 79، الوسائل 6: 39 أبواب القراءة ب 1 ح 6. و الخداج أي نقصان، وصفت بالمصدر للمبالغة يقال: خدجت الناقة فهي خادج إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام و إن كان تام الخلق- مجمع البحرين 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 71

خلافا للمحكي عن التذكرة فلا تجب، للأصل «1».

و يضعّف بما مرّ، إلّا أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي. فهو مسلّم، لانتفائه في أصل النوافل فكيف بأجزائها. إلّا أن تثبت حرمة القطع فيها أيضا فيثبت لأجزائها الوجوب الشرعي بعد الإحرام بها.

المسألة الثانية: موضع وجوب قراءة الحمد في الفريضة الركعتان من الثنائيّة و الأوليان من الرباعيّة و الثلاثيّة،

فتجب فيها دون غيرها.

أمّا الثاني فيأتي بيانه، و أمّا الأول فبالإجماعين «2» و فعل الحجج «3»، و توقف القطع بالبراءة عليه، و الأخبار «4».

المسألة الثالثة: تجب قراءة الحمد أجمع،
اشاره

للأمر بقراءته و هو اسم للجميع، المنتفي بانتفاء بعضه.

و هو و إن صدق بالمجموع العرفي الذي لا يخلّ به نقص حرف، إلّا أنه انعقد الإجماع القطعي على قراءة مجموعه الحقيقي بحيث لم يخلّ بحرف منه، فهو الحجّة فيه، و مقتضاه أداء كل حرف حرف منه بحيث يعدّ هذا الحرف عرفا.

و يدلّ عليه أيضا أنّ الإخلال بحرف منه إمّا يكون بنقصه أو بإبداله بحرف آخر، و الأول إذا كان الحرف جزء كلمة و الثاني مطلقا يجعل المقروء خارجا من القرآن، فتبطل بالتكلّم به عمدا الصلاة.

و منه يظهر سرّ ما أجمعوا عليه من وجوب إخراج الحروف من مخارجها، بل الحكمان متّحدان، إذ عدم خروج الحرف من مخرجه يخرجه عن صدق هذا الحرف

______________________________

(1) التذكرة 1: 114.

(2) انظر: التذكرة 1: 114، و الرياض 1: 158.

(3) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(4) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 72

عرفا، و خروجه منه يدخله في الصدق، إذ اختلاف الحروف إنّما هو باختلاف المخارج. بل المخرج لكلّ حرف ما يصدق مع الخروج عنه أنه هذا الحرف عرفا، سواء كان متّسعا، كمخرج التاء المثنّاة الفوقانيّة، و الجيم، و الدال، و الكاف، و غيرها، حيث إنّه يمكن إخراجها من أصول مقاديم الأسنان العليا إلى أواخر الحنك، أو لا، كمخرج الباء الموحّدة، و الفاء، و الميم، و نحوها، و لا يلزم بعد الصدق العرفي الإخراج من موضع معيّن من المخارج المتّسعة كما يقوله القرّاء، لعدم الدليل.

و المناط في الحروف التي

لم ترد في لسان العجم- و هي الثاء، و الذال، و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء و القاف، و لذا لا يعرفون مخارجها و لا يميّزونها في التكلّم عن السين، و الزاي، و الغين- عرف العرب، فيجب أداؤها بحيث لو سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف، فالعجم لا يميّز في التكلّم بين ألفاظ:

ذلّ، و زلّ، و ضلّ، و ظلّ، فيجب في التكلّم بواحد منها أن يكون بحيث لو سمعها العرب حكم بأنه أيّها، و لا يتحقّق ذلك إلّا بإخراجها من مخارجها المقرّرة عند العرب، و لا تكفي التفرقة بينها بفرق اختراعي، فاللازم تعلّم مخارجها من أهلها و منهم القرّاء، فيلزم الأخذ منهم قطعا لو لم يتمكّن من التعلم من العرب.

ثمَّ إنّ من الحروف ما يظهر بمجرّد وصول الهواء الصوتي بمخرجه و هي غير الحروف المتقلقلة، كالخاء «1» و العين و غيرهما، فلا يلزم فيها غير الإيصال المذكور.

و منها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يلزم في ظهوره بحيث يصدق التكلّم به عرفا من مجاوزة الهواء الصوتي عن مخرجه بعد الوصول إليه و هو المراد بالتقلقل، و هي الحروف المتقلقلة، فالظاهر لزوم التقلقل فيها، فلو اكتفى بوضع اللسان على مخرج الدال مثلا من غير رفعه عنه لم يكف في أدائها بل يلزم التقلقل.

و ما ذكر هو القدر اللازم في مادة الحروف.

______________________________

(1) في «ق» و «س»: كالحاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 73

و أمّا أوصافها فلا شك في وجوب مراعاة التشديد، أي قراءة الحرف الواحد المشدّد مشدّدا. و التشديد هو غير الإدغام اصطلاحا، لأنه يستعمل فيما كان الثابت في اللفظ حرفين نحو: يدرككم و يوجهه.

و الدليل على وجوبه و بطلان الصلاة بالإخلال به إجماع

الفقهاء عليه، مضافا إلى أنّ الإخلال به إمّا بإظهار الحرفين المخفّفين أو حرف واحد مخفّف، و الأوّل موجب لزيادة حرف غير القرآن في الصلاة و به تخرج الكلمة عن القرآنية بل عن العربيّة في الأكثر، و الثاني لخروج اللفظ عن العربيّة و القرآنيّة و عمّا هو هو، بل يتغيّر فيهما المعنى في الأغلب.

و أمّا المدّ المتصل و الإدغام الصغير- و هو إدغام حرفين متجانسين أو متناسبين أوّلهما ساكن في كلمة أو كلمتين في الآخر، و لو كان أوّلهما متحركا فهو الإدغام الكبير الذي حكم الأكثر من القرّاء بعدم وجوبه «1»- فقد حكم جماعة من الفقهاء منهم الشهيد و المحقّق الثاني بوجوب مراعاتهما «2»، بل يخطر ببالي ادّعاء الإجماع على الأوّل.

و الأصل يقتضي عدم وجوبهما أيضا، لعدم دليل عليه، فإنّه لا يخرج بالإخلال بهما اللفظ عن كونه لفظا عربيّا و قرآنا عرفا، و لا يتغيّر به المعنى، و لا الحرف عن كونه ذلك الحرف أصلا.

غاية الأمر ثبوت اتفاق القرّاء- أو مع العرب- على مراعاتهما، بل على وجوبهما في التكلّم، و لذا يثبتون علامة المدّ المتّصل في المصاحف، و لا يثبت منه إلّا توقف اللهجة العربيّة و الأداء على نحو العرب عليه و أنّ العرب لا يتلفّظ إلّا كذلك، و لم يثبت وجوب ذلك، و لذا لا يحكمون بوجوب إمالة الألف في مواضعه و لا إشباع الحركات و تفخيم الراء مثلا مع أنا نعلم قطعا أن العرب لا يؤدّي إلّا

______________________________

(1) و وجوب الإدغام فيه مذهب يعقوب و أبي يوسف من القرّاء، و أوجبه عاصم أيضا في كلمتين من القرآن ما مَكَّنِّي في سورة الكهف، لا تَأْمَنَّا في سورة يوسف. منه رحمه اللَّه تعالى.

(2) الشهيد في البيان: 157،

المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 74

كذلك ألا ترى أن أهل الفرس لا يميلون ألفا و لا يفخّمون الراء و لا يشبعون حركة و لا يخرجون الغين المعجمة من مخرجها، بل لو فعل ذلك أحد في لسانهم يضحكون منه، و مع ذلك لا يخرج اللفظ بشي ء منها- لو فعله أحد- عن الفارسية، و لو أمر أحد بقراءة نظم أو نثر فارسي فقرأ بهذا النحو لا يقال: لم يمتثل، و إن قيل: لم يقرأ باللهجة الفارسية.

و بالجملة: القدر الثابت شرعا ليس إلّا وجوب أداء اللفظ المنزل من غير إخلال بحرف منه عرفا، و أما وجوب أدائه على نحو أداء العرب و هيئته و لهجته و كيفيته فلا دليل عليه أصلا و أبدا، بل لو قال العرب: هذا ليس بعربي أو غلط، لم يضرّ، كما يقول الفارسي لمن فخّم الراء أو أمال أو أخرج الغين من مخرجه في لفظ فارسي: إنه غلط و ليس بفارسي، فإن المراد نفي العربية في اللهجة و الأداء و التغليظ فيه، و لم يثبت وجوب الموافقة فيهما، نعم لو ثبت الإجماع الشرعي على وجوب مراعاة واحد منهما لوجب، و لكن الشك فيه، و مع ذلك فالمحتاط لا يتركهما البتّة.

و أمّا ما ورد في بعض الأخبار- من الأمر بالقراءة كما يقرأ الناس «1»، أو كما تعلّمتم «2»- فلا يفيد العموم، مع أنه إنما ورد في مقام السؤال عمّا وجد في مصاحف الأئمّة من بعض الآيات و الكلمات الخالية عنها سائر المصاحف و أنهم لا يحسنون قراءة ذلك.

و أما سائر الأوصاف من الإمالة، و الإخفاء، و الغنّة، و التفخيم، و الترقيق، و الاستعلاء، و الإطباق، و المدّ

المنفصل، و نحوها فلا دليل على وجوب شي ء منها، و لم أعثر على مصرّح من الفقهاء بوجوبه و إن جعل نادر الاحتياط في مراعاته «3».

و هل يستحب؟ لا دليل شرعيا عليه أيضا كما صرّح به الأردبيلي «4»، و غيره،

______________________________

(1) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة ب 74 ح 1.

(2) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 2، الوسائل 6: 163 أبواب القراءة ب 74 ح 2.

(3) كما في مجمع الفائدة 2: 219.

(4) مجمع الفائدة 2: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 75

إلّا أنه صرّح كثير من الفقهاء فيها بالاستحباب «1»، و لا بأس به لأجل فتواهم ما لم يبلغ حدّا يخلّ بالاسلوب أو يوجب الاستهجان كما يشاهد في بعض، بل قد يبلغ حدّا يقطع بأنّ العرب لا يقرأ هكذا و يستقبحه.

و أما حركاتها و سكناتها: فما كان من غير الإعرابيّة و البنائيّة، أي غير ما في أواخر الكلمات كفتح حاء الحمد، و عين أنعمت، و سكون ميمهما، فلا شكّ في وجوب مراعاتها بالكيفيّة المنزلة، و بطلان الصلاة بالإخلال بها، للإجماع. و لأنّ القرآن و الفاتحة ليسا اسمين للأجزاء المادية أي الحروف فقط قطعا، بل للمركّب منها و من الجزء الصوري الذي هو الهيئة، فمع انتفائه لا يكون فاتحة و لا قرآنا.

و لأنّ القرآن ليس إلّا هذا المنزل، فكلّ كلمة لم يكن منزلا لم يكن قرآنا، و لا شكّ أنّ المنزل هو الكلمة بالحركة و السكون المخصوصين و بغيرهما ليس منزلا، فتبطل بها الصلاة.

و منه يظهر وجوب مراعاتها في كل حرف، و بطلان الصلاة بالإخلال بها عمدا و لو نادرا لا يخرج المجموع بالإخلال به عن

اسم الفاتحة عرفا.

و ما كان في أواخر الكلمات فإمّا سكون أو حركة، و الأوّل تبطل الصلاة بالإخلال به أيضا قطعا، للإجماع، و عدم معلومية كون الكلمة المتحرّكة آخرها من القرآن، فإنه لو قال في سورة التوحيد لَمْ يَكُنْ لَهُ بضمّ النون تبطل صلاته، إذ ليس «لم يكن» كلمة قرآنية، و لو سئل عنها يسلب عنها القرآنية.

و منه يظهر وجوب مراعاة الثاني، و البطلان بالإخلال به أيضا، لو كان بإبداله بحركة أخرى مضادّة، سواء كان مغيّرا للمعنى كضمّ تاء «أنعمت» أو لا كضمّ باء «رب العالمين» إذ «أنعمت، و للَّه ربّ العالمين» مضمومة التاء و الباء ليس قرآنا.

مع أنّ البطلان في الأول إجماعي، بل في الثاني أيضا، لعدم ثبوت ما حكي

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 265، و صاحب المدارك 3: 337، و صاحب الحدائق 8: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 76

عن السيّد في بعض مسائله «1» من القول بعدم البطلان مع عدم تغيّر المعنى، و عدم قدحه في الإجماع لو ثبت.

مع أنّ تغيّر الحركة يوجب تغيّر المعنى قطعا، فإنّ استفادة الوصفيّة من «الرّب» المكسورة باؤه معنى غير الخبريّة للمبتدإ المحذوف المستفادة منه مضمومة الباء، و كذا إذا قال: «الحمد» بفتح الدال، فإنّ المعنى المستفاد منه مضمومة الدال لا يستفاد منه مفتوحة قطعا و إن علم المراد بقرينة الحال و المقام، و اللازم استفادة المعنى من نفس اللفظ و لا شك أنّ «الحمد» المفتوحة لا يفيد المعنى الابتدائي.

مع أنّ عدم تغيّر المعنى- لو سلّم- غير كاف في كون اللفظ قرآنا، فإنّ اللفظ أيضا له مدخليّة فيه.

و أما الإخلال بالثاني بالإسكان و حذف الإعراب، فقد صرّح في المنتهى بالبطلان به «2».

و هو بإطلاقه غير صحيح

قطعا، للإجماع بل الضرورة على جواز الوقف، و ليس هو إلّا حذف الإعراب و إسكان المتحرّك إمّا مطلقا أو مع قطع النفس.

ثمَّ بملاحظة عدم اختصاص جواز الوقف أصلا و إجماعا بموضع معيّن- سوى ما وقع الاتفاق على عدم جوازه، كالوقف في خلال الكلمة الواحدة و ما في حكمها كالحرف و مدخولها، بل المضاف و المضاف إليه على ما هو المظنون، حيث إنّ الظاهر الاتفاق على عدم جوازه، مع إيجابه خروج اللفظ عن العربيّة بل القرآنيّة بل عدم إفادة المعنى في الأغلب- يظهر جواز حذف الإعراب و الإسكان في كلّ غير ما ذكر. و هذا التغيير لا يخرج الكلمة عن القرآنيّة، إذ لم يعلم نزول القرآن متّصلا متحرّكا كلّه. و لا عن العربيّة، لأنّ بناء العرب على الوقف فهو يجوز

______________________________

(1) حكاه عن السيد المرتضى في المدارك 3: 338.

(2) المنتهى 1: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 77

قطعا.

و هل يشترط فيه قطع النفس، أو يجوز الإسكان من غير فصل بتوقف أو تنفّس؟

الظاهر: الثاني، للأصل، و عدم دليل على وجوب التحريك أو التوقف أو بطلان الصلاة بدونهما، فإنّ المناط في إيجاب مراعاة الحركات و السكنات و البطلان بالإخلال بها- كما عرفت- هو الإجماع، أو خروج اللفظ عن القرآنيّة أو العربيّة، و لا يعلم شي ء منهما في المقام، بل نرى أنه لو قرأ أحد قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ بإسكان القاف من غير توقف لا يقال: «ما خلق» ليس بقرآن، بخلاف ما لو قال: «خلق» بضمّ الخاء.

و أمّا ما قيل من اتفاق القرّاء و أهل العربيّة على عدم جواز الوقف بالحركة و الوصل بالسكون «1».

فلو ثبت لم يضرّ، لما أشير إليه من أنّ الواجب هو

قراءة القرآن العربي دون القراءة على نحو العرب، و هذا كيفيّة في القراءة، غاية الأمر أنه لا يكون قراءة عربيّة بل يكون قراءة عربيّ، و لم يثبت أزيد من وجوب الأخيرة.

مع أنّ ذلك الاتفاق ممنوع، فإنّا رأينا العرب يسكنون كثيرا من غير توقّف، فينادون: يا علي يا علي، يا حسين يا حسين، يا محمّد يا محمّد، بإسكان الياء و النون و الدال من غير تنفّس و توقّف. و أيضا: لو كان هذا مبطلا لم يجوّزوه في الأذان و الإقامة مع أنّ منهم من صرّح فيه بالجواز، ففي روض الجنان: و لو ترك الوقف أصلا سكّن أواخر الفصول أيضا «2».

غاية الأمر أنه لا يكون وقفا لغة، و عدم وقفيته لا يستلزم عدم الجواز.

مع أنّ إطلاق الوقف على هذا النوع من التوقف مجاز قطعا، فيحتمل أن

______________________________

(1) حكاه المجلسي في البحار 82: 8 عن والده.

(2) روض الجنان: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 78

يكون المعنى المجازي هو مطلق الإسكان فيما من شأنه التحريك، مع أنّ منهم من أطلق الوقف على مجرّد الإسكان، ففي شرح الإرشاد للأردبيلي في مستحبات الأذان و الإقامة: و الوقف بمعنى إسكان أواخر الفصول هنا «1». إلى غير ذلك ممّا مرّ.

فإن قيل: يلزم أن لا يكون فرق بين الكلمات اللّازمة الجزم و غيرها نحو: لم يفعل و يفعل، بل بين النفي و النهي.

قلنا: الفرق في المعنى و اللفظ، أمّا الأول فظاهر، و أمّا الثاني فبجواز التحريك و عدمه، و يحصل الامتياز حين الإسكان بالقصد، و بما هو في الواقع من وجود سبب الجزم و عدمه واقعا، و هو كاف في التفرقة.

و بذلك يظهر جواز الإسكان و الوقف حال جهل الإعراب من غير إشكال، لوجود

الامتياز الواقعي.

و تردّد فيه في المنتهى «2». و ليس بشي ء، إذ لا دليل على وجوب العلم بالإعراب، بل لو كان كذلك لزم بطلان صلاة أكثر العجم، بل العرب، لتعلّمهم مواضع الوقوف من الحمد و السورة موقوفة من غير علمهم بإعرابها.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر أيضا جواز الوقف بالحركة فيما يجوز فيه الوقف، للأصل، و عدم الخروج عن العربيّة، و عدم وجوب القراءة العربيّة لو ثبت عدم قراءة العرب هكذا.

و لو كان بعده همزة الوصل يظهرها، لأنّ الثابت وصلها عند اتصال المتحرّك معها، و كذا لو أسكن ما قبلها من غير توقف لعدم الحركة الموجبة لوصلها، كما في فصول الأذان و الإقامة عند عدم التوقف.

هذا كلّه في أصل الإعراب. و أمّا وصفه من الإشباع كما يفعله القرّاء بل العرب أيضا، فلا يجب و إن واظب عليه العرب، لصدق الضمّة و أخواتها على غير

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 172.

(2) المنتهى 1: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 79

المشبع أيضا، و كون المشتمل عليه قرآنا و عربيّا عرفا.

و إيجاب بعض القرّاء له لا يوجبه، بل الكلّ أيضا كذلك كما مرّ، و لذا ترى الفقهاء في مواضع عديدة ربما يقولون: فلان غير واجب و إن أجمع القرّاء على وجوبه، لعدم وجوب تقليدهم.

ثمَّ الواجب من الحركات و السكنات هو ما وافق إحدى القراءات دون مطلق العربيّة، لما يأتي.

بقي هاهنا شي ء و هو: إنه قد ثبت بما ذكر عدم جواز الإخلال بحرف و لا إعراب و أنه يجب الإتيان بكلّ من الحروف و الإعرابات صحيحا، فهل الصحيح المجزي قراءته هو ما وافق العربية مطلقا، أو إحدى القراءات كذلك و لو كانت شاذّة، أو العشر، أو السبع، أو بالجميع عند الاختلاف؟

ليس الأول و

لا الأخير بالإجماع القطعي، و أمرهم عليهم السلام بالقراءة كما يقرأ الناس «1»، و كما تعلّموا «2»، و لا شك أنّ الناس لا يتجاوزون القراءات.

و منه يظهر بطلان الثاني أيضا.

فالحق جواز القراءة بإحدى العشر.

و التخصيص بالسبع لتواترها أو إجماعيّتها غير جيّد، لمنع التواتر، و عدم دلالة الإجماعيّة على التعيّن، لما عرفت من أنّ مستند التزام جميع الكلمات و الحروف و الإعرابات- مع صدق قراءة القرآن و أم الكتاب عرفا لو وقع الإخلال ببعضها- الإجماع و الخروج عن القرآنية و العربيّة، و شي ء منهما في كل من العشر غير لازم.

و لزوم التكلم بغير ما يعلم أنه قرآن أو تجوز قراءته في غير السبع إذا كان الاختلاف بحرفين فصاعدا، فلا يجوز لإطلاقات النهي عن التكلم، و يتعدّى إلى غيره بعدم الفصل.

______________________________

(1) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23.

(2) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 80

يعارض بجواز القراءة بغير السبع إذا كان الاختلاف بأقلّ من حرفين، لصدق قراءة الفاتحة و القرآن عرفا، و يتعدّى إلى غيره بعدم الفصل، فيبقى الأصل بلا معارض.

فائدة:

من الفاتحة البسملة إجماعا منّا و من أكثر العامة، و هو الحجّة، مضافا إلى الأخبار المتكثرة «1»، فتجب قراءتها فيها.

و كذا في السورة على الأشهر، بل هو أيضا مجمع عليه، لعدم قدح ما نسب إلى الإسكافي من المخالفة في السورة «2»، فبه يردّ قوله، مضافا إلى بعض المعتبرة «3».

و الأخبار المخالفة في الموضعين «4»- لو سلّمت دلالتها- لم تفد أصلا، لشذوذها غايته، و موافقتها العامة «5».

المسألة الرابعة: لا تجزي الترجمة مع القدرة على القراءة العربيّة

بإجماعنا المحقّق، و المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة كالناصريّات و الخلاف و المنتهى و الذكرى و المدارك «6»، و هو الحجّة فيه. مضافا إلى عدم كون الترجمة:

القرآن أو الفاتحة أو السورة المأمور بقراءتها، لصحة السلب، و تبادر غيرها. و لا دلالة لقوله تعالى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ «7».

المسألة الخامسة: يجب ترتيب آيها و كلماتها على الوجه المنقول،

لقولهم

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 57 أبواب القراءة ب 11.

(2) نسبه اليه الشهيد في الذكرى: 186.

(3) انظر: الوسائل 6: 58 أبواب القراءة ب 11 ح 5.

(4) انظر: الوسائل 6: 60 أبواب القراءة ب 12.

(5) انظر: بداية المجتهد 1: 126، و المغني 1: 558 و 568.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 197، الخلاف 1: 343، المنتهى 1: 273، الذكرى: 186، المدارك 3: 341.

(7) الانعام: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 81

عليهم السلام: «اقرؤوا كما يقرأ الناس» و «كما تعلّمتم» و للإجماع، و لأنه المتبادر من قراءة الحمد أو السورة التامة، كما هو مقتضى الأخبار و الإجماع. مع أنّ بمخالفة الترتيب بين الكلمات يخرج الكلام عن العربيّة أو القرآنيّة كثيرا، و بالمخالفة الكثيرة بين الآيات عن الفاتحة أو السورة.

المسألة السادسة: لا تجب القراءة من الحفظ على الأصح،

وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف و المبسوط و النهاية «1»، و صريح الفاضلين «2»، و اختاره الأردبيلي «3»، و صاحب الذخيرة «4»، و بعض مشايخنا المحققين «5»، و هو مختار والدي- رحمه اللَّه- في المعتمد، للأصل، و إطلاقات القراءة، و رواية الصيقل: ما تقول في الرجل يصلّي، و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال: «لا بأس بذلك» «6».

و خلافا للشهيد «7» و من تبعه «8»، فأوجبها إلّا مع العجز عن الحفظ.

لأصل الاشتغال.

و عدم تبادر مثل ذلك من الإطلاقات، سيّما بملاحظة المنع عن النظر في المصحف المفتوح الذي في قبلته «9».

______________________________

(1) الخلاف 1: 427، المبسوط 1: 109، النهاية: 80.

(2) المحقق في المعتبر 2: 174، العلامة في المنتهى 1: 274.

(3) مجمع الفائدة 2: 212.

(4) الذخيرة: 272.

(5) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) التهذيب 2: 294- 1184، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 41 ح 1.

(7) الذكرى: 187.

(8)

كالشهيد الثاني في المسالك 1: 30.

(9) انظر: الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 82

و المروي في قرب الإسناد للحميري: عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلّي، قال: «لا يعتدّ بتلك الصلاة» «1».

و يردّ أصل الاشتغال بما مرّ من الإطلاق و الرواية، و تخصيص الإطلاق بالسورة لا وجه له.

و عدم التبادر بعدم المضرّة، و إنّما المضرّ تبادر الغير و هو ممنوع، كيف؟! مع أنه لو نذر أحد أن يقرأ سورة يحكمون بالبراءة بالقراءة عن المصحف قطعا، بل يحملون مطلقات مرغّبات التلاوة و القراءة على الأعمّ، و لو رأوا حديثا أنه يستحب قراءة القرآن كلّ يوم كذا و كذا آية، يحملونها على الأعمّ، بل يجعلون القراءة من المصحف أولى و أتمّ.

و أما المنع عن النظر إلى المصحف المفتوح، فإنّما هو على الكراهة و هي في المقام مسلّمة، مع أنّ النظر إليه لغير القراءة ربما يشوّش القراءة و يختلط معها، ففيه من المنع ما ليس فيما كان للقراءة.

و رواية قرب الإسناد بالضعف الخالي عن الجابر، مع أنّ في دلالتها على الوجوب نظرا ظاهرا، لخلوّها عن الدالّ عليه. نعم تدل على المرجوحية و الكراهة و هي مسلّمة.

هذا كلّه مع الاختيار، و أما بدونه فيجوز قطعا، و الظاهر أنه لا خلاف فيه.

المسألة السابعة: من لم يعلم الفاتحة أو شيئا منها يجب عليه أحد الأمور الثلاثة:

التعلّم، أو الائتمام، أو متابعة القارئ، من باب المقدّمة، إجماعا، فإنّه يجب أحد الأمرين من قراءة الحمد أو الائتمام، و تحقّقه يتوقف على أحد الثلاثة.

و الأكثر لم يذكروا غير الأوّل، و لعلّه من باب التمثيل كما قيل، أو لأجل

______________________________

(1) قرب الإسناد: 195- 742، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 5، ص: 83

تعيّنه لعدم إمكان الأخيرين غالبا سيّما في كلّ صلاة، فهما غير مقدوران كلّية عادة، فانحصر في الأول «1».

و فيه نظر، لأنه قد يعلم الاقتدار على الائتمام في الصلاة الحاضرة.

فإن تعذّر لضيق وقت أو نحوه فإمّا يعلم بعض الفاتحة أو لا يعلم.

فإن علم بعضها فإمّا يكون آية تامة أو غير تامة.

فإن كانت تامة وجبت قراءتها بلا خلاف كما في الذخيرة و الحدائق «2»، بل إجماعا كما في المدارك «3»، لإطلاقات الأمر بالقراءة و قراءة القرآن «4» الصادقة مع ذلك قطعا.

و تقييدها بالفاتحة بأخبارها مخصوص بالإمكان البتّة، لعدم التكليف بما لا يمكن، و لنحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «5».

إلّا أنّ الأول لا يدل على تعيين ما يعلم من الفاتحة، و الثاني غير دالّ كما مرّ مرارا.

فإن ثبت الإجماع البسيط أو المركّب كما هو الظاهر، و إلّا فالاكتفاء بمطلق القرآن قويّ جدّا.

و هل يجب التعويض عن الباقي؟ كما عن نهاية الإحكام و في شرح القواعد «6»، و عن روض الجنان نسبته إلى أكثر المتأخرين «7»، أم لا؟ كما عن ظاهر

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الذخيرة: 272، الحدائق 8: 110.

(3) المدارك 3: 343.

(4) من الأخبار الآمرة بقراءة القرآن صحيحة ابن سنان و فيها: «لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي». منه رحمه اللَّه تعالى. و الرواية في التهذيب 2:

147- 575، الاستبصار 1: 310- 1153، الوسائل 6: 42 أبواب القراءة ب 3 ح 1.

(5) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(6) نهاية الاحكام 1: 475، جامع المقاصد 2: 251.

(7) روض الجنان: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 84

المعتبر و المنتهى «1»، و في صريح المدارك

«2»، و المعتمد.

الحقّ هو الثاني، للأصل.

دليل الأول: توقف اليقين بالبراءة عليه.

و دلالة الأمر بالحمد على وجوبه و وجوب هذا القدر، و لا يسقط الثاني لسقوط الأول.

و قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «3».

و قوله: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «4» خرج منه ما خرج بالإجماع فيبقى الباقي و منه ما لا عوض فيه.

و يجاب عن الأول: بأنه مع التعذر لم يعلم الاشتغال بالأزيد.

و عن الثاني: بأنّ الدلالة التبعيّة منتفية بانتفاء المطابقة.

و عن الثالث: بعدم الدلالة كما مرّ.

و عن الرابع: بأنه لا يعلم أنّ المراد منه نفي الذات الذي هو الحقيقة، لمعارضته مع إطلاق الصلاة على الفاقدة لها في صحيحة ابن سنان الآتية «5»، و في أخبار سهو القراءة «6»، و لا يتعيّن كون مجازه نفي الصحة.

مع أنه على فرض تسليم الحقيقة تكون غاية ما يدل عليه نفي الصلاتية، و لا بأس بتسليمه في المورد و لو مع التعويض، و يلزمه عدم وجوب الصلاة عليه لعدم إمكانها- على ذلك- في حقّه، و يكون ما يجب عليه- بالإجماع و غيره- بدلا عن الصلاة، و وجوبه بل مع تسميته في لسان المتشرّعة صلاة لا يستلزم كونه صلاة حقيقة. فلا يفيد قوله: «لا صلاة» للمورد.

______________________________

(1) المعتبر 2: 170، المنتهى 1: 274.

(2) المدارك 3: 341.

(3) المزمل: 20.

(4) عوالي اللئالي 1: 196- 2 و ج 2: 218- 13 و ج 3: 82- 65.

(5) في ص 86.

(6) انظر: الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 و ص 88 ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 85

أو نقول: بعد إثبات صحة الفاقدة للعوض بالأصل تثبت صلاتيته بعدم الفصل، فإنّ كلّ ما يصح من هذه الأفراد فهو صلاة قطعا.

ثمَّ على القول بالتعويض هل يجب

أن يكون بتكرار ما يعلم من الحمد مقدّما على غيره من القرآن أو الذّكر- لأقربيته إلى الفاتحة كما في التذكرة «1»-؟ أو بغيره من القرآن؟ أو مطلق الذكر مقدّما على التكرار- كما في شرح القواعد «2»، لئلّا يكون شي ء واحد بدلا و أصلا-؟ أو بأحد الأوّلين و إلّا فبالثالث؟ أو بأحد الثانيين و إلّا فبالأول؟ أو التخيير بين الجميع؟.

أوجه، مقتضى بعض أدلّة التعويض: الثالث، و مقتضى الأصل: الأخير.

و اعتبار الأقربيّة ممنوع. و استلزام التكرار لوحدة الأصل و البدل غير مسلّم، لأن المكرّر غير الأصل.

و قيل: و على التعويض مطلقا تجب مراعاة الترتيب بين البدل و المبدل منه، فإن علم الأول أخّر البدل، أو الآخر قدّمه، أو الطرفين وسّطه بينهما، أو الوسط حفّه بهما «3».

و لا دليل تاما على وجوبه، و الأصل ينفيه.

و إن كانت غير تامة ففي وجوب قراءتها [مطلقا] «4» أو عدمه كذلك، أو التفصيل بين تسميته قرآنا و عدمها.

أقوال، أقواها: الثاني، إذ الإجماع الذي هو الدليل في الآية التامة منتف هنا قطعا، فالاكتفاء هنا بمطلق القراءة قويّ «5».

و إن لم يعلم شيئا منها فإمّا يعلم شيئا من القرآن غيرها أم لا.

______________________________

(1) التذكرة 1: 115.

(2) جامع المقاصد 2: 250.

(3) انظر: الروضة البهية 1: 267، و الرياض 1: 158.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.

(5) في «ه»: أقوى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 86

فإن علمه وجبت عليه قراءته على الأشهر الأظهر، بل قيل: إنه لا خلاف فيه «1»، للنبوي المنجبر الآمر بقراءة القرآن بعد العجز بقوله: «و إن كان معك قرآن فاقرأ و إلّا فاحمد اللَّه و كبّره و هلّله» «2».

و للإطلاقات المتقدمة.

و صحيحة ابن سنان: «إن اللَّه فرض من الصلاة الركوع و السجود،

ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام ثمَّ لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي» «3».

و ظاهر الشرائع التخيير بينه و بين مطلق الذكر «4». و هو ضعيف لا أعرف وجهه.

و إن لم يعلم يجب عليه الذّكر، للإجماع. لا للنبوي و منطوق الصحيح، لدلالة الأول على وجوب ذكر خاص لم يثبت الانجبار فيه، و عدم صراحة الثاني في الوجوب.

و هل الواجب مطلق الذكر كما ذهب إليه طائفة «5»؟ أو التسبيح و التكبير كما هو ظاهر بعض مشايخنا «6»؟ أو بضمّ التهليل معهما كجماعة منهم الشرائع «7»؟ أو التحميد مع الثلاثة كبعضهم «8»؟ أو مطلق الذكر و التكبير كما عن الخلاف «9»؟

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 217.

(2) سنن البيهقي 2: 380.

(3) التهذيب 2: 147- 575، الاستبصار 1: 310- 1153، الوسائل 6: 42 أبواب القراءة ب 3 ح 1.

(4) الشرائع 1: 81.

(5) منهم الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 268، و الشهيد الثاني في الروضة البهية 1: 268

(6) انظر: الحدائق 8: 112.

(7) الشرائع 1: 82، و منهم الشيخ في المبسوط 1: 107، و العلامة في الإرشاد 1: 253 و الفيض في المفاتيح 1: 129.

(8) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 474.

(9) الخلاف 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 87

أو تعين ما يجزي في الأخيرتين من التسبيح كما في الذكرى «1» و جعله في المدارك «2» الأحوط؟.

أقوال، أقواها: الأول، للإجماع على ثبوته، و أصالة عدم وجوب الزائد، إذ لا دليل على سائر الأقوال إلّا النبوي لبعضها، و الصحيح لبعض آخر، و ثبوت بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين منهما، للأخير.

و قد عرفت عدم ثبوت

الوجوب من الأوّلين، و الأخير ضعيف غايته، لمنع البدلية في الأخيرتين أوّلا، و منع إيجابها لوجوب التبديل به في الأوليين ثانيا.

ثمَّ إنّه هل تجب مساواة البدل من القرآن أو الذكر للفاتحة أم لا؟.

المشهور بين المتأخرين الأول، و لا دليل عليه سوى مثل ما مرّ من أدلّة التعويض، و قد عرفت ضعفها.

و الأصل يقتضي العدم، فهو الأقوى وفاقا للمعتبر «3» و جمع آخر «4».

ثمَّ على القول بوجوب المساواة ففي وجوبها في الآيات أو الحروف أو فيهما معا، أقوال، أظهرها بل- كما قيل «5»- أشهرها أيضا الثاني.

و الظاهر عدم وجوب كون الذكر بالعربيّة، للأصل.

نعم يتّجه الوجوب على القول بوجوب الأذكار الخاصّة المتقدّمة، لأصل الاشتغال، حيث إنّ المعنى المراد من التكبير و التسبيح و نحوهما مجازا- لعدم إرادة معناها الحقيقي المصدري قطعا- متعدّد و لا يعلم التعيّن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    88     المسألة السابعة: من لم يعلم الفاتحة أو شيئا منها يجب عليه أحد الأمور الثلاثة: ..... ص : 82

م لو عجز عن العربيّة يحتمل جواز غيرها بل وجوبه، و يحتمل العدم على

______________________________

(1) الذكرى: 187.

(2) المدارك 3: 343.

(3) المعتبر 2: 169.

(4) انظر المبسوط 1: 107، و مجمع الفائدة 2: 216، و المدارك 3: 343، و المفاتيح 1: 129.

(5) انظر: الروضة البهية 1: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 88

تلك الأقوال، لعدم ثبوت التوقيف.

ثمَّ إنّ هذا كلّه في الذي لا يعلم الفاتحة كلا أو بعضا بالمرّة.

هاهنا قسم آخر و هو الذي يعلمها كلا و لكن مع غلط و تبديل في الحروف و الكلمات.

و هو على قسمين: لأنه إمّا يمكنه التعلّم و التصحيح، أو لا يمكنه.

و الأول على قسمين:

أحدهما:

أن يقصّر حتى ضاق الوقت.

و ثانيهما:

أن لا

يقصّر بل يشتغل بالتصحيح حتى ضاق الوقت و لكن لم يصحّحه حتى ضاق.

و الثاني- و هو الذي لا يمكنه التعلّم- أيضا على قسمين: لأنه إمّا لأجل نقصان في لسانه كالذي يبدّل بعض الحروف ببعض كالفأفاء «1» و التمتام «2» و الألثغ «3» و بعض من نشاهد أنه ليس له مخرج الخاء «4» أو العين.

أو ليس لأجل ذلك و لا نقصان في لسانه و لا في مخارجه، بل لا ينطلق لسانه بأداء كلمة و إن تكلّم بجميع حروفها صحيحة في لغته كما نشاهد كثيرا.

و حكم الأخيرين- على ما صرّح به في الذكرى «5»، و هو ظاهر المنتهى و شرح القواعد «6»، و غيره «7»، بل لعلّه إجماعي- هو القراءة بمقدوره، أي بما يعلمه و عليه جرى لسانه، كما يدلّ عليه الحديث المشهور: «إنّ سين بلال عند اللَّه شين» «8».

______________________________

(1) الفأفاء على فعلال هو الذي يتردد في الفاء إذا تكلّم. الصحاح 1: 62.

(2) التمتام هو الذي يتردد في التاء. الصحاح 5: 1878.

(3) الألثغ هو الذي يصيّر الراء غينا أو لاما، و السين ثاء. الصحاح 4: 1325.

(4) في «ق» و «س»: الحاء.

(5) الذكرى: 188.

(6) المنتهى 1: 274، جامع المقاصد 2: 252.

(7) كالذخيرة: 273.

(8) عدة الداعي: 21، مستدرك الوسائل 4: 278 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 89

و رواية السكوني: «إنّ الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته» «1».

و المروي في قرب الإسناد للحميري: سمعت جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: «إنك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه

ذلك، فهذا بمنزلة العجم المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح، و لو ذهب العالم المتكلّم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه و يعمل به و ينبغي له أن يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطيّة و الفارسية لحيل بينه و بين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما قد علمه و عقله، [قال:] و لو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرّم ففعل فعال الأعجمي و الأخرس على ما وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا للشي ء من الخير و لا يعرف الجاهل من العالم» «2».

و أما الأوّلان فالظاهر أنّ وجوب قراءة ما يعلمه حسنا إجماعي. و أمّا ما لا يعلمه كذلك فالظاهر- كما هو مقتضى الأصل- عدم وجوب قراءته، لأنّ الغلط ليس بقرآن بل هو كلام غير القرآن موجب للبطلان.

ثمَّ إذا تركه هل يترك ما يتعلق به لفظا أو معنى و إن أحسنه، أم لا؟

الظاهر: نعم، لخروج الباقي حينئذ عن كونه قرآنا، بل ذكرا.

و الأحوط تكرير الصلاة بترك الغلط و ما يتعلّق به تارة و قراءته اخرى.

المسألة الثامنة: قراءة الأخرس و تشهّده تحريك لسانه بهما مهما أمكن،

لظاهر الإجماع، و رواية السكوني المتقدّمة في تكبيرة الإحرام «3».

______________________________

(1) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 1، الوسائل 6: 221 أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4.

(2) قرب الاسناد: 48- 158، الوسائل 6: 150 أبواب القراءة ب 67 ح 2. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(3) في ص 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 90

و مقتضاها وجوب الإشارة بالإصبع أيضا، و كذا يجب عقد القلب بأن يقصد أنّ هذا التحريك للقراءة، لما مرّ في التكبيرة «1».

و أمّا عقده بمعناها فذكره جماعة «2»، و لا دليل عليه، و

الأصل ينفيه.

المسألة التاسعة: تجب قراءة سورة كاملة بعد الحمد-
اشاره

في كلّ من الركعتين الأوليين من الفرائض و ركعتي الفجر مع عدم الاضطرار كالخوف أو الضيق أو عدم إمكان التعلّم- عند الشيخ في التهذيب «3»، و الاستبصار و الخلاف و الجمل «4»، و العماني «5»، و السيّد، و الحلبي، و الحلّي، و القاضي «6»، بل الأكثر كما صرّح به غير واحد «7»، بل عن الانتصار و أمالي الصدوق و الغنية و الوسيلة، و القاضي: الإجماع عليه «8»، و به تشعر عبارة التهذيب أيضا.

و هو الأظهر.

لا للإجماعات المنقولة.

أو قوله سبحانه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «9».

______________________________

(1) في ص 21.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 188.

(3) حيث قال في التهذيب 2: 72: و عندنا أنه لا تجوز قراءة هاتين السورتين- يعني و الضحى و ألم نشرح- إلّا في ركعة واحدة. و لا يتم «لا تجوز» إلّا على القول بالوجوب لجواز التبعيض على القول بالاستحباب. منه رحمه اللَّه تعالى.

(4) الاستبصار 1: 314، الخلاف 1: 335، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 180.

(5) حكاه عنه في المختلف: 91.

(6) السيد في الانتصار: 44، الحلبي في الكافي: 17، الحلي في السرائر 1: 221، القاضي في المهذب 1: 97.

(7) كالعلامة في المنتهى 1: 271، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 268.

(8) الانتصار: 44، أمالي الصدوق: 512، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الوسيلة: 93.

(9) المزمل: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 91

أو التأسّي.

أو الأخبار البيانيّة «1» و لو بضميمة قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «2».

أو صحيحة منصور: «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «3».

أو الرضوي المنجبر بما مرّ: «تقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين، و لا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة» «4».

أو صحيحة زرارة في المسبوق:

«قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة، فإن لم يدرك سورة تامة أجزأته أمّ الكتاب» الحديث «5».

أو معاوية: «من غلط في سورة فليقرأ قل هو اللَّه أحد ثمَّ ليركع» «6».

أو ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «7».

أو محمّد بن إسماعيل: أكون في طريق مكّة، فننزل للصلاة في موضع يكون فيه الأعراب، أ نصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أمّ الكتاب وحدها أم نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال: «إذا خفت فصلّ على الراحلة

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(2) صحيح البخاري 1: 162.

(3) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 12، التهذيب 2: 69- 253، الاستبصار 1:

314- 1167، الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 105، مستدرك الوسائل 4: 160 أبواب القراءة ب 3 ح 3.

(5) الفقيه 1: 256- 1162 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1:

436- 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

(6) التهذيب 2: 295- 1187، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 43 ح 1.

(7) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 9، التهذيب 2: 70- 256، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 92

المكتوبة و غيرها، فإن قرأت الحمد و السورة أحبّ إليّ» «1».

حيث إنّه لو لا وجوب السورة لما جاز لأجلها ترك القيام و الاستقرار الواجبين.

أو الحلبي: «لا بأس أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا أعجلته حاجة أو تخوّف شيئا» «2».

حيث دلّ

المفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب و الشدّة- في ترك السورة مع عدم الخوف أو الحاجة.

أو محمّد: عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ قال: «لا، لكلّ سورة ركعة» «3».

أو المروي في علل ابن شاذان: «و إنما بدئ بالحمد دون سائر السور» الخبر «4».

حيث إنّه لو لا وجوب السورة لما صحّ إطلاق لفظ البدأة.

أو الأخبار الناهية عن القران بين السورتين في الفريضة «5»، حيث إنّه لا وجه له إلّا لزوم زيادة الواجب في الصلاة عمدا.

أو عن العدول من سورتي التوحيد و الجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة و المنافقين «6»، حيث إنّه لو لا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنهما و لم يجب

______________________________

(1) الكافي 3: 457 الصلاة ب 91 ح 5، التهذيب 3: 299- 911، الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 2: 71- 261، الاستبصار 1: 315- 1172، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 70- 254، الاستبصار 1: 314- 1168 و فيه: لكل ركعة سورة، الوسائل 6:

44 أبواب القراءة ب 4 ح 3 و ص 50 ب 8 ح 1.

(4) عيون اخبار الرضا 2: 105، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 3.

(5) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.

(6) الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 93

إتمامهما.

لضعف الأوّل: بعدم الحجّية.

و الثاني: بعدم الدلالة كما مرّ.

و الثالث: بعدم الوجوب.

و الرابع: بعدم إثباته للوجوب كما مرّ مرارا، و عدم ثبوت اشتمال ما قال بعده: «صلّوا» للسورة.

و الخامس «1»: بعدم صراحته في الوجوب، لجواز كون قوله: «لا تقرأ» نفيا و هو غير مثبت للتحريم. و لو كان نهيا لما

أفاد التحريم، لجواز قراءة الأكثر بالعدول، فيجب الحمل على المرجوحيّة لئلّا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.

و إمكان تخصيص الأكثر بغير العدول لا يفيد، لعدم ثبوت أولويته من التجوّز في نحو ذلك المقام.

و السادس: بما مرّ أيضا، لكونه إخبارا.

و منه يظهر ضعف السابع أيضا، و أمّا مفهوم قوله فيه: «فإن لم يدرك» فلا يفيد، لأنّ عدم الإجزاء يكون في المستحب أيضا.

و الثامن: بعدم كون الأمر فيه للوجوب المعيّن الذي هو حقيقته، و مجازه كما يمكن أن يكون الوجوب التخييري يمكن أن يكون استحبابا- و منه يظهر عدم دلالة سائر الأخبار المتضمّنة للأمر بقراءة سورة معيّنة «2»- مع أنه معارض بصحيحة زرارة «3».

و التاسع: بأنه استدلال بمفهوم الوصف، و هو غير ثابت الاعتبار، و لا دلالة في المقابلة بالصحيح على اعتبار مفهوم المريض أصلا.

______________________________

(1) و قد يضعف الخامس بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسورة في غير الفاتحة. و فيه: أنّ ذكره الأكثر يعيّن إرادته. منه رحمه اللَّه تعالى.

(2) انظر: الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4.

(3) المتقدمة في ص 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 94

و العاشر: بعدم صراحته في أنّ الأمر بالصلاة على الراحلة وجوبا أو تخييرا لأجل المحافظة على السورة، بل لعلّة اخرى.

و ظهور سوق السؤال في قطع السائل بوجوب السورة ممنوع، و لو سلّم فتقريره إنما هو على الاعتقاد، و في حجيته بإطلاقه نظر.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بالتقرير على الاعتقاد في صحيحة أخرى:

قلت: أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟

قال: «فاتحة الكتاب» «1».

و الحادي عشر: بدلالة منطوقه على نفي البأس في ترك السورة مع مطلق الحاجة و لو كانت يسيرة، و به يثبت عدم الوجوب مطلقا بالإجماع

المركّب، فيعارض المفهوم، و تخصيصه ببعض الحاجات ليس بأولى من إرادة المرجوحيّة من البأس.

و الثاني عشر: بعدم الدلالة و إنّما كان دالا لو قال: لكلّ ركعة سورة، مع أنّ في دلالته أيضا خدشة.

و الثالث عشر: بأنّ البدأة يمكن أن تكون بالنسبة إلى الركوع و السجود دون السورة، مع أنه لو كانت بالنسبة إليها أيضا لما دلّ على وجوبها، و لذا يصحّ أن يقال: إنّما بدئ بالقراءة قبل القنوت لأجل الفلان.

و الرابع عشر: باحتمال كون الوجه لزوم التشريع، فإنّ الزيادة في المستحب بدون التوقيف أيضا غير جائزة.

و الخامس عشر: بأن تحريم العدول لا يوجب الإتمام، لاحتمال الترك، فيجوز أن يكون نفس العدول عن سورة مستحبّة حراما.

بل «2» لرواية يحيى بن أبي عمران- المنجبر ضعفها لو كان- بل صحيحته

______________________________

(1) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 28، التهذيب 2: 147- 576، الاستبصار 1:

310- 1152، الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.

(2) عطف على قوله: لا للإجماعات المنقولة .. (في ص 90).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 95

كما قيل «1»: ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها، فقال العبّاسي: ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطّه: «يعيدها مرّتين على رغم أنفه» العبّاسي «2».

و لو لا وجوب السورة الكاملة لم يكن في ترك البسملة البأس- الذي هو العذاب- كما قال العبّاسي فلم يكن وجه لرغم أنفه.

و تؤيّده رواية عمر بن أبي شعبة في حكم من يصلّي خلف من لا يقتدى به:

أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: «فأتمّ السورة و مجّد اللَّه و أثن عليه حتى يفرغ» «3».

و

جعلها مؤيّدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للسورة في غير الفاتحة.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «4»، و نهاية الشيخ «5»، و الديلمي «6»، و المعتبر و المنتهى «7» و مال إليه في المدارك و الذخيرة «8»، و جمع آخر من المتأخرين «9»، فلم يوجبوا إتمامها كما عن الأول، أو مطلقا كالباقين، للصحيحين المصرّحين بجواز أمّ الكتاب وحدها في الفريضة «10»، و الأخبار الدالة على جواز

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 272، و غنائم الأيام: 184.

(2) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 2، التهذيب 2: 69- 252 و فيه: يحيى بن عمران، الاستبصار 1: 311- 1156، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 3.

(3) التهذيب 3: 38- 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.

(4) حكاه عنه في المختلف: 91.

(5) النهاية: 75.

(6) المراسم: 69.

(7) المعتبر 2: 173، المنتهى 1: 272.

(8) المدارك 3: 347، الذخيرة: 268.

(9) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 198، و المحقق السبزواري في الكفاية: 18، و الفيض في المفاتيح 1: 131.

(10) الأول: التهذيب 2: 71- 259، الاستبصار 1: 314- 1169، الوسائل 6: 39 أبواب القراءة ب 2 ح 1.

الثاني: التهذيب 2: 71- 260، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 96

تبعيض السورة في الصلاة أو الفريضة «1».

و يجاب عنها بكونها أعمّ مطلقا من دليل الوجوب، لاختصاصه بعدم الاضطرار إجماعا و عمومها بالنسبة إليه، و الخاص مقدم على العام قطعا.

مع أنهما لو تعارضا أيضا لكان الترجيح لدليل الوجوب، لمخالفته للعامة «2»، و موافقته للشهرة العظيمة، بل كما قيل: الإجماع من القدماء «3»، لتشويش كلام النهاية، و إيجاب الإسكافي بعض السورة، فلم يبق إلّا الديلمي، و

هو واحد معروف لا يقدح خلافه في الإجماع. كما لا يقدح خلاف الإسكافي، لكونه منفردا فيما ذهب إليه.

و منه يظهر وجه آخر لردّ الصحيحين، و هو: مخالفتهما لشهرة القدماء المخرجة لهما عن الحجيّة.

و لردّ دلالة أخبار التبعيض على [عدم ] «4» وجوب السورة الكاملة، و هو:

توقف دلالتها عليه على عدم الفصل، و هو غير ثابت.

هذا، مضافا إلى ما في كثير من أخبار التبعيض من عدم الدلالة على جواز الاكتفاء بالبعض:

كصحيحة ابن يقطين «5»، لتضمنها للفظ الكراهة الأعمّ لغة من الحرمة.

و صحيحة سعد بن سعد «6»، لعدم نفيها لقراءة سورة أخرى زائدة على

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 46 أبواب القراءة ب 5. و سيشير المصنف (ره) إلى بعض منها في الصفحة الآتية.

(2) انظر: الام 1: 109، و المجموع 3: 388، و المغني 1: 568.

(3) انظر: الرياض 1: 159.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.

(5) التهذيب 2: 296- 1192، الاستبصار 1: 316- 1178، الوسائل 6: 44 أبواب القراءة ب 4 ح 4.

(6) التهذيب 2: 295- 1191، الاستبصار 1: 316- 1177، الوسائل 6: 45 أبواب القراءة ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 97

قراءة ما بقي من السورة الاولى. و أمّا تقريره عليه السلام على قراءة النصف في الركعة الأولى فغير حجّة في المقام، لأنّ حجّيّته إنّما هي مع عدم المانع المنفي بالأصل الغير الجاري هنا، لوجود مانع التقية.

و صحيحة عمر بن يزيد المقيّدة لجواز التبعيض بما إذا زادت عن ثلاث آيات «1»، لعدم صراحتها في إرادة البعض، بل و لا ظاهرة، لاحتمال إرادة قراءة سورة واحدة في كل من الركعتين.

و استبعاده- من جهة أنه لو أريد ذلك لم تكن للتقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة- مردود

بجواز كراهة التكرير حينئذ تعبّدا، و عدم القول به مشترك الورود.

مع أنّ روايات التبعيض تعارض بعضها بعضا من حيث الإطلاق و التقييد بما إذا كانت ستّ آيات أو زائدة على ثلاث، و إن أمكن دفعه بمرجوحيّة المقيّد منها بعدم القائل، و رجحانه لتقييده لو كان به قائل.

فرع:

لا تجب قراءة السورة- مطلقة و لا معيّنة- شرعا في النوافل مطلقا و لو في الرواتب، للأصل، و الإجماع. و لا تحرم الزيادة من السورة فيها إجماعا و أصلا و نصّا «2».

و لكن يستحب مطلقها في مطلقها شرعا، إجماعا محقّقا و منقولا «3».

و يجب ما وظّف- من المطلقة أو المعيّنة الواحدة أو المتعدّدة- شرطا فيما وظّف فيه، للتوظيف. و مع ترك الموظّف فيه يكون المأتي به فاسدا، لعدم انطباقه على ذلك الأمر التوظيفي و هو ظاهر، و لا على غيره من المطلقات، لانتفاء القصد إليه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 71- 262، الاستبصار 1: 315- 1173، الوسائل 6: 47 أبواب القراءة ب 6 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.

(3) كما في الرياض 1: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 98

المسألة العاشرة: يجب تقديم الحمد على السورة،

لموثّقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب- إلى أن قال:- «ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات» «1».

و رواية محمّد: عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: «لا صلاة له إلّا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات» «2».

و تؤيده رواية العلل و الرضوي المتقدّمتان «3»، و ما ورد في بيان بدو الصلاة ليلة المعراج من أمره سبحانه بالسورة بعد الأمر بالحمد «4»، إلى غير ذلك.

فلو عكس فإن كان عمدا و لم يقرأ سورة بعد الحمد حتى ركع بطلت الصلاة قطعا.

و لو قرأها بعدها أيضا فالمحكي عن القواعد و المنتهى و شرح القواعد و الذكرى و الدروس و البيان و المسالك «5»- بل كما قيل هو المشهور «6»- البطلان أيضا، لتعلق النهي بالجزء أو الوصف، و هو مفسد.

أمّا الثاني

فظاهر.

و أمّا الأوّل فللأمر بقراءة الحمد مقدّمة على السورة و تضادّها قراءة السورة قبله، أو للأمر بتقديم الحمد المضادّ لتأخيره، و الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 2 و ص 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(2) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 28، التهذيب 2: 146- 573، الاستبصار 1:

354- 1339، الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.

(3) في ص 91 و 92.

(4) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(5) القواعد 1: 33، المنتهى 1: 272، جامع المقاصد 2: 255، الذكرى: 188، الدروس 1:

171 البيان: 157، المسالك 1: 30.

(6) انظر: الحدائق 8: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 99

مع أنّ المستفاد من الروايتين الأوليين أيضا البطلان.

و يضعف الأول: بأنّ المأمور به هو تقديم الحمد على السورة التي تجب في الصلاة- و هو يتحقق بقراءة سورة أخرى بعده- لا على مطلق السورة.

و الثاني: بأنه لا شك في عدم بقاء الابتداء في الروايتين على معناه الحقيقي، لتقدّم التكبيرة و دعاء الافتتاح على الحمد، و ليس الابتداء عامّا أو مطلقا حتى يقتصر فيه على القدر الثابت، بل المراد الابتداء الإضافي، و يمكن كون المضاف إليه السورة الواجبة في الصلاة.

و ظاهر الشرائع و صريح المدارك الصحة «1»، للأصل.

و قيل بالأول مع اعتقاد كون السورة الأولى هي الواجبة، لكونه بدعة.

و بالثاني مع عدمه «2».

و فيه: أنه لا اعتقاد إلّا مع دليل، و معه لا بدعة.

و التحقيق: أنّه يجب بناء المسألة على مسألة القران بين السورتين، فإن

حرّمناه مطلقا بطلت الصلاة، و إلّا فلا.

و إن كان سهوا و لم يتذكر حتى ركع صحّت الصلاة، و إن تذكّر قبله قرأ سورة بعد الحمد، لبقاء وقتها.

و هل يعيد الحمد لو كان التذكّر بعد قراءته؟.

ظاهر القواعد: نعم «3»، و صريح شرحه: لا «4»، و هو الأقوى للأصل.

و كذا في صورة العمد على القول بالصحة لو أراد إعادة السورة بعد الحمد قبل قراءته. و كذا لو أرادها بعده مع قراءة الحمد بقصد القربة كمن لا يعلم البطلان بالإخلال بالترتيب. و إن قرأه على وجه لا تتأتى فيه القربة فيعيده.

______________________________

(1) الشرائع 1: 82، المدارك 3: 351.

(2) انظر: مجمع الفائدة 2: 219.

(3) القواعد 1: 33.

(4) جامع المقاصد 2: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 100

و أمّا على البطلان فيعاد جميع ما فعل من أجزاء الصلاة.

المسألة الحادية عشرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة عزيمة على الأظهر الأشهر،
اشاره

و عليه الإجماع عن الانتصار و نهاية الشيخ و خلافه و الغنية و شرح القاضي لجمل السيد و نهاية الفاضل و تذكرته «1»، و يظهر من شرح الإرشاد للأردبيلي «2»، و صرّح به بعض مشايخنا أيضا «3».

بل الظاهر تحقّق الإجماع، لعدم نقل خلاف فيه من القدماء إلّا من الإسكافي «4». و كلامه ليس صريحا فيه، لاحتمال إرادته النسيان أو التقيّة، مع أنه لو كان صريحا أيضا لم يقدح في الإجماع. فهو الحجّة في المسألة.

لا غيره مما ذكروه كرواية زرارة: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» «5».

و موثّقة سماعة: «من قرأ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فإذا ختمه فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و يركع» و قال: «إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع، و لا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوّع» «6».

و استلزامه

أحد الأمرين: إمّا الإخلال بالسجود، أو زيادة سجدة في الصلاة، و كلاهما محذوران:

______________________________

(1) الانتصار: 43، النهاية: 77، الخلاف 1: 426، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، شرح الجمل: 86، نهاية الإحكام 1: 466، التذكرة 1: 116.

(2) مجمع الفائدة 2: 231 و 232.

(3) كصاحب الحدائق 8: 155، و صاحب الرياض 1: 160.

(4) حكاه عنه صاحب الرياض 1: 160.

(5) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 6، التهذيب 2: 96- 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40 ح 1.

(6) التهذيب 2: 292- 1174، الاستبصار 1: 320- 1191، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 101

أمّا الأول، فلفوريّة السجود بالإجماع- على الظاهر- المصرّح به في حملة من كلمات الأصحاب «1»، و الأخبار «2» حتى روايات المسألة الظاهرة في المخالفة، لتضمّنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة، و لو لا الفوريّة لما كان له وجه بالمرّة.

و أمّا الثاني، فلما مرّ من الخبرين الدالّين على بطلان الصلاة بالزيادة فيها في بحث التكبيرة «3»، مع إشعار به في رواية زرارة، بل لعلّه إجماعي كما صرّح به بعض الأجلّة «4».

لضعف «5» الأوّلين بعدم صراحتهما في النهي، لاحتمال كون الجملة خبرية.

و أمّا التعليل في أولاهما بزيادة السجدة فهو غير دالّ على الحرمة، لجواز أن يكون تعليلا لمطلق المرجوحية و لو قلنا بكون الزيادة مطلقا محرّمة، بأن يكون المراد أنه تكره القراءة، لأنّ السجدة لها غير جائزة لكونها زيادة، فلم يبق إلّا ترك السجدة فورا و هي مكروهة.

و الثالث بمنع كون الأمرين معا مسبّبين للقراءة، لترك السجدة مع عدم قراءة العزيمة أيضا. و إنّما هي سبب لحرمة ذلك الترك، و المسلّم حرمة سبب الحرام دون

سبب الحرمة، إلّا أن يقال: المحذور الأوّل هو الإخلال بالواجب، و إنّ ملزوم الحرام مطلقا حرام و لو لم يكن سببا له.

مضافا إلى إمكان منع فوريّة السجدة، و منع الإجماع على الكلّية حتى في المسألة كما هو ظاهر المدارك «6» و إن ادّعاه على الجملة، و لذا تترك في الفريضة لو

______________________________

(1) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 313، و صاحب المدارك 3: 421، و البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الوسائل 6: 239 أبواب قراءة القرآن ب 42.

(3) راجع ص 18.

(4) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 216.

(5) تعليل لقوله: لا غيره مما ذكروه ..

(6) المدارك 3: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 102

قرأت العزيمة فيها للنسيان أو التقيّة فيومئ لها حتى يفرغ من الصلاة.

مع أنه لا خلاف في عدم الفورية مع المانع و الضرورة، و المانع الشرعي كالعقلي، و لذا تنتفي الفورية لو قرأت السجدة في مكان ينهى مالكه عن السجدة فيه. فلو لم تجز هذه الزيادة في الفريضة لكان المانع الشرعي متحققا.

و أمّا الأخبار فعلى الفوريّة الكليّة قاصرة الدلالة، و لو سلّمت فشمولها لمن في الفريضة ليس إلّا بالعموم، فيعارض- في حق من قرأ في الفريضة- مع أدلّة منع الزيادة في المكتوبة، فيخصّص بها أو يعكس، فيرتفع أحد المحذورين.

و لأجل ضعف هذه الأدلّة يشعر كلام بعض من تأخر بالجواز «1»، لكونه موافقا للأصل، المندفع بالإجماع. و بعض الأخبار «2»، الخارجة عن الحجية، للشذوذ. و القاصرة في الدلالة، لتضمّن أكثرها للسؤال عن حكم من قرأها، الدالّ على حكم المورد بالعموم الحاصل من ترك الاستفصال، المحتمل كونه للتقية، لأنّ الجواز مذهب العامة «3» كما صرّح به الجماعة و يستنبط من الرواية «4».

فروع:

أ:

لو قرأ سورة

العزيمة تامّة في الفريضة عمدا بطلت- للنهي الموجب للفساد- إن اكتفى بها، و إلّا فكذلك إن قلنا ببطلان الصلاة بالتكلّم بغير ما ثبت جوازه، كما هو الحقّ، و إن خصّصناه بالتكلّم بغير القرآن و الدعاء مطلقا فلا تبطل إلّا أن أبطلناها بالقران.

و هل تبطل بمجرّد الشروع فيها أم لا؟

الثابت من الإجماع- بل سائر الأدلة التي ذكروها- اختصاص التحريم بما

______________________________

(1) كصاحب المدارك 3: 353، و الفيض في المفاتيح 1: 132.

(2) الوسائل 6: 102 و 104 أبواب القراءة ب 37 و 39.

(3) بدائع الصنائع 1: 180، مغني المحتاج 1: 216.

(4) الوسائل 6: 102 و 103 أبواب القراءة ب 37 و 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 103

إذا بلغ موضع السجدة.

و لكن على القول بوجوب السورة الكاملة و عدم جواز القران مطلقا يلزمه أحد المحرّمين إمّا القران، أو إتمام العزيمة. و ملزوم الحرام حرام، فالحقّ على ذلك البطلان.

و أمّا مع جواز القران بين سورة و بعض من اخرى فلا تبطل.

و تظهر الفائدة فيما لو حصل بعد الشروع وجه لجواز القراءة كالنسيان أو التقيّة أو العدول إلى النافلة.

ب:

لو قرأها سهوا فإن لم يتذكّر حتى تمّت صحّت صلاته و إن لم يدخل الركوع و لا يجب استئناف سورة غيرها، لصدق قراءة سورة غير منهي عنها، إذ لا نهي مع السهو.

و قيل: يستأنف سورة أخرى ما لم يركع، لوجوب قراءة سورة غير العزيمة قبل الركوع و لم يقرأها و لم يخرج وقتها و لم يحصل مسقط لها «1».

و يضعّف بأنّ مطلقات قراءة السورة شاملة للعزيمة أيضا، خرجت هي حال العمد بالدليل فيبقى الباقي.

و كذا لو تذكّر بعد قراءة آية السجدة، لما عرفت من اختصاص الإجماع و سائر الأدلّة بتعمّد قراءتها

إلى موضع السجدة، فإذا وقعت قراءتها جائزة فلا منع فيما بعدها.

و لو تذكّر قبلها ففي وجوب العدول مطلقا، أو ما لم يتجاوز النصف، أو عدم جوازه مطلقا، وجوه بل أقوال.

و التحقيق: أنه على ما ذكرنا من اختصاص حجّة المنع بالإجماع المنفي في المورد يتعيّن الإتمام مع التجاوز عن النصف و عدمه على القول بعدم جواز القران

______________________________

(1) انظر: البيان: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 104

مطلقا، و في صورة التجاوز خاصة على القول بجوازه بالعدول قبل التجاوز، و يتخيّر بينه و بين العدول فيهما إن جوّزنا العدول مطلقا.

و أمّا من يتمسك للمنع بغير الإجماع ممّا مرّ أيضا فإن لم يوجد للمنع عن العدول مطلقا أو مع التجاوز دليل- كما اعترف به بعضهم «1»- يتعيّن عنده العدول، و إن وجد يتعارض الدليلان، فإن لم يكن لأحدهما ترجيح يحكم بالتخيير.

ج:

لا يسجد في الصلاة في صورة الصحّة، بل يومئ لها بعد قراءتها، و يسجد بعد الصلاة.

أما الأول فلما دلّ على أنّها زيادة، مع ما دلّ على أنّ مطلق الزيادة مبطل، و أنّ إبطال الصلاة محرّم.

و لا ينافيه وجوب السجدة، لعدم ثبوت فوريته حتى في المورد.

و أمّا بعض الأخبار «2» الآمرة بالسجود في الصلاة فخاصّها ضعيف لا يصلح للحجية، لعدم ثبوته من الأصول المعتبرة. و عامّها محمول على النافلة، لتعارضها مع ما مرّ من عمومات حرمة الزيادة، بل خصوص التعليل في رواية زرارة «3»، حيث دلّ على أنّ زيادة السجدة في المكتوبة محرّمة.

إلّا أن يقال: إنّه لا مرجّح لتقديم العمومات الثانية، و يمنع دلالة التعليل على الحرمة، فيرجع إلى التخيير بين السجدة و تركها إلى الفراغ. و يحمل بعض ما نهى عن السجدة مع إمام لا يسجد على التقية،

مع أنّ في ذكر عدم سجدة الإمام أو توصيفه بأنه لا يسجد إشارة إلى جوازها في المكتوبة.

فهو الأجود لو لم يثبت الإجماع على خلافه كما ادّعاه فخر المحقّقين في

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 8: 159.

(2) انظر: الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37.

(3) المتقدمة في ص 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 105

الإيضاح «1»، و حكي عن التنقيح أيضا «2».

و أما الثاني فلأنه مقتضى فحوى ما دلّ على وجوب الإيماء إذا صلّى مع إمام لا يسجد كروايتي أبي بصير «3»، و سماعة «4»، إذا قلنا بتحريم السجدة.

و أمّا الثالث فلمطلقات وجوب السجدة الخالية عن دليل السقوط هنا.

المسألة الثانية عشرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة تفوّت تمام وقت فريضة أو بعضه،

لأنه ملزوم للحرام.

و قيل: للحسن «5»: «لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم» «6». و لا وجه له عدا تفويته الوقت، بل به وقع التصريح في الخبر: «من قرأ شيئا من الحم في صلاة الفجر فاته الوقت» «7».

و فيه- مع عدم صراحة الأول في النهي و أنه لو كان للتفويت لما كان وجه للتخصيص بالحم-: أنه لو كان نهيا أيضا لما كان على حقيقته إلّا على التخصيص ببعض الصور، ضرورة عدم الفوت لو صلّى أول الوقت، و ليس ذلك بأولى من الحمل على الكراهة لفوات وقت الفضيلة، و عليه يحمل عموم الثاني و إلّا يجب تخصيصه أيضا.

و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بوجوب السورة أو استحبابها، و جواز القران

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 109.

(2) التنقيح 1: 199.

(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الاستبصار 1:

320- 1192، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة ب 38 ح 1.

(4) التهذيب 2: 292- 1174، الاستبصار 1: 320- 1191، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 2.

(5) كما

في الرياض 1: 160.

(6) التهذيب 3: 276- 803، الوسائل 6: 111 أبواب القراءة ب 44 ح 2.

(7) التهذيب 2: 295- 1189 و فيه: الحواميم، الوسائل 6: 111 أبواب القراءة ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 106

و عدمه، فالبناء عليه- كما قيل «1»- فاسد. نعم يصحّ البناء في الحكم بتحريم الشروع فيها.

و إدراك ركعة في الوقت لا ينفي التحريم، إذ لا يجوز تأخير شي ء من الصلاة عن الوقت اختيارا، و أمّا إدراك الصلاة بإدراك الركعة في الوقت «2» فهو مع الاضطرار.

و المحرّم إنما هو إذا علم الفوات بقراءتها، لا إذا ظنّه أو احتمله، للأصل، و عدم العلم باللزوم.

و قيل بالتحريم مع الظن أو الاحتمال أيضا «3»، لعدم تأتّي نية القربة، للتردد بين الواجب و الحرام.

و فيه: منع احتمال الحرمة، لأنها إنما هي مع العلم بالفوات بالقراءة لا بالفوات بها واقعا، و لا علم هنا، فمن رأى مطلقات أوامر السورة و لم يعلم فوات الوقت بسورة و لا حرمة ما يحتمله أو يوجب الظن به، يقرؤها قربة إلى اللَّه سبحانه.

و لو شرع في سورة بظن طول الوقت ثمَّ تبيّن الضيق، فإن ضاق عن غيرها أيضا يترك السورة مطلقا، و إلّا عدل إلى غيرها ممّا يسعه الوقت.

المسألة الثالثة عشرة: يجوز أن يقرأ في النوافل العزائم

إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «4»، و أصلا، و نصّا عامّا و خاصّا «5».

و من قرأها و بلغ موضع السجدة أو استمع ما يوجبها يجب عليه السجود،

______________________________

(1) انظر: المدارك 3: 354، و الذخيرة: 277، و الحدائق 8: 126.

(2) انظر: الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.

(3) كما في شرح المفاتيح (المخطوط).

(4) كما في الخلاف 1: 430، و الحدائق 8: 160، و نسب إلى المشهور في البحار 82:

14.

(5) انظر: الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 107

للعمومات «1»، و خصوص الأمر به في موثّقة سماعة المتقدّمة «2»، و صحيحة الحلبي:

عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال: «يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و يركع و يسجد» «3».

و به يخصّ ما دلّ على المنع من الزيادة في الصلاة إن لم نقل باختصاصه بالمكتوبة، لكون موجبات هذه حينئذ بالنسبة إليها خاصة.

و قيل: يجوز السجود «4»، و لعلّه لخبر وهب: «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها» «5».

و يردّ بعدم الدلالة، لجواز أن يكون المراد عدم وجوب الركوع بالفاتحة في مقابل ما مرّ من الأمر بقراءتها حتى يركع بها.

ثمَّ إذا سجد قام، للروايتين، و وجوب كون الركوع من القيام.

و أتمّ السورة إن شاء، إن كانت السجدة في الأثناء، لعدم المانع. و لا يعيد الفاتحة حينئذ، لعدم المقتضي.

و إن كانت في آخر السورة أعاد الفاتحة- للروايتين- استحبابا وفاقا لظاهر الأكثر، لعدم دليل على الوجوب سوى ما قيل من ظاهر الأمر في الخبرين «6».

و يجاب عنه بأنّه مجاز، لعدم تحقق حقيقته- التي هي الوجوب الشرعي في المقام- إلّا على القول بحرمة قطع النوافل، و الوجوب الشرطي ليس بأولى من الاستحباب، مع أنّ دلالة الصحيحة على الوجوب غير ثابتة، مضافا إلى أنّ ظاهر

______________________________

(1) الوسائل 6: 107، 110، أبواب قراءة القرآن ب 42 و 43.

(2) في ص 100.

(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 5، التهذيب 2: 291- 1167، الاستبصار 1:

319- 1189، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 1.

(4) كما في الخلاف 1: 430.

(5) التهذيب 2: 292- 1173، الاستبصار 1: 319- 1190، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة

ب 37 ح 3.

(6) كما في الرياض 1: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 108

خبر وهب دالّ على عدم لزوم الفاتحة.

و لا يضيف إلى الحمد سورة أخرى أو آية، للأصل.

خلافا للمحكي عن الشيخ «1»، و لا أعرف مستنده.

المسألة الرابعة عشرة: لا يجوز القران بين السورتين في الفريضة على الأظهر،
اشاره

وفاقا للصدوق في الفقيه و الأمالي و الهداية «2»، و السيّد في الانتصار و المسائل المصريّة الثالثة «3»، و الشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط و الخلاف «4»، و الحلبي «5»، و التحرير و القواعد و الإرشاد و المختلف «6»، و الشهيد في الرسالة «7»، و أكثر مشايخنا، بل قال بعضهم: إنه الأشهر «8». بل عن الأمالي: إنّه من دين الإماميّة، و في الانتصار: دعوى الإجماع عليه «9».

للمروي في قرب الإسناد: عن رجل قرأ سورتين في ركعة، قال: «إن كانت نافلة فلا بأس و أمّا الفريضة فلا تصلح» «10».

فإنّ المستفاد من قوله: «لا تصلح» الحرمة، مع أنّ التفصيل بين النافلة و الفريضة قاطع للشركة في حكم النافلة الذي هو انتفاء البأس، فيثبت البأس في الفريضة.

و منه تظهر دلالة مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام في الهداية: «لا

______________________________

(1) المبسوط 1: 114.

(2) الفقيه 1: 200، الأمالي: 512، الهداية: 31.

(3) الانتصار: 44، المسائل المصرية (رسائل الشريف المرتضى 1): 220.

(4) التهذيب 2: 296، النهاية: 75، المبسوط 1: 107، الخلاف 1: 336.

(5) الكافي في الفقه: 118.

(6) التحرير 1: 39، القواعد 1: 32، الإرشاد 1: 253، المختلف: 93.

(7) الرسالة الألفية: 51.

(8) كما في الحدائق 8: 45، و الرياض 1: 160.

(9) الأمالي: 512، الانتصار: 44.

(10) قرب الإسناد: 202- 778، الوسائل 6: 53 أبواب القراءة ب 8 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 109

تقرن بين السورتين في الفريضة، و أمّا في

النافلة فلا بأس» «1».

بل رواية عمر بن يزيد: اقرأ سورتين في ركعة؟ قال: «نعم» قلت: أ ليس يقال أعط لكلّ سورة حقّها من الركوع و السجود؟ فقال: «ذلك في الفريضة و أمّا في النافلة فلا بأس» «2».

و ضعفها- لو كان- منجبر بما مرّ و بتأيّدها بمؤيّدات أخر، كصحيحتي منصور و محمّد المتقدّمتين في مسألة وجوب السورة «3».

و موثّقة زرارة: عن الرجل يقرن بين سورتين في الركعة، فقال: «إنّ لكلّ سورة حقّا، فأعطها حقّها من الركوع و السجود» «4».

و المروي في مستطرفات السرائر عن الباقر عليه السلام: «لا قران بين سورتين في ركعة» «5».

و المروي في المعتبر و المنتهى عن جامع البزنطي، و في المجمع عن العيّاشي عن الصادق عليه السلام: «لا تجمع بين السورتين في ركعة إلّا الضحى و ألم نشرح، و الفيل و لإيلاف» «6».

و الرضوي: «و لا تجمع بين السورتين في الفريضة» «7».

و الاستدلال بهذه غير جيّد: أمّا الأوّلان فلما مرّ، و أمّا الثالث فلعدم كون الأمر بالإعطاء فيه للوجوب إلّا مع التخصيص بالفريضة و لا أولويّة، و أمّا البواقي فلعدم الصراحة في الحرمة كما ذكر غير مرّة.

______________________________

(1) الهداية: 31.

(2) التهذيب 2: 70- 257، الاستبصار 1: 316- 1179، الوسائل 6: 51 أبواب القراءة ب 8 ح 5.

(3) راجع ص 91- 92.

(4) التهذيب 2: 73- 268، الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8 ح 3.

(5) مستطرفات السرائر: 73- 12، الوسائل 6: 53 أبواب القراءة ب 8 ح 12.

(6) المعتبر 2: 188، المنتهى 1: 276، مجمع البيان 5: 544.

(7) فقه الرضا (ع): 125، مستدرك الوسائل 4: 163 أبواب القراءة ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 110

و عن الاستبصار «1»، و الحلّي

و المحقّق «2»، و أكثر المتأخرين «3»: الجواز، و اختاره في شرح القواعد و الدروس و الذكرى و البيان و المدارك «4»، و صريح المنتهى و ظاهر التذكرة التردّد «5».

للأصل، و صحيحة ابن يقطين: «عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال: «لا بأس» و عن تبعيض السورة، قال: «أكره و لا بأس» «6».

و المروي في المستطرفات: «لا تقرن بين سورتين في الفريضة فإنّ ذلك أفضل» «7».

و موثقة زرارة: «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أمّا في النافلة فلا بأس» «8».

و يجاب عنها بمرجوحيتها عمّا مرّ بموافقتها للعامة، كما يظهر من الانتصار «9»، و حكي عن البحار «10»، و نقله في التذكرة عن الشافعي «11».

مضافا إلى أنّ الثالثة على الجواز غير دالّة، لأعمية الكراهة في اللغة عن الحرمة.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 317.

(2) الحلي في السرائر 1: 220، المحقق في الشرائع 1: 82.

(3) نسب إليهم في الذخيرة: 273.

(4) جامع المقاصد 2: 248، الدروس 1: 173، الذكرى: 190، البيان: 158، المدارك 3: 354.

(5) المنتهى 1: 276، التذكرة 1: 116.

(6) التهذيب 2: 296- 1192، الاستبصار 1: 316- 1178، 317- 1181، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة ب 8 ح 9.

(7) مستطرفات السرائر: 73- 8، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة ب 8 ح 11.

(8) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 10، التهذيب 2: 72- 267، الاستبصار 1:

317- 1180، الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8 ح 2.

(9) الانتصار: 44.

(10) البحار 82: 13.

(11) التذكرة 1: 116، و نقله عن الشافعي في عمدة القارئ 6: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 111

فروع:

أ:

لو قرن بطل، لأصالة بطلان الصلاة بالتكلّم، خرج المباح من القرآن و الدعاء فيبقى الباقي.

ب:

المحرّم

المبطل قراءة السورتين التامّتين، لأنّ التامّتين معنى السورتين، و يؤيّده بل يدلّ عليه عدم الخلاف في جواز القنوت ببعض الآيات- كما صرّح به جماعة [1]، و ورد في قنوتات الأئمة سيّما كلمات الفرج «1»- و في جواز الإعلام بالآيات، و العدول ما لم يتجاوز النصف، فلا منع في سورة و بعض غيرها.

و المتغايرتين، لأنه المتبادر من قراءة السورتين، فلا حظر في تكرار سورة واحدة و لا الفاتحة.

و لا يرد في الموردين أنه الزيادة في المكتوبة و هي لها مبطلة، لعدم ثبوت كونهما من الزيادة، لدخولهما في مطلقات القراءة الشاملة لغير ما أخرجه الأدلة، و هو السورة التامّة المغايرة، كما يظهر مما يأتي في معنى الزيادة في بحث خلل الصلاة.

ج:

صرّح جماعة- منهم فخر المحقّقين «2»- بأنّ المحظور هو القران بقصد الجزئيّة للصلاة. و النصّ أعمّ منه، فالتقييد يحتاج إلى دليل، و ليس د:

لا ريب في جواز القران في النوافل، و عليه اتفقت كلمة الأفاضل، و استفاضت أخبار الأطايب «3».

ه:

مقتضى أكثر الروايات حرمة قراءة السورتين سواء كانتا متّصلتين أو

______________________________

[1] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 274، و المجلسي في البحار 82: 13.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 274 أبواب القنوت ب 7.

(2) إيضاح الفوائد 1: 109.

(3) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 112

أحدهما قبل الفاتحة و الأخرى بعدها.

المسألة الخامسة عشرة: يجوز العدول من كل سورة غير الجحد و التوحيد
اشاره

إلى أخرى ما لم يبلغ النصف، إجماعا، كما في شرح القواعد و شرح الإرشاد «1»، للأصل، و صحيحة الحلبي: «من افتتح بسورة ثمَّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس، إلّا قل هو اللَّه أحد و لا يرجع منها إلى غيرها، و كذلك قل يا أيّها الكافرون» «2».

و المروي في الدعائم عن

الصادق عليه السلام: «من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثمَّ رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الآخر [1] إلّا أن يكون بدأ بقل هو اللَّه أحد فإنّه لا يقطعها، و كذلك سورة الجمعة و المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما، و إن بدأ بقل هو اللَّه أحد قطعها و رجع إلى سورة الجمعة و المنافقين يجزيه في صلاة الجمعة خاصة» «3».

و صحيحة عمرو بن أبي نصر: الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة فقرأ قل هو اللَّه أحد أو قل يا أيّها الكافرون، فقال: «يرجع من كل سورة إلّا قل هو اللَّه أحد و قل يا أيها الكافرون» «4».

و هي بعمومها شاملة لمن أراد سورة أولا و قرأ غيرها مع القصد و الرجوع عن الإرادة الاولى، فلا يرد أنّه لعلّه لعدم قصد السورة في البسملة و غير ذلك ممّا يذكر بعضه.

______________________________

[1] في الدعائم: «ما لم يبلغ نصف السورة»، و ما في المتن موافق للنسخ و المستدرك.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 279، مجمع الفائدة 2: 245.

(2) التهذيب 2: 190- 753، الوسائل 6: 99 أبواب القراءة ب 35 ح 2.

(3) دعائم الإسلام 1: 161، مستدرك الوسائل 4: 200 أبواب القراءة ب 27 ح 1.

(4) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 25، التهذيب 2: 190- 752، الوسائل 6: 99 أبواب القراءة ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 113

و لا ينافيه قوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ «1» لعدم كون ذلك إبطالا للعمل و إن كان إخراجا لما قرأ عن الجزئية. و لا النهي عن القران بين السورتين، لعدم كونه قرانا كما مرّ.

و كذلك

إذا بلغ النصف و لم يتجاوز عنه، وفاقا للشيخين «2»، و المعتبر و المنتهى و التذكرة و القواعد «3»، و جملة من الأصحاب، بل في الذخيرة و البحار: إنّه المشهور «4»، لما ذكر من الأصل، و العمومات، و خصوص المروي في قرب الإسناد:

عن رجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: «نعم ما لم يكن قل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون» «5».

و في مسائل عليّ عن أخيه عليه السلام مثل ما ذكر، إلّا أنّ في السؤال:

هل يصلح له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجع «6».

و المروي في الذكرى عن نوادر البزنطي: في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى، قال: «يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف» «7».

و ضعفها منجبر بالشهرة المحكية.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، و الجعفي «8»، و الفقيه و نهاية الفاضل و روض الجنان «9»، و في السرائر و شرح القواعد و الدروس و الذكرى «10»، بل في الأخير نسبه إلى الأكثر، فمنعوه مع البلوغ إلى النصف.

______________________________

(1) محمّد: 33.

(2) المفيد في المقنعة: 147، الطوسي في النهاية: 77، المبسوط 1: 107.

(3) المعتبر 2: 191، المنتهى 1: 280، التذكرة 1: 116، القواعد 1: 33.

(4) الذخيرة: 280، البحار 82: 16.

(5) قرب الإسناد: 206- 802، الوسائل 6: 100 أبواب القراءة ب 35 ح 3.

(6) مسائل علي بن جعفر: 164- 260.

(7) الذكرى: 195، الوسائل 6: 101 أبواب القراءة ب 36 ح 3.

(8) حكاه عنهما في الذكرى: 195.

(9) الفقيه 1: 201، نهاية الإحكام 1: 478، روض الجنان: 270.

(10) السرائر 1: 222، جامع المقاصد 2: 279، الدروس 1: 173، الذكرى: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 114

للنهي عن إبطال العمل فيقتصر فيه على مورد الإجماع. و قد عرفت ضعفه.

و للرضوي: «و اقرأ في صلاتك كلّها يوم الجمعة و ليلة الجمعة سورة الجمعة و المنافقين و سبّح اسم ربّك الأعلى، و إن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، و إن لم تذكرها إلّا ما بعد قراءة نصف سورة فامض في صلاتك» «1».

و يضعّف بالمعارضة مع ما مرّ فيرجع إلى الأصل.

مع أنّ ظاهر روايتي قرب الإسناد و المسائل الاختصاص بالنصف فيكون أخصّ مطلقا من الرضوي، لشموله لبلوغ النصف و ما بعده، مع أنّ المخرج فرد نادر جدّا يتأمّل في شمول العموم له.

و لا يجوز العدول مع التجاوز عن النصف بالإجماع على الظاهر، و ادّعاه في روض الجنان و شرح الإرشاد للأردبيلي «2»، للرضوي، و رواية الدعائم، المنجبرين في المقام قطعا.

و أمّا موثّقة عبيد: في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، فقال: «له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» «3» فهي بالشذوذ مردودة.

خلافا لبعض مشايخنا الأخباريين، فجوّز في حدائقه العدول مطلقا «4»، للعمومات. و دفعها ظاهر مما مرّ.

هذا في غير سورتي التوحيد و الجحد، و أمّا فيهما فلا يجوز العدول إلى غير الجمعة و المنافقين و لو قبل النصف، بل متى شرع فيهما وجب إتمامهما، على الأظهر، الموافق للشيخين، و السيّد، و الحلّي، و الفاضل- في غير المنتهى و التذكرة-

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 130، مستدرك الوسائل 4: 223 أبواب القراءة ب 53 ح 1.

(2) روض الجنان: 270، مجمع الفائدة 2: 245.

(3) التهذيب 2: 293- 1180، الوسائل 6: 101 أبواب القراءة ب 36 ح 2.

(4) الحدائق

8: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 115

و الشهيدين «1»، بل للأكثر، و عليه الإجماع في الانتصار و شرح الإرشاد للأردبيلي «2».

لصحيحة الحلبي المثبتة للبأس- الذي هو العذاب- في الرجوع عنهما «3»، و روايتي قرب الإسناد و المسائل المنجبرتين، النافيتين لصلاحية العدول عنهما المثبت للفساد.

و رواية الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد و أنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها و لا ترجع، إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «4».

و يؤيّده غيرها ممّا سبق، كصحيحة عمرو و رواية الدعائم، أو لم يسبق كموثقة عبيد [1]. و إنما لم نجعلها دالّة لاحتمالها نفي إباحة الرجوع، الغير المنافية للكراهة.

خلافا للمحكي عن المعتبر، فكره العدول عنهما قبل النصف «5»، و ظاهر المنتهى و التذكرة و الذخيرة التوقّف «6»، لقوله سبحانه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «7» و ضعفه ظاهر. و لضعف دلالة الروايات على التحريم، و هو ممنوع.

و أمّا إلى الجمعة و المنافقين فيجوز العدول عنهما على الحقّ المشهور، و في

______________________________

[1] صدرها: عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى، قال: «فليرجع إلى السورة الأولى إلّا أن يقرأ ب قل هو اللَّه أحد» و سيأتي ذيلها. انظر: الرقم (2) من الصفحة الآتية.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 147، الطوسي في النهاية: 77، السيد في الانتصار: 44، الحلي في السرائر 1:

221، الفاضل في نهاية الإحكام 1: 478، الإرشاد 1: 254، الشهيد الأول في البيان:

157، و الذكرى: 195، الشهيد الثاني في روض الجنان: 270.

(2) الانتصار: 44، مجمع الفائدة 2: 245.

(3) المتقدمة في ص 112.

(4) التهذيب 3: 242- 650، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 2.

(5) المعتبر 2: 191.

(6) المنتهى 1:

280، التذكرة 1: 116، الذخيرة: 280.

(7) المزمل: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 116

شرح الإرشاد عدم الخلاف فيه «1»، لرواية الدعائم و رواية الحلبي المتقدّمتين، و موثقة عبيد: رجل صلّى الجمعة و أراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو اللَّه أحد، قال: «يعود إلى سورة الجمعة» «2».

و صحيحة محمّد: الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللَّه أحد، قال: «يرجع إلى سورة الجمعة» «3».

و المروي في قرب الإسناد و المسائل: عن القراءة في الجمعة ما يقرأ؟ قال:

«سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و إن أخذت في غيرهما و إن كان قل هو اللَّه أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليهما» «4».

في يوم الجمعة مطلقا أي في صلاة الصبح أو الجمعة أو الظهرين، لرواية الحلبي. دون ليلتها، لعدم الدليل.

سواء كان قراءة الجحد و التوحيد سهوا أو عمدا، وفاقا للحدائق «5»، و الأردبيلي «6»، بل الأكثر كما في الحدائق، لإطلاق روايتي الدعائم و قرب الإسناد، بل سائر الروايات، لأنّ إرادة قراءة الجمعة أوّلا لا تستلزم كون قراءة التوحيد سهوا، لجواز تغيّر القصد.

إن لم يتجاوز النصف، وفاقا لظاهر المشهور كما في الحدائق «7» و محتمل الإجماع كما في شرح الإرشاد، لتعارض مطلقات جواز العدول عنهما إليهما مع ما دلّ على المنع مع التجاوز مطلقا بالعموم من وجه و لا مرجّح، فتبقى مطلقات منع

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 246.

(2) التهذيب 3: 242- 651، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 3.

(3) الكافي 3: 426 الصلاة ب 76 ح 6، التهذيب 3: 242- 652، الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69 ح 1.

(4) قرب الإسناد: 214- 839، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69

ح 4، مسائل علي بن جعفر:

245- 580.

(5) الحدائق 8: 220.

(6) مجمع الفائدة 2: 247.

(7) الحدائق 8: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 117

العدول عنهما بلا مخصّص يقيني.

و قد يستدل أيضا بالجمع بين مطلقات التجويز و صحيحة ابن صبيح «1».

و فيه نظر من وجوه.

خلافا في الأول للشرائع في بحث صلاة الجمعة، فلم يجوّز العدول عنهما مطلقا «2»، و هو ظاهر الانتصار «3» و المحكي عن الإسكافي «4»، و لعلّه لإطلاق روايات المنع.

و يجاب بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و للحدائق، فلم يجوّزه في الجحد، لاختصاص روايات التجويز بالتوحيد «5».

و يجاب بعدم القول بالفصل، و عموم الرضوي و رواية قرب الإسناد المنجبرتين في المقام بالشهرة التي حكاها هو، و عدم الخلاف المحكي كما مرّ، فيعارض عمومات المنع بالعموم من وجه، و يرجع في المورد إلى الأصل.

و في الثاني لنهاية الشيخ «6»، و المحقّق [1]، و السرائر و التذكرة و المنتهى و شرح القواعد «7»، فخصّوه بصلاة الجمعة و ظهرها- و تخصيص بعضهم الظهر بالذكر لإطلاقه على الجمعة- لاختصاص الأدلّة بصلاة الجمعة الشاملة للظهر أيضا، و حمل يوم الجمعة في رواية الحلبي عليها.

______________________________

[1] لا يوجد في كتب المحقق الموجودة و لكن نسبه اليه صاحب الحدائق 8: 221.

______________________________

(1) التهذيب 3: 8- 22، الاستبصار 1: 415- 1589، الوسائل 6: 159 أبواب القراءة ب 72 ح 2.

(2) الشرائع 1: 99.

(3) الانتصار: 44.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 195.

(5) الحدائق 8: 218.

(6) النهاية: 77.

(7) السرائر 1: 297، التذكرة 1: 115، المنتهى 1: 280، جامع المقاصد 2: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 118

و في الشمول منع، و في الحمل تحكّم.

و للروض، فخصّه بهما و بالعصر «1»، و للجعفي، فأثبته في صلاة الجمعة

و الصبح و العشاء «2»، و أطلق طائفة- منهم: القواعد و الدروس «3»- جواز العدول منهما إليهما من غير تعيين، و كأنّ دليل هؤلاء كون تجويز العدول إليهما لأفضليّتهما فيدور مدار استحبابهما، و كلّ يقول باستحبابهما فيما ذكر.

و في المقدّمتين نظر.

و في الثالث للثانيين «4»، فخصّا جواز العدول بكون قراءة الجحد و التوحيد سهوا، لدلالة إرادة قراءة الجمعة أو المنافقين- كما في الروايات- على ذلك. و قد عرفت جوابه.

و في الرابع لظاهر السرائر و نهاية الشيخ، فقيّدا بعدم بلوغ النصف «5»، و دليلهما و جوابه يظهر مما سبق.

و لمستقرب شرح الإرشاد «6»، و محتمل الحدائق، فجوّزا العدول مطلقا، للمطلقات «7». و جوابه ظاهر.

فروع:

أ:

لا شك في حساب البسملة من النصف، لكونها جزءا من السورة.

______________________________

(1) روض الجنان: 270.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 195.

(3) القواعد 1: 34، الدروس 1: 173.

(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 280، الشهيد الثاني في روض الجنان: 270.

(5) السرائر 1: 297، النهاية: 77.

(6) مجمع الفائدة 2: 244.

(7) الحدائق 8: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 119

ب:

لا شك في وجوب إعادة البسملة ثانيا للسورة المعدول إليها لو تخلل بينهما ما يرفع الموالاة المعتبرة، كأن يعدل في أواخر سورة البقرة مثلا.

و الظاهر أنه لا كلام أيضا في عدم وجوب إعادتها مع بقاء الموالاة و قراءتها أوّلا بقصد السورة المعدول إليها و قراءة المعدول عنها سهوا.

و إنّما الكلام فيما إذا قرأها لا بقصد سورة معيّنة، أو بقصد المعدول عنها.

و الظاهر وجوب الإعادة، لصيرورتها- بتعقّبها المعدول عنها على الأول، و به و بالقصد على الثاني- جزءا له، فلو لم يعدها لم يقرأ المعدول إليها كاملة.

ج:

لو قرأ بعض سورة و نسي الباقي منها، أو نسي آية

من أثنائها يجوز العدول عنها إلى غيرها قبل تجاوز النصف في غير الجحد و التوحيد قطعا.

و هل يجوز بعد النصف و في السورتين أيضا؟

الظاهر: نعم، لأنّ الظاهر من الأخبار المانعة عن الرجوع إرادة الإتمام الغير الممكن في المقام، بل صدق الرجوع على ذلك و شمول إطلاقه له محلّ كلام، فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.

مع أنّ حجية أخبار المنع عن العدول بعد النصف كانت بواسطة الانجبار الغير المعلوم في المورد.

و هل ذلك على الوجوب، أو يجوز الاكتفاء بما علم من السورة؟

يحتمل الأمران:

من جهة وجوب السورة الكاملة المتوقفة على العدول.

و من جهة عدم شمول ما ذكرنا من دليل وجوب السورة الكاملة بل جميع أدلّته لمثل المورد.

مضافا إلى رواية ابن وهب: أقرأ سورة فأسهو فأنتبه في آخرها، فأرجع إلى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 120

أول السورة أو أمضي؟ قال: «بل امض» «1».

فإنّها شاملة لما إذا تركت آية منها سهوا، فإذا جاز الاكتفاء ببعض السورة حينئذ جاز فيما نحن فيه أيضا، لعدم الفرق.

و الثاني أظهر، و الأول أحوط.

و لو غلط في كلمة أو حرف أو آية، بمعنى أنه يتردّد فيه أنّه هل هو على هذا النحو أو هذا، أو تردّد في وجود كلمة و عدمها، ففي وجوب تكرار المحتملات، أو التخيير بينها، أو العدول، أو قراءة الباقي من السورة و ترك مكان الغلط، احتمالات.

أظهرها: التخيير بين الأخيرين، فإن شاء يقرأ الباقي، و إن شاء يعدل، لما مرّ، مضافا إلى صحيحة زرارة: رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحوّل عنها إلى غيرها؟ فقال:

«كلّ ذلك لا بأس به» «2».

و لا تنافيه صحيحة ابن عمّار: «من

غلط في سورة فليقرأ قل هو اللَّه أحد ثمَّ يركع» «3».

لأنّ الأمر فيها ليس للوجوب قطعا، لعدم تعيّن التوحيد بالإجماع.

هذا مع منافاة الاحتمالين الأوّلين لأصالة عدم جواز التكلّم في الصلاة إلّا بما علم جوازه.

و الأحوط العدول أيضا سيّما في غير الجحد و التوحيد قبل تجاوز النصف.

د:

لا شك في عموم الحكم بجواز العدول- فيما يجوز- للفرائض و النوافل، و هل يعمّهما الحكم بعدم جوازه فيما لا يجوز، أم يختصّ بالفريضة؟

______________________________

(1) التهذيب 2: 351- 1458، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة ب 32 ح 1.

(2) التهذيب 2: 293- 1181، الوسائل 6: 100 أبواب القراءة ب 36 ح 1.

(3) التهذيب 2: 295- 1187، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 121

ظاهر الشيخ في النهاية بل صريحه: الثاني [1]، و نسب إلى ظاهر الأصحاب من جهة إيرادهم الحكم في طيّ أحكام الفرائض «1».

و قد يحتاط بالمنع في النوافل، و هو كذلك إلّا أنّه غير الفتوى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    121     فروع: ..... ص : 118

الظاهر فيها المنع على القول بتحريم قطع النوافل، لعموم الأخبار المتقدّمة. و الجواز على القول بجوازه، لأنّ دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن النصف و في الجحد و التوحيد إنّما هي من حيث الأمر بالإمضاء في الصلاة أو إثبات البأس في الرجوع و نحوهما ممّا يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها، فتأمّل.

ه: لو قرأ البسملة بقصد الجحد أو التوحيد لا يجوز الرجوع، لصدق الشروع، لاختصاص الأجزاء المشتركة بين أمور بأحدها مع قصده عرفا، فإنّ من كتب البسملة و الحمد للَّه رب العالمين بقصد كتابة القرآن يصدق أنه شرع فيها مع اشتراك كتب

كثيرة معه فيهما، و كذلك في الإمساك بقصد الصوم، و غسل العضو بقصد الوضوء أو الغسل، و غير ذلك.

و: العدول المحرّم فيما زاد على النصف أو من الجحد أو التوحيد إنّما هو إذا شرع في السورة بقصد الجزئية للصلاة. و أمّا لو قرأها لا بذلك القصد فيجوز الترك و الشروع إلى الغير مطلقا، للأصل، و اختصاص الروايات- كما يشهد به قرينة المقام، و لفظ الرجوع، و سياق الكلام- بسورة الصلاة.

ز: لو عدل إلى ما لا يجوز تبطل الصلاة، لأنّ العدول ليس إلّا قراءة المعدول

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح: بل في النهاية صرّح بذلك حيث قال (ص 77): و إذا قرأ الإنسان في الفريضة سورة بعد الحمد و أراد الانتقال إلى غيرها جاز ذلك ما لم يتجاوز نصفها، إلّا سورة الكافرين و الإخلاص، فإنه لا ينتقل عنهما إلّا في صلاة الظهر يوم الجمعة.

______________________________

(1) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 122

إليها، فيكون منهيّا عنها، فيكون النهي متعلّقا بالجزء للصلاة، و هو مفسد.

المسألة السادسة عشرة [يجب قصد السورة المعيّنة في الصلاة قبل البسملة]

المشهور بين متأخري أصحابنا- كما قيل «1»- وجوب قصد السورة المعيّنة في الصلاة قبل البسملة.

لتوقف البراءة اليقينية عليه.

و لوجوب قراءة السورة الكاملة و عدم صيرورة البسملة جزءا منها في نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها، لبطلان التخصيص بلا مخصّص.

و لأنّ المتبادر ممّا دلّ على قراءة السورة أن يقرأ جميع كلماتها المشتركة بقصد كونها منها.

و لأنّه كما يتوقف تحقق الامتثال على قصد القربة يتوقف على قصد التعيين أيضا، و لذا لو قرأ «الحمد للَّه ربّ العالمين» لا بقصد قراءة الحمد بل من غير قصد أو بقصد الشكر للَّه سبحانه، لم يعدّ ممتثلا للأمر بقراءة الفاتحة للصلاة و لو ضمّ

بعدها سائر الآيات.

و لأنّ المأمور به قراءة سورة معيّنة، و لا تتعيّن إلّا بتعيين جميع أجزائها لها، و لا تتعيّن أجزاؤها المشتركة في الواقع و نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها.

و يرد على الأول: أنّ ما علم الشغل به و هو قراءة سورة مع بسملة فقد علم الإتيان به، و ما لم يعلم البراءة عنه لم يعلم الشغل به أيضا.

و على الثاني: منع توقف صيرورتها جزءا من سورة مخصوصة على القصد، بل يتحقق بما يعقبها أيضا من المميّزات أي تتمة السورة.

ألا ترى أنّه لو أمر المولى عبده بكتابة سورتي التوحيد و الفاتحة و عيّن لكلّ منهما أجرا فكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، متردّدا في أن يبدأ بأيّ من السورتين،

______________________________

(1) انظر: الحدائق 8: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 123

ثمَّ ظهر له أن يبدأ بكتابة التوحيد، بل و لو أراد حين كتابة البسملة أن يبدأ بالفاتحة ثمَّ بدا له الابتداء بالتوحيد فكتبه، يعدّ ممتثلا عرفا و يقال: كتب تمام التوحيد، و يستحقّ الأجر المعيّن. و لو عاقبه مولاه و لم يعطه الأجر معتذرا بأنّه لم يكتب السورة الكاملة، لعدم تعيّن السورة في قصده عند كتابة البسملة، يلام و يقبّح.

و كذا لو أمره بقراءة السورتين فقرأهما يستحقّ الأجر، و لا يتأمّل في أنه هل كان قاصدا قبل البسملة لتعيين السورة حتى تكون السورة كاملة أم لا، بل و كذلك لو علم عدم التعيين قبلها كما إذا قرأ البسملة ثمَّ قال لمولاه: بأيتهما أبدا؟

و هذا أمر ظاهر جدّا، نعم لمّا كان يتوقف صدق الامتثال على قصد الإطاعة فلو قرأ البسملة أولا بقصد آخر غير إطاعة أمر المولى لم يكن كافيا، لذلك.

و التوضيح: أنّ وجود السورة أمّا وجود

كتبي، و هو صورتها المرقومة، أو قولي، و هو السورة المقروءة، أو ذهني، و هو صورتها الذهنية، و ليس لها وعاء واقع و نفس أمر سوى أحد الثلاثة، و لا أفهم لجزئية البسملة لها في أحد هذه الأوعية معنى إلّا ضمّها مع سائر أجزائها في ذلك الوعاء، فإذا كانت معها تكون السورة كاملة و البسملة لها جزءا كائنا ما كان قصد الكاتب أو القارئ أو المتصوّر.

نعم لو تعلّق أمر بالكتابة أو القراءة يجب قصد الإطاعة في كتابة البسملة أو قراءتها في صدق الامتثال لا في جزئية البسملة للسورة، فإنّه لو قصد المصلّي في قراءة آية من الفاتحة الرياء تبطل صلاته، لا لعدم قراءة الفاتحة الكاملة، بل لعدم قصد القربة في جميع اجزائها.

و على الثالث: منع التبادر المذكور جدّا، بل لا يخطر ببال السامع قصد المأمور أصلا.

و على الرابع: منع توقف تحقق الامتثال على قصد التعيين أبدا، و منع عدم امتثال القارئ لآية الحمد من غير قصد الفاتحة إذا قصد القربة كما إذا تردّد بينها و بين غيرها ثمَّ عزم عليها، و أمّا عدم امتثال من قصد بها الشكر فهو لأجل قصد الغير لا عدم قصد الفاتحة، و هو أمر آخر يأتي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 124

و على الخامس: منع عدم تعيّن السورة إلّا بتعيّن جميع أجزائها لها إن أريد تعيّن كلّ جزء قبل قراءته أو حينها، بل يكفي تعيّنه بعدها أيضا، و منع عدم تعيّن الأجزاء المشتركة إلّا بالقصد إن أريد مطلق التعيّن، بل يتعيّن بما يتعقّب له.

و لضعف هذه الأدلّة ذهب جماعة من الأجلّة من متأخري متأخري الفرقة إلى عدم لزوم القصد [1]. و هو الحقّ، للأصل، و صدق الامتثال.

و هل يجب

عدم قصد سورة أخرى غير ما قرأها، حتى لو قصد بالبسملة سورة و قرأ غيرها عمدا وجب الرجوع إلى الأولى أو البسملة ثانيا قبل الركوع و بطل بعده، أم لا؟

الظاهر: نعم، إذ لا شك في تخصيص المشتركات و تميّزها بالنيّات كما مرّ في بحث نيّة الصلاة، و لذا ترى أنّه لو كتب أحد البسملة بقصد سورة يقال: إنه شرع في كتابة السورة، فمع قراءة البسملة بقصد سورة تكون جزءا منها، فلو قرأ غيرها بدون البسملة كان قارئا لبعضها. و تعقّب المميّز هنا يعارض القصد فلا يفيد.

مع أنه بقصد السورة الأولى صارت جزءا منها فيستصحب حتى علم خروجه عن هذه الجزئية و صيرورته جزءا لأخرى، و ذلك مع ممانعة القصد غير معلوم، فيكون قارئا لبعض كلّ من السورتين لا لسورة تامة.

و لكن ذلك إذا دخل البسملة بقصد السورة المعيّنة، أما لو أراد قبل الشروع فيها قراءة سورة، ثمَّ ذهل عن هذا القصد حتى دخل البسملة بلا قصد فلا ضير فيه.

ثمَّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه من الحكمين شيئا من الأخبار الواردة في هذا المضمار، كما لا يخفى على من تأمّل فيها.

______________________________

[1] منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 248، و صاحب الحدائق 8: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 125

المسألة السابعة عشرة: صرّح جماعة بوجوب الموالاة في القراءة،

[1] و أريد بها قراءة الحمد و السورة متتالية الكلمات و الآيات.

فإن أرادوا التتالي الحقيقي فلا دليل عليه، و الأصل ينفي وجوبه.

و إن أرادوا ضربا من التوالي العرفي فهو كذلك، لا للتأسّي أو أصل الاشتغال، لضعفهما في المقام كما عرفت مرارا. بل لأنه المتبادر من قراءة الحمد و السورة.

و التوضيح: أنه أمر بقراءتهما و الواجب الإتيان بالمأمور به، و المفهوم عرفا من قراءة سورة قراءتها مع

نوع توال عرفا بمعنى أنّه المتبادر من التركيب، فلو أخلّ بها لم يأت بالمأمور به، و لذا لو نذر أن يقرأ الحمد مثلا لا يمتثل بقراءة كلّ يوم بل ساعة آية منها.

ثمَّ الإخلال بها تارة يكون بقراءة شي ء آخر في خلالها، و اخرى بالسكوت.

و الأول: إمّا يكون بمزج كلمات اخرى بين كلمات الحمد مثلا بحيث يفهم الارتباط و يتوهّم السامع الجزئية و الاتحاد، كأن يقول: الحمد و الشكر للَّه رب العالمين، الرحمن المنّان الكريم الرحيم، مالك يوم الحشر و الجزاء و الدين، إياك نعبد و عليك نتوكّل و إيّاك نستعين، اهدنا الطريق القويم و الصراط المستقيم، و هكذا.

أو بدون المزج، كأن يقول بعد مالك يوم الدين: جلّ جلاله.

فإن كان من الأول تبطل به القراءة قطعا و لو كان بكلمة، لا للإخلال بالموالاة الواجبة، بل لأنّ المقروء يخرج عن كونه حمدا، فهو المخلّ بكونه حمدا مثلا دون قراءته.

و إن كان من الثاني، فإن زاد المتخلّل بحيث يخلّ بالمعنى المنصرف إليه الأمر بقراءة الحمد عرفا بطلت القراءة، و إلّا لم تبطل. فلا تبطل بتخلل كلمة أو كلمتين

______________________________

[1] منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 463، و الشهيد في الذكرى: 188، و الفيض في المفاتيح 1:

129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 126

أو ثلاث أو فقرة دعاء أو آية، إلّا أن يتكرّر بحيث يخرج الحمد مثلا عن كونه حمدا عرفا.

و إن كان من الثالث فهو أيضا كالثاني، و الظاهر عدم الخروج به عن المعنى المفهوم عرفا إلّا بوصوله حدّ السكوت الطويل المبطل للصلاة أيضا، و سيجي ء بيانه في بحث المبطلات.

ثمَّ مع الإخلال فإن كان بالسكوت تبطل الصلاة، لأنّ غير المبطل لها لا يبطل القراءة أيضا.

و إن كان بغيره فقبل

الركوع يستأنف القراءة- عمدا كان أو سهوا- لوجوب الامتثال و بقاء المحلّ. و لا تبطل الصلاة مطلقا، للأصل. إلّا إذا كان المتخلل غير القرآن و الدعاء.

و قيل بالبطلان مع العمد «1»، للنهي المستلزم للفساد، أو لعدم ثبوت جواز مطلق القرآن و الدعاء.

و يضعّف الأول بانتفاء النهي، و الأمر بالموالاة نهي عن تركها مطلقا لا في الجملة. و الثاني بما يأتي في محلّه.

المسألة الثامنة عشرة: «و الضحى» و «أ لم نشرح» سورة واحدة، و كذا «الفيل» و «لإيلاف»،

على الأظهر الموافق للصدوق في اعتقاداته و الأمالي و الفقيه «2»، و الانتصار «3»، بل السيّد مطلقا كما نقلوه «4»، و المفيد «5»، و الشيخ في

______________________________

(1) كما في المختصر النافع: 30.

(2) أمالي الصدوق: 512، الفقيه 1: 200.

(3) الانتصار: 44.

(4) حكاه المحقق في المعتبر 2: 187، و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 203، و صاحب الحدائق 8: 202.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 127

النهاية و التهذيب و الاستبصار «1»، بل مطلقا كما ذكروه «2»، و النافع و الشرائع و نهاية الفاضل و تحريره و تذكرته «3»، بل هو الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخر [1]، بل في الاعتقادات و الانتصار و التهذيب و الثلاثة الأخيرة الإجماع عليه، و في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية «4»، و في الاستبصار إلى آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله «5».

للنصوص المستفيضة المنجبر ضعفها بما مرّ:

منها: الرضوي: «لا تقرأ في الفريضة الضحى و ألم نشرح، و كذا ألم تر كيف و لإيلاف» إلى أن قال: «لأنّه روي أنّ الضحى و ألم نشرح سورة واحدة، و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» إلى أن قال: «فإذا أردت قراءة بعض هذه السور فاقرأ و الضحى و ألم نشرح و

لا تفصل بينهما، و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف» «6».

و مرسلة الصدوق المروية في الهداية: «و موسّع عليك أيّ سورة قرأت في قراءة فرائضك إلّا أربع و هي: و الضحى و ألم نشرح في ركعة، لأنّهما جميعا سورة واحدة، و لإيلاف و ألم تر كيف في ركعة، لأنّهما جميعا سورة واحدة، و لا تنفرد بواحدة من هذه الأربع السور في ركعة فريضة» «7».

و المروي في المجمع و الشرائع مرسلا: «إنّ الضحى و ألم نشرح سورة

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 269، و الروضة البهية 1: 269، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 279.

______________________________

(1) النهاية: 78، التهذيب 2: 72، الاستبصار 1: 317.

(2) انظر: المنتهى 1: 276، و التنقيح الرائع 1: 203، و الحدائق 8: 202.

(3) المختصر النافع: 31، الشرائع 1: 83، نهاية الإحكام 1: 468، التحرير 1: 39، التذكرة 1: 115.

(4) أمالي الصدوق: 510.

(5) الاستبصار 1: 317.

(6) فقه الرضا (ع): 112، مستدرك الوسائل 4: 164 أبواب القراءة ب 7 ح 3.

(7) الهداية: 31، البحار 82: 45- 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 128

واحدة، و كذا سورة ألم تر كيف و لإيلاف» «1».

و في تفسير العيّاشي عن أحدهما عليهما السلام: «ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» قال: «و روي أنّ ابيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه» [1].

و في كتاب القراءة لأحمد بن محمّد بن سيّار بسندين عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: «الضحى و ألم نشرح سورة واحدة» و «ألم تر و لإيلاف سورة واحدة» «2».

و تؤيّدهما صحيحة الشحّام: صلّى بنا أبو عبد اللَّه عليه السلام فقرأ الضحى و ألم نشرح في ركعة «3».

و جعلها دليلا على الوحدة- باعتبار أنّه لولاها

لزم تخصيص أخبار النهي عن القران و الأصل عدمه- مردود بأنّ الوحدة أيضا مستلزمة للنقل في لفظ السورة المستعملة في هذه الأربع، إذ لا تكون الواحدة منها سورة، مع أنّها يصدق عليها سورة الضحى حقيقة، للتبادر. و الأصل عدم النقل أيضا.

و على هذا فتجوز قراءتهما معا في ركعة من فريضة و لا يجوز الاكتفاء بواحدة منها، لأنّ أصالة هذين الحكمين مقتضى الحكم الأول و هو الوحدة، مع دلالة الروايتين الأوليين عليهما، و الأخيرة على أولهما، حيث إنّ الصلاة كانت فريضة بقرينة قوله: «صلّى بنا».

______________________________

[1] الموجود بأيدينا من تفسير العياشي من أول القرآن إلى سورة الكهف، و قد رويت هذه الرواية عن العياشي في مجمع البيان ج 10- 544. و الظاهر أن قوله: و روي أنّ ابيّ بن كعب .. من المجمع لا من تفسير العياشي، فهي رواية مستقلة، و قد رواهما في الوسائل 6: 55 أبواب القراءة ب 10 ح 6 و 7 عن مجمع البيان.

______________________________

(1) مجمع البيان 5: 507، الشرائع 1: 83، الوسائل 6: 55، 56 أبواب القراءة ب 10 ح 4 و 9.

(2) مستدرك الوسائل 4: 163 أبواب القراءة ب 7 ح 1 و 2.

(3) التهذيب 2: 72- 266، الاستبصار 1: 317- 1182، الوسائل 6: 54 أبواب القراءة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 129

خلافا لجماعة من المتأخرين [1] في الأول، فمنعوا الوحدة تمسّكا- بعد تضعيف غير الصحيحة من الروايات و منع دلالتها إلّا على جواز الجمع و هو أعمّ من الوحدة- بأصالة عدم النقل التي سبق ذكرها.

و تواتر اثنينيّتهما في المصاحف.

و رواية المفضّل المتقدّمة في مسألة القران «1»، حيث إنّ الأصل في الاستثناء الاتّصال.

و صحيحة الشحّام: صلّى بنا

أبو عبد اللَّه عليه السلام فقرأ في الاولى و الضحى، و في الثانية ألم نشرح «2».

و يردّ الأول- بعد الجواب عن الضعف بالانجبار بما سبق- باندفاع الأصل بما ذكر.

و الثاني بمنع التواتر، و إنّما المتواتر تخلل البسملة، و هو غير المدّعى، مع أنّ في حجية هذا التواتر كلاما طويلا.

و الثالث بالحمل على متعارف الناس، مع أنّ الرواية ضعيفة و في هذا الحكم من الجابر خالية.

و الرابع بالحمل على النافلة، و بعدم الدلالة على التعدد فيمكن أن تكون هذه السور مستثناة من التبعيض الممنوع.

مضافا في الروايتين إلى رجحان معارضهما عليهما بمخالفة العامة «3».

مع أنه إذا قلنا بوجوب الجمع بين السورتين للروايتين- كما هو المصرّح به

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في روض الجنان: 269، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 243، و صاحب المدارك 3: 378.

______________________________

(1) راجع ص 109، و هي رواية البزنطي عن المفضّل.

(2) التهذيب 2: 72- 265، الاستبصار 1: 318- 1184 بتفاوت يسير، الوسائل 6: 54 أبواب القراءة ب 10 ح 3.

(3) كما في غرائب القرآن (جامع البيان 30): 114، و التفسير الكبير 32: 2، و روح المعاني 30:

165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 130

في كلام الثانيين [1]- انتفت ثمرة نزاع البين كما أشار إليه، و لكن يرد عليهما عدم دلالة الخبرين إلّا على الجواز، و تظهر الثمرة حينئذ في الاكتفاء بأحدهما.

و مما ذكر يظهر دليل من خالف في الأحكام الثلاثة أيضا، إلّا أنّ ظاهر بعض مشايخنا عدم القول به بين أصحابنا «1».

ثمَّ على المختار هل تعاد البسملة بينهما؟ كالحلّي و الفاضل «2»، و كثير من المتأخرين [2]، لثبوتها بينهما متواترا، و كتبها في المصاحف إجماعا، و لحصول البراءة اليقينية به.

أو لا؟ كالنافع «3»، و

عن الشيخ «4»، لاقتضاء الوحدة ذلك، و دعوى المجمع أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها «5»، و قوله في الرضوي المتقدم: «و لا تفصل بينهما» و ما روي أنّ ابيّ لم يفصل بينهما بها.

الظاهر هو الأول، لا لما ذكر، لعدم حجية هذا التواتر لانتهائه إلى عمل الخلفاء الثلاث، و عدم العلم بالاشتغال بأزيد ممّا علم منه البراءة.

بل للأمر في رواية سالم بن سلمة بالقراءة كقراءة الناس «6»، و لا شك أنّهم يقرؤون كذلك. و اقتضاء الوحدة لترك البسملة ممنوع، لجواز تخللها بين السورة

______________________________

[1] المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 262، الشهيد الثاني في روض الجنان: 269، و لا يخفى أن المراد بالروايتين هنا هو صحيحة الشحام الاولى و رواية المفضل المتقدّمتان في الصفحة السابقة، كما صرّح به في جامع المقاصد و روض الجنان.

[2] منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 204، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 269، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 244، و الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 276.

______________________________

(1) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

(2) الحلي في السرائر 1: 221، الفاضل في التحرير 1: 39.

(3) المختصر النافع: 31.

(4) التبيان 10: 371.

(5) مجمع البيان 5: 507.

(6) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 131

كما في النمل. و عدم حجيّة دعوى الإجماع. و عدم دلالة الرضوي، لجواز أن يكون المراد عدم التفرّد بواحدة منها.

المسألة التاسعة عشرة: تخيّر المصلّي في كلّ ثالثة و رابعة من الفرائض الخمس بين قراءة الحمد وحدها و التسبيح،

بإجماعنا المحقّق، و المنقول في كلام الأصحاب مستفيضا «1»، بل- كما قيل- متواترا «2»، و عليه استفاضت أخبارنا بل تواترت كما تأتي طائفة منها.

و إطلاق كثير منها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة في الأوليين و غيره كما هو الأشهر، بل عليه غير

من شذّ و ندر و هو- كما قيل «3»- الشيخ في الخلاف «4»، و لكن عبارته فيه في الوجوب غير صريحة، بل احتجاجه بإجماع الفرقة و تعبيره أخيرا فيه بالأحوط ظاهر في عدمه، بل يريد الأولويّة و الاستحباب كما صرّح هو به في المبسوط «5»، و تبعه جماعة من الأصحاب [1].

لما مرّ من الإطلاق، بل عموم كثير من نصوص التخيير و عدم وجوب القراءة في الأخيرتين و إجزاء التسبيح فيهما.

و للأصل.

و استصحاب التخيير.

و صحيحة ابن عمّار: في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في

______________________________

[1] منهم ابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 80، و صاحب الحدائق 8: 422، و صاحب الرياض 1: 161.

______________________________

(1) كما في المختلف: 92، و المهذب البارع 1: 371 و الذكرى: 188، و جامع المقاصد 2: 256، و روض الجنان: 261، و مدارك الاحكام 3: 344، و الذخيرة: 270، و كشف اللثام 1: 218.

(2) كما في الرياض 1: 161.

(3) انظر: الرياض 1: 161.

(4) الخلاف 1: 341.

(5) المبسوط 1: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 132

الأخيرتين، قال: «أتمّ الركوع و السجود؟» قلت: نعم، قال: «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» «1».

و موثقتي أبي بصير و سماعة، الأولى: «إذا نسي أن يقرأ في الاولى و الثانية أجزأه تكبير الركوع و السجود» «2».

و الثانية: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال: «فليقل- إلى أن قال:- فإذا ركع أجزأه إن شاء اللَّه» «3».

و خبر أبي بصير: عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» «4».

فإنها ظاهرة في إجزاء الركوع و تسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما، و لو وجبت القراءة في الأخيرتين تداركا لما صدق عليه الإجزاء.

و

يضعّف الأول: بكونه إمّا أعمّ مطلقا ممّا صرّح بأنّه: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «5» كما صرّح به بعض مشايخنا [1] فيخصّص به، أو من وجه كما ذكره بعض آخر منهم [2] و هو الأظهر، فيتساقطان و يرجع إلى الأصل و هو مع قراءة الفاتحة، لثبوت الاشتغال بشي ء إجماعا و لا يتعين بعد التساقط فيستصحب الاشتغال.

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 8: 422.

[2] كصاحب الرياض 1: 161.

______________________________

(1) التهذيب 2: 146- 571، الاستبصار 1: 354- 1337، الوسائل 6: 92 أبواب القراءة ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 2: 146- 572، الاستبصار 1: 354- 1338، الوسائل 6: 90 أبواب القراءة ب 29 ح 3.

(3) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 28 ح 1.

(5) عوالي اللئالي 1: 196- 2، المستدرك 4: 158 أبواب القراءة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 133

و منه يظهر ضعف الثاني أيضا.

و الثالث: بمنع التخيير أوّلا، لأنه فرع عدم النسيان في الأوليين.

و الرابع: بمنع الدلالة، لجواز أن يكون المراد بجعل آخر الصلاة أولها قراءة الحمد و السورة كما تؤكّده بل تدل عليه مرسلة أحمد: «أيّ شي ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟» قلت: يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد و السورة، فقال: «هذا يقلب صلاته فيجعل أوّلها آخرها!!» فقلت: ما يصنع؟

قال: «يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة» «1».

و لا دلالة للسؤال عن إتمام الركوع و السجود على عدم إرادة ذلك أصلا.

و البواقي: بأنها إنما تفيد لو كان مراد من يوجب القراءة في الأخيرتين أنها عوض عنها في

الأوليين، و هو غير معلوم، و لا منافاة بين إجزاء الركوع عن ركعته و بين وجوب قراءة أخرى بدليل آخر.

احتجّ الشيخ: بإجماع الفرقة.

و ما مرّ من أصل الاشتغال.

و من قولهم: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب».

و رواية ابن حمّاد: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: «اقرأ في الثانية» قلت: أسهو في الثانية، قال: «اقرأ في الثالثة» قلت: أسهو في صلاتي كلّها، قال: «إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمّت صلاتك» «2».

و صحيحة زرارة: رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين، فقال: «يقضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين، و لا شي ء عليه» «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 383 الصلاة ب 61 ح 10، الفقيه 1: 263- 1203 بتفاوت يسير، الاستبصار 1:

437- 1686، التهذيب 3: 46- 160، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 7.

(2) الفقيه 1: 227- 1004، التهذيب 2: 148- 579، الاستبصار 1: 355- 1342، الوسائل 6: 93 أبواب القراءة ب 30 ح 3.

(3) الفقيه 1: 227- 1003، الوسائل 6: 94 أبواب القراءة ب 30 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 134

و ردّ الأول: بمنع الإجماع، بل الظاهر تحققه على خلافه.

و الثاني: باندفاعه بما مرّ.

و الثالث: بما ذكر من التعارض مع العموم الأول الراجح بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل لعلّها إجماع. مضافا إلى ضعف العموم الثاني و قصوره عن الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر- الحاصل من تتبّع النصوص و الفتاوي- بالفاتحة في محلّها المقرّر لها شرعا، و هو الركعتان الأوليان خاصة.

و الرابع: بالضعف في السند و الدلالة، لظهوره في القراءة في الأخيرتين، و المراد بها حيث يطلق الحمد و السورة معا، و هو

مخالف للإجماع.

و منه يظهر ما في الخامس، مضافا إلى ظهوره في كون الإتيان بها قضاء عمّا فات في الأوليين لا أداء لوظيفة الأخيرتين كما هو المطلوب، مع أنّه صرّح فيه بقضاء التكبير و التسبيح الفائتين في الأوليين و هو أيضا مخالف للإجماع، مع أنّه- كسابقه- موافق لرأي أبي حنيفة «1» و إن كان رأيه مطلقا شاملا لما كان الترك عمدا.

و في الجميع- غير الأول- نظر:

أمّا الثاني، فلما عرفت من ضعف الدافع.

و أما الثالث، فلمنع إيجاب الشهرة في الفتوى للرجحان، و بمنع التبادر جدّا.

و أمّا الرابع، فلأن ضعف السند غير ضائر، و إرادة الحمد و السورة من مطلق القراءة ممنوعة، و لو سلّم فالإجماع على عدم إرادتهما معا قرينة.

و أمّا الخامس، فلذلك، و لعدم خروج جزء من الحديث عن الحجية بخروج جزء آخر منه عنها.

و لأجل ما ذكر نفى بعض مشايخنا المحدّثين البعد عن هذا القول «2»،

______________________________

(1) انظر: المبسوط للسرخسي 1: 18، و المجموع للنووي 3: 361، و الاستذكار 1: 170.

(2) انظر: الحدائق 8: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 135

و جعله بعض آخر الأحوط [1].

إلّا أنّ شذوذ هذا القول جدّا- حتى نفى بعضهم وجود القائل به- يوجب عدم حجية ما دلّ عليه من الرواية و الصحيحة أصلا، مضافا إلى ما في الثانية من عدم الدلالة على الوجوب رأسا.

و أما عمومات نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيه، فهي و إن كانت مقبولة عند القوم في غير ذلك المقام، مستندا لهم في غير واحد من الأحكام، و لم تتحمّل الشذوذ المخرج لها عن الحجية، إلّا أنّه قد عرفت تعارضها مع عمومات إجزاء التسبيح في الأخيرتين و ما بمعناها بالعموم من وجه، و لو لا ترجيح الثانية

بما مرّ لتكافأتا و وجب الحكم بالتخيير الذي هو المطلوب. و أمّا التساقط و الرجوع إلى الأصل فإنّما هو فيما كان التخيير منفيّا بإجماع و نحوه و ليس هاهنا منه. فيتعيّن الحكم بالتخيير حينئذ أيضا، و به يندفع أصل الاشتغال.

المسألة العشرون: الأفضل في هذه الركعات للإمام التسبيح

عند العماني «1»، و الصدوقين «2»، و الحلّي «3»، و جملة من متأخّري المتأخّرين [2]، و مشايخنا «4»، و المعاصرين «5».

لطائفة جمّة من الأخبار الدالّة عليه.

إمّا بالعموم، كصحيحتي زرارة المصرّحتين بأنّ في السبع ركعات الأخيرة من الصلوات الخمس ليس قراءة، و زاد في إحداهما: «إنّما هو تسبيح و تكبير و تهليل

______________________________

[1] كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 205.

[2] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 272، و الحر العاملي في الوسائل 6: 122.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 92.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 209، و حكاه عن والده في المختلف: 92.

(3) السرائر 1: 230.

(4) انظر: الحدائق 8: 388، و شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط)، و الدرة النجفية: 137، و كشف الغطاء: 237، و غنائم الأيام: 183.

(5) انظر: الحدائق 8: 388، و شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط)، و الدرة النجفية: 137، و كشف الغطاء: 237، و غنائم الأيام: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 136

و دعاء» «1».

و صحيحته الأخرى الواردة في حكم المسبوق، و فيها: «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأنّ الصلاة إنما يقرأ [فيها] في الأوليين، و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنّما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء، ليس فيهما قراءة» «2».

و روايتي العجلي و محمّد بن أبي حمزة: الاولى في الفقيه «3»، و الثانية في العلل «4»، المعللتين أفضلية التسبيح عن القراءة في الأخيرتين بتذكّر النبي ليلة المعراج فيهما عظمة اللَّه عزّ

و جلّ فقال: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر».

و جعلهما خاصّتين بالإمام لاقتداء الملائكة حينئذ غير جيّد، لأنه غير الإمامة المتنازع فيها، و إلّا لكان المنفرد أيضا إماما، حيث ورد: إنّ من صلّى مثلا بأذان صلّى معه صفوف من الملائكة «5». و نحو ذلك.

و رواية الفقيه المعللة لجعل القراءة في الأوليين و التسبيح في الأخيرتين بالفرق بين ما فرضه اللَّه عز و جل و بين ما فرضه رسول اللَّه «6».

و صحيحة محمّد بن قيس المصرّحة بأنّ أمير المؤمنين كان يسبّح في الأخيرتين «7».

و المروي في العيون المصرّح بأنّ مولانا الرضا عليه السلام كان يسبّح فيهما

______________________________

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 6.

(2) الفقيه 1: 256- 1162، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1: 436- 1683، الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(3) الفقيه 1: 202- 925، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ح 3.

(4) علل الشرائع: 322- 1، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ملحق بالحديث 3. و قد ضبط اسم الراوي فيهما محمد بن حمزة.

(5) انظر: الوسائل 5: 381 أبواب الأذان و الإقامة ب 4.

(6) الفقيه 1: 202- 924، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 4.

(7) التهذيب 2: 97- 362، الوسائل 6: 125 أبواب القراءة ب 51 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 137

يقول: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاث مرّات، من المدينة إلى المرو «1». إلى غير ذلك.

أو بالخصوص، كصحيحة زرارة: «لا تقرأنّ

في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أم غير إمام» قال: قلت: فما أقول؟

قال: «إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه، ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات» «2».

و رواية أبي خديجة و فيها: «فإذا كان- أي الاقتداء- في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الإمام التسبيح» الحديث «3».

و قد يستدل «4» أيضا بصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة «5»، و صحيحة الحلبي: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للَّه و سبحان اللَّه و اللَّه أكبر» «6».

و فيهما نظر: أمّا في الأولى فلما مرّ، و أمّا في الثانية فلاحتمال كون قوله: «لا تقرأ» جملة حاليّة فلا دلالة فيها على المطلوب، بل و كذا لو كانت وصفيّة و يكون المعنى: الركعتين اللتين لا تجب القراءة فيهما، نعم لو كانت الجملة إنشائيّة لكانت لها دلالة، و لكن لا يتمّ الاستدلال بالاحتمال.

و الأفضل له القراءة عند الشيخ في الاستبصار «7»، و الحلبي «8»، و الشرائع

______________________________

(1) عيون اخبار الرضا 2: 178- 5، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.

(2) الفقيه 1: 256- 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.

(3) التهذيب 3: 275- 800، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 13.

(4) كما في المختلف: 92، و الحبل المتين: 232، و الحدائق 8: 397.

(5) راجع ص 131.

(6) التهذيب 2: 99- 372، الاستبصار 1: 322- 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة ب 51 ح 7.

(7) الاستبصار 1: 322.

(8) الكافي في الفقه: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 138

و القواعد و المنتهى و التذكرة

و اللمعة و البيان و الدروس و شرح القواعد «1»، و الأردبيلي «2»، و المدارك «3».

لما دلّ عليه إمّا بالعموم، كرواية محمّد بن حكيم: أيّما أفضل، القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: «القراءة أفضل» «4».

أو بالخصوص كصحيحة ابن حازم: «إذا كنت إمام قوم فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» «5».

و صحيحة معاوية بن عمّار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، و إذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» «6».

و رواية جميل: عمّا يقرأ الإمام في الركعتين الأخيرتين في آخر الصلاة، فقال «بفاتحة الكتاب و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل وحده إذا صلّى فيهما بفاتحة الكتاب» «7».

و التوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة للشيخ بسند قويّ و هو: أنه كتب إليه يسأل عن الركعتين الأخيرتين فقد كثرت فيهما الروايات، فبعض يرى أنّ قراءة الحمد فيهما أفضل، و بعض يرى أنّ فيهما التسبيح أفضل، فالفضل لأيّهما

______________________________

(1) الشرائع 1: 82، القواعد 1: 33، المنتهى 1: 275، التذكرة 1: 116، اللمعة (الروضة 1):

259، البيان: 160، الدروس 1: 175، جامع المقاصد 2: 259.

(2) مجمع الفائدة: 208.

(3) المدارك 3: 345.

(4) التهذيب 2: 98- 370، الاستبصار 1: 322- 1201، الوسائل 6: 125 أبواب القراءة ب 51 ح 10.

(5) التهذيب 2: 99- 371، الاستبصار 1: 322- 1202، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 11.

(6) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294- 1185، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 2.

(7) التهذيب 2: 295- 1186، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42

ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 139

لنستعمله؟ فأجاب عليه السلام: «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كلّ صلاة لا قراءة فيها خداج، إلّا للعليل أو من يكثر عليه السهو، فيتخوّف بطلان الصلاة عليه» «1».

و لعلّ وجه النسخ بالقول المذكور أنّه دلّ على كثرة مناسبة و فضيلة و اهتمام للفاتحة في الصلاة، أو لأنّه إذا كان كذلك فالأفضل أن يكون في جميع الصلاة لتكون أحفظ من البطلان.

و يمكن أن يكون قوله: «فيتخوّف» متعلقا بذلك أيضا، أي نسخ بهذا القول، لخوف بطلان الصلاة بالسهو في القراءة في الأوليين.

و يمكن أن يكون المراد بالنسخ أنّه بني على أفضلية التسبيح بعد مقدمة ليلة المعراج، و كان البناء عليها لأجلها حتى صدر ذلك القول من العالم، فرفعت اليد عن تلك المقدمة و نسخت.

و أجاب الأوّلون عن هذه الروايات بأنّها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى، لأنّها أكثر و أشهر، و في الدلالة أظهر، و مع ذلك مخالفة للعامة و هذه موافقة لها «2»، و يجب تقديم المخالف عند التعارض.

و يرد عليه: منع الأكثرية أوّلا، فإنّ العمومات و إن كانت كذلك إلّا أنّ خصوصات أفضليّة القراءة للإمام أكثر، مع أنّ بعد تحقّق الكثرة من الطرفين- سيّما مع اعتبار السند بل صحّته بل مع تعدّد الصحاح- لا يوجب نوع كثرة في أحد الطرفين ترجيحا.

و الأشهرية ثانيا، كيف؟! و القائلون بأفضليّة القراءة للإمام أكثر.

و الأظهرية ثالثا، و هو ظاهر جدّا.

و مخالفة الأولى لجميع العامّة رابعا، كيف؟! و المنقول عن سفيان كراهة

______________________________

(1) الاحتجاج: 491، كتاب الغيبة: 229 و لكن لم يذكر فيه السؤال، الوسائل 6: 127 أبواب القراءة ب 51 ح 14.

(2) انظر:

الام 1: 107، و المغني 1: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 140

القراءة في الأخيرتين كما يظهر من كتب السيّد و الفاضل «1»، و عن الشافعي و الأوزاعي و أحمد روايتان «2»، إحداهما و إن كانت وجوب القراءة و لكن الأخرى غير معلومة لنا، فلعلّها موافقة لها.

و موافقة هذه خامسا، كيف؟! و صحيحتا ابني حازم و عمّار مصرّحتان بالتفصيل الذي لم ينقل من أحد من العامة، فهما أيضا مخالفتان لهم قطعا، فإنّه يصدق عليهما أنّهما مخالفتان للعامة.

مع أنّه لم تثبت أفضلية القراءة أو تعيينها في الركعتين من أحد من العامة، إذ قد عرفت أنّ لمن ذكر روايتان، و سفيان يكرهها، و الحسن يوجبها في كلّ صلاة في ركعة واحدة «3»، و مالك لا يوجبها في مجموع الأخيرتين «4»، و المنقول عن أبي حنيفة في كتب أصحابنا التخيير «5»، من غير تعرّض للأفضلية أصلا.

نعم ذكرها ابن روزبهان العامي الكذّاب في كتابه أنه يقول بالأفضلية، و لا يثبت بمجرّد ذلك أنّ ذلك قول أبي حنيفة بحيث يصير منشأ لمرجوحية الأخبار.

ثمَّ مع تسليم ذلك الترجيح للأولى نقول: صرّح التوقيع بمرجوحية روايات أفضلية التسبيح، و هو أخصّ من روايات الترجيح بمخالفة العامة، فيجب تقديمه قطعا.

و الخدش في التوقيع- إمّا بالإجمال [1]، أو بعدم جواز النسخ في المورد، أو بعدم صلاحية ما ذكره ناسخا للنسخ- ليس بشي ء، كما لا يخفى على المتدبّر.

نعم المستفاد من التوقيع ليس إلّا نسخ التسبيح بالقراءة، و إذ ليس هو نسخ

______________________________

[1] في «ق»: بالإجماع.

______________________________

(1) كالتذكرة 1: 116.

(2) انظر: الأم للشافعي 1: 107، المغني 1: 561، المبسوط للسرخسي 1: 18.

(3) انظر: بداية المجتهد 1: 126، المجموع 3: 361، المغني 1: 561.

(4) انظر: بداية المجتهد 1: 126،

المغني 1: 561، المبسوط للسرخسي 1: 18.

(5) راجع الخلاف 1: 341، و التذكرة 1: 115، و المنتهى 1: 275، و انظر المبسوط للسرخسي 1: 19، عمدة القارئ 6: 8، المجموع 3: 361، المغني 1: 561، الشرح الكبير 1:

560، نيل الأوطار 2: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 141

وجوبه و لا جوازه إجماعا فالمراد نفي أفضليته. و الناسخ أيضا ليس وجوب القراءة إجماعا و لا جوازها، لعدم إيجابه لنسخ الأفضلية، فيمكن أن يكون المراد نسخ فضيلتها لأفضليّته أو أفضليّتها لأفضليّته، و حيث لا دليل على تعيين أحد الأمرين فالقدر الثابت منه ليس إلّا نسخ أفضليّة التسبيح، و أمّا كون القراءة أفضل فلا يثبت منه.

و على هذا لا يثبت من التوقيع ترجيح روايات أفضلية القراءة، بل غايته عدم العمل بروايات أفضلية التسبيح، و لازمه عدم ثبوت الأفضلية لشي ء منهما الموجب للحكم بالتساوي.

ثمَّ بعد ملاحظة روايات أفضلية كلّ منهما و عدم مرجّح آخر لشي ء منهما، تعلم أنّه لا تثبت أفضلية شي ء منهما على الآخر، و أنّ الحكم التساوي في حق الإمام كما هو مذهب الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل «1»، بل نقله المحدّث المجلسي عن أكثر كتبه «2»، و هو ظاهر الفاضلين في المعتبر و الإرشاد و المختلف «3».

و هاهنا مذهب آخر، و هو: التفصيل بأفضلية القراءة له مع تجويزه وجود مسبوق و التسبيح مع عدم ذلك، نقل عن الإسكافي «4»، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللَّه- في المعتمد جمعا بين الأدلّة.

و يضعّفه خلوّ هذا الجمع عن الشاهد و البيّنة.

و كذا الحكم للمنفرد على الأقوى، وفاقا لمن مرّ من القائلين بالتخيير للإمام، و للاستبصار و الشرائع و القواعد و المنتهى و شرح القواعد و البيان

«5»، و المحقّق الأردبيلي «6».

______________________________

(1) النهاية: 76، المبسوط 1: 106، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 181.

(2) البحار 82: 91.

(3) المعتبر 2: 190، الإرشاد 1: 253، المختلف: 92.

(4) حكاه عنه في المختلف: 92.

(5) الاستبصار 1: 322، الشرائع 1: 82، القواعد 1: 33، المنتهى 1: 275، جامع المقاصد 2: 259، البيان: 160.

(6) مجمع الفائدة 2: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 142

لتعارض عمومات أفضلية التسبيح المتقدّمة «1» مع عمومات أفضلية القراءة و عمومات المساواة السابقتين «2»، و تعارض خصوصات أفضلية الأول للمنفرد كصحيحتي زرارة المذكورتين «3»، و موثقة الساباطي الواردة في المسبوق و فيها: «فإذا سلّم الإمام ركع ركعتين يسبّح فيهما» «4» مع خصوصات المساواة له، كصحيحة معاوية بن عمّار السالفة «5» بل صحيحة منصور أيضا «6»، و عدم المرجّح، فيصار إلى التخيير.

و توهّم دلالة رواية جميل «7» على أفضلية القراءة له، فاسد، لوقوع قوله:

«و يقرأ الرجل وحده» عقيب النهي أو ما بمعناه، فلا يفيد سوى انتفاء الحظر، مع أنه مع الدلالة أيضا يعارض ما مرّ و يرجع إلى المساواة.

و خلافا لمن مرّ من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام، فقالوا بأفضليته له أيضا، و التذكرة و الدروس «8»، لنحو ما مرّ في الإمام بجوابه.

و أمّا المأموم فالأفضل له التسبيح، وفاقا لكلّ من مرّ من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام، و للمنتهى «9»، لخصوص صحيحة معاوية و رواية جميل، الخاليتين عن المعارض المساوي، و أمّا المعارض العامّ فلا يقاوم الخاصّ بل يلزم تخصيصه به.

خلافا لمن قال بأفضلية القراءة له أو بالمساواة، لنحو ممّا مر مع دفعه،

______________________________

(1) في ص 136.

(2) في ص 136.

(3) في ص 135- 136.

(4) التهذيب 3: 247- 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح

2.

(5) في ص 138.

(6) المتقدمة في ص 138.

(7) المتقدمة في ص 138.

(8) التذكرة 1: 115، الدروس 1: 175.

(9) المنتهى 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 143

و لرواية أبي خديجة السابقة «1».

و يدفع بعدم تعيّن المستتر في قوله: «كان» فلعلّه الائتمام كما احتمله في الوافي «2» بأن يكون المأمومون مسبوقين، فتخرج الرواية عن المسألة. و مع كونه غير ذلك مما يشملها أيضا فتكون عامة أيضا، لشمولها للمسبوق فلا يفيد.

المسألة الحادية و العشرون: اختلفوا في المجزئ من التسبيح في الركعات الأواخر على أقوال.
اشاره

الأوّل: أنه اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثا، و هو قول العماني «3»، و الشيخ في ظاهر النهاية «4»، و مختصر المصباح «5»، و الاقتصاد «6»، و القاضي في ظاهر المهذّب «7»، و الفاضل في التلخيص كما حكي «8»، و هو ظاهر أكثر نسخ الفقيه المشهورة «9».

لاستصحاب الاشتغال.

و أقربيته إلى مساواة الحمد.

و للرضوي: «تقرأ فاتحة الكتاب و سورة في الركعتين الأوّلتين، و في الركعتين الأخيرتين الحمد وحده، و إلّا فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، تقولها في كلّ ركعة منهما ثلاثا» «10».

______________________________

(1) في ص 137.

(2) الوافي 8: 1205.

(3) حكاه عنه في المختلف: 92.

(4) النهاية: 76.

(5) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 219.

(6) الاقتصاد: 261.

(7) المهذب 1: 94.

(8) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 219.

(9) الفقيه 1: 209.

(10) فقه الرضا (ع): 105، مستدرك الوسائل 4: 202 أبواب القراءة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 144

و المروي في العيون عن الضحّاك: إنّه صحب الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأخراوين و يقول: «سبحان اللَّه و

الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاث مرّات ثمَّ يركع «1».

و المروي في صلاة السرائر عن كتاب حريز، عن أبي جعفر عليه السلام:

«لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قلت: فما أقول فيهما؟ قال: «إن كنت إماما فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، ثلاث مرّات ثمَّ تكبّر و تركع» «2» الحديث.

قيل: و رواه الفقيه كذلك في باب كيفية الصلاة «3». و هو اشتباه، لأنّ المذكور فيه كلام الصدوق و ليس رواية.

و يضعّف الأول: باندفاع الاستصحاب بالإتيان بما علم الاشتغال به.

و الثاني: بعدم وجوب تحصيله.

و الثالث: بالضعف الخالي عن الجابر أوّلا، و بعدم الدلالة على الوجوب التعييني- لمقام الجملة الخبرية- ثانيا.

و أمّا قوله: «فسبّح» فإنّه و إن كان أمرا إلّا أنّه لا يدلّ إلّا على وجوب مجرد التسبيح فقط لأنّه حقيقة فيه، فيمكن أن يكون البيان بيانا للأفضل، فيكون الزائد على مطلق التسبيح مستحبا، كما تقول: اجلس و تقرأ القرآن، فإنّه لا يدلّ على وجوب القراءة أيضا.

و به يضعّف الرابع أيضا، إذ لا دلالة له على كونه على سبيل الوجوب أصلا، مضافا إلى ما في البحار من أنّ الموجود في النسخ القديمة المصحّحة من العيون بدون التكبير، و الظاهر أنّ الزيادة من النسّاخ «4». انتهى.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 2: 180- 181 و ليس فيه: «ثمَّ يركع»، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.

(2) السرائر 1: 219، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ح 2.

(3) انظر: الرياض 1: 165.

(4) البحار 82: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 145

كما أنّ بالأول [1] يضعّف الخامس،

فإنّ حال كتاب حريز عندنا غير معلوم، مع أنّ ناقله- الذي هو الحلّي- لم يعمل به و أفتى بالعشر «1»، و هو من مضعّفات الحديث جدّا.

مضافا إلى ما فيه من الاضطراب، حيث إنّه رواه في آخر السرائر بعينه عن كتاب حريز بإسقاط: «اللَّه أكبر» «2».

و لذا قال في البحار: إنّ الظاهر أنّ زيادة التكبير من قلمه أو قلم النسّاخ، و ذكر له مؤيدات منها: نسبة القوم إلى حريز الاكتفاء بالتسع «3». و لو لا الظهور فلا شك في سقوطه عن عرصة الاحتجاج. و ذكر التكبير في روايات أخر لا يدلّ على ترجيح النسخة المتضمنة له بوجه.

هذا، مع ما فيه من ضعف الدلالة، لعدم كون الأمر فيه لحقيقته التي هي الوجوب التعييني، لجواز قراءة الحمد أيضا. و حمله على التخييري ليس بأولى من الاستحباب.

و القول- بأنّ الأول أقرب إلى الحقيقة فيجب الحمل عليه- ضعيف غايته، لمنع وجوب الحمل على الأقرب، سيّما مع أنّ الثاني أشيع و أشهر.

مضافا إلى ما في الجميع من المعارضة مع ما يأتي.

و الثاني: أنه عشر بإسقاط التكبير في المرّتين الأوليين، و هو مختار المصباحين «4»، و الجملين «5»، و المبسوط و عمل اليوم و الليلة «6»، و ابني حمزة و زهرة،

______________________________

[1] أي: بالتضعيف الأوّل للدليل الثالث، و هو ضعف السند.

______________________________

(1) السرائر 1: 222.

(2) مستطرفات السرائر: 71- 2، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.

(3) البحار 82: 87.

(4) حكاه عن مصباح السيد في المعتبر 2: 189، مصباح المتهجد: 44.

(5) نقله عن جمل السيد في شرحه للقاضي: 93، الجمل و العقود للشيخ (الرسائل العشر): 181.

(6) المبسوط 1: 106، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 146

و

الديلمي، و الحلّي، و القاضي [1].

قال جماعة: و لم نقف له على مستند «1».

و يحتمل أن يكون لصحيحة زرارة: قال: قلت: فما أقول [فيهما؟]- أي في الأخيرتين- قال: «إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه، ثلاث مرّات، تكمله تسع تسبيحات ثمَّ تكبّر و تركع» «2».

وجه الاستناد: إفادة قوله: «ثمَّ تكبّر» للوجوب، كما عليه جماعة في الجمل الخبريّة، فلا يمكن أن يكون تكبيرة الركوع، فيكون جزءا للتسبيح.

و هو حسن عند من يقول بتلك الإفادة، و لكنها عندنا غير ثابتة و لأجله يخرج عن الدلالة، مضافا إلى ما فيه من عدم أولوية الوجوب التخييري عن الاستحباب.

و قد تردّ أيضا «3» باضطراب الرواية، لاختلاف نسختها في الفقيه و كذا في السرائر فيشكل التمسك بها، سيّما و أنّ احتمال السقوط أرجح من الزيادة، سيّما مع وجود الزيادة في كثير من روايات المسألة و إن لم تكن لبعضها على الوجوب دلالة.

و فيه: منع الاختلاف في رواية الفقيه- التي هي الحجة- و إنّما هو في رواية السرائر خاصة «4»، و لا ضير في اختلافها، مع أنّ زيادة قوله فيها: «تكمله تسع تسبيحات» ترجّح جانب القلّة.

و الثالث: أنّه تسع بإسقاط التكبير في المرّات الثلاث، حكي عن حريز بن

______________________________

[1] لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الديلمي في المراسم: 72، الحلّي في السرائر 1: 222، القاضي في شرح الجمل: 93.

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 379، و كشف اللثام 1: 219، و البحار 82: 90، و الحدائق 8: 413، و الرياض 1: 165، و غنائم الأيام: 182.

(2) الفقيه 1: 256- 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب

51 ح 1.

(3) كما في الرياض 1: 165.

(4) السرائر 1: 219، المستطرفات: 71- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 147

عبد اللَّه السجستاني من قدماء الأصحاب «1»، و الصدوق «2»، و والده كما في المختلف «3»، و الحلبي كما قيل «4».

للصحيحة المتقدّمة، بجعل التكبيرة تكبيرة الركوع، لعدم دلالتها على وجوبها. و هو كذلك، بل في دلالتها على وجوب التسع أيضا ما مرّ من تعارض المجازين.

مع أنّ في النسبة إلى أكثر من ذكر أيضا كلاما، فإنّه و إن أسنده في المعتبر و المنتهى و الذكرى إلى حريز «5»، و في بعض الكتب إلى الصدوق و الحلبي «6»، و لكن عرفت رواية اثنتي عشرة عن حريز أيضا «7»، و مرّ تصريح الصدوق أيضا بها في الفقيه «8». و الظاهر أنّه لأجل روايته هذه الصحيحة في باب الجماعة، و لا يخفى أنّ نقلها بعد تصريحه بخلافها لا يثبت مذهبه. و صرّح في المنتهى بأنّ مذهب الحلبي ثلاث تسبيحات: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه «9».

و الرابع: أنّه أربع و هي التسبيحات الأربع، و هو مذهب المفيد «10»، و الشيخ في الاستبصار «11»، و المنتهى و التذكرة و القواعد و شرح القواعد «12»، و جمع

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 189.

(2) الفقيه 1: 256.

(3) المختلف: 92.

(4) حكاه عنه في المختلف: 92.

(5) المعتبر 2: 189، المنتهى 1: 275، الذكرى: 188.

(6) كما في الذكرى: 188، و المنتهى 1: 275.

(7) راجع ص 144.

(8) راجع ص 144.

(9) المنتهى 1: 275.

(10) المقنعة: 113.

(11) الاستبصار 1: 321، و حكاه عنه في المنتهى 1: 275.

(12) المنتهى 1: 275، التذكرة 1: 115، القواعد 1: 33، جامع المقاصد 2: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 148

آخر من المتأخرين [1]، و جوّزه الحلّي للمستعجل «1»، و جعله في المعتبر الأولى «2».

لصحيحة زرارة: ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: «أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و تركع» «3».

و رواية أبي خديجة: «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين، و على الذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» إلى أن قال في الركعتين الأخيرتين: «و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأوليين» «4».

و غيرهما من الأخبار المتضمنة لهذه الأربع من غير تقييد بعدد، الظاهرة في كفاية الواحدة.

و ردّ باحتمال أن يكون المراد بيان إجزاء القول دون العدد.

و فيه: أنّه يفيد لو تمّت أدلة الزائد عن الواحدة.

نعم يرد على الأول أنّه لا يدلّ على عدم إجزاء غيره إلّا بالأصل المندفع بسائر الأخبار، فإنّ أجزاء شي ء لا ينافي إجزاء غيره سيّما مع ثبوت إجزاء الحمد أيضا.

و على الثاني بعدم إمكان الحمل على الحقيقة، التي هي الوجوب التعييني كما مرّ.

و الخامس: أنّه ثلاث: التسبيح و التحميد و التهليل، عزاه في المنتهى إلى الحلبي «5»، و لم أعثر على دليله.

______________________________

[1] كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 205، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 261.

______________________________

(1) السرائر 1: 222.

(2) المعتبر 2: 190.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 2، التهذيب 2: 98- 367، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 5.

(4) التهذيب 3: 275- 800 بتفاوت يسير، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 13.

(5) المنتهى 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 149

و السادس: أنّه الثلاث

المذكور لكن مع تبديل التهليل بالتكبير، نسب إلى الإسكافي «1»، لصحيحة الحلبي: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للَّه و سبحان اللَّه و اللَّه أكبر» «2».

حيث إنّ الأمر فيها للوجوب قطعا، لأنّه إذا لم يقرأ يجب غيرها عينا، أو أنّ هذا التركيب مفيد للوجوب التخييري.

و يرد عليه ما مرّ سابقا من احتمال كون: «لا تقرأ» بمعنى لا تجب القراءة، أو إنشاء فالأمر حينئذ يكون مجازا قطعا.

و السابع: أنه مطلق الذكر، اختاره في البحار «3»، و احتمله صاحب الذخيرة «4»، لرواية عليّ بن حنظلة: عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟

فقال: «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب و إن شئت فاذكر اللَّه، فهما سواء» قلت: فأيّهما أفضل؟ قال: «هما و اللَّه سواء، إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت» «5».

و فيه: أنّه لا بدّ إمّا من حمل التسبيح في قوله: «سبّحت» على مطلق الذكر، أو المطلق في قوله: «فاذكر اللَّه» على التسبيح، و لا دليل على التعيين، فلا دليل على كفاية مطلق الذكر.

و الثامن: أنّ المصلّي مخيّر- اختاره المحقّق في المعتبر «6»، و صاحب

______________________________

(1) نسبه إليه في المختلف: 92.

(2) التهذيب 2: 99- 372، الاستبصار 1: 322- 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة ب 51 ح 7.

(3) البحار 82: 89.

(4) الذخيرة: 270.

(5) التهذيب 2: 98- 369، الاستبصار 1: 321- 1200، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 3.

(6) المعتبر 2: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 150

البشرى «1»، و جملة من المتأخرين، منهم: المدارك و المنتقى و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق «2»- بين جميع ما ذكر حتى مطلق الذكر كبعض من ذكر «3»، أو جميع ما روي كبعض آخر «4»، فإنّه قد

روي غير ما مرّ أيضا كثلاث تسبيحات، كما في مرسلة الفقيه: «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات تقول: سبحان اللَّه سبحان اللَّه سبحان اللَّه» «5».

أو التسبيح و التحميد و الاستغفار، كما في صحيحة عبيد: عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: «تسبّح و تحمد اللَّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» «6».

أو مطلق التسبيح، كما في رواية ابن عمّار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، و إذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» «7».

أقول: بعد رفع اليد عن دليلي القولين الأولين لما عرفت، و عن القول الخامس لعدم الدليل، و عن رواية مطلق الذكر و التسبيح، لمرسلة الفقيه المثبتة لأدنى ما يجزي من القول، و لما مرّ من عدم ثبوت مطلق الذكر.

يبقى دليل التسع، و الأربع، و ثلاث الإسكافي، و ثلاث تسبيحات،

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 189.

(2) المدارك 3: 381، المنتقى 2: 23، الذخيرة: 270، المفاتيح 1: 130، الحدائق 8: 416.

(3) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 130.

(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 270.

(5) الفقيه 1: 256- 1159، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 7.

(6) التهذيب 2: 98- 368، الاستبصار 1: 321- 1199، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 42 ح 1.

(7) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294- 1185، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 151

و التسبيح و التحميد و الاستغفار.

و لا يمكن حمل هذه الأدلّة على الوجوب المعيّن، لانتفائه قطعا. و لا على الاستحباب المصطلح- بمعنى جواز الترك لا

إلى بدل مع الثواب على الفعل- لوجوب البدل إجماعا، و لأنه إنما كان لو ثبت وجوب غيره معيّنا و احتمل كون ضمّ ذلك مستحبا و لم يثبت ذلك في شي ء منها.

و القول باستحباب واحد منها من غير ضمّ غير لو كان فيكون هو من باب الوجوب التخييري و يكون أفضل أفراد المخيّر.

فالأوامر و نحوها في هذه الأدلّة يراد بها الوجوب التخييري إما مطلقا أو أفضل أفراده، و لا يحتمل مجاز آخر.

ثمَّ المراد بالتخيير فيها إمّا أنه أحد أفراد المخيّر من بين جميع ما روي، أو أنه أحد فردي المخيّر منه و من الفاتحة حتى يتعيّن أحدهما.

و على الأول لا يكون تعارض بين الأخبار، و يكون الحكم التخيير بين هذه المذكورات.

و على الثاني و إن حصل التعارض و لكن الحكم معه أيضا للتخيير بينها، فهو الحكم في المسألة.

فروع:

أ:

الأظهر الأشهر- كما صرّح به بعض من تأخّر [1]- وجوب الترتيب بين هذه الأذكار، و إليه ذهب الفاضل و الشهيد «1». فإن اختار الأربع يقدّم التسبيح ثمَّ التحميد ثمَّ التهليل ثمَّ التكبير، و إن اختار التسع يكتفي بالثلاثة الأولى على

______________________________

[1] صرّح في كشف اللثام 1: 218، و الحدائق 8: 435 بأنه المشهور.

______________________________

(1) الفاضل في التذكرة 1: 115، المنتهى 1: 276، الشهيد في الذكرى: 189، الدروس 1: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 152

الترتيب المذكور، و على الثلاث يبدّل التهليل بالتكبير مقدّما للتحميد.

للأمر بالترتيب في الأخبار، أي الأمر بقول هذه الهيئة المرتّبة، فلو خالفها لم يكن المقول ما أمر به.

خلافا لطائفة، منهم: المعتبر و المدارك و الذخيرة «1».

للأصل. و هو مدفوع بما مرّ.

و لعدم إفادة العطف بالواو للترتيب.

و فيه: أنّ العطف هنا جزء من أجزاء الكيفية المنقولة فتختلّ

باختلاله كالعطف في قوله عزّ شأنه لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ لا لتعداد المقول كما في قوله: اقرأ سورة كذا و سورة كذا. و الحاصل: أنّ خصوص حرف العطف أيضا جزء من المقول، و هو مجموع المعطوف و المعطوف عليه و العطف.

و لاختلاف الروايات في تعيينها، فبأيّ ترتيب ذكرت يوافق الرواية.

و ردّ بأنّه إنّما يتمّ على القول بالتخيير خاصة، و إلّا فكلّ من ذهب إلى قول استنادا إلى رواية مخصوصة فالواجب عنده الإتيان بما دلّ عليه دليله.

و فيه نظر، أمّا أوّلا: فلأنّ تماميته على التخيير إنّما هي لو لم يقصد أحد الأفراد أوّلا و لم يتعيّن بالقصد، و أمّا مع قصده و القول بتعيّنه به فلا بدّ من مراعاة الترتيب المستفاد من دليله.

و أمّا ثانيا: فلأن المخيّر فيه على القول بالتخيير أيضا لا يخلو من ترتيب، لتقديم التسبيح و الحمد على الباقيين على كلّ قول و دليل.

و أمّا ثالثا: فلأنّ وجوب الترتيب على سائر الأقوال و متابعة كلّ قائل دليله، إنّما هو إذا ترك سائر الروايات بالمرجوحية أو عدم الحجيّة.

و أما إذا لم يكن كذلك، بل سلّم حجية أخبار المسألة، و كان عمله بالأقلّ

______________________________

(1) المعتبر 2: 190، المدارك 3: 381، الذخيرة: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 153

لحمله الزائد في أخباره على الاستحباب، أو بالزائد بحمل أخبار الناقص على عدم اشتمالها إلّا على بعض القدر الواجب، فلا تخرج عنده أخبار سائر الأقوال المخالفة لدليله عن الحجيّة فيما اشتمل عليه و منه الاختلاف في الترتيب.

فالصواب أن يجاب- على المختار- بأنّ اختلاف الرواية كما أوجب التخيير في أصل الذكر كذلك أوجبه في ترتيبه، و لكن في الترتيبات الواردة في أخبار الأقوال الثلاثة. فإن أريد من نفي

الترتيب ذلك فهو كذلك. و إن أريد مطلقه فهو فاسد، لخروج بعض الهيئات عن جميع النصوص.

ب:

لو شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له العدول إلى الآخر أم لا؟

الأظهر وفاقا لجماعة: نعم [1]، للأصل.

و قيل: لا «1»، للنهي عن إبطال العمل.

و فيه: منع النهي بحيث يشمل المورد- أوّلا- كما بيّنّاه في موضعه، و منع كونه إبطالا ثانيا.

و لإيجابه الزيادة في الصلاة.

و فيه: منع كونه زيادة مبطلة، كما يظهر وجهه ممّا سنذكره في بيان الزيادة المبطلة.

ج:

قال في شرح القواعد: تجوز قراءة الحمد في إحدى الأخيرتين و التسبيح في الأخرى، لانتفاء المانع «2». انتهى.

و يخدشه: أنّ انتفاء المانع إنما يفيد مع وجود المقتضي و لا مقتضي له.

و أمّا ما في المدارك- من أنّ التخيير في الركعتين تخيير في كلّ واحدة منهما «3»-

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 3: 382، و صاحب الحدائق 8: 438.

______________________________

(1) كما في الذكرى: 189.

(2) جامع المقاصد 2: 257.

(3) المدارك 3: 382.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 154

فإنّما يتمّ لو ورد مثل تلك العبارة و ليس. و ما ادّعاه من إشعار بعض الروايات به فلم نعثر عليه.

و استصحاب اشتغال الذمّة بذكر في الثانية بعد الأولى، يقتضي الإتيان بالمتيقّن، و هو ما أتى في الأولى، إلّا مع دليل على كفاية غيره، و لم نقف عليه.

د:

صرّح جمع من الأصحاب بأنّه لو شك في عدد التسبيح يبني على الأقل [1]. و هو كذلك، لأصالة عدم الزيادة. ثمَّ لو ذكرها فلا بأس.

ه:

تستحب الاثنتا عشرة تسبيحة، للرضوي «1»، و روايتي العيون و السرائر «2»، و فتوى جمع من الأجلة [2].

و هل تستحب الزيادة؟ المشهور: لا، للأصل.

و عن العماني: أنه يقال التسبيحات الأربع سبعا أو خمسا، و أدناه الثلاث في كلّ

ركعة «3». و نفى في الذكرى البأس عن اتباعه في الاستحباب «4». و هو كذلك، حيث إنّ المقام يتحمل التسامح.

و:

لا يجب القصد إلى واحد من القراءة أو التسبيح قبل الشروع في أحدهما، لأصالة عدم وجوب التعيين، و كفاية القصد الإجمالي إلى أجزاء الصلاة في نيّة القربة المعتبرة.

و لو كان قاصدا إلى أحدهما معيّنا، فسبق إلى لسانه الآخر، فله الإبقاء

______________________________

[1] منهم الشهيد في الذكرى: 189، و صاحب المدارك 3: 382، و المجلسي في البحار 82: 95، و صاحب الحدائق 8: 440.

[2] منهم الشيخ في النهاية: 76 و الاقتصاد: 261 و ابن أبي عقيل حكاه عنه في المدارك 3: 379 و العلامة في القواعد 1: 33.

______________________________

(1) راجع ص 143- 144.

(2) راجع ص 143- 144.

(3) حكاه عنه في المختلف: 92.

(4) الذكرى: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 155

عليه، و العدول إلى غيره، لما مرّ.

و على الإبقاء هل يستأنفه أم لا؟.

استجود في الذكرى الأوّل، لأنّه عمل بغير نيّة «1».

و مال في الحدائق إلى الثاني «2». و هو الأقرب، لكفاية الاستدامة الحكمية في نيّة القربة المعتبرة فيه، و لا دليل على اعتبار الأزيد فإنّه لا يشترط في كلّ جزء قصده بخصوصه، بل يكفي كونه بحيث إذا التفت علم أنّه يصلّي للَّه، و هو كذلك، فهو في حال سبق اللسان إليه قاصد له إجمالا كمن يقرأ الفاتحة من غير التفات إليها.

و الحاصل: أنه لا شك في أنّ استباق لسانه إلى أحد المخيّرين ليس بحيث يكون فعله بلا قصد و شعور أصلا، بل هو قاصد في الجملة، و عمله للقربة و إن لم يكن ملتفتا إليها، و لم يثبت من دليل اشتراط النيّة أزيد من ذلك في أجزاء الفعل المركّب.

ز:

ليس في

التسبيح بسملة لا وجوبا و لا استحبابا، لعدم دليل عليها.

و لو أتى بها فإن كان لا بقصد جزئيتها فلا بأس قطعا. و كذا إن كان باعتقادها، على الأقرب، إذ اعتقاده إمّا ناش عن دليل شرعي دلّه إليها فهي جزء في حقه، أو عن تقصير في السؤال و استقرار ذلك في ذهنه، فغايته إثمه في التقصير أو في ذلك الاعتقاد أيضا، و أما حرمة البسملة حينئذ فلا دليل عليها أصلا. و توهّم كونها تشريعا «3» فاسد جدّا، كما بيّنّاه في موضعه.

ح:

صرّح في الذكرى بوجوب الموالاة الواجبة في القراءة في التسبيح أيضا «4».

______________________________

(1) الذكرى: 189.

(2) الحدائق 8: 439.

(3) كما في الحدائق 8: 439.

(4) الذكرى: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 156

و نفاه في الحدائق «1». و هو جيّد، لعدم دليل عليه.

و لو قيل بالتفصيل، بأنه أمر مثلا بقراءة: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، فيجب أن لا يتخلل شي ء بين هذه الأذكار بحيث لم يصدق على المجموع قراءة هذا المركّب لو كان له اسم، و لا ضير في التخلل بين المرّات، كان أجود.

نعم لو سكت سكوتا مبطلا للصلاة بطلت لأجله.

ط:

ظاهر المدارك استحباب الاستغفار مع التسبيحات أيضا «2»، و لعلّه لصحيحة عبيد المتقدّمة «3»، و هي لا تدل عليه إلّا مع الاكتفاء بالتسبيح و التحميد على القول بكفاية كلّ ما روي، فلا يستحب في غير هذه الصورة، و لا يبعد وجوبه حينئذ، فتأمّل.

المسألة الثانية و العشرون: يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح و أوليي المغربين،
اشاره

و الإخفات بها في أوليي الظهرين، على الحقّ المشهور، و نسبه في المنتهى و التذكرة إلى أكثر علمائنا «4»، و عن الخلاف و الغنية الإجماع على الحكمين «5»، و عن السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر

في الإخفاتية «6».

لا للشهرة أو الإجماع المنقول، لعدم حجيتهما.

و لا للتأسّي، لعدم وجوبه.

______________________________

(1) الحدائق 8: 439.

(2) المدارك 3: 381.

(3) في ص 150.

(4) المنتهى 1: 277، التذكرة 1: 116.

(5) الخلاف 1: 332، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(6) السرائر 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 157

و لا لصحيحتي زرارة: إحداهما: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه، فقال: «أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ساهيا أو ناسيا أو لا يدري فلا شي ء» «1».

و الأخرى مثلها مع زيادة في السؤال و الاقتصار بالناسي و الساهي «2».

لعدم دلالة الأولى إلّا إذا قلنا بأولوية تخصيص ما لا ينبغي بما لا يجوز، عن التجوز في قوله: «نقض صلاته و عليه الإعادة» بالحمل على الاستحباب، أو مجاز آخر. و الثانية إلّا على حجية مفهوم الوصف. و الأمران ممنوعان.

و لا لصحيحة محمّد: عن صلاة الجمعة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «3».

لمكان الجملة الخبرية سيّما مع مقابلتها بقوله: «و إنّما يجهر» و هو للاستحباب إجماعا.

بل للصحيحين: أحدهما: عن القراءة خلف الإمام، فقال: «أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه» الحديث «4».

و ثانيهما: «إنّ الصلاة التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن

______________________________

(1) الفقيه 1: 227- 1003، التهذيب 2: 162- 635، الاستبصار 1: 313- 1163، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1.

(2) التهذيب 2: 147- 577، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 2.

(3) التهذيب 3: 15- 54، الاستبصار 1: 416- 1598، الوسائل 6:

162 أبواب القراءة ب 73 ح 9.

(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 1، التهذيب 3: 32- 114، الاستبصار 1: 427- 1649، علل الشرائع: 325- 1، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 158

يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة» «1».

و رواية الفقيه المصرّحة بعلّة الجهر في صلاة الجمعة و المغرب و العشاء و الفجر: و إنّما أمر اللَّه سبحانه نبيّه صلى اللَّه عليه و آله بالإجهار في القراءة فيها و بالإخفاء في القراءة في صلاة العصر «2». و الأمر حقيقة في الطلب الحتمي لغة كلفظ الوجوب في مثل زمان الصادقين عليهما السلام بحكم الحدس و الوجدان.

و كونها أخصّ من المدّعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و تؤيّد المطلوب: المستفيضة المصرّحة بانقسام الصلاة إلى الجهرية و الإخفاتيّة [1] في نحو صحيحتي ابن يقطين «3»، و صحيحة ابن سنان «4»، و روايتي الأزدي «5»، و محمّد بن أبي حمزة «6»، فإنّ ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب، سيّما مع انضمام الأخبار بعضها مع بعض.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فقال بالاستحباب «7»، و نسب إلى السيّد، حيث قال: إنه من وكيد السنن. و ليس بصريح في المخالفة و لو مع ضمّ ما بعده و هو قوله: حتى روي أنّه من تركهما عمدا أعاد. كما نقله في المنتهى «8»، حيث

______________________________

[1] ذكرها البهبهاني في شرح المفاتيح. منه رحمه اللَّه تعالى.

______________________________

(1) الفقيه 1: 203- 927، علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 108، الوسائل 6: 82 أبواب القراءة ب 25 ح 1.

(2) الفقيه 1: 202- 925، الوسائل 6: 83 أبواب القراءة ب 25 ح 2.

(3) الاولى: التهذيب 3: 34- 122، الاستبصار 1: 429-

1657، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11، الثانية: التهذيب 2: 296- 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(4) التهذيب 3: 35- 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

(5) الفقيه 1: 256- 1161، التهذيب 3: 276- 806، قرب الاسناد: 37- 120، الوسائل 8:

360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.

(6) علل الشرائع: 322- 1، الوسائل 6: 83 أبواب القراءة ب 25 ح 2.

(7) حكاه عنه في المختلف: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    159     المسألة الثانية و العشرون: يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح و أوليي المغربين، ..... ص : 156

(8) المنتهى 1: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 159

إنّ ظاهره عدم قوله بالإعادة، لأنّ الوجوب لا يستلزم الإعادة بالترك عند جميعهم، و اختاره طائفة من متأخري المتأخرين- كصاحبي المدارك و الذخيرة «1»- و يميل إليه كلام الأردبيلي «2».

للأصل.

و قوله عزّ شأنه وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الآية «3».

و صحيحة علي: عن الرجل يصلّي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة فهل عليه أن لا يجهر؟ قال: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «4».

و الأصل مندفع بما مرّ.

و الآية مجملة، مع أنّها على جميع تفاسيرها عليه غير دالّة، بل على بعضها تدل على المطلوب.

و الصحيحة ضعيفة، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، فهي بالشذوذ عن حيّز الحجية خارجة. و مع ذلك بالنسبة إلى معارضها مرجوحة، لموافقتها العامّة «5»، كما صرّح به الشيخ «6» و جماعة من الخاصة [1].

فروع:

أ:

المشهور- كما في الحدائق «7»، بل ربما ادّعي عليه الإجماع كما فيه أيضا-

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 277، و السبزواري في

الذخيرة: 274، و الفيض في المفاتيح 1:

134، و صاحب الرياض 1: 161.

______________________________

(1) المدارك 3: 358، الذخيرة: 274.

(2) مجمع الفائدة 2: 226 و 227.

(3) الإسراء: 110.

(4) التهذيب 2: 162- 636، الاستبصار 1: 313- 1164، قرب الاسناد: 205- 796 و فيه:

هل عليه أن يجهر؟، الوسائل 6: 85 أبواب القراءة ب 25 ح 6.

(5) انظر: المغني لابن القدامة 1: 642، و عمدة القاري 6: 27، و مغني المحتاج 1: 162.

(6) التهذيب 2: 162، الاستبصار 1: 313.

(7) الحدائق 8: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 160

تحتم الإخفات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين.

للتسوية بينها و بين مبدلها.

و عموم الإخفات في الفرائض.

و صحيحة ابن يقطين: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ قال: «فلا بأس و إن صمت فلا بأس» «1».

حيث إنّ الظاهر من قوله: «يصمت» أي يخافت، ففيه إشارة إلى أنه السنّة فيهما.

و صحيحة زرارة المتقدّمة «2»، حيث أمر فيها بالإعادة بالجهر فيما لا ينبغي الجهر فيه مطلقا، و المورد أيضا ممّا لا ينبغي الجهر فيه قطعا.

و ما في بعض الأخبار: إنّه عليه السلام أخفى ما سوى القراءة في الأوليين [1].

و يردّ الأول: بمنع البدليّة أولا، و وجوب التسوية ثانيا، و ثبوت الحكم في المبدل ثالثا.

و الثاني: بمنع عموم الإخفات، و أين هو؟ فإنّ ثبوته في خصوص الموارد بأمر النبي بالإخفات في القراءة في صلاة العصر، و بالإجماع المركّب، و هو في المقام غير ثابت.

و الثالث: بمنع إرادة الإخفات من الصمت، بل يحتمل كون المعنى الحقيقي مرادا و يكون إشارة إلى مذهب العامة، حيث إنّ أبا حنيفة ذهب إلى الصمت فيهما «3»، يعني: الركعتين اللتين هكذا يفعل الناس فيهما أو يكون

______________________________

[1]

روى المحقق (ره) في المعتبر 2: 176: «إن النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان يجهر في هذه المواضع:

- أي في الصبح و أولتي المغرب و العشاء- و يسرّ ما عداها».

______________________________

(1) التهذيب 2: 296- 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(2) في ص 157.

(3) حكاه عنه في التفسير الكبير 1: 216، و عمدة القارئ 6: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 161

تجوّزا عن ترك القراءة كما احتمله في الوافي «1»، فإنّه إذا تعيّن التجوّز فلا أولوية للأول. ثمَّ على المعنى الأول لا دلالة في الرواية على وجوبه فلعلّه على الأفضلية.

و الرابع: بما مرّ من تعارض المجازين فيه.

و الخامس: بعدم دلالته على الوجوب.

و لذلك ذهب الحلّي إلى انتفاء وجوب الإخفات و قال: يكون قياسه على القراءة باطلا «2». و هو جيّد، للأصل الخالي عن معارضة ما ذكر، كما ذكر، و إن كان الأحسن مراعاته، لدعوى الشهرة.

ب:

قيل: وجوب الإخفات في الأخيرتين على تقدير القراءة فيهما إجماعي «3». و لعلّه أراد عند القائلين بوجوب الجهر و الإخفات.

فإن ثبت و إلّا فالأصل ينفيه، إذ لا دليل عليه، فإنّ الإجماع المركّب غير جار هنا.

و أمر النبي بالإخفات بالقراءة في صلاة العصر لا يفيد، إذ لا يعلم قراءته في الأخيرتين، بل لا يعلم أنّه أتى بالأخيرتين أيضا، حيث إنّه ورد في المستفيضة بأنّ الصلاة المفروضة من اللَّه سبحانه كانت ركعتين ركعتين و زاد النبي الأخيرتين «4». و لم يعلم زيادتهما حينئذ.

و من هذا يظهر فساد التمسك بإطلاق القراءة أيضا، مع أنّ في إطلاقها في المورد- لكونها في مقام حكاية الحال- نظرا ظاهرا.

ج:

يعذر الجاهل و الناسي في الجهر و الإخفات في مواضعهما، فلا

______________________________

(1) الوافي 8: 1204.

(2) السرائر

1: 222.

(3) كما في السرائر 1: 218.

(4) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 162

تجب الإعادة عليهما بتركهما، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له، و لصحيحتي زرارة المتقدّمتين «2». و مقتضاهما عدم وجوب التدارك و لو قبل الركوع، و لا سجود سهو بالإخلال بهما، و عدم الفرق بين جاهل الحكم و موضوعه. و هو كذلك.

د:

صرّح جماعة- منهم: الحلّي، و الراوندي، و الفاضلان، و الشهيد «3»- أنّ أقلّ الجهر أن يسمع القراءة من قرب منه تحقيقا أو تقديرا.

و الإخفات كما في القواعد و المنتهى و الشرائع «4»، أو أقلّه كما في النافع و التذكرة «5»، أو أعلاه كما في السرائر «6»: أن يسمعها نفسه فقط و لو تقديرا. و نسبه في التبيان إلى أصحابنا «7»، بل في المعتبر و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه.

و قال المحقّق الثاني- بعد نقل قول الفاضل: أقلّ الجهر إسماع القريب، و حدّ الإخفات إسماع نفسه-: و ينبغي أن يزاد في الجهر قيد آخر و هو تسميته جهرا عرفا، و ذلك بأن يتضمّن إظهار الصوت على الوجه المعهود، إلى أن قال في الإخفات: و لا بدّ من زيادة قيد آخر و هو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمّن إخفاء الصوت و همسه «8».

و قال في روض الجنان: أقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا،

______________________________

(1) كما في الحدائق 8: 143، و الرياض 1: 162.

(2) في ص 157.

(3) الحلي في السرائر 1: 223، الراوندي في فقه القرآن 1: 104، المحقق في المعتبر 2: 177، و الشرائع 1: 82، العلامة في التذكرة 1: 117، و المنتهى 1: 277، و التحرير 1:

39، الشهيد في الدروس 1: 173، و البيان: 158.

(4) القواعد 1: 33، المنتهى 1: 277، الشرائع 1: 82.

(5) المختصر النافع: 30، التذكرة 1: 117.

(6) السرائر 1: 223.

(7) التبيان 6: 534.

(8) جامع المقاصد 2: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 163

و أكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر، و أقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب للتسمية جهرا عرفا «1».

و بنحو ما ذكراه صرّح جماعة من المتأخرين [1]، بل كما قيل: كافّة من تأخّر عنهما «2».

فالجهر على الأول إسماع الغير مطلقا، و الإخفات إسماع نفسه فقط.

و على الثاني الجهر اشتمال الكلام على إظهار الصوت على النحو المعهود، إمّا مع إسماع الغير أيضا كما هو محتمل كلامهما، أو مطلقا كما هو ظاهر تفسير الجهر عرفا بتضمّن إظهار الصوت كما في كلام الأول، و جعل الاشتمال على الصوت موجبا للتسمية جهرا كما في كلام الثاني.

و به صرّح صاحب الحدائق، قال بعد نقل كلاميهما: فإن اشتمل الكلام على الصوت سمّي جهرا أسمع قريبا أو لم يسمع، و إن لم يشتمل عليه سمّي إخفاتا كذلك، و فسّره نفسه به أيضا، قال: و بالجملة المتبادر عرفا من الجهر ما اشتمل على هذا الهزيز الذي هو الصوت و إن كان خفيّا، و ما لم يشتمل عليه فإنّه يسمّى إخفاتا و إن أسمعه قريبا «3».

و الإخفات يتضمن إخفاء الصوت و همسه، إمّا مع عدم إسماع الغير كما هو المحتمل، أو مطلقا كما هو الظاهر.

ثمَّ دليل الأوّلين الإجماع المنقول، و متابعة اللغة، حيث إنّ الجهر هو الإعلان، أي الإظهار، و الإخفات هو الإسرار، أي الكتمان، كما صرّح بهما في الصحاح و القاموس «4»، و

لا شك أنّ الإظهار هو الإظهار للغير، و الكتمان الإخفاء عنه، فالجهر لا يتحقق إلّا مع إسماع الغير و معه يتحقق، و الإخفات لا يتحقق إلّا

______________________________

[1] منهم الفيض في المفاتيح 1: 134، و صاحب الحدائق 8: 140.

______________________________

(1) روض الجنان: 265.

(2) كما في الحدائق 8: 139.

(3) الحدائق 8: 139 و 140.

(4) الصحاح 1: 248 و ج 2: 618، القاموس المحيط 1: 152 و 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 164

مع عدم إسماعه و إن اشترط إسماع نفسه بدليل آخر.

و يضعّف الأوّل: بعدم حجيّة الإجماع المنقول، مع أنّه لا يتعين أن يكون على معنى الجهر و الإخفات، بل يمكن أن يكون المراد الإجماع على أنّ أقلّ ما يجهر به إسماع الغير و إن كان الجهر غير الإسماع، يعني لا يكفي في الجهر مجرده بل يجب إسماع الغير أيضا، كما أنّه لا يكفي في الإخفات مطلق الإخفاء بل يجب إسماع نفسه.

و الثاني: بأنّ تفسير الجهر و الإخفات بما ذكر معارض بتفسيرهما في الكتابين أيضا برفع الصوت و جعله عاليا، و الإخفات بالإسكان، و أنّ المتبادر من الإعلان و الكتمان العرفيان، و لا يتحقق الأول بمجرد إسماع القريب كيف كان و لو مع همس الصوت، كما لا ينافي الثاني ذلك أيضا، و لو سلّم فلا شك في استلزام إسماع النفس لإسماع الغير إذا قرّب اذنه الفم بقدر اذن المتكلّم أو أقرب منه.

و إرادة إسماع الغير في بعض الأوضاع في الجهر و عدمه كذلك في الإخفات تجوّز خارج عن متابعة اللغة.

و بالجملة: مطلق الإعلان و الكتمان غير مراد، و نوع خاص منهما خروج عن متابعة اللغة، مع عدم دليل عليه.

و دليل الآخرين وجوب الرجوع إلى العرف في تعيين معاني

الألفاظ، لأنّه المحكّم فيما لم يرد فيه توقيف. و لا ريب أنّ إسماع الغير لا يسمّى جهرا ما لم يتضمن صوتا، و ما لم يتضمن الصوت يسمّى إخفاتا و إن أسمعه الغير. و تقديم اللغة على العرف ممنوع سيّما مع التعارض.

مع أنّه روي في العيون أنّ أحمد بن علي صحب الرّضا عليه السلام فكان يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات «1».

و يضعّف الأول: بأن الرجوع إلى العرف في تعيين معنى اللفظ إنما هو إذا

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 2: 178- 5، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 165

كان عرف المتكلّم أو مطلقا مع عدم العلم بتغايره للّغة، و أمّا عرف الزمان المتأخر عن زمانه المغاير للّغة فلا يرجع إليه أبدا. مع أنّ مساعدة العرف لما ذكروه غير معلومة، إذ موافقة عرف العرب فيهما له غير ثابتة، و مرادفهما من سائر اللغات غير معيّن حتى يرجع إليها.

و الثاني: بأنّ تماميته موقوفة على وجوب الإخفات في التسبيحات في الأخيرتين، و هو ممنوع.

و منه يظهر ضعف دليل الطرفين، و لكن نقول: إنّ الجهر المأمور به في الأخبار على هذا يكون مجملا بين معان ثلاثة: التصويت، أو إسماع الغير، أو هما معا، و الإخفات أيضا كذلك: الهمس، أو عدم إسماع الغير، أو هما معا.

و ليس قدر مشترك يحكم بوجوبه و يعمل في الزائد بأصل البراءة، و الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة و هو لا يحصل إلّا بأن يوجب في الجهر الوصفان:

التصويت و إسماع الغير، و في الإخفات: الهمس و عدم إسماعه، عملا بأصل الاشتغال، فيجبان معا.

و يظهر أنّ الواجب في الجهرية التصويت مع إسماع الغير، و في الإخفاتية الهمس مع

عدم إسماعه الكلام و القراءة، لا الهمهمة أو صفير بعض الحروف أو قلقلته و نحوهما، فإنّه لا حجر فيه قطعا.

فإن قيل: التصويت يستلزم إسماع الغير، كما أنّ عدم إسماعه لا ينفكّ عن الهمس، فيكون إسماع الغير في الجهر و الهمس في الإخفات واجبا على جميع الأقوال، فيتحقّق القدر المشترك.

قلنا: لو سلّم ذلك يعلم- بانضمام الإجماع على عدم جواز اجتماعهما في صلاة واحدة- لزوم تغاير آخر بينهما أيضا من التصويت في الجهر أو عدم الإسماع في الإخفات، و لا يتعيّن، فيعمل بأصل الاشتغال.

و المراد بالغير اللازم عدم إسماعه ليس الغير المتصل بالشخص، أو القريب بقدر لا يتعارف القرب بهذا القدر عادة، بل بقدر يتعارف من قرب الغير و بعده.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 166

ه:

لا جهر على المرأة في مواضعه إجماعا محقّقا، و محكيا مستفيضا «1»، للأصل، إمّا لأجل اختصاص النصوص الموجب له بحكم التبادر و مقتضى سياق أكثرها بالرجل- كما قيل «2»- و إن كان محل تأمل، أو لأجل عدم معلومية المأمور في الصحيحتين اللتين هما المعوّل عليهما في المقام «3»، و عدم إطلاق فيهما، و إطلاق الأمر و الوجوب لا يقتضي إطلاق المأمور. و الرواية مخصوصة بالنبي صلّى اللَّه عليه و آله «4»، و يتوقّف التعميم فيها على الإجماع المركّب المفقود في المقام.

و للمروي في قرب الإسناد: هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال:

لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء، فتجهر بقدر ما تسمع» «5».

و لا يعارضه ذيله، لضعف الرواية المحتاج رفعه إلى الجابر، و هو مختصّ بصدره.

و منه يظهر عدم وجوب الإخفات في مواضعه أيضا، كما صرّح به جماعة [1]، و إن أوهم تخصيص النفي بالجهر في كثير من العبارات وجوبه، و

لا دليل له.

فيجوز لهنّ كل من الجهر و الإخفات في كلّ من الموضعين، إلّا أن تعلم بسماع صوتها الأجانب، فلا يجوز الجهر لها فيما لا يجوز لها الإسماع.

و هل تبطل الصلاة حينئذ؟.

الظاهر: نعم، للنهي الموجب للفساد «6»، و هو و إن كان متعلّقا بالعارض

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 265، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 228، و صاحب الرياض 1: 162.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 178، و التذكرة 1: 117، و الذكرى: 190.

(2) انظر: الرياض 1: 162.

(3) المتقدمتين في ص 157.

(4) المتقدمة في ص 158.

(5) قرب الإسناد: 223- 867، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة ب 31 ح 3.

(6) انظر: الوسائل 20- 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106، و المستدرك 14: 272 أبواب مقدمات النكاح ب 83.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 167

الأخصّ من وجه، إلّا أن الحقّ الفساد معه أيضا.

و:

يجب أن لا يبلغ الجهر العلوّ المفرط، كما صرّح به المحقّق الثاني «1»، و غيره [1]، لموثقة سماعة: عن قول اللَّه تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها «2»، قال: «المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديدا» «3».

و المرويين في تفسير القمي: أحدهما: في قوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها ذلك الجهر بها رفع الصوت، و المخافتة ما لم تسمع بإذنك» «4».

و ثانيهما: «الإجهار: رفع الصوت عاليا، و المخافتة: ما لم تسمع نفسك» «5».

و عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة حين نزول الآية غير ضائر، لأن القراءة في الصلاة دعاء أيضا، مع تصريح صحيحة ابن سنان: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: على الإمام أن يسمع من خلفه و إن كثروا؟ فقال: «ليقرأ قراءة وسطا

يقول اللَّه تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها «6» بشمول الآية للصلاة، مضافا إلى إيجابها للقراءة الوسطى أيضا.

و لا الإخفات حدّا لا يسمع نفسه القراءة، أي الكلام و الحروف إجماعا، لما مرّ من الموثقة و الروايتين، إذ بدونه لا تخرج الحروف عن مخارجها و مع خروجها عنها يسمعها قطعا، و لأنّ ما لا تسمع حروفه لا يعدّ قراءة و لا فاتحة.

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في روض الجنان: 265.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 260.

(2) الاسراء: 110.

(3) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 21، التهذيب 2: 290- 1164، الوسائل 6: 96 أبواب القراءة ب 33 ح 2.

(4) تفسير القمي 2: 30، الوسائل 6: 98 أبواب القراءة ب 33 ح 6.

(5) تفسير القمي 2: 30، المستدرك 4: 199 أبواب القراءة ب 26 ح 5.

(6) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 27، الوسائل 6: 97 أبواب القراءة ب 33 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 168

و صحيحة زرارة: «لا يكتب من القرآن و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه» «1».

و أما صحيحة الحلبي: هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه؟ قال: «لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» «2».

فإنّ الهمهمة الصوت الخفي كما في القاموس [1] من غير تقييد بتشخيص الحروف.

فلا تنافيها، لوجوب تقييدها بما إذا تضمن سماع الحرف أيضا بصحيحة زرارة، لأنّ الموصول فيها هو القرآن و الدعاء، و إسماعهما لا يكون إلّا بإسماع حروفهما.

أو بحال التقيّة، حيث إنّ الأدلة المذكورة مختصة بغيرها إجماعا و نصّا، كمرسلة محمّد بن أبي حمزة: «يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس» «3».

و صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته و الإمام

يجهر بالقراءة، قال: «اقرأ لنفسك، و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» «4».

و منه يظهر كون الأدلّة أخصّ من صحيحة علي أيضا: عن الرجل له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: «لا بأس أن [لا] يحرّك لسانه يتوهم توهما» «5» فتخصّ هي أيضا بها.

______________________________

[1] قال في القاموس 4: 194: الهمهمة: الكلام الخفي. و في لسان العرب 12: 622: الصوت الخفي.

______________________________

(1) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 6، التهذيب 2: 97- 363، الاستبصار 320- 1194، الوسائل 6: 96 أبواب القراءة ب 33 ح 1.

(2) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 15، التهذيب 2: 97- 364، الاستبصار 1:

320- 1195، الوسائل 6: 97 أبواب بالقراءة ب 33 ح 4.

(3) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 16، التهذيب 2: 97- 366، الاستبصار 1:

321- 1197، الوسائل 6: 128 أبواب القراءة ب 52 ح 3.

(4) التهذيب 3: 36- 129، الاستبصار 1: 430- 1663، الوسائل 6: 127 أبواب القراءة ب 52 ح 1.

(5) التهذيب 2: 97- 365، الاستبصار 1: 321- 1196، الوسائل 6: 128 أبواب القراءة ب 52 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 169

ز:

وجوب الجهر و الإخفات في مواضعهما مختصّ بالقراءة خاصة دون غيرها من الأذكار، بلا خلاف كما قيل «1»، للأصل، و عدم ثبوت الزائد من أدلّتهما، و صحيحة علي: عن التشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت للرجل أن يجهر به؟ قال: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «2».

ح:

حكم القضاء- و لو عن الغير تبرّعا أو إجارة مع اتحاد القاضي و المقضيّ عنه ذكورية و

أنوثية- في الجهر و الإخفات حكم الأداء، بالإجماع، كما عن الخلاف و المنتهى «3». و هو الحجة فيه، دون عموم التشبيه في قوله: «فليقضها كما فاتته» «4» لمنع العموم. و دون أدلّة وجوب الجهر أو الإخفات، لعدم شمولها للمورد بعموم أو إطلاق.

و مع اختلافهما- كالرجل يقضي عن المرأة و بالعكس- فقيل: المعتبر حال القاضي «5».

و الحقّ عندي: التخيير، لانتفاء الإجماع المقتضي للتعيين فيه.

ط:

القدر الواجب أن تسمّى القراءة جهرية أو إخفاتيّة عرفا، فلا يضرّ الجهر بحرف أو كلمة و كلمتين و نحوها في الإخفاتية و بالعكس، لبقاء التسمية.

المسألة الثالثة و العشرون: تستحب في القراءة أمور:
اشاره

______________________________

(1) انظر: الحدائق 8: 143، و الرياض 1: 162.

(2) التهذيب 2: 313- 1272، قرب الإسناد: 198- 758، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 2.

(3) الخلاف 1: 387، المنتهى 1: 277.

(4) عوالي اللئالي 2: 54- 143 و ج 3: 107- 150.

(5) كما في الحدائق 8: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 170

منها: الجهر بالبسملة في أوّل الحمد و السورة في مواضع الإخفات،

في جميع الركعات، للإمام و المأموم، على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة منهم المنتهى و شرح القواعد و المدارك «1»، بل عن الخلاف و في ظاهر التذكرة الإجماع عليه «2».

لنا على نفي الوجوب: إطلاق صحيحة الحلبيّين: عمّن يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: «نعم إن شاء سرّا و إن شاء جهرا» «3».

و ما صرّح بجهر المعصوم بها في صلاة لا يجهر فيها كصحيحة صفوان:

صلّيت خلف أبي عبد اللَّه أيّاما، كان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللَّه الرحمن الرحيم، فإن كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم «4».

و روايته: صلّيت خلف أبي عبد اللَّه أيّاما، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، و كان يجهر في السورتين جميعا «5».

و حسنة الكاهلي: صلّى بنا أبو عبد اللَّه عليه السلام في مسجد كأهل، فجهر مرّتين ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخفى «6».

أو في جميع صلواته بالليل و النهار، كالمروي في العيون: إنّ الرضا عليه

______________________________

(1) المنتهى 1: 278، جامع المقاصد 2: 268، المدارك 3: 360.

(2) الخلاف 1: 331، التذكرة 1: 116.

(3) التهذيب 2: 68- 249، الاستبصار 1: 312- 1161، الوسائل 6: 61 أبواب القراءة ب 12 ح 2.

(4) التهذيب 2: 68- 246، الاستبصار 1: 310- 1154، الوسائل 6: 57 أبواب القراءة

ب 11 ح 1.

(5) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 20، الوسائل 6: 74 أبواب القراءة ب 21 ح 1.

(6) التهذيب 2: 288- 1155، الاستبصار 1: 311- 1157، الوسائل 6: 57 أبواب القراءة ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 171

السلام كان يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 في جميع صلواته بالليل و النهار «1» المنجبر ضعفه- لو كان- بما مرّ.

و عدم ثبوت قراءته في الأخيرتين حتى يجهر بالبسملة غير ضائر، لعدم ثبوت وجوب الإخفات فيهما، مع أنه على فرض تسليمه لا دليل على وجوب إخفات البسملة فيهما أيضا كما لا يخفى، فيعمل فيهما بالأصل.

و على الاستحباب: ما مرّ من الشهرة و الإجماع المنقول الكافيين هنا- للتسامح- مؤيّدين بما مرّ من جهر الإمام، و بالمستفيضة الناطقة بأنّ من علامات المؤمن أو الشيعة الجهر ببسم اللَّه الرّحمن الرحيم «2».

و جعلهما دليلين على المطلوب غير جيّد.

أمّا الأول، فلجواز كون جهر الإمام على الجواز، و عدم ثبوت رجحان متابعة غير النبي فيما لم يعلم وجهه، مضافا إلى اختصاص غير رواية العيون بحال الجماعة فلا يدل على غيرها.

و لا يرد النقض باختصاصه بإمام الأصل أيضا مع أنه لا يقال به، لأنّه لعدم قول به.

و أما الثاني، فلأنه لا عموم فيه بالنسبة إلى محلّ الجهر، بل هو إمّا مطلق في مقام الإثبات فيكتفى فيه بفرد، أو مجمل. و إرجاعه إلى العموم- كما قيل «3»- لا وجه له.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فخصّ الاستحباب بالإمام «4»، و الحلّي فخصّه بالركعتين الأوليين «5»، محتجّين بلزوم الاقتصار- فيما خالف لزوم الإخفات المجمع عليه- على المتيقن، و هو الإمام فقط عند الأول، و الأوليان عند الثاني.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا

2: 181، الوسائل 6: 76 أبواب القراءة ب 21 ح 7.

(2) انظر: الوسائل 14- 478 أبواب المزار ب 56.

(3) انظر: الرياض 1: 162.

(4) حكاه عنه في المختلف: 93.

(5) السرائر 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 172

و يضعّفان بمنع كون الإخفات مطلقا مجمعا عليه، و إنّما هو في غير المسألة، و لا عموم و لا إطلاق يشمل الجميع سوى رواية الفقيه «1» العامة بالنسبة إلى ما تقدم فتخصّ به، مع أنّها- كما مرّ- لا تدلّ على لزوم الإخفات في الأخيرتين.

و هو وجه آخر لتضعيف الثاني، إذ اللازم الاقتصار- في وجوب الإخفات المخالف للأصل- على ما يشمله النصّ، و هو غير الأخيرتين.

و القاضي، فأوجب الجهر بها مطلقا «2»، و هو ظاهر الصدوق في الفقيه «3»، بل جعله في الأمالي من دين الإماميّة «4».

و الحلبي، ففي الأوليين خاصة «5».

لمداومتهم عليهم السلام على ذلك.

و للاحتياط.

و دعوى الإجماع.

و المروي في الخصال: «و الإجهار ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في الصلاة واجب» «6».

و صحيحة ابن قيس في خطبة طويلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام يذكر فيها بدع الخلفاء، فقال: «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم» إلى أن قال: «و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم» الحديث «7».

و يدفع الأول: بالمنع، و عدم الدلالة على الوجوب لو ثبت.

______________________________

(1) الفقيه 1: 202- 925.

(2) المهذب 1: 92.

(3) الفقيه 1: 202.

(4) أمالي الصدوق: 511.

(5) الكافي في الفقه: 117.

(6) الخصال: 604، الوسائل 6: 75 أبواب القراءة ب 21 ح 5.

(7) الكافي 8: 58- 21، الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 173

و الثاني: بمنع كونه احتياطا-

لوجود القول بالحرمة- و عدم وجوب الاحتياط.

و الثالث: بالمعارضة بنقل الحلّي الإجماع على صحة الصلاة بترك الإجهار مطلقا «1»، و عدم الحجية.

و الرابع- بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعية في الوجوب كما هو الأظهر- بوجوب تخصيصه بصحيحة الحلبيين المتقدّمة، لاختصاصها بغير الجهرية من الصلاة إجماعا. مضافا إلى ضعفه، لمخالفته الشهرتين العظيمتين.

و بهما يدفع الخامس أيضا.

مضافين إلى عدم عمومهما، فإرادة الأوليين من الصلاة الجهرية ممكنة.

و منها: الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة إجماعا،

كما عن الخلاف و المجمع و الذكرى «2»، و غيرها «3»، له، و للآية «4»، و المعتبرة، كصحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات» إلى أن قال: «ثمَّ تكبّر تكبيرتين» إلى أن قال أيضا: «ثمَّ تكبّر تكبيرتين» إلى أن قال:

«ثمَّ تعوّذ من الشيطان الرجيم، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» «5».

و مرسلة الفقيه و فيها: «ثمَّ كبّر تكبيرتين و قل: وجّهت وجهي» إلى قوله:

«و أنا من المسلمين أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم اللَّه الرحمن الرحيم» «6».

و موثقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فنسي فاتحة الكتاب، قال:

______________________________

(1) السرائر 1: 218.

(2) الخلاف 1: 324، مجمع البيان 3: 385، الذكرى: 191.

(3) كالمنتهى 1: 269، و جامع المقاصد 2: 271، و البحار 82: 7، و كشف اللثام 1: 221.

(4) النحل: 98 فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .

(5) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67- 244، الوسائل 6: 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(6) الفقيه 1: 197- 917.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 174

«فليقل: أستعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم إنّ اللَّه هو السميع العليم، ثمَّ يقرؤها ما دام لم يركع» «1».

و المروي في قرب الإسناد: صلّيت خلف أبي عبد

اللَّه عليه السلام المغرب، فتعوّذ بإجهار «أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم و أعوذ باللَّه أن يحضرون» «2».

و في تفسير الإمام: «أمّا قوله الذي ندبك اللَّه إليه و أنزل عند قراءة القرآن:

أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم» «3».

و الرضوي: «ثمَّ افتتح الصلاة و ارفع يديك» ثمَّ ذكر تكبيرات الافتتاح إلى أن قال: «أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم» «4».

و في الدعائم: «تعوّذ- بعد التوجّه- من الشيطان الرجيم، تقول: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم» «5».

و ظاهر الآية و بعض الروايات و إن كان الوجوب- كما عن ولد الشيخ «6»- إلّا أنّ الإجماع المحقّق على عدمه، مضافا إلى رواية الأحنف- المنجبر ضعفها لو كان بما ذكر-: «إذا قرأت بسم اللَّه الرحمن الرحيم فلا تبال أن لا تستعيذ» «7» و رواية حمّاد الطويلة المتضمّنة لصلاة الإمام عليه السلام «8»، يدفعه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(2) قرب الاسناد: 124- 436، الوسائل 6: 134 أبواب القراءة ب 57 ح 5.

(3) تفسير الإمام العسكري (ع): 16، الوسائل 6: 197 أبواب قراءة القران ب 14 ح 1. بتفاوت يسير.

(4) فقه الرضا (ع): 104 و 105، مستدرك الوسائل 4: 213 أبواب القراءة ب 43 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 157، مستدرك الوسائل 4: 213 أبواب القراءة ب 43 ح 2.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 191.

(7) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 3، الوسائل 6: 59 أبواب القراءة ب 11 ح 8، و فيهما:

عن فرات بن أحنف ..

(8) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2:

81- 301، الوسائل 5: 459 و 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 175

و المشهور أنّ محلّها الركعة الاولى من كل صلاة خاصة، و في المنتهى و شرح القواعد و عن ظاهر الذكرى الإجماع عليه «1».

فإن ثبت فهو، و إلّا فعموم الآية و الموثقة يثبته في كل ركعة يقرأ فيه، و هو الأقوى.

إلّا أن يراد استحبابه من جهة الصلاة فلا شك في انتفائه في غير الركعة الأولى، لعدم الدليل. و لكن لا دليل على ثبوته فيها أيضا، إذ لا يثبت من أدلّته الزائد على استحبابه، و هو ثابت لأجل ابتداء القراءة، و غيره غير معلوم، و كلام القوم أيضا غير ناصّ فيه بل احتجاجهم بالآية قرينة على عدم إرادته.

و الحاصل: أنّه إن أريد استحبابه من جهة أنّه دعاء أو ابتداء قراءة فلا دليل على تخصيصه بالأولى، و إن أريد من جهة الصلاة فلا دليل على ثبوته فيها أيضا.

و الظاهر كفاية كلّ ما يؤدّي الاستعاذة باللَّه من الشيطان.

و الأولى ذكر ما ورد في الروايات من قولهم عليهم السلام: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم.

أو: أستعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم إنّه هو السميع العليم، كما في الأخبار المتقدّمة.

أو: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، كما ذكرها في النفلية «2». و قال شارحها: و هذه الصيغة محل وفاق «3»، و بها رواية الخدري: إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يقول قبل القراءة: «أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم» «4».

و يستحب الإسرار بها و لو في الجهرية، لأنه المشهور، بل عليه الإجماع عن

______________________________

(1) المنتهى 1: 270، جامع المقاصد 2: 271، الذكرى: 191.

(2) النفلية: 22.

(3) حكاه عنه في

الحدائق 8: 162.

(4) الذكرى: 191، الوسائل 6: 135 أبواب القراءة ب 57 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 176

الخلاف «1»، و قيل: بلا خلاف أجده «2»، و أمثال ذلك كاف في المقام.

و لا تنافيه رواية قرب الإسناد المتقدمة، لجواز الإجهار قطعا، و عدم وجوب المستحبات عليهم دائما.

و منها: الترتيل في القراءة إجماعا محقّقا،

و محكيّا مستفيضا «3»، و كتابا و سنّة، ففي مرسلة ابن أبي عمير: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته» الحديث «4».

و قد أجمع أئمّة اللغة على أخذ التأنّي في القراءة و التبيّن في الحروف و الحركات في معناه «5». و تدل عليه رواية ابن سنان: عن قول اللَّه تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «6»، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: تبينه تبيانا، و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، و لا يكن همّ أحدكم آخر السورة» «7» و الهذّ: السرعة.

فهو المستحب.

و أمّا ما زاد على ذلك، من توفية الحقّ من الإشباع كما في المغرب و الكشّاف «8»، و حسن التأليف كما في القاموس «9»، و عدم مدّ الصوت كما عن نهاية الفاضل «10»، و تحسين الصوت كما في رواية ضعيفة فسّره فيها بأن تمكث فيه و تحسن به صوتك «11»، و مراعاة صفات الحروف من الهمس و الجهر و الاستعلاء و الإطباق

______________________________

(1) الخلاف 1: 327.

(2) كما في الرياض 1: 162.

(3) كما في المدارك 3: 361، و الحدائق 8: 172، و الرياض 1: 163.

(4) التهذيب 2: 124- 471، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 18 ح 1.

(5) انظر: مجمع البحرين 5: 378، و النهاية لابن الأثير 2: 194، و لسان العرب 11: 265.

(6) المزمل: 4.

(7) الكافي

2: 614 فضل القرآن ب 9 ح 1، الوسائل 6: 207 أبواب قراءة القرآن ب 21 ح 1، و فيهما: عن عبد اللَّه بن سليمان ..

(8) المغرب 1: 201، الكشاف 4: 637.

(9) القاموس المحيط 3: 392.

(10) نهاية الإحكام 1: 476.

(11) مجمع البيان 5: 377، الوسائل 6: 207 أبواب قراءة القرآن ب 21 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 177

و الغنّة و غيرها كما في النفلية «1»، و حفظ الوقوف كما في رواية ضعيفة منسوبة إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال فيها: «إنّه حفظ الوقوف و بيان الحروف» «2».

فلم يثبت استحبابه من جهة اعتباره في الترتيل و إن قلنا باستحباب بعض ما ذكر من جهة أخرى:

فنقول باستحباب الإشباع في الحركات، لإمكان إدخاله في لحن العرب المرغّب إلى القراءة به في بعض الأخبار «3».

و تحسين الصوت، باعتبار الرواية المتقدّمة للتسامح في أدلّة السنن و إن لم يتسامح من جهة تفسير الترتيل.

و حفظ الوقوف، لمثل ما ذكر أيضا. و المراد به إمّا المحافظة على الوقوف المثبتة في المصاحف أي أواخر الآيات، أو المحافظة على موضع الوقف بأن لا يقف إذا أراد الوقف إلّا في موضع يحسن فيه الوقف، فيقف على التامّ ثمَّ الحسن ثمَّ الجائز، فعلى الأول يكون الوقوف جمعا و اللام فيه للعهد، و على الثاني يحتمله و يحتمل المصدرية و اللام تكون جنسية.

و لا يتعيّن الوقف على موضع وجوبا، و لا يحرم في موضع ما لم يختلّ به النظم، للأصل، و الإجماع.

و كذا لا يتعيّن التنفّس في موضع و لا عدمه فيه، لما ذكر. و في صحيحة عليّ التصريح بجواز قراءة الفاتحة و سورة أخرى بنفس واحد «4».

و منها: ترك قراءة سورة قل هو اللَّه أحد بنفس واحد،

لرواية محمّد بن يحيى «5».

و منها: قراءة السور المعيّنة في الفرائض.

______________________________

(1) النفلية: 22.

(2) تفسير الصافي 1: 61، الوافي 9: 1739.

(3) الكافي 2: 614 فضل القرآن ب 9 ح 3، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 1.

(4) التهذيب 2: 296- 1193، قرب الإسناد: 203- 783، الوسائل 6: 113 أبواب القراءة ب 46 ح 1.

(5) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 11، الوسائل 6: 114 أبواب القراءة ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 178

و بيان المقام: أنّه لا يجب في شي ء من الفرائض سورة معيّنة إجماعا قطعيّا، و به يحمل بعض ما يتضمّن الأمر على الاستحباب، و إنّما اختلفت الأخبار و كلمات العلماء الأخيار في المستحب منها في بعض الموارد.

و اللازم فيها أنّ ما اتفقت أدلّة الاستحباب فيه يحكم باستحبابه، و ما اختلفت فيه فإن كان الاختلاف في نفس الاستحباب أو الأفضلية يعمل بالراجح، و مع انتفاء الرجحان بالتخيير، و إن كان بسبب مراتبه بأن يدلّ دليل على استحباب هذه السورة و الآخر على أفضليّة سورة أخرى فيعمل بالدليلين لعدم المنافاة، فيحكم بفضيلة للأولى و أفضلية للثانية.

و على هذا فالمستحب في غير ليلة الجمعة و يومها قراءة «الأعلى» «و الشمس» و نحوهما في الظهر و العشاء، «و إذا جاء» «و التكاثر» و شبههما في العصر و المغرب، «و عمّ» «و هل أتى» «و لا اقسم» و مثلها في الغداة، لصحيحة محمّد المصرّحة بأنه يقرأ كذلك «1».

و لا تنافيها صحيحة عيسى بن عبد اللَّه الحاكية لقراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الأوليين بما مرّ و ب «هل أتيك» و شبهها، و في الثانيتين ب «التوحيد» «و إذا جاء» «و إذا زلزلت»، و في

الأخيرة بما مرّ «و هل أتيك» و شبهها «2».

لإمكان إدخال محلّ الاختلاف في الشبه، مع أنّها لا تدل على استحباب الجميع فلعلّ البعض على الجواز.

نعم ظاهر الرضوي: «اقرأ في صلاة الغداة: المرسلات، و إذا الشمس كوّرت، و مثلهما، و في الظهر: إذا السماء انفطرت، و إذا زلزلت، و مثلهما، و في العصر: و العاديات، و القارعة، و مثلهما، و في المغرب: و التين، و قل هو اللَّه أحد، و مثلهما، و في يوم الجمعة و ليلة الجمعة: بسورة الجمعة، و المنافقين» «3» ينافيها في

______________________________

(1) التهذيب 2: 95- 354، الوسائل 6: 117 أبواب القراءة ب 48 ح 2.

(2) التهذيب 2: 95- 355، الوسائل 6: 116 أبواب القراءة ب 48 ح 1.

(3) فقه الرضا (ع): 124، مستدرك الوسائل 4: 207 أبواب القراءة ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 179

العصر و المغرب.

و لم أعثر على مصرّح بمضمونه، و به مع ما فيه من الضعف يصير مرجوحا، فالعمل على ما مرّ، فيقرأ واحدة ممّا مرّ في الركعتين ممّا ذكر، أو كلّ واحدة في ركعة، لصدق الامتثال بالأمرين.

خلافا للمشهور، فقالوا باستحباب قراءة سور المفصّل و هي من سورة «محمّد» إلى آخر القرآن عند الأكثر «1»، و قيل من «الجاثية» «2»، و قيل من «الحجرات» «3»، و قيل من «الفتح» «4» و قيل من «ق» «5»، و قيل من «الأعلى» «6» و قيل من «الضحى» «7»، سمّيت به لكثرة ما يقع فيها من فصول التسمية.

فمطوّلاتها و هي من «محمّد» إلى «عمّ» في الصبح، و متوسطاتها و هي من «عمّ» إلى «الضحى» في العشاء، و قصارها و هي من «الضحى» إلى آخر القرآن في الظهرين و المغرب، و

خصوص «هل أتى» في الاولى من غداة الاثنين و الخميس، و زاد الصدوق «هل أتيك» في ثانيتها «8».

و لم أعثر على رواية من طرقنا تدلّ على حكم غير غداة اليومين، مع كونه مخالفة لوجوه كثيرة لما ورد في أخبارنا الصحيحة، سيّما في التفرقة بين الظهر و العشاء المصرّح في الصحيحة المتقدّمة بأنهما سواء.

نعم هو للعامّة موافق «9»، و به تترك الشهرة التي يمكن التمسك بها في مقام المسامحة أيضا.

و أمّا حكم غداة اليومين فاستدل عليه برواية رجاء الآتية «10»، و هي عليه غير دالّة، لجواز كون ما فعل أحد أفراد ما يستحب.

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 3: 363، و صاحب الحدائق 8: 176.

(2) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(3) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(4) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(5) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(6) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(7) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(8) الفقيه 1: 201.

(9) انظر: المغني لابن قدامة 1: 568.

(10) في ص 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 180

نعم روى أبو عليّ ابن الشيخ في مجالسه، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام: «من أحب أن يقيه اللَّه شرّ يوم الاثنين فليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة هل أتى على الإنسان» «1».

و الصدوق في ثواب الأعمال: «من قرأ سورة هل أتى على الإنسان في كلّ غدوة خميس زوّجه اللَّه من الحور العين ثمان مائة عذراء و أربعة آلاف ثيّب» «2».

و هما لا يدلّان إلّا على تعيين ثواب، و لا شك أنّ لغيرهما أيضا ثوابا و لم تثبت أقلّيته، فلا يفيدان، مع أنّ الأخير لا يثبت حكم الصلاة.

ثمَّ ما ذكر هو المستحب، و الأفضل منه- وفاقا للفقيه «3»- قراءة القدر و التوحيد في الجميع،

الاولى في الاولى، و الثانية في الثانية، لرواية أبي عليّ بن راشد: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، إنّك كتبت إلى محمّد بن الفرج تعلمه أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه و قل هو اللَّه أحد، و إنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال عليه السلام: «لا يضيق صدرك بها، فإنّ الفضل و اللَّه فيهما» «4».

و المروي في فلاح السائل: يسأله عمّا يقرأ في الفرائض، و عن أفضل ما يقرأ فيها، فكتب عليه السلام إليه: «إنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه في ليلة القدر و قل هو اللَّه أحد» «5».

و التوقيع المروي في كتابي الغيبة و الاحتجاج: كتب إليه: إنّ العالم عليه السلام قال: «عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنّا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 228، مستدرك الوسائل 4: 210 أبواب القراءة ب 38 ح 2.

(2) ثواب الأعمال: 121، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 50 ح 2.

(3) الفقيه 1: 201.

(4) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 19، التهذيب 2: 290- 1163، الوسائل 6: 78 أبواب القراءة ب 23 ح 1.

(5) فلاح السائل: 162، مستدرك الوسائل 4: 190 أبواب القراءة ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 181

صلاته؟!» و روي: «ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد» إلى آخر السؤال.

التوقيع: «الثواب في السورة على ما قد روي، و إذا ترك سورة ممّا فيها الثواب و قرأ قل هو اللَّه أحد و إنّا أنزلناه لفضلهما اعطي ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك، و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامّة، و لكنّه يكون قد ترك

الأفضل» «1».

و تؤيّده بل تدل عليه رواية منصور: «من مضى به يوم واحد فصلّى فيه الخمس صلوات و لم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد قيل له: يا عبد اللَّه لست من المصلّين» «2».

و مرسلة الفقيه، و رواية رجاء بن ضحّاك، و رواية الصائغ المرويتان في العيون:

الاولى:

حكى من صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان أنّه كان يقرأ في الصلاة في اليوم و الليلة في الركعة الأولى الحمد و إنا أنزلناه، و في الثانية الحمد و قل هو اللَّه أحد «3».

و الثانية:

كان الرضا عليه السلام في طريق خراسان قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد و إنّا أنزلناه، و في الثانية الحمد و قل هو اللَّه أحد، إلّا في صلاة الغداة و الظهر و العصر يوم الجمعة فإنّه كان يقرأ فيها بالحمد و سورة الجمعة و المنافقين، و كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد و سورة الجمعة و في الثانية الحمد و سبّح اسم ربّك الأعلى، و كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس في الأولى الحمد و هل أتى على الإنسان، و في الثانية الحمد و هل أتيك حديث الغاشية «4».

______________________________

(1) الغيبة: 231، الاحتجاج: 482، الوسائل 6: 79 أبواب القراءة ب 23 ح 5.

(2) الكافي 2: 622 فضل القرآن ب 13 ح 10، المحاسن: 96- 56، ثواب الأعمال: 127، الوسائل 6: 80 أبواب القراءة ب 24 ح 2.

(3) الفقيه 1: 202- 923، الوسائل 6: 79 أبواب القراءة ب 23 ح 3.

(4) عيون اخبار الرضا 2: 180، الوسائل 6: 121 أبواب القراءة ب 50 ح 1 و ص 156 ب 70 ح 10، و فيهما: رجاء بن أبي

الضحاك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 182

و الثالثة:

خرجت مع الرضا عليه السلام إلى خراسان، فما زاد في الفرائض على الحمد و إنّا أنزلناه في الاولى، و الحمد و قل هو اللَّه أحد في الثانية «1».

و أمّا الجمعة: فأمّا مغربها و عشاؤها فتستحب سورة الجمعة في الأولى منهما و الأعلى في الثانية.

كذلك عند الشيخ في النهاية و المبسوط «2»، و الصدوق و السيّد «3»، بل الأكثر كما قيل «4»، لرواية أبي بصير: «اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة و سبّح اسم ربك الأعلى، و في الفجر سورة الجمعة و قل هو اللَّه أحد» «5» و نحوه روى في قرب الإسناد «6».

و بتبديل الأعلى بالتوحيد في الثانية من الاولى عند الشيخ في المصباح و الاقتصاد «7»، لرواية الكناني: «إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قل هو اللَّه أحد، و إذا كانت العشاء الآخرة فاقرأ بالجمعة و سبح اسم ربّك الأعلى، و إذا كانت صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و قل هو اللَّه أحد» «8».

و بتبديلها بالمنافقين في الثانية من الثانية عند العماني «9»، لمرفوعة حريز و ربعي: «إن كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة و إذا

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 2: 206.

(2) النهاية: 78، المبسوط 1: 108.

(3) الصدوق في الفقيه 1: 201، السيد في الانتصار: 54.

(4) انظر: المدارك 3: 364.

(5) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 2، التهذيب 3: 6- 14، الاستبصار 1: 413- 1582، الوسائل 6: 118 أبواب القراءة ب 49 ح 2.

(6) قرب الإسناد: 360- 1287، الوسائل 6: 156 أبواب القراءة ب 70 ح 11.

(7) مصباح المتهجد: 230، الاقتصاد: 262.

(8) التهذيب 3: 5- 13، الوسائل

6: 119 أبواب القراءة ب 49 ح 4.

(9) حكاه عنه في المختلف: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 183

جاءك المنافقون، و في صلاة الصبح مثل ذلك، و في صلاة الجمعة مثل ذلك، و في العصر مثل ذلك» «1».

و الأول و إن كان أشهر إلّا أنّ لعدم التصريح في الروايتين بأنّه في الصلاة فيحتمل استحباب القراءة مطلقا، يكون العمل بالروايتين الأخيرتين، و القول باستحباب الجمعة في الأولى منهما و التوحيد في الثانية من الاولى، و التخيير بين الأعلى و المنافقين في الثانية من الثانية، أظهر و أولى.

إلّا أن يجعل نفس الشهرة دليلا على المشهور فيحكم بالتخيير في ثانية الأولى بين التوحيد و الأعلى، و في ثانية الثانية بينها و بين المنافقين.

و أمّا في غداتها، فتستحب الجمعة في أولاها إجماعا نصّا و فتوى، و التوحيد في ثانيتها عند الأكثر كما قيل «2»، لروايتي أبي بصير و الكناني المتقدّمتين، و صحيحة الحسين بن أبي حمزة: ما أقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة؟ فقال: «اقرأ في الأولى بسورة الجمعة و في الثانية بقل هو اللَّه أحد ثمَّ اقنت حتى تكونا سواء» «3».

و المنافقون فيها، عند الصدوق و السيّد «4»، للمرفوعة السابقة، و المروي في العلل صحيحا: «اقرأ سورة الجمعة و المنافقين فإنّ قراءتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة و الظهر و العصر، فلا ينبغي لك أن تقرأ غيرهما في الظهر- يعني يوم الجمعة- إماما كنت أم غير إمام» «5».

و الرضوي: «و اقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة في الاولى و في

______________________________

(1) التهذيب 3: 7- 18، الاستبصار 1: 414- 1585، الوسائل 6: 119 أبواب القراءة ب 49 ح 3.

(2) انظر: جامع المقاصد 2: 274.

(3) الكافي 3: 425

الصلاة ب 76 ح 3، الوسائل 6: 121 أبواب القراءة ب 49 ح 10.

(4) الصدوق في الفقيه 1: 201، السيد في الانتصار: 54.

(5) علل الشرائع: 355- 1، الوسائل 6: 120 أبواب القراءة ب 49 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 184

الثانية المنافقين» الحديث «1».

و مقتضى الجمع التخيير، فهو كذلك.

و أمّا في صلاة الجمعة و ظهرها و عصرها، فبالجمعة في الاولى و المنافقين في الثانية إجماعا نصّا و فتوى في الجمعة، لما ذكر.

و على الأظهر الأشهر في الظهر، لرواية رجاء المتقدّمة، و صحيحة العلل السابقة، و صحيحة الحلبي: عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال: «نعم» و قال: «اقرأ بسورة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة» «2».

و من غير خلاف يعرف في العصر، للمرفوعة السالفة، و صحيحة الحلبي.

وجوبا عند الصدوق في الظهر و الجمعة «3»، و عند السيّد في الجمعة خاصة «4».

لأخبار دالّة عليه بظاهرها، يمكن الذبّ عنها بأدنى عناية. مع وجوب الحمل على الاستحباب قطعا بقرينة المرفوعة المتقدمة، و صحيحة علي: عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا، قال: «لا بأس بذلك» «5».

و الأخرى: عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيها؟ قال: «اقرأ بقل هو اللَّه أحد» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 128، مستدرك الوسائل 4: 207 أبواب القراءة ب 37 ح 1.

(2) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 5، التهذيب 3: 14- 49، الاستبصار 1: 416- 1593، الوسائل 6: 16 أبواب القراءة ب 73 ح 3.

(3) المقنع: 45.

(4) الانتصار: 54.

(5) التهذيب 3: 7- 19، الاستبصار 1: 414- 1586، الوسائل 6: 157 أبواب القراءة ب 71 ح 1.

(6) التهذيب 3: 8- 23، الاستبصار 1: 415- 1590، الوسائل

6: 157 أبواب القراءة ب 71 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 185

و صحيحة ابن سنان: في صلاة الجمعة «لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا» «1» و الاستعجال أعمّ من الضرورة المبيحة و غيرها.

و رواية الأزرق: رجل صلّى الجمعة، فقرأ سبّح اسم ربّك الأعلى و قل هو اللَّه أحد، قال: «أجزأه» «2» إلى غير ذلك.

و هذه الأخبار ما بين صريحة و ظاهرة في جواز الترك في الجمعة، فكذلك في الظهر، لعدم القول بالفرق إلّا ما توهّم من تخصيص الصدوق الوجوب بالظهر «3»، و هو ليس كذلك.

مع أنّ الصحيحة الثانية صريحة في الظهر، لأنّ جمعة السفر ظهر. بل يستفاد منها كون الظهر يطلق عليه الجمعة أيضا فيحتمل الاستناد إلى سائر الأخبار لعدم الوجوب في الظهر أيضا.

و هل الأفضلية المحكومة بها للقدر و التوحيد ثابتة في ليلة الجمعة و يومها أيضا أم لا؟

الظاهر: الاتفاق على العدم، فبه تخصّص أخبار أفضليتهما المطلقة. مضافا إلى ظاهر رواية رجاء في الغداة و الظهر و العصر، و صحيحة العلل في الظهر و المستفيضة الآمرة بالرجوع عن التوحيد في صلاة الجمعة أو يوم الجمعة «4».

و منها: الإجهار في النوافل الليلية، و الإخفات في النهارية،

إجماعا منّا، كما

______________________________

(1) الفقيه 1: 268- 1225، التهذيب 3: 242- 653، الوسائل 6: 157 أبواب القراءة ب 71 ح 3.

(2) التهذيب 3: 242- 654، الاستبصار 1: 415- 1592، الوسائل 6: 158 أبواب القراءة ب 71 ح 5.

(3) انظر: غنائم الأيام: 194.

(4) انظر: الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 186

في المنتهى و شرح القواعد و عن المعتبر و الذكرى «1» و غيرها «2»، له، و للنصوص، منها: مرسلة ابن فضّال: «السنّة في صلاة

النهار الإخفات، و السنّة في صلاة الليل الإجهار» «3».

و منها: قراءة التوحيد ثلاثين مرّة في كل من الركعتين الأوليين من صلاة الليل،

وفاقا لجماعة [1]، لما رواه الشيخ في التهذيب، و الصدوق في المجالس «4».

و عن المفيد و القاضي: التوحيد ثلاثون مرّة في الاولى، و الجحد كذلك في الثانية «5»، و ربما احتمل كلام الحلّي أنّ به رواية «6».

و قال جمع بقراءة التوحيد في الاولى و الجحد في الثانية من غير تحديد «7»، و ظاهرهم المرّة، لمرسلة الكافي و التهذيب «8».

و منهم من عكس كذلك «9»، و لم أعثر له على مستند. و قد يستند فيه إلى حسنة معاذ «10»، و لا دلالة لها عليه، بل هي على عكسه أدلّ.

و منها: إسماع الإمام من خلفه قراءته،

بل مطلق الأذكار التي لم يجب

______________________________

[1] منهم العلامة في التذكرة 1: 118، و نهاية الإحكام 1: 478، و الشهيد في الدروس 1: 175.

______________________________

(1) المنتهى 1: 278، جامع المقاصد 2: 275، المعتبر 2: 184، الذكرى: 194.

(2) كالمختصر النافع: 31، و المفاتيح 1: 136، و الرياض 1: 163.

(3) التهذيب 2: 289- 1161، الاستبصار 1: 313- 1165، الوسائل 6: 77 أبواب القراءة ب 22 ح 2.

(4) التهذيب 2: 124- 470، أمالي الصدوق: 462- 5، الوسائل 6: 129 و 130 أبواب القراءة ب 54 ح 1 و 2.

(5) المفيد في المقنعة: 122، القاضي في المهذب 1: 135.

(6) السرائر 1: 307.

(7) النهاية: 120، مفاتيح الشرائع 1: 137.

(8) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 22، التهذيب 2: 74- 274، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة ب 15 ح 2.

(9) نقله في الذكرى: 115 عن موضع من الرسالة.

(10) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 22، الفقيه 1: 314- 1427، التهذيب 2: 74- 273، الخصال: 347- 20، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 187

إخفاتها، ما

لم يبلغ العلوّ المفرط.

أمّا الأول، فللإجماع، كما في المنتهى و المدارك «1»، و صحيحة أبي بصير:

«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول» «2».

خرج ما يجب إخفاته فبقي الباقي.

و يتأكد في الشهادتين، للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة «3».

و أمّا الثاني، فلما مرّ من النهي عن العلوّ المفرط.

و منها: أن يسأل الرحمة إذا قرأ آية تشتمل عليها،

و يستعيذ من النقمة إذا قرأ آية تتضمنها، للعمومات «4»، و خصوص الموثقة «5»، و المرسلة «6».

و كذا المأموم إذا سمعها، لحسنة الحلبي «7».

و منها: السكوت بقدر تنفّس بعد القراءة و قبل تكبيرة الركوع،

لرواية حمّاد الحاكية لصلاة الصادق عليه السلام «8». بل بعد الحمد و قبل السورة أيضا، لرواية ابن عمّار «9». بل بعد تكبيرة الافتتاح و قبل الحمد أيضا، للمروي في الخصال «10».

______________________________

(1) المنتهى 1: 277، المدارك 3: 370.

(2) التهذيب 2: 102- 383، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(3) و هما صحيحة البختري: الفقيه 1: 260- 1189، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1، و صحيحة أبي بصير: التهذيب 2: 102- 382، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.

(4) انظر: الوسائل 6: 170 و 215 أبواب قراءة القرآن ب 3 و 27.

(5) الكافي 3: 301 الصلاة ب 17 ح 1، التهذيب 2: 286- 1147، الوسائل 6: 69 أبواب القراءة ب 18 ح 2.

(6) التهذيب 2: 124- 471، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 18 ح 1.

(7) الكافي 3: 302 الصلاة ب 17 ح 3، الوسائل 6: 69 أبواب القراءة ب 18 ح 3.

(8) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

(9) التهذيب 2: 297- 1196، الوسائل 6: 114 أبواب القراءة ب 46 ح 2.

(10) الخصال: 74- 116، مستدرك الوسائل 4: 205 أبواب القراءة ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 188

و كونهما عاميين غير ضائر في مقام المسامحة.

و المستفاد من الأخير استحباب السكت بعد الحمد إذا قرأها في الركعتين الأخيرتين أيضا.

المسألة الرابعة و العشرون: يحرم قول آمين في آخر الحمد على الأشهر الأقوى،

بل كاد أن يكون إجماعا منّا، بل عليه الإجماع في كلام جملة من علمائنا منهم الانتصار و المنتهى «1»، و عن مجالس الصدوق «2»، و الشيخين و ابن زهرة «3»،

و التحرير و النهاية «4»، و نهج الحقّ «5».

لحسنة جميل: «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد حتى فرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد للَّه رب العالمين، و لا تقل آمين» «6».

و المروي في الدعائم: و روينا عنهم عليهم السلام أن قالوا- إلى أن قال-:

و حرّموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب: آمين كما يقوله العامة «7».

و ضعفه منجبر بما مرّ.

و يؤيده رواية الحلبي: أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: «لا» «8».

______________________________

(1) الانتصار: 42، المنتهى 1: 281.

(2) أمالي الصدوق: 512.

(3) المفيد في المقنعة: 105، الطوسي في الخلاف 1: 332- 334، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(4) التحرير 1: 39، نهاية الإحكام 1: 465.

(5) نهج الحق للعلّامة (ره): 424.

(6) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 5، التهذيب 2: 74- 275، الاستبصار 1: 318- 1185، الوسائل 6: 67 أبواب القراءة ب 17 ح 1.

(7) دعائم الإسلام 1: 160 و فيه: و كرهوا أن يقال بعد فراغ فاتحة الكتاب آمين كما تقول العامة، مستدرك الوسائل 4: 175 أبواب القراءة ب 13 ح 3.

(8) التهذيب 2: 74- 276، الاستبصار 1: 318- 1186، الوسائل 6: 67 أبواب القراءة ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 189

و الحسن المروي في العلل: «و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك: آمين» «1».

و الاحتجاج بهما لا يخلو عن شي ء، لاحتمال الأخير النفي المفيد لمطلق المرجوحية، و ما قبله نفي الرجحان.

و الأظهر بطلان الصلاة به أيضا كما هو المشهور، لأنّ الكلام مبطل إلّا ما ثبت جوازه، و المحرّم غير جائز و إن كان دعاء.

لا لمنع كونه دعاء- كما قيل «2»- من حيث إنّه اسم للدعاء، و مع ذلك مشترك

بينه و بين كونه من أسمائه سبحانه على قول بعض أهل اللغة «3»، أو من جهة أنّ الدعاء إنما يتحقق إذا قصد بالقراءة الطلب دون مطلق التعبّد، فما لم يقصده لم يكن دعاء، فيبطل و يتعدّى إلى صورة القصد بالإجماع المركّب.

و لا للإجماعات المنقولة على الإبطال.

و لا لاحتمال شرطية عدمه في صحة الصلاة فيستصحب الاشتغال.

أمّا الأوّل، فلأنّ المراد بكونه اسما للفعل- كما صرّح به نجم الأئمة «4»- أنه مفيد لمعناه و لا يتصرّف فيه تصرّف الفعل أي ليس فعلا، لا أنّ معناه لفظ الفعل كما يقال: إنّ فعل الماضي معناه لفظ مثل ضرب، لاستعماله في معناه، و الأصل عدم النقل، فإنّ لفظة «آمين» استعملت في معنى الفعل في الأدعية كثيرا، و كذا «صه» ورد لطلب السكوت في الأحاديث في موارد عديدة.

و الاشتراك- لو سلّم- لا ينفي الجواز عند قصد المعنى الدعائي كما في سائر المشتركات، مع أنّ ذكر اسمه سبحانه أيضا داخل في الذكر المستثنى.

و لا تتوقف دعائيته على قصد الطلب من القراءة، لأنه نفسه طلب حاجة و هي الاستجابة كلّما دعي.

______________________________

(1) علل الشرائع: 358- 1، الوسائل 5: 464 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 6.

(2) انظر: التحرير 1: 39.

(3) انظر: القاموس المحيط 4: 199، و المصباح المنير: 25.

(4) شرح الكافية: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 190

و أمّا الثاني، فلمنع الحجية.

و أمّا الثالث، فلأنه مبني على عدم جريان الأصل في شرائط العبادة، و هو عندنا غير صحيح.

و الظاهر اختصاص التحريم و الإبطال بكونه بعد قراءة الفاتحة دون أثناء الصلاة مطلقا، وفاقا لظاهر نهاية الشيخ و الفقيه و الشرائع و النافع و القواعد «1»، للأصل، و اختصاص الروايات.

خلافا في الأول للمحكي عن الإسكافي و

الأردبيلي، فكرهاه «2»، و مال إليه في المعتبر «3»، و احتمله في المدارك «4»، لصحيحة جميل: عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين، قال: «ما أحسنها و اخفض الصوت بها» «5».

بجعل «ما» نافية، و مدخولها فعل متكلّم، «و أخفض» فعل ماض و كلاما للراوي، و الضمير المجرور لكلمة ما أحسنها، حيث إنّ مثل ذلك القول لا يستعمل ظاهرا إلّا فيما يكون جائزا و مرجوحا فيدل على الكراهة.

أو بجعل «ما» استفهامية إنكارية، و البواقي كما ذكر بالتقريب المتقدم.

أو بجعلها تعجبية، و مدخولها فعل تعجب، «و اخفض» فعل أمر و كلاما للمعصوم أمر به للتخضع المطلوب في الدعاء سيّما طلب الإجابة، فيدلّ على الاستحباب، و يعارض ما دلّ على الترك، و يتردّد بين الحرمة و الاستحباب، و لا شكّ أنّ الاحتياط في مثله الترك فيكون مكروها.

و بهذا التقريب، أو لضعف روايات المنع، أو اشتهار استعمال الأمر في

______________________________

(1) النهاية: 77، الفقيه 1: 255، الشرائع 1: 83، المختصر النافع: 31، القواعد 1: 33.

(2) حكاه عن الإسكافي في الدروس 1: 174، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 235.

(3) المعتبر 2: 186.

(4) المدارك 3: 374.

(5) التهذيب 2: 75- 277، الاستبصار 1: 318- 1187، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 191

الشريعة في الندب احتجّ بعضهم بأصالة الجواز أيضا «1».

و يجاب عن الأول- بعد الإغماض عن عدم حجيته لشذوذه على جميع الاحتمالات-: بمنع إفادة الاحتمال الثاني للجواز، بل يستعمل في الحرام أيضا، فيقال لمدمن الخمر: ما أحسنه عندك؟! و مرجوحيته على الاحتمال الأخير عن معارضة بموافقة العامة «2»، و مخالفة الإجماع، لعدم قول بالاستحباب، و مثل ذلك لا يصلح للاحتجاج.

و يجاب

عن الوجه الثاني: بمنع الضعف أوّلا، و جبره بما مرّ- لو كان- ثانيا.

و عن الثالث: بأنّه لا يوجب صرف اللفظ عن حقيقته.

و في الثاني للمدارك، فلم تبطل الصلاة به على الحرمة أيضا، لتعلق النهي بالخارج «3».

و يجاب عنه: بأنّ الفساد ليس لمجرّد النهي بل مع ما ذكر.

و للخلاف و شرح القواعد «4»- بل كل من استدل للتحريم بأنه من كلام الآدميّين و ليس دعاء كالانتصار و المنتهى «5»، و غيرهما «6»، بل هو المشهور كما قيل «7»- في الثالث، فقالوا بتحريمه و إبطاله للصلاة في أثنائها مطلقا، لظاهر بعض الإجماعات المنقولة.

و ضعفه عندنا ظاهر.

______________________________

(1) كما في مجمع الفائدة 2: 235.

(2) انظر: الأم للشافعي 1: 109، بدائع الصنائع 1: 207، نيل الأوطار 2: 244.

(3) المدارك 3: 374.

(4) الخلاف 1: 334، جامع المقاصد 2: 284.

(5) الانتصار: 43، المنتهى 1: 281.

(6) كالتنقيح الرائع 1: 202، جامع المقاصد 2: 284، روض الجنان: 267.

(7) انظر: كشف اللثام 1: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 192

البحث الخامس في الركوع
اشاره

و هو واجب في كلّ ركعة من الفرائض و النوافل شرعا و شرطا، مرّة واحدة، بالضرورة من الدين و الأخبار المتواترة من الطاهرين «1»، إلّا في صلاة الآيات، فيجب في كلّ ركعة منها خمس مرّات كما سيأتي في بحثها إن شاء اللَّه. و ركن في الجملة إجماعا، و مطلقا على الأظهر الأشهر، كما يأتي.

و الكلام إمّا في واجباته أو مستحبّاته، فهنا مقامان:

المقام الأوّل في واجباته و هي أمور تذكر في مسائل:
المسألة الأولى: يجب فيه الانحناء إجماعا و ضرورة، له، و لأنّه معناه عرفا و لغة.
اشاره

بقدر ما تصل يداه ركبتيه و يتمكّن من وضعهما عليهما، بالإجماع المحقق، و المحكي في المنتهى و شرح القواعد «2»، و عن المعتبر و الشهيد «3»، و غيرهما «4»، له.

لا لصحيحتي زرارة: «و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّع بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 310 أبواب الركوع ب 9 و ص 312 ب 10.

(2) المنتهى 1: 285، جامع المقاصد 2: 283.

(3) المعتبر 2: 193، الشهيد في الذكرى: 197.

(4) كالحدائق 8: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 193

أصابعك إذا وضعتهما على ركبتيك» «1».

و زاد في الأخرى: «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحبّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة، و فرّج بينهما، و أقم صلبك، و مدّ عنقك، و ليكن نظرك ما بين قدميك» «2» الحديث.

لأنّ قوله «و تمكّن راحتيك» محتمل للخبرية الغير الصريحة في الوجوب بل قوله: «و أحبّ إليّ» صريح في عدمه. و «بلّع» و إن كان أمرا إلّا أنّ التبليع غير واجب إجماعا، فهو على الندب محمول قطعا. و عدم الإجزاء المفهوم من قوله:

«فإن وصلت ..» يمكن أن يكون عن المأمور به الاستحبابي في الركوع.

و لا للتأسّي،

لعدم وجوبه.

و لا لتوقف حصول البراءة اليقينية عليه، لحصولها بما تيقّن الشغل به من الانحناء.

و هل الواجب وصول جزء من اليد و لو أطراف الأصابع إليها و الزائد مستحب؟ كما عن الشهيد الثاني «3»، و بعض آخر من المتأخّرين [1]، بل عن البحار أنّه مذهب الأكثر «4»، و إليه ذهب والدي المحقق العلامة- طاب ثراه- في المعتمد مقيدا بوصول جزء من باطن أطرافها لا مطلقا، بل هو محتمل كلّ من اكتفى بوصول اليدين إلى الركبتين كالمنتهى مدّعيا عليه الإجماع «5»، بل من قيّد بإمكان

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 166.

______________________________

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(3) المسالك 1: 31.

(4) البحار 82: 119- 120.

(5) المنتهى 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    194     المسألة الأولى: يجب فيه الانحناء إجماعا و ضرورة، له، و لأنه معناه عرفا و لغة. ..... ص : 192

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 194

وضع اليدين أيضا، كالسرائر و الشرائع و القواعد و الذكرى «1»، لصدقه بوضع كلّ جزء من اليد و لو رأس الإصبع، بل من ذكر الكفّين أيضا، كالمعتبر و النافع و الدروس «2»، لأنّ الكفّ مجموع ما تحت الزند فيصدق وضعها بوضع جزء منها، و يؤيّده احتجاج المعتبر بالرواية الصريحة «3» في الاكتفاء بوصول رؤوس الأصابع.

أو وصول الزائد عن رؤوسها بل عن الأصابع أيضا؟ كما هو ظاهر شرح القواعد [1]، بل كلّ من ذكر الراحة بل الكفّ [2]، و مال إليه

في الذخيرة «4»، و قيل:

إنّه ظاهر عبارة الأكثر «5».

الحق هو الأوّل، للأصل، و منطوق قوله: «فإن وصلت» في الصحيحة، الخاليين عمّا يصلح للمعارضة سوى ما استدلّ به للقول الآخر من التأسي، و استصحاب الشغل، و الأمر بتمكّن الراحة و تبليع عين الركبة بأطراف الأصابع، أي التقامها المتوقف على وصول الزائد في الصحيحة «6»، و مل ء الصادق عليه السلام كفّيه من ركبتيه عند تعليم حمّاد كما في صحيحته «7»، و كونه المتبادر من إمكان وضع اليد المدّعى عليه الإجماع «8».

______________________________

[1] جامع المقاصد 2: 283. إنما قيدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون مراده باطن رؤوس الأصابع فيكون كلامه في الباطن دون نفس الرأس. منه رحمه اللَّه تعالى.

[2] كالشيخ في النهاية: 71، العلامة في التذكرة 1: 118، الشهيد الثاني في روض الجنان: 271.

______________________________

(1) السرائر 1: 224، الشرائع 1: 84، القواعد 1: 34، الذكرى: 197.

(2) المعتبر 2: 193، المختصر النافع: 31، الدروس 1: 176.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الذخيرة: 281.

(5) الرياض 1: 166.

(6) المتقدمة في ص 193.

(7) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(8) كما في جامع المقاصد 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 195

و تضعّف الثلاثة الأولى: بما مرّ.

و الرابعة- بعد تسليم كون التبليع بالمهملة-: بمنع توقّفه على وصول الزائد عن الأصابع أوّلا، و الإجماع على عدم وجوبه ثانيا.

و الخامسة: بعدم دليل فيها على الوجوب، لاشتمال الرواية على كثير من المستحبّات.

و السادسة: بمنع التبادر و عدم كفايته لو سلّم، لوقوع

هذا الكلام في كلام بعض الفقهاء. و أمّا الإجماع المدّعى بعده، فمع عدم حجيّته يحتمل تعلّقه بالتحديد المشترك بين التحديدين، و هو ملاقاة اليدين الركبتين إمّا بالبلوغ، أو الوضع ردّا على أبي حنيفة.

فروع:

أ:

وجوب ما ذكر من الانحناء إنّما هو مختصّ بالرجل دون المرأة، لاختصاص الإجماع بل سائر الأدلّة- لو تمّت- به. و الاشتراك هنا غير مجمع عليه.

بل فتوى جماعة استحباب انحنائها أقلّ من ذلك «1»، كما يأتي، و يدلّ عليه الصحيح الآتي «2»، و به يخصّ عموم باقي الأدلّة لو شملتها أيضا. و حمله على الاختلاف في وضع اليدين دون قدر الانحناء يأباه التعليل المذكور فيه.

ب:

المعتبر الانحناء بقدر يمكن الوضع لو أراده، و لا يجب الوضع على الأقوى الأشهر، بل عليه الإجماع في بعض العبارات «3»، للأصل.

خلافا لبعض مشايخنا المحدّثين، فأوجبه، لظواهر الأخبار «4».

______________________________

(1) كما في السرائر 1: 224، و النفلية: 25.

(2) الكافي 3: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94- 350، الوسائل 6: 462 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.

(3) كما في الذكرى: 197.

(4) انظر: البحار 82: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 196

و يردّ بعدم الدلالة على الوجوب، كما يظهر وجهه ممّا مرّ.

ج:

المعتبر إمكان الوضع بواسطة الانحناء، فلا اعتبار بإمكانه بغيره كالانخناس [1]، أو الجمع بينهما بحيث لو لا الانخناس لم يبلغ، لعدم صدق الركوع.

د:

مقطوع اليدين ينحني بقدر ما يصلان لو لا القطع، استصحابا لما يجب قبله.

و من كانت يداه قصيرتين ينحني بقدر مستوي الخلقة، لعدم ثبوت الزائد من الإجماع الذي هو الأصل في المسألة.

و لو كانتا طويلتين ينحني حتى يصدق الركوع قطعا، و هل يكفي مجرّد ذلك بعد وصول يديه، أو يشترط الانحناء بقدر يصل مع استواء

الخلقة؟.

مقتضى الأصل هو الأوّل، و المصرّح به في كلماتهم هو الثاني، قالوا: حملا لألفاظ النصوص على الغالب.

و فيه: أنّه لا نصّ على ذلك أصلا [2]، و إنّما الوارد التمكّن أو التبليع أو الوصول، الغير الواجبة عندهم إجماعا.

ه:

العاجز عن الانحناء بالقدر المعتبر ينحني بالمقدور، لأنّ الانحناء واجب ثابت بالنصوص «1»، و الزائد عن مطلقه واجب آخر يثبته الإجماع أو أخبار أخر، و سقوط أحدهما للعجز لا يوجب سقوط الآخر.

______________________________

[1] الانخناس أن يخرج ركبته و هو مائل منتصب. منه رحمه اللَّه تعالى.

[2] في شرح الإرشاد للأردبيلي، في طويل اليد: دليل الانحناء له بقدر مستوي الخلقة غير واضح، و لا يبعد القول بالانحناء حتى تصل إلى الركبتين مطلقا، نعم لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك. (مجمع الفائدة 2: 256). منه رحمه اللَّه تعالى.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 334 أبواب الركوع ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 197

و عن مطلقه يومئ برأسه إجماعا، له، و لرواية الكرخي: «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود؟ فقال: يومئ برأسه نحو القبلة إيماء» «1» بل للنصوص كما قيل «2».

و عن الإيماء بالرأس يومئ بالعين بلا خلاف.

و:

الراكع خلقة أو لعارض ينحني يسيرا، وجوبا عند المحقّق في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه «3»، تحصيلا للفرق بين حالتي القيام و الركوع.

و استحبابا عند الشيخ «4»، و المعتبر و المدارك «5»، لأنّ ذلك حدّ الركوع، فلا تلزم الزيادة عليه، و لا دليل على وجوب التفرقة على العاجز.

و لا يخفى أنّ الركوع لو كان مطلق الهويّ و لو من انحناء لكان للقول الأوّل وجه، و لكنّه ليس كذلك بل هو الانحناء من الانتصاب، و على هذا فالركوع

المأمور به لمثل هذا الشخص غير ممكن فالتكليف به ساقط، و تحصيل الفرق خال عن الدليل و إن استحبّ لفتوى الفقيه.

و لو قلنا بوجوب الإيماء بالرأس عليه لصدق عدم إمكان الركوع لم يكن بعيدا، و لو جمع بينه و بين يسير انحناء كان أحوط.

ز:

يجب أن يقصد بانحنائه الركوع و لو بالنيّة الاستمراريّة، فلو لم يقصده لم يأت بالركوع به، لأنّ الأعمال بالنيّات، و لكلّ امرئ ما نوى «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 238- 1052، التهذيب 3: 307- 951، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 11.

(2) انظر: الرياض 1: 166.

(3) الشرائع 1: 85، الفاضل في التذكرة 1: 118.

(4) المبسوط 1: 110.

(5) المعتبر 2: 194، المدارك 3: 387.

(6) انظر: الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 198

و على هذا فلو هوى لسجدة العزيمة في النافلة، أو لقتل موذ أو لقضاء حاجة، فلمّا انتهى إلى حدّ الركوع أراد أن يجعله ركوعا، لم يجز، بل يجب عليه الانتصاب ثمَّ الهوي للركوع، و كذا لو هوى للسجود ساهيا فتذكّر في الأثناء، يجب عليه الانتصاب للركوع. و لا تلزم في شي ء من الصور زيادة ركوع للصلاة و إن زاد ركوع لغوي، و لكنّه غير مضرّ، إذ ليس هو زيادة في الصلاة، كما يأتي بيانه.

و به صرّح جماعة [1]، بل قيل: إنّه لا خلاف فيه «1»، و يدلّ عليه الخبر أيضا: رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائما و إلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له، فأراد أن يتناولها، فانحطّ عليه السلام و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى صلاته «2».

و قد يستدلّ أيضا بإطلاق الموثّق: «لا

بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي» «3».

و هو غير جيّد.

نعم لو كان الهوي للسّجود عمدا أو سهوا تصدق الزيادة في الصلاة و إن لم تصدق زيادة ركوع للصلاة، و لكنّه غير مبطل مع السهو قطعا، كما يأتي في محلّه.

ح:

الظاهر الاتّفاق على عدم الفرق بين الفريضة و النافلة في أقلّ الواجب من الانحناء في الركوع، و كذا في وجوب طمأنينة الركوع.

______________________________

[1] منهم الشهيد في الذكرى: 197، و صاحب الحدائق 8: 241، و صاحب الرياض 1: 166.

______________________________

(1) كما في الحدائق 8: 241.

(2) الفقيه 1: 243- 1079 و فيه: ثمَّ عاد إلى موضعه إلى صلاته، التهذيب 2: 332- 1369، الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 12 ح 1.

(3) التهذيب 2: 330- 1355، الوسائل 7: 280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 199

ط: هل يجوز وضع اليد و الاعتماد حال الركوع على شي ء كعصا و نحوه؟.

لا ريب فيه مع الضّرورة، و كذا بدونها، للأصل.

المسألة الثانية: تجب الطمأنينة في الركوع إجماعا محقّقا،

و محكيا كما في الناصريات و التذكرة و المنتهى و شرح القواعد «1»، و عن الغنية و المعتبر و الخلاف «2» بل عن الأخير على ركنيتها. و هو الحجّة فيه مع المرسل المروي في الذكرى المنجبر ضعفه بما مرّ، و فيه: «ثمَّ اركع حتى تطمئنّ راكعا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، ثمَّ اسجد حتى تطمئنّ ساجدا، ثمَّ ارفع حتى تستوي قائما» الحديث «3».

و المروي في قرب الإسناد: «فإذا قام أحدكم فليعتدل، و إذا ركع فليتمكّن، و إذا رفع رأسه فليعتدل، و إذا سجد فليفرّج و ليتمكّن، فإذا رفع رأسه فليعتدل، و إذا سجد فليفرّج، و إذا رفع رأسه فليلبث حتى يسكن» «4».

و الاستدلال له بتوقف

الذكر الواجب فيه عليه، و بحسنة زرارة: «بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم جالس في المسجد إذ دخل رجل، فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه و سجوده، فقال عليه السلام: نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» «5».

فاسد، لمنع التّوقّف، لجواز الانحناء زائدا على أقلّ الواجب و الذكر في أثنائه.

و عدم دلالة الرواية، لإمكان كون عدم الإتمام بعدم الانحناء بالقدر

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 198، التذكرة 1: 118، المنتهى 1: 282، جامع المقاصد 2:

284.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 558، المعتبر 2: 194، الخلاف 1: 348.

(3) الذكرى: 196- 197.

(4) قرب الإسناد: 36- 118 بتفاوت يسير.

(5) الكافي 3: 268 الصلاة ب 2 ح 6، التهذيب 2: 239- 948، المحاسن: 79- 5، الوسائل 6:

298 أبواب الركوع ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 200

الواجب، أو عدم إتمام الذكر في الركوع و السجود، أو عدم الانتصاب بعدهما.

و أمّا التشبيه بالنّقر الظاهر في عدم الإتيان بالطمأنينة، فيحتمل أن يكون في السجود خاصّة، بل هو الظاهر فتفيد في إثبات الطمأنينة فيه.

و يجب كونها بقدر الذكر الواجب عند جماعة كالحلّي و الفاضلين و الشهيد «1»، بل ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه «2»، و قيل: إنّه ممّا لا خلاف فيه «3».

فإن ثبت فهو، و إلّا فلا دليل عليه، لعدم تمامية ما استدلّوا به له من توقّف الذكر الواجب في الركوع عليه، و الأخبار المصرّحة بأنّ من نقص الذكر في الركوع لم يتمّ صلاته «4»، لما مرّ. و لذا لم يذكره جماعة منهم الناصريّات و النهاية و الجمل و المبسوط و الخلاف، و أمر الاحتياط واضح.

و من لم يتمكّن من الطمأنينة سقطت عنه

بلا خلاف.

و هل تجب عليه مجاوزة أقلّ الواجب من الانحناء لو تمكّن منها ليوقع الواجب من الذكر حال الركوع؟.

قيل: لا «5»، للأصل. و قيل: نعم «6»، لتوقف الذّكر في حال الركوع عليه.

و هو كذلك لو أرادوا من أقلّ الواجب من الانحناء أقلّه فيما يصدق الركوع لغة، و لو أريد ما تصل معه اليد الركبة ففيه تأمّل، لأنّ الثابت هو وجوب الذكر حال الركوع، إلّا أن يدّعى الحقيقة الشرعيّة فيه فيما تصل اليد الركبة، فتأمّل.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 224، المحقق في الشرائع 1: 85، العلامة في القواعد 1: 34، الشهيد في الدروس 1: 177.

(2) المعتبر 2: 194، المنتهى 1: 282.

(3) كما في الذخيرة: 283.

(4) الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4.

(5) كما في الذكرى: 197.

(6) كما في المدارك 3: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 201

المسألة الثالثة: يجب رفع الرأس منه و الانتصاب و الطمأنينة فيه بمسمّاها

إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «1»، له، و للأخبار:

منها: صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، و فيها بعد ركوع النبي في الصلاة ليلة المعراج: «ثمَّ أوحى إليه أن ارفع رأسك يا محمّد- صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم-» «2».

و منها: رواية أبي بصير: «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «3».

و إقامة الصّلب لا تتحقّق بدون الثلاثة.

و روايته الأخرى: «و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى يرجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك» «4».

و الرضوي: «و إذا رفعت رأسك من الركوع فانصب قائما حتى يرجع مفاصلك كلّها إلى المكان، ثمَّ اسجد» «5».

و على هذا فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل الانتصاب أو الطمأنينة.

نعم لو كان له عذر مانع من أحدهما سقط، لأنّ اللَّه أولى بالعذر،

كما ورد في الأخبار «6». و كذا لو تركه ناسيا حتى يخرج من محلّه، لأنّهما ليسا بركن. و عن الخلاف الركنيّة مدّعيا عليه الإجماع «7». و هو شاذّ، و سيأتي الكلام فيه.

______________________________

(1) انظر: الخلاف 1: 351، و المعتبر 2: 197، و المدارك 3: 389، و المفاتيح 1: 139.

(2) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 6: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(3) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 6، التهذيب 2: 78- 290، الوسائل 6: 321 أبواب الركوع ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 2: 325- 1332، الوسائل 6: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.

(5) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(6) انظر: الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.

(7) الخلاف 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 202

و لا فرق في وجوب الرفع و الطمأنينة معه بين الفريضة و النافلة على ظاهر الإجماع، و إن كان الوجوب في الثانية شرطيّا، بل شرعيّا على القول بعدم جواز إبطال النافلة.

لقوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «1».

نفى حقيقة الصلاة كما هو مقتضى حقيقة هذا التركيب. و لا ينافيه كون الصلاة حقيقة في الأعمّ، لأنّه إنّما هو فيما لم يكن نصّ من واضع اللفظ على انتفاء الحقيقة في فرد.

خلافا للمحكي عن الفاضل في النهاية، فقال: لو ترك الاعتدال في الركوع أو السجود في صلاة التنفّل عمدا لم تبطل صلاته، لأنّه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل «2».

و هو شاذّ، و استدلاله عجيب.

و لو افتقر الراكع في الانتصاب إلى الاعتماد وجب، لوجوب مقدّمة الواجب. و

كذا للرفع. بل الظاهر جواز الاعتماد له بلا عذر أيضا، للأصل. بل و كذا حال الانتصاب، لما مرّ في القيام «3».

المسألة الرابعة: يجب فيه الذكر إجماعا محقّقا،
اشاره

و محكيّا في الانتصار و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد و المدارك «4»، و غيرها «5»، له، و للمستفيضة من الأخبار «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 6، التهذيب 2: 78- 290، الوسائل 6: 321 أبواب الركوع ب 16 ح 2.

(2) نهاية الإحكام 1: 483.

(3) راجع ص 55- 59.

(4) الانتصار: 45، المنتهى 1: 282، التذكرة 1: 119، جامع المقاصد 2: 285، المدارك 3:

389.

(5) كالمفاتيح 1: 139.

(6) انظر: الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 203

و الحقّ كفاية مطلقه فيه، وفاقا للجمل [1]، و المبسوط و السرائر و المنتهى و التذكرة و الإيضاح و شرح القواعد و المدارك «1»، و الشهيد الثاني «2»، و والدي العلّامة رحمه اللَّه، بل لعله الأشهر بين المتأخرين، و في السرائر نفي الخلاف فيه «3».

للأصل، و لصحيحتي الهشامين و حسنة أحدهما.

الأوليان: يجزئ عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلّا اللَّه و الحمد للَّه و اللَّه أكبر؟ فقال: «نعم كلّ هذا ذكر اللَّه» «4».

و الثالثة: «ما من كلمة أخفّ منها على اللسان من سبحان اللَّه» قال، قلت: يجزئني في الركوع و السجود أن أقول مكان التسبيح: لا إله إلّا اللَّه و الحمد للَّه و اللَّه أكبر؟ قال: «نعم كلّ ذا ذكر اللَّه» الحديث «5».

و تخصيصها بالأذكار الأربعة بعد تعميم التعليل بقوله: «كلّ ذا ذكر اللَّه» غير ضائر. و تخصيص الإجزاء بحال الضرورة مع إطلاق الرواية لا وجه له.

و يؤيّده ما في حسنتي مسمع من إجزاء ثلاث تسبيحات

أو قدرهنّ مترسّلا في الركوع و السّجود «6». و جعلهما مؤيّدتين لما فيهما من الإجمال، إذ لا يتعيّن قدرهنّ

______________________________

[1] نسب ذلك إلى جمل الشيخ في المنتهى 1: 282، و لكن الموجود فيه و كذا في جمل السيّد التسبيح في الركوع، انظر: الرسائل العشر: 180، و جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

32.

______________________________

(1) المبسوط 1: 111، السرائر 1: 224، المنتهى 1: 282، التذكرة 1: 119، إيضاح الفوائد 1:

112، جامع المقاصد 2: 286، المدارك 3: 392.

(2) المسالك 1: 31.

(3) السرائر 1: 224.

(4) الأولى: الكافي 3: 321 الصلاة ب 24 ح 8، التهذيب 2: 302- 1218، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 2.

الثانية: التهذيب 2: 302- 1217، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 2.

(5) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 5، مستطرفات السرائر: 96- 12، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 1.

(6) الاولى: التهذيب 2: 77- 286، مستطرفات السرائر: 95- 10، الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5 ح 1.

الثانية: التهذيب 2: 79- 297، الاستبصار 1: 323- 1208، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 204

من مطلق الذكر، مع أنّ مطلق الذكر أعمّ من قدرهنّ، إذ قد يكون أقلّ منهنّ [1].

خلافا للسيد و ابني بابويه و المفيد و العماني و الإسكافي «1»، و التهذيب و الخلاف «2»، و النهاية [2]، و الجامع «3»، و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن حمزة «4»، و النافع و الشرائع و الدروس «5»، فأوجبوا التسبيح خاصّة، و عن الذكرى أنّه قول المعظم «6»، بل في الانتصار و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «7»، و

الظاهر- كما قيل «8»- أنّه المشهور بين القدماء و إن اختلفوا في كيفيّته.

فمنهم من اكتفى بمطلق التّسبيح و لو واحدة صغرى، و مرجعه إلى التخيير بين جميع صور التّسبيح، و هو ظاهر الأوّل.

أمّا تعيينه، فلعلّه لأصل الاشتغال.

و رواية الحضرمي: «تدري أيّ شي ء حدّ الركوع و السجود؟» قلت: لا،

______________________________

[1] في الأقلّ خلاف منه رحمه اللَّه تعالى.

[2] النهاية: 81. اعلم أنّ الشيخ في النهاية قال أوّلا: و التسبيح في الركوع فريضة إلى أن قال: و لو قال بدلا من التسبيح: لا إله إلا اللَّه و اللَّه أكبر، كان جائزا. و هو و إن خصّ ببدليّة الذكرين إلّا أنّ الظاهر أنّ مراده مطلق الذكر، للإجماع المركّب، و التصريح بالبدليّة لا ينافي جواز مطلق الذكر. منه رحمه اللَّه تعالى.

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 45، الصدوق في المقنع: 28، و الهداية: 32، المفيد في المقنعة: 105، و حكاه عن العماني في المعتبر 2: 195، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 95.

(2) التهذيب 2: 81، الخلاف 1: 348.

(3) الجامع للشرائع: 82.

(4) الحلبي في الكافي: 142، القاضي في المهذب 1: 97، الديلمي في المراسم: 69، ابن حمزة في الوسيلة: 93.

(5) المختصر النافع: 32، الشرائع 1: 85، الدروس 1: 177.

(6) الذكرى: 197.

(7) الانتصار: 45، الخلاف 1: 349، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(8) انظر: الحدائق 8: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 205

قال: «تسبح في الركوع ثلاث مرّات: سبحان ربّي العظيم و بحمده، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده، ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبّح فلا صلاة له» «1».

حيث نفى حقيقة الصّلاة لمن لم يسبّح.

و الروايات المصرّحة بإجزاء التسبيح الظاهر

في عدم إجزاء غيره «2».

و رواية هشام الآتية المصرّحة بكون التسبيحة فريضة «3».

و أمّا كفاية مطلقه و التخيير بين أفراده، فلعلّه لأصل البراءة، و الجمع بين الأخبار المتضمّنة للتسبيحة الكبرى و الصغرى «4»، و صحيحتي ابن يقطين إحداهما: عن الركوع و السجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال: «ثلاثة، و تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» «5».

و الأخرى: عن الرجل يسجد، كم يجزئه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟

فقال: «ثلاث، و تجزئه واحدة» «6».

و لا كلام لنا معه في الجزء الثاني، أي كفاية مطلق التسبيح.

و أمّا الأوّل، فنجيب عن الأصل: بحصول اليقين بالبراءة بمطلق الذكر بمقتضى ما تقدّم من الأخبار الصحيحة.

______________________________

(1) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 1، التهذيب 2: 157- 615، الاستبصار 1: 324- 1213، الوسائل 6: 301 أبواب الركوع ب 4 ح 7.

(2) انظر: الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5.

(3) انظر: ص 208.

(4) انظر: الوسائل 6: 299، 302 أبواب الركوع ب 4 ح 5.

(5) التهذيب 2: 76- 284، الاستبصار 1: 323- 1206، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب 4 ح 3.

(6) التهذيب 2: 76- 285، الاستبصار 1: 323- 1207، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 206

و أمّا عن رواية الحضرمي: بكونها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، لدلالتها على أنّه لا صلاة لمن لم يسبّح سواء ذكر ذكرا آخر أم لا، و دلالة ما مرّ على صحّة صلاة الذاكر.

و لو جعل التعارض بالعموم من وجه باعتبار شمول الذكر للتسبيح أيضا، تعيّن تخصيص قوله «من لم يسبّح» بغير الذاكر، لعدم إمكان تخصيص الذاكر بالمسبّح، لوقوع السؤال عن غير المسبّح. مضافا إلى ترجيح ما مرّ

بالصحّة و الأكثريّة و الأصرحيّة.

بل ظاهر سوق الرواية نفي الفضيلة، لمقابلة عدم التسبيح مع نقص الواحدة و الثنتين و انتفاء [1] كلّ الصلاة بانتفاء ثلثها و ثلثيها مع أنّهما في الفضيلة قطعا، فإنّ المراد نقص ثلث الكمال و ثلثيه، فالمراد بعدم الصلاة أيضا انتفاء تمام الكمال و بقاء ماهيّة الصلاة، فتأمّل.

و عن الروايات: بأنّ إجزاء التسبيح الواحد أعمّ من الأمر به، و لا ينافي إجزاء غيره أيضا، نعم لا يحكم به مع عدم دليل، للأصل، و معه لا أثر للأصل.

و الحكم بلزومه و ظهوره في عدم إجزاء غيره ممنوع جدّا، سيّما مع ورود الإجزاء غالبا في السؤال.

و أمّا عن رواية هشام: فبأنّ الأصل في الأمر و لفظ الواجب و إن كان المعيّن و كان في المخيّر مجازا، إلّا أنّه يجب الحمل عليه مع القرينة، و ما ذكرنا من الأخبار قرينة عليه.

مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله: «من ذلك» التسبيحة الكبرى، و كونها واجبة معيّنة قول شاذّ تردّه الأخبار، فلا محيص فيه عن التجوّز إمّا بالحمل على المخيّر أو الندب، و لا أقلّ من احتمال إرادة الكبرى فلا يتمّ الاستدلال.

و منهم من عيّن ثلاث تسبيحات، أو التهليل أو التكبير أو الصلاة على النبي، بدلا عن التسبيحات، فجعل الأولى أصلا و أحد الثلاثة الأخيرة رخصه،

______________________________

[1] اي: و لمقابلة انتفاء كلّ الصلاة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 207

و هو أحد الثانيين «1».

و لعلّه استند في أصالة التسبيحة و تعيينها ابتداء: بأخبارها مع حمل المطلق من التسبيح على المقيّد بالثلاث. و في بدليّة غيرها: بالجمع بينها و بين غيرها. و في التخصيص بالثلاثة: بالأمر بها في بعض الأخبار المتقدّمة مع التعبير فيه بالإجزاء، الظاهر في

البدليّة ممّا ذكر بما ذكرنا من أخبار مطلق الذكر.

و يضعّف: بأنّ الجمع لا يختصّ بذلك، بل يمكن بالتخصيص و الأفضلية و بيان بعض الأفراد و نحوها. مع أنّه لا تظهر لذلك فائدة إلّا كون الأصل أفضل، و أفضلية التسبيح مسلّمة مطلقا.

مضافا إلى أنّ تخصيص البدل مدفوع بما ذكرنا من عموم التعليل، و لو قطع النظر عنه فاللازم الاقتصار على التهليل و التكبير، لأنّهما المذكوران في الأخبار «2»، إلّا أن يكون لاستخراج الصلاة من رواية أخرى كما يأتي «3»، و لا بأس به.

و لذا اكتفى في النهاية و الجامع في البدل بهما «4»، و لكنه جعل ثلاث تسبيحات بدلا أيضا، و جعل الأصل تسبيحة واحدة كبرى، و هو أيضا قول آخر في المسألة، و مستنده و جوابه واضح ممّا مرّ، مضافا إلى أنّ المذكور في الأخبار المذكورة التحميد أيضا.

و منهم من أوجب تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات من غير ذكر تجويزه غيرها مع الضرورة، كما هو المنقول عن ظاهر التهذيب «5»، و ابني بابويه [1]، أو مع

______________________________

[1] قد نسب هذا القول إلى ابني بابويه في المدارك 3: 391، و الظاهر من الهداية ص 32 و الفقيه 1 ص 205 التخيير بين ثلاث كبريات و ثلاث صغريات و إجزاء واحدة للمريض و المستعجل. فراجع.

______________________________

(1) الصدوق في الأمالي: 512، و مراده من الثانيين ابنا بابويه، راجع ص 204.

(2) انظر: الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7.

(3) انظر: ص 225.

(4) النهاية: 81، الجامع للشرائع: 83.

(5) التهذيب 2: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 208

التصريح بتجويز واحدة صغرى مع الضرورة كما في الشرائع و النافع و الدروس «1»، بل في المنتهى: الإجماع عليه «2»، و على هذا فعليه يحمل

إطلاق عبارات الأوّلين.

أو تجويز مطلق الذكر معها كما في اللمعة «3».

و مستندهم أمّا في كفاية التسبيحة الواحدة الكبرى فرواية هشام: عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال: «يقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنّة ثلاث، و الفضل في سبع» «4».

و المروي في العلل، و فيها بعد ذكر أنّ النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ركع في ليلة الإسراء لما رأى من عظمة اللَّه و قال: سبحان ربّي العظيم و بحمده، و سجد و قال: سبحان ربّي الأعلى و بحمده: «فلذلك جرت به السنّة» «5».

و رواية عقبة بن عامر: لمّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 56: 74 «6» قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «اجعلوها في ركوعكم» فلمّا نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «7» قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «اجعلوها في سجودكم» «8».

و أمّا في كفاية الثلاثة من الصغرى، فموثّقة سماعة و فيها: «أمّا ما يجزيك

______________________________

(1) الشرائع 1: 85، المختصر النافع: 32، الدروس 1: 177.

(2) المنتهى 1: 283.

(3) اللمعة (الروضة 1): 270.

(4) التهذيب 2: 76- 282، الاستبصار 1: 322- 1204، الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 ح 1.

(5) علل الشرائع: 332- 4، الوسائل 6: 328 أبواب الركوع ب 21 ح 2.

(6) الواقعة: 74.

(7) الأعلى: 1.

(8) التهذيب 2: 313- 1273، علل الشرائع: 333- 6، الوسائل 6: 327 أبواب الركوع ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 209

من الركوع فثلاث تسبيحات تقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، ثلاثا» «1».

و صحيحة ابن عمّار: أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: «ثلاث

تسبيحات مترسّلا، تقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه» «2».

و رواية أبي بصير: عن أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع و السجود، فقال: «ثلاث تسبيحات» «3».

فإنّ التسبيح صادق على الصغرى قطعا.

و أمّا في التخيير بينهما: فحسنة مسمع: «يجزئك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا» «4».

و الأخرى: «لا تجزئ الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» «5».

فإنّ الواحدة الكبرى بقدر ثلاث صغرى قطعا.

و صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في الركوع و السجود؟ فقال: «ثلاث تسبيحات في ترسّل، و واحدة تامّة تجزئ» «6».

و الظاهر أنّ المراد بالواحدة التامّة التسبيحة الكبرى، و بالثلاث

______________________________

(1) التهذيب 2: 77- 287، الاستبصار 1: 324- 1211، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 2: 77- 288، الاستبصار 1: 324- 1212، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 2.

(3) التهذيب 2: 80- 299، الاستبصار 1: 323- 1210، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 6.

(4) التهذيب 2: 77- 286، مستطرفات السرائر: 95- 10، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 1.

(5) التهذيب 2: 79- 297، الاستبصار 1: 323- 1208، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 4.

(6) التهذيب 2: 76- 283، الاستبصار 1: 323- 1205 و فيه: في ترسل واحد و واحدة، الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 210

الصغريات، و جعل كلّ منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة.

و بهذه الأخبار يرتفع الإجمال عمّا تضمّنت الثلاث تسبيحات و واحدة مطلقا، كصحيحتي ابن يقطين المتقدّمتين «1» بحمل الثلاث على الصغريات، و الواحدة على الكبرى، لأنّ المجمل يحمل على

المفصّل.

و لعلّ المصرّح بتجويز الصغرى الواحدة عند الضرورة يحمل التسبيح على مطلقه الصادق على الصغرى أيضا، و يخصّص إجزاء الواحدة بحال الضرورة، بشهادة المرسل المروي في الهداية: «سبّح في ركوعك ثلاثا، تقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاث مرّات، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات، لأنّ اللَّه عزّ و جل لما أنزل على نبيّه فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 56: 96 قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: اجعلوها في ركوعكم، فلمّا أنزل اللَّه سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: اجعلوها في سجودكم، فإن قلت: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه أجزأك، و التسبيحة الواحدة تجزي للمعتل و المريض و المستعجل» «2».

كما أنّ المخصّص لتجويز مطلق الذكر بها يحمل أخباره عليها.

و أمّا في تعيين أحدهما و عدم كفاية غيره للمختار، فما مرّ دليلا لوجوب مطلق التسبيح، و بحمله على المقيّد.

و الأمر بالكبرى في الكتاب العزيز حيث أمر بالتسبيح باسم ربّك العظيم، و باسم ربك الأعلى، و لا وجوب في غير الصلاة إجماعا.

و في صحيحة ابن أذينة الطويلة في صفة صلاة النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ليلة المعراج: «فأوحى إليه و هو راكع قل: سبحان ربّي العظيم، تفعل ذلك ثلاثا» «3».

______________________________

(1) في ص 205.

(2) الهداية: 32، مستدرك الوسائل 4: 424 أبواب الركوع ب 4 ح 4.

(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 211

و في روايتي هشام و عقبة.

و الأمر بالتسبيح كذلك في مرسلة الهداية، و في صحيحة زرارة و فيها: «ثمَّ اركع و قل: اللهمّ لك ركعت

و لك أسلمت- إلى أن قال-: سبحان ربّي العظيم و بحمده، ثلاث مرّات» «1».

و في الرضوي: «و قل في ركوعك بعد التكبير: اللهم لك ركعت» إلى أن قال: «سبحان ربّي العظيم و بحمده» ثمَّ ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن قال: «سبحان ربي الأعلى و بحمده» «2».

و التصريح في الصغريات بأنّها أخفّ ما يكون، أو أدنى ما يجزئ، في صحيحه ابن عمّار، و رواية أبي بصير المتقدّمتين «3».

و لا كلام لنا معهم في كفاية أحد التسبيحين، و لا في التخيير بينهما، و لا في كفاية الواحدة الصغرى أو مطلق الذكر عند الضرورة.

و نجيب عن دليلهم على التعيين: أمّا عمّا مرّ دليلا لوجوب مطلق التسبيح، فبما مرّ.

و أمّا عن الأمر بالكبرى في الآية، فبمنع أنّ المراد أنّه قل هذا اللفظ، بل المراد نفس التنزيه و هو واجب في كلّ حال، و قول بعض المفسّرين ليس بحجة «4».

و أمّا عن صحيحة ابن أذينة، فبأنّ الأمر و إن كان حقيقة في الوجوب إلّا أنّه ليس باقيا على حقيقته هنا قطعا، لجواز غير الكبرى أيضا بصريح الأخبار و قول المعظم من الفقهاء. و الحمل على الوجوب التخييري غير متعيّن، إذ هو أيضا مجاز كالندب، بل هو أرجح، لشيوعه. غاية الأمر تكافؤ الاحتمالين، فتبقى أخبار

______________________________

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 106، مستدرك الوسائل 4: 423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.

(3) في ص 209.

(4) انظر: مجمع البيان 5: 228، و الدرّ المنثور للسيوطي 6: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 212

مطلق الذكر خالية عن المعارض اليقيني. و حمل المطلق

على الرخصة، و المقيّد على الأصالة غير مفيد، لأنّ المقصود في المطلق الكفاية، من باب الرخصة كانت أو الأصالة.

و منه يظهر الجواب عن رواية عقبة.

و أمّا عن الأمر بها في رواية هشام، فبأنّه ليس أمرا. و أمّا قوله: «الفريضة من ذلك ..» فإن حمل على الكبرى فهي ليست بفرض حقيقي عنده و مجازه متعدّد، و إن حمل على المطلق فمع كونه خلاف الظاهر هو لا يقول به.

و أمّا عن صحيحة ابن عمّار، و رواية أبي بصير، فبعدم دلالتهما على الوجوب، لاحتمال كون ما ذكر أخفّ ما يكون في مرتبة الاستحباب، و أدنى ما يجزئ عن الأمر الندبي.

و يؤيّده منع كونهما أخفّ و أدنى من تسبيحة كبيرة سيّما إذا لم يكن معها:

و بحمده، كما في كثير من الأخبار «1»، فيتعيّن الحمل على الخفّة و الدنو في الرجحان.

على أنّ مدلولهما أنّ الثلاث أخفّ ما يكون من التسبيح و أدنى ما يجزئ منه لا من مطلق الذكر، و لا ينافي ذلك جواز مطلق الذكر أصلا.

مضافا إلى أنّه قد مرّ في صحيحة ابن يقطين إجزاء تسبيحة واحدة «2»، و حملها على الكبيرة ليس بأولى من حمل ذلك على الاستحباب. بل قيد الترسّل في الصحيحة قرينة على الندب، لعدم وجوبه قطعا. و مع ذلك إرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين فيها ممكنة.

و أمّا عن مرسلة الهداية، فبالضعف الخالي عن الجابر، بل وجود المضعّف و هو شذوذ القول بوجوب ثلاث كبريات، مضافا إلى معارضتها مع بعض ما مرّ.

و منه يظهر الجواب عن صحيحة زرارة، مع أنّ الأمر فيها ورد أوّلا على

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 و ص 304 ب 6.

(2) راجع ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص:

213

الدعاء الغير الواجب قطعا، فحمله على الندب متعيّن.

و منه يظهر الجواب عن الرضوي.

و منهم من أوجب ثلاث كبريات أو مثلها صغريات مخيّرا بينهما، مع أفضلية الكبرى، و هو ظاهر كلام الحلبي «1»، و نقل عنه في المختلف قولا آخر «2».

و منهم من أوجب ثلاث كبريات خاصّة، حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا «3».

و دليلهما يظهر ممّا مرّ كجوابهما، مع أنّه يكفي في ردّهما شذوذهما الموجب لدخولهما في خلاف المجمع عليه.

فروع:

أ:

هل يقدّر مطلق الذكر- على القول بكفايته- بقدر أم لا؟.

قيل: ظاهر كلام الصدوق أنّه يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى [1]، و اختاره بعض مشايخنا المعاصرين «4»، لظاهر حسنتي مسمع المتقدمتين «5».

و يردّ بأنّهما معارضتان مع صحيحتي ابن يقطين «6». و حملهما على الكبيرة ليس بأولى من حمل الحسنتين على إجزاء الأمر الندبي سيّما مع قرينة قوله مترسّلا في

______________________________

[1] قال في الأمالي ص 512: و القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات، إلى أن قال: و من لم يسبح في ركوعه و سجوده فلا صلاة له إلّا أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلّى اللَّه عليه و آله بعدد التسبيح ..

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 142.

(2) المختلف: 96.

(3) التذكرة 1: 119.

(4) الرياض 1: 167.

(5) في ص 203- 204.

(6) راجع ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 214

إحداهما، فإنّه ليس بواجب قطعا. مع أنّه ليس في إحداهما تصريح بالركوع، فإرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين ممكنة. مضافا إلى أنّ نفس الإجزاء و عدمه لا يتعيّن كونهما للأمر الوجوبي كما مرّ مرارا.

فالقول الثاني- كما هو ظاهر أكثر الفتاوى- أقوى.

ب:

لا شك في أنّه على القول بكفاية مطلق الذكر لا يجب ضمّ قوله: و بحمده مع التسبيحة

الكبرى. و أمّا على القول بوجوبها معيّنا أو مخيّرا فهل يجب أم لا؟.

صريح المحقق الثاني: نعم «1»، للأمر به في مرسلة الهداية، و صحيحة زرارة، و الرضوي «2»، و رواية حمّاد الطويلة المتضمنة لصلاته عليه السلام، و قوله في الآخر: هكذا صلّ «3»، و التصريح بجريان السنّة به في رواية العلل «4».

و لا ينافيه خلوّ بعض الأخبار عنه، لعدم وجوب ذكر كلّ واجب في كلّ خبر. مع أنّه يمكن أن يراد من «سبحان ربّي العظيم» ما تضمن قوله «و بحمده» كما يراد من بسم اللَّه «بسم اللَّه الرحمن الرحيم».

و صريح بعض آخر: لا «5». و هو الأقوى، للأصل، و عدم تمامية شي ء ممّا ذكر.

أمّا المرسلة، فلضعفها و خلوّها عن الدال على الوجوب.

و أمّا الصحيحة و الرضوي، فلعدم كون الأمر فيهما للوجوب قطعا كما مر.

و كذا رواية حمّاد، لاشتمالها على كثير من المستحبّات.

و أمّا رواية العلل، فلأنّ السنّة أعمّ من الواجب.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 287.

(2) راجع ص 209 و 210 و 211.

(3) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(4) راجع ص 208.

(5) كما في المدارك 3: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 215

نعم يستحبّ ضمّه معه على جميع الأقوال قطعا، و وجهه ظاهر.

ج:

لا يختصّ وجوب الذكر في الركوع و السجود بالفريضة، بل يجب في النافلة شرطا أيضا، بل شرعا على المختار من تحريم إبطال النافلة.

و الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب، و هو الحجة فيه، مضافا إلى قوله في رواية الحضرمي المتقدمة: «و من لم يسبّح فلا صلاة له» «1» خرج من خرج

عنه بالدليل أي الذاكر مطلقا، فيبقى الباقي. و كون نقص الثّلث أو الثّلثين نقصا في الكمال بدليل من خارج، لا يوجب حمل انتفاء الصلاة- الذي هو حقيقة في نفي حقيقتها- عليه أيضا.

د:

يجب أن يكون الذكر حال الركوع إجماعا، فتوى و نصا.

و هل يجب كونه حال الطمأنينة؟ لا دليل عليه، و الأصل ينفيه.

بل لو نوقش في وجوب كونه بعد وصول اليد إلى الركبتين و قيل بإجزاء وقوعه بعد الوصول إلى حدّ الركوع اللغوي، لم يكن بذلك البعد. و أمر الاحتياط واضح.

المقام الثاني في مستحبّاته و مكروهاته
أمّا المستحبّات فأمور:

منها:

أن يكبّر له، على المشهور، و عليه أكثر أهل العلم كما في المنتهى «2»،

______________________________

(1) راجع ص 204.

(2) المنتهى 1: 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 216

و في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و في الحدائق: إنّ عليه اتّفاق غير أبي عقيل من الأصحاب قديما و حديثا «2»، بل هو الظاهر من المذهب كما عن المبسوط «3»، بل إجماعي كما عن الذكرى «4».

أمّا رجحانه فبالإجماع، و الأمر به في الأخبار كصحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللَّه أكبر، ثمَّ اركع» «5».

و الأخرى: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر، ثمَّ اركع و اسجد» «6».

و أمّا عدم وجوبه، فللأصل الخالي عن معارضة ما دلّ على الوجوب ظاهرا، لشذوذه المخرج له عن الحجيّة لو ابقي على ظاهره و حقيقته، مع أنّ القرينة الصارفة عنها موجودة، و هي رواية أبي بصير: عن أدنى ما يجزئ من التكبيرة في الصلاة، قال: «تكبيرة واحدة» «7».

و المروي في علل الفضل: «إنّ التكبير المفروض في الصلاة ليس إلّا واحدة» «8» و ضعفه- لو كان- بما مرّ مجبور.

و الحمل على تكبيرات الافتتاح- كما قيل

«9»- بلا حامل، و جعل الأمر بتكبيرة الركوع حاملا له ليس أولى ممّا قلنا، فيتعارض الاحتمالان و يرجع إلى

______________________________

(1) المدارك 3: 394.

(2) الحدائق 8: 256.

(3) المبسوط 1: 110.

(4) الذكرى: 198.

(5) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(6) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 3، التهذيب 2: 297- 1197، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 1.

(7) التهذيب 2: 66- 238، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 5.

(8) علل الشرائع: 251.

(9) انظر: الحدائق 8: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 217

الأصل.

مع أنّه على القول بجواز قطع النافلة لو ابقي الأمر على ظاهره لزم التخصيص بغير النافلة، و هو ليس بأولى من حمل الأمر على مطلق المطلوبية.

فالقول بالوجوب، كما عن العماني و الديلمي «1»، و يميل إليه كلام المدارك و الحدائق «2»، و لا يبعد كونه مذهب السيّد أيضا، حيث إنّه صرّح في الانتصار بوجوب رفع اليدين لغير تكبيرة الافتتاح من تكبيرات الصلاة أيضا «3»، و إيجاب رفع اليد للتكبير دون التكبير نفسه حتى يكون الوجوب تعليقيّا بعيد، للأمر به فيما مرّ، باطل.

و الاحتجاج بالرضوي: «و إنّ لها- أي للصلاة- أربعة آلاف حدّ، و إنّ فروضها عشرة: ثلاثة منها كبار و هي: تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود، و سبعة منها صغار و هي: القراءة و تكبيرة الركوع و تكبيرة السجود و تسبيح الركوع و تسبيح السجود و القنوت و التشهد» «4».

بضعفة الخالي عن الجابر مردود، مع إمكان حمل الفرض على شدّة الرجحان بقرينة ما مرّ.

و يستحب أن يكون التكبير حال القيام قبل الهويّ، لقوله في الصحيحة

الأولى: «فقل و أنت منتصب» و في صحيحة حمّاد المتضمّنة لصلاة الصادق عليه السّلام: ثمَّ رفع يديه حيال وجهه فقال: «اللَّه أكبر» و هو قائم، ثمَّ ركع «5».

و هل يشترط فيه القيام حتى لو كبّر حين الهوي لم يأت بالمستحب؟

الظاهر: لا، وفاقا للخلاف و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد و الشرائع

______________________________

(1) حكاه عن العماني في الذكرى: 198، الديلمي في المراسم: 71.

(2) المدارك 3: 394، الحدائق 8: 258.

(3) الانتصار: 44.

(4) فقه الرضا (ع): 110 بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 4: 427 أبواب الركوع ب 8 ح 1.

(5) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و ص 461 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 218

و المدارك «1»، و الأردبيلي «2».

فهو مستحب في المستحب لا أنّ مجموع التكبير قائما مستحب واحد، لإطلاقات الأمر بالتكبير قبل الركوع، و أصالة عدم تقييده بحال.

و أمّا الصحيحتان فلا تفيدان أزيد من استحباب كونه في الانتصاب، و هو مسلّم، و أمّا الاشتراط و عدم الاستحباب بعده لو ترك فيه فلا، و لا يحمل المطلق على المقيّد في مقام الاستحباب، و لو حمل لا يفيد الاشتراط.

نعم، يشترط كونه قبل الركوع، للإجماع. فلو كبّر بعد الوصول حدّ الركوع أو ذكر جزءا منه فيه لم يأت بالمستحب.

و لكن الثابت من الإجماع وجوب كونه قبل وصول اليد إلى الركبتين دون الركوع اللغوي، فلو كبّر قبل هذا الحدّ أتى بالمستحب و إن صدق عليه الراكع لغة.

و أمّا التصريح في أكثر الأخبار «3» بقوله: «ثمَّ اركع» الصريح في كونه قبل الركوع الصادق على الركوع اللغوي، فلا يضرّ بعد

إطلاق صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: «أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و تكبّر و تركع» «4».

و منها:

رفع اليدين بالتكبير، و هو راجح اتّفاقا فتوى و نصّا.

و لا يجب على الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير السيّد، للإجماع الغير القادح فيه خلاف النادر، و للأصل السالم عن المعارض التام.

و قد يستدلّ بعدم ذكره في بعض الأخبار. و فيه نظر.

______________________________

(1) الخلاف 1: 347، المنتهى 1: 284، التذكرة 1: 119، جامع المقاصد 2: 291، الشرائع 1: 85، المدارك 3: 395.

(2) مجمع الفائدة 2: 257.

(3) انظر: الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 و ص 296 ب 2.

(4) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 2، التهذيب 2: 98- 367، الاستبصار 1: 321- 1198 الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 219

احتجّ السيّد «1»: بالإجماع، و هو ليس بحجّة علينا. و الأمر، و هو للاستحباب، و لولاه لخرج المتضمّن له عن الحجيّة بالشذوذ.

و هل يختصّ استحبابه بكونه للتكبير أو لا: بل يستحبّ و لو لم يكبّر أيضا؟.

ظاهر جماعة: الثاني [1]، و هو الحق، لإطلاق الحكم باستحبابه في إحدى صحيحتي زرارة، و صحيحة ابن مسكان: في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال: «هي العبودية» «2».

و الحكم باستحبابه مع التكبير في بعض الأخبار لا يوجب التقييد، فهنا ثلاثة أمور مستحبّة: التكبيرة، و رفع اليدين، و تقارنهما.

ثمَّ الظاهر من الأصحاب اتحاد كيفيّة الرفع و قدره في تكبيرة الافتتاح و في غيرها من حالات الرفع، فالأولى كونه كذلك و إن

اختصّ الدليل في البعض بالأولى.

ثمَّ إنّه يظهر من استحباب التكبير قائما و انتهاء الرفع بانتهاء التكبير أنّه ينبغي أن يكون الركوع بعد إرسال اليدين.

و منها:

أن يضع يديه على ركبتيه، مقدّما لوضع اليمنى، مالئا كفّيه منهما، مفرّجات الأصابع، قابضا بها الركبتين، رادّا ركبتيه إلى خلفه، مستويا ظهره بحيث لو صبّت عليه قطرة ماء لم تزل لاستوائه، مادّا عنقه، مستحضرا فيه: آمنت بك و لو ضربت عنقي، أو: آمنت بوحدانيّتك و لو ضربت عنقي، صافّا لقدميه، باعدا بينهما قدر شبر، ناظرا بينهما، مجنّحا يديه، متجافيا بهما، داعيا أمام التسبيح بالآتي، كلّ ذلك للروايات.

ففي صحيحة زرارة: «ثمَّ اركع و قل: اللهم لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكّلت، و أنت ربّي، خشع لك قلبي و سمعي و بصري

______________________________

[1] كالعلامة في التذكرة 1: 119، و صاحب المدارك 3: 396، و صاحب الحدائق 8: 259.

______________________________

(1) الانتصار: 44.

(2) التهذيب 2: 75- 280، الوسائل 6: 297 أبواب الركوع ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 220

و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخّي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي، غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر، سبحان ربّي العظيم و بحمده، ثلاث مرّات في ترتيل، و تصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و [بلّع ] بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، و أقم صلبك، و مدّ عنقك، و ليكن نظرك بين قدميك» [1].

و في صحيحة حمّاد الواردة في التعليم: ثمَّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه منفرجات، و ردّ

ركبتيه إلى خلفه، ثمَّ سوّى ظهره حتى لو صبّت عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، و مدّ عنقه، و غمض عينيه، ثمَّ سبّح ثلاثا بترتيل فقال: «سبحان ربّي العظيم و بحمده» الحديث «1».

و فيها أيضا: و لم يضع شيئا من بدنه على شي ء منه في ركوع و لا سجود، و كان مجنّحا.

و قريبة منها صحيحته الأخرى [2].

و الرضوي: «و إذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك، و تفرّج بين أصابعك و اقبض عليهما».

و فيه أيضا: «فإذا ركعت فمدّ ظهرك و لا تنكس رأسك».

و فيه أيضا: «و ليكن نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك، و في وقت

______________________________

[1] الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ و في الوسائل: بلّغ بالمعجمة، و قال في الحبل المتين ص 213: هو تصحيف. و في التهذيب: تلقم، و ما أثبتناه موافق للكافي.

[2] الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3، و في الجميع: عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة ..

______________________________

(1) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 221

الركوع بين رجليك» «1».

و صحيحة ابن بزيع: رأيت أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، فكان إذا ركع جنّح بيديه «2».

و مرسلة الفقيه: ما معنى مدّ عنقك في الركوع؟ فقال: «تأويله

آمنت باللَّه و لو ضربت عنقي» «3».

و نحوها في العلل إلّا أنّه قال: «آمنت بوحدانيّتك و لو ضربت عنقي» «4».

و إنّما رجّحنا النظر إلى بين القدمين، مع ورود التغميض في صحيحة حمّاد، و فتوى النهاية و الحلّي به «5»، و القول بالتخيير كما هو ظاهر المنتهى «6»، لأكثريّة روايات النظر و أشهريّة الفتوى بها، كما صرّح به جماعة [1]، و اعتضادها بما في رواية مسمع: «إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة» «7».

فيكون النظر موافقا لسنّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و الموافق لها مقدّم على غيره عند التعارض، سيّما مع كون الرضوي المتضمّن للنظر أحدث، و مثله يقدّم. مضافا إلى عدم صراحة فعل الصادق عليه السلام في كونه على وجه الاستحباب، لجواز كونه اتفاقيّا.

______________________________

[1] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 295، و المجلسي في البحار 81: 190، و صاحب الرياض 1: 176.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 102 و 106، مستدرك الوسائل 4: 419 أبواب الركوع ب 1 ح 2 و 435 ب 15 ح 2.

(2) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 5، عيون أخبار الرضا 2: 7- 18، الوسائل 6: 323 أبواب الركوع ب 18 ح 1.

(3) الفقيه 1: 204- 928، الوسائل 6: 325 أبواب الركوع ب 19 ح 2.

(4) علل الشرائع: 320- 1، الوسائل 6: 325 أبواب الركوع ب 19 ح 2.

(5) النهاية: 71، الحلي في السرائر 1: 225.

(6) المنتهى 1: 301.

(7) التهذيب 2: 314- 1280، الوسائل 7: 249 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 222

و منها:

أن يكون ذكره تسبيحا، للخروج من الخلاف، و

الأمر به في كثير من الأخبار.

و أزيد منه في الفضل أن تسبّح ثلاث صغريات أو واحدة كبرى، لما مرّ من الوجهين.

و الظاهر من الأخبار أفضلية الواحدة الكبرى من الثلاث صغريات، لوقوع الأمر بالواحدة في كثير من الروايات، بخلاف الثلاث، فإنّها لم يؤمر بها بخصوصها و إنّما ورد إجزاؤها، مع أنّه ورد أنّه أخفّ ما يكون من التسبيح «1»، و الظاهر كما مرّ الخفّة في الرجحان.

و الأزيد منهما فضلا الكبريان، لقوله في رواية الحضرمي: «و من نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته» «2».

و الأزيد منهما ثلاث كبريات، للأمر بها في كثير من الروايات، و خصوص روايتي هشام و الحضرمي و مرسلة الهداية المتقدمة جميعا «3».

و الأفضل منها السبع، لرواية هشام.

و الأفضل منها التسع، للرضوي، قال بعد الأمر بقول سبحان ربّي العظيم ثلاث مرّات: «و إن شئت خمس مرّات، و إن شئت سبع مرّات، و إن شئت التسع فهو أفضل» «4».

و لا ينافيه قوله في رواية هشام: «و الفضل في سبع» كما هو الظاهر من الخلاف «5»، و الإسكافي «6»، و جماعة [1]، حيث يظهر منهم عدم استحباب الزيادة

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 283، و صاحب المدارك 3: 397.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5.

(2) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 1، التهذيب 2: 157- 615، الاستبصار 1: 324- 1213، الوسائل 6: 301 أبواب الركوع ب 4 ح 7.

(3) راجع ص 204 و 208 و 210.

(4) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.

(5) الخلاف 1: 349.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 223

على السبع و أنّها نهاية الكمال، إذ لا شك في

وجود الفضل في غيرها أيضا، فإمّا يحمل على الفضل الكامل أو الفضل بالنسبة إلى الثلاث، و الكلّ محتمل فلا منافاة، و لعلّ الشيخ و تابعيه حملوه على الأوّل.

و ليس بعض ما ذكر منتهى الفضل كما هو ظاهر جماعة، بل تستحبّ الزيادة على التسع أيضا لو اتّسع لها الصدر بقدر ما يتسع و لا تحصل معه السأمة كما ذكره طائفة [1]، لموثقة سماعة: «و من كان يقوى أن يطوّل الركوع و السجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح اللَّه و تحميده و تمجيده و الدعاء و التضرع، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه و هو ساجد، فأمّا الإمام فإنّه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم، فإنّ في الناس الضعيف و من له الحاجة، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان إذا صلّى بالناس خفّف لهم» «1».

و يؤكّده تسبيح الصادق عليه السلام في الركوع و السجود ستّين تسبيحة كما في صحيحة ابن تغلب «2»، و ثلاثا أو أربعا و ثلاثين في صلاة الجماعة كما في رواية ابن حمران و الصيقل «3»، و في فلاح السائل عن المفضل بن صالح [2]، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يركع فيسيل عرقه من طول الركوع» «4».

و مقتضى الموثّقة استحباب التطويل مع الاستطاعة مطلقا، و لكنّهم قيّدوه

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 202.

[2] في «ه» و «س» و «ح»: الفضل بن صالح.

______________________________

(1) التهذيب 2: 77- 287، الاستبصار 1: 324- 1211، الوسائل 6: 305 أبواب الركوع ب 6 ح 4.

(2) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 2، التهذيب 2: 299- 1205، الوسائل 6: 304 أبواب الركوع ب 6 ح

1.

(3) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 3، التهذيب 2: 300- 1210، الاستبصار 1:

325- 1214، الوسائل 6: 304 أبواب الركوع ب 6 ح 2.

(4) فلاح السائل: 109، مستدرك الوسائل 4: 440 أبواب الركوع ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 224

بما مرّ من اتّساع الصدر، و كأنّه لما يستفاد من الأخبار من مطلوبيّة الرغبة و الميل في المندوبات «1». و لا بأس به، و إن أمكن القول بالاستحباب مطلقا، لإطلاق الموثّقة.

و قد يقال باستحباب تطويل كلّ من الركوع و السجود بقدر القراءة، لصحيحتي ابن وهب و ابن حمزة، الدالّتين على أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يفعل كذلك «2»، و لكن الاولى صريحة و الثانية ظاهرة في الصلوات المندوبة، فالقول به فيها خاصّة جيّد.

و كذا مقتضاها عدم استحباب التطويل للإمام بل كراهته.

و هل هو مخصوص بما إذا لم يعلم من المأمومين حبّ الإطالة؟

قيل: نعم «3»، لظاهر التعليل.

و فيه كلام، لأنّه إنّما هو إذا حمل الناس على المأمومين، و أمّا إذا ابقي على عمومه يكون معناه أنّه لوجود الصنفين في الناس شرّع هذا الحكم لكلّ إمام، فالتعميم أولى. و أمّا تطويل المعصوم كما في رواية الصيقل فلا يعلم أنّه لحبّ المأمومين فلعلّه لعلّة أخرى، أو لمعارضة كثرة ميله مع عدم حبّ المأمومين، أو عدم العلم بحبّهم.

و هل يكره الزائد عن القدر الواجب من الذكر للإمام مع وجود من يضعف عنه، أو ذي الحاجة الطالب للاقتصار؟

مقتضى التعليل ذلك، و إن كان ظاهر بعضهم استحباب الثلاث له مطلقا «4».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 1: 85 أبواب مقدمة العبادات ب 26، و المستدرك 1: 144 أبواب مقدمة العبادات ب 24.

(2) صحيحة ابن

وهب: التهذيب 2: 334- 1377، الوسائل 6: 333 أبواب الركوع ب 26 ح 2.

صحيحة ابن حمزة: التهذيب 2: 123- 468، الوسائل 6: 332 أبواب الركوع ب 26 ح 1.

(3) كما في الروضة 1: 273.

(4) انظر: الذكرى: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 225

ثمَّ استحباب التطويل أعمّ من أن يسبّح في الركوع بالكبرى أو الصغرى أو أتى بمطلق الذكر. و أمّا الأعداد المتقدّمة فاستحبابها مخصوص بالتسبيح، بل الكبرى منه في غير الثلاث، للأصل و الاختصاص.

و منها:

أن يصلّي في ركوعه و سجوده على النبي و آله بعد التسبيح أو قبله.

لا لما في الذكرى من صحيحة ابن سنان: عن الرجل يذكر النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و هو في الصلاة المكتوبة إمّا راكعا و إمّا ساجدا، فيصلّي عليه و هو على تلك الحال؟ فقال: «نعم، إنّ الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كهيئة التكبير و التسبيح» الحديث «1».

لأنّها إنّما تدلّ على الاستحباب من حيث ذكره صلّى اللَّه عليه و آله، و المدّعى استحبابها ابتداء.

أو رواية الحلبي: «كلّما ذكرت اللَّه عزّ و جل و النبي فهو من الصلاة» «2».

لأنّها لا تثبت إلّا الجواز و عدم فساد الصلاة بها.

بل للصحيحة و للرواية، الأولى: أصلّي على النبي و أنا ساجد؟ فقال:

«نعم هو مثل سبحان اللَّه و اللَّه أكبر» «3».

و الأخرى: «من قال في ركوعه و سجوده و قيامه: صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد، كتب اللَّه له مثل الركوع و السجود و القيام» «4».

و مثلها في ثواب الأعمال إلّا أنّ فيه: «اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد» «5».

و الظاهر اختصاص الاستحباب بإحدى العبارتين، و إن جاز غيرهما بل

______________________________

(1) الكافي 3: 322

الصلاة ب 25 ح 5، التهذيب 2: 299- 1206، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 1.

(2) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 6: 327 أبواب الركوع ب 20 ح 4.

(3) التهذيب 2: 314- 1279، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 2.

(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 13، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 3.

(5) ثواب الأعمال: 34، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 226

استحبّ من جهة كونه مطلق الذكر.

و منها:

أن يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع، وفاقا للمحكي عن ابني بابويه و صاحب الفاخر [1]، و الذكرى «1»، و مال إليه شيخنا البهائي و صاحب المدارك «2»، لصحيحة ابن مسكان المتقدّمة «3»، و ابن عمّار: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام يرفع يديه إذا ركع، و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا سجد، و إذا رفع رأسه من السجود، و إذا أراد أن يسجد الثانية «4».

خلافا للعماني و الإسكافي و الفاضلين فنفوه «5»، و ظاهر المعتبر الإجماع عليه «6».

و لا وجه له بعد دلالة الصحيحين.

و في الذكرى: يبتدئ بالرفع حين ابتداء رفع الرأس و ينتهي بانتهائه «7».

انتهى. و لا بأس به.

و هل يكبّر مع ذلك الرفع أم لا؟

ظاهر الأصحاب: الثاني، للأصل، و روايات حصر التكبيرات في خمس و تسعين «8».

و قال بعض المتأخّرين من الأخباريين بالأوّل [2]، استنادا إلى التلازم بينه

______________________________

[1] الصدوق في الفقيه 1: 205، و نقله عن والده و عن صاحب الفاخر في الذكرى: 199.

[2] حكاه في الحدائق 8: 260 عن السيد نعمة اللَّه الجزائري و الشيخ

عبد اللَّه البحراني.

______________________________

(1) الذكرى: 199.

(2) الحبل المتين: 239، المدارك 3: 396.

(3) في ص 219.

(4) التهذيب 2: 75- 279، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 2.

(5) حكاه عن العماني و الإسكافي في الذكرى: 199، المحقق في المعتبر 2: 199، العلامة في التذكرة 1: 120.

(6) المعتبر 2: 199.

(7) الذكرى: 199.

(8) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 227

و بين الرفع، و هو ممنوع جدّا.

إلّا أنّ في رواية الاحتجاج الآتية في تكبيرات السجود «1» دلالة على استحبابه، و هو يعارض روايات الحصر بالعموم من وجه، و التخيير طريق الجمع.

و منها:

أن يقول بعد رفع الرأس من الركوع: «سمع اللَّه لمن حمده» لصحيحة حمّاد: فلمّا استمكن من القيام قال: سمع اللَّه لمن حمده، ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه، ثمَّ سجد «2».

و صحيحة زرارة: «ثمَّ قل: سمع اللَّه لمن حمده- و أنت منتصب قائم- الحمد للَّه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء، و العظمة للَّه ربّ العالمين. تجهر بها صوتك، ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» «3».

و صريح الروايتين استحباب السمعلة بعد الانتصاب كما هو المشهور، و في الذكرى عن ظاهر العماني و الحلّي و صريح الحلبيّين: استحبابها حال الارتفاع، و باقي الأذكار بعد الانتصاب «4». و لا مستند لهم.

و مقتضى إطلاق الصحيحة و سائر الأخبار الآتية استحباب السمعلة لجميع المصلّين كما هو المشهور، بل عن الخلاف و المعتبر و المنتهى: الإجماع عليه «5».

و قيل: المأموم لا يسمعل، بل يقول: الحمد للَّه ربّ العالمين، لصحيحة جميل: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده؟ قال: «يقول:

الحمد للَّه ربّ العالمين، و يخفض من

الصوت» «6».

______________________________

(1) انظر: ص 283.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الذكرى: 199.

(5) الخلاف 1: 350، المعتبر 2: 203، المنتهى 1: 285.

(6) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 2، الوسائل 6: 322 أبواب الركوع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 228

و هو كان حسنا لو لم يحتمل إرجاع الضمير في قوله «إذا قال» إلى المأموم، و لكنّه محتمل. و أظهريّة إرجاعه إلى الإمام- لو سلّمت- تعارض الإجماعات المنقولة. مع أنّ استحباب الحمد له لا ينافي استحباب السمعلة، كما أنّ عدم ذكرها هنا أيضا- لو رجع الضمير إلى الإمام- لا ينفيه بعد ثبوتها بأخبار أخر «1».

و منها:

أن يقول بعد السمعلة: الحمد للَّه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء، و العظمة للَّه ربّ العالمين، كما في الصحيحة المتقدمة.

و الظاهر أنّ العظمة مبتدأ و الكبرياء عطف على الجبروت، و يحتمل كون الكبرياء مبتدأ و العظمة عطفا عليه، و في بعض النسخ بعد قوله: و العظمة:

«الحمد للَّه ربّ العالمين» و عليه يكون الكبرياء و العظمة معا معطوفين على الجبروت.

أو يقول بعد السمعلة: «باللَّه أقوم و أقعد، أهل الكبرياء، و العظمة للَّه ربّ العالمين، لا شريك له و بذلك أمرت» كما في الرضوي [1].

أو: «أهل الجود و الكبرياء و العظمة» كما في المروي في المعتبر «2».

أو: «الحمد للَّه ربّ العالمين، أهل الكبرياء و العظمة و الجود و الجبروت» كما في المروي في

فلاح السائل «3».

أو: «الحمد للَّه ربّ العالمين، بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد، أهل الكبرياء و العظمة و الجبروت» كما في المروي في الذكرى «4».

و أمّا مكروهاته:

يكره في الركوع أن يطأطئ رأسه، و أن يرفعه حتى يكون أعلى من

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 106، و فيه «الحمد للَّه ربّ العالمين» و ما ذكره في المتن موافق للنسخة الحجرية.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، و ص 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(2) المعتبر 2: 203.

(3) فلاح السائل: 133.

(4) الذكرى: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 229

جسده، لما رواه الصدوق في معاني الأخبار قال: و نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أن يدبّح الرجل في الصّلاة كما يدبّح الحمار، قال: و معناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتى يكون أخفض من ظهره، و كان عليه السلام إذا ركع لم يصوّب رأسه و لم يقنعه، قال: معناه أنّه لم يرفعه حتى يكون أعلى من جسده و لكن بين ذلك «1».

و يستفاد من كراهة الأمرين استحباب تسوية الظهر مع الرأس، و هو كذلك.

و قيل: لا خلاف فيهما بين الأصحاب.

قالوا: و يكره أيضا أن يركع و يداه تحت ثيابه.

فإن أرادوا بذلك كراهة كونهما تحت جميع ثيابه بحيث يكون ملاصقا لبدنه، كما هو ظاهر إتيانهم بلفظ الجمع المضاف.

فتشهد له موثّقة عمّار: في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه، قال: «إن كان عليه ثوب آخر، إزار أو سراويل، فلا بأس، و إن لم يكن فلا يجوز ذلك» «2».

و القول بأنّها أعمّ من المدّعى من جهة اختصاصه بالركوع، و أخصّ منه من جهة نفي الكراهة مع وجود ثوب آخر.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة    ج 5    229     و أما مكروهاته: ..... ص : 228

دود بعدم ضير الأعمّية، و منع الأخصّية، إذ مع إزار أو سراويل لا يكون تحت جميع الثياب.

و إن أرادوا كراهة كونهما تحت ثوب مطلقا، و استحباب كونهما بارزتين، كما هو صريح المبسوط حيث قال: يستحب أن تكونا بارزتين أو في كمّه «3».

فلا شاهد له، إلّا أن يثبت بقول الشيخ، و لا بأس به.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 280، الوسائل 6: 323، 324 أبواب الركوع ب 18 ح 3 و 4.

(2) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 10، التهذيب 2: 356- 1475، الاستبصار 1:

392- 1494، الوسائل 4: 432 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 4، و فيها بتفاوت يسير.

(3) المبسوط 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 230

بل في صحيحة محمّد: عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه عن ثوبه، قال:

«إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس» «1».

فإنّ وصف الإخراج بالحسن و عدمه بنفي البأس ظاهر في أحسنية الأوّل.

و لا يتوهم منافاة نفيه البأس عن الثاني لكراهته، لأنّ البأس هو العذاب، و الكراهة لا تنافي نفيه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 174- 822، التهذيب 2: 356- 1474، الاستبصار 1: 391- 1491، الوسائل 4: 431 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 231

البحث السادس في السجود
اشاره

و وجوب سجدتين في كلّ ركعة من فريضة شرعا، أو نافلة شرطا مجمع عليه، بل ضروريّ الدين. و النصوص فيه متواترة معنى.

و هما معا ركن، بمعنى بطلان الصلاة بالإخلال بهما معا، عمدا و سهوا، و بزيادتهما معا كذلك، و لا تبطل بالإخلال بواحدة أو زيادتها سهوا.

أمّا الأوّلان فبالإجماعين، مضافا في أوّلهما إلى ما مرّ من أصالة

الركنيّة- بهذا المعنى- في كلّ جزء واجب من الصلاة، و صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1».

و في الثاني إلى ما يأتي من القاعدة المستندة إلى الأخبار الدالّة على بطلان الصلاة بالزيادة.

و تؤيّده رواية زرارة: «لا يقرأ في المكتوبة شي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» [1].

و قد يجعل ذلك دليلا «2»، و فيه نظر [2].

______________________________

[1] الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 6، التهذيب 2: 96- 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40 ح 1 و في جميعها: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم ..».

[2] أمّا أولا فلأنّ قوله: «لا يقرأ» إخبار بقرينة قوله: «شي ء» فيمكن أن يكون المعنى: يرجّح ذلك لأنّ السجود زيادة و هي مرجوحة. و أمّا ثانيا فلأنّه يحتمل أن يكون مخصوصا بالعمد، إذ قوله: «فإنّ السجود زيادة» يحتمل أن يكون المعنى: و الزيادة محرّمة أو الزيادة مبطلة، و على الأوّل يختصّ بالعامد، إذ لا حرمة على الناسي. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.

(2) كما في الرياض 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 232

و جعلهما ركنا في بعض الركعات دون بعض- كما عن المبسوط «1»- باطل، كما يأتي في محلّه.

و أمّا الثالث و الرابع فعلى الحقّ المشهور، بل عن التذكرة و الذكرى: على أوّلهما الإجماع «2»، للمستفيضة في الأوّل، كصحيحة أبي بصير: عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها و

ليس عليه سهو» «3».

و ابن جابر: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلّم ثمَّ يسجدها، فإنّها قضاء» «4».

و قريبة منها موثّقة الساباطي «5»، و غيرها.

و لموثّقتي ابني حازم، و زرارة في الثاني:

الأولى: عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، فقال: «لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» «6».

______________________________

(1) المبسوط 1: 120.

(2) التذكرة 1: 138، الذكرى: 200.

(3) التهذيب 2: 153- 602، و الاستبصار 1: 359- 1361، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 359- 1362، الوسائل 6: 364 أبواب السجود 14 ح 2.

(5) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الاستبصار 1: 358- 1360، الوسائل 6: 465 أبواب السجود ب 14 ح 4، في التهذيب و الاستبصار لا توجد كلمة (وحدها).

(6) الفقيه 1: 228- 1009، التهذيب 2: 156- 610، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 233

و الثانية: «و اللَّه لا تفسد زيادة سجدة» «1».

خلافا في أولهما، للمحكي عن الكليني «2»، و ظاهر العماني «3»، فتبطل بالإخلال مطلقا.

للأصل المتقدّم.

و اقتضاء الركنيّة لذلك.

و رواية معلّى، عن أبي الحسن الماضي: «في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته و سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة» «4».

و يدفع الأصل: بما مرّ.

و اقتضاء الركنيّة: بمنعها بهذا المعنى، و المسلّم الركنيّة بالمعنى الّذي ذكرنا، كيف؟! و لم يرد لفظ الركن في

نصّ، و لو ورد لم يثبت له معنى خاصّ، و إنّما هو أمر اصطلحوا عليه و لم يثبت الاصطلاح في السجدتين إلّا بذلك المعنى.

و الرواية: بعدم صراحتها، بل و لا ظهورها في المخالفة، لاحتمال السجدة فيها السجدتين لا الواحدة بقرينة تعريفها بلام الجنس. و احتمال الاستحباب، لعدم تضمّنها الأمر المفيد للوجوب، و لو سلّم فلا شك في شمولها للواحدة و الاثنتين فيتعيّن التخصيص بما مرّ.

مضافا إلى ما في الرواية من خللها باعتبار تقدّم المعلّى على أبي الحسن الماضي، فلا يمكن روايته عنه، و معارضتها مع ما هو أرجح منها سندا و عددا و عملا.

______________________________

(1) التهذيب 2: 156- 611، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.

(2) الكافي 3: 361.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 200.

(4) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 234

و لظاهر التهذيب «1»، و محتمل الاستبصار «2»، فتبطل بالإخلال بالواحدة إذا كانت من الأوليين خاصّة، لصحيحة البزنطي «3»، القاصرة عن إفادة الوجوب، لتضمّنها الإخبار. بل عن الاستدلال، لما فيها من الإجمال. و عن معارضة ما مرّ، لاعتضاده بالكثرة و الشهرة. مضافا إلى اختصاصها بالركعة الاولى و عدم تعرّضها للثانية، مع دلالة رواية محمّد بن منصور «4» على عدم الإعادة في ترك السجدة الواحدة من الثانية.

و لوالد الصدوق و الإسكافي «5»، فتبطل بالإخلال بها إذا كانت من الركعة الأولى خاصّة، و ظهر وجهه و جوابه ممّا مرّ.

و في الثاني، للمحكي عن الكليني و جمل السيّد و الحلبيين و الحلّي «6»، فتبطل بالزيادة، للقاعدة المتقدّمة، و هي بالموثّقين المعتضدين بالشهرة مخصّصة.

و يأتي بيان هذه المسائل في باب الخلل.

[مطالب في السجود]
اشاره

ثمَّ إنّ للسجود واجبات، و مستحبّات، و أحكاما، نذكرها في ثلاثة مطالب:

______________________________

(1) التهذيب 2: 154.

(2) الاستبصار 1: 359.

(3) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 3، التهذيب 2: 154- 605، الاستبصار 1:

360- 1364، قرب الإسناد: 365- 1308، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 2: 155- 607، الاستبصار 1: 360- 1365، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 8.

(5) حكاه عنهما في الرياض 1: 168.

(6) الكافي 3: 361، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 36، أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 565، الحلّي في السرائر 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 235

المطلب الأوّل في واجباته و هي أمور:
الأول: السجود على سبعة أعضاء:
اشارة

الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين، بالإجماع المحقق و المحكي مستفيضا في كلمات أصحابنا. و هو الحجّة فيه، مضافا إلى النصوص المستفيضة:

منها: صحيحة حمّاد الواردة في التعليم، و فيها: فسجد على ثمانية أعظم:

الكفّين، و الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة، و الأنف، و قال: «سبعة منها فرض يسجد عليها و هي الّتي ذكر اللَّه عزّ و جلّ في كتابه و قال أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً «1» و هي الجبهة، و الكفّان، و الركبتان، و الإبهامان، و وضع الأنف على الأرض سنّة» «2».

و زرارة: «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين، و ترغم بأنفك إرغاما، و أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة» «3».

و المروي في تفسير العيّاشي، و فيه بعد السؤال عن الوجه في قطع السارق من أصول الأصابع: «قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين،

و الركبتين، و إبهامي الرجلين، فإذا قطعت اليد

______________________________

(1) الجن: 18.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459- 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(3) التهذيب 2: 299- 1204، الاستبصار 1: 327- 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 236

من الكرسوع أو المرفق لم تبق له يد يسجد عليها» «1».

و الرضوي: «و السجود على سبعة أعضاء: على الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين من القدمين، و ليس على الأنف سجود، و إنّما هو الإرغام» «2».

فروع:

أ:

موضع السجود من اليدين الكفّان عند أكثر الأصحاب، بل في التذكرة و شرح القواعد و عن الخلاف و الذكرى الإجماع عليه «3»، لحمل مطلقات أخبار اليدين على المقيّد، و هو الصحيحة الأولى.

خلافا للحلّي و المحكي عن السيّد و الإسكافي «4»، فبدّلوا الكفين بمفصلهما عند الزندين.

فإن أرادوا تعيّنه فلا دليل عليه.

و إن أرادوا الاجتزاء به، كما نقل عنهم في شرح القواعد و الدروس «5»، و غيره، و هو الظاهر و إن عبّروا بالمفصل، فإنّ الظاهر أنّ مرادهم أنّه منتهى محل السجود، و حينئذ تحتمل موافقة كلّ من عبّر باليدين كالشيخ في النهاية «6» و غيره [1] لهم.

فالدليل معهم، لكون المفصل أيضا من اليدين الواردتين في الأخبار، بل الكفّين، لأنّ القدر المشترك بين الشيئين يكون من كلّ منهما ما دام الاشتراك.

______________________________

[1] كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 488، و الشهيد في الدروس 1: 18.

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 319- 109، مستدرك الوسائل 4: 454 أبواب السجود ب 4 ح 1.

(2) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 454 أبواب السجود ب

4 ح 2.

(3) التذكرة 1: 120، جامع المقاصد 2: 300، الخلاف 1: 354 و فيه: بيديه، الذكرى: 201

(4) السرائر 1: 225، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32، و حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 201.

(5) جامع المقاصد 2: 300، الدروس 1: 18.

(6) النهاية: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 237

و دعوى تبادر غيره من الكفّين و منافاته للتأسي و عمل الأئمّة غريبة، لتجويز المشهور السجود على ما دون المفصل و لو بيسير، و لا يختلف التبادر بالنسبة إليهما و لا التأسّي.

و هل يجب السجود على باطنيهما؟ كما عن نهاية الفاضل «1»، و الشهيدين «2»، و في المدارك «3»، بل عن الأوّل نسبته إلى ظاهر علمائنا إلّا المرتضى، و عن الذكرى إلى الأكثر، و استدلّ له في المدارك بالتأسي، و في غيره بأنّه المعهود من فعل النبي و الأئمّة و المسلمين «4».

أو لا يجب؟ كما هو محتمل عبارة الأكثر حيث أطلقوا، و تردّد في المنتهى «5».

مقتضى الأصل و الإطلاقات: الثاني.

و القول بأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع المعهود، و المتعارف باطن الكفّ كما في الحدائق «6».

باطل، لأنّه إن أريد شيوع إرادة الباطن من اليد و الكفّ فهو ممنوع، و إن أريد شيوع وضع الباطن من إطلاق السجود عليها أو وضعها- فلو سلّم- فيحتمل أن يكون ذلك حادثا بعد زمان الشارع لاستحبابه أو فتوى الأكثر بوجوبه. بل الظاهر عدم شيوع السجدة على اليد قبل حكم الشارع بذلك حتى يكون له شائع، بل لا شائع للسجدة عليها و لا استعمال له في غير هذا الموضع. و أمّا وضع اليد و الكفّ فلا شيوع له في الباطن قطعا.

و التأسي غير واجب.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 488.

(2) الشهيد

الأوّل في الذكرى: 201، و البيان: 168، الشهيد الثاني في روض الجنان: 276.

(3) المدارك 3: 404.

(4) شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) (المخطوط).

(5) المنتهى 1: 290.

(6) الحدائق 8: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 238

و فعل الجميع كذلك- لو سلّم- لم يعلم أنّه على سبيل الوجوب.

فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة، و الأوّل أحوط.

ب:

موضع السجود من الرجلين الإبهامان، على الحقّ المشهور، بل في الكتب المتقدّمة و غيرها: الإجماع عليه، و تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة.

خلافا لجماعة من القدماء، فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرّجلين كما في كلام جماعة، منهم: الشيخ في المبسوط و موضع من النهاية «1»، و الحلبي «2»، بل عن شرح الجمل للقاضي نقل الإجماع عليه «3».

أو أطرافها، كما في كلام آخرين، منهم ابن زهرة «4».

و لعلّهما لروايتي الجمهور و ابن أبي جمهور عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم.

الاولى: «أمرت بالسجود على سبعة أعظم: اليدين، و الركبتين، و أطراف القدمين، و الجبهة» «5».

و الثانية ما رواه في العوالي: «اسجدوا على سبعة: اليدين، و الركبتين، و أطراف أصابع الرجلين، و الجبهة» «6».

و فيها أيضا: «أمرت أن أسجد على سبعة أطراف: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و القدمين» «7».

و المروي في قرب الإسناد: يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه،

______________________________

(1) المبسوط 1: 112، النهاية: 36.

(2) الكافي في الفقه: 119.

(3) شرح الجمل: 90.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(5) سنن البيهقي 2: 103.

(6) عوالي اللئالي 1: 196- 5، مستدرك الوسائل 4: 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.

(7) عوالي اللئالي 2: 219- 16، مستدرك الوسائل 4: 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 239

و رجليه، و ركبتيه، و جبهته» «1».

و يردّ-

بعد الإغماض عن ضعفها- بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و الظاهر الاكتفاء فيهما بالباطن و الظاهر، للإطلاق، و إن كان السجود على رؤوسهما أفضل، لصحيحة حمّاد.

نعم لو تعذّر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أو عذر آخر، أجزأ على بقيّة الأصابع كما ذكره في الذكرى «2»، و استحسنه في الذخيرة «3»، و قال بعض مشايخنا المحققين: إنّ عليه طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار «4»، بل الظاهر أنّ عليه فتوى الأصحاب، لظهور أنّ تقييد المطلقات بالإبهامين إنّما هو مع الإمكان، فبدونه تبقى بلا معارض، و ينجبر ضعفها بما مرّ من أنّه الظاهر من الأصحاب.

ج:

المعروف من الأصحاب أنّه يكفي فيما عدا الجبهة من هذه الأعضاء ما يصدق عليه الاسم، و لا يجب الاستيعاب، بل في المدارك و الذخيرة: لا نعرف فيه خلافا «5». و في الحدائق: من غير خلاف يعرف «6».

و هو كذلك، للأصل، و صدق الامتثال، و إطلاق الأخبار «7»، و رواية العيّاشي المتقدّمة «8» المنجبر ضعفها بما ذكر، و يؤيّده فحوى ما دلّ على الاكتفاء بالمسمّى في الجبهة «9». فتردّد المنتهى «10» في الكفّين لا وجه له.

______________________________

(1) قرب الاسناد: 22- 74، الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 8.

(2) الذكرى: 201.

(3) الذخيرة: 286.

(4) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) المدارك 3: 404، الذخيرة: 286.

(6) الحدائق 8: 277.

(7) انظر: الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4.

(8) في ص 235.

(9) انظر: الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9.

(10) المنتهى 1: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 240

و الكفّان يشملان الأصابع أيضا، فيجوز الاكتفاء في السجود عليها. و ما في بعض كلمات القدماء من ذكر باطن الراحتين لا دليل على التخصيص به إن أراده.

و الحق المشهور الاكتفاء

به فيها أيضا، لما مرّ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المصرّحة، كصحيحة زرارة: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال: «إذا مسّ شي ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» «1».

و الأخرى: «اسجد على المروحة أو عود أو سواك» «2» [1].

و الثالثة: عن حدّ السجود، قال: «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» [2].

و نحوها موثّقة الساباطي «3»، و قريبة منهما روايتا زرارة «4»، و العجلي «5»، و زاد في الأخيرة: «و السجود عليه كلّه أفضل».

خلافا للمحكي عن الصدوق و الحلّي «6»، و الدروس و موضع من الذكرى «7»، فأوجبوا مقدار الدرهم.

______________________________

[1] توجد في «ح» زيادة: و مثله لا يستوعب الجبهة أو قدر الدرهم غالبا.

[2] التهذيب 2: 85- 313، الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9 ح 2. و فيهما: «ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك» و ما أورده في المتن مذكور في موثقة الساباطي.

______________________________

(1) الفقيه 1: 176- 833، التهذيب 2: 85- 314، الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 1: 236- 1039 (و فيه بتفاوت يسير)، التهذيب 2: 311- 1264، الوسائل 5: 364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 و 2.

(3) الفقيه 1: 176- 836، التهذيب 2: 298- 1201، الاستبصار 1: 327- 1222، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 4.

(4) الفقيه 1: 176- 837، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ذيل حديث 4.

(5) التهذيب 2: 298- 1199، الاستبصار 1: 326- 1221، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 3.

(6) الصدوق في المقنع: 26، الحلي في السرائر 1: 225.

(7)

الدروس 1: 180، الذكرى: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 241

قيل «1»: و لعلّه لحسنة زرارة: «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك، مقدار الدرهم و مقدار طرف الأنملة» «2».

و لا أعرف لها وجه الدلالة، بل هو- كما اعترف به في المدارك و غيره «3»- بالدلالة على خلافه أشبه، إذ مقتضاها الاكتفاء بقدر طرف أنملة و هو دون الدرهم بكثير قطعا.

و قيل «4»: لصحيحة علي: المرأة تطول قصّتها، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطّيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: «لا حتى تضع جبهتها على الأرض» «5».

و ظاهرها إيجاب تمام الجبهة، و هو إمّا خلاف الإجماع، أو شاذّ يخرج به الخبر عن الحجّية، فهي على الندب محمولة.

مع أنّه لا دلالة لها على الدرهم، و إخراج الزائد بالإجماع ليس بأولى من إرادة الاستحباب. و حملها على كون الواقع من الجبهة على الأرض ما دون المسمّى، أو ردّها باحتمال ذلك، باطل، إذ بعضها لا يقصر عن المسمّى البتّة، مع أنّ ترك الاستفصال يفيد العموم.

نعم ذكر الدرهم في خبرين:

أحدهما: الرضوي: «و ترغم بأنفك، و يجزئك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم» [1].

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 114 و فيه «ترغم بأنفك و منخريك».

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 404.

(2) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 1، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 5.

(3) المدارك 3: 404، و انظر: الذخيرة: 288، و الرياض 1: 168.

(4) انظر: الذكرى: 160.

(5) التهذيب 2: 313- 1276، مسائل علي بن جعفر: 239- 560، الوسائل 5: 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 5.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 242

و الآخر: في الدعائم: «و أكمل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم» «1».

قيل: و هما نصّ فيما قالوه [1].

و هو في الثاني محلّ نظر، للتقييد بالأكمل [2]. بل و كذا في الأوّل، لما مرّ من إمكان إرادة أجزاء الأمر الندبي، مع أنّ فيه في النّسخ المصحّحة الّتي رأينا من فقه الرضا: «و منخريك» مقام «يجزيك» و لا تكون له دلالة حينئذ، مضافا إلى ما فيها من الضعف الخالي عن الجابر.

و في الذكرى- بعد اختيار مقدار الدرهم- قال: لتصريح الخبر و كثير من الأصحاب، فيحمل المطلق من الأخبار و كلام الأصحاب على المقيّد «2». انتهى.

فإن أراد بالخبر بعض ما مرّ فقد عرفت حاله، و إن أراد غيره فلا نعرفه ككثير من الأصحاب.

و قد ينقل عن الإسكافي القول بوجوب استيعاب الجبهة «3».

و هو شاذّ، و لا دليل عليه سوى الصحيحة، المردودة بالشذوذ، المعارضة بأكثر منها عددا، فيجب حملها على الاستحباب جمعا، بل قطعا بقرينة التصريح بأفضليّته في الرواية المتقدّمة «4».

الثاني: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه:
اشارة

فإنّ لما يسجد عليه مدخليّة في المعنى الحقيقي للسجدة. و تحقيق المقام في هذا المرام، و بيان ما يصحّ السجود عليه و ما لا يصحّ بعد مقدّمة و هي:

______________________________

[1] لم نعثر على قائله.

[2] يوجد في نسخة الدعائم التي بأيدينا: «أقل» بدل «أكمل».

______________________________

(1) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 458 أبواب السجود ب 8 ح 1.

(2) الذكرى: 201.

(3) حكاه عنه في الرياض 1: 168.

(4) ص 240، الرقم (4).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 243

أنّ السجود، هل هو وضع الجبهة على الأرض؟ كما فسّرت به سجدة الصلاة في بعض كتب اللغة «1»، و تؤيّده- على ما قيل- مرسلتا الفقيه: «السجود

على الأرض [فريضة] و على غير الأرض سنّة» [1] و في إحداهما: «و الخمرة» مكان «غير الأرض» [2] دلّتا على أنّ السجدة المأمور بها في كتابه سبحانه هي وضع الجبهة على الأرض.

أو الانحناء حتى يساوي موضع جبهته موقفه مع وضعها على شي ء؟ كما فسّرت به بعض الكتب الفقهيّة «2»، و يؤيّده عدم اشتراط الأرض فيما يوضع عليه غير الجبهة مع إطلاق السجود عليه.

الظاهر هو الثاني، لعدم صحّة السلب، و عدم تبادر الغير، و ثبوت الاستعمال في الأعم، و عدم ثبوته في غيره، فيتّحد المستعمل فيه المعلوم، فيكون الأصل فيه الحقيقة، و نحو قوله في الأخبار الكثيرة: السجود على الأرض و على غير الأرض، فإنّ المستفاد منه خروج كونها على الأرض عن معناها.

و أمّا ما مرّ من قول بعض اللغويين، فالظاهر أنّ المراد من الأرض مطلق ما يحاذي الموقف، لأنّه إنّما فسّر سجدة الصلاة بذلك مع أنّه من العامّة التي لا يشترط ذلك عنده فيها أصلا، بل على عدم الاشتراط إجماعهم، و مع أنّه في بيان المعنى الشرعي، و قوله فيه ليس بحجة قطعا.

و من هذا القبيل ما قال بعض فقهائنا: و يجب وضع سبعة أعظم على الأرض «3»، مع أنّه لا يقول باشتراط الأرض في غير الجبهة.

______________________________

[1] الفقيه 1: 174- 824، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 8. و أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر و فيه: «على غير ذلك» بدل: «على غير الأرض».

[2] لم نعثر على هذه المرسلة في الفقيه، و وجدناها في الكافي عن محمّد بن يحيى بإسناده. الكافي 3:

331 الصلاة ب 27 ح 8، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 7.

______________________________

(1) انظر: الصحاح 2:

483، و لسان العرب 3: 206.

(2) كما في المفاتيح 1: 142.

(3) كما في مفاتيح الشرائع 1: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 244

و أمّا المرسلتان، فليستا بنصّين و لا ظاهرتين في إرادة ما ذكر، بل لهما محامل أخر أيضا.

هذا بيان معنى السجدة لغة، و مقتضاه بضميمة الأصل: حصول الامتثال بكلّ ما يسجد عليه.

و لكن هاهنا أصلا آخر هو عدم جواز السجود إلّا على الأرض أو ما أنبتته شرعا، حصل ذلك الأصل بالإجماع المحقّق، و المحكي في المعتبر و التذكرة و المدارك «1»، و غيرها، و الأخبار، كصحيحة هشام: «لا يجوز السجود إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» «2».

و المروي في قرب الإسناد، و فيه بعد السؤال عن السجود: «لا يصلح حتى يضع جبهته على الأرض» «3».

المؤيّدة بصحيحة حمّاد: «السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» «4».

و رواية البقباق: «لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا القطن و الكتان» «5» و غيرهما من المستفيضة.

فليكن ذلك أصلا ثانويا في يدك، و مقتضاه عدم جواز السجود على كلّ ما علم عدم أرضيّته أو نباتيّته، أو شك فيهما إلّا ما أخرجه الدليل، فالمرجع حينئذ ذلك الأصل، فإن حصل الشك بعد الرجوع إليه- لتعارض أو نحوه- فالمرجع

______________________________

(1) المعتبر 2: 117، التذكرة 1: 91، المدارك 3: 241.

(2) الفقيه 1: 177- 840، التهذيب 2: 234- 925، الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 201- 772، الوسائل 5: 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 6.

(4) الفقيه 1: 174- 826، التهذيب 2: 313- 1274، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب

1 ح 2.

(5) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 1، التهذيب 2: 303- 1225، الاستبصار 1:

331- 1241، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 245

الأصل الأوّل.

[مسائل ]
اشارة

إذا عرفت هذه فاعلم أنّ ما يمكن أن يسجد عليه إمّا أرض أو نباتها أو غيرهما، و الثاني على قسمين: الأوّل المأكول أو الملبوس، و الثاني غيرهما، فهذه أربعة أقسام، و هاهنا أقسام أخر: ما يشك في أرضيّته أو في نباتيّته، أو في مأكوليّته و ملبوسيّته.

فهذه أقسام تذكر أحكامها في مسائل:

المسألة الأولى [لفظ الأرض موضوع لتمام الكرة]

اعلم أنّ في كرة الأرض اجزاء مختلفة الحقائق عرفا، ترابيّة و رمليّة و جصّيّة و كحليّة و زرنيخيّة و ملحيّة و قيريّة و حجريّة و نحاسيّة و حديديّة و ذهبيّة و هكذا إلى آخر الفلزّات و الجواهر و المعادن، و لفظ الأرض موضوع لتمام الكرة أو مع قطعة عظيمة منها أيضا، و ليس موضوعا لكلّ جزء جزء منها بخصوصه، كما في لفظ الماء الموضوع للكلّ و الجزء، و إلّا لصدق على كلّ جزء الأرض إذا انفصل من الأرض أيضا، و ليس كذلك.

و لكن هذه الأجزاء الكائنة فيها: منها ما هو جزء للأرض أيضا، و يصدق عليه أنّه بعض الأرض و أنّه جزء أرضي، و منها ما ليس كذلك بل جزء فيها.

و الضابط في التفرقة بينهما أن تفرض كرة الأرض من ذلك الجزء خالصة فإن صدق عليها اسم الأرض حينئذ أيضا، أو فرضت كرة أخرى منه خالصة فإن صدق أنّه تعدّدت كرة الأرض، أو إذا حصلت قطعة عظيمة منه في الهواء صدق أنّها أرض ارتفعت، فهو جزء أرضى أو جزء للأرض و بعض منها، و ذلك كالتراب و الرمل بل الجصّ.

و إن لم يصدق ذلك فليس جزءا أرضيّا و لا بعضا منه، كالفضّة و الذهب و الحديد و نحوها.

فما كان من الأوّل يصدق على السجود عليه حال اتصاله بالأرض أنّه سجود على الأرض و إن

لم يكن هو بخصوصه إلّا بعض الأرض- كصدق تقبيل زيد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 246

و رؤيته على تقبيل جزء من وجهه و رؤيته- و يصحّ السجود عليه قطعا.

و ما كان من الثاني فإمّا لا يصدق على السجود عليه حال الاتّصال السجود على الأرض، أو يشكّ في صدقه عليه، و على التقديرين لا يكون السجود عليه صحيحا، للأصل الثانوي المتقدّم.

إذا عرفت ذلك تعلم أنّه يصحّ السجود على التراب و الرمل إذا تمكّنت الجبهة عليه حال اتّصالهما بالأرض، لصدق السجود على الأرض، الصحيح بالإجماع، بل الضرورة و استفاضة النصوص، بل تواترها معنى.

و أمّا ما في صحيحة محمّد بن الحسين: «لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، و لكنّه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» «1».

فلا يدلّ على عدم جواز السجود على الرمل، بل يدل على عدم جوازه على الحاصل منه و من الملح معا، و هو كذلك.

و أمّا قوله «و هما ممسوخان» فيمكن أن يكون المراد منه أنّهما مسخا فصارا زجاجا، لا أنّهما بنفسهما ممسوخان من الأرض.

و أمّا الحجر، فإن قلنا بكونه أرضا- كما هو ظاهر الأكثر بل صريحهم- فجواز السجود عليه ظاهر.

و إن قلنا بعدم أرضيّته، كما عن ظاهر الإسكافي «2»، و السرائر «3»، و صريح بعض المتأخرين «4»، بل هو ظاهر الشيخ في النهاية أيضا، حيث قال بعد نفيه جواز السجود إلّا على الأرض أو ما أنبتته، و حكمه بجواز السجود على الأرض: و لا بأس بالسجود على الجصّ و الآجر و الحجر و الخشب «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 14، التهذيب 2: 304- 1231، الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12

ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 48.

(3) السرائر 1: 137.

(4) انظر: مفاتيح الشرائع 1: 62.

(5) النهاية: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 247

أو شككنا في أرضيّته، كما هو كذلك.

لم تكن الأرضيّة موجبة لجواز السجود عليه. و لكن يحكم بصحته، للإجماع عليها، مضافا إلى روايات حمران، و الحلبي، و عيينة.

الأولى:

«فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» «1».

و الثانية:

«دعا أبي بخمرة فأبطأت عليه، فأخذ كفّا من حصباء فجعله على البساط ثمَّ سجد» «2».

و الثالثة:

أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أصلّي على الحصى، فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال: «نعم لا بأس» «3».

و هي و إن كانت واردة في حال الانفصال، و لكن ما يجوز السجود عليه منفصلا يجوز متّصلا ضرورة.

و لا فرق بين أنواع الحجر من برام و رخام و نحوهما، و بالجملة كلّ ما يسمّى حجرا عرفا بالإطلاق حتى ما يقال له بالفارسية: مرمر، للإجماع المحقّق، و المحكي في كنز العرفان «4»، بل- كما قيل- بالضرورة «5»، و صدق الحصى و الحصباء على صغار الكلّ.

و لا يضرّ إطلاق المعدن على بعض أنواعه، بل كلّها، لعدم دليل على المنع في مطلق المعدن. و لا احتمال تكوّنه من الماء، و إلّا لم يجز السجود على حجر، لقيام الاحتمال في الكلّ.

______________________________

(1) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 11، التهذيب 2: 305- 1234، الاستبصار 1:

335- 1259، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.

(2) الكافي 3: 331 الصلاة ب 27 ح 4، التهذيب 2: 305- 1235، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 3، و فيها: «حصى» بدل «حصباء».

(3) التهذيب 2: 306- 1239، الاستبصار 1: 332- 1248، الوسائل

5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 1.

(4) كنز العرفان 1: 26.

(5) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 248

نعم، لا يجوز فيما علم فيه الإجماع على عدم الجواز.

و الأحوط عدم السجود على حجر الكحل.

و أمّا الحجر الجصّي و الأرض الجصّية فيصحّ السجود عليه، لصدق الأرض أو الحجر و لو بعد الحرق، لاستصحاب الأرضية أو الحجرية، و لصحيحة ابن محبوب: عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمَّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليه بخطّه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» «1».

و حملها على التقيّة لا وجه له بعد عدم معارض معلوم. و كون السؤال عن السجود، و الجواب عن التطهّر غير ضائر، إذ يدلّ السؤال على أنّ الشك في السجود إنّما هو لملاقاة العذرة و عظام الموتى. و كذا لا يضرّ عدم كونهما مطهّرين بهذا النحو، لعدم تحقّق التنجس أيضا، فالمراد ارتفاع النفرة.

و الظاهر جواز السجود على النورة، أمّا قبل الإحراق فلكونه حجرا، و أمّا بعده فللاستصحاب. و لا يضر عدم إطلاق الحجر حينئذ، لجواز أن يكون سبب جواز السجود على الحجر أرضيّته، و زوالها هنا مشكوك فيه.

و لا يصحّ على شي ء من الأراضي الفلزّيّة و الجوهريّة و الملحيّة و القيريّة و نحوها بالإجماع، لما مرّ، مع تأيّده ببعض النصوص «2» و إن كانت واردة في البعض بالخصوص.

و أمّا ما في بعض الأخبار من نفي البأس عن السجود على القير و القار «3»، فمع شذوذه المخرج له عن الحجيّة، لعدم معلوميّة قائل بالجواز فيه، كما صرّح به الأردبيلي «4»، بل على خلافه اتّفاق الأصحاب، كما في الحدائق «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 3،

الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 306- 1237، الوسائل 5: 358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12.

(3) انظر: الوسائل 5: 353 أبواب ما يسجد عليه ب 6.

(4) مجمع الفائدة 2: 118.

(5) الحدائق 7: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 249

معارض بما هو أقوى منه سندا، كحسنة زرارة: قلت له: أسجد على الزّفت؟- يعني القير- فقال: «لا» «1».

فإنّ السؤال عن الجواز قطعا فالنفي له.

و الترجيح لها، لمخالفتها العامّة، و اختصاصها بغير حال الضرورة، و الأوّل موافق لها [1]، و أعمّ منه. مع أنّه مع التكافؤ يرجع إلى أصالة عدم الجواز.

و مع ذلك لا دلالة لما نفي البأس فيه عن الصلاة، لجواز كون المراد القيام عليه حال الصلاة [2].

فتجويز القول بالكراهة- كما في المدارك و الوافي «2»- لا وجه له.

ثمَّ إنه ظهر ممّا ذكرنا أنّ المناط في تعيين ما لا يصحّ السجود عليه من الأجزاء الكائنة في الأرض: عدم صدق كونه بعض الأرض، بل الشك في صدقه أيضا إذا لم يسبق بالعلم بالصدق أوّلا حتى يستصحب، كما في الأجزاء المذكورة، لاحتمال كونها مخلوقة كذلك ابتداء أو متكوّنة من الأرض و غيره من ماء و نحوه.

و أمّا جعل الضابط، المعدنيّة- كما في كلام كثير من الأصحاب «3»- فعندي غير حسن، لصدق المعدن لغة و عرفا على الأعمّ من ذلك، فيقال: معدن الحجر الفلاني و التراب الكذائي، كمعدن حجر الرحى و التراب الأحمر و الجصّ و غيرها، مع أنّه لم يرد نصّ متضمّن لذلك اللفظ حتى يجب جعله المناط.

المسألة الثانية:

اعلم أنّه لا يصدق على شي ء من أجزاء الأرض حال

______________________________

[1] ادّعى المجلسي (ره) في البحار 82: 156

اتفاق المخالفين على الجواز، و لكن لم نجد في كتبهم تصريحا بذلك.

[2] مع أنّ في إرادة القير من القار نظرا لجواز أن يكون المراد منه الأشياء السود ممّا و هم السجود عليه، و يكون النهي للغيرية فيما ورد النهي عنه فيه. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 2، التهذيب 2: 303- 1226، الاستبصار 1:

331- 1242، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.

(2) المدارك 3: 244، الوافي 8: 736.

(3) انظر: جامع المقاصد 1: 160، و روض الجنان: 222، و المدارك 3: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 250

انفصاله عنها اسم الأرض قطعا، كما صرّح به بعض متأخري المتأخرين «1»، و لا يطلق عليه اسمها حقيقة، لعدم التبادر، و صحّة السلب عرفا، فيكون مثل أجزاء الفرس حيث إنّه لا يصدق على شي ء منها حال الانفصال أنّه فرس. نعم يصدق عليه اسم بعض الأرض و جزئها الأرضى.

و كذا لا يصدق على السجود عليه أنّه سجود على الأرض.

و لكن كلّ ما صحّ السجود عليه حال الاتّصال يصحّ حال الانفصال أيضا بالإجماع بل الضرورة، و لخبر الخريطة الآتي «2»، و رواية صالح بن الحكم و فيها بعد السؤال عن الصلاة في السفينة و الجواب: فقلت له: آخذ مدرة معي أسجد عليها؟ قال: «نعم» «3».

فيصحّ السجود على التراب الموضوع على مثل البساط و السجّادة، و الحصى الملقاة عليه، و على المدرة و اللّبنة و نحوها.

و لو حصل تغيّر في شي ء من ذلك موجب للشك في خروجه عن صدق بعض الأرض، و في جواز السجود عليه، يحكم بالجواز، لاستصحاب البعضيّة و الجواز.

و كذا لو تغيّر تغيّرا موجبا للخروج عن صدق بعض الأرض و

شكّ في جواز السجود عليه، فيحتمل الحكم بالجواز أيضا، لاستصحابه، حيث إنّه لم يكن التجويز هنا لصدق الأرض حتى ينتفي بانتفائه.

و لكنّ الأحوط عدم الجواز، لأنّ الظاهر أنّ الإجماع على الجواز على الأجزاء المنفصلة، و تصريح الأخبار به إنّما هو لأجل صدق الأرضيّة أي جزئيّته لها، فهما قرينتان على أنّ المراد بالسجود على الأرض السجود على بعض منها.

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 240، و شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) انظر: ص 267، الرقم (2).

(3) التهذيب 3: 296- 897، الوسائل 5: 354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 251

و على ما ذكر تظهر صحّة السجود على الخزف و الآجر و مثل السبحة المطبوخة، وفاقا للمحكي عن الأكثر و إن أنكره بعض من تأخّر «1»، بل في عبارة الفاضلين الإشعار بالإجماع على الجواز «2».

لاستصحاب الجواز الثابت بالإجماع و الأخبار، بل صدق الأرض عليه أيضا، و لو شككت فيه فاستصحبه أيضا.

و القول بأنّ هذا الاستصحاب معارض مع استصحاب بقاء شغل الذمة، مردود بأنّ الأوّل مزيل للثاني، فلا تعارض بينهما، كما بينّاه في الأصول.

و أمّا الرضويّ المانع عن السجدة على الآجر- يعني المطبوخ «3»- فليس منعه صريحا في النهي، مع أنّه- لضعفه الخالي عن جابر- عن إفادة المنع قاصر.

المسألة الثالثة: يجوز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض- عدا ما يجي ء استثناؤه-

بالإجماع و النصوص، منها- مضافا إلى ما مرّ- صحيحة الفضل و العجلي: «فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه و السجود عليه» «4».

و حسنة ياسر: مرّ بي أبو الحسن عليه السلام و أنا أصلّي على الطبري و قد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه، فقال لي: «مالك لا تسجد عليه، أ ليس هو من نبات الأرض؟» «5».

و صحيحة ابن أبي العلاء: عن السجود على البورياء

و الخصفة و النبات؟

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 241.

(2) المحقق في المعتبر 1: 375، العلامة في التذكرة 1: 62.

(3) فقه الرضا (ع): 113، مستدرك الوسائل 4: 10 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 1.

(4) الكافي 3: 331 الصلاة ب 27 ح 5، التهذيب 2: 305- 1236، الاستبصار 1:

335- 1260، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 5.

(5) الفقيه 1: 174- 827، التهذيب 2: 308- 1249، الاستبصار 1: 331- 1243، الوسائل 5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 252

قال: «نعم» «1».

و صحيحة محمّد: «لا بأس بالصلاة على البورياء و الخصفة و كلّ نبات إلّا التمرة» «2».

و استثناء التمرة قرينة على أنّ المراد بالصلاة السجود.

و أمّا صحيحة علي: عن الرجل يصلّي على الرطبة النابتة [1] قال، فقال:

«إذا ألصق جبهته بالأرض فلا بأس» الحديث «3».

فلا تنافي عموم ما مرّ، إذ المسؤول عنه هو الصلاة على الرطبة دون السجود، فيحتمل أن يكون السؤال باعتبار عدم حصول التمكّن عليه فلذا أجاب بما أجاب.

و على هذا فيصحّ السجود على كلّ خشب و ورق و قصب و علف و ورد و زهر، و على التبن و التنباك و المروحة و العود و العصا و السواك و البورياء و الحصير، و بالجملة كلّ ما أنبتته الأرض.

و لو شك في شي ء أنّه هل هو نبات أو لا، فلا يصحّ السجود عليه، للأصل المتقدّم.

و لو كان على نبات صبغ، فإن كان له جرم لا يسجد عليه لم يجز السجود عليه، و إلّا جاز.

و كذا يجوز على النبات لو سحق أو جفّ، و على الفحم، لصدق النبات و الاستصحاب.

و لا يجوز على الرماد، لخروجه عن

اسم النباتيّة جدّا، و تبدّل صورته النوعيّة

______________________________

[1] الرطبة: ما يقال له في الفارسيّة: يونجه. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 311- 1261، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 10.

(2) الفقيه 1: 169- 800 و فيه: الّا الثمرة، التهذيب 2: 311- 1262، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 9.

(3) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 13، الفقيه 1: 162- 762، التهذيب 2: 304- 1230، الوسائل 5: 361 أبواب ما يسجد عليه ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 253

النباتيّة.

و لا على الحاصل من النبات ممّا لم يتعلّق به نفس نباتيّ و لا نموّ له، كالصمغ، و مياه النباتات إذا عصر و انجمد، لأنّه ليس نباتا.

و قال بعض مشايخنا المحققين بجواز السجود على ماء البقّم إذا كتب به، لأنّه من نبات الأرض [1]. و هو ضعيف جدّا.

المسألة الرابعة: يستثنى من النبات ما يؤكل و يلبس،

فلا يجوز السجود عليهما إجماعا من غير السيّد في بعض رسائله الغير القادح خلافه في ثياب القطن و الكتان «1»، و للنصوص المتقدّمة جملة منها.

و منها حسنة زرارة: أسجد على الزّفت؟ قال: «لا، و لا على الثوب الكرسف، و لا على الصوف، و لا على شي ء من الحيوان، و لا على طعام، و لا على شي ء من ثمار الأرض، و لا على شي ء من الرياش» «2».

و المرويّان في العلل و الخصال، الأوّل: «السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» إلى أن قال: «لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللَّه عزّ و جل، فلا ينبغي أن يضع جبهته على معبود أبناء الدنيا» «3».

و

الثاني: «لا يسجد الرجل على كدس حنطة و لا شعير و لا لون ممّا يؤكل» «4».

و في الأخير أيضا: «لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا

______________________________

[1] شرح المفاتيح (المخطوط). و البقّم: خشب شجره عظام و ورقه كورق اللوز و ساقه أحمر يصبغ بطبيخه- القاموس المحيط 4: 82.

______________________________

(1) انظر: الموصليات الثانية (رسائل السيّد المرتضى 1): 174.

(2) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 2، التهذيب 2: 303- 1226، الاستبصار 1:

331- 1242، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.

(3) العلل: 341- 1، الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.

(4) الخصال: 628، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 254

المأكول و القطن و الكتان» «1».

و الرضوي: «كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في المطعم و المشرب من الثمر و الكثر [1]، فلا تجوز الصلاة عليه، و لا على ثياب القطن و الكتان و الصوف و الشعر و الوبر و على الجلد، و لا على شي ء يصلح اللبس فقط و هو يخرج من الأرض، إلّا أن يكون في حال ضرورة» «2» إلى غير ذلك.

خلافا للسيّد في المسائل الموصليّة فجوّز السجود على ثياب القطن و الكتان، و هو ظاهر المعتبر مع كراهة «3»، كبعض متأخّري المتأخّرين «4».

و ظاهر الشرائع و النافع «5»، و شرح الشرائع للصيمري كما حكي: التردد.

كلّ ذلك لروايات متعددة، كرواية الصرمي: هل يجوز السجود على القطن و الكتان من غير تقيّة و لا ضرورة؟ فقال: «جائز» «6».

و الصنعاني: عن السجود على القطن و الكتان من غير تقيّة و لا ضرورة، فكتب إليّ: «ذلك جائز» «7».

و رواية ياسر

المتقدّمة «8»، و غير ذلك.

و تردّ- بعد تسليم دلالة الجميع و قطع النظر عن عموم بعضها بالنسبة إلى حال الضرورة فيخصّ لها-: بأنّها شاذّة غير صالحة للحجيّة، إذ لم يفت بها صريحا

______________________________

[1] الكثر: جمّار النخل- أي شحمة- أو طلعة. القاموس 2: 125.

______________________________

(1) الخصال: 604، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 3.

(2) فقه الرضا (ع): 302، مستدرك الوسائل 4: 6 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 3.

(3) المعتبر 2: 119.

(4) الفيض في الوافي 8: 742.

(5) الشرائع 1: 73، المختصر النافع: 27.

(6) التهذيب 2: 307- 1246، الاستبصار 1: 332- 1246، الوسائل 5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 6.

(7) التهذيب 2: 308- 1248، الاستبصار 1: 333- 1253، الوسائل 5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 7.

(8) في ص 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 255

إلا السيّد في رسالته، مع أنّه قد أفتى بالمنع في الجمل و المصباح و الانتصار «1»، و نقل فيه إجماع الطائفة على المنع، كالشيخ في الخلاف «2»، و الفاضل في المختلف «3».

و لو سلّمت الحجيّة أيضا فتعارض ما مرّ من أخبار المنع عموما و خصوصا، و الترجيح للمنع بمخالفة العامّة «4» و موافقة أخبار الجواز لها، كما صرّح به في صحيحة ابن يقطين: «لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقيّة» «5» فتكون محمولة على التقيّة.

و لا ينافيه طلب السائل في بعضها الجواب من غير تقيّة [1]، إذ لا يلزم الإمام إلّا الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقيّة أو غيرها و إن ألحّ عليه في سؤال الحكم من غير تقيّة.

ثمَّ المراد بالمأكول: مأكول الإنسان إجماعا، كما صرّح به في الرضوي، و هو

المتبادر منه.

و بما أكل أو لبس: ما صدق عليه المأكول و الملبوس في عرف المحاورات، و هو ما كان مأكولا و ملبوسا عادة، إذ غيره لا يصدق عليه اللفظان عرفا، بل لا يتبادر منها غيره، و لأنّه المدلول عليه من التعليل المذكور في العلل، إذ ما لا يعتاد أكله أو لبسه ليس ممّا يعبد. و كذا يدلّ عليه لفظ الطعام و الغذاء المتقدّمين.

فلا منع في السجود على ما أكل أو لبس نادرا أو في مقام الاضطرار، كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطّرد أكلها، لدخولها فيما أنبتت الأرض مع عدم شمول الاستثناء لها.

______________________________

[1] كما في روايتي الصرمي و الصنعاني المتقدمتين.

______________________________

(1) حكاه عن الجمل في شرحه للقاضي: 75 و عن المصباح في المنتهى 1: 251، الانتصار: 38.

(2) الخلاف 1: 357.

(3) المختلف: 86.

(4) انظر: نيل الأوطار 2: 289.

(5) الفقيه 1: 176- 831، التهذيب 2: 235- 930، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 256

و في مثل الزنجبيل و الزعفران و الدارجيني و العنّاب و نحوها وجهان، أقربهما جدّا المنع، لاعتياد أكلها.

و أمّا مثل عود الصندل و أصل الخطمي و ورقه و ورده و ما ماثلها، فالأقرب الجواز، لعدم الاعتياد.

و لو اعتيد أكل شي ء أو لبسه في قطر دون قطر، ففي اعتبار قطر الشارع لوجوب حمل اللفظ على متعارفة، أو اختصاص كلّ قطر بمعتاده لصدق اللفظ في أحدهما و عدمه في الآخر، أو المنع مطلقا لصدق المأكول عادة و لأنّ الحنطة و الشعير و التمر و الأرزّ و أمثالها يطّرد أكلها في قطر دون آخر، مع انعقاد الإجماع فيها على المنع، أوجه.

و الصحيح

أن يقال: إنّه إن كان ممّا يصدق عليه المأكول و الملبوس عند أهل كلّ من القطرين و إن قال أحدهما ما نعتاد بأكله، لا يجوز السجود عليه كالخبز، فإنّه و إن لم يعتد أكله عند أكثر أهل الطبرستان و بادية العرب و لكنّهم يقولون إنّه من المأكولات و إن لم يعتد أكله، و مثله الجبن و اللحم عند بعض الناس حيث لا يأكلونهما و يتحاشون عنهما و لكن لا يسلبون عنهما اسم المأكول.

و إن كان ممّا لا يصدق عليه المأكول و الملبوس عادة عند الطائفتين فيجوز السجود عليه، كالفحم و الطين و أصول بعض النباتات، حيث قد يعتاد بأكله بعض الناس و مع ذلك يقولون إنّه ليس بمأكول و لكنّا أعتدنا أكله.

و إن كان ممّا يصدق عليه المأكول و الملبوس عادة عند إحدى الطائفتين دون الأخرى، بل الأخرى تسلب عنه الاسم، فإن كانت إحداهما نادرة غير ملتفت إليهم و إلى عرفهم كأهل بادية بعيدة عن العمران أو جزيرة أو قرية من أطراف الأرض، و كان المعظم على خلافه، فالاعتبار بالمعظم، إذ قد عرفت أنّ المراد ممّا صدق عليه اللفظ عرفا، و المصداق العرفي ما عليه معظم الإنسان.

و إن لم تكن إحداهما كذلك بل كان عرف كلّ منهما ممّا يعتنى به و يلتفت إليه، فالحقّ الجواز، لحصول الشك في الاستثناء، و صدق النبات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 257

و لو شاع أكل شي ء أو لبسه في عصر ثمَّ ترك و هجر في عصر آخر حتى زالت العادة، أو لم يعتد أكله أو لبسه ثمَّ شاع و اعتيد، فالحكم للسابق، للاستصحاب.

و تحتمل متابعة التسمية، فلكلّ زمان حكمه.

و لو كان لشي ء حالتان شاع أكله في إحداهما و

لم يؤكل في الأخرى أو ندر، كقشر اللوز و ورق الكرم، اختصّ المنع بحالة الأكل. و نحوه التين، فإنّه في بدء ظهوره لا يؤكل فيجوز السجود عليه، و لا يجوز إذا نضج.

و لو كان لشي ء أجزاء مأكولة أو ملبوسة و غيرهما كان لكلّ منهما حكمه، فيصحّ السجود على قشر الجوز و الرمّان و البطّيخ، و نواة التمر و المشمش، و قشر القطن و حبّه، و لا يجوز على لبّها، و كذا يجوز السجود على قشر بذر القرع و البطّيخ و نحوهما.

و لو كان شي ء ممّا يؤكل تبعا لآخر و لا يؤكل منفردا، جاز السجود حال الانفراد، كنواة العنب و الرمّان و قشر الحنطة و الشعير و القشر الرقيق على البصل و نحوها.

و لا يشترط في المأكول و الملبوس فعلية الانتفاع بهما، بل يكفي كونهما كذلك و لو بعد علاج فيه أو عمل، للصدق العرفي. فإنّ مثل اللوز المرّ و الحنطة و الشعير و القطن و الكتّان يصدق عليه المأكول و الملبوس عادة مع توقّف الأوّل على جعله حلوا، و الثانيين على الطحن و العجن و الطبخ، و الأخيرين على الغزل و النسج و الخياطة و غيرها.

خلافا للمحكي عن الفاضل في جملة من كتبه، فجوّز على الحنطة و الشعير قبل الطحن، لكونهما غير مأكولين عادة، و لكون القشر في الشعير حائلا بين المأكول و الجبهة «1».

و المناقشة فيهما- بعد ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة- واضحة، مع أنّ الحنطة تشوى و تؤكل قبل الطحن أيضا شائعا، و كان كذلك قشر الشعير في

______________________________

(1) التذكرة 1: 92، المنتهى 1: 251، التحرير 1: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 258

الصدر الأوّل، فقد حكي أنّه كان يؤكل غير

منخول و أوّل من نخلة معاوية «1»، على أنّ الطعام المنهيّ عن السجود عليه في الحسنة «2» شامل للحنطة و الشعير قبل الطحن لغة و عرفا و شرعا، بل في المرويّ عن الخصال- المنجبر ضعفه لو كان بالشهرة العظيمة- تصريح بالمنع عن السجود على الحنطة و الشعير «3».

و للمحكي عنه في النهاية، فجوّز على القطن و الكتّان قبل الغزل و النسج، و توقّف بعد الغزل «4». و ضعفه ظاهر ممّا مرّ.

و أمّا المرويّ عن تحف العقول: «كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه و لا السجود، إلّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، و أمّا إذا صار مغزولا فلا تجوز الصلاة عليه إلّا في حال الضرورة» «5».

فلا يصلح للاستناد، لضعفه الخالي عن الجابر.

المسألة الخامسة: لا يجوز السجود على الوحل،

لأنّه ليس بأرض و لا ما أنبتته، و لعدم تمكّن الجبهة عليه، و يؤيّده بعض الأخبار «6».

فإن لم يقدر إلّا عليه، فإن تمكّن من غمس الجبهة فيه بحيث يصل إلى الأرض و يتمكّن عليها بلا مشقّة و ضرر وجب.

و إلّا فإن تمكّن من الجلوس و وضع الجبهة على الوحل بحيث يصدق السجدة بلا ضرر و مشقّة وجب، لعمومات السجود، و عدم توقّف صدقه على تمكّن الجبهة.

و إلّا فيركع ثمَّ يسجد إيماء كما هو قائم، لموثقة الساباطي: عن الرجل

______________________________

(1) كما في الحدائق 7: 257.

(2) راجع ص 253.

(3) راجع ص 253.

(4) نهاية الإحكام 1: 362.

(5) تحف العقول: 252، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 11.

(6) انظر: الوسائل 5: 141 أبواب مكان المصلي ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 259

يصيبه المطر و هو لا يقدر

أن يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعا جافّا، قال:

«يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ للسجود إيماء و هو قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة و يتشهّد و هو قائم ثمَّ يسلّم» «1».

و ظاهر الرواية عدم إمكان الجلوس، حيث حكم بالتشهّد قائما أيضا، فإنّه يجب الجلوس له مع إمكانه إجماعا، و لا وجه لسقوطه بعدم إمكان السجود.

و لو أمكن فهل يجب الجلوس للسجود أو يومئ قائما؟

الظاهر جواز الأمرين، لعدم دليل على وجوب الجلوس للسجود.

و الاستدلال له بمثل قوله: «لا يسقط الميسور بالمعسور» «2» فاسد كما مرّ مرارا.

نعم، الظاهر وجوب الجلوس للسجدة الثانية، لوجوب الجلوس بين السجدتين، فتأمّل.

المسألة السادسة: يجوز السجود على القرطاس،

بلا خلاف فيه في الجملة، إلّا عن الشهيد في البيان و الذكرى، حيث توقّف فيهما «3». بل عن ظاهر جماعة «4»، و صريح المسالك و الروضة «5»: الإجماع عليه.

و تدلّ عليه صحيحة ابن مهزيار: عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: «يجوز» «6».

و الجمّال: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس،

______________________________

(1) التهذيب 2: 312- 1266، الوسائل 5: 142 أبواب مكان المصلي ب 15 ح 4.

(2) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(3) البيان: 134، الذكرى: 160.

(4) انظر: التذكرة 1: 92، و الذخيرة: 242، و الرياض 1: 144.

(5) المسالك 1: 26، الروضة 1: 227.

(6) الفقيه 1: 176- 830، التهذيب 2: 309- 1250، الاستبصار 1: 334- 1257، الوسائل 5: 355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 260

و أكثر ذلك يومئ إيماء «1».

و الظاهر أنّ المراد أنّ أكثر سجوده كان بالإيماء و هو حال السير

و عدم التمكن من السجود، و إذا تمكّن كان يسجد على القرطاس.

و أمّا صحيحة جميل: «كره أن يسجد على قرطاس فيه كتاب» «2».

ففي دلالتها منفردة نظر، لعدم تعيّن إرادة المعنى المصطلح من الكراهة، و عدم حجّية مفهوم الوصف.

احتجّ الشهيد للمنع: باشتماله على النورة المستحيلة، ثمَّ قال: إلّا أن يقال: الغالب جوهر القرطاس، أو إنّ جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض «3».

و في احتجاجه و توجيهه نظر.

أمّا احتجاجه: فعلى القول بجواز السجود على النورة ظاهر، و على القول بعدمه يجب تخصيص النورة التي في القرطاس لرواياته.

و أمّا التوجيهان: فلأنّ أغلبيّة المسوّغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره و اختلاط أجزائهما بحيث لا يتميّز، و جمود النورة لا يردّ إليها اسم الأرض لو لم تسمّ بها أوّلا، و إلّا فلا وجه للاستشكال.

ثمَّ مقتضى إطلاق الصحيحة الاولى و كلام أكثر الأصحاب بل تصريح جماعة «4»: عدم الفرق في القرطاس بين المتخذ من القنّب [1] و القطن و الكتان و الإبريسم.

خلافا للمحكي عن التذكرة «5»، فاعتبر فيه كونه مأخوذا من غير الإبريسم،

______________________________

[1] القنّب: بالضم و فتح النون المشددة: نبات يؤخذ لحاؤه ثمَّ يفتل حبالا. مجمع البحرين 2: 150.

______________________________

(1) التهذيب 2: 309- 1251، الاستبصار 1: 334- 1258، الوسائل 5: 355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 1.

(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 12، التهذيب 2: 304- 1232، الاستبصار 1:

334- 1256، الوسائل 5: 356 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3.

(3) الذكرى: 160.

(4) انظر: الذخيرة: 242، و الحدائق 7: 347، و الرياض 1: 144.

(5) التذكرة 1: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 261

و أرجع إليه إطلاق كلام علمائنا، لأنّه ليس بأرض و لا نباتها، و على هذا

فيجب استثناء المأخوذ من الصوف أيضا.

و فيه: أنّ هذا إنّما يصحّ، إذا جوّزنا السجود على النورة، و قلنا بصدق النبات على القرطاس المتّخذ من النبات، فإنّه يكون التعارض حينئذ بين العمومات المانعة عن السجود على غير الأرض و نباتها «1» و بين الصحيحة بالعموم من وجه، فيرجع في محل التعارض و هو القرطاس المتّخذ من غير النبات إلى المرجّح، و لا شكّ أنّه مع المانع لمخالفته للعامّة.

و أمّا إذا قلنا بعدم جواز السجود على النورة فتكون الصحيحة أخصّ مطلقا من العمومات، فتخصّ بها، و كذا إذا قلنا بعدم صدق النبات أو ما أنبتته الأرض على القرطاس مطلقا، كما هو كذلك، و صرّح به جماعة [1]، و لا يفيد كون أصله نباتا، ألا ترى أنّه يقال لزيد إنّه ممّا أولدته زينب، و إن كان ميّتا، و كذا أجزائه، بخلاف ما إذا استحيل إلى شي ء آخر كالرميم و التراب.

و استدلّ بعض مشايخنا المحقّقين لهذا القول- بعد تقويته- بندرة المأخوذ من الإبريسم، و الإطلاق ينصرف الى الغالب «2».

و يضعّف بأنّ المجوّز عام لا مطلق، مع أنّ الندرة الموجبة لانصراف اللفظ عنها ممنوعة جدّا.

و للدروس، فلم يجوّز السجود بالقرطاس المأخوذ من القطن و الكتان أيضا «3».

و وجهه ظاهر، و ضعفه أظهر، لعدم صدق الاسمين حينئذ و لا الملبوس.

ثمَّ إنّ مقتضى الصحيحة الأخيرة كراهة السجود على القرطاس المكتوب.

و هو كذلك، لها. و به صرّح الأصحاب.

______________________________

[1] منهم المحقق في المعتبر 1: 375، و صاحب الحدائق 7: 248.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.

(2) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

(3) الدروس 1: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 262

إلّا أنّهم قالوا باشتراط الصحة حينئذ بوقوع الجبهة على المكان الخالي

عن الكتابة، أو كون المكتوب منه مما يصحّ السجود عليه، و إلّا فيحرم.

و هو حسن، لأنّه إذا كان المكتوب منه مما لا يصحّ السجود عليه لم تصدق السجدة على القرطاس حتى تشمله أخباره، و يخرج بها عن دليل المنع.

نعم يكون المنع إذا كان له جرم مانع من وصول الجبهة إلى القرطاس. و إن كان مجرد اللون فلا منع.

و الظاهر عموم الكراهة للمبصر و القارئ و غيرهما.

خلافا للحلّي، و المحكي عن المبسوط، فخصّاها بالمبصر القارئ «1» و هو مبني على استنباط أنّ العلة في الكراهة حصول الشغل، و هو مخصوص بالقارئ.

و ضعّف: بمنع أنّه العلة، بل النصّ، و هو مطلق. مع أنّ القارئ لا يشغل حين السجدة، لعدم إمكان القراءة حينئذ.

و لو كانت الكتابة في أحد وجهي القرطاس، فهل يكره السجود على الوجه الآخر لصدق أنّ فيه كتابا؟.

الظاهر: نعم، لذلك.

المسألة السابعة: يجوز السجود على غير ما مرّ جواز السجود عليه في حال الضرورة و التقيّة،

لسقوط وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه بالاضطرار، و عدم سقوط السجود بالإجماع، و للمستفيضة من الروايات.

كرواية عيينة: أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ، فأكره أن أصلّي على الحصى فأبسط ثوبي، فأسجد عليه؟ قال: «نعم ليس به بأس» «2».

و ابن الفضيل: الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ و البرد؟ قال: «لا بأس

______________________________

(1) السرائر 1: 268، المبسوط 1: 90.

(2) التهذيب 2: 306- 1239، الاستبصار 1: 332- 1248، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 263

به» «1».

و أبي بصير: عن الرجل يصلّي في حرّ شديد، فيخاف على جبهته من الأرض قال: «يضع ثوبه تحت جبهته» «2».

و الأخرى: أكون في السفر فتحضر الصلاة، و أخاف الرمضاء على وجهي، كيف أصنع؟ قال: «تسجد على بعض ثوبك» قلت: ليس

عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله، قال: «اسجد على ظهر كفّك، فإنّها أحد المساجد» «3».

و الثالثة: عن الرجل يسجد على المسح، فقال: «إذا كان في تقية فلا بأس به» «4».

و علي بن يقطين: عن الرجل يسجد على المسح و البساط، فقال: «لا بأس إذا كان في حال التقيّة» «5».

و أحمد بن عمر: عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ و البرد، أو على ردائه إذا كان تحته مسح، أو غيره ممّا لا يسجد عليه، فقال: «لا بأس به» «6».

و منصور: إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج، أ فنسجد عليه؟ فقال:

______________________________

(1) التهذيب 2: 306- 1241، الاستبصار 1: 333- 1250، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 2.

(2) الفقيه 1: 169- 797، الوسائل 5: 352 أبواب ما يسجد عليه ب ح 8.

(3) التهذيب 2: 306- 1240، الاستبصار 1: 333- 1249، الوسائل 5: 351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5.

(4) التهذيب 2: 307- 1244، الاستبصار 1: 332- 1245، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 3.

(5) الفقيه 1: 176- 831، التهذيب 2: 307- 1245، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1 و 2.

(6) التهذيب 2: 307- 1242، الاستبصار 1: 333- 1251 بتفاوت يسير، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 264

«لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتّانا» «1».

و المروي في العلل: الرجل يكون في السفر، فيقطع عليه الطريق، فيبقى عريانا في سراويل، و لا يجد ما يسجد عليه، يخاف أن يسجد على الرمضاء أحرقت وجهه

قال: «يسجد على ظهر كفه فإنّها أحد المساجد» «2».

و الرضوي: «و إن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تحترق، أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حيّة أو شوكة أو شيئا يؤذيك، فلا بأس أن تسجد على كمّك إذا كان من قطن أو كتان» «3».

ثمَّ إنّ مقتضى رواية العلل تقديم القطن و الكتان عند الضرورة على غيرهما و لو ظهر الكف. و لا تزاحمها الروايات المتضمّنة أوّلا للثوب الشامل لما كان من غيرهما، لظهور عدم مدخليّة الثوبيّة، و لا ثوب المصلّي في ذلك قطعا، بل المنظور جنسه، فيكون أعم مطلقا من القطن و الكتان، فيخصّص بهما، و يؤكّده بل يدل عليه الرضوي المنجبر بفتوى الجماعة هنا.

و مقتضى رواية أبي بصير [الأخرى ] [1] تقديم ظهر الكف على سائر الأجناس بعد القطن و الكتّان.

و حمل الأمر فيها على الإرشاد تجوّز بلا قرينة. و التخصيص بما إذا لم يمكن غيرهما تخصيص بلا مخصّص.

فالقول بالترتيب بين الثوب أي القطن و الكتّان، و بين الكف و غيرهما بتقديم الأوّل ثمَّ الثاني، كما ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف، بل بين الثاني و الثالث- فيقدّم الكف على غيرها و غير القطن و الكتان- قويّ جدا.

و لا تنافيه الروايات المتقدّمة المتضمّنة لتجويز السجود على المسح و البساط

______________________________

[1] في النسخ: الاولى، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 308- 1247، الاستبصار 1: 332- 1247، الوسائل 5: 351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 7.

(2) علل الشرائع: 340- 1، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 6.

(3) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 7 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5،

ص: 265

من غير تقييد، عند التقيّة «1»، لجواز كون التقيّة في ترك السجود عليهما و وضع شي ء عليهما بل هو الظاهر، فيكون مفهوم تلك الروايات دليلا آخر على الترتيب، حيث يثبت البأس إذا لم تكن تقيّة في ذلك، بالإطلاق، فيشمل ما أمكن السجود على الثوب أو الكف.

المسألة الثامنة: ما مرّ من صحة السجود ببعض الأشياء دون بعض إنّما هو بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصّة،

و أمّا غيرها فيجوز وضعها على أيّ شي ء كان، بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام جماعة، له، و للأصل الخالي عن المعارض حتى ما مرّ، لأنّ معنى السجود إنّما هو وضع الجبهة.

و لبعض الأخبار، كصحيحة حمران: «كان أبي يصلّي على الخمرة، يجعلها على الطنفسة، و يسجد عليها، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» «2».

و المستفاد منها وضع سائر مساجده عليه السلام على الطنفسة.

و رواية أبي حمزة: «لا بأس أن تسجد و بين كفّيك و بين الأرض ثوبك» «3».

و في الرضوي المنجبر: «و لا بأس بالقيام و وضع الكفّين و الركبتين و الإبهامين على غير الأرض» «4».

المسألة التاسعة: السجود على الأرض أفضل من غيرها مما يصحّ السجود عليه،

بلا خلاف كما قيل «5»، له، و لكونه أبلغ في التذلّل، و لجملة من الأخبار،

______________________________

(1) راجع ص 263.

(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 11، التهذيب 2: 305- 1234، الاستبصار 1:

335- 1259، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 309- 1254، الوسائل 5: 353 أبواب ما يسجد عليه ب 5 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 8 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ذيل حديث 1.

(5) الحدائق 7: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 266

كرواية إسحاق: عن السجود على الحصر و البواري؟ فقال: «لا بأس، و أن يسجد على الأرض أحبّ إليّ» «1» الحديث.

و صحيحة هشام: «السجود على الأرض أفضل، لأنّه أبلغ في التواضع و الخضوع للَّه عزّ و جلّ» «2».

و يستفاد من التعليل أفضليّة السجود على التراب من غيره من الأجزاء الأرضية، بل وضع سائر المساجد السبعة على الأرض، بل على التراب.

و تدلّ على استحباب وضع اليدين على الأرض صحيحة زرارة الطويلة، و

فيها في حكم اليدين عند السجود: «و إن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك، و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» «3».

و رواية السكوني: «إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض لعلّ اللَّه يدفع عنه الغلّ يوم القيامة» «4».

و ظاهرها و إن كان الوجوب و لكن يحمل على الاستحباب بقرينة ما مرّ.

و أمّا روايته الأخرى: «ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه فإنّهما تسجدان كما يسجد الوجه» «5».

فيحتمل أن يكون المراد منه حيث يوضع الوجه من جهة الارتفاع و الانخفاض.

و أفضل أفراد الأرض للسجود التربة الحسينيّة، لمرسلة الصدوق: «السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 311- 1263، الوسائل 5: 368 أبواب ما يسجد عليه ب 17 ح 4.

(2) الفقيه 1: 177- 840، علل الشرائع: 341- 1، الوسائل 5: 367 أبواب ما يسجد عليه ب 17 ح 1.

(3) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(4) الفقيه 1: 205- 930، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 6.

(5) التهذيب 2: 297- 1198، الوسائل 6: 357 أبواب السجود 10 ح 3.

(6) الفقيه 1: 174- 725، الوسائل 5: 365 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 1. بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 267

و المرويّ في الاحتجاج: عن السجود على لوح من طين القبر، هل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلام: «يجوز ذلك و فيه الفضل» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    267     المسألة التاسعة: السجود على الأرض أفضل من غيرها مما يصح السجود عليه، ..... ص : 265

في مصباح الشيخ: كان لأبي عبد اللَّه

عليه السلام خريطة ديباج صفراء و فيها تربة أبي عبد اللَّه، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته و سجد عليه، ثمَّ قال: «إنّ السجود على تربة أبي عبد اللَّه عليه السلام يخرق الحجب» «2».

و في كتاب الحسن بن محمّد الديلميّ: كان الصادق عليه السلام لا يسجد إلّا على تربة الحسين تذلّلا للَّه و استكانة إليه «3».

و هل تتعدّى الفضيلة إلى تربة سائر الأئمة و الأنبياء؟

احتمله في شرح النفلية «4»، و الأصل ينفيه.

ثمَّ المراد من طين القبر و التربة و إن كان ما يسمّى بذلك عرفا و هو ما على القبر أو قريب منه جدّا، و لكن في مرسلة السراج، و المروي في كامل الزيارة، و المصباحين، و مصباح الزائر، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «يؤخذ طين قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعا» «5».

و في الأخير: و روي في حديث آخر: «مقدار أربعة أميال» و روي «فرسخ في فرسخ» «6».

و في كامل الزيارة عنه عليه السلام: «يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين باعا في سبعين باعا» «7».

______________________________

(1) الاحتجاج: 489، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 2.

(2) مصباح المتهجد: 677، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 3.

(3) إرشاد القلوب: 115، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 4.

(4) حكاه عنه في الحدائق 7: 261.

(5) الكافي 4: 588 الحج ب 24 ح 5، التهذيب 6: 74- 144، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 3، كامل الزيارات: 279- 2 و فيه: باعا مكان ذراعا، مصباح المتهجد:

676، مصباح الكفعمي: 508، حكاه عن مصباح الزائر

في البحار 98: 131- 53.

(6) حكاه عنه في البحار 98: 131- 54.

(7) كامل الزيارات: 281- 6، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ذيل ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 268

و مقتضى هذه الأخبار ترتّب الفضيلة على ما أخذ من سبعين ذراعا أو باعا، بل فرسخ، بل أربعة أميال. و هو كذلك، لذلك.

و لا يضرّ ضعف بعض الأخبار إن كان، لكون المقام مقام المسامحة.

و أمّا رواية الحجّال: «التربة من قبر الحسين بن علي عليهما السلام عشرة أميال» «1».

فلاختلاف النسخ فيها حيث إنّ في كثير منها «البركة» مقام «التربة» لا يتمّ الاستدلال بها.

المسألة العاشرة: يجب أن يكون موضع سجود الجبهة خاليا عن النجاسة إجماعا،

كما مرّ في بحث المكان مفصّلا.

و لا بأس بالموضع المشتبه بالنجس محصورا كان أو غير محصور. نعم لا يسجد على الجميع، بأن يسجد في كلّ سجدة من الصلاة بموضع أو في كلّ صلاة بموضع، فتفسد الصلاة في الأوّل و واحدة منها في الثاني. و لو صلّى كلّ واحد من أشخاص عديدة على موضع صحّت صلاة الجميع.

و لو جهل نجاسة موضع السجود و علم به بعد الصلاة، ففي وجوب الإعادة مطلقا، و عدمه كذلك، و الأوّل في الوقت و الثاني في خارجه، أقوال:

الأوّل ظاهر الجمل و العقود، قال: ما يوجب الإعادة في أحد و عشرين موضعا- إلى أن قال-: أو من سجد على شي ء نجس بعد علمه بذلك [1]. و إنّما قيّدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون المعنى مع علمه بذلك.

و الثاني ظاهر المعتبر و الإرشاد «2»، و حكي عن المبسوط و مهذّب القاضي و التذكرة و نهاية الإحكام و التبصرة و البيان و الذكرى «3».

______________________________

[1] الجمل و العقود (الرسائل العشر): 186. و فيه: مع تقدم علمه بذلك.

______________________________

(1) التهذيب 6:

72- 136، الوسائل 14: 512 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 7.

(2) المعتبر 2: 377، الإرشاد 1: 267.

(3) المبسوط 1: 119، المهذب 1: 154، التذكرة 1: 134، النهاية 1: 527، التبصرة: 35، البيان: 248، الذكرى: 219 و 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 269

و في نسبته إلى الأخير نظر، لأنّه صرّح فيه بأنّ السجود على النجس كالصلاة في الثوب النجس، و قد نقل في حكم الثوب قولين من غير ترجيح، ثمَّ قال بإمكان القول بعدم الإعادة مع الاجتهاد قبل الصلاة و الإعادة بدونه إن لم يكن إحداث قول ثالث.

و الثالث للمحقّق الثاني في حاشية الشرائع و حاشية الإرشاد، و المسالك بل روض الجنان «1»، و غيرهما [1].

و العجب من بعض المعاصرين أنّه قال بعدم العثور في المسألة على من حكمها بخصوصها بحكم «2».

و سيأتي تحقيقها في بحث الخلل.

المسألة الحادية عشرة: لو ألصق ترابا بجبهته،

أو وضع شيئا ممّا يسجد عليه تحت كور عمامته، أو كانت قلنسوته من الثياب المجوّز عليه السجود، أو إلى جبهته بطين فجفّ إذا كان له جرم و لو قليلا:

فصريح الذكرى: صحّة السجود «3».

و عن الشيخ: المنع من السجود على ما هو حائل له ككور العمامة و طرف الرداء «4».

فإن أراد المنع عن المحمول من حيث هو محمول- كما هو مقتضى التمثيل بطرف الرداء- حتّى يشمل مثل قطعة من المدر يأخذها الإنسان بيده و يضعها عند السجود و يسجد عليهما، فلا دليل على المنع.

______________________________

[1] كالسبزواري في الذخيرة: 351.

______________________________

(1) المسالك 1: 40، روض الجنان: 329.

(2) الرياض 1: 211.

(3) الذكرى: 159.

(4) الخلاف 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 270

و إن أراد ما كان محمولا و موضوعا على الجبهة- كالأمثلة الّتي ذكرناها- فللمنع وجه قويّ، لعدم

صدق الوضع على الأرض أو السجود عليها معه إن كان ملصقا به قبل السجود أيضا.

المسألة الثانية عشرة: لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة،

فإن أمكن تحصيله من غير قطع الصلاة أو فعل كثير وجب، و إلّا فإن لم يمكن مع قطع الصلاة أيضا، يسجد على ما أمكن، و إن أمكن فظاهر والدي- رحمه اللَّه- في المعتمد: السجود على ما لا يقطع معه الصلاة و إن كان من غير ما يصحّ السجود عليه.

و لعلّه لتحريم قطع الصلاة فهو ضرورة شرعيّة.

و يعارض بجواز القطع مع الضرورة أيضا و وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه فهو أيضا ضرورة شرعيّة.

مع أنّ حرمة القطع مطلقا- حتى في مثل ذلك الحال- لا دليل عليها، و دليلها لا يتعدّى إلى مثل هذا الموضع أيضا، و لو سلّم فيعارض أدلّة عدم جواز السجود إلّا على الأرض، و الترجيح لها، لمخالفتها العامّة.

بل هنا كلام آخر، و هو: أنّا نقول بانقطاع الصلاة و فسادها بترك السجود، أو بالسجود على غير ما يصحّ عليه مع إمكان تحصيله، فهي منقطعة لا أنّه يقطعها.

فالظاهر وجوب تحصيل ما يصحّ السجود عليه و لو بالخروج عن الصلاة.

و استصحاب صحّة الصلاة معارضة باستصحاب وجوب السجدة على ما يصحّ عليه.

المسألة الثالثة عشرة [عدم إمكان تحصيل ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت ]

لو لم يمكن تحصيل ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت أو في مكان معيّن كمسجد و أمكن في غيره، فهل يجب التأخير أو يجوز السجود على ما أمكن؟

الظاهر: الأوّل، لأدلّة وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه الموقوف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 271

على التأخير، و وجوب مقدّمة الواجب.

و أمّا الأخبار المتقدّمة، المجوّزة للسجود على الكمّ و بعض الثوب و نحوهما مع العذر الشامل لما اختصّ بزمان أو مكان دون غيرهما.

فتعارض أخبار عدم جواز السجود إلّا على الأرض أو ما ينبت منها «1»- بعد تخصيصها بغير صورة عدم إمكانهما مطلقا بالإجماع و

غيره- بالعموم من وجه، فيرجع إلى المرجّحات، و هي مع أخبار عدم الجواز، لمخالفتها العامّة.

المسألة الرابعة عشرة: لو سجد على ما لا يصحّ السجود عليه سهوا و لم يتفطّن حتّى رفع رأسه، يمضي

و لا يعود إلى السجدة و لا يعيد الصلاة، للأصل، و انتفاء العود باستلزامه الزيادة المبطلة، و الإعادة بتصريح الصحيح بأنّه: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «2» فلم يبق إلّا المضيّ.

و لا يرد أنّه أيضا ينتفي بوجوب السجود على ما يصحّ، لأنّ الوجوب إنّما هو مع الاختيار، و لا وجوب مع الغفلة، فلا تشمله أدلّة وجوبه.

و بعبارة أخرى: دليل وجوبه إمّا الإجماع المنتفي في المقام أو نحو قوله: «لا يجوز السجود إلّا على الأرض» و لا شكّ أنّ نفي الجواز إنّما هو مع التذكّر. و أمّا التوقيع فقد عرفت إجماله [1].

الثالث من واجبات السجود: الانحناء بقدر لم يكن موضع جبهته أرفع من موقفه بقدر معتدّ به،
اشارة

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المعتبر و التحرير «3».

بل بالأزيد عن اللبنة المقدّرة عند الأصحاب بأربع أصابع مضمومة تقريبا،

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لكن سيأتي التوقيع و وجه إجماله في ص 276 و 277.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.

(2) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.

(3) المعتبر 2: 207، التحرير 1: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 272

كما يؤيّده الآجر الموجود الآن في أبنية بني العبّاس بسرّ من رأى، و ظاهر المنتهى الإجماع على هذا التحديد «1».

لا لما قيل من أنّ الانحناء بأقلّ من هذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا «2»، لوضوح عدم اختلاف صدقه بزيادة إصبع و نحوها كما هو المطلوب.

بل لمرسلة الكافي: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» «3».

و حسنة ابن سنان: عن السجود على الأرض المرتفعة، فقال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك بقدر لبنة فلا بأس» «4».

دلّتا بمفهوم الشرط على ثبوت البأس- الذي

هو العذاب و الشدّة- مع الزيادة.

و القول بعدم دلالة البأس على الحرمة ضعيف.

و ربّما يوجد في بعض نسخ الحسنة «يديك» بالياءين المثنّاتين من تحت، بدل «بدنك» بالباء و النون في بعض النسخ، و على هذا فلا يتمّ الاستدلال بها.

و صحيحته: عن موضع جبهة الساجد، أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال:

«لا، و لكن يكون مستويا» «5».

و ظاهر أنّ السؤال فيها عن الجواز قطعا فالنفي له، دلّت على عدم جواز الرفع مطلقا، خرج قدر اللبنة و ما دونه بما مرّ فيبقى الباقي.

و لا ينافي التخصيص جزأه الأخير، لأنّه كلام برأسه مثبت لحكم آخر، و هو رجحان الاستواء، و لا ريب فيه، و لا دلالة له على الوجوب أيضا.

______________________________

(1) المنتهى 1: 288.

(2) كما في الرياض 1: 169.

(3) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 بعد ح 4، الوسائل 6: 359 أبواب السجود ب 11 ح 3.

(4) التهذيب 2: 313- 1271، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 11 ح 1.

(5) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 4، التهذيب 2: 85- 315، الوسائل 6: 357 أبواب السجود ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 273

نعم في بعض النسخ: «و ليكن مستويا» و عليه يكون أمرا مفيدا للوجوب.

و لكن يشكل إثباته به بعد اختلاف النسخ، مع أنّه يتعيّن حمله على الندب لو كان صريحا في الوجوب أيضا، بقرينة ما مرّ، و شهادة صحيحة أبي بصير: عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد قال: «إنّي أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي، و كرهه» «1».

فالقول بوجوب المساواة- كما عن بعض «2»- ضعيف.

و ظاهر كلام المتقدّمين عدم لحوق الانخفاض بالارتفاع، فيجوز بأيّ قدر كان، و عن التذكرة الإجماع عليه «3».

و

هو الحقّ، للأصل، و صدق السجود معه، و رواية محمّد بن عبد اللَّه:

عمّن صلّى وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: «إذا كان وحده فلا بأس» «4».

و بها يخصّ المفهوم المتقدّم، حيث إنّ مقتضاه ثبوت البأس مع عدم ارتفاع الجبهة الشامل لمطلق الانخفاض أيضا.

و عن الشهيدين و بعض آخر: الإلحاق «5»، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللَّه- في المعتمد.

لموثقة عمّار: في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض، فقال: «إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض، و إن كان أكثر من ذلك فلا» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 85- 316، الوسائل 6: 357 أبواب السجود ب 10 ح 2.

(2) انظر: غنائم الأيام: 200.

(3) التذكرة 1: 121.

(4) التهذيب 3: 282- 835، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 10 ح 4.

(5) الشهيد الأول في الدروس 1: 157، الشهيد الثاني في روض الجنان: 276، و انظر: جامع المقاصد 2: 299، و المدارك 3: 407.

(6) الكافي 3: 411 الصلاة ب 67 ح 13، التهذيب 3: 307- 949، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 274

و يضعّف بأنّها تدلّ على نفي الاستقامة، و هو لا يدلّ على التحريم من وجه، بل غايته الكراهة و هي مسلّمة.

و العجب من صاحب الحدائق حيث إنّه بعد ما نقل انتفاء دلالة الموثّقة على التحريم عن بعضهم طعن عليه بأنّه مبنيّ على أصله الضعيف من عدم دلالة الأمر و النهي على الوجوب و التحريم «1».

و لا أدري أيّ أمر أو نهي في الموثّقة، على أنّها واردة في الفراش فيمكن أن يكون ذلك لأجل أنّ مع غلظته لا

يحصل الاستقرار المطلوب.

و ظاهر الأخبار و الفتاوي و مقتضى الأصل اختصاص الحكم بالموقف و مسجد الجبهة، فلا ضير في ارتفاعهما أو انخفاضهما عن باقي المساقط بالأزيد عن المقدّر.

قال والدي- رحمه اللَّه-: إلّا أن يثبت الإجماع على العموم، و الظاهر عدم ثبوته كما يفهم عن المنتهى و الذكرى «2»، و إن كان الأحوط اعتباره. انتهى.

و هو كذلك.

فروع:

أ:

صرح جماعة بأنّه لا فرق في الارتفاع الممنوع بين ما كان بالانحدار و غيره «3».

و هو كذلك، لإطلاق النصّ.

ب:

لو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه، أو

______________________________

(1) الحدائق 8: 286.

(2) المنتهى 1: 288، الذكرى: 202.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 32، و روض الجنان: 276، و صاحب المدارك 3: 408، و صاحب الحدائق 8: 287، و المحقق القمي في غنائم الأيام: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 275

على ما لا يصحّ السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بالقدر المجزئ، فمقتضى القاعدة فيهما وجوب جرّ الجبهة على الأرض حتى يوضع على الموضع المأمور به، و عدم جواز الرفع إلّا إذا كان الارتفاع كثيرا لا يصدق معه السجود لغة أو يشك صدق السجود معه، إذ بالرفع يزيد في سجود الصلاة.

و كون السجود باطلا لا ينفع في تجويز الرفع، إذ السجود واجب، و الوضع على الموضع الغير المرتفع أو ما يصحّ السجود عليه واجب آخر، فعدم تحقّق أحدهما لا يجوّز زيادة الآخر.

و لا تتحقّق زيادة السجود بالجرّ، لأنّ السجود هو الوضع المسبوق بالرفع، فلا تلزم من الوضع على موضع بجرّة من موضع آخر زيادة سجود و إن تحقّق تجدّد وضع.

و الفرق بين الوضع على المرتفع أو ما لا يصحّ السجود عليه بتجويز الرفع في الأوّل

و عدمه في الثاني، لعدم استلزام الأوّل للزيادة و استلزام الثاني لها.

باطل، إلّا إذا قلنا بانتفاء صدق السجود على الوضع على المرتفع مطلقا، و هو تحكّم.

إلّا أنّ هاهنا أخبارا دالّة على جواز الرفع في الموضعين.

فما يدلّ في الأوّل رواية ابن حمّاد: أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: «ارفع رأسك ثمَّ ضعه» «1».

و ما يدلّ في الثاني التوقيع المرويّ في الاحتجاج و الغيبة: عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة و يقع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ بها؟ فوقّع عليه السلام: «ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» «2».

______________________________

(1) التهذيب 2: 302- 1219، الاستبصار 1: 330- 1237، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 4.

(2) الغيبة: 233، الاحتجاج: 484، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 276

و رواية ابن حمّاد: عن الرجل يسجد على الحصى، قال: «يرفع رأسه حتى يستمكن» «1».

و لكنّ الأوّل: معارض برواية أخرى لابن حمّاد: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي ء مرتفع، أحوّل وجهي إلى مكان مستو؟ قال:

«نعم جرّ وجهك عن الأرض من غير أن ترفعه» «2».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض» [1].

و الثاني: أمّا توقيعه فمقدوح بأنّه إنّما يبيّن حكم ما إذا رفع الرأس، كما هو المسؤول عنه، فلا دخل له بالمتنازع فيه، مع أنّه إن كان منه أيضا لا يفيد، لتحقّق الإجمال فيه بالتقييد بقوله: «ما لم يستو» حيث إنّه يعارض منطوقه بضميمة الإجماع المركّب

مفهومه مع هذه الضميمة.

و أمّا روايته فبمعارضتها مع صحيحة علي: عن الرجل يسجد على الحصى و لا يمكّن جبهته من الأرض قال: «يحرّك جبهته حتّى تمكّن فتنحّى الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» «3».

و قد يجاب عن معارض الأوّل بأنّه يشمل جميع أفراد الارتفاع، و الأوّل مخصوص بما لا يجوز وضع الجبهة عليه، للإجماع على عدم جواز الرفع إذا كان الارتفاع أقلّ منه، فهو أخصّ مطلقا من معارضه فيجب التخصيص به.

______________________________

[1] الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 3، التهذيب 2: 302- 1221، الاستبصار 1:

330- 1238، الوسائل 6: 353 أبواب السجود ب 8 ح 1. و النبكة: بالتحريك و قد تسكّن الباء: الأرض التي فيها صعود و نزول، و التلّ الصغير أيضا. مجمع البحرين 5: 295.

______________________________

(1) التهذيب 2: 310- 1260، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 5.

(2) التهذيب 2: 312- 1269، الاستبصار 1: 330- 1239، الوسائل 6: 353 أبواب السجود ب 8 ح 2.

(3) التهذيب 2: 312- 1270، الاستبصار 1: 331- 1240، قرب الإسناد: 202- 779، الوسائل 6:

353 أبواب السجود ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 277

و يضعّف بأنّ المعارض أيضا مخصوص بذلك، لعدم وجوب الجرّ مع الوضع على ما ارتفع بقدر يجوز السجود عليه، فيحصل التكافؤ.

مع أنّ المعارض مخصوص أيضا بصورة إمكان الجرّ بدون انفصال الجبهة، و الأوّل أعمّ منه، بل الغالب في المكان المرتفع أنّه تنفصل الجبهة بالجرّ إلى الموضع المساوي عن الأرض، فيتعارضان إمّا بالعموم من وجه فيرجع إلى القاعدة، أو المطلق، فيقدّم الخاصّ و هو أيضا مطابق للقاعدة.

و عن معارض الثاني بأنّه غير صريح في النهي عن الرفع بل غايته رجحان عدمه،

و هو لا ينافي جواز الرفع.

إلّا أنّ دليل الرفع مخصوص بصورة عدم تمكّن الجبهة لا الوضع على ما لا يسجد عليه كما هو المطلوب، و عدم الفصل غير معلوم.

فالقول بوجوب الجرّ مع الإمكان في الصورتين- كما هو مختار المدارك و الذخيرة «1»- أقوى ممّا عليه الأكثر من التفصيل بين الموضعين بتجويز الرفع في الأوّل و إيجاب الجرّ في الثاني «2»، مع أنّه أقرب إلى الاحتياط أيضا.

ج:

لو وضع جبهته على ما لا يسجد عليه سهوا و لم يتفطّن حتى رفع رأسه فيجي ء حكمه في باب خلل الصلاة «3».

الرابع: الذكر فيه مطلقا،

أو التسبيح منه خاصّة، على الخلاف المتقدّم في الركوع، فإنّ السجود كالركوع في ذلك، لاتّحاد الدليل، إلّا أنّه يبدّل لفظ العظيم بالأعلى استحبابا، للمستفيضة من النصوص «4».

______________________________

(1) المدارك 3: 408، الذخيرة: 285.

(2) انظر: جامع المقاصد 2: 299 و 300، روض الجنان: 276، الحدائق 8: 287.

(3) قد مرّ حكم هذا الفرع في ص 271 فراجع.

(4) انظر: الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7، 339 أبواب السجود ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 278

الخامس: الاعتماد على المواضع السبعة بإلقاء الثقل عليها،

على ما صرح به جماعة [1].

فلو اكتفى بمجرّد الإلصاق لم يجز، لأنّه المأخوذ في معنى الوضع المأخوذ في معنى السجدة.

فإن ثبت ذلك أو الإجماع فهو، و إلّا فللنظر فيه مجال، سيّما بملاحظة الأخبار المتضمّنة لمسّ الجبهة الأرض أو إلصاقها أو إصابتها إياها «1».

و أمّا صحيحة علي: «تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» «2» و رواية ابن حمّاد و صحيحة علي المتقدّمتان «3» و إن صلحت للتأييد و لكن في دلالتها نظر من وجوه، منها عدم صراحة الإمكان و الاستمكان في المطلوب.

و الأحوط مراعاته جدّا، فلو سجد على مثل الصوف أو القطن أو الفراش الغليظ يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء.

السادس: الطمأنينة،

للإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «4»، و المرسل و الحسنة المتقدّمتين في الركوع «5».

و الظاهر أنّ المراد منها السكون و الاستقرار (لا مجرّد استقراره على هيئة الساجد، فلو سجد محرّكا جبهته جارّا إيّاها على الأرض لم يطمئنّ) [2].

و من هذا يظهر عدم تماميّة الاستدلال على وجوب الطمأنينة بوجوب كون

______________________________

[1] كالشهيد في الذكرى: 201، و صاحب الحدائق 8: 279، و صاحب الذخيرة: 286.

[2] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9.

(2) التهذيب 2: 76- 284، الاستبصار 1: 323- 1206، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب 4 ح 3.

(3) في ص 276.

(4) كما في المعتبر 2: 210، و المدارك 3: 409، و المفاتيح 1: 144.

(5) راجع ص 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 279

الذكر في السجود، و كذا يظهر عدم وجوب كونها بقدر الواجب من الذكر و إن كان الأحوط مراعاته، بل الظاهر اتّحاده مع المسمّى على ما اخترناه من كفاية مطلق الذكر.

و لو تعذّرت الطمأنينة سقطت، و يسقط معه

الذكر أيضا لو لم يتمكّن من أداء الواجب منه في السجدة.

السابع: أن يراعي هيئة السجود،

فلو أكبّ على وجهه و مدّ يديه و رجليه و وضع جبهته على الأرض لم يجز، لأنّ هذه الهيئة لا تسمّى سجودا، بل يقال نوم على وجهه.

و عن الفاضل: وجوب تجافي البطن، معلّلا بأنّ بدونه لا يسمّى سجودا «1».

و فيه منع ظاهر، كما صرّح به بعض آخر أيضا «2».

فلو ألصق بطنه الأرض مع كونه على هيئة الساجد و وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة، فالظاهر الصحّة.

الثامن:

رفع الرأس من السجود حتّى يجلس.

التاسع: الطمأنينة في الجلوس بمسمّاها،

إجماعا محقّقا، و محكيّا في الموضعين «3».

و لمرسلة الذكرى «4».

و إحدى روايتي أبي بصير المتقدّمتين في الركوع «5».

______________________________

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 490.

(2) انظر: الحدائق 8: 280.

(3) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 558، و المعتبر 2: 210، و المنتهى 1: 288، و التذكرة 1:

121.

(4) الذكرى: 196.

(5) راجع ص 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 280

و صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، و فيها- بعد أمر اللَّه سبحانه للنبي بالسجود للصلاة-: «ثمَّ أوحى اللَّه تعالى إليه: استو جالسا يا محمّد» «1».

و ظاهر أنّ الاستواء في الجلوس لا يتحقّق إلّا مع الطمأنينة.

المطلب الثاني في مستحبّات السجود و هي أمور:
الأوّل: التكبير للأولى إجماعا،

له، و لصحيحة زرارة و فيها: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا» «2».

و الأخرى: «ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» «3».

و الثالثة: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمَّ اركع و اسجد» «4».

و رواية حمّاد و فيها: ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه ثمَّ سجد «5».

و رواية معلّى: «كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا هوى ساجدا انكبّ

______________________________

(1) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 3، التهذيب 2: 297- 1197 و لم يذكر فيه قوله: و كبّر، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2

ح 1.

(5) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 281

و هو يكبّر» «1».

و في الحسن: «إذا سجدت فكبّر و قل اللهمّ سجدت» «2» الحديث، أي:

إذا أردت السجود، إذ لا تكبير بعد الدخول فيه مستحبا إجماعا.

استحبابا على الأشهر الأظهر.

خلافا لشاذّ فأوجبه «3».

و تحقيقه في الركوع قد مرّ.

و يجوز كونه حال القيام أو الهويّ، كما صرّح به جماعة منهم الخلاف و المنتهى «4».

و يستحبّ كونه في حال القيام لما في المنتهى من أنّ عليه فتوى علمائنا «5»، بل هو ظاهر المعتبر أيضا «6»، و مثله كاف في مقام الاستحباب.

و أمّا الاستدلال عليه بالروايات الثلاث الاولى فغير تامّ، لعدم دلالة الأوليين منها على ترتيب، و الثالثة تثبت الترتيب بين التكبير و السجود لا بينه و بين الهويّ، و أمّا بالرابعة فكان حسنا لو لا معارضتها مع الخامسة، كما أنّ الاستدلال بالخامسة، على استحباب البدأة به قائما و الانتهاء به مع مستقرّه ساجدا، لا يتمّ لذلك أيضا.

الثاني:

التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى.

______________________________

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 5، الوسائل 6: 383 أبواب السجود ب 24 ح 2.

(2) الكافي 3: 321 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 79- 295، الوسائل 6: 383 أبواب السجود ب 24 ح 1.

(3) انظر: المراسم: 71، و الذكرى: 198.

(4) الخلاف 1: 353، المنتهى 1: 288.

(5) المنتهى 1: 288.

(6) المعتبر 2: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 282

الثالث: التكبير للسجدة الثانية،

لفتوى الفقهاء، و صحيحة حمّاد: ثمَّ رفع رأسه من السجود، فلمّا استوى جالسا قال: اللَّه أكبر، ثمَّ قعد على فخذه الأيسر. إلى أن قال:- ثمَّ كبّر و هو جالس و سجد السجدة الثانية و قال كما قال في الأولى «1».

و للمرويّ في الاحتجاج و كتاب الغيبة: عن المصلي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير و يجزئه أن يقول: بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد، فوقّع عليه السلام:

«إنّ فيه حديثين، أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير، و أمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمَّ جلس ثمَّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود التكبير، و كذلك التشهد الأوّل يجري هذا المجرى، و بأيّهما أخذت من جهة التسليم [كان صوابا]» «2».

و تدلّ على الثانية رواية زرارة الثالثة أيضا.

الرابع: التكبير بعد الرفع من الثانية،

لفتوى الأصحاب، و لرواية الاحتجاج.

و تؤيّده الروايات المصرّحة بأنّ تكبيرات الصلاة خمس و تسعون «3».

و إنّما جعلناها مؤيّدة لاحتمال تبديل هذا التكبير بالتكبير بعد الرفع عن الركوع.

و المشهور استحباب كلّ من الثلاثة حال الاستواء جالسا، و هي و إن صلحت لإثباته، سيّما مع تكبير الإمام الأوّلين جالسا «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 311 ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 549 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الاحتجاج: 483، الغيبة: 232. ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5.

(4) راجع صحيحة حمّاد المذكورة آنفا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 283

إلّا أنّه روى السيد في مصباحه مرسلا: إنّه إذا كبّر للدخول في فعل

من الصلاة ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه، و للخروج بعد الانفصال عنه.

و به تعارض الشهرة و الصحيحة.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الاستحباب نظرا، لجواز عدم كونه كذلك من العبادة، فإنّه لا بدّ من الإتيان به في حال.

فالوجه تساوي الأمرين في الثلاثة بل الأربعة، بل الأولى في الرابع إتمامه قبل الجلوس، لصريح رواية الاحتجاج، و لعدم تلازم بين استحبابه و جلسة الاستراحة فمع تركها لا يكون جلوس، نعم يستحبّ تكبير الركوع حال القيام لخصوصية دليله.

الخامس: أن يبدأ بيديه في الهويّ للسجود،

فيضعهما على الأرض قبل ركبتيه، إجماعا كما في الخلاف و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام «1»، له، و للنصوص كصحيحة زرارة: «و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك، فضعهما معا» «2».

و صحيحتي محمّد «3»، و رواية ابن أبي العلاء «4»، و قد يحمل عليه حديث التخوّي الآتي أيضا «5».

و ظاهر الأمر في الأوّل و إن كان الوجوب، كما عن أمالي الصدوق مدّعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه «6».

______________________________

(1) الخلاف 1: 354، المنتهى 1: 288، التذكرة 1: 121، نهاية الإحكام 1: 492.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(3) التهذيب 2: 78- 291 و 293، الاستبصار 1: 325- 1215 و 1217، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 1 و 2.

(4) التهذيب 2: 78- 292، الاستبصار 1: 325- 1216، الوسائل 6: 338 أبواب السجود ب 1 ح 4.

(5) انظر: ص 287 الهامش 2.

(6) أمالي الصدوق: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 284

إلّا أنّه مدفوع بصحيحة البصري: عن الرجل إذا ركع ثمَّ رفع رأسه، أ يبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال: «لا

يضرّ، أيّ ذلك بدأ فهو مقبول» «1».

و موثقة أبي بصير: «لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» «2».

و ظاهر الصحيحة الأولى استحباب وضع اليدين معا كما صرّح به في الذكرى «3»، بل قيل: إنّه المشهور «4»، و في رواية مذكورة في بعض كتب الأصحاب: إنّه يضع اليمنى قبل اليسرى «5»، و هو اختيار الجعفي.

و التخيير بينهما وجه الجمع و إن كان العمل بالأوّل أولى، لشهرته و صحّة روايته.

السادس: التجنّح،

بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود، بأن يجنح بمرفقيه و يرفعهما عن الأرض، مفرّجا بين عضديه و جنبيه، و مبعّدا يديه عن بدنه، و جاعلا يديه كالجناحين، بالإجماع كما قيل «6»، له، و لصحيحة زرارة: «لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه، و لا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك و فخذيك و لكن تجنح بمرفقيك» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 300- 1211، الاستبصار 1: 326- 1219، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 3.

(2) التهذيب 2: 78- 294، الاستبصار 1: 326- 1218، الوسائل 6: 338 أبواب السجود ب 1 ح 5.

(3) الذكرى: 201.

(4) كما في الحدائق 8: 292.

(5) انظر: الذكرى: 202.

(6) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 559.

(7) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 285

و صحيحة حمّاد الواردة في التعليم «1».

و المروي عن جامع البزنطي: «إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع ذراعيه، و لكن اجنح بهما، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يجنح بهما حتّى يرى بياض إبطيه» «2».

و عن الإسكافي: أفضليّة عدم التجنّح «3»، و هو بما مرّ

محجوج.

هذا للرجل، و كذا سابقة.

و أمّا المرأة فتسبق في هويّها بالركبتين و تبدأ بالقعود، ثمَّ تضع يديها على الأرض، و تفترش ذراعيها حال السجود، لأنّه أستر، و لحسنة زرارة: «فإذا جلست فعلى أليتيها، ليس كما يقعد الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض» «4».

و صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» «5».

و مرسلة ابن بكير: «المرأة إذا سجدت تضمّمت، و الرجل إذا سجد تفتّح» «6».

السابع: ضمّ الأصابع جميعا حال وضعها على الأرض،

لظاهر الوفاق كما في المعتمد، و لقوله في صحيحة زرارة: «و لا تفرّجنّ بين أصابعك في سجودك و لكن

______________________________

(1) انظر: الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 81- 301، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

(2) رواه عنه في البحار: 82: 137- 18.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 203.

(4) الكافي 3: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94- 350، الوسائل 5: 462 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.

(5) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 4، التهذيب 2: 94- 351، الوسائل 6: 341 أبواب السجود ب 3 ح 2.

(6) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 8، التهذيب 2: 95- 353، الوسائل 6: 342 أبواب السجود ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 286

ضمّهنّ جميعا» «1».

و في صحيحة حمّاد: و بسط كفّيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه «2».

و إطلاقهما يقتضي ضمّ الإبهام أيضا.

و عن الإسكافي: استحباب تفريقها عنها «3»، و لا أعرف مأخذه إلّا المروي في كتاب النرسي بإسناده عن سماعة: إنّه رأى أبا عبد اللَّه عليه السلام إذا سجد بسط يديه على الأرض بحذاء وجهه، و فرّج

بين أصابع يديه «4».

و هو لا يختصّ بالإبهامين، و مع ذلك لا يفيد، لأنّ القول مقدم على الفعل عند التعارض، فيحمل على الجواز.

مستقبلا بها إلى القبلة، للرضوي: «و ضمّ أصابعك، وضعها مستقبل القبلة» «5».

الثامن: وضع اليدين طولا-

أي: فيما بينه و بين القبلة-: حيث يحاذي وجهه لا متجاوزا عنه إلى القبلة، و لا غير واصل إليه قريبا إلى سمت الركبة، و عرضا: بين يدي الركبتين، لا قريبا من الوجه، و لا متجاوزا عن مقابلة الركبتين إلى اليمين و الشمال، لصحيحة حمّاد المتقدّمة، فقوله: «بين يدي ركبتيه» بيان لجهة العرض، أي: يضعهما حيث يقابل الركبتين من غير تجاوز إلى يمينهما أو شمالهما، و قوله:

«حيال وجهه» بيان لجهة الطول، أي حيث يحاذي الوجه، لا أقرب إلى الركبة منه، و لا إلى القبلة.

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 203.

(4) رواه عنه في البحار 82: 140- 27.

(5) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 287

أو وضعهما طولا: حيث لم يصل حذاء الوجه، بل بحيث يحاذي المنكبين، و عرضا: حيث ينحرف عن بين يدي الركبتين قليلا إلى اليمين و الشمال، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «و لا تلصق كفّيك بركبتيك، و لا تدنهما من وجهك، بين ذلك حيال منكبيك، و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك، و لكن تحرّفهما عن ذلك شيئا» «1».

فيكون قوله: «و لا تلصق» إلى قوله: «حيال منكبيك» بيانا لجهة الطول،

و ما بعده للعرض.

مخيّرا بين الطريقين، للخبرين. مع أولوية الثاني، لقوليّة روايته و إن ضمّ مع فعليّة الأوّل قوله أخيرا: «هكذا صلّ».

و يمكن أن يحمل الثاني على ما يطابق الأوّل أيضا، بأن يحمل قوله: «و لا تلصق» على بيان جهة الطول كما هو كذلك، و قوله: «و لا تدنهما» على جهة العرض، و قوله: «حيال منكبيك» على جهة العرض أيضا حيث إنّه يطابق حذاء الوجه عرضا، و قوله: «و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك» أي: وسطهما، بل تحرفه عن الوسط إلى محاذاة الركبتين، و لكنّه تكلّف، و مع ذلك يلغو قوله: «بين ذلك» فتأمّل.

التاسع: أن يجافي بطنه،

أي: رفعه عن الأرض، لأنّه معنى التخوّي الثابت رجحانه من الأخبار «2»، و لقوله في مرسلة ابن بكير المتقدم: «و الرجل إذا سجد تفتّح» «3» و لفتوى الأصحاب.

العاشر: قبض اليدين إليه بعد بسطه على الأرض،

و هو عند رفع الرأس،

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 6: 341 أبواب السجود ب 3.

(3) راجع ص 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 288

و يحتمل وجهين:

أحدهما: ما ذكره والدي- رحمه اللَّه- و هو أن يضمّها إلى جانبه بعد الرفع، ثمَّ يرفعهما بالتكبير، حتّى يكون رفعهما بالتكبير غير رفعهما عن الأرض، و لا يتحقّق الرفعان برفع واحد.

و الثاني: أن يكون المراد قبض الكفين بجمعهما، كمن يأخذ في قبضته شيئا.

و لم أعثر على مصرّح باستحبابه، و الظاهر أنّ في معناه إجمالا، لا يمكن أن يتمسك به لأحد الوجهين.

و أمّا حمله على أنّ المراد ضمّهما إلى الجانب و وضعهما على الركبتين ثمَّ بالتكبير، فلا يستفاد من القبض.

و أمّا قول الصدوق: و إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه إليه قبضا، فإذا تمكّن من الجلوس رفعهما بالتكبير «1».

فلا يفيد ذلك المعنى، كما توهّم «2».

الحادي عشر: رفع اليدين للسجدتين و الرفعين،

للروايات المتقدمة في الركوع «3».

و صريح الصحيحين رفعهما بالتكبير عند السجود الاولى، و الأولى جعلهما كذلك في البواقي أيضا.

الثاني عشر:

أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه، لما مرّ «4».

______________________________

(1) كما في الفقيه 1: 206.

(2) انظر: الحبل المتين: 213.

(3) انظر: الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2.

(4) راجع ص 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 289

و أمّا الأخفضيّة- كما في الشرائع «1»- فلا دليل على رجحانه.

الثالث عشر: وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه،

لصحيحة حمّاد التعليمية «2»، و موثقة عمّار: «لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب الجبين» «3».

و رواية ابن المغيرة: «لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» «4».

و ظاهر الروايتين و إن كان الوجوب، إلّا أنّ عدم قائل به ينفيه، و يوجب حمله على الاستحباب، و أمّا الصدوق فظاهر كلامه وجوب الإرغام [1]، كما يأتي.

و أمّا نفي الوجوب هنا بخبر ابن مصادف- المنجبر بالشهرة بل الإجماع حقيقة-: «إنّما السجود على الجبهة، و ليس على الأنف سجود» «5» و بما يصرّح بظاهر الحصر فيما قال: «السجود على سبعة أعظم» «6».

فإنّما يفيد لو قلنا بعدم دخول الاعتماد في معنى السجود، و صدقه بمطلق الإصابة.

و أمّا إذا قلنا بدخوله فيه- كما صرّح به جماعة منهم شيخنا البهائي، و لذا جعل السجود أعمّ من وجه من الإرغام «7»- فلا تنافي، إذ نفي وجوب السجود

______________________________

[1] قال في الفقيه 1 ص 205: و من لا يرغم أنفه فلا صلاة له. و قال في الهداية ص 32: و الإرغام بالأنف سنّة و من تركها لم يكن له صلاة.

______________________________

(1) الشرائع 1: 87.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(3) التهذيب 2: 298- 1202، الاستبصار 1: 327- 1223، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب

4 ح 4.

(4) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 2، الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 7.

(5) التهذيب 2: 298- 1200، الاستبصار 1: 326- 1220، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 1.

(6) التهذيب 2: 299- 1204، الاستبصار 1: 327- 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.

(7) انظر: نهاية الإحكام 1: 489، و الذكرى: 201، و الحدائق 8: 296 نقلا عن الشيخ البهائي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 290

بذلك المعنى لا ينفي الإصابة و الإرغام.

و قد يستدلّ «1» على نفي الوجوب بقوله في صحيحة حمّاد، و قوله في صحيحة زرارة: إنّ الفرض سبعة، و الإرغام سنّة «2».

و هو شبهة، لأنّ السنّة في مقابل الفرض ما ليس في كتاب اللَّه سبحانه، كما تصرّح به صحيحة حمّاد أيضا [1].

و يستحب إرغامه، أي وضعه على الرغام و هو التراب، لصحيحة زرارة، و فيها بعد ذكر الأعضاء السبعة: «و ترغم بأنفك إرغاما، فأمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم» «3».

و الرضوي: «و ترغم بأنفك و منخريك في موضع الجبهة، من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم» «4».

و الظاهر أنّه مستحب في مستحب، أي يستحبّ مع وضع الأنف على ما يصحّ السجود، وضعه على التراب بخصوصه أيضا، لورود الأمرين.

فهو سنّة مغايرة للأوّل، كما صرّح به شيخنا البهائي «5»، و نقله عن بعض مؤلّفات الشهيد.

و عن الشهيدين، و من تأخّر عنهما: إنّ هنا مستحبا واحدا، هو وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه من إرغام أو غيره «6». قيل: لأنّ مزيّة الأنف على الجبهة غير معقولة.

______________________________

[1] و تصرّح به أيضا صحيحة زرارة

كما ستأتي.

______________________________

(1) انظر: جامع المقاصد 2: 306.

(2) انظر: الهامش (2) من الصفحة السابقة و (4) من هذه الصفحة.

(3) التهذيب 2: 299- 1204، الاستبصار 1: 327- 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 114.

(5) حكاه عنه في الحدائق 8: 296.

(6) كما في الدروس 1: 181، و المسالك 1: 32، و روض الجنان: 277. و انظر: الذخيرة: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 291

و يضعّف بأنّ هذا إذا خصّصنا الأنف بالإرغام و إلّا فيساوي الجبهة، لأنّ وضعها على التراب أيضا مستحبّ.

و قيل: لأنّ التغيير في التعبير في الأخبار- من لفظ الإرغام في بعض و السجود في بعض- من باب المسامحة، و إلّا فالمراد واحد، و هو وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه، و ذكر الإرغام إنّما هو من حيث أفضليّة السجود على الأرض بالجبهة، و الأنف تابع لها «1».

و فيه ما فيه: فإنّ بعد أفضليّة السجود على الرغام لا يكون المستحبّ أمرا واحدا.

ثمَّ ظاهر إطلاق الأخبار إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.

و السيّد، و الحلّي عيّنا العرنين منه [1]، و لعلّ مأخذه رواية العيون الآتية «2»، و لكنّها لا تدلّ على اختصاص الموضوع بالعرنين، فلعلّه كان يضع مجموع الأنف، و إن حصل الأثر في العرنين، لأنّه أقرب إلى التأثير، فتأمّل.

و يحتمل إرادتهما الإجزاء لا التعيين.

و يؤيّد المشهور بالرضوي المتقدّم، حيث إنّ ظاهره كفاية وضع الأنف بأيّ جزء منه حتى المنخرين.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ قوله فيه: «و منخريك» غلط النسّاخ، و إن كان كذلك في كلّ نسخة منه رأيناه، إذ لا معنى صحيحا له.

و الظاهر أنّه «و يجزيك ..». و يؤيّده أنّ مقتضاه- من اعتبار قدر الدرهم في

موضع الجبهة- هو فتوى الصدوق «3»، المطابقة لعبارات ذلك الكتاب غالبا.

______________________________

[1] السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32، الحلّي في السرائر 1: 225.

و العرنين هو كل شي ء أوّله، و عرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين و هو أوّل الأنف حيث يكون فيه الشمم. انظر: الصحاح 6: 2163.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 8: 297.

(2) انظر: ص 294.

(3) كما في المقنع: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 292

الرابع عشر:

أن يكون ذكره تسبيحا، على ما مرّ في الركوع عددا و كيفيّة «1»، إلّا بتبديل العظيم بالأعلى.

الخامس عشر: الدعاء أمام الذكر

بما في حسنة الحلبي: «إذا سجدت فكبّر، و قل: اللّهم لك سجدت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكّلت، و أنت ربي، سجد وجهي للّذي خلقه، و شقّ سمعه و بصره، الحمد للَّه ربّ العالمين، تبارك اللَّه أحسن الخالقين. ثمَّ قل: سبحان ربّي الأعلى و بحمده. فإذا رفعت رأسك، فقل بين السجدتين: اللهمّ اغفر لي، و ارحمني و أجرني، و ادفع عنّي، إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللَّه ربّ العالمين» «2».

أو بما في الرضوي، و هو كما سبق، إلى قوله: «أنت ربي، سجد لك وجهي و شعري و بشري و مخّي و لحمي و دمي و عصبي و عظامي، سجد وجهي البالي الفاني الذليل المهين، للّذي خلقه و صوّره و شقّ سمعه و بصره، تبارك اللَّه أحسن الخالقين، سبحان ربّي الأعلى و بحمده- إلى أن قال:- و قل بين سجدتيك:

اللّهم اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني، فإنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير. ثمَّ اسجد الثانية، و قل فيه ما قلت في الأولى» الحديث «3».

و يستحبّ أن يقول في السجدات الأربع (الأولى) [1] قبل الذكر أو بعده ما في صحيحة الحذّاء [2].

______________________________

[1] ليس في «ه» و «ح».

[2] قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول و هو ساجد: «أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله إلّا بدّلت سيئاتي حسنات و حاسبتني حسابا يسيرا» ثمَّ قال في الثانية: «أسألك بحق حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله إلّا كفيتني مئونة الدنيا و كلّ هول دون الجنة» و قال في الثالثة: «أسألك

بحق حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله لما غفرت لي الكثير من الذنوب و القليل و قبلت منّى عملي اليسير» ثمَّ قال في الرابعة: «أسألك بحق حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله لما أدخلتني الجنّة و جعلتني من سكّانها و لما نجّيتني من سفعات النار برحمتك». الكافي 3: 322 الصلاة ب 25 ح 4، الوسائل 6: 340 أبواب السجود ب 2 ح 2. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) راجع ص 202- 213.

(2) الكافي 3: 321 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 79- 295، الوسائل 6: 339 أبواب السجود ب 2 ح 1.

(3) فقه الرضا (ع): 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 293

و أن يدعو ما في المرويّ في السرائر: «ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد: يا خير المسؤولين و يا خير المعطين، ارزقني و ارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم» [1].

و أمّا الدعاء بغير المأثور بخصوصه و طلب الحاجات و إن جاز في سجدة الصلاة بالإجماع و الأصل و النصوص، إلّا أنه لا يستحبّ بخصوصه.

و يظهر من بعضهم استحبابه «1»، استنادا إلى رواية ابن سيابة: أدعو و أنا ساجد؟ قال: «نعم، فادع للدنيا و الآخرة» «2».

و ابن عجلان [2]: شكوت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام تفرّق أحوالنا و ما دخل علينا، فقال: «عليك بالدعاء و أنت ساجد، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللَّه عزّ و جلّ و هو ساجد» قال، قلت: فأدعو في الفريضة و أسمي حاجتي؟ فقال:

«نعم فقد فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم، و فعله عليّ عليه السلام بعده» «3».

و لا دلالة لهما

إلّا على الجواز، فإنّ السؤال ظاهر فيه أو محتمل له.

نعم، تدلّ الثانية على استحباب كون الدعاء حالة السجود لا خصوص

______________________________

[1] لم نجده في السرائر، و هو موجود في الكافي 2: 551- 4، الوسائل 6: 372 أبواب السجود ب 17 ح 4.

[2] كذا في النسخ، و في المصادر: عبد اللَّه بن هلال.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 170.

(2) الكافي 3: 323 الصلاة ب 25 ح 6، التهذيب 2: 299- 1207، الوسائل 6: 371 أبواب السجود ب 17 ح 2.

(3) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 11، مستطرفات السرائر: 98- 20، الوسائل 6: 371 أبواب السجود ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 294

سجود الصلاة، بل ربّما يشعر بنوع كراهة فيه رواية محمّد: صلّى بنا أبو بصير بطريق مكّة فقال و هو ساجد- و قد كانت ضاعت ناقة لجمّالهم-: اللّهمّ ردّ على فلان ناقته. قال محمّد: فدخلت على أبي عبد اللَّه فأخبرته، فقال: «قد فعل؟» فقلت: نعم. قال: فسكت. قلت: أ فأعيد الصلاة؟ قال: «لا» «1».

السادس عشر:

الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، على ما مرّ في الركوع كيفيّة و دليلا «2».

السابع عشر:

أن يزيد في تمكّن السجود على الجبهة، لفتوى الفقهاء «3»، و لأنّه الظاهر من مطلوبيّة تحصيل أثره الذي مدح اللَّه عليه بقوله سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ «4».

و في رواية السكوني: «إنّي لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس عليها أثر السجود» [1].

و المرويّ في العلل: «إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمّي السجّاد» «5».

و منه يظهر استحباب زيادة الاعتماد في سائر المساجد أيضا. و في العيون:

قال: دخل على أبي الحسن موسى بن جعفر قال: فإذا بغلام أسود بيده مقصّ، يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة السجود «6».

______________________________

[1] التهذيب 2: 313- 1375، الوسائل 6: 376 أبواب السجود ب 21 ح 1. الجلحاء: الملساء، و الأرض الجلحاء: التي لا نبات فيها. مجمع البحرين 2: 345.

______________________________

(1) الكافي 3: 323 الصلاة ب 25 ح 8، التهذيب 2: 300- 1208، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 17 ح 1.

(2) راجع ص 225.

(3) انظر: المنتهى 1: 289، الذكرى: 203، الحدائق 8: 300.

(4) الفتح: 29.

(5) علل الشرائع: 232- 1، الوسائل 6: 376 أبواب السجود ب 21 ح 2.

(6) العيون 1: 63، الوسائل 6: 377 أبواب السجود ب 21 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 295

الثامن عشر:

أن يكون نظره حال السجود إلى طرفي أنفه، للرضوي:

«و يكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك، و بين السجدتين في حجرك، و كذلك في وقت التشهد» «1».

التاسع عشر: الجلوس بعد السجدة الثانية و الطمأنينة فيه،

و يسمّى بجلسة الاستراحة.

و رجحانها مجمع عليه بين الأصحاب، و النصوص به متكثّرة كموثقة أبي بصير: «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد أن تقوم، فاستو جالسا ثمَّ قم» «2».

و روايته و فيها: «فإذا كنت في الركعة الاولى و الثالثة فرفعت رأسك من السجود، فاستتمّ جالسا حتّى ترجع مفاصلك» «3».

و معتبرة أبي بصير و محمّد المرويّة في الخصال: «اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم ثمَّ قوموا، إنّ ذلك من فعلنا» «4».

و صحيحة ابن عواض: رأى أبا عبد اللَّه عليه السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم «5».

و رواية الأصبغ: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من الصلاة قعد حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا برؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل،

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 106.

(2) التهذيب 2: 82- 303، الاستبصار 1: 328- 1229، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 3.

(3) التهذيب 2: 325- 1332، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.

(4) الخصال: 628، الوسائل 5: 471 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16.

(5) التهذيب 2: 82- 302، الاستبصار 1: 328- 1128، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 296

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إنّ هذا من توقير الصلاة» «1».

و

المرويّ في كتاب النرسيّ: «إذا رفعت رأسك من سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم، فاجلس جلسة، ثمَّ بادر بركبتيك الأرض قبل يديك و ابسط يديك بسطا و اتّك عليهما ثمَّ قم، فإنّ ذلك وقار المؤمن الخاشع، و لا تطيش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم» [1].

و مقتضى الأمر في الثلاث الاولى الوجوب، كما ذهب إليه السيّد- مدّعيا عليه إجماع الفرقة- و صاحب الوسيلة [2]. و ظاهر المحكيّ عن الإسكافي و العمانيّ و ابن بابويه «2» وجوب الجلوس، و إن لم يظهر وجوب الطمأنينة من كلماتهم.

خلافا للأكثر «3»، بل عن نهج الحقّ: الإجماع عليه «4»، للأصل المعتضد بالشهرة، و رواية زرارة: رأيت أبا جعفر و أبا عبد اللَّه عليهما السلام إذا رفعا رأسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا «5».

و رواية رحيم: أراك إذا صلّيت و رفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى و الثالثة فتستوي جالسا ثمَّ تقوم، فنصنع كما تصنع؟ قال: «لا تنظروا إلى ما أصنع إنّما اصنعوا ما تؤمرون» «6».

______________________________

[1] البحار 82: 184 بعد ح 10. الأقشاب جمع قشب بكسر الشين المعجمة ككتف: من لا خير فيه من الرجال. مجمع البحرين 2: 143.

[2] السيّد في الانتصار: 46، الوسيلة: 93 و عدّها من المختلف فيه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 314- 1277، الوسائل 6: 347 أبواب السجود ب 5 ح 5.

(2) حكاه عنهم في الذكرى: 202.

(3) انظر: نهاية الإحكام 1: 494، و الذكرى: 202، و الحدائق 8: 302.

(4) نهج الحق: 428.

(5) التهذيب 2: 83- 305، الاستبصار 1: 328- 1231، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 2.

(6) التهذيب 2: 82- 304، الاستبصار 1: 328- 1230، الوسائل 6: 347 أبواب السجود

ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 297

و يمكن دفع الأصل بما مرّ، و الروايتين- مع عدم دلالة الثانية على عدم الوجوب- بأنّ غايتهما التعارض، و الترجيح لما مرّ، لمخالفته العامّة «1» كما تظهر من الأخبار المتقدّمة، و ترجيح القول على الفعل، و عدم فتوى الشيخ الناقل له غير موجب لوهنه، لأنّه إنّما هو لأجل المعارض الغير الراجح بزعمه. و كذا عدم عمل أكثر القدماء بعد عمل طائفة، و احتمال عمل جماعة أخرى أيضا بل ظنّه، لدعوى السيّد الإجماع. فتأمّل.

العشرون: أن يجلس بين السجدتين

و في جلسة الاستراحة متورّكا أي:

قاعدا على فخذه الأيسر، بالإجماع، لرواية أبي بصير: «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك و اجلس على يسارك» «2».

و الرضوي: «و إذا جلست فلا تجلس على يمينك، لكن انصب يمينك و اقعد على أليتيك» «3».

و صحيحة حمّاد: ثمَّ قعد على فخذه الأيسر و قد وضع ظاهر قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى و قال: أستغفر اللَّه و أتوب إليه، ثمَّ كبّر و هو جالس و سجد الثانية «4».

واضعا ظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى، للصحيحة المذكورة.

ملصقا أليتيه بالأرض، للرضوي المذكور، و رواية سعد: إنّي أصلّي في المسجد الحرام، فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى؟ قال: «اقعد على أليتيك و إن كنت في الطين» «5».

______________________________

(1) انظر: نيل الأوطار 2: 302، و المغني 1: 171.

(2) التهذيب 2: 83- 307، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 4.

(3) فقه الرضا «ع»: 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(4) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و

2.

(5) التهذيب 2: 377- 1573، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 298

و صحيحة زرارة الآتية.

و يلزم هذا الجلوس وضع الركبة اليسرى على الأرض.

و أمّا سائر ما ذكره بعض الأصحاب من وضع الركبة اليمنى و طرف الإبهام على الأرض و الإفضاء بالمقعدة عليها.

فمع صعوبة وضع الركبتين مع الأليتين على الأرض، ليس على بعضها في مطلق الجلوس دليل، و إنّما ورد في التشهّد في صحيحة زرارة قال: «و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك الأرض و فرّج بينهما شيئا، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض، و طرف إبهامك اليمنى على الأرض» «1» الحديث.

و الإجماع المركّب غير معلوم، كيف؟! و قال الإسكافي في الجلوس بين السجدتين: إنّه يضع أليتيه على بطن قدميه، و لا يقعد على مقدّم رجليه و أصابعهما، و لا يقعي إقعاء الكلب. و قال في تورّك التشهّد: يلزق أليتيه جميعا و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض [و لا يجزئه غير ذلك و لو كان في طين ] «2» و يجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى و باطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر [1]، و يلزق طرف إبهام رجله اليمنى ممّا يلي طرفها الأيسر بالأرض و باقي أصابعها عاليا عليها، و لا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة «3».

و هو كما ترى فرّق بين جلوس التشهّد و غيره و إن كان ما ذكره في جلوس السجدتين و بعض ما ذكره في التشهّد ممّا لم يذكره الأصحاب و لم يدلّ عليه دليل.

كما حكي عن السيد في مصباحه أنّه قال: يجلس مماسّا بوركه الأيسر مع ظاهر

فخذه الأيسر للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر و ينصب طرف

______________________________

[1] العرقوب: عصب غليظ فوق عقب الإنسان. القاموس 1: 107.

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 299

إبهام رجله اليمنى على الأرض و يستقبل بركبتيه معا القبلة «1».

و لكن لا بأس بمراعاة ما ذكراه ممّا لا يخالف الصحيحة، إلّا أنّ ما ذكره السيّد لا يخالف شيئا ممّا ذكروه و انّما زاد فيه العرقوب و لا بأس به، لقوله.

بل يحتمل عدم الاختلاف، و لذا قال الحلّي في السرائر: و الظاهر اتّحاد الجميع للتلازم غالبا [1].

بل لا يبعد إرجاع قول الإسكافي أيضا إلى ما لا يختلف مع الجميع، ففي الجلوس الحكم ما مرّ، و في التشهّد ما في الصحيحة، مخيّرا في الجلوسين بين وضع ركبته اليمنى على الأرض و طرف الإبهام أو لا.

و لا يستحبّ عندنا الافتراش، و هو أن يثنّي رجله اليسرى، فيبسطها، و يجلس عليها، و ينصب رجله اليمنى، و يخرجها من تحته، و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها، فتكون أطرافها إلى القبلة.

الحادي و العشرون:

أن يقول بين السجدتين بين التكبيرتين: ما مرّ في حسنة الحلبي، أو الرضوي المتقدّمتين «2»، أو: أستغفر اللَّه ربي و أتوب إليه، كما في صحيحة حمّاد الفعليّة «3».

الثاني و العشرون: أن يقوم سابقا برفع ركبتيه قبل يديه،

بالإجماع المحقّق، و المحكي في المنتهى و التذكرة و ظاهر المدارك و صريح الحدائق «4»، و غيرها «5»، له، و لصحيحة محمّد «6»، و المروي في كتاب النرسي المتقدم «7»، و لأنّه ملزوم الاعتماد

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 215.

(2) في ص 292.

(3) انظر: الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

(4) المنتهى 1: 291، التذكرة 1: 122، المدارك 3: 415، الحدائق 8: 309.

(5) كالذكرى: 203، و جامع المقاصد 2: 308، و الذخيرة: 287، و غنائم الأيام: 210.

(6) التهذيب 2: 78- 291، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 1.

(7) في ص 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 300

على اليدين.

معتمدا على يديه، لرواية الحضرمي: «إذا قمت من الركعة، فاعتمد على كفّيك، و قل: بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد» «1».

و المروي في الدعائم: «إذا أردت القيام من السجود، فلا تعجن بيدك- يعني يعتمد عليها، و هي مقبوضة- و لكن ابسطهما بسطا، و اعتمد عليهما، و انهض قائما» «2».

باسطا كفّيه على الأرض، لا مقبوضة كالعاجن، لما مرّ، و لحسنة الحلبي:

«إذا سجد الرجل، ثمَّ أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض، و لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» «3».

داعيا عند القيام بقوله: «بحول اللَّه و قوته أقوم و أقعد» كما في رواية الحضرمي المتقدّمة، و صحيحة محمّد «4». أو بإسقاط لفظ «و قوّته» كما في صحيحته الأخرى

«5».

أو: «اللّهم ربّي بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» فقط، أو مع زيادة «و أركع و أسجد» كما في صحيحة ابن سنان «6»، أو بإسقاط «ربّي» و إثبات الزيادة، كما في صحيحته الأخرى المروية في السرائر «7»، أو بإسقاطهما معا، كما في المرويّ في

______________________________

(1) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 10، التهذيب 2: 89- 328، الاستبصار 1:

338- 1269، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 13 ح 5.

(2) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 465 أبواب السجود ب 16 ح 2.

(3) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 6، التهذيب 2: 303- 1223، الوسائل 6: 374 أبواب السجود ب 19 ح 1.

(4) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 11، التهذيب 2: 88- 326، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 3.

(5) التهذيب 2: 87- 321، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 2.

(6) انظر: التهذيب 2: 86- 320، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 1.

(7) مستطرفات السرائر: 96- 14، الوسائل 6: 362 أبواب السجود ب 13 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 301

الدعائم عن علي عليه السلام: «إنّه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام:

اللّهم بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» «1». أو بإسقاطهما و إسقاط «اللّهم» كما في موثّقة رفاعة: «كان علي عليه السلام إذا نهض من الركعتين الأوليين، قال: بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» «2».

و بعض هذه الأخبار، و إن ورد في القيام من السجود، و بعضها في القيام من التشهّد، و بعضها مطلق، إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق، فيستحبّ الكلّ في الكلّ. و لو عمل بما في الأخبار ما ورد في القيام من السجود

فيه، و من التشهّد فيه، و المطلق في ما أراد كان أحسن.

و وقت الدعاء عند الأخذ بالقيام، كما ذكره الصدوقان «3»، و الجعفي و الإسكافي «4»، و الشيخان «5»، و الديلمي «6»، و الحلبيان «7»، و الذكرى «8»، و يدل عليه رواية الحضرمي، و ظاهر أكثر الأخبار المذكورة.

و عن بعضهم: أنّه في جلسة الاستراحة «9»، و كأنّه استفاده من قوله في بعض هذه الروايات: «إذا قمت من السجود قلت ..».

و فيه: أنّ المراد إذا أردت القيام بعد السجود احترازا عن مطلق القيام، مع أنّه على فرض إرادة الرفع من السجود يكون عاما، يجب تخصيصه بما ذكر، فالأوّل هو الأصح.

______________________________

(1) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 460 أبواب السجود ب 11 ح 1.

(2) التهذيب 2: 88- 327، الاستبصار 1: 338- 1268، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 4.

(3) انظر: الفقيه 1: 207، و حكاه عن والده في الذكرى: 203.

(4) حكاه عنهما في الذكرى: 203.

(5) المفيد في المقنعة: 106، و الشيخ في المبسوط 1: 111.

(6) المراسم: 71.

(7) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 123، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 559.

(8) الذكرى: 253.

(9) انظر: المعتبر 2: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 302

و هل يستحبّ التكبير عند القيام عن التشهّد؟ كما عن المفيد أنّه أثبته، و أسقط تكبيرات القنوت «1»، و إن حكي عنه رجوعه في آخر عمره «2»، و صريح التوقيع المذكور وجود القول به قبل المفيد أيضا، بل ظاهره- حيث نسب خلافه إلى بعض الأصحاب-: أنّ الأكثر كان على الاستحباب «3»، للحديث الذي تضمّنه التوقيع المحكي عن الاحتجاج سابقا.

أو لا؟ كما حكي عن الأكثر، للأصل، و للروايات المصرّحة بأنّه إذا قمت من

السجود قلت: بحول اللَّه «4»، و ضعفهما ظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    302     الثالث و العشرون: ..... ص : 302

م، يدل عليه روايات حصر التكبيرات في خمس و تسعين «5»، و الحديث الآخر الذي تضمّنه التوقيع، و هو أخصّ من الأوّل، فكان المتّجه تخصيصه به- سيّما مع اعتضاده بروايات الحصر- لو لا تصريح الإمام فيه بالتخيير، و لكن معه لا محيص عنه أصلا، فهو المتّجه.

الثالث و العشرون:

كشفه جميع مساجده السبعة، ذكره في المبسوط «6»، و قوله كاف في إثبات الاستحباب، و إن لم نقف على مستنده.

______________________________

(1) حكاه عنه في نهاية الإحكام 1: 509.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 184.

(3) راجع ص 282.

(4) انظر: الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13.

(5) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5.

(6) المبسوط 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 303

المطلب الثالث في سائر ما يتعلّق بهذا المقام و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يكره الإقعاء في الصلاة.

سواء فسّر بأن يعتمد بصدور قدميه على الأرض، و يجلس على عقبيه، كما فسّره به الفقهاء «1».

أو بأن يجلس على أليتيه، و ينصب ساقيه، و يتساند إلى ظهره، كإقعاء الكلب، كما حكي عن اللغويين، و به فسّره في الصحاح و القاموس و النهاية الأثيريّة و المغرب و المصباح المنير «2»، و ابن القطّاع و المعمّر بن المثنّى، و القاسم بن سلّام، و غيرهم.

أمّا الأوّل: فلاشتهاره بين الأصحاب، و فتوى معاوية بن عمّار و محمّد بن مسلم من أجلّة القدماء به «3»، بل نقل الإجماع في الخلاف عليه «4».

مضافا إلى صحيحة زرارة: «إيّاك و القعود على قدميك، فتتأذى بذلك، و لا تكن قاعدا على الأرض، فيكون إنّما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهد و الدعاء» «5».

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 218، و المنتهى 1: 291، و الذكرى: 202.

(2) الصحاح 6: 2465، القاموس 4: 382، النهاية الأثيرية 4: 89، المغرب 2: 130، المصباح المنير: 510.

(3) حكاه عنهما في المعتبر 2: 218، و المنتهى 1: 290.

(4) الخلاف 1: 361.

(5) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 304

و الأخرى و فيها: «و لا تقع على قدميك»

«1».

و المروي في معاني الأخبار: «لا بأس في الإقعاء بين السجدتين، و بين الركعة الاولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة» قال: «و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلّا من علّة، لأنّ المقعي ليس بجالس، و إنّما جلس بعضه على بعض» «2».

قال الصدوق بعد نقل هذا الخبر: و الإقعاء: أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهده.

ثمَّ الظاهر أنّ كيفيّة الإقعاء بهذا المعنى: أن يضع صدر قدمه إلى ما يلي الأصابع من باطنه على الأرض و يعتمد عليه، بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى القبلة، و يرفع باقي قدمه، بحيث يماسّ عقبيه أليتيه، فيجلس على عقبيه، أي:

يعتمد بأليتيه على عقبيه رافعا عقبيه، مع وضع ركبتيه على الأرض، أو مع رفع الركبتين أيضا.

أو كيفيّته: أن يضع ما يلي الأصابع من ظهر قدميه على الأرض بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى خلاف جهة القبلة، و يرفع باقي قدميه بحيث يصل العقبين إلى الأليتين فيجلس عليهما، و لكنّه يتأذّى به كثيرا.

و أمّا بسط تمام ظهر القدمين على الأرض و افتراش الساقين و تثنية الفخذين عليهما، فهو ليس إقعاء، إذ ليس فيه اعتماد على صدر القدمين، بل الاعتماد على مجموع الساق و القدم، و ليس قعودا على القدمين كما في الرواية، و لا تأذّي فيه أصلا بل فيه الراحة، و هو جلوس حقيقيّ، فلا يصدق عليه ما في الأخبار أنّه ليس بجلوس.

______________________________

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 6: 349 أبواب السجود ب 6 ح 5.

(2) معاني الأخبار: 300- 301، الوسائل 6: 349 أبواب السجود ب 6 ح 6.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 305

و أمّا الثاني: فلموثقة أبي بصير: «لا تقع بين السجدتين إقعاء» «1».

و صحيحة محمّد، و ابن عمّار، و الحلبي: «لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب» «2».

و الإقعاء في الاولى، و إن كان محتملا للمعنيين، إلّا أنّ التقييد بإقعاء الكلب في الثانية يعيّنه فيما ذكر، بل مقتضى أصالة حمل اللفظ على المعنى اللغوي حتى يثبت النقل أو التجوّز دليل مستقل على وجوب حملهما عليه، و إنّما يصار إلى كراهة الأوّل لا لأنّه إقعاء، كما عرفت.

ثمَّ إنّ أكثر روايات المعنى الأوّل مخصوص بالتشهّد، كما أنّ ما مرّ من روايتي الثاني مخصوصتان بما بين السجدتين.

إلّا أنّ فتوى الأصحاب بالإطلاق، و دعوى الشيخ الإجماع في الأوّل «3»، بل إطلاق الصحيحة الأولى يثبت تعميمه في مطلق جلوس الصلاة «4». و كون ما نقل عن الصحيحة عقيب بيان جلوس التشهّد غير مفيد للتخصيص، و إن كان جريان العلّة المذكورة فيه في التشهّد أظهر، لأنّ الذكر فيه أكثر، فيكون موردا للتساوي.

كما أنّ حديث زرارة المروي في مستطرفات السرائر: «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّدين، إنّما التشهّد في الجلوس و ليس المقعي بجالس» «5» يثبت كراهة الثاني في التشهد أيضا.

و لا يضرّ البأس المنفي فيها في كراهته فيما بين السجدتين، لأنّ نفي البأس

______________________________

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 3، التهذيب 2: 301- 1213، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 2: 83- 306، الاستبصار 1: 328- 1227، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 2، و فيه: «قالوا: لا تقع ...».

(3) الخلاف 1: 361.

(4) راجع ص 303 صحيحة زرارة.

(5) مستطرفات السرائر: 73- 9،

الوسائل 6: 391 أبواب التشهد ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 306

لا ينافي الكراهة.

نعم هو دليل انتفاء التحريم الذي هو مقتضى ظاهر النهي في الموثّقة و الصحيحة، كما ينفى أيضا بعدم القائل، و بصحيحة الحلبي: «لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين» «1».

فلا شكّ في انتفاء التحريم للمعنى الثاني مطلقا.

و أمّا المعنى الأوّل فانتفاء تحريمه فيما بين السجدتين مجمع عليه أيضا، و رواية معاني الأخبار المنجبرة ترشد إليه «2».

و أمّا في التشهّد فقال الشيخ في النهاية: و لا يجوز ذلك في حال التشهّد «3».

و حكي عن الصدوق أيضا «4».

إلّا أنّ شذوذ هذا القول و عدم ظهور قائل به عدا من ذكر، بل قال الحلّي في السرائر: و قد يوجد في بعض كتب أصحابنا: و لا يجوز الإقعاء في حال التشهّدين، و ذلك يدلّ على تغليظ الكراهة لا الحظر، لأنّ الشي ء إذا كان شديد الكراهة قيل لا يجوز، و يعرف ذلك بالقرائن. انتهى «5».

يمنع من المصير إليه، كما يخرج الخبر الدالّ عليه عن الحجيّة.

و لذلك يشكل القول بالتحريم، كما اختاره بعض مشايخنا الأخباريين أيضا «6»، إلّا أنّ تركه أحوط جدّا.

و أمّا القول بانتفاء الكراهة- كما حكي عن السيّد و المبسوط «7»- فبعيد عن

______________________________

(1) التهذيب 2: 301- 1212، الاستبصار 1: 327- 1226، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 3.

(2) راجع ص 304.

(3) النهاية: 72.

(4) الفقيه 1: 206.

(5) السرائر 1: 227.

(6) انظر: الحدائق 8: 317.

(7) حكاه عنهما في المنتهى 1: 290، و المعتبر 2: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 307

الصواب، و كأنّ نظرهما إلى ما مرّ من نفي البأس عن الإقعاء في بعض الأخبار.

و لا يخفى أنّه لا ينافي

الكراهة.

مع أنّ في المبسوط قال: و إن جلس بعد السجدتين و بعد الثالثة مقعيا كان جائزا «1». و هو لا ينافي الكراهة. بل قال في موضع آخر منه: و لا يقعي بين السجدتين «2».

المسألة الثانية: من كان بجبهته دمّل أو جرح أو ورم:

فإن أمكن السجود عليه سجد عليه إجماعا.

و إلّا: فإن لم يستوعب الجبهة حفر حفيرة أو عمل شيئا من طين أو خشب أو نحوهما، و يجعل فيها الدمّل، و يوصل الصحيح من الجبهة على الأرض، وجوبا، وفاقا للمشهور، بل في المدارك: أنّه لا خلاف فيه بين العلماء «3».

و هو كذلك، كما يأتي، لوجوب مقدمة الواجب، و موثقة مصادف: «خرج بي دمّل، فكنت أسجد على جانب، فرأى أبو عبد اللَّه عليه السلام أثره، فقال:

ما هذه؟ قلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمّل، فإنّما أسجد منحرفا، فقال: لا تفعل، و لكن احفر حفيرة، و اجعل الدمّل في الحفيرة، حتى تقع جبهتك على الأرض» «4».

و الرضوي: «و إن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود، أو دمّل، فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمّل عليها» «5».

و إن استوعبها، أو لم يمكن إيصال السليم من الجبهة إلى ما يسجد و لو

______________________________

(1) المبسوط 1: 113.

(2) المبسوط 1: 118.

(3) المدارك 3: 416.

(4) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 5، التهذيب 2: 86- 317، الوسائل 6: 359 أبواب السجود ب 12 ح 1.

(5) فقه الرضا «ع»: 114، مستدرك الوسائل 4: 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 308

بمثل الحفر، سجد على أحد الجبينين جوازا، بلا خلاف فيه، بل بالإجماع، و وجوبا على الأشهر، كما صرّح به غير واحد، بل في المدارك: أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة «1» بل ظاهر المحقّق

الثاني و الأردبيلي: أنّه إجماعي «2».

فإن ثبت فهو، و إن لم يثبت بل كان قول بالتخيير بينه و بين ذقنه كما تحتمله عبارة الخلاف «3»، فالحكم به مشكل و إن كان هو مقتضى أصل الاشتغال، لإطلاق المرسلة الآتية «4».

و أمّا الرضوي و المروي في تفسير القمي الأوّل: «و إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها، فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر، فإن تعذّر عليك، فاسجد على ظهر كفّك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك» «5».

و الثاني: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال: «يسجد ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، و إن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، و إن لم يقدر فعلى ذقنه» الحديث «6».

فلا ينفعان، لضعفهما الخالي عن الجابر، حيث إنّ مدلولهما الترتيب، مع أنّ الثاني غير دالّ على الوجوب.

نعم الأحوط تقديم الجبينين، و لا ترتيب بينهما واجبا، للأصل، و ضعف المرويّين المذكورين، و لكنّه مستحبّ لأجلهما. و لو سجد عليهما معا، بأن يحفر الحفيرة و يجعل فيها القرحة مع إمكانه جاز قطعا، لصدق السجود على الأيمن.

فإن تعذّر الجبين فيسجد على ذقنه، وفاقا للأكثر، بل لغير الصدوقين، و في

______________________________

(1) المدارك 3: 417.

(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 304، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 265.

(3) الخلاف 1: 419.

(4) في ص 309.

(5) فقه الرضا «ع»: 114، مستدرك الوسائل 4: 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.

(6) تفسير القمي 2: 30، الوسائل 6: 360 أبواب السجود ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 309

المدارك: انعقاد الإجماع عليه «1»، لمرسلة الكافي: عمن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها،

قال: «يضع ذقنه على الأرض» «2».

و ضعفها- لو كان- بما مرّ منجبر، و قصورها عن إفادة الوجوب بأصل الاشتغال يجبر، فيقال: ثبت الجواز بالمرسلة فتحصل به البراءة و حصولها بغيره غير معلوم.

فإن تعذّر الجميع أومأ، كما في موضعه مرّ.

خلافا في الثاني للمحكي عن المبسوط و النهاية و الجامع «3»، فلم يوجبا الحفيرة بل خيّرا بينها و بين أحد الجبينين.

و عندي في نسبة الخلاف إليهما نظر، لأنّ ظاهرهما التخيير عند تعذّر.

السجود على الجبهة مطلقا، فلم يلتفتا إلى النادر الذي هو إمكان إيصال جزء منها إلى الأرض مع وجود العلّة، و التخيير حينئذ ممّا ليس فيه ريبة كما مرّت إليه الإشارة.

و كذا ما حكي عن ابن حمزة حيث قدّم السجدة على أحد الجبينين على الحفيرة «4»، فإنّ الظاهر أنّه أيضا في صورة الانتقال إلى الجبينين.

نعم يكون هو مخالفا في الثالث إن كان مراد القوم من السجود على أحد الجبينين السجود عليه كيف اتّفق، و لو بحفر الحفيرة، و تحقّقه في ضمن السجود على الجبينين معا كما ذكرنا.

و لو كان مرادهم منه السجود على أحدهما فقط فلا يكون خلاف أصلا، لأنّهم أيضا يقولون بوجوب حفر الحفيرة حينئذ بعد تعذّر السجود على أحد الجانبين، و لا ينتقلون إلى الذقن مع إمكانه.

______________________________

(1) المدارك 3: 417.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 28 ح 6، الوسائل 6: 360 أبواب السجود ب 12 ح 2.

(3) المبسوط 1: 115، النهاية: 82، الجامع للشرائع: 84.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 310

و خلافا في الثالث لطائفة «1»، فأوجبوا الترتيب، لما مرّ «2».

و يدفع بما مرّ.

و في الرابع للصدوقين، فمع تعذّر الجبينين أوجبا ظهر الكف، و مع تعذّره الذقن «3»، للرضوي

المتقدّم، المندفع بالضعف الخالي عن الجابر في المورد، و المعارضة مع المرسل المتقدم و رواية القمّي.

ثمَّ المراد بالذقن مجمع اللحيين، و هل يجب كشف البشرة؟ فيه وجهان بل قولان، أظهرهما الثاني، لصدق السجود على الذقن مع الشعر أيضا، و لعدم وجوب حلق الشعر لمن يتوقّف الكشف عليه قطعا، و بعدم القول بالفصل يثبت المطلوب فيمن لا يتوقّف.

و هل يجب وضع الجبين أو الذقن على ما يسجد عليه عند الانتقال إليهما أم لا؟.

فيه نظر، و مقتضى الأصل الثاني.

المسألة الثالثة: سور العزائم في القرآن أربع:
اشارة

«حم السجدة»، و «الم تنزيل»، و «النجم»، و «اقرأ»، بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا «4»، له، و للنصوص، منها: صحيحة ابن سنان: «إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها، فلا تكبّر قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربع: حم السجدة، و ألم تنزيل، و النجم، و اقرأ باسم ربك» «5».

______________________________

(1) كالصدوق في المقنع: 26، و صاحب الحدائق 8: 321.

(2) راجع ص 308، الرضوي و المروي في تفسير القمي.

(3) الصدوق في المقنع: 26، و حكاه عن والده في الذكرى: 201.

(4) كما في الخلاف 1: 425، و المنتهى 1: 86، و المدارك 3: 418، و غيرها.

(5) الكافي 3: 317 الصلاة ب 22 ح 1، التهذيب 2: 291- 1170، الوسائل 6: 239 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 311

و نحوه المروي في مستطرفات السرائر، و في آخره: «و كان علي بن الحسين يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة» «1».

و المروي في المجمع: «العزائم: الم تنزيل، حم السجدة، و النجم إذا هوى، و اقرأ باسم ربّك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون، و ليس بمفروض» «2» و

في الخصال: «إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «3».

و يجب السجود في هذه العزائم بالإجماعين «4»، و المستفيضة كرواية أبي بصير: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع، فسمعتها، فاسجد و إن كنت على غير وضوء و ان كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلّي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار، إن شئت سجدت، و إن شئت لم تسجد» «5».

و موثّقة سماعة: «إذا قرأت السجدة فاسجد، و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك» «6».

و صحيحة محمّد: عن الرجل يعلّم السورة من العزائم، فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد، قال: «عليه أن يسجد كلّما سمعها، و على الذي يعلّمه أن يسجد» «7».

و المروي في الدعائم و فيها- بعد ذكر العزائم الأربع-: «و هذه العزائم لا بدّ من السجود فيها، و أنت في غيرها بالخيار» «8».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 31- 28، الوسائل 6: 244 أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 2.

(2) مجمع البيان 5: 516، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 9.

(3) الخصال: 252- 124، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 7.

(4) انظر: جامع المقاصد 2: 311، و المدارك 3: 419، و كشف اللثام 1: 230.

(5) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 2، التهذيب 2: 291- 1171، الوسائل 6: 240 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.

(6) التهذيب 2: 292- 1175، الوسائل 6: 240 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 3.

(7) التهذيب 2: 293- 1179، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.

(8) الدعائم 1: 215، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب قراءة القرآن ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 5، ص: 312

و تستحبّ السجدة في أحد عشر موضعا آخر بالتفصيل الآتي، بالإجماع أيضا، كما صرّح به جماعة منهم: الذكرى و المدارك و الحدائق و التذكرة و شرح القواعد «1»، و هو الدليل عليه.

مع المروي في العلل: «إنّ أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة اللَّه عليه إلّا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللَّه عزّ و جلّ فيها سجدة إلّا سجد» إلى أن قال: «فسمّي السجّاد لذلك» «2».

و في الدعائم: «موضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا: أوّلها آخر الأعراف، و في سورة الرعد وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ و في النحل:

وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و في بني إسرائيل وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً و في كهيعص:

خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا و في الحج إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ و فيها وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ و في الفرقان وَ زادَهُمْ نُفُوراً و في النمل رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ و في تنزيل السجدة وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ و في ص وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ و في حم السجدة إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ و في آخر النجم، و في إذا السماء انشقت وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ و آخر اقرأ باسم ربّك- إلى أن قال:- العزائم من سجود القرآن أربع: في الم تنزيل السجدة، و حم السجدة، و النجم، و اقرأ. و هذه العزائم لا بد فيها من سجود، و أنت في غيرها بالخيار إن شئت فاسجد، و إن شئت فلا تسجد، و كان علي بن الحسين يعجبه أن يسجد فيهن كلهن» «3».

و عن الصدوق: استحباب السجدة في كل سورة فيها أمر بالسجدة، قال في الفقيه: و يستحبّ أن يسجد الإنسان في

كل سورة فيها سجدة، إلّا أنّ الواجب

______________________________

(1) الذكرى: 213، المدارك 3: 419، الحدائق 8: 332، التذكرة 1: 123، جامع المقاصد 2:

311.

(2) علل الشرائع: 232- 1، الوسائل 6: 244 أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 1.

(3) الدعائم 1: 214- 215، مستدرك الوسائل 4: 320 أبواب قراءة القرآن ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 313

في هذه العزائم الأربع «1».

و يومئ إليه المرويان في العلل و المستطرفات المتقدمان «2».

و يحتمل بعيدا أن يكون مراد الصدوق كالروايتين استحباب السجدة في كل ما أمر فيه بالسجدة، و يكون المعنى: و تستحبّ السجدة في مواضع السجدة إلّا في العزائم فتجب، و حينئذ لا يخالف المشهور.

فروع:

أ:

مواضع السجود في العزائم الأربع، و الإحدى عشر الأخر هي آي السجدة المتقدمة، بالإجماع، و تدلّ عليه موثّقة الساباطي: عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، قال: «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرؤها» «3».

فلا تجب في تتمة السورة، و تدلّ عليه رواية الدعائم المنجبرة، و أصالة عدم الوجوب أو الاستحباب في غيرها، إذ لم يثبت في كل إلّا سجدة واحدة.

و صريح الدعائم أنّه تمام الآية كما صرّح به جملة من الأصحاب، بل ظاهر الذكرى و البحار و الحدائق: اتفاق الأصحاب عليه «4»، و به ينجبر الخبر المذكور، فهو حجة عليه، مع أنّه مقتضى الأصل.

و عن المعتبر و في المنتهى: أنّ موضعه في حم السجدة وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ حاكيين له عن الخلاف أيضا «5»، و ليس كذلك، بل كلام الخلاف صريح في أنّه

______________________________

(1) الفقيه 1: 201.

(2) في ص 311- 312.

(3) التهذيب 2: 293- 1177، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 3.

(4) الذكرى: 214، البحار 82: 177،

الحدائق 8: 335.

(5) المعتبر 2: 273، المنتهى 1: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 314

عقيب الآية [1]، بل قيل: إنّه ممّا لم يقل به أحد من المسلمين [2]، نعم قال بعض العامّة بأنّ موضع السجود وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ «1».

و استدل له بأنّه مقتضى فورية الأمر بالسجود، بل قيل: إنّ ظواهر الأخبار هو السجود عند ذكر السجدة، لتعلق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها، و المتبادر منها هو لفظ السجدة، و الحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير «2».

و يردّ بما مرّ من الدعائم، و المروي في المجمع: إنّ السجود في سورة فصّلت عند قوله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ «3».

و يجاب عن فورية الأمر- مضافا إلى منعها- بأنّه لم يتعلق حينئذ أمر اللَّه سبحانه حتى تجب المسارعة إليه، فإنّه لا مدخليّة لتلاوة القارئ في تعلّق الأمر أصلا، فلو اقتضى الأمر الفورية كان تجب السجدة بمجرد بلوغ كل أحد بعد اطلاعه على أمر اللَّه سبحانه و إن لم يسمع آيها، مع أنّ هذا القدر من التأخير لا ينافي الفورية.

و عن ظواهر الأخبار بأنّ لفظ السجدة مجاز في كلّ من لفظها و الآية المتضمّنة للفظها و السورة المتضمّنة لآيتها، و الحمل على كلّ واحد منها يحتاج إلى دليل، و إن لم يكن يؤخذ بالمتيقن وجوب السجدة عنده، و هو الفراغ عن الآية.

ثمَّ إنّه هل يجوز التقديم عليه و السجدة عند قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ

______________________________

[1] قال في الخلاف 1: 429: موضع السجود في حم السجدة عند قوله وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ثمَّ قال: و أيضا قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ أمر و الأمر يقتضي

الفور عندنا و ذلك يوجب السجود عقيب الآية. منه رحمه اللَّه.

[2] قال في الذكرى ص 214: فما قاله في المعتبر لا قائل به.

______________________________

(1) انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4: 1664، أحكام القرآن للقرطبي 15: 364، احكام القرآن للجصاص 3: 385، المجموع 4: 60.

(2) انظر: الحدائق 8: 334.

(3) مجمع البيان 5: 15، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 315

أم لا، بمعنى أنّه لو قدّمها لم يجز عن الواجب؟

مقتضى أصالة عدم الوجوب قبل تمام الآية، و أصالة الاشتغال: الثاني.

و منه يظهر عدم وجوب السجدة بتلاوة بعض الآية ما لم يتمّها، بل عدم وجوبها بتلاوة ما بعد لفظ السجدة إلى آخر الآية فقط، فلا تجب إلّا بقراءتهما معا، بل يمكن أن يقال بعدم وجوبها إلّا بقراءة تمام الآية لو لا الإجماع على وجوبها بقراءة لفظ السجدة و ما بعدها.

ب:

استحباب السجود في المواضع الإحدى عشر على القارئ و المستمع و السامع إجماعيّ، كما في التذكرة و شرح القواعد و غيرهما «1»، له، و لإطلاق بعض ما مرّ، كرجحانه للأخير، و وجوبه على الأوّلين في العزائم.

و الحقّ أنّها لا تجب فيها على السامع، وفاقا للشيخ و تهذيب النفس للفاضل و الشرائع و المنتهى و القواعد و التذكرة «2»، بل في الخلاف: الإجماع عليه «3».

للأصل، و رواية بن سنان: عن رجل يسمع السجدة تقرأ، قال: «لا يسجد إلّا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلّي بصلاته، فأمّا أن يكون يصلّي في ناحية و أنت تصلّي في ناحية أخرى، فلا تسجد لما سمعت» «4».

و لا توهن الرواية بتضمّنها وجوب السجود إذا صلّى بصلاة التالي لها، مع أنّه لا تجوز قراءة العزيمة

في الفريضة، و لا الائتمام في النافلة.

لجواز الائتمام في بعض النوافل كالاستسقاء و العيدين و الغدير، أو كون

______________________________

(1) التذكرة 1: 123، جامع المقاصد 2: 311، و انظر: كشف اللثام 1: 230.

(2) الشيخ في الخلاف 1: 431، الشرائع 1: 87، المنتهى 1: 304، القواعد 1: 35، التذكرة 1:

123.

(3) الخلاف 1: 431.

(4) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 3، التهذيب 2: 291- 1169، الوسائل 6: 242 أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 316

الصلاة خلف المخالف المجوّز لقراءة العزيمة في الفريضة، مع أنّ صدر الخبر يكفي في الاستدلال.

ثمَّ بهذه الرواية يخصّص عموم ما دلّ على الوجوب بمطلق السماع الشامل للاستماع و غيره، لكونها أخصّ منه مطلقا.

و جعل التعارض بالعموم من وجه- لشمولها للسجدات المستحبّة أيضا- باطل، لعدم تفاوت الحكم الثابت لها إجماعا، فلا يلائم التفصيل القاطع للشركة، مع أنّه عليه أيضا يثبت عدم الوجوب، للأصل.

و ترجيح الموجب- لمخالفته العامة- باطل، لأنّه و إن خالف قول مالك و أحمد و بعض آخر «1»، و لكنه يوافق أبا حنيفة بل الشافعي و ابن عمر و النخعي و سعيد بن جبير و بعضا آخر «2».

فالقول بالوجوب على السامع أيضا- كما ذهب إليه جماعة [1]، بل في السرائر الإجماع عليه «3»- غير سديد.

ج:

لا يستحبّ التكبير لهذه السجدة، و في المدارك: إجماع الأصحاب على عدم مشروعيته «4»، للأصل، و صحيحة ابن سنان و موثّقة سماعة المتقدمتين «5».

و عن أكثر العامّة القول بوجوبه قبلها «6».

نعم يستحبّ التكبير إذا رفع رأسه منها، للصحيحة، و الموثّقة، و مرسلة الفقيه: «يقول في سجدة العزائم: لا إله إلّا اللَّه حقّا حقّا، لا إله إلّا اللَّه إيمانا

______________________________

[1] كالمحقق الثاني في جامع

المقاصد 2: 311، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 32.

______________________________

(1) انظر: المغني 1: 688، و عمدة القارئ 7: 104.

(2) انظر: المغني 1: 688، و عمدة القارئ 7: 104.

(3) السرائر 1: 226.

(4) المدارك 3: 420.

(5) في ص 310- 311.

(6) كما في المغني 1: 686.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 317

و تصديقا، لا إله إلّا اللَّه عبودية و رقّا، سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا لا مستنكفا و لا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. ثمَّ يرفع رأسه ثمَّ يكبّر» «1».

و عن ظاهر الخلاف و المبسوط و الذكرى و بعض آخر: وجوب هذا التكبير، لظاهر الأمر «2».

و يجاب عنه: بمنع كونه أمرا و إنّما هو إخبار يحتمل الأمرين.

و لو كان أمرا يحمل على الاستحباب، للمرويين في مستطرفات السرائر و الدعائم، المنجبرين بالشهرة، الأوّل: عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟

قال: «ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» «3».

و الثاني: «و يسجد و إن كان على غير طهارة، و إذا سجد فلا يكبّر، و لا يسلّم إذا رفع، و ليس في ذلك غير السجود، و يدعو في سجوده ما تيسّر من الدعاء» «4».

و مقتضى الأصل و الروايتين- كفتاوى الأصحاب- خلوّ هذه السجدة عن التشهد و التسليم.

د:

لا يشترط فيها الطهارة عن الحدث الأصغر، و لا الأكبر، و لا الخبث، و لا ستر العورة، و لا استقبال القبلة، وفاقا في الجميع للأكثر، بل في المنتهى: الإجماع على الأوّلين «5»، و في التذكرة: على عدم اشتراط ما يشترط في الصلاة «6».

للأصل في الكل.

و المرويّ في المستطرفات: فيمن قرأ السجدة و عنده رجل على غير وضوء،

______________________________

(1) الفقيه 1:

201، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 2.

(2) الخلاف 1: 432، المبسوط 1: 114، الذكرى: 214، و انظر: كفاية الأحكام: 20.

(3) مستطرفات السرائر: 99- 22، الوسائل 6: 246 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 3.

(4) الدعائم 1: 215- 216، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب قراءة القرآن ب 35 ح 2.

(5) المنتهى 1: 305.

(6) التذكرة 1: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 318

قال: «يسجد» «1» و فيه أيضا: يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال:

«يسجد» «2» في الأوّل.

و موثّقة أبي بصير: «الحائض تسجد إذا سمعت السجدة» «3» و صحيحة الحذّاء: عن الطامث تسمع السجدة، قال: «إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» «4» في الثاني.

و روايتي الدعائم و أبي بصير- المتقدمتين- فيهما معا.

و المروي في العلل: عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابّته، قال:

«يسجد حيث توجهت به» «5» في الأخير في الجملة.

خلافا في الأوّل لنهاية الشيخ، حيث لم يجوّزها للحائض «6».

و المقنعة، حيث علّل منع الجنب و الحائض عن قراءة العزائم بقوله: لأنّ فيها سجودا واجبا، و لا يجوز السجود إلّا لطاهر من النجاسات بلا خلاف «7».

انتهى.

و الظاهر أنّ مراده النجاسة الحدثية، و إلّا لم يتمّ التعليل.

و هو ظاهر الانتصار أيضا، حيث قال- في بيان الفرق بين العزائم و غيرها، في المنع عن قراءة الجنب و الحائض الأولى دون غيرها-: و يمكن أن يكون الفرق بين عزائم السجود و غيرها أنّ فيها سجودا واجبا لا يكون إلّا على طهر «8». انتهى.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 29- 17، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 5.

(2) مستطرفات السرائر: 28- 12، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح

6.

(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.

(4) الكافي 3: 106 الحيض ب 18 ح 3، التهذيب 1: 129- 353، الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.

(5) علل الشرائع: 358- 1، الوسائل 6: 248 أبواب قراءة القرآن ب 49 ح 1.

(6) النهاية: 25.

(7) المقنعة: 52.

(8) الانتصار: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 319

و نسب إلى الإسكافي أيضا، و فيه كلام، لأنّه قال: غير الطاهر يتيمم «1».

و إرادة الاستحباب ممكنة.

لنفي الخلاف المتقدّم في كلام المفيد، و لصحيحة البصري: عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال: «تقرأ و لا تسجد» و في بعض النسخ: «لا تقرأ و لا تسجد» «2».

و المرويّ في السرائر: «لا تقضي الحائض الصلاة، و لا تسجد إذا سمعت السجدة» «3».

و يضعّف الأوّل: بعدم الحجيّة.

و الروايتان: بعدم الدلالة على الحرمة. نعم تصلحان لإثبات جواز الترك و اشتراط الطهارة في الوجوب- كما ذهب إليه في التهذيبين «4»- لو لا معارضتهما مع ما مرّ، و أمّا معها فتخصّصان به، لكون بعضه أخصّ من جهة اختصاصه بالعزائم و القارئ و المستمع، و عمومهما، فتحملان على نفي الوجوب في غير العزيمة أو السامع.

و في الثالث لمحتمل كلام المقنعة كما مرّ، بحمل النجاسة على الخبثية، و توجيه الاستدلال بعدم خلوّ الجنب عنها غالبا.

و لا دليل له سوى ما مرّ من نفي الخلاف الظاهر ضعفه.

و في الأخير للمرويّ في الدعائم: «إذا قرأت السجدة و أنت جالس فاسجد متوجّها إلى القبلة، و إذا قرأتها و أنت راكب فاسجد حيث توجّهت» «5».

______________________________

(1) انظر: الذكرى: 214.

(2) التهذيب 2: 292-

1172، الاستبصار 1: 320- 1193، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 4.

(3) مستطرفات السرائر: 105- 47، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.

(4) التهذيب 2: 292- 1172 ذ. ح، و الاستبصار 1: 320- 1193 ذ. ح.

(5) الدعائم 1: 216، مستدرك الوسائل 4: 326 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 320

و لكن ضعفه يمنع عن إثبات الحكم المخالف للأصل به، فيحكم بالاستحباب.

ه:

هل يشترط في هذه السجدة وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، و عدم ارتفاع موضعها عن الموقف بأزيد من اللبنة، و وضع سائر المساجد السبعة؟

ظاهر جماعة منهم: الذكرى و شرح القواعد و المدارك «1»: التوقّف من حيث إطلاق اشتراط الثلاثة في السجود كما مرّ، و من حيث انصراف مطلق السجود إلى الشائع منه و هو سجدة الصلاة.

و قد ذكرنا في موضعه أنّ هذا الانصراف إنّما هو فيما إذا بلغ الشيوع حدّا يصلح قرينة للتجوّز و إرادة الفرد الخاصّ من المطلق بأن يكون صارفا للّفظ إليه، و هو في المورد ممنوع.

فالقول بالاشتراط قويّ.

نعم لا يشترط خلوّ موضع السجدة عن النجاسة، لأنّ دليله إمّا الإجماع الغير الثابت هنا، أو أخبار مخصوصة بالصلاة، أو عامّة ضعيفة خالية عن الجابر في المقام.

و:

صرّح جماعة من الأصحاب بفوريّة هذه السجدة، بل في شرح القواعد عزاه إلى أصحابنا «2»، و في المدارك: الإجماع عليه «3»، و في الحدائق: نفي الخلاف عنه «4».

و تدلّ عليه من الأخبار موثّقة أبي بصير: «إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ

______________________________

(1) الذكرى: 214، جامع المقاصد 2: 313، المدارك 3: 420.

(2) جامع المقاصد 2: 313.

(3) المدارك 3: 421.

(4) الحدائق 8: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5،

ص: 321

باسم ربّك الذي خلق، أو شيئا من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد، فأوم إيماء» «1».

فإنّه لو لا فوريّة السجدة لم يكن وجه لإيجاب الإيماء.

و منه تظهر دلالة موثّقة سماعة: «من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع» قال: «و إن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء و الركوع» «2».

مع أنّ الأمر بالسجدة بعد الختم قبل الركوع فيها صريح في فوريّتها.

ثمَّ لو نسيها، أو منعه عذر عنها، أو تركها عمدا، يأتي بها إذا ذكرها أو ارتفع العذر، إجماعا، له، و صحيحة محمّد: عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال: «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» «3».

و اختصاصها بالنسيان يجبر بالإجماع المركّب.

و هل يجب حينئذ فورا؟ فيه نظر.

ز:

لو تعدّدت قراءة موضع السجدة فلو تخلّل بينها السجود يتكرر السجود قطعا.

و لو لم يتخلل فهل تكفي سجدة واحدة للجميع أم لا؟.

الظاهر: نعم، لما بيّنّا في موضعه من تداخل الأسباب.

و قيل: لا، لأصالة عدم التداخل «4»، و هي ممنوعة. و لصحيحة محمّد المتقدمة في صدر المسألة «5»، و هي غير دالّة.

______________________________

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الاستبصار 1:

320- 1192، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.

(2) التهذيب 2: 292- 1174، الاستبصار 1: 320- 1191، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.

(3) التهذيب 2: 292- 1176، الوسائل 6: 104 أبواب القراءة في الصلاة ب 39 ح 1.

(4) كما في الذكرى: 215.

(5) راجع ص 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 322

ح:

الواجب إنّما هو السجود عند تلاوة هذه الآيات أو

سماعها، فلا يجب بتصويرها و تخيّلها و لا بكتابتها و لا بمشاهدتها مكتوبة، للأصل.

ط:

يستحب الذكر فيها إجماعا، له، و للنصوص.

و يكفي فيها كلّ ذكر كما في المروي في الدعائم: «و يدعو في سجوده ما تيسّر من الدعاء» «1».

و أفضله المأثور، و هو ما رواه في السرائر كما تقدّم حيث قال: «قلت ما تقول في السجود» «2».

أو ما في مرسلة الفقيه المتقدّمة «3».

أو ما في صحيحة الحذّاء: «إذا قرأ أحدكم السورة من العزائم فليقل في سجوده: سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا، لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا متعظّما، بل أنا عبد ذليل مستجير» «4».

و في مرسلة الغوالي: إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال عند نزول وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ «5»: «أعوذ برضاك عن سخطك و بمعافاتك عن عقوبتك، و أعوذ بك منك، و لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» «6».

و في الفقيه: «فليقل: إلهي آمنّا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا، و أجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو» «7».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 215، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب القراءة في غير الصلاة ب 35 ح 2.

(2) راجع ص 317.

(3) في ص 316.

(4) الكافي 3: 328 الصلاة ب 25 ح 23، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 1.

(5) العلق: 19.

(6) عوالي اللئالي 4: 113- 176، مستدرك الوسائل 4: 321 أبواب القراءة في غير الصلاة ب 39 ح 2.

(7) الفقيه 1: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 323

البحث السابع في التشهد
اشارة

و هو واجب- بإجماعنا بل الضرورة من مذهبنا- في كلّ صلاة ثنائية مرّة بعد السجدة الأخيرة و قبل التسليم، و في الثلاثية و الرباعية

مرّتين: مرّة كما مرّ، و الأخرى بعد السجدة الرابعة.

و الأخبار به مستفيضة «1»، كما تأتي في بحث نسيان التشهد، و أخبار الشك بين الأربع و الخمس «2»، و من الاولى يظهر عدم ركنيته.

و أمّا صحيحة الفضلاء الثلاثة: «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «3».

فلا تنافيه، لعدم تعيّن المرجع في قوله: «فرغ» فلعلّه المأموم و كان الغرض عدم وجوب متابعته في السلام مع الاستعجال، بل اللازم حمل الرواية عليه و إلّا لم يكن لها معنى صحيح إلّا بتكلّف.

و لا الأخبار المصرّحة بأنّ التشهد سنّة «4»، لأنّها في مقابلة الفريضة بمعنى ما لم يثبت وجوبه من الكتاب.

و لا الأخبار الكثيرة المتضمنة لعدم بطلان الصلاة بالحدث قبل التشهد و إعادة الطهارة و التشهد «5»، لاحتمال إرادة التشهد بأن يصلّي متشهدا، مع أنّ غايتها- لو تمّت- نفي الجزئيّة أو تجويز البناء على الصلاة لو أحدث في أثنائها،

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7.

(2) انظر: الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14.

(3) التهذيب 2: 317- 1298، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.

(4) انظر: الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7.

(5) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 324

و هما لا ينفيان الوجوب، و يأتي تحقيقهما.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب فيه الجلوس بقدر ذكره الواجب

إجماعا محقّقا و محكيّا في المنتهى و التذكرة و تهذيب النفس للفاضل و شرح القواعد و المدارك «1»، و غيرها «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى صحيحة محمّد: التشهد في الصلاة، قال: «مرّتين» قال، قلت: و كيف مرّتين؟ قال: «إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله

إلّا اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، ثمَّ تنصرف» الحديث «3».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: «إذا قمت في الركعتين الأوليين و لم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد» «4».

و في حسنة الحلبي: «فاجلس و تشهّد و قم» «5».

و في صحيحة الفضيل في من نسي التشهد: «فليجلس ما لم يركع» «6».

و غير ذلك من المستفيضة من الصحاح و غيرها.

و على هذا فلو شرع في التشهد حين الرفع من السجود أو نهض قائما قبل

______________________________

(1) المنتهى 1: 294، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2: 320، المدارك 3: 425.

(2) كالمفاتيح 1: 150، و كشف اللثام 1: 231، و الرياض 1: 171، و غنائم الأيام: 214.

(3) التهذيب 2: 101- 379، الاستبصار 1: 342- 1289، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 4.

(4) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 7، التهذيب 2: 344- 1430، الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.

(5) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 8، التهذيب 2: 344- 1429، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 3.

(6) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 2، التهذيب 2: 345- 1431، الوسائل 6: 405 أبواب التشهد ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 325

إكماله عمدا بطلت صلاته، و إن كان ناسيا تداركه ما دام محلّه باقيا، كما يأتي بيانه.

المسألة الثانية: تجب فيه مطلقا الشهادتان بالإجماع المحقّق،

و المحكي في التذكرة «1»، و عن الخلاف و الغنية و الذكرى «2»، و في شرح القواعد نفي الخلاف فيه بين أصحابنا، قال: إنّ عليه عمل الأصحاب كافة «3».

و تدلّ عليه مع الإجماع صحيحة محمّد المتقدّمة.

و رواية ابن كليب: أدنى ما

يجزئ من التشهد، فقال: «الشهادتان» «4».

و نحوه الرضوي «5».

صرّح فيهما بأنّهما أدنى ما يجزئ من التشهد الذي هو واجب فيكون الإجزاء عن الواجب، و لا يرد احتمال كون الإجزاء عن الأمر المستحب.

و يؤيّده سائر المعتبرة المستفيضة الآمرة بالشهادتين فيه على اختلاف كيفيتهما «6».

و أمّا رواية الخثعمي: «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللَّه أجزأه» «7».

و ما في رواية بكر: «إذا حمدت اللَّه أجزأ عنك» «8».

فلا ينافي ما مرّ، لإجمال المجزئ عنه فيحتمل أن يكون الأمر الندبي.

______________________________

(1) التذكرة 1: 125.

(2) الخلاف 1: 372، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الذكرى: 204.

(3) جامع المقاصد 2: 319.

(4) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 3، التهذيب 2: 101- 375، الاستبصار 1:

341- 1285، الوسائل 6: 398 أبواب التشهد ب 4 ح 6.

(5) فقه الرضا (ع): 111، مستدرك الوسائل 5: 10 أبواب التشهد ب 3 ح 1.

(6) الوسائل 6: أبواب التشهد ب 3 و 4.

(7) التهذيب 2: 101- 376، الاستبصار 1: 341- 1286، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب 5 ح 2.

(8) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 1، التهذيب 2: 101- 378، الاستبصار 1: 342- 1288 و فيهما: أجزأك، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 326

و كذا روايته الأخرى: أيّ شي ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال: «قل بأحسن ما علمت فإنّه لو كان مؤقّتا لهلك الناس» «1».

فإنّه يمكن أن يراد المقول استحبابا.

خلافا للمحكي عن المقنع، فأدنى ما يجزئ في التشهد الشهادتان، أو قول: بسم اللَّه و باللَّه «2».

و عن صاحب الفاخر فتجزئ شهادة واحدة في التشهد الأوّل «3».

و لعلّ مستند الأول موثقة الساباطي: في رجل نسي التشهد في الصلاة، قال: «إن

ذكر أنّه قال: بسم اللَّه و باللَّه فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئا من التشهّد أعاد الصلاة» «4» و نحوها روايته «5» إلّا أنّه ليس فيها: «و باللَّه».

و المروي في قرب الإسناد بعد السؤال عن رجل ترك التشهد حتى سلّم:

«فإن ذكر أنّه قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، أو بسم اللَّه و باللَّه أجزأ في صلاته، و إن لم يتكلم بقليل أو كثير حتى سلّم أعاد الصلاة» «6».

و مستند الثاني صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأوليين؟ قال: «أن يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له» قال، قلت: فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ قال: «الشهادتان» «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 2، التهذيب 2: 102- 381، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب 5 ح 1.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 204 و المدارك 3: 426.

(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 231.

(4) التهذيب 2: 192- 758، الاستبصار 1: 379- 1437 بتفاوت، الوسائل 6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 7، لم يذكر «و باللَّه» فيها و قد ذكر في الوافي 8: 943.

(5) التهذيب 2: 319- 1303، الاستبصار 1: 343- 1293، الوسائل 6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 7.

(6) قرب الاسناد: 195- 741، الوسائل 6: 404 أبواب التشهد ب 7 ح 8، و فيهما بتفاوت يسير.

(7) التهذيب 2: 100- 374، الاستبصار 1: 341- 1284، الوسائل 6: 396 أبواب التشهد ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 327

و يضعّف الكل بعدم الحجية، للشذوذ، و مخالفة الأصحاب، بل إجماعهم.

مضافا إلى قصور مستند الأوّل دلالة، بل انتفاء الدلالة فيه رأسا، إذ

إمضاء الصلاة إذا نسي التشهد مع تذكّر قول: بسم اللَّه و باللَّه، أو أشهد أن لا إله إلّا اللَّه لا يدلّ على كفاية أحدهما في التشهد، كيف؟! و الصلاة ممضاة لو لم يتذكّر شيئا منهما أيضا بل تذكّر عدمه أصلا، و أمّا الجزء الأخير الآمر بالإعادة مع عدم تذكّر شي ء، فهو مردود بمخالفة الإجماع، مع أنّ الإعادة لو ثبتت لكانت بأمر جديد، فلا دلالة فيها على جواز الاكتفاء بما لا إعادة مع تذكره في صورة العمد.

و تعارض مستند الثاني مع صحيحة البزنطي: التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال: «نعم» «1».

دلّت على كفاية ما للثانية للرابعة، و لا يمكن أن يكون هو الشهادة الواحدة باتفاق الخصم، فيجب الاثنتان في الأولى أيضا، و بعد تعارضهما تبقى المطلقات المتقدّمة خالية عن المعارض.

ثمَّ أقلّ الواجب من الشهادتين: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله» على الأظهر، وفاقا لظاهر النافع و الدروس و اللمعة «2».

لصحيحة محمّد المتقدمة، المؤيّدة بالرضوي: «فإذا حضر التشهد جلست تجاه القبلة بمقدار ما تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، فإذا فعلت ذلك فقد تمّت صلاتك» «3».

و بصحيحة زرارة السابقة المنضمّة مع الإجماع المركّب.

______________________________

(1) التهذيب 2: 101- 377، الاستبصار 1: 342- 1287، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 3.

(2) المختصر النافع: 32، الدروس 1: 182، اللمعة (الروضة 1): 276.

(3) فقه الرضا (ع): 150، مستدرك الوسائل 6: 519 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 328

و بموثقة عبد الملك «1»، و المروي

في الخصال «2».

و جعلهما دليلين باطل، لتضمنهما ما لا يجب بالإجماع. و القول بأنّ خروج البعض عن الوجوب بدليل لا يضرّ في وجوب الباقي، إنّما يصح في العمومات دون مثل ذلك.

و احتمال كون المراد من المرّتين في الصحيحة التشهدين دون الشهادتين، غير ضائر في دلالتها على الوجوب، كما أنّ عدم تعرضها لذكر الصلاة على النبي لا يوهن في دلالتها على وجوب الشهادتين.

ثمَّ بهذه الصحيحة- لكونها مقيدة- تقيّد المطلقات المتقدمة.

فالقول بمقتضاها، و كفاية الشهادتين و لو بدون قوله: وحده لا شريك له، و قوله: عبده كما في نهاية الشيخ و السرائر و الشرائع و المنتهى و القواعد و شرح القواعد «3»، و المعتمد لوالدي قدّس سرّه، بل كثير من الأصحاب كما في شرح القواعد «4»، بل المشهور كما في الحدائق «5» و المعتمد، بل ظاهر الأصحاب كما في الذكرى «6»، أو التردد بين كفاية المطلق و لزوم المقيّد كما في التذكرة «7»، و عن نهاية الإحكام «8» و تهذيب النفس للفاضل.

غير جيّد، لوجوب حمل المطلق على المقيّد و المجمل على المفصّل.

و القول بصراحة المطلق لتصريحه بأنّه أدنى ما يجزئ و هو صريح في العدم،

______________________________

(1) التهذيب 2: 92- 944، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.

(2) الخصال: 629، الوسائل 6: 412 أبواب التشهد ب 13 ح 5.

(3) النهاية: 83، السرائر 1: 241، الشرائع 1: 88، المنتهى 1: 292، القواعد 1: 35، جامع المقاصد 2: 318.

(4) جامع المقاصد 2: 318.

(5) الحدائق 8: 444.

(6) الذكرى: 204.

(7) التذكرة 1: 126.

(8) نهاية الإحكام 1: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 329

و ظهور المقيّد، لأنّ غايته الأمر الظاهر في الوجوب، و الظاهر لا يقاوم الصريح.

باطل، لمنع الصراحة، فإنّ الشهادتين

فيها لا يزيد على الظهور في الإطلاق، بل ليس ظاهرا في عدم وجوب فرد مخصوص من الشهادة أيضا و إنما هو بالأصل الغير المقاوم لظاهر أصلا.

و من ذلك يظهر عدم معارضة موثقة أبي بصير «1»- الفاقدة للفظ: «أشهد» الثاني في التشهد الأول- للصحيحة أيضا، إذ غايتها عدم التعرض و هو لما تعرض له غير معارض، مع أنّ الرواية متضمّنة لزيادات و للفظ أشهد في موضع آخر فيمكن أن يكون هو المجزئ عن لفظ: «أشهد» الثاني في أوّل الشهادة الثانية، فيكون مخيّرا بين ما في الصحيحة و الموثّقة.

و أمّا رواية الحسن بن الجهم: عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنّ محمّدا رسول اللَّه فلا يعيد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد» «2».

فهي و إن كانت معارضة لها إلّا أنّها أعمّ منها باعتبار شمولها لما إذا اقتصر على ما فيها، أو زاد عليها ما في الصحيحة أيضا، فلتخصّص بالصحيحة، كما تخصّص بالنسبة إلى الصلوات أيضا على القول ببطلان الصلاة بالحدث قبلها.

على أنّ غايتها عدم وجوب الإعادة لو قال الشهادتين بدون الزيادة، و هو لا ينفي وجوب الزيادة، لجواز أن يجب أن يتلفّظ في التشهد بها و إن لم تجب إعادة الصلاة إذا سبقها الحدث بعد حصول ماهية الشهادتين، فتأمّل.

المسألة الثالثة: و تجب فيه الصلاة على النبي و آله

في كلّ من التشهدين على الأظهر الأشهر، بل في الناصريات و المنتهى و التذكرة و شرح

______________________________

(1) التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 2: 354- 1467، الاستبصار 1: 401- 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 5، ص: 330

القواعد «1»، و المعتمد، و عن الخلاف و الغنية و المعتبر و الذكرى: الإجماع عليه «2».

لصحيحة ابن أذينة أو حسنته الواردة في بدو الأذان، و فيها بعد تمام السجدة الرابعة: «اجلس فجلس فأوحى اللَّه إليه: يا محمّد إذا ما أنعمت عليك فسمّ باسمي، فالهم أن قال: بسم اللَّه و باللَّه و لا إله إلّا اللَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، ثمَّ أوحى اللَّه إليه: يا محمّد صلّ على نفسك و على أهل بيتك» الحديث «3».

و صحيحة زرارة و أبي بصير الواردة في زكاة الفطرة، و فيها: «و من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و ترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له» «4».

و لا يضرّ تشبيه زكاة الفطرة فيها بالصلاة في أنّها من تمام الصوم كما أنّ الصلاة على النبي من تمام الصلاة مع عدم توقف قبول الصوم على الزكاة، لأنّ التشبيه لا يدل على المشابهة في جميع الأحكام، مع أنّ المشبّه به يكون لا محالة أقوى من المشبّه، مضافا إلى أنّ غايته عدم تمامية الاستدلال بهذا الجزء، و هو لا يوهن الاستدلال بما ذكرنا من ذيله.

و في اخرى: «إنّ الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من تمام الصلاة، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله» «5».

و في رواية أخرى منجبرة نقلها بعضهم: «من صلّى و لم يصلّ فيها عليّ و على آلي لم تقبل منه تلك الصلاة» «6».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 198، المنتهى 1: 293، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2:

319.

(2) الخلاف 1: 365، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، المعتبر 2: 266، الذكرى: 204.

(3)

الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(4) التهذيب 2: 159- 625، التهذيب 4: 108- 314، الاستبصار 1: 343- 1292، الوسائل 6: 407 أبواب التشهد ب 10 ح 2.

(5) الفقيه 2: 119- 515، المقنعة: 264، الوسائل 6: 407 أبواب التشهد ب 10 ح 1.

(6) متشابه القرآن 2: 170، مستدرك الوسائل 5: 15 أبواب التشهد ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 331

و قد يستدل بالآية صَلُّوا عَلَيْهِ «1» و رواية محمّد بن هارون و ما بمضمونها: «إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنّة» «2».

و فيهما نظر، لعدم دلالة الأمر بالصلاة على قول الصلاة، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة عند نزول الآية، و عدم دلالة وجوب الذكر على وجوب الصلاة فلعلّه تسميته في التشهد.

و غير الاولى من هذه الأخبار و إن كانت مطلقة غير معيّنة لموضع الصلاة في الصلاة، إلّا أنّ الاولى صريحة في تعيينها في التشهد، فهي مضافة إلى عدم قول بوجوبها في غيره أصلا تعيّن موضعها.

هذا، مضافا إلى الأخبار المتكثرة المصرّحة بوجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كلّما ذكر اسمه «3» كما يأتي، فلو لا عموم الوجوب بدليل لا أقلّ من وجوبها في التشهدين لعدم المخرج فيهما قطعا.

و لا يرد خروج الأكثر، إذ لم يعلم تحقق الأكثر من ذكره في التشهد، فإنّه يذكره كل أحد في كلّ يوم تسع مرّات لا محالة، و به يثبت الوجوب في التشهدين معا، فلا يضرّ عدم ثبوته من الأخبار المتقدمة.

و يستفاد من الروايتين الاولى

و الأخيرة وجوب إضافة الآل أيضا كما عليه الإجماعات المحكية، و تدلّ عليه صحيحة القدّاح: «سمع أبي رجلا متعلّقا بالبيت و هو يقول: اللّهم صلّ على محمّد، فقال له أبي: يا عبد اللَّه لا تبترها لا تظلمنا حقنا، قل: اللّهم صلّ على محمّد و أهل بيته» «4».

______________________________

(1) الأحزاب: 56.

(2) الكافي 2: 495 الدّعاء ب 20 ح 19، المحاسن: 95- 53، الوسائل 6: 408 أبواب التشهد ب 10 ح 3.

(3) انظر: الوسائل 7: 201 أبواب الذكر ب 42.

(4) الكافي 2: 495 الدعاء ب 20 ح 21، الوسائل 7: 202 أبواب الذكر ب 42 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 332

و صحيحة الحلبي: أسمّي الأئمة في الصلاة؟ قال: «أجملهم» «1».

الأمر دلّ على الوجوب، و لا وجوب في غير موضع النزاع بالإجماع.

خلافا للمحكي عن الصدوق، فلم يذكر في شي ء من كتبه الصلاة في شي ء من التشهدين، للأصل، و الأخبار المصرّحة بإجزاء الشهادتين «2»، و خلوّ كثير من الأخبار عنها، و تجويز الانصراف بعد الشهادتين في صحيحة محمّد السابقة «3»، و التصريح في صحيحة الفضلاء المتقدمة «4» بأنّه إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته.

و عن والده فلم يذكرها في الأول «5»، و لعلّه لما مرّ من الإطلاقات، و اختصاص الصحيحة الأولى بالتشهد الأخير.

و عن الإسكافي فاكتفى بها في أحدهما «6»، و لعلّه للإطلاق، مع ضميمة الإجماع على عدم الوجوب في غير التشهد، و عدم صراحة الصحيحة في اختصاص الوجوب بالأخير لاتحاد الأول و الأخير في صلاة النبي.

و يجاب عن أدلّة الأول: بضعف الأصل بما مرّ، و عدم دلالة أخبار الإجزاء إلّا عن الإجزاء عن التشهد فيحتمل أن تكون الصلاة خارجة عنه، و عدم تصريح الصحيحة بالانصراف

بعد التشهد بلا فصل، بل أتى بلفظة: «ثمَّ» الدالة على التراخي، فلعلّه بعد الصلاة على النبي و آله و إن لم تكن مذكورة فيها، مع احتمال إرادة الانصراف من التشهد دون الصلاة، و يؤكده عدم اختصاصها بالتشهد الأخير بل لا يضرّ لو أريد الانصراف من الصلاة لاحتمال خروج الصلاة على النبي

______________________________

(1) الفقيه 1: 208- 938 و 312- 1418، التهذيب 2: 326- 1338، الوسائل 6: 285 أبواب القنوت ب 14 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 6: أبواب التشهد ب 4 و 5.

(3) في ص 324 الرقم 3.

(4) في ص 323 الرقم 3.

(5) حكاه عنه في الذكرى: 204.

(6) حكاه عنه في المدارك 3: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 333

عنها كالتسليم.

و منه يظهر ضعف التمسك بصحيحة الفضلاء.

مع أنّ لنا أن نقول- على وجوب الصلاة على النبي و آله كلّما ذكر-: إنّه لا يحصل الفراغ من الشهادتين المشتملتين على اسمه الشريف إلّا بعد الصلاة عليه أيضا.

و عن دليل الثاني: بمنع اختصاص الصحيحة بالتشهد الأخير كما مرّ وجهه، مضافا إلى أنّ أحد أدلّة وجوبها و هو وجوبها عند ذكره صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم جار في التشهدين معا.

و منه يظهر الجواب عن دليل الثالث أيضا.

و هل ينحصر وجوبها في لفظ: «اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد» أم يجوز كل ما أدّى مؤدّاه؟.

الظاهر: الثاني، للأصل، و صحيحة بدو الأذان.

و هي جزء للصلاة إجماعا، له، و لقوله في الأحاديث المتقدمة: «إنّها من تمام الصلاة» و تمام الشي ء جزؤه، و: «إنّ من تركها لا صلاة له» و لا تنتفي حقيقة الشي ء إلّا بانتفاء جزئه.

و لصحيحة الحلبي: «كلّ ما ذكرت اللَّه [به ] و النبي صلّى اللَّه عليه و آله فهو

من الصلاة، فإن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت» «1».

بل جزء من التشهد أيضا على ما هو ظاهر الأكثر حيث عدّوها من الواجبات في التشهد، بل هو الظاهر من أكثر الإجماعات المحكية، فإن ثبت الإجماع فهو و إلّا فالأصل يقتضي عدمه.

و تظهر الفائدة في وجوب الجلوس بها، و يمكن إثباته باستصحاب وجوب الجلوس، فتأمّل.

______________________________

(1) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 334

المسألة الرابعة:

يستحب أن يزيد في تشهده في الركعتين الأوليين ما في رواية عبد الملك: «الحمد للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» «1».

و الأكمل منه للتشهدين ما في موثقة أبي بصير: «إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمّدا نعم الرسول، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته في أمّته و ارفع درجته. ثمَّ تحمد اللَّه مرّتين أو ثلاثا، ثمَّ تقوم، فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحقّ

بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الرب، و أنّ محمّدا نعم الرسول، التحيّات للَّه، و الصلوات الطاهرات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات للَّه، ما طاب و زكا و طهر و خلص وصفا فللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ، و أنّ محمّدا نعم الرسول، و أشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، الحمد للَّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللَّه، الحمد للَّه ربّ العالمين، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و بارك على محمّد و آل محمّد، و سلّم على محمّد و آل محمّد، و ترحّم على محمّد و آل محمّد، كما صلّيت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد و امنن عليّ بالجنّة و عافني من النار،

______________________________

(1) التهذيب 2: 92- 344، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 335

اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات و لا تزد الظالمين إلّا تبارا. ثمَّ قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام على أنبياء اللَّه و رسله، السلام على جبرئيل

و ميكائيل و الملائكة المقرّبين، السلام على محمّد بن عبد اللَّه خاتم النبيّين لا نبيّ بعده، و السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، ثمَّ تسلّم» [1].

أو ما في الفقه الرضوي، قال: «فإذا تشهّدت في الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة.

و لا تزيد على ذلك، ثمَّ انهض إلى الثالثة» إلى أن قال: «فإذا صلّيت الركعة الرابعة فقل في تشهّدك: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، التحيّات للَّه، و الصلوات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات التامّات الناعمات المباركات الصالحات للَّه، ما طاب و زكا و طهر و نما و خلص [فللَّه ] و ما خبث فلغير اللَّه، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمّدا نعم الرسول، و أنّ عليّ بن أبي طالب نعم الولي، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ و الموت حقّ و البعث حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، الحمد للَّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللَّه، اللهم صلّ على محمّد و على آل محمّد، و بارك على محمّد و على آل محمد، و ارحم محمّدا و آل محمّد، أفضل ما صلّيت و باركت و ترحّمت و سلّمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين إنّك

حميد مجيد، اللهم صلّ على محمّد المصطفى، و عليّ المرتضى، و فاطمة الزهراء، و الحسن و الحسين، و على الأئمة الراشدين من آل طه و ياسين، اللهم صلّ على نورك الأنور، و على حبلك الأطول، و على عروتك الأوثق، و على وجهك الأكرم، و على

______________________________

[1] التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2، و ليس فيه كلمتا «و للمؤمنين و المؤمنات» الثانيتان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 336

جنبك الأوجب، و على بابك الأدنى، و على مسلك الصراط، اللّهم صلّ على الهادين المهديّين الراشدين الفاضلين الطيّبين الطاهرين الأخيار الأبرار، اللهم صلّ على جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل، و على ملائكتك المقرّبين و أنبيائك المرسلين و رسلك أجمعين من أهل السماوات و الأرضين، و أهل طاعتك أكتعين، و اخصص محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله بأفضل الصلاة و التسليم، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليك و على أهل بيتك الطيّبين، السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين. ثمَّ سلّم» [1].

ثمَّ إنّه لا شك في جواز الاكتفاء في التشهد بما في رواية. و هل يجوز التبعيض بأن يذكر بعض ما في رواية واحدة فيه؟.

لا ريب في جوازه من حيث إنّه دعاء، و أمّا من حيث وروده و استحبابه بخصوصه فمحلّ نظر، نعم يجوز الاكتفاء بأحد التشهدين بأن يذكر ما ورد فيه دون الآخر، و يجوز الاكتفاء بافتتاح التشهد خاصة كما في رواية بدو الأذان «1».

المسألة الخامسة: يستحب التورّك في التشهد،

و إسماع الإمام إيّاه من خلفه كما مرّ، و وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى و اليسرى على اليسرى مبسوطتين مضمومتين، و ظاهر تهذيب النفس الإجماع عليه، و النظر إلى

حجره.

ختام:

هل تجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله حيث ما ذكر أم تستحب؟

المشهور: الثاني، بل في الناصريّات و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة:

الإجماع على عدم الوجوب «2».

______________________________

[1] فقه الرضا «ع»: 108 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 330.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، الخلاف 1: 370، المعتبر 2: 226، المنتهى 1: 293، التذكرة 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 337

و عن كنز العرفان القول بالوجوب «1»، و اختاره من مشايخنا المحدّثين صاحب الحدائق، و نقله عن الصدوق، و شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح، و المحدّث الكاشاني في الوافي، و الصالح المازندراني في شرح أصول الكافي، و بعض مشايخه البحرانيين «2».

و قال المقدّس الأردبيلي في آيات الأحكام: و يحتمل وجوب الصلاة عليه كلّما ذكر، كما دلّ عليه بعض الأخبار- إلى أن قال:- و يمكن اختيار الوجوب في كل مجلس مرّة إن صلّى آخرا، و إن صلّى ثمَّ ذكر يجب أيضا كما في تعدّد الكفارة بتعدد الموجب إذا تخلّلت، و إلّا فلا «3».

احتج الموجبون بأدلّة عمدتها الأخبار، و أظهرها دلالة و أصحّها سندا صحيحتا زرارة، و فيهما: «و صلّ على النبي صلّى اللَّه عليه و آله كلّما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك، في الأذان أو غيره» «4».

و أمّا غيرهما من الأخبار فلا يخلو من قصور في الدلالة أو السند كما لا يخفى على المتأمل فيها «5».

و احتج الآخرون بالإجماعات المتقدّمة، و إطباق جلّ القدماء و المتأخرين و معظمهم على انتفاء الوجوب، بل كلّ القدماء.

و أمّا الصدوق فليس وجه لنسبته إليه إلّا ذكره بعض الأحاديث المتضمّنة للأمر في كتابه، و كون كلّ أمر للوجوب عنده غير معلوم، و

لذا ترى كتابه مشحونا بالأوامر الغير المحصورة في الأدعية و الآداب من غير ذكر معارض، و لم ينسب أحد

______________________________

(1) كنز العرفان 1: 133.

(2) انظر الحدائق 8: 460.

(3) زبدة البيان: 85.

(4) الاولى: الفقيه 1: 184- 875، الوسائل 5: 451 أبواب الأذان و الإقامة ب 42 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 7، الوسائل 5: 451 أبواب الأذان و الإقامة ب 42 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 7: 201 أبواب الذكر ب 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 338

غيره القول بوجوبه إليه.

و لزوم العسر و الحرج غالبا، سيّما إذا وجبت مع ذكر اسمه العلمي و اللقبي و الوصفي و الضمير العائد إليه، كما هو مقتضى الصحيحتين.

و عدم ذكرها في أكثر الأدعية المشتملة على اسمه الشريف مع تكثرها غاية الكثرة.

و ذكره في القرآن في مواضع كثيرة مع عدم تعرّضهم لوجوب الصلاة كما تعرّضوا لوجوب السجدات.

و اقتضاء وجوبها اشتهارها أكثر من ذلك، حيث إنّ الغالب في الأذانات الإعلامية سماعها جماعة غير محصورة سيّما في البلدان.

أقول: لا شك في أنّ مقتضى الصحيحتين الوجوب مطلقا، إلّا أنّ مخالفتهما لإجماع القدماء و لا أقلّ من الشهرة العظيمة بينهم تدخل عمومهما في حيّز الشذوذ، فالحكم بمقتضى عمومهما و الإفتاء به في غاية الإشكال، و الاحتياط لا يترك في شي ء من الأحوال.

ثمَّ الوجوب أو الاستحباب- على الاختلاف- هل يختصّ بذكره صلّى اللَّه عليه و آله باسمه العلمي و هو محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و أحمد، أو يتعدّى إلى لقبه و كنيته بل و ضميره الراجع إليه؟

صرّح الشيخ البهائي بالتعدّي إلى الأوّلين قطعا، و إلى الأخير إمكانا، و المحدّث الكاشاني في خلاصة الأذكار بالتعدّي إلى الثلاثة «1».

و فصّل صاحب الحدائق

فتعدّى إلى ما استمرت تسميته و توصيفه به و اشتهرت في الإطلاق، كالمصطفى و النبي و الرسول و أبي القاسم و نحوها، دون ما ليس كذلك كالمختار و خير الخلق و خير البريّة، و الضمائر «2».

______________________________

(1) حكاه عنه في الحدائق 8: 464.

(2) الحدائق 8: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 339

و الحقّ التعدّي إلى الكل، لصدق ذكره صلّى اللَّه عليه و آله، فإنّه يحصل بالكلّ ذكره. نعم لا يتعدّى إلى ما يذكر في ضمن الصلاة عليه بعد ذكره، لخروجه بالقرينة الحاليّة و لزوم التسلسل.

و هل وجوبه أو استحبابه فوري أم لا؟

الأظهر: الثاني، للأصل.

و لا يدل قوله: «كلّما ذكرته» على الفورية، لأنّ التوقيت المستفاد من لفظة:

«ما» يمكن أن يكون مختصّا بالذكر دون الصلاة.

و لو تكرّر الذكر يكتفي للجميع بصلاة واحدة، إلّا أن تكرّر بعد الصلاة فتكرّر هي أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 340

البحث الثامن في التسليم و فيه مسائل:
المسألة الأولى: التسليم واجب في الصلاة على الأصح،

وفاقا للسيّد في الناصريات و المحمدية «1»، و العماني و الراوندي و الديلمي و صاحب الفاخر و أبي الصلاح و ابن زهرة «2»، و البشرى و المعتبر و الوسيلة و الشرائع و النافع و المنتهى و التبصرة و المهذب و التنقيح و الإيضاح لفخر المحقّقين و اللمعة و الدروس و المعتمد- لوالدي العلّامة- و الحدائق «3» و غيرها «4»، و هو مختار أكثر مشايخنا المعاصرين [1]، بل قال بعض من تأخر: إنّه الأشهر «5». و عن الأمالي: أنّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به «6». و نسبه والدي في المعتمد إلى أكثر الطبقة الثانية.

و قيل: و في الناصريات الإجماع عليه من كل من جعل التكبير جزءا من

______________________________

[1] كالبهبهاني في حاشية المدارك (المدارك الحجري): 175، و السيّد بحر العلوم في

الدرّة النجفية: 144.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، نقله عن المحمدية في المختلف: 97.

(2) نقله عن العماني في المختلف: 97، و عن الراوندي في الحبل المتين: 255، الديلمي في المراسم:

69، نقله عن صاحب الفاخر في الذكرى: 206، أبو الصلاح في الكافي: 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(3) نقله عن البشرى في الذكرى: 208، المعتبر 2: 233، الوسيلة: 96، الشرائع 1: 89، النافع: 33، المنتهى 1: 295، التبصرة: 28، المهذب البارع 1: 387، التنقيح 1: 211، الإيضاح 1: 115، اللمعة (الروضة 1): 277، الدروس 1: 183، الحدائق 8: 471.

(4) انظر: الجامع للشرائع: 84، و البيان: 176، و الحبل المتين: 255، و المفاتيح 1: 152.

(5) انظر: الرياض 1: 172.

(6) أمالي الصدوق: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 341

الصلاة «1».

و لكن الظاهر أن مراده من العامة، لأنّه قال في صدر المسألة- بعد قول الناصر: تكبيرة الافتتاح من الصلاة و التسليم ليس منها-: لم أجد لأصحابنا إلى هذه الغاية نصّا في هاتين المسألتين «2».

لا للتأسي أو الاحتياط، لعدم وجوبهما.

و لا لاستصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة، لأنّه فرع عدم ثبوت خروجه عن الصلاة إذ معه لا يحرم ما ذكر، مع أنه معارض باستصحاب عدم الحرمة بعد التشهد الثابت قبل أمر الشارع بالصلاة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    341     المسألة الأولى: التسليم واجب في الصلاة على الأصح، ..... ص : 340

لا لوجوب التسليم في الآية «3» و لا شي ء منه بواجب في غير الصلاة، لجواز كون المراد التسليم لأمره و الإطاعة له.

و لا لأنه لولاه لم تبطل صلاة المسافر بالإتمام، لجواز استناد البطلان إلى نية التمام إلى آخر الصلاة، و إطلاق أخبار بطلانها ظاهر

في القصد «4»، مع أن البطلان بلا قصد التمام محلّ نظر، و أيضا يمكن أن تكون الزيادة ما دام المصلي في عرصة الصلاة و حيّزها مبطلة.

و لا لجعله في الأخبار المستفيضة العامية و الخاصية- التي كادت تبلغ التواتر- تحليل الصلاة بما يفيد انحصار المحلّل فيه في كثير منها «5»، فينحصر المحلّل فيه قطعا، و إن لم يضرّ قصور بعض هذه الأخبار سندا، لاشتهارها بين العلماء، و بلوغها من الكثرة إلى حدّ التواتر، و نقلها في الأصول المعتبرة.

لأنه يرد عليه أنّه لا شك في أنّ المنافيات الواقعة بعد التشهد قبل التسليم

______________________________

(1) الرياض 1: 172.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(3) الأحزاب: 56.

(4) الوسائل 8: 505 أبواب صلاة المسافر ب 17.

(5) انظر: سنن البيهقي 2: 172، و الوسائل 6: 415 أبواب التسليم ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 342

كالحدث و النوم محلّل أيضا، و كذا حصول ما يحلّل قطع الصلاة من الأعذار، فلا ينحصر المحلّل في التسليم قطعا، فلا يكون الكلام للحصر و الاستغراق، و إذا لم يكن كذلك فتتّسع دائرة الاحتمال.

مع أنّه لو ثبت- بمجرد كونه محلّلا- وجوبه لزم وجوب سائر المنافيات أي أحدها تخييرا أيضا، ضرورة كون الجميع محلّلا، و حرمة المنافيات إنّما هي في أثناء الصلاة، و كون ما بعد التشهد أثناء فرع وجوب التسليم.

و على هذا فيمكن أن يكون المراد أفضل أفراد المحلل و نحوه، مع أنّ في الاستدلال بها للوجوب أبحاثا أخر أيضا.

بل [1] للأمر به في المستفيضة من الصحاح و غيرها التي كادت تبلغ حدّ التواتر، منها: صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، و فيها بعد التشهد: «فقيل: يا محمّد سلّم عليهم، فقال: السلام عليكم و رحمة اللَّه و

بركاته» «1».

و أبي بصير: «إذا كنت في صفّ سلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك، لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك، فإذا كنت إماما فسلّم تسليمة واحدة و أنت مستقبل القبلة» «2».

و سليمان بن خالد: عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال:

«إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم و ليسجد سجدتي السهو» «3».

______________________________

[1] عطف على قوله: لا للتأسّي ..

______________________________

(1) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(2) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 7، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 2: 158- 618، الاستبصار 1: 362- 1374، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 343

و في موثقة غالب فيمن رعف قبل السلام: «فاغسله ثمَّ ارجع و سلّم» «1».

و منها: الأخبار الواردة في باب الشك في عدد الركعات المتضمنة للأمر بالتسليم بعد التشهد، كصحيحتي الحلبي «2»، و صحيحة أبي بصير «3»، و موثقة عبد الرحمن و البقباق «4».

المؤيدة جميعا بالمروي في العلل: سأله عليه السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة الحديث «5».

و بأخبار أخر متضمنة لطلب التسليم و ذكره بحيث يحدس بعدم الاهتمام بشأن المستحبات هذا الاهتمام «6».

و بما دلّ على أنّ آخر الصلاة التسليم، كموثقة أبي بصير فيمن رعف قبل التشهد: «فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإنّ آخر الصلاة التسليم» «7».

و جعلها دليلا من حيث دلالة الأمر بالرجوع- الذي هو للوجوب- على كون آخر الصلاة التسليم.

______________________________

(1) التهذيب 2:

319- 1304 و فيه: غسله ثمَّ رجع فسلّم، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.

(2) الأولى: الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229- 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

الثانية: الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1:

380- 1441، الوسائل 8: 424 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

(3) التهذيب 2: 320- 1307، الاستبصار 1: 345- 1302، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 4.

(4) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 7، التهذيب 2: 184- 733، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.

(5) علل الشرائع: 359- 1، الوسائل 6: 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.

(6) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1 و ص 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.

(7) التهذيب 2: 320- 1307، الاستبصار 1: 345- 1302، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 344

ليس بجيّد، إذ ليس فيه دلالة على أنّ الرجوع لأجل ذكر التسليم، بل لعلّه لأجل التشهّد المعلوم دخوله في الصلاة يجعل آخرها التسليم.

و ما قيل من ضعف دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب «1»، ضعيف غايته كما بيّن في الأصول.

خلافا للشيخين و القاضي و الحلّي «2»، و الفاضل في القواعد و التذكرة و النهاية و تهذيب النفس، و المحقّق الثاني في شرح القواعد «3»، و المقدّس الأردبيلي «4»، و المدارك و الذخيرة و الكفاية «5»، بل جمهور المتأخرين كما قيل «6»، بل هو المشهور كما يظهر من تهذيب النفس، و ظاهر الجمل و العقود

التردد «7».

للأصل. و يدفع بما مرّ.

و لأنه لو كان من الصلاة لم تجب سجدة السهو، و لم يتحقق قطع الصلاة بالتسليم في غير موضعه. و يضعّف بمنع الملازمة، مع أنّ عدم كونه من الصلاة لا يوجب عدم الوجوب، للأخبار المستفيضة.

و لصحيحة محمّد المتقدّمة «8»، حيث قال فيها بعد الشهادتين: «ثمَّ تنصرف».

و صحيحة علي: عن المأموم يطول الإمام فتعرض له الحاجة، قال: «يتشهّد

______________________________

(1) الذخيرة: 291.

(2) المفيد في المقنعة: 139، الطوسي في النهاية: 89، القاضي في المهذب 1: 99، و في شرح الجمل:

95، الحلّي في السرائر 1: 231.

(3) جامع المقاصد 2: 326، نهاية الإحكام 1: 504، التذكرة 1: 127، القواعد 1: 35.

(4) مجمع الفائدة 2: 278.

(5) المدارك 3: 430، الذخيرة: 289، الكفاية: 19.

(6) كما في الحدائق 8: 471.

(7) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183.

(8) في ص 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 345

و ينصرف» «1».

و صحيحة الفضلاء السابقة «2»، حيث صرّحت بأنّه: «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته».

و صحيحة معاوية بن عمّار في ركعتي الطواف الآمرة فيهما بالقراءة و التشهد و الصلاة على النبي «3»، فإنّ ظاهرها عدم الوجوب فيهما، و لا قائل بالفصل.

و موثقة يونس: صلّيت بقوم صلاة، فقعدت للتشهد، ثمَّ قمت و نسيت أن أسلّم عليهم، فقالوا: ما سلّمت علينا، فقال: «ألم تسلّم و أنت جالس؟» قلت:

بلى، قال: «لا بأس عليك و لو نسيت حتى قالوا لك استقبلتهم بوجهك فقلت:

السلام عليكم» «4».

و الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي من الحدث و الالتفات و النوم و غير ذلك «5» و يجاب عن الصحاح الثلاثة الأولى: بأنّ غايتها حصول الانصراف عن الصلاة و تماميتها و مضيها بالفراغ من الشهادتين، و ذلك غير كاف

في إثبات عدم الوجوب، لجواز كون التسليم خارجا عن الصلاة، مع أنّها لو دلّت لتعارضت مع ما دلّ على وجوبه بالعموم المطلق، فتخصص به كما بالنسبة إلى الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله.

______________________________

(1) الفقيه 1: 261- 1191، التهذيب 2: 349- 1446، قرب الاسناد: 207- 803 (بتفاوت)، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

(2) في ص 323.

(3) الكافي 4: 423 الحج ب 32 ح 1، التهذيب 5: 104- 339، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

(4) التهذيب 2: 348- 1442، قرب الاسناد: 309- 1206 و فيه: و لو شئت حين قالوا لك، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 5.

(5) كما في الوسائل 6: 423 أبواب التسليم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 346

بل قيل: إنّه يمكن أن يراد بالانصراف في الأوّلين هو التسليم «1»، بل هو مقتضى بعض الصحاح كصحيحة الحلبي «2» و غيرها «3».

و قد يستشهد له بالأمر بالانصراف- الذي أقلّه الطلب- في بعض الأخبار، و لا مطلوب بعد التشهد سوى التسليم.

و لم نقف على الأمر المطلق بالانصراف إلّا قوله: «ينصرف» في بعض الأخبار، و هو يحتمل أن يكون إخبارا عن حصول الانصراف بعد التشهد، مع أنّ في الأمر الوارد عقيب الحظر كلاما مشهورا. و أمّا الأمر المعلّق في هذه الصحيحة [1] فغايته مطلوبية الانصراف عن اليمين و هو يمكن أن يكون بنفسه مطلوبا. نعم في بعض الأخبار الواردة في الشك الأمر بالانصراف ثمَّ صلاة الاحتياط «4»، و يحتمل أن يكون الأمر فيه لمطلق الانصراف لأجل أداء الاحتياط، هذا، مع أنّ إطلاق الانصراف على التسليم مجاز و هو ليس بأولى من التجوز في الأمر

بإرادة الإباحة.

هذا، مضافا إلى ما في الصحيحة الثانية من اختلاف نسخها ففي موضع من التهذيب كما ذكر، و في آخر منه و في الفقيه بدل: «يتشهّد» «يسلّم» «5».

و يعضد هذه النسخة- مضافا إلى التعدّد و أضبطية الفقيه- الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما: عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام

______________________________

[1] كذا في جميع النسخ، و الصحيح ظاهرا: في بعض الاخبار. انظر: الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 10، 13.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 172.

(2) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(3) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(4) انظر: الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10.

(5) التهذيب 3: 283- 842، الفقيه 1: 261- 1191، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 347

للتشهد، قال: «يسلّم و يمضي لحاجته إن أحبّ» «1».

مع أنّها أوفق بالسؤال في صدر الصحيحة، حيث كان السؤال عن طول الإمام التشهد، و هو غالبا يكون في المستحبّات المتأخرة عن الشهادتين فقد حصل الفراغ عن التشهد.

و عن الرابعة: بأنّ عدم ذكر التسليم لا يدلّ على عدم وجوبه، إذ لا يلزم ذكر كلّ واجب في كل خبر. مع أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر الواجبات، و لذا لم يذكر منها سوى قليل منها، بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها، و لذا ذكر فيها الجحد و التوحيد و الحمد و الثناء.

و عن الموثقة: بأنّ تصريح السائل بالتسليم حين الجلوس يدل على أنّ السلام المنسي عند القيام هو السلام على القوم حين الالتفات إليهم كما كان

سنّة يومئذ- لا سيما في مقام التقية- أو كان مستحبا، فهو غير دالّ على مطلوبهم، بل تفريع انتفاء البأس بوقوع السلام جالسا دليل على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- إذا ترك السلام مطلقا، فالموثقة على الوجوب أدلّ.

و عن الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي: بأنّها لو دلّت لدلّت على عدم الجزئيّة لا عدم الوجوب.

المسألة الثانية: هل التسليم الواجب هو جزء من الصلاة أو خارج عنها؟.

صرّح بعض مشايخنا بالأول، و قال: إنّه الأشهر، بل ذكر دعوى الناصريّات و الفاضل المقداد و المدارك و المنتهى الإجماع عليه [1]. و بهذا القول صرّح

______________________________

[1] الرياض 1: 172، و انظر: التنقيح 1: 213، و المدارك 3: 431، و لم نعثر على دعوى الإجماع في المنتهى كما سيشير اليه المصنف.

______________________________

(1) الأول: الفقيه 1: 257- 1163، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 6.

الثاني: التهذيب 2: 317- 1299، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 348

السيّد في الناصريّات، بل قال بركنيته «1».

و اختار والدي- قدّس سرّه- في المعتمد الثاني، و نسبه إلى الأكثر. و نقله في الدروس من بعضهم «2». و نقل عن قواعد الشهيد و الفاخر و البشرى «3»، و المحدّث الكاشاني و الحرّ العاملي و صاحب الحدائق «4».

و هو الأظهر، للأصل، و الأخبار، كصحيحتي سليمان و الفضلاء المتقدّمتين «5»، و صحيحة الحسين بن أبي العلاء في ناسي التشهد حتى يركع:

«فقال: فليتمّ صلاته ثمَّ يسلّم» «6».

و يؤيّده ما في صحيحة زرارة: «و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «7».

و موثقته: عن الرجل يصلّي ثمَّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم، قال: «قد تمّت صلاته». «8»

و موثقة غالب: عن الرجل يصلّي المكتوبة فينقضي صلاته و يتشهّد ثمَّ ينام قبل

أن يسلّم، قال: «تمّت صلاته» «9».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(2) الدروس 1: 183.

(3) نقله عن قواعد الشهيد في التنقيح 1: 212 و عن الفاخر في الذكرى: 206 و عن صاحب البشرى في الحدائق 8: 483.

(4) المفاتيح 1: 152، الحدائق 8: 483 و حكاه فيه عن الحرّ العاملي.

(5) في ص 323، و ص 342.

(6) التهذيب 2: 159- 623، الاستبصار 1: 362- 1373، الوسائل 6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 5.

(7) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، التهذيب 2: 318- 1301، الاستبصار 1:

343- 1291، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.

(8) التهذيب 2: 320- 1306، الاستبصار 1: 345- 1301، الوسائل 6: 424 أبواب التسليم ب 3 ح 2.

(9) التهذيب 2: 319- 1304، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 349

دليل الجزئية: الإجماعات الأربعة المحكية.

و استصحاب تحريم ما حرم قبله، و الكون في الصلاة.

و جعله تحليلا كما مرّ.

و الأخبار كموثقة أبي بصير: «إذا نسي الرجل أن يسلّم، فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد فرغ من صلاته» «1».

دلّت بالمفهوم على عدم الفراغ قبله.

و روايته و فيها: «فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة» «2».

و تؤيده الروايات المعلّقة للانصراف بهذا القول «3».

و موثقة أبي بصير المتقدمة «4» المصرّحة بأنّ آخر الصلاة التسليم.

و يردّ الأوّل: بعدم حجيتها، سيّما مع كون الأوّلين إجماعا مركّبا، ففي الأوّل «5» جعله قول كل من أوجب تكبيرة الافتتاح، مع أنّ الظاهر منه كما مرّ إجماع العامة، و في الثاني «6» قول من جعله واجبا، و أمّا الثالث «7» فالإجماع فيه على بطلان الصلاة بتخلل المنافي

بينه و بين التشهد لو وجب، و دلالته على الجزئية ممنوعة، لجواز كونه خارجا كذلك، و أمّا الأخير فلم نعثر على دعوى إجماع بسيط أو مركّب فيه.

و أوّل الاستصحابين: بوجود المعارض له كما مرّ، و عدم استلزامه للجزئية، لجواز توقف التحليل على الإتيان بفعل خارج. و ثانيهما: بزواله بما مرّ من الأدلّة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 159- 626، الوسائل 6: 423 أبواب التسليم ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(3) الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(4) في ص 343.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(6) التنقيح الرائع 1: 213.

(7) المدارك 3: 431.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 350

و الثالث: بعدم توقف كونه محلّلا على الجزئية، لجواز أن تكون حلّية ما يحرم في الصلاة بأمر خارج عنها قبل التسليم و إن كان واجبا خارجا، إلّا أنه لا دليل على جواز تعمّد فعل المنافي قبله، و هذا معنى كونه تحليلا، مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون المراد من التحليل الخروج عن الصلاة و حلّ ما عقدته الصلاة، و يكون حينئذ على الخروج أدلّ، فتأمّل.

و البواقي غير الأخير: بأنّها أعم مطلقا ممّا مرّ من أدلة الخروج، لدلالتها بالمفهوم على عدم الفراغ و الانقطاع و الانصراف ما لم يقل بهذا القول سواء تمَّ التشهد أم لا، فتخصّص به، كما أنّ حديث الانقطاع يخصّص بسائر القاطعات أيضا.

و لا ينافي ذلك رواية أبي كهمش: عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، انصراف هو؟ قال: «لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين

فهو الانصراف» «1» من جهة التصريح بعدم حصول الانصراف بعد التشهد و قبل التسليم.

لأنّ هذا في الركعتين الأوليين، و لا شك أنّ التشهد فيهما ليس آخر الصلاة و لا التسليم على النبي موجبا لانقطاع الصلاة. نعم ينقطع لو قال: السلام علينا، لأنّه موجب لانقطاع الصلاة إمّا لكونه آخرا لها أو خارجا عنها، و لهذا حكم ببطلان الصلاة به في حسنة ميسر «2». مع أنّ حصول الانصراف به لا يدلّ على الجزئية، و لذا قيل: الفراغ لا يستلزم الانصراف. انتهى.

هذا كلّه إذا كان التسليم المتنازع فيه مطلقة. و أمّا لو خصّ النزاع

______________________________

(1) الفقيه 1: 229- 1014، التهذيب 2: 316- 1292، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.

(2) الخصال: 50- 59، التهذيب 2: 316- 1290، الوسائل 6: 409 أبواب التشهد ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 351

بالتسليمة الأخيرة و جعل هي المرادة من التسليم- كما يظهر من نهاية الشيخ [1]- فلا دلالة لهذه الأخبار مطلقا، لورود كلّها أو أكثرها في: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين.

و الأخير: بعدم صراحة التسليم فيها في المتنازع فيه، فيحتمل إرادة السلام المستحب في التشهد على النبي و يكون المراد التسليم المستحب كما مرّ الإشارة إليه.

المسألة الثالثة: اختلفوا في عبارة التسليم-
اشارة

الواجب عند الموجبين و المستحب عند الآخرين- أنّه هل هو السلام عليكم، أو السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، أو أحدهما؟

فذهب الشيخ في النهاية و الصدوق و الحلّي و عن السيد و الحلبي و في المدارك و ظاهر شرح القواعد- و إن عبّر أوّلا بالأحوط- إلى الأوّل «1»، و هو مختار والدي رحمه اللَّه، و نسبه بعض المتأخرين إلى المشهور «2»، بل في الدروس: إنّ عليه الموجبين «3»،

و في البيان: إنّ السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء، و يلزمه وجوب السلام عليكم «4»، و هو محتمل كلّ من أطلق التسليم، حيث إنّه كثيرا ما يطلق و يراد به هذا كما في النهاية و السرائر «5»، بل في الأحاديث «6».

______________________________

[1] نسب التسليم الأخير إلى نهاية الشيخ و أنّه قال بعد ضمّ التشهد إلى قوله السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين: ثمَّ يسلّم به. منه رحمه اللَّه. انظر: النهاية: 84.

______________________________

(1) النهاية: 84، الصدوق في المقنع: 29، الحلي في السرائر 1: 231، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 43، و الناصريات (الجوامع الفقهية): 196، الحلبي في الكافي في الفقه: 119، المدارك 3: 437، جامع المقاصد 2: 326.

(2) انظر: الحدائق 8: 485.

(3) الدروس 1: 183.

(4) البيان: 177.

(5) النهاية: 72، السرائر 1: 231.

(6) انظر: الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 352

و عن الجامع: الثاني «1».

و ذهب المحقّق في كتبه الثلاثة «2»، و الشهيد في الألفيّة و اللمعة و الدروس «3»، و الفاضل في القواعد و تهذيب النفس و النهاية و الإرشاد و المنتهى و التذكرة بل جميع كتبه «4»، و روض الجنان و الروضة «5»، إلى الثالث، و هو محتمل كلّ من أطلق التسليم، كالخلاف و الجمل و العقود و الوسيلة و الناصريات «6»، و عن المهذّب و النكت: دعوى الشهرة عليه «7». و الاحتمال الآخر إرادة السلام عليكم، كما يأتي وجهه.

و الحق هو الأوّل، لأصل الاشتغال، لحصول البراءة عن التسليم الواجب بالعبارة الأولى، للإجماع كما في التذكرة «8» و غيره «9»- و لا يقدح مخالفة الجامع في الإجماع- و عدم العلم بحصولها بغيرها.

و

لصحيحة ابن أذينة في بدو الأذان، و فيها: «فقيل: يا محمّد سلّم عليهم، فقال: السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته» «10».

و رواية الحضرمي: إنّي أصلّي بقوم، فقال: «تسلّم واحدة و لا تلتفت، قل:

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 84.

(2) الشرائع 1: 89، المعتبر 2: 234، المختصر النافع: 33.

(3) الألفية: 60، اللمعة (الروضة 1): 277، الدروس 1: 183.

(4) القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1: 504، الإرشاد 1: 256، المنتهى 1: 296، التذكرة 1:

127، و انظر: التحرير 1: 41، و المختلف: 97.

(5) روض الجنان: 279، الروضة البهية 2: 279.

(6) الخلاف 1: 376، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183، الوسيلة: 96، الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(7) المهذب 1: 95.

(8) التذكرة 1: 126.

(9) كالذخيرة: 291.

(10) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 353

السلام عليك أيّها النّبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم» الحديث «1».

و تؤيده صحيحة علي: رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمّدا بني جعفر يسلّمون في الصلاة عن اليمين و الشمال: «السلام عليكم و رحمة اللَّه، السلام عليكم و رحمة اللَّه» «2».

و موثقة أبي بصير المتقدّمة في التشهد الطويل، حيث قال فيها بعد قوله «و السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين»: «ثمَّ يسلّم» «3».

فإنّ الظاهر من إطلاقه أنّ التسليم المأمور به هو غير السلام علينا، و ليس إلّا السلام عليكم. و أيضا، ظاهره انصراف التسليم المطلق إليه.

و مثله الرضوي المتقدّم «4».

و ما في المؤثّق من أنّ التسليم إذن «5»، و التصريح في رواية أبي بصير: «بأنّ الإذن إنّما هو بالسلام عليكم» «6».

فعليه تحمل مطلقات الأمر بالتسليم.

احتج من قال

بالتخيير: بأنّ السلام علينا موجبة للخروج عن الصلاة و قاطعة لها، و كلّ ما كان كذلك فهو محلّل، فهذه العبارة محلّلة، و إذا كانت محلّلة كانت واجبة، و ليس عينا إجماعا، فيكون مخيرا.

أمّا المقدمة الأولى: فللأخبار المتكثرة المتقدمة أكثرها، المصرّحة بأنّه إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت، أو فقد انقطعت

______________________________

(1) التهذيب 3: 276- 803، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 9.

(2) التهذيب 2: 317- 1297، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

(4) في ص 335.

(5) انظر: التهذيب 2: 317- 1296، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 7.

(6) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 354

الصلاة، أو فقد فرغ من صلاته «1».

و أمّا الثانية: فلأنّ بالخروج منها يتحقق التحليل، و للمرويّين في الخصال و العيون: «لا يقال في التشهد الأوّل: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلّمت» «2».

و أمّا الثالثة: فلوجوب تحصيل التحليل من الصلاة، و للمروي في العلل:

عن العلّة الّتي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال: «لأنّه تحليل الصلاة»- إلى أن قال:- فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: «لأنّه تحيّة الملكين» «3».

و بتقرير آخر: علّة وجوب التسليم حصول التحليل به، فهو يحصل بذلك، فيكون واجبا. و سند المقدّمتين يظهر ممّا مرّ.

و يجاب عنه بالتقرير الأوّل، مضافا إلى منع كلّية الثانية أي استلزام الخروج للتحليل- و جعله كلاما شعريا في الشرعيّات التي لا سبيل للعقل

إليها غالبا غريب- و إلى منع دلالة رواية العلل على أنّه علّة الوجوب، لأنّ الوجوب إنّما وقع في كلام السائل، و غايته تقرير الإمام على هذا الاعتقاد، و حجيّته غير واضحة، فيمكن أن يكون العلّة لمطلق الرجحان:

بأنّه إن أريد أنّ كلّ ما كان محللا كان واجبا فهو لا يقول به، و إلّا أوجب الصيغتين.

و إن أريد أنّ شيئا من المحلّل واجب، فهو لا يفيد.

فإن قلت: المراد أنّه من المحلّلات، و لا يجب في الصلاة إلّا تحصيل شي ء من المحلّلات.

قلنا: لا نسلّم أنّه لا يجب إلّا تحصيل شي ء من المحلّلات، كما يظهر وجهه ممّا يجاب به عن التقرير الآخر، و هو:

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(2) الخصال: 604، العيون 2: 121- 122، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 12 ح 3.

(3) علل الشرائع: 359- 1. الوسائل 6: 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 355

أنّه إن أريد أنّ علّة وجوب ماهيّة التسليم حصول التحليل به فهو مسلّم، و لكن يجب الزائد عنها أيضا إجماعا، و إلّا لكفى التسليم بأيّ نحو اتّفق و لو بمثل السلام على النبي، أو على الملائكة، أو على الناس، و لم تجب إحدى الصيغتين.

و إن أريد أنّ علّة وجوب التسليم المعهود هو ذلك، فلا دليل عليه، و مقتضى رواية العلل ليس إلّا علّية التحليل لوجوب المطلق. و حمله في الرواية على التسليمين مجاز لا دليل عليه، و لو سلّم جواز إرادة المعهود فلا يتعيّن كونه الصيغتين، فلعلّه السلام عليكم كما أطلق عليه التسليم في الأخبار و كلمات القدماء، بل يدلّ عليه ما في الأخبار من أنّ التسليم إذن، و أنّ الإذن يحصل بالسلام

عليكم.

و على هذا فنقول: التحليل و إن حصل بذلك و لكن لا تنحصر علّة وجوب أحد التسلمين المعهود بالتحليل. و لذا قال بعض أصحابنا- بل جماعة كما قيل-:

إنّه يخرج من الصلاة بقوله: السلام علينا .. و إن وجب الإتيان بالسلام عليكم أيضا «1»، و قال صاحب البشرى: لا مانع من أن يكون الخروج بالسلام علينا .. و إن كان يجب السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته «2».

مع أنّ لنا أن نقول: إنّ مقتضى الرواية كون التحليل معلولا للتسليم المعيّن الذي هو السلام عليكم، لأنّه علّل فيها صيرورته تحليلا بأنّه تحيّة الملكين، و مثله ورد في المروي في معاني الأخبار «3»، و لا شك أنّها مخصوصة بالسلام عليكم.

و على هذا فيجب إمّا حمل التحليل في رواية الخصال على ما حملها به بعضهم من الانقطاع أو الانصراف أو الخروج «4»، أو ارتكاب تجوّز في رواية العلل.

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 296، و الحبل المتين: 253، و المفاتيح 1: 152.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 208.

(3) معاني الأخبار: 175، الوسائل 6: 418 أبواب التسليم ب 1 ح 13.

(4) كما في الحدائق 8: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 356

فما قيل من أنّ صرف التحليل فيها عن معناه المعروف إلى أنّه عبارة عن انقطاع الصلاة و الخروج منها لا وجه له «1»، غير صحيح.

و منه يظهر الخدش في عموم التسليم الوارد في الرواية المصرّحة بأنّ «تحليلها التسليم» «2» لجميع الصيغ.

ثمَّ إنّ ذكر الدليل بتقرير به على تقرير القول باستحباب التسليم مع جوابه ظاهر.

و قد يستدلّ لهذا القول أيضا، بموثقة أبي بصير: «إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي عليه و آله السلام و تقول: السلام علينا و

على عباد اللَّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمَّ تؤذن للقوم و تقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، مثل ما سلّمت و أنت إمام، و إذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، و سلّم على من على يمينك و شمالك» الحديث «3».

دلّت على أنّ التسليم المعهود هذه الصيغة، فيكون هو الواجب أو المستحب، بل ظاهرها انحصار التسليم فيها.

و يضعّف بأنّ مدلولها أنّ التسليم هو التسليم على النبي و هذه الصيغة، و لا شكّ أنّهما معا ليسا التسليم المعهود، فالمراد أمر آخر فلا يفيد، بل يمكن أن تكون الصيغة الأخرى أيضا جزءا له، فيكون «ثمَّ تؤذن و تقول» معطوفا على قوله «و تقول» و يكون قوله «فإذا قلت» إلى آخره جملة معترضة.

و استدلّ أيضا، بورود الأمر بالتسليم و هو يصدق على كلّ منهما، فيكون الواجب أو المستحب أحدهما.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 173.

(2) انظر: الوسائل 6: 415 أبواب التسليم ب 1.

(3) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 357

و يردّ بأنّ التسليم و إن صدق على مطلقه، و لكن يجب الزائد على المطلق بالإجماع، بل الضرورة، حيث إنّه تجب كيفية خاصّة فبه يقيّد المطلق، فإذا لم يتعيّن القيد يرجع إلى أصل الاشتغال.

و بأنّ الروايات دلّت على انقطاع الصلاة بالسلام علينا، فلا يكون بعده واجب. و هو إنّما يرد على القائل بالجزئيّة.

و بما ذكر ظهر ضعف قول آخر يحكى عن الجامع، و هو وجوب السلام علينا- إلى آخره- خاصّة «1». و نسبه في المعتبر «2»

إلى الشيخ، و خطّأه الشهيد «3»، فإنّه شاذّ، بل في الذكرى: إنّه خروج عن الإجماع «4».

و مع ذلك لا يساعده دليل سوى ما قيل من أنّه ظهر من الأخبار أنّ التسليم الواجب أو المستحب هو المحلّل، و صرّح في المستفيضة بأنّ الانصراف الذي هو التحليل يحصل بهذه الصيغة «5».

و يردّ بأنّ حصوله بها لا ينافي حصوله بصيغة أخرى أيضا، سيّما مع شمول التسليم لها، بل ظهوره فيها.

و أضعف منه ما حكي عن الفاخر [1]، و كنز العرفان، و نقله عن بعض مشايخه المعاصرين أيضا «6»، لعدم وضوح مستند له إلّا ما قيل من الآية [2]، و الموثّقة المتقدّمة «7».

______________________________

[1] انظر: الذكرى: 206، قد حكى فيه عن صاحب الفاخر وجوب: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته.

[2] .. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب: 56.

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 48.

(2) المعتبر 2: 234.

(3) انظر: الذكرى: 207.

(4) الذكرى: 208.

(5) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(6) كنز العرفان 1: 141.

(7) في ص 358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 358

و يردّ الأوّل بأنّ الظاهر من التسليم فيه الانقياد، بل به صرّح في بعض الروايات «1». و الثاني بعدم صراحته في الوجوب، إذ ظاهر أنّ المحصور فيه ليس الموضوع حقيقة، و باب المجاز واسع، فلعلّه التسليم المستحب.

نعم، في موثّقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل: «ثمَّ قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» «2».

و لكن لتعقّبها ما لا قائل بوجوبه يتعيّن حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان.

مضافا إلى دعوى الفاضل الإجماع على استحباب هذا التسليم «3»، و جعل الشهيد القول بوجوبه غير معدود من المذهب مؤذنا بمخالفته الإجماع، بل الضرورة

«4».

هذا. ثمَّ إنّ القائلين بالقول الثاني [1] جعلوا الثانية مستحبة، و لا دليل عليه لو قدّم السلام عليكم.

فرعان:

أ: الواجب في التسليم بالصيغة الأولى، هل هو مجموع السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته- كما عن ابن زهرة و ظاهر الشرائع و النافع «5»-؟

______________________________

[1] مراده (ره) بالقول الثاني هو القول بالتخيير بين الصيغتين، لا القول بوجوب السلام علينا ..

كما يوهمه صدر المسألة.

______________________________

(1) انظر: معاني الأخبار: 367.

(2) التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

(3) انظر: المنتهى 1: 296.

(4) الذكرى: 206.

(5) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 359

أو السلام عليكم خاصّة- كما عن الصدوق «1»، و العماني و الإسكافي «2»، و والدي رحمه اللَّه، و غيرهم، بل الأكثر كما قال بعض من تأخّر «3»-؟

أو بزيادة و رحمة اللَّه خاصّة؟.

الظاهر الثاني، لقوله في موثّقة أبي بصير: «و تقول و أنت مستقبل القبلة:

السلام عليكم» «4».

فإنّ الموضوع فيها إمّا التسليم الواجب، أو الكامل، أو نحوهما، و كيف ما كان ينفى وجوب الزائد.

و ينفى وجوب قوله: و بركاته بما مرّ في صحيحة علي أيضا «5»، مع أنّه صرّح جماعة بنفي الخلاف أو الإجماع على عدم وجوب: و بركاته «6».

ب: التسليمان الآخران و إن لم يكونا واجبين، و لكن لا شكّ في استحبابهما، بالإجماع، و الأخبار «7».

و الوظيفة تقديم السلام على النّبي عليهما كما في موثّقتي أبي بصير «8»، ثمَّ تقديم السلام علينا كما فيهما أيضا.

المسألة الرابعة: اختلفوا في المخرج من الصلاة من الصيغتين بما لا مزيد فائدة في بسط الكلام فيه.
اشارة

______________________________

(1) الفقيه 1: 210.

(2) حكاه عنهما في المنتهى 1: 296.

(3) انظر: المفاتيح 1: 153.

(4) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(5) راجع ص 353.

(6) انظر: المنتهى 1: 296، و المفاتيح 1: 153.

(7) انظر: الوسائل 6: أبواب التسليم

ب 2 و 4.

(8) راجع ص 358- 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 360

و لتحقيق المقام نقول:

اعلم أوّلا أنّه يستعمل هاهنا ألفاظ الصارف، و القاطع، و المخرج، و المحلّل.

و الأوّلان متساويان، و هما أعمّان مطلقا من المبطل، فإنّ كلّ مبطل للصلاة صارف عنها قاطع لها و لا عكس، لأنّهما لو لحقا في الأثناء كانا مبطلين، و لو تعقّبا الجزء الأخير من الصلاة أو كانا نفسه لم يكونا مبطلين، بل يكونان حاجزين من عروض المفسد و المبطل، و يتساوقان للمخرج.

و أمّا المحلّل فهو أعمّ من وجه من المخرج و أخويه، إذ لا مانع عقلا من أن يحلّ بعض الأشياء أو كلّها قبل تمام الصلاة، كما قد يقال بعدم إبطال الحدث سهوا قبل السلام على القول بجزئيته، و لا من أن يتم الصلاة و يخرج منها، و توقف حلّية بعض الأشياء على أمر آخر، كما قاله صاحب الحدائق «1»، و إن أمكن دعوى ثبوت التلازم شرعا من أحد الطرفين بل من كليهما.

و هاهنا أمر آخر و هو المتمّم أي الجزء الأخير من الصلاة، فهو مباين للمبطل، و أعمّ من وجه من المخرج و أخويه، إذ يمكن أن يكون الجزء الأخير مخرجا، و يمكن أن لا يكون كذلك بل يتوقف الخروج و الصرف على أمر خارج يكون هو كالحاجز بينها و بين غيرها، فما لم يفعله يكون المصلّي في حيّز الصلاة و يكون ما يفعل بعده زيادة في الصلاة كما مرّ في إتمام المسافر «2»، و كذا من المحلّل.

إذا عرفت ذلك فنقول: قد ثبت حكم التسليمات من الوجوب و الاستحباب ممّا تقدّم.

و مقتضى الأصل عدم جزئية شي ء منها للصلاة أيضا، و لا كونه صارفا و لا مخرجا

و لا محلّلا.

إلّا أنّ صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرّحة بأنّ «كلّ ما ذكرت اللَّه به و النبي

______________________________

(1) الحدائق 8: 484.

(2) راجع ص 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 361

صلّى اللَّه عليه و آله فهو من الصلاة، و إذا قلت: السلام علينا- إلى آخره- فقد انصرفت» «1» تدلّ على كون التسليمة الأولى جزءا من الصلاة، و لكن لا دليل على مخرجيّتها، بل في رواية أبي كهمش تصريح بعدم كونها صارفة «2»، فهي جزء مستحب غير مخرج و لا صارف.

و أمّا المحلّلية فهي و إن كانت بالنسبة إليها بخصوصها مخالفة للأصل، و لكن الأصل عدم حرمة شي ء بعد تمام الصلاة ما لم يكن عليها دليل. فتكون محلّلة من هذه الجهة أيضا، بمعنى أنّه يحلّ بعدها جميع المحرّمات، بل يحلّ قبلها أيضا، لكون الجزء الأخير الواجبي هو الصلاة و تكون هذه التسليمة محلّلة كاملة، بمعنى أنّه يستحب ترك المنافيات قبلها و إن جاز فعلها.

فإن قيل: كون الجزء الأخير محلّلا إنّما هو إذا لم يكن دليل على عدمه، و هو هنا موجود، و هو جعل تحليل الصلاة التسليم، إذ لا معنى للتحليل بعد التحليل.

قلنا: لا شك في حصول التحليل الاضطراري بحدوث المبطلات اضطرارا، و الاختياري المحرّم بالإتيان بالمنافيات في الأثناء بلا عذر، و المباح بل الواجب فيما إذا حصل العذر للقطع، سيّما بعد التشهد قبل التسليم. و أيضا:

المحلّل لا بدّ له من محلّل- بالفتح- و هو قد يكون جميع المحرّمات و قد يكون بعضها. و أيضا: المحلّل الكامل ما يكون بعد جميع الأجزاء المستحبّة، فهو إمّا كامل أو غير كامل.

و لا شك أنّ جميع هذه الأنواع لا ينحصر بالتسليم، فلا تكون القضيّة حصريّة حقيقية، و إذا كانت مجازيّة يتّسع

بابه و يدخل في حيّز الإجمال، فلا يفهم منه معنى منافيا لمحلّلية الجزء الأخير، و لا نافعا في محلّلية التسليم.

بل قد ورد في رواية أبي الجارود بعد الأمر بسجدتي السهو قبل التسليم:

______________________________

(1) راجع ص 333.

(2) راجع ص 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 362

«فإنّك إذا سلّمت ذهبت حرمة صلاتك» «1».

و الظاهر منها أنّ قبل التسليم يترجح ترك المنافيات احتراما للصلاة، فيمكن أن يكون هذا هو المراد من كونها تحليلا.

و أمّا الثانية فلا دليل على جزئيّتها، و القول بأنّها جزء مستحب للتشهد قول بلا دليل، فيحكم بمقتضى الأصل.

و لكن دلّت الأخبار المتقدّمة المتكثرة على مخرجيّتها و صارفيّتها، فيحكم بها قطعا، فتكون مبطلة لو وقعت في الأثناء، كما صرّح به في حسنة ميسر «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و مخرجة فقط، لو وقعت في الآخر، بمعنى أنّها حاجزة عن عروض جميع المفسدات حتى الزيادة، فلو زاد بعده تكبيرة أو ركوعا لم تفسد الصلاة.

و هل هي محلّلة أم لا؟ إن أريد ما يحلّل جميع المحرمات و مبيحها، فلا دليل عليه أصلا، و إن أريد حصول نوع تحليل بها و لو فرد كامل بأن يكون الأفضل ترك المنافيات كلا أو بعضا قبلها، فلا بأس به من جهة رواية الخصال المتقدّمة «4»، إلّا أنّ في دلالتها على المحلّلية بهذا المعنى نظرا مرّت إليه الإشارة.

و أمّا الثالثة فقد مرّت عدم جزئيّتها «5».

و لا دليل على كونها مخرجة و صارفة أيضا من حيث هي هي بحيث لو وقعت في الأثناء لانقطعت الصلاة، إذ لو وقعت قبل التسليم الثاني كانت حاجزة عن جميع المفسدات.

إلّا أنّ الظاهر وقوع الإجماع على كونها مخرجة بهذا المعنى أيضا، و قد ادّعى

______________________________

(1) التهذيب 2: 195- 770، الاستبصار

1: 380- 1440، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 5.

(2) الخصال: 50- 59، التهذيب 2: 316- 1290، الوسائل 6: 409 أبواب التشهد ب 12 ح 1.

(3) الفقيه 1: 261- 1190، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 12 ح 2.

(4) في ص 354.

(5) راجع ص 348.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 363

جماعة الإجماع عليه [1]، فلأجله يحكم بكونها مخرجة أيضا.

و أمّا المحلّلية فقد عرفت أنّه لا يمكن التمسك بقوله «و تحليلها التسليم» في إثبات شي ء، لإجماله. و لو قيل بأنّه غاية كمال التحليل- بمعنى أنّه يستحب ترك جميع المنافيات حتى يسلّم بهذه التسليمة- فلا بأس به.

فرع:

الأولى و الأحوط أن يراعى في التسليم جميع شرائط الصلاة من الاستقبال و الطهور و ترك المنافيات حتى السكوت الطويل.

و أن يكون جالسا عنده، بل صرّح جماعة بوجوبه [2]، و لا شك أنّه أحوط بل الأظهر، على الأظهر، كما يستفاد من عمل الناس في جميع الأعصار، بل من مطاوي الأخبار، بل المستفاد منها لزوم مراعاة جميع الشرائط المذكورة.

المسألة الخامسة: الإمام يسلّم بالتسليمة الأخيرة، مرّة واحدة،

لا تستحب له الزيادة، بالإجماع كما في الخلاف و تهذيب النفس و التذكرة «1»، للأصل و الأخبار، منها صحيحة ابن حازم: «الإمام يسلّم واحدة، و من وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد سلّم واحدة» «2».

و صحيحة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الأولى «3»، فإنّ التفصيل قاطع للشركة.

حال كونه مستقبل القبلة، للأخيرة، و موثقة أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة «4»، و المروي في المعتبر: عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة، قال:

______________________________

[1] منهم المحقّق في المعتبر 2: 235، و العلّامة في التذكرة 1: 127، و الشهيد في الذكرى: 208.

[2] كالشهيد في الدروس 1: 183.

______________________________

(1) الخلاف 1: 377، التذكرة 1: 127.

(2) التهذيب 2: 93- 346، الاستبصار 1: 346- 1304، الوسائل 6: 420 أبواب التسليم ب 2 ح 4.

(3) راجع ص 342.

(4) راجع ص 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 364

«يقول: السلام عليكم» «1».

و مقتضى التفصيل في الأوليين بين الإمام و المأموم، و المفهوم منه- بجعل التسليم الأوّل إلى القبلة و التسليم الثاني عن اليمين و الشمال مع كونه مستقبلا للقبلة أيضا إجماعا، و إنّما يميل إلى الجهتين بالإيماء عينا أو وجها-: أنّ التسليم الأوّل إلى تجاه القبلة من غير إيماء أصلا، كما في الجمل و العقود حيث قال: و يسلّم أمامه إن كان إماما

أو منفردا، و إن كان مأموما يومئ إلى يمينه إيماء، و إن كان على يساره غيره فعن يساره أيضا «2»، و كذا عن المبسوط و محتمل الخلاف «3».

إلّا أنّ في الانتصار و النهاية و الوسيلة و الغنية و السرائر و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و تهذيب النفس و اللمعة و الدروس «4»، بل أكثر كتب القوم، بل عليه إجماع الفرقة صريحا في الانتصار «5»، و ظاهرا في تهذيب النفس: استحباب السلام للإمام إلى اليمين بأن يميل إليه بصفحة الوجه قليلا.

و هو الأظهر، لإمكان إرجاع التفصيل في الخبرين المتقدّمين إلى العدد، أي التسليمة و التسليمتين، فيبقى الإجماع المحكي و الشهرة الكافيان في مقام الاستحباب خاليين عن المعارض.

بل يمكن أن يستدلّ له أيضا بصحيحة ابن عواض: «إن كنت تؤمّ قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» «6».

______________________________

(1) المعتبر 2: 236.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183.

(3) المبسوط 1: 116، الخلاف 1: 377.

(4) الانتصار: 47، النهاية: 73، الوسيلة: 69، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، السرائر 1:

287 و 231، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127، اللمعة (الروضة 1): 279، الدروس 1: 183.

(5) الانتصار: 47.

(6) التهذيب 2: 92- 345، الاستبصار 1: 346- 1303، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 365

و مقتضاها و إن كان استحباب الميل بالسلام إلى اليمين كيف ما كان- إمّا بالالتفات إليه أو الإيماء بالعين أو الوجه، كلّا أو بعضا، لصدق السلام عن اليمين عرفا في جميع الصور- و لكن خصّوه بالإيماء ببعض الوجه، للإجماع على عدم إرادة

صرف الوجه كلّه إلى اليمين. بل على كراهته تصريح رواية العلل، و فيها: فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه، و لكن يكون بالأنف لمن صلّى وحده، و بالعين لمن يصلّي بقوم؟ «1».

و قد يوجّه التخصيص أيضا، بأنّه المتبادر من اللفظ عند الإطلاق، و بالأخبار الدالّة على أنّ كلا من الإمام و المأمومين يسلّم على الآخر «2»، و هو يستلزم الميل بصفحة الوجه لا أقلّ منه، و إنّما اقتصروا عليه حذرا من الالتفات المكروه.

و التبادر مردود قطعا. و الاستلزام ممنوع جدّا، لكفاية الإسماع و القصد، مع أنّه قد يكون المأموم في اليسار أو الخلف أو الجهتين.

و عن الصدوق تخصيصه الإيماء بالعين «3»، و لعلّه لرواية العلل.

و هو حسن، إلّا أنّ الأوّل أولى، للشهرة القويّة. بل أظهر، لوقوع ذلك التفصيل في السؤال، و إثبات الحكم به موقوف على حجيّة التقرير على الاعتقاد سيّما في المستحبات.

و المنفرد كالإمام في العدد و الاستقبال و الإيماء و الجهة، إجماعا، له، و لصحيحة ابن عواض في الأولين، و رواية العلل في الثالث، و رواية البزنطي:

«إن كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» «4» في الأوّل و الأخير.

بل في الإيماء بصفحة الوجه أيضا، على الأظهر، وفاقا للانتصار- مدّعيا

______________________________

(1) العلل: 359- 1، الوسائل 6: 422 أبواب التسليم ب 2 ح 15.

(2) انظر: الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2.

(3) الفقيه 1: 210 ذيل الحديث 944.

(4) المعتبر 2: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 366

عليه الإجماع- و السرائر و الوسيلة و ظاهر المعتبر «1»، بل الفقيه و المقنع و الاقتصاد «2»، بل هو المشهور عند القدماء، لدعوى الإجماع المذكورة، و ظاهر التقرير في رواية العلل حيث إنّ الإيماء بالأنف لا يمكن

إلّا مع الإيماء بالوجه، و منه يظهر وجه النسبة إلى الثلاثة الأخيرة.

خلافا للنهاية و الشرائع و النافع «3»، و الفاضل «4»، بل هو المشهور بين المتوسطين، فبمؤخّر العين، جمعا بين ما دلّ على الاستقبال به و ما دلّ على أنّه عن اليمين.

و يضعّف بأنّ الجمع ممكن بما مرّ أيضا، سيّما مع وجود الشاهد له و أوفقيّته لما هو الظاهر من إطلاق «عن يمينك».

و ترجيح الثاني بالشهرة و الأوفقيّة لأخبار الاستقبال فاسد، لمكافأة الشهرة الجديدة بالقديمة، بل الإجماع المنقول. و منع الأوفقيّة، لصدق الاستقبال على التقديرين.

و للمبسوط و الجمل و العقود، فقالا بالتسليم تجاه القبلة «5»، لأخبار الاستقبال. و جوابه ظاهر.

و ربّما قيل بالتخيير، للرضوي: «ثمَّ تسلّم عن يمينك، و إن شئت يمينا و شمالا تجاه القبلة» «6».

و فيه: أنّه ظاهر في الدلالة على أفضليّة اليمين، و أمّا الجواز بغيره أيضا، فلا كلام فيه.

______________________________

(1) الانتصار: 47 و 48، السرائر 1: 231، الوسيلة: 69، المعتبر 2: 237.

(2) الفقيه 1: 210، المقنع 29، الاقتصاد: 264.

(3) النهاية: 72، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.

(4) انظر: المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127، التحرير 1: 41، القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1:

504.

(5) المبسوط 1: 116، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183.

(6) فقه الرضا «ع»: 109، مستدرك الوسائل 5: 22 أبواب التسليم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 367

و يستحب للمأموم أن يسلّم تسليمتين، بلا خلاف أجده، لصحيحة ابن عواض.

إحداهما إلى اليمين، سواء كان فيه أحد أو لا، و الأخرى إلى اليسار، بلا خلاف ظاهر أيضا، لصحيحة أبي بصير و موثقته المتقدّمتين «1»، و بهما يقيّد إطلاق الصحيحة السابقة «2».

إلّا أن لا يكون على يساره أحد فيكتفي بالواحدة

لليمين، على المشهور المصرّح به في أكثر العبارات كالنهاية و الخلاف و الجمل و العقود و الانتصار و السرائر و الوسيلة و الشرائع و القواعد و نهاية الإحكام و تهذيب النفس و المنتهى و التذكرة «3»، و غيرها.

للموثّقة و صحيحة ابن حازم المتقدّمتين «4»، و رواية ابن مصعب: عن الرجل يقوم في الصف خلف الإمام و ليس على يساره أحد، كيف يسلّم؟ قال:

«يسلّم واحدة عن يمينه» «5».

و بها يقيّد إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين «6» الشامل لما لم يكن في اليسار أحد، مضافا إلى ما في ثانيتهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيّد.

خلافا لظاهر بعض العبارات- كالنافع «7»- حيث أطلق التسليمتين إلى الجهتين، و كأنّه للمطلقات الواجب تقييدها بما ذكر.

______________________________

(1) في ص 342 و 356.

(2) و هي صحيحة ابن عواض، راجع ص 366.

(3) النهاية: 73، الخلاف: 377، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183، الانتصار: 48، السرائر 1: 231، الوسيلة: 96، الشرائع 1: 89، القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1: 504، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127.

(4) في ص 356 و 363.

(5) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 9، التهذيب 2: 93- 347، الاستبصار 1: 346- 1305، الوسائل 6: 420 أبواب التسليم ب 2 ح 6، 7.

(6) صحيحة أبي بصير المتقدمة في ص 342، و صحيحة ابن عواض المتقدمة في ص 364.

(7) المختصر النافع: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 368

و للفقيه و المقنع و الدروس «1»، فجعلوا الحائط على اليسار كالمأموم أيضا، فيسلّم إليها مع كون الحائط بجنبه.

و لم أجد دليلا عليه، إلّا أنّ الشهيد قال بعد نقل هذا القول عن الصدوقين: و لا بأس باتباعهما، لأنّهما جليلان لا يقولان إلّا عن ثبت «2».

و هو

كان حسنا لو لا معارضته للنصّ الدالّ على عدم الاستحباب حينئذ.

فتدبّر.

و الإيماء له أيضا- كما للإمام- بصفحة الوجه، كما هو المصرّح به في أكثر العبارات لا كلّه، بل الظاهر أنّه مراد من أطلق الوجه أيضا، كالنافع و المنتهى و التذكرة «3».

لحصول السلام عن اليمين بانصراف الصفحة، فيبقى الزائد خاليا عن الدليل، و لكون الالتفات بالجميع هو الالتفات المدّعى على كراهته الإجماع، مضافا إلى ما مرّ من رواية العلل «4».

ثمَّ إنّ الصدوق زاد للمأموم تسليمة اخرى للردّ على الإمام حتى يكون المجموع ثلاثا «5»، و ظاهر والدي- رحمه اللَّه- الميل إليه، لرواية العلل: قلت:

فلم يسلّم المأموم ثلاثا؟ قال: «تكون واحدة ردّا على الإمام و تكون عليه و على ملائكته، و تكون الثانية على من على يمينه و الملكين الموكلين به، و تكون الثالثة على من على يساره و [ملكيه ] الموكلين به» «6».

و هو جيّد و إن لم يذكرها الأكثر.

و مقتضى الرواية كون سلام الإمام مقدّما على الآخرين. و جعله الصدوق

______________________________

(1) الفقيه 1: 210، المقنع: 29، الدروس 1: 183.

(2) الذكرى: 208.

(3) المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127.

(4) في ص 365.

(5) الفقيه 1: 210، المقنع: 29.

(6) العلل: 359، الوسائل 6: 422 أبواب التسليم ب 2 ح 15، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 369

واجبا، لكونه حق آدمي مضيّق «1».

و فيه: أنّه إذا علم قصد الإمام التحيّة، و إلّا فلا يجب الرد، و مع ذلك لم يثبت هذا القدر من التضيّق.

المسألة السادسة: ينبغي أن يقصد المصلّي بالتسليم التسليم على الأنبياء و الأئمّة و الحفظة،

و يزيد الإمام المأمومين، و المأموم الردّ عليه و من على بجانبه، كذا قيل «2».

فإن أريد قصد الأنبياء و الأئمة من قوله: و عباد اللَّه الصالحين، فهو جيد، و

إن أراد قصده من قوله: السلام عليكم، فلا دليل عليه. و المصرّح به في رواية العلل قصده ملكيه، و يزيد الإمام المأمومين، و هم الإمام و ملكيه و من على يمينهم و يسارهم.

إلّا أنّ المقام مقام المسامحة و المقصود أمر مرغوب، و مع ذلك في رواية صلاة النبي في المعراج دلالة عليه أيضا «3».

و لو اقتصر المأموم بواحدة جاز جمع الجميع في القصد، و لو كرّرها مرّتين يحتمل جمع الإمام و ملكيه في القصد مع التسليمتين، و قصدهم في الأولى خاصّة، و لو كرّر ثلاثا جعل الأولى للمأموم و ملكيه، و الثانية لأصحاب اليمين، و الثالثة لأصحاب اليسار كما به نطقت رواية العلل.

و هل يجب قصد الردّ إلى الإمام على المأمومين؟ قيل: نعم [1]، و المشهور لا.

______________________________

[1] قال الصدوق في الفقيه 1: 210، و المقنع: 29: و إن كنت خلف إمام تأتمّ به فسلّم تجاه القبلة واحدة ردّا على الإمام. انتهى، و احتمله الشهيد الأوّل في الذكرى: 208، و استظهره من كلام الصدوق، و قال الشهيد الثاني في الروضة 1: 280: و لو كانت وظيفة المأموم التسليم مرّتين فليقصد بالأولى الردّ على الإمام و بالثانية مقصده.

______________________________

(1) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 209.

(2) كما في المفاتيح 1: 153.

(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، العلل: 312، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 370

و الظاهر أنّه إن علم منه قصدهم وجب و لكن كفاية، فيسقط بالعلم بقصد البعض، و إلّا فلا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 371

الفصل الثاني في أفعالها المستحبّة
اشارة

و هي كثيرة قد مرّ أكثرها في طيّ الأفعال الواجبة، و بقيت أمور:

الأوّل: الدعاء قبل الافتتاح

بما في حسنة أبان و ابن وهب: «إذا قمت إلى الصلاة فقل: اللهم إنّي أقدّم إليك محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله بين يدي حاجتي، و أتوجّه به إليك، فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين، و اجعل صلاتي به مقبولة، و ذنبي به مغفورا، و دعائي به مستجابا، إنّك أنت الغفور الرحيم» «1».

و رواه البرقيّ أيضا بأدنى تغيير: قال: «تقول قبل دخولك في الصلاة:

اللهم إني أقدّم» «2» إلى آخره.

و بما في رواية صفوان: شهدت أبا عبد اللَّه استقبل القبلة قبل التكبير

______________________________

(1) الكافي 3: 309 الصلاة ب 19 ح 3، التهذيب 2: 287- 1149، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.

(2) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 2، الوسائل 6: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 372

فقال: «اللّهم لا تؤيسني من روحك، و لا تقنّطني من رحمتك، و لا تؤمّنّي مكرك فإنّه لا يأمن مكر اللَّه إلّا القوم الخاسرون» «1».

و بما في رواية علي بن النعمان: «من قال هذا القول كان مع محمّد و آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة: اللّهم إنّي أتوجّه إليك بمحمّد و آل محمّد و أقدّمهم بين يدي صلاتي، و أتقرّب بهم إليك، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين، أنت مننت عليّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم و معرفتهم و ولايتهم فإنّها السعادة، اختم لي بها، إنّك على كلّ شي ء قدير» «2».

و بما رواه ابن طاوس في فلاح السائل: «قال قبل

أن يحرم و يكبّر: يا محسن قد أتاك المسي ء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي ء، و أنت المحسن و أنا المسي ء، فبحقّ محمّد و آل محمّد صلّ على محمّد و آل محمّد و تجاوز عن قبيح ما تعلم منّي» «3».

و لا شكّ في أنّ محلّ هذه الأدعية قبل تكبيرة الإحرام كما يصرّح به في الروايات، و لا في كون محلّها قبل تكبيرات الست الأخر أيضا.

و هل يتعيّن ذلك أو يجوز بعدها أيضا؟ الظاهر الأوّل، كما هو الظاهر من قوله «قبل التكبير» «و قبل أن يستفتح».

الثاني: التوجه إلى الصلاة بستّ تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام الواجب،

بإجماع الإماميّة على الظاهر، و المحكيّ عن الانتصار و الخلاف «4»، و به صرّح والدي في المعتمد، له، و لاستفاضة النصوص كحسنة زرارة: «أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات أحسن، و السبع

______________________________

(1) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 3، الوسائل 5: 508 أبواب القيام ب 15 ح 1.

(2) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 1، الوسائل 5: 508 أبواب القيام ب 15 ح 2.

(3) فلاح السائل: 155، مستدرك الوسائل 4: 123 أبواب القيام ب 9 ح 2.

(4) الانتصار: 40، الخلاف 1: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 373

أفضل» «1».

و صحيحة الشحّام: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الافتتاح؟ قال:

«تكبيرة تجزيك» قلت: فالسبع؟ قال: «ذلك الفضل» «2».

و محمّد: «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كلّه» «3» إلى غير ذلك.

و يستحب أن يدعو خلالها بثلاثة أدعية، كما في حسنة الحلبيّ: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك، ثمَّ ابسطهما بسطا، ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات، ثمَّ قل: اللّهم أنت الملك الحقّ لا إله إلّا أنت، سبحانك إنّي ظلمت

نفسي فاغفر لي ذنبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت. ثمَّ تكبّر تكبيرتين، ثمَّ قل: لبّيك و سعديك، و الخير في يديك، و الشرّ ليس إليك، و المهديّ من هديت، لا ملجأ منك إلّا إليك، سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت. ثمَّ تكبّر تكبيرتين، ثمَّ تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ،- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ،- حَنِيفاً مُسْلِماً- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،- إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين» «4».

و ظهر ممّا مرّ في الحسنة و الصحيحة جواز الاكتفاء بالثلاث، و أنّها أفضل من الواحدة، و إن كان دون السبع في الفضيلة.

و كذلك يجوز الاكتفاء بالخمس، لرواية أبي بصير: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا، فكلّ

______________________________

(1) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 3، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(2) العلل: 332- 3، التهذيب 2: 66- 241، الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 2.

(3) التهذيب 2: 66- 242، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.

(4) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67- 244، الوسائل 6: 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 374

ذلك مجز عنك، غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلّا بتكبيرة» «1».

و مقتضى الأمر بالسبع كونها أفضل من الخمس.

و هل الخمس أفضل من الثلاث في المقام بخصوصه من حيث هو و إن كان أفضل مطلقا من وجه الزيادة؟ قيل:

نعم «2». و فيه نظر، لعدم الدليل.

و تجزئ التكبيرات ولاء من غير دعاء، لإطلاق ما مرّ، و موثّقة زرارة:

رأيت أبا جعفر أو سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء «3».

و يجوز الاكتفاء ببعض الأدعية الثلاثة، لأصالة عدم الارتباط.

و يتخيّر في جعل أيّها شاء تكبيرة الإحرام و إن كان الأفضل جعلها الأخيرة، كما مرّ في بحث التكبير.

ثمَّ هذا الحكم يعمّ جميع الصلوات، المفروضة منها و المسنونة، المرتبة و غيرها، وفاقا للمحكيّ عن ظاهر الإسكافيّ و الانتصار و الجمل و صريح السرائر و المعتبر و الفاضل و الشهيد و المدارك «4» و المعتمد و اللوامع، و هو ظاهر الشرائع و النافع «5»، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر «6» لإطلاق جملة من الأخبار، بل عموم طائفة من جهة اللفظ كما في حسنة الحلبيّ و رواية أبي بصير، أو ترك الاستفصال كما في بعض آخر، مضافا إلى الشهرة الكافية في مقام التسامح.

______________________________

(1) التهذيب 2: 66- 239، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

(2) كما في الرياض 1: 174.

(3) الخصال: 347- 17، التهذيب 2: 287- 1152، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 99، الانتصار: 40، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 31، السرائر 1: 237، المعتبر 2: 155، الفاضل في المختلف: 99، و المنتهى 1:

269، الشهيد في الذكرى: 179، و البيان: 158، و الدروس 1: 168، المدارك 3: 441.

(5) الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.

(6) انظر: الرياض 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 375

و قد يؤيّد بفحوى لفظ «يجزيك» في رواية فلاح السائل: «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجّه و التكبير: في

أول الزوال و صلاة الليل و المفردة من الوتر، و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوّع أن تكبّر تكبيرة لكلّ ركعتين» «1».

و يضعّف بأنّه يحتمل أن يكون المراد بالتوجّه دعاء التوجه الذي هو الأخير من الأدعية الثلاثة، فيكون فحوى «يجزيك» جواز هذا الدعاء في سائر الصلوات أيضا.

و خلافا للمحكيّ عن السيّد في المسائل المحمديّة، فخصّ التكبيرات الستّ بالفرائض، و استدلّ له بانصراف الإطلاقات إليها للشيوع و التبادر «2». و هو ممنوع جدّا.

و عن علي بن بابويه و المفيد «3»، فخصّاها بأوّل كلّ فريضة، و أوّل ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أوّل ركعة من ركعتي الزوال، و أوّل ركعة نوافل المغرب، و أوّل ركعتي الإحرام، و زاد الأخير الوتيرة أيضا.

للرضويّ: «ثمَّ افتتح الصلاة و توجّه بعد التكبير، فإنّه من السنّة الموجبة في ستّ صلوات ..» «4» فذكر الستّ الاولى.

و نحوه مرسلا في الهداية «5».

و يردّ- مع عدم صلاحيّته سندا للمفيد- بمنع وروده في التكبيرات، بل الظاهر أنّه ورد لدعاء التوجّه. و لو سلّم فلا يدلّ على الاختصاص إلّا بمفهوم اللقب الضعيف. و لو سلّم فلا يصلح لتقييد المطلقات و تخصيص العمومات، لضعفه الخالي عن الجابر.

و كذا يعمّ المنفرد و الجامع، لما ذكر، مضافا إلى صحيحة الحلبي: «فإذا كنت

______________________________

(1) فلاح السائل: 130، مستدرك الوسائل 4: 139 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 99.

(3) حكاه عن ابن بابويه في التهذيب 2: 94 ذيل الحديث 349، المفيد في المقنعة: 111.

(4) فقه الرضا «ع»: 138، مستدرك الوسائل 4: 152 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 11.

(5) الهداية: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 376

إماما فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر

فيها و تسرّ ستّا» «1».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فقال بالاختصاص بالأوّل «2»، و لعلّه للصحاح المصرّحة بأنّه «إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة» «3».

و بأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، و كان إذا دخل في صلاته قال: اللَّه أكبر بسم اللَّه الرحمن الرحيم «4».

فإنّ الإيجاز ليس عن الواجب، لأنّها ليست بواجبة على المنفرد أيضا، فيكون عن المستحب.

و يردّ بالمعارضة مع ما مرّ، فتبقى الإطلاقات و الشهرة العظيمة خالية عن المعارض.

الثالث: القنوت،
اشارة

و هو في اللغة لمعان: كالطاعة، و السكون، و الدعاء، و القيام مطلقا أو في الصلاة، و الخشوع، و العبادة، و غير ذلك.

و في عرف المتشرّعة: الدعاء بعد القراءة في الصلاة قائما.

و الظاهر بحكم الحدس و الوجدان و تتبّع الأخبار اللذان هما الحاكمان في ثبوت الحقيقة الشرعيّة ثبوتها هنا في عصر الصادقين و ما بعده.

و في دخول رفع اليد في حقيقته الشرعيّة و عدمه وجهان بل قولان، أجودهما الثاني، للأصل. و دخوله في العرف المتأخّر- لو سلّم- لم يفد، لأصالة تأخّر الحادث.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: القنوت في الصلاة مندوب إليه،

إجماعا فتوى و نصّا متواترا، كما تأتي جملة منها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 287- 1151، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 180.

(3) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

(4) الفقيه 1: 200- 921، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11 و هي مرسلة الصدوق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 377

و لا يجب على الأظهر الأشهر، عند كلّ من تقدّم و تأخّر، بل في الانتصار و الناصريّات و السرائر و المنتهى و التذكرة «1»: الإجماع على استحبابه الظاهر في نفي الوجوب، بل في التذكرة «2»: التصريح به.

للأصل بل الإجماع، لعدم قدح خلاف من يأتي في انعقاده.

و صحيحة البزنطيّ: «إن شئت فاقنت و إن شئت لا تقنت، قال أبو الحسن عليه السلام: فإذا كان التقيّة فلا تقنت و أنا أتقلّد هذا» «3».

و رواية عبد الملك: عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: «لا قبله و لا بعده» «4».

و موثقة سماعة: «فمن صلّى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع و إن شاء

لم يقنت، و ذلك إذا صلّى وحده» «5».

و صحيحة سعد النافية للقنوت إلّا عن الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب «6»، و موثقة يونس النافية له عن غير الفجر «7».

______________________________

(1) الانتصار: 46، الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، السرائر 1: 242، المنتهى 1: 298، التذكرة 1: 128.

(2) التذكرة 1: 128.

(3) التهذيب 2: 91- 340، الاستبصار 1: 340- 1281، الوسائل 6: 269 أبواب القنوت ب 4 ح 1.

(4) التهذيب 2: 91- 337، الاستبصار 1: 339- 1278، الوسائل 6: 269 أبواب القنوت ب 4 ح 2.

(5) التهذيب 3: 245- 665، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.

(6) التهذيب 2: 91- 338، الاستبصار 1: 340- 1279، الوسائل 6: 265 أبواب القنوت ب 2 ح 6.

(7) التهذيب 2: 91- 339، الاستبصار 1: 340- 1280، الوسائل 6: 265 أبواب القنوت ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 378

خلافا لظاهر الفقيه و المقنع و الهداية «1»، و العماني على أحد النقلين عنه «2»، فأوجباه في اليوميّة، و قوّاه بعض متأخّري المتأخرين من علماء البحرين [1].

لقوله سبحانه وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «3» و الأمر للوجوب و لا وجوب إلّا في المسألة.

و موثّقة عمّار: «و ليس له أن يدعه متعمّدا» «4».

و صحيحة محمّد: «القنوت في كلّ صلاة في الفريضة و التطوّع» «5».

و نحوها من الأخبار المثبتة للقنوت في كلّ صلاة أو بعض الصلوات.

و صحيحة ابن عبد ربّه: «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» «6».

و موثّقة محمّد عن أبي جعفر: عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال:

اقنت فيهنّ جميعا» قال: و سألت أبا عبد اللَّه بعد ذلك عن القنوت، فقال لي: «أمّا ما جهرت فيه فلا تشكّ» «7».

و صحيحة

زرارة «الفرض في الصلاة: الوقت، و الطهور، و القبلة، و التوجّه، و الركوع، و السجود، و الدعاء» قلت: ما سوى ذلك؟ قال: «سنّة في فريضة» «8» و لا دعاء واجبا إلّا القنوت.

______________________________

[1] قال في الحدائق 8: 353: و إلى القول بوجوبه- كما هو ظاهر الصدوق- مال شيخنا أبو الحسن سليمان بن عبد اللَّه البحراني و ذكر أنّه صنّف رسالة في القول بالوجوب و لم أقف عليها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 207، المقنع: 35، الهداية: 29.

(2) حكاه عنه في المعتبر 2: 243، و المختلف: 96.

(3) البقرة: 238.

(4) التهذيب 2: 315- 1285، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.

(5) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 15، الفقيه 1: 207- 934 و فيه: في كل ركعتين، الوسائل 6: 264 أبواب القنوت ب 1 ح 12.

(6) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 6، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 11.

(7) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 1، التهذيب 2: 89- 331، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 7.

(8) الكافي 3: 272 الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 139- 543، الوسائل 4: 295 أبواب القبلة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 379

و رواية ابن المغيرة: «اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع» «1».

و المرويّ في الخصال: «القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة» «2».

و للنقل الآخر عن العماني فأوجبه في الجهريّة خاصّة «3»، للأخبار كذيل موثّقة محمّد المتقدمة، و صحيحة ابن وهب: «القنوت في الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا

صلاة له» «4».

و موثّقة سماعة: عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال: «كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت، و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «5».

و الجواب أمّا عن دليل الأوّل للأوّل: فبمنع ثبوت الحقيقة الشرعيّة للقنوت عند نزول الآية الكريمة، و إرادة معنى آخر محتملة، بل الأخبار بها مصرّحة، ففي المرويّ في تفسير العيّاشيّ: «قانِتِينَ أي: مطيعين راغبين» «6» و في آخر مرويّ فيه أيضا: «مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها» «7» و نحوه في تفسير القميّ «8».

نعم في المجمع عن الصادق عليه السلام في تفسيرها: «أي: داعين في الصلاة حال القيام» «9».

و هو و إن ناسب المعنى الشرعيّ إلّا أنّه غير صريح فيه، لأنّ الدعاء حال

______________________________

(1) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 4، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 9.

(2) الخصال: 604، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 6.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 183.

(4) التهذيب 2: 90- 335، الاستبصار 1: 339- 1276، الوسائل 6: 265 أبواب القنوت ب 2 ح 2.

(5) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(6) تفسير العياشي 1: 127- 416.

(7) تفسير العيّاشي 1: 127- 418 بتفاوت يسير.

(8) تفسير القمي 1: 79- 238.

(9) مجمع البيان 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 380

القيام لا ينحصر في القنوت سيّما مع تضمّن الحمد للدعاء أيضا.

و مع تسليم إرادته يتعيّن حمل الأمر فيه على الاستحباب، بقرينة ما مرّ من الأخبار المعتضدة بعضها ببعض و الأصل و الشهرة العظيمة بل الإجماع على الظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    380     المسألة الأولى: القنوت في الصلاة مندوب إليه،

..... ص : 376

لو سلّم عدم التعيّن فيحتمله، للزوم ارتكابه أو التخصيص بحال الصلاة و ليس الأخير أولى، هذا.

مع أنّه على التعارض مع الأخبار المذكورة أيضا إمّا يرجع إلى التخيير المنافي للوجوب، أو الأصل. و القول بلزوم ترجيح أخبار الوجوب لمخالفتها العامّة، مردود بمخالفة أكثر الاولى لهم أيضا، فإنّ حوالة القنوت إلى المشيئة أيضا لهم مخالفة.

و منه يظهر الجواب عن باقي أدلّته.

مضافا إلى عدم دلالة الأخبار المثبتة له على الوجوب أصلا.

و عدم دلالة صحيحة ابن عبد ربّه إلّا على نفي الصلاة عمّن كان تركه للقنوت رغبة عنه و هم العامّة، فيمكن أن يكون نفي الصحّة لذلك، حيث إنّه لا ينفكّ عن انتفاء الإيمان الموجب لعدم صحة الصلاة، لا لترك القنوت.

و معارضة ذيل و موثّقة محمّد- باعتبار التفصيل القاطع للشركة- لصدرها.

و عدم اختصاص الدعاء الوارد في صحيحة زرارة بالقنوت كما مرّ، مع أنّ القنوت لا يتعيّن بالدعاء بل يجوز فيه التسبيح أيضا كما ورد في الأخبار بل كلمات الفرج التي ليست بدعاء، و إن عمّمت الدعاء فيحتمل أن يراد به القراءة، مع أنّها تتضمّن ذكر التوجّه الغير الواجب إجماعا، و به يتعيّن حمل الفرض فيه على المؤكّد من الرجحان.

و عدم صراحة رواية ابن المغيرة في الوجوب إلّا على القول بحرمة إبطال النوافل.

و منه يظهر خدش آخر فيما بعدها.

و من جميع ما ذكر يظهر الجواب عن أدلّة المخالف الثاني أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 381

المسألة الثانية [محلّ القنوت ]

محلّ القنوت في كلّ صلاة- سوى ما يأتي استثناؤه- في الركعة الثانية، بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع المحقّق و المحكي في التذكرة و غيره «1»، لموثّقة سماعة و رواية الخصال المتقدّمتين، و صحيحة زرارة: «القنوت في كلّ صلاة في الركعة

الثانية قبل الركوع» «2».

و صريحها كونه قبل الركوع، كما عليه الإجماع أيضا في المنتهى و التذكرة «3»، و عن الخلاف و نهج الحق «4» و غيرهما. و في شرح القواعد: إنّه لا خلاف فيه «5»، و هو دليل آخر عليه.

مضافا إلى صحيحة ابن عمّار: «ما أعرف قنوتا إلّا قبل الركوع» «6».

و موثّقة أبي بصير: «كل قنوت قبل الركوع إلّا الجمعة» «7» و غير ذلك ممّا يأتي.

و أمّا رواية الجعفيّ و معمّر: «القنوت قبل الركوع، و إن شئت بعده» «8».

فلشذوذها غير مقاومة لما مرّ. مع أنّها لا تنافيه بل تؤكّده، لتصريحها بأنّ القنوت قبل الركوع غايتها تجويزه بعده على تقدير المشيئة، و لا كلام فيه، لأنّه دعاء يجوز في كلّ حال، و الكلام في الوقت المقرّر شرعا.

على أنّه يحتمل قريبا أن يكون «نسيت» مقام «شئت» فوقع التصحيف من النسّاخ.

______________________________

(1) التذكرة 1: 128، و انظر: المنتهى 1: 298، و نهاية الإحكام 1: 508.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 7، التهذيب 2: 89- 330، الاستبصار 1: 338- 1271، الوسائل 6: 266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.

(3) المنتهى 1: 299، التذكرة 1: 128.

(4) الخلاف: 379، نهج الحق: 437.

(5) جامع المقاصد 2: 332.

(6) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 13، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(7) التهذيب 2: 90- 334، الاستبصار 1: 339- 1275، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 5 ح 12.

(8) التهذيب 2: 92- 343، الاستبصار 1: 341- 1283، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 382

فما عن المعتبر و الروضة من الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع و بعده «1»، ضعيف

جدّا.

و يستثنى من الحكم الأوّل الجمعة و الوتر، و من الثاني الأوّل خاصّة كما يأتي في محلّه.

و يتعيّن فيما قبل الركوع بعد القراءة، بلا خلاف، له، و للمعتبرة، منها:

روايتا ابن المغيرة و الخصال المتقدّمتان.

و موثّقة سماعة: «و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «2».

و مثلها المرويّ في تحف العقول «3».

و صحيحة يعقوب و فيها- بعد السؤال عن أنّه قبل الركوع أو بعده-:

قال: «قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» «4».

ثمَّ لو نسيه قبل الركوع أتى به بعده، بلا خلاف يوجد كما في المنتهى و المدارك و الذخيرة «5»، و على الظاهر كما في الحدائق «6»، بل بالإجماع كما في المعتمد.

للمستفيضة من النصوص. منها: صحيحة زرارة و محمّد: عن الرجل ينسى القنوت حتّى يركع، قال: «يقنت بعد ركوعه، فإن لم يذكر فلا شي ء عليه» «7».

و محمّد: عن القنوت ينساه الرجل، فقال: «يقنت بعد ما يركع، و إن لم

______________________________

(1) المعتبر 2: 245، الروضة 1: 284.

(2) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(3) تحف العقول: 417.

(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 14، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 5.

(5) المنتهى 1: 300، المدارك 3: 448، الذخيرة: 294.

(6) الحدائق 8: 364.

(7) التهذيب 2: 160- 628، الاستبصار 1: 344- 1295، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 383

يذكر حتى ينصرف فلا شي ء عليه» «1».

و موثّقة عبيد: الرجل ذكر أنّه لم يقنت حتّى ركع، قال: «يقنت إذا رفع رأسه» «2».

و أمّا موثّقتا عمّار «3»، و رواية سهل «4»، و مرسلة الفقيه «5»، و صحيحة معاوية ابن عمّار «6»، في ناسي

القنوت قبل الركوع المصرّحة بأنّه «ليس عليه شي ء» أو «لا إعادة عليه» أو «لا يقنت».

فلا تنافي ما مرّ، لظهور الفقرتين الأوليين في نفي الوجوب و عدم بطلان الصلاة، و احتمال الثالثة له. مع أن المعاد في الثانية يمكن أن يكون هو الصلاة دون القنوت بل هو الظاهر، لبعد إطلاق الإعادة على إعادة القنوت، لعدم الإتيان به.

مضافا إلى موافقتها لأكثر العامّة، الموجبة للمرجوحيّة على التنافي.

ثمَّ التذكّر إن كان قبل الدخول في السجود أتى به حينئذ، بلا خلاف على الظاهر لإطلاق الصحيحتين و صريح الموثّق المتقدّمة.

و إن كان بعده أتى به بعده الصلاة جالسا مطلقا، كما صرّح به والدي في

______________________________

(1) التهذيب 2: 160- 629، الاستبصار 1: 344- 1296، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 2.

(2) التهذيب 2: 160- 630، الاستبصار 1: 344- 1297، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 3.

(3) الاولى: التهذيب 2: 315- 1285، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.

الثانية: التهذيب 2: 131- 507، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 2.

(4) التهذيب 2: 161- 632، الاستبصار 1: 345- 1299، الوسائل 6: 285 أبواب القنوت ب 15 ح 1.

(5) الفقيه 1: 312- 1421، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.

(6) التهذيب 2: 161- 633، الاستبصار 1: 345- 1300، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 384

المعتمد، و مال إليه شيخنا في روض الجنان «1»، لموثّقة أبي بصير: في الرجل إذا سها في القنوت: «قنت بعد ما ينصرف و هو جالس» «2».

و الرضويّ: «و إن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم، و إن ذكرت و أنت تمشي في

طريقك فاستقبل القبلة و اقنت» «3».

و الموثّقة و إن شملت قبل السجود أيضا إلّا أنّه خرج منها بالصحيح و الموثّق المتقدّمين، لأنّ لزوم مخالفة ما بعد الغاية المذكورة فيهما لما قبلها خصّصهما بالتذكّر بعد دخول الركوع، فيكون أخصّ من هذه الموثّقة فتخصّص بهما.

لا حين التذكّر و لو كان في الصلاة، كما حكاه والدي في المعتمد نافيا عنه المستند، و يمكن استناده إلى إطلاق صحيحة محمّد. و يضعّف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و ذكر الشيخان في المقنعة و النهاية «4»، و الفاضل في التذكرة «5»، بل نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافّة «6»: أنّه لو لم يذكر القنوت حتى يركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ، و لا دليل على التقييد.

و في المنتهى و عن المبسوط: عدم الإتيان به بعد النسيان حتّى دخل في ركوع الثالثة مطلقا «7»، و احتجّ له في المنتهى بصحيحة زرارة و محمّد السابقة و سائر ما نفى الإعادة أو الشي ء عليه.

و هي- كما مرّ- لا تدلّ إلّا على نفي الوجوب، و هو كذلك، مع أنّ إرادة

______________________________

(1) روض الجنان: 283.

(2) التهذيب 2: 160- 631، الاستبصار 1: 345- 1298، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 16 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 119، مستدرك الوسائل 4: 412 أبواب القنوت ب 12 ح 1.

(4) المقنعة: 139، النهاية: 90.

(5) التذكرة 1: 129.

(6) روض الجنان: 283.

(7) المنتهى 1: 300، المبسوط 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 385

عدم التذكّر أصلا من الصحيحة محتملة بل هي فيها ظاهرة، فالقول بالإتيان به بعد الفراغ حينئذ أصحّ.

بل لو لم يتذكّر حتّى فرغ من الصلاة أيضا أتى به، لإطلاق ما مرّ.

بل و كذا لو تذكّر بعد الانصراف عن محلّ الصلاة

يأتي به في الطريق مستقبل القبلة، لما تقدّم من الرضويّ. و لا يضرّ ضعفه، لقاعدة التسامح، مع اعتضاده برواية زرارة: رجل نسي القنوت و هو في الطريق، قال: «يستقبل القبلة ثمَّ ليقله» «1».

و الظاهر اختصاص قضاء القنوت بصورة النسيان، أمّا لو تركه في محلّه عمدا أو لعذر- كالمأموم المسبوق الخائف فوات متابعة الإمام في الركوع لو اشتغل بالقنوت- فلا قضاء عليه، للأصل.

و لو ترك ناسية المتذكّر بعد الركوع عمدا فمقتضى بعض الإطلاقات المتقدّمة الإتيان به بعد الانصراف.

و قال والدي في المعتمد: و ظاهر بعض الأخبار سقوطه و لعلّه أظهر.

أقول: لم أقف على هذا الخبر، فالعمل بمقتضى الإطلاق أجود.

المسألة الثالثة: ليس في القنوت دعاء معيّن لا يتعدّى عنه،

بل يذكر فيه كلّ ما كان حمدا و ثناء للَّه سبحانه، أو صلاة على الرسول و الأئمة عليهم السلام، أو دعاء لنفسه أو لغيره، مأثورا كان أو غير مأثور، بالإجماع، له، و لصحيحة إسماعيل بن الفضل: عن القنوت و ما يقال فيه، قال: «ما قضى اللَّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقّتا» «2».

و صحيحة الحلبيّ: عن القنوت، فيه قول معلوم؟ فقال: «أثن على ربّك

______________________________

(1) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 10، التهذيب 2: 315- 1283، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 16 ح 1.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 8، التهذيب 2: 314- 1281، الوسائل 6: 277 أبواب القنوت ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 386

و صلّ على نبيّك و استغفر لذنبك» «1».

و في رواية أبي بصير: عن أدنى القنوت، قال: «خمس تسبيحات» «2».

و في رواية ابن أبي سمال [1]: «تجزي من القنوت ثلاث تسبيحات» «3».

و أفضله المأثور عن الحجج، لأنّهم أعرف بآداب الثناء و الدعاء.

و أفضله كلمات

الفرج، لتصريح أكثر الأصحاب به كما قيل، و لما رواه الحلّي مرسلا، قال: و روي أنها أفضله «4». و العماني كذلك، قال بعد ذكر دعاء: و بلغني أنّ الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذه بعد كلمات الفرج «5». فتأمّل.

و كلمات الفرج معروفة و هي: «لا إله إلّا اللَّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللَّه العليّ العظيم، سبحان اللَّه ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم، و الحمد للَّه ربّ العالمين» ورد ذلك في بعض الروايات «6».

و ذكر المفيد «7» و جمع من الأصحاب «و سلام على المرسلين» قبل التحميد، و رواه في الفقيه في أوّل باب غسل الميّت عن الصادق عليه السلام، ثمَّ قال: هذه الكلمات هي كلمات الفرج «8»، و قاله في كتاب الهداية أيضا في تلقين الميّت قال:

تلقينه عند موته كلمات الفرج، ثمَّ ذكرها كما ذكر «9»، و نحو ذلك أيضا في الفقه

______________________________

[1] في المصدر: ابن أبي سمّاك.

______________________________

(1) الفقيه 1: 207- 933، الوسائل 6: 278 أبواب القنوت ب 9 ح 4.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 11، التهذيب 2: 315- 1282، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 2: 92- 342، الوسائل 6: 274 أبواب القنوت ب 6 ح 3.

(4) السرائر 1: 228.

(5) حكاه عنه في الذكرى: 184.

(6) انظر: الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38 ح 1.

(7) المقنعة: 107.

(8) الفقيه 1: 77- 346، الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38 ح 2.

(9) الهداية: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 387

الرضويّ قال: «و يستحبّ تلقين كلمات الفرج و هي: لا إله إلّا اللَّه الحليم

الكريم». إلى آخره «1».

و زيد في بعض الروايات: «و ما تحتهنّ» بعد «و ما بينهنّ» و الكلّ حسن إنشاء اللَّه، إلّا أنّه لم يذكر فيه لفظ كلمات الفرج بل فيه: يقول في القنوت كذا «2»، و كذا الروايات الخالية عن لفظ «و سلام على المرسلين» «3» فتأمّل.

و في العيون، عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث نقل مولانا الرضا عليه السلام إلى خراسان: و كان قنوته في جميع صلواته: «ربّ اغفر و ارحم و تجاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزّ الأكرم» «4».

و تجوز تسمية الحاجة في القنوت، روى في مستطرفات السرائر عن عبد اللَّه بن هلال: قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ حالنا قد تغيّرت، قال:

«فادع في صلاتك الفريضة» قلت: أ يجوز في الفريضة فاسمّي حاجتي للدين و الدنيا؟ قال: «نعم فإنّ رسول اللَّه قد قنت فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشائرهم، و فعله عليّ عليه السلام من بعده» «5».

و في الذكرى: روي أنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال في قنوته: اللّهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عياش بن أبي ربيعة و المستضعفين من المؤمنين، و اشدد وطأتك على مضر و رعل و ذكوان [1]، و قنت أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى الأشعريّ و عمرو بن العاص و معاوية و أبي

______________________________

[1] مضر و رعل و ذكوان: أسماء ثلاث قبائل. انظر: الصحاح 4: 1710، و المصباح المنير: 231، و لسان العرب 11: 289.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 165، مستدرك الوسائل 2: 128 أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.

(2) انظر: فلاح السائل: 134.

(3) انظر: البحار 82: 206.

(4) العيون 2: 181 و

فيه «الأعز الأجلّ الأكرم».

(5) مستطرفات السرائر: 98- 20، الوسائل 6: 284 أبواب القنوت ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 388

الأعور و أشياعهم «1».

و روى في كتاب محمّد بن المثنى قريبا من ذلك «2».

و يظهر منها جواز تسمية من يدعو له في القنوت، و كذا الدعاء على الغير إذا جاز شرعا. و الظاهر أنّ الكلّ إجماعيّ أيضا.

و في جواز القنوت بغير العربيّة قولان يأتي في بحث قواطع الصلاة.

المسألة الرابعة: يستحبّ في القنوت أمور:

منها:

الجهر به لغير المأموم مطلقا، إخفاتيّة كانت الصلاة أو جهرية، إماما كان المصلّي أو منفردا، على الأظهر الأشهر، للشهرة، و لصحيحة زرارة: «القنوت كلّه جهار» «3».

و رواية ابن أبي سمال [1]: صلّيت خلف أبي عبد اللَّه عليه السلام الفجر، فلمّا فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا ممّا كان يقرأ، قال: «اللّهم اغفر لنا» «4» إلى آخره.

و أمّا ما في صحيحة عليّ و رواية ابن يقطين: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «5» فلا ينافي الاستحباب.

و أمّا المأموم فيستحبّ له الإخفات، لما مرّ من الشهرة، و رواية أبي بصير:

______________________________

[1] في الفقيه: ابن أبي سمّاك.

______________________________

(1) الذكرى: 184.

(2) نقله عنه في البحار 82: 210- 29.

(3) الفقيه 1: 209- 944، مستطرفات السرائر: 72- 4، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 21 ح 1.

(4) الفقيه 1: 260- 1188، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 21 ح 2.

(5) أ- التهذيب 2: 313- 1272، قرب الإسناد: 198- 758، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 2.

ب- التهذيب 2: 102- 385، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 389

«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا

ينبغي للمأموم أن يسمعه شيئا ممّا يقول» «1».

و عن السيّد و الجعفيّ أنّه تابع للصلاة في الجهر و الإخفات «2»، لعموم قوله عليه السلام: «صلاة النهار عجماء و صلاة الليل جهرية» [1].

و ردّ بأنّه عامّ مطلقا بالنسبة إلى ما مرّ.

و فيه نظر. و الأولى أن يقال: لا دلالة لكون الصلاة عجماء على إخفات كلّ ما يذكر فيها حتّى الأذكار المستحبة، بل يتحقّق بإخفات القراءة أيضا.

و عن الإسكافيّ اختصاص الجهر بالإمام «3»، و لا دليل له.

و منها:

تطويل القنوت، لما رواه الصدوق: إنّه قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف» «4».

و في الذكرى: و روي عنهم: «أفضل الصلاة ما طال قنوتها» «5».

و رأيت في بعض فوائد نصير الدين الطوسيّ أنّه ذكر أنّ طول القنوت في الصلاة يوجب الغنى، و للأئمة قنوتات طويلة مذكورة في المهج و غيره، و في البحار عقد بابا للقنوتات الطويلة المروية عن أهل العصمة «6».

و ينبغي أن يستثنى من ذلك صلاة الجماعة إلّا مع حبّ المأمومين، لما يستفاد من الأخبار من استحباب الإسراع فيها «7».

______________________________

[1] روى الجملة الأولى فقط، في الغوالي 1: 421- 98 عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله، و كذلك في مستدرك الوسائل 4: 194 أبواب القراءة ب 21 ح 3.

______________________________

(1) التهذيب 2: 102- 383، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(2) حكاه عنهما في الذكرى: 184.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 184.

(4) الفقيه 1: 308- 1406، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 22 ح 1.

(5) الذكرى: 185.

(6) انظر: البحار 82: 211 ب 33.

(7) انظر: الوسائل 8: 419 أبواب صلاة الجماعة ب 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 390

و منها: التكبير له، على الحقّ المشهور، له، و لصحيحة ابن عمّار «1» و غيرها.

و عن المفيد: نفيه في آخر عمره و إن كان يفتي به أولا «2»، و لا أعرف مستنده.

و منها:

رفع يديه حال القنوت تلقاء وجهه مبسوطتين تستقبل بطونهما السماء و ظهورهما الأرض، لفتوى العلماء، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب «3» مشعرة بدعوى الإجماع، و هي كافية في المقام.

و يدلّ على رفع اليدين أيضا التوقيع المرويّ في الاحتجاج: عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه يردّ يديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي: «أنّ اللَّه أجلّ من أن يردّ يدي عبد صفرا بل يملؤهما من رحمته» أم لا يجوز فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه عمل في الصلاة؟ فأجاب عليه السلام: «ردّ اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائز في الفرائض، و الذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء أن يردّ بطن راحتيه من «4» صدره تلقاء ركبتيه على تمهّل و يكبّر و يركع، و الخبر صحيح، و هو في نوافل النهار و الليل دون الفرائض، و العمل به فيها أفضل» «5».

فإنّ في رجوع اليدين من الصدر دلالة على كونهما مرفوعتين.

و على رفعهما حيال الوجه صحيحة ابن سنان: «و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 5، التهذيب 2: 87- 323، الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

(2) حكاه عنه الشيخ في الاستبصار 1: 337.

(3) الذكرى: 184.

(4) كذا في النسخ، و في الاحتجاج: مع، و في نسخة من الوسائل: على.

(5) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 293 أبواب القنوت ب 23 ح

1.

(6) الفقيه 1: 309- 1410، التهذيب 2: 131- 504، الوسائل 6: 282 أبواب القنوت ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 391

و هي و إن كانت مخصوصة بالوتر إلّا أنّه- كما قيل- لا قائل بالفرق، و هو كاف في مقام المسامحة.

مضافا إلى المرويّ في معاني الأخبار: «الرغبة أن تستقبل براحتيك إلى السماء و تستقبل بهما وجهك» «1».

و عن المقنعة الرفع حيال الصدر «2». و الأوّل أولى لشهرته.

و يستفاد من الأخير وجه آخر لجعل بطن اليدين إلى السماء مبسوطتين أيضا.

و حكى في المعتبر القول بالعكس «3»، لظواهر جملة من الأخبار «4».

و هو شاذّ، و أخباره مطلقة، محتملة للحمل على غير حال الصلاة.

و قال ابن إدريس: إنّ حين الرفع يفرّق الإبهام عن الأصابع «5». و لا بأس به، لقوله.

الرابع: أن يكون نظره حال قيامه إلى موضع سجوده كما مرّ،

و حال القنوت إلى باطن كفّيه، للشهرة، و قيل «6»: للجمع بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر إلى السماء و ثانيهما عن التغميض فيها «7». و راكعا إلى ما بين قدميه، و ساجدا إلى طرف أنفه، و جالسا بين السجدتين أو للتشهّد إلى حجره كما مرّ، لما مرّ، مع كونه أبلغ في الخضوع المطلوب في العبادة.

الخامس [من المستحبات ]

أن تكون يداه قائما: على فخذيه حذاء ركبتيه، و ساجدا: كما مرّ، و متشهّدا: على فخذيه مضمومة الأصابع مبسوطة، على المشهور كما في

______________________________

(1) معاني الأخبار: 369- 2، الوسائل 7: 50 أبواب الدعاء ب 13 ح 6.

(2) المقنعة: 124.

(3) المعتبر 2: 247.

(4) انظر: الوسائل 7: 48 أبواب الدعاء ب 13.

(5) السرائر 1: 228.

(6) انظر: المعتبر 2: 246، و المنتهى 1: 301.

(7) انظر: الوسائل 5: 510 أبواب القيام ب 16، و ج 7: 249 أبواب قواطع الصلاة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 392

الذخيرة «1»، و في روض الجنان: تفرّد ابن الجنيد بأنّه يشير بالسبّابة في تعظيم اللَّه تعالى كما يفعله العامّة «2».

السادس: التعقيب،

و هو من السنن الأكيدة، و الروايات في الحثّ عليه مستفيضة، و منافعه في الدين و الدنيا كثيرة.

ففي مرسلة بزرج: «من صلّى صلاة فريضة و عقّب إلى أخرى فهو ضيف اللَّه، و حقّ على اللَّه أن يكرم ضيفه» «3».

و في رواية الوليد: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد، يعني بالتعقيب الدعاء تعقيب الصلاة» «4».

و في رواية عبد اللَّه بن محمّد: «ما عالج الناس شيئا أشدّ من التعقيب» «5».

و في رواية: «من عقب في صلاته فهو في صلاة» «6» إلى غير ذلك.

و لا شكّ في صدق التعقيب بالجلوس من بعد الصلاة لدعاء و مسألة أو ثناء اللَّه سبحانه، بل فسرّه به في القاموس و المجمل و المصباح المنير «7».

و هل يصدق على الجلوس بعدها بلا دعاء كما هو ظاهر النهاية الأثيريّة «8» و احتمله بعض الأصحاب كما حكاه في البحار «9»، أو الدعاء بلا جلوس كما نقل عن بعض فقهائنا «10»، أم لا؟.

______________________________

(1) الذخيرة: 295.

(2) روض الجنان: 283.

(3) الكافي 3:

341 الصلاة ب 32 ح 3، التهذيب 2: 103- 388، المحاسن: 51- 75، الوسائل 6: 430 أبواب التعقيب ب 1 ح 5.

(4) التهذيب 2: 104- 391، الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 2: 104- 393، الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب ب 1 ح 2.

(6) الذكرى: 210.

(7) القاموس المحيط 1: 110، المجمل لابن فارس 3: 392، المصباح المنير: 421.

(8) النهاية الأثيرية 3: 267.

(9) البحار 82: 316.

(10) حكاه عنه في الحبل المتين: 259، و الذخيرة: 295، و البحار 82: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 393

الظاهر الثاني، بمعنى أنّه لا يحكم بحصوله شرعا بدون الأمرين، لعدم ثبوت حقيقة شرعيّة فيه و تعدّد المجاز، فيقتصر- في الحكم بثبوت أحكامه له- على المتيقّن.

و الاستدلال على صدقه بمجرّد أحدهما بالأخبار المثبتة للفضيلة لكلّ منهما لا يدلّ على كونه تعقيبا، لجواز ثبوتها لكلّ أيضا.

و التفسير المذكور في رواية الوليد لعلّه من أحد الرواة.

و أمّا ما في صحيحة هشام و مرسلة الفقيه- من أنّ الخارج لحاجته معقّب إن كان على وضوء «1»، و أنّ المؤمن معقّب ما دام على وضوئه «2»- فهو ليس بحقيقة، إذ ليس مجرّد البقاء على الوضوء تعقيبا إجماعا، فالمراد أنّه بمنزلته و لا يثبت منه ثبوت جميع أحكامه له، فلعلّه في شي ء من الفضيلة.

و الظاهر اشتراط اتّصاله بالصلاة و عدم الفصل مطلقا أو الكثير منه في صدق التعقيب، كما استظهره شيخنا البهائي «3».

و هل يشترط فيه الكون في المصلّى و على الطهارة و الاستقبال و الإقبال؟

الظاهر لا، للأصل و عدم قول به، و مراعاتها أولى.

و الظاهر عدم تعيّن الدعاء و المسألة في صدقه، فيصدق بالاشتغال بالتلاوة و البكاء- رغبة أو رهبة- و التفكّر.

و

لا يشترط كون الدعاء بالعربيّة و إن كان هو الأفضل، بل الأفضل الأدعية المأثورة كما هي في كتب القوم مذكورة.

و أفضل الجميع- كما صرّح به في الشرائع و النافع و المنتهى و المدارك «4»،

______________________________

(1) الفقيه 1: 216- 963، التهذيب 2: 320- 1308، الوسائل 6: 457 أبواب التعقيب ب 17 ح 1.

(2) الفقيه 1: 359- 1576، الوسائل 6: 457 أبواب التعقيب ب 17 ح 2.

(3) الحبل المتين: 260.

(4) الشرائع 1: 90، المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 302، المدارك 3: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 394

و غيرها- تسبيح الزهراء، لقول هؤلاء الأعلام، مضافا إلى ما في رواية مفضّل:

«سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام، و هو: اللَّه أكبر أربعا و ثلاثين مرّة، و سبحان اللَّه ثلاثا و ثلاثين مرّة، و الحمد للَّه ثلاثا و ثلاثين مرّة، فو اللَّه لو كان شي ء أفضل منه لعلّمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إيّاها» «1».

و في رواية ابن عقبة: «ما عبد اللَّه بشي ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام، و لو كان شي ء أفضل منه لنحله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فاطمة عليها السلام» «2».

و صدرها و إن دلّ على الأفضلية من التحميد خاصّة و لكن ذيلها يعطي العموم.

و في صحيحة ابن سنان: «من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللَّه له، و يبدأ بالتكبير» «3» و في مرسلة ابن ابي نجران: «من سبّح اللَّه في دبر الفريضة تسبيح فاطمة، المائة، و أتبعها بلا إله إلّا اللَّه مرّة غفر اللَّه له» «4».

و في رواية أبي خالد: يقول: «تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحبّ إليّ من

صلاة ألف ركعة في كلّ يوم» «5».

______________________________

(1) التهذيب 3: 66- 218، الاستبصار 1: 466- 1802، الوسائل 6: 445 أبواب التعقيب ب 10 ح 3.

(2) الكافي 3: 343 الصلاة ب 32 ح 14، التهذيب 2: 105- 398، الوسائل 6: 443 أبواب التعقيب ب 9 ح 1.

(3) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 6، التهذيب 2: 105- 395، الوسائل 6: 439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 7، التهذيب 2: 105- 396، الوسائل 6: 440 أبواب التعقيب ب 7 ح 3.

(5) الكافي 3: 343 الصلاة ب 32 ح 15، التهذيب 2: 105- 399، الوسائل 6: 443 أبواب التعقيب ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 395

و في رواية زرارة: «تسبيح فاطمة الزهراء الذكر الكثير الذي قال اللَّه تعالى:

اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار.

و صورتها أن يكبّر أربعا و ثلاثين مرة، و يحمد ثلاثا و ثلاثين مرّة، و يسبّح كذلك، إجماعا، للنصوص المستفيضة منها: رواية المفضّل المتقدّمة، و صحيحة محمّد بن عذافر «2»، و رواية أبي بصير «3»، و المرويّ في مشكاة الأنوار «4»، و غيرها.

و يقدّم التكبير- كما مرّ- إجماعا.

و الحقّ المشهور تقديم التحميد على التسبيح، وفاقا للنهاية و المبسوط و المقنعة و الديلميّ و القاضي و الحلي «5»، و غيرهم، لصحيحة ابن عذافر المصرّحة بلفظة «ثمَّ» الدالّة على التعقيب، المؤيّدة بالترتيب الذكري في بعض آخر.

و ظاهر عليّ بن بابويه و ولده و الإسكافيّ و الاقتصاد «6»: تقديم التسبيح على التحميد، لتقديمه ذكرا في بعض الروايات.

و هو للترتيب غير مفيد، فيحمل على الصحيحة، مع أنّ تقديم

التسبيح موافق لروايات العامّة «7»، فالعمل على خلافها.

و يستحبّ ختمها بلا إله إلّا اللَّه مرّة، للمرسلة المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 2: 500 الدعاء ب 23 ح 4.

(2) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 8، التهذيب 2: 105- 400، الوسائل 6: 444 أبواب التعقيب ب 10 ح 1.

(3) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 9، التهذيب 2: 106- 401، الوسائل 6: 444 أبواب التعقيب ب 10 ح 2.

(4) مشكاة الأنوار: 278.

(5) النهاية: 85، المبسوط 1: 117، المقنعة: 110، الديلمي في المراسم: 73، القاضي في المهذب 1: 96، الحلي في السرائر 1: 233.

(6) حكاه عن علي بن بابويه و الإسكافي في المختلف: 98، الصدوق في المقنع: 28، الاقتصاد:

264.

(7) انظر: صحيح البخاري 1: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 396

ثمَّ إنّ التعقيب لا يختصّ بالفرائض، بل هي سنّة في الفرائض و النوافل، كما صرّح به الشيخ في النهاية في مطلق التعقيب و تعقيبات خاصة أيضا كالتكبير ثلاثا رافعا بها يديه و تسبيح الزهراء و غيرهما «1»، و هو كاف في التعميم، مضافا إلى إطلاق أكثر الروايات بل عمومه سيّما في التكبير و التسبيح.

ثمَّ إنّه كما يستحبّ التعقيب المركّب من الجلوس و الدعاء، يستحبّ كلّ منهما منفردا عقيب الصلاة أيضا، لورود الحثّ على كلّ منهما منفردا، و بيان الثواب له في المستفيضة من الروايات. و يتحقّق كل منهما بمسمّاه عرفا و إن زاد الأجر بالزيادة.

نعم وردت فضائل خاصّة لقدر معيّن من بعضها كالجلوس في المصلّى إلى طلوع الشمس «2»، و الأدعية الخاصّة، فمن أراد أن يستحرزها فيعمل بما تترتّب الفضيلة عليه، كما أنّه وردت لبعض الأدعية أيضا آداب و شرائط، من شاء الوصول إلى كمال الأجر فليراعها.

السابع: سجدة الشكر على التوفيق لأدائها،
اشارة

بالإجماع

كما في التذكرة «3»، له، و للمستفيضة من النصوص بل المتواترة معنى.

و فيها فضل كثير، ففي صحيحة مرازم: «سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم، تتمّ بها صلاتك، و ترضي بها ربّك، و تعجب الملائكة منك، لأنّ العبد إذا صلّى ثمَّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و الملائكة، و يقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي أدّى فرضي و أتمّ عهدي ثمَّ سجد لي شكرا على ما أنعمت به، ملائكتي ما ذا له؟ قال: فتقول له الملائكة: يا ربّنا رحمتك» [1] الحديث.

______________________________

[1] الفقيه 1: 220- 978، التهذيب 2: 110- 415، الوسائل 7: 6 أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 5. تمام الحديث: «ثمَّ يقول الرب تبارك و تعالى: ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا جنّتك، ثمَّ يقول الرب تبارك و تعالى: ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا كفاية مهمّه، فيقول الربّ تبارك و تعالى: ثمَّ ما ذا؟ قال: و لا يبقى شي ء من الخير الّا قالته الملائكة، فيقول اللَّه تبارك و تعالى: يا ملائكتي ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة ربّنا لا علم لنا، فيقول اللَّه تبارك و تعالى: أشكر له كما شكر لي و اقبل إليه بفضلي و أريه وجهي». منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) النهاية: 86.

(2) انظر: الوسائل 6: 458 أبواب التعقيب ب 18.

(3) التذكرة 1: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 397

خلافا للجمهور، فأنكروها بعد الصلاة و شدّدوا في إنكارها مراغمة لنا مع ورودها في أخبارهم «1».

و بالموافقة لهم تردّ و على التقيّة تحمل صحيحة سعد بن سعد: عن سجدة الشكر فقال: «أيّ شي ء سجدة الشكر؟» فقلت له: إنّ أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة و يقولون هي

سجدة الشكر، فقال: «إنّما الشكر إذا أنعم اللَّه على عبده أن يقول: سبحان الذي ..» «2» الى آخره.

كما يشهد له التوقيع المرويّ في الاحتجاج، و فيه- بعد السؤال عن سجدة الشكر بعد الفريضة و أنّ أصحابنا ذكروا أنّها بدعة-: «سجدة الشكر من ألزم السنن و أوجبها، و لم يقل إنّ هذه السجدة بدعة إلّا من أراد أن يحدث في دين اللَّه بدعة» «3» الحديث.

و يشترط فيه قصد سجدة الشكر لتمتاز عن غيرها من السجدات.

و ليس فيها تكبير حتى تكبير الرفع و إن أثبته في المبسوط «4»، و لا دليل عليه.

و ليكن سجوده على ما يسجد عليه، لما مرّ في سجدة العزائم «5». و تردّد فيه في شرح القواعد «6»، و لم يشترطه في الذكرى و الحبل المتين «7»، للأصل، و هو يندفع

______________________________

(1) سنن النسائي 3: 65.

(2) الفقيه 1: 218- 972، التهذيب 2: 109- 413، الوسائل 7: 7 أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 6.

(3) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.

(4) المبسوط 1: 114.

(5) راجع ص 321.

(6) جامع المقاصد 2: 317.

(7) الذكرى: 213، الحبل المتين: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 398

بما مرّ.

و كذا الكلام في ارتفاع موضع السجود.

و اشترط في الذكرى فيها السجود على الأعضاء السبعة، معللا بتوقف صدق السجود عليه «1». و أنكره شيخنا البهائي [1]، و بعض آخر [2]، و هو كذلك.

فعدم الاشتراط قويّ. و أمّا أدلّة اشتراطه في سجود الصلاة فغير جارية هنا إلّا المطلقات المتضمّنة لقوله: «السجود على سبعة أعظم» «2» و دلالتها على الزائد على الرجحان ممنوعة. و أمّا ما في بعضها من أنّ السبعة فرض فحمله على الوجوب الأعمّ من الشرطيّ مجاز لا

قرينة له، بل يحتمل التخصيص بالسجدات الواجبة.

و الظاهر حصول المستحبّ بسجدة واحدة من غير ذكر أيضا.

و لكن يستحبّ فيها أن يفترش ذراعيه و يلصق صدره و بطنه بالأرض، لرواية ابن خاقان: رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر، فافترش ذراعيه و ألصق صدره و بطنه بالأرض، فسألته عن ذلك فقال: «كذا يجب» «3».

و قريبة منها رواية جعفر بن عليّ «4».

و أن يقول فيه: شكرا شكرا ثلاث مرّات، كما في المرويّ في الذكرى «5»، أو يقول: شكرا للَّه ثلاثا، للمرويّين في العلل و العيون: «السجدة بعد الفريضة

______________________________

[1] الحبل المتين: 245 و ظاهره أنّ في المسألة وجهين، فهو غير منكر فيه.

[2] كصاحب الحدائق 8: 350.

______________________________

(1) الذكرى: 213.

(2) انظر: الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4.

(3) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 15 بتفاوت يسير، التهذيب 2: 85- 312، الوسائل 7:

13 أبواب سجدتي الشكر ب 4 ح 2.

(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 14، التهذيب 2: 85- 311، الوسائل 7: 13 أبواب سجدتي الشكر ب 4 ح 3.

(5) الذكرى: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 399

شكرا للَّه على ما وفّق له العبد من أداء فرضه، و أدنى ما يجزئ فيها من القول أن يقول: شكرا للَّه شكرا للَّه شكرا للَّه، ثلاث مرّات» «1» الحديث.

و أفضل منه مائة مرّة شكرا، أو عفوا، كما في رواية المروزي: «قل في سجدة الشكر مائة مرّة شكرا شكرا، و إن شئت عفوا عفوا» «2».

و أن يسجد سجدتين، كما صرّح به جماعة، و دلّت عليه رواية أخرى للمروزي: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في سجدتي الشكر، فكتب إليّ:

«مائة مرّة شكرا شكرا، و إن شئت عفوا عفوا» «3».

فإنّ

المستفاد منها معروفيّة التعدّد، و ظاهرها كفاية المائة مرّة فيهما بأيّ نحو كان، سواء وزّعها عليهما أو خصّصها بإحداهما. و لكن صرّح في حسنة ابن جندب الآتية بذكرها في الأخيرة.

و أن يلصق بين السجدتين خدّيه بالأرض، بل في المنتهى و التذكرة و شرح القواعد: الإجماع على استحباب تعفيرهما فيه «4» و يدعو بالمأثور، كما في حسنة ابن جندب: عمّا أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال: «قل و أنت ساجد: اللّهم إنّي أشهدك و أشهد ملائكتك و أنبياءك و رسلك و جميع خلقك أنّك أنت اللَّه ربّي، و الإسلام ديني، و محمّد نبيّي، و فلان و فلان- إلى آخرهم- أئمتي، بهم أتولّى و من عدوّهم أتبرّأ، اللهمّ إنّي أنشدك دم المظلوم، ثلاثا، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا و أيدي المؤمنين، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك

______________________________

(1) العلل: 360- الباب 79، العيون 1: 219- 27، الوسائل 7: 5 أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 3.

(2) الفقيه 1: 218- 969، العيون 1: 218- 23، الوسائل 7: 16 أبواب سجدة الشكر ب 6 ح 2.

(3) الكافي 3: 344 الصلاة ب 32 ح 20، التهذيب 2: 111- 417، و فيهما: سجدة الشكر، بلفظ المفرد. الوسائل 7: 16 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ذيل حديث 2.

(4) المنتهى 1: 303، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 400

لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك و عدوّهم أن تصلّي على محمّد و على المستحفظين من آل محمّد، ثلاثا، اللهم إنّي أسألك اليسر بعد العسر، ثلاثا. ثمَّ ضع خدّك الأيمن على الأرض و تقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق عليّ الأرض بما رحبت،

و يا بارئ خلقي رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنيّا، صلّ على محمّد و على المستحفظين من آل محمد. ثمَّ ضع خدك الأيسر و تقول: يا مذلّ كل جبّار و يا معزّ كل ذليل، قد و عزّتك بلغ مجهودي، ثلاثا. ثمَّ تقول: يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام ثلاثا. ثمَّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة شكرا شكرا، ثمَّ تسأل حاجتك إن شاء اللَّه» «1».

و ورد في رواية سليمان أدعية اخرى للسجدة الاولى و وضع الخدّين، و لم يذكر السجدة الثانية «2»، و لكن لا دلالة فيها على أنّها سجدة الشكر فلعلّها سجدة أخرى.

و ذكر جماعة منهم الشهيدان و صاحب المدارك الجبينين بدل الخدّين [1]، و لا دليل عليه إلّا بعض الأخبار الذي- لو تمّت دلالته على استحباب تعفيرهما- لم نعدّه في سجدة الشكر [2].

و يجوز إلصاق الخدّين بدون ذكر الدعاء، لأصالة عدم الاشتراط. بل بدون السجدة الأخيرة، بل بدون سجدة، لورود استحباب مطلق إلصاق الخدّين

______________________________

[1] الشهيد الأوّل في الذكرى: 213، الشهيد الثاني في المسالك 1: 32، و الروضة البهية 1: 286، صاحب المدارك 3: 424، لكن الظاهر من كلماتهم استحباب تعفير الجبينين و الخدين معا بين سجدتي الشكر.

[2] يظهر من الكتب الفقهية أنّ المراد من بعض الأخبار رواية مولانا العسكري عليه السلام:

«علامات المؤمن خمس- إلى أن قال:- و تعفير الجبين» مصباح المتهجد: 730، الوسائل 14:

478 أبواب المزار ب 56 ح 1.

______________________________

(1) الكافي 3: 325 الصلاة ب 25 ح 17، الفقيه 1: 217- 966، التهذيب 2: 110- 416، الوسائل 7: 15 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ح 1.

(2) الكافي 3: 326 الصلاة ب 25 ح 19، التهذيب 2: 111- 418، الوسائل 7:

17 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 401

بالأرض بعد الصلاة. و الأولى عدم قصد كونها من سجدة الشكر في الأخيرين.

و هل يجوز تكرير السجدتين بدون الخدّين؟ فيه نظر.

ثمَّ إنّه ذكر جماعة أنّ هذه السجدة بعد تمام التعقيب [1]، و استدلّوا عليه بما رواه الصدوق من: أنّ الكاظم عليه السلام كان يسجد بعد ما يصلّي الفجر، فلا يرفع رأسه حتّى يتعالى النهار «1».

و في دلالته نظر، لعدم تعيّن كونه سجدة الشكر، و لا بعد تمام التعقيب، و لا على استحباب ما فعل بخصوصه.

و لكن لا بأس به بعد فتوى الفقيه، سيّما مع إيجابه شكر التوفيق للدعاء أيضا.

و قد اختلفت الأخبار و كلمات الأخيار في سجدة الشكر في صلاة المغرب، فصرّح في المنتهى أنّها بعد نافلتها، لرواية حفص: صلّى بنا أبو الحسن صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة، فقلت له: كان آباؤك يسجدون بعد الثالثة، فقال: «ما كان أحد من آبائي يسجد بعد الثالثة» [2].

و ظاهر الذكرى و المدارك التخيير «2»، جمعا بين ما مرّ و بين رواية جهم:

رأيت أبا الحسن موسى و قد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب، فقلت:

جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث، فقال: «رأيتني؟» فقلت: نعم، فقال:

«فلا تدعها» «3».

______________________________

[1] منهم الشهيد الأوّل في الذكرى: 213، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 316، و صاحب المدارك 3: 424.

[2] التهذيب 2: 114- 426، الاستبصار 1: 347- 1308، الوسائل 6: 489 أبواب التعقيب ب 31 ح 1، و في جميعها: «ما كان أحد من آبائي يسجد إلّا بعد السابعة».

______________________________

(1) الفقيه 1: 218- 970، الوسائل 7: 8 أبواب سجدتي الشكر ب 2 ح 1.

(2) الذكرى: 113، المدارك 3:

16.

(3) الفقيه 1: 217- 967، التهذيب 2: 114- 427، الاستبصار 1: 347- 1309، الوسائل 6: 489 أبواب التعقيب ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 402

و كان هذا الجمع حسنا لو لا ترجيح الثانية بالتوقيع المرويّ في الاحتجاج، و فيه- بعد السؤال عن سجدة الشكر في صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد أربع ركعات النافلة-: «و أمّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب و الاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع، فإنّ فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل، و السجدة دعاء و تسبيح، فالأفضل أن تكون بعد الفرض، و إن جعلت أيضا بعد النوافل جاز» «1».

و أمّا مع هذا الخبر فيتعيّن ترجيح الثانية كما لا يخفى.

و يستحبّ بعد رفع الرأس من السجدة أن يضع باطن كفّه موضع سجوده ثمَّ يرفعها فيمسح بها وجهه و صدره، لمرسلة المقنعة: «فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده، ثمَّ يمسح بها وجهه و صدره» «2».

و روي في مكارم الأخلاق: «إذا أصابك همّ فامسح يدك على موضع سجودك، ثمَّ أمرّ يدك على وجهك من جانب خدّك الأيسر، و على جبهتك إلى جانب خدّك الأيمن، ثمَّ قل: بسم اللَّه الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، اللّهم أذهب عنّي الهمّ و الحزن، ثلاثا» «3».

و لكن الظاهر اختصاص استحباب هذا النوع بصورة إصابة الهمّ، و الطريق الأول عامّ، و على أيّ تقدير لا يختصّ شي ء منهما بسجدة الشكر، بل ورد بعد السجدة و إن ذكرهما بعض الأصحاب عقيبها «4».

و كذا ما ذكره بعضهم من استحباب إطالة السجود و قول يا ربّ يا

ربّ في السجدة حتّى ينقطع النفس «5»، فإنّ الكلّ في الأخبار مذكور «6»، و لكلّ فضل

______________________________

(1) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.

(2) المقنعة: 109.

(3) مكارم الأخلاق: 287.

(4) انظر: الحدائق 8: 348.

(5) انظر: الحدائق 8: 352.

(6) انظر: الوسائل 7: ب 6 و 7 من أبواب سجدتي الشكر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 403

كثير، و لكن لم يذكر شي ء منه لخصوص سجدة الشكر.

فائدة:

ذكر الشيخ و جمع من الأصحاب أنّ حكم المرأة حكم الرجل في غير الجهر و الإخفات «1»، نعم يختلفان في بعض الآداب، كما ورد في حسنة زرارة حيث قال فيها: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرّج بينهما و تضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فيرتفع عجزها، و إذا جلست فعلى أليتها و ليس كما يقعد الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، و إذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلّت انسلالا لئلّا يرتفع عجزها أولا» «2».

______________________________

(1) النهاية: 73 و انظر القواعد 1: 36، و جامع المقاصد 2: 363.

(2) الكافي 5: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94- 350، الوسائل 5: 462 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4، و في المصادر «عجيزتها» مكان «عجزها».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 405

الباب الثاني في النوافل اليوميّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 407

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: النوافل المرتّبة أربع و ثلاثون ركعة،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الانتصار و الخلاف «1». و في المختلف: إنّه لم نقف فيه على خلاف «2». و في الذكرى: لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب «3»- و أمّا ما في الشرائع و النافع من أنّه الأشهر «4»، فالمراد في الرواية- فهو الحجّة فيه، مضافا إلى المستفيضة الدالّة على العدد جملة أو تفصيلا «5».

و أمّا الأخبار العادّة لها بأقلّ من الأربع و الثلاثين، بإسقاط الوتيرة كما في بعضها، أو مع أربع من نوافل العصر كما في آخر، أو معها وثنتين من المغربيّة كما في غيرهما «6».

فهي على نفي استحباب الزائد غير دالّة، فلما مرّ غير مخالفة. و مع مخالفتها فلعدم حجيّتها- و إن كثرت و تضمّنت الصحيح- باعتبار مخالفتها للشهرة بل الإجماع، و عدم عمل أحد من الأصحاب بها- كما صرّح به الصيمريّ أيضا «7»- مطروحة.

ثمَّ من هذه الأربع و الثلاثين ثمان للظهر قبلها، و ثمان للعصر قبلها، و أربع للمغرب بعدها، و الوتيرة ركعتان من جلوس يعدّ بركعة، و صلاة الليل ثمان ركعات، و ركعتا الشفع، و ركعة الوتر، و ركعتان للفجر قبلها، على المشهور على

______________________________

(1) الانتصار: 50، الخلاف 1: 525.

(2) المختلف: 123.

(3) الذكرى: 112.

(4) الشرائع 1: 60، المختصر النافع: 21.

(5) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(6) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13، و ص 59 ب 14.

(7) حكاه عنه في الرياض 1: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 408

ما قيل «1»، و هو صريح الدروس و اللمعة و القواعد و النافع و السرائر و البيان «2» و عن صريح المقنعة و المهذّب و الإيضاح و الإشارة «3».

و

هو في الشرائع و التذكرة و المنتهى و الذكرى: ثمان قبل الظهر و ثمان قبل العصر «4»، و هو ليس بنصّ بل و لا ظاهر في المشهور.

و في الهداية و عن ظاهر الجامع: أنّ الستّ عشر للظهر «5».

و عن الإسكافيّ: أنّ اثنتين منها للعصر و البواقي للظهر «6».

و في نهاية الشيخ و السرائر: ثمان بعد فريضة الظهر و قبل فريضة العصر «7».

و هو كما ترى لا يفيد أحد الأقوال.

للأوّل: المرويّ في العلل: لأيّ علة أوجب صلاة الزوال ثمان قبل الظهر و ثمان قبل العصر؟ فقال عليه السلام: «لتأكيد الفرائض» «8» الحديث.

و في العيون: «ثمان ركعات قبل فريضة الظهر و ثمان ركعات قبل فريضة العصر» «9».

و لا دلالة لهما على أنّ الثمان قبل العصر تطوّع لصلاة العصر، و ترجيح قبل العصر على بعد الظهر لعلّه لاستحباب التأخير إلى أن يقرب وقت العصر و يتّصل بصلاته.

______________________________

(1) المدارك 3: 11.

(2) الدروس 1: 136، اللمعة (الروضة 1): 169، القواعد 1: 24، المختصر النافع: 21، السرائر 1: 139، البيان: 108.

(3) المقنعة: 91، المهذب 1: 67، الإيضاح 1: 73، الإشارة: 87.

(4) الشرائع 1: 60، التذكرة 1: 70، المنتهى 1: 194، الذكرى: 112.

(5) الهداية: 30، الجامع للشرائع: 58.

(6) حكاه عنه في المختلف: 123.

(7) النهاية: 57، السرائر 1: 193.

(8) العلل: 328- 3، الوسائل 4: 53 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 21.

(9) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 121، الوسائل 4: 54 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 409

و على ذلك يحتمل حمل ما ورد فيه أربع بعد الظهر و أربع قبل العصر أيضا «1»، فلا يصير مثله قرينة على إرادة نسبة النافلة

إلى الصلاة.

مع أنّهما مع الدلالة معارضتان بأكثر منهما و أقوى، كما في خبر حنّان: «كان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يصلّي ثمان ركعات الزوال، و أربعا الاولى، و ثمان بعدها، و أربعا العصر» «2».

و خبر حمّاد بن عثمان: عن التطوّع بالنهار، فذكر أنّه يصلّي ثمان ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها «3».

و صحيحة حمّاد بن عثمان و فيها: «إلا أخبرك كيف أصنع أنا؟» فقلت: بلى فقال: «ثمان ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها» «4» إلى غير ذلك.

و رواية سليمان بن خالد و فيها: «ستّ ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر» «5».

و لعلّ غير الأخيرة ممّا ذكر دليل الهداية و الجامع، و هي دليل الإسكافي.

و قد عرفت ضعف الدلالة، فإنّ البعديّة و القبليّة غير دالّتين على أنها نافلتها، و وجه نسبة البعض إلى قبل العصر و بعضها إلى بعد الظهر فلعلّه أمر آخر كمراعاة الوقت، أو استحباب الاتّصال و الأقربيّة بإحدى الصلاتين كما مرّ.

مع أنّه على فرض الدلالة لا يصلح شي ء منها للاستناد، للتعارض الخالي من المرجّح رأسا. فالمسألة محلّ تردّد و توقّف جدّا.

إلّا أنّ لقول الإسكافي قوة، لموثّقة عمّار: «لكلّ صلاة مكتوبة ركعتان نافلة

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 7.

(2) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 5، التهذيب 2: 4- 4، الاستبصار 1: 218- 774، الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 6.

(3) الكافي 3: 444 الصلاة ب 89 ح 9، التهذيب 2: 9- 18، الوسائل 4: 48 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 8.

(4) التهذيب 2: 5- 7، الوسائل 4: 50 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13

ح 15.

(5) التهذيب 2: 5- 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 410

إلّا العصر، فإنّه تقدّم نافلتها و هي الركعتان اللتان تمّت بها الثماني بعد الظهر» «1».

و إجمال بعض أجزائه لا يوجب ترك ما يدلّ على المطلوب منها.

ثمَّ إنّه ذكر جماعة أنّه لا ثمرة مهمّة لتحقيق ذلك بعد ثبوت استحباب الثمان، لعدم لزوم قصد ذلك في النية و عدم ظهور فائدة أخرى.

و ما قيل من ظهورها في اعتبار إيقاع الستّ قبل القدمين أو المثل، و فيما إذا نذر نافلة العصر «2»، ففيه تأمّل:

أمّا الأوّل فلأنّ المستفاد من الروايات ليس إلّا استحباب إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل، و الثمان التي بعدها قبل الأربعة أو المثلين من غير إضافة إلى الظهر أو العصر، فلا يتفاوت الحكم سواء قلنا أنّها للظهر أو العصر.

و أمّا الثاني فلأنّ النذر تابع للقصد، فإن قصد الثمان أو الركعتين وجبت عليه ذلك. إلّا أن يقصد ما هو نافلة العصر شرعا مجملا، و حينئذ في انعقاد النذر إشكال، لعدم ظهور اختصاص من الأخبار.

أقول: الظاهر لمزاول الأخبار استفادة اختصاص نافلة بالعصر أيضا، و لو نوقش فيه أيضا فلا ريب في اختصاص صلاة الظهر بالنافلة كما تدلّ عليه موثّقة عمّار و فيها: «و للرجل إذا كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتمّ نوافل الاولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم» «3».

و حينئذ فتظهر الثمرة فيما إذا نذر ما هو نافلة صلاة الظهر.

و يمكن ظهور الفائدة أيضا فيما إذا صلّى المسافر الظهر في السفر ثمَّ دخل الوطن و صلّى العصر فيه، أو صلّى

الظهر في الوطن و سافر قبل صلاة العصر، فإنّه يجوز له إيقاع الثمان التي قبل العصر في الأوّل و لا يجوز في الثاني على المشهور،

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 5.

(2) قد ذكر الثمرة الثانية في المختلف: 123.

(3) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 5: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 411

و يعكس الأمر على قول الهداية، و تجوز الركعتان خاصّة في الأوّل و لا تجوز كذلك في الثاني على قول الإسكافيّ.

المسألة الثانية: يكره الكلام بين أربع ركعات المغرب،

لرواية أبي الفوارس: نهاني أبو عبد اللَّه أن أتكلّم بين أربع ركعات التي بعد المغرب «1».

و رواية أبي العلاء: «من صلّى المغرب ثمَّ عقّب و لم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا [له ] في علّيّين، فإن صلّى أربعا كتبت له حجّة مبرورة» «2».

و تدلّ الأخيرة على كراهة الكلام بينها و بين المغرب بغير التعقيب أيضا، كما صرّح بها الجماعة «3».

و أمّا التعقيب ففي استحباب تأخيره عنها مطلقا، للمرويّ عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله أنّه لمّا بشّر بالحسن عليه السلام صلّى ركعتين بعد المغرب شكرا، فلمّا بشّر بالحسين عليه السلام صلّى ركعتين و لم يعقّب حتّى فرغ منها [1]. فإن ظاهره عدم الإتيان بشي ء من التعقيب إلى الفراغ من الأربع.

و المرويّ في إرشاد المفيد عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: فصلى عليه السلام بالناس صلاة المغرب، و قام من غير أن يعقّب. فصلّى النوافل أربع ركعات، و عقّب بعدها، و سجد سجدتي الشكر «4».

______________________________

[1] الفقيه 1: 289- 1319، التهذيب 2: 113- 424، الوسائل 4: 88 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 6. و لا يخفى أن فقرة: و

لم يعقب حتى فرغ منها، غير مذكورة في المصادر و لا إشعار بها فيها. و لكن ذكرها المفيد في المقنعة ص 117، حيث استدلّ على تأخير التعقيب عن نافلة المغرب بهذه الرواية.

______________________________

(1) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 7، التهذيب 2: 114- 425، الوسائل 6: 488 أبواب التعقيب ب 30 ح 1.

(2) الفقيه 1: 143- 664، التهذيب 2: 113- 422، الوسائل 6: 488 أبواب التعقيب ب 30 ح 2.

(3) كما في التذكرة 1: 72، و الذكرى: 113، و المدارك 3: 14.

(4) الإرشاد 2: 288، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 412

أو تأخير غير التسبيح بتخصيص ما مرّ بغيره، لصحيحة ابن سنان: «من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له» «1».

أو تأخير بعض و تقديم بعض، جمعا بين ما مرّ و بين ما يأتي، و للمرويّ في العيون عن الرضا عليه السلام أنّه كان يصلّي المغرب ثلاثا، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبّح اللَّه و يحمده و يكبّره و يهلّله ما شاء اللَّه، ثمَّ يسجد سجدة الشكر، ثمَّ يرفع رأسه و لم يتكلّم حتّى يقوم، فيصلّي أربع ركعات بتسليمتين، ثمَّ جلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء اللَّه «2».

أو تقديمه مطلقا، كما عن شيخنا البهائي، لرواية أبي العلاء المتقدّمة، و التوقيع المرويّ في الاحتجاج: كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر في صلاة المغرب بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه السلام: «إنّ فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل، و السجدة دعاء و تسبيح، و الأفضل أن تكون بعد الفرض

فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز» «3».

و تؤيّده رواية سعيد بن زيد: «إذا صلّيت المغرب فلا تبسط رجلك و لا تكلّم أحدا حتّى تقول مائة مرّة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم» «4».

و رواية الحسين بن خالد: «من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه: أستغفر اللَّه الذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم ذو الجلال و الإكرام، ثلاث

______________________________

(1) الكافي 3: 342 الصلاة ب 89 ح 6، التهذيب 2: 105- 395، الوسائل 6: 439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1.

(2) العيون 2: 179، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 24.

(3) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.

(4) الكافي 2: 531 الدعاء ب 48 ح 29، الوسائل 6: 479 التعقيب ب 25 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 413

مرّات، غفر اللَّه له ذنوبه» «1».

و ما ورد من استحباب التكبيرات الثلاث و دعائها بعد التسليم «2».

أقوال [1]، أقواها الأخير، لما ذكر، مع ضعف الاحتجاج بما احتجّ به على خلافه:

أمّا حديث البشارة فلعدم ثبوته. و لا يفيد التسامح في أدلة السنن، لأنّه إنّما كان يفيد إذا ثبتت الملازمة بين فعله عليه السلام و بين استحبابه لنا، و هي غير ثابتة، بل الثابت- لو سلّم- هو الملازمة بين علمنا بفعله أو ثبوته بظنّ ثابت الحجيّة و بين استحبابه لنا، و هو هنا غير متحقّق، مع أنّ ثبوت الاستحباب بثبوت فعله مطلقا أيضا ممنوع.

و أمّا البواقي فلعدم ثبوت الاستحباب في حقّنا في فعل غير النبيّ من المعصوم إذا لم يعلم وجهه مطلقا، مع معارضتها بما روي في العيون عن

الرضا عليه السلام أنّه كان يسجد بعد تعقيب المغرب قبل النافلة «3».

و منه و من التوقيع المذكور تظهر أفضليّة تقديم سجدتي الشكر على النافلة أيضا، كما يظهر ممّا ذكرنا ضعف دلالة ما يستند إليه في أفضليّة تأخيرهما عنها.

المسألة الثالثة: قد عرفت أنّ من النوافل ركعتين بعد العشاء،

و هما من جلوس تعدّان ركعة من قيام، كما صرّح به المستفيضة بل المتواترة، كحسنة الفضيل: «الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة و هو قائم» «4».

______________________________

[1] أي: في استحباب تأخير التعقيب عن نوافل المغرب مطلقا، أو تأخير غير التسبيح، أو تأخير بعض أو تقديمه مطلقا أقوال.

______________________________

(1) الكافي 2: 521 الدعاء ب 47 ح 1، الوسائل 6: 470 أبواب التعقيب ب 24 ح 4، و فيهما عن الحسين بن حماد.

(2) انظر: الوسائل 6: 452 أبواب التعقيب ب 14.

(3) راجع ص 412 الرقم 2.

(4) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 2، التهذيب 2: 4- 2، الاستبصار 1: 218- 772، الوسائل 4: 46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 414

و رواية البزنطي: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ أصحابنا يختلفون في التطوّع فبعضهم يصلّي أربعا و أربعين، و بعضهم يصلّي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به كيف هو حتّى أعمل بمثله؟ فقال: «أصلي واحدة و خمسين ركعة» و عدّها إلى أن قال: «و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام» «1».

و رواية الحجّال، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه كان يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون «2» الحديث.

و

المرويّ في الخصال بعد عدّ صلاة الفريضة «و السنة أربع و ثلاثون ركعة» إلى أن قال: «و ركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة» «3».

و مثله في العيون و تحف العقول «4».

و في دعائم الإسلام: «و بعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بركعة، لأنّ صلاة الجالس لغير علّة على النصف من صلاة القائم» «5».

و في فقه الرضا: «و ركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس يحسب ركعة من قيام» «6».

و في العلل: لأيّ علّة يصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال:

«لأنّ اللَّه فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مثليها،

______________________________

(1) الكافي 3: 444 الصلاة ب 89 ح 8، التهذيب 2: 8- 14، الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 7.

(2) التهذيب 2: 341- 1410، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 15.

(3) الخصال: 603، الوسائل 4: 57 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 25.

(4) العيون 2: 120- 1، تحف العقول: 312، الوسائل 4: 54 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 23.

(5) دعائم الإسلام 1: 208، مستدرك الوسائل 3: 49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 2.

(6) فقه الرضا «ع»: 99، مستدرك الوسائل 3: 50 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 415

فصارت إحدى و خمسين ركعة، فتعدّ هاتان الركعتان من جلوس بركعة» «1».

و في رجال الكشي عن الرضا عليه السلام قال: «إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا: إنّ يونس يقول: من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين و هو جالس بعد العتمة، فقلت: صدق يونس» «2» إلى غير ذلك.

و تدلّ عليه

المستفيضة المصرّحة بأنّ الفرائض و النوافل إحدى و خمسون ركعة «3» و المستفيضة الدالة على أنّ التطوّع مثلا الفريضة «4».

و في أفضليّة الجلوس فيهما من القيام و عكسها قولان:

الأوّل صريح روض الجنان «5» و ظاهر الأكثر إن لم نقل بأنّ ظاهرهم تعيّن الجلوس، لما مرّ و للمستفيضة الدّالة على استحباب البيتوتة على وتر، و أنّه هو هاتان الركعتان.

فمن الأولى صحيحة زرارة: «من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر» «6» و مثله في العلل «7».

و فيه أيضا: «و لا يبيتنّ الرجل و عليه وتر» «8».

و من الثانية المرويّ فيه أيضا: قلت: أصلّي العشاء الآخرة فإذا صلّيت صلّيت ركعتين و أنا جالس، فقال: «أما إنّها واحدة و لو بتّ بتّ على وتر» [1].

و فيه أيضا: قال: «من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر»

______________________________

[1] علل الشرائع: 330- 2، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 7 و فيهما:

«و لو متّ متّ على وتر». و في البحار 84: 105 نقلا عن العلل مثل ما في المتن.

______________________________

(1) علل الشرائع: 330- 1، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 6.

(2) رجال الكشي 2: 784- 934، الوسائل 4: 97 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 9.

(3) انظر الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(4) انظر الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(5) روض الجنان: 175.

(6) التهذيب 2: 341- 1412، الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 1.

(7) علل الشرائع: 330- 4، الوسائل 4: 95 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 4.

(8) علل الشرائع: 330-

3، الوسائل 4: 95 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 416

قلت: يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: «نعم إنّهما ركعة، فمن صلّاهما ثمَّ حدث به حدث مات على وتر، فإن لم يحدث حدث الموت صلّى الوتر في آخر الليل» فقلت له: هل يصلّي رسول اللَّه هاتين الركعتين؟ قال: «لا» قلت: و لم؟

قال: «لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يأتيه الوحي، و كان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أو لا، و غيره لا يعلم، فمن أجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما» «1».

و ردّ دلالة الأحاديث المتقدّمة: بأنّ غاية ما تدلّ عليه أنّ ما هو المقصود من شرعيّة النافلة يتحقّق مع الجلوس و هو غير مناف لأفضليّة غيره. و الحاصل أنّها لا تدلّ على أزيد من ثبوت فضيلة للجلوس لا أفضليّته، و لعلّ ذكره لأنّ هذا القدر من الفضيلة كاف في المقصود من النافلة و الزائد فضل آخر.

و البواقي: بأنّه إذا كانت الركعتان من قيام بدل الركعتين من جلوس المحسوبتين بركعة يصحّ إطلاق الركعة و الوتر عليهما مجازا.

و يجاب عن الأوّل: بأنّه إنّما يفيد لو ثبت أفضليّة الغير بل توقيفه.

و الثاني: بأنّ صحة التجوّز لا تدلّ على وقوعه.

و الثاني صريح الروضة «2»، و والدي في المعتمد، و نفى المحقّق الأردبيلي عنه البعد «3»، و مال إليه في الحدائق «4»، لصحيحة الحارث النصريّ على ما في التهذيب: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «صلاة النهار ستّ عشرة ركعة: ثمان إذا زالت الشمس و ثمان بعد الظهر، و أربع ركعات بعد المغرب. يا حارث، لا تدعهنّ في سفر و لا في حضر، و

ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما و هو قاعد، و أنا أصلّيهما و أنا قائم» «5».

______________________________

(1) علل الشرائع: 330- 1، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 8 مع تفاوت يسير.

(2) الروضة 1: 169.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 2: 6.

(4) الحدائق 6: 62.

(5) التهذيب 2: 4- 5 و 9- 16، الوسائل 4: 48 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 417

دلّت على مواظبة الإمام عليه السلام على القيام و هي آية الأفضليّة. و لا يعارضه فعل أبيه، لأنّه كان يصلّي جميع النوافل جالسا، كما نطقت به الأخبار [1].

و لموثّقة سليمان بن خالد: «صلاة النافلة ثماني ركعات حين تزول الشمس» إلى أن قال: و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين» «1».

و لعمومات أفضليّة القيام في الصلاة على القعود «2».

و يضعّف الأوّل: بأنّه معارض مع رواية البزنطيّ المتقدّمة الدالّة على مواظبة أبي الحسن عليه السلام على القعود فيهما «3». بل هذه بالتمسّك بها على أفضليّة الجلوس أحرى، لمعارضة الاولى مع رواية الحجّال السابقة الدالّة على مواظبة أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضا على الجلوس «4»، الموجبة لتساقطهما، و خلوّ فعل أبي الحسن عليه السلام عن المعارض.

بل هنا كلام آخر و هو أنّ المستفاد من رواية الحجّال أنّ أبا عبد اللَّه عليه السلام كان يصلّي بعد العشاء ركعتين أخريين غير الوتيرة أيضا، و تصرّح به صحيحة ابن سنان: رأيته- يعني أبا عبد اللَّه- يصلّي بعد العتمة أربع ركعات «5».

فلعلّ هاتين الركعتين أيضا اللتين كان يصلّيهما من قيام كانتا غير الوتيرة، و هو

وجه الجمع بين صحيحة الحارث و رواية الحجّال.

______________________________

[1] منها خبر حنّان بن سدير. انظر: الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 1.

______________________________

(1) التهذيب 2: 5- 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.

(2) انظر: الوسائل 5: 492 أبواب القيام ب 4 ح 3، و رواها في الفقيه 1: 342- 1513.

(3) راجع ص 414.

(4) راجع ص 415.

(5) التهذيب 2: 6- 9، الاستبصار 1: 219- 775، الوسائل 4: 60 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 418

و منه يظهر ضعف التمسّك بالموثّقة أيضا، بل اتّحاد الركعتين اللتين جعل القيام فيهما أفضل فيها مع ما كان يضمّهما مع الركعتين من جلوس أظهر، بقرينة قراءة مائة آية فيهما و عدم احتسابهما من الركعتين- كما صرّح به في الموثّقة و في رواية الحجّال- و لا أقلّ من الاحتمال المساوي فيسقط الاستدلال.

و من ذلك يظهر القدح في تجويز القيام فيهما أيضا، إذ لا مجوّز له إلّا الصحيحة و الموثّقة، و بعد ما عرفت من عدم دلالتهما يبقى جواز القيام بلا دليل.

و لتوقيفيّة العبادة و عدم توقيف الركعتين إلّا جالسا لا يكون القيام فيهما جائزا. و هو الأقوى، كما هو ظاهر الأكثر أيضا حيث قيّدوهما بالجلوس من غير تجويز القيام، خلافا للجامع و الشهيد «1»، فصرّحا بجواز القيام لبعض ما عرفت ضعفه.

و أمّا ما ذكر أخيرا من عمومات أفضليّة القيام في الصلاة ففيه: منع ما دلّ بعمومه على أنّ القيام في كلّ صلاة أفضل، بل غاية ما ثبت من الأخبار أنّ صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد، و هو لا يدلّ على جواز القيام أو أفضليّته في كلّ

صلاة.

ثمَّ الأفضل تأخير هاتين الركعتين عن التعقيب، للتوقيع المتقدّم «2». بل عن كلّ تنفّل يتنفل به بعد العشاء، لتصريح جماعة من العلماء به «3»، و هو كاف في مقام الاستحباب.

و يستحبّ أن يقرأ فيهما بالواقعة و التوحيد، لصحيحة ابن أبي عمير «4» و رواية عبد الخالق «5».

و في فلاح السائل عن أبي جعفر الثاني: «من قرأ سورة الملك في ليلته فقد

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 111، الشهيد في الدروس 1: 136.

(2) في ص 412 الرقم 3.

(3) كالمفيد في المقنعة: 118، و الشهيد الثاني في الروضة 7: 170.

(4) التهذيب 2: 116- 433، الوسائل 6: 112 أبواب القراءة في الصلاة ب 45 ح 1.

(5) التهذيب 2: 295- 1190، الوسائل 6: 112 أبواب القراءة في الصلاة ب 45 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 419

أكثر و أطاب و لم يكن من الغافلين، و إنّي لأركع بها بعد العشاء و أنا جالس» «1».

و يستشمّ منها أنّه كان يقرأ فيها في الوتيرة.

المسألة الرابعة: لا خلاف بيننا في جواز فصل واحدة الوتر عن ركعتي الشفع،

و حكاية الإجماع عليه متكرّرة «2»، و رواياتنا عليه مستفيضة كصحيحتي الحنّاط «3»، و روايتي عليّ بن أبي حمزة «4»، و غيرهما.

و منها ما يدلّ على رجحانه كموثّقة سليمان بن خالد: «الوتر ثلاث ركعات تفصل بينهنّ و تقرأ فيهن جميعا بقل هو اللَّه أحد» «5».

بل منها ما يدلّ على تعيّنه، كصحاح أبي بصير، و سعد و ابن عمّار، الاولى:

«الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة و واحدة» «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    419     المسألة الرابعة: لا خلاف بيننا في جواز فصل واحدة الوتر عن ركعتي الشفع، ..... ص : 419

الثانية: عن الوتر أ فصل أم وصل؟ قال: «فصل» «7».

______________________________

(1) فلاح السائل: 259.

(2) انظر: الخلاف 1: 531،

و المنتهى 1: 195، و كشف اللثام 1: 154.

(3) الأولى: الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 29، التهذيب 2: 127- 487، الاستبصار 1:

348- 1313، الوسائل 4: 62 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 1.

الثانية: التهذيب 2: 128- 489، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 8.

(4) الاولى: التهذيب 2: 128- 490، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 14.

الثانية: التهذيب 2: 128- 493، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 13.

(5) التهذيب 2: 127- 484، الاستبصار 1: 348- 1310، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 9.

(6) التهذيب 2: 127- 485، الاستبصار 1: 348- 1311، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 10.

(7) التهذيب 2: 128- 492، الاستبصار 1: 348- 1314، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 420

و الثالثة: «اقرأ في الوتر في ثلاثتهنّ بقل هو اللَّه أحد و سلّم في الركعتين، توقظ الراقد و تأمر بالصلاة» «1».

كما ذهب إليه جماعة، بل ظاهر التهذيب و المعتبر و التذكرة إجماعنا عليه «2».

خلافا لطائفة من المتأخرين منهم: المدارك و المفاتيح و الحدائق و الفاضل الهندي «3»، فجوّزوا الوصل أيضا، لصحيحتي يعقوب بن شعيب و ابن عمّار: في ركعتي الوتر: «إن شئت سلّمت، و إن شئت لم تسلّم» «4».

و الرضوي: «الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة مثل صلاة المغرب، و روي أنّه واحد و يوتر بركعة و يفصل ما بين الشفع و الوتر بسلام» «5».

و رواية كردويه: عن الوتر، فقال: «صله» «6».

و ردّ الأوليان:

بوجوه بعيدة، أقربها حمل التسليم فيهما على التسليم المستحبّ يعنى: السلام عليكم، لشيوع إطلاقه عليه في الأخبار و الفتاوي إطلاقا شائعا، بحيث يفهم منه كون الإطلاق عليه حقيقيا و على غيره مجازيّا.

و الأخريان: بالضعف.

و الأخيرة: باحتمال كون قوله «صله» بتشديد اللام أمرا من الصلاة.

و الجميع بالشذوذ، كما ذكره في المعتبر حيث قال بعد ذكر رواية التخيير:

و هي متروكة عندنا «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 128- 488، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 7.

(2) التهذيب 2: 129، المعتبر 2: 14، التذكرة 1: 71.

(3) المدارك 3: 18، المفاتيح 1: 33، الحدائق 6: 43، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

154.

(4) التهذيب 2: 129- 494 و 495، الاستبصار 1: 348- 1315 و 1316، الوسائل 4: 66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 16 و 17.

(5) التهذيب 2: 129- 496، الاستبصار 1: 349- 1317، الوسائل 4: 66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 18.

(6) فقه الرضا «ع»: 138.

(7) المعتبر 2: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 421

أقول: ما ردّ به الأخيرتان و إن كان صحيحا و لكن شذوذ روايات التخيير عندنا غير معلوم، و ثبوته بقول بعض الآحاد غير واضح.

و صيرورة التسليم حقيقة في السلام عليكم غير ثابت، فحمله على حقيقته المعلومة متعيّن، و يلزمه جواز تركه بجميع أفراده لمكان النفي في قوله «و إن شئت لم تسلّم» فيدلّ على جواز التسليم.

إلّا أنّ هنا احتمالا آخر، و هو وجوب الفصل بقصد الخروج ثمَّ التكبير لمفردة الوتر على حدة و إن لم يجب التسليم بناء على عدم كونه جزءا من الصلاة مطلقا، بل كونه خارجا واجبا في الفريضة مستحبّا في النافلة، فلا يلزم

من التخيير فيه التخيير في الفصل أيضا. و على هذا يكون الفصل متعيّنا، لانحصار التوقيف فيه.

المسألة الخامسة [القراءة في ثلاث ركعات الوتر]

قد ورد فيما يقرأ في ثلاث ركعات الوتر روايات.

إحداها:

التوحيد في الثلاث، كما في صحيحة ابن سنان: عن الوتر ما يقرأ فيهنّ جميعا؟ قال: «بقل هو اللَّه أحد» قلت: ثلاثتهنّ؟ قال: «نعم» «1».

و الحارث بن المغيرة: «كان أبي يقول: قل هو اللَّه أحد ثلث القرآن، و كان يحبّ أن يجمعها في الوتر ليكون القرآن كلّه» «2».

و البجلي: «كان بيني و بين أبي باب، فكان إذا صلّى يقرأ في الوتر في ثلاثتهنّ بقل هو اللَّه أحد» «3».

و الحسين عن ابن أبي عمير عن أبي مسعود الطائيّ: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يجمع قل هو اللَّه أحد في الوتر لكي يجمع القرآن كلّه» «4».

الثانية:

المعوّذتين في الأوليين و التوحيد في الثالثة، كما في مرسلة الفقيه:

«من قرأ في الوتر بالمعوّذتين و قل هو اللَّه أحد قيل له: أبشر يا عبد اللَّه فقد قبل اللَّه

______________________________

(1) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 30، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 1.

(2) التهذيب 2: 127- 482، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 3.

(3) التهذيب 2: 126- 481، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 2.

(4) التهذيب 2: 124- 469، الوسائل 6: 129 أبواب القراءة في الصلاة ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 422

و ترك» «1».

و صحيحة يعقوب بن يقطين: عن القراءة في الوتر و قلت: إنّ بعضا روى قل هو اللَّه أحد في الثلاث، و بعضا روى المعوّذتين و في الثالثة قل هو اللَّه أحد، فقال: «اعمل بالمعوّذتين و

قل هو اللَّه أحد» «2» الحديث.

الثالثة:

ما رواه أبو الجارود: «كان عليّ عليه السلام يوتر بتسع سور» «3».

قيل: لعلّه كان يقرأ في كلّ من الثلاث بكلّ من الثلاث، و يحتمل تثليث التوحيد في كلّ منها.

الرابعة:

ما رواه الشيخ في المصباح: «إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي في الثلاث ركعات بتسع سور، في الأولى: ألهاكم التكاثر و إنّا أنزلناه و إذا زلزلت، و في الثانية: العصر و إذا جاء نصر اللَّه و إنّا أعطيناك، و في المفردة من الوتر: قل يا أيّها الكافرون و تبّت و قل هو اللَّه أحد» «4».

و يمكن حمل رواية أبي الجارود على ذلك.

و الخامسة:

ما ورد في فقه الرضا عليه السلام: «و تقرأ في ركعتي الشفع سبّح اسم ربّك، و في الثانية قل يا أيّها الكافرون، و في الوتر قل هو اللَّه أحد» «5».

و السادسة:

قراءة التوحيد ثلاثا في كلّ من الثلاث، و المعوّذتين أيضا في الثالثة، رواه في العيون، كما يأتي في المسألة الآتية «6».

و ذكر الشيخ في النهاية، و الحلّي في السرائر استحباب قراءة الملك و هل أتى على الإنسان في ركعتي الشفع «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 307- 1404، الوسائل 6: 132 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 8.

(2) التهذيب 2: 127- 483، الوسائل 6: 132 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 5.

(3) التهذيب 2: 337- 1390، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 8.

(4) مصباح المتهجد: 132، الوسائل 6: 133 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 10.

(5) فقه الرضا «ع»: 138.

(6) انظر: ص 425.

(7) النهاية: 120، السرائر 1: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 423

أقول: لا ريب في جواز العمل بالكلّ، بل قراءة

غير هذه السور، للإجماع على عدم التعيّن، و إنّما الكلام في الأفضل.

و لا ينبغي الريب في أفضليّة الاولى من غير الثانية، لأشهريّتها رواية و فتوى، و أصحيّة رواياتها، و أصرحيّتها، و التصريح في صحيحة الحارث بحبّ الإمام لها.

و لا في أفضليّة الثانية من الاولى، للتصريح بالأفضليّة في صحيحة ابن يقطين. فهي أفضل من الجميع، ثمَّ الاولى، ثمَّ البواقي من قراءة غير هذه السور.

و الأفضل الجمع بين الثانية و السادسة، لتضمّنه العمل بهما و بالأولى، و مراعاة الاحتياط فيما يسمّى وترا.

ثمَّ المستحبّ في الأوليين قراءة سورة الناس في الاولى و الفلق في الثانية، لأنّ الشيخ نسب ذلك في المصباح إلى الرواية، و ذكر في مفتاح الفلاح «1» عكس ذلك. و العمل بالرواية أولى. و لا يستحبّ جمعهما في كلّ من الركعتين بخصوصه، للأصل. و لا في ركعة واحدة دون الأخرى، له و للإجماع.

المسألة السادسة: الظاهر عدم الخلاف في استحباب القنوت في ثالثة الوتر،

و ذكره في كلام الأصحاب مشهور «2»، و الروايات به مستفيضة، عموما كصحيحة البجلي: عن القنوت، فقال: «في كلّ صلاة فريضة و نافلة» «3».

و رواية محمّد: «القنوت في كلّ صلاة في الفريضة و التطوّع» «4».

و مرسلة الفقيه: «القنوت في كلّ الصلوات» «5».

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 132 و مفتاح الفلاح: 252.

(2) كما في الخلاف 1: 532، المعتبر 2: 25، المدارك 3: 19.

(3) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 5، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 8.

(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 15، الوسائل 6: 264 أبواب القنوت ب 1 ح 12.

(5) الفقيه 1: 208- 935، الوسائل 6: 261 أبواب القنوت ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 424

و خصوصا كصحيحة ابن سنان: «القنوت في المغرب في الركعة

الثانية، و في العشاء و الغداة مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة» «1».

و لا في استحبابه فيها قبل الركوع بعد القراءة، و هو أيضا مدلول عليه بالأخبار العامّة كصحيحة ابن عمّار: «ما أعرف قنوتا إلّا قبل الركوع» «2».

و موثّقة سماعة: «و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «3».

و الخاصّة كصحيحة يعقوب بن يقطين: عن القنوت في الوتر و الفجر و ما يجهر فيه قبل الركوع أو بعده، فقال: «قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» «4».

و مرسلة الفقيه: عن القنوت في الوتر، قال: «قبل الركوع» قال: فإن نسيت أقنت إذا رفعت رأسي؟ فقال: «لا» «5».

و إنّما الخلاف في موضعين:

أحدهما:

في ثانية الشفع، فالمشهور- كما يستفاد من كلام شيخنا البهائيّ في حواشي مفتاح الفلاح و بعض شرّاح المفاتيح- استحبابه فيها أيضا، للعمومات الاولى، مضافة إلى صحيحة الحارث بن المغيرة: «اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع» «6».

و زرارة: «القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 89- 332، الاستبصار 1: 338- 1273، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 2.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 13، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(3) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 14، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 5.

(5) الفقيه 1: 312- 1421، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.

(6) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 4، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 9.

(7) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 7،

التهذيب 2: 89- 330، الاستبصار 1: 338- 1271، الوسائل 6: 266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 425

و موثقة سماعة: عن القنوت في أيّ صلاة؟ فقال: «كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» «1».

و محمّد: «القنوت في كلّ ركعتين في التطوّع و الفريضة» «2».

و المرويّ في العيون: «يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات، و يقنت في الثانية بعد القراءة، ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة الوتر يقرأ فيها الحمد و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات و قل أعوذ بربّ الفلق مرّة، و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة» «3».

و في بعض النسخ: «و المعوّذتان مرّة» و لعلّه الأصحّ.

و قيل بسقوطه فيها، و هو المصرّح به في كلام شيخنا البهائيّ في حواشي مفتاح الفلاح، و يظهر من المدارك و الذخيرة أيضا «4»، و اختاره في الحدائق «5».

لأنّ القنوت لكونه عبادة يجب توظيفها، و التوظيف في الصحيحة إنّما هو في المفردة.

و لصحيحة ابن سنان المتقدّمة، بتقريب أنّ تعريف المبتدأ يفيد الحصر، فيستفاد منها أنّ القنوت منحصر في الأربعة المذكورة فيها، على كون قوله: «في المغرب و في العشاء و في الوتر» خبرا.

أو أنّ القنوت في المغرب و العشاء منحصر في الثانية، و في الوتر- الذي هو اسم للثلاث- في الثالثة، على كون قوله: «في المغرب» و ما عطف عليه ظرفا لغوا، و كون قوله: «في الركعة الثانية و في الركعة الثالثة» خبرا.

و يؤيّده ما ورد في الأخبار المتكثّرة من أنّه عليه السلام كان يدعو في قنوت

______________________________

(1) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب

3 ح 3.

(2) الفقيه 1: 312- 1416، الوسائل 6: 261 أبواب القنوت ب 1 ح 2.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 180، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 24.

(4) المدارك 3: 18 و 19، الذخيرة: 184.

(5) الحدائق 6: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 426

الوتر بكذا، و يستغفر كذا، و يستحبّ فيه كذا «1». و لو كان في الثانية قنوت لم يحسن هذا الإطلاق، لأنّ الوتر اسم للثلاث، بل كان ينبغي التقييد و لو في بعضها بالقنوت الثاني.

و يرد على الأوّل: أنّ عدم التوظيف في الصحيحة بعد التوظيف في غيرها غير ضائر.

و على الثاني بتقريره الأوّل: أنّ المفهوم حينئذ يكون عامّا فيخصّص بما مرّ من النوافل، كما خصّ سائر النوافل و الفرائض.

و بتقريره الثاني: أنّ المفهوم حينئذ و إن كان خاصّا، حيث إنّه حينئذ أن لا قنوت في الوتر في غير الثالثة، و لكنّه يعارض خبر العيون المنجبر ضعفه لو كان بالعمل- مع كونه غير ضائر، لمقام التسامح- و الترجيح لرواية العيون، لمخالفتها العامّة. و لولاه أيضا لتساقطا و يرجع إلى العمومات المتقدّمة.

و أمّا ما أيّده ففيه: أنّه يمكن أن يكون استحباب الأمور المذكورة ثابتا في مطلق قنوت الوتر، فلذا أطلق.

و ثانيهما:

فيما بعد الركوع من الثالثة، فإنّه صرّح جماعة منهم: المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و التحرير، و الروضة باستحباب القنوت فيه أيضا «2». و في الثاني: لا أعرف فيه خلافا «3».

و لكن يظهر من بعض هذه الكتب «4» أنّ المراد به الدعاء المأثور الذي أوّله:

«هذا مقام من حسناته نعمة منك» «5» إلى آخره، و صرّح بذلك في الذكرى، قال:

سمّى في المعتبر الدعاء بعد الركوع قنوتا «6».

______________________________

(1) انظر: الوسائل

6: 279 أبواب القنوت ب 10.

(2) المعتبر 2: 241، المنتهى 1: 299، التذكرة 1: 127، التحرير 1: 42، الروضة 1: 284.

(3) المنتهى 1: 299.

(4) كالمعتبر و المنتهى و التذكرة.

(5) الكافي 3: 325 الصلاة ب 25 ح 16، مستدرك الوسائل 4: 414 أبواب القنوت ب 16 ح 2.

(6) الذكرى: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 427

و على هذا فمن أثبته هناك إن أراد مجرّد هذا الدعاء فلا كلام معه. و إن أراد معه غيره أيضا من رفع اليد إلى حيال الوجه، أو توظيف كلّ ما ورد في قنوت الوتر فلا دليل له، فإنّ المتيقّن من الأخبار أنّ ما قبل الركوع قنوت، فيكون كلّ ما ورد في القنوت فيه موظّفا، و أمّا شمول القنوت الوارد في الأخبار لذلك أيضا فغير ثابت.

المسألة السابعة: قالوا: يستحبّ في قنوت الوتر الدعاء للإخوان بأسمائهم، و أقلّهم أربعون.

ذكره الشيخ في المصباح «1»، و الشهيد في البيان و الذكرى «2»، و الكفعميّ «3»، و المدارك «4»، و غيرهم. و نقل في الذكرى عن ابن حمزة و بعض المصريّين من الشيعة أنّه يذكرهم من أصحاب النبيّ و الأئمة و يزيدهم ما شاء «5».

و الظاهر كفاية نقل هؤلاء الأعلام في إثبات الاستحباب و إن لم يذكروا عليه رواية.

و يستحبّ فيه الاستغفار سبعون مرّة، كما في الروايات المعتبرة، منها:

الصحاح الأربع لأبناء حازم «6»، و عمّار «7»، و يزيد «8»، و أبي يعفور «9». بل الزائد إلى

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 136.

(2) البيان: 180، الذكرى: 115.

(3) مصباح الكفعمي: 53.

(4) المدارك 3: 20.

(5) الذكرى: 115.

(6) الكافي 3: 450 الصلاة ب 89 ح 33، التهذيب 2: 130- 500، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب 10 ح 8.

(7) التهذيب 2: 130- 498، علل الشرائع: 364- 1، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب

10 ح 7.

(8) الفقيه 1: 309- 1408، المحاسن: 53، الوسائل 6: 279 أبواب القنوت ب 10 ح 2، 3.

(9) الفقيه 1: 309- 1409، علل الشرائع: 364- 2، الوسائل 6: 279 أبواب القنوت ب 10 ح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 428

مائة: للمرويّ في المصباح «1». و ذكر العفو ثلاثمائة مرّة، لمرسلة الفقيه «2».

و ظاهر الشيخين- الطوسيّ و الكفعميّ- تقديم الدعاء للإخوان ثمَّ الاستغفار ثمَّ العفو «3».

و لا بأس بالقول بهذا الترتيب، لقولهما، مع ما ورد في الأوّل من أنّ تقديمه على الدعاء معين على استجابته.

و ورد في صحيحة ابن أبي يعفور في الاستغفار نصب اليد اليسرى و العدّ باليمنى «4».

و قد يقال بذلك في غيره من الدعاء و العفو أيضا.

و فيه إشكال، سيّما مع ما ورد في مطلق القنوت و خصوص قنوت الوتر من استحباب رفع اليدين. و الظاهر أنّه الباعث على اقتصار شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح في ذلك بالاستغفار.

و لو فعل ذلك في غيره أيضا لا بقصد استحبابه فلا محذور فيه.

المسألة الثامنة: قد صرّح جملة من الأصحاب بترك النافلة لعذر

«5»، و منه الهمّ و الغمّ.

و ليس مرادهم عدم استحبابها حينئذ، للإجماع على أنّ فاعلها مع ذلك آت بالمستحبّ مثاب. و لا أنّ بدون العذر لا يجوز تركها، للإجماع على الجواز أيضا.

بل المراد نقصان التأكيد الوارد في حقّها- حتّى إنّه جعل تركها معصية، تأكيدا في فعلها- و أقليّة المطلوبيّة حينئذ.

و هو كذلك، لما في الرواية: «إنّ للقلوب إقبالا و إدبارا، فإذا أقبلت

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 136.

(2) الفقيه 1: 310- 1411، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب 10 ح 5.

(3) مصباح المتهجد: 136، مصباح الكفعمي: 53.

(4) راجع الهامش (9) من الصفحة السابقة.

(5) كما في الذكرى: 116، و الحدائق 6: 50.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 5، ص: 429

فتنفّلوا، و إذا أدبرت فعليكم بالفريضة» «1».

و المرويّ في النهج: «إنّ للقلوب إقبالا و إدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، و إذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض» «2».

و في رواية عليّ بن أسباط: إنّ أبا الحسن عليه السلام إذا اغتمّ ترك النافلة «3».

و نحوه روي عن الرضا عليه السلام «4».

المسألة التاسعة [استحباب ركعتي الغفيلة]

صرّح جماعة من الأصحاب [1] باستحباب ركعتين بين المغرب و العشاء و تسمى ركعتي الغفيلة، يقرأ بعد الحمد في الأولى وَ ذَا النُّونِ الآيتين «5»، و في الثانية وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ الآية «6»، و يقنت فيها بما يأتي.

و يدلّ عليه ما رواه الشيخ في المصباح: «من صلّى بين العشاءين بركعتين يقرأ في الأولى الحمد و قوله تعالى وَ ذَا النُّونِ ، إلى وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ، و في الثانية الحمد و قوله وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ - الآية- فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال: اللّهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب الّتي لا يعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بي كذا و كذا، و يقول: اللّهم أنت وليّ نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمّد و آله عليه و عليهم السلام لمّا قضيتها لي، و سأل اللَّه حاجته، أعطاه اللَّه ما سأل» «7».

______________________________

[1] كالشهيد في الذكرى: 116، و صاحب الحدائق 6: 68.

______________________________

(1) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 16، الوسائل 4: 69 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 8.

(2) نهج البلاغة 3: 228- 312، الوسائل 4: 70 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 11.

(3) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 15، التهذيب 2: 11- 24، الوسائل 4: 68

أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 5، و في الجميع «إذا اهتمّ».

(4) التهذيب 2: 11- 23، الوسائل 4: 68 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 4.

(5) سورة الأنبياء 21: 87- 88.

(6) سورة الأنعام 6: 59.

(7) مصباح المتهجد: 94، الوسائل 8: 121 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 430

و روى مثله السيد ابن طاوس في فلاح السائل و زاد: «فإنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال: لا تتركوا ركعتي الغفيلة و هما ما بين العشاءين» «1».

و روي في الفقيه مرسلا، و في العلل مسندا موثّقا أنّه «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: تنفّلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين، فإنّهما تورثان دار الكرامة».

قال: و في خبر آخر: «دار السلام و هي الجنة، و ساعة الغفلة ما بين المغرب و العشاء الآخرة» «2».

و مثله في التهذيب و زاد: «قيل: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و ما ساعة الغفلة؟ قال: ما بين المغرب و العشاء» «3».

و رواها في فلاح السائل أيضا و زاد: «و قيل: يا رسول اللَّه و ما معنى خفيفتين؟ قال: تقرأ فيهما الحمد وحدها، قيل: يا رسول اللَّه متى أصلّيهما؟ قال:

ما بين المغرب و العشاء» «4».

و لا يخفى أنّ المستفاد من رواية الفقيه و ما بعدها استحباب التنفّل في ساعة الغفلة، و أنّ فرده الأدنى ما يقتصر فيه على الحمد، و لا يثبت منها استحباب الزائد عن أربع المغرب. و كما يستفاد من الذكرى جواز الاقتصار في ركعتي الغفيلة على الحمد أيضا و هو فرده الأدنى «5». و هذا لا خفاء فيه.

و كذا في جواز جعل

ركعتي الغفيلة ركعتين من الأربع، لجواز الإتيان بالأربع بهذه الكيفية إجماعا، و يصدق على الفاعل حينئذ أنّه صلّى بين العشاءين كذا.

______________________________

(1) فلاح السائل: 245، مستدرك الوسائل 6: 303 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 15 ح 3.

(2) الفقيه 1: 357- 1564، العلل: 343- 1.

(3) التهذيب 2: 243- 963، الوسائل 8: 120 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20 ح 1.

(4) فلاح السائل: 245، 248، مستدرك الوسائل 6: 302 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 15 ح 2.

(5) الذكرى: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 431

و أمّا تقييده بالزائد على الأربع فلا دليل عليه، و ثبوت نوع من الثواب لكيفيّة في الأربع كقراءة التوحيد لا ينافي ثبوت نوع آخر منه لكيفيّة أخرى، كما في قراءة السور في فريضة خاصّة.

و إنّما الخفاء في وجوب جعلهما منها- و لو على القول بجواز الإتيان بغير الرواتب في وقت الفرائض- بناء على توقيفيّة العبادة و عدم دلالة على كونهما غير الأربع، فيقتصر في التوقيف على المتيقن، و عدمه.

و الثاني هو الأظهر، لقوله: «من صلّى بين العشاءين» إلى آخره، فإنّه يشمل بعمومه من صلّى الأربع أيضا، و يجزي في غيره بالإجماع المركّب.

المسألة العاشرة: يجوز الجلوس في النوافل كلّها و لو اختيارا،
اشارة

بالإجماع المحقّق و المحكيّ في المعتبر و المنتهى و التذكرة و الإيضاح و البيان و المدارك «1»، و غيرها. و هو الحجّة في المقام، مضافا إلى الأصل و المستفيضة كروايتي سدير «2»، و ابن ميسرة «3»، و حسنة سهل «4»، و غيرها.

و خلاف الحلّي شاذّ «5»، و تخصيصه المجوّز بالنهاية غريب.

و الأفضل أن يصلّي قائما، لظواهر المستفيضة و صريح المرويّ في العلل و العيون: «صلاة القاعد على نصف صلاة القائم» «6».

______________________________

(1) المعتبر 2: 23، المنتهى 1: 197، التذكرة 1: 75، الإيضاح

1: 100، البيان: 152، المدارك 3:

25.

(2) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 1، التهذيب 2: 169- 674، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 1.

(3) الفقيه 1: 238- 1050، التهذيب 2: 170- 678، الوسائل 5: 502 أبواب القيام ب 11 ح 3.

(4) الفقيه 1: 238- 1047، التهذيب 3: 232- 601، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 2.

(5) السرائر 1: 309.

(6) العلل: 262، العيون 2: 107، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 432

أو يقوم في آخر السورة و يتمّها و يركع، لصحيحتي الحمّادين «1»، و موثّقة زرارة «2».

أو يضعّف الركعات، فإنّه أيضا من المستحبّ، كما صرّح به المفيد «3»، و الفاضلان في المعتبر و التذكرة و القواعد «4»، و الشهيد في البيان «5»، لروايتي الصيقل «6»، و محمّد «7»، و المرويّ في كتاب عليّ: عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال: «يصلّي النافلة و هو جالس و يحسب كلّ ركعتين بركعة، و أمّا الفريضة فيحسب كلّ ركعة بركعة و هو جالس إذا كان لا يستطيع القيام» «8».

و في قرب الإسناد: عن رجل يصلّي نافلة و هو جالس من غير علّة كيف تحسب صلاته؟ قال: «ركعتين بركعة» «9».

و وروده في الاولى و إن كان بالأمر الدالّ على الوجوب، إلّا أنّ الإجماع على عدم وجوب الإتيان بتمام العدد في النوافل ينفيه، مضافا إلى صحيحة أبي بصير:

إنّا نتحدّث نقول: من صلّى و هو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة

______________________________

(1) الأولى: التهذيب 2: 170- 676، الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 3.

الثانية: الفقيه 1: 238- 1046، التهذيب 2: 295- 1188،

الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 2.

(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 8، التهذيب 2: 170- 675، الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 1.

(3) المقنعة: 142.

(4) المعتبر 2: 23، التذكرة 1: 75، القواعد 1: 31.

(5) البيان: 152.

(6) التهذيب 2: 166- 656، الاستبصار 1: 293- 1081، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 4.

(7) التهذيب 2: 166- 655، الاستبصار 1: 293- 1080، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 3.

(8) مسائل علي بن جعفر: 171- 294، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 5.

(9) قرب الاسناد: 209- 818، الوسائل 5: 494 أبواب القيام ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 433

و سجدتين بسجدة، فقال: «ليس هو هكذا، هي تامّة لكم» «1».

و ظاهرها كون التمام للشيعة تفضّليا، فلا ينافي أفضليّة القيام- الثابتة مع النصوص بالإجماع- و كونه أكثر ثوابا بالاستحقاق، و نريد ذلك بالتفضيل.

فرعان:

أ: يستحبّ التربّع للمصلّي جالسا حال القراءة، و ثني الرجلين حال الركوع، بالإجماع كما في المنتهى «2»، و تدلّ عليه أيضا موثّقة حمران: «كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنى رجليه» «3».

و قد مضى تفسيرهما «4».

ب: لا يجوز الاضطجاع و لا الاستلقاء، على الأصحّ الأشهر، لتوقيفيّة العبادة، و عدم النقل، و لا معلومية صدق الصلاة عليه حينئذ و إن صدق في الجملة معه.

خلافا للإيضاح «5»، لدليل عليل.

المسألة الحادية عشرة: سقوط نوافل الظهرين في السفر
اشارة

كعدم سقوط نوافل المغرب و الفجر و إحدى عشرة ركعة الليل و الوتر إجماعي، مدلول عليه بالمعتبرة المستفيضة التي يأتي ذكر بعضها.

و في ركعتي الوتيرة قولان:

السقوط، و هو للأكثر، بل في السرائر، و المنتهى، و عن الغنية: الإجماع

______________________________

(1) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 2، الفقيه 1: 238- 1048، التهذيب 2: 170- 677، الوسائل 5: 492 أبواب القيام ب 5 ح 1.

(2) المنتهى 1: 197.

(3) الفقيه 1: 238- 1049، التهذيب 2: 171- 679، الوسائل 5: 502 أبواب القيام ب 11 ح 4.

(4) راجع ص 65.

(5) إيضاح الفوائد 1: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 434

عليه «1»، للعمومات المستفيضة كصحاح حذيفة، و ابن سنان، و أبي بصير:

«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «2».

و زاد في الثانية: «إلّا المغرب» «3».

و في الثالثة مع ذلك: «فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر و لا سفر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار، و صلّ صلاة الليل و اقضه» «4».

و موثّقة سماعة: عن الصلاة في السفر، فقال: «ركعتين ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، إلّا أنّه ينبغي للمسافر أن يصلّي بعد المغرب أربع ركعات، و ليتطوّع بالليل ما شاء» «5» الحديث.

و رواية التمّار: «إنّما

فرض اللَّه على المسافر ركعتين لا قبلهما و لا بعدهما شي ء، إلّا صلاة الليل على بعيرك حيث توجّه بك» «6».

و تدلّ عليه أيضا العلة المصرّحة بها في رواية أبي يحيى: عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال: «يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر لتمّت الفريضة» «7».

و عدمه، و هو للشيخ في النهاية «8»، و ظاهر الصدوق في الفقيه و العلل

______________________________

(1) السرائر 1: 194، المنتهى 1: 195، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(2) التهذيب 2: 14- 34، المحاسن: 371، الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 2.

(3) التهذيب 2: 13- 31، الاستبصار 1: 220- 778، الوسائل 4: 82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 3. و في الجميع: «إلّا المغرب ثلاث».

(4) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 3، التهذيب 2: 14- 36، الوسائل 4: 83 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 7.

(5) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 1، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 4.

(6) الفقيه 1: 284- 1292، التهذيب 2: 16- 43، الوسائل 4: 84 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22 ح 3.

(7) الفقيه 1: 285- 1293، تهذيب 2: 16- 44، الاستبصار 1: 221- 780، الوسائل 4: 82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 4.

(8) النهاية: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 435

و الأمالي «1»، بل في الأخير أنّه من دين الإماميّة. و هو صريح الفضل بن شاذان، كما يظهر من باب الثالث و الثلاثين من العيون «2»، و قوّاه في الذكرى و الروضة «3»، و استجوده في المدارك «4»، و اختاره في الحدائق «5»، و

هو الظاهر من بعض مشايخ والدي رحمه اللَّه [1].

و هو الحقّ، للأصل، و ما رواه في الفقيه و العلل و العيون: «و إنّما ترك تطوّع النهار و لم يترك تطوّع الليل لأنّ كل صلاة لا يقصر فيها لا يقصر في تطوعها، و ذلك أنّ المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوّع، و كذلك الغداة لا يقصر فيما قبلها من التطوّع، و إنّما صارت العتمة مقصورة و ليس يترك ركعتيها لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع» «6».

و في الفقه الرضويّ: «و النوافل في السفر أربع ركعات» إلى أن قال:

«و ركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس» «7».

و ضعف سند الاولى- كما قيل «8»- ممنوع، إذ ليس فيه من يتوقّف فيه إلّا عبد الواحد بن عبدوس و عليّ بن محمّد بن قتيبة، و هما من مشايخ الإجازة فلا يضرّ عدم توثيقهما. و لو سلّم فبعد وجوده في الأصول المذكورة غير ضائر.

______________________________

[1] الظاهر أنّه الوحيد البهبهاني، انظر: حاشية المدارك (المدارك بالطبع الحجري): 115.

______________________________

(1) الفقيه 1: 290، العلل: 267، الأمالي: 514.

(2) العيون 2: 112 قد ذكر علل الفضل بن شاذان في الباب الرابع و الثلاثين من العيون، فراجع.

(3) الذكرى: 113، الروضة 1: 171.

(4) المدارك 3: 27.

(5) الحدائق 6: 46.

(6) الفقيه 1: 290- 1320، العلل: 267، العيون 2: 112، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 5.

(7) فقه الرضا «ع»: 100، مستدرك الوسائل 3: 63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22 ح 1.

(8) انظر: المدارك 3: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 436

و لو قطع النظر

عنه أيضا فللتسامح في أدلّة السنن لا ضير فيه.

و القول بأنّه إنّما هو حيث لا يحتمل التحريم- كما في المقام- للزوم التشريع، و إلّا فلا تسامح قولا واحدا «1».

كلام خال عن التحصيل، كيف؟! و جميع أدلّة التسامح جارية فيه، و لولاه لما كان تسامح في شي ء من العبادات إذ كلّها ممّا يستلزم التشريع، مع أنّ هذا ممّا أورده النافون للتسامح على مثبتية، و أجابوا عنه بأنّ بعد دلالة الأدلّة على التسامح لا يلزم التشريع المحرّم. فدعوى الإجماع على عدم التسامح في مثله من أغرب الدعاوي. كدعوى شذوذ الأخبار الدالّة على عدم السقوط لندرة القائل، فإنّ بعد فتوى مثل الفضل و الصدوق و الشيخ من قدماء الأصحاب، و دعوى أنّه من دين الإمامية الظاهرة في اشتهاره في الصدر الأوّل، و ذهاب جمع من المتأخّرين إليه، و تردّد طائفة منهم في المسألة كالفاضلين في النافع و التحرير «2»، و المقداد «3»، و الصيمريّ «4»، بل نسب إلى التذكرة و الجامع أيضا «5»، كيف ينسب الخبر إلى الشذوذ؟! فلا تأمّل في حجيّته في المقام.

سيّما مع تأيّده بصحيحة محمّد: عن الصلاة تطوّعا في السفر، قال: «لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» «6».

بل هي أيضا تدلّ على عدم السقوط، لأنّ الظاهر كون القيد بعد الإطلاق في السؤال احترازيّا.

و يتأيّد أيضا بما مرّ من الأخبار الدالّة على كون الوتيرة عوض الوتر يقدم

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 100.

(2) المختصر النافع: 21، التحرير 1: 26.

(3) التنقيح الرائع 1: 163.

(4) حكاه عنه في الرياض 1: 100.

(5) التذكرة 1: 71، الجامع للشرائع: 59.

(6) التهذيب 2: 14- 32، الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 437

عليها من يخاف فوتها «1»، و الوتر لا تترك في السفر فكذا عوضها.

فلم يبق إلّا تعارض هذه الأخبار مع ما سبق من أخبار السقوط، و لا شكّ في ترجيح هذه، لكونها خاصّة و أخبار السقوط عامّة.

و ترجيح الثانية باعتضادها بالشهرة و الإجماع المنقول لا يكافئ الخصوصيّة، سيّما مع معارضة نقل الإجماع مع مثله، بل أقوى منه، لكونه أقرب إلى المعصوم و أظهر في الدلالة، و اعتضاد الأولى أيضا بالاستصحاب، و بعمومات المستفيضة المثبتة لهاتين الركعتين مطلقا، مع أنّها أيضا بنفسها معارضة لعمومات السقوط بالعموم من وجه موجبة للرجوع إلى الاستصحاب لو لا الترجيح.

هذا كله مع ما في كثير من أخبار السقوط من ضعف الدلالة، فإنّ قوله:

«الصلاة في السفر» في صحيحة أبي بصير و موثّقة سماعة «2» و إن كان عامّا، إلّا أنّ قوله في الاولى: «و صلّ صلاة الليل» الظاهر فيما يقابل صلاة النهار بقرينة قوله:

«و ليس عليك قضاء صلاة النهار» و في الثانية: «و ليتطوّع بالليل ما شاء» ممّا يعارض هذا العموم و يصلح قرينة للتخصيص، و الحمل على العموم في مثل ذلك غير ثابت، و كذا في رواية التمّار.

مع أنّ هاهنا كلاما آخر و هو: أنّ الظاهر من الأخبار و الفتاوي أنّ الساقط هو نافلة الصلاة فإنّ المراد من قوله «ليس قبلهما و لا بعدهما» أنّه ليس من نافلتهما لا من مطلق النافلة، و إلّا فقبل العشاء لا تسقط ركعات المغرب، و الوتيرة ليست نافلة لصلاة العشاء- و إن أضيفت إليها في بعض الأحاديث حيث يكفي أدنى ملابسة فيها- و تدلّ عليه رواية الفقيه و العلل المتقدّمة «3»، و ما دلّ على كونها عوضا للوتر، و أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه

و آله كان لا يفعلها لذلك، و الأخبار المصرّحة بأنّها لا تعدّ

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 45 و 96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 2 و ب 29 ح 8.

(2) المتقدمة ص 434.

(3) في ص 435.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 438

من الخمسين «1». و على هذا فلا تعارض بين أخبار عدم السقوط و بين ما سبق أيضا.

فروع:

أ:

سقوط ما يسقط من النوافل في السفر عزيمة، كما يدلّ عليه نفي صلاحيتها في رواية الحنّاط المرادف للفساد «2»، و نفي أصلها الدالّ على انتفاء التوقيف في العمومات «3».

و ليس في النصوص الدالّة على جواز قضاء النوافل النهاريّة في الليل «4»- لو تمّت دلالتها عليه- دلالة على مشروعيّتها نهارا، حتّى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط الرخصة و رفع [1] تأكّد الاستحباب.

ب:

من صلّى العشاء في وطنه و سافر بعده فهل يجوز له أن يصلّي الوتيرة في السفر على القول بسقوطها أم لا؟ و من صلّاها في السفر ثمَّ دخل الوطن هل يجوز له الوتيرة في الوطن أم لا؟

و كذا من دخل عليه [الوقت ] [2] في الوطن و أراد السفر و الإتيان بصلاة الظهر في السفر هل يجوز له الإتيان بنافلة الظهر في الوطن أم لا؟ و لو أخّر المسافر الذي صلّى الظهر في السفر صلاة عصره إلى دخول الوطن فهل يجوز له أن يصلّي نوافل العصر في السفر؟.

ظاهر عمومات: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «5» أنّ كلّ ما يقصر ليس قبله و لا بعده شي ء سواء كان وقت النافلة حاضرا أو مسافرا،

______________________________

[1] في «س» و «ح»: دفع.

[2] أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها

ب 29.

(2) راجع ص 434، رواية أبي يحيى.

(3) انظر: الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21.

(4) انظر: الوسائل 4: 84 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22.

(5) انظر: الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 439

و أنّ كلّ ما لا يقصر يجوز نافلته و إن كان وقت النافلة في السفر.

إلّا أنّ موثّقة عمّار تدلّ على غير ذلك و هي أنّه: سئل: إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ يخرج في سفر؟ قال: «يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمَّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضر الاولى» و سئل: فإن خرج بعد ما حضرت الاولى؟ قال: «يصلّي أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعده النوافل ثماني ركعات، لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير» «1».

و مضمونها هو المشهور، بل نسبه بعض مشايخنا إلى الأصحاب، و عليه الفتوى. فيجوز لمن أدرك وقت النافلة في الحضر فعلها أداء و قضاء و لو أخّر الفريضة إلى السفر أو قدّمها في السفر.

ج:

ظاهر الأخبار عدم سقوط النوافل في الأماكن الأربعة الشريفة، لاختصاص قوله: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» بغيرها قطعا.

فتبقى عمومات النوافل سليمة عن المعارض، بل معاضدة بغيرها أيضا كصحيحة عليّ بن مهزيار: «قد علمت- يرحمك اللَّه- فضل الصلاة في الحرمين على غيرها، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثر فيهما من الصلاة» «2».

و رواية عليّ بن حديد: عن الصلاة في الحرمين، قال: «صلّ النوافل ما شئت» «3».

و المرويّ في كامل الزيارة في المسافر قال: «صلّ في المسجد الحرام ما شئت

______________________________

(1) التهذيب 2:

18- 49، الاستبصار 1: 222- 785، الوسائل 4: 85 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 23 ح 1.

(2) الكافي 4: 525 الحج ب 95 ح 8، التهذيب 5: 428- 1487، الاستبصار 2:

333- 1183، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر 25 ح 4.

(3) التهذيب 5: 426- 1483، الاستبصار 2: 331- 1179، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 440

تطوّعا، و في مسجد الرسول ما شئت تطوّعا، و عند قبر الحسين عليه السلام، فإنّي أحبّ ذلك» و عن الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام تطوّعا، قال: «نعم، ما قدرت عليه» «1».

و ينبّه على الجواز أيضا ما مرّ من قوله: «لو صلحت النافلة لتمّت الفريضة» «2».

المسألة الثانية عشرة: لا يجوز نقص النوافل عن الركعتين و لا زيادتها عنهما في غير الوتر و صلاة الأعرابيّ،

بل لا بدّ في كلّ ركعتين منها عن تسليمة، لأنّه المعروف من صاحب الشريعة، فيجب الاقتصار عليه، لتوقيفيّة العبادة، و لقوله:

«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «3».

و لخصوص المستفيضة من طرق الفريقين، ففي النبويّ: «صلاة الليل و النهار مثنى مثنى» «4».

و في آخر: «بين كلّ ركعتين تسليمة» «5».

و في المرويّ في قرب الإسناد: عن الرجل يصلّي النافلة أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟ قال: «لا، إلّا أن يسلّم بين كلّ ركعتين» «6».

و في مستطرفات السرائر: «و افصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم» «7».

و ظاهر هذه الأخبار- المنجبر ضعفها بالشهرة و كلمات الأصحاب- حرمة

______________________________

(1) كامل الزيارات: 246، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 1.

(2) راجع ص 434 رواية أبي يحيى.

(3) صحيح البخاري 1: 162.

(4) سنن ابن ماجه 1: 419- 1322.

(5) سنن ابن ماجه 1: 419- 1324.

(6) قرب الإسناد: 194- 736، الوسائل 4: 63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها

ب 15 ح 2.

(7) مستطرفات السرائر: 71- 1، الوسائل 4: 63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 441

الزيادة و النقص من دون تشهّد و تسليم، بل صرّح بها جماعة منهم الحلّي مدّعيا عليه الإجماع «1».

و أمّا ما تدلّ عليه عبارة الخلاف و المنتهى أوّلا من أنّ ذلك على الأفضليّة «2»، فليس المراد منه ذلك، لتصريحهما أخيرا بالتحريم.

______________________________

(1) السرائر 1: 193.

(2) الخلاف 1: 527، المنتهى 1: 196.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.